فتح الباري
ابن حجر ج 7
[ 1 ]
فتح الباري الطبعة الثانية اعيد طبعه بالاوفست فتح الباري شرح صحيح البخاري للامم الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى الجزء السابع دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم قوله باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بطريق الاجمال ثم التفصيل اما الاجمال فيشمل جميعهم لكنه اقتصر فيه على شئ مما يوافق شرطه واما التفصيل فلمن ورد فيه شئ بخصوصه على شرطه وسقط لفظ باب من رواية أبي ذر وحده قوله ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من اصحابه يعني ان اسم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم مستحق لمن صحبه أقل ما يطلق عليه اسم صحبة لغة وان كان العرف يخص ذلك ببعض الملازمة ويطلق أيضا على من رآه رؤية ولو على بعد وهذا الذي ذكره البخاري هو الراجح الا انه هل يشترط في الرائي ان يكون بحيث يميز ماراه أو يكتفى بمجرد حصول الرؤية محل النظر وعمل من صنف في الصحابة يدل على الثاني فانهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق وانما ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة اشهر وأيام كما ثبت في الصحيح ان أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة الوداع قبل ان يدخلوا مكة وذلك في اواخر ذي القعدة سنة عشر من الهجرة ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الاسفرايني ومن وافقه على رد المراسيل مطلقا حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء لان احاديثهم لامن قبيل مراسيل كبار التابعين ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مما يلغز به فيقال صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة ومنهم من بالغ فكان لا يعد في الصحابة الا من صحب الصحبة العرفية كما جاء عن عاصم الاحول قال رأى
[ 3 ]
عبد الله بن سرجس رسول الله صلى الله عليه وسلم غير انه لم يكن له صحبة أخرجه أحمد هذا مع كون عاصم قد روى عن عبد الله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن وأكثرها من رواية عاصم عنه ومن جملتها قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له فهذا رأي عاصم ان الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية وكذا روي عن سعيد بن المسيب انه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة فصاعدا أو غزا معه غزوة فصاعدا والعمل على خلاف هذا القول لانهم اتفقوا على جمع جم في الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم الا في حجة الوداع ومن اشترط الصحبة العرفية اخرج من له رؤية أو من اجتمع به لكن فارقه عن قرب كما جاء عن أنس انه قيل له هل بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غيرك قال لا مع انه كان في ذلك الوقت عدد كثير ممن لقيه من الاعراب ومنهم من اشترط في ذلك ان يكون حين اجتماعه به بالغا وهو مردود أيضا لانه يخرج مثل الحسن بن علي ونحوه من احداث الصحابة والذي جزم به البخاري هو قول أحمد والجمهور من المحدثين وقول البخاري من المسلمين قيد يخرج به من صحبه أو من رآه من الكفار فاما من اسلم بعد موته منهم فان كان قوله من المسلمين حالا خرج من هذه صفته وهو المعتمد ويرد على التعريف من صحبه أو رآه مؤمنا به ثم ارتد بعد ذلك ولم يعد إلى الاسلام فإنه ليس صحابيا اتفاقا فينبغي ان يزاد فيه ومات على ذلك وقد وقع في مسند أحمد حديث ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي وهو ممن اسلم في الفتح وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وحدث عنه بعد موته ثم لحقه الخذلان فلحق في خلافة عمر بالروم وتنصر بسبب شئ اغضبه واخراج حديث مثل هذا مشكل ولعل من أخرجه لم يقف على قصة ارتداده والله اعلم فلو ارتد ثم عاد إلى الاسلام لكن لم يره ثانيا بعد عوده فالصحيح انه معدود في الصحابة لاطباق المحدثين على عد الاشعث بن قيس ونحوه ممن وقع له ذلك واخراجهم أحاديث في المسانيد وهل يختص جميع ذلك ببني ادم أو يعم غيرهم من العقلاء محل النظر اما الجن فالراجح دخولهم لان النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم قطعا وهم مكلمون فيهم العصاة والطائعون فمن عرف اسمه لا ينبغي التردد في ذكره في الصحابة وان كان بن الاثير عاب ذلك على أبي موسى فلم يستند في ذلك إلى حجة واما الملائكة فيتوقف عدهم فيهم على ثبوت بعثته إليهم فان فيه خلافا بين الاصوليين حتى نقل بعضهم الاجماع على ثبوته وعكس بعضهم وهذا كله فيمن رآه وهو في قيد الحياة الدنيوية اما من رآه بعد موته وقبل دفنه فالراجح انه ليس بصحابي والا لعد من اتفق ان يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الاعصار وكذلك من كشف له عنه من الاولياء فراه كذلك على طريق الكرامة إذ حجة من اثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه انه مستمر الحياة وهذه الحياة ليست دنيوية وانما هي أخروية لا تتعلق بها احكام الدنيا فان الشهداء احياء ومع ذلك فان الاحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على احكام غيرهم من الموتى والله اعلم وكذلك المراد بهذه الرؤية من اتفقت له ممن تقدم شرحه وهو يقظان اما من رآه في المنام وان كان قد رآه حقا فذلك مما يرجع إلى الامور المعنوية لا الاحكام الدنيوية فلذلك لا يعد صحابيا ولا يجب عليه ان يعمل بما امره به في تلك الحالة والله اعلم وقد وجدت ما جزم به البخاري من تعريف الصحابي في كلام شيخه علي بن المديني فقرات في المستخرج لابي القاسم بن منده بسنده إلى أحمد
[ 4 ]
بن سيار الحافظ المروزي قال سمعت أحمد بن عتيك يقول قال علي بن المديني من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسوقد بسطت هذه المسألة فيما جمعته من علوم الحديث وهذا القدر في هذا المكان كاف ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث جابر بن عبد الله عن أبي سعيد وهو من رواية صحابي عن صحابي قوله يأتي على الناس زمان فيغزو فئام بكسر الفاء ثم تحتانية بهمزة وحكي فيه ترك الهمزة أي جماعة وقد تقدم ضبطه في باب من استعان بالضعفاء في أوائل الجهاد ويستفاد منه بطلان قول من ادعى في هذه الاعصار المتأخرة الصحبة لان الخبر يتضمن استمرار الجهاد والبعوث إلى بلاد الكفار وانهم يسالون هل فيكم أحد من أصحابة فيقولون لا وكذلك في التابعين وفي اتباع التابعين وقد وقع كل ذلك فيما مضى وانقطعت البعوث عن بلاد الكفار في هذه الاعصار بل انعكس الحال في ذلك على ما هو معلوم مشاهد من مدة متطاولة ولا سيما في بلاد الاندلس وضبط أهل الحديث اخر من مات من الصحابة وهو على الاطلاق أبو الطفيل عامر بن وائلة الليثي كما جزم به مسلم في صحيحه وكان موته سنة مائة وقيل سنة سبع ومائة وقيل سنة عشر ومائة وهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر على راس مائة سنة لا يبقى على وجه الارض ممن هو عليها اليوم أحد ووقع في رواة أبي الزبير عن جابر عند مسلم ذكر طبقة رابعة ولفظه يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيوجد الرجل فيفتح لهم ثم يبعث البعث الثاني فيقولون انظروا إلى ان قال ثم يكون البعث الرابع وهذه الرواية شاذة وأكثر الروايات مقتصر على الثلاثة كما سأوضح ذلك في الحديث الذي بعده ومثله حديث وائلة رفعه لا تزالون بخير مادام فيكم من راني وصاحبني والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من راني وصاحبني الحديث أخرجه بن أبي شيبة وإسناده حسن الحديث الثاني قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه وبذلك جزم بن السكن وأبو نعيم في المستخرج والنضر هو بن شميل وأبو جمرة بالجيم والراء صاحب بن عباس وحدث هنا عن تابعي مثله قوله خير أمتقرني أي أهل قرني والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الامور المقصودة ويقال ان ذلك مخصوص بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم على ملة واحدة أو مذهب أو عمل ويطلق القرن على مدة من الزمان واختلفوا في تحديدها من عشرة اعوام إلى مائة وعشرين لكن لم ار من صرح بالسبعين ولا بمائة وعشرة وما عدا ذلك فقد قال به قائل وذكر الجوهري بين الثلاثين والثمانين وقد وقع في حديث عبد الله بن بسر عند مسلم ما يدل على ان القرن مائة عام وهو المشهور وقال صاحب المطالع القرن امة هلكت فلم يبق منهم أحد وثبتت المائة في حديث عبد الله بن بسر وهي ما عند أكثر أهل العراق ولم يذكر صاحب المحكم الخمسين وذكر من عشر إلى سبعين ثم قال هذا هو القدر المتوسط من اعمار أهل كل زمن وهذا اعدل الاقوال وبه صرح بن الاعرابي وقال انه مأخوذ من الاقران ويمكن ان يحمل عليه المختلف من الاقوال المتقدمة ممن قال ان القرن أربعون فصاعدا اما من قال انه دون ذلك فلا يلتئم على هذا القول والله اعلم والمراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحابة وقد سبق في صفة
[ 5 ]
النبي صلى الله عليه وسلم قوله وبعثت في خير قرون بني ادم وفي رواية بريدة عند أحمد خير هذه الامة القرن الذين بعثت فيهم وقد ظهر ان الذي بين البعثة واخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقه بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل وان اعتبر ذلك بعد وفاته صلى الله على وسلم فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعا وتسعين واما قرن التابعين فان اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين واما الذين بعدهم فان اعتبر منها كان نحوا من خمسين فظهر بذلك ان مدة القرن تختلف باختلاف اعمار أهل كل زمان والله اعلم واتفقوا ان اخر من كان من اتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا واطلقت المعتزلة السنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القران وتغيرت الاحوال تغيرا شديدا ولم يزل الامر في نقص إلى الان وظهر قوله صلى الله عليه وسلم ثم يفشو الكذب ظهورا بينا حتى يشمل الاقوال والافعال والمعتقدات والله المستعان قول ثم الذين يلونهم أي القرن الذي بعدهم وهم التابعون ثم الذين يلونهم وهم اتباع التابعين واقتضى هذا الحديث ان تكون الصحابة أفضل من التابعين والتابعون أفضل من اتباع التابعين لكن هل هذه الافضلية بالنسبة إلى المجموع أو الافراد محل بحث والى الثاني نحا الجمهور والاول قول بن عبد البر والذي يظهر ان من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بامره أو انفق شيئا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنا من كان واما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث والاصل في ذلك قوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا الآية واحتج بن عبد البر بحديث مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم اخره وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة وأغرب النووي فعزاه في فتاويه إلى مسند أبي يعلى من حديث أنس بإسناد ضعيف مع انه عند الترمذي بإسناد أقوى منه في حديث أنس وصححه بن حبان من حديث عمار وأجاب عنه النووي بما حاصله ان المراد من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى بن مريم عليه السلام ويرون في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الاسلام ودحض كلمة الكفر فيشتبه الحال على من شاهد ذلك أي الزمانين خير وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني والله اعلم وقد روى بن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين بإسناد حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدركن المسيح أقواما انهم لمثلكم أو خير ثلاثا ولن يخزي الله امة انا أولها والمسيح اخرها وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة رفعه تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين قيل منهم أو منا يا رسول الله قال بل منكم وهو شاهد لحديث مثل أمتي مثل المطر واحتج بن عبد البر أيضا بحديث عمر رفعه أفضل الخلق ايمانا قوم في اصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني الحديث أخرجه الطيالسي وغيره لكن إسناده ضعيف فلا حجة فيه وروى أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال قال أبو عبيدة يا رسول الله أحد خير منا اسلمنا معك وجاهدنا معك قال قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني وإسناده حسن وقد صححه الحاكم واحتج أيضا بان السبب في كون القرن الاول خير
[ 6 ]
القرون انهم كانوا غرباء في ايمانهم لكثرة الكفار حينئذ وصبرهم على اذاهم وتمسكهم بدينهم قال فكذلك اواخرهم إذا اقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن كانوا أيضا عند ذلك غرباء وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة رفعه بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء وقد تعقب كلام بن عبد البر بأن مقتضى كلامه ان يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة وبذلك صرح القرطي لكن كلام بن عبد البر ليس على الاطلاق في حق جميع الصحابة فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية نعم والذي ذهب إليه الجمهور ان فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم واما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقي عنه وتبلغيه لمن بعده فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعد لانه ما من خصلة من الخصال المذكورة الا والذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده فظهر فضلهم ومحصل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له الا مجرد المشاهدة كما تقدم فان جمع بين مختلف الاحاديث المذكورة كان متجها على ان حديث للعامل منهم أجر خمسين منكم لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة لان مجرد زيادة الاجر لا يستلزم ثبوت الافضلية وأيضا فالاجر انما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل فاما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فيعدله فيها أحد فبهذه الطريق يمكن تأويل الاحاديث المتقدمة واما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة على لفظه فقد رواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم ورواه بعضهم بلفظ قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منا اجرا الحديث أخرجه الطبراني وإسناد هذه الرواية أقوى من الرواية المتقدمة وهي توافق حديث أبي ثعلبة وقد تقدم الجواب عنه والله أعلم قوله فلا أدري اذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة وقع مثل هذا الشك في حديث بن مسعود وأبي هريرة عند مسلم وفي حديث بريدة عند أحمد وجاء في أكثر الطرق بغير شك منها عن النعمان بن بشير عند أحمد وعن مالك عند مسلم عن عائشة قال رجل يا رسول الله أي الناس خير قال القرن الذي انا فيه ثم الثاني ثم الثالث ووقع في رواية الطبراني وسمويه ما يفسر به هذا السؤال وهو ما أخرجاه من طريق بلال بن سعد بن تميم عن أبيه قال قلت يا رسول الله أي الناس خير فقال انا وقرني فذكر مثله وللطيالسي من حديث عمر رفعه خير أمتي القرن الذي انا منهم ثم الثاني ثم الثالث ووقع في حديث جعدة بن هبيرة عند بن أبي شيبة والطبراني اثبات القرن الرابع ولفظه خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الاخرون اردأ ورجاله ثقات الا ان جعدة مختلف في صحبته والله اعلم قوله ثم ان بعدهم قوما كذا للاكثر ولبعضهم قوم فيحتمل ان يكون من الناسخ على طريقة من لا يكتب الالف في المنصوب ويحتمل ان تكون ان تقريرية بمعنى نعم وفيه بعد وتكلف واستدل بهذا الحديث على تعديل أهل القرون الثلاثة وان تفاوتت منازلهم في الفضل وهذا محمول على الغالب والاكثرية فقد وجد فيمن بعد الصحابة من القرنين من وجدت فيه الصفات المذكورة المذمومة لكن بقلة بخلاف من بعد القرون الثلاثة فان ذلك كثر فيهم واشتهر وفيه بيان من ترد شهادتهم وهم من اتصف بالصفات المذكورة والى ذلك الاشارة بقوله ثم يفشو الكذب أي يكثر واستدل
[ 7 ]
به على جواز المفاضلة بين الصحابة قاله المازري وقد تقدم باقي شرحه في الشهادات الحديث الثالث حديث بن مسعود في المعنى وقد تقدم في الشهادات سندا ومتنا وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق بالشهادات والله اعلم قوله باب مناقب المهاجرين وفضلهم سقط لفظ باب من رواية أبي ذر والمراد بالمهاجرين من عدا الانصار ومن اسلم يوم الفتح وهلم جرا فالصحابة من هذه الحيثية ثلاثة أصناف والانصار هم الاوس والخزرج وحلفاؤهم ومواليهم قوله منهم أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي هكذا جزم بأن اسم أبي بكر عبد الله وهو المشهور ويقال كان اسمه قبل الاسلام عبد الكعبة وكان يسمى أيضا عتيقا واختلف هل هو اسم له أصلي أو قيل له ذلك لانه ليس في نسبه ما يعاب به أو لقدمه في الخير وسبقه إلى الاسلام أو قيل له ذلك لحسنه أو لان أمه كان لا يعيش لها ولد فلما ولد استقبلت به البيت فقالت اللهم هذا عتيقك من الموت أو لان النبي صلى الله عليه وسلم بشره بان الله أعتقه من النار وقد ورد في هذا الاخير حديث عن عائشة عند الترمذي واخر عن عبد الله بن الزبير عند البزار وصححه بن حبان وزاد فيه وكان اسمه قبل ذلك عبد الله بن عثمان وعثمان اسم أبي قحافة لم يختلف في ذلك كما لم يختلف في كنيته الصديق ولقب الصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وقيل كان ابتداء تسميته بذلك صبيحة الاسراء وروى الطبراني من حديث على انه كان يحلف ان الله انزل اسم أبي بكر من السماء الصديق رجاله ثقات واما نسبه فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب وعدد آبائهما إلى مرة سواء وأم أبي بكر سلمى وتكنى أم الخير بنت صخر بن مالك بن عامر بن عمرو المذكور أسلمت وهاجرت وذلك معدود من مناقبه لانه انتظم إسلام أبويه وجميع أولاده قوله وقول الله عزوجل للفقرا المهاجرين الآية ساقها الاصيلي وكريمة إلى قوله هم الصادقون وأشار المصنف بهذه الآية إلى ثبوت فضل المهاجرين لما اشتملت عليه من اوصافهم الجميلة وشهادة الله تعالى لهم بالصدق قوله وقال الله تعالى الا تنصروه فقد نصره الله الآية ساق في رواية الاصيلي وكريمة إلى قوله ان الله معنا وأشار المصنف بها إلى ثبوت فضل الانصار فانهم امتثلوا الامر في نصره وكان نصر الله له في حال التوجه إلى المدينة بحفظه من أذى المشركين الذين اتبعوه ليردوه عن مقصده وفي الآية أيضا فضل أبي بكر الصديق لانه انفرد بهذه المنقبة حيث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة ووقاه بنفسه كما سيأتي وشهد الله له فيها بأنه صاحب نبيه قوله وقالت عائشة وأبو سعيد وابن عباس كان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار أي لما خرجا من مكة إلى المدينة حديث عائشة سيأتي مطولا في باب الهجرة إلى المدينة وفيه ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور الحديث وحديث أبي سعيد أخرجه بن حبان من طريق أبي عوانة عن الاعمش عن أبي صالح عنه في قصة بعث أبي بكر إلى الحج وفيه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أخي وصاحبي في الغار الحديث وحديث بن عباس في تفسير براءة في قصة بن عباس مع بن الزبير وفيها قول بن عباس واما جده فصاحب الغار يريد أبا بكر ولابن عباس حديث اخر لعله امس بالمراد أخرجه أحمد والحاكم من طريق عمرو بن ميمون عنه قال كان المشركون يرمون عليا
[ 8 ]
وهم يظنون انه النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر فقال يا رسول الله فقال له علي انه انطلق نحو بئر ميمون فأدركه قال فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار الحديث وأصله في الترمذي والنسائي دون المقصود منه هنا وروالحاكم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله تعالى فانزل الله سكينته على قال على أبي بكر وروى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من وجه اخر عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار الحديث ورجاله ثقات قوله حدثنا عبد الله بن رجاء هو الغذائي بضم المعجمة وتخفيف الدال المهملة وبعد الالف نون بصري ثقة وكذا بقية رجال الاسناد قوله فقال عازب لا حتى تحدثنا كذا وقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق وقد تقدم في علامات النبوة من رواية زهير عن أبي إسحاق بلفظ فقال لعازب ابعث ابنك يحمله معي قال فحملته معه وخرج أبي ينتقد ثمنه فقال له أبي يا أبا بكر حدثني وظاهرهما التخالف فان مقتضى رواية إسرائيل ان عازبا امتنع من إرسال ولده مع أبي بكر حتى يحدثهم ومقتضى رواية زهير انه لم يعلق التحديث على شرط ويمكن الجمع بين الروايتين بان عازبا اشترط اولا وأجابه أبو بكر إلى سؤاله فلما شرعوا في التوجه استنجز عازب منه ما وعده به من التحديث ففعل قال الخطابي تمسك بهذا الحديث من استجاز اخذ الاجرة على التحديث وهو تمسك باطل لان هؤلاء اتخذوا التحديث بضاعة واما الذي وقع بين عازب وأبي بكر فانما هو على مقتضى العادة الجارية بين التجار بأن اتباعهم يحملون السلعة مع المشتري سواء اعطاهم اجرة أم لا كذا قال ولا ريب ان في الاستدلال للجواز بذلك بعدا لتوقفه على ان عازبا لو استمر على الامتناع من إرسال ابنه لاستمر أبو بكر على الامتناع من التحديث والله اعلم قوله فإذا انا براع لم اقف على تسميته ولا على تسمية صاحب الغنم الا انه جاء في حديث عبد الله بن مسعود شئ تمسك به من زعم انه الراعي وذلك فيما أخرجه أحمد وابن حبان من طريق عاصم عن زرعن بن مسعود قال كنت ارعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال يا غلام هل من لبن قلت نعم ولكني مؤتمن الحديث وهذا لا يصلح ان يفسر به الراعي في حديث البراء لان ذاك قيل له هل أنت حالب فقال نعم وهذا أشار بأنه غير حالب وذاك حلب من شاة حامل وهذا من شاة لم تطرق ولم تحمل ثم ان في بقية هذا الحديث ما يدل على ان قصته كانت قبل الهجرة لقوله فيه ثم اتيته بعد هذا فقلت يا رسول الله علمني من هذا القول فان هذا يشعر بأنها كانت قبل إسلام بن مسعود واسلام بن مسعود كان قديما قبل الهجرة بزمان فبطل ان يكون هو صاحب القصة في الهجرة والله اعلم قوله فشرب حتى رضيت وقع في رواية أوس عن خديج عن أبي إسحاق قال أبو إسحاق فتكلم بكلمة والله ما سمعتها من غيره كأنه يعني قوله حتى رضيت فانها مشعرة بأنه امعن في الشرب وعادته المألوفة كانت عدم الامعان قوله قد ان الرحيل يا رسول الله أي دخل وقته وتقدم في علامات النبوة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يأن للرحيل قلت بلى فيجمع بينهما بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بدا فسأل
[ 9 ]
فقال له أبو بكر بلى ثم أعاد عليه بقوله قد ان الرحيل قال المهلب بن أبي صفرة انما شرب النبي صلى الله عليه وسلم من لبن تلك الغنم لانه كان حينئذ في زمن المكارمة ولا يعارضه حديثه لا يحلبن أحد ماشية أحد ابإذنه لان ذلك وقع في جو من التشاح أو الثاني محمول على التسور والاختلاس والاول لم يقع فيه ذلك بل قدم أبو بكر سؤال الراعي هل أنت حالب فقال نعم كأنه سأله هل اذن لك صاحب الغنم في حلبها لمن يرد عليك فقال نعم أو جرى على العادة المألوفة للعرب في إباحة ذلك والاذن في الحلب على المار ولابن السبيل فكان كل راع ماذونا له في ذلك وقال الداودي انما شرب من ذلك على انه بن سبيل وله شرب ذلك إذا احتاج ولا سيما النبي صلى الله عليه وسلم وأبعد من قال انما استجازه لانمال مربي لان القتال لم يكن فرض بعد ولا ابيحت الغنائم وقد تقدم شئ من هذه المباحث في هذه المسألة في اخر اللقطة وفيها الكلام على إباحة ذلك للمسافر مطلقا وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم خدمة التابع إلى للمتبوع في يقظته والذب عنه عند نومه وشدة محبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وادبه معه وايثاره له على نفسه وفيه أدب الاكل والشرب واستحباب التنظيف لما يؤكل ويشرب وفيه استصحاب الة السفر كالاداوة والسفرة ولا يقدح ذلك في التوكل وستاتي قصة سراقة في الهجرة مستوفاة ان شاء الله تعالى واوردها هنا مختصرة جدا وفي علامات النبوة أتم منه تنبيه اورد الاسماعيلي هذا الحديث عن أبي خليفة عن عبد الله بن رجاء شيخ البخاري فيه فزاد في اخره ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا معه حتى أتينا المدينة ليلا فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه فذكر القصة مطولة وساذكر ما فيها من الفوائد في باب الهجرة ان شاء الله تعالى قوله تريحون بالعشي تسرحون بالغداة هو تفسير قوله تعالى ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وهو تفسير أبي عبيدة في المجاز وثبت هذا في رواية الكشميهني وحده والصواب ان يثبت في حديث عائشة في قصة الهجرة فان فيه ويرعى عليها عامر بن فهيرة ويريحهما عليهما فهذا هو محل شرح هذه اللفظة بخلاف حديث البراء فلم يجر فيه لهذه اللفظة ذكر والله تعالى اعلم قوله عن ثابت في رواية حبان بن هلال في التفسير عن همام حدثنا ثابت قوله عن أنس عن أبي بكر في رواية حبان المذكورة حدثنا أنس حدثني أبو بكر قوله قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وانا في الغار زاد في رواية حبان المذكورة فرأيت اثار المشركين وفي رواية موسى بن إسماعيل عن همام في الهجرة فرفعت رأسي فإذا انا بأقدام القوم قوله لو ان أحدهم نظر تحت قدميه فيه مجئ لو الشرطية للاستقبال خلافا للاكثر واستدل من جوزه بمجئ الفعل المضارع بعدها كقوله تعالى لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم وعلى هذا فيكون قاله حالة وقوفهم على الغار وعلى القول الاكثر يكون قاله بعد مضيهم شكرا لله تعالى على صيانتهما منهم قوله لو ان أحدهم نظر تحت قدميه في رواية موسى لو ان بعضهم طأطأ بصره وفي رواية حبان رفع قدميه ووقع مثله في حديث حبشي بن جنادة أخرجه بن عساكر وهي مشكلة فان ظاهرها ان باب الغار استتر بأقدامهم وليس كذلك الا ان يحمل على ان المراد انه استتر بثيابهم وقد أخرجه مسلم من رواية حبان المذكورة بلفظ لو ان أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه وكذا أخرجه أحمد عن عفان عن همام ووقع في مغازي عروة بن الزبير في قصة الهجرة قال واتى المشركون على الجبل الذي فيه
[ 10 ]
الغا الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه وسمع أبو بكر أصواتهم فاقبل عليه الهم والخوف فعند ذلك يقول له النبي صلى الله عليه وسلم لا تحزن ان الله معنا ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه السكينة وفي ذلك يقول الله عزوجل إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا الآية وهذا يقوي انه قال ما في حديث الباب حينئذ ولذلك اجابه بقوله لا تحزن قوله ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما في رواية موسى فقال اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما وقوله اثنان خبر مبتدأ محذوف تقديره نحن اثنان ومعنى ثالثهما ناصرهما ومعينهما والا فالله ثالث كل اثنين بعلمه وستاتي الاشارة إلى ذلك في تفسير براءة وفي الحديث منقبة ظاهرة لابي بكر وفيه ان باب الغار كان منخفضا الا انه كان ضيقا فقد جاء في السير للواقدي ان رجلا كشف عن فرجه وجلس يبول فقال أبو بكر قد رانا يا رسول الله قال لو رانا لم يكشف عن فرجه وسيأتي مزيد لذلك في قصة الهجرة ان شاء الله تعالى تنبيه اشتهر ان حديث الباب تفرد به همام عن ثابت وممن صرح بذلك الترمذي والبزار وقد أخرجه بن شاهين في الافراد من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت بمتابعة همام وقد قدمت له شاهدا من حديث حبشي بن جنادة ووجدت له اخر عن بن عباس أخرجه الحاكم في الاكليل قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سدوا الابواب الا باب أبي بكر قاله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله المصنف في الصلاة بلفظ سدوا عني كل خوخة فكأنه ذكره بالمعنى (قوله حدثنا أبو عامر هو العقدي وفليح هو بن سليمان وهو ومن فوقه مدنيون قوله عن عبيد بن حنين تقدم بيان الاختلاف في إسناده في باب الخوخة في المسجد في أوائل الصلاة قوله خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية مالك عن أبي النضر الآتية في الهجرة إلى المدينة جلس على المنبر فقال وفي حديث بن عباس الماضي تلو حديث أبي سعيد في باب الخوخة من أوائل الصلاة في مرضه الذي مات فيه ولمسلم من حديث جندب سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل ان يموت بخمس ليال وفي حديث أبي بن كعب الذي سأنبه عليه قريبا ان أحدث عهدي بنبيكم قبل وفاته بثلاث فذكر الحديث في خطبة أبي بكر وهو طرف من هذا وكان أبا بكر رضي الله عنه فهم الرمز الذي أشار به النبي صلى الله عليه وسلم من قرينة ذكره ذلك في مرض موته فاستشعر منه انه أراد نفسه فلذلك بكى قوله بين الدنيا وبين ما عنده في رواية مالك المذكورة بين ان يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده قوله فعجبنا بكائه وقع في رواية محمد بن سنان في باب الخوخة المذكورة فقلت في نفسي وفي رواية مالك فقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد وهو يقول فديناك ويجمع بان أبا سعيد حدث نفسه بذلك فوافق تحديث غيره بذلك فنقل جميع ذلك قوله وكان أبو بكر اعلمنا في رواية مالك وكان أبو بكر هو اعلمنا به أي بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالمراد من الكلام المذكور زاد في رواية محمد بن سنان فقال يا أبا بكر لا تبك قوله إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر في رواية مالك كذلك وفي رواية محمد بن سنان ان من امن الناس علي بزيادة من وقال فيها أبا بكر بالنصب للاكثر ولبعضهم أبو بكر بالرفع وقد قيل ان الرفع خطأ والصواب النصب لانه اسم ان ووجه الرفع بتقدير ضمير الشان أي انه والجار والمجرور بعده خبر مقدم وأبو وبكر مبتدا مؤخر أو على ان مجموع الكنية اسم فلا يعرب ما وقع فيها من الاداة أو ان بمعنى نعم أو ان من زائدة على رأي الكسائي وقال بن بري يجوز الرفع إذا جعلت من صفة لشئ
[ 11 ]
محذوف تقديره ان رجلا أو انسانا من امن الناس فيكون اسم ان محذوفا والجار والمجرور في موضع الصفة وقوله أبو بكر الخبر وقوله امن افعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل بمعنى ان ابذل الناس لنفسه وماله لا من المنة التي تفسد الصنيعة وقد تقدم تقرير ذلك في باب الخوخة وأغرب الداودي فشرحه على انه من المنة وقال تقديره لو كان يتوجه لاحد الامتنان على نبي الله صلى الله عليه وسلم لتوجه له والاول أولى وقوله امن الناس في رواية الباب ما يوافق حديث بن عباس بلفظ ليس أحد من الناس امن علي في نفسه وماله من أبي بكر واما الرواية التي فيها من فان قلنا زائدة فلا تخالف والا فتحمل على ان المراد ان لغيره مشاركة ما في الافضلية الا انه مقدم في ذلك بدليل ما تقدم من السياق وما تأخر ويؤيده ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ ما لاحد عندنا يد الا كافأناه عليها ما خلا أبا بكر فان له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة فان ذلك يدل على ثبوت يد لغيره الا ان لابي بكر رجحانا فالحاصل انه حيث اطلق أراد انه ارجحهم في ذلك وحيث لم يطلق أراد الاشارة إلى من شاركه في شئ من ذلك ووقع بيان ذلك في حديث اخر لابن عباس رفعه نحو حديث الترمذي وزاد منه اعتق بلالا ومنة هاجر بنبيه أخرجه الطبراني وعنه في طريق أخرى ما أحد أعظم عندي يدا من أبي بكر واساني بنفسه وماله وانكحني ابنته أخرجه الطبراني وفي حديث مالك بن دينار عن أنس رفعه ان أعظم الناس علينا منا أبو بكر زوجني ابنته وواساني بنفسه وان خير المسلمين مالا أبو بكر اعتق بلالا وحملني إلى دار الهجرة أخرجه بن عساكر واخرج من رواية بن حبان التيمي عن أبيه عن علي نحوه وجاء عن عائشة مقدار المال الذي انفقه أبو بكر فروى بن حبان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة انها قالت انفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين الف درهم وروى الزبير بن بكار عن عروة عن عائشة انه لما مات ما ترك دينارا ولا درهما قوله لو كنت متخذا خليلا يأتي الكلام عليه بعد باب قال الداودي لا ينافي هذا قول أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما أخبرني خليلي صلى الله عليه وسلم لان ذلك جائز لهم ولايجوز للواحد منهم ان يقول انا خليل النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا يقال إبراهى خليل الله ولا يقال الله خليل إبراهيم قلت ولا يخفى ما فيه قوله ولكن اخوة الاسلام ومودته أي حاصلة ووقع في حديث بن عباس الاتي بعد باب أفضل وكذا أخرجه الطبراني من طريق عبيد الله بن تمام عن خالد الحذاء بلفظ ولكن اخوة الايمان والاسلام أفضل وأخرجه أبو يعلى من طريق يعلى بن حكيم عن عكرمة بلفظ ولكن خلة الاسلام أفضل وفيه اشكال فإن الخلة أفضل من اخوة الاسلام لانها تستلزم ذلك وزيادة فقيل المراد ان مودة الاسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من مودته مع غيره وقيل أفضل بمعنى فاضل ولا يعكر على ذلك اشتراك جميع الصحابة في هذه الفضيلة لان رجحان أبي بكر عرف من غير ذلك وأخوة الاسلام ومودته متفاوتة بين المسلمين في نصر الدين واعلاء كلمة الحق وتحصيل كثرة الثواب ولابي بكر من ذلك اعظمه واكثره والله اعلم ووقع في بعض الروايات ولكن خوة الاسلام بغير الف فقال بن بطال لا اعرف معنى هذه الكلمة ولم أجد خوة بمعنى خلة في كلام العرب وقد وجدت في بعض الروايات ولكن خلة الاسلام وهو الصواب وقال بن التين لعل الالف سقطت من الرواية فانها ثابتة في سائر الروايات ووجهه بن مالك بأنه نقلت حركة الهمزة
[ 12 ]
إلى النون فحذف الالف وجوز مع حذفها ضم نون لكن وسكونها قال ولا يجوز مع اثبات الهمزة الا سكون النون فقط وفي قوله ولو كنت متخذا خليلا الخ منقبة عظيمة لابي بكر لم يشاركه فيها أحد ونقل بن التين عن بعضهم ان معنى قوله ولو كنت متخذا خليلا لو كنت أخص أحدا بشئ من أمر الدين لخصصت أبا بكر قال وفيه دلالة على كذب الشيعة في دعواهم ان النب صلى الله عليه وسلم كان خص عليا بأشياء من القران وامور الدين لم يخص بها غيره قلت والاستدلال بذلك متوقف على صحة التأويل المذكور وما ابعدها قوله لا يبقين بفتح أوله وبنون التأكيد وفي إضافة النهي إلى الباب تجوز لان عدم بقائه لازم النهي عن ابقائه فكأنه قال لا تبقوه حتى لا يبقى وقد رواه بعضهم بضم أوله وهو واضح قوله الاسد بضم المهملة وفي رواية مالك خوخة بدل باب والخوخة طاقة في الجدار تفتح لاجل الضوء ولا يشترط علوها وحيث تكون سفلى يمكن الاستطراق منها لا ستقراب الوصول إلى مكان مطلوب وهو المقصود هنا ولهذا اطلق عليها باب وقيل لا يطلق عليها باب الا إذا كانت تغلق قوله الا باب أبي بكر هو استثناء مفرغ والمعنى لا تبقوا بابا غير مسدود الا باب أبي بكر فاتركوه بغير سد قال الخطابي وابن بطال وغيرهما في هذا الحديث اختصاص ظاهر لابي بكر وفيه إشارة قوية إلى استحقاقه للخلافة ولاسيما وقد ثبت ان ذلك كان في اخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي أمرهم فيه ان لا يؤمهم الا أبو بكر وقد ادعى بعضهم ان الباب كناية عن الخلافة والامر بالسد كناية عن طلبها كأنه لا يطلبن أحد الخلافة الا أبا بكر فإنه لا حرج عليه فطلبها والى هذا جنح بن حبان فقال بعد ان اخرج هذا الحديث في هذا دليل علة على انه الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لانه حسم بقوله سدوا عني كل خوخة في المسجد اطماع الناس كلهم ان يكونوا خلفاء بعده وقوى بعضهم ذلك بأن منزل أبي بكر كان بالسنح من عوالي المدينة كما سيأتي قريبا بعد باب فلا يكون له خوخة إلى المسجد وهذا الاسناد ضعيف لانه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح ان لا يكون له دار مجاورة للمسجد ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل اصهاره من الانصار وقد كان له إذ ذاك زوجة أخرى وهي أسماء بنت عميس بالاتفاق وأم رومان على القول بأنها كانت . باقية يومئذ وقد تعقب المحب الطبري كلام بن حبان فقال وقد ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة ان دار أبي بكر التي اذن له في ابقاء الخوخة منها إلى المسجد كانت ملاصقة للمسجد ولم تزل بيد أبي بكر حتى احتاج إلى شئ يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها فاشترتها منه حفصة أم المؤمنين بأربعة آلاف درهم فلم تزل بيدها إلى ان أرادوا توسيع المسجد في خلافة عثمان فطلبوها منها ليوسعوا بها المسجد فامتنعت وقالت كيف بطريقي إلى المسجد فقيل لها نعطيك دارا أوسع منها ونجعل لك طريقا مثلها فسلمت ورضيت قوله الا باب أبي بكر زاد الطبراني من حديث معاوية في اخر هذا الحديث بمعناه فاني رأيت عليه نورا تنبيه جاء في سد الابواب التي حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب منها حديث سعد بن أبي وقاص قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الابواب الشارعة في المسجد وترك باب علي أخرجه أحمد والنسائي وإسناده قوي وفي رواية للطبراني في الاوسط رجالها ثقات من الزيادة فقالوا يا رسول الله سددت ابوابنا فقال ما انا سددتها ولكن الله سدها وعن زيد بن أرقم قال كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة
[ 13 ]
في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سدوا هذه الابواب الا باب علي فتكلم ناس في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشئ فاتبعته أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات وعن بن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبواب المسجد فسدت الا باب علي وفي رواية وامر بسد الابواب غير باب علي فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره اخرجهما أحمد والنسائي ورجالهما ثقات وعن جابر بن سمرة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الابواب كلها غير باب علي فربما مر فيه وهو جنب أخرجه الطبراني وعن بن عمر قال كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر ولقد أعطى علي بن أبي طالب ثلاث خصال لان يكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الابواب الا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر أخرجه أحمد وإسناده حسن واخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار بمهملات قال فقلت لابن عمر أخبرني عن علي وعثمان فذكر الحديث وفيه واما علي فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سد ابوابنا في المسجد واقر بابه ورجاله رجال الصحيح الا العلاء وقد وثقه يحيى بن معين وغيره وهذه الاحاديث يقوي بعضها بعضا وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها وقد اورد بن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات أخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرا على بعض طرقه عنهم واعله ببعض من تكلم فيه من رواته وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق واعله أيضا بأنه مخالف للاحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر وزعم انه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر انتهى وأخطا في ذلك خطا شنيعا فإنه سلك في ذلك رد الاحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة مع ان الجمع بين القصتين ممكن وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده فقال ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر فان ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري يعني الذي أخرجه الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لاحد ان يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك والمعنى ان باب علي كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في احكام القران من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لاحد ان يمر في المسجد وهو جنب الا لعلي بن أبي طالب لان بيته كان في المسجد ومحصل الجمع ان الامر بسد الابواب وقع مرتين ففي الاولى استثنى علي لما ذكره وفي الاخرى استثنى أبو بكر ولكن لا يتم ذلك الا بان يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي والمراد به الخوخه كما صرح به في بعض طرقه وكانهم لما امرو بسد الابواب سدوها واحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها فامروا بعد ذلك بسدها فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار وهو في أوائل الثلث الثالث منه وأبو بكر الكلاباذي في معاني الاخبار وصرح بان بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد وبيت
[ 14 ]
علي لم يكن له باب الا من داخل المسجد والله اعلم وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم فضيلة ظاهرة لابي بكر الصديق وانه كان متأهلا لان يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم خليلا لولا المانع المتقدم ذكره ويؤخذ منه ان للخليل صفة خاصة تقتضي عدم المشاركة فيها وان المساجد تصان عن التطرق إليها لغير ضرورة مهمة والاشارة بالعلم الخاص دون التصريح لاثارة افهام السامعين وتفاوت العلماء في الفهم وان من كان ارفع في الفهم استحق ان يطلق عليه اعلم وفيه الترغيب في اختيار ما في الآخرة على ما في الدنيا وفيه شكر المحسن والتنويه بفضله والثناء عليه وقال بن بطال فيه ان المرشح للامامة يخص بكرامة تدل عليه كما وقع في حق الصديق في هذه القصة قوله باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم أي في رتبة الفضل وليس المراد البعدية الزمانية فان فضل أبي بكر كان ثابتا في حياته صلى الله عليه وسلم كما دل عليه حديث الباب قوله حدثنا سليمان هو بن بلال ويحي بن سعيد هو الانصاري والاسناد كله مدنيون قوله كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أي نقول فلان خير من فلان الخ وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع الآتية في مناقب عثمان كنا لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم وقوله لا نعدل بابي بكر أي لا نجعل له مثلا وقوله ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الكلام فيه ولابي داود من طريق سالم عن بن عمر كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل امة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان زاد الطبراني في رواية فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره وروى خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن بن عمر كنا نقول إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى الناس فيسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره وهكذا أخرجه الاسماعيلي من طريق بن أبي أويس عن سليمان بن بلال في حديث الباب دون اخره وفي الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر كما هو المشهور عند جمهور أهل السنة وذهب بعض السلف إلى تقديم علي على عثمان وممن قال به سفيان الثوري ويقال انه رجع عنه وقال به بن خزيمة وطائفة قبله وبعده وقيل لا يفضل أحدهما على الاخر قاله مالك في المدونة وتبعه جماعة منهم يحيى القطان ومن المتأخرين بن حزم وحديث الباب حجة للجمهور وقد طعن فيه بن عبد البر واستند إلى ما حكاه عن هارون بن إسحاق قال سمعت بن معين يقول من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقيته فهو صاحب سنة قال فذكرت له من يقول أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ وتعقب بان بن معين انكر رأي قوم وهم العثمانية الذين يغالون في حب عثمان وينتقصون عليا ولا شك في ان من اقتصر على ذلك ولم يعرف لعلي بن أبي طالب فضله فهو مذموم وادعى بن عبد البر أيضا ان هذا الحديث خلاف قول أهل السنة ان عليا أفضل الناس بعد الثلاثة فانهم اجمعوا على ان عليا أفضل الخلق بعد الثلاثة ودل هذا الاجماع على ان حديث بن عمر غلط وان كان السند إليه صحيحا وتعقب أيضا بأنه لا يلزم من سكوتهم إذ ذاك عن تفضيله عدم تفضيله على الدوام وبان الاجماع المذكور انما حدث بعد الزمن الذي قيده بن عمر فيخرج حديثه عن ان يكون غلطا والذي اظن ان بن عبد البر انما انكر الزيادة التي وقعت في رواية عبيد الله بن عمر
[ 15 ]
وهي قول بن عمر ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ لكن لم ينفرد بها نافع فقد تابعه بن الماجشون أخرجه خيثمة من طريق يوسف بن الماجشون عن أبيه عن بن عمر كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان ثم ندع أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم ومع ذلك فلا يلزم من تركهم التفاضل إذ ذاك ان لا يكونوا اعتقدوا بعد ذلك تفضيل علي على من سواه والله اعلم وقد اعترف بن عمر بتقديم علي على غيره كما تقدم في حديثه الذي اوردته في الباب الذي قبله وقد جاء في بعض الطرق في حديث بن عمر تقييد الخيرية المذكورة والافضلية بما يتعلق بالخلافة وذلك فيما أخرجه بن عساكر عن عبد الله بن يسار عن سالم عن بن عمر قال انكم لتعلمون انا كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان يعني في الخلافة كذا في أصل الحديث ومن طريق عبيد الله عن نافع عن بن عمر كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يكون أولى الناس بهذا الامر فنقول أبو بكر ثم عمر وذهب قوم إلى ان أفضل الصحابة من استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعين بعضهم منهم جعفر بن أبي طالب ومنهم من ذهب إلى العباس وهو قول مرغوب عنه ليس قائله من أهل السنة بل ولا من أهل الايمان ومنهم من قال افضلهم مطلقا عمر متمسكا بالحديث الاتي في ترجمته في المنام الذي فيه في حق أبي بكر وفي نزعه ضعف وهو تمسك واه ونقل البيهقي في الاعتقاد بسنده إلى أبي ثور عن الشافعي انه قال اجمع الصحابة واتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا قاله أبو سعيد يشير إلى حديثه السابق قبل بباب ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الحديث الاول حديث أبي سعيد المذكور الحديث الثاني حديث بن عباس أخرجه من طرق ثلاثة الاولى قوله لو كنت متخذا خليلا زاد في حديث أبي سعيد غير ربي وفي حديث بن مسعود عند مسلم وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا وقد تواردت هذه الاحاديث على نفي الخلة من النبي صلى الله عليه وسلم لاحد من الناس واما ما روي عن أبي بن كعب قال ان أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس دخلت عليه وهو يقول انه لم يكن نبي الا وقد اتخذ من أمته خليلا وان خليلي أبو بكر الا وان الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا أخرجه أبو الحسن الحربي في فوائده وهذا يعارضه ما في رواية جندب عند مسلم كما قدمته انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل ان يموت بخمس اني ابرا إلى الله ان يكون لي منكم خليل فان ثبت حديث أبى أمكن ان يجمع بينهما بأنه لما برئ من ذلك تواضعا لربه وإعظاما له اذن الله تعالى له فيه من ذلك اليوم لما رأى من تشوفه إليه واكراما لابي بكر بذلك فلا يتنافى الخبران أشار إلى ذلك المحب الطبري وقد روى من حديث أبي امامة نحو حديث أبي بن كعب دون التقييد بالخمس أخرجه الواحدي في تفسيره والخبران واهيان والله اعلم قوله ولكن أخي وصاحبي في رواية خيثمة في فضائل الصحابة عن أحمد بن الاسود عن مسلم بن إبراهيم وهو شيخ البخاري فيه ولكنه أخي وصاحبي في الله تعالى وفي الرواية التي بعدها ولكن اخوة الاسلام أفضل وقد تقدم توجيهها قبل باب وقوله في الرواية الثانية حدثنا معلى بن أسد وموسى بن إسماعيل التبوذكي كذا للاكثر وهو الصواب ووقع في رواية أبي ذر وحده التنوخي وهو تصحيف وقد تقدم تفسير الخليل في ترجمة إبراهيم عليه السلام من أحاديث الانبياء واختلف في المودة
[ 16 ]
والخلة والمحبة والصداقة هل هي متراد فة أو مختلفة قال أهل اللغة الخلة ارفع رتبة وهو الذي يشعر به حديث الباب وكذا قوله عليه السلام لو كنت متخذا خليلا غير ربي فإنه يشعر بأنه لم يكن له خليل من ني ادم وقد ثبتت محبته لجماعة من اصحابه كابي بكر وفاطمة وعائشة والحسنين وغيرهم ولا يعكر على هذا اتصاف إبراهيم عليه السلام بالخلة ومحمد صلى الله عليه وسلم بالمحبة فتكون المحبة ارفع رتبة من الخلة لانه يجاب عن ذلك بان محمدا صلى الله عليه وسلم قد ثبت له الامران معا فيكون رجحانه من الجهتين والله اعلم وقال الزمخشري الخليل هو الذي يوافقك في خلالك ويسايرك في طريقك أو الذي يسد خلك وتسد خلله أو يداخلك خلال منزلك انتهى وكأنه جوز ان يكون اشتقاقه مما ذكر وقيل أصل الخلة انقطاع الخليل إلى خليله وقيل الخليل من يتخلله سرك وقيل من لا يسع قلبه غيرك وقيل أصل الخلة الاستصفاء وقيل المختص بالمودة وقيل اشتقاق الخليل من الخلة بفتح الخاء وهي الحاجة فعلى هذا فهو المحتاج إلى من يخاله وهذا كله بالنسبة إلى الانسان اما خلة الله للعبد فبمعنى نصره له ومعاونته الحديث الثالث حديث بن الزبير في المعنى وسيأتي الكلام على ما يتعلق منه بالجد في كتاب الفرائض ان شاء الله تعالى والمراد بقوله كتب أهل الكوفة بعض أهلها وهو عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان بن الزبير جعله على قضاء الكوفة أخرجه أحمد من طريق سعيد بن جبير قال كنت عند عبد الله بن عتبة وكان بن الزبير جعله على القضاء فجاءه كتابه كتبت تسألني عن الجد فذكر نحوه وزاد بعد قوله لاتخذت أبا بكر ولكنه أخي في الدين وصاحبي في الغار ووقع في رواية أحمد من طريق بن جريج عن بن أبي مليكة في هذا الحديث لو كنت متخذا خليلا سوى الله حتى ألقاه الحديث الرابع حديث محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قوله اتت امرأة لم اقف على اسمها قوله ارايت أي أخبرني قوله ان جئت ولم اجدك كأنها تقول الموت في رواية يزيد بن هارون عن إبراهيم بن سعد البلاذري قالت فان رجعت فلم اجدك تعرض بالموت وكذا عند الاسماعيلي من طريق بن معمر عن إبراهيم وهو يقوي جزم القاضي عياض انه كلام جيد وفي رواية الحميدي الاتي ذكرها في الاحكام كأنها تعني الموت ومرادها ان جئت فوجدتك قد مت ماذا اعمل واختلف في تعيين قائل كأنها فجزم عياض بأنه جبير بن مطعم راوي الحديث وهو الظاهر ويحتمل من دونه وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال قلنا يا رسول الله إلى من ندفع صدقات اموالنا بعدك قال إلى أبي بكر الصديق وهذا لو ثبت كان أصرح في حديث الباب من الاشارة إلى انه الخليفة بعده لكن إسناده ضعيف وروى الاسماعيلي في معجمه من حديث سهل بن أبي خيثمة قال بايع النبي صلى الله عليه وسلم اعرابيا فسأله ان اتى عليه أجله من يقضيه فقال أبو بكر ثم سأله من يقضيه بعده قال عمر الحديث وأخرجه الطبراني في الاوسط من هذا الوجه مختصرا وفي الحديث ان مواعيد النبي صلى الله عليه وسلم كانت على من يتولى الخلافة بعده تنجيزها وفيه رد على الشيعة في زعمهم انه نص على استخلاف علي والعباس وسيأتي من ذلك في باب الاستخلاف من كتاب الاحكام ان شاء الله تعالى الحديث الخامس قوله حدثنا أحمد بن أبي الطيب هو المروزي بغدادي الاصل يكنى أبا سلمان واسم أبيه سليمان وصفه أبو زرعة بالحفظ وضعفه أبو حاتم وليس له في البخاري غير هذا الحديث وقد
[ 17 ]
أخرجه من رواية غيره كما سيأتي في باب إسلام أبي بكر قوله حدثنا إسماعيل بن مجالد بالجيم هو الكوفي قواه يحيى بن معين وجماعة ولينه بعضهم وليس له عند البخاري أيضا غير هذا الحديث ووبرة بفتح الواو والموحدة تابعي صغير قوله عن همام هو بن الحارث وعند الاسماعيلي من طريق جهور بن منصور عن إسماعيل سمعت همام بن الحارث وهو من كبار التابعين وعمار هو بن ياسر والاسناد من إسماعيل فصاعدا كوفيون قوله وما معه أي ممن اسلم قوله الا خمسة اعبد وامراتان وأبو بكر اما الاعبد فهم بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر فإنه اسلم قديما مع أبي بكر وروى الطبراني من طريق عروة انه كان ممن كان يعذب في الله فاشتراه أبو بكر واعتقه وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية بن خلف ذكر بن إسحاق انه اسلم حين اسلم بلال فعذبه أمية فاشتراه أبو بكر فأعتقه واما الخامس فيحتمل ان يفسر بشقران فقد ذكر بن السكن في كتاب الصحابة عن عبد الله بن داود ان النبي صلى الله عليه وسلم ورثه من أبيه هو وأم ايمن وذكر بعض شيوخنا بدل أبي فكيهة عمار بن ياسر وهو محتمل وكان ينبغي ان يكون منهم أبوه وأمه فان الثلاثة كانوا ممن يعذب في الله وأمه أول من استشهدت في الاسلام طعنها أبو جهل في قبلها بحربة فماتت واما المراتان فخديجة والاخرى أم ايمن أو سمية وذكر بعض شيوخنا تبعا الدمياطي انها أم الفضل زوج العباس وليس بواضح لانها وان كانت قديمة الاسلام الا انها لم تذكر في السابقين ولو كان كما قال لعد أبو رافع مولى العباس لانه اسلم حين أسلمت أم الفضل كذا عند بن إسحاق وفي هذا الحديث ان أبا بكر أول من اسلم من الاحرار مطلقا ولكن مراد عمار بذلك ممن أظهر إسلامه والا فقد كان حينئذ جماعة ممن اسلم لكنهم كانوا يخفونه من اقاربهم وسيأتي قول سعد انه كان ثلث الاسلام وذلك بالنسبة الى من اطلع على إسلامه ممن سبق إسلامه الحديث السادس قوله حدثنا زيد بن واقد هو الدمشقي ثقة قليل الحديث وليس له في البخاري غير هذا الحديث الواحد وكلهم دمشقيون وبسر بضم الموحدة وبالمهملة قوله عن بسر بن عبيد الله في رواية عبد الله بن العلاء بن زيد عند المصنف في التفسير حدثني بسر بن عبيد الله حدثني أبو إدريس سألت أبا الدرداء قوله اما صاحبكم في رواية الكشميهني اما صاحبك بالافراد قوله فقد غامر بالغين المعجمة أي خاصم والمعنى دخل في غمرة الخصومة والغامر الذي يرمي بنفسه في الامر العظيم كالحرب وغيره وقيل هو من الغمر بكسر المعجمة وهو الحقد أي صنع أمرا اقتضى له ان يحقد على من صنعه معه ويحقد الاخر عليه ووقع في تفسير الاعراف في رواية أبي ذر وحده قال أبو عبد الله هو المصنف غامر أي سبق بالخير وذكر عياض انه في رواية المستملي وحده عن أبي ذر وهو تفسير مستغرب والاول أظهر وقد عزاه المحب الطبري لابي عبيدة بن المثنى أيضا فهو سلف البخاري فيه وقسيم قوله اما صاحبكم محذوف أي وأما غيره فلا قوله فسلم بتشديد اللام من السلام ووقع في رواية محمد بن المبارك عن صدقة بن خالد عند أبي نعيم في الحلية حتى سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقع في الحديث ذكر الرد وهو مما يحذف للعلم به قوله كان بيني وبين بن الخطاب شئ في الرواية التي في التفسير محاورة وهو بالحاء المهملة أي مراجعة وفي حديث أبي امامة عند أبي يعلى معاتبة وفي لفظ مقاولة قوله فاسرعت إليه في التفسير فاغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه مغضبا فاتبعه أبو بكر قوله ثم ندمت زاد محمد
[ 18 ]
بن المبارك على ما كان قوله فسألته ان يغفر لي في الرواية التي في التفسير ان يستغفر لي فلم يفعل حتى اغلق بابه في وجهه قوله فأبى علي زاد محمد بن المبارك فتبعته إلى البقيع حتى خرج من داره وللاسماعيلي عن الهسنجاني عن هشام بن عمار وتحرز مني بداره وفي حديث أبي امامة فاعتذر أبو بكر إلى عمر فلم يقبل منه قوله يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا أي أعاد هذه الكلمة ثلاث مرات قوله يتمعر بالعين المهملة المشددة أي تذهب نضارته من الغضب واصله من العر وهو الجرب يقال أمعر المكان إذا اجرب وفي بعض النسخ يتمغر بالغين المعجمة أي يحمر من الغضب فصار كالذي صبغ بالمغرة وللمؤلف في التفسير وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث أبي امامة عند أبي يعلى في نحو هذه القصة فجلس عمر فاعرض عنه أي النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحول فجلس إلى الجانب الاخر فاعرض عنه ثم قام فجلس بين يديه فاعرض عنه فقال يا رسول الله ما أرى اعراضك الا لشئ بلغك عني فما خير حياتي وأنت معرض عني فقال أنت الذي اعتذر إليك أبو بكر فلم تقبل منه ووقع في حديث بن عمر عند الطبراني في نحو هذه القصة يسالك أخوك ان تستغفر له فلا تفعل فقال والذي بعثك بالحق ما من مرة يسالني الا وانا استغفر له وما خلق الله من أحد احب الي منه بعدك فقال أبو بكر وانا والذي بعثك بالحق كذلك قوله حتى اشفق أبو بكر زاد محمد بن المبارك ان يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر ما يكره قوله فجثا بالجيم والمثلثة أي برك قوله والله انا كنت أظلم في القصة المذكورة وانما قال ذلك لانه الذي بدا كما تقدم في أول القصة قوله مرتين أي قال ذلك القول مرتين ويحتمل انه من قول أبي بكر فيكون معلقا بقوله كنت أظلم قوله وواساني في رواية الكشميهني وحده واساني والاول أوجه وهو من المواساة وهي بلفظ المفاعلة من الجانبين والمراد به ان صاحب المال يجعل يده ويد صاحبه في ماله سواء قوله تاركو لي صاحبي في التفسير تاركون لي صاحبي وهي الموجهة حتى قال أبو البقاء ان حذف النون من خطا الرواة لان الكلمة ليست مضافة ولا فيها الف ولام وانما يجوز الحذف في هذين الموضعين ووجهها غيره بوجهين أحدهما ان يكون صاحبي مضافا وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور عناية بتقديم لفظ الاضافة وفي ذلك جمع بين إضافتين إلى نفسه تعظيما للصديق ونظيره قراءة بن عامر وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم بنصب أولادهم وخفض شركائهم وفصل بين المضافين بالمفعول والثاني ان يكون استطال الكلام فحذف النون كما يحذف من الموصول المطول ومنه ما ذكروه في قوله تعالى وخضتم كالذي خاضوا قوله مرتين أي قال ذلك القول مرتين وفي رواية محمد بن المبارك ثلاث مرات قوله فما اوذي بعدها أي لما اظهره النبي صلى الله عليه وسلم لهم من تعظيمه ولم ار هذه الزيادة من غير رواية هشام بن عمار ووقع لابي بكر مع ربيعة بن جعفر قصة نحو هذه فاخرج أحمد من حديث ربيعة ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ارضا وأعطى أبا بكر ارضا قال فاختلفا في عذق نخلة فقلت انا هي في حدي وقال أبو بكر هي في حدي فكان بيننا كلام فقال له أبو بكر كلمة ثم ندم فقال رد علي مثلها حتى يكون قصاصا فأبيت فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مالك وللصديق فذكر القصة فقال اجل فلا ترد عليه ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر فقلت
[ 19 ]
فولى أبو بكر وهو يبكي وفي الحديث من الفوائد فضل أبي بكر على جميع الصحابة وان الفاضل لا ينبغي له ان يغاضب من هو أفضل منه وفيه جواز مدح المرء في وجهه ومحله إذا امن عليه الافتتان والاغترار وفيه ما طبع عليه الانسان من البشرية حتى يحمله الغضب على ارتكاب خلاف الاولى لكن الفاضل في الدين يسرع الرجوع إلى الاولى كقوله تعالى ان الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا وفيه ان غير النبي ولد بلغ من الفضل الغاية ليس بمعصوم وفيه استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم وفيه ان من غضب على صاحبه نسبه إلى أبيه أو جده ولم يسمه باسمه وذلك من قول أبي بكر لما جاء وهو غضبان من عمر كان بيني وبين بن الخطاب فلم يذكره باسمه ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم الا إذا كان بن أبي طالب يريد ان ينكح ابنتهم وفيه ان الركبة ليست عورة الحديث السابع قوله خالد الحذاء حدثنا هو من تقديم الاسم على الصفة وقد استعملوه كثيرا والاسناد كله بصريون الا الصحابي وأبو عثمان هو النهدي قوله بعثه على جيش ذات السلاسل بالمهملتين والمشهور انها بفتح الاولى على لفظ جمع السلسلة وضبطه كذلك أبو عبيد البكري قيل سمي المكان بذلك لانه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة وضبطها بن الاثير بالضم وقال هو بمعنى السلسال أي السهل وسيأتي شرحها وتسميتها في المغازي ان شاء الله تعالى قوله أي الناس احب إليك زاد في رواية قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص يا رسول الله فأحبه أخرجه بن عساكر من طريق علي بن مسهر عن إسماعيل عن قيس وقع عند بن سعد سبب هذا السؤال وانه وقع في نفس عمر ولما امره النبي صلى الله عليه وسلم على الجيش وفيهم أبو بكر وعمر انه مقدم عنده في المنزلة عليهم فسأله لذلك قوله فقلت من الرجال في رواية قيس بن أبي حازم عن عمرو عند بن خزيمة وابن حبان قلت اني لست اعني النساء اني اعني الرجال وفي حديث أنس عند بن حبان أيضا سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من احب الناس إليك قال عائشة قيل له ليس عن أهلك نسالك وعرف بحديث عمر اسم السائل في حديث أنس قوله فقلت ثم من قال ثم عمر بن الخطاب فعد رجالا زاد في المغازي من وجه اخر فسكت مخافة ان يجعلني في اخرهم ووقع في حديث عبد الله بن شفيق قال قلت لعائشة أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان احب إليه قالت أبو بكر قلت ثم من قالت عمر قلت ثم من قالت أبو عبيدة بن الجراح قلت ثم من فسكتت أخرجه الترمذي وصححه فيمكن ان يفسر بعض الرجال الذين ابهموا في حديث الباب بابي عبيدة واخرج أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح عن النعمان بن بشير قال استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول والله لقد علمت ان عليا احب إليك من أبي الحديث فيكون علي ممن ابهمه عمرو بن العاص وهو أيضا وان كان في الظاهر يعارض حديث عمرو ولكن يرجح حديث عمرو انه من قول النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من تقريره ويمكن الجمع باختلاف جهة المحبة فيكون في حق أبي بكر على عمومه بخلاف علي ويصح حينئذ دخوله فيمن ابهمه عمرو ومعاذ الله ان نقول كما تقول الرافضة من إبهام عمرو فيما روى لما كان بينه وبين علي رضي الله عنهما فقد كان النعمان مع معاوية على علي ولم يمنعه ذلك من التحديث بمنقبة علي ولا ارتياب في ان عمرا أفضل من النعمان والله اعلم الحديث الثامن حديث أبي هريرة في قصة الذئب الذي كلم الراعي وفي
[ 20 ]
قصة البقرة التي كلمت من حملها وقد تقدم الكلام على ما في إسناده في ذكر بني إسرائيل قوله بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب الحديث لم اقف على اسم هذا الراعي وقد اورد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الاسلام وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة فروى أبو نعيم في الدلائل من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن اهبان بن أوس قال كنت في غنم لي فشد الذئب على شاة منها فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال من لها يوم تشتغل عنها تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى فصفقت بيدي وقلت والله ما رأيت شيئا اعجب من هذا فقال اعجب من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين النخلات يدعو إلى الله قال فأتى اهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره واسلم فيحتمل ان يكون اهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فاني اومن بذلك وأبو بكر وعمر وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه اخر عن أبي سلمة في المزارعة وفيه قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ويحتمل ان يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق ايمانهما وقوة يقينهما وهذا أليق بدخوله في مناقبهما قوله يوم السبع قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها الا ان الرواية بالضم وقال الحربي هو بالضم والسكون وجزم بان المراد به الحيوان المعروف وقال بن العربي هو بالاسكان والضم تصحيف كذا قال وقال بن الجوزي هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا أي الضم فالمعنى إذا اخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري أي انك تهرب منه واكون انا قريبا منه ارعى ما يفضل لي منها وقال الداودي معناه من لها يوم يطرقها السبع أي الاسد فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته واتخلف انا لا راعي لها حينئذ غيري وقيل انما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها واما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل هو اسم الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة وهذا نقله الازهري في تهذيب اللغة عن بن الاعرابي ويؤيده انه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة يوم القيامة وقد تعقب هذا بان الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها وقيل هو اسم يوم عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم وانما قال ليس لها راع غيري مبالغة في تمكنه منها وهذا نقله الاسماعيل عن أبي عبيدة وقيل هو من سبعت الرجل إذا ذعرته أي من لها يوم الفزع أو من اسبعته إذا اهملته أي من لها يوم الاهمال قال الاصمعي السبع الهمل واسبع الرجل اغنامه إذا تركها تصنع ما تشاء ورجح هذا القول النووي وقيل يوم الاكل يقال سبع الذئب الشاة إذا اكلها وحكى صاحب المطالع انه روي بسكون التحتانية اخر الحروف وفسره بيوم الضياع يقال اسبعت وأضيعت بمعنى وهذا نقله بن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى وقيل المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن بن عباس انه سئل عن مسألة فقال اجرأ من سبع يريد انها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي والله اعلم قوله وبينما رجل
[ 21 ]
يسوق بقرة تقدم الكلام عليه في المزارعة ووقع عند بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في اخره في القصتين فقال الناس امنا بما امن به رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات وتفاوت الناس في المعارف الحديث التاسع حديث أبي هريرة في رؤيا النزع من القليب وسيأتي شرحه في التعبير ان شاء الله تعالى الحديث العاشر حديث بن عمر في الزجرعن جر الثوب خيلاء وسيأتي شرحه في كتاب اللباس وفيه فضيلة ظاهرة لابي بكر لشحه على دينه ولشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بما ينافي ما يكره قوله فقلت لسالم هو مقول موسى بن عقبة وسيأتي هناك الاشارة إلى تسوية بن عمر بين الثوب والازار في الحكم الحديث الحادي عشر حديث أبي هريرة فيمن انفق زوجين أي شيئين قوله من شئ من الاشياء أي من أصناف المال قوله في سبيل الله أي في طلب ثواب الله وهو أعم من الجهاد وغيره من العبادات قوله دعي من أبواب يعني الجنة كذا وقع هنا وكان لفظة الجنة سقطت من بعض الرواة فلاجل مراعاة المحافظة على اللفظ زاد يعني وقد تقدم في الصيام من وجه اخر عن الزهري بلفظ من أبواب الجنة بغير تردد ومعنى الحديث ان كل عامل يدعى من باب ذلك العمل وقد جاء ذلك صريحا من وجه اخر عن أبي هريرة لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل أخرجه أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح قوله يا عبد الله هذا خير لفظ خير بمعنى فاضل لا بمعنى أفضل وان كان اللفظ قد يوهم ذلك ففائدته زيادة ترغيب السامع في طلب الدخول من ذلك الباب وتقدم في أوائل الجهاد بيان الداعي من وج اخر عن أبي هريرة ولفظه دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي خزنة كل باب أي فل هلم ولفظة فل لغة في فلان وهي بالضم وكذا ثبت في الرواية وقيل انها ترخيمها فعلى هذا فتفتح اللام قوله فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة وقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة وتقدم في أوائل الجهاد وان أبواب الجنة ثمانية وبقي من الاركان الحج فله باب بلا شك واما الثلاثة الاخرى فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس رواه أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن أشعث عن الحسن مرسلا ان لله بابا في الجنة لا يدخله الا من عفا عن مظلمة ومنها الباب الايمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب واما الثالث فلعله باب الذكر فان عند الترمذي ما يومئ إليه ويحتمل ان يكون باب العلم والله اعلم ويحتمل ان يكون المراد بالابواب التي يدعى منها أبواب من داخل أبواب الجنة الاصلية لان الاعمال الصالحة أكثر عددا من ثمانية والله اعلم قوله فقال أبو بكر ما على هذا الذي يدعى من تلك الابواب من ضرورة زاد في الصيام فهل يدعى أحد من تلك الابواب كلها وفي الحديث اشعار بقلة من يدعى من تلك الابواب كلها وفيه إشارة إلى ان المراد ما يتطوع به من الاعمال المذكورة لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات ثم من يجتمع
[ 22 ]
له ذلك انما يدعى من جميع الابواب على سبيل التكريم له والا فدخوله انما يكون من باب واحد ولعله باب العمل الذي يكون اغلب عليه والله اعلم واما ما أخرجه مسلم عن عمر من توضأ ثم قال اشهد ان لا إله إلا الله الحديث وفيه فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء فلا ينافي ما تقدم وان كان ظاهره انه يعارضه لانه محمل على انها تفتح له على سبيل التكريم ثم عند دخوله لا يدخل الا من باب العمل الذي يكون اغلب عليه كما تقدم والله اعلم تنبيه الانفاق في الصلاة والجهاد والعلم والحج ظاهر واما الانفاق في غيرها فمشكل ويمكن ان يكون المراد بالانفاق في الصلاة فيما يتعلق بوسائلها من تحصيل آلاتها من طهارة وتطهير ثوب وبدن ومكان والانفاق في الصيام بما يقويه على فعله وخلوص القصد فيه والانفاق في العفو عن الناس يمكن ان يقع بترك ما يجب له من حق والانفاق في التوكل بما ينفقه على نفسه في مرضه المانع له من التصرف في طلب المعاش مع الصبر على المصيبة أو ينفق على من اصابه مثل ذلك طلبا للثواب والانفاق في الذكر على نحو من ذلك والله اعلم وقيل المراد بالانفاق في الصلاة والصيام بذل النفس فيهما فان العرب تسمي ما يبذله المرء من نفسه نفقة كما يقال أنفقت في طلب العلم عمري وبذلت فيه نفسي وهذا معنى حسن وأبعد من قال المراد بقوله زوجين النفس والمال لان المال في الصلاة والصيام ونحوهما ليس بظاهر الا بالتأويل المتقدم وكذلك من قال النفقة في الصيام تقع بتفطير الصائم والانفاق عليه لان ذلك يرجع إلى باب الصدقة قوله وأرجو ان تكون منهم قال العلماء الرجاء من الله ومن نبيه واقع وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر ووقع في حديث بن عباس عند بن حبان في نحو هذا الحديث التصريح بالوقوع لابي بكر ولفظه قال اجل وأنت هو يا أبا بكر وفي الحديث من الفوائد ان من أكثر من شئ عرف به وان أعمال البر قل ان تجتمع جميعها لشخص واحد على السواء وان الملائكة يحبون صالحي بني ادم ويفرحون بهم فان الانفاق كلما كان أكثر كان أفضل وان تمني الخير في الدنيا والآخرة مطلوب الحديث الثاني عشر حديث عائشة في الوفاة وقصة السقيفة وسيأتي ما يتعلق بالوفاة في مكانها في اواخر المغازي واما السقيفة فتتضمن بيعة أبي بكر بالخلافة وقد أوردها المصنف أيضا من طريق بن عباس عن عمر في الحدود وذكر شيئا منها في الاحكام من طريق أنس عن عمر أيضا وأتمها رواية بن عباس وساذكر هنا ما فيها من فائدة زائدة قوله مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بالسنح تقدم ضبطه في أول الجنائز وانه بسكون النون وضبطه أبو عبيد البكري بضمها وقال انه منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي وبينه وبين المسجد النبوي ميل قوله قال إسماعيل هو شيخ المصنف فيه وهو بن أبي أويس وقوله يعني بالعالية أراد تفسير قول عائشة بالسنح قوله ما كان يقع في نفسي الا ذاك يعني عدم موته صلى الله عليه وسلم حينئذ وقد ذكر عمر مستنده في ذلك كما سابينه في موضعه قوله لا يذيقك الله الموتتين تقدم شرحه في أوائل الجنائز وقد تمسك به من انكر الحياة في القبر وأجيب عن أهل السنة المثبتين لذلك بان المراد نفي الموت اللازم من الذي أثبته عمر بقوله وليبعثه الله في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته وليس فيه تعرض لما يقع في البرزخ واحسن من هذا الجواب ان يقال ان حياته صلى الله عليه وسلم في القبر لا يعقبها موت بل يستمر حيا
[ 23 ]
والانبياء احياء في قبورهم ولعل هذا هو الحكمة في تعريف الموتتين حيث قال لا يذيقك الله الموتتين المعروفتين المشهورتين الواقعتين لكل أحد غير الانبياء واما وقوع الحلف من عمر على ما ذكره فبناه على ظنه الذي اداه إليه اجتهاده وفيه بيان رجحان علم أبي بكر على عمر فمن دونه وكذلك رجحانه عليهم لثباته في مثل ذلك الامر العظيم قوله أيها الحالف على رسلك بكسر الراء أي هينتك ولا تستعجل وتقدم في الطريق الذي بالجنائز ان أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال اجلس فأبي فتشهد أبو بكر فمال الناس إليه وتركوا عمر وقد اعتذر عمر عن ذلك كما سيأتي في باب الاستخلاف من كتاب الاحكام قوله فنشج الناس بفتح النون وكسر المعجمة بعدها جيم أي بكوا بغير انتحاب والنشج ما يعرض في حلق الباكي من الغصة وقيل هو صوت معه ترجع كما يردد الصبي بكاءه في صدره قوله واجتمعت الانصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي ثم الساعدي وكان كبير الخزرج في ذلك الوقت وذكر بن إسحاق في اخر السيرة ان اسيد بن حضير في بني عبد الاشهل انحازوا إلى أبي بكر ومن معه وهؤلاء من الاوس وفي حديث بن عباس عن عمر تخلف عنا الانصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة فيجمع بانهم اجتمعوا اولا ثم افترقوا وذلك ان الخزرج والاوس كانوا فريقين وكان بينهم في الجاهلية من الحروب ما هو مشهور فزال ذلك بالاسلام وبقي من ذلك شئ في النفوس فكأنهم اجتمعوا اولا فلما رأى اسيد ومن معه من الاوس أبا بكر ومن معه افترقوا من الخزرج ايثارا لتأمير المهاجرين عليهم دون الخزرج وفيه ان عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر قوله فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة في رواية بن عباس المذكورة فقلت له يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الانصار وزاد أبو يعلى من رواية مالك عن الزهري فيه فبينما نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل ينادي من وراء الجدار ان اخرج الي يا بن الخطاب فقلت إليك عني فانا عنك مشاغيل يعني بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له انه قد حدث أمر فان الانصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة فادركوهم قبل ان يحدثوا أمرا يكون فيه حرب فقلت لابي بكر انطلق فذكره قال فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فقالا لا عليكم الا تقربوهم واقضوا امركم قال فقلت والله لناتينهم فانطلقنا فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة وذكر في اخر الحديث عن عروة ان الرجلين اللذين لقياهم هما عويم بن ساعدة بن عابس بن قيس بن النعمان من بني مالك بن عوف ومعن بن عدي بن الجعد بن العجلان حليفهم وهما من الاوس أيضا وكذا وقعت تسميتهما في رواية بن عيينة عن الزهري أخرجه الزبير بن بكار قوله فذهب عمر يتكلم فاسكته أبو بكر الخ وفي رواية بن عباس قال عمر أردت ان اتكلم وقد كنت زورت أي هيأت وحسنت مقالة اعجبتني أريد ان اقدمها بين يدي أبي بكر وكنت اداري منه بعض الحد أي الحدة فقال على رسلك فكرهت ان اغضبه قوله ثم تكلم أبو بكر فتكلم ابلغ الناس بنصب ابلغ على الحال ويجوز الرفع على الفاعلية أي تكلم رجل هذه صفته وقال السهيلي النصب أوجه ليكون تأكيدا لمدحه وصرف الوهم عن ان يكون أحد موصوفا بذلك غيره وفي رواية بن عباس قال قال عمر والله ما ترك كلمة اعجبتني في تزويري الا قالها في بديهته
[ 24 ]
وافضل حتى سكت قوله فقال في كلامه وقع في رواية حميد بن عبد الرحمن بيان ما قاله في روايته فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئاانزل في الانصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شانهم الا ذكره ووقع في رواية بن عباس بيان بعض ذلك الكلام وهو اما بعد فما ذكرتم من خير فانتم أهله ولن تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش وهم أوسط العرب نسبا ودارا وعرف المراد بقوله بعد في هذه الرواية هم أوسط العرب دارا واعربهم احسابا والمراد بالدار مكة وقال الخطابي أراد بالدار أهل الدار ومنه قوله خير دور الانصار بنو النجار وقوله احسابا الحسب الفعال الحسان ماخوذ من الحساب إذا عدوا مناقبهم فمن كان أكثر كان أعظم حسبا ويقال النسب للآباء والحسب للافعال قوله فقال حباب بضم المهملة وموحدتين الاولى خفيفة بن المنذر أي بن عمرو بن الجموح الخزرجي ثم السلمي بفتحتين وكان يقال له ذو الرأي قوله لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير زاد في رواية بن عباس انه قال انا جديلها المحكك وعذيقها المرجب وشرح هاتين الكلمتين ان العذيق بالذال المعجمة تصغير عذق وهو النخلة المرجب بالجيم والموحدة أي يدعم النخلة إذا كثر حملها والجديل بالتصغير أيضا وبالجيم والجدل عود ينصب للابل الجرباء لتحتك فيه والمحكك بكافين الاولى مفتوحة فأراد انه يستشفي برايه ووقع عند بن سعد من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد فقام حباب بن المنذر وكان بدريا فقال منا أمير ومنكم أمير فانا والله ما ننفس عليكم هذا الامر ولكنا نخاف ان يليه أقوام قتلنا اباءهم واخوتهم قال فقال له عمر إذا كان ذلك فمت ان استطعت قال فتكلم أبو بكر فقال نحن الامراء وأنتم الوزراء وهذا الامر بيننا وبينكم قال فبايع الناس وأولهم بشير بن سعد والد النعمان وعند أحمد من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد فقام خطيب الانصار فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرنه برجل منا فتبايعوا على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وانما الامام من المهاجرين فنحن انصار الله كما كنا انصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر جزاكم الله خيرا فبايعوه ووقع في اخر المغازي لموسى بن عقبة عن بن شهاب ان أبا بكر قال في خطبته وكنا معشر المهاجرين أول الناس اسلاما ونحن عشيرته واقاربه وذوو رحمه ولن تصلح العرب الا برجل من قريش فالناس لقريش تبع وأنتم إخواننا في كتاب الله وشركاؤنا في دين الله وأحب الناس إلينا وأنتم أحق الناس بالرضا بقضاء الله والتسليم لفضيلة إخوانكم وان لا تحسدوهم على خير وقال فيه ان الانصار قالوا اولا نختار رجلا من المهاجرين وإذا مات اخترنا رجلا من الانصار فإذا مات اخترنا رجلا من المهاجرين كذلك ابدا فيكون اجدر ان يشفق القرشي إذا زاغ ان ينقض عليه الانصاري وكذلك الانصاري قال فقال عمر لا والله لا يخالفنا أحد الا قتلناه فقام حباب بن المنذر فقال كما تقدم وزاد وان شئتم كررناها خدعة أي اعدنا الحرب قال فكثر القول حتى كاد ان يكون بينهم حرب فوثب عمر فأخذ بيد أبي بكر وعند أحمد من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة فذكر الحديث قال فتكلم أبو بكر فقال والله لقد علمت يا سعد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد قريش ولاة هذا الامر فقال له سعد صدقت قوله هم أوسط العرب أي قريش قوله فبايعوا عمر بن
[ 25 ]
الخطاب أو أبا عبيدة في رواية بن عباس عن عمر وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة فلم أكره مما قال غيرها وقد استشكل قول أبي بكر هذا مع معرفته بأنه الاحق بالخلافة بقرينة تقديمه في الصلاة وغير ذلك والجواب انه استحي ان يزكي نفسه فيقول مثلا رضيت لكم نفسي وانضم إلى ذلك انه علم ان كلا منهما لا يقبل ذلك وقد أفصح عمر بذلك في القصة وأبو عبيدة بطريق الاولى لانه دون عمر في الفضل باتفاق أهل السنة ويكفي أبا بكر كونه جعل الاختيار في ذلك لنفسه فلم ينكر ذلك عليه أحد ففيه إيماء إلى انه الاحق فظهر انه ليس في كلامه تصريح بتخليه من الامر قوله فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افرد بعض الرواة هذا القدر من هذا الحديث فأخرجه الترمذي عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن إسماعيل بن أبي أويس شيخ المصنف فيه بهذا الاسناد ان عمر قال لابي بكر أنت سيدنا الخ وأخرجه بن حبان من هذا الوجه وهو أوضح ما يدخل في هذا الباب من هذا الحديث قوله فأخذ عمر بيده فبايعه في رواية بن عباس عن عمر قال فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى خشينا الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم الانصار وفي مغازي موسى بن عقبة عن بن شهاب قال فقام اسيد بن الحضير وبشير بن سعد وغيرهما من الانصار فبايعوا أبا بكر ثم وثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة ووقع في حديث سالم بن عبيد عند البزار وغيره في قصة الوفاة فقالت الانصار منا أمير ومنكم أمير فقال عمر وأخذ بيد أبي بكر وسيفان في غمد واحد لا يصطلحان وأخذ بيد أبي بكر فقال من له هذه الثلاثة إذ هما في الغار من هما إذ يقول لصاحبه من صاحبه ان الله معنا مع من ثم بسط يده فبايعه ثم قال بايعوه فبايعه الناس قوله فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة أي كدتم تقتلونه وقيل هو كناية عن الاعراض والخذلان ويرده ما وقع في رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب فقال قائل من الانصار ابقوا سعد بن عبادة لا تطئوه فقال عمر اقتلوه قتله الله نعم لم يرد عمر الامر بقتله حقيقة واما قوله قتله الله فهو دعاء عليه وعلى الاول هو أخبار عن إهماله والاعراض عنه وفي حديث مالك فقلت وانا مغضب قتل الله سعدا فإنه صاحب شر وفتنة قال بن التين انما قالت الانصار منا أمير ومنكم أمير على ما عرفوه من عادة العرب ان لا يتأمر على القبيلة الا من يكون منها فلما سمعوا حديث الائمة من قريش رجعوا عن ذلك واذعنوا قلت حديث الائمة من قريش سيأتي ذكر من أخرجه بهذا اللفظ في كتاب الاحكام ولم يقع في هذه القصة الا بمعناه وقد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابيا لما بلغني ان بعض فضلاء العصر ذكر انه لم يرو الا عن أبي بكر الصديق واستدل به الداودي على ان إقامة الخليفة سنة مؤكدة لانهم اقاموا مدة لم يكن لهم امام حتى بويع أبو بكر وتعقب بالاتفاق على فرضيتها وبانهم تركوا لاجل اقامتها أعظم المهمات وهو التشاغل بدفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى فرغوا منها والمدة المذكورة زمن يسير في بعض يوم يغتفر مثله لاجتماع الكلمة واستدل بقول الانصار منا أمير ومنكم أمير على ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وبذلك صرح عمر كما سيأتي ووجه الدلالة انهم قالوا ذلك في مقام من لا يخاف شيئا ولا يتقيه وكذلك ما أخرجه مسلم عن بن أبي مليكة سألت عائشة من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا قالت أبو بكر قيل ثم من قالت عمر قيل ثم من قالت أبو
[ 26 ]
عبيدة بن الجراح ووجدت في الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق ما يدل على انه هو الذي سأل عائشة عن ذلك قال القرطبي في المفهم لو كان عند أحد من المهاجرين والانصار نص من النبي صلى الله عليه وسلم على تعيين أحد بعينه للخلافة لما اختلفوا في ذلك ولا تفاوضوا فيه قال وهذا قول جمهور أهل السنة واستند من قال انه نص على خلافة أبي بكر بأصول كلية وقرائن حالية تقتضي انه أحق بالامامة واولى بالخلافة قلت وقد تقدم بعضها في ترجمته وسيأتي بعضها في الوفاة النبوية اخر المغازي ان شاء الله تعالى الحديث الثالث عشر قوله قال عبد الله بن سالم هو الحمصي الاشعري تقدم ذكره في المزارعة والزبيدي هو محمد بن الوليد صاحب الزهري وعبد الرحمن بن القاسم أي بن أبي بكر الصديق وهذه الطريق لم يوردها البخاري الا معلقة ولم يسقها بتمامها وقد وصلها الطبراني في مسند الشاميين وقوله شخص بفتح المعجمتين ثم مهملة أي ارتفع وقوله وقص الحديث يعني فيما يتعلق بالوفاة وقول عمر انه لم يمت ولن يموت حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وارجلهم وقول أبي بكر انه مات وتلاوته الايتين كما تقدم قوله قالت عائشة فما كانت من خطبتهما من خطبة الا نفع الله بها أي من خطبتي أبي بكر وعمر ومن الاولى تبعيضية أو بيانية والثانية زائدة ثم شرحت ذلك فقالت لقد خو ف عمر الناس أي بقوله المذكور ووقع في رواية الاصيلي لقد خوف أبو بكر الناس وهو غلط وقولها وان فيهم لنفاقا أي ان في بعضهم منافقين وهم الذين عرض بهم عمر في قوله المتقدم ووقع في رواية الحميدي في الجمع بين الصحيحين وان فيهم لتقي فقيل انه من اصلاحه وانه ظن ان قوله وان فيهم لنفاقا تصحيف فصيره لتقي كأنه استعظم ان يكون في المذكورين نفاقا وقال عياض لا أدري هو إصلاح منه أو رواية وعلى الاول فلا استعظام فقد ظهر في أهل الردة ذلك ولا سيما عند الحادث العظيم الذي اذهل عقول الاكابر فكيف بضعفاء الايمان فالصواب ما في النسخ انتهى وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق البخاري وقال فيه ان فيهم لنفاقا الحديث الرابع عشر قوله حدثنا أبو يعلى هو منذر بن يعلى الكوفي الثوري وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه والاسنا دكله كوفيون ومحمد بن الحنفية هو بن علي بن أبي طالب واسم الحنفية خولة بنت جعفر كما تقدم قوله قلت لابي أي الناس خير في رواية محمد بن سوقة عن منذر عن محمد بن علي قلت لابي يا ابتي من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو ما تعلم يا بني قلت لا قال أبو بكر أخرجه الدارقطني وفي رواية الحسن بن محمد بن الحنفية عن أبيه قال سبحان الله يا بني أبو بكر وفي رواية بن جحيفة عند أحمد قال لي علي يا أبا جحيفة الا أخبرك بأفضل هذه الامة بعد نبيها قلت بلى قال ولم أكن أرى ان أحدا أفضل منه وقال في اخره وبعدهما اخر ثالث لم يسمه وفي رواية للدارقطني في الفضائل من طريق أبي الضحى عن أبي جحيفة وان شئتم اخبرتكم بخير الناس بعد عمر فلا أدري استحي ان يذكر نفسه أو شغله الحديث قوله وخشيت ان يقول عثمان قلت ثم أنت قال ما انا الا رجل من المسلمين في رواية محمد بن سوقة
[ 27 ]
ثم عجلت للحداثة فقلت ثم أنت يا ابتي فقال أبوك رجل من المسلمين زاد في رواية الحسن بن محمد لي ما لهم وعلي ما عليهم وهذا قاله علي تواضعا مع معرفته حين المسألة المذكورة انه خير الناس يومئذ لان ذلك كان بعد قتل عثمان واما خشية محمد بن الحنفية ان يقول عثمان فلان محمدا كان يعتقد ان أباه أفضل فخشي ان عليا يقول عثمان على سبيل التواضع منه والهضم لنفسه فيضطرب حال اعتقاده ولا سيما وهو في سن الحداثة كما أشار إليه في الرواية المذكورة وروى خيثمة في فضائل الصحابة من طريق عبيد بن أبي الجعد عن أبيه ان عليا قال فذكر هذا الحديث وزاد ثم قال الا أخبركم بخير امتكم بعد عمر ثم سكت فظننا انه يعني نفسه وفي رواية عبيد خبر عن علي انه قال ذلك بعد وقعة النهروان وكانت في سنة ثمان وثلاثين وزاد في اخر حديثه أحدثنا أمورا يفعل الله فيها ما يشاء واخرج بن عساكر في ترجمة عثمان من طريق ضعيفة في هذا الحديث ان عليا قال ان الثالث عثمان ومن طريق أخرى ان أبا جحيفة قال فرجعت الموالي يقولون كنى عن عثمان والعرب تقول كنى عن نفسه وهذا يبين انه لم يصرح بأحد وقد سبق بيان الاختلاف في أي الرجلين أفضل بعد أبي بكر وعمر عثمان أو علي وان الاجماع انعقد بآخرة بين أهل السنة ان ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة رضي الله عنهم أجمعين قال القرطبي في المفهم ما ملخصه الفضائل جمع فضيلة وهي الخصلة الجميلة التي يحصل لصاحبها بسببها شرف وعلو منزلة اما عند الحق واما عند الخلق والثاني لا عبرة به الا ان اوصل إلى الاول فإذا قلنا فلان فاضل فمعناه ان له منزلة عند الله وهذا لا توصل إليه الا بالنقل عن الرسول فإذا جاء ذلك عنه ان كان قطعيا قطعنا به أو ظنيا عملنا به وإذا لم نجد الخبر فلاخفاء انا إذا رأينا من اعانه الله على الخير ويسر له أسبابه انا نرجو حصول تلك المنزلة له لما جاء في الشريعة من ذلك قال وإذا تقرر ذلك فالمقطوع به بين أهل السنة بافضلية أبي بكر ثم عمر ثم اختلفوا فيمن بعدهما فالجمهور على تقديم عثمان وعن مالك التوقف والمسألة اجتهادية ومستندها ان هؤلاء الاربعة اختارهم الله تعالى لخلافة نبيه وإقامة دينه فمنزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة والله اعلم الحديث الخامس عشر حديث عائشة في نزول اية للتيمم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب التيمم والغرض منه قول اسيد بن الحضير في اخره ما هي باول بركتكم يا ال أبي بكر وقد تقدم هناك ذكر ألفاظ أخرى تدل على فضلهم الحديث السادس عشر حديث أبي سعيد قوله سمعت ذكوان هو أبو صالح السمان قوله عن أبي سعيد في رواية أخرى سأبينها عن أبي هريرة والاول أولى كما سيأتي قوله لا تسبوا أصحابي وقع في رواية جرير ومحاضر عن الاعمش وكذا في رواية عاصم عن أبي صالح ذكر سبب لهذا الحديث وهو ما وقع في أوله قال كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شئ فسبه خالد فذكر الحديث وسيأتي بيان من أخرجه قوله فلو ان أحدكم فيه اشعار بان المراد بقوله اولا أصحابي أصحاب مخصوصون والا فالخطاب كان للصحابة وقد قال لو ان أحدكم انفق وهذا كقوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل الآية ومع ذلك فنهى بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب الاولى وغفل من قال ان الخطاب بذلك لغير الصحابة وانما المراد من
[ 28 ]
سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل تنزيلا لمن سيوجد منزلة الموجود للقطع بوقوعه ووجه التعقب عليه وقوع التصريح في نفس الخبر بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق قوله انفق مثل أحد ذهبا زاد البرقاني في المصافحة من طريق أبي بكر بن عياش عن الاعمش كل يوم قال وهي زيادة حسنة قوله مد أحدهم ولا نصيفه أي المد من كل شئ والنصيف بوزن رغيف هو النصف كما يقال عشر وعشير وثمن وثمين وقيل النصيف مكيال دون المد والمد بضم الميم مكيال معروف ضبط قدره في كتاب الطهارة وحكى الخطابي انه روي بفتح الميم قال والمراد به الفضل والطول وقد تقدم في أول باب فضائل الصحابة تقرير أفضلية اصحابة عمن بعدهم وهذا الحديث دال لما وقع الاختيار له مما تقدم من الاختلاف والله اعلم قال البيضاوي معنى الحديث لا ينال أحدكم بانفاق مثل أحد ذهبا من الفضل والاجر ما ينال أحدهم بانفاق مد طعام أو نصيفه وسبب التفاوت ما يقارن الافضل من مزيد الاخلاص وصدق النية قلت واعظم من ذلك في سبب الافضلية عظم موقع ذلك لشدة الاحتياج إليه وأشار بالافضلية بسبب الانفاق إلى الافضلية بسبب القتال كما وقع في الآية من انفق من قبل الفتح وقاتل فان فيها إشارة إلى موقع السبب الذي ذكرته وذلك ان الانفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيما لشدة الحاجة إليه وقلة المعتني به بخلاف ما وقع بعد ذلك لان المسلمين كثروا بعد الفتح ودخل الناس في دين الله افواجا فإنه لا يقع ذلك الموقع المتقدم والله اعلم قوله تابعه جرير هو بن عبد الحميد وعبد الله بن داود هو الخريبي بالمعجمة والموحدة مصغر وأبو معاوية هو الضرير ومحاضر بمهملة ثم معجمة بوزن مجاهد عن الاعمش أي عن أبي صالح عن أبي سعيد فاما رواية جرير فوصلها مسلم وابن وأبو يعلى وغيرهم واما رواية محاضر فرويناها موصولة في فوائد أبي الفتح الحداد من طريق أحمد بن يونس الضبي عن محاضر المذكور فذكره مثل رواية جرير لكن قال بين خالد بن الوليد وبين أبي بكر بدل عبد الرحمن بن عوف وقول جرير أصح وقد وقع كذلك في رواية عاصم عن أبي صالح الاتي ذكرها واما رواية عبد الله بن داود فوصلها مسدد في مسنده عنه وليس فيه القصة وكذا أخرجها أبو داود عن مسدد واما رواية أبي معاوية فوصلها أحمد عنه هكذا وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب ويحي بن يحيى ثلاثتهم عن أبي معاوية لكن قال فيه عن أبي هريرة بدل أبي سعيد وهو وهم كما جزم به خلف وأبو مسعود وأبو علي الجياني وغيرهم قال المزي كان مسلما وهم في حال كتابته فإنه بدا بطريق أبي معاوية ثم ثنى بحديث جرير فساقه بإسناده ومتنه ثم ثلث بحديث وكيع وربع بحديث شعبة ولم يسق اسنادهما بل قال بإسناد جرير وأبي معاوية فلولا ان إسناد جرير وأبي معاوية عنده واحد لما أحال عليهما معا فان طريق وكيع وشعبة جميعا تنتهي إلى أبي سعيد دون أبي هريرة اتفاقا انتهى كلامه وقد أخر جه أبو بكر بن أبي شيبة أحد شيوخ مسلم فيه في مسنده ومصنفه عن أبي معاوية فقال عن أبي سعيد كما قال أحمد وكذا رويناه من طريق أبي نعيم في المستخرج من رواية عبيد بن غنام عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبو نعيم أيضا من رواية أحمد ويحيى بن عبد الحميد وأبي خيثمة وأحمد بن جواس كلهم عن أبي معاوية فقال عن أبي سعيد وقال بعده أخرجه مسلم عن أبي بكر وأبي كريب
[ 29 ]
ويحيى بن يحيى فدل على ان الوهم وقع فيه ممن دون مسلم إذ لو كان عنده عن أبي هريرة لبينه أبو نعيم ويقوي ذلك أيضا ان الدارقطني مع جزمه في العلل بان الصواب انه من حديث أبي سعيد لم يتعرض في تتبعه أوهام الشيخين إلى رواية أبي معاوية هذه وقد أخرجه أبو عبيدة في غريب الحديث والجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم وخيثمة من طريق سعيد بن يحيى والاسماعيلي وابن حبان من طريق علي بن الجعد كلهم عن أبي معاوية فقالوا عن أبي سعيد وأخرجه بن ماجة عن أبي كريب أحد شيوخ مسلم فيه أيضا عن أبي معاوية فقال عن أبي سعيد كما قال الجماعة الا انه وقع في بعض النسخ عن بن ماجة اختلاف ففي بعضها عن أبي هريرة وفي بعضها عن أبي سعيد والصواب عن أبي سعيد لان بن ماجة جمع في سياقه بين جرير ووكيع وأبي معاوية ولم يقل أحد في رواية وكيع وجرير انها عن أبي هريرة وكل من أخرجها من المصنفين والمخرجين أورده عنهما من حديث أبي سعيد وقد وجدته في نسخة قديمة جدا قرئت في سنة بضع وسبعين وثلثمائة وهي في غاية الاتقان وفيها عن أبي سعيد واحتمال كون الحديث عند أبي معاوية عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة جميعا مستبعد إذ لو كان كذلك لجمعها ولو مرة فلما كان غالب ما وجد عنه ذكر أبي سعيد دون ذكر أبي هريرة دل على ان في قول من قال عنه عن أبي هريرة شذوذا والله اعلم وقد جمعهما أبو عوانة عن الاعمش ذكره الدارقطني وقال في العلل رواه مسدد وأبو كامل وشيبان عن أبي عوانة كذلك ورواه عفان ويحيى بن حماد عن أبي عوانة فلم يذكرا فيه أبا سعيد قال ورواه زيد بن أبي انيسة عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وكذلك قال نصر بن على عن عبد الله بن داود قال والصواب من روايات الاعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد لا عن أبي هريرة قال وقد رواه عاصم عن أبي صالح فقال عن أبي هريرة والصحيح عن أبي صالح عن أبي سعيد انتهى وقد سبق إلى ذلك على بن المديني فقال في العلل رواه الاعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد ورواه عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال والاعمش اثبت في أبي صالح من عاصم فعرف من كلامه ان من قال فيه عن أبي صالح عن أبي هريرة فقد شذ وكان سبب ذلك شهرة أبي صالح بالرواية عن أبي هريرة فيسبق إليه الوهم ممن ليس بحافظ واما الحفاظ فيميزون ذلك ورواية زيد بن أبي انيسة التي أشار إليها الدارقطني أخرجها الطبراني في الاوسط قال ولم يروه عن الاعمش الا زيد بن أبي انيسة ورواه شعبة وغيره عن الاعمش فقالوا عن أبي سعيد انتهى واما رواية عاصم فاخرجها النسائي في الكبرى والبزار في مسنده وقال ولم يروه عن عاصم الا زائدة وممن رواه عن الاعمش فقال عن أبي سعيد أبو بكر بن عياش عند عبد بن حميد ويحي بن عيسى الرملي عند أبي عوانة وأبو الاحوص عند بن أبي خيثمة وإسرائيل عند تمام الرازي واما ما حكاه الدارقطني عن رواية أبي عوانة فقد وقع لي من رواية مسدد وأبي كامل وشيبان عنه على الشك قال في روايته عن أبي سعيد أو أبي هريرة وأبو عوانة كان يحدث من حفظه فربما وهم وحديثه من كتابه اثبت ومن لم يشك أحق با لتقديم ممن شك والله اعلم وقد امليت على هذا الموضع جزءا مفردا لخصت مقاصده هنا بعون الله تعالى تكملة اختلف في ساب الصحابي فقال عياض ذهب الجمهور إلى انه يعزر وعن بعض المالكية يقتل وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين وقواه السبكي في
[ 30 ]
حق من كفر الشيخين وكذا من كفر من صرح النبي صلى الله عليه وسلم بايمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر بذلك عنه لما تضمن من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابع عشر حديث أبي موسى قوله عن شريك بن أبي نمر هو بن عبد الله وأبو نمر جده قوله خرج ووجهه ههنا كذا للاكثر بفتح الواو وتشديد الجيم أي توجه أو وجه نفسه وفي رواية الكشميهني بسكون الجيم بلفظ الاسم مضافا إلى الظرف أي جهة كذا قوله حتى دخل بئر اريس بفتح الالف وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة بستان بالمدينة معروف يجوز فيه الصرف وعدمه وهو بالقرب من قباء وفي بئرها سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من أصبع عثمان رضي الله عنه قوله وتوسط قفها بضم القاف وتشديد الفاء هو الداكة التي تجعل حول البئر واصله ما غلظ من الارض وارتفع والجمع فيه قفاف ووقع في رواية عثمان بن غياث عن أبي عثمان عند مسلم بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة وهو متكئ ينكت بعود معه بين الماء والطين قوله فقلت لاكونن بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم اليوم ظاهره انه اختار ذلك وفعله من تلقاء نفسه وقد صرح بذلك في رواية محمد بن جعفر عن شريك في الادب فزاد فيه ولم يامرني قال بن التين فيه ان المرء يكون بوابا للامام وان لم يأمره كذا قال وقد وقع في رواية أبي عثمان الآتية في مناقب عثمان عن أبي موسى ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمره بحفظ باب الحائط ووقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب في هذا الحديث فقال يا أبا موسى املك علي الباب فانطلق فقضى حاجته وتوضأ ثم جاء فقعد على قف البئر أخرجه أبو عوانة في صحيحه والروياني في مسنده وفي رواية الترمذي من طريق أبي عثمان عن أبي موسى فقال لي يا أبا موسى املك علي الباب فلا يدخلن علي أحد فيجمع بينهما بأنه لما حدث نفسه بذلك صادف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بان يحفظ عليه الباب واما قوله ولم يامرني فيريد انه لم يأمره ان يستمر بوابا وانما امره بذلك قدر ما يقضي حاجته ويتوضأ ثم استمر هو من قبل نفسه وسيأتي له توجيه اخر في خبر الواحد فبطل ان يستدل به لما قاله بن التين والعجب انه نقل ذلك بعد عن الداودي وهذا من مختلف الحديث وكأنه خفي عليه وجه الجمع الذي قررته ثم ان قول أبي موسى هذا لا يعارض قول أنس انه صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب كما سبق في كتاب الجنائز لان مراد أنس انه لم يكن له بواب مرتب لذلك على الدوام قوله فدفع الباب في رواية أبي بكر فجاء رجل يستأذن قوله يبشرك بالجنة زاد أبو عثمان في روايته فحمد الله وكذا قال في عمر قوله وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني كان لابي موسى اخوان أبورهم وأبو بردة وقيل ان له أخا اخر اسمه محمد واشهرهم أبو بردة واسمه عامر وقد خرج عنه أحمد في مسنده حديثا قوله فإذا انسان يحرك الباب فيه حسن الادب في الاستئذان قال بن التين ويحتمل ان يكون هذا قبل نزول قوله لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا قلت وما ابعد ما قال فقد وقع في رواية عبد الرحمن
[ 31 ]
بن حرملة فجاء رجل فاستأذن وسيأتي في اخر مناقب عمر من طريق أبي عثمان النهدي عن أبي موسى بلفظ فجاء رجل فاستفتح فعرف ان قوله يحرك الباب انما حركه مستأذنا لا دافعا له ليدخل بغير اذن قوله فقال عثمان فقلت على رسلك فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ائذن له في رواية أبي عثمان ثم جاء اخر يستأذن فسكت هنية ثم قال ائذن له قوله وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك في رواية أبي عثمان فحمد الله ثم قال الله المستعان وفي رواية عند أحمد فجعل يقول اللهم صبرا حتى جلس وفي رواية عبد الرحمن بن حرملة فدخل وهو يحمد الله ويقول اللهم صبرا ووقع في حديث زيد بن أرقم عند البيهقي في الدلائل قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم فقال انطلق حتى تأتي أبا بكر فقل له ان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك أبشر بالجنة ثم انطلق إلى عمر كذلك ثم انطلق إلى عثمان كذلك وزاد بعد بلاء شديد قال فانطلق فذكر انه وجدهم على الصفة التي قال له وقال أين نبي الله قلت في مكان كذا وكذا فانطلق إليه وقال في عثمان فأخذ بيدي حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان زيدا قال لي كذا والذي بعثك بالحق ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك فأي بلاء يصيبني قال هو ذاك قال البيهقي إسناده ضعيف فان كان محفوظا احتمل ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن أرقم قبل ان يجئ أبو موسى فلما جاؤوا كان أبو موسى قد قعد على الباب فراسلهم على لسانه بنحو ما أرسل به إليهم زيد بن أرقم والله اعلم قلت ووقع نحو قصة أبي موسى لبلال وذلك فيما أخرجه أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حوائط المدينة فقال لبلال امسك علي الباب فجاء أبو بكر يستأذن فذكر نحوه وأخرجه الطبراني في الاوسط من حديث أبي سعيد نحوه وهذا ان صح حمل على التعدد ثم ظهر لي ان فيه وهما من بعض رواته فقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو وفي حديثه ان نافع بن عبد الحارث هو الذي كان يستأذن وهو وهم أيضا فقد رواه أحمد من طريق موسى بن عقبة عن أبي سلمة عن نافع فذكره وفيه فجاء أبو بكر فاستأذن فقال لابي موسى فيما اعلم ائذن له وأخرجه النسائي من طريق أبي الزناد عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث عن أبي موسى وهو الصواب فرجع الحديث إلى أبي موسى واتحدت القصة والله اعلم وأشار صلى الله عليه وسلم بالبلوى المذكورة إلى ما أصاب عثمان في اخر خلافته من الشهادة يوم الدار وقد وردعنه صلى الله عليه وسلم أصرح من هذا فروى أحمد من طريق كليب بن وائل عن بن عمر قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فمر رجل فقال يقتل فيها هذا يومئذ ظلما قال فنظرت فإذا هو عثمان إسناده صحيح قوله فجلس وجاهه بضم الواو وبكسرها أي مقابله قوله قال شريك هو موصول بالاسناد الماضي قوله قال سعيد بن المسيب فأولتها قبورهم فيه وقوع التأويل في اليقظة وهو الذي يسمى الفراسة والمراد اجتماع الصاحبين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدفن وانفراد عثمان عنهم في البقيع وليس خصوص صورة الجلوس الواقعة وقد وقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال سعيد فاولت ذلك انتباذ قبره من قبورهم وسيأتي في الفتن بلفظ اجتمعت ههنا وانفرد عثمان ولو ثبت الخبر الذي أخرجه أبو نعيم عن عائشة في
[ 32 ]
صفة القبور الثلاثة أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره لكان فيه تمام التشبيه ولكن سنده ضعيف وعارضه ما هو أصح منه واخرج أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد قال قلت لعائشة يا اماه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فكشفت لي الحديث وفيه فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبو بكر رأسه بين كتفيه وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الثامن عشر قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وسعيد هو بن أبي عروبة قوله صعد أحداهو الجبل المعروف بالمدينة ووقع في رواية لمسلم ولابي يعلى من وجه اخر عن سعيد حراء والاول أصح ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة ثم ظهر لي ان الاختلاف فيه من سعيد فاني وجدته في مسند الحارث بن أبي أسامة عن روح بن عبادة عن سعيد فقال فيه أحدا أو حراء بالشك وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ حراء وإسناده صحيح وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ أحد وإسناده صحيح فقوي احتمال تعدد القصة وتقدم في اواخر الوقف من حديث عثمان أيضا نحوه وفيه حراء واخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يؤيد تعدد القصة فذكر انه كان على حراء ومعه المذكورون هنا وزاد معهم غيرهم والله اعلم قوله وأبو بكر وعمر قال بن التين انما رفع أبو بكر عطفا على الضمير المرفوع الذي في صعد وهو جائز اتفاقا لوجود الحائل وهو قوله أحدا وهو بخلاف قوله الاتي في اخر الباب كنت وأبو بكر وعمر وقوله اثبت وقع في مناقب عمر فضربه برجله وقال اثبت بلفظ الامر من الثبات وهو الاستقرار واحد منادى ونداؤه وخطابه يحتمل المجاز وحمله على الحقيقة أولى وقد تقدم شئ منه في قوله أحد جبل يحبنا ونحبه ويؤيده ما وقع في مناقب عمر انه ضربه برجله وقال اثبت قوله فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان في رواية يزيد بن زريع عن سعيد الآتية في مناقب عمر فما عليك الا نبي أو صديق أو شهيد وأو فيها للتنويع وشهيد للجنس الحديث التاسع عشر قوله حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله هو الرباطي واسم جده إبراهيم واما السرخسي فكنيته أبو جعفر واسم جده صخر قوله حدثنا صخر هو بن جويرية قوله بينا انا على بئر أي في المنام كما تقدم التصريح به في هذ الباب من حديث أبي هريرة بينا انا نائم وسبق من وجه اخر عن بن عمر قبل مناقب الصحابة بباب رأيت الناس مجتمعين في صعيد واحد ويأتي في مناقب عمر بلفظ رأيت في المنام قوله انزع منها أي املا الماء بالدلو قوله فنزع ذنوبا أو ذنوبين بفتح المعجمة وبالنون واخره موحدة الدلو الكبيرة إذا كان فيها الماء واتفق من شرح هذا الحديث على ان ذكر الذنوب إشارة إلى مدة خلافته وفيه نظر لانه ولي سنتين وبعض سنة فلو كان ذلك المراد لقال ذنوبين أو ثلاثة والذي يظهر لي ان ذلك إشارة إلى ما فتح في زمانه من الفتوح الكبار وهي ثلاثة ولذلك لم يتعرض في ذكر عمر إلى عدد ما نزعه من الدلاء وانما وصف نزعه بالعظمة إشارة إلى كثرة ما وقع في خلافته من الفتوحات والله اعلم وقد ذكر الشافعي تفسير هذا الحديث في الام فقال بعد ان ساقه ومعنى قوله وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لاهل الردة عن الافتتاح والازدياد الذي بلغه عمر في طول مدته انتهى فجمع في كلامه ما تفرق في كلام غيره ويؤيد ذلك ما وقع في حديث بن مسعود في نحو هذه القصة فقال قال النبي صلى الله عليه وسلم
[ 33 ]
فاعبرها يا أبا بكر فقال الي الامر من بعدك ثم يليه عمر قال كذلك عبرها الملك أخرجه الطبراني لكن في إسناده أيوب بن جابر وهو ضعيف قوله وفي نزعه ضعف أي انه على مهل ورفق قوله والله يغفر له قال النووي هذا دعاء من المتكلم أي انه لا مفهوم له وقال غيره فيه إشارة إلى قرب وفاة أبي بكر وهو نظير قوله تعالى لنبيه عليه السلام فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا فانها إشارة إلى قرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قلت ويحتمل ان يكون فيه إشارة إلى ان قلة الفتوح في زمانه لا صنع له فيه لان سببه قصر مدته فمعنى المغفرة له رفع الملامة عنه قوله فاستحالت في يده غربا بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي دلوا عظيمة قوله فلم ار عبقريا بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها قاف مفتوحة وراء مكسورة وتحتانية ثقيلة والمراد به كل شئ بلغ النهاية واصله ارض يسكنها الجن ضرب بها العرب المثل في كل شئ عظيم وقيل قرية يعمل فيها الثياب البالغة في الحسن وسيأتي بقية ما فيه في مناقب عمر قوله يفري بفتح أوله وسكون الفاء وكسر الراء وسكون التحتانية وقوله فرية بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد التحتانية المفتوحة وروي بسكون الراء وخطأه الخليل ومعناه يعمل عمله البالغ ووقع في حديث أبي عمر ينزع نزع عمرا قوله حتى ضرب الناس بعطن بفتح المهملتين واخره نون هو مناخ الابل إذا شربت ثم صدرت وسيأتي في مناقب عمر بلفظ حتى روي الناس وضربوا بعطن ووقع في حديث أبي الطفيل بإسناد حسن عند البزار والطبراني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا انا انزع الليلة إذ وردت علي غنم سود وعفر فجاء أبو بكر فنزع فذكره وقال في عمر فملا الحياض واروى الواردة وقال فيه فاولت السود العرب والعفر العجم قوله قال وهب هو بن جرير شيخ شيخه في هذا الحديث وكلاما هذا موصول بالسند المذكور وقوله يقول حتى رويت الابل فأناخت هو مقول وهب المذكور وسيأتي شئ من مباحثه في كتاب التعبير ان شاء الله تعالى قال البيضاوي أشار بالبئر إلى الدين الذي هو منبع ماؤه حياة النفوس وتمام أمر المعاش والمعاد والنزع منه إخراج الماء وفيه إشارة إلى اشاعة امره واجراء احكامه وقوله يغفر الله له إشارة إلى ان ضعفه المراد به الرفق غير قادح فيه أو المراد بالضعف ما وقع في أيامه من أمر الردة واختلاف الكلمة إلى ان اجتمع ذلك في اخر أيامه وتكمل في زمان عمر واليه الاشارة بالقوة وقد وقع عند أحمد من حديث سمرة ان رجلا قال يا رسول الله رأيت كأن دلوا من السماء دليت فجاء أبو بكر فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر فشرب حتى تضلع الحديث ففي هذا إشارة إلى بيان المراد بالنزع الضعيف والنزع القوي والله اعلم الحديث العشرون رضي الله تعالى عنهما قوله حدثنا الوليد بن صالح هو أبو محمد الضبي الجزري النخاس بالنون والخاء المعجمة وثقه أبو حاتم وغيره ولم يكتب عنه أحمد لانه كان من أصحاب الرأي فراه يصلي فلم تعجبه صلاته وليس له في البخاري الا هذا الحديث الواحد وسيأتي من وجه اخر في مناقب عمر عن بن أبي حسين فظهر ان البخاري لم يحتج به قوله كنت وأبو بكر وعمر قال بن التين الاحسن عند النحاة ان لا يعطف على الضمير المرفوع الا بعد تأكيده حتى قال بعضهم انه قبيح لكن يرد عليهم قوله تعالى ما أشركنا ولا اباؤنا وأجيب بأنه قد وقع الحائل وهو قوله لا وتعقب بان العطف قد حصل قبل لا قال ويرد عليهم أيضا هذا الحديث انتهى والتعقيب مردود فإنه وجد فاصل في الجملة واما هذا الحديث فلم تتفق الرواة على لفظه
[ 34 ]
وسيأتي في مناقب عمر من وجه اخر بلفظ ذهبت انا وأبو بكر وعمر فعطف مع التأكيد مع اتحاد المخرج فدل على انه من تصرف الروا وسيأتي شرح هذا الحديث قريبا في مناقب عمر ان شاء الله تعالى الحديث الحادي والعشرون قوله حدثنا محمد بن يزيد الكوفي قيل هو أبو هشام الرفاعي وهو مشهور بكنيته وقال الحاكم والكلاباذي هو غيره ووقع في رواية بن السكن عن الفربري محمد بن كثير وهو وهم نبه عليه أبو علي الجياني لان محمد بن كثير لا تعرف له رواية عن الوليد والوليد هو بن مسلم وسيأتي الحديث في باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة من وجه اخر عن الوليد وفيه تصريحه وتصريح الاوزاعي بالتحديث ويأتي شرحه هناك ان شاء الله تعالى فائدة مات أبو بكر رضي الله عنه بمرض السل على ما قاله الزبير بن بكار وعن الواقدي انه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما وقيل بل سمته اليهود في حريرة أو غيرها وذلك على الصحيح لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة فكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة اشهر واياما وقيل غير ذلك ولم يختلفوا انه استكمل سن النبي صلى الله عليه وسلم فمات وهو بن ثلاث وستين والله اعلم قوله باب مناقب عمر بن الخطاب أي بن نفيل بنون وفاء مصغر بن عبد العزى بن رياح بكسر الراء بعدها تحتانية واخره مهملة بن عبد الله بن قرط بن رزاح بفتح الراء بعدها زاي واخره مهملة بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب وعدد ما بينهما من الاباء إلى كعب متفاوت بواحد بخلاف أبي بكر فبين النبي صلى الله عليه وسلم وكعب سبعة اباء وبين عمر وبين كعب ثمانية وأم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابنة عم أبي جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة ووقع عند بن منده انها بنت هشام أخت أبي جهل وهو تصحيف نبه عليه بن عبد البر قوله أبي حفص القرشي العدوي امكنيته فجاء في السيرة لابن إسحاق ان النبي صلى الله عليه وسلم كناه بها وكانت حفصة أكبر أولاده واما لقبه فهو الفاروق باتفاق فقيل أول من لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه عن طريق بن عباس عن عمر ورواه بن سعد من حديث عائشة وقيل أهل الكتاب أخرجه بن سعد من الزهري وقيل جبريل رواه البغوي ثم ذكر المصنف في هذه الترجمة ستة عشر حديثا الحديث الاول حديث جابر وهو مشتمل على ثلاثة أحاديث قوله حدثنا عبد العزيز بن الماجشون كذا لابي ذر وسقط لفظ بن من رواية غيره وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المدني والماجشون لقب جده وتلقب به أولاده قوله حدثنا محمد بن المنكدر هكذا رواه الاكثر بن الماجشون ورواه صالح بن مالك عنه عن حميد عن أنس أخرجه البغوي في فوائده فلعل لعبد العزيز فيه شيخين ويؤيده اقتصاره في حديث حميد على قصة القصر فقط وقد أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان من وجه اخر عن حميد كذلك قوله رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة هي أم سليم والرميصاء بالتصغير صفة لها لرمض كان بعينها واسمها سهلة وقيل رميلة وقيل غير ذلك وقيل هو اسمها ويقال فيه بالغين المعجمة بدل الراء وقيل هو اسم أختها أم حرام وقال أبو داود هو اسم أخت أم سليم من الرضاعة وجوز بن التين ان يكون المراد امرأة أخرى لابي طلحة وقوله رأيتني بضم المثناة والضمير من المتكلم وهو من خصائص افعال القلوب قوله وسمعت خشفة
[ 35 ]
بفتح المعجمتين والفاء أي حركة وزنا ومعنى ووقع لاحمد سمعت خشفا يعني صوتا قال أبو عبيد الخشفة الصوت ليس بالشديد قيل واصل صوت دبيب الحية ومعنى الحديث هنا ما يسمع من حس وقع القدم قوله فقلت من هذا فقال هذا بلال وهذا قد تقدم في صلاة الليل من حديث أبي هريرة مطولا وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق به وتقدم بعض الكلام عليه في صفة الجنة حيث اورد هناك من حديث أبي هريرة قوله ورأيت قصرا بفنائه جارية في حديث أبي هريرة الذي بعده تتوضأ إلى جانب قصر وفي حديث أنس عند الترمذي قصر من ذهب والفناء بكسر الفاء وتخفيف النون مع المد جانب الدار قوله فقلت لمن هذا فقال في رواية الكشميهني فقالوا والظاهر ان المخاطب له بذلك جبريل أو غيره من الملائكة وقد افرد هذه القصة في النكاح وفي التعبير من وجه اخر عن بن المنكدر قوله فذكرت غيرتك في الرواية التي في النكاح فأردت ان أدخله فلم يمنعني الا علمي بغيرتك ووقع في رواية بن عيينة عن بن المنكدر وعمرو بن دينار جميعا عن جابر في هذه القصة الاخيرة دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا يسمع فيه ضوضاء فقلت لمن هذا فقيل لعمر والضوضاء بمعجمتين مفتوحتين بينهما واو وبالمد ووقع في حديث أبي هريرة ان عمر بكى ويأتي في النكاح بلفظ فبكى عمر وهو في المجلس وقوله بابي وامي أي أفديك بهما وقوله أعليك اغار معدود من القلب والاصل أعليها اغار منك قال بن بطال فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه قال وبكاء عمر يحتمل ان يكون سرورا ويحتمل ان يكون تشوقا أو خشوعا ووقع في رواية أبي بكر بن عياش عن حميد من الزيادة فقال عمر وهل رفعني الله الا بك وهل هداني الله الا بك رويناه في فوائد عبد العزيز الحربي من هذا الوجه وهي زيادة غريبة الحديث الثاني حديث أبي هريرة في المعنى ذكره مقتصرا على قصة رؤيا المرأة إلى جانب القصر وزاد فيه قالوا لعمر فذكرت غيرته فوليت مدبرا وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مراعاة الصحبة وفيه فضيلة ظاهرة لعمر وقوله فيه تتوضأ يحتمل ان يكون على ظاهره ولا ينكر كونها تتوضأ حقيقة لان الرؤيا وقعت في زمن التكليف والجنة وان كان لا تكليف فيها فذاك في زمن الاستقرار بل ظاهر قوله تتوضأ إلى جانب قصر انها تتوضأ خارجة منه أو هو على غير الحقيقة ورؤيا المنام لاتحمل دائما على الحقيقة بل تحتمل التأويل فيكون معنى كونها تتوضأ انها تحافظ في الدنيا على العبادة أو المراد بقوله تتوضأ أي تستعمل الماء لاجل الوضاءة على مدلوله اللغوي وفيه بعد وأغرب بن قتيبة وتبعه الخطابي فزعم ان قوله تتوضأ تصحيف وتغيير من الناسخ وانما الصواب امرأة شوهاء ولم يستند في هذه الدعوى الا على استبعاد ان يقع في الجنة وضوء لانه لا عمل فيها وعدم الاطلاع على المراد من الخبر لا يقتضي تغليط الحفاظ ثم اخذ الخطابي في نقل كلام أهل اللغة في تفسير الشوهاء فقيل هي الحسناء ونقله عن أبي عبيدة وانما تكون حسناء إذا وصفت بها الفرس قال الجوهري فرس شوهاء صفة محمودة والشوهاء الواسعة الفم وهو مستحسن في الخيل والشوهاء من النساء القبيحة كما جزم به بن الاعرابي وغيره وقد تعقب القرطبي كلام الخطابي لكن نسبه إلى بن قتيبة فقط قال بن قتيبة بدل تتوضأ شوهاء ثم نقل ان الشوهاء تطلق على القبيحة والحسناء قال القرطبي والوضوء هنا لطلب زيادة الحسن لا للنظافة لان الجنة
[ 36 ]
منزهة عن الاوساخ والاقذار وقد ترجم عليه البخاري في كتاب التعبير باب الوضوء في المنام فبطل ما تخيله الخطابي وفي الحديث فضيلة الرميصاء وانها كانت مواظبة على العبادة كذا نقله بن التين عن غيره وفيه نظر الحديث الثالث قوله حدثنا محمد بن الصلت أبو جعفر هو الاسيدي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وله شيخ اخر يقال له محمد بن الصلت يكنى أبا يعلى وهو بصري وأبو جعفر أكبر من أبي يعلى واقدم سماعا قوله شربت يعني اللبن كذا أورده مختصرا وسيأتي في التعبير عن عبدان عن بن المبارك بلفظ بينا انا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه أي من ذلك اللبن قوله حتى انظر إلى الري في رواية عبدان حتى اني ويجوز فتح همزة اني وكسرها ورؤية الري على سبيل الاستعارة كأنه لما جعل الري جسما أضاف إليه ما هو من خواص الجسم وهو كونه مرئيا واما قوله انظر فانما اتي به بصيغة المضارعة والاصل انه ماض استحضار الصورة الحال وقوله انظر يؤيد ان قوله أرى في الرواية التي في العلم من رؤية البصر لا من العلم والري بكسر الراء ويجوز فتحها قوله يجري أي اللبن أو الري وهو حال قوله في ظفري أو اظفاري شك من الراوي وفي رواية عبدان من اظفاري ولم يشك وكذا في رواية عقيل في العلم لكن قال في اظفاري قوله ثم ناولت عمر في رواية عبدان ثم ناولت فضلي يعني عمر وفي رواية عقيل في العلم ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قوله قالوا فما اولته أي عبرته قال العلم بالنصب أي اولته العلم وبالرفع أي المؤول به هو العلم ووقع في جزء الحسين بن عرفة من وجه اخر عن بن عمر قال فقالوا هذا العلم الذي آتاكه الله حتى إذا امتلات فضلت منه فضلة فاخذها عمر قال اصبتم وإسناده ضعيف فإن كان محفوظا احتمل ان يكون بعضهم أول وبعضهم سأل ووجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع وكونهما سببا للصلاح فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي وفي الحديث فضيلة عمر وان الرؤيا من شأنها ان لاتحمل على ظاهرها وان كانت رؤيا الانبياء من الوحي لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره وسيأتي تقرير ذلك في كتاب التعبير ان شاء الله تعالى والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان فان مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الاسباب في الاختلاف ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعا في خلافة عثمان فانتشرت الاقوال واختلفت الاراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن إلى ان افضى الامر إلى قتله واستخلف علي فما ازداد الامر الا اختلافا والفتن الا انتشارا الحديث الرابع حديث بن عمر في رؤية النزع من البئر وقد تقدم قريبا في مناقب أبي بكر قوله حدثنا عبيد الله هو بن عمر العمري قوله حدثني أبو بكر بن سالم أي بن عبد الله بن عمر وهو من اقران الراوي عنه وهما مدنيان من صغار التابعين واما أبو سالم فمعدود من كبارهم وهو أحد الفقهاء السبعة وليس لابي بكر بن سالم في البخاري غير هذا الموضع ووثقه العجلي ولا يعرف له راو الا عبيد الله بن عمر المذكور وانما اخرج له البخاري في المتابعات وقد مضى الحديث من طريق الزهري عن سالم قوله بدلو بكرة بفتح الموحدة والكاف على المشهور وحكى بعضهم تثليث أوله ويجوز اسكانها على ان المراد نسبة الدلو إلى
[ 37 ]
الانثى من الابل وهي الشابة أي الدلو التي يسقي بها واما بالتحريك فالمراد الخشبة المستديرة التي يعلق فيها الدلو قوله قال بن جبير العبقري عتاق الزرابي وصله عبد بن حميد من طريقه وكذا رويناه في صفة الجنة لابي نعيم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير قال في قوله تعالى متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان قال الرفرف رياض الجنة والعبقري الزرابي ووقع في رواية الاصيلي وكريمة وبعض النسخ عن أبي ذر هنا قال بن نمير وقيل المراد محمد بن عبد الله بن نمير شيخ المصنف فيه وسيأتي بسط القول في كتاب التعبير والمراد بالعتاق الحسان والزرابي جمع زربية وهي البساط العريض الفاخر قال في المشارق العبقري النافذ الماضي الذي لا شئ يفوقه قال أبو عمر وعبقري القوم سيدهم وقيمهم وكبيرهم وقال الفراء العبقري السيد والفاخر من الحيوان والجوهر والبساط المنقوش وقيل هو منسوب إلى عبقر موضع بالبادية وقيل قرية يعمل فيها الثياب البالغة في الحسن والبسط وقيل نسبة إلى ارض تسكنها الجن تضرب بها العرب المثل في كل شئ عظيم قاله أبو عبيدة قال بن الاثير فصاروا كلما رأوا شيئا غريبا مما يصعب عمله ويدق أو شيئا عظيما في نفسه نسبوه إليها فقالوا عبقري ثم اتسع فيه حتى سمي به السيد الكبير ثم استطرد المصنف كعادته فذكر معنى صفة الزرابي الواردة في القران في قوله تعالى وزرابي مبثوثة قوله وقال يحيى هو بن زياد الفراء ذكر ذلك في كتاب معاني القران له وظن الكرماني انه يحيى بن سعيد القطان فجزم بذلك واستند إلى كون الحديث ورد من روايته كما تقدم في مناقب أبي بكر قوله الطنافس هي جمع طنفسة وهي البساط قوله لها خمل بفتح المعجمة والميم بعدها لام أي اهداب وقوله رقيق أي غير غليظة قوله مبثوثة كثيرة هو بقية كلام يحيى بن زياد المذكور الحديث الخامس قوله عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد أي بن الخطاب وفي الاسناد أربعة من التابعين على نسق قرينان وهما صالح وهوبن كيسان وابن شهاب وقريبان وهما عبد الحميد ومحمد بن سعد وكلهم مدنيون قوله استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش هن من أزواجه ويحتمل ان يكون معهن من غيرهن لكن قرينة قوله يستكثرنه يؤيد الاول والمراد انهن يطلبن منه أكثر مما يعطيهن وزعم الداودي ان المراد انهن يكثرن الكلام عنده وهو مردود بما وقع التصريح به في حديث جابر عند مسلم انهن يطلبن النفقة قوله عالية بالرفع على الصفة وبالنصب على الحال وقوله اصواتهن على صوته قال بن التين يحتمل ان يكون ذلك قبل نزول النهي عن رفع الصوت على صوته أو كان ذلك طبعهن انتهوقال غيره يحتمل ان يكون الرفع حصل من مجموعهن لا ان كل واحدة منهن كان صوتها ارفع من صوته وفيه نظر قيل ويحتمل ان يكون فيهن جهيرة أو النهي خاص بالرجال وقيل في حقهن للتنزيه أو كن في حال المخاصمة فلم يتعمدن أو وثقن بعفوه ويحتمل في الخلوة ما لا يحتمل في غيرها قوله اضحك الله سنك لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك بل لازمه وهو السرور أو نفي ضد لازمه وهو الحزن قوله اتهبنني من الهيبة أي توقرنني قوله أنت أفظ وأغلظ بالمعجمتين بصيغة افعل التفضيل من الفظاظة والغلظة وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل ويعارضه قوله تعالى ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فإنه يقتضي انه لم يكن فظا ولا غليظا والجواب ان الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة لازمة فلا يستلزم ما في الحديث ذلك بل مجرد وجود الصفة له في بعض الاحوال
[ 38 ]
وهو عند إنكار المنكر مثلا والله اعلم وجوز بعضهم ان الافظ هنا بمعنى الفظ وفيه نظر للتصريح بالترجيح المقتضي لحمل افعل على بابه وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بما يكره الا في حق من حقوق الله وكان عمر يبالغ في الزجر عن المكروهات مطلقا وطلب المندوبات فلهذا قال النسوة له ذلك قوله أيها يا بن الخطاب قال أهل اللغة أيها بالفتح والتنوين معناها لا تبتدئنا بحديث وبغير تنوين كف من حديث عهدناه وايه بالكسر والتنوين معناها حدثنا ما شئت وبغير التنوين معناها زدنا مما حدثتنا ووقع في روايتنا بالنصب والتنوين وحكى بن التين انه وقع له بغير تنوين وقال معناه كف عن لومهن وقال الطيبي الامر بتوقيع ررسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوب لذاته تحمد الزيادة منه فكان قوله صلى الله عليه وسلم ايه استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه ولذلك عقبه بقوله والذي نفسي بيده الخ فإنه يشعر بأنه رضي مقالته وحمد فعاله والله اعلم قوله فجا أي طريقا واسعا وقوله قط تأكيد للنفي قوله الا سلك فجا غير فجك فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي ان الشيطان لا سبيل له عليه لا ان ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه الا فرار الشيطان منه ان يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته فان قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لانه إذا منع من السلوك في طريق فأولى ان لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن ان يكون حفظ من الشيطان ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لانها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الاوسط بلفظ ان الشيطان لا يلقى عمر منذ اسلم الا خر لوجهه وهذا دل على صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض وقال النووي هذا الحديث محمول على ظاهره وان الشيطان يهرب إذا رآه وقال عياض يحتمل ان يكون ذاك على سبيل ضرب المثل وان عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان والاول أولى انتهى الحديث السادس قوله حدثنا يحيى بن سعيد القطان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وعبد الله هو بن مسعود ووقع في رواية بن عيينة عن إسماعيل كما سيأتي في باب إسلام عمر التصريح بذلك قوله ما زلنا اعزة منذ اسلم عمر أي لما كان فيه من الجلد والقوة في أمر الله وروى بن أبي شيبة والطبراني من طريق القاسم بن عبد الرحمن قال قال عبد الله بن مسعود كان إسلام عمر عزا وهجرته نصرا وامارته رحمة والله ما استطعنا ان نصلي حول البيت ظاهرين حتى اسلم عمر وقد ورد سبب إسلامه مطولا فيما أخرجه الدارقطني من طريق القاسم بن عثمان عن أنس قال خرج عمر متقلدا السيف فلقيه رجل من بني زهرة فذكر قصة دخول عمر على أخته وانكاره اسلامها واسلام زوجها سعيد بن زيد وقراءته سورة طه ورغبته في الاسلام فخرج خباب فقال أبشر يا عمر فاني ارجو ان تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك قال اللهم أعز الاسلام بعمر أو بعمرو بن هشام وروى أبو جعفر بن أبي شيبة نحوه في تاريخه من حديث بن عباس وفي اخره فقلت يا رسول الله ففيم الاختفاء فخرجنا في صفين انا في أحدهما وحمزة في الاخر فنظرت قريش إلينا فاصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها وأخرجه البزار من طريق اسلم مولى عمر عن عمر مطولا وروى بن أبي خيثمة من حديث عمر نفسه قال لقد رأيتني وما اسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تسعة وثلاثون رجلا فكملتهم أربعين فأظهر الله دينه واعز
[ 39 ]
الاسلام وروى البزار نحوه من حديث بن عباس وقال فيه فنزل جبريل فقال يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين وفي فضائل الصحابة لخيثمة من طريق أبي وائل عن بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ايد الاسلام بعمر ومن حديث علي مثله بلفظ أعز وفي حديث عائشة مثله أخرجه الحاكم بإسناد صحيح وأخرجه الترمذي من حديث بن عمر بلفظ اللهم أعز الاسلام بأحب الرجلين إليك بابي جهل أو بعمر قال فكان احبهما إليه عمر قال الترمذي حسن صحيح قلت وصححه بن حبان أيضا وفي إسناده خارجة بن عبد الله صدوق فيه مقال لكن له شاهد من حديث بن عباس أخرجه الترمذي أيضا ومن حديث أنس كما قدمته في القصة المطولة ومن طريق اسلم مولى عمر عن عمر عن خباب وله شاهد مرسل أخرجه بن سعد من طريق سعيد بن المسيب والاسناد صحيح إليه وروى بن سعد أيضا من حديث صهيب قال لما اسلم عمر قال المشركون انتصف القوم منا وروى البزار والطبراني من حديث بن عباس نحوه قوله في السند أخبرنا عمر بن سعيد أي بن أبي حسين ووقع في رواية الفابسي سعد بسكون العين وهو وهم الحديث السابع حديث بن عباس قال وضع عمر على سريره فتكنفه الناس بنون وفاء أي احاطوا به من جميع جوانبه والاكناف النواحي قوله وضع عمر على سريره تقدم في اخر مناقب أبي بكر بلفظ اني لواقف مع قوم وقد وضع عمر على سريره أي لما مات وهي جملة حالية من عمر قوله فلم يرعني أي لم يفزعني والمراد انه رآه بغتة قوله الا رجل اخذ بوزن فاعل وفي رواية الكشميهني اخذ بلفظ الفعل الماضي قوله فترحم على عمر تقدم في مناقب أبي بكر بلفظ فقال يرحمك الله قوله احب يجوز نصبه ورفعه واني يجوز فيه الفتح والكسر وفي هذا الكلام ان عليا كان لا يعتقد ان لاحد عملا في ذلك الوقت أفضل من عمل عمر وقد اخرج بن أبي شيبة ومسدد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحو هذا الكلام وسنده صحيح وهو شاهد جيد لحديث بن عباس لكون مخرجه عن ال علي رضي الله عنه قوله مع صاحبيك يحتمل ان يريد ما وقع وهو دفنه عندهما ويحتمل ان يريد بالمعية ما يئول إليه الامر بعد الموت من دخول الجنة ونحو ذلك والمراد بصاحبيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقوله وحسبت اني يجوز فتح الهمزة وكسرها وتقدم في مناقب أبي بكر بلفظ لاني كثيرا ما كنت اسمع واللام للتعليل وما إبهامية مؤكدة وكثيرا ظرف زمان وعامله كان قدم عليه وهو كقوله تعالى قليلا ما تشكرون ووقع للاكثر كثيرا مما كنت اسمع بزيادة من ووجهت بان التقدير اني أجد كثيرا مما كنت اسمع الحديث الثامن حديث اثبت أحد تقدم شرحه في مناقب أبي بكر قوله وقال لي خليفة هو بن خياط ومحمد بن سواء بمهملة وتخفيف ومد هو السدوسي البصري اخرج له هنا وفي الادب وكهمس بمهملة وزن جعفر هو بن المنهال سدوسي أيضا بصري ما له في البخاري غير هذا الموضع وسعيد هو بن أبي عروبة وسقط جميع ذلك من رواية أبي ذر في بعض النسخ واقتصر على طريق يزيد بن زريع قوله فما عليك الا نبي أو صديق أو شهيد تقدم في مناقب أبي بكر بلفظ فانما عليك نبي وصديق وشهيدان فتكون أو في حديث الباب بمعنى الواو ويكون لفظ شهيد للجنس ووقع لبعضهم بلفظ نبي وصديق أو شهيد فقيل أو بمعنى الواو وقيل تغيير الاسلوب للاشعا بمغايرة الحال لان صفتي النبوة والصديقية كانتا حاصلتين حينئذ بخلاف صفة الشهادة فانها لم تكن
[ 40 ]
وقعت حينئذ الحديث التاسع قوله حدثني عمر هو بن محمد ووقع في رواية حرملة عن بن وهب حدثني عمر بن محمد بن زيد أي بن عبد الله بن عمر قوله سألني بن عمر عن بعض شانه يعني عمر ويريد ان بن عمر سأل اسلم مولى عمر عن بعض شان عمر قوله فقال ما رأيت هو مقول بن عمر قوله أجد بفتح الجيم والتشديد افعل من جد إذا اجتهد واجود افعل من الجود قوله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل ان يكون المراد بالبعدية في الصفات ولا يتعرض فيه للزمان فيتناول زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعده فيشكل بابي بكر الصديق وبغيره من الصحابة ممن كان يتصف بالجود المفرط أو بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكل بابي بكر الصديق أيضا ويمكن تأويله بزمان خلافته واجود افعل من الجود أي لم يكن أحد أجد منه في الامور ولا أجود بالاموال وهو محمول على وقت مخصوص وهو مدة خلافته ليخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من ذلك قوله حتى انتهى أي إلى اخر عمره وهذا بناء على ان فاعل انتهى عمر وقائل ذلك بن عمر ويحتمل ان يكون فاعل انتهى بن عمر أي انتهى في الانصاف بعد أجد واجود حتى فرغ مما عنده وقائل ذلك نافع والله اعلم الحديث العاشر حديث أنس ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة هو ذو الخويصرة اليماني وزعم بن بشكوال انه أبو موسى الاشعري أو أبو ذر ثم ساق من حديث أبي موسى قلت يا رسول الله المرء يحب القوم ولما يلحق بهم ومن حديث أبي ذر فقلت يا رسول الله المرء يحب القوم ولا يستطيع ان يعمل بعملهم وسؤال هذين انما وقع عن العمل والسؤال في حديث الباب انما وقع عن الساعة فدل على التعدد وسيأتي في الادب من طريق اخر عن أنس ان السائل عن الساعة أعرابي وكذا وقع عند الدارقطني من حديث أبي مسعود ان الاعرابي الذي بال في المسجد قال يا محمد متى الساعة قال وما أعددت لها فدل ان السائل في حديث أنس هو الاعرابي الذي بال في المسجد وتقدم في الطهارة انه ذو الخويصرة اليماني كما أخرجه أبو موسى المديني في دلائل معرفة الصحابة وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الادب والمراد منه ذكر أبي بكر وعمر في حديث أنس هذا وانه قرنهما في العمل بالنبي صلى الله عليه وسلم والله اعلم الحديث الحادي عشر حديث أبي هريرة أورده من وجهين قوله عن أبي هريرة كذا قال أصحاب إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة وخالفهم بن وهب فقال عن إبراهيم بن سعد بهذا الاسناد عن أبي سلمة عن عائشة قال أبو مسعود لا اعلم أحدا تابع بن وهب على هذا والمعروف عن إبراهيم بن سعد انه عن أبي هريرة لا عن عائشة وتابعه زكريا بن أبي زائدة عن إبراهيم بن سعد يعني كما ذكره المصنف معلقا هنا وقال محمد بن عجلان عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة أخرجه مسلم والترمذي والنسائي قال أبو مسعود وهو مشهور عن بن عجلان فكان أبا سلمة سمعه من عائشة ومن أبي هريرة جميعا قلت وله أصل من حديث عائشة أخرجه بن سعد من طريق بن أبي عتيق عنها وأخرجه من حديث خفاف بن إيماء انه كان يصلي مع عبد الرحمن بن عوف فإذا خطب عمر سمعه يقول اشهد انك مكلم قوله محدثون بفتح الدال جمع محدث واختلف في تأويله فقيل ملهم قاله الاكثر قالوا المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقى في روعه شئ من قبل الملا الاعلى فيكون كالذي حدثه غيره به وبهذا جزم أبو أحمد
[ 41 ]
العسكري وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ولفظه قيل يا رسول الله وكيف يحدث قال تتكلم الملائكة على لسانه رويناه في فوائد الجوهري وحكاه القابسي وآخرون ويؤيده ما ثبت في الرواية المعلقة ويحتمل رده إلى المعنى الاول أي تكلمه في نفسه وان لم ير مكلما في الحقيقة فيرجع إلى الالهام وفسره بن التين بالتفرس ووقع في مسند الحميدي عقب حديث عائشة المحدث الملهم بالصواب الذي يلقي على فيه وعند مسلم من رواية بن وهب ملهمون وهي الاصابة بغير نبوة وفي رواية الترمذي عن بعض أصحاب بن عيينة محدثون يعني مفهمون وفي رواية الاسماعيلي قال إبراهيم يعني بن سعد راويه قوله محدث أي يلقي في روعه انتهى ويؤيده حديث ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه أخرجه الترمذي من حديث بن عمر وأحمد من حديث أبي هريرة والطبراني من حديث بلال وأخرجه في الاوسط من حديث معاوية وفي حديث أبي ذر عند أحمد وأبي داود يقول به بدل قوله وقلبه وصححه الحاكم وكذا أخرجه الطبراني في الاوسط من حديث عمر نفسه قوله زاد زكريا بن أبي زائدة عن سعد هو بن إبراهيم المذكور وفي روايته زيادتان إحداهما بيان كونهم من بني إسرائيل والثانية تفسير المراد بالمحدث في رواية غيره فإنه قال بدلها يكلمون من غير ان يكونوا أنبياء قوله منهم أحد في رواية الكشميهني من أحد ورواية زكريا وصلها الاسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما وقوله وان يك في أمتي قيل لم يورد هذا القول مورد الترديد فان أمته أفضل الامم وإذا ثبت ان ذلك وجد في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى وانما أورده مورد التأكيد كما يقول الرجل ان يكن لي صديق فإنه فلان ويريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الاصدقاء ونحوه قول الاجير ان كنت عملت لك فوفني حقي وكلاهما عالم بالعمل لكن مراد القائل ان تأخيرك حقي عمل من عنده شك في كوني عملت وقيل الحكمة فيه ان وجودهم في بني إسرائيل كان قد تحقق وقوعه وسبب ذلك احتياجهم حيث لا يكون حينئذ فيهم نبي واحتمل عنده صلى الله عليه وسلم ان لا تحتاج هذه الامة إلى ذلك لاستغنائها بالقران عن حدوث نبي وقد وقع الامر كذلك حتى ان المحدث منهم إذا تحقق وجوده لا يحكم بما وقع له بل لابد له من عرضه على القران فان وافقه أو وافق السنة عمل به والا تركه وهذا وان جاز ان يقع لكنه نادر ممن يكون امره منهم مبنيا على اتباع الكتاب والسنة وتمحضت الحكمة في وجودهم وكثرتهم بعد العصر الاول في زيادة شرف هذه الامة بوجود أمثالهم فيه وقد تكون الحكمة في تكثيرهم مضاهاة بني إسرائيل في كثرة الانبياء فيهم فلما فات هذه الامة كثرة الانبياء فيها لكون نبيها خاتم الانبياء عوضوا بكثرة الملهمين وقال الطيبي المراد بالمحدث الملهم البالغ في ذلك مبلغ النبي صلى الله عليه وسلم في الصدق والمعنى لقد كان فيما قبلكم من الامم أنبياء ملهمون فان يك في أمتي أحد هذا شانه فهو عمر فكأنه جعله في انقطاع قرينه في ذلك هل نبي أم لا لذلك اتى بلفظ ان ويؤيد حديث لو كان بعدي نبي لكان عمر فلو فيه بمنزلة ان في الاخر على سبيل الفرض والتقدير انتهى والحديث المشار إليه أخرجه أحمد والترمذي وحسنة وابن حبان والحاكم من حديث عقبة بن عامر وأخرجه الطبراني في الاوسط من حديث أبي سعيد ولكن في تقرير الطيبي نظر لانه وقع في نفس الحديث
[ 42 ]
من غير ان يكونوا أنبياء ولا يتم مراده الا بفرض انهم كانوا أنبياء قوله قال بن عباس من نبي ولا محدث أي في قوله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا إذا تمنى الآية كان بن عباس زاد فيها ولا محدث أخرجه سفيان بن عيينة في اواخر جامعه وأخرجه عبد بن حميد من طريقه وإسناده إلى بن عباس صحيح ولفظه عن عمرو بن دينار قال كان بن عباس يقرأ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث والسبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القران مطابقا لها ووقع له بعد النبي صلى الله عليه وسلم عدة اصابات الحديث الثاني عشر حديث أبي هريرة في الذي كلمه الذئب أورده مختصرا بدون قصة البقرة وقد تقدم شرحه في مناقب أبي بكر الحديث الثالث عشر حديث أبي امامة عن أبي سعيد قوله عن أبي سعيد الخدري كذا رواه أكثر أصحاب الزهري ورواه معمر عن الزهري عن أبي امامة بن سهل عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأبهمه أخرجه أحمد وقد تقدم في الايمان من رواية صالح بن كيسان عن الزهري فصرح بذكر أبي سعيد ووقع في التعبير من هذا الوجه عن أبي امامة بن سهل انه سمع أبا سعيد قوله رأيت الناس عرضوا علي الحديث وفيه عرض على عمر وعليه قميص اجتره أي لطوله وقد تقدم من رواية صالح بلفظ يجره قوله قالوا فما اولت ذلك سيأتي في التعبير ان السائل عن ذلك أبو بكر ويأتي بقية شرحه هناك ان شاء الله تعالى وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه ان عمر أفضل من أبي بكر الصديق والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله عرض علي الناس فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر وان كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم ان لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه واسبغ فلعله كان كذلك الا ان المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها والله اعلم الحديث الرابع عشر قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم هو الذي يقال له بن علية قوله عن المسور بن مخرمة كذا رواه بن علية ورواه حماد بن زيد كما علقه المصنف بعد فقال عن بن عباس وأخرجه الاسماعيلي من رواية القواريري عن حماد بن زيد موصولا ويحتمل ان يكون محفوظا عن الاثنين قوله لما طعن عمر سيأتي بيان ذلك بعد في اواخر مناقب عثمان قوله وكأنه يجزعه بالجيم والزاي الثقيلة أي ينسبه إلى الجزع ويلومه عليه أو معنى يجزعه يزيل عنه الجزع وهو كقوله تعالى حتى إذا فزع عن قلوبهم أي ازيل عنهم الفزع ومثله مرضه إذا عانى إزالة مرضه ووقع في رواية الجرجاني وكأنه جزع هذا يرجع الضمير فيه إلى عمر بخلاف رواية الجماعة فان الضمير فيها لابن عباس ووقع في رواية حماد بن زيد وقال بن عباس مسست جلد عمر فقلت جلد لا تمسه النار ابدا قال فنظر الي نظرة كنت ارثي له من تلك النظرة قوله ولئن كان ذاك كذا في رواية الاكثر وفي رواية الكشميهني ولا كل ذلك أي لا تبالغ في الجزع فيما أنت فيه ولبعضهم ولا كان ذلك وكأنه دعا أي لا يكون ما تخافه أو لا يكون الموت بتلك الطعنة قوله ثم فارقت كذا بحذف المفعول وللكشميهني ثم فارقته قوله ثم صحبتهم فاحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم يعني المسلمين وفي رواية بعضهم ثم صحبت صحبتهم بفتح الصاد والحاء والموحدة أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وفيه نظر للاتيان بصيغة الجمع موضع التثنية قال عياض يحتمل ان يكون صحبت زائدة وانما هو ثم صحبتهم أي المسلمين قال
[ 43 ]
والرواية الاولى هي الوجه ورويناها في امالي أبي الحسن بن رزقوية من حديث بن عمر قال لما طعن عمر قال له بن عباس فذكر حديثا قال فيه ولما أسلمت كان اسلامك عزا قوله فان ذلك من أي عطاء وفي رواية الكشميهني فإنما ذلك قوله فهو من اجلك ومن اجل أصحابك في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي اصيحابك بالتصغير أي من جهة فكرته فيمن يستخلف عليهم أو من اجل فكرته في سيرته التي سارها فيهم وكأنه غلب عليه الخوف في تلك الحالة مع هضم نفسه وتواضعه لربه قوله طلاع الارض بكسر الطاء المهملة والتخفيف أي ملاهاواصل الطلاع ما طلعت عليه الشمس والمراد هنا ما يطلع عليها ويشرف فوقها من المال قوله قبل ان أراه أي العذاب وانما قال ذلك لغلبة الخوف الذي وقع له في ذلك الوقت من خشية التقصير فيما يجب عليه من حقوق الرعية أو من الفتنة بمدحهم قوله قال حماد بن زيد وصله الاسماعيلي كما تقدم والله اعلم وسيأتي مزيد في الكلام على هذا الحديث في قصة قتل عمر اخر مناقب عثمان واخرج بن سعد من طريق أبي عبيد مولى بن عباس عن بن عباس فذكر شيئا من قصة قتل عمر الحديث الخامس عشر حديث أبي موسى تقدم مبسوطا مع شرحه في مناقب أبي بكر بما يغني عن الاعادة الحديث السادس عشر قوله أخبرني حيوة بفتح المهملة والواو بينهما تحتانية ساكنة هو بن شريح المصري قوله عبد الله بن هشام أي بن زهرة بن عثمان التيمي بن عم طلحة بن عبيد الله قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو اخذ بيد عمر بن الخطاب هو طرف من حديث يأتي تمامه في الايمان والنذور وبقيته فقال له عمر يارسول الله لانت احب الي من كل شئ الحديث وقد ذكرت شيئا من مباحثه في كتاب الايمان وسيأتي بيان الوقت الذي قتل فيه عمر في اخر ترجمة عثمان ان شاء الله تعالى قوله باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف وعدد ما بينهما من الاباء متفاوت فالنبي صلى الله عليه وسلم من حيث العدد في درجة عفان كما وقع لعمر سواء واما كنيته فهو الذي استقر عليه الامر وقد نقل يعقوب بن سفيان عن الزهري انه كان يكنى أبا عبد الله بابنه عبد الله الذي رزقه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه ومات عبد الله المذكور صغيراوله ست سنين وحكى بن سعد ان موته كان سنة أربع من الهجرة وماتت أمه رقية قبل ذلك سنة اثنتين والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وكان بعض من ينتقصه يكنيه أبا ليلى يشير إلى لين جانبه حكاه بن قتيبة وقد اشتهر ان لقبه ذو النورين وروى خيثمة في الفضائل والدارقطني في الافراد من حديث على انه ذكر عثمان فقال ذاك امرؤ يدعى في السماء ذا النورين وساذكر اسم أمه ونسبها في الكلام على الحديث الثاني من ترجمته قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يحفر بئر رومة فله الجنة فحفرها عثمان وقال النبي صلى الله عليه وسلم من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان هذا التعليق تقدم ذكر من وصله في اواخر كتاب الوقف وبسطت هناك الكلام عليه وفيه من مناقب عثمان أشياء كثيرة استوعبتها هناك فاغني عن اعادتها والمراد بجيش العسرة تبوك كما سيأتي في المغازي
[ 44 ]
واخرج أحمد والترمذي من حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي ان عثمان أعان فيها بثلاثمائة بعير ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة ان عثمان اتى فيها بالف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى في الوقف بقية طرقه وفي حديث حذيفة عند بن عدي فجاء عثمان بعشرة آلاف دينار وسنده واه ولعلها كانت بعشرة آلاف درهم فتوافق رواية الف دينار ثم ذكر المصنف في هذا الباب خمسة أحاديث الاول حديث أبي موسى في قصة القف أوردها مختصرة من طريق أبي عثمان عن أبي موسى وقد تقدم شرحها في مناقب أبي بكر الصديق قوله فسكت هنيهة بالتصغير أي قليلا قوله قال حماد وحدثنا عاصم كذا للاكثر وهو بقية الاسناد المتقدم وحماد هو بن زيد ووقع في رواية أبي ذر وحده وقال حماد بن سلمة حدثنا عاصم الخ والاول اصوب فقد أخرجه الطبراني عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب فذكر الحديث وفي اخره قال حماد فحدثني علي بن الحكم وعاصم انهما سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى نحوا من هذا غير ان عاصما زاد فذكر الزيادة وقد وقع لي من حديث حماد بن سلمة لكن عن علي بن الحكم وحده أخرجه بن أبي خيثمة في تاريخه عن موسى بن إسماعيل والطبراني من طريق حجاج بن منهال وهدبة بن خالد كلهم عن حماد بن سلمة عن علي بن الحكم وحده به وليست فيه الزيادة ثم وجدته في نسخة الصغاني مثل رواية أبي ذر والله اعلم قوله وزاد فيه عاصم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبته فلما دخل عثمان غطاها قال بن التين انكر الداودي هذه الرواية وقال هذه الزيادة ليست من هذا الحديث بل دخل لرواتها حديث في حديث وانما ذلك الحديث ان أبا بكر اتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته قد انكشف فخذه فجلس أبو بكر ثم دخل عمر ثم دخل عثمان فغطاها الحديث قلت يشير إلى حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحالة الحديث وفيه ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال الا استحي من رجل تستحي منه الملائكة وفي رواية لمسلم انه صلى الله عليه وسلم قال في جواب عائشة ان عثمان رجل حي واني خشيت ان اذنت له على تلك الحالة لا يبلغ الي في حاجته انتهى وهذا لا يلزم منه تغليط رواية عاصم إذ لا مانع ان يتفق النبي صلى الله عليه وسلم ان يغطي ذلك مرتين حين دخل عثمان وان يقع ذلك في موطنين ولا سيما مع اختلاف مخرج الحديثين وانما يقال ما قاله الداودي حيث تتفق المخارج فيمكن ان يدخل حديث في حديث لا مع افتراق المخارج كما في هذا والله اعلم الحديث الثاني حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار في قصة الوليد بن المغيرة قوله ما يمنعك ان تكلم عثمان في رواية معمر عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة ان تكلم خالك ووجه كون عثمان خاله ان أم عبيد الله هذا هي أم قتال بنت اسيد بن أبي العاص بن أمية وهي بنت عم عثمان واقارب الام يطلق عليهم اخوال واما أم عثمان فهي أروى بنت كريز بالتصغير بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب وهي شقيقة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ويقال انهما ولدا توأما حكاه الزبير بن بكار فكان بن بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم بن خال والدته وقد أسلمت أم عثمان كما بينت ذلك في
[ 45 ]
كتاب الصحابة ورى محمد بن الحسين المخزومي في كتاب المدينة انها ماتت في خلافة ابنها عثمان وانه كان ممن حملها إلى قبرها واما أبوه فهلك في الجاهلية قوله لاخيه اللام للتعليل أي لاجل أخيه ويحتمل ان تكون بمعنى عن ووقع في رواية الكشميهني في أخيه قوله الوليد أي بن عقبة وصرح بذلك في رواية معمر وعقبة هو بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس وكان أخا عثمان لامه وكان عثمان ولاه الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص فان عثمان كان ولاه الكوفة لما ولي الخلافة بوصية من عمر كما سيأتي في اخر ترجمة عثمان في قصة مقتل عمر ثم عزله بالوليد وذلك سنة خمس وعشرين وكان سبب ذلك ان سعداكان اميرها وكان عبد الله بن مسعود على بيت المال فاقترض سعد منه مالا فجاءه يتقاضاه فاختصما فبلغ عثمان فغضب عليهما وعزل سعدا واستحضر الوليد وكان عاملا بالجزيرة على عسر بها فولاه الكوفة وذكر ذلك الطبري في تاريخه قوله فقد أكثر الناس فيه أي في شأن الوليد أي من القول ووقع في رواية معمر وكان أكثر الناس فيما فعل به أي من تركه إقامة الحد عليه وانكارهم عليه عزل بن أبي وقاص به مع كون سعد أحد العشرة ومن أهل الشورى واجتمع له من الفضل والسنن والعلم والدين والسبق إلى الاسلام ما لم يتفق شئ منه للوليد بن عقبة والعذر لعثمان في ذلك ان عمر كان عزل سعدا كما تقدم بيانه في الصلاة وأوصى عمر من يلي الخلافة بعده ان يولي سعدا قال لاني لم اعزله عن خيانة ولا عجز كما سيأتي ذلك في حديث مقتل عمر قريبا فولاه عثمان امتثالا لوصية عمر ثم عزله للسبب الذي تقدم ذكره وولى الوليد لما ظهر له من كفايته لذلك وليصل رحمه فلما ظهر له سوء سيرته عزله وانما اخر إقامة الحد عليه ليكشف عن حال من شهد عليه بذلك فلما وضح له الامر أمر بإقامة الحد عليه وروى المدائني من طريق الشعبي ان عثمان لما شهدوا عنده على الوليد حبسه قوله فقصدت لعثمان حتى خرج أي انه جعل غاية القصد خروج عثمان وفي رواية الكشميهني حين خرج وهي تشعر بأن القصد صادف وقت خروجه بخلاف الرواية الاخرى فانها تشعر بأنه قصد إليه ثم انتظره حتى خرج ويؤيد الاول رواية معمر فانتصبت لعثمان حين خرج قوله ان لي إليك حاجة وهي نصيحة لك فقال يا أيها المرء منك كذا في رواية يونس قوله قال معمر أعوذ بالله منك هذا تعليق أراد به المصنف بيان الخلاف بين الروايتين ورواية معمر قد وصلها في هجرة الحبشة كما قدمته ولفظه هناك فقال يا أيها المرء أعوذ بالله منك قال بن التين انما استعاذ منه خشية ان يكلمه بشئ يقتضي الانكار عليه وهو في ذلك معذور فيضيق بذلك صدره قوله فانصرفت فرجعت إليهما زاد في رواية معمر فحدثتهما بالذي قلت لعثمان وقال لي فقالا قد قضيت الذي كان عليك قوله إذ جاء رسول عثمان في رواية معمر فبينما انا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان فقالا لي قد ابتلاك الله فانطلقت ولم اقف في شئ من الطرق على اسم هذا الرسول قوله وكنت ممن استجاب هو بفتح كنت على المخاطبة وكذا هاجرت وصحبت وأراد بالهجرتين الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة وسيأتي ذكرهما قريبا وزاد في رواية معمر ورأيت هديه أي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بفتح الهاء وسكون الدال الطريقة وفي رواية شعيب عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة وكنت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وقد أكثر الناس في شأن الوليد زاد معمر بن عقبة فحق
[ 46 ]
عليك ان تقيم عليه الحد قوله قال أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لا في رواية معمر فقال لي يا بن أختي وفي رواية صالح بن أبي الاخضر عن الزهري عن عمر بن شبة قال هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاومراده بالادراك إدراك السماع منه والاخذ عنه وبالرؤية رؤية المميز له ولم يرد هنا الادراك بالسن فإنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فسياتي في المغازي في قصة مقتل حمزة من حديث وحشي بن حرب ما يدل على ذلك ولم يثبت ان أباه عدي بن الخيار قتل كافرا وان ذكر ذلك بن ماكولا وغيره فان بن سعد ذكره في طبقة الفتحيين وذكر المدائني وعمر بن شبة في أخبار المدينة ان هذه القصة المحكية هنا وقعت لعدي بن الخيار نفسه مع عثمان فالله اعلم قال بن التين انما استثبت عثمان في ذلك لينبهه على ان الذي ظنه من مخالفة عثمان ليس كما ظنه قلت ويفسر المراد من ذلك ما رواه أحمد من طريق سماك بن حرب عن عبادة بن زاهر سمعت عثمان خطب فقال انا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر وان ناسا يعلموني سنته عسى ان لا يكون أحدهم رآه قط قوله خلص بفتح المعجمة وضم اللام ويجوز فتحها بعدها مهملة أي وصل وأراد بن عدي بذلك ان علم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مكتوما ولا خاصا بل كان شائعا ذائعا حتى وصل إلى العذراء المستترة فوصوله إليه مع حرصه عليه أولى قوله ثم أبو بكر مثله ثم عمر مثله يعني قال في كل منهما فما عصيته ولا غششته وصرح بذلك في رواية معمر قوله ثم استخلفت بضم التاء الاولى والثانية قوله افليس لي من الحق مثل الذي لهم في رواية معمر افليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لهم علي ووقع في رواية الاصيلي وهم يأتي بيانه هناك ان شاء الله تعالى قوله فما هذه الاحاديث التي تبلغني عنكم كأنهم كانوا يتكلمون في سبب تأخيره إقامة الحد على الوليد وقد ذكرنا عذره في ذلك قوله فأمره ان يجلد في رواية الكشميهني ان يجلده قوله فجلده ثمانين في رواية معمر فجلد الوليد أربعين جلدة وهذه الرواية أصح من رواية يونس والوهم فيه من الراوي عنه شبيب بن سعيد ويرجح رواية معمر ما أخرجه مسلم من طريق أبي ساسان قال شهدت عثمان اتى بالوليد وقد صلى الصبح ركعتين ثم قال ازيدكم فشهد عليه رجلان أحدهما حمران يعني مولى عثمان انه قد شرب الخمر فقال عثمان يا علي قم فاجلده فقال علي قم يا حسن فاجلده فقال الحسن ول حارها من تولى قارها فكأنه وجد عليه فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال امسك ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل ذلك سنة وهذا احب الي انتهى والشاهد الاخر الذي لم يسم في هذه الرواية قيل هو الصعب بن جثامة الصحابي المشهور رواه يعقوب بن سفيان في تاريخه وعند الطبري من طريق سيف في الفتوح ان الذي شهد عليه ولد الصعب واسمه جثامة كاسم جده وفي رواية أخرى ان ممن شهد عليه أبا زينب بن عوف الاسدي وأبا مورع الاسدي وكذلك روى عمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد حسن إلى أبي الضحى وقال لما بلغ عثمان قصة الوليد استشار عليا فقال أرى ان تستحضره فان شهدوا عليه بمحضر منه حددته ففعل فشهد عليه أبو زينب وأبو مورع وجندب بن زهير الازدي وسعد بن مالك الاشعري فذكر نحو رواية أبي ساسان وفيه فضربه بمخصرة لها راسان فلما بلغ أربعين قال له امسك واخرج من طريق الشعبي قال قال
[ 47 ]
الحطيئة في ذلك شهد الحطيئة بوم يلقى ربه * ان الوليد أحق بالعذر نادى وقد تمت صلاتهم * أأزيدكم سفها وما يدري فاتوا أبا وهب ولو اذنوا * لقرنت بين الشفع والوتر كفوا عنانك إذ جريت ولو * تركوا عنانك لم تزل تجري وذكر المسعودي في المروج ان عثمان قال للذين شهدوا وما يدريكم انه شرب الخمر قالوا هي التي كنا نشربها في الجاهلية وذكر الطبري ان الوليد ولي الكوفة خمس سنين قالوا وكان جوادا فولى عثمان بعده سعيد بن العاص فسار فيهم سيرة عادلة فكان بعض الموالي يقول يا ويلنا قد عزل الوليد * وجاءنا مجوعا سعيد * ينقص في الصاع ولا يزيد الحديث الثالث حديث أنس اسكن أحد بضم الدال على انه منادى مفرد وحذف منه حرف النداء وقد تقدم الكلام عليه في مناقب أبي بكر ومن رواه بلفظ حراء وانه يمكن الجمع بالحمل على التعدد ثم وجدت ما يؤيده فعند مسلم من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وفي رواية له وسعد وله شاهد من حديث سعيد بن زيد عند الترمذي واخر عن علي عند الدارقطني الحديث الرابع قوله حدثنا شاذان هو الاسود بن عامر وعبيد الله هو بن عمر قوله ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم تقدم الكلام عليه في مناقب أبي بكر قال الخطابي انما لم يذكر بن عمر عليا لانه أراد الشيوخ وذوي الاسنان الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر شاورهم وكان علي في زمانه صلى الله عليه وسلم حديث السن قال ولم يرد بن عمر الازدراء به ولا تأخيره عن الفضيلة بعد عثمان انتهى وما اعتذر به من جهة السن بعيد لا اثر له في التفضيل المذكور وقد اتفق العلماء على تأويل كلام بن عمر هذا لما تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان ومن تقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم ومن تقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك فالظاهر ان بن عمر انما أراد بهذا النفي انهم كانوا يجتهدون في التفضيل فيظهر لهم فضائل الثلاثة ظهورا بينا فيجزمون به ولم يكونوا حينئذ اطلعوا على التنصيص ويؤيده ما روى البزاز عن بن مسعود قال كنا نتحدث ان أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب رجاله موثقون وهو محمول على ان ذلك قاله بن مسعود بعد قتل عمر وقد حمل أحمد حديث بن عمر على ما يتعلق بالترتيب في التفضيل واحتج في التربيع بعلي بحديث سفينة مرفوعا الخلافة ثلاثون سنة ثم تصير ملكا أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حبان وغيره وقال الكرماني لاحجة في قوله كنا نترك لان الاصوليين اختلفوا في صيغة كنا نفعل لا في صيغة كنا لا نفعل لتصور تقرير الرسول في الاول دون الثاني وعلى تقدير ان يكون حجة فما هو من العمليات حتى يكفي فيه الظن ولو سلمنا فقد عارضه ما هو أقوى منه ثم قال ويحتمل ان يكون بن عمر أراد ان ذلك كان وقع لهم في بعض ازمنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع ذلك ان يظهر بعد ذلك لهم وقد مضت تتمة هذا في مناقب أبي بكر والله اعلم قوله تابعه عبد الله بن صالح عن عبد العزيز أي بن أبي سلمة بإسناده المذكور وابن صالح هذا هو الجهني كاتب الليث وقيل هو
[ 48 ]
العجلي والد أحمد صاحب كتاب الثقات والله اعلم وكأن البخاري أراد بهذه المتابعة اثبات الطريق إلى عبد العزيز بن أبي سلمة لان عباسا الدوري روى هذا الحديث عن شاذان فقال عن الفرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع فكأن لشاذان فيه شيخين والله اعلم وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق أبي عمار والرمادي وعثمان بن أبي شيبة وغير واحد عن اسود بن عامر المذكور وكذلك رواه عن عبد العزيز عبدة أبو سلمة الخزاعي وحجين بن المثنى الحديث الخامس قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل قوله عثمان هو بن موهب نسبة إلى جده وهو عثمان بن عبد الله بن موهب بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء بعدها موحدة مولى بني تيم بصري تابعي وسط من طبقة الحسن البصري وهو ثقة باتفاقهم وفي الرواة اخر يقال له عثمان بن موهب بصري أيضا لكنه أصغر من هذا روى عن أنس روى عنه زيد بن الحباب وحده اخرج له النسائي قوله جاء رجل من أهل مصر وحج البيت لم اقف على اسمه ولا على اسم من اجابه من القوم ولا على أسماء القوم وسيأتي في تفسير قوله تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة من سورة البقرة ما قد يقرب انه العلاء بن عيراد وهو بمهملات وكذا في مناقب علي بعد هذا ويأتي في سورة الانفال ان الذي باشر السؤال اسمه حكيم وعليه اقتصر شيخنا بن الملقن وهذا كله بناء على ان الحديثين في قصة واحدة قوله قال فمن الشيخ أي الكبير فيهم الذي يرجعون إلى قوله قوله هل تعلم ان عثمان فر يوم أحد الخ الذي يظهر من سياقه ان السائل كان ممن يتعصب على عثمان فأراد بالمسائل الثلاث ان يقرر معتقده فيه ولذلك كبر مستحسنا لما اجابه به بن عمر قوله قال بن عمر تعال أبين لك كأن بن عمر فهم منه مراده لما كبر والا لو فهم ذلك من أول سؤاله لقرن العذر بالجواب وحاصله انه عابه بثلاثة أشياء فاظهر له بن عمر العذر عن جميعها اما الفرار فبالعفو واما التخلف فبالامر وقد حصل له مقصود من شهد من ترتب الامرين الدنيوي وهو الهم والاخروي وهو الاجر واما البيعة فكان مأذونا له في ذلك أيضا ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لعثمان من يده كما ثبت ذلك أيضا عن عثمان نفسه فيما رواه البزار بإسناد جيد انه عاتب عبد الرحمن بن عوف فقال له لم ترفع صوتك علي فذكر الامور الثلاثة فأجابه عثمان بمثل ما أجاب به بن عمر قال في هذه فشمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لي من يميني قوله فأشهد ان الله عفا عنه وغفر له يريد قوله تعالى ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ان الله غفور حليم قوله واما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي رقية فروى الحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال خلف النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج إلى بدر فماتت رقية حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة قال بن إسحاق ويقال ان ابنها عبد الله بن عثمان مات بعدها سنة أربع من الهجرة وله ست سنين قوله فلو كان أحد ببطن مكة أعز من عثمان أي على من بها لبعثه أي النبي صلى الله عليه وسلم مكانه أي بدل عثمان قوله فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان أي بعد ان بعثه والسبب في ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث عثمان ليعلم قريشا انه انما جاء معتمرا لا محاربا ففي غيبة عثمان شاع عندهم ان المشركين تعرضوا لحرب المسلمين فاستعد
[ 49 ]
المسلمون للقتال وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ تحت الشجرة على ان لا يفروا وذلك في غيبة عثمان وقيل بل جاء الخبر بان عثمان قتل فكان ذلك سبب البيعة وسيأتي إيضاح ذلك في عمرة الحديبية من المغازي قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده زاليمنى أي أشار بها قوله هذه يد عثمان أي بدلها فضرب بها على يده اليسرى فقال هذه أي البيعة لعثمان أي عن عثمان قوله فقال له بن عمر اذهب بها الان معك أي اقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما اجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان وقال الطيبي قال له بن عمر تهكما به أي توجه بما تمسكت به فإنه لا ينفعك بعد ما بينت لك وسيأتي بقية لما دار بينهما في مناقب علي ان شاء الله تعالى تنبيه وقع هنا عند الاكثر حديث أنس المذكور قبل بحديثين والذي اوردناه هو ترتيب ما وقع في رواية أبي ذر والخطب في ذلك سهل قوله باب قصة البيعة أي بعد عمر قوله والاتفاق على عثمان زاد السرخسي في روايته ومقتل عمر بن الخطاب بسم الله الرحمن الرحيم قوله عن عمرو بن ميمون هو الازدي وهذا الحديث بطوله قد رواه عن عمرو بن ميمون أيضا أبو إسحاق السبيعي وروايته عند بن أبي شيبة والحارث وابن سعد وفي روايته زوائد ليست في رواية حصين وروى بعض قصة مقتل عمر أيضا أبو رافع وروايته عند أبي يعلى وابن حبان وجابر وروايته عند بن أبي عمر وعبد الله بن عمر وروايته في الاوسط للطبراني ومعد ان بن أبي طلحة وروايته عند مسلم وعند كل منهم ما ليس عند الاخر وساذكر ما فيها وفي غيرها من فائدة زائدة ان شاء الله تعالى قوله رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل ان يصاب أي قبل ان يقتل بأيام أي أربعة كما سيأتي قوله بالمدينة أي بعد ان صدر من الحج وقد تقدم في الجنائز من حديث بن عباس ان ذلك كان لما رجع من الحج وفيه قصة صهيب ويأتي في الاحكام بنحو ذلك وكان ذلك سنة ثلاث وعشرين بالاتفاق قوله ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال كيف فعلتما أتخافان ان تكونا قد حملتما الارض ما لا تطيق الارض المشار إليها هي ارض السواد وكان عمر بعثهما يضربان عليها الخراج وعلى أهلها الجزية بين ذلك أبو عبيد في كتاب الاموال من رواية عمرو بن ميمون المذكور وقوله انظرا أي في التحميل أو هو كناية عن الحذر لانه يستلزم النظر قوله قالا حملناها أمرا هي له مطيقة في رواية بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن حصين بهذا الاسناد فقال حذيفة لو شئت لاضعفت ارضي أي جعلت خراجها ضعفين وقال عثمان بن حنيف لقد حملت ارضي أمرا هي له مطيقة وله من طريق الحكم عن عمرو بن ميمون ان عمر قال لعثمان بن حنيف لئن زدت على كل رأس درهمين وعلى كل جريب درهما وقفيزا من طعام لاطاقوا ذلك قال نعم قوله اني لقائم أي في الصف ننتظر صلاة الصبح قوله ما بيني وبينه أي عمر الا عبد الله بن عباس في رواية أبي إسحاق الا رجلان قوله وكان إذا مر بين الصفين قال استووا حتى إذا لم ير فيهن أي في الصفوف وفي رواية الكشميهني فيهم أي في أهلها خللا تقدم فكبر وفي رواية الاسماعيلي من طريق جرير عن حصين وكان إذا دخل المسجد واقيمت الصلاة تأخر بين كل صفين فقال استووا حتى لا يرى خللا ثم يتقدم ويكبر وفي رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون شهدت عمر يوم طعن فما منعني ان اكون في الصف الا هيبته وكان رجلا مهيبا وكنت في الصف الذي يليه وكان عمر لا يكبر حتى يستقبل الصف المقدم بوجهه فإن رأى رجلا متقدما من الصف أو متأخرا ضربه بالدرة فذلك
[ 50 ]
الذي منعني منه قوله قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه في رواية جرير فتقدم فما هو الا ان كبر فطعنه أبو لؤلؤة فقال قتلني الكلب في رواية أبي إسحاق المذكورة فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فتأخر عمر غير بعيد ثم طعنه ثلاث طعنات فرأيت عمر قائلا بيده هكذا يقول دونكم الكلب فقد قتلني واسم أبي لؤلؤة فيروز كما سيأتي فروى بن سعد بإسناد صحيح إلى الزهري قال كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صانعا ويستأذنه ان يدخله المدينة ويقول ان عنده اعمالا تنفع الناس انه حداد نقاش نجار فأذن له فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة فشكى إلى عمر شدة الخراج فقال له ما خراجك بكثير في جنب ما تعمل فانصرف ساخطا فلبث عمر ليالي فمر به العبد فقال الم أحدث انك تقول لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح فالتفت إليه عابسا فقال لاصنعن لك رحى يتحدث الناس بها فاقبل عمر على من معه فقال توعدني العبد فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين نصابه وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر يوقظ الناس الصلاة الصلاة وكان عمر يفعل ذلك فلما دنا منه عمر وثب إليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته وفي حديث أبي رافع كان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة وكان يستغله أربعة دراهم أي كل يوم فلقي عمر فقال ان المغيرة اثقل علي فقال اتق الله واحسن إليه ومن نية عمر ان يلقى المغيرة فيكلمه فيخفف عنه فقال العبد وسع الناس عدله غيري واضمر على قتله فاصطنع له خنجرا له رأسان وسمه فتحرى صلاة الغداة حتى قام عمر فقال اقيموا صفوفكم فلما كبر طعنه في كتفه وفي خاصرته فسقط وعند مسلم من طريق معدان بن أبي طلحة ان عمر خطب فقال رأيت ديكا نقرني ثلاث نقرات ولا أراه الا حضور اجلي وفي رواية جويرية بن قدامة عن عمر نحوه وزاد فما مر الا تلك الجمعة حتى طعن وعند بن سعد من رواية سعيد بن أبي هلال قال بلغني ان عمر ذكر نحوه وزاد فحدثتها أسماء بنت عميس فحدثتني انه يقتلني رجل من الأعاجم وروى عمر بن شبة في كتاب المدينة من حديث بن عمر بإسناد حسن ان عمر دخل بأبي لؤلؤة البيت ليصلح له ضبة له فقال له مر المغيرة ان يضع عني من خراجي قال انك لتكسب كسبا كثيرا فاصبر الحديث وللطبراني في الاوسط بسند صحيح عن المبارك بن فضالة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر طعن أبو لؤلؤة عمر طعنتين ويحمل على انه لم يذكر الثالثة التي قتلته قوله حتى طعن ثلاثة عشر رجلا في رواية أبي إسحاق اثني عشر رجلا معه وهو ثالث عشر زاد بن سعد من رواية إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون وعلى عمر ازار اصفر قد رفعه على صدره فلما طعن قال وكان أمر الله قدرا مقدورا قوله مات منهم سبعة أي وعاش الباقون ووقفت من اسمائهم على كليب بن البكير الليثي وله ولاخوته عاقل وعامر وإياس صحبة فروينا في جزء أبي الجهم بالاسناد الصحيح إلى بن عمر انه كان مع عمر صادرا من الحج فمر بامرأة فدفنها كليب الليثي فشكر له ذلك عمر وقال ارجو ان يدخله الله الجنة قال فطعنه أبو لؤلؤة لما طعن عمر فمات وروى عبد الرزاق من طريق نافع نحوه ومن طريق الزهري طعن أبو لؤلؤة اثني عشررجلا فمات منهم عمر وكليب وروى بن أبي شيبة من طريق أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن في قصة قتل عمر فطعن أبو لؤلؤة كليب بن البكير فاجهز عليه قوله فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا وقع في ذيل
[ 51 ]
الاستيعاب لابن فتحون من طريق سعيد بن يحيى الاموي قال حدثنا أبي حدثني من سمع حصين بن عبد الرحمن في هذه القصة قال فلما رأى ذلك رجل من المهاجرين يقال له حطان التميمي اليربوعي طرح عليه برنسا وهذا أصح مما رواه بن سعد بإسناد ضعيف منقطع قال طعن أبو لؤلؤة نفرا فأخذ أبا لؤلؤة رهط من قريش منهم عبد الله بن عوف وهاشم بن عتبة الزهريان ورجل من بني سهم وطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة كانت عليه فان ثبت هذا حمل على ان الكل اشتركوا في ذلك وروى بن سعد عن الواقدي بإسناد اخر ان عبد الله بن عوف المذكور احتز رأس أبي لؤلؤة قوله وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه أي للصلاة بالناس قوله فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة في رواية أبي إسحاق بأقصر سورتين في القران انا أعطيناك الكوثر وإذا جاء نصر الله والفتح وزاد في رواية بن شهاب المذكورة ثم غلب عمر النزف حتى غشي عليه فاحتملته في رهط حتى ادخلته بيته فلم يزل في غشيته حتى اسفر فنظر في وجوهنا فقال أصلي الناس فقلت نعم قال لا إسلام لمن ترك الصلاة ثم توضأ وصلى وفي رواية بن سعد من طريق بن عمر قال فتوضأ وصلى الصبح فقرأ في الاولى والعصر وفي الثانية قل يا أيها الكافرون قال وتساند الي وجرحه يثغب دما اني لا ضع اصبعي الوسطى فما تسد الفتق قوله فلما انصرفوا قال يا بن عباس انظر من قتلني في رواية أبي إسحاق فقال عمر يا عبد الله بن عباس اخرج فناد في الناس اعن ملا منكم كان هذا فقالوا معاذ الله ما علمنا ولا اطلعنا وزاد مبارك بن فضالة فظن عمر ان له ذنبا إلى الناس لا يعلمه فدعا بن عباس وكان يحبه ويدنيه فقال احب ان تعلم عن ملا من الناس كان هذا فخرج لا يمر بملا من الناس الا وهم يبكون فكأنما فقدوا ابكار أولادهم قال بن عباس فرأيت البشر في وجهه قوله الصنع بفتح المهملة والنون وفي رواية بن فضيل عن حصين عند بن أبي شيبة وابن سعد الصناع بتخفيف النون قال أهل اللغة رجل صنع اليد واللسان وامرأة صناع اليد وحكى أبو زيد الصناع والصنع يقعان معا على الرجل والمرأة قوله لم يجعل ميتتي بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها مثناة أي قتلتي وفي رواية الكشميهني منيتي بفتح الميم وكسر النون وتشديد التحتانية قوله رجل يدعي الاسلام في رواية بن شهاب فقال الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط وفي رواية مبارك بن فضالة يحاجني يقول لا إله إلا الله ويستفاد من هذا ان المسلم إذا قتمتعمدا ترجى له المغفرة خلافا لمن قال انه لا يغفر له ابدا وسيأتي بسط ذلك في تفسير سورة النساء وفي رواية بن أبي شيبة قاتله الله لقد أمرت به معروفا أي انه لم يحف عليه فيما امره به وفي حديث جابر فقال عمر لا تعجلوا على الذي قتلني فقيل انه قتل نفسه فاسترجع عمر فقيل له انه أبو لؤلؤة فقال الله أكبر قوله قد كنت أنت وأبوك تحبان ان تكثر العلوج بالمدينة في رواية بن سعد من طريق محمد بن سيرين عن بن عباس فقال عمر هذا من عمل أصحابك كنت أريد ان لا يدخلها علج من السبي فغلبتموني وله من طريق اسلم مولى عمر قال قال عمر من أصابني قالوا أبو لؤلؤة واسمه فيروز قال قد نهيتكم ان تجلبوا عليها من علوجهم أحدا فعصيتموني ونحوه في رواية مبارك بن فضالة وروى عمر بن شبة من طريق بن سيرين قال بلغني ان العباس قال لعمر لما قال لا تدخلوا علينا من السبي الا الوصفاء ان عمل المدينة شديد لا يستقيم الا بالعلوج قوله ان شئت فعلت قال بن التين انما قال له ذلك لعلمه بان عمر لا يأمر
[ 52 ]
بقتلهم قوله كذبت هو على ما ألف من شدة عمر في الدين لانه فهم من بن عباس من قوله ان شئت فعلنا أي قتلناهم فأجابه بذلك وأهل الحجاز يقولون كذبت في موضع أخطأت وانما قال له بعد ان صلوا لعلمه ان المسلم لا يحل قتله ولعل بن عباس انما أراد قتل من لم يسلم منهم قوله فأتي بنبيذ فشربه زاد في حديث أبي رافع لينظر ما قدر جرحه وفي رواية أبي إسحاق فلما أصبح دخل عليه الطبيب فقال أي الشراب احب إليك قال النبيذ فدعا بنبيذ فشرب فخرج من جرحه فقال هذا صديد ائتوني بلبن فأتي بلبن فشربه فخرج من جرحه فقال الطبيب أو ص فاني لا اظنك الا ميتا من يومك أو من غد قوله فخرج من جوفه في رواية الكشميهني من جرحه وهي اصوب وفي رواية أبي رافع فخرج النبيذ فلم يدر أهو نبيذ أم دم وفي روايته فقالوا لا بأس عليك يا أمير المؤمنين فقال ان يكن القتل بأسا فقد قتلت وفي رواية بن شهاب قال فأخبرني سالم قال سمعت بن عمر يقول فقال عمر ارسلوا الي طبيب ينظر إلى جرحي قال فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسقاه نبيذا فشبه النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرة قال فدعوت طبيبا اخر من الانصار فسقاه لبنا فخرج اللبن من الطعنة أبيض فقال اعهد يا أمير المؤمنين فقال عمر صدقني ولو قال غير ذلك لكذبته وفي رواية مبارك بن فضالة ثم دعا بشربة من لبن فشربها فخرج مشاش اللبن من الجرحين فعرف انه الموت فقال الان لو ان لي الدنيا كلها لافتديت به من هول المطلع وما ذاك والحمد لله ان اكون رأيت الا خيرا تنبيه المراد بالنبيذ المذكور تمرات نبذت في ماء أي نقعت فيه كانوا يصنعون ذلك لا ستعذاب الماء وسيأتي بسط القول فيه في الاشربة قولوجاء الناس يثنون عليه في رواية الكشميهني فجعلوا يثنون عليه ووقع في حديث جابر عند بن سعد من تسمية من أثنى عليه عبد الرحمن بن عوف وانه اجابه بما أجاب به غيره وروى عمر بن شبة من طريق سليمان بن يسار ان المغيرة اثنى عليه وقال له هنيئا لك الجنة واجابه بنحو ذلك وروى بن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة انه ممن دخل على عمر حين طعن وعند بن سعد من طريق جويرية بن قدامة فدخل عليه الصحابة ثم أهل المدينة ثم أهل الشام ثم أهل العراق فكلما دخل عليه قوم بكوا واثنوا عليه وقد تقدم طرف منه من هذا الوجه في الجزية ووقع في رواية أبي إسحاق عند بن سعد واتاه كعب أي كعب الاحبار فقال الم أقل لك انك لا تموت الا شهيدا وانك تقول من أين واني في جزيرة العرب قوله وجاء رجل شاب في رواية جرير عن حصين السابقة في الجنائز وولج عليه شاب من الانصار وقد وقع في رواية سماك الحنفي عن بن عباس عند بن سعد انه اثنى على عمر فقال له نحوا مما قال هنا للشاب فلو لا انه قال في هذه الرواية انه من الانصار لساغ ان يفسر المبهم بابن عباس لكن لا مانع من تعدد المثنين مع اتحاد جوابه كما تقدم ويؤيده أيضا ان في قصة هذا الشاب انه لما ذهب رأى عمر إزاره يصل إلى الارض فأنكر عليه ولم يقع ذلك في قصة بن عباس وفي إنكاره على بن عباس ما كان عليه من الصلابة في الدين وانه لم يشغله ما هو فيه من الموت عن الامر بالمعروف وقوله ما قد علمت مبتدأ وخبره لك وقد أشار إلى ذاك بن مسعود فروى عمر بن شبة من حديثه نحو هذه القصة وزاد قال عبد الله يرحم الله عمر لم يمنعه ما كان فيه من قول الحق قوله وقدم بفتح القاف وكسرها فالاول بمعنى الفضل والثاني بمعنى السبق قوله ثم شهادة بالرفع عطفا على ما قد علمت وبالجر عطفا على صحبة ويجوز النصب على انه مفعول مطلق لفعل محذوف
[ 53 ]
والاول أقوى وقد وقع في رواية بن جرير ثم الشهادة بعد هذا كله قوله لا علي ولا لي أي سواء بسواء قوله انقى لثوبك بالنون ثم القاف للاكثرو بالموحدة بدل النون للكشميهني ووقع في رواية المبارك بن فضالة قال بن عباس وان قلت ذلك فجزاك الله خيرا أليس قد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة فلما أسلمت كان اسلامك عزا وظهر بك الاسلام وهاجرت فكانت هجرتك فتحا ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال المشركين ثم قبض وهو عنك راض ووازرت الخليفة بعده على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم فضربت من أدبر بمن أقبل ثم قبض الخليفة وهو عنك راض ثم وليت بخير ما ولي الناس مصر الله بك الامصار وجبا بك الاموال ونفى بك العدو وادخل بك على أهل بيت من سيوسعهم في دينهم وارزاقهم ثم ختم لك بالشهادة فهنيئا لك فقال والله ان المغرور من تغرونه ثم قال اتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة فقال نعم فقال اللهم لك الحمد وفي رواية مبارك بن فضالة أيضا قال الحسن البصري وذكر له فعل عمر عند موته وخشيته من ربه فقال هكذا المؤمن جمع احسانا وشفقة والمنافق جمع اساءة وعزة والله ما وجدت انسانا ازداد احسانا الا وجدته ازداد مخافة وشفقة ولا ازداد اساءة الا ازداد عزة قوله يا عبد الله بن عمر انظر ماذا علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين الفا أو نحوه في حديث جابر ثم قال يا عبد الله اقسمت عليك بحق الله وحق عمر إذا مت فدفنتني ان لا تغسل رأسك حتى تبيع من رباع ال عمر بثمانين الفا فتضعها في بيت مال المسلمين فسأله عبد الرحمن بن عوف فقال انفقتها في حجج حججتها وفي نوائب كانت تنوبني وعرف بهذا جهة دين عمر قال بن التين قد علم عمرانه لا يلزمه غرامة ذلك الا انه أراد ان لا يتعجل من عمله شئ في الدنيا ووقع في أخبار المدينة لمحمد بن الحسن بن زباله ان دين عمر كان ستة وعشرين الفا وبه جزم عياض والاول هو المعتمد قوله ان وفي له مال ال عمر كأنه يريد نفسه ومثله يقع فكلامهم كثيرا ويحتمل ان يريد رهطه وقوله والا فسل في بني عدي بن كعب هم البطن الذي هو منهم وقريش قبيلته وقوله لا تعدهم بسكون العين أي لا تتجاوزهم وقد انكر نافع مولى بن عمر ان يكون على عمر دين فروى عمر بن شبة في كتاب المدينة بإسناد صحيح ان نافعا قال من أين يكون على عمر دين وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة الف انتهى وهذا لا ينفي ان يكون عند موته عليه دين فقد يكون الشخص كثير المال ولا يستلزم نفي الدين عنه فلعل نافعا انكر ان يكون دينه لم يقض قوله فاني لست اليوم للمؤمنين أميرا قال بن التين انما قال ذلك عندما ايقن بالموت إشارة بذلك إلى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين وسيأتي في كتاب الاحكام مايخالف ظاهره ذلك فيحمل هذا النفي على ما أشار إليه بن التين انه أراد ان يعلم ان سؤاله لها بطريق الطلب لا بطريق الامر قوله ولاوثرنه به اليوم على نفسي استدل به وباستئذان عمر لها على ذلك على انها كانت تملك البيت وفيه نظر بل الواقع انها كانت تملك منفعته بالسكنى فيه والاسكان ولا يورث عنها وحكم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كالمعتدات لانهن لا يتزوجن بعده صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شئ من هذا في آخر الجنائز وتقدم فيه وجه الجمع بين قول عائشة لاوثرنه على نفسي وبين قولها لابن الزبير لا تدفني عندهم باحتمال ان تكون ظنت انه لم يبق هناك وسع ثم تبين لها إمكان ذلك بعد دفن عمر ويحتمل ان يكون مرادها بقولها لاوثرنه على نفسي
[ 54 ]
الاشارة إلى انها لو أذنت في ذلك لامتنع عليها الدفن هناك لمكان عمر لكونه أجنبيا منها بخلاف أبيها وزوجها ولا يستلزم ذلك ان لا يكون في المكان سعة أم لا ولهذا كانت تقول بعد ان دفن عمر لم اضع ثيابي عني منذ دفن عمر في بيتي أخرجه بن سعد وغيره وروي عنها في حديث لا يثبت انها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم ان عاشت بعده ان تدفن إلى جانبه فقال لها وانى لك بذلك وليس في ذلك الموضع الا قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى بن مريم وفي أخبار المدينة من وجه ضعيف عن سعيد بن المسيب قال ان قبور الثلاثة في صفة بيت عائشة وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى عليه السلام قوله ارفعوني أي من الارض كأنه كان مضطجعا فامرهم ان يقعدوه قوله فأسنده رجل إليه لم اقف على اسمه ويحتمل انه بن عباس ويؤيده ما في رواية المبارك ان بن عباس لما فرغ من الثناء عليه قال فقال له عمر ألصق خدي بالارض يا عبد الله بن عمر قال بن عباس فوضعته من فخذي على ساقي فقال الصق خدي بالارض فوضعته حتى وضع لحيته وخده بالارض فقال ويلك عمر ان لم يغفر الله لك قوله ما كان شئ أهم الي من ذلك وقوله إذا مت فاستأذن ذكر بن سعد عن معن بن عيسى عن مالك ان عمر كان يخشى ان تكون اذنت في حياته حياء منه وان ترجع عن ذلك بعد موته فأراد ان لا يكرهها على ذلك وقد تقدم ما فيه في اواخر الجنائز قوله وجاءت أم المؤمنين حفصة أي بنت عمر قوله فولجت عليه أي دخلت على عمر فمكثت وفي رواية الكشميهني فبكت وذكر بن سعد بإسناد صحيح عن المقدام بن معديكرب انها قالت يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا صهر رسول الله يا أمير المؤمنين فقال عمر لا صبر لي على ما اسمع احرج عليك بمالي عليك من الحق ان تندبينني بعد مجلسك هذا فأما عينيك فلن أملكهما قوله فولجت داخلا لهم أي مدخلا كان في الدار قوله فقالوا أوص يا أمير المؤمنين استخلف سيأتي في الاحكام ما يدل على ان الذي قال له ذلك هو عبدا لله بن عمر وروى بن شبة بإسناد فيه انقطاع ان أسلم مولى عمر قال لعمر حين وقف لم يول أحدا بعده يا أمير المؤمنين ما يمنعك ان تصنع كما صنع أبو بكر ويحتمل ان يكون ذلك قبل ان يطعنه أبو لؤلؤة فقد روى مسلم من طريق معدان بن أبي طلحة ان عمر قال في خطبته قبل أن يطعن ان أقواما يأمرونني ان أستخلف قوله من هؤلاء النفر أو الرهط شك من الراوي قوله فسمى عليا وعثمان الخ وقع عند بن سعد من رواية بن عمر انه ذكر عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليا وفيه قلت لسالم أبدأ بعبد الرحمن بن عوف قبلهما قال نعم فدل هذا على ان الرواة تصرفوا لان الواو لا ترتب واقتصار عمر على الستة من العشرة لا اشكال فيه لانه منهم وكذلك أبو بكر ومنهم أبو عبيدة وقد مات قبل ذلك واما سعيد بن زيد فهو بن عم عمر فلم يسمه عمر فيهم مبالغة في التبري من الامر وقد صرح في رواية المدايني بأسانيده ان عمر عد سعيد بن زيد فيمن توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض الا انه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه وقد صرح بذلك المدايني بأسانيده قال فقال عمر لا أرب لي في أموركم فأرغب فيها لاحد من أهلي قوله وقال يشهدكم عبد الله بن عمر ووقع في رواية الطبري من طريق المدايني بأسانيده قال فقال له رجل استخلف عبد الله بن عمر قال والله ما أردت الله بهذا وأخرج بن سعد بسند صحيح من مرسل إبراهيم النخعي نحوه قال فقال عمر قاتلك والله ما أردت بالله بهذا استخلف من لم يحسن ان يطلق امرأته قوله كهيئة التعزية له أي لابن عمر
[ 55 ]
لانه لما أخرجه من أهل الشورى في الخلافة أراد جبر خاطره بأن جعله من أهل المشاورة في ذلك وزعم الكرماني ان قوله كهيئة التعزية له من كلام الراوي لا من كلام عمر فلم أعرف من أين تهيأ له الجزم بذلك مع الاحتمال وذكر المدايني ان عمر قال لهم إذا اجتمع ثلاثة على رأي وثلاثة على رأي فحكموا عبد الله بن عمر فان لم ترضوا بحكمه فقدموا من معه عبد الرحمن بن عوف قوله فان أصابت الامرة بكسر الهمزة وللكشميهني الامارة سعدا يعني بن أبي وقاص وزاد المدايني وما أظن ان يلي هذا الامر الا علي أو عثمان فان ولي عثمان فرجل فيه لين وان ولي علي فستختلف عليه الناس وان ولي سعد والا فليستعن به الوالي ثم قال لابي طلحة ان الله قد نصر بكم الاسلام فاختر خمسين رجلا من الانصار واستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم قوله وقال اوصي الخليفة من بعد في رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون فقال ادعوا لي عليا وعثمان وعبد الرحمن وسعدا والزبير وكان طلحة غائبا قال فلم يكلم أحدا منهم غير عثمان وعلي فقال يا علي لعل هؤلاء القوم يعلمون لك حقك وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهرك وما اتاك الله من الفقه والعلم فان وليت هذا الامر فاتق الله فيه ثم دعاعثمان فقال يا عثمان فذكر له نحو ذلك ووقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق في قصة عثمان فان ولوك هذا الامر فاتق الله فيه ولا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس ثم قال ادعوا لي صهيبا فدعي له فقال صل بالناس ثلاثا وليحل هؤلاء القوم في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالف فاضربوا عنقه فلما خرجوا من عنده قال ان تولوها الاجلح يسلك بهم الطريق فقال له ابنه ما يمنعك يا أمير المؤمنين منه قال أكره ان اتحملها حيا وميتا وقد اشتمل هذا الفصل على فوائد عديدة وله شاهد من حديث بن عمر أخرجه بن سعد بإسناد صحيح قال دخل الرهط على عمر فنظر إليهم فقال اني قد نظرت في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقا فان كان فهو فيكم وانما الامر اليكم وكان طلحة يومئذ غائبا في امواله قال فان كان قومكم لا يؤمرون الا لاحد الثلاثة عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعلي فمن ولي منكم فلا يحمل قرابته على رقاب الناس قوموا فتشاوروا ثم قال عمر امهلوا فان حدث لي حدث فليصل لكم صهيب ثلاثا فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه قوله بالمهاجرين الاولين من صلى إلى القبلتين وقيل من شهد بيعة الرضوان والانصار سيأتي ذكرهم في باب منفرد وقوله الذين تبوؤا الدار أي سكنوا المدينة قبل الهجرة وقوله والايمان ادعى بعضهم من أسماء المدينة وهو بعيد والراجح انه ضمن تبوءوا معنى لزم أو عامل نصبه محذوف تقديره واعتقدوا أو ان الايمان لشدة ثبوته في قلوبهم كأنه احاط بهم وكأنهم نزلوه والله اعلم قوله فإنهم ردء الاسلام أي عون الاسلام الذي يدفع عنه وغيظ العدو أي يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم قوله وان لا يؤخذ منهم الا فضلهم عن رضاهم أي الا ما فضل عنهم في رواية الكشميهني ويؤخذ منهم والاول هو الصواب قوله من حواشي أموالهم أي التي ليست بخيار والمراد بذمة الله أهل الذمة والمراد بالقتال من ورائهم أي إذا قصدهم عدو لهم وقد استوفى عمر في وصيته جميع الطوائف لان الناس اما مسلم واما كافر فالكافر اما حربي ولا يوصى به واما ذمي وقد ذكره والمسلم اما مهاجري واما أنصاري أو غيرهما وكلهم اما بدوي واما حضري وقد بين الجميع ووقع
[ 56 ]
في رواية المدايني من الزيادة واحسنوا مؤازرة من يلي امركم واعينوه وادوا إليه الامانة وقوله ولا يكلفوا الا طاقتهم أي من الجزية قوله فانطلقنا في رواية الكشميهني فانقلبنا أي رجعنا قوله فوضع هنالك مع صاحبيه اختلف في صفة القبور المكرمة الثلاثة فالاكثر على ان قبر أبي بكر وراء قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر عمر وراء قبر أبي بكر وقيل ان قبره صلى الله عليه وسلم مقدم إلى القبلة وقبر أبي بكر حذاء منكبيه وقبر عمر حذاء منكبي أبي بكر وقيل قبر أبي بكر عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم وقبر عمر عند رجليه وقيل قبر أبي بكر عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم وقبر عمر عند رجلي أبي بكر وقيل غير ذلك كما تقدم بيانه وذكر ادلته في اواخر كتاب الجنائز قوله فقال عبد الرحمن هو بن عوف قوله اجعلوا امركم إلى ثلاثة أي في الاختيار ليقل الاختلاف كذا قال بن التين وفيه نظر وصرح المدايني في روايته بخلاف ما قاله قوله فقال طلحة قد جعلت أمري فيه دلالة على انه حضر وقد تقدم انه كان غائبا عند وصية عمر ويحتمل انه حضر بعد ان مات وقبل ان يتم أمر الشورى وهذا أصح مما رواه المدايني انه لم يحضر الا بعد ان بويع عثمان قوله والله عليه والاسلام بالرفع فيهما والخبر محذوف أي عليه رقيب أو نحو ذلك قوله لينظرن افضلهم في نفسه أي معتقده زاد المدايني في رواية فقال عثمان انا أول من رضي وقال علي اعطني موثقا لتؤثرن الحق ولا تخصن ذا رحم فقال نعم ثم قال اعطوني مواثيقكم ان تكونوا معي على من خالف قوله فأسكت بضم الهمزة وكسر الكاف كأن مسكتا اسكتهما ويجوز فتح الهمزة والكاف وهو بمعنى سكت والمراد بالشيخين علي وعثمان قوله فأخذ بيد أحدهما هو علي وبقية الكلام يدل عليه ووقع مصرحا به في رواية بن فضيل عن حصين قوله والقدم بكسر القاف وفتحها وقد تقدم زاد المدايني انه قال له أرأيت لو صرف هذا الامر عنك فلم تحضر من كنت ترى أحق بها من هؤلاء الرهط قال عثمان قوله ما قد علمت صفة أو بدل عن القدم قوله ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك زاد المدايني انه قال له كما قال لعلي فقال علي وزاد فيه ان سعدا أشار عليه بعثمان وانه دار تلك الليالي على الصحابة ومن وافي المدينة من اشراف الناس لا يخلو برجل منهم الا امره بعثمان وقد اورد المصنف قصة الشورى في كتاب الاحكام من رواية حميد بن عوف عن المسور بن مخرمة وساقها نحو هذا واتم مما هنا وسأذكر شرح ما فيها هناك ان شاء الله تعالى وفي قصة عمر هذه من الفوائد شفقته على المسلمين ونصيحته لهم واقامته السنة فيهم وشدة خوفه من ربه واهتمامه بأمر الدين أكثر من اهتمامه بأمر نفسه وان النهي عن المدح في الوجه مخصوص بما إذا كان غلو مفرط أو كذب ظاهر ومن ثم لم ينه عمر الشاب عن مدحه له مع كونه أمره بتشمير إزاره والوصية بأداء الدين والاعتناء بالدفن عند أهل الخير والمشورة في نصب الامام وتقديم الافضل وان الامامة تنعقد بالبيعة وغير ذلك مما هو ظاهر بالتأمل والله الموفق وقال بن بطال فيه دليل على جواز تولية المفضول على الافضل منه لان ذلك لو لم يجز لم يجعل الامر شورى إلى ستة أنفس مع علمه ان بعضهم أفضل من بعض قال ويدل على ذلك أيضا قول أبي بكر قد رضيت لكم أحد الرجلين عمر وأبي عبيدة مع علمه بأنه أفضل منهما وقد استشكل جعل عمر الخلافة في ستة ووكل ذلك إلى اجتهادهم ولم يصنع ما صنع أبو بكر في اجتهاده فيه لانه ان كان لا يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل فصنيعه يدل على ان من
[ 57 ]
عدا الستة كان عنه مفضولا بالنسبة إليهم وإذا عرف ذلك فلم يخف عليه أفضلية بعض الستة على بعض وان كان يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل فمن ولاه منهم أو من غيرهم كان ممكنا والجواب عن الاول يدخل فيه الجواب عن الثاني وهو انه تعارض عنده صنيع النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يصرح باستخلاف شخص بعينه وصنيع أبي بكر حيث صرح فتلك طريق تجمع التنصيص وعدم التعيين وان شئت قل تجمع الاستخلاف وترك تعيين الخليفة وقد أشار بذلك إلى قوله لا أتقلدها حيا وميتا لان الذي يقع ممن يستخلف بهذه الكيفية انما ينسب إليه بطريق الاجمال لا بطريق التفصيل فعينهم ومكنهم من المشاورة في ذلك والمناظرة فيه لتقع ولاية من يتولى بعده عن اتفاق من معظم الموجودين حينئذ ببلده التي هي دار الهجرة وبها معظم الصحابة وكل من كان ساكنا غيرهم في بلد غيرها كان تبعا لهم فيما يتفقون عليه قوله باب مناقب علي بن أبي طالب أي بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبي الحسن وهو بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم شقيق أبيه واسمه عبد مناف على الصحيح ولد قبل البعثة بعشر سنين على الراجح وكان قد رباه النبي صلى الله عليه وسلم من صغره لقصة مذكورة في السيرة النبوية فلازمه من صغره فلم يفارقه إلى ان مات وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وكانت ابنة عمة أبيه وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي وقد أسلمت وصحبت وماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة بالاسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي وكأن السبب في ذلك انه تأخر ووقع الاختلاف في زمانه وخروج من خرج عليه فكان ذلك سببا لانتشار مناقبه من كثرة من كان بينها من الصحابة ردا على من خالفه فكان الناس طائفتين لكن المبتدعة قليلة جدا ثم كان من أمر علي ما كان فنجمت طائفة أخرى حاربوه ثم اشتد الخطب فتنقصوه واتخذوا لعنه على المنابر سنة ووافقهم الخوارج على بغضه وزادوا حتى كفروه مضموما ذلك منهم إلى عثمان فصار الناس في حق علي ثلاثة أهل السنة والمبتدعة من الخوارج والمحاربين له من بني أمية واتباعهم فاحتاج أهل السنة إلى بث فضائله فكثر الناقل لذلك لكثرة من يخالف ذلك والا فالذي في نفس الامر ان لكل من الاربعة من الفضائل إذا حرر بميزان العدل لا يخرج عن قول أهل السنة والجماعة أصلا وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن عروة قال اسلم علي وهو بن ثمان سنين وقال بن إسحاق عشر سنين وهذا ارجحها وقيل غير ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت مني وانا منك هو طرف من حديث البراء بن عازب في قصة بنت حمزة وقد وصل المصنف في الصلح وفي عمرة القضاء مطولا ويأتي شرحه في المغازي مستوفى ان شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث أولها حديث سهل بن سعد فقصة فتح خيبر وسيأتي شرحه في المغازي ثانيها حديث سلمة بن الاكوع في المعنى ويأتي هناك أيضا مشروحا وقوله في الحديثين ان عليا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله أراد بذلك وجود حقيقة المحبة والا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة وفي الحديث تلميح بقوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فكأنه أشار إلى ان عليا تام الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتصف بصفة محبة الله له ولهذا كانت محبته علامة الايمان وبغضه علامة النفاق كما احرجه مسلم من حديث علي نفسه
[ 58 ]
قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق وله شاهد من حديث أم سلمة عند أحمد ثالثها حديث سهل بن سعد أيضا وقال عمر توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض تقدم ذلك في الحديث الذي قبله موصولا وكانت بيعة علي بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فبايعه المهاجرون والانصار وكل من حضر وكتب بيعته إلى الافاق فاذعنوا كلهم الا معاوية في أهل الشام فكان بينهم بعدما كان قوله عن أبيه هو أبو حازم سلمة بن دينار قوله ان رجلا جاء إلى سهل بن سعد لم اقف على اسمه قوله هذا فلان لامير المدينة أي عني أمير المدينة وفلان المذكور لم اقف على اسمه صريحا ووقع عند الاسماعيلي هذا فكان فلان بن فلان قوله يدعو عليا عند المنبر قال فيقول ماذا في رواية الطبراني من وجه اخر عن عبد العزيز بن أبي حازم يدعوك لتسب عليا قوله والله ما سماه الا النبي صلى الله عليه وسلم يعني أبا تراب قوله فاستطعمت الحديث سهلا أي سألته ان يحدثني واستعار الاستطعام للكلام لجامع ما بينهما من الذوق للطعام الذوق الحسي وللكلام الذوق المعنوي وفي رواية الاسماعيلي فقلت يا أبا عباس كيف كان امره قوله أين بن عمك قالت في المسجد في رواية الطبراني كان بيني وبينه شئ فغاضبني قوله وخلص التراب إلى ظهره أي وصل في رواية الاسماعيلي حتى تخلص ظهره إلى التراب وكان نام اولا على مكان لاتراب فيه ثم تقلب فصار ظهره على التراب أو سفى عليه التراب قوله اجلس يا أبا تراب مرتين ظاهره ان ذلك أول ما قال له ذلك وروى بن أبي إسحاق من طريقه وأحمد من حديث عمار بن ياسر قال نمت انا وعلي في غزوة العسيرة في نخل فما افقنا الا بالنبي صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله يقول لعلي قم يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب وهذا ان ثبت حمل على انه خاطبه بذلك في هذه الكائنة الاخرى ويروى من حديث بن عباس ان سبب غضب علي كان لما اخى النبي صلى الله عليه وسلم بين اصحابه ولم يؤاخ بينه وبين أحد فذهب إلى المسجد فذكر القصة وقال في اخرها قم فأنت أخي أخرجه الطبراني وعند بن عساكر نحوه من حديث جابر بن سمرة وحديث الباب أصح ويمتنع الجمع بينهما لان قصة المؤاخاة كانت أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وتزويج علي بفاطمة ودخوله عليها كان بعد ذلك بمدة والله اعلم رابعها حديث بن عمر قوله حدثنا حسين هو بن على الجعفي وأبو حصين بفتح أوله والمهملتين وسعد بن عبيدة بضم العين قوله جاء رجل إلى بن عمر تقدم في مناقب
[ 59 ]
عثمان قوله فذكر عن محاسن عمله كأنه ضمن ذكر معنى أخبر فعداهابعن وفي رواية الاسماعيلي فذكر أحسن عمله وكأنه ذكر له انفاقه في جيش العسرة وتسبيله بئر رومة ونحو ذلك قوله ثم سأله عن على فذكر محاسن اعماله كأنه ذكر له شهوده بدرا وغيرها وفتح خيبر على يديه وقتله مرحب ونحو ذلك قوله هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم أي أحسنها بناء وقال الداودي معناه انه في وسطها وهو أصح ووقع عند النسائي من طريق عطاء بن السائب عن سعد بن عبيدة في هذا الحديث فقال لا تسأل عن علي ولكن انظر إلى بيته من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وله من رواية العلاء بن عيزار قال سألت بن عمر عن علي فقال انظر إلى منزله من نبي الله صلى الله عليه وسلم ليس في المسجد غير بيته وقد تقدم ما يتعلق بترك بابه غير مسدود في مناقب أبي بكر رضي الله عنهما قوله فأرغم الله بأنفك الباء زائدة معناه اوقع الله بك السوء واشتقاقه من السقوط على الارض فيلصق الوجه بالرغام وهو التراب قوله فاجهد على جهدك أي ابلغ على غايتك في حقي فان الذي قلته لك الحق وقائل الحق لا يبالي بما قيل في حقه من الباطل ووقع في رواية عطاء المذكورة قال فقال الرجل فاني ابغضه فقال له بن عمر ابغضك الله تعالى خامسها حديث علي ان فاطمة شكت ما تلقى من الرحى الحديث وفيه ما يقال عند النوم وسيأتي شرحه مستوفى في الدعوات ان شاء الله تعالى ووجه دخوله في مناقب علي من جهة منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم ودخول النبي صلى الله عليه وسلم معه في فراشه بينه وبين امرأته وهي ابنته صلى الله عليه وسلم ومن جهة اختيار النبي صلى الله عليه وسلم له ما اختار لابنته من إيثار أمر الآخرة على أمر الدنيا ورضاهما بذلك وقد تقدم في كتاب الخمس بيان السبب في ذلك فان النبي صلى الله عليه وسلم اختار ان يوسع على فقراء الصفة بما قدم عليه ورأى لاهله الصبر بما لهم في ذلك من مزيد الثواب سادسها حديث عبيدة بفتح أوله هو بن عمرو السلماني قوله عن علي قال اقضوا كما في رواية الكشميهني على ما كنتم تقضون قبل وفي رواية حماد بن زيد عن أيوب ان ذلك بسبب قول علي في بيع أم الولد وانه كان يرى هو وعمر انهن لا يبعن وانه رجع عن ذلك فرأى ان يبعن قال عبيدة فقلت له رأيك ورأي عمر في الجماعة احب الي من رأيك وحدك في الفرقة فقال علي ما قال قلت وقد وقعت في رواية حماد بن زيد أخرجها بن المنذر عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم عنه وعنده قال لي عبيدة بعث إلى علي والى شريح فقال اني ابغض الاختلاف فاقضوا كما كنتم تقضون فذكره إلى قوله أصحابي قال فقبل علي قبل ان يكون جماعة قوله فاني أكره الاختلاف أي الذي يؤدي إلى النزاع قال بن التين يعني مخالفة أبي بكر وعمر وقال غيره المراد المخالفة التي تؤدي إلى النزاع والفتنة ويؤيده قوله بعد ذلك حتى يكون الناس جماعة وفي رواية الكشميهني حتى يكون للناس جماعة قوله أو اموت بالنصب ويجوز الرفع قوله كما مات أصحابي أي لا أزال على ذلك حتى اموت قوله فكان بن سيرين هو موصول بالاسناد المذكور إليه وقد وقع بيان ذلك في رواية حماد بن زيد ولفظه عن أيوب سمعت محمدا يعني بن سيرين يقول لابي معشر اني اتهمكم في كثير مما تقولون عن علي قلت وأبو معشر المذكور هو زياد بن كليب الكوفي وهو ثقة مخرج له في صحيح مسلم وانما أراد بن سيرين تهمة من يروي عنه زيادة فإنه يروي عن مثل الحارث الاعور قوله يرى بفتح أوله أي يعتقد ان
[ 60 ]
عامة أي أكثر ما يروى بضم أوله عن علي الكذب والمراد بذلك ما ترويه الرافضة عن علي من الاقوال المشتملة على مخالفة الشيخين ولم يرد ما يتعلق بالاحكام الشرعية فقد روى بن سعد بإسناد صحيح عن بن عباس قال إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لم نتجاوزها سابعا حديث سعد قوله عن سعد هو بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قوله سمعت إبراهيم بن سعد أي بن أبي وقاص قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بين سعد سبب ذلك من وجه اخر أخرجه المصنف في غزوة تبوك من اخر المغازي وسيأتي بيان ذلك هناك ان شاء الله تعالى قوله اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى أي نازلا مني منزلة هارون من موسى والباء زائدة وفي رواية سعيد بن المسيب عن سعد فقال علي رضيت رضيت أخرجه أحمد ولابن سعد من حديث البراء بن أرقم في نحو هذه القصة قال بلى يا رسول الله قال فإنه كذلك وفي أول حديثهما انه عليه الصلاة والسلام قال لعلي لابد ان اقيم أو تقيم فأقام علي فسمع ناسا يقولون انما خلفه لشئ كرهه منه فاتبعه فذكر له ذلك فقال له الحديث وإسناده قوي ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي قال قال معاوية لسعد ما منعك ان تسب أبا تراب قال اما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن اسبه فذكر هذا الحديث وقوله لاعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله وقوله لما نزلت فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين فقال اللهم هؤلاء اهلي وعند أبي يعلى عن سعد من وجه اخر لا بأس به قال لو وضع المنشار على مفرقي على ان اسب عليا ما سببته ابدا وهذا الحديث أعني حديث الباب دون الزيادة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن غير سعد من حديث عموعلي نفسه وأبي هريرة وابن عباس وجابر بن عبد الله والبراء وزيد بن أرقم وأبي سعيد وأنس وجابر بن سمرة وحبشي بن جنادة ومعاوية وأسماء بنت عميس وغيرهم وقد استوعب طرقه بن عساكر في ترجمة علي وقريب من هذا الحديث في المعنى حديث جابر بن سمرة قال صلى الله عليه وسلم لعلي من اشقى الاولين قال عاقر الناقة قال فمن اشقى الآخرين قال الله ورسوله اعلم قال قاتلك أخرجه الطبراني وله شاهد من حديث عمار بن ياسر عند أحمد ومن حديث صهيب عند الطبراني وعن علي نفسه عند أبي يعلى بإسناد لين وعند البزار بإسناد جيد واستدل بحديث الباب على استحقاق علي للخلافة دون غيره من الصحابة فان هارون كان خليفة موسى وأجيب بان هارون لم يكن خليفة موسى الا في حياته لا بعد موته لانه مات قبل موسى باتفاق أشار إلى ذلك الخطابي وقال الطيبي معنى الحديث انه متصل بي نازل مني منزلة هارون من موسى وفيه تشبيه مبهم بينه بقوله الا انه لا نبي بعدي فعرف ان الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة بل من جهة ما دونها وهو الخلافة ولما كان هارون المشبه به انما كان خليفة في حياة موسى دل ذلك على تخصيص خلافة علي للنبي صلى الله عليه وسلم بحياته والله اعلم وقد اخرج المصنف من مناقب علي أشياء في غير هذا الموضع منها حديث عمر علي أقضانا وسيأتي في تفسير البقرة وله شاهد صحيح من حديث بن مسعود عند الحاكم ومنها حديث قتاله البغاة وهو في حديث أبي سعيد تقتل عمارا الفئة الباغية وكان عمار مع علي وقد تقدمت الاشارة إلى الحديث المذكور في الصلاة ومنها حديث قتاله الخوارج وقد تقدم من حديث أبي سعيد في علامات النبوة وغير ذلك مما
[ 61 ]
يعرف بالتتبع وأوعب من جمع مناقبه من الاحاديث الجياد النسائي في كتاب الخصائص واما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جدا وقد استوعبها بن عقدة في كتاب مفرد وكثير من اسانيدها صحاح وحسان وقد روينا عن الامام أحمد قال ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علي بن أبي طالب تنبيه وقع حديث سعد مؤخرا عن حديث علي في رواية أبي ذر ومقدما عليه في رواية الباقين والخطب في ذلك قريب والله اعلم قوله باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي سقطت الابواب كلها من رواية أبي ذر وابقى التراجم بغير لفظ باب وثبت ذلك في رواية الباقين وجعفر هو أخو علي شقيقه وكان اسن منه بعشر سنين واستشهد بمؤتة كما سيأتي بيان ذلك في المغازي وقد جاوز الاربعين قوله وقال له النبي صلى الله عليه وسلم اشبهت خلقي وخلقي هو من حديث البراء الذي ذكره في أول مناقب علي وسيأتي بتمامه مع الكلام عليه في عمرة الحديبية قوله حدثنا أحمد بن أبي بكر هو أبو مصعب الزهري والاسناد كله مدنيون وقد تقدم في كتاب العلم بهذا الاسناد حديث اخر غير هذا فيما يتعلق بسبب كثرة حديث أبي هريرة أيضا قوله ان الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة أي من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم مثله في العلم عن أبي هريرة من طريق أخرى لكنه أجاب بأنه لولا اية من كتاب الله ما حدثت وأشار بذلك إلى مثل قول بن عمر لما ذكر له انه يروي في حديث من صلى على جنازة فله قيراط أكثر أبو هريرة وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الجنائز واعتراف بن عمر بعد ذلك له بالحفظ وروى البخاري في التاريخ وأبو يعلى بإسناد حسن من طريق مالك بن أبي عامر قال كنت عند طلحة بن عبيد الله فقيل له ما ندري هذا اليماني اعلم برسول الله منكم أو هو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل قال فقال والله ما نشك انه سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم انا كنا أقواما لنا بيوتات وأهلون وكنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع وكان أبو هريرة مسكينا لا مال له ولا أهل انما كانت يده مع يد النبي صلى الله عليه وسلم فكان يدور معه حيثما دار فما نشك انه قد سمع ما لم نسمع وروى البيهقي في مدخله من طريق أشعث عن مولى لطلحة قال كان أبو هريرة جالسا فمر رجل بطلحة فقال له لقد أكثر أبو هريرة فقال طلحة قد سمعنا كما سمع ولكنه حفظ ونسينا واخرج بن سعد في باب أهل العلم والفتوى من الصحابة في طبقاته بإسناد صحيح عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال قالت عائشة لابي هريرة انك لتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ما سمعته منه قال شغلك عنه يا أمه المرآة والمكحلة وما كان يشغلني عنه شئ قوله بشبع بطني في رواية الكشميهني شبع أي لاجل الشبع قوله حين لا آكل في رواية الكشميهني حتى والاول أوجه قوله ولا البس الحبير بالموحدة قبلها مهملة مفتوحة وللكشميهني الحرير والاول أرجح والحبير من البرد ما كان موشى مخططا يقال برد حبير وبرد حبرة بوزن عنبة على الوصف والاضافة قوله لاستقري الرجل أي اطلب منه القرى فيظن اني اطلب منه القراءة ووقع بيان ذلك في رواية لابي نعيم في الحلية عن أبي هريرة انه وجد عمر فقال أقريني فظن انه من القراءة فأخذ يقرئه القران ولم يطعمه قال وانما أردت منه الطعام قوله كي ينقلب بي أي يرجع بي إلى منزله وللترمذي من طريق ضعيفة عن أبي هريرة ان كنت لاسأل الرجل عن الآية انا اعلم بها منه
[ 62 ]
ما أسأله الا ليطعمني شيئا وفي رواية الترمذي وكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله قوله وكان أخير بوزن أفضل ومعناه وللكشميهني خير قوله للمساكين في رواية الكشميهني بالافراد والمراد الجنس وهذا التقييد يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة عن أبي هريرة وقال ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد صحيح قوله العكة بضم المهملة وتشديد الكاف ظرف السمن وقوله ليس فيها شئ مع قوله فنلعق ما فيها لا تنافي بينهما لانه أراد بالنفي أي لا شئ فيها يمكن إخراجه منها بغير قطعها وبالاثبات ما يبقى في جوانبها وفي رواية الترمذي ليقول لامرأته أسماء بنت عميس أطعمينا فإذا أطعمتنا اجابني وكان جعفر يحب المساكين ويسكن إليهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبي المساكين انتهى وانما كان يجيبه عن سؤاله مع معرفته بأنه انما سأله ليطعمه ليجمع بين المصلحتين ولاحتمال ان يكون السؤال الذي وقع حينئذ وقع منه على الحقيقة قوله ان بن عمر كان إذا سلم على بن جعفر يعني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقع في رواية الاسماعيلي من طريق هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد قال قلنا للشعبي كان بن جعفر يقال له بن ذي الجناحين قال نعم رأيت بن عمر أتاه يوما أو لقيه فقال السلام عليك يا بن ذي الجناحين السلام عليك يا بن ذي الجناحين كأنه يشير إلى حديث عبد الله بن جعفر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء أخرجه الطبراني بإسناد حسن وعن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت جعفر بن أبي طالب يطير مع الملائكة أخرجه الترمذي والحاكم وفي إسناده ضعف لكن له شاهد من حديث علي عند بن سعد وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مر بي جعفر الليلة في ملا من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد على شرط مسلم واخرج أيضا هو والطبراني عن بن عباس مرفوعا دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفرا يطير مع الملائكة وفي طريق أخرى عنه ان جعفرا يطير مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه وإسناد هذه جيد وطريق أبي هريرة في الثانية قوى إسناده على شرط مسلم وقد ادعى السهيلي ان الذي يتبادر من ذكر الجناحين والطيران انهما كجناحي الطائر لهما ريش وليس كذلك وسيأتي بقية القول في ذلك في غزوة مؤتة ان شاء الله تعالى تنبيه وقع في رواية النسفي وحده في هذا الموضع قال أبو عبد الله يعني المصنف يقال لكل ذي ناحيتين جناحان ولعله أراد بهذا حمل الجناحين في قول بن عمر يا بن ذي الجناحين على المعنوي دون الحسي والله اعلم قوله باب ذكر العباس بن عبد المطلب ذكر فيه حديث أنس ان عمر كانوا إذا قحطوا استسقى بالعباس وهذه الترجمة وحديثها سقطا من رواية أبي ذر النسفي وقد تقدم الحديث المذكور مع شرحه في الاستسقاء وكان العباس اسن من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو بثلاث وكان إسلامه على المشهور قبل فتح مكة وقيل قبل ذلك وليس بعيد فان في حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط ما يؤيد ذلك واما قول أبي رافع في قصة بدر كأن الاسلام دخل علينا أهل البيت فلا يدل على إسلام العباس حينئذ فإنه كان ممن اسر يوم بدر وفدى نفسه وعقيلا بن أخيه أبي طالب كما سيأتي
[ 63 ]
ولاجل انه لم يهاجر قبل الفتح لم يدخله عمر في أهل الشورى مع معرفته بفضله واستسقائه به وسيأتي حديث عائشة في اجلال النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس في اخر المغازي في الوفاة النبوية وكنية العباس أبو الفضل ومات العباس في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين وله بضع وثمانون سنة قوله باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد غير أبي ذر في هذا الموضع ومنقبة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وهذا الحديث سيأتي موصولا في باب مفرد ترجمته منقبة فاطمة وهو يقتضي ان يكون ما اعتمده أبو ذر أولى وقوله الرب عز وجلقرابة النبي صلى الله عليه وسلم يريد بذلك من ينسب إلى جده الاقرب وهو عبد المطلب ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أو من رآه من ذكر وانثى وهم علي وأولاده والحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم من فاطمة عليها السلام وجعفر وأولاده عبد الله وعون ومحمد ويقال انه كان لجعفر بن أبي طالب بن اسمه أحمد وعقيل بن أبي طالب وولده مسلم بن عقيل وحمزة بن عبد المطلب وأولاده يعلى وعمارة وامامة والعباس بن عبد المطلب وأولاده الذكور عشرة وهم الفضل وعبد الله وقثم وعبيد الله والحارث ومعبد وعبد الرحمن وكثير وعون وتمام وفيه يقول العباس تموابتمام فصاروا عشره * يا رب فاجعلهم كراما بررة ويقال ان لكل منهم رواية وكان له من الاناث أم حبيب وامنة وصفية وأكثرهم من لبابة أم الفضل ومعتب بن أبي لهب والعباس بن عتبة بن أبي لهب وكان زوج امنة بنت العباس وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وأخته ضباعة وكانت زوج المقداد بن الاسود وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه جعفر ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وابناه المغيرة والحارث ولعبد الله بن الحارث هذا رواية وكان يلقب ببه بموحدتين الثانية ثقيلة واميمة واروى وعاتكة وصفية بنات عبد المطلب أسلمت صفية وصحبت وفي الباقيات خلاف والله اعلم ثم ذكر المصنف حديث عائشة ان فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها الحديث وقد تقدم بأتم من هذا مع شرحه في كتاب الخمس ويأتي بقيته في اخر غزوة خيبر ويأتي هناك بيان ما وقع في هذه الرواية من الاختصار ان شاء الله تعالى والمراد منه هنا قول أبي بكر لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم احب الي ان أصل من قرابتي وهذا قاله على سبيل الاعتذار عن منعه إياها ما طلبته من تركة النبي صلى الله عليه وسلم قوله حدثنا خالد هو بن الحارث قوله عن واقد هو بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قوله ارقبوا محمدا في أهل بيته يخاط ب بذلك الناس ويوصيهم به والمراقبة للشئ المحافظة عليه يقول احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم ثم ذكر حديث المسور فاطمة بضعة مني فمن اغضبها اغضبني وهو طرف من قصة خطبة علي ابنته أبي جهل وسيأتي مطولا في ترجمة أبي العاص بن الربيع قريبا وحديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم سارها بشئ فبكت الحديث وسيأتي شرحه في الوفاة النبوية اخر المغازي وهذان الحديثان لم يقعا في رواية أبذر وثبتا لغيره ولم يذكرهما النسفي أيضا والسبب في ذلك ان حديث المسور يأتي بإسناده
[ 64 ]
ومتنه في مناقب فاطمة وحديث عائشة مضى بإسناده ومتنه في علامات النبوة قوله عن أبيه في رواية أبي نعيم في المستخرج سمعت أبي قوله باب مناقب الزبير بن العوام أي بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وعدد ما بينهما من الاباء سواء وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكنى أبا عبد الله وروى الحاكم بإسناد صحيح عن عروة قال اسلم الزبير وهو بن ثمان سنين قوله وقال بن عباس هو حواري النبي صلى الله عليه وسلم هو طرف من حديث سيأتي في تفسير براءة من طريق بن أبي مليكة عن بن عباس ولهذا الحديث طرق من اغربها ما أخرجه الزبير بن بكار من مرسل أبي الخير مرثد بن اليزني بلفظ حواري من الرجال الزبير ومن النساء عائشة ورجاله موثقون لكنه مرسل قوله وسمي الحواريون لبياض ثيابهم وصله بن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس به وزاد انهم كانوا صيادين وإسناده صحيح إليه واخرج عن الضحاك ان الحواري هو الغسال بالنبطية لكنهم يجعلون الحاء هاء وعن قتادة الحواري هو الذي يصلح للخلافة وعنه هو الوزير وعن بن عيينة هو الناصر أخرجه الترمذي وغيره عنه وعند الزبير بن بكار من طريق مسلمة بن عبد الله بن عروة مثله وهذه الثلاثة الاخيرة متقاربة وقال الزبير عن محمد بن سلام سألت يونس بن حبيب عن الحواري قال الخالص وعن بن الكلبي الحواري الخليل قوله سنة الرعاف كان ذلك سنة إحدى وثلاثين أشار إلى ذلك عمر بن شبة في كتاب المدينة وأفاد ان عثمان كتب العهد بعده لعبد الرحمن بن عوف واستكتم ذلك حمران كاتبه فوشى حمران بذلك إلى عبد الرحمن فعاتب عثمان على ذلك فغضب عثمان على حمران فنفاه من المدينة إلى البصرة ومات عبد الرحمن بعد ستة اشهر وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين قوله فدخل عليه رجل من قريش لم اقف على اسمه قوله فدخل عليه رجل اخر أحسبه الحارث أي بن الحكم وهو أخو مروان راوي الخبر ووقع منسوبا كذلك في مشيخة يوسف بن خليل الحافظ من طريق سويد بن سعيد عن علي بن مسهر بسند حديث الباب وقد شهد الحارث بن الحكم المذكور حصار عثمان وعاش بعد ذلك إلى خلافة معاوية وفي نسب قريش للزبير انه تحاكم مع خصم له إلى أبي هريرة قوله فلعلهم قالوا انه الزبير لم اقف على اسم من قال ذلك قوله انه ما علمت سيأتي ما فيه قوله ان كان لخيرهم ما علمت ما مصدرية أي في علمي ويحتمل ان تكون موصولة وهو خبر مبتدأ محذوف قال الداودي يحتمل ان يكون المراد الخيرية في شئ مخصوص كحسن الخلق وان حمل على ظاهره ففيه ما يبين ان قول بن عمر ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم لم يرد به جميع الصحابة فان بعضهم قد وقع منه تفضيل بعضهم على بعض وهو عثمان في حق الزبير قلت قول بن عمر قيده بحياة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعارض ما وقع منهم بعد ذلك قوله وان حواري الزبير بتشديد الياء وفتحها كقوله ما أنتم بمصرخي ويجوز كسرها وقد مضى تفسير الحواري وتقدم سبب هذا الحديث في باب الطليعة في أوائل الجهاد قوله أنبأنا عبد الله هو بن المبارك
[ 65 ]
قوله كنت يوم الاحزاب أي لما حاصرت قريش ومن معها المسلمين بالمدينة وحفر الخندق بسبب ذلك وسيأتي شرح ذلك في المغازي قوله وعمر بن أبي سلمة أي بن عبد الاسد ربيب النبي صلى الله عليه وسلم وأمه أم سلمة قوله في النساء في رواية علي بن مسهر عن هشام بن عروة عند مسلم في اطم حسان وله في رواية أبي أسامة عن هشام في الاطم الذي فيه النسوة يعني نسوة النبي صلى الله عليه وسلم وعنده في رواية علي بن مسهر المذكورة وكان يطأطئ لي مرة فأنظر وأطأطئ له مرة فينظر فكنت اعرف أبي إذا مر على فرسه في السلاح قوله يختلف إلى بني قريظة أي يذهب ويجئ وفي رواية أبي أسامة عند الاسماعيلي مرتين أو ثلاثا قوله فلما رجعت قلت يا ابت رأيتك بين مسلم ان في هذه الرواية ادراجا فإنه ساقه من رواية علي بن مسهر عن هشام إلى قوله إلى بني قريظة قال هشام وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير قال فذكرت ذلك لابي إلى اخر الحديث ثم ساقه من طريق أبي أسامة عن هشام قال فساق الحديث نحوه ولم يذكر عبد الله بن عروة ولكن ادرج القصة في حديث هشام عن أبيه انتهى ويؤيده ان النسائي اخرج القصة الاخيرة من طريق عبدة عن هشام عن أخيه عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير عن أبيه والله اعلم قوله قال أو هل رأيتني يا بني قلت نعم فيه صحة سماع الصغير وانه لا يتوقف على أربع أو خمس لان بن الزبير كان يومئذ بن سنتين واشهر أو ثلاث واشهر بحسب الاختلاف في وقت مولده وفي تاريخ الخندق فان قلنا انه ولد في أول سنة من الهجرة وكانت الخندق سنة خمس فيكون بن أربع واشهر وان قلنا ولد سنة اثنتين وكانت الخندق سنة أربع فيكون بن سنتين واشهر وان عجلنا إحداهما واخرنا الاخرى فيكون بن ثلاث سنين واشهر وسأبين الاصح من ذلك في كتاب المغازي ان شاء الله تعالى وعلى كل حال فقد حفظ من ذلك ما يستغرب حفظ مثله وقد تقدم البحث في ذلك في باب متى يصح سماع الصغير من كتاب العلم قوله جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه فقال فداك أبي وامي وسيأتي ما يعارضه في ترجمة سعد قريبا ووجه الجمع بينهما قوله حدثنا علي بن حفص هو المروزي وقد تقدم ذكره في الجهاد ان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أي الذين شهدوا وقعة اليرموك قالوا للزبير لم اقف على تسمية أحد منهم قوله يوم وقعة اليرموك هو بفتح التحتانية وسكون الراء وضم الميم واخره كاف موضع بالشام وكانت فيه وقعة في أول خلافة عمر وكان النصر للمسلمين على الروم واستشهد من المسلمين جماعة قوله الا تشد بضم المعجمة أي على المشركين قوله ان شددت كذبتم أي تتأخرون عما أقدم عليه فيختلف موعدكم هذا وأهل الحجاز يطلقون الكذب على ما يذكر خلاف الواقع قوله فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر كذا في هذه الرواية وسيأتي في غزوة بدر في المغازي ما يغاير ذلك ويأتي شرحه ووجه الجمع بين الروايتين هناك ان شاء الله تعالى وكان قتل الزبير في شهر رجب سنة ست وثلاثين انصرف من وقعة الجمل تاركا للقتال فقتله عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة واخره زاي التميمي غيلة وجاء إلى علي متقربا إليه بذلك فبشره بالنار أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وصححه الحاكم من طرق بعضها مرفوع تنبيه تقدم الكلام على تركة الزبير وما وقع فيها من البركة بعده في كتاب الخمس قوله ذكر طلحة بن عبيد الله أي بن
[ 66 ]
عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مرة وعدد ما بينهم من الاباء سواء يكنى أبا محمد وأمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء أسلمت وهاجرت وعاشت بعد أبيها قليلا وروى الطبراني من حديث بن عباس قال أسلمت أم أبي بكر وأم عثمان وأم طلحة وأم عبد الرحمن بن عوف وقتل طلحة يوم الجمل سنة ست وثلاثين رمي بسهم جاء من طرق كثيرة ان مروان بن الحكم رماه فأصاب ركبته فلم يزل ينزف الدم منها حتى مات وكان يومئذ أول قتيل واختلف في سنه على أقوال أكثرها انه خمس وسبعون واقلها ثمان وخمسون قوله معتمر عن أبيه هو سليمان التيمي وأبو عثمان هو النهدي قوله في بعض تلك الايام يريد يوم أحد وقوله عن حديثهما يعني انهما حدثا بذلك ووقع في فوائد أبي بكر بن المقرئ من وجه اخر عن معتمر بن سليمان عن أبيه فقلت لابي عثمان وما علمك بذلك قال هما اخبراني بذلك قوله حدثنا خالد هوبن عبد الله الواسطي وابن أبي خالد هو إسماعيل قوله التي وقى بها أي يوم أحد وصرح بذلك علي بن مسهر عن إسماعيل عند الاسماعيلي وعند الطبراني من طريق موسى بن طلحة عن أبيه انه اصابه في يده سهم ومن حديث أنس وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد بعض المشركين ان يضربه وفي مسند الطيالسي من حديث عائشة عن أبي بكر الصديق قال ثم أتينا طلحة يعني يوم أحد فوجدنا بضعا به وسبعين جراحة وإذا قد قطعت أصبعه وفي الجهاد لابن المبارك من طريق موسى بن طلحة ان أصبعه التي اصيبت هي التي تلي الابهام وجاء عن يعقوب بن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن أبيه قال اصيبت أصبع طلحة البنصر من اليسرى من مفصلها الاسفل فشلت ترس بها على النبي صلى الله عليه وسلم قوله قد شلت بفتح المعجمة ويجوز ضمها في لغة ذكرها اللحياني وقال بن درستويه هي خطأ والشلل نقص في الكف وبطلان لعملها وليس معناه القطع كما زعم بعضهم زاد الاسماعيلي في روايته من طريق علي بن مسهر وغيره عن إسماعيل قال قيس كان يقال ان طلحة من حكماء قريش وروى الحميدي في الفوائد من وجه أخرجه عن قيس بن أبي حازم قال صحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلا أعطى لجزيل مال عن غير مسألة منه قوله مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري أي أحد العشرة يكنى أبا إسحاق قوله وبنو زهرة اخوال النبي صلى الله عليه وسلم أي لان أمه امنة منهوا قارب الام اخوال قوله وهو سعد بن مالك أي اسم أبي وقاص مالك بن وهيب ويقال اهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة وعدد ما بينهما من الاباء متقارب وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس لم تسلم مات بالعقيق سنة خمس وخمسين وقيل بعد ذلك إلى ثمانية وخمسين وعاش نحوا من ثمانين سنة قوله جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد أي في التفدية وهي قوله فداك أبي وامي وبينه حديث علي ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لاحد غير سعد بن مالك فإنه جعل يقول له يوم أحد ارم فداك أبي وامي وقد تقدم في الجهاد وفي هذا الحصر نظر لما تقدم في ترجمة الزبير انه صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم الخندق ويجمع بينهما بان عليا رضي الله عنه لم يطلع على ذلك أو مراده بذلك بقيد يوم أحد والله اعلم قوله ما اسلم أحد الا في اليوم الذي أسلمت فيه ظاهره انه لم يسلم أحد قبله لكن اختلف في هذه اللفظة كما
[ 67 ]
سأذكره قوله ولقد مكثت سبعة أيام واني لثلث الاسلام سيأتي القول فيه قوله واني لثلث الاسلام قال ذلك بحسب اطلاعه والسبب فيه ان من كان اسلم في ابتداء الامر كان يخفي إسلامه ولعله أراد بالاثنين الآخرين خديجة وأبا بكر أو النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وقد كانت خديجة أسلمت قطعا فلعله خص الرجال وقد تقدم في ترجمة الصديق حديث عمار رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه الا خمسة اعبد وأبو بكر وهو يعارض حديث سعد والجمع بينهما ما أشرت إليه أو يحمل قول سعد على الاحرار البالغين ليخرج الاعبد المذكورون وعلي رضي الله عنه أو لم يكن اطلع على أولئك ويدل على هذا الاخير انه وقع عند الاسماعيلي من رواية يحيى بن سعيد الاموي عن هاشم بلفظ ما اسلم أحد قبلي ومثله عند بن سعد من وجه اخر عن عامر بن سعد عن أبيه وهذا مقتضى رواية الاصيلي وهي مشكلة لانه قد اسلم قبله جماعة لكن يحمل ذلك على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ وقد رأيت في المعرفة لابن منده من طريق أبي بدر عن هاشم بلفظ ما اسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه وهذا لا اشكال فيه إذ لا مانع ان لا يشاركه أحد في الاسلام يوم اسلم لكن أخرجه الخطيب من الوجه الذي أخرجه بن منده فاثبت فيه الا كبقية الروايات فتعين الحمل على ما قلته قوله تابعه أبو أسامة حدثنا هاشم وصله المؤلف في باب إسلام سعد من السيرة النبوية وهو مثل رواية بن أبي زائدة هذه قوله اني لاول العرب رمى كان ذلك في سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب وكان القتال فيها أول حرب وقعت بين المشركين والمسلمين وهي أول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الاولى من الهجرة بعث ناسا من المسلمين إلى رابغ ليلقوا عيرا لقريش فتراموا بالسهام ولم يكن بينهم مسايفة فكان سعد أول من رمى ذكر ذلك الزبير بن بكار بسند له وقال فيه عن سعد انه انشد يومئذ الا هل اتى رسول الله اني * حميت صحابتي بصدور نبلي وذكرها يونس بن بكير في زيادة المغازي من طريق الزهري نحوه وابن سعد من وجه اخر عن سعد انا أول من رمى بسهم ثم خرجنا مع عبيدة بن الحارث ستين راكبا قوله ماله خلط بكسر المعجمة أي لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه وتفتته قوله ثم أصبحت بنو أسد أي بن خزيمة بن مدركة وكانوا ممن شكاه لعمر في القصة التي تقدم بيانها في صفة الصلاة ووقع عند بن بطال انه عرض في ذلك بعمر بن الخطاب وليس بصواب فان عمر من بني عدي بن كعب بن لؤي ليس من بني أسد ووقع عند النووي أسد بن عبد العزى يعني رهط الزبير بن العوام وهو وهم أيضا قوله تعزرني على الاسلام أي تؤدبني والمعنى تعلمني الصلاة أو تعيرني باني لا أحسنها قوله خبت أي كنت محتاجا إلى تعليمهم وقد تقدمت قصته مع الذين زعموا انه لا يحسن يصلي في صفة الصلاة قوله وضل عملي في رواية بن سعد عن يعلى بن عبيد عن إسماعيل وضل عمليه بزيادة هاء السكت قوله ذكر اصهار النبي صلى الله عليه وسلم أي الذين تزوجوا إليه والصهر يطلق على جميع اقارب المرأة والرجل ومنهم من يخصه بأقارب المرأة قوله منهم أبو العاص بن الربيع أي بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف ويقال بإسقاط ربيعة وهو مشهور بكنيته واختلف في اسمه على أقوال اثبتها عند الزبير مقسم وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة فكان بن أختها واصل المصاهرة المقاربة وقال الراغب الصهر الختن
[ 68 ]
وأهل بيت المرأة يقال لهم الاصهار قاله الخليل وقال بن الاعرابي الاصهار ما يتحرم بجوار أو نسب أو تزوج وكأنه لمح بالترجمة إلى ما جاء عن عبد الله بن أبي أوفى رفعه سألت ربي ان لا اتزوج أحدا من أمتي ولا اتزوج إليه الا كان معي في الجنة فأعطاني أخرجه الحاكم في مناقب علي وله شاهد عن عبد الله بن عمر وعند الطبراني في الاوسط بسند واه وقال النووي الصهر يطلق على اقارب الزوجين والمصاهرة مقاربة بين المتباعدين وعلى هذا عمل البخاري فان أبا العاص بن الربيع ليس من اقارب نساء النبي صلى الله عليه وسلم الا من جهة كونه بن أخت خديجة وليس المراد هنا نسبته إليها بل إلى تزوجه بابنتها وتزوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وهي أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وقد اسر أبو العاص ببدر مع المشركين وفدته زينب فشرط عليه النبي صلى الله عليه وسلم ان يرسلها إليه فوفى له بذلك فهذا معنى قوله في اخر الحديث ووعدني فوفى لي ثم اسر أبو العاص مرة أخرى فأجارته زينب فأسلم فردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى نكاحه وولدت امامة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها وهو يصلي كما تقدم في الصلاة وولدت له أيضا ابنا اسمه علي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مراهقا فيقال انه مات قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واما أبو العاص فمات سنة اثنتي عشرة وأشار المصنف بقوله منهم إلى من لم يذكره ممن تزوج إلى النبي صلى الله عليه وسلم كعثمان وعلي وقد تقدمت ترجمة كل منهما ولم يتزوج أحد من بنات النبي صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء الثلاثة الا بن أبي لهب كان تزوج رقية قبل عثمان ولم يدخل بها فأمره أبوه بمفارقتها ففارقها فتزوجها عثمان واما من تزوج النبي صلى الله عليه وسلم إليه فلم يقصده البخاري بالذكر هنا والله اعلم قوله ان عليا خطب بنت أبي جهل اسمها جويرية كما سيأتي ويقال العوراء ويقال جميلة وكان علي قد اخذ بعموم الجواز فلما انكر النبي صلى الله عليه وسلم أعرض علي عن الخطبة فيقال تزوجها عتاب بن اسيد وانما خطب النبي صلى الله عليه وسلم ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا به اما على سبيل الايجاب واما على سبيل الاولوية وغفل الشريف المرتضى عن هذه النكتة فزعم ان هذا الحديث موضوع لانه من رواية المسور وكان فيه انحراف عن علي وجاء من رواية بن الزبير وهو أشد في ذلك ورد كلامه باطباق أصحاب الصحيح على تخريجه وسيأتي بسط ما يتعلق بذلك في كتاب النكاح ان شاء الله تعالى قوله وهذا علي ناكح بنت أبي جهل في رواية الطبراني عن أبي اليمان وهذا علي ناكحا بالنصب وكذا عند مسلم من هذا الوجه اطلقت عليه اسم ناكح مجازا باعتبار ما كان قصد يفعل واختلف في اسم ابنة أبي جهل فروى الحاكم في الاكليل جويرية وهو الاشهر وفي بعض الطرق اسمها العوراء أخرجه بن طاهر في المبهمات وقيل اسمها الحنفاء ذكره بن جرير الطبري وقيل جرهمة حكاه السهيلي وقيل اسمها جميلة ذكره شيخنا بن الملقن في شرحه وكان لابي جهل بنت تسمى صفية تزوجها سهل بن عمرو سماها بن السكيت وغيره وقال هي الحنفاء المذكورة قوله حدثني فصدقني لعله كان شرط على نفسه ان لا يتزوج على زينب وكذلك علي فان لم يكن كذلك فهو محمول على ان عليا نسي ذلك الشرط فلذلك اقدم على الخطبة أو لم يقع عليه شرط إذ لم يصرح بالشرط لكن كان ينبغي له ان يراعي هذا القدر فلذلك وقعت المعاتبة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قل ان يواجه أحدا بما
[ 69 ]
يعاب به ولعله انما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة عليها السلام وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكة ولو يكن حينئذ تأخر من بنات النبي صلى الله عليه وسلم غيرها وكانت اصيبت بعد أمها بأخوتها فكان إدخال الغيرة عليها مما يزيد حزنها وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة بمهملتين مفتوحتين ولامين الاولى ساكنة وقد تقدم هذا الحديث من روايته موصولا في أوائل فرض الخمس مطولا وفيه ذكر بعض ما يتعلق به قوله مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من بني كلب اسر في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فاستوهبه النبي صلى الله عليه وسلم مها ذكر قصته محمد بن إسحاق في السيرة وان أباه وعمه أتيا مكة فوجداه فطلبا ان يفديا هف خيره النبي صلى الله عليه وسلم بين ان يدفعه إليهما أو يثبت عنده فاختار ان يبقى عنده وقد اخرج بن منده في معرفة الصحابة وتمام فوائده بإسناد مستغرب عن ال بيت زيد بن حارثة اسلم يومئذ وهو حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى الكلبي واخرج الترمذي من طريق جبلة بن حارثة قال قلت يارسول الله ابعث معي أخي زيدا قال ان انطلق معك لم امنعه فقال زيد يا رسول الله والله لا اختار عليك أحدا واستشهد زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ومات أسامة بن زيد بالمدينة أو بوادي القرى سنة أربع وخمسين وقيل قبل ذلك وكان قد سكن المزة من عمل دمشق مدة قوله وقال البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنت اخونا ومولانا هو طرف من الحديث المشار إليه في ترجمة جعفر بن أبي طالب قوله حدثنا سليمان هو بن بلال قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا هو البعث الذي أمر بتجهيزه في مرض وفاته وقال انفذوا بعث أسامة فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه بعده وسيأتي بيانه في اواخر الوفاة النبوية ان شاء الله تعالى قوله فطعن بعض الناس في امارته سمى ممن طعن في ذلك عياش بن أبي ربيعة المخزومي كما سيأتي بسط ذلك في اخر المغازي قوله تطعنون بفتح العين يقال طعن يطعن بالفتح في العرض والنسب وبالضم بالرمح واليد ويقال هما لغتان فيهما قوله فقد كنتم تطعنون في امارة أبيه من قبل يشير إلى امارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة وعند النسائي عن عائشة قالت ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط الا امره عليهم وفيه جواز امارة المولى وتولية الصغار على الكبار والمفضول على الفاضل لانه كان في الجيش الذي كان عليهم أسامة أبو بكر وعمر ثم ذكر حديث عائشة في قصة القائف وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الفرائض وفيه تسمية القائف المذكور قوله ذكر أسامة بن زيد ذكر فيه حديث المخزومية التي سرقت وسيأتي شرحه مستوفى في الحدود والغرض منه قوله في بعض طرقه ومن يجترئ ان يكلمه الا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يسمون أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر المهملة أي محبوبه لما يعرفون من منزلته عنده
[ 70 ]
لانه كان يحب أباه قبله حتى تبناه فكان يقال له زيد بن محمد وأمه أم ايمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هي أمي بعد أمي وكان يجلسه على فخذه بعد ان كبر كما سيأتي في مناقب الحسن عن قريب قوله حدثنا الحسن بن محمد هو الزعفراني وأبو عباد هو يحيى بن عباد الضبعي البصري والمراد بالماجشون عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة قوله ليت هذا عندي أي قريبا مني حتى أنصحه وأعظه وقد روي بالباء الموحدة من العبودية وكأنه على ما قيل كان اسود اللون قوله قال له انسان لم اقف على اسمه قوله لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحبه انما جزم بن عمر بذلك لما رأى من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة وأم أيمن وذريتهما فقاس بن أسامة على ذلك قوله اللهم احبهما فاني احبهما هذا يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يحب الا لله وفي الله ولذلك رتب محبة الله على محبته وفي ذلك أعظم منقبة لاسامة والحسن قوله وقال نعيم هو بن حماد قوله أخبرني مولى لاسامة في رواية بن أبي الدنيا أخبرني بن حرملة مولى أسامة وابن حرملة هو إياس ويقال انه حرملة بن إياس في الرواية التي بعده قوله وهو رجل من الانصار أي ايمن بن أم ايمن وأبوه هو عبيد بن عمرو بن هلال من بني الحبلي من الخزرج ويقال انه كان حبشيا من موالي الخزرج وتزوج أم ايمن قبل زيد بن حارثة فولدت له ايمن واستشهد ايمن يوم حنين مع النبي صلى الله عليه وسلم ونسب إلى أمه لشرفها على أبيه وشهرتها عند أهل البيت النبوي وتزوج زيد بن حارثة أم ايمن وكانت حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ورثها من أبيه فولدت له أسامة بن زيد وعاشت أم ايمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلا قوله فراه بن عمر هو معطوف على شئ مقدر تقديره ان الحجاج بن ايمن دخل المسجد فصلى فراه بن عمر يوضح ذلك الرواية التي بعد هذه قوله فقال أعد أي أعد صلاتك وفي رواية الاسماعيلي فقال أي بن أخي أتحسب انك قد صليت انك لم تصل فأعد صلاتك قوله بينما هو فيه تجريد كأن حرملة قال بينما انا فجرد من نفسه شخصا فقال بينما هو قوله فذكر حبه وما ولدته أم ايمن كذا ثبت بواو العطف في رواية أبي ذر والضمير على هذا لاسامة في قوله فذكر حبه أي ميله وفي رواية غير أبي ذرفذكر حبه ما ولدته أم ايمن فعلى هذا فالضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وما ولدته الخ هو المفعول والمراد بما ولدته أم ايمن ما ولدته من ذكر أو أنثى قوله وزادني بعض أصحابي هو اما يعقوب بن سفيان فإنه رواه في تاريخه عن سليمان بن عبد الرحمن بالاسناد المذكور وزاد فيه وكانت أم ايمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم واما الذهلي فإنه أخرجه في الزهريات عن سليمان أيضا وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين عن أبي عامر محمد بن إبراهيم الصوري عن سليمان كذلك وأخرجه الاسماعيلي وأبو نعيم من طريق إبراهيم الزهري عن سليمان كذلك وكأن هذا القدر لم يسمعه البخاري من سليمان
[ 71 ]
فحمله عن بعض اصحابه فبين ما سمعه مما لم يسمعه قوله مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو أحد العبادلة وفقهاء الصحابة والمكثرين منهم وأمه زينب ويقال رائطة بنت مظعون أخت عثمان وقدامة ابني مظعون للجميع صحبة وكان مولده في السنة الثانية أو الثالثة من المبعث لانه ثبت انه كان يوم بدر بن ثلاث عشرة سنة وكانت بدر بعد البعثة بخمس عشرة سنة وقد تقدم تاريخ وفاته في الصلاة وانها كانت بسبب من دسه عليه الحجاج فمس رجله بحربة مسمومة فمرض بها إلى ان مات أوائل سنة أربع وسبعين ثم ذكر المصنف حديث بن عمر في رؤياه وفيه نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل وقد تقدم توجيهه في باب قيام الليل وقوله في أوله حدثنا محمد حدثنا إسحاق بن نصر كذا لابي ذر وحده وبين ان محمدا هو المصنف ووقع عند بن السكن وحده حدثنا إسحاق بن منصور وقوله لن ترع كذا للقابسي قال بن التين هي لغة قليلة يعني الجزم بلن قال القزاز ولا احفظ لها شاهدا وروى الاكثر بلفظ لن تراع وهو الوجه ثم اورد المصنف من طريق يونس عن الزهري عن سالم عن بن عمر عن أخته حفصة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ان عبد الله رجل صالح وهو طرف من الحديث الذي قبله وهذا القدر هو الذي يتعلق منه بمسند حفصة وسيأتي في التعبير من طريق نافع عن بن عمر عن حفصة مثله وزاد لو كان يصلي من الليل وتقدمت الاشارة إلى ذلك أيضا في قيام الليل ويأتي بقية ذلك في التعبير ان شاء الله تعالى قوله باب مناقب عمار وحذيفة اما عمار فهو بن ياسر يكنى أبا اليقظان العنسي بالنون وأمه سمية بالمهملة مصغر اسلم هو وأبوه قديما وعذبوا لاجل الاسلام وقتل أبو جهل أمه فكانت أول شهيد في الاسلام ومات أبوه قديما وعاش هو إلى ان قتل بصفين مع علي رضي الله عنهم وكان قد ولي شيئا من أمور الكوفة لعمر فلهذا نسبه أبو الدرداء إليها واما حذيفة فهو بن اليمان بن جابر بن عمرو العبسي بالموحدة حليف بني عبد الاشهل من الانصار واسلم هو وأبوه اليمان كما سيأتي وولي حذيفة بعض أمور الكوفة لعمر وولي امرة المدائن ومات بعد قتل عثمان بيسير بها وكان عمار من السابقين الاولين وحذيفة من القدماء في الاسلام أيضا الا انه متأخر فيه عن عمار وانما جمع المصنف بينهما في الترجمة لوقوع الثناء عليهما من أبي الدرداء في حديث واحد وقد افرد ذكر بن مسعود وان كان ذكر معهما لوجوده ما يوافق شرطه غير ذلك من مناقبه وقد افرد ذكر حذيفة في اواخر المناقب وهو مما يؤيد ما سنذكره انه لم يهذب ترتيب من ذكره من أصحاب هذه المناقب ويحتمل ان يكون افراده بالذكر لانه أراد ذكر ترجمة والده اليمان قوله عن إبراهيم عن علقمة قال قدمت الشام في رواية شعبة التي بعد هذه عن إبراهيم قال ذهب علقمة إلى الشام وهذا الثاني صورته مرسل لكن قال في اثنائه قال قلت بلى فاقتضى انه موصول ووقع في التفسير من وجه اخر عن إبراهيم عن علقمة قال قدمت الشام في نفر من أصحاب بن مسعود فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا قوله حتى يجلس إلى جنبي أي يجعل غاية مجيئه جلوسه وعبر بلفظ المضارع مبالغة زاد الاسماعيلي في روايته فقلت
[ 72 ]
الحمد لله اني لارجو ان يكون الله استجاب دعوتي قوله قالوا أبو الدرداء لم اقف على اسم القائل قوله قال أو ليس عندكم بن أم عبد يعني عبد الله بن مسعود ومراد أبي الدرداء بذلك انه فهم منهم انهم قدموا في طلب العلم فبين لهم ان عندهم من العلماء من لا يحتاجون معهم إلى غيرهم ويستفاد منه ان المحدث لا يرحل عن بلده حتى يستوعب ما عند مشايخها قوله صاحب النعلين أي نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بن مسعود يحملهما ويتعاهدهما قوله والوساد في رواية شعبة صاحب السواك بالكاف أو السواد بالدال ووقع في رواية الكشميهني هنا الوساد ورواية غيره أوجه والسواد السرار براءين يقال ساودته سوادا أي ساررته سرارا واصله أدنى السواد وهو الشخص من السواد قوله والمطهرة في رواية السرخسي والمطهر بغير هاء وأغرب الداودي فقال معناه انه لم يكن يملك من الجهاز غير هذه الاشياء الثلاثة كذا قال وتعقب بن التين كلامه فأصاب وقد روى مسلم عن بن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له اذنك علي ان ترفع الحجاب وتسمع سوادي أي سراري وهي خصوصية لابن مسعود وسيأتي في مناقبه قريبا حديث أبي موسى قدمت انا واختي من اليمن فمكثنا حينا لا نرى الا ان عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لما نرى من دخوله ودخول أمه والصواب ما قال غير الداودي ان المراد الثناء عليه بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم وانه لشدة ملازمته له لاجل هذه الامور ينبغي ان يكون عنده من العلم ما يستغني طالبه به عن غيره قوله أفيكم بهمزة الاستفهام وفي رواية الكشميهني وفيكم بواو العطف وفي رواية شعبة أليس فيكم أو منكم بالشك في الموضعين قوله الذي اجاره الله من الشيطان يعني على لسان نبيه في رواية شعبة اجاره الله على لسان نبيه يعني من الشيطان وزد في رواية شعبة يعني عمارا وزعم بن التين ان المراد بقوله على لسان نبيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وهو محتمل ويحتمل ان يكون المراد بذلك حديث عائشة مرفوعا ما خير عمار بين امرين الا اختار ارشدهما أخرجه الترمذي ولاحمد من حديث بن مسعود مثله اخرجهما الحاكم فكونه يختار ارشد الامرين دائما يقتضي انه قد أجير من الشيطان الذي من شأنه الامر بالغي وروى البزار من حديث عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ملئ ايمانا إلى مشاشه يعني عمارا وإسناده صحيح ولابن سعد في الطبقات من طريق الحسن قال قال عمار نزلنا منزلا فأخذت قربتي ودلوي لاستقي فقال النبي صلى الله عليه وسلم سيأتيك من يمنعك من الماء فلما كنت على رأس الماء إذا رجل اسود كأنه مرس فصرعته فذكر الحديث وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الشيطان فلعل بن مسعود أشار إلى هذه القصة ويحتمل ان تكون الاشارة بالاجارة المذكورة إلى ثباته على الايمان لما اكرهه المشركون على النطق بكلمة الكفر فنزلت فيه الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان وقد جاء في حديث اخر ان عمارا ملئ ايمانا إلى مشاشه أخرجه النسائي بسند صحيح والمشاش بضم الميم ومعجمتين الاولى خفيفة وهذه الصفة لا تقع الا ممن اجاره الله من الشيطان وقد تقدم شرح الحديث الذي أشار إليه بن التين في باب
[ 73 ]
التعاون في بناء المسجد مستوفى ولله الحمد قوله أو ليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلم أحد غيره كذا فيه بحذف المفعول وفي رواية الكشميهني الذي لا يعلمه والمراد بالسر ما أعلمه به النبي صلى الله عليه وسلم من أحوال المنافقين قوله ثم قال كيف يقرأ عبد الله يعني بن مسعود وسيأتي الكلام على ما يتعلق بهذا القدر من القراءة في تفسير والليل إذا يغشى ان شاء الله تعالى حيث أورده المصنف وفيه زيادة فيما يتعلق به على ما هنا تنبيه توارد أبو هريرة في وصف المذكورين مع أبي الدرداء بما وصفهم به وزاد عليه فروى الترمذي من طريق خيثمة بن عبد الرحمن قال أتيت المدينة فسألت الله ان ييسر لي جليسا صالحا فيسر لي أبا هريرة فقال ممن أنت قلت من الكوفة جئت التمس الخير قال أليس منكم سعد بن مالك مجاب الدعوة وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه وحذيفة صاحب سره وعمار الذي اجاره الله من الشيطان على لسان نبيه وسلمان صاحب الكتابين قوله باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح كذا اخر ذكره عن إخوانه من العشرة ولم اقف في شئ من نسخ البخاري على ترجمة لمناقب عبد الرحمن بن عوف ولا لسعيد بن زيد وهما من العشرة وان كان قد افرد ذكر إسلام سعيد بن زيد بترجمة في أوائل السيرة النبوية وأظن ذلك من تصرف الناقلين لكتاب البخاري كما تقدم مرارا انه ترك الكتاب مسودة فان أسماء من ذكرهم هنا لم يقع فيهم مراعاة الافضلية ولا السابقية ولا الاسنية وهذه جهات التقديم في الترتيب فلما لم يراع واحدا منها دل على انه كتب كل ترجمة على حدة فضم بعض النقلة بعضها إلى بعض حسبما اتفق وأبو عبيدة اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن اهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك وعدد ما بينهما من الاباء متفاوت جدا بخمسة اباء فيكون أبو عبيدة من حيث العدد في درجة عبد مناف ومنهم من ادخل في نسبه بين الجراح وهلال ربيعة فيكون على هذا في درجة هاشم وبذلك جزم أبو الحسن بن سميع ولم يذكره غيره وأم أبي عبيدة هي من بنات عم أبيه ذكر أبو أحمد انها أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر ويقال انه هو الذي قتله ورواه الطبراني وغيره من طريق عبد الله بن شوذب مرسلا ومات أبو عبيدة وهو أمير على الشام من قبل عمر بالطاعون سنة ثمان عشرة باتفاق عز وجلقوله حدثنا عبد الاعلى هو بن عبد الاعلى البصري السامي بالمهملة من بني سامة بن لؤي وخالد شيخه هو الحذاء قوله ان لكل امة أمينا وان اميننا ايتها الامة صورته صورة النداء لكن المراد فيه الاختصاص أي امتنا مخصوصون من بين الامم وعلى هذا فهو بالنصب على الاختصاص ويجوز الرفع والامين هو الثقة الرضي وهذه الصفة وان كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزيدا في ذلك لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره كالحياء لعثمان والقضاء لعلي ونحو ذلك تنبيه اورد الترمذي وابن حبان هذا الحديث من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء بهذا الاسناد مطولا وأوله ارحم أمتي بامتي أبو بكر واشدهم في أمر الله عمر واصدقهم حياء عثمان وأقرأهم لكتاب الله أبي وافرضهم زيد واعلمهم بالحلال والحرام معاذ الا وان لكل امة أمينا الحديث وإسناده صحيح الا ان الحفاظ قالوا ان الصواب في أوله الارسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري والله اعلم قوله عن صلة بكسر
[ 74 ]
المهملة وتخفيف اللام هو بن زفر وذكر الجياني انه وقع هنا في رواية القابسي صلة بن حذيفة وهو تحريف قوله عن حذيفة وقع في رواية النسائي عن صلة عن بن مسعود وسيأتي بيان ذلك في المغازي قوله لاهل نجران هم أهل بلد قريب من اليمن وهم العاقب واسمه عبد المسيح والسيد ومن معهما ذكر بن سعد انهم وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع وسماهم وسيأتي شرح ذلك مطولا في اواخر المغازي حيث ذكره المصنف ان شاء الله تعالى ووقع في حديث أنس عند مسلم ان أهل اليمن قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والاسلام فأخذ بيد أبي عبيدة وقال هذا امين هذه الامة فان كان الراوي تجوز عن أهل نجران بقوله أهل اليمن لقرب نجران من اليمن والا فهما واقعتان والاول أرجح والله اعلم قوله لابعثن حق امين في رواية غير أبي ذر لابعثن يعني عليكم أمينا حق امين ولمسلم لابعثن اليكم رجلا أمينا حق امين قوله فأشرف أصحابه في رواية مسلم والاسماعيلي فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تطلعوا للولاية ورغبوا فيها حرصا على تحصيل الصفة المذكورة وهي الامانة لا على الولاية من حيث هي والله اعلم قوله فبعث أبا عبيدة في رواية أبي يعلى قم يا أبا عبيدة فأرسله معهم ووقع في رواية لابي يعلى من طريق سالم عن أبيه سمعت عمر يقول ما أحببت الامارة قط الا مرة واحدة فذكر القصة وقال في الحديث فتعرضت ان تصيبني فقال قم يا أبا عبيدة قوله ذكر مصعب بن عمير أي بن هاشم بن عبد الدار بن عبد مناف وقع كذلك في غير رواية أبي ذر الهروي وكأنه بيض له وقد تقدم من فضائله في كتاب الجنائز انه لما استشهد لم يوجد له ما يكفن فيه قوله باب مناقب الحسن والحسين كأنه جمعهما لما وقع لهما من الاشتراك في كثير من المناقب وكان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاث من الهجرة عند الاكثر وقيل بعد ذلك ومات بالمدينة مسموما سنة خمسين ويقال قبلها ويقال بعدها وكان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الاكثر وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيد كاتبوا الحسين بانهم في طاعته فخرج الحسين إليهم فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فخذل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة وقتل بن عمه مسلم بن عقيل وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس ثم جهز إليه عسكرا فقاتلوه إلى ان قتل هو وجماعة من أهل بيته والقصة مشهورة فلا نطيل بشرحها وعسى ان يقع لنا المام بها في كتاب الفتن قوله وقال نافع بن جبير أي بن مطعم وحديثه المذكور طرف من حديث تقدم موصولا في البيوع ثم ذكر فيه ثمانية أحاديث الاول حديث أبي بكرة ان ابني هذا سيد وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الفتن وزاد أبو ذر هنا أبو موسى اسمه إسرائيل بن موسى من أهل البصرة نزل الهند لم يروه عن الحسن غيره الثاني حديث أسامة بن زيد تقدم في ترجمة أسامة قوله سمعت أبي هو سليمان التيمي قوله حدثنا أبو عثمان وقع في رواية في الادب من وجه اخر عن معتمر عن أبيه سمعت أبا تميمة يحدث عن أبي عثمان قال الاسماعيلي كان سليمان سمعه من أبي تميمة عن أبي عثمان ثم لقي أبا عثمان فسمعه منه قلت بل هما حديثان فان لفظ سليمان عن أبي عثمان اللهم اني احبهما ولفظ سليمان عن أبي تميمة ان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذني فيضعني على فخذه ويضع على الفخذ الاخر الحسن بن علي ثم يضمهما ثم يقول اللهم ارحمهما فاني
[ 75 ]
ارحمهما الثالث حديث أنس قوله حدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم هو بن أشكاب أخو علي قوله حدثنا جرير هو بن أبي حازم عن محمد هو بن سيرين قوله اتى عبيد الله بن زياد هو بالتصغير وزياد هو الذي يقال له بن أبي سفيان وكان أمير الكوفة عن يزيد بن معاوية وقتل الحسين في امارته كما تقدم فأتى برأسه قوله فجعل ينكت في رواية الترمذي وابن حبان من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس فجعل يقول بقضيب له في انفه وللطبراني من حديث زيد بن أرقم فجعل قضيبا في يده في عينه وانفه فقلت ارفع قضيبك فقد رأيت فم رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه وله من وجه اخر عن أنس نحوه وسيأتي قوله وقال في حسنه شيئا في رواية الترمذي وقال ما رأيت مثل هذا حسنا قوله كان اشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم أي اشبه أهل البيت وزاد البزار من وجه اخر عن أنس قال فقلت له اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث تضع قضيبك قال فانقبض قوله وكان مخضوبا أي الحسين بالوسمة بفتح الواو وأخطأ من ضمها وبسكون المهملة ويجوز فتحها نبت يختضب به يميل إلى سواد وسيأتي البحث في ذلك في كتاب اللباس ان شاء الله تعالى الحديث الرابع حديث البراء قوله والحسن بن علي وقع عند الاسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة الحسن أو الحسين بالشك ثم ذكر ان أكثر أصحاب شعبة رووه فقالوا الحسن بغير شك ثم عد منهم ثمانية الحديث الخامس حديث عقبة بن الحارث هو النوفلي قوله عن بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث هذا هو الصحيح وقال زمعة بن صالح عن بن أبي مليكة كانت فاطمة تنقز بالقاف والزاي أي ترقص الحسن بن علي فذكر هذا الحديث وأخرجه أحمد ويحتمل ان كان حفظه ان يكون كل من أبي بكر وفاطمة توافقا على ذلك أو يكون أبو بكر عرف ان فاطمة كانت تقول ذلك فتابعها على تلك المقالة قوله بأبي شبيه بالنبي تقدم في أول صفة النبي صلى الله عليه وسلم ووقع عند أحمد من وجه اخر عن بن أبي مليكة قال وكانت فاطمة عليها السلام ترقص الحسن وتقول ابني شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي وفيه إرسال فان كان محفوظا فلعلها تواردت في ذلك مع أبي بكر أو تلقى ذلك أحدهما من الاخر قوله ليس شبيه بعلي قال بن مالك كذا وقع برفع شبيه على ان ليس حرف عطف وهو مذهب كوفي قال ويجوز ان يكون شبيه اسم ليس ويكون خبرها ضميرا متصلا حذف استغناء عن لفظه بنيته ونحوه قوله في خطبة يوم النحر أليس ذو الحجة وقال الطيبي في قوله بأبي شبيه بالنبي يحتمل ان يكون التقدير هو مفدي بابي شبيه فيكون خبرا بعد خبر أو افديه بابي وشبيه بالنبي خبر مبتدأ محذوف وفيه اشعار بعلية الشبه للتفدية وفي قوله شبيه بالنبي ما قد يعارض قول علي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم لم أر قبله ولا بعده مثله أخرجه الترمذي في الشمائل والجواب ان يحمل المنفي على عموم الشبه والمثبت على معظمه والله اعلم الحديث السادس حديث بن عمر عن أبي بكر تقدم متنا وسندا وشرحا قريبا في مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابع قوله وقال عبد الرزاق الخ وصله أحمد وعبد بن حميد جميعا عن عبد الرزاق وأخرجه الترمذي من روايته وقصد البخاري بهذا التعليق بيان سماع الزهري له من أنس الحديث الثامن حديث بن عمر قوله لم يكن أحد اشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي هذا يعارض رواية بن سيرين الماضية في الحديث الثالث فإنه قال في حق الحسين بن علي
[ 76 ]
كان اشبههم بالنبي صلى الله عليه وسلم ويمكن الجمع بان يكون أنس قال ما وقع في رواية الزهري في حياة الحسن لانه يومئذ كان أشد شبها بالنبي صلى الله عليه وسلم من أخيه الحسين واما ما وقع في رواية بن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه من عدا الحسن ويحتمل ان يكون كل منهما كان أشد شبها به في بعض اعضائه فقد روى الترمذي وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن علي قال الحسن اشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الرأس إلى الصدر والحسين اشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك ووقع في رواية عبد الاعلى عن معمر عند الاسماعيلي في رواية الزهري هذه وكان اشبههم وجها بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤيد حديث علي هذا والله اعلم والذين كانوا يشبهون بالنبي صلى الله عليه وسلم غير الحسن والحسين جعفر بن أبي طالب وابنه عبد الله بن جعفر وقثم بالقاف بن العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ومسلم بن عقيل بن أبي طالب ومن غير بني هاشم السائب بن يزيد المطبي الجد الاعلى للامام الشافعي وعبد الله بن عامر بن كريز العبشمي وكابس بن ربيعة بن عدي فهؤلاء عشرة نظم منهم أبو الفتح بن سيد الناس خمسة أنشدنا محمد بن الحسن المقري عنه بخمسة اشبهوا المختار من مضر * يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن بجعفر وابن عم المصطفى قثم * وسائب وأبي سفيان والحسن وزادهم شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ اثنين وهما الحسين وعبد الله بن عامر بن كريز ونظم ذلك في بيتين وانشدناهما وهما وسبعة شبهوا بالمصطفى فما * لهم بذلك قدر قد زكا ونما سبطا النبي أبو سفيان سائبهم * وجعفر وابنه ذو الجود مع قثما وزاد فيهم بعض أصحابنا ثامنا وهو عبد الله بن جعفر ونظم ذلك في بيتين أيضا وقد زدت فيهما مسلم بن عقيل وكابس بن ربيعة فصاروا عشرة ونظمت ذلك في بيتين وهما شبه النبي لعشر سائب وأبي * سفيان والحسنين الطاهرين هما وجعفر وابنه ثم بن عامر هم * ومسلم كابس يتلوه مع قثما وقد وجدت بعد ذلك ان فاطمة ابنته عليها السلام كانت تشبهه فيمكن ان يغير من البيت الاول قوله لعشر فيجعل لياء وهو بالحساب أحد عشر ويغير الطاهرين هما فيجعل ثم أمهما ثم وجدت ان إبراهيم ولده عليه السلام كان يشبهه فيغير قوله لياء فيجعل ليب وبدل الطاهرين هما الخال أمهما ثم وجدت في قصة جعفر بن أبي طالب ان ولديه عبد الله وعوفا كانا يشبهانه فيجعل أول البيت شبه النبي ليج والبيت الثاني وجعفر ولداه وابن عامرهم الخ ووجدت من نظم الامام أبي الوليد بن الشحنة قاضي حلب ولم اسمعه منه وخمس عشر لهم بالمصطفى شبه * سبطاه وابنا عقيل سائب قثم وجعفر وابنه عبدان مسلم أبو * سفيان كابس عثم بن النجادهم فزاد بن عقيل الثاني وعثمان وابن النجاد وأخل ممن ذكرته بابن جعفر الثاني وأراد هو بقوله عبدان تثنية عبد وهما عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الحارث ولو كان أراد اسما مفردا لم يتم له خمسة
[ 77 ]
عشر وقد تعقب قوله ابنا عقيل بالتثنية مع قوله ومسلم لان مسلما هو بن عقيل ثم وجدت الجواب عنه يؤخذ مما ذكره أبو جعفر بن حبيب ان مسلم بن معتب بن أبي لهب ممن كان يشبه ومسلم بن عقيل ذكره بن حبان في ثقاته ومحمد بن عقيل ذكره المزي في تهذيبه وذكر في المحبر ان عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الملقب ببه كان يشبه وذكر ذلك بن عبد البر في الاستيعاب أيضا وأراد بن الشحنة بقوله عثم ترخيم عثمان واعتمد على ما جاء في حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته أم كلثوم لما زوجها عثمان انه اشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد وهو حديث موضوع كما قاله الذهبي في ترجمة عمرو بن الازهر أحد رواته وهو وشيخه خالد بن عمرو كذبهما الائمة وانفرد بهذا الحديث والمعروف في صفة عثمان خلاف ذلك وأراد بابن النجاد علي بن علي بن النجاد بن رفاعة واعتمد على ما ذكره بن سعد عن عثمان انه كان يشبه وهذا تابعي صغير متأخر عن الذين تقدم ذكرهم لذلك لم اعول عليه وعلى تقدير اعتباره يكون قد فاته ممن وصف بذلك القاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل وإبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ويحيى بن القاسم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي فكل من هؤلاء مذكور في كتب الانساب انه كان يشبه حتى ان يحيى المذكور كان يقال له الشبيه لاجل ذلك والمهدي الذي يخرج في اخر الزمان جاء انه يشبه ويواطئ اسمه واسم أبيه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه وذكر بن حبيب أيضا محمد بن جعفر بن أبي طالب وهو غلط لانه وقع في الخبر الذي تقدم في جعفر انه قال في حق محمد بن جعفر شبيه عمه أبي طالب وقد سلم بن الشحنة منه وقد غيرت بيتي هكذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم إليه سائب وأبي * سفيان والحسنين الخال أمهما وجعفر ولديه وابن عامر كا * بس ونجلي عقيل بية قثما فاقتصرت على ثلاثة عشر ممن ذكرهم بن الشحنة وابدلتهما باثنين فوفيت عدته مع السلامة مما تعقب عليه والله الموفق وذكر بن يونس في تاريخ مصر عبد الله بن أبي طلحة الخولاني وانه شهد فتح مصر وأمره عمر بان لا يمشي مقنعا لانه كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم قال وكان له عبادة وفضل وفي قصة الكاهنة مع أويس انها قالت لهم اشبه الناس بصاحب المقام أي إبراهيم الخليل هذا تشير إلى محمد صلى الله عليه وسلم قوله عن محمد بن أبي يعقوب هو محمد بن عبد الله البصري الضبي ويقال انه تميمي وقال شعبة مرة حدثني محمد بن أبي يعقوب وكان سيد بني تميم وهو ثقة باتفاق قوله سمعت بن أبي نعيم بضم النون وسكون المهملة وهو عبد الرحمن يكنى أبا الحكم البحلي قوله وسأله عن المحرم في رواية مهدي بن ميمون عن بن أبي يعقوب كما سيأتي في الادب وسأله رجل ورأيت في بعض النسخ من رواية أبي ذر الهروي وسألته فان كانت محفوظة فقد عرف اسم السائل لكن يبعده ان في رواية جرير بن حازم عن محمد بن أبي يعقوب عند الترمذي ان رجلا من أهل العراق سأل وفي رواية لاحمد وانا جالس عنده ونحوها في رواية مهدي المذكورة في الادب قوله قال شعبة أحسبه يقتل الذباب وقع عند أبي داود الطيالسي عن شعبة بغير شك وفي رواية جرير بن حازم المذكورة سئل بن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب وكذا هو في رواية مهدي بن ميمون المذكورة ويحتمل ان يكون السؤال وقع عن الامرين والله اعلم قوله فقال أهل العراق يسألون عن الذباب في رواية أبي داود فقال يا أهل العراق تسألونني عن الذباب اورد بن عمر هذا
[ 78 ]
متعجبا من حرص أهل العراق على السؤال عن الشئ اليسير وتفريطهم في الشئ الجليل قوله ريحانتاي كذا للاكثر بالتثنية ولابي ذر ريحاني بالافراد والتذكير شبههما بذلك لان الولد يشم ويقبل ووقع في رواية جرير بن حازم ان الحسن والحسين هما ريحانتي وعند الترمذي من حديث أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه وفي رواية الطبراني في الاوسط من طريق أبي أيوب قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين يلعبان بين يديه فقلت اتحبهما يا رسول الله قال وكيف لا وهما ريحانتاي من الدنيا اشمهما قوله مناقب بلال بن رباح بفتح الراء والموحدة واخره مهملة وقد تقدم في باب البيع والشراء مع المشركين من البيوع بيان الاختلاف في كيفية شرائه وذكر بن سعد من مولدي السراة واسم أمه حمامة وكانت لبعض بني جمح وجاء عن أنس عند الطبراني وغيره انه حبشي وهو المشهور وقيل نوبي قوله مولى أبي بكر روى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن قيس بن أبي حازم قال اشترى أبو بكر بلالا بخمس أواق وهو مدفون بالحجارة قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم سمعت دف نعليك في الجنة هو طرف من حديث أورده في صلاة الليل وقد تقدم شرحه قوله كان عمر يقول أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا يعني بلالا قال بن التين يعني ان بلالا من السادة ولم يرد انه أفضل من عمر وقال غيره السيد الاول حقيقة والثاني قاله تواضعا على سبيل المجاز أو ان السيادة لا تثبت الافضلية فقد قال بن عمر ما رأيت اسود من معاوية مع انه رأى أبا بكر وعمر قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي خالد عن قيس هو بن أبي حازم قوله ان بلالا قال لابي بكر كان قوله ذلك لابي بكر في خلافة أبي بكر وقد وقع ذلك صريحا في رواية أحمد عن أبي أسامة عن إسماعيل بلفظ قال بلال لابي بكر حين توفي رسول الله الله صلى الله عليه وسلم قوله فدعني وعمل الله في رواية الكشميهني وعملي لله وفي رواية أبي أسامة فذرني اعمل لله وذكر بن سعد في الطبقات في هذه القصة من الزيادة انه قال رأيت أفضل عمل المؤمن الجهاد فأردت ان أرابط في سبيل الله وان أبا بكر قال لبلال أنشدك الله وحقي فأقام معه بلال حتى توفي فلما مات أذن له عمر فتوجه إلى الشام مجاهدا فمات بها في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة وقيل سنة عشرين والله اعلم وكانت وفاته بدمشق ودفن بباب الصغير وبهذا جزم النووي وقيل دفن بباب كيسان وقيل بداريا وقيل بحلب ورده المنذري وقال الذي مات بحلب اخوه خالد وزعم بن السمعاني ان بلالا مات بالمدينة وغلطوه قوله ذكر بن عباس أي عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عم النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا العباس ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ومات بالطائف سنة ثمان وستين وكان من علماء الصحابة حتى كان عمر يقدمه مع الاشياخ وهو شاب أورده فيه حديثه قال ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إليه وقال اللهم علمه الحكمة وفي لفظ علمه الكتاب وهو يؤيد من فسر الحكمة هنا بالقران وقد استوعبت ما قيل في تفسيرها في أوائل كتاب العلم وقد تقدم هذا الحديث في كتاب العلم وفي الطهارة مع بيان سببه وبيان من زاد فيه وعلمه التأويل وهذه اللفظة اشتهرت على الالسنة اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل حتى نسبها بعضهم للصحيحين ولم يصب والحديث عند أحمد بهذا اللفظ من طريق بن خيثم عن سعيد بن جبير عن بن عباس وعند الطبراني من وجهين اخرين وأوله في هذا الصحيح من طريق عبيد الله بن أبي يزيد عن
[ 79 ]
بن عباس دون قوله وعلمه التأويل وأخرجها البزار من طريق شعيب بن بشر عن عكرمة بلفظ اللهم علمه تأويل القران وعند أحمد من وجه اخر عن عكرمة اللهم اعط بن عباس الحكمة وعلمه التأويل واختلف في المراد بالحكمة هنا فقيل الاصابة في القول وقيل الفهم عن الله وقيل ما يشهد العقل بصحته وقيل نور يفرق به بين الالهام والوسواس وقيل سرعة الجواب بالصواب وقيل غير ذلك وكان بن عباس من اعلم الصحابة بتفسير القران وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بإسناد صحيح عن بن مسعود قال لو أدرك بن عباس اسناننا ما عاشره منا رجل وكان يقول نعم ترجمان القران بن عباس وروى هذه الزيادة بن سعد من وجه اخر عن عبد الله بن مسعود وروى أبو زرعة الدمشقي في تاريخه عن بن عمر قال هو اعلم بما انزل الله على محمد واخرج بن أبي خيثمة نحوه بإسناد حسن وروى يعقوب أيضا بإسناد صحيح عن أبي وائل قال قرأ بن عباس سورة النور ثم جعل يفسرها فقال رجل لو سمعت هذا الديلم لاسلمت ورواه أبو نعيم في الحلية من وجه اخر بلفظ سورة البقرة وزاد انه كان على الموسم يعنسنة خمس وثلاثين كان عثمان أرسله لما حصر قوله مناقب خالد بن الوليد أي بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن خزوم بن يقظة بفتح التحتانية والقاف والمشالة بن مرة بن كعب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر جميعا في مرة بن كعب يكنى أبا سليمان وكان من فرسان الصحابة اسلم بين الحديبية والفتح ويقال قبل غزوة مؤتة بشهرين وكانت في جمادى سنة ثمان ومن ثم جزم مغلطاي بأنها كانت في صفر وكان الفتح بعد ذلك في رمضان وحكى بن أبي خيثمة انه اسلم سنة خمس وهو غلط فإنه كان بالحديبية طليعة للمشركين وهي في ذي القعدة سنة ست وقال الحاكم اسلم سنة سبع زاد غيره وقبل عمرة القضاء والراجح الاول وما وافقه وقد اخرج سعيد بن منصور عن هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ان خالد بن الوليد فقد قلنسوة فقال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة فلم اشهد قتالا وهي معي الا رزقت النصر وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عدة مشاهد ظهرت فيها نجابته ثم كان قتل أهل الردة على يديه ثم فتوح البلاد الكبار ومات على فراشه سنة إحدى وعشرين وبذلك جزم بن نمير وذلك في خلافة عمر بحمص ونقل عن دحيم انه مات بالمدينة وغلطوه ووقع في كلام بن التين وتبعه بعض الشراح شئ يدل على انه مات في خلافة أبي بكر وهو غلط قبيح أشد من غلط دحيم وذلك انه قال قال الصديق لما احتضر خالد والنسوة تبكين عليه دعهن يهرقن دموعهن على أبي سليمان فهل تايمت النساء عن مثله انتهى قلت وبعض هذا الكلام منقول عن عمر في حق خالد كما مضى في كتاب الجنائز وفيه ذكر اللقلقة ثم اورد حديث أنس في أهل مؤتة والغرض منه قوله حتى اخذها يعني الراية سيف من سيوف الله فان المراد به خالد ومن يومئذ تسمى سيف الله وقد اخرج بن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار وسيأتي شرح هذه الغزوة في المغازي ان شاء الله تعالى قوله باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة أي بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان مولاه أبو حذيفة بن عتبة من أكابر الصحابة وشهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقتل أبوه يومئذ كافرا فساءه ذلك فقال كنت ارجو ان يسلم لما كنت أرى من عقله واستشهد أبو حذيفة باليمامة واما سالم فكان من
[ 80 ]
السابقين الاولين وقد اشير في هذا الحديث إلى انه كان عارفا بالقران وسبق في كتاب الصلاة انه كان يؤم المهاجرين بقباء لما قدموا من مكة وشهد سالم بدرا وما بعدها ويقال ان اسم أبيه معقل وكان مولى لامراة من الانصار فتبناه أبو حذيفة لما تزوجها فنسب إليه وسيأتي بيان ذلك في الرضاع واستشهد سالم باليمامة أيضا قوله ذكر بالضم ولم اعرف اسم فاعله قوله عبد الله أي بن مسعود وعبد الله بن عمرو أي بن العاص قوله فبدأ به فيه ان التقديم يفيد الاهتمام وقوله لا أدري بدا بابي أو بمعاذ فيه ان الواو تقتضي الترتيب ظاهرا وتخصيص هؤلاء الاربعة بأخذ القران عنهم اما لانهم كانوا أكثر ضبطا له وأتقن لادائه أو لانهم تفرغوا لاخذه منه مشافهة وتصدوا لادائه من بعده فلذلك ندب إلى الاخذ عنهم لا انه لم يجمعه غيرهم قوله باب مناقب عبد الله بن مسعود وهو بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر مات أبوه في الجاهلية واسلمت أمه وصحبت فلذلك نسب إليها أحيانا وكان هو من السابقين وقد روى بن حبان من طريقه انه كان سادس ستة في الاسلام وهاجر الهجرتين وسيأتي في غزوة بدر شهوده إياها وولى بيت المال بالكوفة لعمر وعثمان وقدم في اواخر عمره المدينة ومات في خلافة عثمان سنة زاثنتين وثلاثين وقد جاوز الستين وكان من علماء الصحابة وممن انتشر علمه بكثرة اصحابه والاخذين عنه ثم اورد المصنف فيه حديث عبد الله بن عمرو المذكور قبله وزاد في أوله حديثا تقدم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وكان بعض الرواة سمعه مجموعا فاورده كذلك ثم اورد حديث أبي الدرداء المذكور في مناقب عمار وحذيفة انفا ثم حديث حذيفة ما اعلم أحدا أقرب سمتا أي خشوعا وهديا أي طريقة ودلا بفتح المهملة والتشديد أي سيرة وحالة وهيئة وكأنه مأخوذ مما يدل ظاهر حاله على حسن فعاله قوله من بن أم عبد هو عبد الله بن مسعود وكانت أمه تكنى أم عبد وقد ذكرت في الحديث الذي بعده حديث أبي موسى وتقدم التنبيه عليه في مناقب عمار وقد روى الحاكم وغيره من طريق أبي وائل عن حذيفة قال لقد علم المحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ان بن أم عبد من اقربهم إلى الله وسيلة يوم القيامة قوله في حديث أبي موسى قدمت انا وأخي تقدم بيان اسمه في مناقب أبي بكر الصديق وقوله ما نرى حال من فاعل مكثنا أو صفة لقوله حينا والحديث دال على ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يستلزم ثبوت فضله قوله باب ذكر معاوية أي بن أبي سفيان واسمه صخر ويكنى أيضا أبا حنظلة بن حرب بن أمية بن عبد شمس اسلم قبل الفتح واسلم أبواه بعده وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له وولي امرة دمشق عن عمر بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان سنة
[ 81 ]
تسع عشرة واستمر عليها بعد ذلك إلى خلافة عثمان ثم زمان محاربته لعلي وللحسن ثم اجتمع عليه الناس في سنة إحدى وأربعين إلى ان مات سنة ستين فكانت ولايته بين امارة ومحاربة ومملكة أكثر من أربعين سنة متوالية قوله حدثنا المعافى هو بن عمران الازدي الموصلي يكنى أبا مسعود وكان من الثقات النبلاء وقد لقي بعض التابعين وتلمذ لسفيان الثوري كان يلقب ياقوتة العلماء وكان الثوري شديد التعظيم له مات سنة خمس أو ست وثمانين ومائة وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وموضع اخر تقدم في الاستسقاء وفي الرواة اخر يقال له المعافى بن سليمان أصغر من هذا ووهم من عكس ذلك على ما يظهر من كلام بن التين ومات المعافى بن سلمان سنة مائتين وأربع وثلاثين اخرج له النسائي وحده واخرج للمعافى بن عمران مع البخاري أبو داود والنسائي قوله وعنده مولى لابن عباس هو كريب روى ذلك محمد بن نصر المروزي في كتاب الوتر له من طريق بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن كريب واخرج من طريق علي بن عبد الله بن عباس قال بت مع أبي عند معاوية فرأيته اوتر بركعة فذكرت ذلك لابي فقال يا بني هو اعلم قوله فقال دعه فيه حذف يدل عليه السياق تقديره فاتى بن عباس فحكى له ذلك فقال له دعه وقوله دعه أي اترك القول فيه والانكار عليه فإنه قد صحب أي فلم يفعل شيئا الا بمستند وفي قوله في الرواية الاخرى أصاب انه فقيه ما يؤيد ذلك ولا التفات إلى قول بن التين ان الوتر بركعة لم يقل به الفقهاء لان الذي نفاه قول الاكثر وثبت فيه عدة أحاديث نعم الافضل ان يتقدمها شفع واقله ركعتان واختلف أيما الافضل وصلهما بها أو فصلهما وذهب الكوفيون إلى شرطية وصلهما وان الوتر بركعة لا يجزئ وشهرة ذلك تغني عن الاطالة فيه ثم اورد حديث معاوية في النهي عن الصلاة بعد العصر والغرض منه قوله لقد صحبنا النبي صلى الله عليه وسلم والكلام على الصلاة بعد صلاة العصر تقدم في مكانه في كتاب الصلاة تنبيه عبر البخاري في هذه الترجمة بقوله ذكر ولم يقل فضيلة ولا منقبة لكون الفضيلة لا تؤخذ من حديث الباب لان ظاهر شهادة بن عباس له بالفقه والصحبة دالة على الفضل الكثير وقد صنف بن أبي عاصم جزءا في مناقبه وكذلك أبو عمر غلام ثعلب وأبو بكر النقاش وأورد بن الجوزي في الموضوعات بعض الاحاديث التي ذكروها ثم ساق عن إسحاق بن راهويه انه قال لم يصح في فضائل معاوية شئ فهذه النكتة في عدول البخاري عن التصريح بلفظ منقبة اعتمادا على قول شيخه لكن بدقيق نظره استنبط ما يدفع به رءوس الروافض وقصة النسائي في ذلك مشهورة وكأنه اعتمد أيضا على قول شيخه إسحاق وكذلك في قصة لحاكم واخرج بن الجوزي أيضا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية فاطرق ثم قال اعلم ان عليا كان كثير الاعداء ففتش اعداؤه له عيبا فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد حاربه فاطروه كيادا منهم لعلي فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما والله اعلم قوله باب مناقب فاطمة أي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها وأمها خديجة عليها السلام ولدت فاطمة في الاسلام وقيل قبل البعثة وتزوجها علي رضي الله عنه بعد بدر في السنة الثانية وولدت له وماتت سنة إحدى عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة اشهر وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة
[ 82 ]
وقيل بل عاشت بعده ثمانية وقيل ثلاثة وقيل شهرين وقيل شهرا واحدا ولها أربع وعشرون سنة وقيل غير ذلك فقيل إحدى وقيل خمس وقيل تسع وقيل عاشت ثلاثين سنة وسيأتي من مناقب فاطمة في ذكر أمها خديجة في أول السيرة النبوية واقوى ما يستدل به على تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن ما ذكر من قوله صلى الله عليه وسلم انها سيدة نساء العالمين الا مريم وانها رزئت بالنبي صلى الله عليه وسلم دمن غيرها من بناته فانهن متن في حياته فكن في صحيفته ومات هو في حياتها فكان في صحيفتها وكنت أقول ذلك استنباطا إلى ان وجدته منصوصا قال أبو جعفر الطبري في تفسير ال عمران من التفسير الكبير من طريق فاطمة بنت الحسين بن علي ان جدتها فاطمة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وانا عند عائشة فناجاني فبكيت ثم ناجاني فضحكت فسألتني عائشة عن ذلك فقلت لقد علمت أأخبرك بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركتني فلما توفي سألت فقلت ناجاني فذكر الحديث في معارضة جبريل له بالقران مرتين وانه قال احسب اني ميت في عامي هذا وانه لم ترزأ امرأة من نساء العالمين مثل مارزئت فلا تكوني دون امرأة منهن صبرا فبكيت فقال أنت سيدة نساء أهل الجنة الا مريم فضحكت قلت واصل الحديث في الصحيح دون هذه الزيادة قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة هو طرف من حديث وصله المؤلف في علامات النبوة وعند الحاكم من حديث حذيفة بسند جيد اتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك وقال ان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وقد تقدم في اخر أحاديث الانبياء ما ورد في بعض طرقه من ذكر مريم عليها السلام وغيرها مشاركة لها في ذلك قوله عن بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة كذا رواه عنه عمرو بن دينار وتابعه الليث وابن لهيعة وغيرهما رواه أيوب عن بن أبي مليكة فقال عن عبد الله بن الزبير أخرجه الترمذي وصححه وقال يحتمل ان يكون بن أبي مليكة سمعه منها جميعا ورجح الدار قطني وغيره طريق المسور والاول اثبت بلا ريب لان المسور قد روى في هذا الحديث قصة مطولة قد تقدمت في باب اصهار النبي صلى الله عليه وسلم نعم يحتمل ان يكون بن الزبير سمع هذه القطعة فقط أو سمعها من المسور فارسلها قوله بضعة بفتح الموحدة وحكي ضمها وكسرها أيضا وسكون المعجمة أي قطعة لهم قوله فمن اغضبها اغضبني استدل به السهيلي على ان من سبها فإنه يكفر وتوجيهه انها تغضب ممن سبها وقد سوى بين غضبها وغضبه ومن اغضبه صلى الله عليه وسلم يكفر وفي هذا التوجيه نظر لا يخفى وسيأتي بقية ما يتعلق بفضلها في ترجمة والدتها خديجة ان شاء الله تعالى وفيه انها أفضل بنات النبي صلى الله عليه وسلم واما ما أخرجه الطحاوي وغيره من حديث عائشة في قصة مجئ زيد بن حارثة بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وفي اخره قال النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضل بناتي اصيبت في فقد أجاب عنه بعض الائمة بتقدير ثبوته بان ذلك كان متقدما ثم وهب الله لفاطمة من الاحوال السنية والكمال ما لم يشاركها أحد من نساء هذه الامة مطلقا والله اعلم وقد مضى تقرير افضليتها في ترجمة مريم من حديث الانبياء ويأتي أيضا في ترجمة خديجة ان شاء الله تعالى قوله باب فضل عائشة رضي الله عنها هي الصديقة بنت الصديق وأمها أم رومان تقدم ذكرها في علامات النبوة وكان مولدها في الاسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولها نحو ثمانية عشر عاما وقد حفظت عنه شيئا كثيرا وعاشت بعده
[ 83 ]
قريبا من خمسين سنة فأكثر الناس الاخذ عنها ونقلوا عنها من الاحكام والاداب شيئا كثيرا حتى قيل ان ربع الاحكام الشرعية منقول عنها رضي الله عنها وكان موتها في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين وقيل في التي بعدها ولم تلد للنبي صلى الله عليه وسلم شيئا على الصواب وسألته ان تكتني فقال اكتني بابن اختك فاكتنت أم عبد الله واخرج بن حبان في صحيحه من حديث عائشة انه كناها بذلك لما احضر إليه بن الزبير ليحنكه فقال هو عبد الله وأنت أم عبد الله قالت فلم ازل اكنى بها ثم ذكر فيه المصنف ثمانية أحاديث الاول قوله يا عائش بضم الشين ويجوز فتحها وكذلك يجوز في كل اسم مرخم قوله ترى ما لاارى تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قول عائشة وقد استنبط بعضهم من هذا الحديث فضل خديجة على عائشة لان الذي ورد في حق خديجة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ان جبريل يقرئك السلام من ربك وأطلق هنا السلام من جبريل نفسه وسيأتي تقرير ذلك في مناقب خديجة الحديث الثاني حديث أبي موسى كمل بتثليث الميم من الرجال كثير وتقدم الكلام عليه في قصة موسى عليه السلام عند الكلام على هذا الحديث في ذكر اسية امرأة فرعون وتقرير ان قوله وفضل عائشة الخ لا يستلزم ثبوت الافضلية المطلقة وقد أشار بن حبان إلى ان افضليتها التي يدل عليها هذا الحديث وغيره مقيدة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم حتى لايدخل فيها مثل فاطمة عليها السلام جمعا بين هذا الحديث وبين حديث أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة الحديث وقد أخرجه الحاكم بهذا اللفظ من حديث بن عباس وسيأتي في مناقب خديجة من حديث علي مرفوعا خير نسائها خديجة ويأتي بقية الكلام عليه هناك ان شاء الله تعالى وقوله كفضل الثريد زاد معمر من وجه اخر مرثد باللحم وهو اسم الثريد الكامل وعليه قول الشاعر إذا ما الخبز تأدمه بلحم * فذاك امانة الله الثريد الحديث اثالث حديث أنس فضل عائشة على النساء كفضل الثريد وهو طرف من الحديث الذي قبله وكأن المصنف اخذ منه لفظ الترجمة فقال فضل عائشة ولم يقل مناقب ولا ذكر كما قال في غيرها الحديث الرابع حديث بن عباس قوله ان عائشة اشتكت أي ضعفت قوله تقدمين بفتح الدال على فرط بفتح الفاء والراء بعدها مهملة وهو المتقدم من كل شئ قال بن التين فيه انه قطع لها بدخول الجنة إذ لا يقول ذلك الا بتوقيف وقوله على رسول الله بدل بتكرير العامل وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في تفسير سورة النور الحديث الخامس حديث عمار اني لاعلم انها زوجته أي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وعند بن حبان من طريق سعيد بن كثير عن أبيه حدثتنا عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها اما ترضين ان تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة فلعل عمارا كان سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وقوله في الحديث لتتبعوه أو إياها قيل الضمير لعلي لانه الذي كان عمارا يدعو إليه والذي يظهر انه لله والمراد باتباع حكمه الشرعي في طاعة الامام وعدم الخروج عليه ولعله أشار إلى قوله تعالى وقرن في بيوتكن فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا كانت أم سلمة تقول لا يحركني ظهر بعير حتى ألقى النبي صلى الله عليه وسلم والعذر في ذلك
[ 84 ]
عن عائشة انها كانت متأولة هي وطلحة والزبير وكان مرادهم إيقاع الاصلاح بين الناس وأخذ القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنهم أجمعين وكان رأي علي على الاجماع على الطاعة وطلب أولياء المقتول القصاص ممن يثبت عليه القتل بشروطه الحديث السادس حديث عائشة في قصة القلادة وقد تقدم شرحه مستوفى في أول كتاب التيمم قال بن التين ليست هذه اللفظة محفوظة يعني انهم اتوا بالعقد أي ان المحفوظ قولها فأثرنا البعير فوجدنا العقد تحته الحديث السابع قوله عن هشام عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور الحديث وهذا صورته مرسل ولكن تبين انه موصول عن عائشة في اخر الحديث حيث قال فقالت عائشة فلما كان يومي سكن وسيأتي في الوفاة من وجه اخر موصولا كله ويأتي سائر شرحه هناك ان شاء الله تعالى قال الكرماني قولها سكن أي مات أوسكت عن ذلك القول قلت الثاني هو الصحيح والاول خطأ صريح قال بن التين في الرواية الاخرى انهن اذن له ان يقيم عند عائشة فظاهره يخالف هذا ويجمع باحتمال ان يكن اذن له بعد ان صار إلى يومها يعني فيتعلق الاذن بالمستقبل وهو جمع حسن الحديث الثامن حديثها في ان الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة وفيه والله ما نزل علي الوحي وانا في لحاف امرأة منكن غيرها وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الهبة وقوله عز وجلفي أوله حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب كذا للاكثر ووقع في رواية القابسي وعبدوس عن أبي زيد المروزي عبيد الله بالتصغير والصواب بالتكبير وقوله في هذه الرواية فقال يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وانا في لحاف امرأة منكن غيرها وقع في الهبة فان الوحي لم يأتني وانا في ثوب امرأة الا عائشة فقلت اتوب إلى الله تعالى وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لعائشة وقد استدل به على فضل عائشة على خديجة وليس ذلك بلازم لامرين أحدهما احتمال ان لا يكون أراد إدخال خديجة في هذا وان المراد بقوله منكن المخاطبة وهي أم سلمة ومن ارسلها أو من كان موجودا حينئذ من النساء والثاني على تقدير إرادة الدخول فلا يلزم من ثبوت خصوصية شئ من الفضائل ثبوت الفضل المطلق كحديث اقرؤكم أبي وافرضكم زيد ونحو ذلك ومما يسأل عنه الحكمة في اختصاص عائشة بذلك فقيل لمكان أبيها وانه لم يكن يفارق النبي صلى الله عليه وسلم في اغلب أحواله فسرى سره لابنته مع ما كان لها من مزيد حبه صلى الله عليه وسلم وقيل انها كانت تبالغ في تنظيف ثيابها التي تنام فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم والعلم عند الله تعالى وسيأتي مزيد لهذا في ترجمة خديجة ان شاء الله تعالى قال السبكي الكبير الذي لدين الله به ان قاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة والخلاف شهير ولكن الحق أحق ان يتبع وقال بن تيمية جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف وقال بن القيم ان أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك أمر لا يطلع عليه فان عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح وان أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة وان أريد شرف الاصل ففاطمة لا محالة وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير اخواتها وان أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها قلت امتازت فاطمة عن اخواتها بانهن متن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم واما ما امتازت به عائشة من فضل العلم فان لخديجة ما يقابله وهي انها أول من أجاب إلى الاسلام ودعا إليه واعان على ثبوته بالنفس والمال والتوجه التام فيها مثل أجر من جاء بعدها ولا يقدر قدر ذلك الا الله
[ 85 ]
وقيل انعقد الاجماع على أفضلية فاطمة وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة فرع ذكر الرافعي ان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أفضل نساء هذه الامة فان استثنيت فاطمة لكونها بضعة فاخواتها شاركهاوقد اخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق زينب ابنته لما اوذيت عند خروجها من مكة هي أفضل بناتي اصيبت في وقد وقع في حديث خطبة عثمان زيادة في مسند أبي يعلى تزوج عثمان خيرا من حفصة وتزوج حفصة خير من عثمان والجواب عن قصة زينب تقدم ويحتمل ان يقدر من وان يقال كان ذلك قبل ان يحصل لفاطمة جهة التفضيل التي امتازت بها عن غيرها من اخواتها كما تقدم قال بن التين فيه ان الزوج لا يلزمه التسوية في النفقة بل يفضل من شاء بعد ان يقوم للاخرى بما يلزمه لها قال ويمكن ان لا يكون فيها دليل لاحتمال ان يكون من خصائصه كما قيل ان القسم لم يكن واجبا وانما كان يتبرع به قوله باب مناقب الانصار هو اسم إسلامي سمى به النبي صلى الله عليه وسلم الاوس والخزرج كما في حديث أنس والاوس ينسبون إلى أوس بن حارثة والخزرج ينسبون إلى الخزرج بن حارثة وهما ابنا قيلة وهو اسم امهم وأبوهم هو حارثة بن عمرو بن عامر الذي يجتمع إليه انساب الازد وقوله والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم الآية تقدم شرحه في أول مناقب عثمان وزعم محمد بن الحسن بن زبالة ان الايمان اسم من أسماء المدينة واحتج بالآية ولا حجة له فيها قوله حدثنا مهدي هو بن ميمون قوله غيلان بن جرير هو المعولي بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو بعدها لام ومعول بطن من الازد ونسبه بن حبان حبيا وهو وهم وهو تابعي ثقة قليل الحديث ليس له عن أنس شئ الا في البخاري وتقدم له حديث في الصلاة ويأتي له في اخر الرقاق وقوله قلت لانس ارايت اسم الانصار يعني أخبرني عن تسمية الاوس والخزرج الانصار قوله كنا ندخل كذا في هذه الرواية بغير أداة العطف وهو من كلام غيلان لا من كلام أنس وسيأتي بعد قليل قبل باب القسامة في الجاهلية من وجه اخر عن مهدي بن ميمون عن غيلان قال كنا ناتي أنس بن مالك الحديث ولم يذكر ما قبله قوله كنا ندخل على أنس أي بالبصرة قوله ويقبل علي أي مخاطبا لي قوله فعل قومك كذا أي يحكي ما كان من مأثرهم في المغازي ونصر الاسلام قوله كان يوم بعاث بضم الموحدة وتخفيف المهملة واخره مثله وحكى العسكري ان بعضهم رواه عن الخليل بن أحمد وصحفه بالغين المعجمة وذكر الازهري ان الذي صحفه الليث الراوي عن الخليل وحكى القزاز في الجامع انه يقال بفتح أوله أيضا وذكر عياض ان الاصيلي رواه بالوجهين أي بالعين المهملة والمعجمة وان الذي وقع في رواية أبي ذر بالغين المعجمة وجها واحدا ويقال ان أبا عبيدة ذكره بالمعجمة أيضا وهو مكان ويقال حصن وقيل مزرعة عند بني قريظة على ميلين من المدينة كانت به وقعة بين الاوس والخزرج فقتل فيها كثير منهم وكان رئيس الاوس فيه حضير والد اسيد بن حضير وكان يقال له حضير الكتائب وبه قتل وكان رئيس الخزرج يومئذ عمرو بن النعمان البياضي فقتل فيها أيضا وكان النصر فيها اولا للخزرج ثم ثبتهم حضير فرجعوا وانتصرت الاوس وجرح حضير يومئذ فمات فيها وذلك قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بأربع وقيل بأكثر والاول أصح وذكر أبو الفرج الاصبهاني ان سبب ذلك انه كان من قاعدتهم ان الاصيل لا يقتل بالحليف فقتل رجل من الاوس حليفا للخزرج فارادوا ان يقيدوه
[ 86 ]
فامتنعوا فوقعت عليهم الحرب لاجل ذلك فقتل فيها من اكابرهم من كان لا يؤمن أي يتكبر ويأنف ان يدخل في الاسلام حتى لا يكون تحت غيره وقد كان بقي منهم من هذا النحو عبد الله بن أبي بن سلول وقصته في ذلك مشهورة مذكورة في هذا الكتاب وغيره قوله سرواتهم بفتح المهملة والراء والواو أي خيارهم والسروات جمع سراة بفتح المهملة وتخفيف الراء والسراة جمع سري وهو الشريف قوله وجرحوا كذا للاكثر بضم الجيم والراء المكسورة مثقلا ومخففا ثم مهملة وللاصيلي بجيمين مخففا أي اضطر ب قولهم من قولهم جرج الخاتم إذا جال في الكف وعند بن أبي صفرة بفتح المهملة ثم جيم من الحرج وهو ضيق الصدر وللمستملي وعبدوس والقابسي وخرجوا بفتح الخاء والراء من الخروج وصوب بن الاثير الاول وصوب غيره الثالث والله اعلم قوله يوم فتح مكة أي عام فتح مكة لان الغنائم المشار إليها كانت غنائم حنين وكان ذلك بعد الفتح بشهرين قوله وأعطى قريشا هي جملة حالية وقوله وسيوفنا تقطر من دمائهم هو من القلب والاصل ودماؤهم تقطر من سيوفنا ويحتمل ان يكون من بمعنى الباء الموحدة وبالغ في جعل الدم قطر السيوف وسيأتي شرح هذا الحديث في غزوة حنين قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار قاله عبد الله بن زيد هو طرف من حديث سيأتي شرحه في غزوة حنين قال الخطابي أراد صلى الله عليه وسلم بذلك استطابة قلوب الانصار حيث رضي ان يكون واحدا منهم لولا ما منعه من سمة الهجرة وأطال بذلك بما لا طائل فيه قوله فقال أبو هريرة ما ظلم أي ما تعدى في القول المذكور ولا اعطاهم فوق حقهم ثم بين ذلك بقوله آووه ونصروه قوله أو كلمة أخرى لعل المراد وواسوه وواسوا اصحابه باموالهم وقوله لسلكت في وادي الانصار أراد بذلك حسن موافقتهم له لما شاهده من حسن الجوار والوفاء بالعهد وليس المراد انه يصير تابعا لهم بل هو المتبوع المطاع المفترض الطاعة على كل مؤمن قوله باب اخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والانصار سيأتي بسط القول فيه في أبواب الهجرة قبيل المغازي قوله عن جده هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وهذا صورته مرسل وقد تقدم في أوائل البيع من طريق ظاهرة الاتصال قوله لما قدموا المدينة اخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أي بن عمرو
[ 87 ]
بن أبي زهير الانصاري الخزرجي أحد النقباء استشهد بأحد وسيأتي بيان ذلك في المغازي وسيأتي شرح قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف في الوليمة من كتاب النكاح وكذا حديث أنس الذي بعده في المعنى ان شاء الله تعالى قوله قالت الانصار اقسم بيننا وبينهم النخل أي المهاجرين وقد سبق الكلام عليه في المزارعة وفيه فضيلة ظاهرة للانصار قوله ويشركوننا في الثمر في رواية الكشميهني في الامر أي الحاصل من ذلك وهو من قولهم أمر ماله بكسر الميم أي كثر قوله باب حب الانصار أي فضله ذكر فيه حديث البراء لا يحبهم الا مؤمن وحديث أنس اية الايمان حب الانصار قال بن التين المراد حب جميعهم وبغض جميعهم لان ذلك انما يكون للدين ومن ابغض بعضهم لمعنى يسوغ البعض له فليس داخلا في ذلك وهو تقرير حسن وقد سبق الكلام على شرح الحديث في كتاب الايمان قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للانصار أنتم احب الناس الي هو على طريق الاجمال أي مجموعكم احب الي من مجموع غيركم فلا يعارض قوله في الحديث الماضي في جواب من احب الناس إليك قال أبو بكر الحديث قوله حسبت انه قال من عرس الشك فيه من الراوي قوله فقام النبي صلى الله عليه وسلم ممثلا بضم أوله وسكون ثانيه وكسر المثلثة قال بن التين كذا وقع رباعيا والذي ذكره أهل اللغة مثل الرجل بفتح الميم وضم المثلثة مثولا إذا انتصب قائما ثلاثي انتهى وفي رواية تأتي في النكاح ممثلا بالتشديد أي مكلفا نفسه ذلك فلذلك عدي فعله قاله عياض ووقع في النكاح بلفظممتنا بضم أوله وسكون ثانيه وكسر المثناة بعدها نون أي طويلا أو هو من المنة أي عليهم فيكون بالتشديد قوله في الطريق الاخرى جاءت امرأة ومعها صبي لهالم اقف على اسمها قوله فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي اجابها عما سألته أو ابتدأها بالكلام تأنيسا قوله باب اتباع الانصار أي من الحلفاء والموالي قوله عن عمرو هو بن مرة كما في الرواية التي تليها قوله سمعت أبا حمزة بالمهملة والزاي اسمه طلحة بن يزيد مولى قرظة بن كعب الانصاري وقرظة بفتح القاف والراء والظاء المعجمة صحابي معروف وهو بن كعب بن ثعلبة بن عمرو بن كعب أو عامر بن زيد مناة أنصاري خزرجي مات في ولاية المغيرة على الكوفة لمعاوية وذلك في حدود سنة خمسين قوله ان يجعل اتباعنا منا أي يقال لهم الانصار حتى تتناولهم الوصية بهم بالاحسان إليهم ونحو ذلك قوله فدعا به أي بما سالواوبين ذلك في الرواية التي تليها بلفظ فقال اللهم اجعل اتباعهم منهم قوله فنميت ذلك أي نقلته وهو بالتخفيف واما بتشديد الميم فمعناه إبلغته على جهة الافساد
[ 88 ]
وقائل ذلك هو عمرو بن مرة كما في الرواية التي تليها وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن قوله قد زعم ذلك زيد زاد في الرواية التي تليها قال شعبة أظنه زيد بن أرقم وكأنه احتمل عنده ان يكون بن أبي ليلى أراد بقوله قد زعم ذلك زيد أي زيد اخر غير بن أرقم كزيد بن ثابت لكن الذي ظنه شعبة صحيح فقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق علي بن الجعد جازما به وقوله زعم أي قال كما قدمنا مرارا ان لغة أهل الحجاز تطلق الزعم على القول قوله باب فضل دور الانصار أي منازلهم قوله عن أنس في رواية عبد الصمد المعلقة هنا سمعت أنسا وساذكر من وصلها قوله عن أبي اسيد بالتصغير وهو الساعدي وهو مشهور بكنيته ويقال اسمه مالك قوله خير دور الانصار بنو النجار هم من الخزرج والنجار هم تيم الله وسمي بذلك لانه ضرب رجلا فنجره فقيل له النجار وهو بن ثعلبة بن عمرو من الخزرج قوله ثم بنو عبد الاشهل هم من الاوس وهو عبد الاشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج الاصغر بن عمرو بن مالك بن الاوس بن حارثة كذا وقع في هذه الطريق ولكن وقع في رواية معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أخبركم بخير دور الانصار قالوا بلى قال بنو عبد الاشهل وهم رهط سعد بن معاذ قالوا ثم من يا رسول الله قال ثم بنو النجار فذكر الحديث وفي اخره قال معمر وأخبرني ثابت وقتادة انهما سمعا أنس بن مالك يذكر هذا الحديث الا انه قال بنو النجار ثم بنو عبد الاشهل أخرجه أحمد وأخرجه مسلم من طريق صالح بن كيسان عن الزهري دون ما بعده من رواية معمر عن ثابت وقتادة واخرج مسلم أيضا من طريق أبي الزناد عن أبي سلمة عن أبي اسيد مثل رواية أنس عن أبي اسيد فقد اختلف على أبي سلمة في إسناده هل شيخه فيه أبو أسيد أو أبو هريرة ومتنه هل قدم عبد الاشهل على بني النجار أو بالعكس واما رواية أنس في تقديم بني النجار فلم يختلف عليه فيها ويؤيدها رواية إبراهيم بن محمد بن طلحة عن أبي اسيد وهي عند مسلم أيضا وفيها تقديم بني النجار على بني عبد الاشهل وبنو النجار هم اخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم لان والدة عبد المطلب منهم وعليهم نزل لما قدم المدينة فلهم مزبة على غيرهم وكان أنس منهم فله مزيد عناية بحفظ فضائلهم قوله ثم بنو الحارث بن الخزرج أي الاكبر أي بن عمرو بن مالك بن الاوس المذكور بن حارثة قوله ثم بنو ساعدة هم الخزرج أيضا وساعدة هو بن كعب بن الخزرج الاكبر قوله خير دور الانصار وفي كل دور الانصار خير خير الاولى بمعنى أفضل والثانية اسم أي الفضل حاصل في جميع الانصار وان تفاوتت مراتبه قوله فقال سعد أي بن عبادة كما في الرواية المعلقة التي بعد هذا وهو من بني ساعدة أيضا وكان كبيرهم يومئذ قوله ما أرى بفتح الهمزة من الرؤية وهي من اطلاقها على المسموع ويحتمل ان يكون من الاعتقاد ويجوز ضمها بمعنى الظن ووقع في رواية أبي الزناد المذكورة فوجد سعد بن عبادة في نفسه فقال خلفنا فكنا اخر الاربعة وأراد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال له بن أخيه سهيل أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم امره ورسول الله اعلم أو ليس حسبك ان تكون رابع أربعة فرجع قوله فقيل قد فضلكم لم اقف على اسم الذي قال له ذلك ويحتمل ان يكون هو بن أخيه المذكور قبل قوله وقال عبد الصمد الخ يأتي موصولا في مناقب سعد بن عبادة
[ 89 ]
قوله في رواية أبي سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف بنو النجار وبنو عبد الاشهل كذا ذكره بالواو ورواية أنس بثم وكذا رواية بن حميد المذكورة بعدها وفيه اشعار بان الواو قد يفهم منها الترتيب وانما فهم الترتيب من جهة التقديم لا بمجرد الواو قوله حدثنا سليمان هو بن بلال وعمرو بن يحيى أي بن عمارة وعباس بن سهل أي بن سعد قوله عن أبي حميد هو الساعدي وهو مشهور بكنيته ويقال ان اسمه عبد الرحمن ووقع في رواية الاصيلي عن أبي اسيد أو أبي حميد بالشك والصواب عن أبي حميد وحده وسيأتي في اخر غزوة تبوك قوله فلحقنا سعد بن عبادة قائل ذلك هو أبو حميد قوله فقال أبا اسيد هو منادى خذف منه حرف النداء قوله الم تر ان الله في رواية الكشميهني الم تر ان رسول الله وهو أوجه قوله خير الانصار أي فضل بين الانصار بعضها على بعض قوله خير بضم أوله وكذا قوله فجلعنا قوله أو ليس بحسبكم بإسكان السين المهملة أي كافيكم وهذا يعارض ظاهر رواية مسلم المتقدمة فان فيها ان سعدا رجع عن إرادة مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لما قال له بن أخيه ويمكن الجمع بأنه رجع حينئذ عن قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك خاصة ثم انه لما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت اخر ذكر له ذلك أو الذي رجع عنه انه أراد ان يورده مورد الانكار والذي صدر منه ورد مورد المعاتبة المتلطفة ولهذا قال له بن أخيه في الاول اترد على رسول الله امره قوله من الخيار أي الافاضل لانهم بالنسبة إلى من دونهم أفضل وكأن المفاضلة بينهم وقعت بحسب السبق إلى الاسلام وبحسب مساعيهم في اعلاء كلمة الله ونحو ذلك قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اصبروا حتى تلقوني على الحوض أي مخاطبا للانصار بذلك قوله قاله عبد الله بن زيد أي بن عاصم المازني وحديثه هذا وصله المؤلف بأتم من هذا في غزوة حنين كما سيأتي ان شاء الله تعالى قوله عن أنس عن اسيد مصغر بن حضير بمهملة ثم معجمة مصغر أيضا وهو من رواية صحابي عن صحابي زاد مسلم وقد رواه يحيى بن سعيد وهشام بن زيد عن أنس بدون ذكر اسيد بن حضير لكن باختصار القصة التي هنا وذكر كل منهما قصة أخرى غير هذه فحديث يحيى بن سعيد تقدم في الجزية وحديث هشام يأتي في المغازي ووقع لهذا الحديث قصة أخرى من وجه اخر فاخرج الشافعي من رواية محمد بن إبراهيم التيمي إلى اسيد بن حضير طلب من النبي صلى الله عليه وسلم لاهل بيتين من الانصار فأمر لكل بيت بوسق من تمر وشطر من شعير فقال اسيد يا رسول الله جزاك الله عنا خيرا فقال وأنتم فجزاكم الله خيرا يا معشر الانصار وانكم لاعفة صبر وانكم ستلقون بعدي اثره الحديث وقوله انكم لاعفة صبر أخرجه الترمذي والحاكم من وجه اخر عن أنس عن أبي طلحة وسنده ضعيف قوله ان رجلا من الانصار لم اقف على اسمه زاد مسلم في روايته فخلا برسول الله صلى الله عليه وسلم قوله الا تستعملني أي تجعلني عاملا على الصدقة أو على بلد قوله كما استعملت فلانا لم اقف على اسمه لكن ذكرت في المقدمة ان السائل اسيد بن حضير والمستعمل عمرو بن العاص ولا أدري الان من أين نقلته قوله ستلقون بعدي اثره بفتح الهمزة والمثلثة ولغير الكشميهني بضم الهمزة وسكون المثلثة وأشار بذلك إلى ان الامر يصير في غيرهم فيختصون دونهم بالاموال وكان الامر كما وصف صلى الله عليه وسلم وهو معدود فيما أخبر به من الامور الآتية
[ 90 ]
فوقع كما قال وسيأتي مزيد في الكلام عليه في الفتن عز وجلقوله عن هشام هو بن زيد بن أنس بن مالك قوله وموعدكم الحوض أي حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة ويحيى بن سعيد هو الانصاري قوله حين خرج معه أي سافر قوله إلى الوليد أي بن عبد الملك بن مروان وكان أنس قد توجه من البصرة حين اذاه الحجاج إلى دمشق يشكوه إلى الوليد بن عبد الملك فأنصفه منه قوله اما لا أصله ان مكسورة الهمزة مخففة النون وهي الشرطية وما زائدة ولا نافية فأدغمت النون في الميم وحذف فعل الشرط وتقديره تقبلوا أو تفعلوا ورواه بعضهم بفتح همزة اما وهو خطأ الا على لغة لبعض بني تميم فانهم يفتحون الهمزة من اما حيث وردت قال عياض واللام من قوله اما لا مفتوحة عند الجمهور ووقع عند الاصيلي في البيوع من الموطأ وعند الطبري في مسلم بكسر اللام والمعروف فتحها وقد منع من كسرها أبو حاتم وغيره ونسبوه إلى تغيير العامة لكن هو جاء على مذهبهم في الامالة وان يجعل الكلام كأنه كلمة واحدة قوله فإنه الهاء ضمير الشأن وأبعد من قال يعود على الاقطاع قوله باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اصلح الانصار والمهاجرة أي قائلا ذلك ذكر فيه حديث أنس من رواية شعبة عن ثلاثة من شيوخه عنه وفي الاول بلفظ فأصلح وفي الثاني فاغفر وفي الثالث فأكرم وبين في الثالث ان ذلك كان يوم الخندق ثم اورد حديث سهل وهو بن سعد بلفظ ونحن نحفر الخندق وفيه فاغفر وقوله على أكتادنا بالمثناة جمع كتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر وللكشميهني بالموحدة ووجه بان المراد نحمله على جنوبنا مما يلي الكبد وقوله فيه وعن قتادة عن أنس هو معطوف على الاسناد الاول وقد أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من رواية غندر عن شعبة بالاسنادين معا قوله باب قول الله عزوجل ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة هو مصير منه إلى ان الآية نزلت في الانصار وهو ظاهر سياقها وحديث الباب ظاهر في انها نزلت في قصة الانصاري فيطابق الترجمة وقد قيل انها نزلت في قصة أخرى ويمكن الجمع قوله ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم لم اقف على اسمه وسيأتي انه أنصاري زاد في رواية أبي أسامة عن فضيل بن غزوان في التفسير فقال يا رسول الله اصابني الجهد أي المشقة من الجوع وفي رواية جرير عن فضيل بن غزوان عند مسلم اني مجهود قوله فبعث إلى نسائه أي يطلب منهن ما يضيفه به قوله فقلن ما معنا أي ما عندنا الا الماء وفي رواية جرير ما عندي وفيه ما يشعر بان ذلك كان في أول الحال قبل ان يفتح الله لهم خيبر وغيرها قوله من يضم أو يضيف أي من يؤوي هذا فيضيفه وكأن أو للشك وفي رواية أبي أسامة الا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله قوله فقال رجل من الانصار زعم بن التين انه ثابت بن قيس بن شماس وقد
[ 91 ]
اورد ذلك بن بشكوال من طريق أبي جعفر بن النحاس بسند له عن أبي المتوكل الناجي مرسلا ورواه إسماعيل القاضي في احكام القران ولكن سياقه يشعر بأنها قصة أخرى لان لفظه ان رجلا من الانصار عبر عليه ثلاثة أيام لا يجد ما يفطر عليه ويصبح صائما حتى فطن له رجل من الانصار يقال له ثابت بن قيس فقص القصة وهذا لا يمنع التعدد في الصنيع مع الضيف وفي نزول الآية قال بن بشكوال وقيل هو عبد الله بن رواحة ولم يذكر لذلك مستندا وروى أبوالبختري القاضي أحد الضعفاء المتروكين في كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم له انه أبو هريرة رواي الحديث والصواب الذي يتعين الجزم به في حديث أبي هريرة ما وقع عند مسلم من طريق محمد بن فضيل بن غزوان عن أبيه بإسناد البخاري فقام رجل من الانصار يقال له أبو طلحة وبذلك جزم الخطيب لكنه قال أظنه غير أبي طلحة زيد بن سهل المشهور وكأنه استبعد ذلك من وجهين أحدهما ان أبا طلحة زيد بن سهل مشهور لا يحسن ان يقال فيه فقام رجل يقال له أبو طلحة والثاني ان سياق القصة يشعر بأنه لم يكن عنده ما يتعشى به هو واهله حتى احتاج إلى اطفاء المصباح وأبو طلحة زيد بن سهل كان أكثر أنصاري بالمدينة مالا فيبعد ان يكون بتلك الصفة من التقلل ويمكن الجواب عن الاستبعادين والله اعلم قوله الا قوت صبياني يحتمل ان يكون هو وامراته تعشيا وكان صبيانهم حينئذ في شغلهم أو نياما فأخروا لهم ما يكفيهم أو نسبوا العشاء إلى الصبية لانهم إليه أشد طلبا وهذا هو المعتمد لقوله في رواية أبي أسامة ونطوي بطوننا الليلة وفي اخر هذه الرواية أيضا فأصبحا طاويين وقد وقع في رواية وكيع عند مسلم فلم يكن عنده الا قوته وقوت صبيانه قوله واصبحي سراجك بهمزة قطع أي اوقديه قوله نومي صبيانك في رواية لمسلم علليهم بشئ قوله فجعلا يريانه كأنهما في رواية الكشميهني بحذف الكاف من كأنهما وقوله طاويين أي بغير عشاء قوله ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما في رواية جرير من صنيعك وفي رواية التفسير من فلان وفلانة ونسبة الضحك والتعجب إلى الله مجازية والمراد بهما الرضا بصنيعهما وقوله فعالكما في رواية فعلكما بالافراد قال في البارع الفعال بالفتح اسم الفعل الحسن مثل الجود والكرم وفي التهذيب الفعال بالفتح فعل الواحد في الخير خاصة يقال هو كريم الفعال بفتح الفاء وقد يستعمل في الشرو الفعال بالكسر إذا كان الفعل بين اثنين يعني انه مصدر فاعل مثل قاتل قتالا قوله فأنزل الله ويؤثرون على أنفسهم الخ هذا هو الاصح في سبب نزول هذه الآية وعند بن مردويه من طريق محارب بن دثار عن بن عمر اهدي لرجل رأس شاة فقال ان أخي وعياله أحوج منا إلى هذا فبعث به إليه فلم يزل يبعث به واحد إلى اخر حتى رجعت إلى الاول بعد سبعة فنزلت ويحتمل ان تكون نزلت بسبب ذلك كله قيل في الحديث دليل على نفوذ فعل الاب في الابن الصغير وان كان مطويا على ضرر خفيف إذا كان في ذلك مصلحة دينية أو دنيوية وهو محمول على ما إذا عرف بالعادة من الصغير الصبر على مثل ذلك والعلم عند الله تعالى قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم يعني الانصار قوله حدثني محمد بن يحيى أبو علي هو اليشكري المروزي الصائغ كان أحد الحفاظ مات قبل البخاري بأربع سنين قوله حدثنا شاذان أخو عبدان هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة وهو أصغر من أخيه عبد ان وقد أكثر البخاري عن عبدان وأدرك شاذان لكنه روى هنا عنه بواسطة قوله مر أبو بكر أي
[ 92 ]
الصديق والعباس أي بن عبد المطلب وكان ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبكون قوله فقال ما يبكيكم لم اقف على اسم الذي خاطبهم بذلك هل هو أبو بكر أو العباس ويظهر لي انه العباس قوله ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أي الذي كانوا يجلسونه معه وكان ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم فخشوا ان يموت من مرضه فيفقدوا مجلسه فبكوا حزنا على فوات ذلك قوله فدخل كذا افرد بعد ان ثني والمراد به من خاطبهم وقد قدمت رجحان انه العباس لكون الحديث من رواية ابنه وكأنه انما سمع ذلك منه قوله حاشية برد في رواية المستملي حاشية بردة بزيادة هاء التأنيث قوله أوصيكم بالانصار استنبط منه بعض الائمة ان الخلافة لا تكون في الانصار لان من فيهم الخلافة يوصون ولا يوصى بهم ولا دلالة فيه إذ لا مانع من ذلك قوله كرشي وعيبتي أي بطانتي وخاصتي قال القزاز ضرب المثل بالكرش لانه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون فيه نماؤه ويقال لفلان كرش منثورة أي عيال كثيرة والعيبة بفتح المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده يريد انهم موضع سره وامانته قال بن دريد هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم الموجز الذي لم يسبق إليه وقال غيره الكرش بمنزلة المعدة للانسان والعيبة مستودع الثياب والاول أمر باطن والثاني أمر ظاهر فكأنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأموره الباطنة والظاهرة والاول أولى وكل من الامرين مستودع لما يخفى فيه قوله وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم يشير إلى ما وقع لهم ليلة العقبة من المبايعة فانهم بايعوا على ان يؤوا النبي صلى الله عليه وسلم وينصروه على ان لهم الجنة فوفوا بذلك قوله حدثنا بن الغسيل عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة الانصاري وحنظلة هو غسيل الملائكة وعبد الرحمن المذكور يكنى أبا سليمان قوله ملحفة بكسر أوله قوله متعطفا بها أي متوشحا مرتديا والعطاف الرداء سمي بذلك لوضعه على العطفين وهما ناحيتا العنق ويطلق على الاردية معاطف قوله وعليه عصابة بكسر أوله وهي ما يشد به الرأس وغير ها وقيل في الرأس بالتاء وفي غير الرأس يقال عصاب فقط وهذا يرده قوله في الحديث الذي أخرجه مسلم عصب بطنه بعصابة قوله دسماء أي لونها كلون الدسم وهو الدهن وقيل المراد انها سوداء لكن ليست خالصة السواد ويحتمل ان تكون اسودت من العرق أو من الطيب كالغالية ووقع في الجمعة دسمة بكسر السين وقد تبين من حديث أنس الذي قبله انها كانت حاشية البرد والحاشية غالبا تكون من لون غير لون الاصل وقيل المراد بالعصابة العمامة ومنه حديث مسح على العصائب قوله حتى جلس على المنبر تبين من حديث أنس الذي قبله سبب ذلك وعرف ان ذلك كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم وصرح به في علامات النبوة وتقدم في الجمعة من هذا الوجه وزاد وكان اخر مجلس جلسه قوله في حديث أنس وان الناس سيكثرون ويقلون أي ان الانصار يقلون وفيه إشارة إلى دخول قبائل العرب والعجم في الاسلام وهم اضعاف اضعاف قبيلة الانصار فمهما فرض في الانصار من الكثرة كالتناسل فرض في كطائفة من أولئك فهم ابدا بالنسبة إلى غيرهم قليل ويحتمل ان يكون صلى الله عليه وسلم اطلع على انهم يقلون مطلقا فأخبر بذلك فكان كما أخبر لان الموجودين الان من ذرية علي بن أبي طالب ممن يتحقق نسبه إليه اضعاف من يوجد من قبيلتي الاوس والخزرج ممن يتحقق نسبه وقس على ذلك ولا التفات إلى كثرة من يدعي انه منهم بغير برهان وقوله
[ 93 ]
حتى يكونوا كالملح في الطعام في علامات النبوة بمنزلة الملح في الطعام أي في القلة لانه جعل غاية قلتهم الانتهاء إلى ذلك والملح بالنسبة إلى جملة الطعام جزء يسير منه والمراد بذلك المعتدل قوله فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه قيل فيه إشارة إلى ان الخلافة لا تكون في الانصار قلت وليس صريحا في ذلك إذ لا يمتنع التوصية على تقدير ان يقع الجور ولا التوصية للمتبوع سواء كان منهم أو من غيرهم قوله ويتجاوز عن مسيئهم أي في غير الحدود وحقوق الناس قوله باب مناقب سعد بن معاذ أي بن النعمان بن امرئ القيس بن عبد الاشهل وهو كبير الاوس كما ان سعد بن عبادة كبير الخزرج واياهما أراد الشاعر بقوله فان يسلم السعدان يصبح محمد * بمكة لا يخشى خلاف المخالف قوله أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة حرير الذي اهداها له اكيدر دومة كما بينه أنس في حديثه المتقدم في كتاب الهبة قوله رواه قتادة والزهري سمعا أنسا عن النبي صلى الله عليه وسلم اما رواية قتادة فوصلها المؤلف في الهبة واما رواية الزهري فوصلها في اللباس ويأتي ما يتعلق بها هناك ان شاء الله تعالى قوله حدثنا فضل بن مساور بضم الميم وتخفيف المهملة هو بصري يكنى أبا المساور وكان ختن أبي عوانة وليس له في البخاري الا هذا الموضع قوله ختن أبي عوانة بفتح المعجمة والمثناة أي صهره زوج ابنته والختن يطلق على كل من كان من اقارب المرأة قوله وعن الاعمش هو معطوف على الاسناد الذي قبله وهذا من شأن البخاري في حديث أبي سفيان طلحة بن نافع صاحب جابر لا يخرج له الا مقرونا بغيره أو استشهادا قوله فقال رجل لجابر لم اقف على اسمه قوله فإن البراء يقول اهتز السرير أي الذي حمل عليه قوله انه كان بين هذين الحيين أي الاوس والخزرج قوله ضغائن بالضاد والغين المعجمتين جمع ضغينة وهي الحقد قال الخطابي انما قال جابر ذلك لان سعدا كان من الاوس والبراء خزرجي والخزرج لا تقر للاوس بفضل كذا قال وهو خطأ فاحش فان البراء أيضا اوسي لانه بن عازب بن الحارث بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الاوس يجتمع مع سعد بن معاذ في الحارث بن الخزرج والخزرج والد الحارث بن الخزرج وليس هو الخزرج الذي يقابل الاوس وانما سمي على اسمه نعم الذي من الخزرج الذين هم مقابلو الاوس جابر وانما قال جابر ذلك إظهارا للحق واعترافا بالفضل لاهله فكأنه تعجب من البراء كيف قال ذلك مع انه اوسي ثم قال انا وان كنت خزرجيا وكان بين الاوس والخزرج ما كان لا يمنعني ذلك ان أقول الحق فذكر الحديث والعذر للبراء انه لم يقصد تغطية فضل سعد بن معاذ وانما فهم ذلك فجزم به هذا الذي يليق ان يظن به وهو دال على عدم تعصبه ولما جزم الخطابي بما تقدم احتاج هو ومن تبعه إلى الاعتذار عما صدر من جابر في حق البراء وقالوا في ذلك ما محصله ان البراء معذور لانه لم يقل ذلك على سبيل العداوة لسعد وانما فهم شيئا محتملا فحمل الحديث عليه والعذر لجابر انه ظن ان البراء أراد الغض من سعد فساغ له ان ينتصر له والله اعلم وقد انكر بن عمر ما أنكره البراء فقال ان العرش لا يهتز لاحد ثم رجع عن ذلك وجزم بأنه اهتز له عرش الرحمن اخرج ذلك بن حبان من طريق مجاهد عنه والمراد باهتزاز العرش استبشاره وسروره بقدوم روحه يقال لكل من فرح بقدوم قادم عليه اهتز له ومنه اهتزت الارض بالنبات إذا
[ 94 ]
اخضرت وحسنت ووقع ذلك من حديث بن عمر عند الحاكم بلفظ اهتز العرش فرحا به لكنه تأوله كما تأوله البراء بن عازب فقال اهتز العرش فرحا بلقاء الله سعدا حتى تفسخت اعواده على عواتقنا قال بن عمر يعني عرش سعد الذي حمل عليه وهذا من رواية عطاء بن السائب عن مجاهد عن بن عمر وفي حديث عطاء مقال لانه ممن اختلط في اخر عمره ويعارض روايته أيضا ما صححه الترمذي من حديث أنس قال لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون ما اخف جنازته فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الملائكة كانت تحمله قال الحاكم الاحاديث التي تصرح باهتزاز عرش الرحمن مخرجة في الصحيحين وليس لمعارضها في الصحيح ذكر انتهى وقيل المراد باهتزاز العرش اهتزاز حملة العرش ويؤيده حديث ان جبريل قال من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشر به أهلها أخرجه الحاكم وقيل هي علامة نصبها الله لموت ميموت من اوليائه ليشعر ملائكته بفضله وقال الحربي إذا عظموا الامر نسبوه إلى عظيم كما يقولون قامت لموت فلان القيامة وأظلمت الدنيا ونحو ذلك وفي هذه منقبة عظيمة لسعد واما تأويل البراء على انه أراد بالعرش السرير الذي حمل عليه فلا يستلزم ذلك فضلا له لانه يشركه في ذلك كل ميت الا انه يريد اهتز حملة السرير فرحا بقدومه على ربه فيتجه ووقع لمالك نحو ما وقع لابن عمر اولا فذكر صاحب العتبية فيها ان مالكا سئل عن هذا الحديث فقال انهاك ان تقوله وما يدعو المرء ان يتكلم بهذا وما يدري ما فيه من الغرور قال أبو الوليد بن رشد في شرح العتبية انما نهى مالك لئلا يسبق إلى وهم الجاهل ان العرش إذا تحرك يتحرك الله بحركته كما يقع للجالس منا على كرسيه وليس العرش بموضع استقرار الله تبارك الله وتنزه عن مشابهة خلقه انتهى ملخصا والذي يظهر ان مالكا ما نهى عنه لهذا إذ لو خشي من هذا لما اسند في الموطأ حديث ينزل الله إلى سماء الدنيا لانه أصرح في الحركة من اهتزاز العرش ومع ذلك فمعتقد سلف الائمة وعلماء السنة من الخلف ان الله منزه عن الحركة والتحول والحلول ليس كمثله شئ ويحتمل الفرق بأن حديث سعد ما ثبت عنده فأمر بالكف عن التحدث به بخلاف حديث النزول فإنه ثابت فرواه ووكل امره إلى فهم أولي العلم الذين يسمعون في القران استوى على العرش ونحو ذلك وقد جاء حديث اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن عشرة من الصحابة أو أكثر وثبت في الصحيحين فلا معنى لانكاره قوله ان اناسا نزلوا على حكم سعد هم بنو قريظة وسيأتي شرح ذلك في المغازي وقوله في هذه الرواية فلما بلغ قريبا من المسجد أي الذي اعده النبي صلى الله عليه وسلم أيام محاصرته لبني قريظة للصلاة فيه وأخطأ من زعم انه غلط من الراوي لفظه انه أراد بالمسجد المسجد النبوي بالمدينة وقال ان الصواب ما وقع عند أبي داود من طريق شعبة أيضا بهذا الاسناد بلفظ فلما دنا من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وإذا حمل على ما قررته لم يكن بين اللفظين تناف وقد أخرجه مسلم كما أخرجه البخاري كذلك قوله باب منقبة اسيد بن حضير وعباد بن بشر هو اسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل الانصاري الاوسي الاشهلي يكنى أبا يحيى وقيل غير ذلك ومات في سنة عشرين في خلافة عمر على الاصح وعباد بن بشر هو بن وقش كما سأبينه وفي تاريخ البخاري ومسند أبي يعلى وصححه الحاكم من طريق بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عن عائشة قالت ثلاثة من الانصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا كلهم من بني عبد الاشهل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر
[ 95 ]
قوله ان رجلين ظهر من رواية معمر ان اسيد بن حضير أحدهما ومن رواية حماد ان الثاني عباد بن بشر ولذلك جزم به المؤلف في الترجمة وأشار إلى حديثهما فأما رواية معمر فوصلها عبد الرزاق في مصنفه عنه ومن طريقه الاسماعيلي بلفظ ان اسيد بن حضير ورجلا من الانصار تحدثا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة ثم خرجا وبيد كل منهما عصية فاضاءت عصا أحدهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق اضاءت عصاالاخر فمشي كل منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله واما رواية حماد بن سلمة فوصلها أحمد والحاكم في المستدرك بلفظ ان اسيد بن حضير وعباد بن بشر كانا عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء حندس فلما خرجا اضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئها فلما افترقت بهما الطريق اضاءت عصا الاخر قوله عباد بن بشر كذا للاكثر بكسر الموحدة وسكون المعجمة وفي رواية أبي الحسن القابسي بشير بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية وهو غلط وفي الصحابة عباد بن بشر بن قيظي وعباد بن بشر بن نهيك وعباد بن بشر بن وقش وصاحب هذه القصة هو هذا الثالث ووهم من زعم خلاف ذلك قوله مناقب معاذ بن جبل أي بن عمرو بن أوس من بني أسد بن شاردة بن يزيد بفتح المثناة الفوقانية بن جشم بن الخزرج الخزرجي يكنى أبا عبد الرحمن شهد بدرا والعقبة وكان أميرا للنبي صلى الله عليه وسلم على اليمن ورجع بعده إلى المدينة ثم خرج إلى الشام مجاهدا فمات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ذكر فيه حديث عبد الله بن عمرو استقرئوا القران وقد تقدم شرحه قريبا وقد اخرج بن حبان والترمذي من حديث أبي هريرة رفعه نعم الرجل معاذ بن جبل كان عقبيا بدريا من فقهاء الصحابة وقد اخرج الترمذي وابن ماجة عن أنس رفعه ارحم أمتي أبو بكر وفيه واعلمهم بالحلال والحرام معاذ ورجاله ثقات وصح عن عمر انه قال من أراد الفقه فليأت معاذا وسيأتي له ذكر في تفسير سورة النحل وعاش معاذ ثلاثا وثلاثين سنة على الصحيح قوله منقبة سعد بن عبادة أي بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة يكنى أبا ثابت وهو والد قيس بن سعد أحد مشاهير الصحابة وكان سعد كبير الخزرج واحد المشهورين بالجود ومات بحوران من ارض الشام سنة أربع عشرة أو خمس عشرة في خلافة عمر ثم ذكر فيه حديث أبي اسيد في دور الانصار وقد تقدم قريبا وأورده هنا لقوله في هذه الطريق وكان ذا قدم في الاسلام قوله وقالت عائشة وكان قبل ذلك رجلا صالحا هذا طرف من حديث الافك الطويل وسيأتي بتمامه في تفسير سورة النور ان شاء الله تعالى وذكرت عائشة فيه ما دار بين سعد بن عبادة وأسيد بن حضير حيث قال وان كان من إخواننا من الخزرج فمرنا بأمرك فقال له سعد بن عبادة لا تستطيع قتله فثار بينهم الكلام إلى ان اسكتهم النبي صلى الله عليه وسلم فاشارت عائشة إلى ان سعد بن عبادة كان قبل ان يقول تلك المقالة رجلا صالحا ولا يلزم من ذلك ان يكون خرج عن هذه الصفة إذ ليس في الخبر تعرض لما بعد تلك المقالة والظاهر استمرار ثبوت تلك الصفة له لانه معذور في تلك المقالة لانه كان فيها متأولا فلذلك أوردها المصنف في مناقبه ولم يبد منه ما يعاب به قبل هذه المقالة وعذر سعد فيها ظاهر لانه تخيل ان الاوسي أراد الغض من قبيلة الخزرج لما كان بين الطائفتين فرد عليه ثم لم يقع من سعد بعد ذلك شئ يعاب به الا انه امتنع من بيعة أبي بكر فيما يقال وتوجه إلى الشام فما ت بها والعذر له في ذلك انه تأول ان للانصار
[ 96 ]
في الخلافة استحقاقا فبنى على ذلك وهمعذور وان كان ما اعتقده من ذلك خطأ قوله باب مناقب أبي بن كعب أي بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الانصاري الخزرجي النجاري يكنى أبا المنذر وأبا الطفيل كان من السابقين من الانصار شهد العقبة وبدرا وما بعدهما مات سنة ثلاثين وقيل غير ذلك ذكر فيه حديث عبد الله بن عمرو المتقدم قريبا في مناقب عبد الله بن مسعود قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم لابي بن كعب ان الله أمرني ان اقرأ عليك لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب زاد الحاكم من وجه اخر عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه لم يكن وقرأ فيها ان ذات الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يفعل خيرا فلم يكفره قوله قال وسماني أي هل نص علي باسمي أو قال اقرأ على واحد من أصحابك فا خترتني أنت فلما قال له نعم بكى اما فرحا وسرورا بذلك واما خشوعا وخوفا من التقصير في شكر تلك النعمة وفي رواية للطبراني من وجه اخر عن أبي بن كعب قال نعم باسمك ونسبك في الملا الاعلى قال القرطبي تعجب أبي من ذلك لان تسمية الله له ونصه عليه ليقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم تشريف عظيم فلذلك بكى اما فرحا واما خشوعا قال أبو عبيد المراد بالعرض على أبي ليتعلم أبي منه القراءة ويتثبت فيها وليكون عرض القران سنة وللتنبيه على فضيلة أبي بن كعب وتقدمه في حفظ القران وليس المراد ان يستذكر منه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا بذلك العرض ويؤخذ من هذا الحديث مشروعية التواضع في اخذ الانسان العلم من أهله وان كان دونه وقال القرطبي خص هذه السورة بالذكر لما اشتملت عليه من التوحيد والرسالة والاخلاص والصحف والكتب المنزلة على الانبياء وذكر الصلاة والزكاة والمعاد وبيان أهل الجنة والنار مع وجازتها قوله باب مناقب زيد بن ثابت أي بن الضحاك بن زيد بن لوذان من بني مالك بن النجار كاتب الوحي واحد فقهاء الصحابة مات سنة خمس وأربعين قوله جمع القران أي استظهره حفظا قوله وأبو زيد ثم قال أنس هو أحد عمومتي ذكر علي بن المديني ان اسمه أوس وعن يحيى بن معين هو ثابت بن زيد وقيل هو سعد بن عبيد بن النعمان وبذلك جزم الطبراني عن شيخه أبي بكر بن صدقة قال وهو الذي كان يقال له القارئ وكان على القادسية واستشهد بها وهو والد عمير بن سعد وعن الواقدي هو قيس بن السكن بن قيس بن زعور بن حرام الانصاري النجاري ويرجحه قول أنس أحد عمومتي فإنه من قبيلة بني حرام وليس في هذا ما يعارض حديث عبد الله بن عمر واستقرئوا القران من أربعة فذكر اثنين من الاربعة ولم يذكر اثنين لانه اما ان يقال لا يلزم من الامر بأخذ القراءة عنهم ان يكونوا كلهم استظهروه جميعه واما ان لا يؤخذ بمفهوم حديث أنس لانه لا يلزم من قوله جمعه أربعة ان لا يكون جمعه غيرهم فلعله أراد انه لم يقع جمعه لاربعة من قبيلة واحدة الا لهذه القبيلة وهي الانصار وسيأتي الكلام على جمع القران في كتاب فضائل القران قوله باب مناقب أبي طلحة هو زيد بن سهل بن الاسود بن حرام الانصاري الخزرجي النجاري هو زوج أم سليم والدة أنس وقد تقدم بيان وفاته وتاريخها في الجهاد قوله مجوب بفتح الجيم وكسر الواو المشددة أي مترس عليه يقيه بها ويقال للترس جوبة والجحفة بمهملة ثم جيم مفتوحتين الترس
[ 97 ]
قوله شديدا لقد يكسر كذا للاكثر بنصب شديدا وبعدها لقد بلام ثم قد ولبعضهم بالاضافة شديد القد بسكون اللام وكسر القاف والقدسير من جلد غير مدبوغ يريد انه شديد وتر القوس وبهذا جزم الخطابي وتبعه بن التين وقد روى بالميم المفتوحة بدل القاف وسيأتي بقية ما يتعلق بهذا الحديث في المغازي ان شاء الله تعالى قوله باب مناقب عبد الله بن سلام بتخفيف اللام أي بن الحارث من بني قينقاع وهم من ذرية يوسف الصديق وكان اسم عبد الله بن سلام في الجاهلية الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله أخرجه بن ماجة وكان من حلفاء الخزرج من الانصار اسلم أول ما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وسيأتي شرح ذلك في أوائل الهجرة وزعم الداودي انه كان من أهل بدر وسبقه إلى ذلك أبو عروبة وتفرد بذلك ولا يثبت وغلط من قال انه اسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين ومات عبد الله بن سلام سنة ثلاث وأربعين قوله عن أبي النضر في رواية أبي يعلى عن يحيى بن معين عن أبي مسهر عن مالك حدثني أبو النضر قوله عن عامر في رواية عاصم بن مهجع عن مالك عند الدارقطني قال سمعت عامر بن سعد قوله عن أبيه في رواية إسحاق بن الطباع عن مالك عند الدارقطني قال سمعت أبي قوله ما سمعت الخ استشكل بأنه صلى الله عليه وسلم قد قال لجماعة انهم من أهل الجنة غير عبد الله بن سلام ويبعد ان لا يطلع سعد على ذلك وأجيب بأنه كره تزكية نفسه لانه أحد العشرة المبشرة بذلك وتعقب بأنه لا يستلزم ذلك ان ينفي سماعه مثل ذلك في حق غيره ويظهر لي في الجواب انه قال ذلك بعد موت المبشرين لان عبد الله بن سلام عاش بعدهم ولم يتأخر معه من العشرة غير سعد وسعيد ويؤخذ هذا من قوله يمشي على الارض ووقع في رواية إسحاق بن الطباع عن مالك عند الدارقطني ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي انه من أهل الجنة الحديث وفي رواية عاصم بن مهجع عن مالك عنه يقول لرجل حي وهو يؤيد ما قلته لكن وقع عند الدارقطني من طريق سعيد بن داود عن مالك ما يعكر على هذا التأويل فإنه أورده بلفظ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا أقول لاحد من الاحياء انه من أهل الجنة الا لعبد الله بن سلام وبلغني انه قال وسلمان الفارسي لكن هذا السياق منكر فان كان محفوظا حمل على انه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قديما قبل ان يبشر غيره بالجنة وقد اخرج بن حيان من طريق مصعب بن سعد عن أبيه سبب هذا الحديث بلفظ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يدخل عليكم رجل من أهل الجنة فدخل عبد الله بن سلام وهذا يؤيد صحة رواية الجماعة ويضعف رواية سعيد بن داود قوله قال لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث أي لا أدري هل قال مالك ان نزول هذه الآية في هذه القصة من قبل نفسه أو هو بهذا الاسناد وهذا الشك في ذلك من عبد الله بن يوسف شيخ البخاري ووهم من قال انه من القعني إذ لا ذكر للقعني هنا ولم ار هذا عن عبد الله بن يوسف الا عند البخاري وقد رواه عن عبد الله بن يوسف أيضا إسماعيل بن عبد الله الملقب سمويه في فوائده ولم يذكر هذا الكلام عن عبد الله بن يوسف وكذا أخرجه الاسماعيلي من وجه اخر عن عبد الله بن يوسف وكذا أخرجه الدار قطني في غرائب مالك من وجهين اخرين عن عبد الله بن يوسف وأخرجه من طريق ثالث عنه بلفظ اخر مقتصرا على الزيادة دون الحديث وقال انه وهم وروى بن منده في الايمان من طريق إسحاق بن سيار عن عبد الله بن يوسف الحديث والزيادة وقال فيه قال إسحاق
[ 98 ]
فقلت لعبد الله بن يوسف ان أبا مسهر حدثنا بهذا عن مالك ولم يذكر هذه الزيادة قال فقال عبد الله بن يوسف ان مالكا تكلم به عقب الحديث وكانت معي الواحي فكتبت انتهى وظهر بهذا سبب قوله للبخاري ما أدري الخ وقد أخرجه الاسماعيلي والدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي مسهر وعاصم بن مهجع وعبد الله بن وهب وإسحاق بن عيسى زاد الدارقطني وسعيد بن داود وإسحاق الفروي كلهم عن مالك بدون هذه الزيادة قال فالظاهر انها مدرجة من هذا الوجه ووقع في رواية بن وهب عند الدارقطني التصريح بأنها من قول مالك الا انها قد جاءت من حديث بن عباس عند بن مردويه ومن حديث عبد الله بن سلام نفسه عند الترمذي وأخرجه بن مردويه أيضا من طرق عنه وعند بن حبان من حديث عوف بن مالك أيضا انها نزلت في عبد الله بن سلام نفسه وقد استنكر الشعبي فيما رواه عبد بن حميد عن النضر بن شميل عن بن عون عنه نزولها في عبد الله بن سلام لانه انما اسلم بالمدينة والسورة مكية فأجاب بن سيرين بأنه لا يمتنع ان تكون السورة مكية وبعضها مدني وبالعكس وبهذا جزم أبو العباس في مقامات التنزيل فقال الاحقاف مكية الا قوله وشهد شاهد إلى اخر الايتين انتهى ولامانع ان تكون جميعها مكية وتقع الاشارة فيها إلى ما سيقع بعد الهجرة من شهادة عبد الله بن سلام وروى عبد بن حميد في تفسيره من طريق سعيد بن جبير ان الآية نزلت في ميمون بن يامين وفي تفسير الطبري عن بن عباس انها نزلت في بن سلام وعمير بن وهب بن يامين النضري وفي تفسير مقاتل اسمه يامين بن يامين ولا مانع ان تكون نزلت في الجميع قوله عن محمد هو بن سيرين وقيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة قوله ما ينبغي هو إنكار من بن سلام على من قطع له بالجنة فكأنه ما سمع حديث سعد وكأنهم هم سمعوه ويحتمل ان يكون هو أيضا سمعه لكنه كره الثناء عليه بذلك تواضعا ويحتمل ان يكون إنكارا منه على من سأله عن ذلك لكونه فهم منه التعجب من خبرهم فأخبره بأن ذلك لاعجب فيه بما ذكره له من قصة المنام وأشار بذلك القول إلى انه لا ينبغي لاحد إنكار ما لا علم له به إذا كان الذي أخبره به من أهل الصدق قوله فقيل لي ارق في رواية الكشميهني ارقه بزيادة هاء وهي هاء السكت قوله فأتاني منصف بكسر الميم وسكون النون وفتح الصاد المهملة بعدها فاء وفي رواية الكشميهني بفتح الميم والاول اشهر وهو الخادم قوله فرقيت بكسر القاف وحكي فتحها قوله في الرواية الثانية وصيف مكان منصف يريد ان معاذا وهو بن معاذ روى الحديث عن عبد الله بن عون كما رواه ازهر السمان فأبدل هذه اللفظة بهذه اللفظة وهي بمعناها والوصيف الخادم الصغير غلاما كان أو جارية قوله فاستيقظت وانها لفي يدي أي ان الاستيقاظ كان حال الاخذ من غير فاصلة ولم يرد انها بقيت في يده في حال يقظته ولو حمل على ظاهره لم يمتنع في قدرة الله لكن الذي يظهر خلاف ذلك ويحتل من يريد ان اثرها بقي في يده بعد الاستيقاظ كأن يصبح فيرى يده مقبوضة قوله وذلك الرجل عبد الله بن سلام هو قول عبد الله بن سلام ولا مانع من ان يخبر بذلك ويريد نفسه ويحتمل ان يكون من كلام الراوي قوله عن أبيه هو أبو بردة بن أبي موسى الاشعري قوله في بيت التنوين للتعظيم ووجه تعظيمه ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل فيه وكان هذا القدر المقتضي لادخال هذا الحديث في مناقب بن سلام أو لما دل عليه امره بترك قبوله
[ 99 ]
هدية المستقرض من الورع قوله انك بأرض يعني ارض العراق الربا بها فاش أي شائع قوله حمل بكسر المهملة تبن بكسر المثناة وسكون الموحدة معروف قوله حمل قت بفتح القاف وتشديد المثناة وهو علف الدواب قوله فإنه ربا يحتمل ان يكون ذلك رأي عبد الله بن سلام والا فالفقهاء على انه انما يكون ربا إذا شرطه نعم الورع تركه قوله ولم يذكر النضر أي بن شميل وأبو داود أي الطيالسي ووهب أي بن جرير عن شعبة البيت أي قول سليمان بن حرب عن شعبة في روايته ويدخل في بيت وقد وقع في رواية أبي أسامة عن بريد بن عبد الله أي بن أبي بردة عن جده أبي بردة في كتاب الاعتصام بلفظ انطلق إلى المنزل فأسقيك من قدح شرب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث قوله باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي أي بن جابر بن مالك من بني أنمار بن اراش نسبوا إلى امهم بجيلة يكنى أبا عمرو علي المشهور واختلف في إسلامه والصحيح انه في سنة الوفود سنة تسع ووهم من قال انه اسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما لما ثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له استنصت الناس في حجة الوداع وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بأكثر من ثمانين يوما وكان موت جرير سنة خمسين وقيل بعدها قوله ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما منعني من الدخول إليه إذا كان في بيته فاستأذنت عليه وليس كما حمله بعضهم على إطلاقه فقال كيف جاز له ان يدخل على محرم بغير حجاب ثم تكلف في الجواب ان المراد مجلسه المختص بالرجال أو ان المراد بالحجاب منع ما يطلبه منه قلت وقوله ما حجبني يتناول الجميع مع بعد إرادة الاخير قوله ولا راني الا ضحك في رواية الحميدي عن إسماعيل الا تبسم في وجهي وروى أحمد وابن حبان من طريق المغيرة بن شبيل عن جرير قال لما دنوت من المدينة انخت ثم لبست حلتي فدخلت فرماني الناس بالحدق فقلت هل ذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا نعم ذكرك بأحسن ذكر فقال يدخل عليكم رجل من خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك قوله وعن قيس هو موصول بالاسناد المذكور قوله ذو الخلصة بفتح المعجمة واللام والصاد المهملة وحكي اسكان اللام وقوله اليمانية بتخفيف الياء وحكي تشديدها وقوله أو الكعبة الشامية استشكل الجمع بين هذين الوصفين وسيأتي جوابه مع شرح هذه القصة في اواخر المغازي مع الكلام على قوله الكعبة اليمانية أو الكعبة الشامية ان شاء الله تعالى قوله باب ذكر حذيفة بن اليمان العبسي بالموحدة واسم اليمان حصل بمهملتين وكسر أوله وسكون ثانيه ثم لام بن جابر له ولابيه صحبة قوله لما هزم بضم أوله وقوله وأخراكم أي اقبلوا اخراكم أو احذروا اخراكم أو انصروا اخراكم وقوله احتجزوا أي انفصلوا من القتال وامتنع بعضهم من بعض وسيأتي بقية شرح هذه القصة في كتاب المغازي قوله قال أبي القائل هو هشام بن عروة نقله عن أبيه عروة وفصله من حديث عائشة فصار مرسلا وقوله مازالت في حذيفة منها أي من هذه الكلمة أي بسببها وقوله بقية خير يؤخذ منه ان فعل الخير تعود بركته على صاحبه في طول حياته تنبيه وقع ذكر جرير وحذيفة مؤخرا عن ذكر خديجة عليها السلام وفي بعضها
[ 100 ]
مقدما وهو أليق فان الذي يظهر انه اخر ذكر خديجة عمدا لكون غالب احوالها متعلقة بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث فوقع له في ذلك حسن التخلص من المناقب التي استطرد من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إليها فلما فرغ منها رجع إلى بقية سيرته ومغازيه والله اعلم قوله باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها كذا في النسخ تزويج وتفعيل قد يجئ بمعنى تفعل وهو المراد هنا أو فيه حذف تقديره تزويجه من نفسه قوله خديجة هي أول من تزوجها صلى الله عليه وسلم وهي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي تجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وهي من أقرب نسائه إليه في النسب ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها الا أم حبيبة وتزوجها سنة خمس وعشرين من مولده في قول الجمهور زوجه إياها أبوها خويلد ذكره البهيقي من حديث الزهري بإسناده من عمار بن ياسر وقيل عمها عمرو بن أسد ذكره الكلبي وقيل اخوها عمرو بن خويلد ذكره بن إسحاق وكانت قبله عند أبي هالة بن النباش بن زرارة التميمي حليف بني عبد الدار واختلف في اسم أبي هالة فقيل مالك قاله الزبير وقيل زرارة حكاه بن منده وقيل هند جزم به العسكري وقيل اسمه النباش جزم به أبو عبيد وابنه هند روى عنه الحسن بن علي فقال حدثني خالي لانه أخو فاطمة لامها ولهند هذا ولد اسمه هند ذكره الدولابي وغيره فعلى قول العسكري فهو ممن اشترك مع أبيه وجده في الاسم ومات أبو هالة في الجاهلية وكانت خديجة قبله عند عتيق بن عائد المخزومي وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يتزوج خديجة قد سافر في مالها مقارضا إلى الشام فرأى منه ميسرة غلامها ما رغبها في تزوجه قال الزبير وكانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة وماتت على الصحيح بعد المبعث بعشر سنين في شهر رمضان وقيل بثمان وقيل بسبع فأقامت معه صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين على الصحيح وقال بن عبد البر أربعا وعشرين سنة وأربعة اشهر وسيأتي من حديث عائشة ما يؤيد الصحيح في ان موتها قبل الهجرة بثلاث سنين وذلك بعد المبعث على الصواب بعشر سنين وقد تقدم في أبواب بدء الوحي بيان تصديقها للنبي صلى الله عليه وسلم في أول وهلة ومن ثباتها في الامر ما يدل على قوة يقينها ووفور عقلها وصحة عزمها لا جرم كانت أفضل نسائه على الراجح وقد تقدم في ذكر مريم من أحاديث الانبياء بيان شئ من هذا وروى الفاكهي في كتاب مكة عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أبي طالب فاستأذنه ان يتوجه إلى خديجة فأذن له وبعث بعده جارية له يقال لها نبعة فقال لها انظري ما تقول له خديجة قالت نبعة فرأيت عجبا ما هو الا ان سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت بأبي وامي والله ما افعل هذا لشئ ولكني ارجوان تكون أنت النبي الذي ستبعث فان تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الاله الذي يبعثك لي قالت فقال لها والله لئن كنت انا هو قد اصطنعت عندي ما لا أضيعه ابدا وان يكن غيري فان الاله الذي تصنعين هذا لاجله لا يضيعك ابدا ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث لا تصريح فيها بما في الترجمة الا ان ذلك يؤخذ بطريق اللزوم من قول عائشة ما غرت على امرأة ومن قوله صلى الله عليه وسلم وكان لي منها ولد وغير ذلك الحديث الاول قوله حدثني محمد هو بن سلام كما جزم به بن السكن وعبدة هو بن سليمان قوله سمعت عبد الله بن جعفر هو بن أبي طالب ووقع عند عبد الرزاق عن بن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن
[ 101 ]
عبد الله بن جعفر وهو من المزيد في متصل الاسانيد لتصريح عبدة في هذه الرواية بسماع عروة عن عبد الله بن جعفر قوله سمعت علي بن أبي طالب زاد مسلم من رواية أبي أسامة عن هشام بالكوفة واتفق أصحاب هشام على ذكر علي فيه وقصر به محمد بن إسحاق فرواه عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم لكن بلفظ مغاير لهذا اللفظ فالظاهر انهما حديثان وفي الاسناد رواية تابعي عن تابعي هشام عن أبيه وصحابي عن صحابي عبد الله بن جعفر عن عمه قوله خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة قال القرطبي الضمير عائد على غير مذكور لكنه يفسره الحال والمشاهدة يعني به الدنيا وقال الطيبي الضمير الاول يعود على الامة التي كانت فيها مريم والثاني على هذه الامة قال ولهذا كرر الكلام تنبيها على ان حكم كل واحدة منها غير حكم الاخرى قلت ووقع عند مسلم من رواية وكيع عن هشام في هذا الحديث وأشار وكيع إلى السماء والارض فكأنه أراد ان يبين ان المراد نساء الدنيا وان الضميرين يرجعان إلى الدنيا وبهذا جزم القرطبي أيضا وقال الطيبي أراد انهما خير من تحت السماء وفوق الارض من النساء قال ولا يستقيم ان يكون تفسيرا لقوله نسائها لان هذا الضمير لا يصلح ان يعود إلى السماء كذا قال ويحتمل ان يريد ان الضمير الاول يرجع إلى السماء والثاني إلى الارض ان ثبت ان ذلك صدر في حياة خديجة وتكون النكتة في ذلك ان مريم ماتت فعرج بروحها إلى السماء فلما ذكرها أشار إلى السماء وكانت خديجة إذ ذاك في الحياة فكانت في الارض فلما ذكرها أشار إلى الارض وعلى تقدير ان يكون بعد موت خديجة فالمراد انهما خير من صعد بروحهن إلى السماء وخير من دفن جسدهن في الارض وتكون الاشارة عند ذكر كل واحدة منهما والذي يظهر لي ان قوله خير نسائها خبر مقدم والضمير لمريم فكأنه قال مريم خير نسائها أي نساء زمانها وكذا في خديجة وقد جزم كثير من الشراح ان المراد نساء زمانها لما تقدم في أحاديث الانبياء في قصة موسى وذكر اسية من حديث أبي موسى رفعه كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا مريم واسية فقد اثبت في هذا الحديث الكمال لآسية كما أثبته لمريم فامتنع حمل الخيرية في حديث الباب على الاطلاق وجاء ما يفسر المراد صريحا فروى البزار والطبراني من حديث عمار بن ياسر رفعه لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين وهو من حديث حسن الاسناد واستدل بهذا الحديث على ان خديجة أفضل من عائشة قال بن التين ويحتمل ان لا تكون عائشة دخلت في ذلك لانها كان لها عند موت خديجة ثلاث سنين فلعل المراد النساء البوالغ كذا قال وهو ضعيف فان المراد بلفظ النساء أعم من البوالغ ومن لم تبلغ أعم ممن كانت موجودة وممن ستوجد وقد اخرج النسائي بإسناد صحيح وأخرجه الحاكم من حديث بن عباس مرفوعا أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم واسية وهذا نص صريح لا يحتمل التأويل قال القرطبي لم يثبت في حق واحدة من الاربع انها نبيه الا مريم وقد اورد بن عبد البر من وجه اخر عن بن عباس رفعه سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم اسية قال وهذا حديث حسن يرفع الاشكال قال ومن قال ان مريم ليست بنبية أول هذا الحديث وغيره بان من وان لم تذكر في الخبر فهي مرادة قلت الحديث الثاني الدال على الترتيب ليس بثابت واصله عند أبي داود والحاكم بغير صيغة ترتيب وقد يتمسك بحديث الباب من يقول ان مريم ليست بنبية لتسويتها في
[ 102 ]
حديث الباب بخديجة وليست خديجة بنبية بالاتفاق والجواب انه لا يلزم من التسوية في الخيرية التسوية في جميع الصفات وقد تقدم ما قيل في مريم في ترجمتها من أحاديث الانبياء والله اعلم الحديث الثاني قوله حدثنا الليث قال كتب إلى هشام بن عروة وقع عند الاسماعيلي من وجه اخر عن الليث حدثني هشام بن عروة فلعل الليث لقى هشاما بعد ان كتب به إليه فحدثه به أو كان من مذهبه إطلاق حدثنا في الكتابة وقد نقل الخطيب ذلك عنه في علوم الحديث قوله ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم فيه ثبوت الغيرة وانها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلا عمن دونهن وان عائشة كانت تغار من نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكن كانت تغار من خديجة أكثر وقد بينت سبب ذلك وانه لكثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إياها ووقع في الرواية التي تلي هذه بابين من هذا حيث قال فيها من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها واصل غيرة المراة من تخيل محبة غيرها أكثر منها وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة وقال القرطبي مرادها بالذكر لها مدحها والثناء عليها قلت وقع عند النسائي من رواية النضر بن شميل عن هشام من كثرة ذكره إياها وثنائه عليها فعطف الثناء على الذكر من عطف الخاص على العام وهو يقتضي حمل الحديث على أعم مما قاله القرطبي قوله هلكت قبل ان يتزوجني ذكر في الحديث الذي بعده قدر المدة وسيأتي البحث فيه واشارت بذلك إلى انها لو كانت موجودة في زمانها لكانت غيرتها منها أشد قوله وأمره الله ان يبشرها الخ سيأتي شرحه بعد هذا وهو أيضا من جملة أسباب الغيرة لان اختصاص خديجة بهذه البشرى مشعر بمزيد محبة من النبي صلى الله عليه وسلم فيها ووقع عند الاسماعيلي من رواية الفضل بن موسى عن هشام بن عروة بلفظ ما حسدت امرأة قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي صلى الله عليه وسلم ببيت من قصب الحديث قوله وان كان ليذبح الشاة الخ ان مخففة من الثقيلة ويراد بها تأكيد الكلام ولهذا اتت بالام في قولها ليذبح قوله في خلائلها بالخاء المعجمة جمع خليلة أي صديقة وهي أيضا من اسباب الغيرة لما فيه من الاشعار باستمرار حبه لها حتى كان يتعاهد صواحباته قوله منها أي من الشاة قوله ما يسعهن أي ما يكفيهن كذا للاكثر وفي رواية المستملي والحموي ما يتسعهن أي يتسع لهن وفي رواية النسفي يشبعهن من الشبع بكسر المعجمة وفتح الموحدة وليس في روايته ما الحديث الثالث قوله حدثنا حميد بن عبد الرحمن هو الرؤاسي بضم الراء وعلى الواو همز وبعد الالف مهملة ثقة باتفاق وليس له في البخاري سوى هذا الحديث واخر في الحدود قوله وتزوجني بعدها بثلاث سنين قال النووي ارادت بذلك زمن دخولها عليه واما العقد فتقدم على ذلك بمدة سنة ونصف أو نحو ذلك كذا قال وسيأتي في باب تزويج عائشة ما يوضح ان المدة بين العقد عليها والدخول كان أكثر من ذلك قوله وأمره ربه عز وجل أو جبريل هو شك من الراوي وسيأتي في حديث أبي هريرة في هذا الباب ان البشارة بذلك من الله كانت على لسان جبريل عليه السلام الحديث الرابع قوله حدثني عمر بن محمد بن الحسن حدثنا أبي هو الاسدي الذي يعرف بالتل بالمثناة وتشديد اللام واسم والد الحسن الزبير وعمر كوفي ماله في البخاري سوى هذا الحديث واخر في الزكاة وهو من صغار شيوخه وقد نزل البخاري في هذا الاسناد بالنسبة لحديث حفص بن غياث درجة فإنه يروي الكثير عن ولده عمر بن حفص وغيره من أصحاب حفص وهنا لم يصل لحفص الا باثنين وبالنسبة لرواية هشام بن عروة
[ 103 ]
درجتين فإنه قد سمع من بعض اصحابه واخرج هذا في الصحيح في كتاب العتق منه حدثنا عبيد بن موسى عن هشام بن عروة من مسند أبي ذر والسبب في اختياره إيراد هذه الطريق النازلة ما اشتملت عليه من الزيادة على رواية غيره كما سأنبه عليه قوله وما رأيتها في رواية مسلم من هذا الوجه ولم ادركها ولم ار هذه اللفظة الا في هذه الطريق نعم أخرجها مسلم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة بلفظ وما رايتها قط ورؤية عائشة لخديجة كانت ممكنة واما ادراكها لها فلا نزاع فيه لانه كان لها عند موتها ست سنين كأنها ارادت بنفي الرؤية والادراك النفي بقيد اجتماعهما عند النبي صلى الله عليه وسلم أي لم ارهاوانا عنده ولا ادركتها كذلك وقد وقع في بعض طرقه عند أبي عوانة ولقد هلكت قبل ان يتزوجني قوله ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها في رواية عبد الله البهي عن عائشة عند الطبراني وكان إذا ذكر خديجة لم يسام من ثناء عليها واستغفار لها قوله فربما قلت الخ هذا كله زائد في هذه الرواية فقد اخرج الحديث مسلم وأبو عوانة والاسماعيلي وأبو نعيم من طريق سهل بن عثمان والترمذي عن أبي هشام الرفاعي كلهم عن حفص بن غياث بدونها قوله كأنه لم يكن في رواية الكشميهني كان لم بحذف الهاء من كأنه قوله انها كانت وكانت أي كانت فاضلة وكانت عاقلة ونحو ذلك وعند أحمد من حديث مسروق عن عائشة امنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء قوله وكان لي منها ولد وكان جميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة الا إبراهيم فإنه كان من جاريته مارية والمتفق عليه من أولاده منها القاسم وبه كان يكنى مات صغيرا قبل المبعث أو بعده وبناته الاربع زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة وقيل كانت أم كلثوم أصغر من فاطمة وعبد الله ولد بعد المبعث فكان يقال له الطاهر والطيب ويقال هما اخوان له وماتت الذكور صغارا باتفاق ووقع عند مسلم من طريق حفص بن غياث هذه في اخر الحديث قالت عائشة فاغضبته يوما فقلت خديجة فقال اني رزقت حبها قال القرطبي كان حبه صلى الله عليه وسلم لها لما تقدم ذكره من الاسباب وهي كثيرة كل منها كان سببا في ايجاد المحبة ومماكافا النبي صلى الله عليه وسلم به خديجة في الدنيا انه لم يتزوج في حياتها غيرها فروى مسلم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم بالاخبار وفيه دليل على عظم قدرها عنده وعلى مزيد فضلها لانها اغنته عن غيرها واختصت به بقدر ما اشترك فيه غيرها مرتين لانه صلى الله عليه وسلم عاش بعد ان تزوجها ثمانية وثلاثين عاما انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين عاما وهي نحو الثلثين من المجموع ومع طول المدة فصان قلبها فيها من الغيرة ومن نكد الضرائر الذي ربما حصل له هو منه ما يشوش عليه بذلك وهي فضيلة لم يشاركها فيها غيرها ومما اختصت به سبقها نساء هذه الامة إلى الايمان فسنت ذلك لكل من امنت بعدها فيكون لها مثل اجرهن لما ثبت ان من سن سنة حسنة وقد شاركها في ذلك أبو بكر الصديق بالنسبة إلى الرجال ولا يعرف قدر ما لكل منهما من الثواب بسبب ذلك الا الله عزوجل وقال النووي في هذه الاحاديث دلالة لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حيا وميتا واكرام معارف ذلك
[ 104 ]
الصاحب الحديث الخامس قوله عن إسماعيل هو بن أبي خالد قوله قلت لعبد الله بن أبي أوفى الخ هذا مما حمله التابعي عن الصحابي عرضا وليس هذا من التلقين لان التلقين لا استفهام فيه وانما يقول الطالب للشيخ قل حدثنا فلان بكذا فيحدث به من غير ان يكون عارفا به حديثه ولا بعدالة الطالب فلا يؤمن ا ن لا يكون ذلك الطالب ضابطا لذلك القدر فيدل على تساهل الشيخ فلذلك عابوه على من فعله قوله بشر النبي صلى الله عليه وسلم هو استفهام محذوف الاداة قوله قال نعم في رواية مسلم بشر خديجة ببيت من قصب قال نعم الخ ووقع في رواية جرير عن إسماعيل انهم قالوا لعبد الله بن أبي أوفى حدثنا ما قال لخديجة قال قال بشروا خديجة فذكر الحديث هكذا تقدم في أبواب العمرة من البخاري قوله من قصب بفتح القاف والمهملة بعدها موحدة قال بن التين المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف قلت عند الطبراني في الاوسط من طريق أخرى عن بن أبي أوفى يعني قصب اللؤلؤ وعنده في الكبير من حديث أبي هريرة بيت من لؤلؤة مجوفة واصله في مسلم وعنده في الاوسط من حديث فاطمة قالت قلت يا رسول الله أين أمي خديجة قال في بيت من قصب قلت امن هذا القصب قال لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت قال السهيلي النكتة قي قوله من قصب ولم يقل من لؤلؤ ان في لفظ القصب مناسبة لكونها احرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الايمان دون غيرها ولذا وقعت هذه المناسبة في جميع ألفاظ هذا الحديث انتهى وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر انابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها واما قوله ببيت فقال أبو بكر الاسكاف في فوائد الاخبار المراد به بيت زائد على ما أعد الله لها من ثواب عملها ولهذا قال لا نصب فيه أي لم تتعب بسببه قال السهيلي لذكر البيت معنى لطيف لانها كانت ربة بيت قبل المبعث ثم صارت ربة بيت في الاسلام منفردة به فلم يكن على وجه الارض في أول يوم بعث النبي صلى الله عليه وسلم بيت إسلام الا بيتها وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضا غيرها قال وجزاء الفعل يذكر غالبا بلفظه وان كان اشرف منه فلهذا جاء في الحديث بلفظ البيت دون لفظ القصر انتهى وفي ذكر البيت معنى اخر لان مرجع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إليها لما ثبت في تفسير قوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قالت أم سلمة لما نزلت دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليا والحسن والحسين فجللهم بكساء فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي الحديث أخرجه الترمذي وغيره ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة لان الحسنين من فاطمة وفاطمة بنتها وعلي نشا في بيت خديجة وهو صغير ثم تزوج بنتها بعدها فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها قوله لا صخب فيه ولا نصب الصخب بفتح المهملة والمعجمة بعدها موحدة الصياح والمنازعة برفع الصوت والنصب بفتح النون والمهملة بعدها موحدة التعب وأغرب الداودي فقال الصخب العيب والنصب العوج وهو تفسير لا تساعد عليه اللغة وقال السهيلي مناسبة نفي هاتين الصفتين اعني المنازعة والتعب انه صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الاسلام اجابت خديجة طوعا فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب في ذلك بل ازالت عنه كل نصب وانسته من كل وحشة وهونت عليه كل عسير فناسب ان يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها
[ 105 ]
الحديث السادس قوله عن عمارة هو بن القعقاع قوله عن أبي هريرة في رواية مسلم عن بن نمير عن بن فضيل بهذا الاسناد سمعت أبا هريرة قوله اتى جبريل في رواية سعيد بن كثير عند الطبراني ان ذلك كان وهو بحراء قوله هذه خديجة قد اتت في رواية مسلم قد اتتك ومعناه توجهت إليك واما قوله ثانيا فإذا هي اتتك فمعناه وصلت إليك قوله اناء فيه ادام أو طعام أو شراب شك من الراوي وكذا عند مسلم وفي رواية الاسماعيلي فيه ادام أو طعام وشراب وفي رواية سعيد بن كثير المذكور عند الطبراني انه كان حيسا قوله فاقرأ عليها السلام من ربها ومني زاد الطبراني في الرواية المذكورة فقالت هو السلام ومنه والسلام وعلى جبريل السلام وللنسائي من حديث أنس قال قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ان الله يقرئ خديجة السلام يعني فأخبرها فقالت ان الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته زاد بن السني من وجه اخر وعلى من سمع السلام الا الشيطان قال العلماء في هذه القصة دليل على وفور فقهها لانها لم تقل وعليه السلام كما وقع لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في التشهد السلام على الله فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال ان الله هو السلام فقولوا التحيات لله فعرفت خديجة لصحة فهمها ان الله لا يرد عليه السلام كما يرد على المخلوقين لان السلام اسم من أسماء الله وهو أيضا دعاء بالسلامة وكلاها لا يصلح ان يرد به على الله فكأنها قالت كيف أقول عليه السلام والسلام اسمه ومنه يطلب ومنه يحصل فيستفاد منه انه لا يليق بالله الا الثناء عليه فجعلت مكان رد السلام عليه الثناء عليه ثم غايرت بين ما يليق بالله وما يليق بغيره فقالت وعلى جبريل السلام ثم قالت وعليك السلام ويستفاد منه رد السلام على من أرسل السلام وعلى من بلغه والذي يظهر ان جبريل كان حاضرا عند جوابها فردت عليه وعلى النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بالتخصيص ومرة بالتعميم ثم أخرجت الشيطان ممن سمع لانه لا يستحق الدعاء بذلك قيل انما بلغها جبريل عليه السلام من ربها بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم احتراما للنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك وقع له لما سلم على عائشة لم يواجهها بالسلام بل راسلها مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد واجه مريم بالخطاب فقيل لانها نبيه وقيل لانها لم يكن معها زوج يحترم معه مخاطبتها قال السهيلي استدل بهذه القصة أبو بكر بن داود على ان خديجة أفضل من عائشة لان عائشة سلم عليها جبريل من قبل نفسه وخديجة ابلغها السلام من ربها وزعم بن العربي انه لا خلاف في ان خديجة أفضل من عائشة ورد بأن الخلاف ثابت قديما وان كان الراجح أفضلية خديجة بهذا وبما تقدم قلت ومن صريح ما جاء في تفضيل خديجة ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث بن عباس رفعه أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد قال السبكي الكبير كما تقدم لعائشة من الفضائل ما لا يحصى ولكن الذي نختاره وندين الله به ان فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة واستدل لفضل فاطمة بما تقدم في ترجمتها انها سيدة نساء المؤمنين قلت وقال بعض من أدركناه الذي يظهر ان الجمع بين الحديثين أولى وان لا نفضل إحداهما على الاخرى وسئل السبكي هل قال أحد ان أحدا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة فقال قال به من لا يعتد بقوله وهو من فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الصحابة لانهن في درجته في الجنة قال وهو قول ساقط مردود انتهى وقائله
[ 106 ]
هو أبو محمد بن حزم وفساده ظاهر قال السبكي ونساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل وهن أفضل النساء لقول الله تعالى لستن كأحد من النساء ان اتقيتن الآية ولا يستثنى من ذلك الا من قيل انها نبيه كمريم والله اعلم ومما نبه عليه انه وقع عند الطبراني من رواية أبي يونس عن عائشة انها وقع لها نظير ما وقع لخديجة من السلام والجواب وهي رواية شاذة والعلم عند الله تعالى الحديث السابع قوله وقال إسماعيل بن خليل كذا في جميع النسخ التي اتصلت إلينا بصيغة التعليق لكن صنيع المزي يقتضي انه أخرجه موصولا وقد أخرجه أبو عوانة عن محمد بن يحيى الذهلي عن إسماعيل المذكور وأخرجه مسلم عن سويد بن سعيد والاسماعيلي من طريق الوليد بن شجاع كلاهما عن علي بن مسهر قوله استأذنت هالة بنت خويلد هي أخت خديجة وكانت زوج الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس والد أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكروها في الصحابة وهو ظاهر هذا الحديث وقد هاجرت إلى المدينة لان دخولها كان بها أي بالمدينة ويحتمل ان تكون دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حيث كانت عائشة معه في بعض سفراته ووقع عند المستغفري من طريق حماد بن سلمة عن هشام بهذا السند قدم بن لخديجة يقال له هالة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم في قائلته كلام هالة فانتبه وقال هالة هالة قال المستغفري الصواب هالة أخت خديجة انتهى وروى الطبراني في الاوسط من طريق تميم بن زيد بن هالة عن أبي هالة عن أبيه انه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو راقد فاستيقظ فضمه إلى صدره وقال هالة هالة وذكر بن حبان وابن عبد البر في الصحابة هالة بن أبي هالة التميمي فلعله كان لخديجة أيضا بن اسمه هالة والله اعلم قوله فعرف استئذان خديجة أي صفته لشبه صوتها بصوت أختها فتذكر خديجة بذلك وقوله ارتاع من الروع بفتح الراء أي فزع والمراد من الفزع لازمه وهو التغير ووقع في بعض الروايات ارتاح بالحاء المهملة أي اهتز لذلك سرورا وقوله اللهم هالة فيه حذف تقديره اجعلها هالة فعلى هذا فهو منصوب ويحتمل ان يكون خبر مبتدأ محذوف أي هذه هالة وعلى هذا هو مرفوع وفي الحديث ان من احب شيئا احب محبوباته وما يشبهه وما يتعلق به قوله حمراء الشدقين بالجر قال أبو البقاء يجوز في حمراء الرفع على القطع والنصب على الصفة أو الحال ثم الموجود في جميع النسخ وفي مسلم حمراء بالمهملتين وحكى بن التين انه روي بالجيم والزاي ولم يذكر له معنى وهو تصحيف والله اعلم قال القرطبي قيل معنى حمراء الشدقين بيضاء الشدقين والعرب تطلق على الابيض الاحمر كرهة اسم البياض لكونه يشبه البرص ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة يا حميراء ثم استبعد القرطبي هذا لكون عائشة اوردت هذه المقالة مورد التنقيص فلو كان الامر كما قيل لنصت على البياض لانه كان يكون ابلغ في مرادها قال والذي عندي ان المراد بذلك نسبتها إلى كبر السن لان من دخل في سن الشيخوخة مع قوة في بدنه يغلب على لونه غالبا الحمرة المائلة إلى السمرة كذا قال والذي يتبادر ان المراد بالشدقين ما في باطن الفم فكنت بذلك عن سقوط اسنانها حتى لا يبقى داخل فمها الا اللحم الاحمر من اللثة وغيرها وبهذا جزم النووي وغيره قوله قد ابدلك الله خيرا منها قال بن التين في سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المقالة دليل على أفضلية عائشة على خديجة الا ان يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن انتهى ولا يلزم من كونه لم ينقل في هذه الطريق انه
[ 107 ]
صلى الله عليه وسلم رد عليها عدم ذلك بل الواقع انه صدر منه رد لهذه المقالة ففي رواية أبي نجيح عن عائشة عند أحمد والطبراني في هذه القصة قالت عائشة فقلت ابدلك الله بكبيرة السن حديثة السن فغضب حتى قلت والذي بعثك بالحق لا اذكرها بعد هذا الا بخير وهذا يؤيد ما تأوله بن التين في الخيرية المذكورة والحديث يفسر بعضه بعضا وروى أحمد أيضا والطبراني من طريق مسروق عن عائشة في نحو هذه القصة فقال صلى الله عليه وسلم ما ابدلني الله خيرا منها امنت بي إذ كفر بي الناس الحديث قال عياض قال الطبري وغيره من العلماء الغيرة مسامح للنساء ما يقع فيها ولا عقوبة عليهن في تلك الحالة لما جبلن عليه منها ولهذا لم يزجر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة عن ذلك وتعقبه عياض بأن ذلك جرى من عائشة لصغر سنها وأول شبيبتها فلعلها لم تكن بلغت حينئذ قلت وهو محتمل مع ما فيه من نظر قال القرطبي لا تدل قصة عائشة هذه على ان الغيرى لا تؤاخذ بما يصدر منها لان الغيرة هنا جزء سبب وذلك ان عائشة اجتمع فيها حينئذ الغيرة وصغر السن والادلال قال فاحالة الصفح عنها على الغيرة وحدها تحكم نعم الحامل لها على ما قالت الغيرة لانها هي التي نصت عليها بقولها فغرت واما الصفح فيحتمل ان يكون لاجل الغيرة وحدها ويحتمل ان يكون لها ولغيرها من الشباب والادلال قلت الغيرة محققة بتنصيصها والشباب محتاج إلى دليل فإنه صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي بنت تسع وذلك في أول زمن البلوغ فمن أين له ان ذلك القول وقع في أوائل دخوله عليها وهي بنت تسع واما ادلال المحبة فليس موجبا للصفح عن حق الغير بخلاف الغيرة فإنما يقع الصفح بها لان من يحصل لها الغيرة لا تكون في كمال عقلها فلهذا تصدر منها أمور لاتصدر منها في حال عدم الغيرة والله اعلم قوله باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة أي بن عبدشمس وهي والدة معاوية قتل أبوها ببدر كما سيأتي في المغازي وشهدت مع زوجها أبي سفيان أحدا وحرضت على قتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم لكونه قتل عمها شيبة وشرك في قتل أبيها عتبة فقتله وحشي بن حرب كما سيأتي بيان ذلك في حديث وحشي ثم أسلمت هند يوم الفتح وكانت من عقلاء النساء وكانت قبل أبي سفيان عند الفاكه بن كبالمغيرة المخزومي ثم طلقها في قصة جرت فتزوجها أبو سفيان فأنتجت عنده وهي القائلة للنبي صلى الله عليه وسلم لما شرط على النساء المبايعة ولا يسرقن ولا يزنين وهل تزني الحرة وماتت هند في خلافة عمر قوله وقال عبدان كذا للجميع بصيغة التعليق وكلام أبي نعيم في المستخرج يقتضي ان البخاري أخرجه موصولا عن عبدان وقد وصله البهيقي أيضا من طريق أبي الموجه عن عبدان قوله خباء بكسر المعجمة وتخفيف الموحدة مع المد هي خيمة من وبر أو صوف ثم اطلقت على البيت كيف ما كان قوله قال وأيضا والذي نفسي بيده قال بن التين فيه تصديق لها فيما ذكرته كأنه رأى ان المعنى وانا أيضا بالنسبة إليك مثل ذلك وتعقب من جهة طرفي البغض والحب فقد كان في المشركين من كان أشد أذى للنبي صلى الله عليه وسلم من هند واهلها وكان في المسلمين بعد ان أسلمت من هو احب إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها ومن أهلها فلا يمكن حمل الخبر على ظاهره وقال غيره المعنى بقوله وأيضا ستزيدين في المحبة كلما تمكن الايمان من قلبك وترجعين عن البغض المذكور حتى لا يبقى له اثر فأيضا خاص بما يتعلق بها لا ان المراد بها اني كنت في حقك كما ذكرت في البغض ثم صرت على خلافه في الحب بل ساكت عن ذلك ولا يعكر على هذا قوله
[ 108 ]
في بعض الروايات وانا ان ثبتت الرواية بذلك قوله ان أبا سفيان رجل مسيك سيأتي شرحه في كتاب النفقات ان شاء الله تعالى وفي الحديث دلالة على وفور عقل هند وحسن تأنيها في المخاطبة ويؤخذ منه ان صاحب الحاجة يستحب له ان يقدم بين يدي نجواه اعتذارا إذا كان في نفس الذي يخاطبه عليه موجدة وان المعتذر يستحب له ان يقدم ما يتأكد به صدقه عند من يعتذر إليه لان هندا قدمت الاعتراف بذكر ما كانت عليه من البغض ليعلم صدقها فيما ادعته من المحبة وقد كانت هند في منزلة أمهات نساء النبي صلى الله عليه وسلم لان أم حبيبة إحدى زوجاته بنت زوجها أبي سفيان قوله باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل هو بن عم عمر بن الخطاب بن نفيل وقد تقدم نسبه في ترجمته وهو والد سعيد بن زيد أحد العشرة وكان ممن طلب التوحيد وخلع الاوثان وجانب الشرك لكنه مات قبل المبعث فروى محمد بن سعد والفاكهي من حديث عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب قال قال لي زيد بن عمرو اني خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان وكانا يصليان إلى هذه القبلة وانا انتظر نبيا من بني إسماعيل يبعث ولا اراني أدركه وانا اومن به واصدقه واشهد انه نبي وان طالت بك حياة فاقره مني السلام قال عامر فلما أسلمت اعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بخبره قال فرد عليه السلام وترحم عليه قال ولقد رايته في الجنة يسحب ذيولا وروى البزار والطبراني من حديث سعيد بن زيد قال خرج زيد بن عمرو وورقة بن نوفل يطلبان الدين حتى أتيا الشام فتنصر ورقة وامتنع زيد فاتى الموصل فلقي راهبا فعرض عليه النصرانية فامتنع وذكر الحديث نحو حديث بن عمر الاتي في ترجمته وفيه قال سعيد بن زيد فسألت انا وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيد فقال غفر الله له ورحمه فإنه مات على دين إبراهيم وروى الزبير بن بكار من طريق هشام بن عروة قال بلغنا ان زيدا كان بالشام فبلغه مخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل يريده فقتل بمضيعة من ارض البلقاء وقال بن إسحاق لما توسط بلاد لخم قتلوه وقيل انه مات قبل المبعث بخمس سنين عند بناء قريش الكعبة قوله بأسفل بلدح هو مكان في طريق التنعيم بفتح الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة واخره مهملة ويقال هو واد قوله فقدمت بضم القاف قوله إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذا للاكثر وفي رواية الجرجاني فقدم إليه النبي صلى الله عليه وسلم سفرة قال عياض الصواب الاول قلت رواية الاسماعيلي توافق رواية الجرجاني وكذا أخرجه الزبير بن بكار والفاكهي وغيرهما وقال بن بطال كانت السفرة لقريش قدموها للنبي صلى الله عليه وسلم فأبى ان يأكل منها فقدمها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن عمرو فأبى ان يأكل منها وقال مخاطبا لقريش الذين قدموها اولا انا لا ناكل ما ذبح على انصابكم انتهى وما قاله محتمل لكن لا أدري من أين له الجزم بذلك فاني لم اقف عليه في رواية أحد وقد تبعه بن المنير في ذلك وفيه ما فيه قوله على انصابكم بالمهملة جمع نصب بضمتين وهي أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للاصنام قال الخطابي كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل مما يذبحون عليها للاصنام وياكل ما عدا ذلك وان كانوا لا يذكرون اسم الله عليه لان الشرع لم يكن نزل بعد بل لم ينزل الشرع بمنع أكل ما لم يذكر اسم الله عليه الا بعد المبعث بمدة طويلة قلت وهذا الجواب أولى مما ارتكبه بن بطال وعلى تقدير ان يكون زيد بن حارثة ذبح على الحجر المذكورة فانما يحمل على انه انما ذبح عليه لغير الاصنام واما قوله تعالى
[ 109 ]
وما ذبح على النصب فالمراد به ما ذبح عليها للاصنام ثم قال الخطابي وقيل لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم ذلك شئ قلت وفيه نظر لانه كان قبل المبعث فهو من تحصيل الحاصل وقد وقع في حديث سعيد بن زيد الذي قدمته وهو عند أحمد وكان بن زيد يقول عذت بما عاذ به إبراهيم ثم يخر ساجدا للكعبة قال فمر بالنبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما فدعياه فقال يا بن أخي لااكل مما ذبح على النصب قال فما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك وفي حديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من مكة وهو مردفي فذبحنا شاة على بعض الانصاب فانضجناها فلقينا زيد بن عمرو فذكر الحديث مطولا وفيه فقال زيد اني لا أكل مما لم يذكر اسم الله عليه قال الداودي كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث يجانب المشركين في عاداتهم لكن لم يكن يعلم ما يتعلق بأمر الذبح وكان زيد قد علم ذلك من أهل الكتاب الذين لقيهم وقال السهيلي فان قيل فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أولى من زيد بهذه الفضيلة فالجواب انه ليس في الحديث انه صلى الله عليه وسلم أكل منها وعلى تقدير ان يكون أكل فزيد انما كان يفعل ذلك برأي يراه لا بشرع بلغه وانما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم وكان في شرع إبراهيم تحريم الميتة لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه وانما نزل تحريم ذلك في الاسلام والاصح ان الاشياء قبل الشرع لا توصف بحل ولا بحرمة مع ان الذبائح لها أصل في تحليل الشرع واستمر ذلك إلى نزول القران ولم ينقل ان أحدا بعد المبعث كف عن الذبائح حتى نزلت الآية قلت وقوله ان زيدا فعل ذلك برأيه أولى من قول الداودي انه تلقاه عن أهل الكتاب فان حديث الباب بين فيما قال السهيلي وان ذلك قاله زيد باجتهاده لا بنقل عن غيره ولا سيما وزيد يصرح عن نفسه بأنه لم يتبع أحدا من أهل الكتابين وقد قال القاضي عياض في الملة المشهورة في عصمة الانبياء قبل النبوة انها كالممتنع لان النواهي انما تكون بعد تقرير الشرع والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبدا قبل ان يوحى إليه بشرع من قبله على الصحيح فعلى هذا فالنواهي إذا لم تكن موجودة فهي معتبرة في حقه والله اعلم فان فرعنا على القول الاخر فالجواب عن قوله ذبحنا شاة على بعض الانصاب يعني الحجارة التي ليست باصنام ولا معبودة وانما هي من الات الجزار التي يذبح عليها لان النصب في الاصل حجر كبير فمنها ما يكون عندهم من جملة الاصنام فيذبحون له وعلى اسمه ومنها ما لا يعبد بل يكون من الات الذبح فيذبح الذابح عليه لا للصنم أو كان امتناع زيد منها حسما للمادة قوله فان زيد بن عمرو هو موصول بالاسناد المذكور قوله قال موسى هو بن عقبة والخبر موصول بالاسناد المذكور إليه وقد شك فيه الاسماعيلي فقال ما أدري هذه القصة الثانية من رواية الفضيل بن موسى أم لا ثم ساقها مطولة من طريق عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة وكذا أوردها الزبير بن بكار والفاكهي بالاسنادين معاقوله لا أعلمه الا يحدث به عن بن عمر قد ساق البخاري الحديث الاول في الذبائح من طريق عبد العزيز بن المختار عن موسى بغير شك وساق الاسماعيلي هذا الثاني من رواية عبد العزيز المذكور بالشك أيضا فكان الشك فيه من موسى بن عقبة قوله يسأل عن الدين أي دين التوحيد قوله ويتبعه بتشديد المثناة بعدها موحدة وللكشميهني بسكون الموحدة بعد ها مثناة مفتوحة ثم غين معجمة أي يطلبه قوله فلقي
[ 110 ]
عالما من اليهود لم اقف على اسمه وفي حديث زيد بن حارثة المذكور ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن عمرو مالي أرى قومك قد شنفوا عليك أي ابغضوك وهو بفتح الشين المعجمة وكسر النون بعدها فاء قال خرجت ابتغي الدين فقدمت على الاحبار فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به قوله فلقي عالما من النصارى لم اقف على اسمه أيضا ووقع في حديث زيد بن حارثة قال لي شيخ من احبار الشام انك لتسألني عن دين ما اعلم أحدا يعبد الله به الا شيخا بالجزيرة قال فقدمت عليه فقال ان الذي تطلب قد ظهر ببلادك وجميع من رأيتهم في ضلال وفي رواية الطبراني من هذا الوجه وقد خرج في ارضك نبي أو هو خارج فارجع وصدقه وامن به قال زيد فلم احس بشئ بعد قلت وهذا مع ما تقدم يدل على ان زيدا رجع إلى الشام فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فسمع به فرجع ومات والله اعلم قوله وانا أستطيع أي والحال ان لي قدرة على عدم حمل ذلك كذا للاكثر بتخفيف النون ضمير القائل وفي رواية بتشديد النون بمعنى الاستبعاد والمراد بغضب الله إرادة إيصال العقاب كما ان المراد بلعنة الله الابعاد عن رحمته قوله فلما برز أي خارج ارضهم قوله اللهم اني اشهدك اني على دين إبراهيم بكسر الهمزة الاولى وفتح الثانية وفي حديث سعيد بن زيد فانطلق زيد وهو يقول لبيك حقا حقا تعبدا ورقا ثم يخر فيسجد لله قوله وقال الليث كتب إلى هشام أي بن عروة وهذا التعليق رويناه موصولا في حديث زغبة من رواية أبي بكر بن أبي داود عن عيسى بن حماد وهو المعروف بزغبة عن الليث واخرج بن إسحاق عن هشام بن عروة هذا الحديث بتمامه وأخرجه الفاكهي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد والنسائي وأبو نعيم في المستخرج من طريق أبي أسامة كلهم عن هشام بن عروة قوله ما منكم على دين إبراهيم غيري زاد أبو أسامة في روايته وكان يقول الهي اله إبراهيم وديني دين إبراهيم وفي رواية بن أبي الزناد وكان قد ترك عبادة الاوثان وترك أكل ما يذبح على النصب وفي رواية بن إسحاق وكان يقول اللهم لو اعلم احب الوجوه إليك لعبدتك به ولكني لا أعلمه ثم يسجد على الارض براحته قوله وكان يحيي الموءودة هو مجاز والمراد بإحيائها إبقاؤها وقد فسره في الحديث ووقع في رواية بن أبي الزناد وكان يفتدي الموءودة ان تقتل والموءودة مفعولة من وأد الشئ إذا اثقل وأطلق عليها اسم الوأد اعتبارا بما أريد بها وان لم يقع وكان أهل الجاهلية يدفنون البنات وهن بالحياة ويقال كان أصلها من الغيرة عليهن لما وقع لبعض العرب حيث سبي بنت اخر فاستفرشها فأراد أبوها ان يفتديها منه فخيرها فاختارت الذي سباها فحلف أبوها ليقتلن كل بنت تولد له فتبع على ذلك وقد شرحت ذلك مطولا في كتابي في الاوائل وأكثر من كان يفعل ذلك منهم من الاملاق كما قال الله تعالى ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم وقصة زيد هذه تدل على هذا المعنى الثاني فيحتمل ان يكون كل واحد من الامرين كان سببا قوله اكفيك مؤنتها كذا لابي ذر ولغيره اكفيكها مؤنتها زاد أبو أسامة في روايته وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن زيد فقال يبعث يوم القيامة امة وحده بيني وبين عيسى بن مريم وروى البغوي في الصحابة من حديث جابر نحو هذه الزيادة وساق له بن إسحاق أشعارا قالها في مجانبة الاوثان لانطيل بذكرها قوله باب بنيان الكعبة
[ 111 ]
أي على يد قريش في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته وقد تقدم ما يتعلق ببناء إبراهيم عليه السلام قبل بناء قريش وما يتعلق ببناء عبد الله بن الزبير قبل الاسلام وروى الفاكهي من طريق بن جريج عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال كانت الكعبة فوق القامة فارادت قريش رفعها وتسقيفها وسيأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن الزهري ان امرأة جمرت الكعبة فطارت شرارة في ثياب الكعبة فأحرقتها فذكر قصة بناء قريش لها وسيأتي في الحديث الثالث من الباب الذي يليه تتمة هذه القصة وذكر بن إسحاق وغيره ان قريشا لما بنت الكعبة كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وروى إسحاق بن راهويه من طريق خالد بن عرعرة عن علي في قصة بناء إبراهيم البيت قال فمر عليه الدهر فانهدم فبنته العمالقة فمر عليه الدهر فانهدم فبنته جرهم فمر عليه الدهر فانهدم فبنته قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ شاب فلما أرادوا ان يضعوا الحجر الاسود اختصموا فيه فقالوا نحكم بيننا أول من يخرج من هذه السكة فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من خرج منها فحكم بينهم ان يجعلوه في ثوب ثم يرفعه من كل قبيلة رجل وذكر أبو داود الطيالسي في هذا الحديث انهم قالوا نحكم أول من يدخل من باب بني شيبة فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من دخل منه فأخبروه فأمر بثوبفوضع الحجر في وسطه وامر كل فخذ ان ياخذوا بطائفة من الثوب فرفعوه ثم اخذه فوضعه بيده وروى الفاكهي ان الذي أشار عليهم ان يحكموا أول داخل أبو أمية بن المغيرة المخزومي أخو الوليد وقد تقدم في أوائل الحج من حديث أبي الطفيل قصة بناء قريش الكعبة مطولا فاغنى عن اعادته هنا وعند موسى بن عقبة ان الذي أشار عليهم بذلك هو الوليد بن المغيرة المخزومي وانه قال لهم لا تجعلوا فيها مالا اخذ غصبا ولا قطعت فيه رحم ولا انتهكت فيه ذمة وعند بن إسحاق ان الذي أشار عليهم ان لا يبنوها الا من مال طيب هو أبو وهب بن عمرو بن عامر بن عمران بن مخزوم قوله في حديث جابر لما بنيت الكعبة هو من مراسيل الصحابة ولعل جابرا سمعه من العباس بن عبد المطلب وتقدم بيان ذلك واضحا في كتاب الحج وقوله يقك من الحجارة فخر إلى الارض فيه حذف تقديره ففعل ذلك فخر وفي حديث أبي الطفيل المذكور انفا فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة معهم إذ انكشفت عورته فنودي يا محمد غط عورتك فذلك في أول ما نودي فما رؤيت له عورة قبل ولابعد وقوله طمحت عيناه إلى السماء أي ارتفعت وذكر بن إسحاق في المبعث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي يحدث عما كان الله يحفظه في صغره انه قال لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض مما تلعب به الغلمان كلنا قد تعرى وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة إذ لكمني لاكم ما أراه ثم قال شد عليك ازارك قال فشددته علي ثم جعلت احمل وازاري علي من بين أصحابي قال السهيلي انما وردت هذه القصة في بنيان الكعبة فان صح ان ذلك كان في صغره فهي قصة أخرى مرة في الصغر ومرة في حال الاكتهال قلت وقد يطلق على الكبير غلام إذا فعل فعل الغلمان فلا يستحيل اتحاد القصة اعتمادا على التصريح بالاولية في حديث أبي الطفيل قوله قالا لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حول البيت حائط هذا مرسل وقيل منقطع لان عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي يزيد من اصاغر التابعين واما قوله حتى كان عمر فمنقطع فإنهما لم يدركا عمر أيضا واما قوله قال
[ 112 ]
عبيد الله جدره قصير هو بفتح الجيم والجدر والجدار بمعنى وقوله فبناه بن الزبير هذا القدر هو الموصول من هذا الحديث وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد بتمامه وقال فيه وكان أول من جعل الحائط على البيت عمر قال عبيد الله وكان جدره قصيرا حتى كان زمن بن الزبير فزاد فيه وذكر الفاكهي ان المسجد كان محاطا بالدور على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فضاق على الناس فوسعه عمر واشترى دورا فهدمها وأعطى من أبي ان يبيع ثمن داره ثم احاط عليه بجدار قصير دون القامة ورفع المصابيح على الجدر قال ثم كان عثمان فزاد في سعته من جهات اخر ثم وسعه عبد الله بن الزبير ثم أبو جعفر المنصور ثم ولده المهدي قال ويقال ان بن الزبير سقفه أو سقف بعضه ثم رفع عبد الملك بن مروان جدرانه وسقفه بالساج وقيل بل الذي صنع ذلك ولده الوليد وهو اثبت وكان ذلك سنة ثمان وثمانين قوله باب أيام الجاهلية أي مما كان بين المولد النبوي والمبعث هذا هو المراد به هنا ويطلق غالبا على ما قبل البعثة ومنه يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية وقوله ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى ومنه أكثر أحاديث الباب واما جزم النووي في عدة مواضع من شرح مسلم ان هذا هو المراد حيث اتى ففيه نظر فإن هذا اللفظ وهو الجاهلية يطلق على ما مضى والمراد ما قبل إسلامه وضابط اخره غالبا فتح مكة ومنه قول مسلم في مقدمة صحيحه ان أبا عثمان وأبا رافع ادركا الجاهلية وقول أبي رجاء العطاردي رأيت في الجاهلية قردة زنت وقول بن عباس سمعت أبي يقول في الجاهلية اسقنا كاسا دهاقا وابن عباس انما ولد بعد البعثة واما قول عمر نذرت في الجاهلية فمحتمل وقد نبه على ذلك شيخنا العراقي في الكلام على المخضرمين من علوم الحديث وذكر فيه أحاديث الاول حديث عائشة قوله كان عاشوراء تقدم شرحه في كتاب الصيام وذكرت هناك احتمالا انهم أخذوا ذلك عن أهل الكتاب ثم وجدت في بعض الاخبار انهم كانوا اصابهم قحط ثم رفع عنهم فصاموه شكرا الثاني حديث بن عباس قوله كانوا يرون أي يعتقدون ان اشهر الحج لا ينسك فيها الا بالحج وان غيرها من الاشهر للعمرة وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الحج الثالث بسم الله الرحمن الرحيم قوله كان عمرو هو بن دينار وفي رواية الاسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار قوله عن جده هو حزن بفتح المهملة وسكون الزاي وهو بن أبي وهب الذي قدمنا انه أشار على قريش بان تكون النفقة في بناء الكعبة من مال طيب قوله جاء سيل في الجاهلية فطبق ما بين الجبلين أي ملا ما بين الجبلين اللذين في جانبي الكعبة قوله قال سفيان ويقول ان هذا الحديث له شأن أي قصة وذكر موسى بن عقبة ان السيل كان يأتي من فوق الردم الذي بأعلى مكة فيجريه فتخوفوا ان يدخل الماء الكعبة فأرادوا تشييد بنيانها وكان أول من طلعها وهدم منها شيئا الوليد بن المغيرة وذكر القصة في بنيان الكعبة قبل المبعث النبوي واخرج الشافعي في الام بسند له عن عبد الله بن الزبير ان كعبا قال له وهو يعمل بناء مكة اشدده واوثقه فانا نجد في الكتب ان السيول ستعظم في اخر الزمان اه فكان الشأن المشار إليه انهم استشعروا من ذلك السيل الذي لم يعهدوا مثله انه مبدأ السيول المشار إليها الحديث الرابع قوله دخل أي أبو بكر الصديق قوله على امرأة من احمس بمهملتين وزن أحمد وهي قبيلة من بجيلة وأغرب بن التين فقال المراد امرأة من الحمس وهي من قريش قوله يقال لها زينب بنت المهاجر روى حديثها محمد بن سعد
[ 113 ]
في الطبقات من طريق عبد الله بن جابر الاحمسي عن عمته زينب بنت المهاجر قالت خرجت حاجة فذكر الحديث وذكر أبو موسى المديني في ذيل الصحابة ان بن مندة ذكر في تاريخ النساء له ان زينب بنت جابر أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وروت عن أبي بكر وروى عنها عبد الله بن جابر وهي عمته قال وقيل هي بنت المهاجر بن جابر وذكر الدارقطني في العلل ان في رواية شريك وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد في حديث الباب انها زينب بنت عوف قال وذكر بن عيينة عن إسماعيل انها جدة إبراهيم بن المهاجر والجمع بين هذه الاقوال ممكن بان من قال بنت المهاجر نسبها إلى أبيها أو بنت جابر نسبها إلى جدها الادنى أو بنت عوف نسبها إلى جد لها أعلى والله اعلم قوله مصمتة بضم الميم وسكون المهملة أي ساكتة يقال اصمت وصمت بمعنى قوله فان هذا لا يحل يعني ترك الكلام ووقع عند الاسماعيلي من وجه اخر عن أبي بكر الصديق ان المرأة قالت له كان بيننا وبين قومك في الجاهلية شر فحلفت ان الله عافانا من ذلك ان لا اكلم أحدا حتى احج فقال ان الاسلام يهدم ذلك فتكلمي وللفاكهي من طريق زيد بن وهب عن أبي بكر نحوه وقد استدل بقول أبي بكر هذا من قال بان من حلف ان لا يتكلم استحب له ان يتكلم ولا كفارة عليه لان أبا بكر لم يأمرها بالكفارة وقياسه ان من نذر ان لا يتكلم لم ينعقد نذره لان أبا بكر اطلق ان ذلك لا يحل وانه من فعل الجاهلية وان الاسلام هدم ذلك ولا يقول أبو بكر مثل هذا الا عن توقيف فيكون في حكم المرفوع ويؤيد ذلك حديث بن عباس في قصة أبي إسرائيل الذي نذر ان يمشي ولا يركب ولا يستظل ولا يتكلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يركب ويستظل ويتكلم وحديث علي رفعه لا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل أخرجه أبو داود قال الخطابي في شرحه كان من نسك أهل الجاهلية الصمت فكان أحدهم يعتكف اليوم والليلة ويصمت فنهوا عن ذلك وامروا بالنطق بالخير وقد تقدمت الاشارة إلى حديث بن عباس في كتاب الحج ويأتي الكلام عليه في كتاب الايمان والنذور ان شاء الله تعالى وقال بن قدامة في المغني ليس من شريعة الاسلام الصمت عن الكلام وظاهر الاخبار تحريمه واحتج بحديث أبي بكر وبحديث علي المذكور قال فان نذر ذلك لم يلزمه الوفاء به وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا اه وكلام الشافعية يقتضي ان مسألة النذر ليست منقولة فإن الرافعي ذكر في كتاب النذر ان في تفسير أبي نصر القشيري عن القفال قال من نذر ان لا يكلم الادميين يحتمل ان يقال يلزمه لانه مما يتقرب به ويحتمل ان يقال لا لما فيه من التضييق والتشديد وليس ذلك من شرعنا كمل لو نذر الوقوف في الشمس قال أبو نصر فعلى هذا يكون نذر الصمت في تلك الشريعة لا في شريعتنا ذكره في تفسير سورة مريم عند قولها اني نذرت للرحمن صوما وفي التتمة لابي سعيد المتولي من قال شرع من قبلنا شرع لنا جعل ذلك قربة وقال بن الرفعة في قول الشيخ أبي إسحاق في التنبيه ويكره له صمت يوم إلى الليل قال في شرحه إذ لم يؤثر ذلك بل جاء في حديث بن عباس النهي عنه ثم قال نعم قد ورد في شرع من قبلنا فان قلنا انه شرع لنا لم يكره الا انه لا يستحب قاله بن يونس قال وفيه نظر لان الماوردي قال روي عن بن عمر مرفوعا صمت الصائم تسبيح قال فان صح دل على مشروعية الصمت والا فحديث بن عباس أقل درجاته الكراهة قال وحيث قلنا ان شرع من قبلنا شرع لنا فذاك إذا لم يرد فشرعنا ما يخالفه انتهى وهو كما قال وقد ورد النهي والحديث المذكور لا يثبت وقد أورده صاحب
[ 114 ]
مسند الفردوس من حديث بن عمر وفي إسناده الربيع بن بدر وهو ساقط ولو ثبت لما افاد المقصود لان لفظه صمت الصائم تسبيح ونومه عبادة ودعاؤه مستجاب فالحديث مساق في ان افعال الصائم كلها محبوبة لا ان الصمت بخصوصه مطلوب وقد قال الروياني في البحر في اخر الصيام فرع جرت عادة الناس بترك الكلام في رمضان وليس له أصل في شرعنا بل في شرع من قبلنا فيخرج جواز ذلك على الخلاف في المسألة انتهى وليتعجب ممن نسب تخريج مسألة النذر إلى نفسه من المتأخرين واما الاحاديث الواردة في الصمت وفضله كحديث من صمت نجا أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وحديث أيسر العبادة الصمت أخرجه بن أبي الدنيا بسند مرسل رجاله ثقات إلى غير ذلك فلا يعارض ما إجزبه الشيخ أبو إسحاق من الكراهة لاختلاف المقاصد في ذلك فالصمت المرغب فيه ترك الكلام الباطل وكذا المباح ان جر إلى شئ من ذلك والصمت المنهي عنه ترك الكلام في الحق لمن يستطيعه وكذا المباح المستوي الطرفين والله اعلم قوله انك بكسر الكاف قوله لسئول أي كثيرة السؤال وهذه الصيغة يستوي فيها المذكر والمؤنث قوله ما بقاؤنا على هذا الامر الصالح أي دين الاسلام وما اشتمل عليه من العدل واجتماع الكلمة ونصر المظلوم ووضع كل شئ في محله قوله ما استقامت بكم في رواية الكشميهني لكم قوله ائمتكم أي لان الناس على دين ملوكهم فمن حاد من الائمة عن الحال مال وامال الحديث الخامس حديث عائشة في قصة المرأة السوداء لم اقف على اسمها وذكر عمر بن شبة في طريق له انها كانت بمكة وانه لما وقع لها ذلك هاجرت إلى المدينة قوله وكان لها حفش بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة هو البيت الضيق الصغير وقال أبو عبيدة الحفش هو الدرج في الاصل ثم سمي به البيت الصغير لشبهه به في الضيق قوله وازت أي قابلت وقد تقدم شرح هذه القصة في أبواب المساجد من كتاب الصلاة ووجه دخولها هنا من جهة ما كان عليه أهل الجاهلية من الجفاء في الفعل والقول السادس حديث بن عمر في النهي عن الحلف بالآباء وسيأتي شرحه في كتاب الايمان والنذور السابع قوله ان القاسم هو بن محمد بن أبي بكر الصديق قوله ولا يقوم لها أي الجنازة قوله كان أهل الجاهلية يقومون لها ظاهره ان عائشة لم يبلغها أمر الشارع بالقيام لها فرأت ان ذلك من الامور التي كانت في الجاهلية وقد جاء الاسلام بمخالفتهم وقد قدمت في الجنائز بيان الاختلاف في المسألة وهل نسخ هذا الحكم أم لا وعلى القول بأنه نسخ هل نسخ الوجوب وبقي الاستحباب أم لا أو مطلق الجواز واختار بعض الشافعية الاخير وأكثر الشافعية على الكراهة وادعى المحاملي فيه على الاتفاق وخالف المتولي فقال يستحب واختاره النووي وقال هذا من جملة الاحكام التي استدركتها عائشة على الصحابة لكن كان جانبهم فيها أرجح قوله كنت في أهلك ما أنت مرتين أي يقولون ذلك مرتين وما موصولة وبعض الصلة محذوف والتقدير كنت في أهلك الذي كنت فيه أي الذي أنت فيه الان كنت في الحياة مثله لانهم كانوا لا يؤمنون بالبعث بل كانوا يعتقدون ان الروح إذا خرجت تطير طيرا فان كان ذلك من أهل الخير كان روحه من
[ 115 ]
صالحي الطير والا فبالعكس ويحتمل ان يكون قولهم هذا دعاء للميت ويحتمل ان تكون ما نافية ولفظ مرتين من تمام الكلام أي لا تكوني في أهلك مرتين المرة الواحدة التي كنت فيهم انقضت ولست بعائدة إليهم مرة أخرى ويحتمل ان تكون ما استفهامية أي كنت في أهلك شريفة فأي شئ أنت الان يقولون ذلك حزنا وتأسفا عليه الثامن حديث عمر في قولهم اشرق ثبير وقد تقدم شرحه في كتاب الحج مستوفى وقوله حتى تشرق الشمس قال بن التين ضبط بفتح أوله وضم الراء والمعروف بضم أوله وكسرها التاسع قوله حدثكم يحيى بن المهلب هو البجلي يكنى أبا كدينة بالتصغير والنون وهو كوفي موثق ماله في البخاري سوى هذا الموضع قوله ملاى متتابعة كذا جمع بينهما وهما قولان لاهل اللغة تقول ادهقت الكأس إذا ملاتها وادهقت له إذا تابعت له السقي وقيل أصل الدهق الضغط والمعنى انه ملا اليد بالكأس حتى لم يبق فيها متسع لغيرها قوله قال وقال بن عباس القائل هو عكرمة وهو موصول بالاسناد المذكور قوله سمعت أبي هو العباس بن عبد المطلب قوله في الجاهلية أي وقع سماعي لذلك منه في الجاهلية والمراد بها جاهلية نسبية لا المطلقة لان بن عباس لم يدرك ما قبل البعثة بل لم يولد الا بعد البعث بنحو عشر سنين فكأنه أراد انه سمع العباس يقول ذلك قبل ان يسلم قوله اسقنا كأسا دهاقا في رواية الاسماعيلي من وجه اخر عن حصين عن عكرمة عن بن عباس سمعت أبي يقول لغلامه ادهق لنا أي املا لنا أو تابع لنا انتهى وهو بمعنى ما ساقه البخاري الحديث العاشر قوله سفيان هو الثوري قوله عن عبد الملك هو بن عمير ولاحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري حدثنا عبد الملك بن عمير ولمسلم من هذا الوجه عن عبد الملك حدثنا أبو سلمة وله من طريق إسرائيل عن عبد الملك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن سمعت أبا هريرة قوله اصدق كلمة قالها الشاعر يحتمل ان يريد بالكلمة البيت الذي ذكر شطره ويحتمل ان يريد القصيدة كلها ويؤيد الاول رواية مسلم من طريق شعبة وزائدة فرقهما عن عبد الملك بلفظ ان اصدق بيت قاله الشاعر وليس في رواية شعبة ان ووقع عنده في رواية شريك عن عبد الملك بلفظ اشعر كلمة تكلمت بها العرب فلولا ان في حفظ شريك مقالا لرفع هذا اللفظ الاشكال الذي ابداه السهيلي على لفظ رواية الصحيح بلفظ اصدق إذ لا يلزم من لفظ اشعر ان يكون اصدق نعم السؤال باق في التعبير بوصف كل شئ بالبطلان مع اندراج الطاعات والعبادات في ذلك وهي حق لا محالة وكذا قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه بالليل أنت الحق وقولك الحق والجنة حق والنار حق الخ وأجيب عن ذلك بان المراد بقول الشاعر ما عدا الله أي ما عداه وعدا صفاته الذاتية والفعلية من رحمته وعذابه وغير ذلك فلذلك ذكر الجنة والنار أو المراد في البيت بالبطلان الفناء لا الفساد فكل شئ سوى الله جائز عليه الفناء لذاته حتى الجنة والنار وانما يبقيان بابقاء الله لهما وخلق الدوام لاهلهما والحق على الحقيقة من لا يجوز عليه الزوال ولعل هذا هو السر في اثبات الالف واللام في قوله أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق وحذفهما عند ذكر غيرهما والله اعلم وفي إيراد البخاري هذا الحديث في هذا الباب تلميح بما وقع لعثمان بن مظعون بسبب هذا البيت مع ناظمه لبيد بن ربيعة قبل إسلامه والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة وقريش في غاية الاذية للمسلمين فذكر بن إسحاق عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عمن حدثه عن عثمان بن مظعون انه لما رجع من الهجرة الاولى إلى الحبشة دخل مكة في جوار الوليد بن المغيرة فلما رأى
[ 116 ]
المشركين يؤذون المسلمين وهو امن رد على الوليد جواره فبينما هو في مجلس لقريش وقد وفد عليهم لبيد بن ربيعة فقعد ينشدهم من شعره فقال لبيد الا كل شئ ما خلا الله باطل فقال عثمان بن مظعون صدقت فقال لبيد وكل نعيم لا محالة زائل فقال عثمان كذبت نعيم الجنة لا يزول فقال لبيد متى كان يؤذى جليسكم يا معشر قريش فقام رجل منهم فلطم عثمان فاخضرت عينه فلامه الوليد على رد جواره فقال قد كنت في ذمة منيعة فقال عثمان ان عيني الاخرى لما أصاب أختها لفقيرة فقال له الوليد فعد إلى جوارك فقال بل ارضى بجوار الله تعالى قلت وقد اسلم لبيد بعد ذلك وهو بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر العامري ثم الكلابي ثم الجعفري يكنى أبا عقيل وذكره في الصحابة البخاري وابن أبي خيثمة وغيرهما وقال لعمر لما سأله عما قاله من الشعر في الاسلام قد ابدلني الله بالشعر سورة البقرة ثم سكن الكوفة ومات بها في خلافة عثمان وعاش مائة وخمسين سنة وقيل أكثر وهو القائل ولقد سئمت من الحياة وطولها * وسؤال هذا الناس كيف لبيد وهذا يعكر على من قال نه لم يقل شعرا منذ اسلم الا ان يريد القطع المطولة لا البيت والبيتين والله اعلم قوله وكاد أمية بن أبي الصلت ان يسلم اسم أبي الصلت ربيعة بن عوف بن عقدة بن غيرة بكسر المعجمة وفتح التحتانية بن عوف بن ثقيف الثقفي وقيل في نسبه غير ذلك أبو عثمان كان ممن طلب الدين ونظر في الكتب ويقال انه ممن دخل في النصرانية وأكثر في شعره من ذكر التوحيد والبعث يوم القيامة وزعم الكلاباذي انه كان يهوديا وروى الطبراني من حديث معاوية بن أبي سفيان عن أبيه انه سافر مع أمية فذكر قصته وانه سأله عن عتبة بن ربيعة وعن سنه ورياسته فأعلمه انه متصف بذلك فقال ازري به ذلك فغضب أبو سفيان فأخبره أمية انه نظر في الكتب ان نبيا يبعث من العرب اظل زمانه قال فرجوت ان اكونه قال ثم نظرت فإذا هو من بني عبد مناف فنظرت فيهم فلم ار مثل عتبة فلما قلت لي انه رئيس وانه جاوز الاربعين عرفت انه ليس هو قال أبو سفيان فما مضت الايام حتى ظهر محمد صلى الله عليه وسلم فقلت لامية قال نعم انه لهو قلت أفلا نتبعه قال استحي من نسيات ثقيف اني كنت أقول لهن انني انا هو ثم اصير تابعا لغلام من بني عبد مناف وذكر أبو الفرج الاصبهاني انه قال عند موته انا اعلم ان الحنيفية حق ولكن الشك بداخلي في محمد وروى الفاكهي وابن منده من حديث بن عباس ان الفارعة بنت أبي الصلت أخت أمية اتت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته من شعره فقال امن شعره وكفر قلبه وروى مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال ردفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل معك من شعر أمية قلت نعم فانشدته مائة بيت فقال لقد كاد ان يسلم في شعره وروى بن مردوية بإسناد قوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال في قوله تعالى واتل عليهم نبا الذي اتيناه فانسلخ منها قال نزلت في أمية بن أبي الصلت وروى من أوجه انها نزلت في بلعام الاسرائيلي وهو المشهور وعاش أمية حتى أدرك وقعة بدر ورثى من قتل بها من الكفار كما سيأتي شئ من ذلك في أبواب الهجرة ومات أمية بعد بذلك سنة تسع وقيل مات سنة اثنتين ذكره سبط بن الجوزي واعتمد في ذلك ما نقله عن بن هشام ان أمية قدم من الشام على ان يأخذ ماله من الطائف ويهاجر إلى المدينة فنزل في طريقه ببدر قيل له أتدري من في القليب قال لا قيل فيه عتبة وشيبة وهما ابنا خالك وفلان وفلان فشق
[ 117 ]
ثيابه وجدع ناقته وبكى ورجع إلى الطائف فمات بها قلت ولا يلزم من قوله فمات بها ان يكون مات في تلك السنة وأغرب الكلاباذي فقال انه مات في حصار الطائف فان كان محفوظا فذلك سنة ثمان ولموته قصة طويلة أخرجها البخاري في تاريخه والطبراني وغيرهما الحديث الحادي عشر قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه أبو بكر عبد الحميد ويحيى بن سعيد هو الانصاري والاسناد كله مدنيون وفيه رواية القرين عن القرين ورواية الاكبر سنا عن الاصغر منه يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم وقد أخرجه البهيقي في الشعب من طريق جعفر الفريابي عن أحمد بن محمد المقدمي عن إسماعيل بن أبي أويس بهذا السند لكن قال فيه عن عبيد بن عمر بدل عبد الرحمن بن القاسم فلعل ليحيى بن سعيد فيه شيخين قوله كان لابي بكر غلام لم اقف على اسمه ووقع لابي بكر مع النعيمان بن عمرو أحد الاحرار من الصحابة قصة ذكرها عبد الرزاق بإسناد صحيح انهم نزلوا بماء فجعل النعيمان يقول لهم يكون كذا فيأتونه بالطعام فيرسله إلى اصحابه فبلغ أبا بكر فقال اراني أكل كهانة النعيمان منذ اليوم ثم ادخل يده في حلقه فاستقاءه وفي الورع لاحمد عن إسماعيل عن أيوب عن بن سيرين لم اعلم أحدا استقاء من طعام غير أبي بكر فإنه اتي بطعام فأكل ثم قيل له جاء به بن النعيمان قال فأطعمتموني كهانة بن النعيمان ثم استقاء ورجاله ثقات لكنه مرسل ولابي بكر قصة أخرى في نحو هذا أخرجها يعقوب بن أبي شيبة في مسنده من طريق نبيح العنزي عن أبي سعيد قال كنا ننزل رفاقا فنزلت في رفقة فيها أبو بكر على أهل أبيات فيهن امرأة حبلى ومعنا رجل فقال لها أبشرك ان تلدي ذكرا قالت نعم فسجع لها اسجاعا فأعطته شاة فذبحها وجلسنا نأكل فلما علم أبو بكر بالقصة قام فتقايأ كل شئ اكله قوله يخرج له الخراج أي يأتيه بما يكسبه والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه قوله يأكل من خراجه في رواية الاسماعيلي من وجه اخر من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم كان لابي بكر غلام فكان يجئ بكسبه فلا يأكل منه حتى يسأله فأتاه ليلة بكسبه فأكل منه ولم يسأله ثم سأله قوله كنت تكهنت لانسان في الجاهلية لم اعرف اسمه ويحتمل ان يكون المرأة المذكورة في حديث أبي سعيد قوله فأعطاني بذلك أي عوض تكهني له قال بن التين انما استقاء أبو بكر تنزها لان أمر الجاهلية وضع ولو كان في الاسلام لغرم مثل ما أكل أو قيمته ولم يكفه القئ كذا قال والذي يظهر ان أبا بكر انما قاء لما ثبت عنده من النهي عن حلوان الكاهن وحلوان الكاهن ما يأخذه على كهانته والكاهن من يخبر بما سيكون عن غير دليل شرعي وكان ذلك قد كثر في الجاهلية خصوصا قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الثاني عشر حديث بن عمر في حبل الحبلة وقد تقدم شرحه مستوفى في البيوع والغرض منه قوله انهم كانوا يتبايعونه في الجاهلية الحديث الثالث عشر حديث أنس الذي تقدم في أول مناقب الانصار وادخله هنا لقوله فعل قومك كذا يوم كذا لانه يحتمل ان يشير به إلى وقائعهم في الجاهلية كما يحتمل ان يشير به إلى وقائعهم في الاسلام أو لما هو أعم من ذلك وخاطب أنس غيلان بأن الانصار قومه وليس هو من الانصار لكن ذلك باعتبار النسبية الاعمية إلى الازد فإنها تجمعهم والله اعلم الحديث الرابع عشر حديث القسامة في الجاهلية بطوله وثبت عند أكثر الرواة عن الفريري هنا ترجمة القسامة في الجاهلية ولم يقع عند النسفي وهو أوجه لان الجميع من ترجمة أيام الجاهلية
[ 118 ]
ويظهر ذلك من الاحاديث التي أوردها تلو هذا الحديث قوله حدثنا قطن بفتح القاف والمهملة ثم نون هو بن كعب القطعي بضم القاف البصري ثقة عندهم وشيخه أبو يزيد المدني بصري أيضا ويقال له المديني بزيادة تحتانية ولعل أصله كان من المدينة ولكن لم يرو عنه أحد من أهل المدينة وسئل عنه مالك فلم يعرفه ولا يعرف اسمه وقد وثقه بن معين وغيره ولا له ولا للراوي عنه في البخاري الا هذا الموضع قوله ان أول قسامة بفتح القاف وتخفيف المهملة اليمين وهي في عرف الشرع حلف معين عند التهمة بالقتل على الاثبات أو النفي وقيل هي مأخوذة من قسمة الايمان على الحالفين وسيأتي بيان الاختلاف في حكمها في كتاب الديات ان شاء الله تعالى وقوله لفينا بني هاشم اللام للتأكيد وبني هاشم مجرور على البدل من الضمير المجرور ويحتمل ان يكون نصبا على التمييز أو على النداء بحذف الاداة قوله كان رجل من بني هاشم هو عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف جزم بذلك الزبير بن بكار قي هذه القصة فكأنه نسب هذه الرواية إلى بني هاشم مجازا لما كان بين بني هاشم وبني المطلب من المودة والمؤاخاة والمناصرة وسماه بن الكلبي عامر ا قوله استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى كذا في رواية الاصيلي وأبي ذر وكذا أخر جه الفاكهي من وجه اخر عن أبي معمر شيخ البخاري فيه وفي رواية كريمة وغيرها استأجر رجلا من قريش وهو مقلوب والاول هو الصواب والفخذ بكسر المعجمة وقد تسكن وجزم الزبير بن بكار بأن المستأجر المذكور هو خداش بمعجمتين ودال مهملة بن عبد الله بن أبي قيس العامري قوله فمر به أي بالاجير رجل من بني هاشم لم اقف على اسمه وقوله عروة جوالقه بضم الجيم وفتح اللام الوعاء من جلود وثياب وغيرها فارسي معرب واصله كواله وجمعه جواليق وحكي جوالق بحذف التحتانية والعقال الحبل قوله فأين عقاله قال فحذفه كذا في النسخ وفيه حذف يدل على سياق الكلام وقد بينته رواية الفاكهي فقال مر بي رجل من بني هاشم قد انقطع عروة جوالقه واستغاث بي فأعطيته فحذفه أي رماه قوله كان فيها أجله أي أصاب مقتله وقوله فمات أي اشرف على الموت بدليل قوله فمر به رجل من أهل اليمن قبل ان يقضي ولم اقف على اسم هذا المار أيضا قوله اتشهد الموسم أي موسم الحج قوله فكتب بالمثناة ثم الموحدة ولغير أبي ذر والاصيلي بضم الكاف وسكون النون ثم المثناة والاول أوجه وفي رواية الزبير بن بكار فكتب إلى أبي طالب يخبره بذلك ومات منها وفي ذلك يقول أبو طالب افي فضل حبل لا ابالك ضربه بمنسأة قد جاء حبل واحبل قوله يا آل قريش بإثبات الهمزة وبحذفها على الاستغاثة قوله قتلني في عقال أي بسبب عقال قوله ومات المستأجر بفتح الجيم أي بعد ان اوصى اليماني بما اوصاه به قوله فوليت بكسر اللام وفي رواية بن الكلبي فقال اصابه قدره فصدقوه ولم يظنوا به غير ذلك وقوله وافى الموسم أي أتاه قوله يا بني هاشم في رواية الكشميهني يا آل بني هاشم قوله من أبو طالب في رواية الكشميهني أين أبو طالب زاد بن الكلبي فأخبره بالقصة وخداش يطوف بالبيت لا يعلم بما كان
[ 119 ]
فقام رجال من بني هاشم إلى خداش فضربوه وقالوا قتلت صاحبنا فجحد قوله اختر منا إحدى ثلاث يحتمل ان تكون هذه الثلاث كانت معروفة بينهم ويحتمل ان تكون شيئا اخترعه أبو طالب وقال بن التين لم ينقل انهم تشاوروا في ذلك ولا تدافعوا فدل على انهم كانوا يعرفون القسامة قبل ذلك كذا قال وفيه نظر لقول بن عباس راوي الحديث انها أول قسامة ويمكن ان يكون مراد بن عباس الوقوع وان كانوا يعرفون الحكم قبل ذلك وحكى الزبير بن بكار انهم تحاكموا في ذلك إلى الوليد بن المغيرة فقضى ان يحلف خمسون رجلا من بني عامر عند البيت ما قتله خداش وهذا يشعر بالاولية مطلقا قوله فأتته امرأة من بني هاشم هي زينب بنت علقمة أخت المقتو كانت تحت رجل منهم هو عبد العزى بن أبي قيس العامري واسم ولدها منه حويطب بمهملتين مصغر ذكر ذلك الزبير وقد عاش حويطب بعد هذا دهرا طويلا وله صحبة وسيأتي حديثه في كتاب الاحكام ونسبتها إلى بني هاشم مجازية والتقدير كانت زوجا لرجل من بني هاشم ويحتمل قولها فولدت له ولدا أي غير حويطب قوله ان تجيز ابني بالجيم والزاي أي تهبه ما يلزمه من اليمين وقولها ولا تصبر يمينه بالمهملة ثم الموحدة أصل الصبر الحبس والمنع ومعناه في الايمان الالزام تقول صبرته أي الزمته ان يحلف بأعظم الايمان حتى لا يسعه ان لا يحلف قوله حيث تصبر الايمان أي بين الركن والمقام قاله بن التين قال ومن هنا استدل الشافعي على انه لا يحلف بين الركن والمقام على أقل من عشرين دينارا نصاب الزكاة كذا قال ولا أدر ي كيف يستقيم هذا الاستدلال ولم يذكر أحد من أصحاب الشافعي ان الشافعي استدل لذلك بهذه القصة قوله فأتاه رجل منهم لم اقف على اسمه ولا على اسم أحد من سائر الخمسين الا من تقدم وزاد بن الكلبي ثم حلفوا عند الركن ان خداشا برئ من دم المقتول قوله فوالذي نفسي بيده قال بن التين كأن الذي أخبر بن عباس بذلك جماعة اطمأنت نفسه إلى صدقهم حتى وسعه ان يحلف على ذلك قلت يعني انه كان حين القسامة لم يولد ويحتمل ان يكون الذي أخبره بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمكن في دخول هذا الحديث في الصحيح قوله فما حال الحول أي من يوم حلفوا قوله ومن الثمانية وأربعين في رواية أبي ذر وفي الثمانية وعند الاصيلي والاربعين وقوله عين تطرف بكسر الراء أي تتحرك زاد بن الكلبي وصارت رباع الجميع لحويطب فبذلك كان أكثر من بمكة رباعا وروى الفاكهي من طريق بن أبي نجيح عن أبيه قال حلف ناس عند البيت قسامة على باطل ثم خرجوا فنزلوا تحت صخرة فانهدمت عليهم ومن طريق طاوس قال كان أهل الجاهلية لا يصيبون في الحرم شيئا الا عجلت لهم عقوبته ومن طريق حويطب ان امة في الجاهلية عاذت بالبيت فجاءتها سيدتها فجبذتها فشلت يدها وروينا في كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا في قصة طويلة في معنى سرعة الاجابة بالحرم للمظلوم فيمن ظلمه قال فقال عمر كان يفعل بهم ذلك في الجاهلية ليتناهوا عن الظلم لانهم كانوا لا يعرفون البعث فلما جاء الاسلام اخر القصاص إلى يوم القيامة وروى الفاكهي من وجه اخر عن طاوس قال يوشك ان لا يصيب أحد في الحرم شيئا الا عجلت له العقوبة فكأنه أشار إلى ان ذلك يكون في اخر الزمان عند قبض العلم وتناسي أهل ذلك الزمان أمور الشريعة فيعود الامر غريبا كما بدأ والله أعلم الحديث الخامس عشر قوله عن هشام هو بن عروة قوله يوم بعاث تقدم شرحه في أول مناقب الانصار وانه كان قبل البعث
[ 120 ]
على الراجح وقوله فيه وجرحوا بالجيم المضمومة ثم الحاء المهملة ولبعضهم وخر جوا بفتح المعجمة وتخفيف الراء بعدها جيم والاول أرجح وقد تقدم من تسمية من جرح منهم في تلك الوقعة حضير الكتائب والد اسيد فمات منها الحديث السادس عشر قوله قال بن وهب الخ وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق حرملة بن يحيى عن عبد الله بن وهب قوله ليس السعي أي شدة المشي قوله سنة في رواية الكشميهني بسنة قال بن التين خولف بن عباس في ذلك بل قالوا انه فريضة قلت لم يرد بن عباس أصل السعي وانما أراد شدة العدو وليس ذلك فريضة وقد تقدم في أحاديث الانبياء في ترجمة إبراهيم عليه السلام في قصة هاجر ان مبدأ السعي بين الصفا والمروة كان من هاجر وهو من رواية بن عباس أيضا فظهر ان الذي أراد ان مبدأه من أهل الجاهلية هي شدة العدو نعم قوله ليس بسنة ان أراد به انه لا يستحب فهو يخالف ما عليه الجمهور وهو نظير إنكاره استحباب الرمل في الطواف ويحتمل ان يريد بالسنة الطريقة الشرعية وهي تطلق كثيرا على المفروض ولم يرد السنة باصطلاح أهل الاصول وهو ما ثبت دليل مطلوبيته من غير تأثيم تاركه قوله لا نجيز بضم أوله أي لانقطع والبطحاء مسيل الوادي تقول جزت الموضع إذا سرت فيه واجزته إذا خلفته وراءك وقيل هما بمعنى وقوله الا شدا أي لانقطعها الا بالعدو الشديد الحديث السابع عشر قوله أخبرنا مطرف بالمهملة وتشديد الراء هو بن طريف بالمهملة أيضا الكوفي وأبو السفر بفتح المهملة والفاء هو سعيد بن يحمد بالتحتانية المضمومة والمهملة الساكنة كوفي أيضا قوله يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم واسمعوني بهمزة قطع أي اعيدوا على قولي لاعرف انكم حفظتموه كأنه خشي ان لا يفهموا ما أراد فيخبروا عنه بخلاف ما قال فكأنه قال اسمعوا مني سماع ضبط واتقان ولا تقولوا قال من قبل ان تضبطوا قوله من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر في رواية بن أبي عمر عن سفيان وراء الجدر والمراد به الحجر والسبب فيه ان الذي يلي البيت إلى جهة الحجر من البيت وقد تقدم بيانه وما زقيل في مقداره في أوائل كتاب الحج قوله ولا تقولوا الحطيم في رواية سعيد بن منصور عن خديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن أبي السفر في هذه القصة فقال رجل ما الحطيم فقال بن عباس انه لاحطيم كان الرجل الخ زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق خالد الطحان عن مطرف فان أهل الجاهلية كانوا يسمونه أي الحجر الحطيم كانت فيه اصنام قريش وللفاكهي من طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر نحوه وقال كان أحدهم إذا أراد ان يحلف وضع محجنه ثم حلف فمن طاف فليطف من ورائه قوله كان يحلف بالحاء المهملة الساكنة وتخفيف اللام المكسورة وفي رواية خالد الطحان المذكورة كان إذا حلف بضم المهملة وتشديد اللام والاول أوجه والمعنى انهم كانوا إذا حالف بعضهم بعضا ألقى الحليف في الحجر نعلا أو سوطا أو قوسا أو عصا علامة لقصد حلفهم فسموه الحطيم لذلك لكونه يحطم امتعتهم وهو فعيل بمعنى فاعل ويحتمل ان يكون ذلك كان شأنهم إذا أرادوا ان يحلفوا على نفي شئ وقيل انما سمي الحطيم لان بعضهم كان إذا دعا على من ظلمه في ذلك الموضع هلك وقال بن الكلبي سمي الحجر حطيما لما تحجر عليه أو لانه قصر به عن ارتفاع البيت واخرج عنه فعلى هذا فعيل بمعنى مفعول أو لان الناس يحطم فيه بعضهم بعضا من الزحام عند الدعاء فيه وقال زغيره الحطيم هو بئر الكعبة التي كان يلقى فيها ما يهدى لها وقيل الحطيم بين الركن الاسود والمقام وقيل من أول الركن
[ 121 ]
الاسود إلى أول الحجر يسمى الحطيم وحديث بن عباس حجة في رد أكثر هذه الاقوال زاد في رواية خديج ولكنه الجدر بفتح الجيم وسكون المهملة وهو من البيت ووقع عند الاسماعيلي والبرقاني في اخر الحديث عن بن عباس وايما صبي حج به أهله فقد قضي حجه ما دام صغيرا فإذا بلغ فعليه حجة أخرى وايما عبد حج به أهله الحديث وهذه الزيادة عند البخاري أيضا في غير الصحيح وحذفها منه عمدا لعدم تعلقها بالترجمة ولكونها موقوفة واما أول الحديث فهو وان كان موقوفا من حديث بن عباس الا ان الغرض منه حاصل بالنسبة لنقل بن عباس ماكان في الجاهلية مما رآه النبي صلى الله عليه وسلم فأقره أو ازاله فمهما لم ينكره واستمرت مشروعيته فيكون له حكم المرفوع ومهما أنكره فالشرع بخلافه الحديث الثامن عشر قوله حدثنا نعيم بن حماد في رواية بعضهم حدثنا نعيم غير منسوب وهو المروزي نزيل مصر وقل ان يخرج له البخاري موصولا بل عادته ان يذكر عنه بصيغة التعليق ووقع في رواية القابسي حدثنا أبو نعيم وصوبه بعضهم وهو غلط قوله عن حصين في رواية البخاري في التاريخ في هذا الحديث حدثنا حصين فأمن بذلك ما يخشى من تدليس هشيم الراوي عنه وقرن فيه أيضا مع حصين أبا المليح قوله رأيت في الجاهلية قردة بكسر القاف وسكون الراء واحدة القرود وقوله اجتمع عليها قردة بفتح الراء جمع قرد وقد ساق الاسماعيلي هذه القصة من وجه اخر مطولة من طريق عيسى بن حطان عن عمرو بن ميمون قال كنت في اليمن في غنم لاهلي وانا على شرف فجاء قرد مع قردة فتوسد يدها فجاء قرد أصغر منه فغمزها فسلت يدها من تحت رأس القرد الاول سلا رقيقا وتبعته فوقع عليها وانا انظر ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد الاول برفق فاستيقظ فزعا فشمها فصاح فاجتمعت القرود فجعل يصيح ويومئ إليها بيده فذهب القرود يمنة ويسرة فجاءوا بذلك القرد اعرفه فحفروا لهما حفرة فرجموهما فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم قال بن التين لعل هؤلاء كانوا من نسل الذين مسخوا فبقي فيهم ذلك الحكم ثم قال ان الممسوخ لا ينسل قلت وهذا هو المعتمد لما ثبت في صحيح مسلم ان الممسوخ لا نسل له وعنده من حديث بن مسعود مرفوعا ان الله لم يهلك قوما فيجعل لهم نسلا وقد ذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن العربي إلى ان الموجود من القردة من نسل الممسوخ وهو مذهب شاذ اعتمد من ذهب إليه على ما ثبت أيضا في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم لما اتي بالضب قال لعله من القرون التي مسخت وقال في الفأر فقدت امة من بني إسرائيل لااراها الا الفأر وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل ان يوحى إليه بحقيقة الامر في ذلك ولذلك لم يأت الجزم عنه بشئ من ذلك بخلاف النفي فإنه جزم به كما في حديث بن مسعود ولكن لا يلزم ان تكون القرود المذكورة من النسل فيحتمل ان يكون الذين مسخوا لما صاروا على هيئة القردة مع بقاء افهامهم عاشرتهم القردة الاصلية للمشابهة في الشكل فتلقوا عنهم بعض ما شاهدوه من افعالهم فحفظوها وصارت فيهم واختص القرد بذلك لما فيه من الفطنة الزائدة على غيره من الحيوان وقابلية التعليم لكل صناعة مما ليس لاكثر الحيوان ومن خصاله انه يضحك ويطرب ويحكي ما يراه وفيه من شدة الغيرة ما يوازي الآدمي ولا يتعدى أحدهم إلى غير زوجته فلا يدع في الغالب ان يحملها ما ركب فيها من الغيرة على عقوبة من اعتدى إلى ما لم يختص به من الانثى ومن خصائصه ان الانثى تحمل أولادها كهيئة الآدمية وربما مشي القرد
[ 122 ]
على رجليه لكن لا يستمر على ذلك ويتناول الشئ بيده ويأكل بيده وله أصابع مفصلة إلى انامل واظفار ولشفر عينيه اهداب وقد استنكر بن عبد البر قصة عمرو بن ميمون هذه وقال فيها إضافة الزنا إلى غير مكلف وإقامة الحد على البهائم وهذا منكر عند أهل العلم قال فان كانت الطريق صحيحة فلعل هؤلاء كانوا من الجن لانهم من جملة المكلفين وانما قال ذلك لانه تكلم على الطريق التي أخرجها الاسماعيلي حسب وأجيب بأنه لا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا والرجم ان يكون ذلك زنا حقيقة ولاحدا وانما اطلق ذلك عليه لشبهه به فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف على الحيوان وأغرب الحميدي في الجمع بين الصحيحين فزعم ان هذا الحديث وقع في بعض نسخ البخاري وان أبا مسعود وحده ذكره في الاطراف قال وليس في نسخ البخاري أصلا فلعل من الاحاديث المقحمة في كتاب البخاري وما قاله مردود فان الحديث المذكور في معظم الاصول التي وقفنا عليها وكفي بإيراد أبي ذر الحافظ له عن شيوخه الثلاثة الائمة المتقنين عن الفربري حجة وكذا إيراد الاسماعيلي وأبي نعيم في مستخرجيهما وأبي مسعود له في اطرافه نعم سقط من رواية النسفي وكذا الحديث الذي بعده ولا يلزم من ذلك أن لا يكون في رواية الفربري فإن روايته تزيد على رواية النسفي عدة أحاديث قد نبهت على كثير منها فيما مضى وفيما سيأتي ان شاء الله تعالى واما تجويزه ان يزاد في صحيح البخاري ما ليس منه فهذا ينافي ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاري في كتابه ومن اتفاقهم على انه مقطوع بنسبته إليه وهذا الذي قاله تخيل فاسد يتطرق منه عدم الوثوق بجميع ما في الصحيح لانه إذا جاز في واحد لا بعينه جاز في كل فرد فرد فلا يبقى لاحد الوثوق بما في الكتاب المذكور واتفاق العلماء ينافي ذلك والطريق التي أخرجها البخاري دافعة لتضعيف بن عبد البر للطريق التي أخرجها الاسماعيلي وقد اطنبت في هذا الموضع لئلا يغتر ضعيف بكلام الحميدي فيعتمده وهو ظاهر الفساد وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب الخيل له من طريق الاوزاعي ان مهرا انزي على أمه فامتنع فأدخلت في بيت وجللت بكساء وانزي عليها فنزى فلما شم ريح أمه عمد إلى ذكره فقطعه باسنانه من أصله فإذا كان هذا الفهم في الخيل مع كونها ابعد في الفطنة من القرد فجوازها في القرد أولى الحديث التاسع عشر الله عز وجلقوله عن عبيد الله بالتصغير وهو بن أبي يزيد المكي قوله عن بن عباس في نسخة أنس وهو غلط قوله خلال من خلال الجاهلية أي من خصال قوله الطعن في الانساب أي القدح من بعض الناس في نسب بعض بغير علم قوله والنياحة أي على الميت وقد تقدم ذكر حكمها في كتاب الجنائز في باب ما يكره من النياحة على الميت وقد تقدم هناك الكلام على حديث أنس ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية قوله ونسي الثالثة وقع في رواية بن أبي عمر عن سفيان ونسي عبيد الله الثالثة فعين الناسي أخرجه الاسماعيلي قوله ويقولون انها الاستسقاء بالانواء أي يقولون مطرنا بنوء كذا وقد تقدم شرح ذلك في كتاب الاستسقاء ووقع عند أبي نعيم من رواية شريح بن يونس عن سفيان مدرجا ولفظه والانواء ولم يقل ونسي الخ ومن رواية عبد الجبار بن العلاء عن سفيان بدل قوله ونسي الثالثة والتفاخر بالاحساب وهو وهم منهما لما بينته رواية بن أبي عمر وعلى شيخ البخاري فيه هو بن المديني وقد جاء من حديث أنس ذكر هذه
[ 123 ]
الثلاثة وهي الطعن والنياحة والاستسقاء أخرجه أبو يعلى بإسناد قوي وجاء عن بن عباس من وجه اخر ذكر فيه الخصال الاربع أخرجه بن عدي من طريق عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عنه والمحفوظ في هذا ما أخرجه مسلم وابن حبان وغيرهما من طريق أبان بن يزيد وغيره عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي مالك الاشعري مرفوعا بلفظ أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الاحساب والطعن في الانساب والاستسقاء بالانواء والنياحة خاتمة اشتملت أحاديث المناقب وما اتصل بها من ذكر بعض ما وقع قبل البعث من الاحاديث المرفوعة على مائتي حديث وثلاثة وثلاثين حديثا المعلق مها ثلاثة وثلاثون طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وثمانية وثلاثون حديثا والخالص خمسة وتسعون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة كان أبو بكر في الغار وحديث بن عباس فيه وحديث أبي سعيد فيه وحديث بن عمر كنا نخير وحد يث بن الزبير لو كنت متخذا خليلا وحديث عمار وما معه الا خمسة وحديث أبي الدرداء قد غامر وحديث عائشة في طرف من حديث السقيفة وحديث علي خير الناس وحديث عبد الله بن عمرو أشد ما صنع المشركون وحديث بن مسعود ما زلنا اعزة وحديث بن عمر في شأن عمر وحديث عبد الله بن هشام فيه وحديث عثمان ما بايعت وحديث علي اقضوا كما كنتم تقضون وحديث أبي هريرة في جعفر وحديث بن عمر فيه وحديث أبي بكر ارقبوا وحديثه لقرابة رسول الله احب الي وحديث عثمان في الزبير وحديث بن عباس فيه وحديث الزبير في اليرموك وحديث طلحة وسعد وحديث مس يد طلحة وحديث سعد في إسلامه وحديث بن عمر في بن أسامة وحديث أسامة اني احبهما وحديث أنس في الحسين وحديثه في الحسن وحديث بن عمر فيهما وحديث عمر في بلال وحديث حذيفة في بن مسعود وحديث معاوية في الوتر وحديث بن عباس في عائشة وحديث عمار فيها وحديث أنس في الانصار وحديث زيد بن أرقم فيهم وحديث سعد في عبد الله بن سلام وحديث بن سلام مع أبي بردة وحديث بن عمر وحديث بن عمر في زيد بن عمرو وحديث أسماء فيه وحديث بن الزبير في بناء المسجد الحرام وحديث جد سعيد بن المسيب وحديث أبي بكر مع امرأة من احمس وحديث عائشة في القيام للجنازة وحديث بن عباس في كأسا دهاقا وحديث أبي بكر مع الذي تكهن وحديث بن عباس في القسامة وحديثه في السعي وحديثه في الحطيم وحديث عمرو بن ميمون في القردة وحديث بن عباس ثلاث من خلال الجاهلية فجعله ذلك اثنان وخمسون حديثا ما بين معلق وموصول فوافقه منها على ثلاثة وأربعين حديثا فقط والسبب في ذلك ان الكثير منها صورته انه موقوف وان كان قد يتمحل له حكم المرفوع ومسلم في الغالب يحرص على تخريج الاحاديث الصريحة في الرفع وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة عشر اثرا والله سبحانه وتعالى اعلم قوله باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم المبعث من البعث واصله الاثارة ويطلق على التوجيه في أمر ما رسالة أو حاجة ومنه بعثت البعير إذا اثرته من مكانه وبعثت العسكر إذا وجهتهم للقتال وبعثت النائم من نومه إذا ايقظته قد تقدم في أول الكتاب في الكلام على حديث عائشة كثير مما يتعلق بهذه الترجمة وساق المصنف هنا النسب الشريف
[ 124 ]
قوله محمد ذكر البهيقي في الدلائل بإسناد مرسل ان عبد المطلب لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم عمل له مأدبة فلما اكلوا سألوا ما سميته قال محمدا قالوا فما رغبت به عن أسماء أهل بيته قال أردت ان يحمده الله في السماء وخلقه في الارض قوله بن عبد الله لم يختلف في اسمه واختلف متى مات فقيل مات قبل ان يولد النبي صلى الله عليه وسلم وقيل بعد ان ولد والاول اثبت واختلف في مقدار عمره صلى الله عليه وسلم لما مات أبوه والراجح انه دون السنة قوله بن عبد المطلب اسمه شيبة الحمد عند الجمهور وزعم بن قتيبة ان اسمه عامر وسمي عبد المطلب واشتهر بها لان أباه لما مات بغزة كان خرج إليها تاجرا فترك أم عبد المطلب بالمدينة فاقامت عند أهلها من الخزرج فكبر عبد المطلب فجاء عمه المطلب فأخذه ودخل به مكة فرآه الناس مردفه فقالوا هذا عبد المطلب فغلبت عليه في قصة طويلة ذكرها بن إسحاق وغيره قوله بن هاشم اسمه عمرو وقيل له هاشم لانه أول من هشم الثريد بمكة لاهل الموسم ولقومه اولا في سنة المجاعة وفيه يقول الشاعر عمرو العلاهشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف قوله بن عبد مناف اسمه المغير روى السراج في تاريخه من طريق أحمد بن حنبل سمعت الشافعي يقول اسم عبد المطلب شيبة الحمد واسم هاشم عمرو واسم عبد مناف المغيرة واسم قصي زيد قوله بن قصي بصيغة التصغير تلقب بذلك لانه بعد عن ديار قومه في بلاد قضاعة في قصة طويلة ذكرها بن إسحاق قوله بن كلاب بكسر أوله وتخفيف اللام قال السهيلي هو منقول من المصدر الذي في معنى المكالبة تقول كالبت فلانا مكالبة وكلابا أو هو بلفظ جمع كلب كما تسمت العرب بسباع وانمار وغير ذلك انتهى وذكر بن سعد ان اسمه المهذب وزعم محمد بن سعد ان اسمه حكيم وقيل عروة وانه لقب كلابا لمحبته كلاب الصيد وكان يجمعها فمن مرت به فسأل عنها قيل له هذه كلاب بن مرة فلقب كلاباقوله بن مرة قال السهيلي منقول من وصف الحنظلة أو الهاء للمبالغة والمراد انه قوي قوله بن كعب قال السهيلي قيل سمي بذلك لستره على قومه ولين جانبه لهم منقول من كعب القدم وقال بن دريد من كعب القناة وكذا قال غيره سمي بذلك لارتفاعه على قومه وشرفه فيهم فلذلك كانوا يخضعون له حتى ارخوا بموته وهو أول من جمع قومه يوم الجمعة وكانوا يسمونه يوم العروبة حتى جاء الاسلام قوله بن لؤي قال بن الانباري هو تصغير لاى بوزن عصا واللاى هو الثور وقال السهيلي هو عندي لاى بوزن عبد وهو البطء ويؤيده قول الشاعر فدونكم بني لاى اخاكم * ودونك مالكا يا أم عمرو انتهى وهذا قد ذكره بن الانباري أيضا احتمالا وقد قال الاصمعي هو تصغير لواء الجيش زيدت فيه همزة قوله بن غالب لا اشكال فيه كما لا اشكال في مالك والنضر قوله بن فهر قيل هو قريش نقل الزبير عن الزهري ان أمه سمته به وسماه أبوه فهرا وقيل فهر لقبه وقيل بالعكس والفهر الحجر الصغير قوله بن كنانة هو بلفظ وعاء السهام إذا كانت من جلود قاله بن دريد ونقل عن أبي عامر العدواني انه قال رأيت كنانة بن خزيمة شيخا مسنا عظيم القدر تحج إليه العرب لعلمه وفضله بينهم قوله بن خزيمة تصغير خزمة بمعجمتين مفتوحتين وهي مرة واحدة من الخزم وهو شد
[ 125 ]
الشئ واصلاحه وقال الزجاجي يجوز ان يكون من الخزم بفتح ثم سكون تقول خزمته فهو مخزوم إذا أدخلت في انفه الخزام قوله بن مدركة اسمه عمرو عند الجمهور وقال بن إسحاق عامر قوله بن الياس بكسر الهمزة عند بن الانباري قال وهو افعال من قولهم أليس الشجاع الذي لا يفر قال الشاعر أليس كالنشوان وهو صاحي وقال غيره هو بهمزة وصل وهو ضد الرجاء واللام فيه للمح الصفة قاله قاسم بن ثابت وأنشد قول قصي امهتي خندف واليأس أبي قوله بن مضر قيل سمي بذلك لانه كان يحب شرب اللبن الماضر وهو الحامض وقيل سمي بذلك لبياضه وقيل لانه كان يمضر القلوب لحسنه وجماله قوله بن نزار هو من النزر أي القليل قال أبو الفرج الاصبهاني سمي بذلك لانه كان فريد عصره قوله بن معد بفتح الميم والمهملة وتشديد الدال قال بن الانباري يحتمل ان يكون مفعلا من العد أو هو من معد في الارض إذا افسد قال الشاعر وخاربين خربا فمعدا * وقيل غير ذلك قوله بن عدنان بوزن فعلان من العدن تقول عدن أقام وقد روى أبو جعفر بن حبيب في تاريخه المحبر من حديث بن عباس قال كان عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة واسد على ملة إبراهيم فلا تذكرو هم الا بخير وروى الزبير بن بكار من وجه اخر مرفوعا لاتسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين وله شاهد عند بن حبيب من مرسل سعيد بن المسيب تنبيه اقتصر البخار ي من النسب الشريف على عدنان وقد اخرج في التاريخ عن عبيد بن يعيش عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق مثل هذا النسب وزاد بعد عدنان بن ادد بن المقوم بن تارح بن يشجب بن يعرب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم وقد قدمت في أول الترجمة النبوية الاختلاف فيمن بين عدنان وإبراهيم وفيمن بين إبراهيم وآدم بما يغني عن الاعادة واخرج بن سعد من حديث بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان قوله حدثنا النضر هو بن شميل قوله عن هشام هو بن حسان قوله عن عكرمة في رواية روح عن هشام الآتية في الهجرة حدثنا عكرمة قوله انزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن أربعين هذا هو المقصود من هذا الحديث في هذا الباب وهو متفق عليه وقد مضى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم حديث أنس انه صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين وتقدم في بدء الوحي انه انزل عليه في شهر رمضان فعلى الصحيح المشهور ان مولده في شهر ربيع الاول يكون حين انزل عليه بن أربعين سنة وستة اشهر وكلام بن الكلبي يؤذن بأنه ولد في رمضان فإنه قال مات وله اثنتان وستون سنة ونصف سنة وقد اجمعوا على انه مات في ربيع الاول فيستلزم ذلك ان يكون ولد في رمضان وبه جزم الزبير بن بكار وهو شاذ وفي مولده أقوال اخر أشد شذوذا من هذا قوله بمكة ثلاث عشرة سنة هذا أصح مما رواه مسلم من طريق عمار بن أبي عمار عن بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة وسيأتي البحث في ذلك في أبواب الهجرة ان شاء الله تعالى قوله باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة أي من وجوه الاذى وذكر فيه أحاديث في المعنى وقد تقدم في ذكر الملائكة من بدء الخلق حديث عائشة انها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل اتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم فذكر قصته بالطائف وروى أحمد والترمذي وابن حبان من طريق حماد بسلمة عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله
[ 126 ]
عليه وسلم لقد اوذيت في الله وما يؤذى أحد واخفت في الله وما يخاف أحد الحديث واخرج بن عدي من حديث جابر رفعه ما اوذي أحد ما اوذيت ذكره في ترجمة يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر ويوسف ضعيف وقد استشكل بما جاء من صفات ما اوذي به الصحابة كما سيأتي لوثبت وهو محمول على معنى حديث أنس وقيل معناه انه اوحي إليه ما اوذي به من قبله فتأذى بذلك زيادة على ما آذاه قومه به وروى بن إسحاق من حديث بن عباس وذكر الصحابة فقال والله ان كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر ان يستوي جالسا من شدة الضر حتى يقولوا له اللات والعزى الهك من دون الله فيقول نعم وروى بن ماجة وابن حبان من طريق زر بن مسعود قال أول من أظهر إسلامه سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه واما أبو بكر فمنعه الله بقومه واما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم ادراع الحديد واوقفوهم في الشمس الحديث وأجيب بأن جميع ما اوذي به اصحابه كان يتأذى هو به لكونه بسببه واستشكل أيضا بما اوذي به الانبياء من القتل كما في قصة زكريا وولده يحيى ويجاب بأن المراد هنا غير ازهاق الروح ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الحديث الاول قوله حدثنا بيان هو بن بشر وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وخباب بالمعجمة والموحدتين الاولى ثقيلة قوله بردة كذا للاكثر بالتنوين وللكشميهني بالهاء والاول أرجح فقد تقدم في علامات النبوة من وجه اخر بلفظ بردة له قوله الا تدعوا الله لنا زاد في الرواية التي في المبعث الا تستنصر لنا قوله فقعد وهو محمر وجهه أي من اثر النوم ويحتمل ان يكون من الغضب وبه جزم بن التين قوله لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد كذا للاكثر بكسر الميم وللكشميهني امشاط هو جمع مشط بكسر الميم وبضمها يقال مشاط وامشاط كرماح وارماح وأنكر بن دريد الكسر في المفرد والاشهر في الجمع مشاط ورماح قوله ما دون عظامه من لحم أو عصب في الرواية الماضية ما دون لحمه من عظم أو عصب قوله ويوضع الميشار بكسر الميم وسكون التحتانية بهمز وبغير همز تقول وشرت الخشبة واشرتها ويقال فيه بالنون وهي اشهر في الاستعمال ووقع في الرواية الماضية يحفر له في الارض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار قال بن التين كان هؤلاء الذين فعل بهم ذلك أنبياء أو اتباعهم قال وكان في الصحابة من لو فعل به ذلك لصبر إلى ان قال وما زال خلق من الصحابة واتباعهم فمن بعدهم يؤذون في الله ولو أخذوا بالرخصة لساغ لهم قوله وليتمن الله هذا الامر بالنصب وفي الرواية الماضية والله ليتمن هذا الامر بالرفع والمراد بالامر الاسلام قوله زاد بيان والذئب على غنمه هذا يشعر بأن في الرواية الماضية ادراجا فإنه أخرجها من طريق يحيى القطان عن إسماعيل وحده وقال في اخرها ما يخاف الا الله والذئب على غنمه وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق محمد بن الصباح وخلاد بن اسلم وعبدة بن عبد الرحيم كلهم عن بن عيينة به مدرجا وطريق الحميدي أصح وقد وافقه بن أبي عمر أخرجه الاسماعيلي من طريقه مفصلا أيضا تنبيه قوله والذئب هو بالنصب عطفا على المستثنى منه لا المستثنى كذا جزم به الكرماني ولا يمتنع ان يكون عطفا على المستثنى والتقدير ولا يخاف الا الذئب على غنمه لان مساق الحديث انما هو للامن من عدوان بعض الناس على بعض كما كانوا في الجاهلية لا للامن من عدوان الذئب فان ذلك انما يكون في
[ 127 ]
اخر الزمان عند نزول عيسى الحديث الثاني حديث بن مسعود قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم فسجد سبق الكلام عليه في سجود القرآن من كتاب الصلاة ويأتي بقيته في تفسير سورة النجم وقد تقدم هناك تسمية الذي لم يسجد وزعم الواقدي ان ذلك كان في رمضان سنة خمس من المبعث تنبيه كان حق هذا الحديث ان يذكر في باب الهجرة إلى الحبشة المذكور بعد قليل فسيأتي فيها ان سجود المشركين المذكور فيه كان سبب رجوع من هاجر الهجرة الاولى إلى الحبشة لظنهم ان المشركين كلهم أسلموا فلما ظهر لهم خلاف ذلك هاجروا الهجرة الثانية الحديث الثالث حديثه في قصة عقبة بن أبي معيط والقائه سلا الجزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد وقد سبق الكلام عليه مستوفى في اواخر كتاب الوضوء تنبيه كانت هذه القصة بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة لان من جملة من دعى عليه عمارة بن الوليد أخو أبي جهل وقد ذكر بن إسحاق وغيره ان قريشا بعثوه مع عمرو بن العاص إلى النجاشي ليرد إليهم من هاجر إليه فلم يفعل واستمر عمار بالحبشة إلى ان مات تنبيه اخر أغرب الشيخ عماد الدين بن كثير فزعم ان الحديث الوارد عن خباب عند مسلم وأصحاب السنن شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا طرف من حديث الباب وان المراد انهم شكوا ما يلقونه من المشركين من تعذيبهم بحر الرمضاء وغيره فسألوه ان يدعو على المشركين فلم يشكهم أي لم يزل شكواهم وعدل إلى تسليتهم بمن مضى ممن قبلهم ولكن وعدهم بالنصر انتهى ويبعد هذا الحمل ان في بعض طرق حديث مسلم عند بن ماجة الصلاة في الرمضاء وعند أحمد يعني الظهر وقال إذا زالت الشمس فصلوا وبهذا تمسك من قال انه ورد في تعجيل الظهر وذلك قبل مشروعية الابراد وهو المعتمد والله اعلم تنبيه اخر عبد الله المذكور هو بن مسعود جزما وذكر بن التين ان الداودي قال الظاهر انه عبد الله بن مسعود لانهم في الاكثر انما يطلقون عبد الله غير منسوب عليه قلت وليس ذلك مطردا وانما يعرف ذلك من جهة الرواة وبسط ذلك مقرر في علوم الحديث وقد صنف فيه الخطيب كتابا حافلا سماه المجمل لبيان المهمل ووقع في شرح شيخنا بن الملقن ان الداودي قال لعله عبد الله بن عمرو لا بن عمر ثم تعقبه بأن البخاري صرح في كتاب الصلاة بأنه بن مسعود قلت ولم ار ما نسبه إلى الداودي في كلام غيره فالله اعلم الحديث الرابع حديث بن عباس في توبة القاتل وسيأتي شرحه في تفسير سورة النساء ان شاء الله تعالى والغرض منه هنا الاشارة إلى صنع المشركين بالمسلمين من قتل وتعذيب وغير ذلك سقط عنهم بالاسلام تنبيه قوله هنا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق كذا وقع في الرواية والذي في التلاوة ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق هكذا في سورة الفرقان وهي التي ذكرت في بقية الحديث فتعين انها المراد في أوله ويمكن الجواب عن ذلك والله اعلم الحديث الخامس والسادس حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وأبيه عمرو بن العاص على الاختلاف في ذلك قوله حدثنا عياش بن الوليد حدثنا الوليد بن مسلم عياش
[ 128 ]
شيخه بالتحتانية والمعجمة هو الرقام وله شيخ اخر لا ينسبه في غالب ما يخرج عنه قال الجياني وقع هنا عند الاصيلي غير مقيد وزعم بعضهم انه العباس بن الوليد بن مربد وهو بالموحدة والمهملة ثم نقل عن أبي زفر ان البخاري ومسلما ما اخرجا لابن مربد شيئا قال ولا اعلم له رواية عن الوليد بن مسلم قوله حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم في رواية علي بن المديني الآتية في تفسير غافر حدثني محمد بن إبراهيم قوله حدثني عروة كذا قال الوليد بن مسلم وخالفه أيوب بن خالد الحراني فقال عن الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة قال لعبد الله بن عمرو أخرجه الاسماعيلي وقول الوليد أرجح قوله سألت بن عمرو في رواية علي المذكورة قلت لعبد الله بن عمرو قوله بأشد شئ صنعه الخ هذا الذي أجاب به عبد الله بن عمرو يخالف ما تقدم في ذكر الملائكة من حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم قال لها وكان أشد ما لقيت من قومك فذكر قصته بالطائف مع ثقيف والجمع بينهما ان عبد الله بن عمرو استند إلى ما رواه ولم يكن حاضرا للقصة التي وقعت بالطائف وقد روى الزبير بن بكار والدارقطني في الافراد من طريق عبد الله بن عروة عن عروة حدثني عمرو بن عثمان عن أبيه عثمان قال أكثر ما نالت قإريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم اني رأيته يوما قال وذرفت عينا عثمان فذكر قصة يخالف سياقها حديث عبد الله بن عمرو هذا فهذا الاختلاف ثابت على عروة في السند لكن سنده ضعيف فان كان محفوظا حمل على التعدد وليس ببعيد لما سأبينه قوله يصلي في حجر الكعبة إذ اقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه في حديث عثمان المذكور كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويده في يد أبي بكر وفي الحجر عقبة بن أبي معيط وأبو جهل وأمية بن خلف فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسمعوه بعض ما يكره ثلاث مرات فلما كان في الشوط الرابع ناهضوه وأراد أبو جهل ان يأخذ بمجامع ثوبه فدفعته ودفع أبو بكر أمية بن خلف ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة فهذا السياق مغاير لحديث عبد الله بن عمرو وفي حديث عبد الله قول أبي بكر اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وفي حديث عثمان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم اما والله لا تنتهون حتى يحل بكم العقاب عاجلا فأخذتهم الرعدة الحديث وهذا يقوي التعدد قوله تابعه بن إسحاق قال حدثني يحيى بن عروة الخ وصله أحمد من طريق إبراهيم بن سعد والبزار من طريق بكر بن سليمان كلاهما عن بن إسحاق بهذا السند وفي أول سياقه من الزيادة قال حضرتهم وقد اجتمع اشرافهم في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل صبرنا عليه سفه احلامنا وشتم آباءنا وغير ديننا وفرق جماعتنا فبينما هم في ذلك إذ اقبل فاستلم الركن فلما مر بهم غمزوه وذكر انه قال لهم في الثالثة لقد جئتكم بالذبح وانهم قالوا له يا أبا القاسم ما كنت جاهلا فانصرف راشدا فانصرف فلما كان من الغد اجتمعوا فقالوا ذكرتم ما بلغ منكم حتى إذا اتاكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم كذلك إذ طلع فقالوا قوموا إليه وثبة رجل واحد قال فلقد رأيت رجلا منهم اخذ بمجامع ثيابه وقام أبو بكر دونه وهو يبكي فقال اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه قوله وقال عبدة عن هشام أي بن عروة عن أبيه قيل لعمرو بن العاص هكذا خالف هشام بن عروة اخاه يحيى بن عروة في الصحابي فقال يحيى عبد الله بن عمرو وقال هشام عمرو بن العاص ويرجح رواية يحيى موافقة محمد بن إبراهيم التيمي عن عروة على ان قول هشام غير مدفوع
[ 129 ]
لان له أصلا من حديث عمرو بن العاص بدليل رواية أبي سلمة عن عمرو الآتية عقب هذا فيحتمل ان يكون عروة سأله مرة وسأل أباه أخرى ويؤيده اختلاف السياقين وقد ذكرت ان عبد الله بن عروة رواه عن أبيه بإسناد اخر عن عثمان فلا مانع من التعدد نعم لم تتفق الرواة عن هشام على قوله عمرو بن العاص فان سليمان بن بلال وافق عبدة على ذلك وخالفهما محمد بن فليح فقال عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ذكره البهيقي قوله وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة حدثني عمرو بن العاص وصله البخاري في خلق افعال العباد من طريقه وأخرجه أبو يعلى وابن حبان عنه من وجه اخر عن محمد بن عمرو ولفظه ما رأيت قريشا أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا يوما اغروا به وهم في ظل الكعبة جلوس وهو يصلي عند المقام فقام إليه عقبة فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبتيه وتصايح الناس واقبل أبو بكر يشتد حتى اخذ بضبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه وهو يقول اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه فلما قضى صلاته مر بهم فقال والذي نفسي بيده ما أرسلت إليكم الا بالذبح فقال له أبو جهل يا محمد ما كنت جهولا فقال أنت منهم ويدل على التعدد أيضا ما أخرجه البهيقي في الدلائل من حديث بن عباس عن فاطمة عليها السلام قالت اجتمع المشركون في الحجر فقالوا إذا مر محمد ضربه كل رجل منا ضربة فسمعت ذلك فأخبرته فقال اسكتي يا بنية ثم خرج فدخل عليهم فرفعوا رؤوسهم ثم نكسوا قالت فأخذ قبضة من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال شاهت الوجوه فما أصاب رجلا منهم الاقتل يوم بدر كافرا وقد اخرج أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس قال لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حتى غشي عليه فقام أبو بكر فجعل ينادي ويلكم اتقتلون رجلاان يقول ربي الله فتركوه واقبلوا على أبي بكر وهذا من مراسيل الصحابة وقد أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن مطولا من حديث أسماء بنت أبي بكر انهم قالوا لها ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو سياق بن إسحاق المتقدم قريبا وفيه فأتى الصريخ إلى أبي بكر فقال أدرك صاحبك قالت فخرج من عندنا وله غدائر أربع وهو يقول ويلكم اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله فلهوا عنه واقبلوا إلى أبي بكر فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئا من غدائره الا رجع معه ولقصة أبي بكر هذه شاهد من حديث علي أخرجه البزار من رواية محمد بن علي عن أبيه انه خطب فقال من أشجع الناس فقالوا أنت قال اما اني ما بارزني أحد الا انصفت منه ولكنه أبو بكر لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذته قريش فهذا يجؤه وهذا يتلقاه ويقولون له أنت تجعل الآلهة الها واحدا فوالله ما دنا منا أحد الا أبو بكر يضرب هذا ويدفع هذا ويقول ويلكم اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله ثم بكى علي ثم قال أنشدكم الله امؤمن آل فرعون أفضل أم أبو بكر فسكت القوم فقال علي والله لساعة من أبي بكر خير منه ذاك رجل يكتم ايمانه وهذا يعلن بايمانه قوله باب إسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه ذكر فيه حديث عمار وقد تقدم شرحه في مناقب أبي بكر رضي الله عنه وعبد الله شيخه قال بن السكن في روايته حدثني عبد الله بن محمد فتوهم أبو علي الجياني انه أراد المسندي فقال لم يصنع شيئا قلت وفي كلامه نظر فقد وقع في تفسير التوبة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن معين لكن عمدة الجياني هنا ان أبا نصر الكلاباذي جزم بأن عبد الله هنا هو بن حماد الآملي وكذا وقع في رواية أبي ذر الهروي منسوبا
[ 130 ]
وهو عبد الله بن حماد وهو من اقران البخاري بل هو أصغر منه فلقد لقي البخاري يحيى بن معين وهو اقدم من بن معين وبيان هو بن بشر ووبرة بفتح الواو والموحدة واكتفى بهذا الحديث لانه لم يجد شيئا على شرطه غيره وفيه دلالة على قد م إسلام أبي بكر إذ لم يذكر عمار انه رأى مع النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال غيره وقد اتفق الجمهور على ان أبا بكر أول من اسلم من الرجال وذكر بن إسحاق انه كان يتحقق انه سيبعث لما كان يسمعه ويرى من أدلة ذلك فلما دعاه بادر إلى تصديقه من أول وهلة تنبيه كان حق هذا الباب ان يكون متقدما جدا اما في باب المبعث أو عقبه لكن وجهه هنا ما وقع في حديث عمرو بن العاص الذي قبله انه قام بنصر النبي صلى الله عليه وسلم وتلا الآية المذكورة فدل على ان إسلامه متقدم على غيره بحيث ان عمارا مع تقدم إسلامه لم ير مع النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر وبلال وعنى بذلك الرجال وبلال انما اشتراه أبو بكر لينقذه من تعذيب المشركين لكونه اسلم قوله باب إسلام سعد ذكر فيه حديثه وقد تقدم شرحه في مناقبه مستوفى ومناسبته لما قبله واجتماعهما في ان كلا منهما يقتضي سبق من ذكر فيه إلى الاسلام خاصة لكنه محمول على ما اطلع عليه والا فقد اسلم قبل إسلام بلال وسعد وخديجة وزيد بن حارثة وعلي بن أبي طالب وغيرهم قوله باب ذكر الجن تقدم الكلام على الجن في أوائل بدء الخلق بما يغني عن اعادته قوله وقول الله عزوجل قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن الآية يريد تفسير هذه الآية وقد انكر بن عباس انهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الصلاة من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال ما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم الحديث وحديث أبي هريرة في هذا الباب وان كان ظاهرا في اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بالجن وحديثه معهم لكنه ليس فيه انه قرأ عليهم ولا انهم الجن الذين استمعوا القرآن لان في حديث أبي هريرة انه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلتئذ وأبو هريرة انما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة المدينة وقصة استماع الجن للقران كان بمكة قبل الهجرة وحديث بن عباس صريح في ذلك فيجمع بين ما نفاه وما أثبته غيره بتعدد وفود الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فأما ما وقع في مكة فكان لاستماع القران والرجوع إلى قومهم منذرين كما وقع في القران واما في المدينة فللسؤال عن الاحكام وذلك بين في الحديثين المذكورين ويحتمل ان يكون القدوم الثاني كان أيضا بمكة وهو الذي يدل عليه حديث بن مسعود كما سنذكره واما حديث أبي هريرة فليس فيه تصريح بأن ذلك وقع بالمدينة ويحتمل تعدد القدوم بمكة مرتين وبالمدينة أيضا قال البهيقي حديث بن عباس حكى ما وقع في أول الامر عندما علم الجن بحاله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب معه وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود انتهى وأشار بذلك إلى ما أخرجه أحمد والحاكم من طريق زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخل فلما سمعوه قالوا انصتوا وكانوا سبعة أحدهم زوبعة قلت وهذا يوافق حديث بن عباس واخرج مسلم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة قال قلت لعبد الله بن مسعود هل صحب أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال لا ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا اغتيل استطير فبتنا شر ليلة فلما كان عند السحر إذا نحن به يجئ من قبل
[ 131 ]
حراء فذكرنا له فقال أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وقول بن مسعود في هذا الحديث انه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم أصح مما رواه الزهري أخبرني أبو عثمان بن شيبة الخزاعي انه سمع بن مسعود يقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه وهو بمكة من احب منكم ان ينظر الليلة اثر الجن فليفعل قال فلم يحضر منهم أحد غيري فلما كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني ان اجلس فيه ثم انطلق ثم قرأ القرآن فغشيته اسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انطلقوا وفرغ منهم مع الفجر فانطلق الحديث قال البهيقي يحتمل ان يكون قوله في الصحيح ما صحبه منا أحد أراد به في حال اقرائه القرآن لكن قوله في الصحيح انهم فقدوه يدل على انهم لم يعلموا بخروجه الا ان يحمل على ان الذي فقده غير الذي خرج معه فالله اعلم ولرواية الزهري متابع من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن بن مسعود قال استتبعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان نفرامن الجن خمسة عشر بني اخوة وبني عم يأتونني الليلة فأقرأ عليهم القرآن فانطلقت معه إلى المكان الذي أراد فخط لي خطا فذكر الحديث نحوه أخرجه الدارقطني وابن مردويه وغيرهما واخرج بن مردويه من طريق أبي الجوزاء عن بن مسعود نحوه مختصرا وذكر بن إسحاق ان استماع الجن كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف لما خرج إليها يدعو ثقيفا إلى نصره وذلك بعد موت أبي طالب وكان ذلك في سنة عشر من المبعث كما جزم بن سعد بأن خروجه إلى الطائف كان في شوال وسوق عكاظ التي أشار إليها بن عباس كانت تقام في ذي القعدة وقول بن عباس في حديثه وهو يصلي بأصحابه لم يضبط ممن كان معه في تلك السفرة غير زيد بن حارثة فلعل بعض الصحابة تلقاه لما رجع والله اعلم وقول من قال ان وفود الجن كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف ليس صريحا في اولية قدوم بعضهم والذي يظهر من سياق الحديث الذي فيه المبالغة في رمي الشهب لحراسة السماء من استراق الجن السمع دال على ان ذلك كان قبل المبعث النبوي وانزال الوحي إلى الارض فكشفوا ذلك إلى ان وقفوا على السبب ولذلك لم يقيد الترجمة بقدوم ولا وفادة ثم لما انتشرت الدعوة واسلم من اسلم قدموا فسمعوا فأسلموا وكان ذلك بين الهجرتين ثم تعدد مجيئهم حتى في المدينة قوله حدثني عبيد الله بن سعيد هو أبو قدامة السرخسي وهو بالتصغير مشهور بكنيته وفي طبقته عبد الله بن سعيد مكبر وهو أبو سعيد الاشج قوله عن معن بن عبد الرحمن أي بن عبد الله بن مسعود وهو كوفي ثقة ما له في البخاري الا هذا الموضع قوله من آذن بالمد أي اعلم قوله انه آذنت بهم شجرة في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة بهذا الاسناد آذنت بهم سمرة بفتح المهملة وضم الميم قوله في حديث أبي هريرة أخبرني جدي هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قوله ابغني قال بن التين هو موصول من الثلاثي تقول بغيت الشئ طلبته وابغيتك الشئ اعنتك على طلبه قوله احجارا استنفض بها تقدم شرح ذلك في كتاب الطهارة قوله وانه أتاني وفد جن نصيبين يحتمل ان يكون خبرا عما وقع في تلك الليلة ويحتمل ان يكون خبرا عما مضى قبل ذلك ونصيبين بلدة مشهورة بالجزيرة ووقع في كلام بن التين انها بالشام وفيه تجوز فان الجزيرة بين الشام والعراق ويجوز صرف نصيبين وتركه قوله فسألوني الزاد أي مما يفضل عن الانس وقد يتعلق به من يقول ان الاشياء قبل الشرع على الحظر حتى ترد الاباحة
[ 132 ]
ويجاب عنه بمنع الدلالة على ذلك بل لا حكم قبل الشرع على الصحيح قوله فدعوت الله لهم ان لا يمروا بعظم ولا روثة الا وجدوا عليها طعما في رواية السرخسي الا وجدوا عليها طعاما قال بن التين يحتمل ان يجعل الله ذلك عليها ويحتمل ان يذيقهم منها طعاما وفي حديث بن مسعود عند مسلم ان البعر زاد دوابهم ولا ينافي ذلك حديث الباب لا مكان حمل الطعام فيه على طعام الدواب قوله باب إسلام أبي ذر الغفاري هو جندب وقيل بريد بن جنادة بضم الجيم والنون الخفيفة بن سفيان وقيل سفير بن عبيد بن حرام بالمهملتين بن غفار وغفار من بني كنانة قوله حدثنا المثنى هو بن سعيد الضبعي له في البخاري حديثان هذا واخر تقدم في ذكر بني إسرائيل وأبو جمرة هو بالجيم نصر بن عمران قوله ان أبا ذر قال لاخيه هو أنيس قوله اركب إلى هذا الوادي أي وادي مكة وفي أول رواية أبي قتيبة الماضية في مناقب قريش قال لنا بن عباس الا أخبركم بإسلام أبي ذر قال قلنا بلى قال قال أبو ذر كنت رجلا من غفار وهذا السياق يقتضي ان بن عباس تلقاه من أبي ذر وقد اخرج مسلم قصة إسلام أبي ذر من طريق عبد الله بن الصامت عنه وفيها مغايرة كثيرة لسياق بن عباس ولكن الجمع بينهما ممكن وأول حديثه خرجنا من قومنا غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت انا وأخي أنيس وامنا فنزلنا على خال لنا فحسدنا قومه فقالوا له انك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس فذكر لنا ذلك فقلنا له اما ما مضى لنا من معروفك فقد كدرته فتحملنا عليه وجلس يبكي فانطلقنا نحو مكة فنافر أخي أنيس رجلا إلى الكاهن فخير انيسا فأتانا بصرمتنا ومثلها معها قال وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين قلت لمن قال لله قلت فأين توجه قال حيث يوجهني ربي قال فقال لي أنيس ان لي حاجة بمكة فانطلق ثم جاء فقلت ما صنعت قال لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم ان الله أرسله قلت فما يقول الناس قال يقولون شاعر كاهن ساحر وكان أنيس شاعرا فقال لقد سمعت كلام الكهنة فما هو بقولهم ولقد وضعت قوله على اقراء الشعر فما يلتئم عليها والله انه لصادق قلت وهذا الفصل في الظاهر مغاير لقوله في حديث الباب ان أبا ذر قال لاخيه ما شفيتني ويمكن الجمع بأنه كان أراد منه ان يأتيه بتفاصيل من كلامه واخباره فلم يأته الا بمجمل قوله فانطلق الاخ في رواية الكشميهني فانطلق الاخر أي أنيس قال عياض وقع عند بعضهم فانطلق الاخ الآخر والصواب الاقتصار على أحدهما لانه لا يعرف لابي ذر الاأخ واحد وهو أنيس قلت وعند مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي أي عن المثنى فانطلق الآخر حسب قوله حتى قدمه أي الوادي وادي مكة وفي رواية بن مهدي فانطلق الآخر حتى قدم مكة قوله رأيته يأمر بمكارم الاخلاق وكلاما ما هو بالشعر كذا في هذه الرواية ووافقها عبد الرحمن بن مهدي عند مسلم وقوله وكلاما منصوب بالعطف على الضمير المنصوب وفيه اشكال لان الكلام لا يرى ويجاب عنه بأنه من قبيل علفتها تبناوماء باردا وفيه الوجهان الاضمار أي وسقيتها أو ضمن العلف معنى الاعطاء وهنا يمكن ان يقال التقدير رأيته يأمر بمكارم الاخلاق وسمعته يقول كلاما ما هو بالشعر أو ضمن الرؤية معنى الاخذ عنه ووقع في رواية أبي قتيبة رأيته يأمر بالخير وينهى عن الشر ولا اشكال فيها قوله وكره ان يسأل عنه لانه عرف ان قومه يؤذون من يقصده أو يؤذونه بسبب قصده من يقصده أو لكراهتهم في ظهور امره لا يدلون من يسأل عنه
[ 133 ]
عليه أو يمنعونه من الاجتماع به أو يخدعونه حتى يرجع عنه قوله فرآه علي بن أبي طالب وهذا يدل على ان قصة أبي ذر وقعت بعد المبعث بأكثر من سنتين بحيث يتهيأ لعلي ان يستقل بمخاطبة الغريب ويضيفه فان الاصح في سن علي حين المبعث كان عشر سنين وقيل أقل من ذلك وهذا الخبر يقوي القول الصحيح في سنه قوله فعرف انه غريب في رواية أبي قتيبة فقال كأن الرجل غريب قلت نعم قوله فلما رآه تبعه في رواية أبي قتيبة قال فانطلق إلى المنزل فانطلقت معه قوله اما نال الرجل أي اما حان يقال نال له بمعنى آن له ويروى اما آن بمد الهمزة وانى بالقصر وبفتح النون وكلها بمعنى وقد تقدم في قصة الهجرة في قول أبي بكر الصديق اما آن للرحيل مثله وقوله ان يعلم منزله أي مقصده ويحتمل ان يكون علي أشار بذلك إلى دعوته إلى بيته لضيافته ثانيا وتكون إضافة المنزل إليه مجازية لكونه قد نزل به مرة ويؤيد الاول قول أبي ذر في جوابه قلت لا كما في رواية أبي قتيبة قوله يوم الثالث كذا فيه وهو كقولهم مسجد الجامع وليس من إضافة الشئ إلى نفسه عند التحقيق قوله فعاد علي على مثل ذلك في رواية الكشميهني فغدا على مثل ذلك وفي رواية أبي قتيبة فقال فانطلق معي قوله لترشدنني كذا للاكثر بنونين وفي رواية الكشميهني بواحدة مدغمة قوله فأخبرته كذا للاكثر وفيه التفات وفي رواية الكشميهني فأخبره على نسق ما تقدم قوله قمت كأني اريق الماء في رواية أبي قتيبة كأني اصلح نعلي ويحمل على انه قالهما جميعا قوله فانطلق يقفوه أي يتبعه قوله ودخل معه قال الداودي فيه الدخول بدخول المتقدم وكأن هذا من قبل آية الاستئذان وتعقبه بن التين فقال لا تؤخذ الاحكام من مثل هذا قلت وفي كلام كل منهما من النظر ما لا يخفى قوله فسمع من قوله واسلم مكانه كأنه كان يعرف علامات النبي فلما تحققها لم يتردد في الاسلام هكذا في هذه الرواية ومقتضاها ان التقاء أبي ذر بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بدلالة علي وفي رواية عبد الله بن الصامت ان أبا ذر لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في الطواف بالليل قال فلما قضى صلاته قلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته قال فكنت أو من حياه بالسلام قال من أين أنت قلت من بني غفار قال فوضع يده على جبهته فقلت كره ان انتميت إلى غفار فذكر الحديث في شأن زمزم وانه استغنى بها عن الطعام والشراب ثلاثين من بين يوم وليلة وفيه فقال أبو بكر ائذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة وانه اطعمه من زبيب الطائف الحديث واكثره مغاير لما في حديث بن عباس هذا عن أبي ذر ويمكن التوفيق بينهما بأنه لقيه اولا مع علي ثم لقيه في الطواف أو بالعكس وحفظ كل منهما عنه ما لم يحفظ الآخر كما في رواية عبد الله بن الصامت من الزيادة ما ذكرناه ففي رواية بن عباس أيضا من الزيادة قصته مع علي وقصته مع العباس وغير ذلك وقال القرطبي في التوفيق بين الروايتين تكلف شديدولا سيما ان في حديث عبد الله بن الصامت ان أبا ذر أقام ثلاثين لا زاد له وفي حديث بن عباس انه كان معه زاد وقربة ماء إلى غير ذلك قلت ويحتمل الجمع بأن المراد بالزاد في حديث بن عباس ما تزوده لما خرج من قومه ففرغ لما أقام بمكة والقربة التي كانت معه كان فيها الماء حال السفر فلما أقام بمكة لم يحتج إلى ملئها ولم يطرحها ويؤيده انه وقع في رواية أبي قتيبة المذكورة فجعلت لا اعرفه واكره ان اسأل عنه واشرب من ماء زمزم واكون في المسجد الحديث قوله ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري في رواية أبي
[ 134 ]
قتيبة اكتم هذا الامر وارجع إلى قومك فأخبرهم فإذا بلغك ظهورنا فأقبل وفي رواية عبد الله بن الصامت انه قد وجهت لي ارض ذات نخل فهل أنت مبلغ عني قومك عسى الله ان ينفعهم بك فذكر قصة إسلام أخيه أنيس وأمه وانهم توجهوا إلى قومهم غفار فأسلم نصفهم الحديث قوله لاصرخن بها أي بكلمة التوحيد والمراد انه يرفع صوته جهارا بين المشركين وكأنه فهم ان أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالكتمان ليس على الايجاب بل على سبيل الشفقة عليه فأعلمه ان به قوة على ذلك ولهذا اقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ويؤخذ منه جواز قول الحق عند من يخشى منه الاذية لمن قاله وان كان السكوت جائزا والتحقيق ان ذلك مختلف باختلاف الاحوال والمقاصد وبحسب ذلك يترتب وجو الاجر وعدمه قوله ثم قام القوم في رواية أبي قتيبة فقالوا قوموا إلى هذا الصابي بالياء اللينة فقاموا وكانوا يسمون من اسلم صابيا لانه من صبا يصبو إذا انتقل من شئ إلى شئ قوله فضربوه حتى اوجعوه في رواية أبي قتيبة فضربت لاموت أي ضربت ضربا لا يبالي من ضربني ان لو اموت منه قوله فأقلعوا عني أي كفوا قوله فأكب العباس عليه في رواية أبي قتيبة فقال مثل مقالته بالامس وفي الحديث ما يدل على حسن تأتي العباس وجودة فطنته حيث توصل إلى تخليصه منهم بتخويفهم من قومه ان يقاصوهم بأن يقطعوا طرق متجرهم وكان عيشهم من التجارة فلذلك بادروا إلى الكف عنه وفي الحديث دلالة على تقدم إسلام أبي ذر لكن الظاهر ان ذلك كان بعد المبعث بمدة طويلة لما فيه من الحكاية عن علي كما قدمناه ومن قوله أيضا في رواية عبد الله بن الصامت اني وجهت لي ارض ذات نخل فان ذلك يشعر بأن وقوع ذلك كان قرب الهجرة والله اعلم قوله باب إسلام سعيد بن زيد أي بن عمرو بن نفيل وأبوه تقدم ذكره وانه بن عم عمر بن الخطاب قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم قوله لقد رأيتني بضم المثناة والمعنى رأيت نفسي وان عمر لموثقي على الاسلام أي ربطه بسبب إسلامه اهانة له والزاما بالرجوع عن الاسلام وقال الكرماني في معناه كان يثبتني على الاسلام ويسددني كذا قال وكأنه ذهل عن قوله هنا قبل ان يسلم فان وقوع التثبيت منه وهو كافر لضمره على الاسلام بعيد جدا مع انه خلاف الواقع وسيأتي في كتاب الاكراه باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر وكأن السبب في ذلك انه كان زوج فاطمة بنت الخطاب أخت عمر ولهذا ذكر في اخر باب إسلام عمر رأيتني موثقي عمر على الاسلام انا وأخته وكان إسلام عمر متأخرا عن إسلام أخته وزوجها لان أول الباعث له على دخوله في الاسلام ما سمع في بيتها من القرآن في قصة طويلة ذكرها الدارقطني وغيره قوله ولو ان أحدا ارفض أي زال من مكانه في الرواية الآتية انقض بالنون والقاف بدل الراء والفاء أي سقط وزعم بن التين انه أرجح الروايات وفي رواية الكشميهني بالنون والفاء وهو بمعنى الاول قوله لكان في الرواية الآتية لكان محقوقا ان ينقض وفي رواية الاسماعيلي لكان حقيقا أي واجبا تقول حق عليك ان تفعل كذا وأنت حقيق ان تفعله وانما قال ذلك سعيد لعظم قتل عثمان وهو مأخوذ من قوله تعالى تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا ان دعوا للرحمن ولدا قال بن التين قال سعيد ذلك على سبيل التمثيل وقال الداودي معناه لو تحركت القبائل وطلبت بثار عثمان لكان أهلا لذلك وهذا بعيد من التأويل قوله باب اسلام عمر بن الخطاب
[ 135 ]
قد تقدم نسبه في مناقبه قوله أنبأنا سفيان هو الثوري قوله ما زلنا اعزة منذ اسلم عمر زاد الاسماعيلي من طريق أبي داود الحفري عن سفيان في حديث ذكره أي من كلام بن مسعود وقد تقدم في مناقب عمر الالمام بشئ من ذلك الحديث الثاني قوله فأخبرني جدي ظاهر السياق انه معطوف على شئ تقدم وقد رواه الاسماعيلي من طريق بن وهب هذه فقال فيها عن بن وهب أخبرني عمر بن محمد قوله وعليه حلة حبر بكسر المهملة وفتح الموحدة وهو برد مخطط بالوشي وفي رواية حبرة بزيادة هاء قوله ان أسلمت بفتح الالف وتخفيف النون أي لاجل إسلامي قوله لا سبيل عليك بعد ان قالها أي الكلمة المذكورة وهي قوله لا سبيل عليك قوله امنت بفتح الهمزة وكسر الميم وسكون النون وضم المثناة أي حصل الامان في نفسي بقوله ذلك ووقع في رواية الاصيلي بمد الهمزة وهو خطأ فإنه كان قد اسلم قبل ذلك وذكر عياض ان في رواية الحميدي بالقصر أيضا لكنه بفتح المثناة وهو خطأ أيضا لانه يصير من كلام العاص بن وائل وليس كذلك بل هو من كلام عمر يريد انه امن لما قال له العاص بن وائل تلك المقالة ويؤيده الحديث الذي بعده الحديث الثالث قوله اجتمع الناس عند داره في رواية الكشميهني اجتمع الناس إليه قوله وانا غلام في رواية أخرى انه كان بن خمس سنين وإذا كان كذلك خرج منه ان إسلام عمر كان بعد المبعث بست سنين أو بسبع لان بن عمر كما سيأتي في المغازي كان يوم أحد بن أربع عشرة سنة وذلك بعد المبعث بست عشرة سنة فيكون مولده بعد المبعث بسنتين قوله على ظهر بيتي قال الداودي هو غلط والمحفوظ ظهر بيتنا وتعقبه بن التين بأن بن عمر أراد انه الآن بيته أي عند مقالته تلك وكان قبل ذلك لابيه ولا يخفى عدم الاحتياج إلى هذا التأويل وانما نسب بن عمر البيت إلى نفسه مجازا أو مراده المكان الذي كان يأوي فيه سواء كان ملكه أم لا وأيضا فإنه ان أراد نسبته إليه حال مقالته تلك لم يصح لان بني عدي بن كعب رهط عمر لما هاجروا استولى غيرهم على بيوتهم كما ذكره بن إسحاق وغيره فلم يرجعوا فيها وأيضا فان بن عمر لم ينفرد بالارث من عمر فتحتاج دعوى ان يكون اشترى حصص غيره إلى نقل فيتعين الذي قلته قوله فما ذاك أي فلا بأس اولا قتل أو لا يعترض له وقوله انا له جار أي اجرته من ان يظلمه ظالم وقوله تصدعوا أي تفرقوا عنه قوله قالوا العاص بن وائل زاد بن أبي عمر في روايته عن سفيان قال فعجبت من عزته وكذا عند الاسماعيلي من وجهين عن سفيان وفي رواية عبد الله بن داود عن عمر بن محمد عند الاسماعيلي فقلت لعمر من الذي ردهم عنك يوم أسلمت قال يا بني ذاك العاص بن وائل أي بن هاشم بن سعيد بالتصغير بن سهم القرشي السهمي مات على كفره قبل الهجرة بمدة والعاص بمهملتين من العوص لا من العصيان والصاد مرفوعة ويجوز كسرها وقيل انه من العصيان فهو بالكسر جزما ويجوز اثبات الياء كالقاضي ويؤيده كتاب عمر إلى عمرو وهو عامله على مصر إلى العاصي بن العاصي وأطلق عليه ذلك لكونه خالف شيئا مما كان امره به في ولايته على مصر لما ظهر له من المصلحة الحديث الرابع قوله حدثني عمر هو بن محمد بن زيد وهو شيخ بن وهب في الحديث الثاني ووهم من زعم انه عمر بن الحارث كالكلاباذي فقد وقع في رواية الاسماعيلي عن عمر بن محمد قوله ما سمعت عمر يقول لشئ اني لاظنه كذا الا كان أي عن شئ واللام قد تأتي بمعنى عن كقوله وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه قوله الا كان كما يظن هو موافق لما
[ 136 ]
تقدم في مناقبه انه كان محدثا بفتح الدال وتقدم شرحه قوله إذ مر به رجل جميل هو سواد بفتح المهملة وتخفيف الواو وآخره مهملة بن قارب بالقاف والموحدة وهو سدوسي أو دوسي وقد اخرج بن أبي خيثمة وغيره من طريق أبي جعفر الباقر قال دخل رجل يقال له سواد بن قارب السدوسي على عمر فقال يا سواد أنشدك الله هل تحسن من كهانتك شيئا فذكر القصة واخرج الطبراني والحاكم وغيرهما من طريق محمد بن كعب القرظي قال بينما عمر قاعد في المسجد فذكر مثل سياق أبي جعفر واتم منه وهما طريقان مرسلان يعضد أحدهما الاخر واخرج البخاري في تاريخه والطبراني من طريق عباد بن عبد الصمد عن سعيد بن جبير قال أخبرني سواد بن قارب قال كنت نائما فذكر قصته الاولى دون قصته مع عمر وهذا ان ثبت دل على تأخر وفاته لكن عبادا ضعيف ولابن شاهين من طريق أخرى ضعيفة عن أنس قال دخل رجل من دوس يقال له سواد بن قارب على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصته أيضا وهذه الطرق يقوى بعضها ببعض وله طرق أخرى سأذكر ما فيها من فائدة قوله لقد أخطأ ظني في رواية بن عمر عند البهيقي لقد كنت ذا فراسة وليس لي الآن رأي ان لم يكن هذا الرجل ينظر في الكهانة قوله أو بسكون الواو على دين قومه في الجاهلية أي مستمر على عبادة ما كانوا يعبدون قوله أو بسكون الواو أيضا لقد كان كاهنهم أي كان كاهن قومه وحاصله ان عمر ظن شيئا مترددا بين شيئين أحدهما يتردد بين شيئين كأنه قال هذا الظن اما خطأ أو صواب فان كان صوابا فهذا الآن اما باق على كفره واما كان كاهنا وقد أظهر الحال القسم الاخير وكأنه ظهرت له من صفة مشيه أو غير ذلك قرينة اثرت له ذلك الظن فالله اعلم قوله علي بالتشديد الرجل بالنصب أي احضروه الي وقربوه مني قوله فقال له ذلك أي ما قاله في غيبته من التردد وفي رواية محمد بن كعب فقال له فأنت على ما كنت عليه من كهانتك فغضب وهذا من تلطف عمر لانه اقتصر على أحسن الامرين قوله ما رأيت كاليوم أي ما رأيت شيئا مثل ما رأيت اليوم قوله استقبل بضم التاء على البناء للمجهول قوله رجل مسلم في رواية النسفي وأبي ذر رجلا مسلما ورأيته مجودا بفتح تاء استقبل على البناء للفاعل وهو محذوف تقديره أحد وضبطه الكرماني استقبل بضم التاء واعرب رجلا مسلما على انه مفعول رأيت وعلى هذا فالضمير في قوله به يعود على الكلام ويدل عليه السياق وبينه البهيقي في رواية مرسلة قد جاء الله بالاسلام فما لنا ولذكر الجاهلية قوله فاني اعزم عليك أي الزمك وفي رواية محمد بن كعب ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك قوله الا أخبرتني أي ما اطلب منك الا الاخبار قوله كنت كاهنهم في الجاهلية الكاهن الذي يتعاطى الخبر من الامور المغيبة وكانوا في الجاهلية كثيرا فمعظمهم كان يعتمد على تابعه من الجن وبعضهم كان يدعي معرفة ذلك بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله وهذا الاخير يسمى العراف بالمهملتين وسيأتي حكم ذلك واضحا في كتاب الطب وتقدم طرف منه في اخر البيوع ولقد تلطف سواد في الجواب إذ كان سؤال عمر عن حاله في كهانته إذ كان من أمر الشرك فلما الزمه أخبره بآخر شئ وقع له لما تضمن من الاعلام بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكان سببا لاسلامه قوله ما أعجب بالضم وما استفهامية قوله جنيتك بكسر الجيم والنون الثقيلة أي الواحدة من الجن كأنه انث تحقيرا ويحتمل ان يكون عرف ان تابع سواد منهم كان أنثى
[ 137 ]
أو هو كما يقال تابع الذكر يكون أنثى وبالعكس قوله اعرف فيها الفزع بفتح الفاء والزاي أي الخوف وفي رواية محمد بن كعب ان ذلك كان وهو بين النائم واليقظان قوله الم تر الجن وإبلاسها بالموحدة والمهملة والمراد به اليأس ضد الرجاء وفي رواية أبي جعفر عجبت للجن وإبلاسها وهو اشبه باعراب بقية الشعر ومثله لمحمد بن كعب لكن قال وتحساسها بفتح المثناة وبمهملات أي انها فقدت أمرا فشرعت تفتش عليه قوله ويأسها من بعد انكاسها اليأس بالتحتانية ضد الرجاء والانكاس الانقلاب قال بن فارس معناه انها يئست من استراق السمع بعد ان كانت قد الفته فانقلبت عن الاستراق قد يئست من السمع ووقع في شرح الداودي بتقديم السين على الكاف وفسره بأنه المكان الذي الفته قال ووقع في رواية من بعد ايناسها أي انها كانت انست بالاستراق ولم ار ما قاله في شئ من الروايات وقد شرح الكرماني على اللفظ الاول الذي ذكره الداودي وقال الانساك جمع نسك والمراد به العبادة ولم ار هذا القسيم في غير الطريق التي أخرجها البخاري وزاد في رواية الباقر ومحمد بن كعب وكذا عند البهيقي موصولا من حديث البراء بن عازب بعد قوله واحلاسها تهوي إلى مكة تبغي الهدى * مامؤمنوها مثل ارجاسها فاسم إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى رأسها وفي روايتهم ان الجني عاوده ثلاث ليال ينشده هذه الابيات مع تغيير قوافيها فجعل بدل قوله ابلاسها تطلابها أوله مثناة وتارة تجأرها بجيم وهمزة وبدل قوله احلاسها اقتابها بقاف ومثناة جمع قتب وتارة اكوارها وبدل قوله مامؤمنوها مثل ارجاسها ليس قداماها كأذنابها وتارة ليس ذوو الشر كأخيارها وبدل قوله راسها نابها وتارة قال ما مؤمنو الجن ككفارها وعندهم من الزيادة أيضا انه في كل مرة يقول له قد بعث محمد فانهض إليه ترشد وفي الرواية المرسلة قال فارتعدت فرائصي حتى وقعت وعندهم جميعا انه لما أصبح توجه إلى مكة فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر فأتاه فأنشده أبياتا يقول فيها أتاني رئي بعد ليل وهجعة * ولم يك فيما قد بلوت بكاذب ثلاث ليال قوله كل ليلة * اتاك نبي من لؤي بن غالب يقول في اخرها فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة * سواك بمغن عن سواد بن قارب وفي اخر الرواية المرسلة فالتزمه عمر وقال لقد كنت احب ان اسمع هذا منك قوله ولحوقها بالقلاص واحلاسها القلاص بكسر القاف وبالمهملة جمع قلص بضمتين وهو جمع قلوص وهي الفتية من النياق والاحلاس جمع حلس بكسر أوله وسكون ثانيه وبالمهملتين وهو ما يوضع على ظهور الابل تحت الرحل ووقع هذا القسيم غير موزون وفي رواية الباقر ورحلها العيس بأحلاسها وهذا موزون والعيس بكسر أوله وسكون التحتانية وبالمهملتين الابل قوله قال عمر صدق بينما انا عند الهتهم ظاهر هذا ان الذي قص القصة الثانية هو عمر وفي رواية بن عمر وغيره ان الذي قصها هو سواد بن قارب ولفظ بن عمر عند البهيقي قال لقد رأى عمر رجلا فذكر القصة قال فأخبرني عن بعض ما رأيت قال اني ذات ليلة بواد إذ سمعت صائحا يقول يا جليح خبر نجيح رجل فصيح يقول لا إله إلا الله عجبت للجن وإبلاسها فذكر القصة ثم ساق من طريق أخرى مرسلة قال
[ 138 ]
مر عمر برجل فقال لقد كان هذا كاهنا الحديث وفيه فقال عمر أخبرني فقال نعم بينا انا جالس إذ قالت لي الم تر إلى الشياطين وإبلاسها الحديث قال عمر الله أكبر فقال أتيت مكة فإذا برجل عند تلك الانصاب فذكر قصة العجل وهذا يحتمل فيه ما احتمل في حديث الصحيح ان يكون القائل أتيت مكة هو عمر أو صاحب القصة قوله عند الهتهم أي اصنامهم قوله إذ جاء رجل لم اقف على اسمه لكن عند أحمد من وجه اخر انه بن عبس فأخرج من طريق مجاهد عن شيخ أدرك الجاهلية يقال له بن عبس قال كنت اسوق بقرة لنا فسمعت من جوفها فذكر الرجز قال فقدمنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث ورجاله ثقات وهو شاهد قوي لما في رواية بن عمر وان الذي حدث بذلك هو سواد بن قارب وساذكر بعد هذا ما يقوي ان الذي سمع ذلك هو عمر فيمكن ان يجمع بينهما بتعدد ذلك لهما قوله يا جليح بالجيم والمهملة بوزن عظيم ومعناه الوقح المكافح بالعداوة قال بن التين يحتمل ان يكون نادى رجلا بعينه ويحتمل ان يكون أراد من كان بتلك الصفة قلت ووقع في معظم الروايات التي أشرت إليها يا آل ذريح بالذال المعجمة والراء واخره مهملة وهم بطن مشهور في العرب قوله رجل فصيح من الفصاحة وفي رواية الكشميهني بتحتانية أوله بدل الفاء من الصياح ووقع في حديث بن عبس قول فصيح رجل يصيح قوله يقول لا اله الا أنت وفي رواية الكشميهني لا إله إلا الله وهو الذي في بقية الروايات قوله فما نشبنا بكسر المعجمة وسكون الموحدة أي لم نتعلق بشئ من الاشياء حتى سمعنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج يريد ان ذلك كان بقرب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم تنبيهان أحدهما ذكر بن التين ان الذي سمعه سواد بن قارب من الجني كان من اثر استراق السمع وفي جزمه بذلك نظر والذي يظهر ان ذلك كان من اثر منع الجن من استراق السمع ويبين ذلك ما أخرجه المصنف في الصلاة ويأتي في تفسير سورة الجن عن بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث منع الجن من استراق السمع فضربوا المشارق والمغارب يبحثون عن سبب ذلك حتى رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه صلاة الفجر الحديث التنبيه الثاني لمح المصنف بإيراد هذه القصة في باب إسلام عمر بما جاء عن عائشة وطلحة عن عمر من ان هذه القصة كانت سبب إسلامه فروى أبو نعيم في الدلائل ان أبا جهل جعل لمن يقتل محمدا مائة ناقة قال عمر فقلت له يا أبا الحكم الضمان صحيح قال نعم قال فتقلدت سيفي اريده فمررت على عجل وهم يريدون ان يذبحوه فقمت انظر إليهم فإذا صائح يصيح من جوف العجل يا آل ذريح أمر نجيح رجل يصيح بلسان فصيح قال عمر فقلت في نفسي ان هذا الامر ما يراد به الا انا قال فدخلت على أختي فإذا عندها سعيد بن زيد فذكر القصة في سبب إسلامه بطولها وتامل ما في إيراده حديث سعيد بن زيد الذي بعد هذا وهو الحديث الخامس من المناسبة لهذه القصة قوله انقض بنون وقاف وللكشميهني بفاء بدل القاف في الموضعين ولابي نعيم في المستخرج بالفاء والراء ومعانيها متقاربة والله اعلم تنبيه جعل بن إسحاق إسلام عمر بعد هجرة الحبشة ولم يذكر انشقاق القمر فاقتضى صنيع المصنف انه وقع في تلك الايام وقد ذكر بن إسحاق من وجه آخر ان إسلام عمر كان عقب هجرة الحبشة الاولى قوله باب انشقاق القمر أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل المعجزة له وقد ترجم بمعنى ذلك في علامات النبوة قوله عن أنس زاد في الرواية التي في علامات النبوة انه حدثهم قوله ان أهل مكة هذا من مراسيل الصحابة لان أنسا لم يدرك هذه
[ 139 ]
القصة وقد جاءت هذه القصة من حديث بن عباس وهو أيضا ممن لم يشاهدها ومن حديث بن مسعود وجبير بن مطعم وحذيفة وهؤلاء شاهدوها ولم ار في شئ من طرقه ان ذلك كان عقب سؤال المشركين الا في حديث أنس فلعله سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدت في بعض طرق حديث بن عباس بيان صورة السؤال وهو وان كان لم يدرك القصة لكن في بعض طرقه ما يشعر بأنه حمل الحديث عن بن مسعود كما سأذكره فاخرج أبو نعيم في الدلائل من وجه ضعيف عن بن عباس قال اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والاسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظرائهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ان كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين فسال ربه فانشق قوله شقتين بكسر المعجمة أي نصفين وتقدم في العلامات من طريق سعيد وشيبان عن قتادة بدون هذه اللفظة وأخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري من حديث سعيد عن قتادة بلفظ فاراهم انشقاق القمر مرتين وأخرجه من طريق معمر عن قتادة قال بمعنى حديث شيبان قلت وهو في مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرتين أيضا وكذلك أخرجه الامامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ فرقتين قال البهيقي قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة عنه مرتين قلت لكن اختلف عن كل منهم في هذه اللفظة ولم يختلف على شعبة وهو احفظهم ولم يقع في شئ من طرق حديث بن مسعود بلفظ مرتين انما فيه فرقتين أو فلقتين بالراء أو اللام وكذا في حديث بن عمر فلقتين وفي حديث جبير بن مطعم فرقتين وفي لفظ عنه فانشق باثنتين وفي رواية عن بن عباس عند أبي نعيم في الدلائل فصار قمرين وفي لفظ شقتين وعند الطبراني من حديثه حتى رأوا شقيه ووقع في نظم السيرة لشيخنا الحافظ أبي الفضل وانشق مرتين بالاجماع ولا اعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين وتكلم بن القيم على هذه الرواية فقال المرات يراد بها الافعال تارة والاعيان أخرى والاول أكثر ومن الثاني انشق القمر مرتين وقد خفي على بعض الناس فادعي ان انشقاق القمر وقع مرتين وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير انه غلط فإنه لم يقع الا مرة واحدة وقد قال العماد بن كثير في الرواية التي فيها مرتين نظر ولعل قائلها أراد فرقتين قلت وهذا الذي لا يتجه غيره جمعا بين الروايات ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور ولفظه فصار فرقتين فرقة علت * وفرقة للطود منه نزلت وذاك مرتين بالاجماع * والنص والتواتر السماع فجمع بين قوله فرقتين وبين قوله مرتين فيمكن ان يتعلق قوله بالاجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد مع ان في نقل الاجماع في نفس الانشقاق نظرا سيأتي بيانه قوله حتى رأوا حراء بينهما أي بين الفرقتين وحراء تقدم ضبطه في بدء الوحي وهو على يسار السائر من مكة إلى منى قوله عن أبي حمزة بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون السكري المروزي قوله عن الاعمش عن إبراهيم وقع في رواية السرخسي والكشميهني في اخر الباب من وجه اخر عن الاعمش حدثنا إبراهيم قوله عن أبي معمر هذا هو المحفوظ ووقع في رواية سعدان بن يحيى ويحيى بن عيسى الرملي
[ 140 ]
عن الاعمش عن إبراهيم عن علقمة أخرجه بن مردويه ولابي نعيم نحوه من طريق غريبة عن شعبة عن الاعمش والمحفوظ عن شعبة كما سيأتي في التفسير عن الاعمش عن إبراهيم عن أبي معمر وهو المشهور وقد أخرجه مسلم من طريق أخرى عن شعبة عن الاعمش عن مجاهد عن بن عمر وسيأتي للمصنف معلقا ان مجاهدا رواه عن أبي معمر عن بن مسعود فالله اعلم هل عند مجاهد فيه اسنادان أو قول من قال بن عمر وهم من أبي معمر قوله عن عبد الله هو بن مسعود قوله انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى في رواية مسلم من طريق علي بن مسهر عن الاعمش بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر وهذا لا يعارض قول أنس ان ذلك كان بمكة لانه لم يصرح بان النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلتئذ بمكة وعلى تقدير تصريحه فهي من جملة مكة فلا تعارض وقد وقع عند الطبراني من طريق زر بن حبيش عن بن مسعود قال انشق القمر بمكة فرأيته فرقتين وهو محمول على ما ذكرته وكذا وقع في غير هذه الرواية وقد وقع عند بن مردويه بيان المراد فاخرج من وجه اخر عن بن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكة قبل ان نصير إلى المدينة فوضح ان مراده بذكر مكة الاشارة إلى ان ذلك وقع قبل الهجرة ويجوز ان ذلك وقع وهم ليلتئذ بمنى قوله فقال اشهدوا أي اضبطوا هذا القدر بالمشاهدة قوله وقال أبو الضحى الخ يحتمل ان يكون معطوفا على قوله عن إبراهيم فان أبا الضحى من شيوخ الاعمش فيكون للاعمش فيه اسنادان ويحتمل ان يكون معلقا وهو المعتمد فقد وصله أبو داود الطيالسي عن أبي عوانة ورويناه في فوائد أبي طاهر الذهلي من وجه اخر عن أبي عوانة وأخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق هشيم كلاهما عن مغيرة عن أبي الضحى بهذا الاسناد بلفظ انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كفار قريش هذا سحر سحركم بن أبي كبشة فانظروا إلى السفار فان اخبروكم انهم رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق قال فما قدم عليهم أحد الا أخبرهم بذلك لفظ هشيم وعند أبي عوانة انشق القمر بمكة نحوه وفيه فان محمدا لايستطيع ان يسحر الناس كلهم قوله وتابعه محمد بن مسلم هو الطائفي وابن أبي نجيح اسمه عبد الله واسم أبيه بتحتانية ثم مهملة خفيفة ومراده انه تابع إبراهيم في روايته عن أبي معمر في قوله ان ذلك كان بمكة لا في جميع سياق الحديث والجمع بين قول بن مسعود تارة بمنى وتارة بمكة اما باعتبار التعدد ان ثبت واما بالحمل على انه كان بمنى ومن قال انه كان بمكة لا ينافيه لان من كان بمنى كان بمكة من غير عكس ويؤيده ان الرواية التي فيها بمنى قال فيها ونحن بمنى والرواية التي فيها بمكة لم يقل فيها ونحن وانما قال انشق القمر بمكة يعني ان الانشقاق كان وهم بمكة قبل ان يهاجروا إلى المدينة وبهذا يندفع دعوى الداودي ان بين الخبرين تضادا والله اعلم وابن أبي نجيح رواه عن مجاهد عن أبي معمر وهذه الطريق وصلها عبد الرزاق في مصنفه ومن طريقه البيهقي في الدلائل عن بن عيينة ومحمد بن مسلم جميعا عن بن أبي نجيح بهذا الاسناد بلفظ رأيت القمر منشقا شقتين شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء والسويداء بالمهملة والتصغير ناحية خارج مكة عندها جبل وقول بن مسعود على أبي قبيس يحتمل ان يكون رآه كذلك وهو بمنى كان يكون على مكان مرتفع بحيث رأى طرف جبل أبي قبيس ويحتمل ان يكون القمر استمر منشقا حتى رجع بن مسعود من منى إلى مكة فرآه كذلك وفيه بعد والذي يقتضيه غالب الروايات ان
[ 141 ]
الانشقاق كان قرب غروبه ويؤيد ذلك اسنادهم الرؤية إلى جهة الجبل ويحتمل ان يكون الانشقاق وقع أول طلوعه فان في بعض الروايات ان ذلك كان ليلة البدر أو التعبير بابي قبيس من تغيير بعض الرواة لان الغرض ثبوت رؤيته منشقا إحدى الشقتين على جبل والاخرى على جبل آخر ولا يغاير ذلك قول الراوي الآخر رأيت الجبل بينهما أي بين الفرقتين لانه إذا ذهبت فرقة عن يمين الجبل وفرقة عن يساره مثلا صدق انه بينهما وأي جبل آخر كان من جهة يمينه أو يساره صدق انه عليه أيضا وسيأتي في تفسير سورة القمر من وجه آخر عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشهدوا اشهدوا وليس فيه تعيين مكان وأخرجه بن مردويه من روايه بن جريح عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر قال الله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر يقول كما شققت القمر كذلك اقيم الساعة قوله في حديث بن عباس الله تعالى ان القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أورده مختصرا وعند أبي نعيم من وجه آخر انشق القمر فلقتين قال بن مسعود لقد رأيت جبل حراء من بين فلقتي القمر وهذا يوافق الرواية الاولى في ذكر حراء وقد انكر جمهور الفلاسفة انشقاق القمر متمسكين بان الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام وكذا قالوا في فتح أبواب السماء ليلة الاسراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب هؤلاء إن كانوا كفارا أن يناظروا أولا على ثبوت دين الاسلام ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض ولا سبيل إلى إنكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة لنبي الله صلى الله عليه وسلم وقد أجاب القدماء عن ذلك فقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القران انكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ولا إنكار للعقل فيه لان القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه واما قول بعضهم لو وقع لجاء متواترا واشترك أهل الارض في معرفته ولما اختص بها أهل مكة فجوابه ان ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام والابواب مغلقة وقل من يراصد السماء الا النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة ان ينكسف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها الا الآحاد فكذلك الانشقاق كان اية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها ويحتمل ان يكون القمر ليلتئذ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم وقال الخطابي انشقاق القمر اية عظيمة لا يكاد يعدلها شئ من آيات الانبياء وذلك انه ظهر في ملكوت السماء خارجا من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة فلذلك صار البرهان به أظهر وقد انكر ذلك بعضهم فقال لو وقع ذلك لم يجز ان يخفى امره على عوام الناس لانه أمر صدر عن حس ومشاهدة فالناس فيه شركاء والدواعي متوفرة على رؤية كل غريب ونقل ما لم يعهد فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل التيسير والتنجيم إذ لا يجوز اطباقهم على تركه واغفاله مع جلالة شأنه ووضوح امره والجواب عن ذلك ان هذه القصة خرجت عن بقية الامور التي ذكروها لانه شئ طلبه خاص من الناس فوقع ليلا لان القمر لا سلطان له بالنهار ومن شأن الليل ان يكون أكثر الناس فيه نياما ومستكنين بالابنية والبارز بالصحراء منهم إذا كان يقظان يحتمل
[ 142 ]
انه كان في ذلك الوقت مشغولا بما يلهيه من سمر وغيره ومن المستبعد ان يقصدوا إلى مراصد مركز القمر ناظرين إليه لا يغفلون عنه فقد يجوز انه وقع ولم يشعر به أكثر الناس وانما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه ولعل ذلك انما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر ثم ابدى حكمة بالغة في كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شئ منها مبلغ التواتر الذي لا نزاع فيه الا القرآن بما حاصله ان معجزة كل نبي كانت إذا وقعت عامة اعقبت هلاك من كذب به من قومه للاشتراك في ادراكها بالحس والنبي صلى الله عليه وسلم بعث رحمة فكانت معجزته التي تحدى بها عقلية فاختص بها القوم الذين بعث منهم لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الافهام ولو كان ادراكها عاما لعوجل من كذب به كما عوجل من قبلهم وذكر أبو نعيم في الدلائل نحو ما ذكره الخطابي وزاد ولا سيما إذا وقعت الآية في بلدة كان عامة أهلها يومئذ الكفار الذين يعتقدون انها سحر ويجتهدون في اطفاء نور الله قلت وهو جيد بالنسبة إلى من سأل عن الحكمة في قلة من نقل ذلك من الصحابة واما من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه فجوابه انه لم ينقل عن أحد منهم انه نفاه وهذا كاف فان الحجة فيمن اثبت لا فيمن يوجد عنه صريح النفي حتى ان من وجد عنه صريح النفي يقدم عليه من وجد منه صريح الاثبات وقال بن عبد البر قد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من الصحابة وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم الجمع الغفير إلى ان انتهى إلينا ويؤيد ذلك بالآية الكريمة فلم يبق لاستبعاد من استبعد وقوعه عذر ثم أجاب بنحو جواب الخطابي وقال وقد يطلع على قوم قبل طلوعه على اخرين وأيضا فان زمن الانشقاق لم يطل ولم تتوفر الدواعي على الاعتناء بالنظر إليه ومع ذلك فقد بعث أهل مكة إلى افاق مكة يسألون عن ذلك فجاءت السفار واخبروا بأنهم عاينوا ذلك وذلك لان المسافرين في الليل غالبا يكونون سائرين في ضوء القمر ولا يخفى عليهم ذلك وقال القرطبي الموانع من مشاهدة ذلك إذا لم يحصل القصد إليه غير منحصرة ويحتمل ان يكون الله صرف جميع أهل الارض غير أهل مكة وما حولها عن الالتفات إلى القمر في تلك الساعة ليختص بمشاهدته أهل مكة كما اختصوا بمشاهدة أكثر الآيات ونقلوها إلى غيرهم انتهى وفي كلامه نظر لان أحدا لم ينقل ان أحدا من أهل الافاق غير أهل مكة ذكروا انهم رصدوا القمر في تلك الليلة المعينة فلم يشاهدوا انشقاقه فلو نقل ذلك لكان الجواب الذي ابداه القرطبي جيدا ولكن لم ينقل عن أحد من أهل الارض شئ من ذلك فالاقتصار حينئذ على الجواب الذي ذكره الخطابي ومن تبعه أوضح والله اعلم واما الآية فالمراد بها قوله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر لكن ذهب بعض أهل العلم من القدماء ان المراد بقوله وانشق القمر أي سينشق كما قال تعالى اتى أمر الله أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع والذي ذهب إليه الجمهور أصح كما جزم به بن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر فإن ذلك ظاهر في ان المراد بقوله وانشق القمر وقوع انشقاقه لان لكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا تبين وقوع الانشقاق وأنه المراد بالآية التي زعموا أنها سحر ووقع ذلك صريحا في حديث بن مسعود كما بيناه قبل ونقل البيهقي في أوائل البعث والنشور عن الحليمي أن من الناس من يقول إن المارد بقوله تعالى وانشق القمر أي سينشق قال الحليمي فإن كان كذلك فقد وقع في عصرنا فشاهدت الهلال ببخارى
[ 143 ]
في الليلة الثالثة منشقا نصفين عرض كل واحد منهما كعرض ليلة أربع أو خمس ثم اتصلا فصار في شكل اترجة إلى ان غاب قال وأخبرني بعض من اثق به انه شاهد ذلك في ليلة أخرى انتهى ولقد عجبت من البيهقي كيف أقر هذا مع إيراده حديث بن مسعود المصرح بان المراد بقوله تعالى وانشق القمر ان ذلك وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ساقه هكذا من طريق بن مسعود في هذه الآية اقتربت الساعة وانشق القمر قال لقد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ساق حديث بن مسعود لقد مضت آية الدخان والروم والبطشة وانشقاق القمر وسيأتي الكلام غلى هذا الحديث الاخير في تفسير سورة الدخان ان شاء الله تعالى قوله باب هجرة الحبشة أي هجرة المسلمين من مكة إلى ارض الحبشة وكان وقوع ذلك مرتين وذكر أهل السير ان الاولى كانت في شهر رجب من سنة خمس من المبعث وان أول من هاجر منهم أحد عشر رجلا وأربع نسوة وقيل وامراتان وقيل كانوا اثني عشر رجلا وقيل عشرة وانهم خرجوا مشاة إلى البحر فاستاجروا سفينة بنصف دينار وذكر بن إسحاق ان السبب في ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه لما رأى المشركين يؤذونهم ولا يستطيع ان يكفهم عنم ان بالحبشة ملكا لا يظلم عنده أحد فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجا فكان أول من خرج منهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واخرج يعقوب بن سفيان بسند موصول إلى أنس قال أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما فقدمت امرأة فقالت له لقد رايتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمار فقال صحبهما الله ان عثمان أول من هاجر باهله بعد لوط قلت وبهذا تظهر النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث عثمان وقد سرد بن إسحاق اسماءهم فاما الرجال فهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وأبو حذيفة بن عتبة ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الاسد وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وسهيل بن بيضاء وأبو سبرة بن أبي رهم العامري قال ويقال بدله حاطب بن عمرو العامري قال فهؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين إلى الحبشة قال بن هشام وبلغني انه كان عليهم عثمان بن مظعون واما النسوة فهن رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وسهلة بنت سهل امرأة أبي حذيفة وأم سلمة بنت أبي أمية امرأة أبي سلمة وليلى بنت أبي حثمة امرأة عامر بن ربيعة ووافقه الواقدي في سردهن وزاد اثنين عبد الله بن مسعود وحاطب بن عمرو مع انه ذكر في أول كلامه انهم كانوا أحد عشر رجلا فالصواب ما قال بن إسحاق انه اختلف في الحادي عشر هل هو أبو سبرة أو حاطب واما بن مسعود فجزم بن إسحاق بأنه ما كان بالهجرة الثانية ويؤيده ما روى أحمد بإسناد حسن عن بن مسعود قال بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلا فيهم عبد الله بن مسعود وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعون وأبو موسى الاشعري فذكر الحديث وقد استشكل ذكر أبي موسى فيهم لان المذكور في الصحيح ان أبا موسى خرج من بلاده هو وجماعة قاصدا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فالقتهم السفينة بأرض الحبشة فحضروا مع جعفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ويمكن الجمع بان يكون أبو موسى هاجر اولا إلى مكة فاسلم فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع من بعث إلى الحبشة فتوجه إلى بلاد قومه وهم مقابل الحبشة من الجانب الشرقي فلما تحقق استقرار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة هاجر
[ 144 ]
هو ومن اسلم من قومه إلى المدينة فالقتهم السفينة لاجل هيجان الريح إلى الحبشة فهذا محتمل وفيه جمع من الاخبار فليعتمد والله اعلم وعلى هذا فقول أبي موسى بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم أي إلى المدينة وليس المراد بلغنا مبعثه ويؤيده انه يبعد كل البعد ان يتاخر علم مبعثه إلى مضي نحو عشرين سنة ومع الحمل على مخرجه إلى المدينة فلا بد فيه من زيادة استقراره بها وانتصافه ممن عاداه ونحو ذلك والا فبعيد أيضا ان يخفى عنهم خبر خروجه إلى المدينة ست سنين ويحتمل ان إقامة أبي موسى بأرض الحبشة طالت لاجل تأخر جعفر عن الحضور إلى المدينة حتى يأتيه الاذن من النبي صلى الله عليه وسلم بالقدوم واما عثمان بن مظعون فذكر فيهم وان كان مذكورا في الاولى لان بن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل السير ذكروا ان المسلمين بلغهم وهم بأرض الحبشة ان أهل مكة أسلموا فرجع ناس منهم عثمان بن مظعون إلى مكة فلم يجدوا ما اخبروا به من ذلك صحيحا فرجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة وهي الهجرة الثانية وسرد بن إسحاق أسماء أهل الهجرة الثانية وهم زيادة على ثمانين رجلا وقال بن جرير الطبري كانوا اثنين وثمانين رجلا سوى نسائهم وأبنائهم وشك في عمار بن ياسر هل كان فيهم وبه تتكمل العدة ثلاثة وثمانين وقيل ان عدة نسائهم كانت ثماني عشرة امرأة قوله وقالت عائشة اريت دار هجرتكم الخ هذا وقع بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة كما سيأتي بيانه موصولا مطولا في باب الهجرة إلى المدينة قوله فيه عن أبي موسى وأسماء اما حديث أبي موسى فسياتي في آخر الباب واما حديث أسماء وهي بنت عميس فسياتي في غزوة خيبر من طريق أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فذكر الحديث وفيه ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة وقد كانت أسماء هاجرت فيمن هاجر إلى النجاشي الحديث ثم ذكر قصة الوليد بن عقبة التي مضت في مناقب عثمان وتقدم شرحها مستوفي بتمامه وفيه قوله هنا ان تكلم خالك والغرض منها قول عثمان وهاجرت الهجرتين الاوليين كما قلت والاوليين بضم الهمزة وتحتانيتين تثنية أولى وهو على طريق التغليب بالنسبة إلى هجرة الحبشة فانها كانت أولى وثانية واما المدينة فلم تكن الا واحدة ويحتمل ان تكون الاولية بالنسبة إلى أعيان من هاجر فانهم هاجروا متفرقين فتعدد بالنسبة إليهم فمن أول من هاجر عثمان قوله وقال يونس هو بن يزيد وابن أخي الزهري هو محمد بن عبد الله بن مسلم عن الزهري بالاسناد المذكور وطريق يونس
[ 145 ]
وصلها المؤلف في مناقب عثمان واما طريق بن أخي الزهري فوصلها قاسم بن اصبغ في مصنفه ومن طريقه بن عبد البر في تمهيده وهو باللفظ الذي علقه المصنف وهذا التعليق عن هذين وكذا الذي بعده من التفسير في رواية المستملي وحده قوله قال أبو عبد الله بلاء من ربكم الخ وقع في رواية المستملي وحده أيضا وأورده هنا لقوله قد ابتلاك الله والمراد به الاختبار ولهذا قال هو من بلوته إذا استخرجت ما عنده واستشهد بقوله نبلو أي نختبر ومبتليكم أي مختبركم ثم استطرد فقال واما قوله بلاء من ربكم عظيم أي نعم وهو من ابتليته إذا انعمت عليه والاول من ابتليته إذا امتحنته وهذا كله كلام أبي عبيدة في المجاز فرقه في مواضعه وتحرير ذلك ان لفظ البلاء من الاضداد يطلق ويراد به النعمة ويطلق ويراد به النقمة ويطلق أيضا على الاختبار ووقع ذلك كله في القرآن كقوله تعالى بلاء حسنا فهذا من النعمة والعطية وقوله بلاء عظيم فهذا من النقمة ويحتمل ان يكون من الاختبار وكذلك قوله ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والابتلاء بلفظ الافتعال يراد به النقمة والاختبار أيضا الحديث الثاني حديث عائشة ان أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة الحديث كانت أم سلمة قد هاجرت في الهجرة الاولى االى الحبشة مع زوجها أبي سلمة بن عبد الاسد كما تقدم بيانه وهاجرت أم حبيبة وهي بنت أبي سفيان في الهجرة الثانية مع زوجها عبيد الله بن جحش فمات هناك ويقال انه قد تنصر وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعده وقد تقدم شرح الحديث في كتاب الجنائز الحديث الثالث حديث أم خالد بنت خالد وهو بن سعيد بن العاص بن أمية وكان أبوها ممن هاجر في الهجرة الثانية إلى الحبشة وولدت له هناك فسماها امة وكناها أم خالد وأمها امينة بالتصغير ويقال همينة بالهاء بدل الهمزة بنت خلف الخزاعية قوله حدثنا إسحاق بن سعيد السعيدي هو بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص وجد أبيه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص الاصغر هو بن عم أم خالد المذكورة وسيأتي شرح الحديث في كتاب اللباس ان شاء الله تعالى الحديث الرابع حديث عبد الله وهو بن مسعود وسليمان في الاسناد هو الاعمش قوله فلما رجعنا من عند النجاشي قد قدمت من عند أحمد حديث بن مسعود انه كان ممن هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية وتقدم شرح حديث الباب مستوفي في آخر الصلاة وبينت هناك ان رجوع بن مسعود من الحبشة وقع لما بلغ المسلمين الذين بالحبشة ان النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة فوصل منهم إلى مكة أكثر من ثلاثين رجلا وكان وصول بن مسعود إلى المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر وظهر بما تقدم من أسماء أهل الهجرة الاولى إلى الحبشة وهم من زعم ان بن مسعود كان منهم وانما كان من أهل الهجرة الثانية الحديث الخامس حديث أبي موسى وهو الاشعري قال بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم أي مبعثه قوله ونحن باليمن أي من بلاد قومهم قوله فركبنا سفينة أي لنصل فيها إلى مكة قوله فالقتنا سفينتنا إلى النجاشي كان الريح هاجت عليهم فما ملكوا أمرهم حتى اوصلتهم بلاد الحبشة قوله في آخر
[ 146 ]
الحديث فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكم أنتم أهل السفينة هجرتان سيأتي هذا الحديث في غزوة خيبر مطولا وفيه البيان بان هذه الجملة الاخيرة انما هي من حديث أسماء بنت عميس كما أشرت إليه في أول الباب والله اعلم تكملة ارض الحبشة بالجانب الغربي من بلاد اليمن ومسافتها طويلة جدا وهم اجناس وجميع فرق السودان يعطون الطاعة لملك الحبشة وكان في القديم يلقب بالنجاشي واما اليوم فيقال له الحطي بفتح المهملة وكسر الطاء المهملة الخفيفة بعدها تحتانية خفيفة ويقال انهم من ولد حبش بن كوش بن حام قال بن دريد جمع الحبش احبوش بضم أوله واما قولهم الحبشة فعلى غير القياس وقد قالوا أيضا حبشان وقالوا احبش واصل التحبيش التجميع والله اعلم قوله باب موت النجاشي تقدم ذكر اسمه واسم أبيه في الجنائز وان النجاشي لقب من ملك الحبشة وأفاد بن التين انه بسكون الياء يعني انها اصلية لا ياء النسب وحكى غيره تشديدها أيضا وحكى بن دحية كسر نونه وذكر موته هنا استطرادا لكون المسلمين هاجروا إليه وانما وقعت وفاته بعد الهجرة سنة تسع عند الاكثر وقيل سنة ثمان قبل فتح مكة كما ذكره البهيقي في دلائل النبوة وقد استشكل كونه لم يترجم بإسلامه وهذا موضعه وترجم بموته وانما مات بعد ذلك بزمن طويل والجواب انه لما لم يثبت عنده القصة الواردة في صفة إسلامه وثبت عنده الحديث الدال على إسلامه وهو صريح في موته ترجم به ليستفاد من الصلاة عليه انه كان قد اسلم قوله فصلوا على اخيكم اصحمة بمهملتين وزن أربعة تقدم ضبطه في كتاب الجنائز وبيان الاختلاف فيه وانه قيل فيه بالخاء المعجمة قوله في الرواية الثانية حدثنا سعيد هو بن أبي عروبة قوله في الرواية الثالثة عن سليم هو بفتح أوله قوله تابعه عبد الصمد هو بن عبد الوارث أي ان عبد الصمد تابع يزيد بن هارون في روايته إياه عن سليم بن حبان وقد تقدم بيان من وصله في كتاب الجنائز قوله في حديث أبي هريرة عن صالح هو بن كيسان قوله وعن صالح عن بن شهاب هو معطوف على الاسناد الموصول قوله حدثني سعيد هو بن المسيب ووقع في رواية الكشميهني وحده وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهو زيادة لم يتابع عليها ولم يذكرها مسلم في إسناد هذا الحديث وقد تقدم الكلام على مباحث حديثي الباب في كتاب الجنائز قوله باب تقاسم المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك أول يوم من المحرم سنة سبع من البعثة وكان النجاشي قد جهز جعفرا ومن معه فقدموا والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وذلك في صفر منها فلعله مات بعد ان جهزهم وفي الدلائل للبيهقي انه مات قبل الفتح وهو اشبه قال بن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أصحاب المغازي لما رات قريش ان الصحابة قد نزلوا ارضا اصابوا بها امانا وان عمر اسلم وان الاسلام فشا في القبائل اجمعوا على ان يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وبني المطلب فادخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله فأجابوه إلى ذلك حتى كفارهم فعلوا ذلك حمية على عادة الجاهلية فلما رات قريش ذلك اجمعوا على ان يكتبوا بينهم وبين بني هاشم والمطلب كتابا ان لا يعاملوهم ولا يناكحوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا ذلك وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي
[ 147 ]
فشلت اصابعه ويقال ان الذي كتبها النضر بن الحارث وقيل طلحة بن أبي طلحة العبدري قال بن إسحاق فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب فكانوا معه كلهم الا أبا لهب فكان مع قريش وقيل كان ابتداء حصرهم في المحرم سنة سبع من المبعث قال بن إسحاق فاقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين حتى جهدوا ولم يكن يأتيهم شئ من الاقوات الا خفية حتى كانوا يؤذون من اطلعوا على انه أرسل إلى بعض اقاربه شيئا من الصلات إلى ان قام في نقض الصحيفة نفر من اشدهم في ذلك صنيعا هشام بن عمرو بن الحارث العامري وكانت أم أبيه تحت هاشم بن عبد مناف قبل ان يتزوجها جده فكان يصلهم وهم في الشعب ثم مشي إلى زهير بن أبي أمية وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فكلمه في ذلك فوافقه ومشيا جميعا إلى المطعم بن عدي والى زمعة بن الاسود فاجتمعوا على ذلك فلما جلسوا بالحجر تكلموا في ذلك وانكروه وتواطئوا عليه فقال أبو جهل هذا أمر قضى بليل وفي آخر الامر اخرجوا الصحيفة فمزقوها وأبطلوا حكمها وذكر بن هشام انهم جدوا الارضة قد اكلت جميع ما فيها الا اسم الله تعالى واما بن إسحاق وموسى بن عقوبة وعروة فذكروا عكس ذلك ان الارضة لم تدع اسما لله تعالى الا اكلته وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة فالله اعلم وذكر الواقدي ان خروجهم من الشعب كان في سنة عشر من المبعث وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين ومات أبو طالب بعد ان خرجوا بقليل قال بن إسحاق ومات هو وخديجة في عام واحد فنالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تنله في حياة أبي طالب ولما لم يثبت عند البخاري شئ من هذه القصة اكتفى بإيراد حديث أبي هريرة لان فيه دلالة على أصل القصة لان الذي أورده أهل المغازي من ذلك كالشرح لقوله في الحديث تقاسموا على الكفر قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينا منزلنا غدا ان شاء الله تعالى بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر هكذا أورده مختصرا وقد تقدم في الحج من طريق شعيب عن بن شهاب الزهري بهذا الاسناد بلفظ قال حين أراد قدوم مكة وهذا لا يعارض ما في الباب لانه يحمل على انه قال ذلك حين أراد دخول مكة في غزوة الفتح وفي ذلك القدوم غزا حنينا ولكن تقدم أيضا من طريق شعيب عن الزهري بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى نحن نازلون غدا الحديث وهذا ظاهر في انه قاله في حجة الوداع فيحمل قوله في رواية الاوزاعي حين أراد قدوم مكة أي صادرا من منى إليها لطواف الوداع ويحتمل التعدد وسيأتي بيان ذلك مع بقية شرح الحديث في غزوة الفتح من كتاب المغازي ان شاء الله تعالى قوله باب قصة أبي طالب واسمه عند الجميع عبد مناف وشذ من قال عمران بل هو قول باطل نقله بن تيمية في كتاب الرد على الرافضي ان بعض الروافض زعم ان قوله تعالى ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران ان آل عمران هم آل أبي طالب وان اسم أبي طالب عمران واشتهر بكنيته وكان شقيق عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك اوصى به عبد المطلب عند موته إليه فكفله إلى ان كبر واستمر على نصره بعد ان بعث إلى ان مات أبو طالب وقد ذكرنا انه مات بعد خروجهم من الشعب وذلك في آخر السنة العاشرة من المبعث وكان يذب عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرد عنه كل من يؤذيه وهو مقيم مع ذلك على دين قومه وقد تقدم قريبا حديث بن مسعود واما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه واخباره في
[ 148 ]
حياطته والذب عنه معروفة مشهورة ومما اشتهر من شعره في ذلك قوله والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى اوسد في التراب دفينا وقوله كذبتم وبيت الله نبزي محمدا * ولما نقاتل حوله ونناضل وقد تقدم شئ من هذه القصيدة في كتاب الاستسقاء وحديث بن عباس في هذا الباب يشهد لذلك ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث الاول رضي الله تعالى عنهما قوله عن يحيى هو بن سعيد القطان وسفيان هو الثوري وعبد الملك هو بن عمير وعبد الله بن الحارث هو بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب والعباس عم جده قوله ما اغنيت عن عمك يعني أبا طالب قوله كان يحوطك بضم الحاء المهملة من الحياطة وهي المراعاة وفيه تلميح إلى ما ذكره بن إسحاق قال ثم ان خديجة وأبا طالب هلكا في عام واحد قبل الهجرة بثلاث سنين وكانت خديجة له وزيرة صدق على الاسلام يسكن إليها وكان أبو طالب له عضدا وناصرا على قومه فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا فحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته يقول ما نالتنى قريش شيئا اكرهه حتى مات أبو طالب قوله ويغضب لك يشير إلى ما كان يرد به عنه من قول وفعل قوله هو في ضحضاح بمعجمتين ومهملتين هو استعارة فان الضحضاح من الماء ما يبلغ الكعب ويقال أيضا لما قرب من الماء وهو ضد الغمرة والمعنى انه خفف عنه العذاب وقد ذكر في حديث أبي سعيد ثالث أحاديث الباب انه يجعل في ضحضاح يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه ووقع في حديث بن عباس عند مسلم ان اهون أهل النار عذابا أبو طالب له نعلان يغلي منهما دماغه ولاحمد من حديث أبي هريرة مثله لكن لم يسم أبا طالب وللبزار من حديث جابر قيل للنبي صلى الله عليه وسلم هل نفعت أبا طالب قال اخرجته من النار إلى ضحضاح منها وسيأتي في اواخر الرقاق من حديث النعمان بن بشير نحوه وفي اخره كما يغلي المرجل بالقمقم والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم الاناء الذي يغلى فيه الماء وغيره والقمقم بضم القافين وسكون الميم الاولى معروف وهو الذي يسخن فيه الماء قال بن الاثير كذا وقع كما يغلي المرجل بالقمقم وفيه نظر ووقع في نسخة كما يغلي المرجل والقمقم وهذا أوضح ان ساعدته الرواية انتهى ويحتمل ان تكون الباء بمعنى مع وقيل القمقم هو البسر كانوا يغلونه على النار استعجالا لنضجه فان ثبت هذا زال الاشكال تنبيه في سؤال العباس عن حال أبي طالب ما يدل على ضعف ما أخرجه بن إسحاق من حديث بن عباس بسند فيه من لم يسم ان أبا طالب لما تقارب منه الموت بعد ان عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم ان يقول لا إله إلا الله فأبى قال فنظر العباس إليه وهو يحرك شفتيه فأصغى إليه فقال يا بن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي امرته ان يقولها وهذا الحديث لو كان طريقه صحيحا لعارضه هذا الحديث الذي هو أصح منه فضلا عن انه لا يصح وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود من حديث علي قال لما مات أبو طالب قلت يا رسول الله ان عمك الشيخ الضال قد مات قال اذهب فواره قلت انه مات مشركا فقال اذهب فواره الحديث ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الاحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب ولا يثبت من ذلك شئ وبالله التوفيق وقد لخصت ذلك في ترجمة أبي طالب من كتاب الاصابة الحديث الثاني قوله حدثنا محمود هو بن
[ 149 ]
غيلان قوله عن أبيه هو حزن بفتح المهملة وسكون الزاي أي بن أبي وهب المخزومي قوله ان أبا طالب لما حضرته الوفاة أي قبل ان يدخل في الغرغرة قوله احاج بتشديد الجيم واصله احاجج وقد تقدم في اواخر الجنائز بلفظ اشهد لك بها عند الله وكأنه عليه الصلاة والسلام فهم من امتناع أبي طالب من الشهادة في تلك الحالة انه ظن ان ذلك لا ينفعه لوقوعه عند الموت أو لكونه لم يتمكن من سائر الاعمال كالصلاة وغيرها فلذلك ذكر له المحاججة واما لفظ الشهادة فيحتمل ان يكون ظن ان ذلك لا ينفعه إذ لم يحضره حينئذ أحد من المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم فطيب قلبه بأن يشهد له بها فينفعه وفي رواية أبي حازم عن أبي هريرة عند أحمد فقال أبو طالب لولا ان تعيرني قريش يقولون ما حمله عليه الا جزع الموت لاقررت بها عينك واخرج بن إسحاق من حديث بن عباس نحوه قوله وعبد الله بن أبي أمية أي بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وهو أخو أم سلمة التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وقد اسلم عبد الله هذا يوم الفتح واستشهد في تلك السنة في غزوة حنين قوله على ملة عبد المطلب خبر مبتدأ محذوف أي هو وثبت كذلك في طريق أخرى قوله فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ونزلت انك لا تهدي من أحببت اما نزول هذه الآية الثانية فواضح في قصة أبي طالب واما نزول التي قبلها ففيه نظر ويظهر ان المراد ان الآية المتعلقة بالاستغفار نزلت بعد أبي طالب بمدة وهي عامة في حقه وفي حق غيره ويوضح ذلك ما سيأتي في التفسير بلفظ فانزل الله بعد ذلك ما كان للنبي والذين آمنوا الآية وانزل في أبي طالب انك لا تهدي من أحببت ولاحمد من طريق أبي حازم عن أبي هريرة في قصة أبي طالب قال فأنزل الله انك لا تهدي من أحببت وهذا كله ظاهر في انه مات على غير الاسلام ويضعف ما ذكره السهيلي انه رأى في بعض كتب المسعودي انه اسلم لان مثل ذلك لا يعارض ما في الصحيح الحديث الثالث قوله حدثني بن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد وهو المراد بقوله في الرواية الثانية عن يزيد بهذا أي الاسناد والمتن الا مانبه عليه قوله عن عبد الله بن خباب أي المدني الانصاري مولاهم وكان من ثقات المدنيين ولم ار له رواية عن غير أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وروى عنه جماعة من التابعين من أقرانه ومن بعده قوله وذكره عنده عمه زاد في رواية أخرى عن بن الهاد الآتية في الرقاق أبو طالب ويؤخذ من الحديث الاول ان الذاكر هو العباس بن عبد المطلب لانه الذي سأل عن ذلك قوله يبلغ كعبيه قال السهيلي الحكمة فيه ان أبا طالب كان تابعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بجملته الا انه استمر ثابت القدم على دين قومه فسلط العذاب على قدميه خاصة لتثبيته اياهما على دين قومه كذا قال ولا يخلو عن نظر قوله يغلي منه دماغه وفي الرواية التي تليها يغلي منه أم دماغه قال الداودي المراد أم رأسه وأطلق على الراس الدماغ من تسمية الشئ بما يقاربه ويجاوره ووقع في رواية بن إسحاق يغلي منه دماغه حتى يسيل على قدمه وفي الحديث جواز زيارة القريب المشرك وعيادته وان التوبة مقبولة ولو في شدة مرض الموت حتى يصل إلى المعاينة فلا يقبل لقوله تعالى فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا باسنا وان الكافر إذا شهد شهادة الحق نجا من العذاب لان الاسلام يجب ما قبله وان عذاب الكفار متفاوت والنفع الذي حصل لابي طالب من خصائصه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وانما عرض النبي صلى الله عليه وسلم
[ 150 ]
عليه ان يقول لا إله إلا الله ولم يقل فيها محمد رسول الله لان الكلمتين صارتا كالكلمة الواحدة ويحتمل ان يكون أبو طالب كان يتحقق انه رسول الله ولكن لا يقر بتوحيد الله ولهذا قال في الابيات النونية ودعوتني وعلمت انك صادق * ولقد صدقت وكنت قبل أمينا فاقتصر على امره له بقول لا إله إلا الله فإذا أقر بالتوحيد لم يتوقف على الشهادة بالرسالة تكملة من عجائب الاتفاق ان الذين ادركهم الاسلام من اعمام النبي صلى الله عليه وسلم أربعة لم يسلم منهم اثنان واسلم اثنان وكان اسم من لم يسلم ينافي أسامي المسلمين وهما أبو طالب واسمه عبد مناف وأبو لهب واسمه عبد العزى بخلاف من اسلم وهما حمزة والعباس قوله حديث الاسراء وقول الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا سيأتي البحث في لفظ أسرى في تفسير سورة سبحان ان شاء الله تعالى قال بن دحية جنح البخاري إلى ان ليلة الاسراء كانت غير ليلة المعراج لانه افرد لكل منهما ترجمة قلت ولا دلالة في ذلك على التغاير عنده بل كلامه في أول الصلاة ظاهر في اتحادهما وذلك انه ترجم باب كيف فرضت الصلاة ليلة الاسراء والصلاة انما فرضت في المعراج فدل على اتحادهما عنده وانما افرد كلا منهما بترجمة لان كلا منهما يشتمل على قصة مفردة وان كانا وقعا معا وقد روى كعب الاحبار ان باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس فأخذ منه بعض العلماء ان الحكمة في الاسراء إلى بيت المقدس قبل العروج ليحصل العروج مستويا من غير تعويج وفيه نظر لورود ان في كل سماء بيتا معمورا وان الذي في السماء الدنيا حيال الكعبة وكان المناسب ان يصعد من مكة ليصل إلى البيت المعمور بغير تعويج لانه صعد من سماء إلى سماء إلى البيت المعمور وقد ذكر غيره مناسبات أخرى ضعيفة فقيل الحكمة في ذلك ان يجمع صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة بين رؤية القبلتين أو لان بيت المقدس كان هجرة غالب الانبياء قبله فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين اشتات الفضائل أو لانه محل الحشر وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الاحوال الاخروية فكان المعراج منه أليق بذلك أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسا ومعنى أو ليجتمع بالانبياء جملة كما سيأتي بيانه وسيأتي مناسبة أخرى للشيخ بن أبي جمرة قريبا والعلم عند الله وقد اختلف السلف بحسب اختلاف الاخبار الواردة فمنهم من ذهب إلى ان الاسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه بعد المبعث والى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين وتواردت عليه ظواهر الاخبار الصحيحة ولا ينبغي العدول عن ذلك إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل نعم جاء في بعض الاخبار مايخالف بعض ذلك فجنح لاجل ذلك بعض أهل العلم منهم إلى ان ذلك كله وقع مرتين مرة في المنام توطئة وتمهيدا ومرة ثانية في اليقظة كما وقع نظير ذلك في ابتداء مجئ الملك بالوحي فقد قدمت في أول الكتاب ما ذكره بن ميسرة التابعي الكبير وغيره ان ذلك وقع في المنام وانهم جمعوا بينه وبين حديث عائشة بان ذلك وقع مرتين والى هذا ذهب المهلب شارح البخاري وحكاه عن طائفة وأبو نصر بن القشيري ومن قبلهم أبو سعيد في شرف المصطفى قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم معاريج منها ما كان في الليقظة ومنها ما كان في المنام وحكاه السهيلي عن بن العربي واختاره وجوز بعض قائلي ذلك ان تكون قصة المنام وقعت قبل المبعث لاجل قول شريك في روايته عن أنس وذلك قبل
[ 151 ]
ان يوحى إليه وقد قدمت في آخر صفة النبي صلى الله عليه وسلم بيان ما يرتفع به الاشكال ولا يحتاج معه إلى هذا التأويل ويأتي بقية شرحه في الكلام على حديث شريك وبيان ما خالفه فيه غيره من الرواة والجواب عن ذلك وشرحه مستوفى في كتاب التوحيد ان شاء الله تعالى وقال بعض المتأخرين كانت قصة الاسراء في ليلة المعراج في ليلة متمسكا بما ورد في حديث أنس من رواية شريك من ترك ذكر الاسراء وكذا في ظاهر حديث مالك بن صعصعة هذا ولكن ذلك لا يستلزم التعدد بقول هو محمول على ان بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الاخر كما سنبينه وذهب بعضهم إلى ان الاسراء كان في اليقظة والمعراج كان في المنام أو ان الاختلاف في كونه يقظة أو مناما خاص بالمعراج لا بالاسراء ولذلك لما أخبر به قريشا كذبوه في الاسراء واستبعدوا وقوعه ولم يتعرضوا للمعراج وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى قال سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى فلو وقع المعراج في اليقظة لكان ذلك ابلغ في الذكر فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع مع كون شانه اعجب وأمره أغرب من الاسراء بكثير دل على انه كان مناما واما الاسراء فلو كان مناما لما كذبوه ولا استنكروه لجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس وقيل كان الاسراء مرتين في اليقظة فالاولى رجع من بيت المقدس وفي صبيحته أخبر قريشا بما وقع والثانية أسري به إلى بيت المقدس ثم عرج به من ليلته إلى السماء إلى اخر ما وقع ولم يقع لقريش في ذلك اعتراض لان ذلك عندهم من جنس قوله ان الملك يأتيه من السماء في أسرع من طرفة عين وكانوا يعتقدون استحالة ذلك مع قيام الحجة على صدقه بالمعجزات الباهرة لكنهم عاندوا في ذلك واستمروا على تكذيبه فيه بخلاف اخباره انه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة ورجع فإنهم صرحوا بتكذيبه فيه فطلبوا منه نعت بيت المقدس لمعرفتهم به وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك فأمكنهم استعلام صدقه في ذلك بخلاف المعراج ويؤيد وقوع المعراج عقب الاسراء في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس عند مسلم ففي أوله أتيت بالبراق فركبت حتى أتيت بيت المقدس فذكر القصة إلى ان قال ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا وفي حديث أبي سعيد الخدري عند بن إسحاق فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج فذكر الحديث ووقع في أول حديث مالك بن صعصعة ان النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به فذكر الحديث فهو وان لم يذكر فيه الاسراء إلى بيت المقدس فقد أشار إليه وصرح به في روايته فهو المعتمد واحتج من زعم ان الاسراء وقع مفردا بما أخرجه البزار والطبراني وصححه البيهقي في الدلائل من حديث شداد بن أوس قال قلنا يا رسول الله كيف أسري بك قال صليت صلاة العتمة بمكة فأتاني جبريل بداية فذكر الحديث في مجيئه بيت المقدس وما وقع له فيه قال ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا فذكره قال ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة وفي حديث أم هانئ عند بن إسحاق وأبي يعلى نحو ما في حديث أبي سعيد هذا فإن ثبت ان المعراج كان مناما على ظاهر رواية شريك عن أنس فينتظم من ذلك ان الاسراء وقع مرتين مرة على انفراده ومرة مضموما إليه المعراج وكلاهما في اليقظة والمعراج وقع مرتين مرة في المنام على انفراده توطئة وتمهيدا ومرة في اليقظة مضموما إلى الاسراء واما كونه قبل البعث فلا يثبت ويأتي تأويل ما وقع في رواية شريك ان شاء الله تعالى وجنح الامام أبو شامة إلى وقوع المعراج مرارا واستند إلى ما أخرجه البزار وسعيد بن منصور من طريق أبي عمران الجوني عن أنس رفعه
[ 152 ]
قال بينا انا جالس إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي فقمنا إلى شجرة فيها مثل وكري الطائر فقعدت في أحدهما وقعد جبريل في الاخر فارتفعت حتى سدت الخافقين الحديث وفيه ففتح لي باب من السماء ورأيت النور الاعظم وإذا دونه حجاب رفرف الدر والياقوت ورجاله لا بأس بهم الا ان الدارقطني ذكر له علة تقتضي إرساله وعلى كل حال فهي قصة أخرى الظاهر انها وقعت بالمدينة ولا بعد في وقوع امثالها وانما المستبعد وقوع التعدد في قصة المعراج التي وقع فيها سؤاله عن كل نبي وسؤال أهكل باب هل بعث إليه وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك فان تعدد ذلك في اليقظة لا يتجه فيتعين رد بعض الروايات المختلفة إلى بعض أو الترجيح الا انه لا بعد في جميع وقوع ذلك في المنام توطئة ثم وقوعه في اليقظة على وفقه كما قدمته ومن المستغرب قول بن عبد السلام في تفسيره كان الاسراء في النوم واليقظة ووقع بمكة والمدينة فان كان يريد تخصيص المدينة بالنوم ويكون كلامه على طريق اللف والنشر غير المرتب فيحتمل ويكون الاسراء الذي اتصل به المعراج وفرضت فيه الصلوات في اليقظة بمكة والاخر في المنام بالمدينة وينبغي ان يزاد فيه ان الاسراء في المنام تكرر بالمدينة النبوية وفي الصحيح حديث سمرة الطويل الماضي في الجنائز وفي غيره حديث عبد الرحمن بن سمرة الطويل وفي الصحيح حديث بن عباس في رؤياه الانبياء وحديث بن عمر في ذلك وغير ذلك والله اعلم قوله سبحان أصلها للتنزيه وتطلق في موضع التعجب فعلى الاول المعنى تنزه الله عن ان يكون رسوله كذابا وعلى الثاني عجب الله عباده بما انعم به على رسوله ويحتمل ان تكون بمعنى الامر أي سبحوا الذي أسرى قوله أسرى مأخوذ من السرى وهو سير الليل تقول أسرى وسرى إذا سار ليلا بمعنى هذا قول الاكثر وقال الحوفي أسرى سار ليلا وسرى سار نهارا وقيل أسرى سار من أول الليل وسرى سار من اخره وهذا أقرب والمراد بقوله أسرى بعبده أي جعل البراق يسري به كما يقال امضيت كذا أي جعلته يمضي وحذف المفعول لدلالة السياق عليه ولان المراد ذكر المسري به لا ذكر الدابة والمراد بقوله بعبده محمد عليه الصلاة والسلام اتفاقا والضمير لله تعالى والاضافة للتشريف وقوله ليلا ظرف للاسراء وهو للتأكيد وفائدته رفع توهم المجاز لانه قد يطلق على سير النهار أيضا ويقال بل هو إشارة إلى ان ذلك وقع في بعض الليل لا في جميعه والعرب تقول سرى فلان ليلا إذا سار بعضه وسرى ليلة إذا سار جميعها ولا يقال أسرى ليلا الا إذا وقع سيره في اثناء الليل وإذا وقع في أوله يقال ادلج ومن هذا قوله تعالى في قصة موسى وبني إسرائيل فأسر بعبادي ليلا أي من وسط الليل قوله سمعت جابر بن عبد الله كذا في رواية الزهري عن أبي سلمة وخالفه عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة فقال عن أبي هريرة أخرجه مسلم وهو محمول على ان لابي سلمة فيه شيخين لان في رواية عبد الله بن الفضل زيادة ليست في رواية الزهري قوله لما كذبني في رواية الكشميهني كذبتني بزيادة مثناة وكلاهما جائز وقد وقع بيان ذلك في طرق أخرى فروى البهيقي في الدلائل من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أبي سلمة قال افتتن ناس كثير يعني عقب الاسراء فجاء ناس إلى أبي بكر فذكروا له فقال اشهد انه صادق فقالوا وتصدقه بأنه اتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة قال نعم اني اصدقه بأبعد من ذلك اصدقه بخبر السماء قال فسمي بذلك الصديق قال سمعت جابرا يقول فذكر الحديث وفي حديث بن عباس عند أحمد والبزار بإسناد حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان
[ 153 ]
ليلة أسري بي واصبحت بمكة مر بي عدو الله أبو جهل فقال هل كان من شئ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس قال ثم أصبحت بين اظهرنا قال نعم قال فان دعوت قومك اتحدثهم بذلك قال نعم قال يا معشر بني كعب بن لؤي قال فانفضت إليه المجالس حتى جاءوا إليهما فقال حدث قومك بما حدثتني فحدثهم قال فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا قالوا وتستطيع ان تنعت لنا المسجد الحديث ووقع في غير هذه الرواية بيان ما رآه ليلة الاسراء فمن ذلك ما وقع عند النسائي من رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل الحديث وفيه فركبت ومعي جبريل فسرت فقال انزل فصل ففعلت فقال أتدري أين صليت صليت بطيبة واليها المهاجرة يعني بفتح الجيم ووقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني انه أول ما أسري به مر بأرض ذات نخل فقال له جبريل انزل فصل فنزل فصلى فقال صليت بيثرب ثم قال في روايته ثم قال انزل فصل مثل الاول قال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى ثم قال انزل فذكر مثله قال صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى وقال في رواية شداد بعد قوله يثرب ثم مر بأرض بيضاء فقال انزل فصل فقال صليت بمدين وفيه انه دخل المدينة من بابها اليماني فصلى في المسجد وفيه انه مر في رجوعه بعير لقريش فسلم عليهم فقال بعضهم هذا صوت محمد وفيه انه أعلمهم بذلك وان عيرهم تقدم في يوم كذا فقدمت الظهر يقدمهم الجمل الذي وصفه وزاد في رواية يزيد بن أبي مالك ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الانبياء فقدمني جبريل حتى أممتهم وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس عند البهيقي في الدلائل انه مر بشئ يدعوه متنحيا عن الطريق فقال له جبريل سر وانه مر على عجوز فقال ما هذه فقال سر وانه مر بجماعة فسلموا فقال له جبريل اردد عليهم وفي اخره فقال له الذي دعاك إبليس والعجوز الدنيا والذين سلموا إبراهيم وموسى وعيسى وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني والبزار انه مر بقوم يزرعون ويحصدون كلما حصدوا عاد كما كان قال جبريل هؤلاء المجاهدون ومر بقوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت قال هؤلاء الذين تثاقل رؤوسهم عن الصلاة ومر بقوم على عوراتهم رقاع يسرحون كالانعام قال هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة ومر بقوم يأكلون لحما نيئا خبيثا ويدعون لحما نضيجا طيبا قال هؤلاء الزناة ومر برجل جمع حزمة حطب لايستطيع حملها ثم هو يضم إليها غيرها قال هذا الذي عنده الامانة لا يؤديها وهو يطلب أخرى ومر بقوم تقرض السنتهم وشفاههم كلما قرضت عادت قال هؤلاء خطباء الفتنة ومر بثور عظيم يخرج من ثقب صغير يريد ان يرجع فلا يستطيع قال هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم فيريد ان يردها فلا يستطيع وفي حديث أبي هريرة عند البزار والحاكم انه صلى ببيت المقدس مع الملائكة وانه اتي هناك بأرواح الانبياء فأثنوا على الله وفيه قول إبراهيم لقد فضلكم محمد وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم عن أنس ثم بعث له آدم فمن دونه فأمهم تلك الليلة أخرجه الطبراني وعند مسلم من رواية عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه ثم حانت الصلاة فأممتهم وفي حديث أبي امامة عند الطبراني في الاوسط ثم اقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدا وفيه ثم مر بقوم بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر وان جبريل قال له هم آكلو الربا وانه مر بقوم مشافرهم كالابل يلتقمون حجرا فيخرج من اسافلهم وان جبريل قال له هؤلاء اكلة أموال اليتامى قوله فجلى الله
[ 154 ]
لي بيت المقدس قيل معناه كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أم سلمة عند مسلم المشار إليها قال فسألوني عن أشياء لم اثبتها فكربت كربا لم أكرب مثله قط فرفع الله لي بيت المقدس انظر إليه ما يسألوني عن شئ الا نبأتهم به ويحتمل ان يريد انه حمل إلى ان وضع بحيث يراه ثم اعيد وفي حديث بن عباس المذكور فجئ بالمسجد وانا انظر إليه حتى وضع عند دار عقيل فنعته وانا انظر إليه وهذا ابلغ في المعجزة ولا استحالة فيه فقد احضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان وهو يقتضي انه ازيل من مكانه حتى احضر إليه وما ذاك في قدرة الله بعزيز ووقع في حديث أم هانئ عند بن سعد فخيل لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن اياته فان لم يكن مغيرا من قوله فجلى وكان ثابتا احتمل ان يكون المراد انه مثل قريبا منه كما تقدم نظيره في حديث اريت الجنة والنار وتأول قوله جئ بالمسجد أي جئ بمثاله والله اعلم ووقع فحديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني ما يؤيد الاحتمال الاول ففيه ثم مررت بعير لقريش فذكر القصة ثم أتيت أصحابي بمكة قبل الصبح فأتاني أبو بكر فقال أين كنت الليلة فقال اني أتيت بيت المقدس فقال انه مسيرة شهر فصفه لي قال ففتح لي شراك كأني انظر إليه لا يسألني عن شئ الا أنبأته عنه وفي حديث أم هانئ أيضا انهم قالوا له كم للمسجد باب قال ولم أكن عددتها فجعلت انظر إليه واعدها بابا بابا وفيه عند أبي يعلى ان الذي سأله عن صفة بيت المقدس هو المطعم بن عدي والد جبير بن مطعم وفيه من الزيادة فقال رجل من القوم هل مررت بابل لنا في مكان كذا وكذا قال نعم والله قد وجدتهم قد اضلوا بعيرا لهم فهم في طلبه ومررت بابل بني فلان انكسرت لهم ناقة حمراء قالوا فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاة قال كنت عن عدتها مشغولا فقام فاتى الابل فعدها وعلم ما فيها من الرعاء ثم اتى قريشا فقال هي كذا وكذا وفيها من الرعاء فلان وفلان فكان كما قال قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة الحكمة في الاسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء إرادة إظهار الحق لمعاندة من يريد إخماده لانه لو عرج به من مكة إلى السماء لم يجد لمعاندة الاعداء سبيلا إلى البيان والايضاح فلما ذكر انه أسري به إلى بيت المقدس سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس كانوا رأوها وعلموا انه لم يكن رآها قبل ذلك فلما أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الاسراء إلى بيت المقدس في ليلة وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره فكان ذلك زيادة في ايمان المؤمن وزيادة في شقاء الجاحد والمعاند انتهى ملخصا قوله باب المعراج كذا للاكثر وللنسفي قصة المعراج وهو بكسر الميم وحكى ضمها من عرج بفتح الراء يعرج بضمها إذا صعد وقد اختلف في وقت المعراج فقيل كان قبل المبعث وهو شاذ الا ان حمل على انه وقع حينئذ في المنام كما تقدم وذهب الاكثر إلى انه كان بعد المبعث ثم اختلفوا فقيل قبل الهجرة بسنة قاله بن سعد وغيره وبه جزم النووي وبالغ بن حزم فنقل الاجماع فيه وهو مردود فان في ذلك اختلافا كثيرا يزيد على عشرة أقوال منها ما حكاه بن الجوزي انه كان قبلها بثمانية اشهر وقيل بستة اشهر وحكى هذا الثاني أبو الربيع بن سالم وحكى بن حزم مقتضى الذي قبله لانه قال كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة وقيل بأحد عشر شهرا جزم به إبراهيم الحربي حيث قال كان في ربيع الاخر قبل الهجرة بسنة ورجحه بن المنير في شرح السيرة لابن عبد البر وقيل قبل الهجرة بسنة وشهرين حكاه بن عبد البر وقيل قبلها بسنة
[ 155 ]
وثلاثة اشهر حكاه بن فارس وقيل بسنة وخمسة اشهر قاله السدي وأخرجه من طريقه الطبري والبهيقي فعلى هذا كان في شوال أو في رمضان على الغاء الكسرين منه ومن ربيع الاول وبه جزم الواقدي وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره بن قتيبة وحكاه بن عبد البر انه كان قبلها بثمانية عشر شهرا وعند بن سعد عن بن أبي سبرة انه كان في رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا وقيل كان في رجب حكاه بن عبد البر وجزم به النووي في الروضة وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين حكاه بن الاثير وحكى عياض وتبعه القرطبي والنووي عن الزهري انه كان قبل الهجرة بخمس سنين ورجحه عياض ومن تبعه واحتج بأنه لا خلاف ان خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة ولا خلاف انها توفيت قبل الهجرة اما بثلاث أو نحوها واما بخمس ولا خلاف ان فرض الصلاة كان ليلة الاسراء قلت في جميع ما نفاه من الخلاف نظر اما اولا فان العسكري حكى انها ماتت قبل الهجرة بسبع سنين وقيل بأربع وعن بن الاعرابي انها ماتت عام الهجرة واما ثانيا فان فرض الصلاة اختلف فيه فقيل كان من أول البعثة وكان ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي وانما الذي فرض ليلة الاسراء الصلوات الخمس واما ثالثا فقد تقدم في ترجمة خديجة في الكلام على حديث عائشة في بدء الخلق ان عائشة جزمت بأن خديجة ماتت قبل ان تفرض الصلاة فالمعتمد ان مراد من قال بعد ان فرضت الصلاة ما فرض قبل الصلوات الخمس ان ثبت ذلك ومراد عائشة بقولها ماتت قبل ان تفرض الصلاة أي الخمس فيجمع بين القولين بذلك ويلزم منه انها ماتت قبل الاسراء واما رابعا ففي سنة موت خديجة اختلاف اخر فحكى العسكري عن الزهري انها ماتت لسبع مضين من البعثة وظاهره ان ذلك قبل الهجرة بست سنين فرعه العسكري على قول من قال ان المدة بين البعثة والهجرة كانت عشرا قوله عن أنس تقدم في أول بدء الخلق من وجه اخر عن قتادة حدثنا أنس قوله عن مالك بن صعصعة أي بن وهب بن عدي بن مالك الانصاري من بني النجار ماله في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث ولا يعرف روي عنه الا أنس بن مالك قوله حدثه عن ليلة أسري كذا للاكثر وللكشميهني أسري به وكذا للنسفي وقوله أسري به صفة ليلة أي أسري به فيها قوله في الحطيم وربما قال في الحجر هو شك من قتادة كما بينه أحمد عن عفان عن همام ولفظه بينا انا نائم في الحطيم وربما قال قتادة قال في الحجر والمراد بالحطيم هنا الحجر وأبعد من قال المراد به ما بين الركن والمقام أو بين زمزم والحجر وهو وان كان مختلفا في الحطيم هل هو الحجر أم لا كما تقدم قريبا في باب بنيان الكعبة لكن المراد هنا بيان البقعة التي وقع ذلك فيها ومعلوم انها لم تتعدد لان القصة متحدة لاتحاد مخرجها وقد تقدم في أول بدء الخلق بلفظ بينا انا عند البيت وهو أعم ووقع في رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر فرج سقف بيتي وانا بمكة وفي رواية الواقدي بأسانيده انه أسري به من شعب أبي طالب وفي حديث أم هانئ عند الطبراني انه بات في بيتها قال ففقدته من الليل فقال ان جبريل أتاني والجمع بين هذه الاقوال انه نام في بيت أم هانئ وبيتها عند شعب أبي طالب ففرج سقف بيته وأضاف البيت إليه لكونه كان يسكنه فنزل منه الملك فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضطجعا وبه اثر النعاس ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد فأركبه البراق وقد وقع في مرسل الحسن عند بن إسحاق ان جبريل أتاه فأخرجه إلى المسجد فأركبه البراق وهو يؤيد هذا الجمع وقيل الحكمة في نزوله
[ 156 ]
عليه من السقف الاشارة إلى المبالغة في مفاجأته بذلك والتنبيه على ان المراد منه ان يعرج به إلى جهة العلو قوله مضطجعا زاد في بدء الخلق بين النائم واليقظان وهو محمول على ابتداء الحال ثم لما خرج به إلى باب المسجد فأركبه البراق استمر في يقظته واما ما وقع في رواية شريك الآتية في التوحيد في اخر الحديث فلما استيقظت فان قلنا بالتعدد فلا اشكال والا حمل على ان المراد باستيقظت افقت أي انه افاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة ا لملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة لو قال صلى الله عليه وسلم انه كان يقظان لاخبر بالحق لان قلبه في النوم واليقظة سواء وعينه أيضا لم يكن النوم تمكن منها لكنه تحرى صلى الله عليه وسلم الصدق في الاخبار بالواقع فيؤخذ منه انه لا يعدل عن حقيقة اللفظ للمجاز الا لضرورة قوله إذ أتاني آت هو جبريل كما تقدم ووقع في بدء الخلق بلفظ وذكر بين الرجلين وهو مختصر وقد اوضحته رواية مسلم من طريق سعيد عن قتادة بلفظ إذ سمعت قائلا يقول أحد الثلاثة بين الرجلين فأتيت فانطلق بي وتقدم في أول الصلاة ان المراد بالرجلين حمزة وجعفر وان النبي صلى الله عليه وسلم كان نائما بينهما ويستفاد منه ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من التواضع وحسن الخلق وفيه جواز نوم جماعة في موضع واحد وثبت من طرق أخرى انه يشترط ان لا يجتمعوا في لحاف واحد قوله فقد بالقاف والدال الثقيلة قال وسمعته يقول فشق القائل قتادة والمقول عنه أنس ولاحمد قال قتادة وربما سمعت أنسا يقول فشق قوله فقلت للجارود لم ار من نسبه من الرواة ولعله بن أبي سبرة البصري صاحب أنس فقد اخرج له أبو داود من روايته عن أنس حديثا غير هذا قوله من ثغرة بضم المثلثة وسكون المعجمة وهي الموضع المنخفض الذي بين الترقوتين قوله إلى شعرته بكسر المعجمة أي شعر العانة وفي رواية مسلم إلى أسفل بطنه وفي بدء الخلق من النحر إلى مراق بطنه وتقدم ضبطه في أوائل الصلاة قوله من قصه بفتح القاف وتشديد المهملة أي رأس صدره قوله إلى شعرته ذكر الكرماني انه وقع إلى ثنته بضم المثلثة وتشديد النون ما بين السرة والعانة وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الاسراء وقال انما كان ذلك وهو صغير في بني سعد ولا إنكار في ذلك فقد تواردت الروايات به وثبت شق الصدر أيضا عند البعثة كما أخرجه أبو نعيم في الدلائل ولكل منهما حكمة فالاول وقع فيه من الزيادة كما عند مسلم من حديث أنس فأخرج علقة فقال هذا حظ الشيطان منك وكان هذا في زمن الطفولية فنشأ على أكمل الاحوال من العصمة من الشيطان ثم وقع شق الصدر عند البعث زيادة في اكرامه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الاحوال من التطهير ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة ويحتمل ان تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في الاسباغ بحصول المرة الثالثة كما تقرر في شرعه صلى الله عليه وسلم ويحتمل ان تكون الحكمة في انفراج سقف بيته الاشارة إلى ما سيقع من شق صدره وانه سيلتئم بغير معالجة يتضرر بها وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الامور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شئ من ذلك قال القرطبي في المفهم لا يلتفت لانكار الشق ليلة الاسراء لان رواته ثقات مشاهير ثم ذكر نحو ما تقدم قوله بطست بفتح أوله وبكسره وبمثناة وقد تحذف وهو الاكثر واثباتها لغة طئ وأخطأ من انكرها قوله من ذهب خص الطست
[ 157 ]
لكونه اشهر آلات الغسل عرفا والذهب لكونه أعلى أنواع الاواني الحسية وأصفاها ولان فيه خواص ليست لغيره ويظهر لها هنا مناسبات منها انه من أواني الجنة ومنها انه لا تأكله النار ولا التراب ولا يلحقه الصدأ ومنها انه اثقل الجواهر فناسب ثقل الوحي وقال السهيلي وغيره ان نظر إلى لفظ الذهب ناسب من جهة اذهاب الرجس عنه ولكونه وقع عند الذهاب إلى ربه وان نظر إلى معناه فلوضاءته ونقائه وصفائه ولثقله ورسوبته والوحي ثقيل قال الله تعالى انا سنلقي عليك قولا ثقيلا ومن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ولانه أعز الاشياء في الدنيا والقول هو الكتاب العزيز ولعل ذلك كان قبل ان يحرم استعمال الذهب في هذه الشريعة ولا يكفي ان يقال ان المستعمل له كان ممن لم يحرم عليه ذلك من الملائكة لانه لو كان قد حرم عليه استعماله لنزه ان يستعمله غيره في أمر يتعلق ببدنه المكرم ويمكن ان يقال ان تحريم استعماله مخصوص بأحوال الدنيا وما وقع في تلك الليلة كان الغالب انه من أحوال الغيب فيلحق بأحكام الآخرة قوله مملوءة كذا بالتأنيث وتقدم في أول الصلاة البحث فيه قوله ايمانا زاد في بدء الخلق وحكمة وهما بالنصب على التمييز قال النووي معناه ان الطست كان فيها شئ يحصل به زيادة في كمال الايمان وكمال الحكمة وهذا الملء يحتمل ان يكون على حقيقته وتجسيد المعاني جائز كما جاء ان سورة البقرة تجئ يوم القيامة كأنها ظلة والموت في صورة كبش وكذلك وزن الاعمال وغير ذلك من أحوال الغيب وقال البيضاوي لعل ذلك من باب التمثيل إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس وقال بن أبي جمرة فيه ان الحكمة ليس بعد الايمان اجل منها ولذلك قرنت معه ويؤيده قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وأصح ما قيل في الحكمة انها وضع الشئ في محله أو الفهم في كتاب الله فعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الايمان وقد لا توجد وعلى الاول فقد يتلازمان لان الايمان يدل على الحكمة قوله فغسل قلبي في رواية مسلم فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم وفيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه قال بن أبي جمرة وانما لم يغسل بماء الجنة لما اجتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من الجنة ثم استقر في الارض فاريد بذلك بقاء بركة النبي صلى الله عليه وسلم في الارض وقال السهيلي لما كانت زمزم هزمة جبريل روح القدس لام إسماعيل جد النبي صلى الله عليه وسلم ناسب ان يغسل بمائها عند دخول حضرة القدس ومناجاته ومن المناسبات المستبعدة قول بعضهم ان الطست يناسب طس تلك آيات القرآن قوله ثم حشي ثم اعيد زاد في رواية مسلم مكانه ثم حشي ايمانا وحكمة وفي رواية شريك فحشي به صدره ولغاديده بلام وغين معجمة أي عروق حلقه وقد اشتملت هذه القصة من خوارق العادة على ما يدهش سامعه فضلا عمن شاهده فقد جرت العادة بأن من شبطنه واخرج قلبه يموت لا محالة ومع ذلك فلم يؤثر فيه ذلك ضررا ولا وجعا فضلا عن غير ذلك قال بن أبي جمرة الحكمة في شق قلبه مع القدرة على ان يمتلئ قلبه ايمانا وحپكمة بغير شق الزيادة في قوة اليقين لانه أعطي برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالا ومقالا ولذلك وصف بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى واختلف هل كان شق صدره وغسله مختصا به أو وقع لغيره من الانبياء وقد وقع عند الطبراني في قصة تابوت بني إسرائيل انه كان فيه الطست التي يغسل فيها قلوب الانبياء وهذا مشعر
[ 158 ]
بالمشاركة وسيأتي نظير هذا البحث في ركوب البراق قوله ثم أتيت بدابة قيل الحكمة في الاسراء به راكبا مع القدرة على طي الارض له إشارة إلى ان ذلك وقع تأنيسا له بالعادة في مقام خرق العادة لان العادة جرت بأن الملك إذا استدعي من يختص به يبعث إليه بما يركبه قوله دون البغل وفوق الحمار أبيض كذا ذكر باعتبار كونه مركوبا أو بالنظر للفظ البراق والحكمة لكونه بهذه الصفة الاشارة إلى ان الركوب كان في سلم وامن لا في حرب وخوف أو لاظهار المعجزة بوقوع الاسراع الشديد بدابة لا توصف بذلك في العادة قوله فقال له الجارود هو البراق يا أبا حمزة قال أنس نعم هذا يوضح ان الذي وقع في رواية بدء الخلق بلفظ دون البغل وفوق الحمار البراق أي هو البراق وقع بالمعنى لان أنسا لم يتلفظ بلفظ البراق في رواية قتادة قوله يضع خطوه بفتح المعجمة أوله المرة الواحدة وبضمها الفعلة قوله عند أقصى طرفه بسكون الراء وبالفاء أي نظره أي يضع رجله عند منتهى ما يرى بصره وفي حديث بن مسعود عند أبي يعلى والبزار إذا اتى على جبل ارتفعت رجلاه وإذا هبط ارتفعت يداه وفي رواية لابن سعد عن الواقدي بأسانيده له جناحان ولم ارها لغيره وعند الثعلبي بسند ضعيف عن بن عباس في صفة البراق لها خد كخد الانسان وعرف كالفرس وقوائم كالابل واظلاف وذنب كالبقر وكان صدره ياقوتة حمراء قيل ويؤخذ من ترك تسمية سير البراق طيرانا ان الله إذا اكرم عبدا بتسهيل الطريق له حتى قطع المسافة الطويلة في الزمن اليسير ان لا يخرج بذلك عن اسم السفر وتجري عليه احكامه والبراق بضم الموحدة وتخفيف الراء مشتق من البريق فقد جاء في لونه انه أبيض أو من البرق لانه وصفه بسرعة السير أو من قولهم شاة برقاء إذا كان خلال صوفها الابيض طاقات سود ولا ينافيه وصفه في الحديث بأن البراق أبيض لان البرقاء من الغنم معدودة في البياض انتهى ويحتمل ان لا يكون مشتقا قال بن أبي جمرة خص البراق بذلك إشارة إلى الاختصاص به لانه لم ينقل ان أحدا ملكه بخلاف غير جنسه من الدواب قال والقدرة كانت صالحة لان يصعد بنفسه من غير براق ولكن ركوب البراق كان زيادة له في تشريفه لانه لو صعد بنفسه لكان في صورة ماش والراكب أعز من الماشي قوله فحملت عليه في رواية لابي سعيد في شرف المصطفى فكان الذي امسك بركابه جبريل وبزمام البراق ميكائيل وفي رواية معمر عن قتادة عن أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به اتي بالبراق مسرجا ملجما فاستصعب عليه فقال له جبريل ما حملك على هذا فوالله ما ركبك خلق قط اكرم على الله منه قال فارفض عرقا أخرجه الترمذي وقال حسن غريب وصححه بن حبان وذكر بن إسحاق عن قتادة انه لما شمس وضع جبريل يده على معرفته فقال اما تستحي فذكر نحوه مرسلا لم يذكر أنسا وفي رواية وثيمة عن بن إسحاق فارتعشت حتى لصقت بالارض فاستويت عليها وللنسائي وابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس نحوه موصولا وزاد وكانت تسخر للانبياء قبله ونحوه في حديث أبي سعيد عند بن إسحاق وفيه دلالة على ان البراق كان معدا لركوب الانبياء خلافا لمن نفى ذلك كابن دحية وأول قول جبريل فما ركبك اكرم على الله منه أي ما ركبك أحد قط فكيف يركبك اكرم منه وقد جزم السهيلي ان البراق استصعب عليه لبعد عهده بركوب الانبياء قبله قال النووي قال الزبيدي في مختصر العيني وتبعه صاحب التحرير كان الانبياء يركبون البراق قال وهذا يحتاج إلى نقل صحيح قلت قد ذكرت النقل بذلك ويؤيده ظاهر قوله فربطته بالحلقة
[ 159 ]
التي تربط بها الانبياء ووقع في المبتدا لابن إسحاق من رواية وثيمة في ذكر الاسراء فاستصعبت البراق وكانت الانبياء تركبها قبلي وكانت بعيدة العهد بركوبهم لم تكن ركبت في الفترة وفي مغازي بن عائذ من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب قال البراق هي الدابة التي كان يزور إبراهيم عليها إسماعيل وفي الطبراني من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه ان جبريل اتى النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق فحمله بين يديه وعند أبي يعلى والحاكم من حديث بن مسعود رفعه أتيت بالبراق فركبت خلف جبريل وفي حديث حذيفة عند الترمذي والنسائي فما زايلا ظهر البراق وفي كتاب مكة للفاكهي والازرقي ان إبراهيم كان يحج على البراق وفي أوائل الروض للسهيلي ان إبراهيم حمل هاجر على البراق لما سار إلى مكة بها وبولدها فهذه اثار يشد بعضها بعضا وجاءت اثار أخرى تشهد لذلك لم ار الاطالة بايرادها ومن الاخبار الواهية في صفة البراق ما ذكره الماوردي عن مقاتل وأورده القرطبي في التذكرة ومن قبله الثعلبي من طريق بن الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس قال الموت والحياة جسمان فالموت كبش لا يجد ريحه شئ الا مات والحياة فرس بلقاء أنثى وهي التي كان جبريل والانبياء يركبونها لاتمر بشئ ولا يجد ريحها شئ الا حيي ومنها ان البراق لما عاتبه جبريل قال له معتذرا انه مس الصفراء اليوم وان الصفراء صنم من ذهب كان عند الكعبة وان النبي صلى الله عليه وسلم مر به فقال تبا لمن يعبدك من دون الله وانه صلى الله عليه وسلم نهى زيد بن حارثة ان يمسه بعد ذلك وكسره يوم فتح مكة قال بن المنير انما استصعب البراق تيها وزهوا بركوب النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأراد جبريل استنطاقه فلذلك خجل وارفض عرقا من ذلك وقريب من ذلك رجفة الجبل به حتى قال له اثبت فانما عليك نبي وصديق وشهيد فانها هزة الطرب لا هزة الغضب ووقع في حديث حذيفة عند أحمد قال اتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق فلم يزايل ظهره هو وجبريل حتى انتهيا إلى بيت المقدس فهذا لم يسنده حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل انه قال عن اجتهاد ويحتمل ان يكون قوله هو وجبريل يتعلق بمرافقته في السير لا في الركوب قال بن دحية وغيره معناه وجبريل قائد أو سائق أو دليل قال وانما جزمنا بذلك لان قصة المعراج كانت كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم فلا مدخل لغيره فيها قلت ويرد التأويل المذكور ان في صحيح بن حبان من حديث بن مسعود ان جبريل حمله على البراق رديفا له وفي رواية الحارث في مسنده اتي بالبراق فركب خلف جبريل فسار بهما فهذا صريح في ركوبه معه فالله اعلم وأيضا فان ظاهره ان المعراج وقع للنبي صلى الله عليه وسلم على ظهر البراق إلى ان صعد السماوات كلها ووصل إلى ما وصل ورجع وهو على حاله وفيه نظر لما سأذكره ولعل حذيفة انما أشار إلى ما وقع في ليلة الاسراء المجردة التي لم يقع فيها معراج على ما تقدم من تقرير وقوع الاسراء مرتين قوله فانطلق بي جبريل فرواية بدء الخلق فانطلقت مع جبريل ولا مغايرة بينهما بخلاف ما نحا إليه بعضهم من أن رواية بدء الخلق تشعر بأنه ما احتاج إلى جبريل في العروج بل كانا معا بمنزلة واحدة لكن معظم الروايات جاء باللفظ الاول وفي حديث أبي ذر في أول الصلاة ثم اخذ بيدي فعرج بي والذي يظهر ان جبريل في تلك الحالة كان دليلا له فيما قصد فلذلك جاء سياق الكلام يشعر بذلك قوله حتى اتى السماء الدنيا ظاهره انه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء وهو مقتضى كلام بن أبي جمرة المذكور قريبا وتمسك به أيضا من زعم ان المعراج كان في ليلة غير ليلة الاسراء إلى
[ 160 ]
بيت المقدس فاما العروج ففي غير هذه الرواية من الاخبار انه لم يكن على البراق بل رقي المعراج وهو السلم كما وقع مصرحا به في حديث أبي سعيد عند بن إسحاق والبيهقي في الدلائل ولفظه فإذا انا بدابة كالبغل مضطرب الاذنين يقال له البراق وكانت الانبياء تركبه قبلي فركبته فذكر الحديث قال ثم دخلت انا وجبريل بيت المقدس فصليت ثم أتيت بالمعراج وفي رواية بن إسحاق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما فرغت مما كان في بيت المقدس اتي بالمعراج فلم ار قط شيئا كان أحسن منه وهو الذي يمد إليه الميت عينيه إذا حضر فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء الحديث وفي رواية كعب فوضعت له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب حتى عرج هو وجبريل وفي رواية لابي سعيد في شرف المصطفى انه اتي بالمعراج من جنة الفردوس وانه منضد باللؤلؤ وعن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة واما المحتج بالتعدد فلا حجة له لاحتمال ان يكون التقصير في ذلك الاسراء من الراوي وقد حفظه ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق فوصفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الانبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل باناءين فذكر القصة قال ثم عرج بي إلى السماء وحديث أبي سعيد دال على الاتحاد وقد تقدم شئ من هذا البحث في أول الصلاة وقوله في رواية ثابت فربطته بالحلقة أنكره حذيفة فروى أحمد والترمذي من حديث حذيفة قال تحدثون انه ربطه أخاف ان يفر منه وقد سخره له عالم الغيب والشهادة قال البيهقي المثبت مقدم على النافي يعني من اثبت ربط البراق والصلاة في بيت المقدس معه زيادة علم على من نفى ذلك فهو أولى بالقبول ووقع في رواية بريدة عند البزار لما كان ليلة أسري به فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس فوضع أصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق ونحوه للترمذي وأنكر حذيفة أيضا في هذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم صلى في بيت المقدس واحتج بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه كما كتب عليكم الصلاة في البيت العتيق والجواب عنه منع التلازم في الصلاة ان كان أراد بقوله كتب عليكم الفرض وان أراد التشريع فنلتزمه وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في بيت المقدس فقرنه بالمسجد الحرام ومسجده في شد الرحال وذكر فضيلة الصلاة فيه فغير ما حديث وفي حديث أبي سعيد عند البهيقي حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الانبياء تربط بها وفيه فدخلت انا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه نحوه وزاد ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد ثم اقيمت الصلاة فأممتهم وفي رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس عند بن أبي حاتم فلم البث الا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير ثم اذن مؤذن فأقيمت الصلاة فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا فأخذ بيدي جبريل فقدمني فصليت بهم وفي حديث بن مسعود عند مسلم وحانت الصلاة فأممتهم وفي حديث بن عباس عند أحمد فلما اتى النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الاقصى قام يصلي فإذا النبيون أجمعون يصلون معه وفي حديث عمر عند أحمد أيضا انه لما دخل بيت المقدس قال أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم إلى القبلة فصلى وقد تقدم شئ من ذلك في الباب الذي قبله قال عياض يحتمل ان يكون صلى بالانبياء جميعا في بيت المقدس ثم صعد منهم إلى السماوات من ذكر انه صلى الله عليه وسلم رآه ويحتمل ان تكون صلاته بهم
[ 161 ]
بعد ان هبط من السماء فهبطوا أيضا وقال غيره رؤيته إياهم في السماء محمولة على رؤية ارواحهم الا عيسى لما ثبت انه رفع بجسده وقد قيل في إدريس أيضا ذلك واما الذين صلوا معه في بيت المقدس فيحتمل الارواح خاصة ويحتمل الاجساد بأرواحها والاظهر ان صلاته بهم ببيت المقدس كان قبل العروج والله اعلم قوله السماء الدنيا في حديث أبي سعيد في ذكر الانبياء عند البيهقي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة وعليه ملك يقال له إسماعيل وتحت يده اثنا عشر الف ملك قوله فاستفتح تقدم القول فيه في أول الصلاة وان قولهم أرسل إليه أي للعروج وليس المراد أصل البعث لا ن ذلك كان قد اشتهر في الملكوت الاعلى وقيل سألوا تعجبا من نعمة الله عليه بذلك أو استبشارا به وقد علموا ان بشرا لا يترقى هذا الترقي الا بإذن الله تعالى وان جبريل لا يصعد بمن لم يرسل إليه وقوله من معك يشعر بأنهم احسوا معه برفيق والا لكان السؤال بلفظ أمعك أحد وذلك الاحساس اما بمشاهدة لكون السماء شفافة واما بأمر معنوي كزيادة أنوار أو نحوها يشعر بتجدد أمر يحسن معه السؤال بهذه الصيغة وفي قول محمد دليل على ان الاسم أولى في التعريف من الكنية وقيل الحكمة في سؤال الملائكة وقد بعث إليه ان الله أراد اطلاع نبيه على انه معروف عند الملا الاعلى لانهم قالوا أو بعث إليه فدل على انهم كانوا يعرفون ان ذلك سيقع له والا لكانوا يقولون ومن محمد مثلا قوله مرحبا به أي أصاب رحبا وسعة وكني بذلك عن الانشراح واستنبط منه بن المنير جواز رد السلام بغير لفظ السلام وتعقب بأن قول الملك مرحبا به ليس ردا للسلام فإنه كان قبل ان يفتح الباب والسياق يرشد إليه وقد نبه على ذلك بن أبي جمرة ووقع هنا ان جبريل قال له عند كل واحد منهم سلم عليه قال فسلمت عليه فرد علي السلام وفيه إشارة إلى انه رآهم قبل ذلك قوله فنعم المجئ جاء قيل المخصوص بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير والتقدير جاء فنعم المجئ مجيؤه وقال بن مالك في هذا الكلام شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول أو الصفة عن الموصوف في باب نعم لانها تحتاج إلى فاعل هو المجئ والى مخصوص بمعناها وهو مبتدأ مخبر عنه بنعم وفاعلها فهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء والتقدير نعم المجئ الذي جاء أو نعم المجئ مجئ جاءه وكونه موصولا أجود لانه مخبر عنه والمخبر عنه إذا كان معرفة أولى من كونه نكرة قوله فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم زاد في رواية أنس عن أبي ذر أول الصلاة ذكر النسم التي عن يمينه وعن شماله وتقدم القول فيه وذكرت هناك احتمالا ان يكون المراد بالنسم المرئية لآدم هي التي لم تدخل الاجساد بعد ثم ظهر لي الآن احتمال اخر وهو ان يكون المراد بها من خرجت من الاجساد حين خروجها لانها مستقرة ولا يلزم من رؤية آدم لها وهو في السماء الدنيا ان يفتح لها أبواب السماء ولا تلجها وقد وقع في حديث أبي سعيد عند البيهقي ما يؤيده ولفظه فإذا انا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين وفي حديث أبي هريرة عند البزار فإذا عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة الحديث فظهر من الحديثين عدم اللزوم المذكور وهذا أولى مما جمع به القرطبي في المفهم ان ذلك في حالة مخصوصة قوله بالابن الصالح والنبي الصالح قيل اقتصر الانبياء على وصفه بهذه الصفة وتواردوا عليها لان
[ 162 ]
الصلاح صفة تشمل خلال الخير ولذلك كررها كل منهم عند كل صفة والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد فمن ثم كانت كلمة جامعة لمعاني الخير وفي قول آدم بالابن الصالح إشارة إلى افتخاره بأبوة النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي في التوحيد بيان الحكمة في خصوص منازل الانبياء من السماء قوله ثم صعد بي حتى اتى السماء الثانية وفيه فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال النووي قال بن السكيت يقال ابنا خالة ولا يقال ابنا عمة ويقال ابنا عم ولا يقال ابنا خال اه ولم يبين سبب ذلك والسبب فيه ان ابني الخالة أم كل منهما خالة الآخر لزوما بخلاف ابني العمة وقد توافقت هذه الرواية مع رواية ثابت عن أنس عند مسلم ان في الاولى آدم وفي الثانية يحيى وعيسى وفي الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم وخالف ذلك الزهري في روايته عن أنس عن أبي ذر انه لم يثبت اسماؤهم وقال فيه وإبراهيم في السماء السادسة ووقع في رواية شريك عن أنس ان إدريس في الثالثة وهارون في الرابعة واخر في الخامسة وسياقه يدل على انه لم يضبط منازلهم أيضا كما صرح به الزهري ورواية من ضبط أولى ولا سيما مع اتفاق قتادة وثابت وقد وافقهما يزيد بن أبي مالك عن أنس الا انه خالف في إدريس وهارون فقال هارون في الرابعة وإدريس في الخامسة ووافقهم أبو سعيد الا ان في رواية يوسف في الثانية وعيسى ويحيى في الثالثة والاول اثبت وقد استشكل رؤية الانبياء في السماوات مع ان اجسادهم مستقرة في قبورهم بالارض وأجيب بأن ارواحهم تشكلت بصور أجسادهم أو احضرت اجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة تشريفا له وتكريما ويؤيده حديث عبد الرحمن بن هاشم عن أنس ففيه وبعث له آدم فمن دونه من الانبياء فافهم وقد تقدمت الاشارة إليه في الباب الذي قبله قوله فلما خلصت إذا يوسف زاد مسلم في رواية ثابت عن أنس فإذا هو قد أعطي شطر الحسن وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي وأبي هريرة عند بن عائذ والطبراني فإذا انا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب وهذا ظاهره ان يوسف عليه السلام كان أحسن من جميع الناس لكن روى الترمذي من حديث أنس ما بعث الله نبيا الا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم احسنهم وجها واحسنهم صوتا فعلى هذا فيحمل حديث المعراج على ان المراد غير النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده قول من قال ان المتكلم لايدخل في عموم خطابه واما حديث الباب فقد حمله بن المنير على ان المراد ان يوسف أعطي شطر الحسن الذي اوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم والله اعلم وقد اختلف في الحكمة في اختصاص كل منهم بالسماء التي التقاه بها فقيل ليظهر تفاضلهم في الدرجات وقيل لمناسبة تتعلق بالحكمة في الاقتصار على هؤلاء دون غيرهم من الانبياء فقيل امروا بملاقاته فمنهم من أدركه في أول وهلة ومنهم من تأخر فلحق ومنهم من فاته وهذا زيفه السهيلي فأصاب وقيل الحكمة في الاقتصار على هؤلاء المذكورين للاشارة إلى ما سيقع له صلى الله عليه وسلم مع قومه من نظير ما وقع لكل منهم فاما آدم فوقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الارض بما سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة إلى المدينة والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة وكراهة فراق ما ألفه من الوطن ثم كان مآل كل منهما ان يرجع إلى موطنه الذي اخرج منه وبعيسى ويحيى على ما وقع له من أول الهجرة من عداوة
[ 163 ]
اليهود وتماديهم على البغي عليه وارادتهم وصول السوء إليه وبيوسف على ما وقع له من إخوته من قريش في نصبهم الحرب له وارادتهم هلاكه وكانت العاقبة له وقد أشار إلى ذلك بقوله لقريش يوم الفتح أقول كما قال يوسف لاتثريب عليكم وبإدريس على رفيع منزلته عند الله وبهارون على ان قومه رجعوا إلى محبته بعد ان آذوه وبموسى على ما وقع له من معالجة قومه وقد أشار إلى ذلك بقوله لقد اوذي موسى بأكثر من هذا فصبر وبإبراهيم في استناده إلى البيت المعمور بما ختم له صلى الله عليه وسلم في اخر عمره من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت وهذه مناسبات لطيفة ابداها السهيلي فأوردتها منقحة ملخصة وقد زاد بن المنير في ذلك أشياء اضربت عنها إذ أكثرها في المفاضلة بين الانبياء والاشارة في هذا المقام عندي أولى من تطويل العبارة وذكر في مناسبة لقاء إبراهيم في السماء السابعة معنى لطيفا زائدا وهو ما اتفق له صلى الله عليه وسلم من دخول مكة في السنة السابعة وطوافه بالبيت ولم يتفق له الوصول إليها بعد الهجرة قبل هذه بل قصدها في السنة السادسة فصدوه عن ذلك كما تقدم بسطه في كتاب الشروط قال بن أبي جمرة الحكمة في كون آدم في السماء الدنيا لانه أول الانبياء وأول الآباء وهو أصل فكان اولا في الاولى ولاجل تأنيس النبوة بالابوة وعيسى في الثانية لانه أقرب الانبياء عهدا من محمد ويليه يوسف لان امة محمد تدخل الجنة على صورته وإدريس في الرابعة لقوله ورفعناه مكانا عليا والرابعة من السبع وسط معتدل وهارون لقربه من أخيه موسى وموسى ارفع منه لفضل كلام الله وإبراهيم لانه الاب الاخير فناسب ان يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلم بلقيه أنس لتوجهه بعده إلى عالم اخر وأيضا فمنزلة الخليل تقتضي ان تكون ارفع المنازل ومنزلة الحبيب ارفع من منزلته فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم إلى قاب قوسين أو أدنى قوله في قصة موسى فلما تجاوزت بكى قيل له ما يبكيك قال ابكي لان غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي وفي رواية شريك عن أنس لم اظن أحدا يرفع علي وفي حديث أبي سعيد قال موسى يزعم بنو إسرائيل اني اكرم على الله وهذا اكرم على الله مني زاد الاموي في روايته ولو كان هذا وحده هان علي ولكن معه أمته وهم أفضل الامم عند الله وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه انه مر بموسى عليه السلام وهو يرفع صوته فيقول اكرمته وفضلته فقال جبريل هذا موسى قلت ومن يعاتب قال يعاتب ربه فيك قلت ويرفع صوته على ربه قال ان الله قد عرف له حدته وفي حديث بن مسعود عند الحارث وأبي يعلى والبزار وسمعت صوتا وتذمرا فسألت جبريل فقال هذا موسى قلت على من تذمره قال على ربه قلت على ربه قال انه يعرف ذلك منه قال العلماء لم يكن بكاء موسى حسدا معاذ الله فان الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين فكيف بمن اصطفاه الله تعالى بل كان اسفا على ما فاته من الاجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص اجورهم المستلزم لتنقيص أجره لان لكل نبي مثل أجر كل من اتبعه ولهذا كان من اتبعه من أمته في العدد دون من اتبع نبينا صلى الله عليه وسلم مع طول مدتهم بالنسبة لهذه الامة واما قوله غلام فليس على سبيل النقص بل على سبيل التنويه بقدرة الله وعظيم كرمه إذ أعطى لمن كان في ذلك السن ما لم يعطه أحدا قبله ممن هو اسن منه وقد وقع من موسى من العناية بهذه الامة من أمر الصلاة ما لم يقع لغيره ووقعت
[ 164 ]
الاشارة لذلك في حديث أبي هريرة عند الطبري والبزار قال عليه الصلاة والسلام كان موسى اشدهم علي حين مررت به وخيرهم لي حين رجعت إليه وفي حديث أبي سعيد فأقبلت راجعا فمررت بموسى ونعم الصاحب كان لكم فسألني كم فرض عليك ربك الحديث قال بن أبي جمرة ان الله جعل الرحمة في قلوب الانبياء أكثر مما جعل في قلوب غيرهم لذلك بكى رحمة لامته واما قوله هذا الغلام فأشار إلى صغر سنه بالنسبة إليه قال الخطابي العرب تسمي الرجل المستجمع السن غلاما مادامت فيه بقية من القوة اه ويظهر لي ان موسى عليه السلام أشار إلى ما انعم الله به على نبينا عليهما الصلاة والسلام من استمرار القوة في الكهولية والى ان دخل في سن الشيخوخة ولم يدخل على بدنه هرم ولا اعترى قوته نقص حتى ان الناس في قدومه المدينة كما سيأتي من حديث أنس لما رأوه مردفا أبا بكر اطلقوا عليه اسم الشاب وعلى أبي بكر اسم الشيخ مع كونه في العمر اسن من أبي بكر والله اعلم وقال القرطبي الحكمة في تخصيص موسى بمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الصلاة لعلها لكون امة موسى كلفت من الصلوات بما لم تكلف به غيرها من الامم فثقلت عليهم فأشفق موسى على امة محمد من مثل ذلك ويشير إلى ذلك قوله اني قد جربت الناس قبلك انتهى وقال غيره لعلها من جهة انه ليس في الانبياء من له اتباع أكثر من موسى ولا من له كتاب أكبر ولا اجمع للاحكام من هذه الجهة مضاهيا للنبي صلى الله عليه وسلم فناسب ان يتمنى ان يكون له مثل ما انعم به عليه من غير ان يريد زواله عنه وناسب ان يطلعه على ما وقع له وبنصحه فيما يتعلق به ويحتمل ان يكون موسى لما غلب عليه في الابتداء الاسف على نقص حظ أمته بالنسبة لامة محمد حتى تمنى ما تمنى ان يكون استدرك ذلك ببذل النصيحة لهم والشفقة عليهم ليزيل ما عساه ان يتوهم عليه فيما وقع منه في الابتداء وذكر السهيلي ان الحكمة في ذلك انه كان رأى في مناجاته صفة امة محمد صلى الله عليه وسلم فدعا الله ان يجعله منهم فكان اشفاقه عليهم كعناية من هو منهم وتقدم في أول الصلاة شئ من هذا ومما يتعلق بأمر موسى بالترديد مرارا والعلم عند الله تعالى وقد وقع من موسى عليه السلام في هذه القصة من مراعاة جانب النبي صلى الله عليه وسلم انه امسك عن جميع ما وقع له حتى فارقه النبي صلى الله عليه وسلم أدبا معه وحسن عشرة فلما فارقه بكى وقال ما قال قوله فإذا إبراهيم في حديث أبي سعيد فإذا انا بإبراهيم خليل الرحمن مسندا ظهره إلى البيت المعمور كأحسن الرجال وفي حديث أبي هريرة عند الطبري فإذا هو برجل اشمط جالس عند باب الجنة على كرسي تكملة اختلف في حال الانبياء عند لقي النبي صلى الله عليه وسلم إياهم ليلة الاسراء هل أسري بأجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة أو ان ارواحهم مستقرة في الاماكن التي لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم وارواحهم مشكلة بشكل اجسادهم كما جزم أبو الوفاء بن عقيل واختار الاول بعض شيوخنا واحتج بما ثبت في مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت موسى ليلة أسري بي قائما يصلي في قبره فدل على انه أسري به لما مر به قلت وليس ذلك بلازم بل يجوز ان يكون لروحه اتصال بجسده في الارض فلذلك يتمكن من الصلاة وروحه مستقرة في السماء قوله ثم رفعت إلى سدرة المنتهى كذا للاكثر بضم الراء وسكون العين وضم التاء من رفعت بضمير المتكلم وبعده حرف جر وللكشميهني رفعت بفتح العين وسكون التاء أي السدرة لي باللام
[ 165 ]
أي من اجلي وكذا تقدم في بدء الخلق ويجمع بين الروايتين بأن المراد انه رفع إليها أي ارتقي به وظهرت له والرفع إلى الشئ يطلق على التقريب منه وقد قيل في قوله تعالى وفرش مرفوعة أي تقرب لهم ووقع بيان سبب تسميتها سدرة المنتهى في حديث بن مسعود عند مسلم ولفظه لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قال انتهى بي إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة واليها ينتهي ما يعرج من الارض فيقبض منها واليها ينتهي ما يهبط فيقبض منها وقال النووي سميت سدرة المنتهى لان علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد الا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وهذا لا يعارض حديث بن مسعود المتقدم لكن حديث بن مسعود ثابت في الصحيح فهو أولى بالاعتماد قلت وأورد النووي هذا بصيغة التمريض فقال وحكي عن بن مسعود انها سميت بذلك الخ هكذا أورده فأشعر بضعفه عنده ولا سيما ولم يصرح برفعه وهو صحيح مرفوع وقال القرطبي في المفهم ظاهر حديث أنس انها في السابعة لقوله بعد ذكر السماء السابعة ثم ذهب بي إلى السدرة وفي حديث بن مسعود انها في السادسة وهذا تعارض لا شك فيه وحديث أنس هو قول الاكثر وهو الذي يقتضيه وصفها بأنها التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل وكل ملك مقرب على ما قال كعب قال وما خلفها غيب لا يعلمه الا الله أو من أعلمه وبهذا جزم إسماعيل بن أحمد وقال غيره إليها منتهى اراوح الشهداء قال ويترجح حديث أنس بأنه مرفوع وحديث بن مسعود موقوف كذا قال ولم يعرج على الجمع بل جزم بالتعارض قلت ولا يعارض قوله انها في السادسة مادلت عليه بقية الاخبار انه وصل إليها بعد ان دخل السماء السابعة لانه يحمل على ان أصلها في السماء السادسة واغصانها وفروعها في السابعة وليس في السادسة منها الا أصل ساقها وتقدم في حديث أبي ذر أول الصلاة فغشيها الوان لا أدري ما هي وبقية حديث بن مسعود المذكور قال الله تعالى إذ يغشى السدرة ما يغشى قال فراش من ذهب كذا فسر المهم في قوله ما يغشى بالفراش ووقع في رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس جراد من ذهب قال البيضاوي وذكر الفراش وقع على سبيل التمثيل لان من شأن الشجر ان يسقط عليها الجراد وشبهه وجعلها من الذهب لصفاء لونها واضاءتها في نفسها انتهى ويجوز ان يكون من الذهب حقيقة ويخلق فيه الطيران والقدرة صالحة لذلك وفي حديث أبي سعيد وابن عباس يغشاها الملائكة وفي حديث أبي سعيد عند البهيقي على كل ورقة منها ملك ووقع في رواية ثابت عن أنس عند مسلم فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع ان ينعتها من حسنها وفي رواية حميد عن أنس عند بن مردويه نحوه لكن قال تحولت قوتا ونحو ذلك قوله فإذا نبقها بفتح النون وكسر الموحدة وسكونها أيضا قال بن دحية والاول هو الذي ثبت في الرواية أي التحريك والنبق معروف وهو ثمر السدر قوله مثل قلال هجر قال الخطابي القلال بالكسر جمع قلة بالضم هي الجرار يريد ان ثمرها في الكبر مثل القلال وكانت معروفة عند المخاطبين فلذلك وقع التمثيل بها قال وهي التي وقع تحديد الماء الكثير بها في قوله إذا بلغ الماء قلتين وقوله هجر بفتح الهاء والجيم بلدة لا تنصرف للتأنيث والعلمية ويجوز الصرف قوله وإذا ورقها مثل آذان الفيلة بكسر الفاء وفتح التحتانية بعدها لام جمع فيل ووقع في بدء الخلق مثل آذان الفيول وهو جمع فيل أيضا قال بن دحية اختيرت السدرة دون غيرها لان فيها ثلاثة أوصاف ظل ممدود وطعام لذيذ ورائحة زكية فكانت بمنزلة الايمان الذي
[ 166 ]
يجمع القول والعمل والنية والظل بمنزلة العمل والطعم بمنزلة النية والرائحة بمنزلة القول قوله وإذا أربعة انهار في بدء الخلق فإذا في أصلها أي في أصل سدرة المنتهى أربعة انهار ولمسلم يخرج من أصلها ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أربعة انهار من الجنة النيل والفرات وسيحان وجيحان فيحتمل ان تكون سدرة المنتهى مغروسة في الجنة والانهار تخرج من تحتها فيصح انها من الجنة قوله اما الباطنان ففي الجنة قال بن أبي جمرة فيه ان الباطن اجل من الظاهر لان الباطن جعل في دار البقاء والظاهر جعل في دار الفناء ومن ثم كان الاعتماد على ما في الباطن كما قال صلى الله عليه وسلم ان الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم قوله واما الظاهران فالنيل والفرات وقع في رواية شريك كما سيأتي في التوحيد انه رأى في السماء الدنيا نهرين يطردان فقال له جبريل هما النيل والفرات عنصرهما والجمع بينهما انه رأى هذين النهرين عند سدرة المنتهى مع نهري الجنة ورأهما في السماء الدنيا دون نهري الجنة وأراد بالعنصر عنصر امتيازهما بسماء الدنيا كذا قال بن دحية ووقع في حديث شريك أيضا ومضى به يرقى السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك اذفر فقال ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك ووقع في رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس عند بن أبي حاتم انه بعد ان رأى إبراهيم قال ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى إلى نهر عليه خيام اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعليه طير خضر انعم طير رأيت قال جبريل هذا الكوثر الذي اعطاك الله فإذا فيه آنية الذهب والفضة يجري على رضراض من الياقوت والزمرد ماؤه أشد بياضا من اللبن قال فأخذت من آنيتة فاغترفت من ذلك الماء فشربت فإذا هو احلى من العسل وأشد رائحة من المسك وفي حديث أبي سعيد فإذا فيها عين تجري يقال لها السلسبيل فينشق منها نهران أحدهما الكوثر والآخر يقال له نهر الرحمة قلت فيمكن ان يفسر بهما النهران الباطنان المذكوران في حديث الباب وكذا روي عن مقاتل قال الباطنان السلسبيل والكوثر واما الحديث الذي أخرجه مسلم بلفظ سيحان وجيحان والنيل والفرات من انهار الجنة فلا يغاير هذا لان المراد به ان في الارض أربعة انهار أصلها من الجنة وحينئذ لم يثبت لسيحون وجيحون انهما ينبعان من أصل سدرة المنتهى فيمتاز النيل والفرات عليهما بذلك واما الباطنان المذكوران في حديث الباب فهما غير سيحون وجيحون والله اعلم قال النووي في هذا الحديث ان أصل النيل والفرات من الجنة وانهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى ثم يسيران حيث شاء الله ثم ينزلان إلى الارض ثم يسيران فيها ثم يخرجان منها وهذا لا يمنعه العقل وقد شهد به ظاهر الخير فليعتمد واما قول عياض ان الحديث يدل على ان أصل سدرة المنتهى في الارض لكونه قال ان النيل والفرات يخرجان من أصلها وهما بالمشاهدة يخرجان من الارض فيلزم منه ان يكون أصل السدرة في الارض وهو متعقب فان المراد بكونهما يخرجان من أصلها غير خروجهما بالنبع من الارض والحاصل ان أصلها في الجنة وهما يخرجان اولا من أصلها ثم يسيران إلى ان يستقرا في الارض ثم ينبعان واستدل به على فضيلة ماء النيل والفرات لكون منبعهما من الجنة وكذا سيحان وجيحان قال القرطبي لعل ترك ذكرهما في حديث الاسراء لكونهما ليسا أصلا برأسهما وانما يحتمل ان يتفرعا عن النيل والفرات قال وقيل انما اطلق على هذه الانهار انها من الجنة تشبيها
[ 167 ]
لها بأنهار الجنة لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة والاول أولى والله اعلم تنبيه الفرات بالمثناة في الخط في حالتي الوصل والوقف في القراءات المشهورة وجاء في قراءة شاذة انها هاء تأنيث وشبهها أبو المظفر بن الليث بالتابوت والتابوه قوله ثم رفع لي البيت المعمور زاد الكشميهني يدخله كل يوم سبعون الف ملك وتقدمت هذه الزيادة في بدء الخلق بزيادة إذا خرجوا لم يعودوا اخر ما عليهم وكذا وقع مضمونا إلى رواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة وقد بينت في بدء الخلق انه مدرج وذكرت فصله من رواية قتادة عن الحسن عن أبي هريرة وقد قدمت ما يتعلق بالبيت المعمور هناك ووقعت هذه الزيادة أيضا عند مسلم من طريق ثابت عن أنس وفيه أيضا ثم لا يعودون إليه ابدا وزاد بن إسحاق في حديث أبي سعيد إلى يوم القيامة وفي حديث أبي هريرة عند البزار انه رأى هناك أقواما بيض الوجوه وأقواما في الوانهم شئ فدخلوا نهرا فاغتسلوا فخرجوا وقد خلصت الوانهم فقال له جبريل هؤلاء من أمتك خلطوا عملا صالحا واخر سيئا وفي رواية أبي سعيد عند الاموي والبيهقي انهم دخلوا معه البيت المعمور وصلوا فيه جميعا واستدل به على ان الملائكة أكثر المخلوقات لانه لا يعرف من جميع العوالم من يتجدد من جنسه في كل يوم سبعون الفا غير ما ثبت عن الملائكة في هذا الخبر قوله ثم أتيت بإناء من خمرواناء من لبن واناء من عسل فاخذت اللبن فقال هي الفطرة التي أنت عليها أي دين الاسلام قال القرطبي يحتمل ان يكون سبب تسمية اللبن فطرة لانه أول شئ يدخل بطن المولود ويشق امعاءه والسر في ميل النبي صلى الله عليه وسلم إليه دون غيره لكونه كان مألوفا له ولانه لا ينشأ عن جنسه مفسدة وقد وقع في هذه الرواية ان اتيانه الانية كان بعد وصوله إلى سدرة المنتهى وسيأتي في الاشربة من طريق شعبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا أربعة انهار فذكره قال وأتيت بثلاتة اقداح الحديث وهذا موافق لحديث الباب الا ان شعبة لم يذكر في الاسناد مالك بن صعصعة وفي حديث أبي هريرة عند بن عائذ في حديث المعراج بعد ذكر إبراهيم قال ثم انطلقنا فإذا نحن بثلاثة آنية مغطاة فقال جبريل يا محمد الا تشرب مما سقاك ربك فتناولت احداها فإذا هو عسل فشربت منه قليلا ثم تناولت الآخر فإذا هو لبن فشربت منه حتى رويت فقال الا تشرب من الثالث قلت قد رويت قال وفقك الله وفي رواية البزار من هذا الوجه ان الثالث كان خمرا لكن وقع عنده ان ذلك كان ببيت المقدس وان الاول كان ماء ولم يذكر العسل وفي حديث بن عباس عند أحمد فلما اتى المسجد الاقصى قام يصلي فلما انصرف جئ بقدحين في أحدهما لبن وفي الاخر عسل فأخذ اللبن الحديث وقد وقع عند مسلم من طريق ثابت عن أنس أيضا ان اتيانه بالآنية كان ببيت المقدس قبل المعراج ولفظه ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاء جبريل بإناء من خمر واناء من لبن فأخذت اللبن فقال جبريل أخذت الفطرة ثم عرج إلى السماء وفي حديث شداد بن أوس فصليت من المسجد حيث شاء الله واخذني من العطش أشد ما اخذني فأتيت باناءين أحدهما لبن والآخر عسل فعدلت بينهما ثم هداني الله فأخذت اللبن فقال شيخ بين يدي يعني لجبريل اخذ صاحبك الفطرة وفي حديث أبي سعيد عند بن إسحاق في قصة الاسراء فصلى بهم يعني الانبياء ثم اتي بثلاثة آنية اناء
[ 168 ]
فيه لبن واناء فيه خمر واناء فيه ماء فأخذت اللبن الحديث وفي مرسل الحسن عنده نحوه لكن لم يذكر اناء الماء ووقع بيان مكان عرض الآنية في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند المصنف كما سيأتي في أول الاشربة ولفظه اتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بايلياء بإناء فيه خمر واناء فيه لبن فنظر إليهما فأخذ اللبن فقال له جبريل الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك وهو عند مسلم وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس عند البيهقي فعرض عليه الماء والخمر واللبن فأخذ اللبن فقال له جبريل أصبت الفطرة ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك ويجمع بين هذا الاختلاف اما بحمل ثم على غير بابها من الترتيب وانما هي بمعنى الواو هنا واما بوقوع عرض الآنية مرتين مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المقدس وسببه ما وقع له من العطش ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى ورؤية الانهار الاربعة اما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها فيحمل على ان بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الاخر ومجموعها أربعة آنية فيها أربعة أشياء من الانهار الاربعة التي رآها تخرج من أصل سدرة المنتهى ووقع في حديث أبي هريرة عند الطبري لما ذكر سدرة المنتهى يخرج أصلها من انهار من ماء غير آسن ومن لبن لم يتغير طعمه ومن خمر لذة للشاربين ومن عسل مصفى فلعله عرض عليه من كل نهر اناء وجاء عن كعب ان نهر العسل نهر النيل ونهر اللبن نهر جيحان ونهر الخمر نهر الفرات ونهر الماء سيحان والله اعلم قوله ثم فرضت عليه الصلاة تقدم ما يتعلق بها في الكلام على حديث أبي ذر في أول الصلاة والحكمة في تخصيص فرض الصلاة بليلة الاسراء انه صلى الله عليه وسلم لما عرج به رأى في تلك الليلة تعبد الملائكة وان منهم القائم فلا يقعد والراكع فلا يسجد والساجد فلا يقعد فجمع الله له ولامته تلك العبادات كلها في كل ركعة يصليها العبد بشرائطها من الطمأنينة والاخلاص أشار إلى ذلك بن أبي جمرة وقال وفي اختصاص فرضيتها بليلة الاسراء إشارة إلى عظيم بيانها ولذلك اختص فرضها بكونه بغير واسطة بل بمراجعات تعددت على ما سبق بيانه قوله ولكن ارضى واسلم في رواية الكشميهني ولكني ارضى واسلم وفيه حذف تقدير الكلام سألت ربي حتى استحييت فلا ارجع فاني ان رجعت صرت غير راض ولا مسلم ولكني ارضى واسلم قوله امضيت فريضتي وخففت عن عبادي تقدم في أول الصلاة من رواية أنس عن أبي ذر هن خمس وهن خمسون وتقدم شرحه وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم حتى قال يا محمد هي خمس صلوات في كل يوم وليلة كل صلاة عشرة فتلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة الحديث وسيأتي الكلام على هذه الزيادة في الرقاق وفي رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس عند النسائي وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني ضبابة فخررت ساجدا فقيل لي إلى يوم خلقت السماوات والارض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة فقم بها أنت وامتك فذكر مراجعته مع موسى وفيه فإنه فرض على بني إسرائيل صلاتان فما قاموا بهما وقال في اخره فخمس بخمسين فقم بها أنت وامتك قال فعرفت انها عزمه من الله فرجعت إلى موسى فقال لي ارجع فلم ارجع قوله فلما جاوزت ناداني مناد امضيت فريضتي وخففت عن عبادي هذا من أقوى ما استدل به على ان الله سبحانه وتعالى كلم نبيه
[ 169 ]
محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء بغير واسطة تكملة وقع في غير هذه الرواية زيادات راها صلى الله عليه وسلم بعد سدرة المنتهى لم تذكر في هذه الرواية منها ما تقدم في أول الصلاة حتى ظهرت لمستوى اسمع فيه صريف الاقلام وفي رواية شريك عن أنس كما سيأتي في التوحيد حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة تبارك وتعالى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه خمسين صلاة الحديث وقد استشكلت هذه الزيادة ويأتي الكلام على ذلك مستوفى ان شاء الله تعالى في كتاب التوحيد وفي رواية أبي ذر من الزيادة أيضا ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك وعند مسلم من طريق همام عن قتادة عن أنس رفعه بينا انا اسير في الجنة إذا انا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف وإذا طينه مسك اذفر فقال جبريل هذا الكوثر وله من طريق شيبان عن قتادة عن أنس لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه وعند بن أبي حاتم وابن عائذ من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس ثم انطلق حتى انتهى بي إلى الشجرة فغشيني من كل سحابة فيها من كل لون فتأخر جبريل وخررت ساجدا وفي حديث بن مسعود عند مسلم واعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس وخواتم سورة البقرة وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته المقحمات يعني الكبائر وفي هذه الرواية من الزيادة ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل فانصرفت سريعا فأتيت على إبراهيم فلم يقل شيئا ثم أتيت على موسى فقال ما صنعت الحديث وفيه أيضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل ما لي لم آت أهل سماء الا رحبوا وضحكوا الي غير رجل واحد فسلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي ولم يضحك الي قال يا محمد ذاك مالك خازن جهنم لم يضحك منذ خلق ولو ضحك إلى أحد لضحك إليك وفي حديث حذيفة عند أحمد والترمذي حتى فتحت لهما أبواب السماء فرأيا الجنة والنار ووعد الآخرة اجمع وفي حديث أبي سعيد انه عرض عليه الجنة وان رمانها كأنه الدلاء وإذا طيرها كأنها البخت وانه عرضت عليه النار فإذا هي لو طرح فيها الحجارة والحديد لاكلتها وفي حديث شداد بن أوس فإذا جهنم تكشف من مثل الزرابي ووجدتها مثل الحمة السخنة وزاد فيه انه رآها في وادي بيت المقدس وفي رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس عند بن أبي حاتم ان جبريل قال يا محمد هل سألت ربك ان يريك الحور العين قال نعم قال فانطلق إلى أولئك النسوة فسلم عليهن قال فأتيت اليهن فسلمت فرددن فقلت من أنتن فقلن خيرات حسان الحديث وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ان إبراهيم الخليل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا بني انك لاق ربك الليلة وان أمتك آخر الامم واضعفها فان استطعت ان تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل وفي رواية الواقدي بأسانيده في أول حديث الاسراء كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه ان يريه الجنة والنار فلما كانت ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا وهو نائم في بيته ظهرا أتاه جبريل وميكائيل فقالا انطلق إلى ما سألت فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم فأتي بالمعراج فإذا هو أحسن شئ منظرا فعرجا به إلى السماوات فلقي الانبياء وانتهى إلى سدرة المنتهى ورأى الجنة والنار وفرض عليه الخمس فو ثبت هذا لكان ظاهرا في انه معراج اخر لقوله انه كان ظهرا وان المعراج كان من مكة وهو مخالف لما في الروايات الصحيحة في الامرين معا ويعكر على التعدد قوله ان الصلوات فرضت حينئذ الا ان حمل على انه اعيد ذكره
[ 170 ]
تأكيدا أو فرع على ان الاول كان مناما وهذا يقظة أو بالعكس والله اعلم وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم ان للسماء أبوابا حقيقة وحفظة موكلين بها وفيه اثبات الاستئذان وانه ينبغي لمن يستأذن ان يقول انا فلان ولا يقتصر على انا لانه ينافي مطلوب الاستفهام وان المار يسلم على القاعد وان كان المار أفضل من القاعد وفيه استحباب تلقي أهل الفضل بالبشر والترحيب والثناء والدعاء وجواز مدح الانسان المأمون عليه الافتتان في وجهه وفيه جواز الاستناد القبلة بالظهر وغيره مأخوذ من استناد إبراهيم إلى البيت المعمور وهو كالكعبة في انه قبلة من كل جهة وفيه جواز نسخ الحكم قبل وقوع الفعل وقد سبق البحث فيه في أول الصلاة وفيه فضل السير بالليل على السير بالنهار لما وقع من الاسراء بالليل ولذلك كانت أكثر عبادته صلى الله عليه وسلم بالليل وكان أكثر سفره صلى الله عليه وسلم بالليل وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بالدلجة فان الارض تطوى بالليل وفيه ان التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم انه عالج الناس قبله وجربهم ويستفاد منه تحكيم العادة والتنبيه بالاعلى على الادنى لان من سلف من الامم كانوا أقوى أبدانا من هذه الامة وقد قال موسى في كلامه انه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه أشار إلى ذلك بن أبي جمرة قال ويستفاد منه ان مقام الخلة مقام الرضا والتسليم ومقام التكليم مقام الا دلال والانبساط ومن ثم استبد موسى بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطلب التخفيف دون إبراهيم عليه السلام مع ان للنبي صلى الله عليه وسلم من الاختصاص بإبراهيم ازيد مما له من موسى لمقام الابوة ورفعة المنزلة والاتباع في الملة وقال غيره الحكمة في ذلك ما أشار إليه موسى عليه السلام في نفس الحديث من سبقه إلى معالجة قومه في هذه العبادة بعينها وانهم خالفوه وعصوه وفيه ان الجنة والنار قد خلقتا لقوله في بعض طرقه التي بينتها عرضت علي الجنة والنار وقد تقدم البحث فيه في بدء الخلق وفيه استحباب الاكثار من سؤال الله تعالى وتكثير الشفاعة عنده لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في اجابته مشورة موسى في سؤال التخفيف وفيه فضيلة الاستحياء وبذل النصيحة لمن يحتاج إليها وان لم يستشر الناصح في ذلك الحديث الثاني قوله حدثنا عمرو هو بن دينار قوله في قوله أي في تفسير قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس قال هي رؤيا اعين اريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به إلى بيت المقدس قلت وايراد هذا الحديث في باب المعراج مما يؤيد ان المصنف يرى اتحاد ليلة الاسراء والمعراج بخلاف ما فهم عنه من افراد الترجمتين وقد قدمت ان ترجمته في أول الصلاة تدل على ذلك حيث قال فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء وقد تمسك بكلام بن عباس هذا من قال الاسراء كان في المنام ومن قال انه كان في اليقظة فالاول اخذ من لفظ الرؤيا قال لان هذا اللفظ مختص برؤيا المنام ومن قال بالثاني فمن قوله اريها ليلة الاسراء والاسراء انما كان في اليقظة لانه لو كان مناما ما كذبه الكفار فيه ولا فيما هو ابعد منه كما تقدم تقريره وإذا كان ذلك في اليقظة وكان المعراج في تلك الليلة تعين ان يكون في اليقظة أيضا إذ لم يقل أحد انه نام لما وصل إلى بيت المقدس ثم عرج به وهو نائم وإذا كان في اليقظة فاضافة الرؤيا إلى العين للاحتراز عن رؤيا القلب وقد اثبت الله تعالى رؤيا القلب في القرآن
[ 171 ]
فقال ما كذب الفؤاد ما رأى ورؤيا العين فقال ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى وروى الطبراني في الاوسط بإسناد قوي عن بن عباس قال رأى محمد ربه مرتين ومن وجه اخقال نظر محمد إلى ربه جعل الكلام لموسى والخلة لابراهيم والنظر لمحمد فإذا تقرر ذلك ظهر ان مراد بن عباس هنا برؤية العين المذكورة جميع ما ذكره صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة من الاشياء التي ذكرها وفي ذلك رد لمن قال المراد بالرؤيا في هذه الآية رؤياه صلى الله عليه وسلم انه دخل المسجد الحرام المشار إليها بقوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام قال هذا القائل والمراد بقوله فتنة للناس ما وقع من صد المشركين له في الحديبية عن دخول المسجد الحرام انتهى وهذا وان كان يمكن ان يكون مراد الآية لكن الاعتماد في تفسيرها على ترجمان القرآن أولى والله اعلم واختلف السلف هل رأى ربه في تلك الليلة أم لا على قولين مشهورين وانكرت ذلك عائشة رضي الله عنها وطائفة واثبتها بن عباس وطائفة وسيأتي بسط ذلك في الكلام على حديث عائشة حيث ذكره المصنف بتمامه في تفسير سورة النجم من كتاب التفسير ان شاء الله تعالى قوله والشجرة الملعونة في القرآن قال هي شجرة الزقوم يريد تفسير الشجرة المذكورة في بقية الآية وقد قيل فيها غير ذلك كما سيأتي في موضعه في التفسير ان شاء الله تعالى قوله باب وفود الانصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة ذكر بن إسحاق وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد موت أبي طالب قد خرج إلى ثقيف بالطائف يدعوهم إلى نصره فلما امتنعوا منه كما تقدم في بدء الخلق شرحه رجع إلى مكة فكان يعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج وذكر بأسانيد متفرقة انه اتى كندة وبني كعب وبني حذيفة وبني عامر بن صعصعة وغيرهم فلم يجبه أحد منهم إلى ما سأل وقال موسى بن عقبة عن الزهري فكان في تلك السنين أي التي قبل الهجرة يعرض نفسه على القبائل ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم الا ان يؤوه ويمنعوه ويقول لا أكره أحد منكم على شئ بل أريد ان تمنعوا من يؤذيني حتى ابلغ رسالة ربي فلا يقبله أحد بل يقولون قوم الرجل اعلم به واخرج البيهقي واصله عند أحمد وصححه بن حبان من حديث ربيعة بن عباد بكسر المهملة وتخفيف الموحدة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله عزوجل الحديث وروى أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموسم فيقول هل من رجل يحملني إلى قومه فان قريشا منعوني ان ابلغ كلام ربي فأتاه رجل من همدان فأجابه ثم خشي ان لا يتبعه قومه فجاء إليه فقال آتي قومي فأخبرهم ثم آتيك من العام المقبل قال نعم فانطلق الرجل وجاء وفد الانصار في رجب وقد اخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن بن عباس حدثني علي بن أبي طالب قال لما أمر الله نبيه ان يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وانا معه وأبو بكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب وتقدم أبو بكر وكان نسابة فقال من القوم فقالوا من ربيعة فقال من أي ربيعة أنتم قالوا من ذهل فذكروا حديثا طويلا في مراجعتهم وتوقفهم اخيرا عن الاجابة قال ثم دفعنا إلى مجلس الاوس والخزرج وهم الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصار لكونهم أجابوه إلى إيوائه ونصره قال فما نهضوا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
[ 172 ]
وذكر بن إسحاق ان أهل العقبة الاولى كانوا ستة نفر وهم أبوا مامة اسعد بن زرارة النجاري ورافع بن مالك بن العجلان العجلاني وقطبة بن عامر بن حديدة وجابر بن عبد الله بن رثاب وعقبة بن عامر وهؤلاء الثلاثة من بني سلمة وعوف بن الحارث بن رفاعة من بني مالك بن النجار وقال موسى بن عقبة عن الزهري وأبو الاسود عن عروة هم اسعد بن زرارة ورافع بن مالك ومعاذ بن عفراء ويزيد بن ثعلبة وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة ويقال كان فيهم عبادة بن الصامت وذكوان قال بن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قال لما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قال من أنتم قالوا من الخزرج قال أفلا تجلسون أكلمكم قالوا نعم فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الاسلام وتلا عليهم القرآن وكان مما صنع الله لهم ان اليهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وكان الاوس والخزرج أكثر منهم فكانوا إذا كان بينهم شئ قالوا ان نبينا سيبعث الآن قد اظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه فلما كلمهم النبي صلى الله عليه وسلم عرفوا النعت فقال بعضهم لبعض لا تسبقنا إليه يهود فآمنوا وصدقوا وانصرفوا إلى بلادهم ليدعوا قومهم فلما اخبروهم لم يبق دور من قومهم الا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان الموسم وافاه منهم اثنا عشر رجلا ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث كعب بن مالك في قصة توبته ذكر منه طرفا وسيأتي مطولا في مكانه والغرض منه قوله ولقد شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وعنبسة هو بن خالد بن يزيد الايلي يروي عن عمه يونس بن يزيد وقوله قال بن بكير في حديثه يريد ان اللفظ المساق لعقيل لا ليونس وقوله تواثقنا بالمثلثة والقاف أي وقع بيننا الميثاق على ما تبايعنا عليه وقوله وما احب ان لي بها مشهد بدر لان من شهد بدرا وان كان فاضلا بسبب انها أول غزوة نصر فيها الاسلام لكن بيعة العقبة كانت سببا في فشو الاسلام ومنها نشأ مشهد بدر وقوله اذكر منها هو افعل تفضيل بمعنى المذكور أي أكثر ذكرا بالفضل وشهرة بين الناس قلت وكان كعب من أهل العقبة الثانية وقد عقد ثالثة كما أشرت إليه قبل ولعل المصنف لمح بما أخرجه بن إسحاق وصححه بن حبان من طريقه بطوله قال بن إسحاق حدثني معبد بن كعب بن مالك ان اخاه عبد الله وكان من اعلم الانصار حدثه ان أباه كعبا حدثه وكان ممن شهد العقبة وبايع بها قال خرجنا حجاجا مع مشركي قومنا وقد صلينا وفقهنا ومعنا البراء بن معرور سيدنا وكبيرنا فذكر شأن صلاته إلى الكعبة قال فلما وصلنا إلى مكة ولم نكن رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك فسألنا عنه فقيل هو مع العباس في المسجد فدخلنا فجلسنا إليه فسأله البراء عن القبلة ثم خرجنا إلى الحج وواعدناه العقبة ومعنا عبد الله بن عمرو والد جابر ولم يكن اسلم قبل فعرفناه أمر الاسلام فأسلم حينئذ وصار من النقباء قال فاجتمعنا عند العقبة ثلاثة وسبعين رجلا ومعنا امرأتان أم عمارة بنت كعب إحدى نساء بني مازن وأسماء بنت عمرو بن عدي إحدى نساء بني سلمة قال فجاء ومعه العباس فتكلم فقال ان محمدا منا من حيث علمتم وقد منعناه وهو في عز فان كنتم تريدون انكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وذاك والا فمن الآن قال فقلنا تكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ما أحببت فتكلم فدعا إلى الله وقرأ القرآن ورغب في الاسلام ثم قال أبايعكم على ان تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وابناءكم قال فأخذ البراء بن معرور بيده فقال نعم فذكر الحديث وفيه فقال رسول الله
[ 173 ]
صلى الله عليه وسلم اسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم ثم قال اخرجوا الي منكم اثني عشر نقيبا وذكر بن إسحاق النقباء وهم اسعد بن زرارة ورافع بن مالك والبراء بن معرور وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو بن حبيش وأسيد بن حضير وسعد بن خيثمة وأبو الهيثم بن التيهان وقيل بدله رفاعة بن عبد المنذر وفي المستدرك عن بن عباس كان البراء بن معرور أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة قال بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنقباء أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم قالوا نعم وذكر أيضا ان قريشا بلغهم أمر البيعة فانكروا عليهم فحلف المشركون منهم وكانوا أكثر منهم قيل كانوا خمسمائة نفس ان ذلك لم يقع وذلك لانهم ما علموا بشئ مما جرى الحديث الثاني حديث جابر بسم الله الرحمن الرحيم قوله كان عمرو هو بن دينار قوله شهد بي خالاي العقبة لم يسمهما في هذه الرواية ونقل عن عبد الله بن محمد وهو الجعفي ان بن عيينة قال أحدهما البراء بن معرور كذا في رواية أبي ذر ولغيره قال أبو عبد الله يعني المصنف فعلى هذا فتفسير المبهم من كلامه لكنه ثبت انه من كلام بن عيينة من وجه اخر عند الاسماعيلي فترجحت رواية أبي ذر ووقع في رواية الاسماعيلي قال سفيان خالاه البراء بن معرور وأخوه ولم يسمه والبراء بتخفيف الراء ومعرور بمهملات يقال انه كان أول من اسلم من الانصار وأول من بايع في العقبة الثانية كما تقدم ومات قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر واحد وهو أول من صلى إلى الكعبة في قصة ذكرها بن إسحاق وغيره وقد تعقبه الدمياطي فقال أم جابر هي انيسة بنت غنمة بن عدي واخواها ثعلبة وعمرو وهما خالا جابر وقد شهدا العقبة الاخيرة واما البراء بن معرور فليس من اخوال جابر قلت لكن من اقارب أمه واقارب الام يسمون أخوالا مجازا وقد روى بن عساكر بإسناد حسن عن جابر قال حملني خالي الحر بن قيس في السبعين راكبا الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانصار فخرج إلينا معه العباس عمه فقال يا عم خذ لي على أخوالك فسمى الانصار اخوال العباس لكون جدته أم أبيه عبد المطلب منهم وسمى الحر بن قيس خاله لكونه من اقارب أمه وهو بن عم البراء بن معرور فلعل قول سفيان وأخوه عنى به الحر بن قيس وأطلق عليه أخا وهو بن عم لانهما في منزلة واحدة في النسب وهذا أولى من توهيم مثل بن عيينة لكن لم يذكر أحد من أهل السير الحر بن قيس في أصحاب العقبة فكأنه لم يكن اسلم فعلى هذا فالخال الآخر لجابر اما ثعلبة واما عمرو والله اعلم قوله في الطريق الثانية أخبرنا هشام هو بن يوسف الصنعائي وعطاء هو بن أبي رباح قوله انا وأبي عبد الله بن عمرو بن حرام بالمهملتين وقد تقد م انه كان من النقباء قوله وخالاي تقدم القول فيهما وقرأت بخط مغلطاي يريد عيسى بن عامر بن عدي بن سنان وخالد بن عمرو بن عدي بن سنان لان أم جابر انيسة بنت غنمة بن عدي بن سنان يعني فكل منهما بن عمها بمنزلة أخيها فأطلق عليهما جابر انهما خالاه مجازا قلت ان حمل على الحقيقة تعين كما قاله الدمياطي والا فتغليط بن عيينة مع ان كلامه يمكن حمله على المجاز بأمر فيه مجاز ليس بمتجه والله المستعان ووقع عن بن التين وخالي بغير الف وتشديد التحتانية وقال لعل الواو واو المعية أي مع خالي ويحتمل ان يكون بالافراد بكسر اللام وتخفيف الياء الحديث الثالث حديث عبادة
[ 174 ]
بن الصامت في قصة البيعة ليلة العقبة وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل كتاب الايمان مع مباحث نفيسة تتعلق بقوله في الحديث فعوقب به فهو كفارة له واوضحت هناك ان بيعة العقبة انما كانت على الايواء والنصر وأما ما ذكره من الكفارة فتلك بيعة أخرى وقعت بعد فتح مكة ثم رأيت بن إسحاق جزم بأن بيعة العقبة وقعت بما صدر في الرواية الثانية التي في هذا الباب فقال حدثني يزيد بن أبي حبيب فذكر بسند الباب عن عبادة قال كنت فيمن حضر العقبة الاولى فكنا اثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء أي على وفق بيعة النساء التي نزلت بعد ذلك عند فتح مكة وهذا محتمل لكليست الزيادة في طريق الليث بن سعد عن يزيد في الصحيحين وعلى تقدير ثبوتها فليس فيه ما ينافي ما قررته من ان قوله فهو كفارة انما ورد بعد ذلك لانه يعارضه حديث أبي هريرة ما ادري الحدود كفارة لاهلها أم لا مع تأخر إسلام أبي هريرة عن ليلة العقبة كما استوفيت مباحثه هناك وممن ذكر صورة بيعة العقبة كعب بن مالك كما اسلفته انفا عنه وروى البيهقي من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبد الله بن رفاعة عن أبيه قال قال عبادة بن الصامت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل فذكر الحديث وفيه وعلى ان ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم علينا يثرب بما نمنع به أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بايعناه عليها وعند أحمد بإسناد حسن وصححه الحاكم وابن حبان عن جابر مثله وأوله مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم بمنى وغيرها يقول من يؤويني من ينصرني حتى ابلغ رسالة ربي وله الجنة حتى بعثنا الله له من يثرب فصدقناه فذكر الحديث حتى قال فرحل إليه منا سبعون رجلا فوعدناه بيعة العقبة فقلنا علام نبايعك فقال على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة الحديث ولاحمد من وجه آخر عن جابر قال كان العباس اخذا بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغنا قال رسول الله أخذت واعطيت وللبزار من وجه آخر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقباء من الانصار تؤوني وتمنعوني قالوا نعم قالوا فما لنا قال الجنة وروى البيهقي بإسناد قوي عن الشعبي ووصله الطبراني من حديث أبي موسى الانصاري قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه العباس عمه إلى السبعين من الانصار عند العقبة فقال له أبو أمامة يعني اسعد بن زرارة سل يا محمد لربك ولنفسك ما شئت ثم أخبرنا ما لنا من الثواب قال اسألكم لربي ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكم لنفسي ولاصحابي ان تؤونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم قالوا فما لنا قال الجنة قالوا ذلك لك وأخرجه أحمد من الوجهين جميعا قوله في الرواية الثانية ولا نقضي بالقاف والضاد المعجمة للاكثر وفي بعض النسخ عن شيوخ أبي ذر ولا نعصي بالعين والصاد المهملتين وقد بينت الصواب من ذلك في أوائل كتاب الايمان وذكر بن إسحاق ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث مع الاثني عشر رجلا مصعب بن عمير العبدري وقيل بعثه إليهم بعد ذلك بطلبهم ليفقههم ويقرئهم فنزل على اسعد بن زرارة فروى أبو داود من طريق عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كان أبي إذا
[ 175 ]
سمع الاذان للجمعة استغفر لاسعد بن زرارة فسألته فقال كان أول من جمع بنا بالمدينة وللدارقطني من حديث بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مصعب بن عمير ان اجمع بهم اه فاسلم خلق كثير من الانصار على يد مصعب بن عمير بمعاونة اسعد بن زرارة حتى فشا الاسلام بالمدينة فكان ذلك سبب رحلتهم في السنة المقبلة حتى وافى منهم العقبة سبعون مسلما وزيادة فبايعوا كما تقدم قوله باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة سقط لفظ باب لابي ذر قوله وقدومها المدينة أي بعد الهجرة قوله وبنائه بها أي بالمدينة وكان دخولها عليه في شوال من السنة الاولى وقيل من الثانية وقد تعقب قوله بنائه بها اعتمادا على قول صاحب الصحاح العامة تقول بني باهله وهو خطأ وانما يقال بني على أهله والاصل فيه ان الداخل على أهله يضرب عليه قبة ليلة الدخول ثم قيل لكل داخل باهله بان انتهى ولا معنى لهذا التغليط لكثرة استعمال الفصحاء له وحسبك بقول عائشة بني بي وبقول عروة في اخر الحديث الثالث وبني بها وقوله في الحديث تزوجني وانا بنت ست سنين أي عقد علي وقولها فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج أي لما قدمت هي وأمها واختها أسماء بنت أبي بكر كما سأبينه واما أبوها فقدم قبل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم قوله فتمزق شعري بالزاي أي تقطع وللكشميهني فتمرق بالراء أي انتتف قوله فوفى أي كثر وفي الكلام حذف تقديره ثم فصلت من الوعك فتربى شعري فكثر وقولها جميمة بالجيم مصغر الجمة بالضم وهي مجتمع شعر الناصية ويقال للشعر إذا سقط عن المنكبين جمة وإذا كان إلى شحمة الاذنين وفرة وقولها في ارجوحة بضم أوله معروفة وهي التي تلعب بها الصبيان وقوله أنهج أي اتنفس تنفسا عاليا وقولهن على خير طائر أي على خير حظ ونصيب وقوله فلم يرعني بضم الراء وسكون العين أي لم يفزعني شئ الا دخوله علي وكنت بذلك عن المفاجأة بالدخول على غير عالم بذلك فإنه يفزع غالبا وروى أحمد من وجه اخر هذه القصة مطولة قالت عائشة قدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيتنا فجاءت بي أمي وأنا في أرجوحة ولى جميمة ففرقتها ومسحت وجهي بشئ من ماء ثم أقبلت بي تقودني حتى وقفت بي عند الباب حتى سكن نفسي الحديث وفيه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سريره وعنده رجال ونساء من الانصار فأجلستني في حجره ثم قالت هؤلاء أهلك يا رسول الله بارك الله لك فيهم فوثب الرجال والنساء وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأنا يومئذ بنت تسع سنين الحديث الثاني قوله أريتك بضم أوله قوله سرقة بفتح المهملة والراء والقاف أي قطعة أي يريه صورتها قوله ويقول في رواية الكشميهني وقال ويأتي في النكاح بلفظ فقال لي هذه امرأتك قوله فإذا هي أنت سيأتي الكلام على شرحه في كتاب النكاح ان شاء الله تعالى الحديث الثالث قوله عن أبيه هذا صورته مرسل لكنه لما كان من رواية عروة مع كثرة خبرته بأحوال عائشة يحمل على أنه حمله عنها قوله توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين فيه اشكال
[ 176 ]
لان ظاهره يقتضي أنه لم يبن بها الا بعد قدومه المدينة بسنتين ونحو ذلك لان قوله فلبث سنتين أو نحو ذلك أي بعد موت خديجة وقوله ونكح عائشة أي عقد عليها لقوله بعد ذلك وبنى بها وهي بنت تسع فيخرج من ذلك أنه بنى بها بعد قدومه المدينة بسنتين وليس كذلك لانه وقع عند المصنف في النكاح من رواية الثوري عن هشام بن عروة في هذا الحديث ومكثت عنده تسعا وسيأتي ما قيل من ادراج النكاح في هذه الطريق وهو في الجملة صحيح فان عند مسلم من حديث الزهري عن عروة عن عائشة في هذا الحديث وزفت إليه وهي بنت تسع ولعبتها معها ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة وله من طريق الاسود عن عائشة نحوه ومن طريق عبد الله بن عروة عن أبيه عن عائشة تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وبنى بي في شوال فعلى هذا فقوله فلبث سنتين أو قريبا من ذلك أي لم يدخل على أحد من النساء ثم دخل على سودة بنت زمعة قبل ان يهاجر ثم بنى بعائشة بعد أن هاجر فكأن ذكر سودة سقط على بعض رواته وقد روى أحمد والطبراني بإسناد حسن عن عائشة قالت لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون يا رسول الله ألا تزوج قال نعم فما عندك قالت بكر وثيب البكر بنت احب خلق الله إليك عائشة والثيب سودة بنت زمعة قال فاذهبي فاذكريهما علي فدخلت على أبي بكر فقال انما هي بنت أخيه قال قولي له أنت أخي في الاسلام وابنتك تصلح لي فجاءه فأنكحه ثم دخلت على سودة فقالت لها أخبري أبي فذكرت له فزوجه وذكر بن إسحاق وغيره أنه دخل على سودة بمكة وأخرج الطبراني من وجه آخر عن عائشة قالت لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خلفنا بمكة فلما استقر بالمدينة بعث زيد بن حارثة وأبا رافع وبعث أبو بكر عبد الله بن اريقط وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر أن يحمل معه أم رومان وأم أبي بكر وأنا واختي أسماء فخرج بنا وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسودة بنت زمعة وأخذ زيد امرأته أم ايمن وولديها ايمن واسامه واصطحبنا حتى قدمنا المدينة فنزلت في عيال أبي بكر ونزل ال النبي صلى الله عليه وسلم عنده وهو يومئذ يبني المسجد وبيوته فادخل سودة بنت زمعة أحد تلك البيوت وكان يكون عندها فقال له أبو بكر ما يمنعك ان تبني باهلك فبنى بي الحديث قال الماوردي الفقهاء يقولون تزوج عائشة قبل سودة والمحدثون يقولون تزوج سودة قبل عائشة وقد يجمع بينهما بأنه عقد على عائشة ولم يدخل بها ودخل بسودة قلت والرواية التي ذكرتها عن الطبراني ترفع الاشكال وتوجه الجمع المذكور والله اعلم وقد اخرج الاسماعيلي من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام عن أبيه انه كتب إلى الوليد انك سألتني متى توفيت خديجة وانها توفيت قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بثلاث سنين أو قريب من ذلك ونكح النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بعد متوفى خديجة وعائشة بنت ست سنين ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها بعد ما قدم المدينة وهي بنت تسع سنين وهذا السياق لا اشكال فيه ويرتفع به ما تقدم من الاشكال أيضا والله اعلم وإذا ثبت انه بنى بها في شوال من السنة الاولى من الهجرة قوى قول من قال انه دخل بها بعد الهجرة بسبعة اشهر وقد وهاه النووي في تهذيبه وليس بواه إذا عددناه من ربيع الاول وجزمه بان دخوله بها كان في السنة الثانية يخالف ما ثبت كما تقدم انه دخل بها بعد خديجة بثلاث سنين وقال الدمياطي في السيرة له
[ 177 ]
ماتت خديجة في رمضان وعقد على سودة في شوال ثم على عائشة ودخل بسودة قبل عائشة قوله باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة اما النبي صلى الله عليه وسلم فجاء عن بن عباس انه اذن له في الهجرة إلى المدينة بقوله تعالى وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا أخرجه الترمذي وصححه هو والحاكم وذكر الحاكم ان خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة كان بعد بيعة العقبة بثلاثة اشهر أو قريبا منها وجزم بن إسحاق بأنه خرج أول يوم من ربيع الاول فعلى هذا يكون بعد البيعة بشهرين وبضعة عشر يوما وكذا جزم به الاموي في المغازي عن بن إسحاق فقال كان مخرجه من مكة بعد العقبة بشهرين وليال قال وخرج لهلال ربيع الاول وقدم المدينة لاثنتي عشرة خلتمن ربيع الاول قلت وعلى هذا خرج يوم الخميس واما اصحابه فتوجه معه منهم أبو بكر الصديق وعامر بن فهيرة وتوجه قبل ذلك بين العقبتين جماعة منهم بن أم مكتوم ويقال ان أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الاشهل المخزومي زوج أم سلمة وذلك أنه أوذي لما رجع من الحبشة فعزم على الرجوع إليها فبلغه قصة الاثنى عشر من الانصار فتوجه إلى المدينة ذكر ذلك بن إسحاق وأسند عن أم سلمة أن أبا سلمة أخذه معه فردها قومها فحبسوها سنة ثم انطلقت فتوجهت في قصة طويلة وفيها فقدم أبو سلمة المدينة بكرة وقدم بعده عامر بن ربيعة حليف بني عدي عشية ثم توجه مصعب بن عمير كما تقدم آنفا ليفقه من أسلم من الانصار ثم كان أول من هاجر بعد بيعة العقبة عامر بن ربيعة حليف بني عدي على ما ذكر بن إسحاق وسيأتي ما يخالفه في الباب الذي يليه وهو قول البراء أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير الخ ثم توجه باقي الصحابة شيئا فشيئا كما سيأتي في الباب الذي يليه ثم لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم واستقر بها خرج من بقي من المسلمين وكان المشركون يمنعون من قدروا على منعه منهم فكان أكثرهم يخرج سرا إلى أن لم يبق منهم بمكة إلامن غلب على أمره من المستضعفين ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الاول والثاني قوله وقال عبد الله بن زيد وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار أما حديث عبد الله بن زيد فيأتي موصولا في غزوة حنين وأما حديث أبي هريرة فتقدم موصولا في مناقب الانصار وقوله من الانصار أي كنت أنصاريا صرفا فما كان لي مانع من الاقامة بمكة لكنني اتصفت بصفة الهجرة والمهاجر لا يقيم بالبلد الذي هاجر منها مستوطنا فينبغي أن يحصل لكم الطمأنينة بأني لا أتحول عنكم وذلك أنه إنما قال لهم ذلك في جواب قولهم أما الرجل فقد أحب الاقامة بموطنه وسيأتي لذلك مزيد في غزوة حنين إن شاء الله تعالى الحديث الثالث قوله وقال أبو مسوى الخ يأتي شرحه مستوفى في غزوة أحد وقوله فيه فذهب وهلي بفتح الواو والهاء أي ظني يقال وهل بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ظن شيئا فتبين الامر بخلافه وقوله أو هجر بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي من مساكن عبد القيس وقد سبقوا غيرهم من القرى إلى الاسلام كما سبق بيانه في كتاب الايمان ووقع في بعض نسخ أبي ذر أو الهجر بزيادة ألف ولام والاول أشهر وزعم بعض الشراح أن المراد بهجر هنا قرية قريبه من المدينة وهو خطأ فان الذي يناسب أن يهاجر إليه لا بد وأن يكون بلدا كبيرا كثير الاهل وهذه القرية التي قيل إنها كانت قرب المدينة يقال لها هجر لا يعرفها أحد
[ 178 ]
وإنما زعم ذلك بعض الناس في قوله قلال هجر أن المراد بها قرية كانت قرب المدينة كان يصنع بها القلال وزعم آخرون بأن المراد بها هجر التي بالبحرين كأن القلال كانت تعمل بها وتجلب إلى المدينة وعملت بالمدينة على مثالها وأفاد ياقوت أن هجر أيضا بلد باليمن فهذا أولى بالتردد بينها وبين اليمامة لان اليمامة بين مكة واليمن وقوله فإذا هي المدينة يثرب كان ذلك قبل أن يسميها صلى الله عليه وسلم طيبة ووقع عند البيهقي من حديث صهيب رفعه أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين فإما أن تكون هجر أو يثرب ولم يذكر اليمامة وللترمذي من حديث جرير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى أوحى إلى أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين استغربه الترمذي وفي ثوبته نظر لانه مخالف لما في الصحيح من ذكر اليمامة لان قنسرين من أرض الشام من جهة حلب وهي بكسر القاف وفتح النون الثقيلة بعدها مهملة ساكنة بخلاف اليمامة فانها إلى جهة اليمن إلا إن حمل على اختلاف المأخذ فان الاول جرى على مقتضى الرؤيا التي أريها والثاني يخير بالوحي فيحتمل أن يكون أرى أولا ثم خير ثانيا فاختار المدينة الحديث الرابع حديث خباب هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أي بإذنه وإلا فلم يرافق النبي صلى الله عليه وسلم سوى أبي بكر وعامر بن فهيرة كما تقدم وقد أعاد المصنف هذا الحديث في هذا الباب وستأتي الاشارة إليه بعد بضعة عشر حديثا وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق ومضى شئ منه في كتاب الجنائز الحديث الخامس حديث عمر الاعمال بالنية أورده مختصرا وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الكتاب ويحيى هو بن سعيد الانصاري وهو الذي لا يثبت هذ ا الحديث الا من طريقه الحديث السادس قوله حدثني إسحاق بن يزيد الدمشقي هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الفراديسي الدمشقي أبو النضر نسبه هنا إلى جده وكذلك في الزكاة وفي الجهاد وجزم بأنه الفراديسي الكلاباذي وآخرون وتفرد الباجي فأفرده بترجمة ونسبه خراسانيا ولم يعرف من حاله زيادة على ذلك وقول الجماعة أولى قوله عن عبدة بن أبي لبابة بضم اللام والموحدتين الاولى خفيفة الاسدي كوفي نزل دمشق وكنيته أبو القاسم ولا يعرف اسم أبيه قال الاوزاعي لم يقدم علينا من العراق أفضل منه قوله ان عبد الله بن عمر كان يقول لا هجرة بعد الفتح هذا موقوف وسيأتي شرحه في الذي بعده الحديث السابع قوله قال يحيى بن حمزة وحدثني الاوزاعي هو معطوف على الذي قبله وقد أفردهما في أواخر غزوة الفتح وأورد كل واحد منهما عن إسحاق بن يزيد المذكور بإسناده وأخرج بن حبان الثاني من طريق الوليد بن مسلم عن الاوزاعي قال سألته عن انقطاع فضيلة الهجرة إلى الله ورسوله فقال فذكره قوله عن عطاء في رواية بن حبان حدثنا عطاء قوله زرت عائشة مع عبيد بن عمير الليثي تقدم في أبواب الطواف من الحج أنها كانت حينئذ مجاورة في جبل ثيير قوله فسألها عن الهجرة أي التي كانت قبل الفتح واجبة إلى المدينة ثم نسخت بقوله لا هجرة بعد الفتح وأصل الهجرة هجر الوطن وأكثر ما يطلق على من رحل من البادية إلى القرية ووقع عند الاموي في المغازي من وجه آخر عن عطاء فقالت إنما كانت الهجرة قبل فتح مكة والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة قوله لا هجرة اليوم أي بعد الفتح قوله كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه الخ أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة وأن سببها خوف الفتنة والحكم
[ 179 ]
يدور مع علته فمقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت ومن ثم قال الماوردي إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام فالاقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الاسلام وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في أوائل الجهاد في باب وجوب النفير في الجمع بين حديث بن عباس لا هجرة بعد الفتح وحديث عبد الله بن السعدي لا تنقطع الهجرة وقال الخطابي كانت الهجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الاسلام مطلوبة ثم افترضت لما هاجر إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا فلما فتحت مكة ودخل الناس في الاسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب وقال البغوي في شرح السنة يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى بقوله لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى المدينة وقوله لا تنقطع أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الاسلام قال ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله لا هجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن وقوله لا تنقطع أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الاعراب ونحوهم قلت الذي يظهر أن المراد بالشق الاول وهو المنفي ما ذكره في الاحتمال الاخير وبالشق الآخر المثبت ما ذكره في الاحتمال الذي قبله وقد أفصح بن عمر بالمراد فيما أخرجه الاسماعيلي بلفظ انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار أي ما دام في الدنيا كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه ومفهومه أنه لو قدر أن يبقى في الدنيا دار كفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها والله أعلم وأطلق بن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافراوهو إطلاق مردود والله أعلم الحديث الثامن رضي الله تعالى عنهما قوله عن هشام هو بن عروة قوله ان سعدا هو بن معاذ وسيأتي شرح هذا في غزوة بني قريظة وأورده هنا مختصرا لما يتعلق بقريش الذين أحوجوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج عن وطنه قوله وقال أبان بن يزيد هو العطار الخ يعني أن أبان وافق بن نمير في روايته عن هشام لهذا الحديث وأفصح بتعيين القوم الذين أبهموا وأنهم قريش وزعم الداودي أن المراد بالقوم قريظة ثم قال في الرواية المعلقة هذا ليس بمحفوظ وهو إقدام منه على رد الروايات الثابتة بالظن الخائب وذلك أن في رواية بن نمير أيضا ما يدل على أن المراد بالقوم قريش وإنما تفرد أبان بذكر قريش في الموضع الاول وإلا فسيأتي في المغازي في بقية هذا الحديث من كلام سعد وقال اللهم فان كان بقي من حرب قريش شئ فأبقني له الحديث وأيضا ففي الموضع الذي اقتصر الداودي على النظر فيه ما يدل على أن المراد قريش لان فيه من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه فإن هذه القصة مختصة بقريش لانهم الذين أخرجوه وأما قريظة فلا الحديث التاسع حديث بن عباس قوله حدثنا هشام هو بن حسان قوله فمكث بمكة ثلاث عشرة هذا أصح مما أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان بهذا الاسناد قال أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وأربعين فمكث بمكة عشرا وأصح مما أخرجه مسلم من وجه آخر عن بن عباس أن
[ 180 ]
إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة كانت خمس عشرة سنة وقد تقدم بيان ذلك في كتاب المبعث وسيأتي بقية الكلام عليه في الوفاة إن شاء الله تعالى وقوله هنا فهاجر عشر سنين أي أقام مهاجرا عشر سنين وهو كقوله تعالى فأماته الله مائة عام الحديث العاشر حديث أبي سعيد تقدم شرحه في مناقب أبي بكر مستوفى وقوله فيه فقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ في حديث بن عباس عند البلاذري في نحو هذه القصة فقال له أبو سعيد الخدري يا أبا بكر ما يبكيك فذكر الحديث عرضي الله تعالى عنها لحديث الحادي عشر قوله لم أعقل أبوي يعني أبا بكر وأم ورمان قوله يدينان الدين بالنصب على نزع الخافض أي يدينان بدين الاسلام أو هو مفعول به على التجوز قوله فلما ابتلى المسلمون أي بأذى المشركين لما حصروا بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه في الهجرة إلى الحبشة كما تقدم بيانه قوله خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة أي ليلحق بمن سبقه إليها من المسلمين وقد قدمت أن الذين هاجروا إلى الحبشة أولا ساروا إلى جدة وهي ساحل مكة ليركبوا منها البحر إلى الحبشة قوله برك الغماد أما برك فهو بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها كاف وحكى كسر أوله وأما الغماد فهو بكسر المعجمة وقد تضم وبتخفيف الميم وحكى بن فارس فيها ضم الغين موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن وقال البكري هي أقاصي هجر وحكى الهمداني في أنساب اليمن هو في أقصى اليمن والاول أولى وقال بن خالويه حضرت مجالس المحاملي وفيه زهاء ألف فأملى عليهم حديثا فيه فقالت الانصار لو دعوتنا إلى برك الغماد قالها بالكسر فقلت للمستملي هو بالضم فذكر له ذاك فقال لي وما هو قلت سألت بن دريد عنه فقال هو بقعة في جهنم فقال المحاملي وكذا في كتابي على الغين ضمة قال بن خالويه وأنشد بن دريد وإذا تنكرت البلاد * فأولها كنف البعاد واجعل مقامك أو مقرك جانبي برك الغماد لست بن أم القاطنين * ولا بن عم للبلاد * قال بن خالويه وسألت أبا عمر يعني غلام ثعلب فقال هو بالكسر والضم موضع باليمن قال وموضع باليمن أوله بالكسر لكن آخره راء مهملة وهو عند بئر برهوت الذي يقال إن أرواح الكفار تكون فيها أه واستبعد بعض المتأخرين ما ذكره بن دريد فقال القول بأنه موضع باليمن أنسب لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعوهم إلى جهنم وخفي عليهم أن هذا بطريق المبالغة فلا يراد به الحقيقة ثم ظهر لي أن لا تنافي بين القولين فيحمل قوله جهنم على مجاز المجاورة بناء على القول بأن برهوت مأوى أرواح الكفار وهم أهل النار قوله بن الدغنة بضم المهملة والمعجمة وتشديد النون عند أهل اللغة وعند الرواة بفتح أوله وكسر ثانيه وتخفيف النون قال الاصيلي وقرأه لنا المروزي بفتح الغين وقيل إن ذلك كان لاسترخاء في لسانه والصواب الكسر وثبت بالتخفيف والتشديد من طريق وهي أمه وقيل أم أبيه وقيل دابته ومعنى الدغنة المسترخية
[ 181 ]
وأصلها الغمامة الكثيرة المطر واختلف في اسمه فعند البلاذري من طريق الواقدي عن معمر عن الزهري أنه الحارث بن يزيد وحكى السهيلي أن اسمه مالك ووقع في شرح الكرماني أن بن إسحاق سماه ربيعة بن رفيع وهو وهم من الكرماني فان ربيعة المذكور آخر يقال له بن الدغنة أيضا لكنه سلمي والمذكور هنا من القارة فاختلفا وأيضا السلمي إنما ذكره بن إسحاق في غزوة حنين وأنه صحابي قتل دريد بن الصمة ولم يذكره بن إسحاق في قصة الهجرة وفي الصحابة ثالث يقال له بن الدغنة لكن اسمه حابس وهو كلبي له قصة في سبب إسلامه وأنه رأى شخصا من الجن فقال له يا حابس بن دغنة يا حابس في أبيات وهو مما يرجح رواية التخفيف في الدغنة قوله وهو سيد القارة بالقاف وتخفيف الراء وهي قبيلة مشهورة من بني الهون بالضم والتخفيف بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وكانوا حلفاء بني زهرة من قريش وكانوا يضرب بهم المثل في قوة الرمي قال الشاعر قد أنصف القارة من راماها قوله أخرجني قومي أي تسببوا في إخراجي قوله فأريد أن أسيح بالمهملتين لعل أبا بكر طوى عن بن الدغنة تعيين جهة مقصده زلكونه كان كافرا وإلا فقد تقدم أنه قصد التوجه إلى أرض الحبشة ومن المعلوم أنه لا يصل إليها من الطريق التي قصدها حتى يسير في الارض وحده زمانا فيصدق أنه سائح لكن حقيقة السياحة أن لا يقصد موضعا بعينه يستقر فيه قوله وتكسب المعدوم في رواية الكشميهني المعدم وقد تقدم شرح هذه الكلمات في حديث بدء الوحي أول الكتاب وفي موافقة وصف بن الدغنة لابي بكر بمثل ما وصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عظيم فضل أبي بكر واتصافه بالصفات البالغة في أنواع الكمال قوله وأنا لك جار أي مجير أمنع من يؤذيك قوله فرجع أي أبو بكر وارتحل معه بن الدغنة وقع في الكفالة وارتحل بن الدغنة فرجع مع أبي بكر والمراد في الروايتين مطلق المصاحبة وإلا فالتحقيق ما في هذا الباب قوله لا يخرج مثله أين من وطنه باختياره على نية الاقامة في غيره مع ما فيه من النفع المتعدي لاهل بلده ولا يخرج أي ولا يخرجه أحد بغير اختياره للمعنى المذكور واستنبط بعض المالكية من هذا أن من كانت فيه منفعة متعدية لا يمكن من الانتقال عن البلد إلى غيره بغير ضرورة راجحة قوله فلم تكذب قريش أي لم ترد عليه قوله في أمان أبي بكر وكل من كذبك فقد رد قولك فأطلق التكذيب وأراد لازمه وتقدم في الكفالة بلفظ فأنفذت قريش جوار بن الدغنة وآمنت أبا بكر وقد استشكل هذا مع ما ذكره بن إسحاق في قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وسؤاله حين رجع الاخنس بن شريق أن يدخل في جواره فاعتذر بأنه حليف وكان أيضا من حلفاء بني زهرة ويمكن الجواب بأن بن الدغنة رغب في إجارة أبي بكر والاخنس لم يرغب فيما التمس منه فلم يثرب النبي صلى الله عليه وسلم عليه قوله بجوار بكسر الجيم وبضمها وقد تقدم بيان المراد منه في كتاب الكفالة قوله مر أبا بكر فليعبد ربه دخلت الفاء على شئ محذوف لا يخفى تقديره قوله فلبث أبو بكر تقدم في الكفالة بلفظ فطفق أي جعل ولم يقع لي بيان المدة التي أقام فيها أبو بكر على ذلك قوله ثم بدا لابي بكر أي ظهر له رأي غير الرأي الاول قوله بفناء داره بكسر الفاء وتخفيف النون وبالمد أي أمامها قوله فيتقذف بالمثناة والقاف والذال المعجمة الثقيلة تقدم في الكفالة بلفظ فيتقصف أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد
[ 182 ]
ينكسر وأطلق يتقصف مبالغة قال الخطابي هذا هو المحفوظ وأما يتقذف فلا معنى له إلا أن يكون من القذف أي يتدافعون فيقذف بعضهم بعضا فيتساقطون عليه فيرجع إلى معنى الاول وللكشميهني بنون وسكون القاف وكسر الصاد أي يسقط قوله بكاء بالتشديد أي كثير البكاء قوله لا يملك عينيه أي لا يطيق إمساكهما عن البكاء من رقة قلبه وقوله إذا قرأ إذا ظرفية والعامل فيه لا يملك أو هي شرطية والجزاء مقدر قوله فأفزع ذلك أي أخاف الكفار لما يعلمونه من رقة قلوب النساء والشباب أن يميلوا إلى دين الاسلام قوله فقدم عليهم في رواية الكشميهني فقدم عليه أي على أبي بكر قوله أن يفتن نساءنا بالنصب على المفعولية وفاعله أبو بكر كذا لابي ذر وللباقين أن يفتن بضم أوله نساؤنا بالرفع على البناء للمجهول قوله أجرنا بالجيم والراء للاكثر وللقابسي بالزاي أي أبحنا له والاول أوجه والالف مقصورة في الروايتين قوله فاسأله في رواية الكشميهني فسله قوله ذمتك أي أمانك له قوله نخفرك بضم أوله وبالخاء المعجمة وكسر الفاء أي نغدر بك يقال خفره إذا حفظه وأخفره إذا غدر به قوله مقرين لابي بكر الاستعلان أي لا نسكت عن الانكار عليه للمعنى الذي ذكروه من الخشية على نسائهم وأبنائهم أن يدخلوا في دينه قوله وأرضى بجوار الله أي امانه وحمايته وفيه جواز الاخذ بالاشد في الدين وقوة يقين أبي بكر قوله والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة في هذا الفصل من فضائل الصديق أشياء كثيرة قد امتاز بها عمن سواه ظاهرة لمن تأملها قوله بين لابتين وهما الحرتان هذا مدرج في الخبر وهو من تفسير الزهري والحرة أرض حجارتها سود وهذه الرؤيا غير الرؤيا السابقة أول الباب من حديث أبي موسى التي تردد فيها النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق قال بن التين كأن النبي صلى الله عليه وسلم أرى دار الهجرة بصفة تجمع المدينة وغيرها ثم أرى الصفة المختصة بالمدينة فتعينت قوله ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة أي لما سمعوا باستيطان المسلمين المدينة رجعوا إلى مكة فهاجر إلى أرض المدينة معظمهم لاجميعهم لان جعفرا ومن معه تخلفوا في الحبشة وهذا السبب في مجئ مهاجرة الحبشة غير السبب المذكور في مجئ من رجع منهم أيضا في الهجرة الاولى لان ذاك كان بسبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في سورة النجم فشاع أن المشركين أسلموا وسجدوا فرجع من رجع من الحبشة فوجدوهم أشد ما كانوا كما سيأتي شرحه وبيانه في تفسير سورة النجم قوله وتجهز أبو بكر قبل المدينة بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة وتقدم في الكفالة بلفظ وخرج أبو بكر مهاجرا وهو منصوب على الحال المقدرة والمعنى أراد الخروج طالبا للهجرة وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عندبن حبان استأذن أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج من مكة قوله على رسلك بكسر أوله أي على مهلك والرسل السير الرفيق وفي رواية بن حبان فقال اصبر قوله وهل ترجو ذلك بأبي أنت لفظ أنت مبتدأ وخبره بأبي أي مفدي بأبي ويحتمل أن يكون أنت تأكيدا لفاعل ترجو وبأبي قسم قوله فحبس نفسه أي منعها من الهجرة وفي رواية بن حبان فانتظره أبو بكر رضي الله عنه قوله ورق السمر بفتح المهملة وضم الميم قوله وهو الخبط مدرج أيضا في الخبر وهو من تفسير الزهري ويقال السمر شجرة أم غيلان وقيل كل ماله ظل ثخين وقيل السمر ورق الطلح والخبط بفتح المعجمة
[ 183 ]
والموحدة ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر قاله بن فارس قوله أربعة أشهر فيه بيان المدة التي كانت بين ابتداء هجرة الصحابة بين العقبة الاولى والثانية وبين هجرته صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في أول الباب أن بين العقبة الثانية وبين هجرته صلى الله عليه وسلم شهرين وبعض شهر على التحرير قوله قال بن شهاب الخ هو بالاسناد المذكور أولا وقد أفرده بن عائذ في المغازي من طريق الوليد بن محمد عن الزهري ووقع في رواية هشام بن عروة عند بن حبان مضموما إلى ما قبله وعند موسى بن عقبة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه يوم إلا أتى منزل أبي بكر أول النهار وآخره قوله في نحر الظهيرة أي أول الزوال وهو أشد ما يكون في حرارة النهار والغالب في أيام الحر القيلولة فيها وفي رواية بن حبان فأتاه ذات يوم ظهرا وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين بكرة وعشية فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة فقلت يا أبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله هذا رسول الله متقنعا أي مغطيا رأسه وفي رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب قالت عائشة وليس عند أبي بكر إلا أنا وأسماء قيل فيه جواز لبس الطيلسان وجزم بن القيم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلبسه ولا أحد من أصحابه وأجاب عن الحديث بأن التقنع يخالف التطيلس قال ولم يكن يفعل التقنع عادة بل للحاجة وتعقب بأن في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر التقنع أخرجه به وفي طبقات بن سعد مرسلا ذكر الطيلسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا ثوب لا يؤدي شكره قوله فدا له بكسر الفاء وبالقصر وفي رواية الكشميهني فداء بالمد قوله ما جاء به في رواية يعقوب بن سفيان ان جاء به ان هي النافية بمعنى ما وفي رواية موسى بن عقبة فقال أبو بكر يا رسول الله ما جاء بك إلا أمر حدث قوله إنما هم أهلك أشار بذلك إلى عائشة وأسماء كما فسره موسى بن عقبة ففي روايته قال أخرج من عندك قال لا عين عليك إنما هما ابنتاي وكذلك في رواية هشام بن عروة قوله فإني في رواية الكشميهني فإنه قوله الصحابة بالنصب أي أريد المصاحبة ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف قوله نعم زاد بن إسحاق في روايته قالت عائشة فرأيت أبا بكر يبكي وما كنت أحسب أن أحدا يبكي من الفرح وفي رواية هشام فقال الصحبة يا رسول الله قال الصحبة قوله إحدى راحلتي هاتين قال بالثمن زاد بن إسحاق قال لا أركب بعيرا ليس هو لي قال فهو لك قال لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به قال أخذتها بكذا وكذا قال أخذتها بذلك قال هي لك وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني فقال بثمنها يا أبا بكر فقال بثمنها إن شئت ونقل السهيلي في الروض عن بعض شيوخ المغرب أنه سئل عن امتناعه من أخذ الراحلة مع أن أبا بكر أنفق عليه ماله فقال أحب أن لا تكون هجرته إلا من مال نفسه وأفاد الواقدي أن الثمن ثمانمائة وأن التي أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر هي القصواء وأنها كانت من نعم بني قشير وأنها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلا وماتت في خلافة أبي بكر وكانت مرسلة ترعى بالبقيع وذكر بن إسحاق أنها الجذعاء وكانت من إبل بني الحريش وكذا في رواية أخرجها بن حبان من طريق هشام عن أبيه عن عائشة أنها الجذعاء قوله أحث الجهاز أحث بالمهملة والمثلثة أفعل تفضيل من الحث وهو الاسراع وفي رواية لابي ذر أحب بالموحدة والاول أصح والجهاز بفتح الجيم وقد تكسر
[ 184 ]
ومنهم من أنكر الكسر وهو ما يحتاج إليه في السفر قوله وصنعنا لهما سفرة في جراب أي زادا في جراب لان أصل السفرة في اللغة الزاد الذي يصنع للمسافر ثم استعمل في وعاء الزاد ومثله المزادة للماء وكذلك الرواية فاستعملت السفرة في هذا الخبر على أصل اللغة وأفاد الواقدي أنه كان في السفرة مطبوخة قوله ذات النطاق بكسر النون وللكشميهني النطاقين بالتثنية والنطاق ما يشد به الوسط وقيل هو إزار فيه تكة وقيل هو ثوب تلبسه المرأة ثم تشد وسطها بحبل ثم ترسل الاعلى على الاسفل قاله أبو عبيد الهروي قال وسميت ذات النطاقين لانها كانت تجعل نطاقا على نطاق وقيل كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتجعل في الآخر الزاد أه والمحفوظ كما سيأتي بعد هذا الحديث أنها شقت نطاقها نصفين فشدت بأحدهما الزاد واقتصرت على الآخر فمن ثم قيل لها ذات النطاق وذات النطاقين فالتثنية والافراد بهذين الاعتبارين وعند بن سعد من حديث الباب شقت نطاقها فأوكأت بقطعة منه الجراب وشدت فم القربة بالباقي فسميت ذات النطاقين قوله قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر غار في جبل ثور بالمثلثة ذكر الواقدي أنهما خرجا من خوخة في ظهر بيت أبي بكر وقال الحاكم تواترت الاخبار أن خروجه كان يوم الاثنين ودخوله المدينة كان يوم الاثنين إلا أن محمد بن موسى الخوارزمي قال إنه خرج من مكة يوم الخميس قلت يجمع بينهما بأن خروجه من مكة كان يوم الخميس وخروجه من الغار كان ليلة الاثنين لانه أقام فيه ثلاث ليال فهي ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الاحد وخرج في أثناء ليلة الاثنين ووقع في رواية هشام بن عروة عند بن حبان فركبا حتى أتيا الغار وهو ثور فتواريا فيه وذكر موسى بن عقبة عن بن شهاب قال فرقد علي على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يورى عنه وباتت قريش تختلف وتأتمر أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه حتى أصبحوا فإذا هم بعلي فسألوه فقال لا علم لي فعلموا أنه فر منهم وذكر بن إسحاق نحوه وزاد ان جبريل أمره لا يبيت على فراشه فدعا عليا فأمره أن يبيت على فراشه ويسجى ببرده الاخضر ففعل ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم على القوم ومعه حفنة من تراب فجعل ينثرها على رؤوسهم وهو يقرأ يس إلى فهم لا يبصرون وذكر أحمد من حديث بن عباس بإسناد حسن في قوله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذ أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم بل اقتلوه وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم يعني ينتظرونه حتى يقوم فيفعلون به ما اتفقوا عليه فلما أصبحوا ورأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا أين صاحبك هذا قال لا أدري فاقنصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال وذكر نحو ذلك موسى بن عقبة عن الزهري قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر ثم ان مشركي قريش اجتمعوا فذكر الحديث وفيه وبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ورى عنه وباتت قريش يختلفون ويأتمرون أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه فلما أصبحوا
[ 185 ]
إذا هم بعلي وقال في آخر فخرجوا في كل وجه يطلبونه وفي مسند أبي بكر الصديق لابي بكر بن علي المروزي شيخ النسائي من مرسل الحسن في قصة نسج العنكبوت نحوه وذكر الواقدي أن قريشا بعثوا في أثرهما قائفين أحدهما كرز بن علقمة فرأى كرز بن علقمة على الغار العنكبوت فقال ههنا انقطع الاثر ولم يسم الآخر وسماه أبو نعيم في الدلائل من حديث زيد بن أرقم وغيره سراقة بن جعشم وقصة سراقة مذكورة في هذا الباب وقد تقدم في مناقب أبي بكر حديث أنس عن أبي بكر قوله فكنا فيه بفتح الميم ويجوز كسرها أي اختفيا قوله ثلاث ليال في رواية عروة بن الزبير ليلتين فلعله لم يحسب أول ليلة وروى أحمد والحاكم من رواية طلحة النضري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبثت مع صاحبي يعني أبا بكر في الغار بضعة عشر يوما ما لنا طعام إلا ثمر البرير قال الحاكم معناه مكثنا مختفين من المشركين في الغار وفي الطريق بضعة عشر يوما قلت لم يقع في رواية أحمد ذكر الغار وهي زيادة في الخبر من بعض رواته ولا يصح حمله على حالة الهجرة لما في الصحيح كما تراه من أن عامر بن فهيرة كان يروح عليهما في الغار باللبن ولما وقع لهما في الطريق من لقي الراعي كما في حديث البراء في هذا الباب ومن النزول بخيمة أم مبعد وغير ذلك فالذي يظهر أنها قصة أخرى والله أعلم وفي دلائل النبوة للبيهقي من مرسل محمد بن سيرين أن أبا بكر ليلة انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار كان يمشي بين يديه ساعة ومن خلفه ساعة فسأله فقال أذكر الطلب فأمشي خلفك وأذكر الرصد فأمشي أمامك فقال لو كان شئ أحببت أن تقتل دوني قال أي والذي بعثك بالحق فلما انتهيا إلى الغار قال مكانك يا رسول الله حتى أستبري لك الغارف استبرأه وذكر أبو القاسم البغوي من مرسل بن أبي مليكية نحوه وذكر بن هشام من زياداته عن الحسن البصري بلاغا نحوه قوله عبد الله بن أبي بكر وقع في نسخة عبد الرحمن وهو وهم قوله ثقف بفتح المثلثة وكسر القاف ويجوز إسكانها وفتحها وبعدها فاء الحاذق تقول ثقفت الشئ إذا أقمت عوجه قوله لقن بفتح اللام وكسر القاف بعدها نون اللقن السريع الفهم قوله فيدلج بتشديد الدال بعدها جيم أي يخرج بسحر إلى مكة قوله فيصبح مع قريش بمكة كبائت أي مثل البائت يظنه من لا يعرف حقيقة أمره لشدة رجوعه بغلس قوله يكتادان به في رواية الكشميهني يكادان به بغير مثناة أي يطلب لهما فيه المكروه وهو من الكيد قوله عامر بن فهيرة تقدم ذكره في باب الشراء من المشركين من كتاب البيوع وذكر موسى بن عقبة عن بن شهاب أن أبا بكر اشتراه من الطفيل بن سخبرة فأسلم فأعتقه قوله منحة بكسر الميم وسكون النون بعدها مهملة تقدم بيانها في الهبة وتطلق أيضا على كل شاة وفي رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب أن الغنم كانت لابي بكر فكان يروح عليهما الغنم كل ليلة فيحلبان ثم تسرح بكرة فيصبح في رعيان الناس فلا يفطن له قوله في رسل بكسر الراء بعدها مهملة ساكنة اللبن الطري قوله ورضيفهما بفتح الراء وكسر المعجمة بوزن رغيف أي اللبن المرضوف أي التي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس أو النار لينعقد وتزول رخاوته وهو بالرفع ويجوز الجر قوله حتى ينعق بها عامر ينعق بكسر العين المهملة أي يصبح بغنمه والنعيق صوت الراعي إذا زجر الغنم ووقع في رواية أبي ذر حتى ينعق بهما بالتثنية أي يسمعهما صوته إذا زجر غنمه ووقع في حديث بن عباس عند بن عائذ في
[ 186 ]
هذه القصة ثم يسرح عامر بن فهيرة فيصبح في رعيان الناس كبائت فلا يفطن به وفي رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب وكان عامر أمينا مؤتمنا حسن الاسلام قوله من بني الديل بكسر الدال وسكون التحتانية وقيل بضم أوله وكسر ثانيه مهموز قوله من بني عبد بن عدي أي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ويقال من بني عدي بن عمرو بن خزاعة ووقع في سيرة بن إسحاق تهذيب بن هشام اسمه عبد الله بن أرقد وفي رواية الاموي عن بن إسحاق بن أريقد كذا رواه الاموي في المغازي بإسناد مرسل في غير هذه القصة قال وهو دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في الهجرة وعند موسى بن عقبة أريقط بالتصغير أيضا لكن بالطاء وهو أشهر وعند بن سعد عبد الله بن أريقط وعن مالك اسمه رقيط حكاه بن التين وهو في العتبية قوله هاديا خريتا بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة قوله والخريت الماهر بالهداية هو مدرج في الخير من كلام الزهري بينه بن سعد ولم يقع ذلك في رواية الاموي عن بن إسحاق قال بن سعد وقال الاصمعي إنما سمي خريتا لانه يهدي بمثل خرت الابرة أي ثقبها وقال غيره قيل له ذلك لانه يهتدي لاخرات المفازة وهي طرقها الخفية قوله قد غمس بفتح الغين المعجمة والميم بعدها مهملة حلفا بكسر المهملة وسكون اللام أي كان حليفا وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيمانهم في دم أو خلوق أو في شئ يكون في تلويث فيكون ذلك تأكيدا للحلف قوله فأمناه بكسر الميم قوله فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث زاد مسلم بن عقبة عن بن شهاب حتى إذا هدأت عنهما الاصوات جاء صاحبهما ببعير يهما فانطلقا معهما بعامر بن فهيرة يخدمهما ويعينهما يردفه أبو بكر ويعقبه ليس معهما غيره قوله فأخذ بهم طريق الساحل في رواية موسى بن عقبة فأجاز بهما أسفل مكة ثم مضى بهما حتى جاء بهما الساحل أسفل من عسفان ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق وعند الحاكم من طريق بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة نحوه وأتم منه وإسناده صحيح وأخرجه الزبير بن بكار في أخبار المدينة مفسرا منزلة منزلة إلى قباء وكذلك بن عائذ من حديث بن عباس وقد تقدم في علامات النبوة وفي مناقب أبي بكر ما اتفق لهما حين خرجا من الغار من لقيهما راعي الغنم وشربهما من اللبن الحديث الثاني عشر حديث سراقة بن جعشم قوله قال بن شهاب هو موصول بإسناد حديث عائشة وقد أفرده البيهقي في الدلائل وقبله الحاكم في الاكليل من طريق بن إسحاق حدثني محمد بن مسلم هو الزهري به وكذلك أورده الاسماعيلي منفردا من طريق معمر والمعافي في الجليس من طريق صالح بن كيسان كلاهما عن الزهري قوله المدلجي بضم الميم وسكون المهملة وكسر اللام ثم جيم من بني مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة وعبد الرحمن بن مالك هذا اسم جده مالك بن جعشم ونسب أبوه في هذه الرواية إلى جده كما سنبينه في سراقة وأبوه مالك بن جعشم له إدراك ولم أر من ذكره في الصحابة بل ذكره بن حبان في التابعين وليس له ولا لاخيه سراقة ولا لابنه عبد الرحمن في البخاري غير هذا الحديث قوله بن أخي سراقة بن جعشم في رواية أبي ذر بن أخي سراقة بن مالك بن جعشم ثم قال انه سمع سراقة بن جعشم والاول هو المعتمد وحيث جاء في الروايات سراقة بن جعشم يكون نسب إلى جده وسيأتي في حديث البراء بعدها بقليل أنه سراقة بن مالك بن جعشم ولم يختلف عليه فيه وجعشم بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة هو بن مالك بن عمرو
[ 187 ]
وكنية سراقة أبو سفيان وكان ينزل قديدا وعاش إلى خلافة عثمان قوله دية كل واحد أي مائة من الابل وصرح بذلك موسى بن عقبة وصالح بن كيسان في روايتهما عن الزهري وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني وخرجت قريش حين فقدوهما في بغائهما وجعلوا في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة وطافوا في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر يا رسول الله إن هذا الرجل ليرانا وكان مواجهه فقال كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها فجلس ذلك الرجل يبول مواجهة الغار فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يرانا ما فعل هذا قوله رأيت آنفا أي في هذه الساعة قوله أسودة أي أشخاصا في رواية موسى بن عقبة وابن إسحاق لقد رأيت ركبة ثلاثة إني لاظنه محمدا وأصحابه ونحوه في رواية صالح بن كيسان قوله رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا أي في نظرنا معاينة يبتغون ضالة لهم وفي رواية موسى بن عقبة وابن إسحاق فأومات إليه أن اسكت وقلت إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم قال لعل وسكت ونحوه في رواية معمر وفي حديث أسماء فقال سراقة إنهما راكبان ممن بعثنا في طلب القوم قوله فأمرت جاريتي لم أقف على اسمها وفي رواية موسى بن عقبة وصالح بن كيسان وأمرت بفرسي فقيد إلى بطن الوادي وزاد ثم أخذت قداحي بكسر القاف أي الازلام فاستقسمت بها فخرج الذي أكره لا تضر وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة ناقة قوله فخططت بالمعجمة وللكشميهني والاصيلي بالمهملة أي أمكنت أسفله وقوله بزجه الزج بضم الزاي بعدها جيم الحديدة التي في أسفل الرمح وفي رواية الكشميهني فخططت به وزاد موسى بن عقبة وصالح بن كيسان وابن إسحاق فأمرت بسلاحي فأخرج من ذنب حجرتي ثم انطلقت فلبست لامتي قوله وخفضت أي أمسكه بيده وجر زجه على الارض فخطها به لئلا يظهر بريقه لمن بعد منه لانه كره أن يتبعه منهم أحد فيشركوه في الجعالة ووقع في رواية الحسن عن سراقة عند بن أبي شيبة وجعلت أجر الرمح مخافة أن يشركني أهل الماء فيها قوله فرفعتها أي أسرعت بها السير قوله تقرب بي التقريب السير دون العدو وفوق العادة وقبل أن ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا قوله فأهويت يدي أي بسطهما للاخذ والكنانة الخريطة المستطيلة قوله فاستخرجت منها الازلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا والازلام هي الاقداح وهي السهام التي لا ريش لها ولا نصل وسيأتي شرحها وكيفيتها وصنيعهم بها في تفسير المائدة قوله فخرج الذي أكره أي لا تضرهم وصرح به الاسماعيلي وموسى وابن إسحاق وزاد وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة ناقة وفي حديث بن عباس عند بن عائذ وركب سراقة فلما أبصر الآثار على غير الطريق وهو وجل أنكر الآثار فقال والله ما هذه بآثار نعم الشام ولا تهامة فتبعهم حتى أدركهم قوله حتى إذا سمعت في حديث البراء عن أبي بكر الآتي عقب هذا فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي خليفة في حديث البراء عند الاسماعيلي فقال اللهم اكفناه بما شئت وفي حديث بن عباس مثله ونحوه في رواية الحسن عن سراقة وفي حديث أنس وهو الثامن عشر من أحاديث الباب فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اصرعه فصرعة فرسه قوله ساخت بالخاء المعجمة أي غاصت وفي حديث أسماء بنت أبي بكر فوقعت لمنخريها قوله حتى بلغتا الركبتين في رواية البراء فارتطمت به فرسه إلى
[ 188 ]
بطنها وفي رواية أبي خليفة في الارض إلى بطنها قوله فخررت عنها في رواية أبي خليفة فوثبت عنها زاد بن إسحاق فقلت ما هذا ثم أخرجت قداحي نحو الاول قوله ثم زجرتها فنهضت فلم تكد وفي حديث أنس ثم قامت تحمحم الحمحمة بمهملتين هو صوت الفرس قوله عثان بضم المهملة بعدها مثلثة خفيفة أي دخان قال معمر قلت لابي عمرو بن العلاء ما العثان قال الدخان من غير نار وفي رواية الكشميهني غبار بمعجمة ثم موحدة ثم راء والاول اشهر وذكر أبو عبيد في غريبه قال وإنما أراد بالعثان الغبار نفسه شبه غبار قوائمها بالدخان وفي رواية موسى بن عقبة والاسماعيلي واتبعها دخان مثل الغبار وزاد فعلمت أنه منع مني قوله فناديتهم بالامان وفي رواية أبي خليفة قد علمت يا محمد أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه والله لاعمين عليك من ورائي أي الطلب وفي رواية بن إسحاق فناديت القوم أنا سراقة بن مالك بن جعشم أنظروني أكلمكم فوالله لا آتيكم ولا يأتيكم مني شئ تكرهونه وفي حديث بن عباس مثله وزاد وأنا لكم نافع غير ضار وإني لا أدري لعل الحي يعني قومه فزعوا لركوبي وأنا راجع ورادهم عنكم قوله ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية بن إسحاق أنه قد منع مني قوله وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم أي من الحرص على الظفر بهم وبذل المال لمن يحصلهم وفي حديث بن عباس وعاهدهم أن لا يقاتلهم ولا يخبر عنهم وأن يكتم عنهم ثلاث ليال قوله وعرضت عليهم الزاد والمتاع في مرسل عمير بن إسحاق عند بن أبي شيبة فكف ثم قال هلما إلى الزاد والحملان فقالا لا حاجة لنا في ذلك وفي حديث بن عباس أن سراقة قال لهم وان أبلى على طريقكم فاحتلبوا من اللبن وخذوا سهما من كنانتي أمارة إلى الراعي قوله فلم يرزآني براء ثم زاي أي لم ينقصاني مما معي شيئا وفي رواية أبي خليفة وهذه كنانتي فخذ سهما منها فإنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخد منها حاجتك فقال لي لا حاجة لنا في إبلك ودعا له قوله أخف عنا لم يذكر جوابه ووقع في رواية البراء فدعا له فنجا فجعل لا يلقى أحدا إلا قال له قد كفيتم ما ههنا فلا يلقى أحدا إلا رده قال ووفي لنا وفي حديث أنس فقال يا نبي الله مرني بمشئت قال فقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا قال فكان أول النهار جاهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له أي حارسا له بسلاحه وذكر بن سعد أنه لما رجع قال لقريش قد عرفتم بصري بالطريق وبالاثر وقد استبرأت لكم زفلم أر شيئا فرجعوا قوله كتاب أمن بسكون الميم وفي رواية الاسماعيلي كتاب موادعة وفي رواية إسحاق كتابا يكون آية بيني وبينك قوله فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم وفي رواية بن إسحاق فكتب لي كتابا في عظم أو ورقة أو خرقة ثم ألقاه إلي فأخذته فجعلته في كنانتي ثم رجعت وفي رواية موسى بن عقبة نحوه وعندهما فرجعت فسئلت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا فرغ من حنين بعد فتح مكة خرجت لالقاه ومعي الكتاب فلقيته بالجعرانة حتى دنوت منه فرفعت يدي بالكتاب فقلت يا رسول الله هذا كتابك فقال يوم وفاء وبر أدن فأسلمت وفي رواية صالح بن كيسان نحوه وفي رواية الحسن عن سراقة قال فبلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي فأتيته فقلت أحب أن توادع قومي فان أسلم قومك أسلموا وإلا أمنت منهم ففعل ذلك قال ففيهم نزلت الا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية قال بن إسحاق قال أبو جهل لما بلغه ما لقي
[ 189 ]
سراقة لامه في تركهم فأنشده أبا حكم واللات لو كنت شاهدا * لامر جوادي إذ تسيخ قوائمه عجبت ولم تشكك بأن محمدا * نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه * وذكر بن سعد أن سراقة عارضهم يوم الثلاثاء بقديد الحديث الثالث عشر قوله قال بن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب هو متصل إلى بن شهاب بالاسناد المذكور أولا وقد أفرده الحاكم من وجه آخر عن يحيى بن بكير بالاسناد المذكور ولم يستخرجه الاسماعيلي أصلا وصورته مرسل لكنه وصله الحاكم أيضا من طريق معمر عن الزهري قال أخبرني عروة أنه سمع الزبير به وأفاد أن قوله وسمع المسلمون الخ من بقية الحديث المذكور وأخرجه موسى بن عقبة عن بن شهاب به وأتم منه وزاد قال ويقال لما دنا من المدينة كان طلحة قدم من الشام فخرج عائدا إلى مكة إما متلقيا وإما معتمرا ومعه ثياب أهداها لابي بكر من ثياب الشام فلما لقيه أعطاه فلبس منها هو وأبو بكر انتهى وهذا ان كان محفوظا احتمل أن يكون كل من طلحة والزبير أهدى لهما من الثياب والذي في السير هو الثاني ومال الدمياطي إلى ترجيحه على عادته في ترجيح ما في السير على ما في الصحيح والاولى الجمع بينهما والا فما في الصحيح أصح لان الرواية التي فيها طلحة من طريق بن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة والتي في الصحيح من طريق عقيل عن الزهري عن عروة ثم وجدت عند بن أبي شيبة من طريق هشام بن عروة عن أبيه نحو رواية أبي الاسود وعند بن عائذ في المغازي من حديث بن عباس خرج عمر والزبير وطلحة وعثمان وعياش بن أبي ربيعة نحو المدينة فتوجه عثمان وطلحة إلى الشام فتعين تصحيح القولين قوله وسمع المسلمون بالمدينة في رواية معمر فلما سمع المسلمون قوله يغدون بسكون الغين المعجمة أي يخرجون غدوة وفي رواية الحاكم من وجه آخر عن عروة عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن رجال من قومه قال لما بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم كنا نخرج فنجلس له بظاهر الحرة نلجأ إلى ظل المدر حتى تغلبنا عليه الشمس ثم نرجع إلى رحالنا قوله حتى يردهم في رواية معمر يؤذيهم وفي رواية بن سعد فإذا أحرقتهم الشمس رجعوا إلى منازلهم ووقع في رواية أبي خليفة في حديث أبي البراء حتى أتينا المدينة ليلا قوله فانقلبوا يوما بعد ما طال انتظارهم في رواية عبد الرحمن بن عويم حتى إذا كان اليوم الذي جاء فيه جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا رجعنا جاء قوله أوفى رجل من يهود أي طلع إلى مكان عال فأشرف منه ولم أقف على اسم هذا اليهودي قوله أطم بضم أوله وثانيه هو الحصن ويقال كان بناء من حجارة كالقصر قوله مبيضين أي عليهم الثياب البيض التي كساهم إياها الزبير أو طلحة وقال بن التين يحتمل أن يكون معناه مستعجلين وحكى عن بن فارس يقال بايض أي مستعجل قوله يزول بهم السراب أي يزول السراب عن النظر بسبب عروضهم له وقيل معناه ظهرت إحركتهم للعين قوله يا معاشر العرب في رواية عبد الرحمن بن عويم يا بني قيلة وهو بفتح القاف وسكون التحتانية وهي الجدة الكبرى للانصار والدة الاوس والخزرج وهي قيلة بنت كاهل بن عذرة قوله هذا جدكم بفتح الجيم أي حظكم وصاحب دولتكم الذي تتوقعونه وفي رواية معمر هذا صاحبكم قوله حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف أي بن مالك بن الاوس بن حارثة
[ 190 ]
ومنازلهم بقباء وهي على فرسخ من المسجد النبوي بالمدين وكان نزوله على كلثوم بن الهرم وقيل كان يومئذ مشركا وجزم به محمد بن الحسن بن زبالة في أخبار المدينة قوله وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الاول وهذا هو المعتمد وشذ من قال يوم الجمعة في رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب قدمها لهلال ربيع الاول أي أول يوم منه وفي رواية جرير بن حازم عن بن إسحاق قدمها لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول ونحوه عند أبي معشر لكن قال ليلة الاثنين ومثله عن بن البرقي وثبت كذلك في أواخر صحيح مسلم وفي رواية إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق قدمها لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الاول وعند أبي سعيد في شرف المصطفى من طريق أبي بكر بن حزم قدم لثلاث عشرة من ربيع الاول وهذا يجمع بينه وبين الذي قبله بالحمل على الاختلاف في رؤية الهلال وعنده من حديث عمر ثم نزل على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ربيع الاول كذا فيه ولعله كان فيه خلتا ليوافق رواية جرير وابن حازم وعند الزبير في خبر المدينة عن بن شهاب في نصف ربيع الاول وقيل كان قدومه في سابعه وجزم بن حزم بأنه خرج من مكة لثلاث ليال بقين من صفر وهذا يوافق قول هشام بن الكلبي إنه خرج من الغار ليلة الاثنين أول يوم من ربيع الاول فان كان محفوظا فلعل قدومه قباء كان يوم الاثنين ثامن ربيع الاول وإذا ضم إلى قول أنس إنه أقام بقباء أربع عشرة ليلة خرج منه أنه دخوله المدينة كان لاثنين وعشرين منه لكن الكلبي جزم بأنه دخلها لاثنتي عشرة خلت منه فعلى قوله تكون اقامته بقباء أربع ليال فقط وبه جزم بن حبان فإنه قال أقام بها الثلاثاء والاربعاء والخميس يعني وخرج يوم الجمعة فكأنه لم يعتد بيوم الخروج وكذا قال موسى بن عقبة إنه أقام فيهم ثلاث ليال فكأنه لم يعتد بيوم الخروج ولا الدخول وعن قوم من بني عمرو بن عوف أنه أقام فيهم اثنين وعشرين يوما حكاه الزبير بن بكار وفي مرسل عروة بن الزبير ما يقرب منه كما يذكر عقب هذا والاكثر أنه قدم نهارا ووقع في رواية مسلم ليلا ويجمع بأن القدوم كان آخر الليل فدخل نهارا قوله فقام أبو بكر للناس أي يتلقاهم قوله فطفق أي جعل من جاء من الانصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيى أبا بكر أي يسلم عليه قال بن التين إنما كانوا يفعلون ذلك بأبي بكر لكثرة تردده إليهم في التجارة إلى الشام فكانوا يعرفونه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأتها بعد أن كبر قلت ظاهر السياق يقتضي أن الذي يحيى ممن لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم يظنه أبا بكر فلذلك يبدأ بالسلام عليه ويدل عليه قوله في بقية الحديث فأقبل أبو بكر يظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع بيان ذلك في رواية موسى بن عقبة عن بن شهاب قال وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا فطفق من جاء من الانصار ممن لم يكن رآه يحسبه أبا بكر حتى إذا أصابته الشمس أقبل أبو بكر بشئ أظله به ولعبد الرحمن بن عويم في رواية بن إسحاق أناخ إلى الظل هو وأبو بكر والله ما أدري أيهما هو حتى رأينا أبا بكر ينحاز له عن الظل فعرفناه بذلك قوله فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة في حديث أنس الآتي في الباب الذي يليه أنه أقام فيهم أربع عشرة ليلة وقد ذكرت قبله ما يخالفه والله أعلم قال موسى بن عقبة عن بن شهاب أقام فيهم ثلاثا قال وروى بن شهاب عن مجمع بن حارثة أنه أقام اثنتين وعشرين ليلة وقال بن إسحاق أقام فيهم خمسا وبنو عمرو
[ 191 ]
بن عوف يزعمون أكثر من ذلك قلت ليس أنس من بني عمرو بن عوف فإنهم من الاوس وأنس من الخزرج وقد جزم بما ذكرته فهو أولى بالقبول من غيره قوله وأسس المسجد الذي أسس على التقوى أي مسجد قباء وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب عن عروة قال الذين بني فيهم المسجد الذي أسس على التقوى هم بنو عمرو بن عوف وكذا في حديث بن عباس عند بن عائذ ولفظه ومكث في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال واتخذ مكانه مسجدا فكان يصلي فيه ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهو الذي أسس على التقوى وروى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل بقباء قال عمار بن ياسر ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بد من أن يجعل له مكانا يستظل به إذا استيقظ ويصلي فيه فجمع حجارة فبنى مسجد قباء فهو أول مسجد بني يعني بالمدينة وهو في التحقيق أول مسجد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأصحابه جماعة ظاهرا وأول مسجد بني لجماعة المسلمين عامة وان كان قد تقدم بناء غيره من المساجد لكن لخصوص الذي بناها كما تقدم في حديث عائشة في بناء أبي بكر مسجده وروى بن أبي شيبة عن جابر قال لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين نعمر المساجد ونقيم الصلاة وقد اختلف في المراد بقوله تعالى لمسجد أسس على التقوى من أول يوم فالجمهور على أن المراد به مسجد قباء هذا وهو ظاهر الآية وروى مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال هو مسجدكم ولاحمد والترمذي من وجه آخر عن أبي سعيد اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال هو هذا وفي ذلك يعني مسجد قباء خير كثير ولاحمد عن سهل بن سعد نحوه وأخرجه من وجه آخر عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب مرفوعا قال القرطبي هذا السؤال صدر ممن ظهرت له المساواة بين المسجدين في اشتراكهما في أن كلا منهما بناه النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأجاب بأن المراد مسجده وكأن المزية التي اقتضت تعيينه دون مسجد قباء لكون مسجد قباء لم يكن بناؤه بأمر جزم من الله لنبيه أو كان رأيا رآه بخلاف مسجده أو كان حصل له أو لاصحابه فيه من الاحوال القلبية ما لم يحصل لغيره انتهى ويحتمل أن تكون المزية لما اتفق من طول إقامته صلى الله عليه وسلم بمسجد المدينة بخلاف مسجد قباء فما أقام به إلا أياما قلائل وكفى بهذا مزية من غير حاجة إلى ما تكلفه القرطبي والحق أن كلا منهما أسس على التقوى وقوله تعالى في بقية الآية فيه رجال يحبون أن يتطهروا يؤيد كون المراد مسجد قباء وعند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت فيه رجال يحبون أن يتطهروا في أهل قباء وعلى هذا فالسر في جوابه صلى الله عليه وسلم بأن المسجد الذي أسس على التقوى مسجده رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء والله أعلم قال الداودي وغيره ليس هذا اختلافا لان كلا منهما أسس على التقوى وكذا قال السهيلي وزاد غيره أن قوله تعالى من أول يوم يقتضي أنه مسجد قباء لان تأسيسه كان في أول يوم حل النبي صلى الله عليه وسلم بدار الهجرة والله أعلم قوله ثم ركب راحلته وقع عند بن إسحاق وابن عائذ أنه ركب من
[ 192 ]
قباء يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فقالوا يا رسول الله هلم إلى العدد والعدد والقوة انزل بين أظهرنا وعند أبي الاسود عن عروة نحوه وزاد وصاروا يتنازعون زمام ناقته وسمى ممن سأله النزول عندهم عتبان بن مالك في بني سالم وفروة بن عمرو في بني بياضة وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وغيرهما في بني ساعدة وأبا سليط وغيره في بني عدي يقول لكل منهم دعوها فإنها مأمورة وعند الحاكم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس جاءت الانصار فقالوا إلينا يا رسول الله فقال دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب قوله حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة في حديث البراء عن أبي بكر فتنازعه القوم إيهم ينزل عليه فقال إني إنزل على أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك وعند بن عائذ عن الوليد بن مسلم وعند سعيد بن منصور كلاهما عن عطاف بن خالد أنها استناخت به أولا فجاءه ناس فقالوا المنزل يا رسول الله فقال دعوها فانبعث حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد ثم تحلحلت فنزل عنها فأتاه أبو أيوب فقال إن منزلي أقرب المنازل فأذن لي أن أنقل رحلك قال نهم فنقل وأناخ الناقة في منزله وذكر بن سعد أن أبا أيوب لما نقل رحل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله قال النبي صلى الله عليه وسلم المرء مع رحله وأن سعد بن زرارة جاء فأخذ ناقته فكانت عنده قال وهذا أثبت وذكر أيضا أن مدة إقامته عند أي أيوب كانت سبعة أشهر قوله وكان أي موضع المسجد مربدا بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة هو الموضع الذي يخفف فيه التمر وقال الاصمعي المربد كل شئ حبست فيه الابل أو الغنم وبه سمى مربد البصرة لانه كان موضع سوق الابل قوله لسهيل وسهل زاد بن عيينة في جامعه عن أبي موسى عن الحسن وكانا من الانصار وعند الزبير بن بكار في أخبار المدينة أنهما أتيا رافع بن عمرو وعند بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل لمن هذا فقال له معاذ بن عفراء هو لسهيل وسهل ابني عمرو يتيمان لي وسأرضيهما منه قوله في حجر سعبن زرارة كذا لابي ذر وحده وفي رواية الباقين أسعد بزيادة ألف وهو الوجه وكان أسعد من السابقين إلى الاسلام من الانصار ويكنى أبا أمامة وأما أخوه سعد فتأخر إسلامه ووقع في مرسل بن سيرين عند أبي عبيد في الغريب أنهما كانا في حجر معاذ بن عفراء وحكى الزبير أنهما كانا في حجر أبي أيوب والاول أثبت وقد يجمع باشتراكهما أو بانتقال ذلك بعد أسعد إلى من ذكر واحدا بعد واحد وذكر بن سعد أن أسعد بن زرارة كان يصلي فيه قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم قوله فساومهما في رواية بن عيينة فكلم عمهما أي الذي كانا في حجره أن يبتاعه منهما فطلبه منهما فقالا ما تصنع به فلم يجد بدا من أن يصدقهما ووقع لابي ذر عن الكشميهني فأبى أن يقبله منهما قوله حتى ابتاعه منهما ذكر بن سعد عن الواقدي عن معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يعطيهما ثمنه قال وقال غير معمر أعطاهما عشرة دنانير وتقدم في أبواب المساجد من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم قالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ويأتي مثله في آخر الباب الذي يليه ولا منافاة بينهما فيجمع بأنهم لما قالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله سأل عمن يختص بملكه منهم فعينوا له الغلامين فابتاعه منهما فحينئذ يحتمل أن يكون الذين قالوا له لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تحملوا
[ 193 ]
عنه للغلامين بالثمن وعند الزبير أن أبا أيوب أرضاهما عن ثمنه قوله وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جعل ينقل معهم اللبن أي الطوب المعمول من الطين الذي لم يحرق وفي رواية عطاف بن خالد عند بن عائذ أنه صلى فيه وهو عريش اثني عشر يوما ثم بناه وسقفه وعند الزبير في خبر المدينة من حديث أنس أنه بناه أولا بالجريد ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين قوله هذا الحمال بالمهملة المكسورة وتخفيف الميم أي هذا المحمول من اللبن أبر عند الله أي أبقى ذخرا وأكثر ثوابا وأدوم منفعة وأشد طهارة من حمال خيبر أي التي يحمل منها التمر والزبيب ونحو ذلك ووقع في بعض النسخ في رواية المستملي هذا الجمال بفتح الجيم وقوله ربنا منادى مضاف قوله اللهم إن الاجر أجر الآخرة فارحم الانصار والمهاجرة كذا في هذه الرواية ويأتي في حديث أنس في الباب الذي بعده اللهم لا خير إلا خير الآخرة فانصر الانصار والمهاجرة وجاء في غزوة الخندق بتغيير آخر من حديث سهل بن سعد ونقل الكرماني أنه صلى الله عليه وسلم كان يقف على الآخرة والمهاجرة بالتاء محركة فيخرجه عن الوزن ذكره في أوائل كتاب الصلاة ولم يذكر مستنده والكلام الذي بعد هذا يرد عليه قوله فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي قال الكرماني يحتمل أن يكون المراد الرجز المذكور ويحتمل أن يكون شعرا آخر قلت الاول هو المعتمد ومناسبة الشعر المذكور للحال المذكور واضحة وفيها إشارة إلى أن الذي ورد في كراهية البناء مختص بما زاد على الحاجة أو لم يكن في أمر ديني كبناء المسجد قوله قال بن شهاب ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الابيات زاد بن عائذ في أخره التي كان يرتجز بهن وهو ينقل اللبن لبناء المسجد قال بن التين أنكر على الزهري هذا من وجهين أحدهما أنه رجز وليس بشعر ولهذا يقال لقائله راجز ويقال أنشد رجزا ولا يقال له شاعر ولا أنشد شعرا والوجه الثاني أن العلماء اختلفوا هل ينشد النبي صلى الله عليه وسلم شعرا أم لا وعلى الجواز هل ينشد بيتا واحدا أو يزيد وقد قيل ان البيت الواحد ليس بشعر وفيه نظر أه والجواب عن الاول أن الجمهور على أن الرجز من أقسام الشعر إذا كان موزونا وقد قيل إنه كان صلى الله عليه وسلم إذا قال ذلك لا يطلق القافية بل يقولها متحركة التاء ولا يثبت ذلك وسيأتي من حديث سهل بن سعد في غزوة الخندق بلفظ فاغفر للمهاجرين والانصار وهذا ليس بموزون وعن الثاني بأن الممتنع عنه صلى الله عليه وسلم إنشاؤه لا إنشاده ولا دليل على منع انشاده متمثلا وقول الزهري لم يبلغنا لا اعتراض عليه فيه ولو ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أنشد غير ما نقله الزهري لانه نفى أن يكون بلغه ولم يطلق النفي المذكور على أن بن سعد روى عن عفان عن معتمر بن سليمان عن معمر عن الزهري قال لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من الشعر قيل قبله أو يروى عن غيره إلا هذا كذا قال وقد قال غيره إن الشعر المذكور لعبد الله بن رواحة فكأنه لم يبلغه وما في الصحيح أصح وهو قوله شعر رجل من المسلمين وفي الحديث جواز قول الشعر وأنواعه خصوصا الرجز في الحرب والتعاون على سائر الاعمال الشاقة لما فيه من تحريك الهمم وتشجيع النفوس وتحركها على معالجة الامور الصعبة وذكر الزبير من طريق مجمع بن يزيد قال قائل من المسلمين في ذلك لئن قعدنا والنبي يعمل * ذاك إذا للعمل المضلل *
[ 194 ]
ومن طريق أخرى عن أم سلمة نحوه وزاد قال وقال علي بن أبي طالب لا يستوي من يعمر المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعدا ومن يرى عن التراب حائدا * وسيأتي كيفية نزوله على أبي أيوب إلى أن أكمل المسجد في حديث أنس في هذا الباب إن شاء الله تعالى تنبيه أخرج المصنف هذا الحديث بطوله في التاريخ الصغير بهذا السند فزاد بعد قوله هذه الابيات وعن بن شهاب قال كان بين ليلة العقبة يعني الاخيرة وبين مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر أو قريب منها قلت هي ذو الحجة والمحرم وصفر لكن كان مضى من ذي الحجة عشرة أيام ودخل المدينة بعد أن استهل ربيع الاول فمهما كان الواقع أنه اليوم الذي دخل فيه من الشهر يعرف منه القدر على التحرير فقد يكون ثلاثة سواء وقد ينقص وقد يزيد لان أقل ما قيل إنه دخل في اليوم الاول منه وأكثر ما قيل إنه دخل الثاني عشر منه الحديث الرابع عشر قوله عن أبيه هو عروة وفاطمة هي امرأته بنت المنذر بن الزبير وأسماء جدتهما جميعا قوله فقلت لابي أي قالت لابي بكر الصديق قوله أربطه أي المتاع الذي في السفرة أو رأس السفرة أو ذكرت باعتبار الظرف لانه مذكر ويستفاد من هذا أن الذي أمرها بشق نطاقها لتربط به السفرة هو أبوها وتقدم تفسير النطاق في حديث عائشة قبل الحديث الخامس عشر قوله وقال بن عباس أسماء ذات النطاق وصله في تفسير براءة في أثناء حديث وسيأتي إن شاء الله تعالى الحديث السادس عشر حديث البراء في قصة الهجرة أورده مختصرا وقد تقدم مطولا في علامات النبوة وفي مناقب أبي بكر مع شرحه وذكر هنا أوله عن البراء وإنما هو عنده عن أبي بكر كما تقدم بيانه وفي آخر هذا الحديث هنا ما يشير إلى ذلك ثم أعاده المصنف في هذا الباب كما سيأتي بعد أبواب من وجه آخر عن البراء أتم مماهنا كما سأنبه عليه بسم الله الرحمن الرحيما لحديث السابع عشر حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق حملت بعبد الله بن الزبير يعني بمكة قوله وأنامتم أي قد أتممت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر ويطلق متم أيضا على من ولدت لتمام قوله فنزلت بقباء فولدته بقباء هذا يشعر بأنها وصلت إلى المدينة قبل أن يتحول النبي صلى الله عليه وسلم من قباء وليس كذلك قوله ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم أي المدينة قوله ثم تفل بمثناة ثم فاء تقدم بيانه في أبواب المساجد قوله ثم حنكه أي وضع في فيه التمرة ودلك حنكه بها قوله وبرك عليه أي قال بارك الله فيه أو اللهم بارك فيه قوله وكان أول مولود ولد في الاسلام أي بالمدينة من المهاجرين فأما من ولد بغير المدينة من المهاجرين فقيل عبد الله بن جعفر بالحبشة وأما من الانصار بالمدينة فكان أول مولود ولد لهم بعد الهجرة مسلمة بن مخلد كما رواه بن أبي شيبة وقيل النعمان بن بشير وفي الحديث أن مولد عبد الله بن الزبير كان في السنة الاولى وهو المعتمد بخلاف ما جزم به الواقدي ومن تبعه بأنه ولد في السنة الثانية بعد عشرين شهرا من الهجرة ووقع عند الاسماعيلي من الزيادة من طريق عبد الله بن الرومي عن أبي أسامة بعد قوله في الاسلام ففرح المسلمون فرحا شديدا لان اليهود كانوا يقولون سحرناهم حتى لا يولد لهم وأخرج الواقدي ذلك بسند له إلى سهل بن أبي حثمة وجاء عن أبي الاسود عن عروة نحوه ويرده أن هجرة أسماء وعائشة وغيرهما من آل الصديق كانت بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فالمسافة قريبة جدا لا تحتمل تأخر عشرين شهرا بل ولا عشرة أشهر
[ 195 ]
قوله تابعه خالد بن مخلد وصله الاسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد بهذا السند ولفظه أنها هاجرت وهي حبلى بعبد الله فوضعته بقباء فلم ترضعه حتى أتت به النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد في آخره ثم صلى عليه أي دعا له وسماه عبد الله الحديث الثامن عشر حديث عائشة في المعنى هو محمول على أنه عن عروة عن أمه أسماء وعن خالته عائشة فقد أخرجه المصنف من رواية أبي أسامة عن هشام على الوجهين كما ترى وفي رواية أسماء زيادة تختص بها وقد ذكر المصنف لحديث أسماء متابعا وهي الرواية المعلقة التي فرغنا منها وذكر أبو نعيم لحديث عائشة متابعا من رواية عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام وأخرج مسلم من طريق أبي خالد عن هشام مختصرا نحوه وأخرج مسلم من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام ما يقتضي أنه عند عروة عن أمه وخالته ولفظه عن هشام حدثني عروة وفاطمة بنت المنذر قالا خرجت أسماء حين هاجرت وهي حبلى بعبد الله بن الزبير قالت فقدمت قباء فنفست به ثم خرجت فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه ثم دعا بتمرة قالت عائشة فمكثنا ساعة نلتمسها قبل أن نجدها فمضغها الحديث فهذا الحديث فيه البيان أنه عند عروة عنهما جميعا وزاد في آخر هذا الطريق وسماه عبد الله ثم جاء وهو بن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك الزبير فتبسم وبايعه وقد ذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة بعث زيد بن حارثة فأحضر زوجته سودة بنت زمعة وبنتيه فاطمة وأم كلثوم وأم أيمن زوج زيد بن حارثة وابنها أسامة وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر ومعه أمه أم رومان وأختاه عائشة وأسماء فقدموا والنبي صلى الله عليه وسلم يبني مسجده ومجموع هذا مع قولها فولدته بقباء يدل على أن عبد الله بن الزبير ولد في السنة الاولى من الهجرة كما تقدم قوله أتوا به يؤخذ من الذي قبله أن أمه هي التي أتت به ويحتمل أن يكون معها غيرها كزوجها أو أختها قوله فلاكها أي مضغها قوله ثم أدخلها في فيه قال بن التين ظاهرة أن اللوك كان قبل أن يدخلها في فيه والذي عند أهل اللغة أن اللوك في الفم قلت وهو فهم عجيب فان الضمير في قوله في فيه يعود على بن الزبير أي لاكها النبي صلى الله عليه وسلم في فمه ثم أدخلها في في بن الزبير وهو واضح لمن تأملها الحديث التاسع عشر قوله حدثني محمد هو بن سلام وقال أبو نعيم في المستخرج أظنه أنه محمد بن المثنى أبو موسى قوله حدثنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث بن سعيد قوله مردف أبا بكر قال الداودي يحتمل أنه مرتدف خلفه على راحلته ويحتمل أن يكون على راحلة أخرى قال الله تعالى بألف من الملائكة مردفين أي يتلو بعضهم بعضا ورجح بن التين الاول وقال لا يصح الثاني لانه يلزم منه أن يمشي أبو بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قلت إنما يلزم ذلك لو كان الخبر جاء بالعكس كأن يقول والنبي صلى الله عليه وسلم مرتدف خلف أبي بكر فأما ولفظه وهو مردف أبا بكر فلا وسيأتي في الباب الذي بعده من وجه آخر عن أنس فكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه قوله وأبو بكر شيخ يريد أنه قد شاب وقوله يعرف أي لانه كان يمر على أهل المدينة في سفر التجارة بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم في الامرين فإنه كان بعيد العهد بالسفر من مكة ولم يشب وإلا ففي نفس الامر كان هو عليه الصلاة والسلام أسن من أبي بكر وسيأتي في هذا الباب من حديث أنس أنه لم يكن في الذين هاجروا أشمط غير أبي بكر
[ 196 ]
قوله ونبي الله شاب لا يعرف ظاهره أن أبا بكر كان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك وقد ذكر أبو عمر من رواية حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابي بكر أيما أسن أنا أأنت قال أنت أكرم يا رسول الله مني وأكبر وأنا أسن منك قال أبو عمر هذا مرسل ولا أظنه إلا وهما قلت وهو كما ظن وإنما يعرف هذا للعباس وأما أبو بكر فثبت في صحيح مسلم عن معاوية أنه عاش ثلاثا وستين سنة وكان قد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم سنتين وأشهرا فيلزم على الصحيح في سن أبي بكر أن يكون أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من سنتين قوله يهديني السبيل بين سبب ذلك بن سعد في رواية له ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لابي بكر اله الناس عني فكأن إذا سئل من أنت قال باغي حاجة فإذا قيل من هذا معك قال هاد يهديني وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني وكان أبو بكر رجلا معروفا في الناس فإذا لقيه لاق يقول لابي بكر من هذا معك فيقول هاد يهديني يريد الهداية في الدين ويحسبه الآخر دليلا قوله فقال يا رسول الله هذا فارس وهو سراقة وقد تقدم شرح قصته في الحديث الحادي عشر ووقع للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في سفرهم ذلك قضايا منها نزولهم بخيمتي أم معبد وقصتها أخرجها بن خزيمة والحاكم مطولة وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بكر الصديق شبيها بأصل قصتها في لبن الشاة المهزولة دون ما فيها من صفته صلى الله عليه وسلم لكنه لم يسمها في هذه الرواية ولا نسبها فاحتمل التعدد ومر بعبد يرعى غنما وقد تقدم في حديث البراء عن أبي بكر وروى أبو سعيد في شرف المصطفى من طريق إياس بن مالك بن الاوس الاسلمي قال لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مروا بابل لنا بالجحفة فقالا لمن هذه قال الرجل من أسلم فالتفت إلى أبي بكر فقال سلمت قال ما اسمك قال مسعود فالتفت إلى أبي بكر فقال سعدت ووصله بن السكن والطبراني عن إياس عن أبيه عن جده أوس بن عبد الله بن حجر فذكر نحوه مطولا وفيه إن أوسا أعطاهما فحل إبله وأرسل معهما غلامه مسعودا وأمره أن لا يفارقهما حتى يصلا المدينة وتحديث أنس بقصة سراقة من مراسيل الصحابة ولعله حملها عن أبي بكر الصديق فقد تقدم في مناقبه أن أنسا حدث عنه بطرف من حديث الغار وهو قوله قلت يا رسول الله لو أن أحدهما نظر إلى قدميه لابصرنا الحديث وقوله فيه فصرعه عن فرسه ثم قامت تحمحم قال بن التين فيه نظر لان الفرس إن كانت أنثى فلا يجوز فصرعه وان كان ذكرا فلا يقال ثم قامت قلت وانكاره من العجائب والجواب أنه ذكر باعتبار لفظ الفرس وأنت باعتبار ما في نفس الامر من أنها كانت أنثى قوله ثم بعث إلى الانصار فجاءوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فسلموا عليهما وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركبا طوى في هذا الحديث قصة إقامته عليه الصلاة والسلام هنا وقد تقدم بيانه في الحديث الثالث عشر وتقدير الكلام فنزل جانب الحرة فأقام بقباء المدة التي أقامها وبنى بها المسجد ثم بعث الخ قوله حتى نزل جانب دار أبي أيوب تقدم بيانه مستوفى في الحديث الثالث عشر وقال البخاري في التاريخ الصغير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال إني لا سعى مع الغلمان إذ قالوا جاء محمد فننطلق فلا نرى شيئا حتى أقبل وصاحبه فكمنا في بعض خرب المدينة وبعثا رجلا من أهل البادية يؤذن بهما فاستقبله زهاء خمسمائة من الانصار فقالوا انطلقا آمنين
[ 197 ]
مطاعين الحديث قوله فإنه ليحدث أهله الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم قوله إذ سمع به عبد الله بن سلام بالتخفيف بن الحويرث الاسرائيلي يكنى أبا يوسف يقال كان اسمه الحصين فسمى عبد الله في الاسلام وهو من حلفاء بني عوف بن الخزرج قوله يخترف لهم بالخاء المعجمة والفاء أي يجتني من الثمار قوله فجاء وهي معه أي الثمرة التي اجتناها وفي بعضها وهو أي الذي اجتناها قوله فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله وقع عند أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من طريق زرارة بن أوفى عن عبد الله بن سلام قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه فجئت في الناس لانظر إليه فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب الحديث قال العماد بن كثير ظاهر هذا السياق يعني سياق أحمد لحديث عبد الله بن سلام ولفظه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس لقدومه فكنت فيمن انجفل أنه اجتمع به لما قدم قباء وظاهر حديث أنس أنه اجتمع به بعد أن نزل بدار أبي أيوب قال فيحمل على أنه اجتمع به مرتين قلت ليس في الاول تعيين قباء فالظاهر الاتحاد وحمل المدينة هنا على داخلها قوله أي بيوت أهلنا أقرب تقدم بيان ذلك في أواخر الحديث الثالث عشر وأطلق عليهم أهله لقرابة ما بينهم من النساء لان منهم والدة عبد المطلب جده وهي سلمى بنت عوف من بني مالك بن النجار ولهذا جاء في حديث البراء أنه صلى الله عليه وسلم نزل على أخواله أو أجداده من بني النجار قوله فهئ لنا مقيلا أي مكانا تقع فيه القيلولة قال قوما فيه حذف تقديره فذهب فهيأ وقد وقع صريحا في رواية الحاكم وأبي سعيد قال فانطلق فهيأ لهما مقيلا ثم جاء وفي حديث أبي أيوب عند الحاكم وغيره أنه أنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفل ونزل هو وأهله في العلو ثم أشفق من ذلك فلم يزل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم حتى تحول إلى العلو ونزل أبو أيوب إلى السفل ونحوه في طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس عند أبي سعيد في شرف المصطفى وأفاد بن سعد أنه أقام بمنزل أبي أيوب سبعة أشهر حتى بنى بيوته وأبو أيوب هو خالد بن زيد بن كليب من بني النجار وبنو النجار من الخزرج بن حارثة ويقال إن تبعا لما غزا الحجاز واجتاز يثرب خرج إليه أربعمائة حبر فأخبروه بما يجب من تعظيم البيت وأن نبيا سيبعث يكون مسكنه يثرب فأكرمهم وعظم البيت بأن كساه وهو أو ل من كساه وكتب كتابا وسلمه لرجل من أولئك الاحبار وأوصاه أن يسلمه للنبي صلى الله عليه وسلم إن أدركه فيقال إن أبا أيوب من ذرية ذلك الرجل حكاه بن هشام في النيجان وأورده بن عساكر في ترجمة تبع قوله فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أي إلى منزل أبي أيوب جاء عبد الله بن سلام أي إليه فقال أشهد أنك رسول الله زاد في رواية حميد عن أنس كما سيأتي قريبا قبل كتاب المغازي أنه سأله عن أشياء فلما أعلمه بها أسلم ولفظه فأتاه يسأله عن أشياء فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه فلما ذكر له جواب مسائله قال أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ان اليهود قوم بهت الحديث وعند البيهقي من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن يحيى بن عبد الله عن رجل من آل عبد الله بن سلام عن عبد الله بن سلام قال سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت صفته واسمه فكنت مسرا لذلك حتى قدم المدينة فسمعت به وأنا على رأس نخلة فكبرت فقالت لي عمتي خالدة
[ 198 ]
بنت الحارث لو كنت سمعت بموسى ما زدت فقلت والله هو أخو موسى بعث بما بعث به فقالت لي يا بن أخي هو الذي كنا نخبر أنه سيبعث مع نفس الساعة قلت نعم قالت فذاك إذا ثم خرجت إليه فأسلمت ثم جئت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن اليهود قوم بهت الحديث قوله ولقد علمت يهود أتى سيدهم في الرواية الآتية قريبا قال يارسول الله إن اليهود قوم بهت وسيأتي شرح ذلك ثم قوله قالوا في ما ليس في في الرواية الآتية عند أبي نعيم بهتوني عندك قوله فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم أي إلى اليهود فجاءوا قوله فدخلوا عليه أي بعد أن اختبأ لهم عبد الله بن سلام كما سيأتي بيانه هناك وفي رواية يحيى بن عبد الله المذكور فأدخلني في بعض بيوتك ثم سلهم عني فانهم إن علموا بذلك بهتوني وعابوني قال فأدخلني بعض بيوته قوله سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا في الرواية الآتية خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا وفي ترجمة آدم أخيرنا بصيغة أفعل وفي رواية يحيى بن عبد الله سيدنا وأخيرنا وعالمنا ولعلهم قالوا جميع ذلك أو بعضه بالمعنى قوله فقالوا شرنا وفي رواية يحيى بن عبد الله فقالوا كذبت ثم وقعوا في قوله فقالوا كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية يحيى بن عبد الله فقلت يا رسول الله الله ألم أخبرك أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور وفي الرواية الآتية فنقصوه فقال هذا ما كنت أخاف يارسول الله الحديث العشرون قوله أخبرنا هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله عن عمر كان فرض للمهاجرين هذا صورته منقطع لانه نافعا لم يلحق عمر لكن سياق الحديث يشعر بأن نافعا حمله عن بن عمر ووقع في رواية غير أبي ذر هنا عن نافع يعني عن بن عمر ولعلها من إصلاح بعض الرواة واغتر بها شيخنا بن الملقن فأنكر على بن التين قوله ان الحديث مرسل وقال لعل نسخته التي وقعت له ليس فيها بن عمر وقد روى الدراوردي عن عبيد الله بن عمر فقال عن نافع عن بن عمر قال فرض عمر لاسامة أكثر مما فرض لي فذكر قصة أخرى شبيهة بهذه أخرجها أبو نعيم في المستخرج هنا قوله المهاجرين الاولين هم الذين صلوا للقبلتين أو شهدوا بدرا قوله أربعة آلاف في أربعة كذا للاكثر وسقطت لفظة في من رواية النسفي وهو الوجه أي لكل واحد أربعة آلاف ولعلها بمعنى اللام والمراد اثبات عدد المهاجرين المذكورين قوله إنما هاجر به أبواه يقول ليس هو كمن هاجر بنفسه وفي رواية الدراوردي المذكورة قال عمر لابن عمر إنما هاجر بك أبواك والمراد أنه كان
[ 199 ]
حينئذ في كنف أبيه فليس هو كمن هاجر بنفسه وكان لابن عمر حين الهجرة إحدى عشرة سنة ووهم من قال اثنتا عشرة وكذا ثلاث عشرة لما ثبت في الصحيحين أنه عرض يوم أحد وهو بن أربع عشرة وكانت أحد في شوال سنة ثلاث تنبيه أعاد المصنف هنا حديث خباب بعد أ ن ذكره في أوائل الباب فأورده من وجهين ساقه على لفظ الرواية الثانية وهي رواية مسدد وسأذكر شرحه في غزوة أحد إن شاء الله تعالى الحديث الحادي والعشرون قوله قال لي عبد الله بن عمر هل تدري وقعت في هذا الحديث زيادة من رواية سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال صليت إلى جنب بن عمر فسمعته حين سجد يقول فذكر ذكرا وفيه ما صليت صلاة منذ أسلمت إلا وأنا أرجو أن تكون كفارة وقال لابي بردة علمت أن أبي فذكر حديث الباب رويناه في الجزء السادس من فوائد أبي محمد بن صاعد قوله برد بفتح الموحدة والراء لنا أي ثبت لنا ودام يقال برد لي على الغريم حق أي ثبت وفي رواية سعيد بن أبي بردة خلص بدل برد وقوله كفافا أي سواء بسواء والمراد لا موجبا ثوابا ولا عقابا وفي رواية سعيد بن أبي بردة لا لك ولا عليك قوله قال أبي لا والله كذا وقع فيه والصواب قال أبوك لان بن عمر هو الذي يحكى لابي بردة ما دار بين عمر وأبي موسى وهذا الكلام الاخير كلام أبي موسى وقد وقع في رواية النسفي على الصواب ولفظه فقال أبوك لا والله الخ ووقع عند القابسي والمستملي فقال إي والله بكسر الهمزة بعدها تحتانية ساكنة بمعنى نعم معها القسم مثل قوله قل أي وربي وعند عبدوس أني والله بنون ثقيلة بعد الهمزة المكسورة ثم تحتانية وكان تصحيف إلا رواية النسفي ووقع في رواية داود بن أبي هند عن أبي بردة في تاريخ الحاكم هذا الحديث قال أبو موسى لا قال لم قال لابي قدمت على قوم جهال فعلمتهم القرآن والسنة فأرجو بذلك قوله فقال أبي لكني والذي نفسي بيده هذا كلام عمر رضي الله عنه قوله فقلت القائل هو أبو بردة وخاطب بذلك بن عمر فأراد أن عمر خير من أبي موسى وأراد من الحيثية المذكورة والا فمن المقرر أن عمر أفضل من أبي موسى عند جميع الطوائف لكن لا يمتنع أن يفوق بعض المفضولين بخصلة لا تستلزم الافضلية المطلقة ومع هذا فعمر في هذه الخصلة المذكورة أيضا أفضل من أبي موسى لان مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء فالعلم محيط بأن الآدمي لا يخلو عن تقصير ما في كل ما يريد من الخير وإنما قال عمر ذلك هضما لنفسه وإلا فمقامه في الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر قوله خير من أبي في رواية سعيد بن أبي بردة أفقه من أبي الحديث الثاني والعشرون قوله حدثني محمد بن الصباح أو بلغني عنه أما محمد فهو محمد بن الصباح الدولابي البزاز بمعجمتين نزيل بغداد متفق على توثيقه وقد روى عنه البخاري في الصلاة وفي البيوع جازما بغير واسطة وأما من بلغ البخاري عنه فيحتمل أن يكون هو عباد بن الوليد فقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه عن محمد بن الصباح بلفظه وعباد المذكور يكنى أبا بدر وهو غبري بضم المعجمة وفتح الموحدة الخفيفة روى عنه بن ماجة وابن أبي حاتم وقال صدوق ومات قبل سنة ستين أو بعدها وإسماعيل شيخ محمد فيه هو بن إبراهيم المعروف بابن علية وعاصم هو بن سليمان الاحول وأبو عثمان هو النهد ي والاسناد كله بصريون قوله إذا قيل له هاجر قبل أبيه يغضب يعني أنه لم يهاجر إلا صحبة أبيه كما تقدم وأخرج الطبراني من وجه آخر عن بن عمر أنه كان يقول لعن الله من يزعم أنني هاجرت قبل أبي انما قدمني في ثقله
[ 200 ]
وهذا في إسناده ضعف والجواب الذي أجاب به في حديث الباب أصح منه وقد استشكل ذكر أبويه فان أمه زينب بنت مظعون كانت بمكة فيما ذكره بن سعد قوله قدمت أنا وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عند البيعة ولعلها بيعة الرضوان وزعم الداودي أنها بيعة صدرت حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعندي في ذلك بعد لان بن عمر لم يكن في سن من يبايع وقد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بثلاث سنين يوم أحد فلم يجزه فيحتمل أن تكون البيعة حينئذ على غير القتال وإنما ذكرها بن عمر ليبين سبب وهم من قال إنه هاجر قبل أبيه وانما الذي وقع له أنه بايع قبل أبيه فلما كانت بيعته قبل بيعة أبيه توهم بعض الناس أن هجرته كانت قبل هجرة أبيه وليس كذلك وإنما بادر إلى البيعة قبل حرصا على تحصيل الخير ولان تأخيره لذلك لا ينفع عمر أشار إلى ذلك الداودي وعارضه بن التين بأن مثله يرد في الهجرة التي أنكر كونها كانت سابقة والجواب أنه أنكر وقوع ذلك لا كراهيته لو وقع أو الفرق أن زمن البيعة يسير جدا بخلاف زمن الهجرة وأيضا فلعل البيعة لم تكن عامة بخلاف الهجرة فان بن عمر خشي أن تفوته البيعة فبادر إلى تحصيلها ثم أسرع إلى أبيه فأخبره فسارع إلى البيعة فبايع ثم أعاد بن عمر البيعة ثاني مرة قوله نهرول الهرولة ضرب من السير بين المشي على مهل والعدو تنبيه ذكر المصنف هنا حديث البراء عن أبي بكر في قصة الهجرة وقد تقدم التنبيه عليه في أوائل هذا الباب وساقه هنا أتم وقد تقدم شرحه في علامات النبوة وفي مناقب أبي بكر وبقيته في أوائل الباب في حديث سراقة وقوله هنا فأحيينا ليلتنا بتحتانيتين من الاحياء ولبعضهم بمثناة ثم مثلثة من الحث قوله ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة فسرها صاحب النهاية بأنها الارض اليابسة وقيل النبت اليابس قال وقيل أراد بالفروة اللباس المعروفة قلت وهذا هو الراجح بل هو الظاهر من قوله فروة معي وقوله هنا قد روأتها أي تأتيت بها حتى صلحت تقول روأت في الامر إذا نظرت فيه ولم تعجل قوله قال البراء فدخلت مع أبي بكر على أهله فإذا بنته عائشة مضطجعة قد أصابتها حمى فرأيت أباها يقبل خدهاوقال كيف أنت يا بنية هذا القدر من الحديث لم يذكره المصنف إلا في هذا الموضع وسأشير إليه في الباب الذي يليه وكان دخول البراء على أهل أبي بكر قبل أن ينزل الحجاب قطعا وأيضا فكان حينئذ دون البلوغ وكذلك عائشة الحديث الثالث والعشرون قوله حدثنا محمد بن حمير بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتانية ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد بمعجمة مصغر وهو تصحيف وشيخه إبراهيم بن أبي علية قد سمع من أنس وحدث عنه هنا بواسطة واسم أبيه يقظان ضد النائم وعقبة بن وساج بفتح الواو وتشديد المهملة وآخره جيم وأبو عبيد في الاسناد
[ 201 ]
الثاني هو حيي بضم المهملة وفتح التحتانية بعدها أخرى ثقيلة ويقال حي بلفظ ضدميت وكان حاجب سليمان بن عبد الملك قوله فغلفها بالمعجمة أي خضبها والمراد اللحية وان لم يقع لها ذكر قوله والكتم بفتح الكاف والمثناة الخفيفة وحكى تثقيلها ورق يخضب به كالآس من نبات ينبت في أصغر الصخور فيتدلى خيطانا لطافا ومجتناه صعب ولذلك هو قليل وقيل إنه يخلط بالوشمة وقيل إنه الوشمة وقيل هو النيل وقيل هو حناء قريش وصبغه أصفر قوله في الرواية الثانية وقال دحيم هو عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي وصله الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان عنه قوله فكان أسامة أصحابه أبو بكر أي الذين قدموا معه حينئذ وقبله كما تقدم قوله حتى قنأ بفتح القاف والنون والهمزة أي اشتدت حمرتها ستأتي زيادة في الكلام على خضاب الشعر في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى الحديث الرابع والعشرون قوله ان أبا بكر تزوج امرأة من كلب أي من بني كلب وهو كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ويدل عليه ما وقع في رواية الترمذي الحكيم من طريق الزبيدي عن الزهري في هذا الحديث ثم من بني عوف وأما الكلبي المشهور فهو من بني كلب بن وبرة بن تغلب بن قضاعة قوله أم بكر لم أقف على اسمها وكأنه كنيتها المذكورة قوله فلما هاجر أبو بكر طلقها فتزوجها بن عمها هذا الشاعر هو أبوبكشداد بن الاسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة ويقال له بن شعوب بفتح المعجموضم المهملة وسكون الواو بعدها موحدة قال بن حبيب هي أمه وهي خزاعية لكن سماه عمرو بن شمر وأنشد له أشعارا كثيرة قالها في الكفر قال ثم أسلم وذكر مثله بن الاعرابي في كتاب من نسب إلى أمه وزعم أبو عبيدة أنه ارتد بعد إسلامه حكاه عنه بن هشام في زوائد السيرة والاول أولى وزاد الفاكهي في هذا الحديث من الوجه الذي أخرجه منه البخاري قالت عائشة والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا الاسلام ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية وهذا يضعف ما أخرجه الفاكهي أيضا من طريق عوف عن أبي القموص قال شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم وقال هذه الابيات فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فبلغ ذلك عمر فجاء فقال نعوذ بالله من غضب رسول الله والله لا تلج رؤوسنا بعد هذا أبدا قال وكان أول من حرمها فلهذا قد عارضه قول عائشة وهي أعلم بشأن أبيها من غيرها وأبو القموص لم يدرك أبا بكر فالعهدة على الواسطة فلعله كان من الروافض ودل حديث عائشة على أن لنسبة أبي بكر إلى ذلك أصلا وإن كان غير ثابت عنه والله أعلم قوله رثى كفار قريش يعني يوم بدر لما قتلوا وألقاهم النبي صلى الله عليه وسلم في القليب وهي البئر التي لم تطو قوله من الشيزي بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها زاي مقصور وهو شجر يتخذ منه الجفان والقصاع الخشب التي يعمل فيها الثريد وقال الاصمعي هي من شجر الجوز تسود بالدسم والشيزي جمع شيز والشيز يغلظ حتى ينحت منه فأراد بالشيزي ما يتخذ منها وبالجفنة صاحبها كأنه قال ماذا بالقليب من أصحاب الجفان الملاى بلحوم أسنمة الابل وكانوا يطلقون على الرجل المطعام جفنة لكثرة إطعامه الناس فيها وأغرب الداودي فقال الشيزي الجمال قال لان الابل إذا سمنت تعظم أسنمتها ويعظم جمالها وغلطه بن التين قال وإنما أراد أن الجفنة من الثريد تزين بالقطع اللحم من السنام قوله القينات جمع قينة بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هي المغنية
[ 202 ]
وتطلق أيضا على الامة مطلقا والشرب بفتح المعجمة وسكون الراء جمع شارب وقيل هو اسم جمع وجزم بن التين بالاول فقال هو كتجر وتاجر والمراد بهم الندامي قوله تحيينا في رواية الكشميهني تحييني بالافراد وقوله فهل في رواية الكشميهني وهل لي بالواو وقوله من سلام أي من سلامة وفيه قوة لمن قال المراد من السلام الدعاء بالسلامة أو الاخبار بها قوله أصداء جمع صدى وهو ذكر البوم وهام جمع هامة وهو الصدى أيضا وهو عطف تفسيري وقيل الصدى الطائر الذي يطير بالليل والهامة جمجمة الرأس وهي التي يخرج منها الصدى بزعمهم وأراد الشاعر إنكار البعث بهذا الكلام كأنه يقول إذا صار الانسان كهذا الطائر كيف يصير مرة أخرى إنسانا وقال أهل اللغة كان أهل الجاهلية يزعمون أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتزقو وتقول اسقوني اسقوني وإذا أدرك بثأره طارت فذهبت قال الشاعر إنك إلا تذر شتمي ومنقصتي * أضربك حتى تقول الهامة اسقوني وقد أورد بن هشام هذه الابيات في السيرة بزيادة خمسة أبيات ووقع عند الاسماعيلي من طريق أخرى عن بن وهب وعن عنبسة بن خالد أيضا كلاهما عن يونس بالاسناد المذكور أن عائشة كانت تدعو على من يقول إن أبا بكر قال القصيدة المذكورة فذكر الحديث والشعر مطولا وعند الترمذي الحكيم من طريق الزبيدي عن الزهري مثله وزاد قالت عائشة فنحلها الناس أبا بكر الصديق من أجل امرأته أم بكر التي طلق وانما قائلها أبو بكر بن شعوب قلت وابن شعوب المذكور هو الذي يقول فيه أبو سفيان ولو شئت تجتني كميت طمرة * ولم أحمل النعماء لابن شعوب وكان حنظلة بن أبي عامر حمل يوم أحد على أبي سفيان فكاد أن يقتله فحمل بن شعوب على حنظلة من ورائه فقتله فنجا أبو سفيان فقال في ذلك أبياتا منها هذا البيت الحديث الخامس والعشرون حديث أنس تقدم شرحه في مناقب أبي بكر ومعنى قوله الله ثالثهما أي معاونهما وناصرهما وإلا فهو مع كل اثنين بعلمه كما قال ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم الآية الحديث السادس والعشرون حديث أبي سعيد جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الهجرة الحديث أورده من طريقين موصول ومعلق والموصول أخرجه في كتاب الزكاة والمعلق أخرجه في كتاب الهبة بالاسنادين المذكورين هنا ومر شرحه في كتاب الزكاة والاعرابي ما عرفت اسمه والهجرة المسئول عنها مفارقة دار الكفر إذ ذاك والتزام أحكام المهاجرين مع النبي صلى الله عليه وسلم وكأن ذلك وقع بعد فتح مكة لانها كانت إذ ذاك فرض عين ثم نسخ ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح وقوله اعمل من وراء البحار مبالغة في إعلامه بأن عمله لا يضيع في أي موضع كان وقوله لن يترك بفتح التحتانية وكسر المثناة ثم راء وكاف أي ينقصك قوله باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب المدينة تقدم بيان الاختلاف فيه في آخر شرح حديث عائشة الطويل في شان الهجرة ثم أخرج من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعليهما ثياب بيض شامية فمر على عبد الله بن أبي فوقف عليه ليدعوه إلى النزول عنده فنظر إليه فقال انظر أصحابك الذين دعوك فانزل عليهم فنزل على سعد بن خيثمة قال الحاكم الاول أرجح وابن شهاب أعرف بذلك
[ 203 ]
من غيره قلت ويقوى قول بن شهاب ما أخرجه أبو سعيد في شرف المصطفى من طريق الحاكم من طريق بن مجمع لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة قال كلثوم يا نجيح لمولى له فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنجحت وذكر محمد بن الحسن بن زبالة في أخبار المدينة أنه نزل على كلثوم وهو يومئذ مشرك ويؤيد قول التيمي ما أخرجه أبو سعيد أيضا ومن طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء يوم الاثنين فنزل على سعد بن خيثمة وجمع بين الخبرين بأنه نزل على كلثوم وكان يجلس مع أصحابه عند سعد بن خيثمة لانه كان أعزب وان ثبت قول بن زبالة فكأن منزل كلثوم يختص بالمبيت وسائر إقامته عند سعد لكونه كان أسلم ثم ذكر المصنف فيه ثمانية أحاديث الاول حديث البراء قوله في الطريق الاول أبو إسحاق سمع البراء حذف قوله انه كما حذف قال من الطريق الثاني عن أبي إسحاق سمعت البراء وكان شعبة يرى أن أنبأنا وأخبرنا وحدثنا واحد وقد تقدم البحث فيه في كتاب العلم قوله أول من قدم علينا مصعب في رواية عن شعبة عند الحاكم في الاكليل عن عبد الله بن رجاء في روايته من المهاجرين قوله مصعب بن عمير زاد بن أبي شيبة أول من قدم علينا المدينة زاد في رواية عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عن أبي إسحاق عند الاسماعيلي أخو بني عبد الدار بن قصي والده عمير هو بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار زاد عبد الله بن رجاء فقلنا له ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو مكانه وأصحابه على أثري وذكر موسى بن عقبة أنه لما قدم المدينة نزل على حبيب بن عدي وذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل مصعبا مع أهل العقبة يعلمهم قوله وابن أم مكتوم هو عمرو ويقال عبد الله العامري من بني عامر بن لؤي ووقع في رواية بن أبي شيبة ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم الاعمى أخو بني فهر فقلنا ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال هم على أثري وفي رواية عبد الله بن رجاء من وراءك زاد في رواية غندر عن شعبة ثم عامر بن ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة وهي أول مهاجرة وقيل بل أول مهاجرة أم سلمة لقولها لما مات أبو سلمة أول بيت هاجر ويجمع بأن أولية أم سلمة بقيد البيت وهو ظاهر من إطلاقها قوله ثم قدم علينا عمار بن ياسر وبلال في رواية غندر فقدم وقد تقدم الاختلاف في عمار هل هاجر إلى الحبشة أم لا فان يكن فقد كان ممن تقدمهما إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وأما بلال فكان لا يفارق النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر لكن تقدمهما بإذن وتأخر معهما عامر بن فهيرة قوله في الرواية الثانية عن غندر عن شعبة وكانوا يقرئون الناس في رواية الاصيلي وكريمة فكانا يقرئان الناس وهو أوجه ويوجه الاول إما على أن أقل الجمع اثنان وإما على أن من كان يقرئانه كان يقرأ معهما أيضا قوله وسعد زاد في رواية الحاكم بن مالك وهو بن أبي وقاص وروى الحاكم من طريق موسى بن عقبة عن بن شهاب قال وزعموا أن من آخر من قدم سعد بن أبي وقاص في عشرة فنزلو ا على سعد بن خيثمة وقد تقدم في أول الهجرة أن أول من قدم المدينة من المهاجرين عامر بن ربيعة ومعه امرأته أم عبد الله بنت أبي حثمة وأبو سلمة بن عبد الاسد وامرأته أم سلمة وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وشماس بن عثمان بن الشريد وعبد الله بن جحش فيجمع بينه وبين حديث البراء بحمل الاولية في أحدهما على صفة خاصة فقد جزم بن عقبة بأن أول من قدم المدينة من المهاجرين مطلقا أبو سلمة بن عبد الاسد
[ 204 ]
وكان رجع من الحبشة إلى مكة فأوذي بمكة فبلغه ما وقع للاثنى عشر من الانصار في العقبة الاولى فتوجه إلى المدينة في أثناء السنة فيجمع بين ذلك وبين ما وقع هنا بأن أبا سلمة خرج لا لقصد الاقامة بالمدينة بل فرارا من المشركين بخلاف مصعب بن عمير فإنه خرج إليها للاقامة بها وتعليم من أسلم من أهلها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فلكل أولية من جهة قوله في الرواية الثانية ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عبد ا لله بن رجاء في عشرين راكبا وقد سمى بن إسحاق منهم زيد بن الخطاب وسعيد بن زيد بن عمرو وعمرو بن سراقة وأخاه عبد الله وواقد بن عبد الله وخالدا وإياسا وعامرا وعاقلا بني البكير وخنيس بن حذافة بمعجمة ونون ثم سين مصغر وعياش بن ربيعة وخولى بن أبي خولى وأخاه هؤلاء كلهم من أقارب عمر وحلفائهم قالوا فنزلوا جميعا على رفاعة بن عبد المنذر يعني بقباء قلت فلعل بقية العشرين كانوا من رأتباعهم وروى بن عائذ في المغازي بإسناد له عن بن عباس قال خرج عمر والزبير وطلحة وعثمان وعياش بن ربيعة في طائفة فتوجه عثمان وطلحة إلى الشام أه فهؤلاء ثلاثة عشر من ذكر بن إسحاق وذكر موسى بن عقبة أن أكثر المهاجرين نزلوا على بني عمرو بن عوف بقباء إلا عبد الرحمن بن عوف فإنه نزل على سعد بن الربيع وهو خزرجي وسيأتي في كتاب الاحكام أن سالما مولى أبي حذيفة بن عتبة كان يؤم المهاجرين الاولين في مسجد قباء منهم أبو سلمة بن عبد الاسد قوله حتى جعل الاماء يقلن قدم رسول الله في رواية عبد الله بن رجاء فخرج الناس حين قدم المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم جاء محمد رسول الله الله أكبر جاء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج الحاكم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدف وهن يقلن نحن جوار من بني النجار * يا حبذا محمد من جار وأخرج أبو سعيد في شرف المصطفى ورويناه في فوائد الخلعي من طريق عبيد الله بن عائشة منقطعا لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن طلع البدر علينا * من ثنية الوداع وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع وهو سند معضولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك قوله فما قدم حتى حفظت سبح اسم ربك الاعلى في سور من المفصل أي مع سور وفي رواية الحسن بن سفيان عن بندار شيخ البخاري فيه وسورا من المفصل ومقتضاه أن سبح اسم ربك الاعلى مكية وفيه نظر لان بن أبي حاتم أخرج من طريق حيدة أن قوله تعالى قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى نزلت في صلاة العيد وزكاة الفطر وسنده حسن وكل منهما شرع في السنة الثانية فيمكن أن يكون نزول هاتين منها وقع بالمدينة وأقوى منه أن يتقدم نزول السورة كلها بمكة ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم فيمكن أن يكون نزول هاتين منها وقع بالمدينة وأقوى منه أن يتقدم نزول السورة كلها بمكة والجواب عن الاشكال من وجهين أحدهما احتمال أن تكون السورة مكية إلا هاتين الآيتين وثانيهما وهو أصحهما فيه يجوز نزولها كلها بمكة ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم المراد بقوله قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى صلاة العيد وزكاة الفطر فليس من الآية الا الترغيب في الذكر والصلاة من غير بيان للمراد فبينته السنة بعد ذلك الحديث الثاني حديث عائشة قوله قدمنا المدينة في
[ 205 ]
رواية أبي أسامة عن هشام وهي أوبأ أرض الله وفي رواية محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة نحوه وزاد قال هشام وكان وباؤها معروفا في الجاهلية وكان الانسان إذا دخلها وأراد أن يسلم من وبائها قيل له انهق فينهق كما ينهق الحمار وفي ذلك يقول الشاعر لعمري لئن غنيت من خيفة الردى * نهيق حمار إنني لمروع * قوله وعك بضم أوله وكسر ثانيه أي أصابه الوعك وهي الحمى قوله كيف تجدك أن تجد نفسك أو جسدك وقوله مصبح بمهملة ثم موحدة وزن محمد أي مصاب بالموت صباحا وقيل المراد أنه يقال له وهو مقيم بأهله صبحك الله بالخير وقد يفجأه الموت في بقية النهار وهو مقيم بأهله قوله أدنى أي أقرب قوله شراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء السير الذي يكون في وجه النعل والمعنى أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله لرجله قوله أقلع عنه بفتح أوله أي الوعك وبضمها والاقلاع للكف عن الامر قوله يرفع عقيرته أي صوته ببكاء أو بغناء قال الاصمعي أصله أن رجلا انعقرت رجله فرفعها على الاخرى وجعل يصيح فصار كل من رفع صوته يقال رفع عقيرته وان لم يرفع رجله قال ثعلب وهذا من الاسماء التي استعملت على غير أصلها قوله بواد أي بوادي مكة قوله وجليل بالجيم نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت وغيرها قوله مياه مجنة بالجيم موضع على أميال من مكة وكان به سوق تقدم بيانه في أوائل الحج وقوله يبدون أي يظهر وشامة وطفيل جبلان بقرب مكة وقال الخطابي كنت أحسب أنهما جبلان حتى ثبت عندي أنهما عينان وقوله أردن ويبدون بنون التأكيد الخفيفة وشامة بالمعجمة والميم مخففا وزعم بعضهم أن الصواب بالموحدة بدل الميم والمعروف بالميم وزاد المصنف آخر كتاب الحج من طريق أبي أسامة عن هشام به ثم يقول بلال اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا إلى ارض الوباء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حبب إلينا المدينة الحديث وقوله كما أخرجونا أي أخرجهم من رحمتك كما أخرجونا من وطننا وزاد بن إسحاق في روايته عن هشام وعمرو بن عبد الله بن عروة جميعا عن عروة عن عائشة عقب قول أبيها فقلت والله ما يدري أبي ما يقول قالت ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فقلت كيف نجدك يا عامر فقال لقد وجدت الموت قبل ذوقه * إن الجبان حتفه من فوقه كل امرئ مجاهد بطوقه * كالثور يحمي جسمه بروقه وقالت في آخره فقلت يا رسول الله وأنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى والزيادة في قول عامر بن فهيرة رواها مالك أيضا في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن عائشة منقطعا وسيأتي بقية ما يتعلق بهذا الحديث في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وقد تقدم في الباب الذي قبله من حديث البراء أن عائشة أيضا وعكت وكان أبو بكر يدخل عليها وكان وصول عائشة إلى المدينة مع آل أبي بكر هاجر بهم أخوها عبد الله وخرج زيد بن حارثة وأبو رافع ببنتي النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وأم كلثوم وأسامة بن زيد وأمه أم أيمن وسودة بنت زمعة وكانت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم سبقت مع زوجها عثمان وأخرت زينب وهي الكبرى عند زوجها أبي العاص بن الربيع الحديث الثالث قوله حدثنا هشام هو بن يوسف الصنعاني ذكر حديث عثمان في شأن
[ 206 ]
الوليد بن عقبة وقد تقدم شرحه في مناقب عثمان مستوفى والغرض منه قوله وهاجرت الهجرتين وكان عثمان ممن رجع من الحبشة فهاجر من مكة إلى المدينة ومعه زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وقال بشر بن شعيب الخ وصله أحمد بن حنبل في مسنده عنه بتمامه قوله تابعه إسحاق الكلبي وصله أبو بكر بن شاذان فيما رويناه من طريقه بإسناده إلى يحيى بن صالح عن إسحاق الكلبي عن عن الزهري فذكره بتمامه وفيه انه جلد الوليد أربعين وقد تقدم البحث في ذلك في مناقب عثمان الحديث الرابع ذكر طرفا من قصة عبد الرحمن بن عوف مع عمر وفيه خطبة عمر والغرض منه قول عبد الرحمن حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة ووقع في رواية الكشميهني والسلامة بدل السنة الحديث الخامس قوله أن أم العلاء هي والدة خارجة بن زيد بن ثابت الراوي عنها وقد روى سالم أبو النضر هذا الحديث عن خارجة بن زيد عن أمه نحوه ولم يسم هذه فكأن اسمها كنيتها وهي بنت الحارث بن ثابت بن خارجة الانصارية الخزرجية قوله طار لهم أي خرج في القرعة لهم وتقدم بيانه آخر الشهادات قوله حين قرعت بالقاف كذا وقع ثلاثيا والمعروف أقرعت من الرباعي وتقدم في الجنائز بلفظ اقترعت قوله أبا السائب هي كنية عثمان بن مظعون المذكور وكان عثمان من فضلاء الصحابة السابقين وقد تقدم خبره مع لبيد في أول المبعث الحديث السادس قوله كان يوم بعاث تقدم بيانه في مناقب الانصار ووقع عند بن سعد في قصة العقبة الاولى ما يدل على أن يوم بعاث كان بعد المبعث بعشر سنين وتقدم نحوه في باب وفود الانصار وقوله في دخولهم متعلق بقوله قدمه الله الحديث السابع قوله بما تعازفت بالمهملة والزاي أي قالته من الاشعار في هجاء بعضهم بعضا وألقته على المغنيات فغنين به والمعازف آلات الملاهي الواحدة معزفة وقال الخطابي يحتمل أن يكون من عزف اللهو وهو ضرب المعازف على تلك الاشعار المحرضة على القتال ويحتمل أن يكون المراد بالعزف أصوات الحرب شبهها بعزيف الرياح وهو ما يسمع من دويها وفي رواية
[ 207 ]
تقاذفت بالقاف والذال المعجمة أي ترامت به الحديث الثامن قوله أنبأنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث بن سعيد قوله في علو المدينة كل ما في جهة نجد يسمى العالية وما في جهة تهامة يسمى السافلة وقباء من عوالي المدينة وأخذ من نزول النبي صلى الله عليه وسلم التفاؤل له ولدينه بالعلو قوله يقال لهم بنو عمرو بن عوف أي بن مالك بن الاوس بن حارثة قوله وأبو بكر ردفه تقدم ما فيه في الباب الذي قبله في الحديث الثامن عشر قوله وملا بني النجار أي جماعتهم قوله حتى ألقى أي نزل أو المراد ألقى رحله قوله بفناء بكسر الفاء وبالمد ما امتد من جوانب الدار قوله أبي أيوب هو خالد بن زيد بن كليب الانصاري من بني مالك النجار قوله ثم إنه أمر تقدم ضبطه في أوائل الصلاة قوله ثامنوني أي قرروا معي ثمنه أو ساوموني بثمنه تقول ثامنت الرجل في كذا إذا ساومته قوله بحائطكم أي بستانكم وقد تقدم في الباب قبله أنه كان مربدا فلعله كان أولا حائطا ثم خرب فصار مربدا ويؤيده قوله أنه كان فيه نخل وخرب وقيل كان بعضه بستانا وبعضه مربدا وقد تقدم في الباب الذي قبله تسمية صاحبي المكان المذكور ووقع عند موسى بن عقبة عن الزهري أنه اشتراه منهما بعشرة دنانير وزاد الواقدي أن أبا بكر دفعها لهما عنه قوله فكان فيه فسره بعد ذلك قوله خرب بكسر المعجمة وفتح الراء والموحدة وتقدم توجيه آخر في أوائل الصلاة بفتح أوله وكسر ثانيه قال الخطابي أكثر الرواة بالفتح ثم الكسر وحدثناه الخيام بالكسر ثم الفتح ثم حكى احتمالات منها الخرب بضم أوله وسكون ثانيه قال هي الخروق المستديرة في الارض والجرف بكسر الجيم وفتح الراء بعدها فاء ما تجرفه السيول وتأكله من الارض والحدب بالمهملة وبالدال المهملة أيضا المرتفع من الارض قال وهذا لائق بقوله فسويت لانه إنما يسوي المكان المحدوب وكذا الذي جرفته السيول وأما الخراب فيبني ويعمر دون أن يصلح ويسوى قلت وما المانع من تسوية الخراب بأن يزال ما بقي منه ويسوى أرضه ولا ينبغي الالتفات إلى هذه الاحتمالات مع توجيه الرواية الصحيحة قوله فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت قال بن بطال لم أجد في نبش قبور المشركين لتتخذ مسجدا نصا عن أحد من العلماء نعم اختلفوا هل تنبش بطلب المال فأجازه الجمهور ومنعه الاوزاعي وهذا الحديث حجة للجواز لان المشرك لا حرمة له حيا ولا ميتا وقد تقدم في المساجد البحث فيما يتعلق بها قوله وبالنخل فقطع هو محمول على أنه لم يكن يثمر ويحتمل أن يثمر لكن دعت الحاجة إليه لذلك وقوله فصفوا النخل أي موضع النخل وقوله عضادتيه بكسر المهملة وتخفيف المعجمة تثنية عضادة وهي الخشبة التي على كتف الباب ولكل باب عضادتان وأعضاد كل شئ ما يشد جوانبه قوله يرتجزون أي يقولون رجزا وهو ضرب من الشعر على الصحيح قوله فانصر الانصار والمهاجرة كذا رواه أبو داود بهذا اللفظ وسبق ما فيه في أبواب المساجد واحتج من أجاز بيع غير المالك بهذه القصة لان المساومة وقعت مع غير الغلامين وأجيب باحتمال أنهما كانا من بني النجار فساومهما وأشرك معهما في المساومة عمهما الذي كانا في حجره كما تقدم في الحديث الثاني عشر قوله باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه أي من حج أو عمرة قوله حدثنا حاتم هو بن إسماعيل المدني قوله سمعت عمر بن عبد العزيز
[ 208 ]
يسأل السائب أي بن يزيد قوله بن أخت النمر تقدم ذكره قريبا في المناقب النبوية قوله العلاء بن الحضرمي اسمه عبد الله بن عماد وكان حليف بني أمية وكان العلاء صحابيا جليلا ولاه النبي صلى الله عليه وسلم البحرين وكان مجاب الدعوة ومات في خلافة عمر وما له في البخاري إلا هذا الحديث قوله ثلاث للمهاجر بعد الصدر بفتح المهملتين أي بعد الرجوع من منى وفقه هذا الحديث أن الاقامة بمكة كانت حراما على من هاجر منها قبل الفتح لكن أبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها ولهذا رثى النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة أن مات بمكة ويستنبط من ذلك أن إقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها عن حكم المسافر وفي كلام الداودي اختصاص ذلك بالمهاجرين الاولين ولا معنى لتقييده بالاولين قال النووي معنى هذا الحديث أن الذين هاجروا يحرم عليهم استيطان مكة وحكى عياض أنه قول الجمهور قال وأجازه لهم جماعة يعني بعد الفتح فحملوا هذا القول على الزمن الذي كانت الهجرة المذكورة واجبة فيه قال واتفق الجميع على أن الهجرة قبل الفتح كانت واجبة عليهم وأن سكنى المدينة كان واجبا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساته بالنفس وأما غير المهاجرين فيجوز له سكنى أي بلد أراد سواء مكة وغيرها بالاتفاق انتهى كلام القاضي ويستثنى من ذلك من أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالاقامة في غير المدينة واستدل بهذا الحديث على أن طواف الوداع عبادة مستقلة ليست من مناسك الحج وهو أصح الوجهين في المذهب لقوله في هذا الحديث بعد قضاء نسكه لان طواف الوداع لا إقامة بعده ومتى أقام بعده خرج عن كونه طواف الوداع وقد سماع قبله قاضيا لمناسكه فخرج طواف الوداع عن أن يكون من مناسك الحج والله أعلم وقال القرطبي المراد بهذا الحديث من هاجر من مكة إلى المدينة لنصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعني به من هاجر من غيرها لانه خرج جوابا عن سؤالهم لما تحرجوا من الاقامة بمكة إذ كانوا قد تركوها لله تعالى فأجابهم بذلك وأعلمهم أن إقامة الثلاث ليس بإقامة قال والخلاف الذي أشار إليه عياض كان فيمن مضى وهل ينبني عليه خلاف فيمن فر بدينه من موضع يخاف أن يفتن فيه في دينه فهل له أن يرجع إليه بعد انقضاء تلك الفتنة يمكن أن يقال إن كان تركها لله كما فعله المهاجرون فليس له أن يرجع لشئ من ذلك وإن كان تركها فرار ابدينه ليسلم له ولم يقصد إلى تركها لذاتها فله الرجوع إلى ذلك انتهى وهو حسمتجه إلا أنه خص ذلك بمن ترك رباعا أو دورا ولا حاجة إلى تخصيص المسألة بذلك والله أعلم قوله باب التاريخ قال الجوهري التاريخ تعريف الوقت والتورى مثله تقول أرخت وورخت وقيل اشتقاقه من الارخ وهو الانثى من بقر الوحش كأنه شئ حدث كما يحدث الولد وقيل هو معرب ويقال أول ما أحدث التاريخ من الطوفان قوله من أين أرخوا التاريخ كأنه يشير إلى اختلاف في ذلك وقد روى الحاكم في الاكليل من طريق بن جريج عن أبي سلمة عن بن شهاب الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الاول وهذا معضل والمشهور خلافه كما سيأتي وأن ذلك كان في خلافة عمر وأفاد السهيلي أن الصحابة أخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى لمسجد أسس على التقوى من أول يوم لانه من المعلوم أنه ليس أول الايام مطلقا فتعين أنه أضيف إلى شئ مضمر وهو أول الزمن الذي عز فيه الاسلام وعبد وفيه النبي
[ 209 ]
صلى الله عليه وسلم ربه آمنا وابتدأ بناء المسجد فوافق رأي الصحابة ابتداء التاريخ من ذلك اليوم وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى من أول يوم أنه أول أيام التاريخ الاسلامي كذا قال والمتبادر أن معنى قوله من أول يوم أي دخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة والله أعلم قوله حدثنا عبد العزيز أي بن أبي حازم سلمة بن دينار قوله ما عدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الحاكم من طريق مصعب الزبيري عن عبد العزيز أخطأ الناس العدد لم يعدوا من مبعثه ولا من قدومه المدينة وإنما عدوا من وفاته قال الحاكم وهو وهم ثم ساقه على الصواب بلفظ ولا من وفاته إنما عدوا من مقدمه المدينة والمراد بقوله أخطأ الناس العدد أي أغفلوه وتركوه ثم استدركوه ولم يرد أن الصواب خلاف ما عملوا ويحتمل أن يريده وكان يرى أن البداءة من المبعث أو الوفاة أولى وله اتجاه لكن الراجح خلافه والله أعلم قوله مقدمه أي زمن قدومه ولم يرد شهر قدومه لان التاريخ إنما وقع من أول السنة وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة فقال كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة مولده ومبعثه وهجرته ووفاته فرجح عندهم جعلها من الهجرة لان المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الاسف عليه فانحصر في الهجرة وإنما أخروه من ربيع الاول إلى المحرم لان ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسب أن يجعل مبتدأ وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم وذكروا في سبب عمل عمر التاريخ أشياء منها ما أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في تاريخه ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبي أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ فجمع عمر الناس فقال بعضهم ارخ بالمبعث وبعضهم ارخ بالهجرة فقال عمر الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها وذلك سنة سبع عشرة فلما اتفقوا قال بعضهم ابدءوا برمضان فقال عمر بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم فاتفقوا عليه وقيل أول من أرخ التاريخ يعلى بن أمية حيث كان باليمن أخرجه أحمد بن حنبل بإسناد صحيح لكن فيه انقطاع بين عمرو بن دينار ويعلى وروى أحمد وأبو عروبة في الاوائل والبخاري في الادب والحاكم من طريق ميمون بن مهران قال رفع لعمر صك محله شعبان فقال أي شعبان الماضي أو الذي نحن فيه أو الآتي ضعوا للناس شيئا يعرفونه فذكر نحو الاول وروى الحاكم عن سعيد بن المسيب قال جمع عمر الناس فسألهم عن أول يوم يكتب التاريخ فقال علي من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك ففعله عمر وروى بن أبي خيثمة من طريق بن سيرين قال قدم رجل من اليمن فقال رأيت باليمن شيئا يسمونه التاريخ يكتبونه من عام كذا وشهر كذا فقال عمر هذا حسن فأرخوا فلما جمع على ذلك قال قوم أرخوا للمولد وقال قائل للمبعث وقال قائل من حين خرج مهاجرا وقال قائل من حين توفي فقال عمر أخروا من خروجه من مكة إلى المدينة ثم قال بأي شهر نبدأ فقال قوم من رجب وقال قائل من رمضان فقال عثمان أرخوا المحرم فإنه شهر حرام وهو أول السنة ومنصرف الناس من الحج قال وكان ذلك سنة سبع عشرة وقيل سنة ست عشرة في ربيع الاول فاستفدنا من مجموع هذه الآثار أن الذي
[ 210 ]
أشار بالمحرم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم قوله فرضت الصلاة ركعتين أي بمكة وقوله تركت أي على ما كانت عليه من عدم وجوب الزائد بخلاف صلاة الحضر فإنها زيدت في ثلاث منها ركعتان فالمعنى أقرت صلاة السفر على جواز الاتمام وان كان الاحب القصر وقد تقدم ما فيه من الاشكال في أول كتاب الصلاة قوله تابعه عبد الرزاق عن معمر وصله الاسماعيلي من طريق فياض بن زهير عن عبد الرزاق بلفظه وذكر بن جرير عن الواقدي أن الزيادة في صلاة الحضر كانت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر واحد قال وزعم أنه لا خلاف بين أهل الحجاز في ذلك قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أمضى لاصحابي هجرتهم ومرثيته لمن مات بمكة بتخفيف التحتانية وهو عطف على قول والمرثية تعديد محاسن الميت والمراد هنا التوجع له لكونه مات في البلد التي هاجر منها وقد تقدم بيان الحكمة في ذلك قبل بباب قوله ورثتك كذا للاكثر وللكشميهني والقابسي ذريتك ورواية الجماعة أولى لان هذه اللفظة قد بين البخاري أنها لغير يحيى بن قزعة شيخه هنا قوله ولست بنافق كذا هنا وللكشميهني بمنفق وهو الصواب قوله أن مات بمكة هو بفتح الهمزة للتعليل وأغرب الداودي فتردد فيه فقال ان كان بالفتح ففيه دلالة على أنه أقام بمكة بعد الصدر من حجته ثم مات وان كان بالكسر ففيه دليل على أنه قيل له إنه يريد التخلف بعد الصدر فخشي عليه أن يدركه أجله بمكة قلت والمضبوط المحفوظ بالفتح لكن ليس فيه دلالة على أنه أقام بعد حجه لان السياق يدل على أنه مات قبل الحج والله أعلم قوله وقال أحمد بن يونس وموسى عن إبراهيم يعني بن سعد أن تذر ورثتك أما رواية أحمد بن يونس فأخرجها المصنف في حجة الوداع في آخر المغازي وأما رواية موسى وهو بن إسماعيل فأخرجها المؤلف في الدعوات قوله باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تقدم في مناقب الانصار باب آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والانصار قال بن عبد البر كانت المؤخاة مرتين مرة بين المهاجرين خاصة وذلك بمكة ومرة بين المهاجرين والانصار فهي المقصودة هنا وذكر بن سعد بأسانيد الواقدي إلى جماعة من التابعين قالوا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين وآخى بن المهاجرين والانصار على المواساة وكانوا يتوارثون وكانوا تسعين نفسا بعضهم من المهاجرين وبعضهم من الانصار وقيل كانوا مائة فلما نزل وأولوا الارحام بطلت المواريث بينهم بتلك المؤاخاة قلت وسيأتي في الفرائض من حديث بن عباس لما قدموا المدينة كان يرث المهاجري الانصاري دون ذوي رحمه بالاخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فنزلت وعند أحمد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه قال السهيلي آخى بين اصحابه ليذهب عنهم وحشة الغربة ويتأنسوا من مفارقة الاهل والعشيرة ويشد بعضهم أزر بعض فلما عز الاسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث وجعل المؤمنين كلهم إخوة وأنزل إنما المؤمنون إخوة يعني في التوادد وشمول الدعوة واختلفوا في ابتدائها فقيل بعد الهجرة بخمسة أشهر وقيل بتسعة وقيل وهو يبني المسجد وقيل قبل بنائه وقيل بسنة وثلاثة أشهر قبل بدر وعند أبي سعيد في شرف المصطفى كان الاخاء بينهم في المسجد وذكر محمد بن إسحاق المؤخاة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه بعد أن هاجر تأخوا أخوين أخوين فكان
[ 211 ]
هو وعلي أخوين وحمزة وزيد بن حارثة أخوين وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوين وتعقبه بن هشام بأن جعفرا كان يومئذ بالحبشة وفي هذا نظر وقد تقدم ووجهها العماد بن كثير بأنه أرصده لاخوته حتى يقدم وفي تفسير سنيد آخى بين معاذ وابن مسعود وأبو بكر وخارجة بن زيد أخوين وعمر وعتبان بن مالك أخوين وقد تقدم في أوائل الصلاة قول عمر كان لي أخ من الانصار وفسر بعتبان ويمكن أن يكون أخوته له تراخت كما في أبي الدرداء وسلمان ومصعب بن عمير وأبو أيوب أخوين وأبو حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر أخوين ويقال بل عمار وثابت بن قيس لان حذيفة إنما أسلم زمان أحد وأبو ذر والمنذر بن عمرو أخوين وتعقب بأن أبا ذر تأخرت هجرته والجواب كما في جعفر وحاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين وسلمان وأبو الدرداء أخوين وتعقب بأن سلمان تأخر إسلامه وكذا أبوا لدرداء والجواب ما تقدم في جعفر وكان ابتداء المؤاخاة أوائل قدومه المدينة واستمر يجددها بحسب من يدخل في الاسلام أو يحضر إلى المدينة والاخاء بين سلمان وأبي الدرداء صحيح كما في الباب وعند بن سعد وآخى بين أبي الدرداء وعوف بن مالك وسنده ضعيف والمعتمد ما في الصحيح وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع مذكور في هذا الباب وسمى بن عبد البر جماعة آخرين وأنكر بن تيمية في كتاب الرد على بن المطهر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصا مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي قال لان المؤاخاة شرعت لارفاق بعضهم بعضا ولتأليف قلوب بعضهم على بعض فلا معنى لمؤاخاة النبي لاحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة لان بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى فآخى بين الاعلى والادني ليرتفق الادنى بالاعلى ويستعين الاعلى بالادنى وبهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي لانه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة لان زيدا مولاهم فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين وسيأتي في عمرة القضاء قول زيد بن حارثة إن بنت حمزة بنت أخي وأخرج الحاكم وابن عبد البر بسند حسن عن أبي الشعثاء عن بن عباس آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير وابن مسعود وهما من المهاجرين قلت وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك وقصة المؤاخاة الاولى أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير عن بن عمر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان وذكر جماعة قال فقال علي يا رسول الله إنك آخيت بين أصحابك فمن أخي قال أنا أخوك وإذا انضم هذا إلى ما تقدم تقوى به وقد تقدم في باب الكفالة قبيل كتاب الوكالة الكلام على حديث لا حلف في الاسلام بما يغني عن الاعادة وقد سبق كلام السهيلي في حكمة الانصاري دون ذوي رحمه للاخوة الحديث الاول ذلك الميراث وسأتي في الفرائض حديث بن عباس كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري قوله وقال عبد الرحمن بن عوف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع هو طرف من حديث تقدم
[ 212 ]
موصولا في أوائل البيوع من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن جده قال قال عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع فقال سعد إني أكثر الانصار مالا فأقاسمك مالي الحديث وظن الشيخ عماد الدين بن كثير أن البخاري أشار بهذا التعليق إلى حديث أنس فقال قصة عبد الرحمن لا تعرف مسندة عنه وإنما أسندها البخاري وغيره عن أنس قال فلعل البخاري أراد أن أنسا حملها عن عبد الرحمن بن عوف انتهى والذي ادعاه مردود لثبوته في الصحيح الحديث الثاني قوله وقال أبو جحيفة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء هو طرف من حديث وصله بتمامه في كتاب الصيام والغرض منه التنبيه على تسمية من وقع الاخاء بينهم من المهاجرين والانصار فذكر هذا والذي بعده من إخاء سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف ولمسلم من طريق ثابت عن أنس آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي طلحة وأبي عبيدة وتقدم في الايمان حديث عمر كان لي أخ من الانصار وكنا نتناوب النزول وذكر بن إسحاق أنه عتبان بن مالك وكان أبو بكر الصديق وحارثة بن زيد أخوين فيما ذكره بن إسحاق أيضا الحديث الثالث حديث أنس في قصة إخاء سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف وسيأتي شرحه في كتاب النكاح قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي بعده ولعله كان بعده قوله عن أنس صرح به الاسماعيلي فقال في رواية له عن حميد حدثنا أنس أخرجها عن بن خزيمة عن محمد بن عبد الاعلى عن بشر بن المفضل قوله ان عبد الله بن سلام بلغه تقدم بيان ذلك في باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة من وجه آخر قوله ذاك عدر اليهود من الملائكة سيأتي شرح هذا في تفسير سورة البقرة قوله أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب في رواية عبد الله بن بكر عن حميد في التفسير تحشر الناس وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في أواخر كتاب الرقاق قوله وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت الزيادة هي القطعة المنفردة المعلقة في الكبد وهي في المطعم في غاية اللذة ويقال إنها أهنأ طعام وأمرأه ووقع في حديث ثوبان أن تحفتهم حين يدخلون الجنة زيادة كبد النون والنون هو الحوت ويقال هو الحوت الذي عليه الارض والاشارة بذلك إلى نفاذ الدنيا في حديث ثوبان زيادة وهي أنه ينحر لهم عقب ذلك نون الجنة الذي كان يأكل من أطرافها وشرابهم عليه من عين تسمى سلسبيلا وذكر الطبري من طريق الضحاك عن بن عباس قال ينطح الثور الحوت بقرنه فتأكل منه أهل الجنة ثم يحيا فينحر الثور بذنبه فيأكلونه ثم يحيا فيستمران كذلك وهذا منقطع ضعيف قوله وأما الولد في رواية الفزاري عن حميد في ترجمة آدم وأما شبه الولد قوله فإذا سبق ماء الرجل وفي رواية الفزاري فان الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه قوله نزع الولد بالنصب على المفعولية أي جذبه إليه وفي رواية الفزاري كان الشبه له ووقع عند مسلم من حديث عائشة إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله ونحوه للبزار عن بن مسعود وفيه ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما أعلى
[ 213 ]
كان الشبه له والمراد بالعلو هنا السبق لان كل من سبق فقد علا شأنه فهو علو معنوي وأما ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان رفعه ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله فهو مشكل من جهة أنه يلزم منه اقتران الشبه للاعمام إذا علا ماء الرجل ويكون ذكر لاأنثى وعكسه والمشاهد خلاف ذلك لانه قد يكون ذكرا ويشبه أخواله لا أعمامه وعكسه قال القرطبي يتعين تأويل حديث ثوبان بأن المراد بالعلو السبق قلت والذي يظهر ما قدمته وهو تأويل العلو في حديث عائشة وأما حديث ثوبان فيبقى العلو فيه على ظاهره فيكون السبق علامة التذكير والتأنيث والعلو علامة الشبه فيرتفع الاشكال وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه بحسب الكثرة بحيث يصير الآخر مغمورا فيه فبذلك يحصل الشبه وينقسم ذلك ستة أقسام الاول أن يسبق ماء الرجل ويكون أكثر فيحصل له الذكورة والشبه والثاني عكسه والثالث أن يسبق ماء الرجل ويكون ماء المرأة أكثر فتحصل الذكورة والشبه للمرأة والرابع عكسه والخامس أن يسبق ماء الرجل ويستويان فيذكر ولا يختص بشبه والسادس عكسه قوله قوم بهت بضم الموحدة والهاء ويجوز إسكانها جمع بهيت كقضيب وقضب وقليب وقلب وهو الذي يبهت السامع بما يفتريه عليه من الكذب ونقل الكرماني أن مفرده بهوت بفتح أوله قوله فاسألهم في رواية الفزاري عن حميد عند النسائي إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك قوله فجاءت اليهود زاد في رواية الفزاري ودخل عبد الله داخل البيت وفي رواية عبد الله بن بكر عن حميد فأرسل إلى اليهود فجاءوا الحديث ظاهره التعميم والذي يقتضيه السياق تخصيص من كان له بعبد الله بن سلام تعلق وأقرب ذلك عشيرته من بني قينقاع فقد ذكر بن إسحاق فيهم فقال في أوائل الهجرة من كتاب المغازي في ذكر من كان من اليهود بالمدينة ومن بني قينقاع زيد بن اللصيب وسعد بن حيية ومحمود بن سبيحان وعزير بن أبي عزير وعبد الله بن الصيف وسعيد بن الحرت ورفاعة بن قيس وفنحاص وأشيع ونعمان بن أصبا ويحرى بن عمرو وشأس بن قيس وشأس بن عدي وزيد بن الحارث ونعمان بن عمرو وسكين بن أبي سكين وعدي بن زيد ونعمان بن أبي أوفى ومحمود بن دحية ومالك بن الصيف وكعب بن راشد وعازب بن رافع بن أبي رافع وخالد وازار ابني أبي ازار ورافع بن حارثة ورافع بن حرملة ورافع بن خارجة ومالك بن عوف ورفاعة بن التابوت وعبد الله بن سلام بن الحارث وكان حبرهم وأعلمهم وكان اسمه الحصين فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلم عبد الله فهؤلاء بنو قينقاع قوله عن عمرو هو بن دينار قوله باع شريك لي دراهم في السوق نسيئة قد تقدم شرحه في كتاب الشركة والغرض منه هنا قوله قدم علينا المدينة ونحن نتبايع فإنه يستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم أقرهم على ما وجدهم عليه من المعاملات إلا ما استثناه فبينه لهم قوله هدنا تبنا هائد تائب قوله باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وذكر بن عائذ من طريق عروة أن أول من أتاه منهم أبو ياسر بن أخطب أخو حيي بن أخطب فسمع منه فلما رجع قال لقومه أطيعوني فإن هذا النبي الذي كنا ننتظر فعصاه أخوه وكان مطاعا فيهم فاستحوذ عليه الشيطان فأطاعوه على ما قال وروى أبو سعيد في شرف المصطفى من طريق سعيد بن جبير جاء
[ 214 ]
ميمون بن يامين وكان رأس اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ابعث إليهم فاجعلني حكما فانهم يرجعون إلي فأدخله داخلا ثم أرسل إليهم فأتوه فخاطبوه فقال اختاروا رجلا يكون حكما بيني وبينكم قالوا قد رضينا ميمون بن يامين فقال اخرج إليهم فقال أشهد أنه رسول الله فأبوا أن يصدقوه وذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم وادع اليهود لما قدم المدينة وامتنعوا من اتباعه فكتب بينهم كتابا وكانوا ثلاث قبائل قينقاع والنضير وقريظة فنقض الثلاثة العهد طائفة بعد طائفة فمن على بني قينقاع وأجلى بني النضير واستأصل بني قريظة وسيأتي بيان ذلك كله مفصلا إن شاء الله تعالى وذكر بن إسحاق أيضا عن الزهري سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فقالوا غدا انطلقوا إلى هذا الرجل فاسألوه عن حد الزانى فذكر الحديث قوله هادوا صاروا يهودا وأما قوله هدنا تبنا هائد تائب قال أبو عبيدة في قوله تعالى ومن الذين هادوا سماعون للكذب هو هنا من الذين تهودوا فصاروا يهودا وقال في قوله تعالى انا هدنا إليك أي تبنا إليك ثم ذكر فيه خمسة أحاديث الاول قوله حدثنا قرة هو بن خالد ومحمد هو بن سيرين والاسناد كله بصريون قوله لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود في رواية الاسماعيلي لم يبق يهودي إلا اسلم وكذا أخرجه أبو سعيد في شرف المصطفى وزاد في آخره قال قال كعب هم الذين سماهم الله في سورة المائدة فعلى هذا فالمراد عشرة مختصة والا فقد آمن به أكثر من عشرة وقيل المعنى لو آمن بي في الزمن الماضي كالزمن الذي قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم أو حال قدومه والذي يظهر أنهم الذين كانوا حينئذ رؤساء في اليهود ومن عداهم كان تبعا لهم فلم يسلم منهم إلا القليل كعبد الله بن سلام وكان من المشهورين بالرياسة في اليهود عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ومن بني النضير أبو ياسر بن أخطب وأخوه حيي بن أخطب وكعب بن الاشرف ورافع بن أبي الحقيق ومن بني قينقاع عبد الله بن حنيف وفنحاص ورفاعة بن زيد ومن بني قريظة الزبير بن باطيا وكعب بن أسد وشمويل بن زيد فهؤلاء لم يثبت إسلام أحد منهم وكان كل منهم رئيسا في اليهود ولو أسلم لاتبعه جماعة منهم فيحتمل أن يكونوا المراد وقد روى أبو نعيم في الدلائل من وجه آخر الحديث بلفظ لو آمن بي الزبير بن باطيا وذووه من رؤساء يهود لاسلموا كلهم وأغرب السهيلي فقال لم يسلم من أحبار اليهود إلا اثنان يعني عبد الله بن سلام وعبد الله بن صوريا كذا قال ولم أر لعبد الله بن صوريا إسلاما من طريق صحيحة وإنما نسبه السهيلي في موضع آخر لتفسير النقاش وسيأتي في باب أحكام أهل الذمة من كتاب المحاربين شئ يتعلق بذلك ووقع عند بن حبان قصة إسلام جماعة من الاحبار كزيد بن سغنة مطولا وروى البيهقي أن يهوديا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة يوسف فجاء ومعه نفر من اليهود فأسلموا كلهم لكن يحتمل أن لا يكونوا أحبارا وحد يث ميمون بن يامين قد تقدم في الباب وأخرج يحيى بن سلام في تفسيره من وجه آخر عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة هذا الحديث فقال قال كعب إنما الحديث اثنا عشر لقول الله تعالى وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا فسكت أبو هريرة قال بن سيرين أبو هريرة عندنا أولى من كعب قال يحيى بن سلام وكعب أيضا صدوق لان المعنى عشرة بعد الاثنين وهما عبد الله بن سلام ومخيريق كذا قاله وهو معنوي الحديث الثاني
[ 215 ]
قوله حدثنا أحمد أو محمد بن عبيد الله بالتصغير وفي رواية السرخسي والمستملي بن عبد الله مكبر والاول أصح وأشهر واسم جده سهيل وهو الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة شك البخاري في اسمه هنا وقد ذكره في التاريخ فيمن اسمه أحمد بغير شك قوله عن أبي موسى وقع لبعضهم عن أبي مسعود وهو غلط قوله دخل النبي في رواية الكشميهني قدم وقد تقدم الكلام عليه في الصيام الحديث الثالث حديث بن عباس في المعنى بسم الله الرحمن الرحيم قوله لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء استشكل هذا لان قدومه صلى الله عليه وسلم إنما كان في ربيع الاول وأجيب باحتمال أن يكون علمه بذلك تأخر إلى أن دخلت السنة الثانية قال بعض المتأخرين يحتمل أن يكون صيامهم كان على حساب الاشهر الشمسية فلا يمتنع أن يقع عاشوراء في ربيع الاول ويرتفع الاشكال بالكلية هكذا قرره بن القيم في الهدى قال وصيام أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس قلت وما ادعاء من رفع الاشكال عجيب لانه يلزم منه إشكال آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين أن يصوموا عاشوراء بالحساب والمعروف من حال المسلمين في كل عصر في صيام عاشوراء أنه في المحرم لا في غيره من الشهور نعم وجدت في الطبراني بإسناد جيد عن زيد بن ثابت قال ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقول الناس إنما كان يوم تستر فيه الكعبة وتقلس فيه الحبشة وكان يدور في السنة وكان الناس يأتون فلانا اليهودي يسألونه فلما مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه فعلى هذا فطريق الجمع أن تقول كان الاصل فيه ذلك فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء رده إلى حكم شرعه وهو الاعتبار بالاهلة فأخذ أهل الاسلام بذلك لكن في الذي ادعاء أن أهل الكتاب يبنون صومهم على حساب الشمس نظر فان اليهود لا يعتبرون في صومهم إلا بالاهلة هذا الذي شاهدناه منهم فيحتمل أن يكون فيهم من كان يعتبر الشهور بحساب الشمس لكن لا وجود له الآن كما انقرض الذين أخبر الله عنهم أنهم يقولون عزير بن الله تعالى الله عن ذلك وفي الحديث إشكال آخر سبق الجواب عنه في كتاب الصيام قوله فأمر بصومه في رواية الكشميهني ثم أمر بصومه الحديث الرابع حديث بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره أي يرخيه قوله عن عبيد الله بن عبد الله هذا هو المحفوظ عن الزهري ورواه مالك في الموطأ عن الزهري مرسلا لم يذكر من فوقه وأغرب حماد بن خالد فرواه عن مالك عن الزهري عن أنس قال أحمد بن حنبل أخطأ فيه حماد بن خالد والمحفوظ عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قوله ثم يفرقون بفتح أوله وضم ثالثه قوله ثم فرق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه بفتح الفاء والراء الخفيفة وقد سبق شرحه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يوافق أهل الكتاب إذا خالفوا عبدة الاوثان أخذا بأخف الامرين فلما فتحت مكة ودخل عباد الاوثان في الاسلام رجع إلى مخالفة باقي الكفار وهو أهل الكتاب الحديث الخامس حديث بن عباس قال هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا
[ 216 ]
ببعضه وكفروا ببعضه زاد الكشميهني يعني قول الله تعالى الذين جعلوا القرآن عضين قوله باب إسلام سلمان الفارسي تقدمت ترجمته في البيوع وقوله قال أبي هو سليمان بن طرخان التيمي وأبو عثمان هو النهدي قوله تداوله بضعة عشر من رب إلى رب أي من سيد إلى سيد وكأنه لم يبلغه حديث أبي هريرة في النهي عن إطلاق رب على السيد وقد مر في البيوع وقد تقدم تفسير البضع وأنه من الثلاث إلى العشر على المشهور وذكر بن حبان والحاكم من طريق بن عباس عن سلمان في قصته أنه كان بن ملك وأنه خرج في طلب الدين هاربا وأنه انتقل من عابد إلى عابد إلى أن قدم يثرب وقد تقدم في الشراء من المشركين من كتاب البيوع كيفية إسلام سلمان ومكاتبة الذي كان في رقه على غرس الودي وزعم الداودي أن ولاء سلمان كان لاهل البيت لانه أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم فكان ولاؤه له وتعقبه بن التين بأنه ليس مذهب مالك قال والذي كاتب سلمان كان مستحقا لولائه إن كان مسلما وإن كان كافرا فولاؤه للمسلمين قلت وفاته من وجوه الرد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث فلا يورث عنه الولاء أيضا إن قلنا بولاء الاسلام على تقدير التنزل قوله أنا من رام هرمز في رواية بشر بن المفضل عن عوف بلفظ أنا من أهل رام هرمز بفتح الراء والميم وضم الهاء والميم بينهما راء ساكنة ثم زاي مدينة معروفة بأرض فارس بقرب عراق العرب ووقع في حديث بن عباس عند أحمد وغيره أن سلمان كان من أصبهان ويمكن الجمع باعتبارين قوله فترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ستمائة سنة والمراد بالفترة المدة التي لا يبعث فيها رسول من الله ولا يمتنع أن ينبأ فيها من يدعو إلى شريعة الرسول الاخير ونقل بن الجوزي الاتفاق على ما اقتضاه حديث سلمان هذا وتعقب بأن الخلاف في ذلك منقول فعن قتادة خمسمائة وستين سنة أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه وعن الكلبي خمسمائة وأربعين وقيل أربعمائة سنة ووجه تعلق هذه الاحاديث بإسلام سلمان الاشارة إلى أن الاحاديث التي وردت في سياق قصته ما هي على شرط البخاري في الصحيح وإن كان إسناد بعضها صالحا وأما أحاديث الباب فمحصلها أنه أسلم بعد أن تداوله جماعة بالرق وبعد أن هاجر من وطنه وغاب عنه هذه المدة الطويلة حتى من الله عليه بالاسلام طوعا خاتمة اشتملت أحاديث المبعث وما بعدها من الهجرة وغيرها من الاحاديث المرفوعة على مائة وعشرين حديثا الموصول منها مائة وثلاثة أحاديث والبقية معلقات ومتابعات المكرر منها فيه وفيما مضى سبعة وسبعون حديثا والخالص ثلاثة وأربعون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث خباب لقد كان من قبلكم يمشط وحديث عمرو بن العاص في أشد ما صنعه المشركون وحديث عبد الله آذنت بالجن شجرة وحديث بن عمر في إسلام عمر وحديث سواد بن قارب وحديث عمر يا جليح وحديث سعيد بن زيد في إسلامه وحديث أم خالد بنت خالد بن سعيد في الخميصة وحديث بن عباس في قوله وما جعلنا الرؤيا وحديث جابر شهد بي خالاي العقبة وحديث بن عمر وعائشة لا هجرة بعد الفتح وحديث عروة بن الزبير أن الزبير لقي النبي صلى الله عليه وسلم في ركب كانوا تجارا الحديث في الهجرة وحديث أنس في شأن الهجرة وفيه قصة سراقة ولم يسمه وحديث عمر مع أبي موسى في ذكر الهجرة وحديث بن عمر في البيعة وحديث عائشة أن أبا بكر تزوج امرأة من كلب وفيه الشعر وحديث البراء في
[ 217 ]
أول من قدم المدينة وحديث سهل ما عدوا من المبعث وحديث بن عباس في تفسير جعلوا القرآن عضين وأحاديث سلمان الثلاثة في إسلامه وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم أربعة آثار أو خمسة والله أعلم بالصواب بسم الله الرحمن الرحيم قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب المغازي باب غزوة العشيرة بالشين المعجمة كذا لابي ذر ولغيره تأخير البسملة عن قوله كتاب المغازي وزادوا باب غزوة العشيرة أو العسيرة بالشك هل هي بالاهمال أو بالاعجام مكانها عند منزل الحج بينبع ليس بينها وبين البلد الا الطريق وخرج في خمسين ومائة وقيل مائتين واستخلف فيها أبا سلمة بن عبد الاسد والمغازي جمع مغزى يقال غزا يغزو غزواومغزى والاصل غزوا والواحدة غزوة وغزاة والميم زائدة وعن ثعلب الغزوة المرة والغزاة عمل سنة كاملة وأصل للغزو القصد ومغزى الكلام مقصده والمراد بالمغازي هنا ما وقع من قصد النبي صلى الله عليه وسلم الكفار بنفسه أو بجيش من قبله وقصدهم أعم من أن يكون إلى بلادهم أو إلى الاماكن التي حلوها حتى دخل مثل أحد والخندق قوله قال بن إسحاق أول ما غزا النبي صلى الله عليه وسلم الابواء ثم بواط ثم العشيرة كذا للاكثر وسقط لابي ذر إلا عن المستملي وحده لكنه ذكره آخر الباب والابواء بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد قرية من عمل الفرع بينها وبين الجحفة من جهة المدينة ثلاثة وعشرون ميلا قيل سميت بذلك لما كان فيها من الوباء وهي على القلب وإلا لقيل الاوباء والذي وقع في مغازي بن إسحاق ما صورته غزوة ودان بتشديد المهملة قال وهي أول غزوات النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة يريد قريشا فوادع بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة من كنانة وادعه رئيسهم مجدي بن عمرو الضمري ورجع بغير قتال قال بن هشام وكان قد استعمل على المدينة سعد بن عبادة أه وليس بين ما وقع في السيرة وبين ما نقله البخاري عن بن إسحاق اختلاف لان الابواء وودان مكانان متقاربان بينهما ستة أميال أو ثمانية ولهذا وقع في حديث الصعب بن جثامة وهو بالابواء أو بودان كما تقدم في كتاب الحج ووقع في مغازي الاموي حدثني أبي عن بن إسحاق قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم غازيا بنفسه حتى انتهى إلى ودان وهي الابواء وقال موسى بن عقبة أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم يعني بنفسه الابواء وفي الطبراني من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال أول غزاة غزوناها مع النبي صلى الله عليه وسلم الابواء وأخرجه البخاري في التاريخ الصغير عن إسماعيل وهو بن أبي أويس عن كثير بن عبد الله مقتصرا عليه وكثير ضعيف عن الاكثر لكن البخاري مشاه وتبعه الترمذي وذكر أبو الأسود في مغازيه عن عروة ووصله بن عائذ من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى الابواء بعث عبيدة بن الحارث في ستين رجلا فلقوا جمعا من قريش فتراموا بالنبل فرمى سعد بن أبي وقاص بسهم وكان أول من رمى بسهم في سبيل الله وعند الاموي يقال إن حمزة بن عبد المطلب أول من عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاسلام راية وكذا جزم به موسى بن عقبة وأبو معشر والواقدي في آخرين قالوا وكان حامل رايته أبو مرثد حليف حمزة وذلك في شهر رمضان من السنة الاولى وكانوا ثلاثين رجلا ليعترضوا عبر قريش فلقوا أبا جهل في جمع كثير فحجز بينهم مجدي وأما بواط فبفتح الموحدة
[ 218 ]
تضم وتخفيف الواو وآخره مهملة جبل من جبال جهينة بقرب ينبع قال بن إسحاق ثم غزا في شهر ربيع الاول يريد قريشا أيضا حتى بلغ بواط من ناحية رضوي ورجع ولم يلق أحدا ورضوي بفتح الراء وسكون المعجمة مقصور جبل مشهور عظيم بينبع قال بن هشام وكان استعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون وفي نسخة السائب بن مظعون وعليه جرى السهيلي وقال الواقدي سعد بن معاذ وأما العشيرة فلم يختلف على أهل المغازي أنها بالمعجمة والتصغير وآخرها هاء قال بن إسحاق هي ببطن ينبع وخرج إليها في جمادى الاولى يريد قريشا أيضا فوادع فيها بني مدلج من كنانة قال بن هشام استعمل فيها على المدينة أبا سلمة بن عبد الاسد وذكر الواقدي أن هذه السفرات الثلاث كان يخرج فيها ليلتقي تجار قريش حين يمرون إلى الشام ذهابا وإيابا وسبب ذلك أيضا أنها كانت وقعة بدر وكذلك السرايا التي بعثها قبل بدر كما سيأتي قال بن إسحاق ولما رجع إلى المدينة لم يقم إلا ليالي حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ سفران بفتح المهملة والفاء من ناحية بدر ففاته كرز بن جابر وهذه هي بدر الاولى وقد تقدم في العلم البيان عن سرية عبد الله بن جحش وأنه ومن معه لقوا ناسا من قريش راجعين بتجارة من الشام فقاتلوهم واتفق وقوع ذلك في رجب فقتلوا منهم وأسروا وأخذوا الذي كان معهم وكان أول قتل وقع في الاسلام وأول مال غنم وممن قتل عبد الله بن الحضرمي أخو عمرو بن الحضرمي الذي حرض به أبو جهل قريشا على القتال ببدر وقال الزهري أول آية نزلت في القتال كما أخبرني عروة عن عائشة اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا أخرجة النسائي وإسناده صحيح وأخرج هو والترمذي وصححه الحاكم من طريق سعيد بن جبير عبن عباس قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر أخرجوا نبيهم ليهلكن فنزلت اذن للذين يقاتلون الآية قال بن عباس فهي أول آية أنزلت في القتال وذكر غيره أنهم اذن لهم في قتال من قاتلهم بقوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ثم أمروا بالقتال مطلقا بقوله تعالى انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا الآية قوله حدثنا وهب هو بن جرير بن حازم وأبو إسحاق هو السبيعي قوله فقيل له القائل هو الراوي أبو إسحاق بينه إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق كما سيأتي آخر المغازي بلفظ سألت زيد بن أرقم ويؤيده أيضا قوله في هذه الرواية آخرا فأيهم قوله تسع عشرة كذا قال ومراده الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه سواء قاتل أو لم يقاتل لكن روى أبو يعلى من طريق أبي الزبير عن جابر أن عدد الغزوات إحدى وعشرون وإسناده صحيح وأصله في مسلم فعلى هذا ففات زيد بن أرقم ذكر ثنتين منها ولعلهما الابواء وبواط وكأن ذلك خفي عليه لصغره ويؤيد ما قلته ما وقع عند مسلم بلفظ قلت ما أول غزوة غزاها قال ذات العشير أو العشيرة أه والشعيرة كما تقدم هي الثالثة وأما قول بن التين يحمل قول زيد بن أرقم على أن العشيرة أول ما غزا هو أي زيد بن أرقم والتقدير فقلت ما أول غزوة غزاها أي وأنت معه قال العشير فهو محتمل أيضا ويكون قد خفي عليه ثنتان مما بعد ذلك أو عد الغزوتين واحدة فقد قال موسى بن عقبة قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان بدر ثم أحد ثم الاحزاب ثم المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم حنين ثم الطائف وأهمل غزوة قريظة لانه ضمها إلى الاحزاب لكونها كانت في أثرها وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الاحزاب وكذا وقع
[ 219 ]
لغيره عد الطائف وحنين واحدة لتقاربهما فيجتمع على هذا قول زيد بن أرقم وقول جابر وقد توسع بن سعد فبلغ عدة المغازي التي خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين وتبع في ذلك الواقدي وهو مطابق لما عده بن إسحاق إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر أشار إلى ذلك السهيلي وكأن الستة الزائدة من هذا القبيل وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين وأخرجه يعقوب بن سفيان عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق فزاد فيه أن سعيدا قال أولا ثماني عشرة ثم قال أربعا وعشرين قال الزهري فلا أدري أوهم أو كان شيئا سمعه بعد قلت وحمله على ما ذكرته يدفع الوهم ويجمع الاقوال والله أعلم وأما البعوث والسرايا فعد بن إسحاق ستا وثلاثين وعد الواقدي ثمانيا وأربعين وحكى به الجوزي في التلقيح ستا وخمسين وعد المسعودي ستين وبلغها شيخنا في نظم السير زيادة على السبعين ووقع عند الحاكم في الاكليل أنها تزيد على مائة فلعله أراد ضم المغازي إليها قوله قلت فأيهم كان أول كذا للجميع قال بن مالك والصواب فأيها أو أيهن ووجهه بعضهم على أن المضاف محذوف والتقدير فأي غزوتهم قلت وقد أخرجه الترمذي عن محمود بن غيلان عن وهب بن جرير بالاسناد الذي ذكره المصنف بلفظ قلت فأيتهن فدل على أن التعبير من البخاري أو من شيخه عبد الله بن محمد المسندي أو من شيخه وهب بن جرير حدث به مرة على الصواب ومرة على غيره إن لم يصح له توجيه قوله العشير أو العسيرة كذا بالتصغير والاول بالمعجمة بلا هاء والثانية بالمهملة وبالهاء ووقع في الترمذي العشير أو العسير بلا هاء فيهما قوله فذكرت لقتادة القائل هو شعبة وقول قتادة العشيرة هو بالمعجمة وباثبات الهاء ومنهم من حذفها وقول قتادة هو الذي اتفق عليه أهل السير وهو الصواب وأما غزوة العسيرة بالمهملة فهي غزوة تبوك قال الله تعالى الذين اتبعوه في ساعة العسرة وسميت بذلك لما كان فيها من المشقة كما سيأتي بيانه وهي بغير تصغير وأما هذه فنسبت إلى المكان الذي وصلوا إليه واسمه العشير أو العشيرة يذكر ويؤنث وهو موضع وذكر بن سعد أن المطلوب في هذه الغزاة هي عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام بالتجارة ففاتهم وكانوا يترقبون رجوعها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتلقاها ليغنمها فبسبب ذلك كانت وقعة بدر قال بن إسحاق فإن السبب في غزوة بدر ما حدثني يزيد بن رومان عن عروة أن أبا سفيان كان بالشام في ثلاثين راكبا منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص فأقبلوا في قافلة عظيمة فيها أموال قريش فندب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وكان أبو سفيان يتجسس الاخبار فبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفر أصحابه بقصدهم فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى قريش بمكة يحرضهم على المجئ لحفظ أموالهم ويحذرهم المسلمين فاستنفرهم ضمضم فخرجوا في ألف راكب ومعهم مائة فرس واشتد حذر أبي سفيان فأخذ طريق الساحل وجد في السير حتى فات المسلمين فلما أمن أرسل إلى من يلقى قريشا يأمرهم بالرجوع فامتنع أبو جهل من ذلك فكان ما كان من وقعة بدر قوله باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر أي قبل وقعة بدر بزمان فكان كما قال ووقع عند مسلم من حديث أنس عن عمر قال ان النبي صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارع أهل بدر يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى وهذا مصرع فلان فوالذي بعثه بالحق
[ 220 ]
ما أخطأوا تلك الحدود الحديث وهذا وقع وهم ببدر في الليلة التي التقوا في صبيحتها بخلاف حديث الباب فإنه قبل ذلك بزمان قوله شريح هو بمعجمة وآخره مهملة وإبراهيم بن يوسف عن أبيه هو يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي قوله انه سمع عبد الله بن مسعود حدث عن سعد بن معاذ قال كان صديقا فيه التفات على رأي والسياق يقتضي أن يقول قال كنت صديقا ويحتمل أن يكون قال زائدة ويكون قوله قال من كلام بن مسعود والمراد سعد بن معاذ وهي رواية النسفي قوله على أمية بن خلف ووقع في علامات النبوة من طريق إسرائيل عن بن إسحاق أمية بن خلف بن صفوان كذا للمروزي وكذا أخرجه أحمد والبيهقي من طريق إسرائيل والصواب ما عند الباقين أمية بن خلف أبي صفوان وعند الاسماعيلي أبي صفوان أمية بن خلف وهي كنية أمية كنى بابنه صفوان بن أمية وكذلك اتفق أصحاب أبي إسحاق ثم أصحاب إسرائيل على أن المنزول عليه أمية بن خلف وخالفهم أبو علي الحنفي فقال نزل على عتبة بن ربيعة وساق القصة كلها أخرجه البزار وقول الجماعة أولى وعتبة بن ربيعة قتل ببدر أيضا لكنه لم يكن كارها في الخروج من مكة إلى بدر وإنما حرض الناس على الرجوع بعد أن سلمت تجارتهم فخالفه أبو جهل وفي سياق القصة البيان الواضح أنها لامية بن خلف لقوله فيها فقال لامرأته يا أم صفوان ولم يكن لعتبة بن ربيعة امرأة يقال لها أم صفوان قوله فقال أي سعد بن معاذ لامية بن خلف انظر لي ساعة خلوة في رواية إسرائيل فقال أمية لسعد ألا تنظر حتى يكون نصف النهار والجمع بينهما بأن سعدا سأله وأشار عليه أمية وإنما اختار له نصف النهار لانه مظنة الخلوة قوله ألا أراك بتخفيف اللام للاستفتاح وللكشميهني بحذف همزة الاستفهام وهي مرادة قوله أو يتم بالمد والقصر والصباة بضم المهملة وتخفيف الموحدة جمع صابئ بموحدة مكسورة ثم تحتانية خفيفة بغير همز وهو الذي ينتقل من دين إلى دين وفي رواية إسرائيل وقد أو يتم محمدا وأصحابه قوله طريقك على المدينة أي ما يقاربها أو يحاذيها قال الكرماني طريقك بالنصب والرفع قلت النصب أصح لان عامله لامنعنك فهو بدل من قوله ما هو أشد عليك وأما الرفع فيحتاج إلى تقدير وفي رواية إسرائيل متجرك إلى الشام وهو المراد بقطع طريقه على المدينة قوله على أبي الحكم هي كنية أبي جهل والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي لقبه بأبي جهل قوله فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنهم قاتلوك كذا أتى بصيغة الجمع والمراد المسلمون أو النبي صلى الله عليه وسلم وذكره بهذه الصيغة تعظيما وفي بقية سياق القصة ما يؤيد هذا الثاني ووقع لبعضهم قاتليك بتحتانية بدل الواو وقالوا هي لحن ووجهت بحذف الاداة والتقدير أنهم يكونون قاتليك وفي رواية إسرائيل أنه قاتلك بالافراد وقد قدمت في علامات النبوة بيان وهم الكرماني في شرج هذا الموضع وأنه ظن أن الضمير لابي جهل فاستشكله فقال إن أبا جهل لم يقتل أمية ثم تأول ذلك بأنه كان سببا في خروجه حتى قتل قلت ورواية الباب كافية في الرد عليه فان فيها ان أمية قال لامرأته إن محمدا أخبرهم أنه قاتلي ولم يتقدم في كلامه لابي جهل ذكر قوله ففزع لذلك أمية فزعا شديدا بين سبب فزعه في رواية إسرائيل ففيها قال فوالله ما يكذب محمد إذا حدث ووقع عند البيهقي فقال والله ما يكذب محمد فكاد أن يحدث كذا وقع عنده بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الدال من الحدث وهو خروج الخارج من
[ 221 ]
أحد السبيلين والضمير لامية أي أنه كاد أن يخرج منه الحدث من شدة فزعه وما أظن ذلك إلا تصحيفا قوله فلما رجع أمية إلى أهله أي امرأته فقال يا أم صفوان هي كنيتها واسمها صفية ويقال كريمة بنت معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وهي من رهط أمية فأمية بن عم أبيها وقيل اسمها فاختة بنت الاسود قوله ما قال لي سعد وفي رواية إسرائيل ما قال لي أخي اليثربي ذكر الاخوة باعتبار ما كان بينهما من المؤاخاة في الجاهلية ونسبه إلى يثرب وهو اسم المدينة قبل الاسلام قوله فقلت له بمكة قال لا أدري فقال أمية والله لا أخرج من مكة يؤخذ منه أن الاخذ بالمحتمل حيث يتحقق الهلاك في غيره أو يقوي الظن أولى قوله فلما كان يوم بدر زاد إسرائيل وجاء الصريخ وفيه إشارة إلى ما أخرجه بن إسحاق كما تقدم قبل هذا الباب وعرف ان اسم الصريخ ضمضم بن عمرو الغفاري وذكر بن إسحاق بأسانيده أنه لما وصل إلى مكة جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وصرخ يا معشر قريش أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد الغوث الغوث قوله أدركوا عيركم بكسر المهملة وسكون التحتانية أي القافلة التي كانت مع أبي سفيان قوله انك متى يراك الناس في رواية الكشميهني وحده متى ما يراك الناس بزيادة ما وهي الزائدة الكافة عن العمل وبحذفها كان حق الالف من يراك أن تحذف لان متى للشرط وهي تجزم الفعل المضارع قال بن مالك يخرج ثبوت الالف على أن قوله يراك مضارع راء بتقديم الالف على الهمزة وهي لغة في رأي قال الشاعر إذا راءني أبدي بشاشة واصل ومضارعه يراء بمد ثم همز فلما جزمت حذفت الالف ثم أبدلت الهمزة ألفا فصار يرا وعلى أن متى شبهت بإذا فلم يجزم بها وهو كقول عائشة الماضي في الصلاة في أبي بكر متى يقوم مقامك أو على إجراء المعتل مجرى الصحيح كقول الشاعر ولا ترضاها ولا تملق أو على الاشباع كما قرئ أنه من يتقى قلت ووقع في رواية الاصيلي متى يرك الناس بحذف الالف وهو الوجه قوله وأنت سيد أهل الوادي أي وادي مكة قد تقدم أن أمية وصف بها أبا جهل لما خاطب سعدا بقوله لا ترفع صوتك على أبي الحكم وهو سيد أهل الوادي فتقارضا الثناء وكان كل منهما سيدا في قومه قوله فلم يزل به أبو جهل بين بن إسحاق الصفة التي كاد بها أبو جهل أمية حتى خالف رأي نفسه في ترك الخروج من مكة فقال حدثني بن أبي نجيح أن أمية بن خلف كان قد أجمع على عدم الخروج وكان شيخا جسيما فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة حتى وضعها بين يديه فقال إنما أنت من النساء فقال قبحك الله وكأن أبا جهل سلط عقبة عليه حتى صنع به ذلك وكان عقبة سفيها قوله لاشترين أجود بعير بمكة يعني فاستعد عليه للهرب إذا خفت شيئا قوله ثم قال أمية في الكلام حذف تقديره فاشترى البعير الذي ذكر ثم قال لامر أته قوله لا يترك منزلا إلا عقل بعيره في رواية الكشميهني ينزل بنون وزاي ولام من النزول وهي أوجه من رواية غيره يترك بمثناة وراء وكاف قوله فلم يزل بذلك أي على ذلك قوله حتى قتله الله ببدر تقدم في الوكالة حديث عبد الرحمن بن عوف في صفة قتله وستأتي الاشارة إليه في هذه الغزوة وذكر الواقدي أن الذي ولي قتله خبيب وهو بالمعجمة وموحدة مصغر بن إساف بكسر الهمزة ومهملة خفيفة الانصاري وقال بن إسحاق قتله رجل من بني مازن من الانصار وقال بن هشام يقال اشترك فيه معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب المذكور وذكر الحاكم في المستدرك أن رفاعة بن رافع طعنه بالسيف ويقال
[ 222 ]
قتله بلال وأما ابنه علي بن أمية فقتله عمار وفي الحديث معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهرة وما كان عليه سعد بن معاذ من قوة النفس واليقين وفيه أن شأن العمرة كان قديما وأن الصحابة كان مأذونا لهم في الاعتمار من قبل أن يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الحج والله أعلم قوله قصة غزوة بدر كذا للاكثر وثبت باب في رواية كريمة قوله وقول الله تعالى ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إلى فتنقلبوا خائبين كذا للاكثر وللاصيلي نحوه قال بعد قوله وأنتم أذلة إلى قوله فتنقلبوا خائبين وساق الآيات كلها في رواية كريمة قوله ببدر هي قرية مشهورة نسبت إلى بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة كان نزلها ويقال بدر بن الحارث ويقال بدر اسم البئر التي بها سميت بذلك لاستدارتها أو لصفاء مائها فكان البدر يرى فيها وحكى الواقدي إنكار ذلك كله عن غير واحد من شيوخ بني غفار وإنما هي مأوانا ومنازلنا وما ملكها أحد قط يقال له بدر وإنما هو علم عليها كغيرها من البلاد قوله وأنتم أذلة أي قليلون بالنسبة إلى من لقيهم من المشركين ومن جهة أنهم كانوا مشاة إلا القليل منهم ومن جهة أنهم كانوا عارين من السلاح وكان المشركون على العكس من ذلك والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى تلقي أبي سفيان لاخذ ما معه من أموال قريش وكان من معه قليلا فلم يظن أكثر الانصار أنه يقع قتال فلم يجز معه منهم إلا القليل ولم يأخذوا أهبة الاستعداد كما ينبغي بخلاف المشركين فانهم خرجوا مستعدين ذابين عن أموالهم وأما قوله إذ تقول للمؤمنين فاختلف فيها أهل التأويل فمنهم من قال هي متعلقة بقوله نصركم فعلى هذا هي في قصة بدر وعليه عمل المصنف وهو قول الاكثر وبه جزم الداودي وأنكره بن التين فذهل وقيل هي متعلقة بقوله وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال فعلى هذا فهي متعلقة بغزوة أحد وهو قول عكرمة وطائفة ويؤيد الاول ما روي بن أبي حاتم بسند صحيح إلى الشعبي ان المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين فانزل الله تعالى ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف الآية قال فلم يمد كرز المشركين ولم يمد المسلمين بالخمسة ومن طريق سعيد عن قتادة قال أمد الله المسلمين بخمسة آلاف من الملائكة وعن الربيع بن أنس قال أمد الله المسلمين يوم بدر بألف ثم زادهم فصاروا ثلاثة آلاف ثم زادهم فصاروا خمسة آلاف وكأنه جمع بذلك بين آيتي آل عمران والانفال وقد لمح المصنف بالاختلاف في النزول فذكر قوله تعالى وإذ غدوت من أهلك في غزوة أحد وكذلك قوله ليس لك من الامر شئ وذكر ما عدا ذلك في غزوة بدر وهو المعتمد قوله فورهم غضبهم ثبت هكذا في رواية الكشميهني وهو قول عكرمة ومجاهد وروى عن بن عباس وقال الحسن وقتادة والسدي معناه من وجههم قوله وقال وحشي أي بن حرب قتل حمزة أي بن عبد المطلب طعيمة بن عدي بن الخيار يوم بدر كذا وقع فيه بن الخيار وهو وهم وصوابه بن نوفل وسأبين ذلك في الكلام على قصة مقتل حمزة في غزوة أحد إن شاء الله تعالى قوله وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم هذه الآية نزلت في قصة بدر بلا خلاف بل جميع سورة الانفال أو معظمها نزلت في قصة بدر وسيأتي في تفسير قول سعيد بن جبير قلت لابن عباس سورة الانفال قال نزلت في بدر والمراد بالطائفتين العير والنفير فكان في العير أبو سفيان ومن معه كعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل
[ 223 ]
وما معه من الاموال وكان في النفير أبو جهل وعتبة بن ربيعة وغيرهما من رؤساء قريش مستعدين بالسلاح متأهبين للقتال وكان ميل المسلمين إلى حصول العير لهم وهو المراد بقوله وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم والمراد بذات الشوكة الطائفة التي فيها السلاح قوله الشوكة الحد هو قول أبي عبيدة قال في كتاب المجاز ويقال ما أشد شوكة بني فلان أي حدهم وكأنها استعارة من واحدة الشوك وروى الطبراني وأبو نعيم في الدلائل من طريق علي بن طلحة عن بن عباس قال أقبلت عير لاهل مكة من الشام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يريدها فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا إليها وسبقت العير المسلمين وكان اللوعدهم إحدى الطائفتين وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة وأخص مغنممن أن يلقوا النفير فلما فاتهم العير نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين بدرا فوقع القتال ثم ذكر المصنف طرفا من حديث كعب بن مالك في قصة توبته وسيأتي بطوله في غزوة تبوك والغرض منه هنا قوله ولم يعاتب أحد وهو بفتح التاء على البناء للمجهول ووقع في رواية الكشميهني ولم يعاتب الله أحداوقوله فيه إنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش أي ولم يرد القتال وقوله حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد أي ولا إرادة قتال والعير المذكورة يقال كانت ألف بعير وكان المال خمسين ألف دينار وكان فيها ثلاثون رجلا من قريش وقيل أربعون وقيل ستون وقوله غير أني تخلفت في غزوة بدر وهو استثناء من المفهوم في قوله لم أتخلف إلا في تبوك فإن مفهومه إني حضرت في جميع الغزوات ما خلا غزوة تبوك والسبب في كونه لم يستثنهما معا بلفظ واحد كونه تخلف في تبوك مختارا لذلك مع تقدم الطلب ووقوع العتاب على من تخلف بخلاف بدر في ذلك كله فلذلك غاير بين التخلفين قوله باب قول الله تعالى إذ تستغيثون ربكم إلى قوله شديد العقاب كذا للاكثر وساق في رواية كريمة الآيات كلها وقد تقدمت الاشارة إليه في الذي قبله والجمع أيضا بين قوله بألف من الملائكة وبين قوله بثلاثة آلاف وأورد البخاري فيه حديثين فقصة المقداد فيها بيان ما وقع قبل الوقعة وحديث بن عباس فيه بيان الاستغاثة قوله عن مخارق بضم الميم وتخفيف المعجمة هو بن عبد الله بن جابر البجلي الاحمسي بمهملتين ويقال اسم أبيه عبد الرحمن ويقال خليفة وهو كوفي ثقة عند الجميع يكنى أبا سعيد ولم أر له رواية عن غير طارق وهو بن شهاب وله رؤية قوله شهدت من المقداد بن الاسود تقدم أن اسم أبيه عمرو وان الاسود كان تبناه فصار ينسب إليه قوله مما عدل به بضم المهملة وكسر الدال المهملة أي وزن أي من كل شئ يقابل ذلك من الدنيويات وقيل من الثواب أو المراد الاعم من ذلك والمراد المبالغة في عظمة ذلك المشهد وأنه كان لو خير بين أن يكون صاحبه وبين أن يحصل له ما يقابل ذلك كائنا ما كان لكان حصوله له أحب إليه وقوله لان أكون صاحبه هو بالنصب وفي رواية الكشميهني لان أكون أنا صاحبه ويجوز فيه الرفع والنصب قال بن مالك النصب أجود قوله وهو يدعو على المشركين زاد النسائي في روايته جاء المقداد على فرس يوم بدر فقال وذكر بن إسحاق أن هذا الكلام قاله المقداد لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم الصفراء وبلغه أن قريشا قصدت بدرا وأن أبا سفيان نجا بمن معه فاستشار الناس فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر كذلك ثم المقداد فذكر نحو ما في حديث الباب وزاد فقال والذي بعثك بالحق لو سلكت بنا برك الغماد لجاهدنا معك من دونه قال
[ 224 ]
فقال أشيروا علي قال فعرفوا أنه يريد الانصار وكان يتخوف أن لا يوافقوه لانهم لم يبايعوه إلا على نصرته ممن يقصده لا أن يسير بهم إلى العدو فقال له سعد بن معاذ امض يا رسول الله لما أمرت به فنحن معك قال فسره قوله ونشطه وكذا ذكره موسى بن عقبة مبسوطا وأخرجه بن عائذ من طريق أبي الاسود عن عروة وعند بن أبي شيبة من مرسل علقمة بن وقاص في نحو قصة المقداد فقال سعد بن معاذ لئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك ولا نكون كالذين قالوا لموسى فذكره وفيه ولعلك خرجت لامر فأحدث الله غيره فامض لما شئت وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من أموالنا ما شئت قال وإنما خرج يريد غنيمة ما مع أبي سفيان فأحدث الله له القتال وروى بن أبي حاتم من حديث أبي أيوب قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة إني أخبرت عن عير أبي سفيان فهل لكم أن تخرجوا إليها لعل الله يغنمناها قلنا نعم فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين قال قد أخبر واخبرنا فاستعدوا للقتال فقلنا لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم فاعاده فقال له المقداد لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ولكن نقول أنا معكما مقاتلون قال فتمنينا معشر الانصار لو أنا قلنا كما قال المقداد فأنزل الله تعالى كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون وأخرج بن مردويه من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص عن أبيه عن جده نحوه لكن فيه أن سعد بن معاذ هو الذي قال ما قال المقداد والمحفوظ أن الكلام المذكور للمقداد كما في حديث الباب وأن سعد بن معاذ إنما قال لو سرت بنا حتى تبلغ برك الغماد لسرنا معك كذلك ذكره موسى بن عقبة وعند بن عائذ في حديث عروة فقال سعد بن معاذ لو سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن ووقع في مسلم أن سعد بن عبادة هو الذي قال ذلك وكذا أخرجه بن أبي شيبة من مرسل عكرمة وفيه نظر لان سعد بن عبادة لم يشهد بدرا وإن كان يعد فيهم لكونه ممن ضرب له بسهمه كما سأذكره في آخر الغزوة ويمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم استشارهم في غزوة بدر مرتين الاولى وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان وذلك بين في رواية مسلم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان والثانية كانت بعد أن خرج كما في حديث الباب ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية وهذا أولى بالصواب وقد تقدم في الهجرة شرح برك الغماد ودلت رواية بن عائذ هذه على أنها من جهة اليمن وذكر السبيل أنه رأى في بعض الكتب أنها أرض الحبشة وكأنه أخذه من قصة أبي بكر مع بن الدغنة فان فيها أنه لقيه ذاهبا إلى الحبشة ببرك الغماد فأجاره بن الدغنة كما تقدم في هذا الكتاب ويجمع بأنها من جهة اليمن تقابل الحبشة وبينهما عرض البحر قوله ولكنا نقاتل عن يمينك الخ وفي رواية سفيان عن مخارق ولكن امض ونحن معك وفي رواية محمد بن عمرو المذكورة ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون ولاحمد من حديث عتبة بن عبد بإسناد حسن قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نقول كما قالت بنو إسرائيل ولكن انطلق أنت وربك إنا معكم قوله حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي وخالد هو الحذاء قوله عن بن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا من مراسيل الصحابة فإن بن عباس لم يحضر ذلك ولعله أخذه عن عمر أو عن أبي بكر ففي مسلم من طريق
[ 225 ]
أبي زميل بالزاي مصغر واسمه سماك بن الوليد عن بن عباس قال حدثني عمر لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر فاستقبل القبلة ثم مد يديه فلم يزل يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه الحديث وعن سعيد بن منصور من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وتكاثرهم وإلى المسلمين فاستقلهم فركع ركعتين وقام أبو بكر عن يمينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته اللهم لا تودع مني اللهم لا تخذلني اللهم لا ترني اللهم أنشدك ما وعدتني وعند بن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني قوله يوم بدر زاد في رواية وهيب الآتية في التفسير عن خالد وهو في قبة والمراد بها العريش الذي اتخذه الصحابة لجلوس النبي صلى الله عليه وسلم فيه قوله اللهم إني أنشدك بفتح الهمزة وسكون النون والمعجمة وضم الدال أي أطلب منك وعند الطبراني بإسناد حسن عن بن مسعود قال ما سمعنا مناشدا ينشد ضالة أشد مناشدة من محمد لربه يوم بدر اللهم إني أنشدك ما وعدتني قال السهيلي سبب شدة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ونصبه في الدعاء لانه رأى الملائكة تنصب في القتال والانصار يخوضون غمار الموت والجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء ومن السنة أن يكون الامام وراء الجيش لانه لا يقاتل معهم فلم يكن ليريح نفسه فتشاغل بأحد الامرين وهو الدعاء قوله اللهم إن شئت لم تعبد في حديث عمر اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الاسلام لا تعبد في الارض أما تهلك فبفتح أوله وكسر اللام والعصابة بالرفع وإنما قال ذلك لانه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك هو ومن معه حينئذ لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الايمان ولاستمر المشركون يعبدون غير الله فالمعنى لا يعبد في الارض بهذه الشريعة ووقع عند مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام أيضا يوم أحد وروى النسائي والحاكم من حديث علي قال قاتلت يوم بدر شيئا من قتال ثم جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده يا حي يا قيوم فرجعت فقاتلت ثم جئت فوجدته كذلك قوله فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك زاد في رواية وهيب عن خالد كما سيأتي في التفسير قد ألححت على ربك وكذا أخرجه الطبراني عن عثمان عن عبد الوهاب الثقفي عن أبيه زاد في رواية مسلم المذكورة فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فانزل الله عزوجل إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم الآية فأمده الله بالملائكة أه وعرف بهذه الزيادة مناسبة الحديث للترجمة وقوله في رواية مسلم كذاك وهو بالذال المعجمة وهو بمعنى كفاك قال قاسم بن ثابت كذاك يراد بها الاغراء والامر بالكف عن الفعل وهو المراد هنا ومنه قول الشاعر كذاك القول ان عليك عيبا أي حسبك من القول فاتركه أه وقد أخطأ من زعم أنه تصحيف وأن الاصل كفاك قال الخطابي لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال بل الحامل للنبي صلى الله عليه وسلم على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم لانه كان أول مشهد شهده فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك لانهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة فلما قال له أبو بكر
[ 226 ]
ما قال كف عن ذلك وعلم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة فلهذا عقب بقوله سيهزم الجمع انتهى ملخصا وقال غيره وكان النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة في مقام الخوف وهو أكمل حالات الصلاة وجاز عنده أن لا يقع النصر يومئذ لان وعده بالنصر لم يكن معينا لتلك الواقعة وإنما كان مجملا هذا الذي يظهر وزل من لا علم عنده ممن ينسب إلى الصوفية في هذا الموضع زللا شديدا فلا يلتفت إليه ولعل الخطابي أشار إليه قوله فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر وفي رواية أيوب عن عكرمة عن بن عباس لما نزلت سيهزم الجمع ويولون الدبر قال عمر أي جمع يهزم قال فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدروع ويقول سيهزم الجمع أخرجه الطبري وابن مردويه وله من حديث أبي هريرة عن عمر لما نزلت هذه الآية قلت يا رسول الله أي جمع يهزم فذكر نحوه وهذا مما يؤيد ما قدمته أن بن عباس حمل هذا الحديث عن عمر وسيأتي في التفسير عن عائشة نزلت بمكة وأنا جارية ألعب بل الساعة موعدهم الآية قوله باب كذا للجميع بغير ترجمة ووقع في شرح شيخنا بن الملقن باب فضل من شهد بدرا وتبع في ذلك بعض النسخ وهو خطأ من جهة أن هذه الترجمة بعينها ستأتي فيما بعد فلا معنى لتكررها قوله أخبرني عبد الكريم هو الجزري بينه أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى بن سعيد الاموي عن بن جريج قال حدثني عبد الكريم الجزري انتهى وفي طبقته ممن يروى عن مقسم ويروي عنه بن جريج عبد الكريم بن أبي المخارق أحد الضعفاء ولم يخرج له البخاري شيئا مسندا ومقسم بكسر الميم هو أبو القاسم مولى بن عباس وهو في الاصل مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي وإنما قيل له مولى بن عباس لشدة لزومه له وماله في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وسيأتي شرحه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى قوله باب عدة أصحاب بدر أي الذين شهدوا الوقعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن ألحق بهم قوله استصغرت بضم أوله ومراد البراء أن ذلك وقع عند حضور القتال فعرض من يقاتل فرد من لم يبلغ وكانت تلك عادة النبي صلى الله عليه وسلم في المواطن قوله أنا وابن عمر قال عياض هذا يرده قول بن عمر استصغرت يوم أحد وكذا اعترض به بن التين وزاد بأن إخبار بن عمر عن نفسه أولى من أخبار البراء عنه انتهى وهو اعتراض مردود إذ لا تنافي بين الاخبارين فيحمل على أنه استصغر ببدر ثم استصغر بأحد بل جاء ذلك صريحا عن بن عمر نفسه وأنه عرض يوم بدر وهو بن ثلاث عشرة سنة فاستصغر وعرض يوم أحد وهو بن أربع عشرة سنة فاستصغر وسيأتي بيان ذلك في غزوة الخندق إن شاء الله تعالى ثم وجدت في بن أبي شيبة من طريق مطرف عن أبي إسحاق عن البراء مثل حديث الباب وزاد آخره وشهدنا أحدا فهذه الزيادة إن حملت على أن المراد بقوله وشهدنا أحدا نفسه وحده دون بن عمر وإلا فما في الصحيح أصبح قوله وحدثني محمود هو بن غيلان ووهب هو بن جرير بن حازم ووقع في نسخة وهب بن جرير قوله عن البراء في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن وهب بن جرير بسنده سمعت البراء قوله وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين كذا في هذه الرواية وسيأتي في آخر الكلام على هذه الغزوة أنهم كانوا ثمانين أو زيادة ويأتي وجه التوفيق بينهما هناك إن شاء الله تعالى
[ 227 ]
وأما ما وقع عند يعقوب بن سفيان من مرسل عبيدة السلماني أن الانصار كانوا سبعين ومائتين فليس بثابت وقد وقع عند الحاكم من طريق عبد الملك بن إبراهيم الجسري عن شعبة في هذا الحديث أن المهاجرين كانوا نيفا وثمانين وهو خطأ في هذه الرواية لاطباق أصحاب شعبة على ما وقع في البخاري قوله والانصار نيف وأربعين ومائتين النيف بفتح النون وتشديد التحتانية وقد تخفف وهو ما بين العقدين وقال في الاول نيفا بنصبه على أنه خبر كان وقال في الثاني نيف برفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف وقد وقع عند البيهقي بالنصب فيهما وهو واضح وهو الذي وقع في رواية شعبة عن تفصيل عدد المهاجرين والانصار يوافق جملته ما وقع في رواية زهير وإسرائيل وسفيان انهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر لكن الزيادة على العشر مبهمة وقد سبق في الباب قبله أن في حديث عمر عند مسلم أنها تسعة عشر لكن أخرجه أبو عوانة وابن حبان بإسناد مسلم بلفظ بضعة عشر وللبزار من حديث أبي موسى ثلاثمائة وسبعة عشر ولاحمد والبزار والطبراني من حديث بن عباس كان أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر وكذلك أخرجه بن أبي شيبة والبيهقي من رواية عبيدة بن عمر والسلماني أحد كبار التابعين ومنهم من وصله بذكر على وهذا هو المشهور عند بن إسحاق وجماعة من أهل المغازي ويقال عن بن إسحاق وأربعة عشر وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي اليمان عامر الهوزني ووصله الطبراني والبيهقي من وجه آخر عن أبي أيوب الانصاري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقال لاصحابه تعادوا فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ثم قال لهم تعادوا فتعادوا مرتين فأقبل رجل على بكر له ضعيف وهم يتعادون فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر وروى البيهقي أيضا بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ومعه ثلاثمائة وخمسة عشر وهذه الرواية لا تنافي التي قبلها لاحتمال أن تكون الاولى لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا الرجل الذي أتى آخرا وأما الرواية التي فيها وتسعة عشر فيحتمل أنه ضم إليهم من استصغر ولم يؤذن له في القتال يومئذ كالبراء وابن عمر وكذلك أنس فقد روى أحمد بسند صحيح عنه أنه سئل هل شهدت بدرا فقال وأين أغيب عن بدر انتهى وكأنه كان حينئذ في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه لانه خدمه عشر سنين وذلك يقتضي أن ابتداء خدمته له حين قدومه المدينة فكأنه خرج معه إلى بدر أو خرج مع عمه زوج أمه أبي طلحة وحكى السهيلي أنه حضر مع المسلمين سبعون نفسا من الجن وكان المشركون ألفا وقيل سبعمائة وخمسون وكان معهم سبعمائة بعير ومائة فرس ومن هذا القبيل جابر بن عبد الله فقد روى أبو داود بإسناد صحيح عنه قال كنت أمنح الماء لاصحابي يوم بدر وإذا تحرر هذا الجمع فليعلم أن الجميع لم يشهدوا القتال وإنما شهده منهم ثلاثمائة وخمسة أو ستة كما أخرجه بن جرير وسيأتي من حديث أنس أن بن عمته حارثة بن سراقة خرج نظارا وهو غلام يوم بدر فأصابه سهم فقتل وعند بن جرير من حديث بن عباس أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وستة رجال وقد بين ذلك بن سعد فقال أنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة وكأنه لم يعد فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين وجه الجمع بأن ثمانية أنفس عدوا في أهل بدر وليشهدوها وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بسهامهم لكونهم تخلفوا لضرورات لهم وهم عثمان بن عفان تخلف عن زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 228 ]
بإذنه وكانت في مرض الموت وطلحة وسعيد بن زيد بعثهما يتجسسان عير قريش فهؤلاء من المهاجرين وأبو لبابة رده من الروحاء واستخلفه على المدينة وعاصم بن عدي استخلفه على أهل العالية والحارث بن حاطب على بني عمرو بن عوف والحارث بن الصمة وقع فكسر بالروحاء فرده إلى المدينة وخوات بن جبير كذلك هؤلاء الذين ذكرهم بن سعد وذكر غيره سعد بن مالك الساعدي والد سهل مات في الطريق وممن اختلف فيه هل شهدها أورد لحاجة سعد بن عبادة وقع ذكره في مسلم وصبيح مولى أحيحة رجع لمرضه فيما قيل وقيل ان جعفر بن أبي طالب ممن ضرب له بسهم نقله الحاكم قوله عدة أصحاب طالوت هو طالوت بن قيس من ذرية بنيامين بن يعقوب شقيق يوسف عليه السلام يقال إنه كان سقاء ويقال إنه كان دباغا قوله أجازوا في رواية الكشميهني جازوا بغير ألف وفي رواية إسرائيل التي بعدها جاوزوا قوله لا والله هو جواب كلام محذوف تقديره أما دعوى واما استفهام هل كان بعضهم غير مؤمن ويحتمل أن تكون لا زائدة وإنما حلف تأكيدا لخبره وقد ذكر الله قصة طالوت وجالوت في القرآن في سورة البقرة وذكر أهل العلم في الاخبار أن المراد بالنهر نهر الاردن وأن جالوت كان رأس الجبارين وأن طالوت وعد من قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويقاسمه الملك فقتله داود فوفى له طالوت وعظم قدر داود في بني إسرائيل حتى استقل بالمملكة بعد أن كانت نية طالوت تغيرت لداود وهم بقتله فلم يقدر عليه فتاب وانخلع من الملك وخرج مجاهدا هو ومن معه من ولده حتى ماتوا كلهم شهداء وقد ذكر محمد بن إسحاق في المبتدأ قصته مطولة قوله باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش قوله شيبة بن ربيعة مجرور بالفتح على البدل وكذا عتبة قوله وأبي جهل بن هشام وهلاكهم المراد دعاؤه صلى الله عليه وسلم السابق وهو بمكة وقد مضى بيانه في كتاب الطهارة حيث أورده المصنف من حديث بن مسعود المذكور في هذا الباب بأتم منه سياقا وأورده في الطهارة لقصة سلى الجزور ووضعه على ظهر المصلى فلم تفسد صلاته وفي الصلاة مستدلا به على أن ملاصقة المرأة في الصلاة لا تفسدها وفي الجهاد في باب الدعاء على المشركين وفي الجزية مستدلا به على أن جيف المشركين لا يفادى بها وفي المبعث في باب ما لقي المسلمون من المشركين بمكة وقوله في هذه الرواية فأشهد بالله أي أقسم وإنما حلف على ذلك مبالغة في تأكيد خبره قد غيرتهم الشمس أي غيرت ألوانهم إلى السواد أو غيرت أجسادهم بالانتفاخ وقد بين سبب ذلك بقوله وكان يوما حارا تنبيه ثبتت هذه الترجمة للاكثر وسقطت لابي ذر عن المستملي والكشميهني وثبوتها أوجه إذ لا تعلق لحديثها بباب عدة أهل بدر وثبتت لغير أبي ذر عقب حديثها باب قتل أبي جهل بن هشام وسقطت لابي ذر وهو أوجه لان فيه ذكر هلا ك غير أبي جهل فهو لائق بالترجمة المذكورة والله أعلم وعلى هذا فقد اشتملت الترجمة على ثلاثة عشر حديثا الثاني والثالث حديث بن مسعود وأنس في قتل أبي جهل قوله حدثنا بن نمير هو محمد بن عبيد الله بن نمير ولم يدرك البخاري أباه وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم والاسناد كله كوفيون قوله عن عبد الله هو بن مسعود قوله انه
[ 229 ]
أتى أبا جهل وبه رمق كأن أبا جهل قد ضرب في المعركة بالسيوف حتى خر صريعا كما سيأتي بيانه قوله فقال أبو جهل هل أعمد في الكلام حذف تقديره فكلمه أي بكلام تشفى منه فأجابه بذلك ووقع بيان ذلك في رواية عمرو بن ميمون عند الطبراني عن بن مسعود قال أدركت أبا جهل يوم بدر صريعا فقلت أي عدو الله قد أخزاك الله قال وبما أخزاني من رجل قتله قومه الحديث وهذا تفسير المراد بقوله هل أعمد من رجل قتله قومه وأعمد بالمهملة أفعل تفضيل من عمد أي هلك يقال يعمد البعير يعمد عمدا بالتحريك إذا ورم سنامه من عض القتب فهو عميد ويكنى بذلك عن الهلاك وقيل هو أن يكون سنامه وارما فيحمل عليه الشئ الثقيل فيكسره فيموت فيه شحمه وقيل معنى أعمد أعجب وقيل بمعنى أغضب وقيل معناه هل زاد على سيد قتله قومه قاله أبو عبيدة قال وكان أبو عبيدة يحكى عن العرب أعمد من كل محق أي هل زاد على مكيال نقص كيله وأنشد في ذلك وأعمد من قوم كفاهم أخوهم * صدام الاعادي حين قلت بيوتها * أي لا زيادة على فعلنا فاننا كفينا إخواننا أعاديهم وفي مغازي أحمد بن محمد بن أيوب قلت لابن إسحاق ما أعمد من رجل قال يقول هل هو إلا رجل قتلتموه ورجح السهيلي الاول ويؤيد تفسير أبي عبيدة ما وقع في حديث أنس بعده بلفظ وهل فوق رجل قتلتموه ووقع في رواية الكشميهني في حديث بن مسعود أغدر بدل أعمد فان ثبت فلا إشكال فيه رحمه اللهقوله ان أنسا حدثهم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم وقع فرواية الاسماعيلي من طريق يحيى القطان عن سليمان التيمي أن أنسا سمعه من بن مسعود ولفظه عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر من يأتينا بخبر أبي جهل قال يعني بن مسعود فانطلقت فإذا ابنا عفراء قد اكتنفاه فضرباه فأخذت بلحيته الحديث قوله فانطلق بن مسعود وفي رواية بن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج فقال بن مسعود أنا فانطلق قوله ابنا عفراء هما معاذ ومعوذ كما سيأتي بيانه قوله حتى برد بفتح الموحدة والراء أي مات هكذا فسروه ووقع في رواية السمرقندي في مسلم حتى برك بكاف بدل الدال أي سقط وكذا هو عند أحمد عن الانصاري عن التيمي قال عياض وهذه الرواية أولى لانه قد كلم بن مسعود فلو كان مات كيف كان يكلمه انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله حتى برد أي صار في حالة من مات ولم يبق فيه سوى حركة المذبوح فأطلق عليه باعتبار ما سيئول إليه ومنه قولهم للسيوف بوارد أي قواتل وقيل لمن قتل بالسيف برد أي أصابه متن الحديد لان طبع الحديد البرودة وقيل معنى قوله برد أي فتر وسكن يقال جد في الامر حتى برد أي فتر وبرد النبيذ أي سكن غليانه قوله قتلتموه أو رجل قتله قومه شك من الراوي بينه بن علية عن سليمان التيمي وأن الشك من التيمي كما سيأتي في أواخر الغزوة وفيه من الزيادة قال سليمان أي التيمي قال أبو مجلز هو التابعي المشهور قال أبو جهل فلو غير أكار قتلني هذا مرسل والاكار بتشديد الكاف الزراع وعني بذلك أن الانصار أصحاب زرع فأشار إلى تنقيص من قتله منهم بذلك ووقع في رواية مسلم لو غيرك كان قتلني وهو تصحيف قوله أنت أبا جهل كذا للاكثر وللمستملي وحده أنت أبو جهل والاول هو المعتمد في حديث أنس هذا فقد صرح إسماعيل بن علية عن سليمان التيمي بأنه هكذا نطق بها أنس وسيأتي ذلك في أواخر غزوة بدر ولفظه فقال
[ 230 ]
أنت أبا جهل قال بن علية قال سليمان هكذا قالها أنس قال أنت أبا جهل انتهى وقد أخرجه بن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه فقال فيه أنت أبو جهل وكأنه من إصلاح بعض الرواة وكذلك نطق بها يحيى القطان أخرجه الاسماعيلي من طريق المقدمي عن يحيى القطان عن التيمي فذكر الحديث وفيه قال أنت أبا جهل قال المقدمي هكذا قالها يحيى القطان وقد وجهت الرواية المذكورة بالحمل على لغة من يثبت الالف في الاسماء الستة في كل حالة كقوله إن أباها وأبا أباها وقيل هو منصوب بإضمار أعني وتعقبه بن التين بأن شرط هذا الاضمار أن تكثر النعوت وقال الداودي كأن بن مسعود تعمد اللحن ليغيظ أبا جهل كالمصغر له وما أبعد ما قال وقيل إن قوله أنت مبتدأ محذوف الخبر وقوله أبا جهل منادى محذوف الاداة والتقدير أنت المقتول يا أبا جهل وخاطبه بذلك مقرعا له ومتشفيا منه لانه كان يؤذيه بمكة أشد الاذى وفي حديث بن عباس عند بن إسحاق والحاكم قال بن مسعود فوجدته بآخر رمق فوضعت رجلي على عنقه فقلت أخزاك الله يا عدو الله قال وبما أخزاني هل أعمد رجل قتلتموه قال وزعم رجال من بني مخزوم أنه قال له لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا قال ثم احتززت رأسه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هذا رأس عدو الله أبي جهل فقال والله الذي لا إله إلا هو فحلف له وفي زيادة المغازي رواية يونس بن بكير من طريق الشعبي عن عبد الرحمن بن عوف نحو الحديث الذي بعده وفيه فحلف له فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم انطلق حتى أتاه فقام عنده فقال الحمد الله الذي أعز الاسلام وأهله ثلاث مرات قوله حدثنا سليمان هو التيمي المذكور قبل قوله أخبرنا أنس بن مالك نحوه قد ساق بن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم لفظه فأخرجه عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه بلفظ فقال بن مسعود أنا يا نبي الله وقال فيه قال فأخذت بلحيته والباقي مثله وقوله قال فأخذت بلحيته يؤيد الرواية الماضية للاسماعيلي من طريق يحيى القطان فان أنسا أخذه عن بن مسعود الحديث الرابع قوله حدثنا علي بن عبد الله هو بن المديني قوله كتبت عن يوسف بن الماجشون ظاهره أنه كتبه عنه ولم يسمعه منه وقد تقدم في الخمس مطولا عن مسدد عن يوسف قوله عن صالح بن إبراهيم عن أبيه هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قوله عن جده في بدر أي في قصة غزوة بدر قوله يعني حديث ابني عفراء أي الحديث المقدم ذكره في الخمس عن مسدد عن يوسف بن الماجشون بهذا الاسناد مطولا وسيأتي في باب شهود الملائكة بدرا من وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ملخصا وحاصله أن كلا من ابني عفراء سأل عبد الرحمن بن عوف فدلهما عليه فشدا عليه فضرباه حتى قتلاه وفي آخر حديث مسدد وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر في سيفيهما وقال كلاكما قتله وأنه قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح انتهى وعفراء والدة معاذ واسم أبيه الحارث وأما بن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء وإنما أطلق عليه تغليبا ويحتمل أن تكون أم معوذ أيضا تسمى عفراء أو أنه لما كان لمعوذ أخ يسمى معاذا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل ظنه الراوي أخاه وقد أخرج الحاكم من طريق بن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن بن عباس قال بن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال قال معاذ بن
[ 231 ]
عمرو بن الجموح سمعتهم يقولون وأبو جهل في مثل الجرحة أبو جهل الحكم لا يخلص إليه فجعلته من شأني فعمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي قال ثم عاش معاذ إلى زمن عثمان قال ومر بأبي جهل معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق ثم قاتل معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل فوجده بآخر رمق فذكر ما تقدم فهذا الذي رواه بن إسحاق يجمع بين الاحاديث لكنه يخالف ما في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه رأى معاذا ومعوذا شداعليه جميعا حتى طرحاه وابن إسحاق يقول ان بن عفراء هو معوذ وهو بتشديد الواو والذي في الصحيح معاذ وهما اخوان فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء شد عليه مع معاذ بن عمرو كما في الصحيح وضربه بعد ذلك معوذ حتى أثبته ثم حز رأسه بن مسعود فتجمع الاقوال كلها وإطلاق كونهما قتلاه يخالف في الظاهر حديث بن مسعود أنه وجده وبه رمق وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة المقتول حتى لم يبق به إلا مثل حركة المذبوح وفي تلك الحالة لقيه بن مسعود فضرب عنقه والله أعلم وأما ما وقع عند موسى بن عقبة وكذا عند أبي الاسود عن عروة أن بن مسعود وجد أبا جهل مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير متقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذه لا يتحرك منه عضو وظن عبد الله أنه ثبت جراحا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبي جهل فاستله ورفع بيضة أبي جهل عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه فيحمل على أن ذلك وقع له معه بعد أن خاطبه بما تقدم والله أعلم الحديث الخامس والسادس حديث علي وأبي ذر في المبارزة أورده من طرق وأبو مجلز بكسر الميم وسكوالجيم وفتح اللام بعدها زاي هو لاحق بن حميد تابعي وكذا شيخه والراوي عنه وقيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة تقدم في مناقب عبد الله بن سلام وليس له في البخاري سوى ذلك الحديث وحديث الباب مع الاختلاف عليه هل هو عن علي أو أبي ذر والذي يظهر أنه سمعه من كل منهما ويدل عليه اختلاف السياقين قوله من يجثو بالجيم والمثلثة أي يقعد على ركبتيه مخاصما والمراد بهذه الاولية تقييده بالمجاهدين من هذه الامة لان المبارزة المذكورة أول مبارزة وقعت في الاسلام قوله وقال قيس هو بن عباد المذكور وهو موصول بالاسناد المذكور قوله وفيهم أنزلت هكذا وقع في رواية معتمر بن سليمان عن أبيه مرسلا ووقع في رواية يوسف بن يعقوب بعدها عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس قال قال علي فينا نزلت وسيأتي في تفسير الحج أن منصورا رواه عن أبي هاشم عن أبي مجلز فوقفه عليه قوله في ستة من قريش يعني ثلاثة من المسلمين من بني عبد مناف اثنين من بني هاشم وواحد من بني المطلب وثلاثة من المشركين من بني عبد شمس بن عبد مناف قوله علي وحمزة أي بن عبد المطلب بن هاشم وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قوله وشيبة بن ربيعة أي بن عبد شمس وعتبة هو أخوه والوليد بن عتبة ولده ولم يقع في هذه الرواية تفصيل المبارزين وذكر بن إسحاق أن عبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة كانا أسن القوم فبرز عبيدة لعتبة وحمزة لشيبة وعلي للوليد وعند موسى بن عقبة برز حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وعلي للوليد ثم اتفقا فقتل علي الوليد وقتل حمزة الذي بارزه واختلف عبيدة ومن بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة فمات منها لما رجعوا بالصفراء ومال حمزة وعلي إلى الذي بارز عبيدة فأعاناه على قتله وعند
[ 232 ]
الحاكم من طريق عبد خير عن علي مثل قول موسى بن عقبة وعند أبي الاسود عن عروة مثله وأورد بن سعد من طريق عبيدة السلماني أن شيبة لحمزة وعبيدة لعتبة وعليا للوليد ثم قال الليث ا ن عتبة لحمزة وشيبة لعبيدة أه قال بعض من لقيناه اتفقت الروايات على أن عليا للوليد وإنما اختلفت في عتبة وشيبة أيها لعبيدة وحمزة والاكثر على أن شيبة لعبيدة قلت وفي دعوى الاتفاق نظر فقد أخرج أبو داود من طريق حارثة بن مضرب عن علي قال تقدم عتبة وتبعه ابنه وأخوه فانتدب له شباب من الانصار فقال لا حاجة لنا فيكم إنما أردنا بني عمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا حمزة قم يا علي قم يا عبيدة فأقبل حمزة إلى عتبة وأقبلت إلى شيبة واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان فاثخن كل واحد منهما صاحبه ثم ملنا على الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة قلت وهذ أصح الروايات لكن الذي في السير من أن الذي بارزه علي هو الوليد هو المشهور وهو اللائق بالمقام لان عبيدة وشيبة كانا شيخين كعتبة وحمزة بخلاف على والوليد فكانا شابين وقد روى الطبراني بإسناد حسن عن علي قال أعنت أنا وحمزة عبيدة بن الحارث على الوليد بن عتبة فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علينا وهذا موافق لرواية أبي داود فالله أعلم وفي الحديث جواز المبارزة خلافا لمن أنكرها كالحسن البصري وشرط الاوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق للجواز إذن الامير على الجيش وجواز إعانة المبارز رفيقه وفيه فضيلة ظاهرة لحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم قوله حدثنا يوسف بن يعقوب كان ينزل في بني ضبيعة بالمعجمة والموحدة مصغر قوله وهو مولى لبني سدوس قلت ولذلك كان يقال له السدوسي تارة والضبعي تارة وكان يقال له السلعي بمهملتين ولام ساكنة وقد تحرك ويقال له أيضا صاحب السلعة نسب إلى سلعة كانت بقفاه وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قوله فينا نزلت هذه الآية هذان خصمان اختصموا في ربهم هكذا أورده مختصرا وأورده الاسماعيلي عن بن صاعد عن هلال بن بشر عن يوسف بن يعقوب المذكور بلفظ فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر وأخرجه من وجه آخر عن سليمان التيمي بلفظ في الذين برزوا يوم بدر في الفريقين وسماهم قوله في طريق وكيع عن سفيان في هؤلاء الرهط الستة يوم بدر نحوه الضمير يعود إلى سياق قبيصة عن سفيان ويوضح ذلك ما أخرجه الاسماعيلي من وجه آخر عن وكيع فإنه ذكر الباب هنا وزاد تسمية الستة وعنده من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الذين اختصموا في يوم بدر قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم زاد أبو ذر في روايته الدورقي الحديث السابع حديث البراء بن عازب قوله إسحاق بن منصور السلولي وإبراهيم بن يوسف هو بن أبي إسحاق السبيعي قوله سأل رجل لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون هو الراوي فأبهم اسمه قوله أشهد بهمزة الاستفهام قوله وبارز وظاهر بلفظ الفعل الماضي فيهما وقد تقدم حديث المبارزة في الذي قبله وقوله ظاهر أي لبس درعا على درع وقوله في الجواب قال بارز وظاهر فيه حذف تقديره قال نعم شهد فإنه بارز فيها وظاهر ووقع في رواية الاسماعيلي أشهد على بدرا قال حقا تنبيه حديث البراء هذا من مراسيل الصحابة لانه لم يشهد بدرا فكأنه تلقى ذلك عمن شهدها من الصحابة أو سمع من النبي
[ 233 ]
صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك قوله الحديث الثامن عن الاسود هو بن يزيد قوله انه قرأ والنجم تقدم الكلام عليه في سجود القرآن وفي المبعث ويأتي في تفسير سورة النجم التصريح بأن المراد بقول بن مسعود فلقد رأيته بعد قتل كافرا أمية بن خلف وبه يعرف مناسبته للترجمة الحديث التاسع والعاشر قوله عن هشام هو بن عروة قوله كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف إحداهن في عاتقه تقدم في مناقب الزبير من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام أن الضربات الثلاث كن في عاتقه وكذا هو في الرواية التي بعد هذه قوله أصابعي فيها في رواية الكشميهني فيهن زاد في المناقب وفي الرواية التي بعدها ألعب وأنا صغير قوله ضرب ثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك في رواية بن المبارك أنه ضرب يوم اليرموك ضربتين على عاتقه وبينهما ضربة ضربها يوم بدر فان كان اختلافا على هشام فرواية بن المبارك أثبت لان في حديث معمر عن هشام مقالا وإلا فيحتمل أن يكون فيه في غير عاتقه ضربتان أيضا فيجمع بذلك بين الخبرين ووقعة اليرموك كانت أول خلافة عمر بين المسلمين والروم بالشام سنة ثلاثة عشر وقيل سنة خمسة عشر ويؤيد الاول قوله في الحديث الذي بعده إن سن عبد الله بن الزبير كان عشر سنين واليرموك بفتح التحتانية وبضمها أيضا وسكون الراء موضع من نواحي فلسطين ويقال إنه نهر والتحرير أنه موضع بين أذرعات ودمشق كانت به الواقعة المشهورة وقتل في تلك الوقعة من الروم سبعون ألفا في مقام واحد لانهم كانوا سلسلوا أنفسهم لاجل الثبات فلما وقعت عليهم الهزيمة قتل أكثرهم وكان اسم أمير الروم من قبل هرقل باهان أوله موحدة ويقال ميم وكان أبو عبيدة الامير على المسلمين يومئذ ويقال إنه شهدها من أهل بدر مائة نفس والله أعلم وقوله في الرواية الثانية ألا تشد بضم المعجمة أي تحمل على المشركين وقوله كذبتم أي اختلفتم وقوله فجاوزهم وما معه أحد أي من الذين قالوا له ألا تشد فنشد معك وقوله فأخذوا أي الروم بلجامه أي بلجام فرسه قوله وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو بن عشر سنين هو بحسب إلغاء الكسر وإلا سنه حينئذ كان على الصحيح اثنتي عشرة سنة قوله ووكل به رجلا لم أقف على اسمه وكأن الزبير آنس من ولده عبد الله شجاعة وفروسية فأركبه الفرس وخشي عليه أن يهجم بتلك الفرس على ما لا يطيقه فجعل معه رجلا ليأمن عليه من كيد العدو إذا اشتغل هو عنه بالقتال وروى بن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أنه كان مع أبيه يوم اليرموك فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم وقوله يجهز بضم أوله وبجيم وزاي أي يكمل قتل من وجده مجروحا وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره قوله في الرواية الاولى قال عروة وقال لي عبد الملك الخ هو موصول بالاسناد المذكور وكان عروة مع أخيه عبد الله بن الزبير لما حاصره الحجاج بمكة فلما قتل عبد الله أخذ الحجاج ما وجده له فأرسل به إلى عبد الملك فكان من ذلك سيف الزبير الذي سأل عبد الملك عروة عنه وخرج عروة إلى عبد الملك بن مروان بالشام قوله فلة بفتح الفاء فلها بضم الفاء أي كسرت قطعة من حده قوله قال صدقت بهن فلول من قراع الكتائب هذا شطر من بيت مشهور من قصيدة مشهورة للنابغة الذبياني وأولها
[ 234 ]
كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب يقول فيها ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب وهو من المدح في معرض الذم لان الفل في السيف نقص حسي لكنه لما كان دليلا على قوة ساعد صاحبه كان من جملة كماله قوله قال هشام هو بن عروة وهو موصول أيضا وقوله فأقمناه أي ذكرنا قيمته تقول قومت الشئ وأقمته أي ذكرت ما يقوم مقامه من الثمن قوله وأخذه بعضنا أي بعض الورثة وهو عثمان بن عروة أخو هشام وقوله ولوددت الخ هو من كلام هشام قوله حدثني فروة هو بن مغراء بفتح الميم وسكون المعجمة ممدود وعلي هو بن مسهر وهشام هو بن عروة وقوله محلي بالمهملة وتشديد اللام من الحلية الحديث الحادي عشر قوله حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي قوله سمع روح بن عبادة أي أنه سمع ولفظة أنه تحذف خطاكما حذفت قال من قوله حدثنا سعيد قوله ذكر لنا أنس بن مالك فيه تصريح لقتادة وهو من رواية صحابي عن صحابي أنس عن أبي طلحة وقد رواه شيبان عن قتادة فلم يذكر أبا طلحة أخرجه أحمد ورواية سعيد أولى وكذا أخرجه مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بغير ذكر أبي طلحة قوله بأربعة وعشرين رجلا من صناديد بالمهملة والنون جمع صنديد بوزن عفريت وهو السيد الشجاع ووقع عند بن عائذ عن سعيد بن بشير عن قتادة ببضعة وعشرين وهي لا تنافي رواية الباب لان البضع يطلق على الاربع أيضا ولم أقف على تسمية هؤلاء جميعهم بل سيأتي تسمية بعضهم ويمكن إكمالهم مما سرده بن إسحاق من أسماء من قتل من الكفار ببدر بأن يضيف على من كان يذكر منهم بالرياسة ولو بالتبعية لابيه وسيأتي من حديث البراء أن قتلى بدر من الكفار كانوا سبعين وكأن الذين طرحوا في القليب كانوا الرؤساء منهم ثم من قريش وخصوا بالمخاطبة المذكورة لما كان تقدم منهم من المعاندة وطرح باقي القتلى في أمكنة أخرى وأفاد الواقدي أن القليب المذكور كان حفره رجل من بني النار فناسب أن يلقى فيه هؤلاء الكفار قوله على شفة الركي أي طرف البئر وفي رواية الكشميهني على شفير الركي والركي بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد آخره البئر قبل أن تطوى والاطواء جمع طوى وهي البئر التي طويت وبنيت بالحجارة لتثبت ولا تنهار ويجمع بين الروايتين بأنها كانت مطوية فاستهد مت فصارت كالركي قوله فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان في رواية حميد عن أنس فنادى يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام أخرجه بن إسحاق وأحمد وغيرهما وكذا وقع عند أحمد ومسلم من طريق ثابت عن أنس فسمى الاربعة لكن قدم وأخر وسياقه أتم قال في أوله تركهم ثلاثة أيام حتى جيفوا فذكره وفيه من الزيادة فسمع عمر صوته فقال يا رسول الله
[ 235 ]
أتناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون ويقول الله تعالى انك لا تسمع الموتى فقال والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم لكن لا يستطيعون أن يجيبوا وفي بعضه نظر لان أمية بن خلف لم يكن في القليب لانه كان ضخما فانتفخ فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيبه وقد أخرج ذلك بن إسحاق من حديث عائشة لكن يجمع بينهما بأنه كان قريبا من القليب فنودي فيمن نودي لكونه كان من جملة رؤسائهم ومن رؤساء قريش ممن يصح إلحاقه بمن سمي من بني عبد شمس بن عبد مناف عبيدة والعاص والد أبي أحيحة وسعيد بن العاص بن أمية وحنظلة بن أبي سفيان والوليد بن عتبة بن ربيعة ومن بني نوفل بن عبد مناف الحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي ومن سائر قريش نوفل بن خويلد بن أسد وزمعة بن الاسود بن المطلب بن أسد وأخوه عقيل والعاصي بن هشام أخو أبي جهل وأبو قيس بن الوليد أخو خالد ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهمي وعلي بن أمية بن خلف وعمرو بن عثمان عم طلحة أحد العشرة ومسعود بن أبي أمية أخو أم سلمة وقيس بن الفاكه بن المغيرة والاسود بن عبد الاسد أخو أبي سلمة وأبو العاص بن قيس بن عدي السهمي وأميمة بن رفاعة بن أبي رفاعة فهؤلاء العشرون تنضم إلى الاربعة فتكمل العده ومن جملة مخاطبتهم ما ذكره بن إسحاق حدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم كذبتموني وصدقني الناس الحديث قوله قال قتادة هو موصول بالاسناد المذكور قوله أحياهم الله زاد الاسماعيلي بأعيانهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما في رواية الاسماعيلي وتندما وذلة وصغارا والصغار الذلة والهوان وأراد قتادة بهذا التأويل الرد على من أنكر أنهم يسمعون كما جاء عن عائشة أنها استدلت بقوله تعالى إنك لا تسمع الموتى وسيأتي البحث في ذلك في تالي الحديث الذي بعده الحديث الثاني عشر قوله حدثنا عمرو هو بن دينار وعطاء هو بن أبي رباح قوله عن بن عباس في رواية أبي نعيم في المستخرج سمعت بن عباس قوله هم والله كفار قريش وقع في التفسير هم والله كفار أهل مكة ورواه عبد الرزاق عن بن عيينة قال هم لكفار قريش أو أهل مكة وللطبراني عن كريب عن بن عيينة هم والله أهل مكة قال بن عيينة يعني كفارهم وعند عبد بن حميد في التفسير من طريق أبي الطفيل قال قال عبد الله بن الكواء لعلي رضي الله عنه من الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال هم الافجران من قريش بنو أميو بنو مخزوم قد كبتهم يوم بدر وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن علي نحوه لكن فيه فاما بنو مخزوم فقطع الله دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين وأخرج الطبري عن عمر نحوه وله من وجه آخر ضعيف عن بن عباس قال هم جبلة بن الايهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم والاول المعتمد ويحتمل أن يكون مراده أن عموم الآية يتناول هؤلاء أيضا قوله قال عمرو هو بن دينار وهو موصول بالاسناد المذكور قوله ومحمد صلى الله عليه وسلم نعمة الله هذا موقوف على عمرو بن دينار وكذا دار البوار النار يوم بدر وهكذا رويناه في تفسير بن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه عن عمرو بن دينار في قوله ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم قال هم كفار قريش ومحمد النعمة ودار البوار النار يوم بدر انتهى وقوله يوم بدر ظرف لقوله أحلوا أي أنهم أهلكوا قومهم يوم بدر فأدخلوا النار والبوار الهلاك وسميت جهنم دار البور لاهلاكها من يدخلها وعند الطبراني
[ 236 ]
من طريق بن جريج عن بن عباس قال البوار الهلاك ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال قد فسرها الله تعالى فقال جهنم يصلونها الحديث الثالث عشر قوله ذكر بضم أوله وعند الاسماعيلي ان عائشة بلغها ولم أقف على اسم المبلغ ولكن عنده من رواية أخرى ما يشعر بأن عروة هو الذي بلغها ذلك قوله وهل قيل بفتح الهاء والمشهور الكسر أي غلط وزنا ومعنى وبالفتح معناه فزع ونسي وجبن وقلق وقال الفارابي والازهري وابن القطاع وابن فارس والقابسي وغيرهم وهلت إليه بفتح الهاء أهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ذهب وهمك إليه زاد القالي والجوهري وأنت تريد غيره وزاد بن القطاع قوله أن الميت ليعذب في قبره الحديث تقدم شرحه في الجنائز وقوله ذلك مثل قوله أي بن عمر وقوله فقال لهم ما قال ووقع عند الكشميهني فقال لهم مثل ما قال ومثل زائدة لا حاجة إليها قوله يقول حين تبوءوا مقاعدهم من النار القائل يقول هو عروة يريد أن يبين مراد عائشة فأشار إلى أن إطلاق النفي في قوله انك لا تسمع الموتى مقيد باستقرارهم في النار وعلى هذا فلا معارضة بين إنكار عائشة وإثبات بن عمر كما تقدم توضيحه في الجنائز لكن الرواية التي بعد هذه تدل على أن عائشة كانت تنكر ذلك مطلقا لقولها إن الحديث إنما هو بلفظ انهم ليعلمون وان بن عمر وهم في قوله ليسمعون قال البيهقي العلم لا يمنع من السماع والجواب عن الآية أنه لا يسمعهم وهم موتى ولكن الله أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة ولم ينفرد عمر ولا ابنه بحكاية ذلك بل وافقهما أبو طلحة كما تقدم وللطبراني من حديث بن مسعود مثله بإسناد صحيح ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه قالوا يا رسول الله وهل يسمعون قال يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون وفي حديث بن مسعود ولكنهم اليوم لا يجيبون ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وأخرجه أحمد بإسناد حسن فان كان محفوظا فكأنها رجعت عن الانكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة قال الاسماعيلي كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن لان قوله تعالى انك لا تسمع الموتى لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم أنهم الآن يسمعون لان الاسماع هو ابلاغ الصوت من المسمع في إذن السامع فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك وأما جوابها بأنه إنما قال إنهم ليعلمون فان كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون بل يؤيدها وقال السهيلي ما محصله إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لقول الصحابة له أتخاطب أقواما قد دجيفوا فأجابهم قال وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين وذلك إما بآذان رؤوسهم على قول الاكثر أو بآذان قلوبهم قال وقد تمسك بهذا الحديث من يقول إن السؤال يتوجه على الروح والبدن ورده من قال إنما يتوجه على الروح فقط بأن الاسماع يحتمل أن يكون لاذن الرأس ولاذن القلب فلم يبق فيه حجة قلت إذا كان الذي وقع حينئذ من خوارق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ لم يحسن التمسك به في مسألة السؤال أصلا وقد اختلف أهل التأويل في المراد بالموتى في قوله تعالى انك لا تسمع
[ 237 ]
الموتى وكذلك المراد بمن في القبور في حملته عائشة على الحقيقة وجعلته أصلا احتاجت معه إلى تأويل قوله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وهذا قول الاكثر وقيل هو مجاز والمراد بالموتى وبمن في القبور الكفار شبهوا بالموتى وهم أحياء والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر وعلى هذا لا يبقى في الآية دليل على ما نفته عائشة رضي الله عنها والله أعلم قوله باب فضل من شهد بدرا أي مع النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين مقاتلا للمشركين وكأن المراد بيان أفضليتهم لا مطلق فضلهم قوله أصيب حارثة يوم بدر هو بالمهملة والمثلثة بن سراقة بن الحارث بن عدي الانصاري بن عدي بن النجار وأبوه سراقة له صحبة واستشهد يوم حنين قوله فجاءت أمه هي الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس بن مالك ووقع في أوائل الجهاد من طريق شيبان عن قتادة عن أنس أن أم الربيع بالتخفيف بن البراء وهي أم حارثة وقال هو وهم وإنما الصواب أن أم حارثة الربيع عمة البراء وقد ذكرت مباحث ذلك مستوفاة هناك مع شرح الحديث وقوله ويحك هل كلمة رحمة وزعم الداودي أنها للتوبيخ وقوله هبلت بضم الهاء بعدها موحدة مكسورة أي ثكلت وهو بوزنه وقد تفتح الهاء يقال هبلته أمه تهبله بتحريك الهاء أي ثكلته وقد يرد بمعنى المدح والاعجاب قالوا أصله إذا مات الولد في الهبل هو موضع الولد من الرحم فكأن أمه وجع مهبلها بموت الولد فيه وزعم الداودي أن المعنى أجهلت ولم يقع عند أحد من أهل اللغة أن هبلت بمعنى جهلت ثم ذكر المصنف حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة وسيأتي شرح القصة في فتح مكة مستوفى وذكر البرقاني أن مسلما أخرج نحو هذا الحديث من طريق بن عباس عن عمر مستوفى والمراد منه هنا الاستدلال على فضل أهل بدر بقوله صلى الله عليه وسلم المذكور وهي بشارة عظيمة لم تقع لغيرهم ووقع الخبر بألفاظ منها فقد غفرت لكم ومنها فقد وجبت لكم الجنة ومنها لعل الله اطلع لكن قال العلماء إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله الموقوع وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه ان الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا لن يدخل النار أحد شهد بدرا وقد استشكل قوله اعملوا ما شئتم فان ظاهره أنه للاباحة وهو خلاف عقد الشرع وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم فهو مغفور ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفره لكم وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لانه صلى الله عليه وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على ان المراد ما سيأتي وأورده في لفظ الماضي مبالغة في تحقيقه وقيل إن صيغة الامر في قوله اعملوا
[ 238 ]
للتشريف والتكريم والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة وتأهلوا لان يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت أي كل ما عملتموه بعد هذه الواقعة من أي عمل كان فهو مغفور وقيل إن المراد ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة وقيل هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم وفيه نظر ظاهر لما سأتي في قصة قدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر وحده عمر فهاجر بسبب ذلك فرأى عمر في المنام من يأمره بمصالحته وكان قدامة بدريا والذي يفهم من سياق القصة الاحتمال الثاني وهو الذي فهمه أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الكبير حيث قال لحيان بن عطية قد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء وذكر له هذا الحديث وسيأتي ذلك في باب استتابة المرتدين واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها والله أعلم قوله باب كذا في الاصول بغير ترجمة وهو فيما يتعلق ببدر أيضا وأبو أحمد هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري كما نسبه في الرواية التي بعدها قوله عن حمزة بن أبي أسيد والزبير بن المنذر بن أبي أسيد كذا في هذه الرواية ووقع في التي بعدها الزبير بن أبي أسيد فقيل هو عمه وقيل هو هو لكن نسب إلى جده والاول أصوب وأبعد من قال أن الزبير هو المنذر نفسه قوله عن أبي أسيد بالتصغير وهو مالك بن ربيعة الخزرجي الساعدي قوله إذا أكثبوكم بمثلثة ثم موحدة أي إذا قربوا منكم ووقع في الرواية الثانية يمعني أكثروكم وهو تفسير لا يعرفه أهل اللغة وقد قدمت في الجهاد أن الداودي فسره بذلك وأنه أنكر عليه فعرفنا الآن مستنده في ذلك وهو ما وقع في هذه الرواية لكن يتجه الانكار لكونه تفسيرا لا يعرفه أهل اللغة وكأنه من بعض رواته فقد وقع في رواية أبي داود في هذا الموضع يعني غشوكم وهو بمعجمتين والتخفيف وهو أشبه بالمراد ويؤيده ما وقع عند بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن لا يحملوا على المشركين حتى يأمرهم وقال إذا أكثبوكم فانضحوهم عنكم بالنبل والهمزة في قوله أكثبوكم للتعدية من كثب بفتحتين وهو القرب قال بن فارس أكثب الصيد إذا أمكن من نفسه فالمعنى إذا قربوا منكم فأمكنوكم من أنفسهم فارموهم قوله فارموهم واستبقوا نبلكم بسكون الموحدة فعل أمر بالاستبقاء أي طلب الابقاء قال الداودي معنى قوله ارموهم أي بالحجارة لانها لا تكاد تخطئ إذا رمى بها في الجماعة قال ومعنى قوله استبقوا نبلكم أي إلى أن تحصل المصادمة كذا قال وقال غيره المعنى أرموهم ببعض نبلكم لا بجميعها والذي يظهر لي أن معنى قوله واستبقوا نبلكم لا يتعلق بقوله ارموهم وإنما هو كالبيان للمراد بالامر بتأخير الرمي حتى يقربوا منهم أي أنهم إذا كانوا بعيدا لا تصيبهم السهام غالبا فالمعنى استبقوا نبلكم في الحالة التي إذا رميتم بها لا تصيب غالبا وإذا صاروا إلى الحالة التي يمكن فيها الاصابة غالبا فارموا الحديث الثاني حديث البراء في قصة الرماة يوم أحد وذكر طرفا منه وسيأتي بتمامه في غزوة أحد والمراد منه قوله أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا هذا هو الحق في عدد القتلى وأطبق أهل السير على أنهم خمسون قتيلا يزيدون قليلا أو ينقصون سرد بن إسحاق فبلغوا خمسين وزاد الواقدي ثلاثة أو أربعة وأطلق كثير من أهل المغازي أنهم بضعة وأربعون لكن لا يلزم من معرفة أسماء من قتل منهم على التعيين أن يكونوا جميع من قتل وقول البراء
[ 239 ]
إن عدتهم سبعون قد وافقه على ذلك بن عباس وآخرون وأخرج ذلك مسلم من حديث بن عباس وقال الله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها واتفق أهل العلم بالتفسير على أن المخاطبين بذلك أهل أحد وأن المراد بأصبتم مثليها يوم بدر وعلى أن عدة من استشهد من المسلمين بأحد سبعون نفسا وبذلك جزم بن هشام واستدل له بقول كعب بن مالك من قصيدة له فأقام بالطعن المطعن منهم * سبعون عتبة منهم والاسود يعني عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وقد تقدم اسم من قتله والاسود بن عبد الاسد بن هلال المخزومي قتله حمزة بن عبد المطلب ثم سرد بن هشام أسماء أخرى ممن قتل ببدر غير من ذكره بن إسحاق فزادوا على الستين فقوي ما قلناه والله أعلم الحديث الثالث ذكر فيه حديث أبي موسى في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أورده مختصرا جدا وقد تقدمت الاشارة إليه في الهجرة فإنه علق طرفا منه هناك وأورده في علامات النبوة بتمامه فأحلت شرحه على غزوة أحد ولم يذكر في غزوة أحد منه هذه القطعة التي ذكرها هنا وسأذكر شرحها في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى الحديث الرابع حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل قوله حدثني يعقوب بن إبراهيم كذا لابي ذروالاصيلي وللباقين حدثنا يعقوب غير منسوب فجزم الكلاباذي بأنه بن حميد بن كاسب وبه جزم الحاكم عن مشايخه ثم جوز أن يكون يعقوب بن محمد الزهري قلت وسيأتي ما يقويه قال الحاكم وقد ناظرني شيخنا أبو أحمد الحاكم في أن البخاري روى في الصحيح عن يعقوب بن حميد فقلت له إنما روى عن يعقوب بن محمد فلم يرجع عن ذلك قلت وجزم بن منده وأبو إسحاق الحبال وغير واحد بما قال أبو أحمد وهو متعقب بما وقع في رواية الاصيلي وأبي ذر وقال أبو علي ا لجياني وقع عند بن السكن هنا حدثنا يعقوب بن محمد وعند أبي ذر والاصيلي حدثنا يعقوب بن إبراهيم وأهمله الباقون وجزم أبو مسعود في الاطراف بأنه بن إبراهيم وجوز أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال وهو غلط فان يعقوب مات قبل أن يرحل البخاري وقد روى له الكثير بواسطة وبنى الكرماني على أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد فقال هذا السند مسلسل بالرواية عن الآباء ومال المزي إلى أنه يعقوب بن إبراهيم الدورقي انتهى وقد تقدم في أواخر الصلاة في باب الصلاة في مسجد قباء وفي المناقب في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للانصار أنتم أحب الناس إلي التصريح بالرواية عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي فقال البرقاني في المصافحة يعقوب بن حميد ليس من شرط الصحيح وقد قيل إنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد ولكن سقطت الواسطة من النسخة لان البخاري لم يسمع منه انتهى والراجح عدم السقوط وأنه إما الدورقي وإما بن محمد الزهري والله أعلم قوله عن أبيه عن جده أبوه هو سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وقد تقدمت الاشارة في الباب الماضي إلى أن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روى هذا الحديث أيضا عن أبيه وأنه ساقه في الخمس بتمامه وقوله في هذه الرواية فكأني لم آمن بمكانهما أي من العدو وقيل مكانهما كناية عنهما كأنه لم يثق بهما لانه لم يعرفهما فلم يأمن أن يكونا من العدو ثم وجدت في مغازي بن عائذ ما يرفع الاشكال فإنه أخرج هذه القصة مطولة بإسناد منقطع وقال فيها فاشفقت أن يؤتى الناس من ناحيتي لكوني بين غلامين حديثين قوله الصقرين بالمهملة ثم القاف تثنية صقر وهو من سباع الطير وأحد الجوارح الاربعة وهي الصقر والبازي
[ 240 ]
والشاهين والعقاب وشبههما به لما اشتهر عنه من الشجاعة والشهامة والاقدام على الصيد ولانه إذا تشبت بشئ لم يفارقه حتيأخذه وأول من صاد به من العرب الحارث بن معاوية بن ثور الكندي ثم اشتهر الصيبه بعده الله عز وجلالحديث الخامس حديث أبي هريرة في قصة أصحاب بئر معونة وسيأتي شرحه بتمامه في غزوة الرجيع والغرض منه هنا قوله فيه وكان قد قتل عظيما من عظمائهم فإنه سيأتي في الطريق الاخرى التصريح بأن ذلك كان يوم بدر والذي قتله عاصم المذكور يوم بدر من المشركين في قول بن إسحاق ومن تبعه عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية قتله صبرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قوله أخبرني عمرو بن جارية بالجيم وفي رواية الكشميهني عمرو بن أبي أسيد بن جارية وكذا للاصيلي وهو نسب إلى جده بل هو جد أبيه لانه بن اسيد بن العلاء بن جارية ووقع في غزوة الرجيع كما سيأتي عمرو بن أبي سفيان وهي كنية أبيه أسيد والله أعلم وأسيد بفتح الهمزة للجميع وأكثر أصحاب الزهري قالوا فيه عمرو بفتح العين وقال بعضهم عمر بضم العين ورجح البخاري أنه عمرو وكذا وقع في الجهاد في باب هل يستأسر الرجل للاكثر عمرو أما النسفي وأبو زيد المروزي فلم يسمياه قالا أخبرنا بن أسيد وقال بن السكن في روايته عمير بالتصغير والراجح عمرو بفتح العين وسيأتي مزيد لذلك في غزوة الرجيع قوله عشرة عينا سيأتي بيانهم في غزوة الرجيع وأمر عليهم عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب يعني لامه قال وهو وهم من بعض رواته فان عاصم بن ثابت خال عاصم بن عمر لا جده لان والدة عاصم هي جميلة بنت ثابت أخت عاصم وكان اسمها عاصية فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم قال عياض إذا قرئ جد بالكسر على أنه صفة لثابت استقام الكلام وارتفع الوهم الحديث السادس قوله وقال كعب بن مالك ذكروا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي رجلين صالحين قد شهدا بدرا هذا طرف من حديث كعب الطويل في قصة توبته وسيأتي موصولا في غزوة تبوك مطولا وكأن المصنف عرف أن بعض الناس ينكر أن يكون مرارة وهلال شهدا بدرا وينسب الوهم في ذلك
[ 241 ]
إلى الزهري فرد ذلك بنسب ذلك إلى كعب بن مالك وهو الظاهر من السياق فان الحديث عنه قد أخذ وهو أعرف بمن شهد بدرا ممن لم يشهدها ممن جاء بعده والاصل عدم الادراج فلا يثبت إلا بدليل صريح ويؤيد كون وصفهما بذلك من كلام كعب أن كعبا ساقه في مقام التأسي بهما فوصفهما بالصلاح وبشهود بدر التي هي أعظم المشاهد فلما وقع لهما نظير ما وقع له من القعود عن غزوة تبوك ومن الامر بهجرهما كما وقع له تأسي بهما وأما قول بعض المتأخرين كالدمياطي لم يذكر أحد مرارة وهلالا فيمن شهد بدرا فمردود عليه فقد جزم به البخاري هنا وتبعه جماعة وأما قوله وإنما ذكروهما في الطبقة الثانية ممن شهد أحدا فحصر مردود فإن الذي ذكرهما كذلك هو محمد بن سعد وليس ما يقتضيه صنيعه بحجة على مثل هذا الحديث الصحيح المثبت لشهودهما وقد ذكر هشام بن الكلبي وهومن شيوخ محمد بن سعد أن مرارة شهد بدرا فإنه ساق لسبه إلى الاوس ثم قال شهد بدراوهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم وقد استقريت أول من أنكر شهودهما بدرا فوجدته الاثرم صاحب الامام أحمد واسمه أحمد بن محمد بن هانئ قال بن الجوزي لم أزل متعجبا من هذا الحديث وحريصا على كشف هذا الموضع وتحقيقه حتى رأيت الاثرم ذكر الزهري وفضله وقال لا يكاد يحفظ عنه غلط إلا في هذا الموضع فإنه ذكر أن مرارة وهلالا شهدا بدرا وهذا لم يقله أحد والغلط لا يخلو منه إنسان قلت وهذا ينبني على أن قوله شهدا بدرا مدرج في الخبر من كلام الزهري وفي ثبوت ذلك نظر لا يخفى كما قدمته واحتج بن القيم في الهدى بأنهما لو شهدا بدرا ما عوقبا بالهجر الذي وقع لهما بل كانا يسامحان بذلك كما سومح حاطب بن أبي بلتعة كما وقع في قصته المشهورة قلت وهو قياس مع وجود النص ويمكن الفرق وبالله التوفيق والله أعلم الحديث السابع قوله عن يحيى هو بن سعيد الانصاري قوله ذكر له بضم أوله ولم أقف على اسم ذاكر ذلك والغرض منه قوله وكان بدريا وإنما نسب إلى بدر وإن كان لم يحضر القتال لانه كان ممن ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم كما تقدم قريبا وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه هو وطلحة يتجسسان الاخبار فوقع القتال قبل أن يرجعا فألحقهما النبي صلى الله عليه وسلم بمن شهدها وضرب لهما بسهميهما وأجرهما الحديث الثامن قوله وقال الليث حدثني يونس الخ يأتي شرحه مستوفى في العدد من كتاب النكاح والغرض منه ذكر سعد بن خولة وأنه شهد بدرا وقد وصل طريق الليث هذه قاسم بن أصبغ في مصنفه فأخرجه عن مطلب بن شعيب عن عبد الله بن صالح عن الليث بتمامه قوله تابعه أصبغ عن بن وهب وصله الاسماعيلي من طريق محمد بن عبد الملك بن زنجويه عن أصبغ بن الفرج الحديث التاسع قوله وقال الليث وصله المصنف في التاريخ الكبير قال قال لنا عبد الله بن صالح أنبأنا الليث فذكره بتمامه قوله وسألناه فقال حدثه في رواية الكشميهني حدثني قوله البكير بالتصغير وضبط أيضا بكسر الموحدة وبتشديد الكاف قوله وكان أبوه شهد بدرا زاد في التاريخ أنه سأل أبا هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر ومثله يعني مثل حديث قبله إذا طلق ثلاثا لم تصلح له المرأة فاقتصر المصنف من الحديث على موضع حاجته منه وهي قوله
[ 242 ]
وكان أبوه شهد بدرا وقد روى هذا الحديث قتيبة عن الليث عن بن شهاب بغير واسطة وساقه مطولا والله أعلم قوله باب شهود الملائكة بدرا تقدم القول في ذلك قبل بابين وأخرج يونس بن بكير في زيادات المغازي والبيهقي من طريق الربيع بن أنس قال كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة من قتلى الناس بضرب فوق الاعناق وعلى البنان مثل وسم النار وفي مسند إسحاق عن جبير بن مطعم قال رأيت قبل هزيمة القوم ببدر مثل النجاد الاسود أقبل من السماء كالنمل فلم أشك أنها الملائكة فلم يكن إلا هزيمة القوم وعند مسلم من حديث بن عباس بينما رجل مسلم يشتد في أثر رجل مشرك إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس الحديث وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مدد من السماء الثالثة قوله يحيى بن سعيد هو الانصاري قوله عن معاذ بن رفاعة أورده عنه من ثلاثة طرق ففي رواية جرير معاذ عن أبيه وهذه موصولة وفي رواية حماد وهو بن زيد معاذ بن رفاعة بن رافوكان رفاعة من أهل بدر الخ وهذ صورته مرسل ولكن عند التأمل يظهر أن فيه روايه لمعاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه عن جده ورواية يزيد وهو بن هارون وهي الثالثة قال فيها معاذ ان ملكا سأله وهذا ظاهره الارسال لكن أفاد التصريح بسماع يحيى بن سعيد للحديث من معاذ ولهذا قال الاسماعيلي هذا الحديث وصله عن يحيى بن سعيد وجرير بن عبد الحميد وتابعه يحيى بن أيوب فأرسله عنه حماد بن زيد ويزيد بن هارون وقوله في آخره وعن يحيى أن يزيد بن الهاد حدثه يستفاد منه أن تسمية الملك السائل جبريل إنما تلقاها يحيى بن سعيد من يزيد بن الهاد عن معاذ فيقتضى ذلك ان في رواية جرير الجزم بتسميته في رواية يحيى بن سعيد ادراجا قوله بدرا بالعقبة أي بدل العقبة يريد أن شهود العقبة عنده أفضل من شهود بدر وقوله في آخر رواية حماد بهذا يريد ما تقدم في رواية جرير وقد أخرجه البيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه بلفظ عن معاذ بن رفاعة بن رافع وكان رفاعة بدريا وكان رافع عقبيا وكان يقول لابنه ما أحب أني شهدت بدرا ولم أشهد العقبة قال سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم كيف أهل بدر فيكم قالب خيارنا قال وكذلك من شهد بدرا من الملائكة هم خيار الملائكة وقوله في رواية يزيد نحوه ساق الاسماعيلي لفظ يزيد من طريق محمد بن شجاع عنه بلفظ ان ملكا من الملائكة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال يحيى بن سعيد حدثني يزيد بن الهاد أن السائل هو جبريل والذي يظهر أن رافع بن مالك لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم التصريح بتفضيل أهل بدر على غيرهم فقال ما قال باجتهاد منه وشبهته أن العقبة كانت منشأ نصرة الاسلام وسبب الهجرة التي نشأ منها الاستعداد للغزوات كلها لكن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله أعلم قوله في حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر هذا جبريل الحديث هو من مراسيل الصحابة ولعل بن عباس حمله عن أبي بكر فقد ذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر خفق خفقة ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار ووقعت في بعض المراسيل تتمة لهذا الحديث مقيدة وهي ما أخرج سعيد بن منصور من مرسل عطية بن قيس ان جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما فرغ من بدر على فرس حمراء معقودة الناصية قد تخضب الغبار بثنيته عليه درعه
[ 243 ]
وقال يا محمد إن الله بعثني إليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى أفرضيت قال نعم ووقع عند بن إسحاق من حديث أبي واقد الليثي قال إني لاتبع يوم بدر رجلا من المشركين لاضربه فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ووقع عند البيهقي من طريق بن محمد بن جبير بن مطعم أنه سمع عليا يقول هبت ريح شديدة لم أر مثلها ثم هبت ريح شديدة وأظنه ذكر ثالثة فكانت الاولى جبريل والثانية ميكائيل والثالثة إسرافيل وكان ميكائيل عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر وإسرافيل عن يساره وأنا فيها ومن طريق أبي صالح عن علي قال قيل لي ولابي بكر يوم بدر مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملك عظيم يحضر الصف ويشهد القتال وأخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه الحاكم والجمع بينه وبين الذي قبله ممكن قال الشيخ تقي الدين السبكي سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه فقلت وقع ذلك لارادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الاسباب وسنتها التي أجراها الله تعالى في عباده والله تعالى هو فاعل الجميع والله أعلم رضي الله تعالى عنهما قوله باب كذا للجميع بغير ترجمة وهو فيما يتعلق ببيان من شهد بدرا قوله حدثني خليفة هو بن خياط بالمعجمة ثم التحتانية الشديدة قال حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري هو من كبار شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كما في هذا الموضع وسعيد هو بن أبي عروبة قوله مات أبو زيد ولم يترك عقبا وكان بدريا كذا أورده مختصرا وقد مضى في مناقب الانصار بأتم من هذا أنه سأل أنسا عن أبي زيد الذي جمع القرآن فقال هو قيس بن السكن رجل من بني عدي بن النجار مات فلم يترك عقبا نحن ورثناه وقد تقدم نقل الخلاف في اسمه هناك الحديث الثاني قوله عن بن خباب بالمعجمة وموحدتين الاولى ثقيلة واسمه عبد الله وفي الاسناد ثلاثة ن التابعين في نسق وسيأتي شرح الحديث في كتاب الاضاحي والغرض منه هنا وصف قتادة بن النعمان بكونه شهد بدرا الحديث الثالث قوله قال الزبير هو بن العوام قوله عبيدة بالضم أي بن سعيد بن العاص بن أمية وكان لسعيد بن العاص عدة إخوة أسلم منهم عمرو وخالد وأبان وقتل العاص كافرا قوله مدجج بجيمين الاولى ثقيلة ومفتوحة وقد تكسر أي مغطى بالسلاح ولا يظهر منه شئ قوله قال هشام هو بن عروة وهو موصول بالاسناد المذكور وقوله فأخبرت بضم الهمزة على البناء للمجهول ولم أقف على تعيين الخبر بذلك قوله ثم تمطأت قيل الصواب تمطيت بالتحتانية غير مهموز قوله فكان الجهد بفتح الجيم وبضمها أن بفتح الهمزة نزعتها قوله قال عروة هو موصول بالاسناد المذكور وقوله أخذها يعني الزبير ثم طلبها أبو بكر أي من الزبير وقوله وقعت عند آل علي أي عند علي نفسه ثم عند أولاده قوله فطلبها عبد الله بن الزبير أي من آل علي الحديث الرابع ذكر فيه طرفا من حديث عبادة بن الصامت في البيعة لقوله فيه وكان شهد بدرا وقد تقدم بتمامه
[ 244 ]
في الايمان الحديث الخامس قوله ان أبا حذيفة هو بن عتبة بن ربيعة الذي تقدم صفة قتل والده قريبا وقوله تبنى سالما أي أدعى أنه ابنه وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى ادعوهم لآبائهم فانها لما نزلت صار يدعى مولى أبي حذيفة وقد شهد سالم بدرا مع مولاه المذكور والوليد بن عتبة والد هند قتل مع أبيه كما تقدم وسميت هند هذه باسم عمتها هند بنت عتبة قال الدمياطي رواه يونس ويحيى بن سعيد وشعيب وغيرهم عن الزهري فقالوا هند وروى مالك عنه فقال فاطمة واقتصر أبو عمر في الصحابة على فاطمة بنت الوليد فلم يترجم لهند بنت الوليد ولا ذكرها محمد بن سعد في الصحابة ووقع عنده فاطمة بنت عتبة فاما نسبها لجدها وإما كانت لهند أخت اسمها فاطمة وحكى أبو عمر عن غيره أن اسم جد فاطمة بنت الوليد المغيرة فان ثبت فليست هي بنت أخي أبي حذيفة ويمكن الجمع بأن بنت أبي حذيفة كان لها اسمان والله أعلم قوله مولى لامرأة من الانصار هي ثبيتة بمثلثة ثم موحدة ثم مثناة مصغر بنت يعار بفتح التحتانية ثم مهملة خفيفة وقد تقدم في مناقب الانصار أن سالما مولى أبي حذيفة وهي نسبة مجازية باعتبار ملازمته له وهو في الحقيقة مولى الانصارية المذكورة والمراد يزيد الذي مثل به زيد بن حارثة الصحابي المشهور وسهلة هي بنت سهيل بن عمرو زوج أبي حذيفة وقوله فذكر الحديث سيأتي بيان ذلك في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قوله الحديث السادس حدثنا علي هو بن عبد الله المديني والربيع بالتشديد بنت معوذ وهو بن عفراء الذي تقدم ذكره في قتل أبي جهل قوله يندبن من قتل من آبائي كان الذي قتل ببدر ممن يدخل في هذه العبارة ولو بالمجاز أبوها وعمها عوف أو عوذ ومن يقرب لهما من الخزرج كحارثة بن سراقة وقولها يندبن الندب دعاء الميت بأحسن أوصافه وهو مما يهيج التشوق إليه والبكاء عليه والدف معروف وداله مضمومة ويجوز فتحها وفيه جواز سماع الضرب بالدف صبيحة العرس وكراهة نسبة علم الغيب لاحد من المخلوقين الحديث السابع حديث أبي طلحة الانصاري في الصور وسيأتي شرحه في اللباس وأورده هنا لقوله فيه وكان قد شهد بدرا الحديث الثامن حديث علي في قصة الشارفين وحمزة بن عبد المطلب وقد مضى شرحه في الخمس
[ 245 ]
وأورده هنا لقوله فيه من نصيبي من المغنم يوم بدر واستدل بقوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ أن غنيمة بدر خمست خلافا لما ذهب إليه أبو عبيد في كتاب الاموال أن آية الخمس إنما نزلت بعد قسمة غنائم بدر وموضع الدلالة منه قوله يومئذ ولكن تقدم الحديث في كتاب الخمس بلفظ وأعطاني شارفا من الخمس ليس فيه يومئذ وفي رواية مسلم وأعطاني شارفا آخر ولم يقيده باليوم ولا بالخمس والجمهور على أن آية الخمس نزلت في قصة بدر الحديث التاسع قوله حدثنا محمد بن عباد هو المكي نزيل بغداد ثقة مشهور وليس له عند البخاري غير هذا الحديث قوله أنفذه لنا بن الاصبهاني أي بلغ منتهاه من الرواية وتمام السياق فنفذ فيه كقولك أنفذت السهم أي رميت به فأصبت وقيل المراد بقوله أنفذه لنا أي أرسله فكأنه حمله عنه مكاتبة أو إجازة وابن الاصبهاني هو عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي وعبد الله بن معقل بسكون المهملة وكسر القاف قال أبو مسعود هذا الحديث بما كان بن عيينة سمعه من إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن معقل ثم أخذه عاليا بدرجتين عن بن الاصبهاني عن عبد الله بن معقل قوله كبر على سهل بن حنيف أي الانصاري قوله فقال لقد شهد بدرا كذا في الاصول لم يذكر عدد التكبير وقد أورده أبو نعيم في المستخرج من طريق البخاري بهذا الاسناد فقال فيه كبر خمسا وأخرجه البغوي في معجم الصحابة عن محمد بن عباد بهذا الاسناد والاسماعيلي والبرقاني والحاكم من طريقه فقال ستا وكذا أورده البخاري في التاريخ عن محمد بن عباد وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن بن عيينة وأورده بلفظ خمسا زاد في رواية الحاكم التفت إلينا فقال إنه من أهل بدر وقول علي رضي الله عنه لقد شهد بدرا يشير إلى أن لمن شهدها فضلا على غيرهم في كل شئ حتى في تكبيرات الجنازة وهذا يدل على أنه كان مشهورا عندهم أن التكبير أربع وهو قول أكثر الصحابة وعن بعضهم التكبير خمس وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم حديث مرفوع في ذلك وقد تقدم في الجنائز أن أنسا قال ان التكبير على الجنازة ثلاث وأن الاولى للاستفتاح وروى بن أبي خيثمة من وجه آخر مرفوعا أنه كان يكبر أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا حتى مات النجاشي فكبر عليه أربعا وثبت على ذلك حتى مات وقال أبو عمر انعقد الاجماع على أربع ولا نعلم من فقهاء الامصار من قال بخمس إلا بن أبي ليلى انتهى وفي المبسوط للحنفية عن أبي يونس مثله وقال النووي في شرح المهذب كان بين الصحابة خلاف ثم انقرض وأجمعوا على أنه أربع لكن لو كبر الامام خمسا لم تبطل صلاته إن كان ناسيا وكذا إن كان عامدا على الصحيح لكن لا يتابعه المأموم على الصحيح والله أعلم الحديث العاشر حديث عمر حين تأيمت حفصة وتأيمت بالتحتانية الثقيلة أي صارت أيما وهي من مات زوجها وخنيس بخاء معجمة ثم نون ثم مهملة مصغر وهو أخو عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب النكاح والغرض منه هنا قوله فيه قد شهد بدرا وقوله أوجد مني عليه
[ 246 ]
أي أشد غضبا وهو من الموجدة وإنما قال عمر ذلك لما كان لابي بكر عنده وله عند أبي بكر من مزيد المحبة والمنزلة فلذلك كان غضبه منه أشد من غضبه من عثمان الحديث الحادي عشر حديث أبي مسعود نفقة الرجل على أهله صدقة وسيأتي في كتاب النكاح والغرض منه إثبات كون أبي مسعود شهد بدرا قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم وعدي هو بن ثابت قوله سمع أبا مسعود البدري سيأتي اسمه في الذي يليه واختلف في شهوده بدرا فالاكثر على أنه لم يشهدها ولم يذكره محمد بن إسحاق ومن اتبعه من أصحاب المغازي في البدريين وقال الواقدي وإبراهيم الحربي لم يشهد بدرا وإنما نزل بها فنسب إليها وكذا قال الاسماعيلي لم يصح شهود أبي مسعود بدرا وإنما كانت مسكنه فقيل له البدري فأشار إلى أن الاستدلال بأنه شهدها بما يقع في الروايات أنه بدري ليس بقوي لانه يستلزم أن يقال لكل من شهد بدرا البدري وليس ذلك مطردا قلت لم يكتف البخاري في جزمه بأنه شهد بدرا بذلك بل بقوله في الحديث الذي يليه إنه شهد بدرا فان الظاهر أنه من كلام عروة بن الزبير وهو حجة في ذلك لكونه أدرك أبا مسعود وإن كان روى عنه هذا الحديث بواسطة ويرجح اختيار البخاري ذلك بقول نافع حين حدثه أبو لبابة البدري فإنه نسبه إلى شهود بدر لا إلى نزولها وقد اختار أبو عبيد القاسم بن سلام أنه شهدها ذكره البغوي في معجمه عن عمه علي بن عبد العزيز عنه وبذلك جزم بن الكلبي ومسلم في الكنى وقال الطبراني وأبو أحمد الحاكم يقال إنه شهدها وقال البرقي لم يذكره بن إسحاق في البدريين وفي غير هذا الحديث أنه شهدها انتهى والقاعدة أن المثبت مقدم على النافي وإنما رجح من نفي شهوده بدرا باعتقاده أن عمدة من أثبت ذلك وصفه بالبدري وأن تلك نسبة إلى نزول بدر لا إلى شهودها لكن يضعف ذلك تصريح من صرح منهم بأنه شهدها كما في الحديث الثاني عشر حيث قال فيه فدخل عليه أبو مسعود عقبة بن عمرو الانصاري جد زيد بن حسن شهد بدرا وقد مضى شرح الحديث في المواقيت من الصلاة وزيد بن الحسن أي بن علي بن أبي طالب لان أمه أم بشير بنت أبي مسعود وكانت قبل الحسن عند سعيد بن زيد ثم بعد الحسن عند عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى ربيعة الحديث الثالث عشر حديث أبي مسعود في فضل آخر البقرة وسيأتي شرحه في فضائل القرآن وشيخه موسى هو بن إسماعيل التبوذكي وفي إسناده أربعة من التابعين في نسق كلهم كوفيون الحديث الرابع عشر ذكر فيه طرفا من حديث عتبان بن مالك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وشيخه أحمد هو بن صالح المصري وعنبسة هو بن خالد ويونس هو بن يزيد ولم يورد البخاري موضع الحاجة من الحديث وهي قوله في أوله أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الانصار وقد تقدم هكذا في أبواب المساجد من كتاب الصلاة وكأنه اكتفى بالايماء إليه كعادته الحديث الخامس عشر حديث عمر في قصة قدامة بن مظعون قوله وكان من أكبر بني عدي أي بن كعب بن لؤي ولم يكن منهم وإنما كان حليفا لهم ووصفه بكونه أكبر منهم بالنسبة لمن لقيه الزهري منهم قوله وكان أبوه شهد بدرا هو عامر
[ 247 ]
بن ربيعة المزني تقدم ذكره في أوائل الهجرة وأنه كان ممن سبق بالهجرة قوله ان عمر استعمل قدامة بن مظعون أي بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي وهو أخو عثمان بن مظعون أحد السابقين ولم يذكر البخاري القصة لكونها موقوفة ليست على شرطه لان غرضه ذكر من شهد بدرا فقط وقد أوردها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري فزاد فقدم الجارود العقدي على عمر فقال ان قدامة سكر فقال من يشهد معك فقال أبو هريرة فشهد أبو هريرة أنه رآه سكران يقئ فأرسل إلى قدامة فقال له الجارود أقم عليه الحد فقال له عمر أخصم أنت أم شاهد فصمت ثم عاوده فقال لتمسكن أو لاسوأنك فقال ليس في الحق أن يشرب بن عمك وتسوءني فأرسل عمر إلى زوجته هند بنت الوليد فشهدت على زوجها فقال عمر لقدامة إني أريد أن أحدك فقال ليس لك ذلك لقول الله عزوجل ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية فقال أخطأت التأويل فان بقية الآية إذا ما اتقوا فإنك إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله عليك ثم أمر به فجلد فغاضبه قدامة ثم حجا جميعا فاستيقظ عمر من نومه فزعا فقال عجلوا بقدامة أتاني آت فقال صالح قدامة فإنه أخوك فاصطلحا الحديث السادس عشر قوله أخبر رافع بن خديج بالرفع على الفاعلية عبد الله بن عمر بالنصب على المفعولية ووقع في رواية المستملي أخبرني رافع بزيادة النون والياء وهو خطأ قوله أن عميه هما ظهير ومظهر وقد تقدم ذلك في المزارعة مع شرح الحديث قوله وكانا شهدا بدرا أنكر ذلك الدمياطي وقال إنما شهدا أحدا واعتمد على بن سعد في ذلك ومن اثبت شهودهما أثبت ممن نفاه الحديث السابع عشر قوله رأيت رفاعة بن رافع الانصاري وكان قد شهد بدرا قد تقدم ذكر رفاعة ونسبه في باب شهود الملائكة بدرا وبقية هذا الحديث أخرجه الاسماعيلي من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة بلفظ سمع رجلا من أهل بدر يقال له رفاعة بن رافع كبر في صلاته حين دخلها ومن طريق بن أبي عدي عن شعبة ولفظه عن رفاعة رجل من أهل بدر أنه دخل في الصلاة فقال الله أكبر كبيرا ولم يذكر البخاري ذلك لانه موقوف ليس من غرضه الحديث الثامن عشر قوله أن عمرو بن عوف هو الانصاري حليف بني عامر بن لؤي تقدم حديثه مشروحا في كتاب الجزية وفي الاسناد صحابيان وتابعيان وسيأتي في الرقاق بزيادة تابعي ثالث الحديث التاسع عشر حديث أبي لبابة وسيأتي شرحه في اللباس وأبو لبابة ممن ضرب له بسهمه وأجره ولم يحضر القتال الحديث العشرون قوله ان رجالا من الانصار أي ممن شهد بدرا لان العباس كان أسر ببدر كما سيأتي وكان المشركون أخرجوه معهم إلى بدر فأخرج بن إسحاق من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه يوم بدر قد عرفت أن رجالا من بني هاشم قد أخرجوا كرها فمن لقي أحدا منهم فلا يقتله
[ 248 ]
وروى أحمد من حديث البراء قال جاء رجل من الانصار بالعباس قد أسره فقال العباس ليس هذا أسرني بل أسرني رجل أنزع فقال النبي صلى الله عليه وسلم للانصاري أيدك الله بملك كريم واسم هذا الانصاري أبو اليسر بفتح التحتانية والمهملة وهو كعب بن عمرو الانصاري وروى الطبراني من حديث أبي اليسر أنه أسر العباس ومن حديث بن عباس قلت لابي كيف أسرك أبو اليسر ولو شئت لجعلته في كفك قال لا تقل ذلك يا بني قوله فلنترك بصيغة الامر واللام للمبالغة قوله لابن أختنا عباس أي بن عبد المطلب وأم العباس ليست من الانصار بل جدته أم عبد المطلب هي الانصارية فأطلقوا على جدة العباس أختا لكونها منهم وعلى العباس ابنها لكونها جدته وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد من بني عدي بن النجار ثم من الخزرج وأما أم العباس فهي نتيلة بنون ومثناة من فوق ثم لام مصغر بنت جناب بجيم ونون خفيفة بعد الالف موحدة من ولد تيم اللات بن النمر بن قاسط ووهم الكرماني فقال أم العباس بن عبد المطلب كانت من الانصار وأخذ ذلك من ظاهر قول الانصار بن اختنا وليس كما فهمه بل فيه تجوز كما بينته وروى بن عائذ في المغازي من طريق مرسل أن عمر لما ولي وثاق الاسرى شد وثاق العباس فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يئن فلم يأخذه النوم فبلغ الانصار فأطلقوا العباس فكأن الانصار لما فهموا رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفك وثاقه سألوه أن يتركوا له الفداء طلبا لتمام رضاه فلم يجبهم إلى ذلك وأخرج بن إسحاق من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا عباس افد نفسك وابن أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال قال إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني قال الله أعلم بما تقول إن كنت ما تقول حقا إن الله يجزيك ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا وذكر موسى بن عقبة أن فداءهم كان أربعين أوقية ذهبا وعند أبي نعيم في الاوائل بإسناد حسن من حديث بن عباس كان فداء كل واحد أربعين أوقية فجعل على العباس مائة أوقية وعلى عقيل ثمانين فقال له العباس أللقرابة صنعت هذا قال فأنزل الله تعالى يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم الآية فقال العباس وددت لو كنت أخذت منى أضعافها لقوله تعالى يؤتكم خيرا مما أخذ منكم قوله لا تذرون بفتح الذال المعجمة أي لا تتركون من الفداء شيئا وزاد الكشميهني في روايته لا تذرون له أي للعباس قيل والحكمة في ذلك أنه خشي أن يكون في ذلك محاباة له لكونه عمه لا لكونه قريبهم من النساء فقط وفيه إشارة إلى أن القريب لا ينبغي له أن يتظاهر بما يؤذي قريبه وإن كان في الباطن يكره ما يؤذيه ففي ترك قبول ما يتبرع له الانصار به من الفداء تأديب لمن يقع له مثل ذلك الحديث الحادي والعشرون حديث المقداد بن الاسود وفي إسناد ثلاثة من التابعين في نسق وهم مدنيون وسيأتي شرحه في الديات مع ما يرفع الاشكال في قوله فإنك بمنزلته والغرض من إيراده هنا قوله وكان ممن شهد بدرا وقد تقدم أنه كان فارسا يومئذ وإسحاق في الطريق الثانية شيخه هو بن منصور الحديث الثاني والعشرون حديث أنس في قصة قتل أبي جهل تقدم شرحه في أوائل هذه الغزوة والغرض منه هنا بيان كون ابني عفراء شهدا بدرا
[ 249 ]
الحديث الثالث والعشرون ذكر طرفا من حديث السقيفة والغرض منه ذكر عويم بن ساعدة ومعين بن عدي في أهل بدر فأما عويم فهو بالمهملة مصغر بن ساعد ة بن عياش بتحتانية ومعجمة بن قيس بن النعمان وهو أوسي من بني عمرو بن عوف وأما معن فهو بفتح الميم وسكون المهملة أي بن عدي بن الجد بن عجلان أخو عاصم بن عدي وهو بكري من حلفاء بني عمرو بن عوف وموسى شيخه هو بن إسماعيل وعبد الواحد هو بن زياد وعبيد الله أي بن عتبة بن مسعود وقد مضى شرح حديث السقيفة في المناقب الحديث الرابع والعشرون قوله عن إسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم قوله كان عطاء البدريين خمسة آلاف أي المال الذي يعطاه كل واحد منهم في كل سنة من عهد عمر فمن بعده قوله وقال عمر لافضلنهم أي على غيرهم في زيادة العطاء وفي حديث مالك بن أوس عن عمر أنه أعطى المهاجرين خمسة آلاف خمسة آلاف والانصار أربعة آلاف أربعة آلاف وفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأعطى كل واحدة اثني عشر ألفا الحديث الخامس والعشرون حديث جبير بن مطعم في القراءة في المغرب بالطور تقدم شرحه في الصلاة وقد عزا المزي في الاطراف طريق إسحاق بن منصور هذه إلى التفسير فوهم وهي في المغازي كما ترى ووجه إيراده هنا ما تقدم في الجهاد أنه كان قدم في أسارى بدر أي في طلب فدائهم الحديث السادس والعشرون حديث جبير بن مطعم أيضا وهو موصول بالاسناد الذي قبله والمطعم هو والد جبير المذكور والمراد بالنتنى جمع نتن وهو بالنون والمثناة أسارى بدر من المشركين وقوله لتركتهم له أبي بغير فداء وبين بن شاهين من وجه آخر السبب في ذلك وأن المراد باليد المذكورة ما وقع منه حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي وقد ذكر بن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة وكذلك أوردها الفاكهي بإسناد حسن مرسل وفيه ان المطعم أ مر أربعة من أولاده فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة فبلغ ذلك قريشا فقالوا له أنت الرجل الذي لا تخفر ذمتك وقيل المراد باليد المذكورة أنه كان من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في أوائل السيرة وروى الطبراني من طريق محمد بن صالح التمار عن الزهري عن محمد بن جبير عن أبيه قال قال المطعم بن عدي لقريش إنكم قد فعلتم بمحمد ما فعلتم فكونوا أكف الناس عنه وذلك بعد الهجرة ثم مات المطعم بن عدي قبل وقعة بدر وله بضع وتسعون سنة وذكر الفاكهي بإسناد مرسل أن حسان بن ثابت رثاه لما مات مجازاة له على ما صنع للنبي صلى الله عليه وسلم وروى الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح عن علي قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال خير أصحابك في الاسرى إن شاءوا القتل وإن شاءوا الفداء على أن يقتل منهم عاما مقبلا مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا وأخرج مسلم هذه القصة مطولة من حديث عمر ذكر فيها السبب هو أنه صلى الله عليه وسلم قال ما ترون في هؤلاء الاسرى فقال أبو بكر أرى أن نأخذ منهم فدية تكون قوة لنا وعسى الله أن يهديهم فقال عمر أرى أن تمكنا منهم فتضرب أعناقهم فان هؤلاء أئمة الكفر فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر الحديث وفيه نزول قوله تعالى ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض وقد تقدم نقل خلاف الائمة في جواز فداء أسرى الكفار
[ 250 ]
بالمال في باب فاما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها من كتاب الجهاد وقد اختلف السلف في أي الرأيين كان أصوب فقال بعضهم كان رأي أبي بكر لانه وافق ما قدر الله في نفس الامر ولما استقر الامر عليه ولدخول كثير منهم في الاسلام إما بنفسه وإما بذريته التي ولدت له بعد الوقعة ولانه وافق غلبة الرحمة على الغضب كما ثبت ذلك عن الله في حق من كتب له الرحمة وأما العتاب على الاخذ ففيه إشارة إلى ذم من آثر شيئا من الدنيا على الآخرة ولو قل والله أعلم الحديث السابع والعشرون قوله وقال الليث عن يحيى بن سعيد لم يقع لي هذا الاثر من طريق الليث وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الانصاري نحوه قوله وقعت الفتنة الاولى يعني مقتل عثمان فلم تبق من أصحاب بدر أحدا أي أنهم ماتوا منذ قامت الفتنة بمقتل عثمان إلى أن قامت الفتنة الاخرى بوقعة الحرة وكان آخر من مات من البدريين سعد بن أبي وقاص ومات قبل وقعة الحرة ببضع سنين وغفل من زعم أن قوله في الخبر يعني مقتل عثمان غلط مستندا إلى أن عليا وطلحة والزبير وغيرهم من البدريين عاشوا بعد عثمان زمانا لانه ظن أن المراد أنهم قتلوا عند مقتل عثمان وليس ذلك مرادا وقد أخرج بن أبي خيثمة هذا الاثر من وجه آخر عن يحيى بن سعيد بلفظ وقعت فتنة الدار الحديث وفتنة الدار هي مقتل عثمان وزعم الداودي أن المراد بالفتنة الاولى مقتل الحسين بن علي وهو خطأ فان في زمن مقتل الحسين بن علي لم يكن أحد من البدريين موجودا قوله ثم وقعت الفتنة الثانية يعني الحرة الخ كانت الحرة في آخر زمن يزيد بن معاوية وسيأتي شئ من خبرها في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى قوله ثم وقعت الثالثة كذا في الاصول ووقع في رواية أبي خيثمة ولو قد وقعت الثالثة ورجحها الدمياطي بناء على أن يحيى بن سعيد قال ذلك قبل أن تقع الثالثة ولم يفسر الثالثة كما فسر غيرها وزعم الداودي أن المراد بها فتنة الازارقة وفيه نظر لان الذي يظهر أن يحيى بن سعيد أراد الفتن التي وقعت بالمدينة دون غيرها وقد وقعت فتنة الازارقة عقب موت يزيد بن معاوية واستمرت أكثر من عشرين سنة وذكر بن التين أن مالكا روى عن يحيى بن سعيد الانصاري قال لم تترك الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلايوم قتل عثمان ويوم الحرة قال مالك ونسيت الثالثة قال بن عبد الحكم هو يوم خروج أبي حمزة الخارجي قلت كان ذلك في خلافة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم سنة ثلاثين ومائة وكان ذلك قبل موت يحيى بن سعيد بمدة ثم وجدت ما أخرجه الدارقطني في غرائب مالك بإسناد صحيح إليه عن يحيى بن سعيد نحو هذا الاثر وقال في آخره وان وقعت الثالثة لم ترتفع وبالناس طباخ وأخرجه بن أبي خيثمة بلفظ ولو وقعت وهذا بخلاف الجزم بالثالثة في حديث الباب ويمكن الجمع بأن يكون يحيى بن سعيد قال هذا أولا ثم وقعت الفتنة الثالثة المذكورة وهو حي فقال ما نقله عنه الليث بن سعد وقوله طباخ بفتح المهملة والموحدة الخفيفة وآخره معجمة أي قوة قال الخليل أصل الطباخ السمن والقوة ويستعمل في العقل والخير قال حسان المال يغشى رجالا لا طباخ لهم * كالسيل يغشى أصول الدندن البالي انتهى والدندن بكسر المهملتى وسكون النون الاولى ما اسود من النبات الحديث الثامن والعشرون ذكر طرفا من حديث الافك المذكور في هذا السند وسيأتي شرحه في التفسير
[ 251 ]
مستوفى والغرض منه شهادة عائشة لمسطح بأنه من أهل بدر وهو مسطح بن أثاثة بضم الهمزة وتخفيف المثلثة بن عباد بن المطلب وليس لعبد الله بن عمر النميري عند البخاري غير هذا الحديث الحديث التاسع والعشرون قوله عن بن شهاب قال هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث أي ما حمله موسى بن عقبة عن بن شهاب من ذلك قوله وهو يلقيهم بتشديد القاف المكسورة بعدها تحتانية ساكنة وفي رواية المستملي بسكون اللام وتخفيف القاف من الالقاء وفي رواية الكشميهني بعين مهملة ونون من اللعن وكذا هو في مغازي موسى بن عقبة قوله قال موسى بن عقبة هو بالاسناد المذكور إليه وعبد الله هو بن عمر قوله قال ناس من أصحابه تقدم شرحه وأن ممن خاطبه بذلك عمر رضي الله تعالى عنها قوله فجميع من شهد بدرا من قريش هو بقية كلام موسى بن عقبة عن بن شهاب وقوله ممن ضرب له بسهمه أحد وثمانون يريد بقوله ضرب له بسهمه أي أعطاه نصيبا من الغنيمة وان لم يشهدها لعذر له فصيره كمن شهدها قوله وكان عروة بن الزبير يقول هو بقية كلام موسى بن عقبة عن بن شهاب وقد استظهر له المصنف بالحديث الذي بعده لكن العدد الذي ذكره يغاير حديث البراء الماضي في أوائل هذه القصة وهي قوله ان المهاجرين كانوا زيادة على ستين فيجمع بينهما بأن حديث البراء أورده فيمن شهدها حسا وحديث الباب فيمن شهدها حساوحكما ويحتمل أن يكون المراد بالعدد الاول الاحرار والثاني بانضمام مواليهم وأتباعهم وقد سرد بن إسحاق أسماء من شهد بدرا من المهاجرين وذكر معهم حلفاءهم ومواليهم فبلغوا ثلاثة وثمانين رجلا وزاد عليه بن هشام في تهذيب السيرة ثلاثة وأما الواقدي فسردهم خمسة وثمانين رجلا وروى أحمد والبزار والطبراني من حديث بن عباس ان المهاجرين ببدر كانوا سبعة وسبعين رجلا فلعله لم يذكر من ضرب له بسهم ممن لم يشهدها حسا الحديث الثلاثون قوله أخبرنا هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله ضربت يوم بدر للمهاجرين بمائة سهم عند بن عائذ من طريق أبي الاسود عن عروة سألت الزبير على كم سهم جاء للمهاجرين يوم بدر قال على مائة سهم قال الداودي هذا يغاير قوله كانوا إحدى وثمانين قال فان كان قوله بمائة سهم من كلام الزبير فلعله دخله شك في العدد ويحتمل أن يكون من قول الراوي عنه قال وإنما كانوا على التحرير أربعة وثمانين وكان معهم ثلاثة أفراس فأسهم لها سهمين سهمين وضرب لرجال كان أرسلهم في بعض أمره بسهامهم فصح أنها كانت مائة بهذا الاعتبار قلت هذا الذي قاله أخيرا لا بأس به لكن ظهر أن إطلاق المائة إنما هو باعتبار الخمس وذلك أنه عزل خمس الغنيمة ثم قسم ما عداه على الغانمين على ثمانين سهما عدد من شهدها ومن ألحق بهم فإذا أضيف إليه الخمس كان ذلك من حساب مائة سهم والله أعلم قوله باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع أي دون من لم يسم فيه ودون من لم يذكر فيه أصلا والمراد بالجامع هذا الكتاب والمراد بمن سمي من جاء ذكره فيه برواية عنه أو عن غيره بأنه شهدها لا بمجرد ذكره دون التنصيص على أنه شهدها وبهذا يجاب عن ترك إيراده مثل أبي عبيدة بن الجراح فإنه شهدها باتفاق وذكر في الكتاب في عدة مواضع إلا أنه لم يقع فيه التنصيص على أنه شهد بدرا قوله النبي محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وسلم قلت بدأ به تبركا وتيمنا بذكره وإلا فذلك من المقطوع به قوله أبو بكر تقدم ذكره في مواضع منها في باب إذ تستغيثون ربكم قوله عمر ذكره في حديث
[ 252 ]
أبي طلحة قوله عثمان قلت لم يتقدم له ذكر في هذه القصة إلا أنه تقدم في المناقب من قول بن عمر أنه ضرب له بسهمه قوله علي بن أبي طالب تقدم في حديث المبارزة وفي غيره قوله إياس بن البكير تقدم قبل باب شهود الملائكة بدرا وقد سرد المصنف من هذه الاسماء على حروف المعجم وذكر بعض ذوي الكنى معتمدا على الاسم دون أداة الكنية فلهذا قال أبو حذيفة في حرف الحاء وقدم النبي صلى الله عليه وسلم والاربعة قبل الباقين لشرفهم وفي بعض النسخ قدم النبي صلى الله عليه وسلم فقط وذكر الاربعة في حرف العين والخطب فيه سهل ثم إن إياس بن البكير المذكور بكسر الهمزة بعدها تحتانية وآخره مهملة ووهم من ضبطه بفتح الهمزة وأما أبوه فتقدم ضبطه وقد شهد مع إياس بدرا إخوته عاقل وعامر وغيرهما ولكن لما لم يقع ذكرهم في الجامع لم يذكرهم قوله بلال تقدم في حديث عبد الرحمن بن عوف في قتل أمية بن خلف قوله حمزة تقدم في أول القصة قوله حاطب تقدم في فضل من شهد بدرا قوله أبو حذيفة تقدم في الحديث الخامس من الباب الاخير قوله حارثة بن الربيع يعني بالتشديد هو بن سراقة تقدم في أول باب فضل من شهد بدرا وقوله كان في النظارة أشار إلى ما وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه خرج نظارا أخرجه أحمد والنسائي وزاد ما خرج لقتال قوله خبيب بن عدي تقدم في حديث أبي هريرة وسيأتي ما قيل فيه في الكلام على غزوة الرجيع قوله خنيس بن حذافة تقدم في العاشر في الباب الاخير قوله رفاعة بن رافع تقدم في باب فضل من شهد بدرا قوله رفاعة بن عبد المنذر أبو لبابة تقدم في التاسع عشر من الباب الاخير وجزمه بأن اسمه رفاعة خالف فيه الاكثر فإنهم قالوا إن اسمه بشير وان رفاعة أخوه قوله الزبير بن العوام تقدم في عدة أحاديث قوله زيد بن سهل أبو طلحة تقدم في باب الدعاء على المشركين قوله أبو زيد الانصاري تقدم من حديث أنس قوله سعد بن مالك هو بن أبي وقاص ولم يتقدم له ذكر في هذه القصة ولكن هو منهم بالاتفاق ويحتمل أن يكون أخذه من أثر سعيد بن المسيب على بعد في ذلك قوله سعد بن خولة تقدم في قصة سبيعة الاسلمية قوله سعيد بن زيد تقدم في أثر نافع عن بن عمر قوله سهل بن حنيف تقدم في حديث على أنه كبر عليه خمسا قوله ظهير بن رافع تقدم في حديث رافبن خديج وأنه عمه وأن اسم أخيه مظهر ولم يسم البخاري أخاه قوله عبد الله بن مسعود تقدم في أوائله قوله عتبة بن مسعود يعني أخاه قلت ولم يتقدم له ذكر بل ولا ذكره أحد ممن صنف في المغازي في البدريين وقد سقط ذكره من رواية النسفي ولم يذكره الاسماعيلي ولا أبو نعيم في مستخرجيهما وهو المعتمد قوله عبد الرحمن بن عوف تقدم في قتل أبي جهل وغيره قوله عبيدة بن الحارث تقدم في حديث علي قوله عبادة بن الصامت تقدم بعد باب شهود الملائكة بدرا قوله عمرو بن عوف تقدم فيه قوله عقبة بن عمرو أبو مسعود البدري تقدم مترجما بثلاثة أحاديث قوله عامر بن ربيعة العنزي بالنون والزاي وقع في رواية الكشميهني العدوي وكلاهما صواب فإنه عنزي الاصل عدوي الحلف قوله عاصم بن ثابت تقدم في حديث أبي هريرة قوله عويم بن ساعدة تقدم في حديث السقيفة قوله عتبان بن مالك تقدم في باب شهود الملائكة بدرا قوله قدامة بن مظعون تقدم فيه قوله قتادة بن النعمان تقدم في أول الباب في حديث أبي سعيد قوله معاذ بن عمرو بن الجموح
[ 253 ]
بفتح الجيم وتخفيف الميم المضمومة وآخره مهملة تقدم في قتل أبي جهل قوله معوذ بن عفراء هي أمه واسم أبيه الحارث ومعوذ بتشديد الواو وبفتحها على الاشهر وجزم الوقشي بأنه بالكسر قوله وأخوه عوف بن الحارث تقدم ذكرهما قوله مالك بن ربيعة أبو أسيد تقدم في أول باب من شهد بدرا ونبه عياض على أن من لا معرفة له قد يتوهم أن مالكا أخو معاذ لان سياق البخاري هكذا معاذ بن عفراء أخوه مالك بن ربيعة وليس ذلك مراده بل قوله أخوه أي عوف ولم يسمه ثم استأنف فقال مالك بن ربيعة ولو كتبه بواو العطف لارتفع اللبس وكذا وقع عند بعض الرواة قوله مرارة بن الربيع تقدم في حديث كعب بن مالك قوله معن بن عدي تقدم مع عويم بن ساعدة قوله مسطح بن أثاثة تقدم في أواخر الباب الاخير ووقع هنا لابي زيد في نسبته عباد بن عبد المطلب والصواب حذف عبد قوله المقداد بن عمرو تقدم ووقع في رواية الكشميهني المقدام بميم في آخره وهو غلط قوله هلال بن أمية تقدم مع مرارة قلت فجملة من ذكر من أهل بدر هنا أربعة وأربعون رجلا وقد سبب البخاري إلى ترتيب أهل بدر على حروف المعجم وهو أضبط لاستيعاب أسمائهم ولكنه اقتصر على ما وقع عنده منهم واستوعبهم الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتاب الاحكام وبين اختلاف أهل السير في بعضهم وهو اختلاف غير فاحش وأورد بن سيد الناس أسماءهم في عيون الاثر لكن على القبائل كما صنع بن إسحاق وغيره واستوعب ما وقع له من ذلك فزادوا على ثلاثمائة وثلاثة عشر خمسين رجلا قال وسبب الزيادة الاختلاف في بعض الاسماء قلت ولولا خشية التطويل لسردت أسماءهم مفصلا مبينا للراجح لكن في هذه الاشارة كفاية والله المستعان قوله حديث بني النضير بفتح النون وكسر الضاد المعجمة هم قبيلة كبيرة من اليهود وقد مضت الاشارة إلى التعريف بهم في أوائل الكلام على أحاديث الهجرة وكان الكفار بعد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام قسم وادعهم على أن لا يحاربوه ولا يمالئوا عليه عدوه وهم طوائف اليهود الثلاثة قريظة والنضير وقينقاع وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة كقريش وقسم تاركوه وانتظروا ما يئول إليه أمره كطوائف من العرب فمنهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة وبالعكس كبني بكر ومنهم من كان معه ظاهرا ومع عدوه باطنا وهم المنافقون فكان أول من نقض العهد من اليهود بنو قينقاع فحاربهم في شوال بعد وقعة بدر فنزلوا على حكمه وأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله بن أبي وكانوا حلفاءه فوهبهم له وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات ثم نقض العهد بنو النضير كما س يأتي وكان رئيسهم حيي بن أخطب ثم نقضت قريظة كما سيأتي شرح حالهم بعد غزوة الخندق إن شاء الله تعالى قوله ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي شرح ذلك في نقل كلام بن إسحاق في هذا الباب قوله وقال الزهري عن عروة بن الزبير كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أحد وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أتم من هذا ولفظه عن الزهري وهو في حديثه عن عروة ثم كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكانت منازلهم ونخلهم ناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الابل من الامتعة والاموال لا الحلقة يعني السلاح فانزل الله فيهم سبح لله
[ 254 ]
لى قوله لاول الحشر وقاتلهم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسباء وقوله لاول الحشر فكان جلاؤهم أول حشر حشرا في الدنيا إلى الشام وحكى بن التين عن الداودي أنه رجح ما قال بن إسحاق من أن غزوة بني النضير كانت بعد بئر معونة مستدلا بقوله تعالى وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم قال وذلك في قصة الاحزاب قلت وهو استدلال واه فإن الآية نزلت في شأن بني قريظة فإنهم هم الذين ظاهروا الاحزاب وأما بنو النضير فلم يكن لهم في الاحزاب ذكر بل كان من أعظم الاسباب في جمع الاحزاب ما وقع من جلائهم فإنه كان من رؤوسهم حيي بن أخط ب وهو الذي حسن لبني قريظة الغدر وموافقة الاحزاب كما سيأتي حتى كان من هلاكهم ما كان فكيف يصير السابق لاحقا قوله وقول الله عزوجل هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب إلى قوله أن يخرجوا وقد وضح المراد من ذلك في أثر عبد الرزاق المذكور وقد أورد بن إسحاق تفسيرها لما ذكر هذه الغزوة واتفق أهل العلم على أنها نزلت في هذه القصة قاله السهيلي قال ولم يختلفوا في أن أموال بني النضير كانت خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن المسلمين لم يوجفوا عليهم بخيل ولا ركاب وأنه لم يقع بينهم قتال أصلا قوله وجعله بن إسحاق بعد بئر معونة وأحد كذا هو في المغازي لابن إسحاق مجزوما به ووقع في رواية القابسي وجعله إسحاق قال عياض وهو وهم والصواب بن إسحاق وهو كما قال ووقع في شرح الكرماني محمد بن إسحاق بن نصر وهو غلط وإنما اسم جده يسار وقد ذكر بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيره من أهل العلم أن عامر بن الطفيل أعتق عمرو بن أمية لما قتل أهل بئر معونة عن رقبة كانت على أمه فخرج عمرو إلى المدينة فصادف رجلين من بني عامر معهما عقد وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به عمرو فقال لهما عمرو ممن أنتما فذكرا أنهما من بني عامر فتركهما حتى ناما فقتلهما عمرو وظن أنه ظفر ببعض ثأر أصحابه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال لقد قتلت قتيلين لاودينهما انتهى وسيأتي خبر غزوة بئر معونة بعد غزوة أحد وفيها عن عروة أن عمرو بن أمية الضمري كان مع المسلمين فأسره المشركون قال بن إسحاق فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في ديتهما فيما حدثني يزيد بن رومان وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف فلما أتاهم ايستعينهم قالوا نعم ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا إنكم لن تجدوه على مثل هذه الحال قال وكان جالسا إلى جانب جدار لهم فقالوا من رجل يعلو على هذا البيت فيلقى هذه الصخرة عليه فيقتله ويريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فأتاه الخبر من السماء فقام مظهرا أنه يقضي حاجة وقال لاصحابه لا تبرحوا ورجع مسرعا إلى المدينة واستبطأه أصحابه فأخبروا أنه توجه إلى المدينة فلحقوا به فأمر بحربهم والمسير إليهم فتحصنوا فأمر بقطع النخل والتحريق وذكر بن إسحاق أنه حاصرهم ست ليال وكان ناس من المنافقين بعثوا إليهم أن اثبتوا وتمنعوا فإن قوتلتم قاتلنا معلم فتربصوا فقذف الله في قلوبهم الرعب فلم ينصروهم فسألوا أن يجلوا عن أرضهم على أن لهم ما حملت الابل فصولحوا على ذلك وروى البيهقي في الدلائل من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثة أيام قال بن إسحاق فاحتملوا إلى خيبر وإلى الشام قال
[ 255 ]
فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنهم جلوا الاموال من الخيل والمزارع فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة قال بن إسحاق ولم يسلم منهم إلا يامين بن عمير وأبو سعيد بن وهب فأحرزا أموالهما وروى بن مردويه قصة بني النضير بإسناد صحيح إلى معمر عن الزهري أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أبي وغيره ممن يعبد الاوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب فهم بن أبي ومن معه بقتال المسلمين فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما كادكم أحد بمثل ماكادتكم قريش يريدون أن تلقوا بأسكم بينكم فلما سمعوا ذلك عرفوا الحق فتفرقوا فلما كانت وقعة بدر كتبت كفار قريش بعدها إلى اليهود انكم أهل الحلقة والحصون يتهددونهم فأجمع بنو النضير على الغدر فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم اخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا فإن آمنوا بك اتبعناك ففعل فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لهامن الانصار مسلم تخبره بأمر بني النضير فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم فرجع وصبحهم بالكتائب فحصرهم يومه ثم غدا على بني قريظة فحاصرهم فعاهدوه فانصرف عنهم إلى بني النضير فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الابل إلا السلاح فاحتملوا حتى أبواب بيوتهم فكانوا يخربون بيوتهم فأيديهم فيهدمونها ويحملون ما يوافقهم من خشبها وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام وكذا أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق وفي ذلك رد على بن التين في زعمه أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد قلت فهذا أقوى مما ذكر بن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرجلين لكن وافق بن إسحاق جل أهل المغازي فالله أعلم وإذا ثبت أن سبب إجلاء بني النضير ما ذكر من همهم بالغدر به صلى الله عليه عليه وسلم وهو إنما وقع عندما جاء إليهم ليستعين بهم في دية قتيلي عمرو بن أمية تعين ما قال بن إسحاق لان بئر معونة كانت بعد أحد بالاتفاق وأغرب السهيلي فرجحما قال الزهري ولولا ما ذكر في قصة عمرو بن أمية لامكن أن يكون ذلك في غزوة الرجيع والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الاول حديث بن عمر حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير كذا فيه ولم يعين المفعول من حاربت ولم يسم فاعل أجلى لا والمراد النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب وقوع المحاربة نقضهم العهد أما النضير فبالسبب الآتي ذكره وهو ما ذكره موسى بن عقبة في المغازي قال كانت النضير قد دسوا إلى قريش وحضوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلوهم على العورة ثم ذكر نحوا مما تقدم عن بن إسحاق من مجئ النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الرجلين قال وفي ذلك نزلت يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم الآية وعند بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بعد أن هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا وأما قريظة فبمظاهرتهم الاحزاب على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق كما سيأتي قوله حتى حاربت قريظة سيأتي شرح ذلك بعد غزوة الخندق إن شاء الله تعالى كذا وقع تقديم قريظة على النضير وكأنه لشرفهم وإلا فاجلاء النضير كان قبل قريظة بكثير قوله والنضير ذكر بن إسحاق في قصته
[ 256 ]
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل إليهم أن اخرجوا وأجلهم عشرا وأرسل إليهم عبد الله بن أبي يثبطهم أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج فاصنع ما بدا لك فقال الله أكبر حاربت يهود فخرج إليهم فخذلهم بن أبي ولم تعنهم قريظة وروى عبد بن حميد في تفسيره من طريق عكرمة أن غزوة بني النضير كانت صبيحة قتل كعب بن الاشرف يعني الآتي ذكره عقب هذا قوله بني قينقاع هو بالنصب على البدلية ونون قينقاع مثلثة والاشهر فيها الضم وكانوا أول من أخرج من المدينة كما تقدم في أول الباب وروى بن إسحاق في المغازي عن أبيه عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع قام بأمرهم عبد الله بن أبي فمشى عبادة بن الصامت وكان له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي فتبرأ عبادة منهم قال فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض إلى قوله يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة وكان عبد الله بن أبي لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يمن عليهم قال يا محمد إنهم منعوني من الاسود والاحمر وإني امرؤ أخشى الدوائر فوهبهم له وذكر الواقدي أن إجلاءهم كان في شوال سنة اثنتين يعني بعد بدر بشهر ويؤيده ما روى بن إسحاق بإسناد حسن عن بن عباس قال لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال ييهود أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشا يوم بدر فقالوا إنهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال فانزل الله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون إلى قوله لاولى الابصار وأغرب الحاكم فزعم أن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كان في زمن واحد ولم يوافق على ذلك لان إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول بن إسحاق كما تقدم بسطه الحديث الثاني حديث بن عباس في تسمية سورة الحشر سورة النضير لانها نزلت فيهم قال الداودي كأن بن عباس كره تسميتها سورة الحشر لئلا يظن أن المراد بالحشر يوم القيامة أو لكونه مجملا فكرة النسبة إلى غير معلوم كذا قال وعند بن مردويه من وجه آخر عن بن عباس قال نزلت سورة الحشر في بني النضير وذكر الله فيها الذي أصابهم من النقمة قوله حدثنا الحسن بن مدرك كذا للجميع وفي نسخة إسحاق بدل الحسن وهو غلط قوله تابعه هشيم الخ وصله المصنف في التفسير كما سيأتي هناك الحديث الثالث قوله عن أبيه هو سليمان التيمي قوله كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات تقدم هذا الحديث بهذا الاسناد في الخمس وسيأتي في أول غزوة قريظة بأتم من هذا السياق وقوله فكان بعد ذلك يرد عليهم زاد في الرواية الاخرى ما كانوا أعطوه وروى الحاكم في الاكليل من حديث أم العلاء قال قال النبي صلى الله عليه وسلم للانصار لما فتح النضير إن أحببتم قسمت بينكم ما أفاء الله علي وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا عنكم فاختاروا الثاني الحديث الرابع قوله حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير في رواية الكشميهني نخل النضير قوله وهي البويرة بالموحدة مصغر بؤرة وهي الحفرة وهي هنا مكان معروف بين المدينة وبين تيماء وهي من جهة قبلة مسجد قباء إلى جهة الغرب ويقال لها أيضا البويلة باللام بدل الراء قوله فنزل ما قطعتم من لينة هي صنف من النخل قال السهيلي في تخصيصها بالذكر إيماء إلى أن الذي يجوز قطعه من شجر العدو ما لا يكون معدا للاقتيات لانهم
[ 257 ]
كانوا يقتاتون العجوة والبرني دون اللينة وفي الجامع اللينة النخلة وقيل الدفل وعن الفراء كل شئ من النخل سوى العجوة فهو من اللين قوله في الرواية الثانية أخبرنا حبان هو بن هلال وهو بفتح المهملة بعدها موحدة ثقيلة وإسحاق الراوي عنه هو بن راهويه قوله ولها يقول حسان بن ثابت وهان على سراة بني لؤي كذا للاكثر وفي رواية الكشميهني لهان باللام بدل الواو وسقطت اللام والواو من رواية الاسماعيلي وقوله سراة بفتح المهملة وتخفيف الراء جمع سرى وهو الرئيس وقوله حريق بالبويرة مستطير أي مشتعل وإنما قال حسان ذلك تعييرا لقريش لانهم كانوا أغروهم بنقض العهد وأمروهم به ووعدوهم أن ينصروهم إن قصدهم النبي صلى الله عليه وسلم قوله فأجابه أبو سفيان بن الحارث أي بن عبد المطلب وهو بن عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان حينئذ لم يسلم وقد أسلم بعد في الفتح وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم بحنين وذكر إبراهيم بن المنذر ان اسمه المغيرة وجزم بن قتيبة أن المغيرة أخوه وبه جزم بن عبد البر والسهيلي قوله ستعلم أينا منها بنزه بنون ثم زاي ساكنة أي ببعد وزنا ومعنى ويقال بفتح النون أيضا وقوله وتعلم أي أرضينا بالتثنية وقوله تضير بفتح المثناة وكسر الضاد المعجمة من الضير وهو بمعنى الضر ويطلق الضير ويراد به المضرة ونسبة هذه الابيات لحسان بن ثابت وجوابها لابي سفيان بن الحارث هو المشهور كما وقع في هذا الصحيح وعند مسلم بعض ذلك وعند شيخ شيوخنا أبي الفتح بن سيد الناس في عيون الاثر له عن أبي عمرو الشيباني أن الذي قال له وهان على سراة بني لؤي هو أبو سفيان بن الحارث وأنه إنما قال عز بدل هان وأن الذي أجاب بقوله أدام الله ذلك من صنيع البيتين هو حسان قال وهو أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري أه ولم يذكر مستندا للترجيح والذي يظهر أن الذي في الصحيح أصح وذلك أن قريشا كانوا
[ 258 ]
يظاهرون كل من عادى النبي صلى الله عليه وسلم عليه ويعدونهم النصر والمساعدة فلما وقع لبني النضير من الخذلان ما وقع قال حسان الابيات المذكورة موبخا لقريش وهم بنو لؤي كيف خذلوا أصحابهم وقد ذكر بن إسحاق أن حسان قال ذلك في غزوة بني قريظة وأنه إنما ذكر بني النضير استطرادا فمن الابيات المذكورة الا يا سعد سعد بني معاذ * فما فعلت قريظة والنضير وفيها وقد قال الكريم أبو حباب * أقيموا قينقاع ولا تسيروا وأولها تقاعد معشر نصروا قريشا * وليس لهم ببلدتهم نصير هم أوتوا الكتاب فضيعوه * فهم عمي عن التوراة بور كفرتم بالقرآن لقد لقيتم * بتصديق الذي قال النذير وفي جواب أبي سفيان بن الحارث في قوله وتعلم أي أرضينا تضير ما يرجح ما وقع في الصحيح لان أرض بني النضير مجاورة لارض الانصار فإذا خربت أضرت بما جاورها بخلاف أرض قريش فإنها بعيدة منها بعدا شديدا فلا تبالي بخرابها فكان أبو سفيان يقول تخربت أرض بني النضير وتخريبها إنما يضر ارض من جاورها وأرضكم هي التي تجاورها فهي التي تتضرر لاأرضنا ولا يتهيأ مثل هذا في عكسه إلا بتكلف وهو أن يقال إن الميرة كانت تحمل من أرض بني النضير إلى مكة فكانوا يرتفقون بها فإذا خربت تضرهم بخلاف المدينة فإنها في غنية عن أرض بني النضير بغيرها كخيبر ونحوها فيتجه بعض اتجاه لكن إذا تعارضا كان ما في الصحيح أصح ويحتمل إن كان ما قال أبو عمرو الشيباني محفوظا أن أبا سفيان بن الحارث ضمن في جوابه بيتا من قصيدة حسان فاهتدمه فلما قال حسان وهان على سراة بني لؤي اهتدمه أبو سفيان فقال وعز على سراة بني لؤي وهو عمل سائغ وكأن من أنكر ذلك استبعد أن يدعو أبو سفيان بن الحارث على أرض الكفرة مثله بالتحريق في قوله أدام الله ذلك من صنيع والجواب عنه أن اسم الكفرة وأن جمعهم لكن العداوة الدينية كانت قائمة بينهم كما بين أهل الكتاب وعبدة الاوثان من التباين وأيضا فقوله وحرق في نواحيها السعير بريد بنواحيها المدينة فيرجع ذلك دعاء على المسلمين أيضا ولكعب بن مالك في هذه القصة قصيدة على هذا الوزن والروي أيضا ذكرها بن إسحاق أولها لقد منيت بغدرتها الحبور كذاك الدهر ذو صرف يدور يقول فيها فغودر منهم كعب صريعا فذلت عند مصرعه النضير يشير إلى كعب بن الاشرف الذي سيذكر قتله عقب هذا وفيها فذاقوا غب أمرهم وبالا * لكل ثلاثة منهم بعير فأجلوا عامدين بقينقاع * وغودر منهم نخل ودور الحديث الخامس حديث مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر وفيه قصة مخاصمة العباس وعلي عنده مطولة وقد تقدم شرحه في فرض الخمس مستوفى الغرض منه قوله وهما يتخاصمان
[ 259 ]
فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير الحديث السادس حديث عائشة قوله قال فحدثت هذا الحديث عروة القائل هو الزهري وهو موصول بالاسناد المذكور وقد ذكرت شرحه أيضا مع حديث مالك بن أوس في فرض الخمس الحديث السابع حديث أبي بكر الصديق تقدم أيضا في أول فرض الخمس بزيادة فيه وزاد هنا قول أبي بكر والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي وظاهر سياقه الادراج وقد بينه الاسماعيلي بلفظ فتشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فالله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي قال أبو بكر ذلك معتذرا عن منعه القسمة وأنه لا يلزم منها أن لا يصلهم ببره من جهة أخرى ومحصل كلامه أن قرابة الشخص مقدمة في بره إلا إن عارضهم في ذلك من هو أرجح منهم والله أعلم قوله باب قتل كعب بن الاشرف أي اليهودي قال بن إسحاق وغيره كان عربيا من بني نبهان وهم بطن من طئ وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية فأتى المدينة فحالف بني النضير فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة وهجا المسلمين بعد وقعة بدر وخرج إلى مكة فنزل على بن وداعة السهمي والد المطلب فهجاه حسان وهجا امرأته عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص بن أمية فطردته فرجع كعب إلى المدينة وتشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم وروى أبو داود والترمذي من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أن كعب بن الاشرف كان شاعرا وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم استصلاحهم وكان اليهود والمشركون يؤذون المسلمين أشد الاذى فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر فلما أبى كعب أن ينزع عن أذاه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه وذكر بن سعد أن قتله كان في ربيع الاول من السنة الثالثة قوله قال عمرو هو بن دينار كذا هنا وفي رواية قتيبة عن سفيان في الجهاد وعند أبي نعيم من طريق الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو قوله من لكعب بن الاشرف أي من الذي ينتدب إلى قتله قوله آذى الله ورسوله في رواية محمد بن محمود بن محمد بن مسلمة عن جابر عند الحاكم في الاكليل فقد آذانا بشعره وقوى المشركين وأخرج بن عائذ من طريق الكلبي أن كعب بن الاشرف قدم على مشركي قريش فحالفهم عند أستار الكعبة على قتال المسلمين ومن طريق أبي الاسود عن عروة أنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويحرض قريشا عليهم وأنه لما قدم على قريش قالوا له أديننا أهدى أم دين محمد قال دينكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لنا بابن الاشرف فإنه قد استعلن بعداوتنا ووجدت في فوائد عبد الله بن إسحاق الخراساني من مرسل عكرمة بسند ضعيف إليه لقتل كعب سببا آخر وهو أنه صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أنه يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوليمة فإذا حضر فتكوا به ثم دعاه فجاء ومعه بعض اصحابه فأعلمه جبريل بما أضمروه بعد أن جالسه فقام فستره جبريل بجناحه
[ 260 ]
فخرج فلما فقدوه تفرقوا فقال حينئذ من ينتدب لقتل كعب ويمكن الجمع بتعدد الاسباب قوله فقام محمد بن مسلمة فقال يا رسول الله أتحب أن أقتله في مرسل عكرمة فقال محمد بن مسلمة هو خالي قوله قال نعم في رواية محمد بن محمود فقال أنت له وفي رواية بن إسحاق قال فافعل إن قدرت على ذلك وفي رواية عروة فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال محمد بن مسلمة أقر صامت ومثله عند سمويه في فوائده فان ثبت احتمل أن يكون سكت أولا ثم اذن له فان في رواية عروة أيضا أنه قال له إن كنت فاعلا فلا تعجل حتى تشاور سعد بن معاذ قال فشاوره فقال له توجه إليه واشك إليه الحاجة وسله أن يسلفكم طعاما قوله فائذن لي أن أقول شيئا قال قل كأنه استأذنه أن يفتعل شيئا يحتال به ومن ثم بوب عليه المصنف الكذب في الحرب وقد ظهر من سياق بن سعد للقصة أنهم استأذنوا أن يشكوا منه ويعيبوا رأيه ولفظه فقال له كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء حاربتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وعند بن إسحاق بإسناد حسن عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى معهم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم فقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم قوله ان هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم قوله قد سألنا صدقة في رواية الواقدي سألنا الصدقة ونحن لا نجد ما نأكل وفي مرسل عكرمة فقالوا يا أبا سعيد إن نبينا أراد منا الصدقة وليس لنا مال نصدقه قوله قد عنانا بالمهملة وتشديد النون الاولى من العناء وهو التعب قوله قال وأيضا أي وزيادة على ذلك وقد فسره بعد ذلك قوله والله لتملنه بفتح المثناة والميم وتشديد اللام والنون من الملال وعند الواقدي ان كعبا قال لابي نائلة أخبرني ما في نفسك ما الذي تريدون في أمره قال خذلانه والتخلي عنه قال سررتني قوله وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين وحدثنا عمرو غير مرة فلم يذكر وسقا أو وسقين قائل ذلك علي بن المديني ولم يقع ذلك في رواية الحميدي ووقع في رواية عروة وأحب أن تسلفنا طعاما قال أين طعامكم قالوا أنفقناه على هذا الرجل وعلى اصحابه قال ألم يأن لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل تنبيه وقع في هذه الرواية الصحيحة أن الذي خاطب كعبا بذلك هو محمد بن مسلمة والذي عند بن إسحاق وغيره من أهل المغازي أنه أبو نائلة وأومأ الدمياطي إلى ترجيحه ويحتمل أن يكون كل منهما كلمه في ذلك لان أبا نائلة أخوه من الرضاعة ومحمد بن مسلمة بن أخته وفي مرسل عكرمة في الكل بصيغة الجمع قالوا وفي مرسل عكرمة وائذن لنا أن نصيب منك فيطمئن إلينا قال قولوا ما شئتم وعنده أما مالي فليس عندي اليوم ولكن عندي التمر وذكر بن عائذ أن سعد بن معاذ بعث محمدا بن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ قوله أرهنوني أي ادفعوا لي شيئا يكون رهنا على التمر الذي تريدونه قوله وأنت أجمل العرب لعلهم قالوا له ذلك تهكما وإن كان هو في نفسه كان جميلا زاد بن سعد من مرسل عكرمة ولا نأمنك وأي امرأة تمتنع منك لجمالك وفي المرسل الآخر الذي أشرت إليه وأنت رجل حسان تعجب النساء وحسان بضم الحاء وتشديد السين المهملتين قوله ولكن نرهنك اللامة بتشديد اللام وسكون الهمزة قوله قال سفيان يعني السلاح كذا قال وقال غيره من أهل اللغة اللامة الدرع فعلى هذا إطلاق السلاح عليها من إطلاق اسم الكل على البعض وفي مرسل عكرمة ولكنا نرهنك سلاحنا مع علمك بحاجتنا إليه قال نعم وفي رواية الواقدي وإنما قالوا ذلك لئلا ينكر مجيئهم إليه
[ 261 ]
بالسلاح قوله فجاء ليلا ومعه أبو نائلة بنون وبعد الالف تحتانية واسمه سلكان بن سلامة قوله وكان أخاه من الرضاعة يعني كان أبو نائلة أخا كعب وذكروا أنه كان نديمه في الجاهلية فكان يركن إليه وقد ذكر الواقدي أن محمد بن مس لمة أيضا كان أخاه زاد الحميدي في روايته وكانوا أربعة سمى عمرو منهم اثنين قلت وستأتي تسميتهم قريبا وعند الخراساني في مرسل عكرمة فلما كان في القائلة أتوه ومعهم السلاح فقالوا يا أبا سعيد فقال سامعا دعوت قوله فقالت له امرأته لم أقف على اسمها قوله وقال غير عمرو قالت أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم في رواية الكلبي فتعلقت به امرأته وقالت مكانك فوالله أني لارى حمرة الدم مع الصوت وبين الحميدي في روايته عن سفيان أن الغير الذي أبهمه سفيان في هذه القصة هو العبسي وأنه حدثه بذلك عن عكرمة مرسلا وعند بن إسحاق فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امرأته بناحيتها وقالت له أنت امرؤ محارب لا تنزل في هذه الساعة فقال إنه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني فقالت والله إني لاعرف من صوته الشر وفي مرسل عكرمة أخذت بثوبه فقالت أذكرك الله أن لا تنزل إليهم فوالله إني لاسمع صوتا يقطر منه الدم قوله قال ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين قيل لسفيان سماهم عمرو قال سمى بعضهم قال عمرو جاء معه برجلين وقال غير عمرو أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر قلت ووقع في رواية الحميدي قال فأتاه ومعه أبو نائلة وعباد بن بشر وأبو عبس بن جبر والحارث بن معاذ إن شاء الله كذا أدرجه ورواية علي بن المديني مفصلة ونسب الحارث بن معاذ إلى جده ووقعت تسميتهم كذلك في رواية بن سعد فعلى هذا فكانوا خمسة ويؤيده قول عباد بن بشر من قصيدة في هذه القصة فشد بسيفه صلتا عليه * فقطعه أبو عبس بن جبر وكان الله سادسنا فأبنا * بانعم نعمة وأعز نصر * وهو أولى مما وقع في رواية محمد بن محمود كان مع محمد بن مسلمة أبو عبس بن جبر وأبو عتيك ولم يذكر غيرهما وكذا في مرسل عكرمة ومعه رجلان من الانصار ويمكن الجمع بأنهم كانوا مرة ثلاثة وفي الاخرى خمسة قوله فإني قائل بشعره فاشمه وهو من إطلاق القول على الفعل قوله وقال مرة فاشمكم أي أمكنكم من الشم وهو ينفح بالفاء والمهملة قوله ريح الطيب في رواية بن سعد وكان حديث عهد بعرس وفي مرسل عكرمة فقال يا أبا سعيد أدن مني رأسك أشمه وأمسح به عيني ووجهي قوله عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب وعند الاصيلي وأجمل بالجيم بدل الكاف وهي أشبه وفي مرسل عكرمة فقال هذا عطر أم فلان يعني امرأته وفي رواية الواقدي وكان كعب يدهن بالمسك المفتت والعنبر حتى يتلبد في صدغيه وفي رواية أخرى وعندي أعطر سيد العرب وكأن سيد تصحيف من نساء فإن كانت محفوظة فالمعنى أعطر نساء سيد العرب على الحذف قوله دونكم فقتلوه ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه في رواية عروة وضربه محمد بن مسلمة فقتله وأصاب ذباب السيف الحارث بن أوس وأقبلوا حتى إذا كانوا بجرف بعاث تخلف الحارث ونزف فلما افتقده أصحابه رجعوا فاحتملوه ثم أقبلوا سراعا حتى دخلوا المدينة وفي رواية الواقدي أن النبي صلى الله
[ 262 ]
عليه وسلم تفل على جرح الحارث بن أوس فلم يؤذه وفي مرسل عكرمة فبزق فيها ثم ألصقها فالتحمت وفي رواية بن الكلبي فضربوه حتى برد وصاح عند أول ضربة واجتمعت اليهود فأخذوا على غير طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلوهم وفي رواية بن سعد أن محمد بن مسلمة لما أخذ بقرون شعره قال لاصحابه اقتلوا عدو الله فضربوه بأسيافهم فالتفت عليه فلم تغن شيئا قال محمد فذكرت معولا كان في سيفي فوضعته في سرته ثم تحاملت عليه فغططته حتى انتهى إلى عانته فصاح وصاحت امرأته يا آل قريظة والنضير مرتين قوله فأخبروه في رواية عروة فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى وفي رواية بن سعد فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي فلما سمع تكبيرهم كبر وعرف أن قد قتلوه ثم انتهوا إليه فقال أفلحت الوجوه فقالوا ووجهك يا رسول الله ورموا رأسه بين يديه فحمد الله على قتله وفي مرسل عكرمة فأصبحت يهود مذعورين فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا قتل سيدنا غيلة فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه وما كان يحرض عليه ويؤذي المسلمين زاد بن سعد فخافوا فلم ينطقوا قال السهيلي في قصة كعب بن الاشرف قتل المعاهد إذا سب الشارع خلافا لابي حنيفة قلت وفيه نظر وصنيع المصنف في الجهاد يعطي أن كعبا كان محاربا حيث ترجم لهذا الحديث الفتك بأهل الحرب وترجم له أيضا الكذب في الحرب وفيه جواز قتل المشرك بغير دعوة إذا كانت الدعوة العامة قد بلغته وفيه جواز الكلام الذي يحتاج إليه في الحرب ولو لم يقصد قائله إلى حقيقته وقد تقدم البحث في ذلك مستوفى في كتاب الجهاد وفيه دلالة على قوة فطنة امرأته المذكورة وصحة حديثها وبلاغتها في اطلاقها أن الصوت يقطر منه الدم قوله قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق ويقال سلام بن أبي الحقيق كان بخيبر والحقيق بمهملة وقال مصغر والذي سماه عبد الله هو عبد الله بن أنيس وذلك فيما أخرجه الحاكم في الاكليل من حديثه مطولا وأوله أن الرهط الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي الحقيق ليقتلوه وهم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة وحليف لهم ورجل من الانصار وأنهم قدموا خيبر ليلا فذكر الحديث وقال بن إسحاق هو سلام أي بتشديد اللام قال لما قتلت الاوس كعب بن الاشرف استأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق وهو بخيبر فأذن لهم قال فحدثني الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال كان مما صنع الله لرسوله أن الاوس والخزرج كانا يتصاولان تصاول الفحلين لا تصنع الاوس شيئا إلا قالت الخزرج والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا وكذلك الاوس فلما اصابت الاوس كعب بن الاشرف تذاكرت الخزرج من رجل له من العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان لكعب فذكروا بن أبي الحقيق وهو بخيبر قوله ويقال في حصن له بأرض الحجاز وهو قول وقع في سياق الحديث الموصول في الباب ويحتمل أن يكون حصنه كان قريبا من خيبر في طرف أرض الحجاز ووقع عند موسى بن عقبة فطرقوا أبا رافع بن أبي الحقيق بخيبر فقتلوه في بيته ولابي رافع المذكور أخوان مشهوران من أهل خيبر أحدهما كنانة وكان زوج صفية بنت حيي قبل النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه الربيع بن أبي الحقيق وقتلهما النبي صلى الله عليه وسلم جميعا بعد فتح خيبر قوله وقال الزهري هو بعد كعب بن الاشرف وصله
[ 263 ]
يعقوب بن سفيان في تاريخه عن حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري وقد ذكرت من عند بن إسحاق عن الزهري أنه أخذ ذلك عن عبد الله بن كعب بن مالك بزيادة فيه قال بن سعد كانت في رمضان سنة ست وقيل في ذي الحجة سنة خمس وقيل فيها سنة أربع وقيل في رجب سنة ثلاث ثم أورد البخاري قصته من رواية ثلاثة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب الاولى رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا وهو نائم فقتله هكذا أورده مختصرا وقوله بيته للاكثر بسكون التحتانية وبالنصب على المفعولية وللسرخسي والمستملي بتشديد التحتانية بلفظ الفعل الماضي من التبييت وقد أخرجه المصنف في الجهاد من هذا الوجه مطولا نحو رواية إبراهيم بن يوسف الآتية قوله حدثنا يوسف بن موسى هو القطان وعبيد الله بن موسى هو العبسي شيخ البخاري وقد حدث عنه هنا بواسطة قوله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الانصار في رواية يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق الآتية بعد هذه بعث إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في أناس معهم وعبد الله بن عتيك بالنصب مفعول بعث وهو المبعوث إلى أبي رافع وليس هو اسم أبي رافع وعبد الله بن عتبة لم يذكر إلا في هذا الطريق وزعم بن الاثير في جامع الاصول أنه بن عتبة بكسر العين وفتح النون وهو غلط منه فإنه خولاني لا أنصاري ومتأخر الاسلام وهذه القصة متقدمة والرواية بضم العين وسكون المثناة لا بالنون والله أعلم قوله رجالا من الانصار قد سمى منهم في هذا الباب عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة وعند بن إسحاق عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة وخزاعي بن أسود فإن كان عبد الله بن عتبة محفوظا فقد كانوا ستة فأما الاول فهو بن عتيك بفتح المهملة وكسر المثناة بن قيس بن الاسود من بني سلمة بكسر اللام وأما عبد الله بن عتبة فقد شرحت ما فيه وأما مسعود فهو بن سنان الاسلمي حليف بني سلمة شهد أحدا واستشهد باليمامة وأما عبد الله بن أنيس فهو الجهني حليف الانصار وقد فرق المنذري بين عبد الله بن أنيس الجهني وعبد الله بن أنيس الانصاري وجزم بأن الانصاري هو الذي كان في قتل بن أبي الحقيق وتبع في ذلك بن المديني وجزم غير واحد بأنهما واحد وهو جهني حالف الانصار وأما أبو قتادة فمشهور وأما خزاعي بن أسود فقد قلبه بعضهم فقال أسود بن خزاعي وفي حديث عبد الله بن أنيس قي الاكليل أسود بن حرام وكذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي فان كان غير من ذكر وإلا فهو تصحيف ثم وجدته في دلائل البيهقي من طريق موسى بن عقبة على الشك هل هو أسود بن خزاعي أو أسود بن حرام قوله وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه ذكر بن عائذ من طريق أبي الاسود عن عروة أنه كان ممن أعان غطفان وغيرهم من مشركي العرب بالمال الكثير على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وقد دخل الناس ذكر في رواية يوسف سببا لتأخير غلق الباب فقال ففقدوا حمارا لهم فخرجوا بقبس أي شعلة من نار يطلبونه قال فخشيت أن أعرف فغطيت رأسي قوله وراح الناس بسرحهم أي رجعوا بمواشيهم التي ترعى وسرح بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مهملة هي السائمة من إبل وبقر وغنم قوله يا عبد الله لم يرد اسمه العلم لانه لو كان كذلك لكان قد عرفه
[ 264 ]
والواقع أنه كان مستخفا منه فالذي يظهر أنه أراد معناه الحقيقي لان الجميع عبيد الله قوله تقنع بثوبه أي تغطي به ليخفى شخصه لئلا يعرف قوله فهتف به أي ناداه وفي رواية يوسف ثم نادى صاحب الباب أي البواب ولم أقف على اسمه قوله فكمنت أي اختبأت وفي رواية يوسف ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن قوله ثم علق الاغاليق على ود بفتح الواو وتشديد الدال هو الوتد وفي رواية يوسف وضع مفتاح الحصن في كوة والاغاليق بالمعجمة جمع غلق بفتح أوله ما يغلق به الباب والمراد بها المفاتيح كأنه كان يغلق بها ويفتح بها كذا في رواية أبي ذر وفي رواية غيره بالعين المهملة وهو المفتاح بلا إشكال والكوة بالفتح وقد تضم وقيل بالفتح غير النافذة وبالضم النافذة قوله فقمت إلى الاقاليد هي جمع إقليد وهو المفتاح وفي رواية يوسف ففتحت باب الحصن قوله يسمر عنده أي يتحدثون ليلا وفي رواية يوسف فتعشوا عند أبي رافع وتحدثوا حتى ذهبت ساعة من الليل ثم رجعوا إلى بيوتهم قوله في علالي له بالمهملة جمع علية بتشديد التحتانية وهي الغرفة وفي رواية بن إسحاق وكان في علية له إليها عجلة والعجلة بفتح المهملة والجيم السلم من الخشب وقيده بن قتيبة بخشب النخل قوله فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي من داخل في حديث عبد الله بن أنيس عند الحاكم فلم يدعوا بابا إلا أغلقوه قوله نذروا بي بكسر الذال المعجمة أي علموا واصله من الانذار وهو الاعلام بالشئ الذي يحذر منه وذكر بن سعد أن عبد الله بن عتيك كان يرطن باليهودية فاستفتح فقالت له امرأة أبي رافع من أنت قال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له وفي رواية يوسف فلما هدأت الاصوات أي سكنت وعنده ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فأغلقتها عليهم من ظاهر ثم صعدت إلى أبي رافع في سلم قوله فأهويت نحو الصوت أي قصدت نحو صاحب الصوت وفي رواية يوسف فعمدت نحو الصوت قوله وأنا دهش بكسر الهاء بعدها معجمة قوله فما أغنيت شيئا أي لم أقتله قوله فقلت ما هذا الصوت يا أبا رافع في حديث عبد الله بن أنيس فقالت امرأته يا أبا رافع هذا صوت عبد الله بن عتيك فقال ثكلتك أمك وأين عبد الله بن عتيك قوله هدأت الاصوات بهمزة أي سكنت وزعم بن التين أنه وقع عنده هدت بغير همز وأن الصواب بالهمز قوله فأضربه ذكره بلفظ المضارع مبالغة لاستحضار صورة الحال وإن كان ذلك قد مضى قوله فلم يغن أي لم ينفع قوله ثم دخلت إليه في رواية يوسف ثم جئت كأني أغيثه فقلت مالك وغيرت صوتي قوله لامك الويل في رواية يوسف زاد وقال ألا أعجلتك وزاد في رواية قال فعمدت له أيضا فاضربه أخرى فلم تغن شيئا فصاح وقام أهله ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المستغيث فإذا هو مستلق على ظهره وفي رواية بن إسحاق فصاحت امرأته فنوهت بنا فجعلنا نرفع السيف عليها ثم نذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء فنكف عنها قوله ضبيب السيف بضاد معجمة مفتوحة وموحدتين وزن رغيف قال الخطابي هكذا يروى وما أراه محفوظا وإنما هو ظبة السيف وهو حرف حد السيف ويجمع على ظبات قال والضبيب لا معنى له هنا لانه سيلان الدم من الفم قال عياض هو في رواية أبي ذر بالصاد المهملة وكذا ذكره الحربي وقال أظنه طرفه وفي رواية غير أبي ذر بالمعجمة وهو طرف السيف وفي رواية يوسف فأضع السيف في بطنه ثم اتكئ عليه حتى سمعت صوت العظم قوله فوضعت رجلي وأنا أرى بضم الهمزة أي أظن وذكر
[ 265 ]
بن إسحاق في روايته أنه كان سئ البصر قوله فانكسرت ساقي فعصبتها في رواية يوسف ثم خرجت دهشا حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فسقطت منه فانخلعت رجلي فعصبتها ويجمع بينهما بأنها انخلعت من المفصل وانكسرت الساق وقال الداودي هذا اختلاف وقد يتجوز في التعبير بأحدهما عن الآخر لان الخلع هو زوال المفصل من غير بينونة أي بخلاف الكسر قلت والجمع بينهما بالحمل على وقوعهما معا أولى ووقع في رواية بن إسحاق فوثبت يده وهو وهم والصواب رجله وان كان محفوظا فوقع جميع ذلك وزاد أنهم كمنوا في نهر وأن قومه أوقدوا النيران وذهبوا في كل وجه يطلبون حتى أيسوا رجعوا إليه وهو يقضي قوله قام الناعي في رواية يوسف صعد الناعية قوله أنعى أبا رافع كذا ثبت في الروايات بفتح العين قال بن التين هي لغة والمعروف انعوا والنعي خبر الموت والاسم الناعي وذكر الاصمعي أن العرب كانوا إذا مات فيهم الكبير ركب راكب فرسا وسار فقال نعي فلان قوله فقلت النجاء بالنصب أي أسرعوا في رواية يوسف ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله أحجل هو بمهملة ثم جيم الحجل هو أن يرفع رجلا ويقف على أخرى من العرج وقد يكون بالرجلين معا إلا أنه حينئذ يسمى قفزا لا مشيا ويقال حجل في مشيه إذا مشى مثل المقيد أي قارب خطوه وفي حديث عبد الله بن أنيس قال وتوجهنا من خيبر فكنا نكمن النهار ونسير الليل وإذا كمنا بالنهار أقعدنا منا واحدا يحرسنا فإذا رأى شيئا يخافه أشار إلينا فلما قربنا من المدينة كانت نوبتي فأشرت إليهم فخرجوا سراعا ثم لحقتهم فدخلنا المدينة فقالوا ماذا رأيت قلت ما رأيت شيئا ولكن خشيت أن تكونوا أعييتم فأحببت أن يحملكم الفزع قوله فمسحها فكأنها لم أشتكها قط ووقع في رواية يوسف أنه لما سمع الناعي قال فقمت أمشي ما بي قلبة وهو بفتح القاف واللام والموحدة أي علة انقلب بها وقال الفراء أصل القلاب بكسر القاف داء يصيب البعير فيموت من يومه فقيل لكل من سلم من علة ما به قلبة أي ليست به علة تهلكه وقوله فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته يحمل على أنه لما سقط من الدرجة وقع له جميع ما تقدم لكنه من شدة ما كان فيه من الاهتمام بالامر ما أحس
[ 266 ]
بالالم وأعين على المشي أولا وعليه يدل قوله ما بي قلبة ثم لما تمادى عليه المشي أحس بالالم فحمله أصحابه كما وقع في رواية بن إسحاق ثم لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليه فزال عنه جميع الالم ببركته صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث من الفوائد جواز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر وقتل من أعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أو ماله أو لسانه وجواز التجسيس على أهل الحرب وتطلب غرتهم والاخذ بالشدة في محاربة المشركين وجواز إبهام القول للمصلحة وتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين والحكم بالدليل والعلامة لاستدلال بن عتيك على أبي رافع بصوته واعتماده على صوت الناعي بموته والله أعلم قوله باب غزوة أحد سقط لفظ باب من رواية أبي ذر وأحد بضم الهمزة والمهملة جبل معروف بينه وبين المدينة أقل من فرسخ وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم جبل يحبنا ونحبه كما سيأتي في آخر باب من هذه الغزوة مع مزيد فوائد فيما يتعلق به ونقل السهيلي عن الزبير بن بكار في فضل المدينة أن قبر هارون عليه السلام بأحد وأنه قدم مع موسى في جماعة من بني إسرائيل حجاجا فمات هناك قلت وسند الزبير بن بكار في ذلك ضعيف جدا من جهة شيخه محمد بن الحسن بن زبالة ومنقطع أيضا وليس بمرفوع وكانت عند الوقعة المشهورة في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور وشذ من قال سنة أربع قال بن إسحاق لاحدى عشرة ليلة خلت منه وقيل لسبع ليال وقيل لثمان وقيل لتسع وقيل في نصفه وقال مالك كانت بعد بدر بسنة وفيه تجوز لان بدرا كانت في رمضان باتفاق فهي بعدها بسنة وشهر لم يكمل ولهذا قال مرة أخرى كانت بعد الهجرة بأحد وثلاثين شهرا وكان السبب فيها ما ذكر بن إسحاق عن شيوخه وموسى بن عقبة عن بن شهاب وأبو الاسود عن عروة قالوا وهذا ملخص ما ذكره موسى بن عقبة في سياق القصة كلها قال لما رجعت قريش استجلبوا من استطاعوا من العرب وسار بهم أبو سفيان حتى نزلوا ببطن الوادي من قبل أحد وكان رجال من المسلمين أسفوا على ما فاتهم من مشهد بدر وتمنوا إقاء العدو ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة رؤيا فلما أصبح قال رأيت البارحة في منامي بقرا تذبح والله خير وأبقى ورأيت سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظبته أو قال به فلول فكرهته وهما مصيبتان ورأيت أني في درع حصينة وأني مردف كبشا قالوا وما أولتها قال أولت البقر بقرا يكون فينا وأولت الكبش كبش الكتيبة وأولت الدرع الحصينة المدينة فامكثوا فان دخل القوم الازقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت فقال أولئك القوم يا نبي الله كنا نتمنى هذا اليوم وأبي كثير من الناس إلا الخروج فلما صلى الجمعة وانصرف دعا باللامة فلبسها ثم أذن في الناس بالخروج فندم ذوو الرأي منهم فقالوا يا رسول الله امكث كما أمرتنا فقال ما ينبغي لنبي إذا أخذ لامة الحرب أن يرجع حتى يقاتل نزل فخرج بهم وهم ألف رجل وكان المشركون ثلاثة آلاف حتى نزل بأحد ورجع عنه عبد الله بن أبي بن سلول في ثلاثمائة فبقي في سبعمائة فلما رجع عبد الله سقط في أيدي طائفتين من المؤمنين وهما بنو حارثة وبنو سلمة وصف المسلمون بأصل أحد وصف المشركون بالسبخة وتعبوا للقتال وعلى خيل المشركين وهي مائة فرس خالد بن الوليد وليس مع المسلمين فرس وصاحب لواء المشركين طلحة بن عثمان وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جبير على الرماة وهم خمسون رجلا وعهد إليهم أن لا يتركوا منازلهم وكان صاحب لواء المسلمين مصعب
[ 267 ]
بن عمير فبارز طلحة بن عثمان فقتله وحمل المسلمون على المشركين حتى أجهضوهم عن أثقالهم وحملت خيل المشركين فنضحتهم الرماة بالنبل ثلاث مرات فدخل المسلمون عسكر المشركين فانتهبوهم فرأى ذلك الرماة فتركوا مكانهم ودخل العسكر فأبصر ذلك خالد بن الوليد ومن معه فحملوا على المسلمين في الخيل فمزقوهم وصرخ صارخ قتل محمد أخراكم فعطف المسلمون يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون وانهزم طائفة منهم إلى جهة المدينة وتفرق سائرهم ووقع فيهم القتل وثبت نبي الله حين انكشفوا عنه وهو يدعوهم في أخراهم حتى رجع إليه بعضهم وهو عند المهراس في الشعب وتوجه النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس أصحابه فاستقبله المشركون فرموا وجهه فأدموه وكسروا رباعيته فمر مصعدا في الشعب ومعه طلحة والزبير وقيل معه طائفة من الانصار منهم سهل بن بيضاء والحارث بن الصمة وشغل المشركون بقتلى المسلمين يمثلون بهم يقطعون الآذان والانوف والفروج ويبقرون البطون وهم يظنون أنهم أصابوا النبي صلى الله عليه وسلم وأشراف أصحابه فقال أبو سفيان يفتخر بآلهته اعل هبل فناداه عمر الله أعلى وأجل ورجع المشركون إلى أثقالهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه إن ركبوا وجعلوا الاثقال تتبع آثار الخيل فهم يريدون البيوت وان ركبوا الاثقال وتجنبوا الخيل فهم يريدون الرجوع فتبعهم سعد بن أبي وقاص ثم رجع فقال رأيت الخيل مجنونة فطابت أنفس المسلمين ورجعوا إلى قتلاهم فدفنوهم في ثيابهم ولم يغسلوهم ولم يصلوا عليهم وبكى المسلمون على قتلاهم فسر المنافقون وظهر غش اليهود وفارت المدينة بالنفاق فقالت اليهود لو كان نبيا ما ظهروا عليه وقالت المنافقون لو أطاعونا ما أصابهم هذا قال العلماء وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول أن لا يبرحوا منه ومنها أن عادة الرسل أن تبتلي وتكون لها العاقبة كما تقدم في قصة هرقل مع أبي سفيان والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة فاقتضت الحكمة الجمع بين الامرين لتمييز الصادق من الكاذب وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيا عن المسلمين فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحا وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم ومنها أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها فلما ابتلى المؤمنون صبروا وجزع المنافقون ومنها أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها ومنها أن الشهادة من أعلى مراتب الاولياء فساقها إليهم ومنها أنه أراد إهلاك أعدائه فقيض لهم الاسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه فمحص بذلك ذنوب المؤمنين ومحق بذلك الكافرين ثم ذكر المصنف آيات من آل عمران في هذا الباب وفيما بعده كلها تتعلق بوقعة أحد وقد قال بن إسحاق أنزل الله في شأن أحد ستين آية من آل عمران وروى بن أبي حاتم من طريق المسور بن مخرمة قال قلت لعبد الرحمن بن عوف أخبرني عن قصتكم يوم أحد قال اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجدها وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين
[ 268 ]
مقاعد للقتال إلى قوله آمنة نعاسا قوله وقول الله تعالى وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم وقوله غدوت أي خرجت أول النهار والعامل في إذ مضمر تقديره واذكر إذ غدوت وقوله تبوئ المؤمنين أي تنزلهم وأصله من المآب وهو المرجع والمقاعد جمع مقعد والمراد به مكان القعود وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال غدا نبي الله من أهله يوم أحد يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ومن طريق مجاهد والسدي وغيرهما نحوه ومن طريق الحسن أن ذلك كان يوم الاحزاب ووهاه قوله ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين الاصل توهنوا فحذفت الواو والوهن الضعيف يقال وهو بالفتح يهن بالكسر في المضارع وهذا هو الافصح ويستعمل وهن لازما ومتعديا قال تعالى وهن العظم مني وفي الحديث وهنتم حمى يثرب والاعلون جمع أعلى وقوله ان كنتم مؤمنين محذوف الجواب وتقديره فلا تهنوا ولا تحزنوا وأخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله ولا تهنوا أي لا تضعفوا ومن طريق الزهري قال كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القتل والجراح حتى خلص إلى كل امرئ منهم نصيب فاشتد حزنهم فعزاهم الله أحسن تعزية ومن طريق قتادة نحوه قال فعزاهم وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز ومن طريق بن جريج قال في قوله ولا تهنوا أي لا تضعفوا في أمر عدوكم ولا تحزنوا في أنفسكم فإنكم أنتم الاعلون قال والسبب فيها أنهم لما تفرقوا ثم رجعوا إلى الشعب قالوا ما فعل فلان ما فعل فلان فنعى بعضهم بعضا وتحدثوا بينهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فكانوا في هم وحزن فبينما هم كذلك إذ علا خالد بن الوليد بخيل المشركين فوقهم فثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله وعلا المسلمون الجبل والتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق العوفي عن بن عباس قال أقبل خالد بن الوليد يريد أن يعلوا الجبل عليهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم لا يعلون علينا فأنزل الله تعالى ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون قوله وقوله تعالى ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم تستأصلونهم قتلا بإذنه الآية إلى قوله والله ذو فضل على المؤمنين أخرج الطبري من طريق السدي وغيره أن المراد بالوعد قوله صلى الله ع ليه وسلم للرماة إنكم ستظهرون عليهم فلا تبرحوا من مكانكم حتى آمركم وقد ذكر المصنف قصة الرماة في هذا الباب وسأذكر شرحها إن شاء الله تعالى ومن طريق قتادة ومجاهد في قوله إذ تحسونهم أي تقتلونهم وقول المصنف في تفسير تحسونهم تستأصلونهم هو كلام أبي عبيدة وأخرج الطبري من طريق السدي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم للرماة إنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم وكان أول من برز طلحة بن عثمان فقتل ثم حمل المسلمون على المشركين فهزموهم وحمل خالد بن الوليد وكان في خيل المشركين على الرماة فرموه بالنبل فانقمع ثم ترك الرماة مكانهم ودخلوا العسكر في طلب الغنيمة فصاح خالد في خيله فقتل من بقي من الرماة منهم أميرهم عبد الله بن جبير ولما رأى المشركون خيلهم ظاهرة تراجعوا فشدوا على المسلمين فهزموهم وأثخنوا فيهم في القتل وقوله حتى إذا فشلتم أي جبنتم وتنازعتم في الامر أي اختلفتم وحتى حرفجر وهي متعلقة بمحذوف أي دام لكم ذلك إلى وقت فشلكم ويجوز أن تكون ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية وجوابها محذوف وقوله تم صرفكم
[ 269 ]
عنهم فيه إشارة إلى رجوع المسلمين عن المشركين بعد أن ظهروا عليهم لما وقع من الرماة من الرغبة في الغنيمة وإلى ذلك الاشارة بقوله منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة قال السدي عن عبد خير قال قال عبد الله بن مسعود ما كنت أرى أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية يوم أحد منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة وقوله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموا تاالآية أخرج مسلم من طريق مسروق قال سألنا عبد الله بن مسعود عن هؤلاء الآيات قال أما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا إنه لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها الحديث ثم ذكر المصنف تلو هذه الآيات أحاديث كالمفسرة للآيات المذكورة الاول حديث عقبة بن عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد الحديث وهو متعلق بقوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله وقوله بعد ثمان سنين فيه تجوز تقدم بيانه في باب الصلاة على الشهداء من كتاب الجنائز وقوله ثم طلع المنبر فقال إني بين أيديكم فرط وقد وقع في مرسل أيوب بن بشر من رواية الزهري عنه عند بن أبي شيبة خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم فأكثر الصلاة عليهم وهذا يحمل على أن المراد أول ما تكلم به أي عند خروجه قبل أن يصعد المنبر قوله كالمودع للاحياء والاموات تابع حيوة بن شريح على هذه الزيادة عن يزيد بن أبي حبيب يحيى بن أيوب عند مسلم ولفظه ثم صعد المنبر كالمودع للاحياء والاموات وتوديع الاحياء ظاهر لان سياقه يشعر بأن ذلك كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم وأما توديع الاموات فيحتمل أن يكون الصحابي أراد بذلك انقطاع زيارته الاموات بجسده لانه بعد موته وإن كان حيا فهي حياة أخروية لا تشبه الحياة الدنيا والله أعلم ويحتمل أن يكون المراد بتوديع الاموات ما أشار إليه في حديث عائشة من الاستغفار لاهل البقيع وقد سبق شرح هذا الحديث في الجنائز وفي علامات النبوة وتأتي بقيته في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى تنبيه وقع في رواية أبي الوقت والاصيلي هنا قبل حديث عقبة بن عامر حديث بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد هذا جبريل آخذ برأس فرسه الحديث وهو وهم من وجهين أحدهما أن هذا الحديث تقدم بسنده ومتنه في باب شهود الملائكة بدرا ولهذا لم يذكره هنا أبو ذر ولا غيره من متقني رواة البخاري ولا استخرجه الاسماعيلي ولا أبو نعيم ثانيهما أن المعروف في هذا المتن يوم بدر كما تقدم لا يوم أحد والله المستعان الحديث الثاني حديث البراء بن عازب في قصة الرماة قوله عن البراء في رواية زهير في الجهاد عن أبي إسحاق سمعت البراء بن عازب قوله لقينا المشركين يومئذ في رواية لابي نعيم لما كان يوم أحد لقينا المشركين قوله الرماة في رواية زهير وكانوا خمسين رجلا وهذا هو المعتمد ووقع في الهدي أن الخمسين عدد الفرسان يومئذ وهو غلط بين وقد جزم موسى بن عقبة بأنه لم يكن معهم في أحد شئ من الخيل ووقع عند الواقدي كان معهم فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لابي بردة قوله وأمر عليهم عبد الله في رواية زهير عبد الله بن جبير وعند بن إسحاق أنه قال لهم انضحوا الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا قوله لا تبرحوا في رواية زهير حتى أرسل لكم قوله وان رأيتموهم ظهروا
[ 270 ]
علينا في رواية زهير وإن رأيتمونا تخطفنا الطير وفي حديث بن عباس عند أحمد والطبراني والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال لهم احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وان رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا قوله رأيت النساء يشتددن كذا للاكثر بفتح أوله وسكون المعجمة وفتح المثناة بعدها دال مكسورة ثم أخرى ساكنة أي يسرعن المشي يقال اشتد في مشيه إذا أسرع وكذا للكشميهني في رواية زهير وله هنا يسندن بضم أوله وسكون المهملة بعدها نون مكسورة ودال مهملة أي يصعدن يقال أسند في الجبل يسند إذا صعد وللباقين في رواية زهير يشددن بفتح أوله وسكون المعجمة وضم المهملة الاولى وسكون الثانية قال عياض ووقع للقابسي في الجهاد وكذا لابن السكن فيه وفي الفضائل وعند الاسماعيلي والنسفي يشتددن بمعجمة ودال واحدة وللكشميهني يستندون ولرفيقه يشدون وكله بمعنى وقد تقدم في أول الباب أن قريشا خرجوا معهم بالنساء لاجل الحفيظة والثبات وسمى بن إسحاق النساء المذكورات وهن هند بنت عتبة خرجت مع أبي سفيان وأم حكيم بيت الحارث بن هشام مع زوجها عكرمة بن أبي جهل وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة مع زوجها الحارث بن هشام وبرزة بنت مسعود الثقفية مع زوجها صفوان بن أمية وهي والدة بن صفوان وريطة بنت شيبة السهمية مع زوجها عمرو بن العاص وهي والدة ابنه عبد الله وسلافة بنت سعد مع زوجها طلحة بن أبي طلحة الحجبي وخناس بنت مالك والدة مصعب بن عميرة وعمرة بنت علقمة بن كنانة وقال غيره كان النساء اللاتي خرجن مع المشركين يوم أحد خمس عشرة امرأة قوله رفعن عن سوقهن جمع ساق أي ليعينهن ذلك على سرعة الهرب وفي حديث الزبير بن العوام عند بن إسحاق قال والله لقد رأيتني أنظر إلى خذم هند بنت عتبة وصواحباتها مشمرات هوارب ما دون أحداهن قليل ولا كثير إذ مالت الرماة إلى العسكر حتى كشف القوم عنه وخلوا ظهرنا للجبل فأتينا من خلفنا وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم حتى ما يدنو منه أحد من القوم قوله فاخذوا يقولون الغنيمة الغنيمة فقال عبد الله بن جبير عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا فأبوا في رواية زهير فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة أي يوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون وزاد فقال عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة وفي حديث بن عباس فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين انكفت الرماة جميعا فدخلوا في العسكر ينتهبون وقد التفت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم هكذا وشبك بين أصابعه فلما أخلت الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على الصحابة فضرب بعضهم بعضا والتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير قد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين تسعة أو سبعة وجال المسلمون جولة نحو الجبل وصاح الشيطان قتل محمد وقد ذكرنا من حديث الزبير نحوه قوله فلما أبوا صرفت وجوههم في رواية زهير فلما أتوهم بالمثناة وقوله صرفت وجوههم أي تحيروا فلم يدروا أين يتوجهون وزاد زهير في روايته فذلك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا وجاء في رواية مرسلة أنهم من الانصار
[ 271 ]
وسأذكرها في الكلام على الحديث السابع من الباب الذي يليه وروى النسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال لما ولى الناس يوم أحد كان النبي صلى الله عليه وسلم في اثني عشر رجلا من الانصار وفيهم طلحة الحديث ووقع عند الطبري من طريق السدي قال تفرق الصحابة فدخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله فرماه بن قمئة بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجه فأثقله فتراجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون رجلا فجعلوا يذبون عنه فحمله منهم طلحة وسهل بن حنيف فرمى طلحة بسهم ويبست يده وقال بعض من فر إلى الجبل ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي يستأمن لنا من أبي سفيان فقال أنس بن النضر يا قوم إن كان محمد قتل فرب محمد لم يقتل فقاتلوا على ما قاتل عليه ثم ذكر قصة قتله كما سيأتي قريبا وقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبل فأراد رجل من اصحابه أن يرميه بسهم فقال له أنا رسول الله فلما سمعوا ذلك فرحوا به واجتمعوا حوله وتراجع الناس وسيأتي في باب مفرد ما يتعلق بمن شج وجهه عليه الصلاة والسلام قوله فأصيب سبعون قتيلا في رواية زهير فأصابوا منها أي من طائفة المسلمين وفي رواية الكشميهني فأصابوا منا وهي أوجه وزاد زهير كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة وقد تقدم بسط القول في ذلك وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي الضحى قال قتل يومئذ يعني يوم أحد سبعون أربعة من المهاجرين حمزة ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان وسائرهم من الانصار قلت وبهذا جزم الواقدي وفي كلام بن سعد ما يخالف ذلك ويمكن الجمع كما تقدم وأخرج بن حبان والحاكم في صحيحيهما عن أبي بن كعب قال أصيب يوم أحد من الانصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة وكان الخامس سعد مولى حاطب بن أبي بلتعة والسادس يوسف بن عمرو الاسلمي حليف بني عبد شمس وذكر المحب الطبري عن الشافعي أن شهداء أحد اثنان وسبعون وعن مالك خمسة وسبعون من الانصار خاصة أحد وسبعون وسرد أبو الفتح اليعمري أسماءهم فبلغوا ستة وتسعين من المهاجرين أحد عشر وسائرهم من الانصار منهم من ذكره بن إسحاق والزيادة من عند موسى بن عقبة أو محمد بن سعد أو هشام بن الكلبي ثم ذكر عن بن عبد البر وعن الدمياطي أربعة أو خمسة قال فزادوا عن المائة قال اليعمري قد ورد في تفسير قوله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها أنها نزلت تسلية للمؤمنين عمن أصيب منهم يوم أحد فانهم أصابوا من المشركين يوم بدر سبعين قتيلا وسبعين أسيرا في عدد من قتل قال اليعمري إن ثبتت فهذه الزيادة ناشئة عن الخلاف في التفصيل قلت وهو الذي يعول عليه والحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي والنسائي من طريق الثوري عن هشام بن حسان عن بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي ان جبريل هبط فقال خيرهم في أسارى بدر من القتل أو الفداء على أن يقتل من قابل مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا قال الترمذي حسن ورواه بن عون عن بن سيرين عن عبيدة مرسلا قلت ورواه بن عون عند الطبري ووصلها من وجه آخر عنه وله شاهد من حديث عمر عند أحمد وغيره قال اليعمري ومن الناس من يقول السبعين من الانصار خاصة وبذلك جزم بن سعد قلت وكأن الخطاب بقوله أو لما أصابتكم للانصار خاصة ويؤيده قول أنس أصيب منايوم أحد سبعون وهو في الصحيح بمعناه
[ 272 ]
قوله وأشرف أبو سفيان أي بن حرب وكان رئيس المشركين يومئذ قوله فقال أفي القوم محمد زاد زهير ثلاث مرات في المواضع الثلاث قوله فقال لا تجيبوه وقع في حديث بن عباس أين بن أبي كبشة أي بن أبي قحافة أين بن الخطاب فقال عمر ألا أجيبه قال بلى وكأنه نهى عن إجابته في الاولى وأذن فيها في الثالثة قوله فقال أن هؤلاء قتلوا في رواية زهير ثم رجع إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا قوله أبقى الله عليك ما يحزنك زاد زهير أن الذي عددت لاحياء كلهم قوله اعل هبل في رواية زهير ثم أخذ يرتجز اعل هبل قال بن إسحاق معنى قوله اعل هبل أي ظهر دينك وقال السهيلي معناه زاد علوا وقال الكرماني فان قلت ما معنى اعل ولا علو في هبل فالجواب هو بمعنى العلي أو المراد أعلى من كل شئ أه وزاد زهير قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال بكسر المهملة وتخفيف الجيم وفي حديث بن عباس الايام دول والحرب سجال وفي رواية بن إسحاق أنه قال أنعمت فعال أن الحرب سجال أه وفعال بفتح الفاء وتخفيف المهملة قالوا معناه أنعمت الازلام وكان استقسم بها حين خرج إلى أحد ووقع في خبر السدي عند الطبراني اعل هبل حنظلة بحنظلة ويوم أحد بيوم بدر وقد استمر أبو سفيان على اعتقاد ذلك حتى قال لهرقل لما سأله كيف كان حربكم معه أي النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم بسطه في بدء الوحي وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا سفيان على ذلك بل نطق النبي صلى الله عليه وسلم بهذه اللفظة كما في حديث أوس بن أبي أوس عند بن ماجة وأصله عند أبي داود الحرب سجال ويؤيد ذلك قوله تعالى وتلك الايام نداولها بين الناس بعد قوله إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله فإنها نزلت في قصة أحد بالاتفاق والقرح الجرح وأخرج بن أبي حاتم من مرسل عكرمة قال لما صعد النبي ص لى الله عليه وسلم الجبل جاء أبو سفيان فقال الحرب سجال فذكر القصة قال فأنزل الله تعالى إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وزاد في حديث بن عباس قال عمر لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار قال إنكم لتزعمون ذلك لقد خبنا إذا وخسرنا قوله وتجدون في رواية الكشميهني وستجدون قوله مثلة بضم الميم وسكون المثلثة ويجوز فتح أوله وقال بن التين بفتح الميم وضم المثلثة قال بن فارس مثل بالقتيل إذا جدعه قال بن إسحاق حدثني صالح بن كيسان قال خرجت هند والنسوة معها يثلن بالقتلى يجد عن الآذان والانف حتى اتخذت هند من ذلك حزما وقلائد وأعطت حزمها وقلائدها أي اللاتي كن عليها لوحشي جزاء له على قتل حمزة وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها قوله لم آمر بها ولم تسؤني أي لم أكرهها وإن كان وقوعها بغير أمري وفي حديث بن عباس ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا أدركته حمية الجاهلية فقال أما إنه كان لم يكرهه وفي رواية بن إسحاق والله ما رضيت وما سخطت وما نهيت وما أمرت وفي هذا الحديث من الفوائد منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصيتهما به بحيث كان أعداؤه لا يعرفون بذلك غيرهما إذ لم يسأل أبو سفيان عن غيرهما وأنه ينبغي للمرء أن يتذكر نعمة الله ويعترف بالتقصير عن أداء شكرها وفيه شؤم ارتكاب النهي وأنه يعم ضرره من لم يقع منه كما قال تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأن من آثر دنياه أضر بأمر آخرته ولم تحصل له
[ 273 ]
دنياه واستفيد من هذه الكائنة أخذ الصحابة الحذر من العود إلى مثلها والمبالغة في الطاعة والتحرزمن العدو الذين كانوا يظهرون أنهم منهم وليسوا منهم وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى في سورة آل عمران أيضا وتلك الايام نداولها بين الناس إلى أن قال وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين وقال ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب الحديث الثالث قوله عن عمرو هو بن دينار قوله اصطبح الخمر يوم أحد ناس ثم قتلوا شهداء سمى جابر منهم فيما رواه وهب بن كيسان عنه أباه عبد الله بن عمرو أخرجه الحاكم في الاكليل ودل ذلك على أن تحريم الخمر كان بعد أحد وصرح صدقة بن الفضل عن بن عيينة كما سيأتي في تفسير المائدة بذلك فقال في آخر الحديث وذلك قبل تحريمها وقد تقدم التنبيه على شئ من فوائده في أول الجهاد الحديث الرابع قوله حدثنا عبد الله هو بن المبارك قوله عن سعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف قوله أتى عبد الرحمن بن عوف بطعام في رواية نوفل بن إياس أن الطعام كان خبزا ولحما أخرجه الترمذي في الشمائل قوله وهو صائم ذكر بن عبد البر أن ذلك كان في مرض موته قوله قتل مصعب بن عمير تقدم نسبه وذكره في أول الهجرة وأنه كان من السابقين إلى الاسلام وإلى الهجرة وكان يقرئ الناس بالمدينة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان قتله يوم أحد وذكر ذلك بن إسحاق وغيره وقال بن إسحاق وكان الذي قتل مصعب بن عمير عمرو بن قمئة الليثي فظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال لهم قتلت محمدا وفي الجهاد لابن المنذر من مرسل عبيد بن عمير قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير وهو متجعف على وجهه وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث قوله وهو خير مني لعله قال ذلك تواضعا ويحتمل أن يكون ما استقر عليه الامر من تفضيل العشرة على غيرهم بالنظر إلى من لم يقتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع من أبي بكر الصديق نظير ذلك فذكر بن هشام أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق وعنده بنت سعد بن الربيع وهي صغيرة فقال من هذه قال هذه بنت رجل خير مني سعد بن الربيع كان من نقباء العقبة شهد بدرا واستشهد يوم أحد قوله كفن في بردة تقدم شرحه في كتاب الجنائز قوله وقتل حمزة أي بن عبد المطلب ستأتي كيفية قتله في هذا الباب قوله ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط يشير إلى ما فتح لهم من الفتوح والغنائم وحصل لهم من الاموال وكان لعبد الرحمن من ذلك الحظ الوافر قوله وقد خشينا أن تكون حسناتنا في رواية الجنائز طيباتنا وفي رواية نوفل بن إياس ولا أرانا أخرنا لما هو خير لنا قوله ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام في رواية أحمد عن غندر عن شعبة وأحسبه لم يأكله وفي الحديث فضل الزهد وأن الفاضل في الدين ينبغي له أن يمتنع من التوسع في الدنيا لئلا تنقص حسناته وإلى ذلك أشار عبد الرحمن بقوله خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى قال بن بطال وفيه أنه ينبغي ذكر سير الصالحين وتقللهم في الدنيا لتقل رغبته فيها قال وكان بكاء عبد الرحمن شفقا أن لا يلحق بمن تقدمه الحديث الخامس قوله عن عمرو هو بن دينار قوله قال رجل لم أقف على اسمه وزعم بن بشكوال أنه عمير بن الحمام وهو بضم المهملة وتخفيف الميم وسبقه إلى ذلك الخطيب واحتج بما أخرجه مسلم من حديث أنس ان عمير بن الحمام
[ 274 ]
أخرج تمرات فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا أحييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ثم قاتل حتى قتل قلت لكن وقع التصريح في حديث أنس أن ذلك كان يوم بدر والقصة التي في الباب وقع التصريح في حديث جابر أنها كانت يوم أحد فالذي يظهر أنهما قصتان وقعتا لرجلين والله أعلم وفيه ما كان الصحابة عليه من حب نصر الاسلام والرغبة في الشهادة ابتغاء مرضاة الله الحديث السادس حديث خباب وقد تقدم شرحه في كتاب الجنائز ويأتي أيضا بعد سبعة أبواب ويأتي شرحه في كتاب الرقاق الحديث السابع قوله أخبرنا حسان بن حسان هو أبو علي البصري نزيل مكة ويقال أيضا حسان بن أبي عباد ووهم من جعله اثنين وهو من قدماء شيوخ البخاري مات سنة ثلاث عشر وماله عنده سوى هذا الحديث وآخر في أبواب العمرة ومحمد بن طلحة أي بن مصرف بتشديد الراء المكسورة كوفي فيه مقال إلا أنه لم ينفرد بهذا عن حميد فقد تقدم في الجهاد من رواية عبد الاعلى بن عبد الاعلى بأتم من هذا السياق فيه عن حميد سألت أنسا قوله ليرين الله بفتح التحتانية والراء ثم التحتانية وتشديد النون والله بالرفع ومراده أن يبالغ في القتال ولو زهقت روحه وقال أنس في رواية ثابت وخشى أن يقول غيرها أي غير هذه الكلمة وذلك على سبيل الادب منه والخوف لئلا يعرض له عارض فلا يفي بما يقول فيصير كمن وعد فأخلف قوله فلقى يوم أحد فهزم الناس يأتي بيانه قريبا في شرح الحديث السابع من الباب الذي بعده قوله ما أجد بضم أوله وكسر الجيم وتشديد الدال للاكثر من الرباعي يقال أجد في الشئ يجد إذا بالغ فيه وقال بن التين صوابه بفتح الهمزة وضم الجيم يقال أجد يجد إذا اجتهد في الامر أما أجد فإنما يقال لمن سار في أرض مستوية ولا معنى لها هنا قال وضبطه بعضهم بفتح الهمزة وكسر الجيم وتخفيف الدال من الوجدان أي ما التقى من الشدة في القتال قوله إني أجد ريح الجنة دون أحد يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة عما يعهد فعرف أنها ريح الجنة ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين حتى كأن الغائب عنه صار محسوسا عنده والمعنى أن الموضع الذي أقاتل فيه يئول بصاحبه إلى الجنة قوله فمضى فقتل في رواية عبد الاعلى قال سعد بن معاذ فما استطعت يا رسول الله ما صنع قلت وهذا يشعر بأن أنس بن مالك إنما سمع هذا الحديث من سعد بن معاذ لانه لم يحضر قتل أنس بن النضر ودل ذلك على شجاعة مفرطة في أنس بن النضر بحيث أن سعد بن معاذ مع ثباته يوم أحد وكمال شجاعته ما جسر على ما صنع أنس بن النضر قوله فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه كذا هنا بالشك والاول بالمعجمة والميم والثاني بموحدتين ونونين بينهما ألف والثاني هو المعروف وبه جزم عبد الاعلى في روايته وكذا وقع في رواية ثابت عن أنس عند مسلم قوله وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم ووقع في رواية عبد الاعلى بلفظ ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم وليست أو للشك بل هي التقسيم وزاد في روايته ووجدناه قد مثل به المشركون وعنده قال أنس كنا نرى أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى إلى آخر الآية وفي رواية ثابت المذكورة قال أنس فنزلت هذه الآية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه وكذا وقع الجزم بأنها نزلت في ذلك عند المصنف في تفسير الاحزاب
[ 275 ]
من طريق ثمامة عن أنس ولفظه هذه الآية نزلت في أنس بن النضر الله تبارك وتعالى الحديث الثامن حديث زيد بن ثابت أورده مختصرا وسيأتي تاما في فضائل القرآن مع شرحه الحديث التاسع قوله عبد الله بن يزيد هو الخطمي بفتح المعجمة وسكون المهملة صحابي صغير قوله رجع ناس ممن خرج معه يعني عبد الله بن أبي وأصحابه وقد ورد ذلك صريحا في رواية موسى بن عقبة في المغازي وأن عبد الله بن أبي كان وافق رأيه رأى النبي صلى الله عليه وسلم على الاقامة بالمدينة فلما أشار غيره بالخروج وأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج قال عبد الله بن أبي لاصحابه أطاعهم وعصاني علام نقتل أنفسنا فرجع بثلث الناس قال بن إسحاق في روايته فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام وهو والد جابر وكان خزرجيا كعبد الله بن أبي فناشدهم أن يرجعوا فأبوا فقال أبعدكم الله قوله وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين أي في الحكم فيمن انصرف مع عبد الله بن أبي قوله فنزلت هذا هو الصحيح في سبب نزولها وأخرج بن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم عن أبي سعيد بن معاذ قال نزلت هذه الآية في الانصار خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من لي بمن يؤذيني فذكر منازعة سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير ومحمد بن مسلمة قال فأنزل الله هذه الآية وفي سبب نزولها قول آخر أخرجه أحمد من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه أن قوما أتوا المدينة فأسلموا فأصابهم الوباء فرجعوا واستقبلهم ناس من الصحابة فأخبروهم فقال بعضهم نافقوا وقال بعضهم لا فنزلت وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سلمة مرسلا فإن كان محفوظا احتمل أن تكون نزلت في الامرين جميعا قوله وقال إنها طيبة تنفي الذنوب كذا في هذه الرواية وتقدم في الحج تنفي الدجال ويأتي في التفسير بلفظ تنفي الخبث وهو المحفوظ وقد سبق الكلام عليه في أواخر الحج مستوفى قوله كما تنفي النار الخ هو حديث آخر تقدم في أواخر الحج وقد فرقه مسلم حديثين فذكر ما يتعلق بهذه القصة في باب ذكر المنافقين وهو في أواخر كتابه وذكر قوله أنها طيبة الخ في فضل المدينة من أواخر كتاب الحج وهو من نادر صنيعه بخلاف البخاري فإنه يقطع الحديث كثيرا في الابواب قوله باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما الآية الفشل بالفاء والمعجمة الجبن وقيل الفشل في الرأي العجز وفي البدن الاعياء وفي الحرب الجبن والولي الناصر وذكر المصنف فيه أحد عشر حديثا الحديث الاول قوله عن عمرو هو بن دينار قوله نزلت هذه الآية فينا أي في قومه بني سلمة وهم من الخزرج وفي أقاربهم بني حارثة وهم من الاوس قوله وما أحب أنها لم تنزل والله يقول والله وليهما أي وان الآية وإن كان في ظاهرها غض منهم لكن في آخرها غاية الشرف لهم قال بن إسحاق قوله والله وليهما أي الدافع عنهما ما هموا به من الفشل لان ذلك كان من وسوسة الشيطان من غير وهن منهم الحديث الثاني والثالث عز وجلقوله عن عمرو هو بن دينار قوله تسع بنات في رواية الشعبي
[ 276 ]
ست بنات فكأن ثلاثا منهن كن متزوجات أو بالعكس وقد تقدم شرح ما تضمنته الرواية الثانية في علامات النبوة ويأتي شرح ما تضمنته الرواية الاولى في كتاب النكاح وقد تقدم في الجنائز من وجه آخر عن جابر والغرض من إيراده هنا أن عبد الله والد جابر كان ممن استشهد بأحد وعند الترمذي من طريق طلحة بن خراش سمعت جابرا يقول لقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال مالي أراك منكسرا قلت يا رسول الله استشهد أبي بأحد وترك دينا وعيالا قال أفلا أبشرك إن الله قد لقي أباك فقال تمن علي قال تحييني فأقتل فيك مرة أخرى وأنزلت هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء الآية الحديث الرابع قوله عن أبيه هو سعد بن إبراهيم قوله ومعه رجلان يقاتلان عنه هما جبريل وميكائيل كذا وقع في مسلم من طريق أخرى عن مسعر وفي آخره يعني جبريل وميكائيل قوله ما رأيتهما قبل ولا بعد في رواية الطيالسي عن إبراهيم بن سعد لم أرهما قبل ذلك اليوم ولا بعده الحديث الخامس حديث سعد أورده من وجهين عن سعيد بن المسيب عنه ومن وجهين عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب وقوله في الرواية الثانية حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وفي الثالثة ليث وهو بن سعد عن يحيى وهو بن سعيد الانصاري ورواية الليث أتم وقوله في الرواية الاولى هاشم بن هاشم أي بن عتبة أي بن أبي وقاص وإنما قال في نسبته السعدي لانه منسوب إلى عم أبيه سعد وهو جده من قبل الام وقوله نثل بفتح النون والمثلثة أي نفض وزنا ومعنى والكنانة جعبة السهام وتكون غالبا من جلود وقوله في الرواية الثالثة كلاهما كذا لابي ذر وأبي الوقت ولغيرهما كليهما وهما جائزان وقوله ارم فداك أبي وأمي هو تفسير لما في الروايتين الاخريين من قوله جمع لي أبويه ورأيت في هذا الحديث زيادة من وجه آخر مرسل أخرجها بن عائذ عن الوليد بن مسلم عن يحيى بن حمزة قال قال سعد رميت بسهم فرد علي النبي صلى الله عليه وسلم سهمي أعرفه حتى واليت بين ثمانية أو تسعة كل ذلك يرده علي فقلت هذا سهم دم فجعلته في كنانتي لا يفارقني وعند الحاكم لهذه القصة بيان سبب فأخرج من طريق يونس بن بكير وهو في المغازي روايته من طريق عائشة بنت سعد عن أبيها قال جال الناس يوم أحد تلك الجولة تنحيت فقلت أذود عن نفسي فأما أن أنجو وإما أن استشهد فإذا رجل محمر وجهه وقد كاد المشركون أن يركبوه فملا يده من الحصى فرماهم وإذا بيني وبينه المقداد فأردت أن أسأله عن الرجل فقال لي يا سعد هذا رسول الله يدعوك فقمت وكأنه لم يصبني شئ من الاذى وأجلسني أمامه فجعلت أرمي فذكر الحديث الحديث السادس أورده من وجهين قوله عن سعد هو بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وابن شداد هو عبد الله كما في الرواية الثانية وأبوه صحابي جليل ويسرة بفتح التحتانية والمهملة وإبراهيم هو بن سعد بن إبراهيم المذكور قوله وغير سعد أي بن أبي وقاص وهو بن مالك كما في الرواية الثانية وقوله فيها إلا لسعد بن مالك
[ 277 ]
في رواية الكشميهني غير سعد بن مالك الحديث السابع الرب عز وجلقوله عن معتمر هو بن سليمان وقوله زعم أبو عثمان يعني النهدي ورواية الاسماعيلي سمعت أبا عثمان قوله في تلك الايام في رواية غير أبي ذر في بعض تلك الايام وهو أبين لان المراد بالبعض يوم أحد وقوله الذي يقاتل فيهن في رواية أبي ذر التي وقوله غير طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وقوله عن حديثهما يريد أنهما حدثا أبا عثمان بذلك ووقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق عبد الله بن معاذ عن معتمر في هذا الحديث قال سليمان فقلت لابي عثمان وما علمك بذلك قال عن حديثهما وهذا قد يعكر عليه ما تقدم قريبا في الحديث الخامس أن المقداد كان ممن بقي معه لكن يحتمل أن المقداد إنما حضر بعد تلك الجولة ويحتمل أن يكون انفرادهما عنه في بعض المقامات فقد روى مسلم من طريق ثابت عن أنس قال أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في سبعة من الانصار ورجلين من قريش وكأن المراد بالرجلين طلحة وسعد وكأن المراد بالحصر المذكور في حديث الباب تخصيصه بالمهاجرين فكأنه قال لم يبق معه من المهاجرين غير هذين وتعين حمله على ما أولته وأن ذلك باعتبار اختلاف الاحوال وأنهم تفرقوا في القتال فلما وقعت الهزيمة فيمن انهزم وصاح الشيطان قتل محمد اشتغل كل واحد منهم بهمه والذب عن نفسه كما في حديث سعد ثم عرفوا عن قرب ببقائه فتراجعوا إليه أولا فأولا ثم بعد ذلك كان يندبهم إلى القتال فيشتغلون به وروى بن إسحاق بإسناد حسن عن الزبير بن العوام قال مال الرماة يوم أحد يريدون النهب فأتينا من ورائنا وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل فانكفأنا راجعين وانكفأ القوم علينا وسمى بن إسحاق في المغازي بإسناد له أن جملة من استشهد من الانصار الذين بقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ زياد بن السكن قال وبعضهم يقول عمارة بن السكن في خمسة من الانصار وعند بن عائذ من مرسل المطلب بن عبد الله بن حنطب ان الصحابة تفرقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى بقي معه اثنا عشر رجلا من الانصار وللنسائي والبيهقي في الدلائل من طريق عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر قال تفرق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلا من الانصار وطلحة وإسناده جيد وهو كحديث أنس إلا أن فيه زيادة أربعة فلعلهم جاءوا بعد ذلك وعند محمد بن سعد أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين منهم أبو بكر وسبعة من الانصار ويجمع بينه وبين حديث الباب بأن سعدا جاءهم بعد ذلك كما في حديثه الذي قدمته في الحديث الخامس وأن المذكور من الانصار استشهدوا كما في حديث أنس فان فيه عند مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة فقام رجل من الانصار فذكر أن المذكور من الانصار استشهدوا كلهم فلم يبق غير طلحة وسعد ثم جاء بعدهم من جاء وأما المقداد فيحتمل أن يكون استمر مشتغلا بالقتال وسيأتي بيان ما جرى لطلحة بعد هذا وذكر الواقدي في المغازي أنه ثبت يوم أحد من المهاجرين سبعة أبو بكر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد وطلحة والزبير وأبو عبيدة ومن الانصار أبو دجانة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وقيل إن سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة بدل الاخيرين وإن ثبت حمل على أنهم ثبتوا في الجملة وما تقدم فيمن حضر عنده صلى الله عليه وسلم أولا فأولا
[ 278 ]
والله أعلم الحديث الثامن قوله عن محمد بن يوسف هو الكندي والسائب بن يزيد صحابي صغير قوله إلا أني سمعت طلحة يعني بن عبيد الله يحدث عن يوم أحد وقد تقدم شرح هذا الحديث في الجهاد ووقع عند أبي يعلى من وجه آخر عن السائب بن يزيد أن طلحة ظاهر يوم أحد بين درعين وذكر بن إسحاق أن طلحة جلس تحت النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الجبل قال فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده عن عبد الله بن الزبير قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ يقول أوجب طلحة الحديث التاسع قوله عن إسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وقوله رأيت يد طلحة أي بن عبيد الله وقوله شلاء بفتح المعجمة وتشديد اللام مع المد أي أصابها الشلل وهو ما يبطل عمل الاصابع أو بعضها قوله وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقع بيان ذلك عند الحاكم في الاكليل من طريق موسى بن طلحة جرح يوم أحد تسعا وثلاثين أو خمسا وثلاثين وشلت إصبعه أي السبابة والتي تليها وللطيالسي من طريق عيسى بن طلحة عن عائشة قالت كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال كان ذلك اليوم كله لطلحة قال كنت أول من فاء فرأيت رجلا يقاتل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقلت كن طلحة قلت حيث فاتني يكون رجل من قومي وبيني وبينه رجل من المشركين فإذا هو أبو عبيدة فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دونكما صاحبكما يريد طلحة فإذا هو قد قطعت إصبعه فلما أصلحنا من شأنه وفي حديث جابر عند النسائي قال فأدرك المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من للقوم فقال طلحة أنا فذكر قتل الذين كانوا معهما من الانصار وقال ثم قاتل طلحة قتال الاحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه فقال حسن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون قال ثم رد الله المشركين الحديث العاشر قوله عبد العزيز هو بن صهيب قوله انهزم الناس أي بعضهم أو أطلق ذلك باعتبار تفرقهم كما تقدم بيانه والواقع أنهم صاروا ثلاث فرق فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة فما رجعوا حتى انفض القتال وهم قليل وهم الذين نزل فيهم إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل فصار غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه أو يستمر على بصيرته في القتال إلى أن يقتل وهم أكثر الصحابة وفرقة ثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم تراجع إليه القسم الثاني شيئا فشيئا لما عرفوا أنه حي كما بينته في الحديث السابع وبهذا يجمع بين مختلف الاخبار في عدة من بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم فعند محمد بن عائذ من مرسل المطلب بن حنطب لم يبق معه سوى اثني عشر رجلا وعند بن سعد ثبت معه سبعة من الانصار وسبعة من قريش وفي مسلم من حديث أنس أفرد في سبعة من الانصار ورجلين من قريش طلحة وسعد وقد سرد أسماءهم الواقدي واقتصر أبو عثمان النهدي على ذكر طلحة وسعد وهو في الصحيح وأخرج الطبري من طريق السدي أن بن قمئة لما رمى النبي صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته وشجه في وجهه وتفرق الصحابة منهزمين وجعل يدعوهم فاجتمع إليه منهم ثلاثون رجلا فذكر بقية القصة قوله وأبو طلحة هو زيد بن سهل الانصاري وهو زوج والدة أنس وكان أنس حمل هذا الحديث عنه قوله مجوب بضم أوله وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة بعدها موحدة أي مترس ويقال للترس جوبة والحجفة بفتح المهملة
[ 279 ]
والجيم والفاء هي الترس قوله شديد النزع بفتح النون والزاي الساكنة ثم المهملة أي رمى السهم وتقدم في الجهاد من وجه آخر بلفظ كان أبو طلحة حسن الرمي وكان يتترس مع النبي صلى الله عليه وسلم بترس واحد قوله كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا أي من شدة الرمي قوله بجعبة بضم الجيم وسكون العين المهملة بعدها موحدة هي الآلة التي يوضع فيها السهام قوله لا تشرف بضم أوله وسكون المعجمة من الاشراف ولابي الوقت بفتح أوله وسكون الشين أيضا وتشديد الراء وأصله تتشرف أي لا تطلب الاشراف عليهم قوله يصبك بسكون الموحدة على أنه جواب النهي ولغير أبي ذر يصيبك بالرفع وهو جائز على تقدير كأنه قال مثلا لا تشرف فإنه يصيبك قوله نحري دون نحرك أي أفديك بنفسي قوله ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين وأم سليم اي والدة أنس قوله أرى خدم سوقهما بفتح المعجمة والمهملة جمع خدمة وهي الخلاخيل وقيل الخدمة أصل الساق والسوق جمع ساق وقد تقدم في الجهاد وكذا شرح قوله تنقزان القرب والاختلاف في لفظه قوله ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة في رواية الاصيلي من يدي بالتثنية قوله إما مرتين وإما ثلاثا زاد مسلم عن الدارمي عن أبي معمر شيخ البخاري فيه بهذا الاسناد من النعاس فأفاد سبب وقوع السيف من يده وسيأتي بعد باب من وجه آخر عن أنس عن أبي طلحة كنت فيمن يغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا ولاحمد والحاكم من طريق ثابت عن أنس رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم من أحد إلا وهو يميل تحت حجفته من النعاس وهو قوله تعالى إذ يغشاكم النعاس أمنة منه الحديث الحادي عشر قوله لما كان يوم أحد هزم المشركون فصرخ إبليس أي عباد الله أخراكم أي احترزوا من جهة أخراكم وهي كلمة تقال لمن يخشى أن يؤتى عند القتال من ورائه وكان ذلك لما ترك الرماة مكانهم ودخلوا ينتهبون عسكر المشركين كما سبق بيانه قوله فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم أي وهم يظنون أنهم من العدو وقد تقدم بيان ذلك من حديث بن عباس الذي أخرجه أحمد والحاكم وأنهم لما رجعوا اختلطوا بالمشركين والتبس العسكران فلم يتميزوا فوقع القتل على المسلمين بعضهم من بعض قوله فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال أي عباد الله أبي أبي هو بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة وأعادها تأكيدا وإنما ضبطه لئلا يصحف بأبي بضم الهمزة وفتح الموحدة مع التشديد وأفاد بن سعد أن الذي قتل اليمان خطأ عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن مسعود وهو في تفسير عبد بن حميد من وجه آخر عن بن عباس وذكر بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد قال كان اليمان والد حذيفة وثابت بن وقش شيخين كبيرين فتركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع النساء والصبيان فتذاكرا بينهما ورغبا في الشهادة فأخذا سيفيهما ولحقا بالمسلمين بعد الهزيمة فلم يعرفوا بهما فأما ثابت فقتله المشركون وأما اليمان فاختلف عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه قوله قال عروة الخ تقدم بيانه في المناقب وفي رواية بن إسحاق فقال حذيفة قتلتم أبي قالوا والله ما عرفناه وصدقوا فقال حذيفة يغفر الله لكم فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا وفيه تعقب على بن التين حيث قال ان الراوي سكت في قتل اليمان عما يجب فيه من الدية والكفارة فأما أن تكون لم تفرض يومئذ أو كتفي بعلم السامع
[ 280 ]
الله عز وجلقوله إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان اتفق أهل العلم بالنقل على أن المراد به هنا يوم أحد وغفل من قال يوم بدر لانه لم يول فيها أحد من المسلمين نعم المراد بقوله تعالى وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان وهي في سورة الانفال يوم بدر ولا يلزم منه أن يكون حيث جاء التقى الجمعان المراد به يوم بدر قوله استزلهم أي زين لهم أن يزلوا وقوله ببعض ما كسبوا قال بن التين يقال إن الشيطان ذكرهم خطاياهم فكرهوا القتال قبل التوبة ولم يكرهوه معاندة ولا نفاقا فعفا الله عنهم قلت ولم يتعين ما قال فيحتمل أن يكونوا فروا جبنا ومحبة في الحياة لا عنادا ولا نفاقا فتابوا فعفا الله عنهم ثم ذكر حديث بن عمر في قصة عثمان وقد تقدم شرحه في مناقب عثمان وقدمت أني لم أقف على اسمه صريحا إلا أنه يحتمل يكون هو العلاء بن عرار ثم رأيت لبعضهم أن اسمه حكيم فليحرر وفي الرواية المتقدمة أنه من أهل مصر ثم وجدت الجزم بالعلاء بن عرار وهما بالمهملات وذلك في مناقب عثمان ويأتي بأبسط من ذلك في تفسير وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة من سورة البقرة وقوله في هذه الرواية أنشدك بحرمة هذا البيت فيه جواز مثل هذا القسم عند أثر عبد الله بن عمر لكونه لم ينكر عليه وسيأتي البحث في شئ من هذا في كتاب الايمان والنذور إن شاء الله تعالى قوله إني سائلك عن شئ أتحدثني زاد في رواية أبي نعيم المذكورة قال نعم قوله باب إذ تصعدون ولا تلوون على أحد إلى قوله بما تعملون قوله تصعدون تذهبون أصعد وصعد فوق البيت سقط هذا التفسير للمستملي كأنه يريد الاشارة إلى التفرقة بين الثلاثي والرباعي فالثلاثي بمعنى ارتفع والرباعي بمعنى ذهب وقال بعض أهل اللغة أصعد إذا ابتدأ السير وقوله فأثابكم غما بغم روى عبد بن حميد من طريق مجاهد قال كان الغم الاول حين سمعوا الصوت أن محمدا قد قتل والثاني لما انحاز وإلى النبي صلى الله عليه وسلم وصعدوا في الجبل فتذكروا قتل من قتل منهم فاغتموا ومن طريق سعيد عن قتادة نحوه وزاد وقوله لكيلا تحزنوا على ما فاتكم أي من الغنيمة ولا ما أصابكم أي من الجراح وقتل إخوانكم وروى الطبري من طريق السري نحوه لكن قال الغم الاول ما فاتهم من الغنيمة والثاني ما أصابهم من الجراح وزاد قال لما صعدوا أقبل أبو سفيان بالخيل حتى أشرف عليهم فنسوا ما كانوا فيه من الحزن على من قتل منهم واشتغلوا بدفع المشركين ثم ذكر المصنف طرفا من حديث البراء في قصة الرماة وقد تقدم شرحه قريبا قوله باب قوله ثم أنزل
[ 281 ]
عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا الآية ذكر فيه حديث أبي طلحة كنت فيمن تغشاه النعاس الحديث وقد تقدم شرحه قريبا قال بن إسحاق أنزل الله النعاس أمنة لاهل اليقين فهم نيام لا يخافون والذين أهمتهم أنفسهم أهل النفاق في غاية الخوف والذعر قوله باب قوله ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون أي بيان سبب نزول هذه الآية وقد ذكر في الباب سببين ويحتمل أن تكون نزلت في الامرين جميعا فإنهما كانا في قصة واحدة وسأذكر في آخر الباب سببا آخر قوله وقال حميد وثابت عن أنس شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم فنزلت ليس لك من الامر شئ أما حديث حميد فوصله أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن حميد به وقال بن إسحاق في المغازي حدثني حميد الطويل عن أنس قال كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وشج وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل يمسح الدم وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله الآية وأما حديث ثابت فوصله مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد وهو يسلت الدم عن وجهه كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وأدموا وجهه فأنزل الله عزوجل ليس لك من الامر شئ الآية وذكر بن هشام في حديث أبي سعيد الخدري أن عتبة بن أبي وقاص هو الذي كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم السفلى وجرح شفته السفلى وأن عبد الله بن شهاب الزهري هو الذي شجه في جبهته وأن عبد الله بن قمئة جرحه في وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته وأن مالك بن سنان مص الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال لن تمسك النار وروى بن إسحاق من حديث سعد بن أبي وقاص قال فما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل أخي عتبة بن أبي وقاص لما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وفي الطبراني من حديث أبي أمامة قال رمى عبد الله بن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فشج وجهه وكسر رباعيته فقال خذها وأنا بن قمئة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه مالك أقمأك الله فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة وأخرج بن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد عن جابر فذكر نحوه منقطعا وسيأتي في أواخر هذه الغزوة شواهد لحديث أنس من حديث أبي هريرة وغيره ووقع عند مسلم من طريق بن عباس عن عمر في قصة بدر قال فلما كان يوم أحد قتل منهم سبعون وفروا وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها الآية والمراد بكسر الرباعية وهي السن التي بين الثنية والناب أنها كسرت فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله العن فلانا وفلانا وفلانا سماهم في الرواية التي بعدها قوله وعن حنظلة بن أبي سفيان هو معطوف على قوله أخبرنا معمر الخ والراوي له عن حنظلة هو عبد الله بن المبارك ووهم من زعم أنه معلق وقوله سمعت سالم بن عبد الله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا الخ هو مرسل والثلاثة الذين سماهم قد أسلمويوم الفتح ولعل هذا هو السر في نزول
[ 282 ]
قوله تعالى ليس لك من الامر شئ ووقع في رواية يونس عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة نحو حديث بن عمر لكن في اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية قال ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت ليس لك من الامر شئ قلت وهذا إن كان محفوظا احتمل أن يكون نزول الآية تراخي عن قصة أحد لان قصة رعل وذكوان كانت بعدها كما سيأتي تلو هذه الغزوة وفيه بعد والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أحد والله أعلم ويؤيد ذلك ظاهر قوله في صدر الآية ليقطع طرفا من الذين كفروا أي يقتلهم أو يكبتهم أي يخزيهم ثم قال أو يتوب عليهم أي فيسلموا أو يعذبهم أي ان ماتوا كفارا قوله باب ذكر أم سليط بفتح المهملة وكسر اللام ذكر فيه حديث عمر في قصة المروط وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد وأم سليط المذكورة هي والدة أبي سعيد الخدري كانت زوجا لابي سليط فمات عنها قبل الهجرة فتزوجها مالك بن سنان الخدري فولدت له أبا سعيد قوله قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه كذا لابي ذر ولغيره باب قتل حمزة فقط وللنسفي قتل حمزة سيد الشهداء وهذا اللفظ قد ثبت في حديث مرفوع أخرجه الطبراني من طريق الاصبغ بن نباته عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب 7) قوله حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله أي بن المبارك المخرمي بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء البغدادي روى عنه البخاري هنا وفي الطلاق وشيخه حجين بن المثنى بمهملة ثم جيم وآخره نون مصغر أصله من اليمامة وسكن بغداد وولي قضاء خراسان وهو من أقران كبار شيوخ البخاري لكن لم يسمع منه البخاري وليس له عنده سوى هذا الموضع قوله عن عبد الله بن الفضل هو بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني من صغار التابعين قوله عن جعفر بن عمرو بن أمية هو الضمري وأبوه هو الصحابي المشهور هذا هو المحفوظ وكذا رواه أحمد بن خالد الوهبي عن عبد العزيز أخرجه الطبراني وقد رواه أبو داود الطيالسي عن عبد العزيز شيخ حجين بن المثنى فيه فقال عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال أقبلنا من الروم فذكر الحديث والمحفوظ عن جعفر بن عمرو قال خرجت مع عبيد الله بن عدي وكذا أخرجه بن إسحاق عن عبد الله بن الفضل عن سليمان عن جعفر قال خرجت أنا وعبيد الله فذكره وكذا أخرجه بن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن جعفر بن عمرو بن أمية قال خرجت أنا وعبيد الله بن عدي وللطبراني من وجه آخر عن بن جابر قوله خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار النوفلي الذي تقدم ذكره في مناقب عثمان زاد أحمد بن خالد الوهبي عن عبد العزيز بن عبد الله فأدربنا أي دخلنا درب الروم مجاهدين فلما مررنا بحمص وكذا في رواية بن إسحاق وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر خرجت أنا وعبيد الله بن عدي غازيين الصائفة زمن معاوية فلما قفلنا مررنا بحمص قوله هل لك في وحشي أي بن حرب الحبشي مولى جبير بن مطعم قوله نسأله عن قتل حمزة في رواية الكشميهني فنسأله عن قتله حمزة زاد بن إسحاق كيف قتله قوله فسألنا عنه فقيل لنا في رواية بن إسحاق فقال لنا رجل ونحن نسأل عنه إنه غلب عليه الخمر فإن تجداه صاحيا تجداه عربيا يحدثكما بما شئتما وان
[ 283 ]
تجداه على غير ذلك فانصرفا عنه وفي رواية الطيالسي نحوه وقال فيه وإن أدركتماه شاربا فلا تسألاه قوله كأنه حميت بمهملة وزن رغيف أي زق كبير وأكثر ما يقال ذلك إذا كان مملوءا وفي رواية لابن عائذ فوجدناه رجلا سمينا ممرة عيناه وفي رواية الطيالسي فإذا به قد ألقى له شئ على بابه وهو جالس صاح وفي رواية بن إسحاق على طنفسة له وزاد فإذا شيخ كبير مثل البغاث يعني بفتح الموحدة والمعجمة الخفيفة وآخره مثلثة وهو طائر ضعيف الجثة كالرخمة ونحوها ممالا يصيد ولا يصاد قوله معتجر أي لاف عمامته على رأسه من غير تحنيك قوله يا وحشي أتعرفني في رواية بن إسحاق فلما انتهينا إليه سلمنا عليه فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي فقال بن العدي بن الخيار أنت قال نعم فيحتمل أن يكون قال له ذلك بعد أن قال له أتعرفني قوله أم قتال بكسر القاف بعدها مثناة خفيفة وفي رواية الكشميهني بموحدة والاول أصح وهي عمة عتاب بن أسيد أي بن أبي العيص بن أمية قوله أسترضع له أي أطلب له من يرضعه زاد في رواية بن إسحاق والله ما رأيتك منذنا ولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى فإني ناولتكها وهي على بعيرها فأخذتك فلمعت لي قدمك حين رفعتك فما هو إلا أن وقفت علي فعرفتها وهذا يوضح قوله في رواية الباب فكأني نظرت إلى قدميك يعني أنه شبه قدميه بقدم الغلام الذي حمله فكان هو هو وبين الرؤيتين قريب من خمسين سنة فدل ذلك على ذكاء مفرط ومعرفة تامة بالقيافة قوله ألا تخبرنا بقتل حمزة قال نعم في رواية الطيالسي فقال سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني قوله فلما أن خرج الناس أي قريش ومن معهم عام عينين أي سنة أحد وقوله عينين جبل بحيال أحد أي من ناحية أحد يقال فلان حيال كذا بالمهملة المكسورة بعد تحتانية خفيفة أي مقابله وهتفسير من بعض رواته والسبب في نسبة وحشي العام إليه دون أحد أن قريشا كانوا نزلوا عنده قال بن إسحاق نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة قوله خرجت مع الناس إلى القتال في رواية الطيالسي فانطلقت يوم أحد معي حربتي وأنا رجل من الحبشة ألعب لعبهم قال وخرجت ما أريد أن أقتل ولا أقاتل إلا حمزة وعند بن إسحاق وكان وحشي يقذف بالحربة قذف الحبشة قلما يخطئ قوله خرج سباع بكسر المهملة بعدها موحدة خفيفة وهو بن عبد العزي الخزاعي ثم الغبشاني بضم المعجمة وسكون الموحدة ثم معجمة ذكر بن إسحاق ان كنيته أبو نيار بكسر النون وتخفيف التحتانية قوله فخرج إليه حمزة في رواية الطيالسي فإذا حمزة كأنه جمل أورق ما يرفع له أحد إلا قمعه بالسيف فهبته وبادر إليه رجل من ولد سباع كذا قال والذي في الصحيح هو الصواب وعند بن إسحاق فجعل يهد الناس بسيفه وعنبن عائذ فرأيت رجلا إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا فقلت من هذا قالوا حمزة قلت هذا حاجتي قوله يا بن أم أنمار بفتح الهمزة وسكون النون هي أمه كانت مولاة لشريق بن عمرو الثقفي والد الاخنس قوله مقطعة البظور بالظاء المعجمة جمع بظر وهي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة عند الختان قال بن إسحاق كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء أه والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم والا قالوا خاتنة وذكر عمر بن شبة في كتاب مكة عن عبد العزيز بن المطلب أنها أم سباع وعبد العزي الخزاعي وكانت أمة وهي والدة خباب بن الارت الصحابي المشهور قوله اتحاد بمهملتين وتشديد الدال أي أتعاند وأصل المحاددة أن يكون ذا في حد وذا في حد ثم استعمل
[ 284 ]
في المحاربة والمعاداة وقوله كأمس الذاهب هي كناية عن قتله أي صيره عدما وفي رواية بن إسحاق فكأنما أخطأ رأسه وهذا يقال عند المبالغة في الاصابة قوله وكمنت بفتح الميم أي اختفيت وفي رواية بن عائذ عند شجرة وعند بن أبي شيبة من مرسل عمير بن إسحاق أن حمزة عثر فانكشفت الدرع عن بطنه فأبصره العبد الحبشي فرماه بالحربة قوله في ثنته بضم المثلثة وتشديد النون هي العانة وقيل ما بين السرة والعانة وللطيالسي فجعلت ألوذ من حمزة بشجرة ومعي حربتي حتى إذا استمكنت منه هززت الحربة حتى رضيت منها ثم أرسلتها فوقعت بين ثندوتيه وذهب يقوم فلم يستطع أه والثندوة بفتح المثلثة وسكون النون وضم المهملة بعدها واو خفيفة هي من الرجل موضع الثدي من المرأة والذي في الصحيح أن الحربة أصابت ثنته أصح قوله فلما رجع الناس أي إلى مكة زاد الطيالسي فلما جئت عتقت ولابن إسحاق فلما قدمت مكة عتقت وإنما قتلته لاعتق قوله حتى فشا فيها الاسلام في رواية بن إسحاق فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف قوله فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية بن إسحاق فلما خرج وفد الطائف ليسلموا تغمت علي المذاهب فقلت الحق باليمن أو الشام أو غيرها قوله رسلا كذا لابي ذر وأبي الوقت ولغيرهما رسولا بالافراد كان أول من قدم من ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عروة بن مسعود فأسلم ورجع فدعاهم إلى الاسلام فقتلوه ثم ندموا فأرسلوا وفدهم وهم عمرو بن وهب بن مغيث وشرحبيل بن غيلان بن مسلمة وعبد ياليل بن عمرو بن عمير هؤلاء الثلاثة من الاحلاف وعثمان بن أبي العاص وأوس بن عوف ونمير بن حرشة وهؤلاء الثلاثة من بني مالك ذكر ذلك محمد بن إسحاق مطولا وزاد بن إسحاق أن الوفد كانوا سبعين رجلا وكان الستة رؤساءهم وقبل كان الجميع سبعة عشر قال وهو أثبت قوله فقيل لي إنه لا يهيج الرسل أي لا ينالهم منه إزعاج وفي رواية الطيالسي فأردت الهرب إلى الشام فقال لي رجل ويحك والله ما يأتي محمدا أحد بشهادة الحق إلا خلى عنه قال فانطلقت فما شعر بي إلا وأنا قائم على رأسه أشهد بشهادة الحق وعند بن إسحاق فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه قوله قال أنت قتلت حمزة قلت قد كان من الامر ما قد بلغك في رواية الطيالسي فقال ويحك حدثني عن قتل حمزة قال فانشأت أحدثه كما حدثتكما وعند يونس بن بكير في المغازي عند بن إسحاق قال فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وحشي فقال دعوه فلاسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف كافر قوله فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني في رواية الطيالسي فقال غيب وجهك عني فلا أراك قوله قال فخرجت زاد الطيالسي فكنت أتقى أن يراني ولابن عائذ فما رآني حتى مات وعند الطبراني فقال يا وحشي أخرج فقاتل في سبيل الله كما كنت تصد عن سبيل الله قوله فقلت لاخرجن إلى مسيلمة في رواية الطيالسي فلما كان من أمر مسيلمة ما كان انبعثت مع البعث فأخذت حربتي ولابن إسحاق نحوه قوله فأكافئ به حمزة بالهمز أي أساويه به وقد فسر بعد بقوله فقتلت خير الناس وشر الناس وقوله فكان من أمره ما كان أي من محاربته وقتل جمع من الصحابة في الوقعة التي كانت بينهم وبينه ثم كان الفتح للمسلمين بقتل مسيلمة كما سيأتي بيان ذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى قوله في ثلمة جدار أي خلل جدار قوله جمل أورق أي لونه مثل الرماد وكان ذلك من غبار الحرب وقوله
[ 285 ]
ثائر الرأس أي شعره منتفش قوله فوضعتها في رواية الكشميهني فأضعها قوله ووثب إليه رجل من الانصار هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني كما جزم به الواقدي وإسحاق بن راهويه والحاكم وقيل هو عدي بن سهل جزم به سيف في كتاب الردة وقيل أبو دجانة وقيل زيد بن الخطاب والاول أشهر ولعل عبد الله بن زيد هو الذي أصابته ضربته وأما الآخرن فحملا عليه في الجملة وأغرب وثيمة في كتاب الردة فزعم أن الذي ضرب مسيلمة هو شن بفتح المعجمة وتشديد النون بن عبد الله وأنشد له ألم تر أني ووحشيهم * ضربنا مسيلمة المفتتن يسائلني الناس عن قتله * فقلت ضربت وهذا طعن فلست بصاحبه دونه * وليس بصاحبه دون شن وأغرب من ذلك ما حكى بن عبد البر أن الذي قتل مسيلمة هو خلاس بن بشير بن الاصم قوله فضربه بالسيف على هامته في رواية الطيالسي فربك أعلم أينا قتله فان أك قتلته فقد قتلت خير الناس وشر الناسقوله قال عبد الله بن الفضل هو موصول بالاسناد المذكور أولا وفي رواية الطيالسي فقال سليمان بن يسار سمعت بن عمر يقول زاد بن إسحاق في روايته وكان قد شهد اليمامة قوله فقالت جارية على ظهر بيت وا أمير المؤمنين قتله العبد الاسود هذا فيه تأييد لقول وحشي إنه قتله لكن في قول الجارية أمير المؤمنين نظر لان مسيلمة كان يدعى أنه نبي مرسل من الله وكانوا يقولون له يا رسول الله ونبي الله والتلقيب بأمير المؤمنين حدث بعد ذلك وأول من لقب به عمر وذلك بعد قتل مسيلمة بمدة فليتأمل هذا وأما قول بن التين كان مسيلمة تسمى تارة بالنبي وتارة بأمير المؤمنين فإن كان أخذه من هذا الحديث فليس بجيد وإلا فيحتاج إلى نقل بذلك والذي في رواية الطيالسي قال بن عمر كنت في الجيش يومئذ فسمعت قائلا يقول في مسيلمة قتله العبد الاسود ولم يقل أمير المؤمنين ويحتمل أن تكون الجارية أطلقت عليه الامير باعتبار أن أمر أصحابه كان إليه وأطلقت على أصحابه المؤمنين باعتبار إيمانهم به ولم يقصد إلى تلقيبه بذلك والله أعلم ثم وجدت في كلام أبي الخطاب بن دحية الانكار على من أطلق أن عمر أول من لقب أمير المؤمنين وقال قد تسمى به مسيلمة قبله كما أخرجه البخاري في قصة وحشي يشير إلى هذه الرواية وتعقبه بن الصلاح ثم النووي قال النووي وذكر بن الصلاح أن الذي ذكره بن دحية ليس بصحيح فإنه ليس في هذا الحديث إلا أن الجارية صاحت لما أصيب مسيلمة وا أمير المؤمنين ولا يلزم من ذلك تسميته بذلك أه واعترض مغلطاي أيضا بأن أول من قيل له أمير المؤمنين عبد الله بن جحش وهو متعقب أيضا بأنه لم يلقب به وإنما خوطب بذلك لانه كان أول أمير في الاسلام على سرية وفي حديث وحشي من الفوائد غير ما تقدم ما كان عليه من الذكاء المفرط ومناقب كثيرة لحمزة وفيه أن المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما وفيه أن الاسلام يهدم ما قبله والحذر في الحرب وأن لا يحتقر المرء منها أحدا فإن حمزة لا بد أن يكون رأى وحشيا في ذلك اليوم لكنه لم يحترز منه احتقارا منه إلى أن أتى من قبله وذكر بن إسحاق قال حدثني محمد بن جعفر بن الزبير
[ 286 ]
قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي قد مثل به فقال لولا أن تحزن صفية يعني بنت عبد المطلب وتكون سنة بعدي لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير زاد بن هشام قال وقال لن أصاب بمثلك أبدا ونزل جبريل فقال إن حمزة مكتوب في السماء أسد الله وأسد رسوله وروى البزار والطبراني بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى حمزة قد مثل به قال رحمة الله عليك لقد كنت وصولا للرحم فعولا للخير ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى ثم حلف وهو بمكانه لامثلن بسبعين منهم فنزل القرآن وان عاقبتم الآية وعند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني من حديث أبي بن كعب قال مثل المشركون بقتلى المسلمين فقال الانصار لئن أصبنا منهم يوما من الدهر لنزيدن عليهم فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل لا قريش بعد اليوم فأنزل الله وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا عن القوم وعند بن مردويه من طريق مقسم عن بن عباس نحو حديث أبي هريرة باختصار وقال في آخره فقال بل نصبر يا رب وهذه طرق يقوى بعضها بعضا قوله باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد وقد تقدم شئ من ذلك في باب قوله ليس لك من الامر شئ ومجموع ما ذكر في الاخبار أنه شج وجهه وكسرت رباعيته وجرحت وجنته وشفته السفلى من باطنها ووهي منكبه من ضربة بن قمئة وجحشت ركبته وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال ضرب وجه النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بالسيف سبعين ضربة وقاه الله شرها كلها وهذا مرسل قوي ويحتمل أن يكون أراد بالسبعين حقيقتها أو المبالغة في الكثرة قوله رباعيته بفتح الراء وتخفيف الموحدة قوله اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله زاد سعيد بن منصور من مرسل عكرمة يقتله رسول الله بيده ولابن عائذ من طريق الاوزاعي بلغنا أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أخذ شيئا فجعل ينشف به دمه وقال لو وقع منه شئ على الارض لنزل عليكم العذاب من السماء ثم قال اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون الحديث الثاني حديث بن عباس بمعنى الذي قبله أورده من وجهين عن بن جريج ووقع هنا قبل حديث سهل بن سعد وبعده ولعله قدم وأخر قوله دموه بتشديد الميم أي جرحوه حتى خرج منه الدم تنبيه حديث أبي هريرة وحديث بن عباس هذا من مراسيل الصحابة فإنهما لم يشهدا الوقعة فكأنهما حملاها عمن شهدها أو سمعاها من النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك الحديث الثالث قوله يعقوب هو بن عبد الرحمن الاسكندراني قوله فلما رأت فاطمة هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوضح سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم فيما أخرجه الطبراني من طريقه سبب مجئ فاطمة إلى أحد ولفظه لما كان يوم أحد وانصرف المشركون خرج النساء إلى الصحابة يعينونهم فكانت فاطمة فيمن خرج فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته بالماء فيزداد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير فأحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم وله من طريق زهير بن محمد عن أبي حازم فأحرقت حصيرا حتى صارت رمادا فأخذت من ذلك الرماد فوضعته فيه حتى رقأ الدم وقال في آخر الحديث ثم قال يومئذ اشتد
[ 287 ]
غضب الله على قوم دموا وجه رسوله ثم مكث ساعة ثم قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وقال بن عائذ أخبرنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فجرحه في وجهه قال خذها مني وأنا بن قمئة فقال أقمأك الله قال فانصرف إلى أهله فخرج إلى غنمه فوافاها على ذروة جبفدخل فيها فشد عليه تيسها فنطحه نطحة أدراه من شاهق الجبل فتقطع وفي الحديث جواز التداوي وأن الانبياء قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والاسقام ليعظم لهم بذلك الاجر وتزداد درجاتهم رفعة وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره والعاقبة للمتقين قوله باب الذين استجابوا لله والرسول أي سبب نزولها وأنها تتعلق بأحد قال بن إسحاق كان أحد يوم السبت للنصف من شوال فلما كان الغد يوم الاحد سادس عشر شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو وأن لا يخرج معنا إلا من حضر بالامس فاستأذنه جابر بن عبد الله في الخروج معه فأذن له وإنما خرج مرهبا للعدو وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم فلما بلغ حمراء الاسد لقيه سعيد بن أبي معبد الخزاعي فيما حدثني عبد الله بن أبي بكر فعزاه بمصاب أصحابه فأعلمه أنه لقي أبا سفيان ومن معه وهم بالروحاء وقد تلوموا في أنفسهم وقالوا أصبنا جل أصحاب محمد وأشرافهم وانصرفنا قبل أن نستأصلهم وهموا بالعود إلى المدينة فأخبرهم معبد أن محمدا قد خرج في طلبكم في جمع لم أر مثله ممن تخلف عنه بالمدينة قال فثناهم ذلك عن رأيهم فرجعوا إلى مكة وعند عبد بن حميد من مرسل عكرمة نحو هذا قوله حدثني محمد هو بن سلام وقال أبو نعيم في مستخرجه أراه بن سلام قوله عن عائشة الذين استجابوا في الكلام حذف تقديره عن عائشة أنها قرأت هذه الآية الذين استجابوا أو أنها سئلت عن هذه الآية أو نحو ذلك قوله كان أبوك منهم الزبير أي الزبير بن العوام قوله فانتدب منهم أي من المسلمين قوله سبعون رجلا وقع في نسخة الصغاني كان فيهم أبو بكر والزبير أه وقد سمى منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمار بن ياسر وطلحة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وحذيفة وابن مسعود أخرجه الطبري من حديث بن عباس وعند بن أبي حاتم من مرسل الحسن ذكر الخمسة الاولين وعند عبد الرزاق من مرسل عروة ذكر بن مسعود وقد ذكرت عائشة في حديث الباب أبا بكر والزبير قوله باب من قتل من المسلمين يوم أحد منهم حمزة بن عبد المطلب واليمان والنضر بن أنس ومصعب بن عمير أما حمزة فتقدم ذكره في باب مفرد وأما اليمان وهو والد حذيفة فتقدم في آخر باب إذ همت طائفتان وأما النضر بن أنس فكذا وقع لابي ذر عن شيوخه وكذا وقع عند النسفي وهو خطأ والصواب ما وقع عند الباقين أنس بن النضر وقد تقدم ذكره في أوائل الغزوة على الصواب فاما النضر بن أنس فهو ولده وكان إذ ذاك صغيرا وعاش بعد ذلك زمانا وقد تقدم في هذه الابواب ممن استشهد بها عبد الله بن عمر والد جابر ومن المشهورين عبد الله بن جبير أمير الرماة وسعد بن الربيع ومالك بن سنان والد أبي سعيد وأوس بن ثابت أخو حسان وحنظلة بن أبي عامر المعروف بغسيل الملائكة وخارجة بن زيد بن أبي زهير صهر أبي بكر الصديق وعمرو بن الجموح ولكل من هؤلاء قصة مشهورة عند أهل المغازي ثم ذكر المصنف في الباب خمسة
[ 288 ]
أحاديث الاول حديث أنس قوله ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أغر كذا للكشميهني بغين معجمة وراء ولغيره بالمهملة والزاي قوله قال قتادة هو موصول بالاسناد المذكور وأراد بذلك الاستدلال على صحة قول الاول قوله قتل منهم يوم أحد سبعون هذا هو المقصود بالذكر من هذا الحديث هنا وظاهره أن الجميع من الانصار وهو كذلك إلا القليل وقد سرد بن إسحاق أسماء من استشهد من المسلمين بأحد فبلغوا خمسة وستين منهم أربعة من المهاجرين حمزة وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان ومصعب بن عمير وأغفل ذكر سعد مولى حاطب وقد ذكره موسى بن عقبة وروى الحاكم في الاكليل وابن منده من حديث أبي بن كعب قال قتل من الانصار يوم أحد أربعة وستون ومن المهاجرين ستة وصححه بن حبان من هذا الوجه ولعل السادس ثقيف بن عمرو الاسلمي حليف بني عبد شمس فقد عده الواقدي منهم وعد بن سعد ممن استشهد بأحد من غير الانصار الحارث بن عقبة بن قابوس المزني وعمه وهب بن قابوس وعبد الله وعبد الرحمن ابني الهبيب بموحدتين مصغر من بني سعد بن ليث ومالكا والنعمان ابني خلف بن عوف الاسلميين قال إنهما كانا طليعة للنبي صلى الله عليه وسلم فقتلا قلت ولعل هؤلاء كانوا من حلفاء الانصار فعدوا فيهم فإن كانوا من غير المعدودين أولا فحينئذ تكمل العدة سبعين من الانصار ممم ممم ممم ممم ممم ممم ويكون جملة من قتل من المسلمين أكثر من سبعين فمن قال قتل منهم سبعون الغي الكسر والله أعلم وقد تقدم في أول هذه الغزوة النقل عن بن إسحاق وغيره أن الاختلاف في عدد من قتل من المسلمين يومئذ قوله ويوم بئر معونة سبعون سيأتي شرح ذلك قريبا ويوضح أن الجيمع لم يكونوا من الانصار بل كان بعضهم من المهاجرين مثل عامر بن فهيرة مولى أبي بكر ونافع بن ورقاء الخزاعي وغيرهما قوله ويوم اليمامة سبعون قد سرد أسماءهم الذين صنفوا في الردة كسيف ووثيمة قوله وكان بئر معونة الخ قائل ذلك قتادة قاله شرحا لحديث أنس وقد بينه أبو نعيم في المستخرج قوله ويوم اليمامة على عهد أبي بكر ويوم مسيلمة الكذاب كذا بالواو وهي زائدة لان يوم اليمامة هو يوم مسيلمة ووقع عند أحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس نحو حديث قتادة في عدة من قتل من الانصار وزاد ويوم مؤتة سبعون وصححه أبو عوانة وأخرجه الحاكم في الاكليل ولفظه عن أنس أنه كان يقول يا رب سبعين من الانصار يوم أحد وسبعين يوم بئر معونة وسبعين يوم مؤتة وسبعين يوم مسيلمة ثم أخرج من طريق إبراهيم بن المنذر أن هذه الزيادة خطأ ثم أسندؤ من وجهين عن سعيد بن المسيب فذكر بدل يوم مؤتة يوم جسر أبي عبيدة قال إبراهيم بن المنذر وهذا هو المعروف قلت وهي وقعة بالعراق كانت في خلافة عمر الحديث الثاني حديث جابر قوله قدمه في اللحد في حديث عبد الله بن ثعلبة عند بن إسحاق فكان يقول انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه وذكر بن إسحاق ممن دفن جميعا عبد الله بن جحش وخاله حمزة بن عبد المطلب ومن وجه آخر أنه أمر بدفن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو والد جابر قوله فيه ولم يصل عليهم تقدم الكلام عليه في الجنائز وقد أجاب بعض الحنفية عنه بأنه ناف وغيره مثبت وأجيب بأن الاثبات مقدم على النفي غير المحصور وأما نفي الشئ المحصور إذا كان راويه حافظا فإنه يترجح على الاثبات إذا كان راويه ضعيفا كالحديث الذي فيه إثبات الصلاة على الشهيد وعلى تقدير التسليم فالاحاديث التي فيها ذلك
[ 289 ]
إنما هي في قصة حمزة فيحتمل أن يكون ذلك مما خص به حمزة من الفضل وأجيب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال ويجاب بأنه يوقف الاستدلال قالوا ويمكن الجمع بأنه لم يصل عليهم ذلك اليوم كما قال جابر ثم صلى عليهم ثاني يوم كما قال غيره الحديث الثالث قوله وقال أبو الوليد عن شعبة وصله الاسماعيلي حدثنا أبو خليفة حدثنا أبو الوليد بسنده قوله لما قتل أبي زاد في الجنائز يوم أحد قوله والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه في رواية الاسماعيلي لا ينهاني قوله لا تبكه كذا هنا وظاهره أنه نهى لجابر وليس كذلك وإنما هو نهي لفاطمة بنت عمرو عمة جابر وقد أخرجه مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ قتل أبي فذكر الحديث إلى ان قال وجعلت فاطمة بنت عمرو عمتي تبكيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تبكيه وكذا تقدم عند المصنف في الجنائز نحو هذا ومن طريق بن عيينة عن بن المندر نحوه والله أعلم الحديث الرابع حديث أبي موسى قوله أرى عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الاصول وهو بضم الهمزة بمعنى أظن والقائل ذلك هو البخاري كأنه شك هل سمع من شيخه صيغة الرفع أم لا وقد ذكر هذه العبارة في هذا الحديث في علامات النبوة وفي التعبير وغيرهما وأخرجه مسلم وأبو يعلى عن أبي كريب شيخ البخاري فلم يترددا فيه قوله رأيت في رواية الكشميهني أريت قوله أني هززت سيفا في رواية الكشميهني سيفي وقد تقدم في أول الغزوة أنه ذو الفقار قوله فانقطع صدره عند بن إسحاق ورأيت في ذباب سيفي ثلما وعند أبي الاسود في المغازي عن عروة رأيت سيفي ذا الفقار قد انقصم من عند ظبته وكذا عند بن سعد وأخرجه البيهقي في الدلائل من حديث أنس وسبق موصولا وفي رواية عروة كأن الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه المكرم وعند بن هشام حدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال وأما الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي يقتل قوله ورأيت فيها بقرا بالموحدة والقاف وفي رواية أبي الاسود عن عروة بقرا تذبح وكذا في حديث بن عباس عند أبي يعلى قوله والله خير هذا من جملة الرؤياكما جزم به عياض وغيره كذا بالرفع فيهما على أنه مبتدأ وخبر وفيه حذف تقديره وصنع الله خير قال السهيلي معناه رأيت بقرا تنحر والله عنده خير قلت في رواية بن إسحاق وإني رأيت والله خيرا رأيت بقرا وهي أوضح والواو للقسم والله بالجر وخيرا مفعول رأيت وقال السهيلي البقر في التعبير بمعنى رجال متسلحين يتناطحون قلت وفيه نظر فقد رأى الملك بمصر البقر وأولها يوسف عليه السلام بالسنين وقد وقع في حديث بن عباس ومرسل عروة تأولت البقر التي رأيت بقرا يكون فينا قال فكان ذلك من أصيب من المسلمين أه وقوله بقر هو بسكون القاف وهو شق البطن وهذا أحد وجوه التغيير أن يشتق من الاسم معنى مناسب ويمكن أن يكون ذلك لوجه آخر من وجوه التأويل وهو التصحيف فان لفظ بقر مثل لفظ نفر بالنون والفاء خطا وعند أحمد والنسائي وابن سعد من حديث جابر بسند صحيح في هذا الحديث ورأيت بقرا منحرة وقال فيه فأولت أن الدرع المدينة والبقر نفر هكذا فيه بنون وفاء وهو يؤيد الاحتمال المذكور فالله أعلم وسيأتي بقية لهذا في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث خباب تقدم بهذا السند والمتن مع الكلام عليه الله تعالى قوله باب أحد جبل يحبنا ونحبه قال السهيلي سمى
[ 290 ]
أحدا لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هناك أو لما وقع من أهله من نصر التوحيد قوله قاله عباس بن سهل عن أبي حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم هو طرف من حديث وصله البزار في الزكاة مطولا وقد تقدم شرح ما فيه هناك إلا ما يتعلق بأحد ونسبة مغلطاي إلى تخريجه موصولا في كتاب الحج وإنما خرج هناك أصله دون خصوص هذه الزيادة قوله أخبرني أبي هو علي بن نصر الجهضمي قوله هذا جبل يحبنا ونحبه ظهر من الرواية التي بعدها أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما رآه في حال رجوعه من الحج ووقع في رواية أبي حميد أنه قال لهم ذلك لما رجع من تبوك وأشرف على المدينة قال هذه طابة فلما رأى أحدا قال هذا جبل يحبنا ونحبه فكأنه صلى الله عليه وسلم تكرر منه ذلك القول وللعلماء في معنى ذلك أقوال أحدها أنه على حذف مضاف والتقدير أهل أحد والمراد بهم الانصار لانهم جيرانه ثانيها أنه قال ذلك للمسرة بلسان الحال إذا قدم من سفر لقربه من أهله ولقياهم وذلك فعل من يحب بمن يحب ثالثها أن الحب من الجانبين على حقيقته وظاهره لكون أحد من جبال الجنة كما ثبت في حديث أبي عبس بن جبر مرفوعا جبل أحد يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة أخرجه أحمد ولا مانع في جانب البلد من إمكان المحبة منه كما جاز التسبيح منها وقد خاطبه صلى الله عليه وسلم مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب اسكن أحد الحديث وقال السهيلي كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الاحدية قال ومع كونه مشتقا من الاحدية فحركات حروفه الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين الاحد وعلوه فتعلق الحب من النبي صلى الله عليه وسلم به لفظا ومعنى فخص من بين الجبال بذلك والله أعلم وقد تقدم شئ من الكلام على قوله يحبنا ونحبه في باب من غزا بصبي للخدمة من كتاب الجهاد ثم ذكر المصنف حديث عقبة بن عامر في صلاته صلى الله عليه وسلم على أهل أحد وقد تقدم مع الكلام عليه في أول الباب قوله باب غزوة الرجيع سقط لفظ باب لابي ذر والرجيع بفتح الراء وكسر الجيه وفي الاصل اسم للروث سمي بذلك لاستحالته والمراد هنا اسم موضع من بلاد هذيكانت الوقعة بقرب منه فسميت به قوله ورعل وذكوان أي وغزوة رعل وذكوان فأما رعل فبكسر الراء وسكون المهملة بطن من بني سليم ينسبون إلى رعل بن عوف بن مالك بن امرئ القيس بن لهيعة بن سليم وأما ذكوان فبطن من بني سليم أيضا ينسبون إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم فنسبت الغزوة إليهما قوله وبئر معونة بفتح الميم وضم المهملة وسكون الواو بعدها نون موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان وهذه الوقعة تعرف بسرية القراء وكانت مع بني رعل وذكوان المذكورين وسيذكر ذلك في حديث أنس المذكور في الباب قوله وحديث عضل والقارة أما عضل فبفتح المهملة ثم المعجمة بعدها لام بطن من بني الهول بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ينسبون إلى عضل بن الديش بن محكم وأما القارة فبالقاف وتخفيف الراء بطن من الهول أيضا ينسبون إلى الديش المذكور وقال بن دريد القارة أكمة سوداء فيها حجارة كأنهم نزلوا عندها فسموا بها ويضرب بهم المثل في إصابة الرمي وقال الشاعر قد انصف القارة من راماها * وقصة العضل والقارة كانت في غزوة الرجيع لافي سرية بئر معونة وقد فصل بينهما بن إسحاق فذكر غزوة الرجيع في أواخر سنة ثلاث وبئر معونة في
[ 291 ]
أوائل سنة أربع ولم يقع ذكر عضل والقارة عند المصنف صريحا وإنما وقع ذلك عند بن إسحاق فإنه بعد أن استوفى قصة أحد قال ذكر يوم الرجيع حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا فبعث معهم ستة من أصحابه فذكر القصة وعرف بها بيان قول المصنف قال بن إسحاق حدثنا عاصم بن عمر أنها بعد أحد وان الضمير يعود على غزوة الرجيع لا على غزوة بئر معونة وساذكر ما عنده فيهما من فائدة زائدة في شرح حديث أبي هريرة في الباب قوله وعاصم بن ثابت أي بن أبي الاقلح بالقاف والمهملة الانصاري وخبيب بالمعجمة والموحدة مصغر قوله وأصحابه يعني العشرة كما سنذكره في حديث أبي هريرة تنبيه سياق هذه الترجمة يوهم أن غزوة الرجيع وبئر معونة شئ واحد وليس كذلك كما أوضحته فغزوة الرجيع كانت سرية عاصم وخبيب في عشرة أنفس وهي مع عضل والقارة وبئر معونة كانت سرية القراء السبعين وهي مع رعل وذكوان وكأن المصنف أدرجها معها لقربها منها وبدل على قربها منها ما في حديث أنس من تشريك النبي صلى الله عليه وسلم بين بني لحيان وبني عصية وغيرهم في الدعاء عليهم وذكر الواقدي أن خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة ورجح السهيلي أن رواية البخاري أن عاصم كان أميرهم أرجح وجمع غيره بأن أمير السرية مرثد وأن أمير العشرة عاصم بناء على التعدد ولم يرد المصنف أنهما قصة واحدة والله أعلم قوله عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي هكذا يقول معمر ووافقه شعيب وآخرون وقد تقدم مستوفى في الجهاد بأتم من هذا وإبراهيم بن سعد يقول عن الزهري عن عمر بضم العين كذا أخرجه بن سعد عن معن بن عيسى عنه وكذا قال الطيالسي عن إبراهيم وبذلك جزم الذهلي في الزهريات لكن وقع في غزوة بدر عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عمرو بفتح العين وأخرجه أبو داود عن موسى المذكور فقال عمر كذا قال بن أخي الزهري ويونس من رواية الليث عنه عن الزهري عن عمر قال البخاري في تاريخه عمرو أصح وقد ذكر ت ما فيه في غزوة بدر قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية في رواية الكشميهني بسرية بزيادة موحدة في أوله وفي رواية إبراهيم بن سعد التي مضت في غزوة بدر بعث عشرة عينا يتجسسون له وفي رواية أبي الاسود عن عروة بعثهم عيونا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش وذكر الواقدي أن سبب خروج بني لحيان عليهم قتل سفيان بن نبيح الهذلي قلت وكان قتل سفيان المذكور على يد عبد الله بن أنيس وقصته عند أبي داود بإسناد حسن وذكر بن إسحاق أنهم كانوا ستة وسماهم وهم عاصم بن ثابت المذكور ومرثد بن أبي مرثد وخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وهو بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون وعبد الله بن طارق وخالد بن البكير وجزم بن سعد بأنهم كانوا عشرة وساق أسماء الستة المذكورين وزاد معتب بن عبيد قال وهو أخو عبد الله بن طارق لامه وكذا سمى موسى بن عقبة السبعة المذكورين لكن قال معتب بن عوف قلت فلعل الثلاثة الآخرين كانوا أتباعا لهم فلم يحصل الاعتناء بتسميتهم قوله وأمر عليهم عاصم بن ثابت كذا في الصحيح وفي السيرة أن الامير عليهم كان مرثد بن أبي مرثد وما في الصحيح أصح قوله حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة تقدم في غزوة بدر حتى إذا كانوا بالهداة وهي للاكثر بسكون الدال
[ 292 ]
بعدها همزة مفتوحة وللكشميهني بفتح الدال وتسهيل الهمزة وعند بن إسحاق الهدة بتشديد الدال بغير ألف قال وهي على سبعة أميال من عسفان قوله وهو جد عاصم بن عمر تقدم أنه خال عاصم لا جده وأن الرواية المتقدمة يمكن ردها إلى الصواب بأن يقرأ جد بالكسر وأما هذه فلا حيلة فيها وقد أخذ بظاهرها بعضهم فقال تزوج عمر جميلة بنت عاصم بن ثابت فولدت له عاصما قوله يقال لهم بنو لحيان بكسر اللام وقيل بفتحها وسكون المهملة ولحيان هو بن هذيل نفسه وهذيل هو بن مدركة بن الياس بن مضر وزعم الهمداني النسابة أن أصل بني لحيان من بقايا جرهم دخلوا في هذيل فنسبوا إليهم قوله فتبعوهم بقريب من مائة رام في رواية شعيب في الجهاد فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل والجمع بينهما واضح بأن تكون المائة الاخرى غير رماة ولم أقف على اسم أحد منهم قوله فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر في رواية أبي معشر في مغازيه فنزلوا بالرجيع سحرا فأكلوا تمر عجوة فسقطت نواة بالارض وكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما فرأت النواة فأنكرت صغرها وقالت هذا تمر يثرب فصاحت في قومها أتيتم فجاءوا في طلبهم فوجدوهم قد كمنوا في الجبل قوله حتى لحقوهم في رواية بن سعد فلم يرع القوم إلا بالرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم قوله لجئوا إلى فدفد بفاءين مفتوحتين ومهملتين الاولى ساكنة وهي الرابية المشرفة ووقع عند أبي داود إلى قردد بقاف وراء ودالين قال بن الاثير هو الموضع المرتفع ويقال الارض المستوية والاول أصح قوله فقالوا لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا في رواية بن سعد فقالوا لهم إنا والله ما نريد قتالكم إنما نريد أن نصيب منكم شيئا من أهل مكة قوله فقال عاصم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر في مرسل بريدة بن سفيان عن سعيد بن منصور فقال عاصم اليوم لا أقبل عهدا من مشرك قوله فقال اللهم أخبر عنا رسولك في رواية الطيالسي عن إبراهيم بن سعد فاستجاب الله لعاصم فأخبر رسوله خبره فأخبر أصحابه بذلك يوم أصيبوا وفي رواية بريدة فقال عاصم اللهم إني أحمى لك اليوم دينك فاحمي لي لحمي وسيأتي ما يتعلق بذلك في آخر الكلام على الحديث قوله في سبعة أي في جملة سبعة قوله وبقي خبيب وزيد ورجل آخر في رواية بن إسحاق فأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق فاستأسروا وعرف منه تسمية الرجل الثالث وأنه عبد الله بن طارق وفي رواية أبي الاسود عن عروة أنهم صعدوا في الجبل فلم يقدروا عليهم حتى أعطوهم العهد والميثاق قوله فربطوهم بها فقال الرجل الثالث الذي معهما هذا أول الغدر الخ وهو يقتضي أن ذلك وقع منه أول ما أسروهم لكن في رواية بن إسحاق فخرجوا بالنفر الثلاثة حتى إذا كانوا بمر الظهر ان انتزع عبد الله بن الطارق يده وأخذ سيفه فذكر قصة قتله فيحتمل أنهم إنما ربطوهم بعد أن وصلوا إلى مر الظهران وإلا فما في الصحيح أصح قوله حتى باعوهما بمكة في رواية بن إسحاق وابن سعد فأما زيد فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه وعند بن سعد أن الذي تولى قتله نسطاس مولى صفوان قوله فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بين بن إسحاق أن الذي تولى شراءه هو حجين بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل وكان أخا الحارث بن عامر لامه وفي رواية بريدة بن سفيان أنهم اشتروا خبيبا بأمة سوداء وقال بن هشام باعوهما بأسيرين من هذيل كانا
[ 293 ]
بمكة ويمكن الجمع قوله وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر كذا وقع في حديث أبي هريرة واعتمد البخاري على ذلك فذكر خبيب بن عدي فيمن شهد بدرا وهو اعتماد متجه لكن تعقبه الدمياطي بأن أهل المغازي لم يذكر أحد منهم أن خبيب بن عدي شهد بدرا ولا قتل الحارث بن عامر وإنما ذكروا أن الذي قتل الحارث بن عامر ببدر خبيب بن أساف وهو غير خبيب بن عدي وهو خزرجي وخبيب بن عدي أوسي والله أعلم قلت يلزم من الذي قال ذلك رد هذا الحديث الصحيح فلو لم يقتل خبيب بن عدي الحارث بن عامر ما كان لاعتناء الحارث بن عامر بأسر خبيب معنى ولا بقتله مع التصريح في الحديث الصحيح أنهم قتلوه به لكن يحتمل أن يكون قتلوه بخبيب بن عدي لكون خبيب بن أساف قتل الحارث على عادتهم في الجاهلية بقتل بعض القبيلة عن بعض ويحتمل أن يكون خبيب بن عدي شرك في قتل الحارث والعلم عند الله تعالى قوله فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله في رواية بن سعد فحبسوهما حتى خرجت الاشهر الحرم ثم أخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما وفي رواية بريدة بن سفيان فأساءوا إليه في اساره فقال لهم ما تصنع القوم الكرام هذا بأسيرهم قال فأحسنوا إليه بعد ذلك وجعلوه عند امرأة تحرسه وروى بن سعد من طريق موهب مولى آل نوفل قال قال لي خبيب وكانوا جعلوه عندي يا موهب أطلب إليك ثلاثا أن تسقيني العذب وأن تجنبني ما ذبح على النصب وأن تعلمني إذا أرادوا قتلي قوله حتى إذا أجمعوا على قتله استعار موسى هكذا وقعت هذه القصة مدرجة في رواية معمر وكذا إبراهيم بن سعد كما تقدم في غزوة بدر وقد وصلها شعيب في روايته كما تقدم في الجهاد قال فلبث خبيب عندهم أسيرا فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى ووقع في الاطراف لخلف أن اسمها زينب بنت الحارث وهي أخت عقبة بن الحارث الذي قتل خبيبا وقيل امرأته وعبيد الله بن عياض المذكور قال الدمياطي أغفله من صنف في رجال البخاري قلت لكن ترجم له المزي وذكر أنه تابعي روى عن عائشة وغيرها وروى عنه الزهري وعبد الله بن عثمان بن خثيم وغيرهما والقائل فأخبرني هو الزهري ووهم من زعم أنه عمرو بن أبي سفيان وعند بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح قال حدثت مارية مولاة حجين بن أبي إهاب وكانت قد أسلمت قالت حبس خبيب في بيتي ولقد اطلعت عليه يوما وان في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه فإن كان محفوظا احتمل أن يكون كل من مارية وزينب رأت القطف في يده يأكله وأن التي حبس في بيتها مارية والتي كانت تحرسه زينب جمعا بين الروايتين ويحتمل أن يكون الحارث أبا لمارية من الرضاع ووقع عند بن بطال أن اسم المرأة جويرية فيحتمل أن يكون لما رأى قول بن إسحاق إنها مولاة حجين بن أبي إهاب أطلق عليها جويرية لكونها أمة أو يكون وقع له رواية فيها أن اسمها جويرية وقوله موسى يجوز فيه الصرف وعدمه وقوله ليستحد بها في رواية بريدة بن سفيان ليستطيب بها والمراد أنه يحلق عانته قوله قالت فغفلت عن صبي لي ذكر الزبير بن بكار أن هذا الصبي هو أبو حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي المحدث وهو من أقران الزهري وفي رواية بريدة بن سفيان وكان لها بن صغير فأقبل إليه الصبي فأخذه فأجلسه عنده فخشيت المرأة أن يقتله فناشدته وعند أبي الاسود عن
[ 294 ]
عروة فأخذ خبيب بيد الغلام فقال هل أمكن الله منكم فقالت ما كان هذا ظني بك فرمى لها الموسى وقال إنما كنت مازحا وفي رواية بريدة بن سفيان ما كنت لاغدر وعند بن إسحاق عن بن أبي نجيح وعاصم بن عمر جميعا أن مارية قالت قال لي خبيب حين حضره القتل ابعثي لي بحديدة أتطهر بها قالت فأعطيته غلاما من الحي قال بن هشام يقال إن الغلام ابنها ويجمع بين الروايتين بأنه طلب الموسى من كل من المرأتين وكان الذي أوصله إليه بن إحداهما وأما الابن الذي خشيت عليه ففي رواية هذا الباب فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فهذا غير الذي أحضر إليه الحديدة والله أعلم قوله لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة القطف بكسر القاف العنقود وفي رواية بن إسحاق عن بن أبي نجيح كما تقدم وان في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل قوله وما كان إلا رزق رزقه الله في رواية بن سعد رزقه الله خبيبا وفي رواية شعيب وثابت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا قال بن بطال هذا يمكن أن يكون الله جعله آية على الكفار وبرهانا لنبيه لتصحيح رسالته قال فاما من يدعى وقوع ذلك له اليوم بين ظهراني المسلمين فلا وجه له إذ المسلمون قد دخلوا في الدين وأيقنوا بالنبوة فأي معنى لاظهار الآية عندهم ولو لم يكن في تجويز ذلك إلا أن يقول جاهل إذا جاز ظهور هذه الآيات على يد غير نبي فكيف نصدقها من نبي والفرض أن غيره يأتي بها لكان في إنكار ذلك قطعا للذريعة إلى أن قال إلا أن يكون وقوع ذلك مما لا يخرق عادة ولا يقلب عينا مثل أن يكرم الله عبد ابإجابة دعوة في الحين ونحو ذلك مما يظهر فيه فضل الفاضل وكرامة الولي ومن ذلك حماية الله تعالى عاصما لئلا ينتهك عدوه حرمته انتهى والحاصل ان بن بطال توسط بين من يثبت الكرامة ومن ينفيها فجعل الذي يثبت ما قد تجري به العادة لآحاد الناس أحيانا والممتنع ما يقلب الاعيان مثلا والمشهور عن أهل السنة إثبات الكرامات مطلقا لكن استثنى بعض المحققين منهم كأبي القاسم القشيري ما وقع به التحدي لبعض الانبياء فقال ولا يصلون إلى مثل إيجاد ولد من غير أب ونحو ذلك وهذا أعدل المذاهب في ذلك فإن إجابة الدعوة في الحال وتكثير الطعام والماء والمكاشفة بما يغيب عن العين والاخبار بما سيأتي ونحو ذلك قد كثر جدا حتى صار وقوع ذلك مما ينسب إلى الصلاح كالعادة فانحصر الخارق الآن فيما قاله القشيري وتعين تقييد قول من أطلق ان كل معجزة وجدت لنبي يجوز أن تقع كرامة لولي ووراء ذلك كله أن الذي استقر عند العامة أن خرق العادة يدل على أن من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى وهو غلط ممن يقوله فان الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارق وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له ذلك فان كان متمسكا بالاوامر الشرعية والنواهي كان ذلك علامة ولايته ومن لا فلا وبالله التوفيق قوله فلما خرجوا به من الحرم بين بن إسحاق أنهم أخرجوه إلى التنعيم قوله دعوني أصل كذا للكشميهني بغير ياء ولغيره بثبوت الياء ولكل وجه ولموسى بن عقبة أنه صلى ركعتين في موضع مسجد التنعيم قوله لزدت في رواية بريدة بن سفيان لزدت سجدتين أخريين قوله ثم قال اللهم أحصهم عددا زاد في رواية إبراهيم بن سعد واقتلهم بددا أي متفرقين ولا تبق منهم أحدا وفي رواية بريدة بن سفيان فقال خبيب اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك مني السلام فبلغه وفيه فلما رفع على الخشبة استقبل الدعاء قال فلبد رجل
[ 295 ]
بالارض خوفا من دعائه فقال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا قال فلم يحل الحول ومنهم أحد حي غير ذلك الرجل الذي لبد بالارض وحكى بن إسحاق عن معاوية بن أبي سفيان قال كنت مع أبي فجعل يلقيني إلى الارض حين سمع دعوة خبيب وفي رواية أبي الاسود عن عروة ممن حضر ذلك أبو إهاب بن عزيز والاخنس بن شريق وعبيدة بن حكيم السلمي وأمية بن عتبة بن همام وعنده أيضا فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأخبر أصحابه بذلك وعند موسى بن عقبة فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم وهو جالس وعليك السلام يا خبيب قتلته قريش قولما إن أبالي هكذا للاكثر وللكشميهني فلست أبالي وهو أوزن والاول جائز لكنه مخروم ويكمل بزيادة الفاء وما نافية وان بعدها بكسر الهمزة نافية أيضا للتأكيد وفي رواية شعيب للكشميهني وما إن أبالي بزيادة واو ولغيره ولست أبالي وقوله وذلك في ذات الاله يأتي الكلام على هذه اللفظة في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قوله أوصال شلو ممزع الاوصال جمع وصل وهو العضو والشلو بكسر المعجمة الجسد وقد يطلق على العضو ولكن المراد به هنا الجسد والممزع بالزاي ثم المهملة المقطع ومعنى الكلام أعضاء جسد يقطع وعند أبي الاسود عن عروة زيادة في هذا الشعر لقد أجمع الاحزاب حولي وألبوا * قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وفيه إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي * وما أرصد الاحزاب لي عند مصرعي * وساقها بن إسحاق ثلاثة عشر بيتا قال بن هشام ومنهم من ينكرها لخبيب قوله ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله سيأتي البحث فيه في الحديث الذي بعده وفي رواية أبي الاسود عن عروة فلما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب نادوه وناشدوه أتحب أن محمدا مكانك قال لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة في قدمه قوله وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشئ من جسده يعرفونه وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر لعل العظيم المذكور عقبة بن أبي معيط فان عاصما قتله صبرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرفوا من بدر ووقع عند بن إسحاق وكذا في رواية بريدة بن سفيان أن عاصما لما قتل أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وهي أم مسافع وجلاس ابني طلحة العبدري وكان عاصم قتلهما يوم أحد وكانت نذرت لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر في قحفه فمنعته الدبر فان كان محفوظا احتمل أن تكون قريش لم تشعر بما جرى لهذيل من منع الدبر لها من أخذ رأس عاصم فأرسلت من يأخذه أو عرفوا بذلك ورجوا أن تكون الدبر تركته فيتمكنوا من أخذه قوله مثل الظلة من الدبر الظلة بضم المعجمة السحابة والدبر بفتح المهملة وسكون الموحدة الزنابير وقيل ذكور النحل ولا واحد له من لفظه وقوله فحمته بفتح المهملة والميم أي منعته منهم قوله فلم يقدروا منه على شئ في رواية شعبة فلم يقدروا أن يقطعوا من لحمة شيئا وفي رواية أبي الاسود عن عروة فبعث الله عليهم الدبر تطير في وجوههم وتلدغهم فحالت بينهم وبين أن يقطعوا وفي رواية بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن قتادة قال كان عاصم بن ثابت أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا فكان عمر يقول لما بلغه خبره يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه في حياته وفي الحديث أن للاسير أن يمتنع من قبول الامان ولا يمكن من نفسه ولو قتل أنفة
[ 296 ]
من أنه يجري عليه حكم كافر وهذا إذا أراد الاخذ بالشدة فإن أراد الاخذ بالرخصة فله أن يستأمن قال الحسن البصري لا بأس بذلك وقال سفيان الثوري أكره ذلك وفيه الوفاء للمشركين بالعهد والتورع عن قتل أولادهم والتلطف بمن أريد قتله وإثبات كرامة الاولياء والدعاء على المشركين بالتعميم والصلاة عند القتل وفيه إنشاء الشعر وإنشاده عند القتل ودلالة على قوة يقين خبيب وشدته في دينه وفيه أن الله يبتلي عبده المسلم بما شاء كما سبق في علمه ليثيبه ولو شاء ربك ما فعلوه وفيه استجابة دعاء المسلم وإكرامه حيا وميتا وغير ذلك من الفوائد مما يظهر بالتأمل وإنما استجاب الله له في حماية لحمه من المشركين ولم يمنعهم من قتله لما أراد من إكرامه بالشهادة ومن كرامته حمايته من هتك حرمته بقطع لحمه وفيه ماكان عليه مشركو قريش من تعظيم الحرم والاشهر الحرم الحديث الثاني قوله عن عمرو هو بن دينار قوله الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة زاد سعيد بن منصور عن سفيان واسمه عقبة بن الحارث ووقع عند الاسماعيلي من رواية بن أبي عمر عن سفيان مدرجا وهذا خالف فيه سفيان جماعة من أهل السير والنسب فقالوا أبو سروعة أخو عقبة بن الحارث حتى قال أبو أحمد العسكري من زعم أنهما واحد فقد وهم وذكر بن إسحاق بإسناد صحيح عن عقبة بن الحارث قال ما أنا قتلت خبيبا لاني كنت أصغر من ذلك ولكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة فجعلها في يدي ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها حتى قتله الحديث الثالث وهو أول حديث بئر معونة وجميعها عن أنس قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة فسر قتادة الحاجة كما سيأتي قريبا بقوله أن رعلا وغيرهم استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو فأمدهم بسبعين من الانصار وقد تقدم في الجهاد من وجه آخر عن سعيد عن قتادة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان فزعموا أنهم أسلموا واستمدوا على قومهم وفي هذا رد على من قال رواية قتادة وهم وأنهم لم يستمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الذي استمدهم عامر بن الطفيل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ولا مانع أن يستمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر ويكون قصدهم الغدر بهم ويحتمل أن يكون الذين استمدوا غير الذين استمدهم عامر بن الطفيل وان كان الكل من بني سليم وفي رواية عاصم آخر الباب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أقواما إلى ناس من المشركين بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ويحتمل أنه لم يكن استمدادهم لهم لقتال عدو وإنما هو للدعاء إلى الاسلام وقد أوضح ذلك بن إسحاق قال حدثني أبي عن المغيرة بن عبد الرحمن وغيره قال قدم أبو براء عامر بن مالك المعروف بملاعب الاسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الاسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك وأنا جار لهم فبعث المنذر بن عمرو في أربعين رجلا منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان ورافع بن بديل بن ورقاء وعروة بن أسماء وعامر بن فهيرة وغيرهم من خيار المسلمين وكذلك أخرج هذه القصة موسى بن عقبة عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم نحوه لكن لم يسم المذكورين ووصله الطبري من وجه آخر عن بن شهاب عن بن كعب بن مالك عن كعب ووصلها أيضا بن عائذ من حديث بن عباس لكن بسند ضعيف وهي عند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن
[ 297 ]
أنس مختصرا ولم يسم أبا براء بل قال إن ناسا ويمكن الجمع بينه وبين الذي في الصحيح بأن الاربعين كانوا رؤساء وبقية العدة أتباعا ووهم من قال كانوا ثلاثين فقط وذكر المصنف في مرسل عروة أن عامر بن الطفيل أسر عمرو بن أمية يوم بئر معونة وهو شاهد لمرسل بن إسحاق قوله يقال لهم القراء قد بين قتادة في روايته أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل وفي رواية ثابت ويشترون به الطعام لاهل الصفة ويتدارسون القرآن بالليل ويتعلمون قوله فعرض لهم حيان بالمهملة والتحتانية تثنية حي أي جماعة من بني سليم قوله في رواية قتادة أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان ذكر بني لحيان في هذه القصة وهم وأنما كان بنو لحيان في قصة خبيب في غزوة الرجيع التي قبل هذه قوله في رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله أخا أم سليم في سبعين راكبا قد سماه في هذه الرواية حراما وكذا في رواية ثمامة عن أنس التي بعدها والضمير في خاله لانس وقد قال في الرواية الاخرى الآتية عن ثمامة عن أنس لما طعن حران بن ملحان وكان خاله وعجب تجويز الكرماني أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم قال وحرام خاله من الرضاعة ويجوز أن يكون من جهة النسب كذا قاله قوله قال أنس فقرأنا فيهم قرآنا ثم إن ذلك أي القرآن رفع أي نسخت تلاوته وفي الرواية المتقدمة ثم رفع بعد ذلك ورواه أحمد عن غندر عن شعبة بلفظ ثم نسخ ذلك قوله زاد خليفة هو بن خياط وهو أحد شيوخ البخاري قوله قرآنا كتابا نحوه أي نحو رواية عبد الاعلى بن حماد عن يزيد بن زريع قوله في رواية إسحاق وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل أي بن مالك بن جعفر بن كلاب وهو بن أخي أبي براء عامر بن مالك قوله خير بفتح أوله وحذف المفعول أي خير النبي صلى الله عليه وسلم وبينه البيهقي في الدلائل من رواية عثمان بن سعيد عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه ولفظه وكان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أخيرك بين ثلاث خصال فذكر الحديث ووقع في بعض النسخ خير بضم أوله وخطأها بن قرقول قوله بألف وألف في رواية عثمان بن سعيد بألف أشقر وألف شقراء قوله غدة كغدة البكر يجوز فيه الرفع بتقدير اصابتني غدة أو غدة بي ويجوز النصب على المصدر أي أغده غدة مثل بعيره والغدة بضم المعجمة من أمراض الابل وهو طاعونها قوله في بيت امرأة من آل بني فلان بينها الطبراني من حديث سهل بن سعد فقال امرأة من آل سلول وبين فيه قدوم عامر بن الطفيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال فيه لاغزونك بألف أشقر وألف شقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أصحاب بئر معونة بعد أن رجع عامر وأنه غدر بهم وأخفر ذمة عمه
[ 298 ]
أبي براء وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه فقال اللهم اكفني عامرا قال فجاء إلى بيت امرأة من بني سلول قلت سلول امرأة وهي بنت ذهل بن شيبان وزوجها مرة بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة فنسب بنوه إليها قوله فاطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج كذا هنا على أنها صفة حرام وليس كذلك بل الاعرج غيره وقد وقع في رواية عثمان بن سعيد فانطق حرام ورجلان معه رجل أعرج ورجل من بني فلان فالذي يظهر أن الواو في قوله وهو قدمت سهوا من الكاتب والصواب تأخيرها وصواب الكلام فانطلق حرام هو ورجل أعرج فأما الاعرج فاسمه كعب بن زيد وهو من بني دينار بن النجار وأما الآخر فاسمه المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الخزرجي سماهما بن هشام في زيادات السيرة ووقع في بعض النسخ هو ورجل أعرج وهو الصواب قوله فإن آمنوني كنتم وقع هنا بطريق الاكتفاء ووقع في رواية عثمان بن سعيد المذكور فان آمنوني كنتم كذا ولعل لفظه كذا من الراوي كأنه كتبها على قوله كنتم أي كذا وقع بطريق الاكتفاء ولابي نعيم في المستخرج من طريق عبيد الله بن زيد المقري عن همام فان آمنون كنتم قريبا مني فهذه رواية مفسرة قوله فجعل يحدثهم في رواية الطبري من طريق عكرمة عن عمار عن إسحاق بن أبي طلحة في هذه القصة فخرج حرام فقال يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم اليكم فآمنوا بالله ورسوله فخرج رجل من كسر البيت برمح فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر قوله فأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه لم أعرف اسم الرجل الذي طعنه ووقع في السيرة لابن إسحاق ما ظاهره أنه عامر بن الطفيل لانه قال فلما نزلوا أي الصحابة بئر معونة بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله لكن وقع في الطبراني من طريق ثابت عن أنس أن قاتل حرام بن ملحان أسلم وعامر بن الطفيل مات كافرا كما تقدم في هذا الباب وأما ما أخرجه المستغفري في الصحابة من طريق القاسم عن أبي أمامة عن عامر بن الطفيل أنه قال يا رسول الله زودني بكلمات قال يا عامر أفش السلام وأطعم الطعام واستحي من الله وإذا أسأت فأحسن الحديث فهو أسلمي ووهم المستغفري في كونه ساق في ترجمته نسب عامر بن الطفيل العامري وقد روى البغوي في ترجمة أبي براء عامر بن مالك العامري من طريق عبد الله بن بريدة الاسلمي قال حدثني عمي عامر بن الطفيل فذكر حديثا فعرف أن الصحابي أسلمي ووافق اسمه واسم أبيه العامري فكان ذلك سبب الوهم قوله قال الله أكبر فزت ورب الكعبة فلحق الرجل فقتلوا كلهم أشكل ضبط قوله فلحق الرجل في هذا السياق فقيل يحتمل أن يكون المراد بالرجل الرجل الذي كان رفيق حرام وفيه حذف تقديره فلحق الرجل بالمسلمين ويحتمل أن يكون المراد به قاتل حرام والتقدير فطعن حراما فقال فزت ورب الكعبة فلحق الرجل المشرك الطاعن بقومه المشركين فاجتمعوا على المسلمين فقتلوا كلهم ويحتمل أن يكون فلحق بضم اللام والرجل هو حرام أي لحقه أجله أو الرجل رفيقه بمعنى أنهم لم يمكنوه أن يرجع إلى المسلمين بل لحقه المشركون ف قتلوه وقتلوا أصحابه ويحتمل أن يضبط الرجل بسكون الجيم وهو صيغة جمع والمعنى أن الذي طعن حراما لحق بقومه وهم الرجال الذين استنصر بهم عامر بن الطفيل والرجل بسكون الجيم هم المسلمون القراء فقتلوا كلهم وهذا أوجه التوجيهات إن ثبتت الرواية بسكون الجيم والله
[ 299 ]
أعلم قوله فقتلوا كلهم غير الاعرج كان في رأس جبل في رواية حفص بن عمر عن همام في كتاب الجهاد فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل قال همام وآخر معه وفي رواية الاسماعيلي من هذا الوجه فقتلوا أصحابه غير الاعرج وكان في رأس الجبل قوله ثم كان من المنسوخ أي المنسوخ تلاوته فلم يبق له حكم حرمة القرآن كتحريمه على الجنب وغير ذلك قوله في رواية ثمامة وكان خاله أي خال أنس قوله قال بالدم هكذا هو من إطلاق القول على الفعل وقد فسره بأنه نضح الدم قوله فزت ورب الكعبة أي بالشهادة قوله عن عائشة قالت استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الخروج يعني في الهجرة وقد تقدم شرح الحديث مستوفى بطوله في أبواب الهجرة وإنما ذكر منه ههنا هذه القطعة من أجل ذكر عامر بن فهيرة لينبه أنه كان من السابقين قوله فيه فكان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخو عائشة في رواية الكشميهني أخي عائشة وهما جائزان الاولى على القطع والثانية على البدل وفي قوله عبد الله بن الطفيل نظر وكأنه مقلوب والصواب كما قال الدمياطي الطفيل بن عبد الله بن سخبرة وهو أزدى من بني زهران وكان أبوه زوج أم رومان والدة عائشة فقدما في الجاهلية مكة فحالف أبا بكر ومات وخلف الطفيل فتزوج أبو بكر امرأته أم رومان فولدت له عبد الرحمن وعائشة فالطفيل أخوهما من أمهما واشترى أبو بكر عامر بن فهيرة من الطفيل قوله وعن أبي أسامة هو معطوف على قوله حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة وإنما فصله ليبين الموصول من المرسل وكأن هشام بن عروة حدث به عن أبيه هكذا فذكر قصة الهجرة موصولة بذكر عائشة فيه وقصة بئر معونة مرسلة ليس فيه ذكر عائشة ووجه تعلقه به من جهة ذكر عامر بن فهيرة فإنه ذكر في شأن الهجرة أنه كان معهم وفيه فلما خرجا أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خرج معهم أي إلى المدينة وقوله يعقبانه بالقاف أي يركبانه عقبة وهو أن ينزل الراكب ويركب رفيقه ثم ينزل الآخر ويركب الماشي هذا الذي يقتضيه ظاهر اللفظ في العقبة ويحتمل أن يكون المراد أن هذا يركبه مرة وهذا يركبه أخرى ولو كان كذلك لكان التعبير بيرد فإنه أظهر قوله فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة هذا آخر الحديث الموصول ثم ساق هشام بن عروة عن أبيه صفة قتل عامر بن فهيرة مرسلة وقد وقع عند الاسماعيلي والبيهقي في الدلائل سياق هذه القصة في حديث الهجرة موصولا به مدرجا والصواب ما وقع في الصحيح قوله لما قتل الذين ببئر معونة أي القراء الذين تقدم ذكرهم وأسر عمرو بن أمية الضمري قد ساق عروة ذلك في المغازي من رواية أبي الاسود عنه وفي روايته وبعث النبي صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر معونة وبعث معه المطلب السلمي ليدلهم على الطريق فقتل المنذر بن عمرو وأصحابه إلا عمرو بن أمية فإنهم أسروه واستحيوه وفي رواية بن إسحاق في المغازي أن عامر بن الطفيل اجتز ناصيته
[ 300 ]
وأعتقه عن رقبة كانت على أمه قوله قال له عامر بن الطفيل من هذا فأشار إلى قتيل في رواية الواقدي بإسناده عن عروة أن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية هل تعرف أصحابك قال نعم فطاف في القتلى فجعل يسأله عن أنسابهم قوله هذا عامر بن فهيرة وهو مولى أبي بكر المذكور في حديث الهجرة قوله لقد رأيته بعد ما قتل في رواية عروة المذكورة فأشار عامر بن الطفيل إلى رجل فقال هذا طعنه برمحه ثم انتزع رمحه فذهب بالرجل علوا في السماء حتى ما أراه قوله ثم وضع أي إلى الارض وذكر الواقدي في روايته أن الملائكة وارته ولم يره المشركون وهذا وقع عند بن المبارك عن يونس عن الزهري وفي ذلك تعظيم لعامر بن فهيرة وترهيب للكفار وتخويف وفي رواية عروة المذكورة وكان الذي قتله رجل من بني كلاب جبار بن سلمى ذكر أنه لما طعنه قال فزت والله قال فقلت في نفسي ما قوله فزت فأتيت الضحاك بن سفيان فسألته فقال بالجنة قال فأسلمت ودعاني إلى ذلك ما رأيت من عامر بن فهيرة انتهى وجبار بالجيم والموحدة مثقل معدود في الصحابة ووقع في ترجمة عامر بن فهيرة في الاستيعاب أن عامر بن الطفيل قتله وكأن نسبته له على سبيل التجوز لكونه كان رأس القوم قوله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم قد ظهر من حديث أنس أن الله أخبره بذلك على لسان جبريل وفي رواية عروة المذكورة فجاء خبرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة قوله وأصيب فيهم يومئذ عروة بن أسماء بن الصلت أي بن أبي حبيب بن حار ثة السلمي حليف بني عمرو بن عوف قوله فسمى عروة به قيل المراد بن الزبير كان الزبير سمى ابنه عروة لما ولد له باسم عروة بن أسماء المذكور وكان بين قتل عروة بن أسماء ومولد عروة بن الزبير بضعة عشر عاما وقد يستبعد هذا بطول المدة وبأنه لا قرابة بين الزبير وعروة بن أسماء قوله ومنذر بن عمرو أي بن أبي حبيش بن لوذان من بني ساعدة من الخزرج وكان عقبيا بدريا من أكابر الصحابة سمى به منذرا كذا ثبت بالنصب والاول سمي به منذر كما تقدم تقريره في الذي قبله أي ان الزبير سمى ابنه منذرا باسم المنذر بن عمرو هذا فيحتمل أن تكون الرواية بفتح السين على البناء للفاعل وهو محذوف والمراد به الزبير أو المراد به أبو أسيد لما في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى بابن لابي أسيد فقال ما اسمه قالو فلان قال بل هو المنذر قال النووي في شرح مسلم قالوا إنه سماه المنذر تفاؤلا باسم عم أبيه المنذر بن عمرو وكان استشهد ببئر معونة فتفاءل به ليكون خلفا منه وهذا مما يؤيد البحث الذي ذكرته في عروة ويحتمل أن يوجه النصب على مذهب الكوفيين في إقامة الجار والمجرور في قوله به مقام الفاعل كا قرئ ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ومن المناسبة هنا أن عروة بن الزبير هو عروة بن أسماء بنت أبي بكر وكأنه لما كان عروة بن أسماء ناسب أن يسمى باسم عروة بن أسماء ولما سمى الزبير ابنه باسم أحد الرجلين المشهورين ناسب أن يسمى الآخر باسم الثاني قوله حدثني محمد هو بن مقاتل وعبد الله هو بن المبارك قوله عن أبي مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي اسمه لاحق بن حميد وروايته هذه مختصرة لما ظهر من رواية إسحاق بن أبي طلحة التي تقدمت وكذلك رواية مالك عن إسحاق التي بعد هذه مختصرة بالنسبة إلى رواية همام عن إسحاق المتقدمة قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد قوله فان فلانا كأنه محمد بن سيرين
[ 301 ]
وقد تقدم بيان ذلك في أواخر كتاب الوتر قوله إلى ناس من المشركين وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد قبلهم فظهر هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد هكذا ساقه هنا وقوله قبلهم بكسر القاف وفتح الموحدة واللام أي من جهتهم وأورده في آخر كتاب الوتر عن مسدد عن عبد الواحد بلفظ إلى قوم من المشركين دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وليس المراد من ذلك أيضا بواضح وقد ساقه الاسماعيلي مبينا فأورده يوسف القاضي عن مسدد شيخ البخاري فيه ولفظه إلى قوم من المشركين فقتلهم قوم مشركون دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فظهر أن الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد غير الذين قتلوا المسلمين وقد بين بن إسحاق في المغازي عن مشايخه وكذلك موسى بن عقبة عن بن شهاب أصحاب الطائفتين وأن أصحاب العهد هم بنو عامر ورأسهم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر المعروف بملاعب الآسنة وأن الطائفة الاخرى من بني سليم وأن عامر بن الطفيل وهو بن أخي ملاعب الاسنة أراد الغدر بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بني عامر إلى قتالهم فامتنعوا وقالوا لا نخفر ذمة أبي براء فاستصرخ عليهم عصية وذكوان من بني سليم فأطاعوه وقتلوهم وذكر لحسان شعرا يعيب فيه أبا براء ويحرضه على قتال عامر بن الطفيل فيما صنع فيه فعمد ربيعة بن أبي براء إلى عامر بن الطفيل فطعنه فأرداه فقال له عامر بن الطفيل إن عشت نظرت في أمري وإن مت فدمي لعمي قالوا ومات أبو براء عقب ذلك أسفا على ما صنع به عامر بن الطفيل وعاش عامر بن الطفيل بعد ذلك ومات بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمته ووقع في آخر الحديث في الدعوات فقنت شهرا في صلاة الفجر وقال إن عصية عصت الله ورسوله وعصية بطن من بني سليم مصغر قبيلة تنسب إلى عصية بن خفاف بن ندبة بن بهثة بن سليم قوله باب غزوة الخندق وهي الاحزاب يعني أن لها اسمين وهو كما قال والاحزاب جمع حزب أي طائفة فأما تسميتها الخندق فلاجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وكان الذي أشار بذلك سلمان فيما ذكر أصحاب المغازي منهم أبو معشر قال قال سلمان للنبي صلى الله عليه وسلم إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق حول المدينة وعمل فيه بنفسه ترغيبا للمسلمين فسارعوا إلى عمله حتى فرغوا منه وجاء المشركون فحاصروهم وأما تسميتها الاحزاب فلاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين وهم قريش وغطفان واليهود ومن تبعهم وقد أنزل الله تعالى في هذه القصة صدر سورة الاحزاب وذكر موسى بن عقبة في المغازي قال خرج حيي بن أخطب بعد قتل بني النضير إلى مكة يحرض قريشا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في بني غطفان ويحضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لهم نصف ثم خيبر فأجابه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري إلى ذلك وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه وخرج أبو سفيان بن حرب بقريش فنزلوا بمر الظهران فجاءهم من أجابهم من بني سليم مددا لهم فصاروا في جمع عظيم فهم الذين سماهم الله تعالى الاحزاب وذكر بن إسحاق بأسانيده أن عدتهم عشرة آلاف قال وكان المسلمون ثلاثة آلاف وقيل كان المشركون أربعة آلاف والمسلمون نحو الالف وذكر موسى بن عقبة أن مدة الحصار كانت عشرين
[ 302 ]
يوما ولم يكن بينهم قتال إلا مراماة بالنبل والحجارة وأصيب منها سعد بن معاذ بسهم فكان سبب موته كما سيأتي وذكر أهل المغازي سبب رحيلهم وأن نعيم بن مسعود الاشجعي ألقى بينهم الفتنة فاختلفوا وذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك ثم أرسل الله عليهم الريح فتفرقوا وكفى الله المؤمنين القتال قوله قال موسى بن عقبة كانت في شوال سنة أربع هكذا رويناه في مغازيه قلت وتابع موسى على ذلك مالك وأخرجه أحمد عن موسى بن داود عنه وقال بن إسحاق كانت في شوال سنة خمس وبذلك جزم غيره من أهل المغازي ومال المصنف إلى قول موسى بن عقبة وقواه بما أخرجه أول أحاديث الباب من قول بن عمر أنه عرض يوم أحد وهو بن أربع عشرة ويوم الخندق وهو بن خمس عشرة فيكون بينهما سنة واحدة وأحد كانت سنة ثلاث فيكون الخندق سنة أربع ولا حجة فيه إذا ثبت أنها كانت سنة خمس لاحتمال أن يكون بن عمر في أحد كان في أول ما طعن في الرابعة عشر وكان في الاحزاب قد استكمل الخمس عشرة وبهذا أجاب البيهقي ويؤيد قول بن إسحاق أن أبا سفيان قال للمسلمين لما رجع من أحد موعدكم العام المقبل ببدر فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من السنة المقبلة إلى بدر فتأخر مجئ أبي سفيان تلك السنة للجدب الذي كان حينئذ وقال لقومه إنما يصلح الغزو في سنة الخصب فرجعوا بعد أن وصلوا إلى عسفان أو دونها ذكر ذلك بن إسحاق وغيره من أهل المغازي وقد بين البيهقي سبب هذا الاختلاف وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلغون الاشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الاول وعلى ذلك جرى يعقوب بن سفيان في تاريخه فذكر أن غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الاولى وأن غزوة أحد كانت في الثانية وأن الخندق كانت في الرابعة وهذا عمل صحيح على ذلك البناء لكنه بناء واه مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة وعلى ذلك تكون بدر في الثانية وأحد في الثالثة والخندق في الخامسة وهو المعتمد ثم ذكر المصنف في الباب سبعة عشر حديثا الحديث الاول حديث بن عمر قوله عرضه يوم أحد عرض الجيش اختبار أحوالهم قبل مباشرة القتال للنظر في هيئتهم وترتيب منازلهم وغير ذلك قوله وهو بن أربع عشرة سنة في رواية مسلم عرضني يوم أحد في القتال وأنا بن أربع عشرة سنة وقد تقدم مع شرحه ومباحثه في كتاب الشهادات بما يغني عن إعادته وقوله فأجازه أي أمضاه وأذن له في القتال وقال الكرماني أجازه من الاجازة وهي الانفال أي أسهم له قلت والاول أولى ويرد الثاني هنا أنه لم يكن في غزوة الخندق غنيمة يحصل منها نفل وفي حديث أبي واقد الليثي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض الغلمان وهو يحفر الخندق فأجاز من أجاز ورد من رد إلى الذراري فهذا يوضح أن المراد بالاجازة الامضاء للقتال لان ذلك كان في مبدأ الامر قبل حصول الغنيمة أن لو حصلت غنيمة والله أعلم الحديث الثاني حديث سهل بن سعد قوله كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون قد تقدم ذكر السبب في حفر الخندق في مغازي بن عقبة ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم أخذ في حفر الخندق حول المدينة ووضع يده في العمل معهم مستعجلين يبادرون قدوم العدو وكذا ذكر بن إسحاق نحوه وعند موسى أنهم أقاموا في عمله قريبا من عشرين ليلة وعند الواقدي أربعا وعشرين وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوما وفي الهدى لابن القيم أقاموا شهرا قوله ونحن ننقل التراب على أكتادنا
[ 303 ]
بالمثناة جمع كتد بفتح أوله وكسر المثناة وهو ما بين الكاهل إلى الظهر وقد تقدم في الجهاد من حديث أنس بلفظ على متونهم والمتن مكتنف الصلب بين اللحم والعصب ووهم بن التين فعزا هذه اللفظة لحديث سهل بن سعد ووقع في بعض النسخ على أكبادنا بالموحدة وهو موجه على أن يكون المراد به ما يلي الكبد من الجنب قوله اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة قال بن بطال هو قول بن رواحة يعني تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن من لفظه لم يكن بذلك النبي صلى الله عليه وسلم شاعرا قال وإنما يسمى شاعرا من قصده وعلم السبب والوتد وجميع معانيه من الزحاف ونحو ذلك كذا قال وعلم السبب والوتد إلى آخره إنما تلقوه من العروض التي اخترع ترتيبها الخليل بن أحمد وقد كان شعر الجاهلية والمخضرمين والطبقة الاولى والثانية من شعراء الاسلام قبل أن يصنفه الخليل كما قال أبو العتاهية أنا أقدم من العروض يعني أنه نظم الشعر قبل وضعه وقال أبو عبد الله بن الحجاج الكاتب قد كان شعر الورى قديما * من قبل أن يخلق الخليل وقال الداودي فيما نقله بن التين إنما قال بن رواحة لا هم ان العيش بلا ألف ولام فأورده بعض الرواة على المعنى كذا قال وحمله على ذلك ظنه أنه يصير بالالف واللام غير موزون وليس كذلك بل يكون دخله الخزم ومن صوره زيادة شئ من حروف المعاني في أول الجزء قوله فاغفر للمهاجرين والانصار في حديث أنس بعده فاغفر للانصار والمهاجرة وكلاهما غير موزون ولعله صلى الله عليه وسلم تعمد ذلك ولعل أصله فاغفر للانصار والمهاجرة بتسهيل لام الانصار وباللام في المهاجرة وفي الرواية الاخرى فبارك بدل فاغفر الحديث الثالث حديث أنس أورده من وجهين في الثاني زيادة قوله ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك أي أنهم عملوا فيه بأنفسهم لاحتياجهم إلى ذلك لا لمجرد الرغبة في الاجر قوله فلما رأى ما بهم من النصب والجوع فيه بيان لسبب قوله صلى الله عليه وسلم اللهم ان العيش عيش الآخرة وعند الحارث بن أبي أسامة من مرسل طاوس زيادة في هذا الرجز والعن عضلا والقارة * هم كلفونا ننقل الحجارة أو الاول غير موزون أيضا ولعله كان والعن إلهي عضلا والقارة وفي الطريق الثانية لانس أنه قال ذلك جوابا لقولهم نحن الذين بايعوا محمدا الخ ولا أثر للتقديم والتأخير فيه لانه يحمل على أنه كان يقول إذا قالوا ويقولون إذا قال وفيه أن في إنشاد الشعر تنشيطا في العمل وبذلك جرت عادتهم في الحرب وأكثر ما يستعملون في ذلك الرجز قوله نحن الذين بايعوا هو صفة الذين لا صفة نحن قوله على الجهاد ما بقينا أبدا في رواية عبد العزيز على الاسلام بدل الجهاد والاول أثبت تنبيه تقدم طريق عبد العزيز سندا ومتنا في أوائل الجهاد سوى قوله قال يؤتون الخ وسيأتي بعد أحاديث من حديث البراء أنه كان يقول اللهم لولا أنت ما اهتدينا قوله قال يؤتون قائل ذلك أنس بن مالك وهو موصول بالاسناد المذكور إليه قوله بملء كفي روى بالافراد والتثنية فيصنع لهم الشعير أي يطبخ وقوله بإهالة بكسر الهمزة وتخفيف الهاء الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتا أو سمنا أو شحما وأغرب الداودي فقال الاهالة وعاء من جلد فيه سمن وقوله سنخة أي تغير طعمها ولونها من قدمها ولهذا وصفها
[ 304 ]
بكونها بشعة وقوله بشعة بموحدة ومعجمة وعين مهملة وقيل بنون وغين معجمة والنشغ الغثي أي أنهم كان يحصل لهم عند ازدرادها شبيه بالغثي والاول أصوب وقوله في الحلق هو بالحاء المهملة قوله ولها ريح منتن يدل على أنها عتيقة جدا حتى عفنت وأنتنت وفي رواية الاسماعيلي ولها ريح منكر قال بن التين الصواب ريح منتنة لان الريح مؤنثة قال إلا أنه يجوز في المؤنث غير الحقيقي أن يعبر عنه بالمذكر ومنتن بضم الميم ويجوز كسرها الحديث الرابع قوله عن أبيه في رواية يونس بن بكير في زيادات المغازي عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قوله أتيت جابرا فقال إنا يوم الخندق في رواية الاسماعيلي من طريق المحاربي عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال قلت لجابر بن عبد الله حدثني بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرويه عنك فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق قوله فعرضت كيدة كذا لابي ذر بفتح الكاف وسكون التحتانية قيل هي القطعة الشديدة الصلبة من الارض وقال عياض كأن المراد أنها واحدة الكيد كأنهم أرادوا أن الكيد وهي الجبلة أعجزهم فلجئوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أحمد عن وكيع عن عبد الواحد بن أيمن وههنا كدية من الجبل وفي رواية الاسماعيلي فعرضت كدية وهي بضم الكاف وتقديم الدال على التحتانية وهي القطعة الصلبة الصماء ووقع في رواية الاصيلي عن الجرجاني كندة بنون وعند بن السكن كتدة بمثناة من فوق قال عياض لا أعرف لهما معنى وفي رواية الاسماعيلي فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هذه كدية قد عرضت في الخندق وزاد في روايته فقال رشوها بالماء فرشوها قوله أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر زاد يونس من الجوع وفي رواية أحمد أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرا من الجوع وفائدة ربط الحجر على البطن أنها تضمر من الجوع فيخشى على انحناء الصلب بواسطة ذلك فإذا وضع فوقها الحجر وشد عليها العصابة استقام الظهر وقال الكرماني لعله لتسكين حرارة الجوع ببرد الحجر ولانها حجارة رقاق قدر البطن تشد الامعاء فلا يتحلل شئ مما في البطن فلا يحصل ضعف زائد بسبب التحلل قوله ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا هي جملة معترضة أوردها لبيان السبب في ربطه صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه وزاد الاسماعيلي لا نطعم شيئا أو لا نقدر عليه قوله فأخذ المعول بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو بعدها لام أي المسحاة وفي رواية أحمد فأخذ المعول أو المسحاة بالشك قوله فضرب في رواية الاسماعيلي ثم سمى ثلاثا ثم ضرب وعند الحارث بن أبي أسامة من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان قال ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق ثم قال بسم الله وبه بدينا ولو عبدنا غيره شقينا فحبذا ربا وحب دينا قوله فعاد كثيبا أي رملا قوله هيل أو أهيم شك من الراوي في رواية الاسماعيلي أهيل بغير شك وكذا عند يونس وفي رواية أحمد كثيبا يهال والمعنى أنه صار رملا يسيل ولا يتماسك قال الله تعالى وكانت الجبال كثيبا مهيلا أي رملا سائلا وأما أهيم فقال عياض ضبطها بعضهم بالمثلثة وبعضهم بالمثناة وفسرها بأنها تكسرت والمعروف بالتحتانية وهي بمعنى أهيل وقد قال في قوله تعالى فشاربون شرب الهيم المراد الرمال التي لا يرويها الماء وقد تقدم الخلاف في تفسيرها في كتاب البيوع ووقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن
[ 305 ]
من حديث البراء بن عازب قال لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فأخذ المعول فقال بسم الله فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لابصر قصور ها الحمر الساعة ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لابصر قصر المدائن أبيض ثم ضرب الثالثة وقال بسم الله فقطع بقية الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لابصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة وللطبراني من حديث عبد الله بن عمرو نحوه وأخرجه البيهقي مطولا من طريق كثير بن عبد الرحمن بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وفي أوله خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق لكل عشرة أناس عشرة أذرع وفيه فمرت بنا صخرة بيضاء كسرت معاويلنا فأردنا أن نعدل عنها فقلنا حتى نشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلنا إليه سلمان وفيه فضرب ضربة صدع الصخرة وبرق منها برقة فكبر وكبر المسلمون وفيه رأيناك تكبر فكبرنا بتكبيرك فقال إن البرقة الاولى أضاءت لها قصور الشام فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم وفي آخره ففرح المسلمون واستبشروا وأخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص نحوه قوله فقلت يا رسول الله ائذن لي إلى البيت زاد أبو نعيم في المستخرج فأذن لي وفي المسند من زيادات عبد الله بن أحمد من حديث بن عباس احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال هل دللتم على رجل يطعمنا أكلة قال رجل نعم قال أما لا فتقدم الحديث وكأنه جابر ويؤخذ من هذه النكتة في قوله ائذن لي يا رسول الله قوله فقلت لامرأتي اسمها سهيلة بنت مسعود الانصارية قوله عندي شعير بين يونس بن بكير في روايته أنه صاع قوله وعناق بفتح العين المهملة وتخفيف النون هي الانثى من المعز وفي رواية سعيد بن ميناء التي تلو هذه فأخرجت إلى جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن أي سمينة والداجن التي تترك في البيت ولا تفلت للمرعى ومن شأنها أن تسمن وفي رواية أحمد من طريق سعيد بن ميناء سمينة قوله فذبحت بسكون المهملة وضم التاء وقوله طحنت بفتح المهملة وفتح النون فالذي ذبح هو جابر وامرأته هي التي طحنت وفي رواية سعيد عند أحمد فأمرت امرأتي فطحنت لنا الشعير وصنعت لنا منه خبزا قوله والعجين قد انكسر أي لان ورطب وتمكن منه الخمير قوله والبرمة بين الاثافي بمثلثة وفاء أي الحجارة التي توضع عليها القدر وهي ثلاثة قوله حتى جعلنا في رواية الكشميهني حتى جعلت قوله في البرمة بضم الموحدة وسكون الراء قوله طعيم بتشديد التحتانية على طريقة المبالغة في تحقيره قالوا من تمام المعروف تعجيله وتحقيره قال بن التين ضبطه بعضهم بتخفيف الياء وهو غلط قوله فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان في رواية يونس ورجلان بالجزم وفي رواية سعيد بعد هذه فقم أنت ونفر معك وفي رواية أحمد وكنت أريد أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده قوله فقال قوموا فقام المهاجرون في رواية يونس فقال للمسلمين جميعا قوموا وهي أوضح فإن الاحاديث تدل على أنه لم يخص المهاجرين بذلك فكأن المراد فقام المهاجرون ومن معهم وخصهم
[ 306 ]
بالذكر لشرفهم وفي بقية الحديث ما يؤيد هذا فإنه قال فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والانصار قوله قالت هل سألك قال نعم فقال ادخلوا في هذا السياق اختصار وبيانه في رواية يونس قال فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله عزوجل وقلت جاء الخلق على صاع من شعير وعناق فدخلت على امرأتي أقول افتضحت جاءك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق أجمعين فقالت هل كان سألك كم طعامك فقلت نعم فقالت الله ورسوله أعلم ونحن قد أخبرناه بما عندنا فكشفت عني غما شديدا وفي الرواية التي تلي هذه فجئت امرأتي فقالت بك وبك فقلت قد فعلت الذي قلت وكان قد ذكر في أوله أنها قالت له لا تفضحني برسول الله وبمن معه فجئت فساررته ويجمع بينهما بأنها أوصته أولا بأن يعلمه بالصورة فلما قال لها إنه جاء بالجميع ظنت أنه لم يعلمه فخاصمته فلما أعلمها أنه أعلمه سكن ما عندها لعلمها بامكان خرق العادة ودل ذلك على وفور عقلها وكمال فضلها وقد وقع لها مع جابر في قصة التمر أن جابرا أوصاها لما زارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تكلمه فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف نادته يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال صلى الله عليك وعلى زوجك فعاتبها جابر فقالت له أكنت تظن أن الله يورد رسوله بيتي ثم يخرج ولا أسأله الدعاء أخرجه أحمد بإسناد حسن في حديث طويل ووقع في رواية أبي الزبير عن جابر في نحو هذه القصة أنها قالت لجابر فارجع إليه فبين له فأتيته فقلت يا رسول الله إنما هي عناق وصاع من شعير قال فارجع فلا تحركن شيئا من التنور ولا من القدر حتى آتيها واستعر صحافا قوله ولا تضاغطوا بضاد معجمة وغين معجمة وطاء مهملة مشالة أي لا تزدحموا وفي الرواية التي بعدها فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبار ك قوله ويخمر البرمة أي يغطيها قوله ثم ينزع أي يأخذ اللحم من البرمة وفي رواية سعيد التي تلو هذه فقال أدع خابزة فلتخبز معك أي تساعدك وقوله رحمه اللهوا قدحي من برمتكم أي اغرفي والمقدحة المغرفة وفي رواية أبي الزبير عن جابر وأقعدهم عشرة عشرة فأكلوا قوله وبقي بقية في رواية سعيد فأقسم بالله لاكلوا أي لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا بالحاء المهملة والفاء أي رجعوا وفي رواية يونس بن بكير فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعون ويعود التنور والقدر أملا ما كانا قوله كلي هذا وأهدي بهمزة قطع فعل أمر للمرأة من الهدية ثم بين سبب ذلك بقوله فإن الناس اصابتهم مجاعة وفي رواية يونس كلي وأهدي فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع وفي رواية أبي الزبير عن جابر فأكلنا نحن وأهدينا لجيراننا فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ذلك وقد تقدم في علامات النبوة حديث أنس في تكثير الطعام القليل أيضا في قصة أخرى بما يغني عن الاعادة الحديث الخامس حديث جابر أيضا قوله أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد شيخ البخاري وقد روى عنه هنا بواسطة وهو من كبار شيوخه فكأن هذا فإنه سماعه منه كغيره من الاحاديث التي يدخل بينه وبينه فيها واسطة قوله خمصا بمعجمة وميم مفتوحتين وصاد مهملة وقد تسكن الميم وهو خموص البطن قوله فانكفيت بفاء مفتوحة بعدها تحتانية ساكنة أي انقلبت وأصله انكفأت بهمزة وكأنه سهلها قوله ان جابرا قد صنع سورا بضم المهملة وسكون الواو بغير همز هو هنا الصنيع بالحبشية وقيل العرس بالفارسية ويطلق أيضا على البناء الذي يحيط بالمدينة وأما الذي بالهمز فهو البقية قوله فحيهلا بكم هي
[ 307 ]
كلمة استدعاء فيها حث أي هلموا مسرعين ووقع في رواية القابسي أهلا بكم بزيادة ألف والصواب حذفها قوله وهم ألف أي الذين أكلو وفي رواية أبي نعيم في المستخرج فأخبرني أنهم كانوا تسعمائة أو ثمانمائة وفي رواية عبد الواحد بن أيمن عند الاسماعيلي كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة وفي رواية أبي الزبير كانوا ثلاثمائة والحكم للزائد لمزيد علمه لان القصة متحدة قوله وانحرفوا أي مالوا عن الطعام قوله لتغط بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أن تغلي وتفور الحديث السادس قوله عن عائشة رضي الله عنها إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر قالت كان ذلك يوم الخندق هكذا وقع مختصرا وعند بن مردويه من حديث بن عباس رضي الله عنهما إذ جاءوكم من فوقكم قال عيينة بن حصن ومن أسفل منكم أبو سفيان بن حرب وبين بن إسحاق في المغازي صفة نزولهم قال نزلت قريش بمجتمع السيول في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وتهامة ونزل عيينة في غطفان ومن معهم من أهل نجد إلى جانب أحد بباب نعمان وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف والخندق بينه وبين القوم وجعل النساء والذراري في الآطام قال وتوجه حيي بن أخطب إلى بني قريظة فلم يزل بهم حتى غدروا كما سيأتي بيانه في الباب الآتي وبلغ المسلمين غدرهم فاشتد بهم البلاء فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي عيينة بن حصن ومن معه ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا فمنعه من ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وقالا كنا نحن وهم على الشرك لا يطمعون منا في شئ من ذلك فكيف نفعله بعد أن أكرمنا الله عزوجل بالاسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ما لنا بهذا من حاجة ولا نعطيهم الا السيف فاشتد بالمسلمين الحصار حتى تكلم معتب بن قشير وأوس بن قيظي وغيرهما من المنافقين بالنفاق وأنزل الله تعالى وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا الآيات قال وكان الذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة ومن أسفل منهم قريش وغطفان قال بن إسحاق في روايته ولم يقع بينهم حر ب إلا مراماة بالنبل لكن كان عمرو بن عبد ود العامري اقتحم هو ونفر معه خيولهم من ناحية ضيقة من الخندق حتى صاروا بالسبخة فبارزه علي فقتله وبرز نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي فبارزه الزبير فقتله ويقال قتله علي ورجعت بقية الخيول منهزمة وروى البيهقي في الدلائل من طريق زيد بن أسلم أن رجلا قال لحذيفة أدركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندركه فقال بابن أخي والله لا تدري لو أدركته كيف تكون لقد رأيتنا ليلة الخندق في ليلة باردة مطيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يذهب فيعلم لنا علم القوم جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة فوالله ما قام أحد فقال لنا الثانية جعله الله رفيقي فلم يقم أحد فقال أبو بكر ابعث حذيفة فقال اذهب فقلت أخشى أن أؤسر قال إنك لن تؤسر فذكر أنه انطلق وأنهم تجادلوا وبعث الله عليهم الريح فما تركت لهم بناء إلا هدمته ولا إناء إلا أكفأته ومن طريق عمرو بن سريع بن حذيفة نحوه وفيه أن علقمة بن علاثة صار يقول يا آل عامر إن الريح قاتلني وتحملت قريش وإن الريح لتغلبهم على بعض أمتعتهم وروى الحاكم من طريق عبد العزيز بن أخي حذيفة عن أبي حذيفة قال لقد رأيتنا ليلة الاحزاب وأبو سفيان ومن معه من فوقنا وقريظة أسفل منا نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا ليلة أشد ظلمة ولا ريحا منها فجعل
[ 308 ]
المنافقون يستأذنون ويقولون إن بيوتنا عورة فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جاث على ركبتي ولم يبق معه إلا ثلاثمائة فقال اذهب فأتني بخبر القوم قال فدعا لي فأذهب الله عني الفر والفزع فدخلت عسكرهم فإذا الريح فيه لا تجاوزه شبرا فلما رجعت رأيت فوارس في طريقي فقالوا أخبر صاحبك أن الله عز وجل كفاه القوم وأصل هذا الحديث عند مسلم باختصار وسيأتي في الحديث الذي يليه شئ يتعلق بحديث عائشة الحديث السابع ذكر فيه حديث البراء من وجهين قوله عن البراء سيأتي بعد حديث بن عباس الطريق الاخرى لحديث البراء وفيه تصريح أبي إسحاق بسماعه له من البراء قوله حتى أغمر بطنه أو اغبر بطنه كذا وقع بالشك بالغين المعجمة فيهما فأما التي بالموحدة فواضح من الغبار وأما التي بالميم فقال الخطابي إن كانت محفوظة فالمعنى وارى التراب جلدة بطنه ومنه غمار الناس وهو جمعهم إذا تكاثف ودخل بعضهم في بعض قال وروى اعفر بمهملة وفاء والعفر بالتحريك التراب وقال عياض وقع للاكثر بمهملة وفاء ومعجمة وموحدة فمنهم من ضبطه بنصب بطنه ومنهم من ضبطه برفعها وعند النسفي حتى غبر بطنه أو اغبر بمعجمة فيهما وموحدة ولابي ذر وأبي زيد حتى أغمر قال ولا وجه لها إلا أن يكون بمعنى ستركما في الرواية الاخرى حتى وارى عني التراب بطنه قال وأوجه هذه الروايات اغبر بمعجمة وموحدة وبرفع بطنه قلت وفي حديث أم سلمة عند أحمد بسند صحيح كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاطيهم اللبن يوم الخندق وقد اغبر شعر صدره وفي الرواية الآتية حتى وارى عني الغبار جلد بطنه وكان كثير الشعر وظاهر هذا أنه كان كثير شعر الصدر ولي كذلك فان في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان دقيق المسربة أي الشعر الذي في الصدر إلى البطن فيمكن أن يجمع بأنه كان مع دقته كثيرا أي لم يكن منتشرا بل كان مستطيلا والله أعلم قوله يقول والله لولا الله ما اهتدينا بين في الرواية التي بعد هذه أن هذا الرجز من كلام عبد الله بن رواحة وقوله ان الالي قد بغوا علينا ليس بموزون وتحريره أن الذين قد بغوا علينا فذكر الراوي الالي بمعنى الذين وحذف قد وزعم بن التين أن المحذوف قد وهم قال والاصل ان الالي هم قد بغوا علينا وهو يتزن بما قال لكن لا يتعين وذكره بعض الرواة في مسلم بلفظ أبوا بدل بغوا ومعناه صحيح أي أبوا أن يدخلوا في ديننا ووقع في الطريق الثانية لحديث البراء أن الالي قد رغبوا علينا كذا للسرخسي والكشميهني وأبي الوقت والاصيلي وكذا في نسخة بن عساكر وللباقين قد بغوا كالاولى وأما الاصيلي فضبطها بالغين الثقيلة والموحدة وضبطها في المطالع بالغين المعجمة وضبطت في رواية أبي الوقت كذا لكن بزاي أوله والمشهور ما في المطالع قوله ورفع بها صوته أبينا أبينا كذا للاكثر بموحدة وفي آخر الرواية الآتية قال ثم يمد صوته بآخرها وهو يبين أن المراد بقوله أبينا ما وقع في آخر القسم الاخير وهو قوله إذا أرادوا فتنة أبينا ويحتمل أن يريد ما وقع في القسم الاخير وهو قوله إنا إذا صيح بنا أبينا فإنه روى بالوجهين ووقع في رواية أبي ذر وأبي الوقت وكريمة أتينا بمثناة بدل الموحدة والاصيلي والسجزي بمثناة قال عياض كلاهما صحيح المعنى أما الاول فمعناه إذا صيح بنا لفزع أو حادث أبينا الفرار وثبتنا وأما الثاني فمعناه جئنا وأقدمنا على عدونا قال والرواية في هذا القسم بالمثناة لان إعادة الكلمة في قوافي الرجز عن قرب عيب معلوم عنده فالراجح أن قوله إذا أرادوا فتنة أبينا
[ 309 ]
بالموحدة وقوله إنا إذا صيح بنا أتينا بالمثناة والله أعلم ووقع في بعض النسخ وإن أرادونا على فتنة أبينا وهو تغيير الحديث الثامن حديث بن عباس قوله نصرت بالصبا بفتح المهملة وتخفيف الموحدة وهي الريح الشرقية والدبور هي الريح الغربية وروى أحمد من حديث أبي سعيد قال قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شئ تقوله قد بلغت القلوب الحناجر قال نعم اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا قال فضرب الله وجوه أعدائنا بالريح فهزمهم الله عزوجل بالريح وروى بن مردويه في التفسير من طريق أخرى عن بن عباس أيضا قال قالت الصبا للشمال اذهبي بنا ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن الحرائر لا تهب بالليل فغضب الله عليها فجعلها عقيما وفي رواية له من هذا الوجه فكانت الريح التي نصر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبا وقد تقدم في الاستسقاء ذكر النكتة في تخصيص الدبور بعاد والصبا بالمسلمين وعرف بهذا وجه إيراد المصنف هذا الحديث هنا وأن الله نصر نبيه في غزوة الخندق بالريح قال تعالى فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها قال مجاهد سلط الله عليهم الريح فكفأت قدورهم ونزعت خيامهم حتى أظعنتهم وذكر بن إسحاق في سبب رحيلهم أن نعيم بن مسعود الاشجعي أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ولم يعلم به قومه فقال له خذل عنا فمضى إلى بني قريظة وكان نديما لهم فقال قد عرفتم محبتي قالوا نعم فقال إن قريشا وغطفان ليست هذه بلادهم وإنهم إن رأوا فرصة انتهزوها وإلا رجعوا إلى بلادهم وتركوكم في البلاء مع محمد ولا طاقة لكم به قالوا فما ترى قال لا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا رهنا منهم فقبلوا رأيه فتوجه إلى قريش فقال لهم إن اليهود ندموا على الغدر بمحمد فراسلوه في الرجوع إليه فراسلهم بأنا لا نرضى حتى تبعثوا إلى قريش فتأخذوا منهم رهنا فاقتلوهم ثم جاء غطفان بنحو ذلك قال فلما أصبح أبو سفيان بعث عكرمة بن أبي جهل إلى بني قريظة بأنا قد ضاق بنا المنزل ولم نجد مرعى فاخرجوا بنا حتى نناجز محمدا فأجابوهم ان اليوم يوم السبت ولا نعمل فيه شيئا ولا بد لنا من الرهن منكم لئلا تغدروا بنا فقالت قريش هذا ما حذركم نعيم فراسلوهم ثانيا أن لا نعطيكم رهنا فان شئتم ان تخرجوا فافعلوا فقالت قريظة هذا ما أخبرنا نعيم قال بن إسحاق وحدثني يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة أن نعيما كان رجلا نموما وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ان اليهود بعثت إلي إن كان يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رهنا ندفعهم إليك فتقتلهم فعلنا فرجع نعيم مسرعا إلى قومه فأخبرهم فقالوا والله ما كذب محمد عليهم وانهم لاهل غدر وكذلك قال لقريش فكان ذلك سبب خذلانهم ورحيلهم وقد تقدم في الحديث السادس بيان ما أرسل عليهم من الريح الحديث التاسع رحمه اللهقوله حدثنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث بن سعيد قوله أول مشهد شهدته يوم الخندق أي باشرت فيه القتال وهذا يوافق رواية نافع عنه الماضية في أول الباب وروى الطبراني بإسناد صحيح عن بن عمر قال بعثني خالي عثمان بن مظعون في حاجة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لي وقال من لقيت فقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا قال فلا والله ما عطف علي منهم اثنان الحديث العاشر قوله هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله قال وأخبرني بن طاوس قائل ذلك هو معمر واسم بن طاوس عبد الله قوله دخلت على حفصة أي بنت عمر أخته قوله ونسواتها بفتح النون والمهملة قال الخطابي كذا وقع وليس بشئ وإنما هو نوساتها أي ذوائبها ومعنى
[ 310 ]
تنطف أي تقطر كأنها قد اغتسلت والنوسات جمع نوسة والمراد أن ذوائبها كانت تنوس أي تتحرك وكل شئ تحرك فقد ناس والنوس الاضطراب ومنه قول المرأة في حديث أم زرع أناس من حلي أذني قال بن التين قوله نوسات هو بسكون الواو وضبط بفتحها وأما نسوات فكأنه على القلب قوله قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الامر شئ مراده بذلك ما وقع بين علي ومعاوية من القتال في صفين يوم اجتماع الناس على الحكومة بينهم فيما اختلفوا فيه فراسلوا بقايا الصحابة من الحرمين وغيرهم وتواعدوا على الاجتماع لينظروا في ذلك فشاور بن عمر أخته في التوجه إليهم أو عدمه فأشارت عليه باللحاق بهم خشية أن ينشأ من غيبته اختلاف يفضي إلى استمرار الفتنة قوله فلما تفرق الناس أي بعد أن اختلف الحكمان وهما أبو موسى الاشعري وكان من قبل علي وعمرو بن العاص وكان من قبل معاوية ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر في هذا الحديث فلما تفرق الحكمان وهو يفسر المراد ويعين أن القصة كانت بصفين وجوز بعضهم أن يكون المراد الاجتماع الاخير الذي كان بين معاوية والحسن بن علي ورواية عبد الرزاق ترده وعلى هذا تقدير الكلام فلم تدعه حتى ذهب إليهم في المكان الذي فيه الحكمان فحضر معهم فلما تفرقوا خطب معاوية الخ وأبعد من ذلك قول بن الجوزي في كشف المشكل أشار بذلك إلى جعل عمر الخلافة شورى في ستة ولم يجعل له من الامر شيئا فأمرته باللحاق قال وهذا حكاية الحال التي جرت قبل وأما قوله فلما تفرق الناس خطب معاوية كان هذا في زمن معاوية لما أراد أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده كذا قال ولم يأت له بمستند والمعتمد ما صرح به في رواية عبد الرزاق ثم وجدت في رواية حبيب بن أبي ثابت عن بن عمر قال لما كان في اليوم الذي اجتمع فيه معاوية بدومة الجندل قالت حفصة انه لا يجمل بك أن تتخلف عن صلح يصلح الله به بين أمة محمد وأنت صهر رسول الله وابن عمر بن الخطاب قال فأقبل معاوية يومئذ على بختي عظيم فقال من يطمع في هذا الامر أو يرجوه أو يمد إليه عنقه الحديث أخرجه الطبراني قوله ان يتكلم في هذا الامر أي الخلافة قوله فليطلع لنا قرنه بفتح القاف قال بن التين يحتمل أن يريد بدعته كما جاء في الخبر الآخر كلما نجم قرن أي طلع قرن ويحتمل أن يكون المعنى فليبد لنا صفحة وجهه والقرن من شأنه أن يكون في الوجه والمعنى فليظهر لنا نفسه ولا يخفيها قيل أراد عليا وعرض بالحسن والحسين وقيل أراد عمر وعرض بابنه عبد الله وفيه يعدلان معاوية كان يبالغ في تعظيم عمر ووقع في رواية حبيب بن أبي ثابت أيضا قال بن عمر ما حدثت نفسي بالدنيا قبل يومئذ أردت أن أقول له يطمع فيه من ضربك وأباك على الاسلام حتى أدخلكما فيه فذكرت الجنة فأعرضت عنه ومن هنا يظهر مناسبة إدخال هذه القصة في غزوة الخندق لان أبا سفيان كان قائد الاحزاب يومئذ قوله قال حبيب بن مسلمة أي بن مالك الفهري صحابي صغير ولابيه صحبة وكان قد سكن الشام وأرسله معاوية في عسكر لنصر عثمان فقتل عثمان قبل أن يصل فرجع فكان مع معاوية وولاه غزوة الروم فكان يقال له حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم ومات في خلافة معاوية قوله فهلا أجبته أي هلا أجبت معاوية عن تلك المقالة فأعلمه بن عمر بالذي منعه عن ذلك قال حللت حبوتي الخ ووقع في رواية عبد الرزاق عند قوله فلنحن أحق به منه ومن أبيه يعرض بابن عمر فعرف بهذه الزيادة مناسبة قول حبيب بن مسلمة لابن عمر هلا أجبته
[ 311 ]
والحبوة بضم المهملة وسكون الموحدة ثوب يلقى على الظهر ويربط طرفاه على الساقين بعد ضمهما قوله من قاتلك وأباك على الاسلام يعني يوم أحد ويوم الخندق ويدخل في هذه المقاتلة علي وجميع من شهدها من المهاجرين ومنهم عبد الله بن عمر ومن هنا تظهر مناسبة إدخال هذه القصة في غزوة الخندق لان أبا سفيان والد معاوية كان رأس الاحزاب يومئذ ووقع في رواية حبيب بن أبي ثابت أيضا قال بن عمر فما حدثت نفسي بالدنيا قبل يومئذ أرد ت أن أقول له يطمع فيه من قاتلك وأباك على الاسلام حتى أدخلكما فيه فذكرت الجنة فأعرضت عنه وكان رأي معاوية في الخلافة تقديم الفاضل في القوة والرأي والمعرفة على الفاضل في السبق إلى الاسلام والدين والعبادة فلهذا أطلق أنه أحق ورأى بن عمر بخلاف ذلك وأنه لا يبايع المفضول إلا إذا خشي الفتنة ولهذا بايع بعد ذلك معاوية ثم ابنه يزيد ونهى بنيه عن نقض بيعته كما سيأتي في الفتن وبايع بعد ذلك لعبد الملك بن مروان قوله ويحمل عني غير ذلك أي غير ما أردت ووقع في رواية منقطعة عند سعيد بن منصور أخرجها عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال نبئت أن بن عمر لما قال معاوية من أحق بهذا الامر منا ومن ينازعنا فهممت أن أقول الذين قاتلوك وأباك على الاسلام فخشيت أن يكون في قولي هراقة الدماء وأن يحمل قولي على غير الذي أردت قوله فذكرت ما أعد الله في الجنان أي لمن صبر وآثر الآخرة على الدنيا قوله قال حبيب أي بن مسلمة المذكور حفظت وعصمت بضم أولهما أي أنه صوب رأيه في ذلك وقد قدمنا أن حبيب بن مسلمة المذكور كان من أصحاب معاوية قوله قال محمود عن عبد الرزاق ونوساتها أي إن عبد الرزاق روى عن معمر شيخ هشام بن يوسف هذا الحديث كما رواه هشام فخالف في هذه اللفظة فقال نوساتها وهذا هو الصواب كما تقدم وطريق محمود هذا وهو بن غيلان المروزي وصلها محمد بن قدامة الجوهري في كتاب أخبار الخوارج له قال حدثنا محمود بن غيلان المروزي أنبأنا عبد الرزاق عن معمر فذكره بالاسنادين معا وساق المتن بتمامه وأوله دخلت على حفصة ونوساتها تنطف وقد ذكرت ما في روايته من فائدة زائدة وكذلك أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عبد الرزاق الحديث الحادي عشر حديث سليمان بن صرد بضم الصاد المهملة وفتح الراء بعدها مهملة بن الجون بفتح الجيم الخزاعي صحابي مشهور يقال كان اسمه يسار فغيره النبي صلى الله عليه وسلم ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في صفة إبليس وله طريق في الادب وقد صرح في الرواية الثانية بسماع أبي إسحاق له منه وكان سليمان المذكور أسن من خرج من أهل الكوفة في طلب ثأر الحسين بن علي فقتل هو وأصحابه بعين الوردة في سنة خمس وستين قوله نغزوهم ولا يغزوننا في رواية أبي نعيم في المستخرج من طريق بشر بن موسى عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه الآن نغزوهم وهي في رواية إسرائيل التي تلو هذه وقوله في رواية إسرائيل حين أجلي بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام أي رجعوا عنه وفيه إشارة إلى أنهم رجعوا بغير اختيارهم بل بصنع الله تعالى لرسوله وذكر الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بعد أن انصرفوا وذلك لسبع بقين من ذي القعدة وفيه علم من أعلام النبوة فإنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في السنة المقبلة فصدته قريش عن البيت ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها فكان ذلك سبب فتح مكة فوقع الامر كما قال صلى الله عليه وسلم وأخرج البزار بإسناد حسن من حديث
[ 312 ]
جابر شاهدا لهذا الحديث ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الاحزاب وقد جمعوا له جموعا كثيرة لا يغزونكم بعد هذا أبدا ولكن أنتم تغزونهم الحديث الثاني عشر حديث علي قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور وهشام كنت ذكرت في الجهاد أنه الدستوائي لكن جزم المزي في الاطراف أنه بن حسان ثم وجدته مصرحا به في عدة طرق فهذا هو المعتمد وأما تضعيف الاصيلي للحديث به فليس بمعتمد كما سأوضحه في التفسير إن شاء الله تعالى قوله عن محمد هو بن سيرين وعبيدة بفتح العين هو بن عمرو السلماني قوله قال يوم الخندق في رواية الجهاد يوم الاحزاب وهو بالمعنى وفي رواية يحيى بن الجزار عن علي عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم الاحزاب قاعدا على فرصة من فرص الخندق فذكره قوله كما شغلونا في رواية الكشميهني كلما شغلونا بزيادة لام وهو خطأ قوله الصلاة الوسطى زاد مسلم صلاة العصر وسيأتي الكلام عليها وعلى شرح هذا الحديث مستوفى في تفسير سورة البقرة الحديث الثالث عشر حديث جابر قوله حدثنا هشام أي بن عبد الله الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قوله جعل يسب كفار قريش قد سبق شرح هذا الحديث في المواقيت من كتاب الصلاة وبينت فيه المذاهب في ترتيب فائتة الصلاة الحديث الرابع عشر حديث جابر أيضا في ذكر الزبير وقد تقدم شرحه في المناقب قوله من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ذكرها ثلاث مرات وقد تقدم في الجهاد في باب فضل الطليعة ذكرها مرتين ومضى شرح الحديث في مناقب الزبير وقد استشكل ذكر الزبير في هذه القصة فقال شيخنا بن الملقن اعلم أنه وقع هنا أن الزبير هو الذي ذهب لكشف خبر بني قريظة والمشهور كما قاله شيخنا أبو الفتح اليعمري أن الذي توجه ليأتي بخبر القوم حذيفة كما رويناه من طريق بن إسحاق وغيره قلت وهذا الحصر مردود فان القصة التي ذهب لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها فقصة الزبير كانت لكشف خبر بني قريظة هل نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشا على محاربة المسلمين وقصة حذيفة كانت لما اشتد الحصار على المسلمين بالخندق وتمالات عليهم الطوائف ثم وقع بين الاحزاب الاختلاف وحذرت كل طائفة من الاخرى وأرسل الله تعالى عليهم الريح واشتد البرد تلك الليلة فانتدب النبي صلى الله عليه وسلم من يأتيه بخبر قريش فانتدب له حذيفة بعد تكراره طلب ذلك وقصته في ذلك مشهورة لما دخل بين قريش في الليل وعرف قصتهم ورجع وقد اشتد عليه البرد فغطاه النبي صلى الله عليه وسلم حتى دفئ وبين الواقدي أن المراد بالقوم بنو قريظة وروى بن أبي شيبة من مرسل عكرمة أن رجلا من المشركين قال يوم الخندق من يبارز فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا زبير فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب وإحدى يا رسول الله فقال قم يا زبير فقام الزبير فقتله ثم جاء بسلبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنفله إياه الحديث الخامس عشر قوله عن أبيه هو أبو سعيد المقبري قوله وغلب الاحزاب وحده فلا شئ بعده هو من السجع المحمود والفرق بينه وبيه المذموم أن المذموم ما يأتي بتكلف واستكراه والمحمود ما جاء بانسجام واتفاق ولهذا قال في مثل الاول أسجع مثل سجع الكهان وكذا قال كان يكره السجع في الدعاء ووقع في كثير من الادعية والمخاطبات ما وقع مسجوعا لكنه في غاية الانسجام المشعر
[ 313 ]
بأنه وقع بغير قصد ومعنى قوله لا شئ بعده أي جميع الاشياء بالنسبة إلى وجوده كالعدم أو المراد أن كل شئ يفنى وهو الباقي فهو بعد كل شئ فلا شئ بعده كما قال تعالى كل شئ هالك إلا وجهه الحديث السادس عشر قوله حدثني محمد بن سلام والفزاري هو مروان بن معاوية وعبدة هو بن سليمان قوله دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاحزاب قد تقدم شرحه في باب لا تتمنوا لقاء العدو من كتاب الجهاد الحديث السابع عشر حديث عبد الله وهو بن عمر قوله أو الحج أو العمرة ليست أو للشك بل هي للتنويع وذكره هنا لقوله وهزم الاحزاب وحده وسيأتي شرحه في الدعوات إن شاء الله تعالى قوله باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الاحزاب أي من الموضع الذي كان يقاتل فيه الاحزاب إلى منزله بالمدينة قوله ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم قد تقدم السبب في ذلك وهو ما وقع من بني قريظة من نقض عهده وممالاتهم لقريش وغطفان عليه وتقدم نسب بني قريظة في غزوة بني النضير وذكر عبد الملك بن يوسف في كتاب الانواء له أنهم كانوا يزعمون أنهم من ذرية شعيب نبي الله عليه السلام وهو بمحتمل وان شعيبا كان من بني جذام القبيلة المشهورة وهو بعيد جدا وتقدم أن توجه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم كان لسبع بقين من ذي القعدة وأنه خرج إليهم في ثلاثة آلاف وذكر بن سعد أنه كان مع المسلمين ستة وثلاثون فرسا ثم ذكر المصنف فيه ستة أحاديث الاول حديث عائشة رضي الله عنها ذكره مختصرا وسيأتي مطولا في الباب مع شرحه الثاني حديث أنس قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل التبوذكي قوله كأني أنظر إلى الغبار يشير إلى أنه يستحضر القصة حتى كأنه ينظر إليها مشخصة له بعد تلك المدة الطويلة قوله ساطعا أي مرتفعا قوله بني غنم بفتح المعجمة وسكون النون كما تقدم شرحه في أوائل بدء الخلوتقدم إعراب قوله موكب جبريل ووقع هذا الحديث عند بن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال مطولا لكن ليس فيه أنس وأوله كان بين بني قريظة وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فلما جاءت الاحزاب نقضوه وظاهروهم فلما هزم الله عزوجل الاحزاب تحصنوا فجاء جبريل ومن معه من الملائكة فقال يا رسول الله انهض إلى بني قريظة فقال ان في أصحابي جهدا قال انهض إليهم فلاضعضعنهم قال فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الانصار الحديث الثالث حديث بن عمر قوله جويرية بالجيم مصغر هو عم عبد الله الراوي عنه قوله لا يصلين أحد العصر كذا وقع في جميع النسخ عند البخاري ووقع في جميع النسخ عند مسلم الظهر مع اتفاق البخاري ومسلم على روايته عن شيخ واحد بإسناد واحد وقد وافق مسلما أبو يعلى
[ 314 ]
وآخرون وكذلك أخرجه بن سعد عن أبي عتبان مالك بن إسماعيل عن جويرية بلفظ الظهر وابن حبان من طريق أبي عتبان كذلك ولم أره من رواية جويرية الا بلفظ الظهر غير أن أبا نعيم في المستخرج أخرجه من طريق أبي حفص السلمي عن جويرية فقال العصر وأما أصحاب المغازي فاتفقوا على أنها العصر قال بن إسحاق لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق راجعا إلى المدينة أتاه جبريل الظهر فقال إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فأمر بلالا فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة وكذلك أخرجه الطبراني والبيهقي في الدلائل بإسناد صحيح إلى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عمه عبيد الله بن كعب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الاحزاب وجمع عليه اللامة واغتسل واستجمر تبدى له جبريل فقال عذيرك من محارب فوثب فزعا فعزم على الناس أن لا يصلوا العصر حتى يأتوا بني قريظة قال فلبس الناس السلاح فلم يأتوا قريظة حتى غربت الشمس قال فاختصموا عند غروب الشمس فصلت طائفة العصر وتركتها طائفة وقالت إنا في عزمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس علينا إثم فلم يعنف واحدا من الفريقين وأخرجه الطبراني من هذا الوجه موصولا يذكر كعب بن مالك فيه وللبيهقي من طريق القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها نحوه مطولا وفيه فصلت طائفة إيمانا واحتسابا وتركت طائفة إيمانا واحتسابا وهذا كله يؤيد رواية البخاري في أنها العصر وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين باحتمال أن يكون بعضهم قبل الامر كان صلى الظهر وبعضهم لم يصلها فقيل لمن لم يصلها لا يصلين أحد الظهر ولمن صلاها لا يصلين أحد العصر وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة فقيل للطائفة الاولى الظهر وقيل للطائفة التي بعدها العصر وكلاهما جمع لا بأس به لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث لانه عند الشيخين كما بيناه بإسناد واحد من مبدئه إلى منتهاه فيبعد أن يكون كل من رجال إسناده قد حدث به على الوجهين إذ لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته على الوجهين ولم يوجد ذلك ثم تأكد عندي أن الاختلاف في اللفظ المذكور من حفظ بعض رواته فان سياق البخاري وحده مخالف لسياق كل من رواه عن عبد الله بن محمد بن أسماء وعن عمه جويرية ولفظ البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلى حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم ولفظ مسلم وسائر من رواه نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف عن الاحزاب أن لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة وقال آخرون لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وان فاتنا الوقت قال فما عنف واحدا من الفريقين فالذي يظهر من تغاير اللفظين أن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ الشيخين فيه لما حدث به البخاري حدث به على هذا اللفظ ولما حدث به الباقين حدثهم به على اللفظ الاخير وهو اللفظ الذي حدث به جويرية بدليل موافقة أبي عتبان له عليه بخلاف اللفظ الذي حدث به البخاري أو أن البخاري كتبه من حفظه ولم يراع اللفظ كما عرف من مذهبه في تجويز ذلك بخلاف مسلم فإنه يحافظ على اللفظ كثيرا وإنما لم أجوز عكسه لموافقة من وافق مسلما على لفظه بخلاف
[ 315 ]
البخاري لكن موافقة أبي حفص السلمي له تؤيد الاحتمال الاول وهذا كله من حيث حديث بن عمر أما بالنظر إلى حديث غيره فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال الظهر لطائفة والعصر لطائفة متجه فيحتمل أن تكون رواية الظهر هي التي سمعها بن عمر ورواية العصر هي التي سمعها كعب بن مالك وعائشة والله أعلم قال السهيلي وغيره في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه وفيه أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب قال السهيلي ولا يستحيل أن يكون الشئ صوابا في حق إنسان وخطأ في حق غيره وإنما المحال أن يحكم في النازلة بحكمين متضادين في حق شخص واحد قال والاصل في ذلك أن الحظر والاباحة صفات أحكام لا أعيان قال فكل مجتهد وافق اجتهاده وجها من التأويل فهو مصيب انتهى والمشهور أن الجمهور ذهبوا إلى أن المصيب في القطعيات واحد وخالف الجاحظ والعنبري وأما ما لا قطع فيه فقال الجمهور أيضا المصيب واحد وقد ذكر ذلك الشافعي وقرره ونقل عن الاشعري أن كل مجتهد مصيب وأن حكم الله تابع لظن المجتهد وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية هو مصيب باجتهاده وان لم يصب ما في نفس الامر فهو مخطئ وله أجر واحد وسيأتي بسط هذه المسألة في كتاب الاحكام إن شاء الله تعالى ثم الاستدلال بهذه القصة على أن كل مجتهد مصيب على الاطلاق ليس بواضح وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد فيستفاد منه عدم تأثيمه وحاصل ما وقع في القصة أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحا للنهي الثاني على النهي الاول وهو ترك تأخير الصلاة عن وقتها واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الايام بالخندق فقد تقدم حديث جابر المصرح بأنهم صلوا العصر بعدما غربت الشمس وذلك لشغلهم بأمر الحرب فجوزوا أن يكون ذلك عاما في كل شغل يتعلق بأمر الحرب ولاسيما والزمان زمان التشريع والبعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة وأنه كناية عن الحث والاستعجال والاسراع إلى بني قريظة وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لانه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحدا من الطائفتين فلو كان هناك إثم لعنف من أثم واستدل به بن حبان على أن تارك الصلاة حتى يخرج وقتها لا يكفر وفيه نظر لا يخفى واستدل به غيره على جواز الصلاة على الدواب في شدة الخوف وفيه نظر قد أوضحته في باب صلاة الخوف وعلى أن الذي يتعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها يقضيها بعد ذلك لان الذين لم يصلوا العصر صلوها بعد ذلك كما وقع عند بن إسحاق أنهم صلوها في وقت العشاء وعند موسى بن عقبة أنهم صلوها بعد أن غابت الشمس وكذا في حديث كعب بن مالك وفيه نظر أيضا لانهم لم يؤخروها إلا لعذر تأولوه والنزاع إنما هو فيمن أخر عمدا بغير تأويل وأغرب بن المنير فادعى أن الطائفة الذين صلوا العصر لما أدركتهم في الطريق إنما صلوها وهم على الدواب واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الاسراع في الوصول قال فإن الذين لم يصلوا عمدوا بالدليل الخاص وهو الامر بالاسراع فترك عموم إيقاع العصر في وقتها إلى أن فات والذين صلوا جمعوا بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الاسراع فصلوا ركبانا لانهم لو صلوا نزولا لكان مضادة لما أمروا به من الاسراع ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم انتهى وفيه نظر لانه لم يصرح لهم بترك النزول فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة المبالغة في
[ 316 ]
الامر بالاسراع فبادروا إلى امتثال أمره وخصوا وقت الصلاة من ذلك لما تقرر عندهم من تأكيد أمرها فلا يمتنع أن ينزلوا فيصلوا ولا يكون في ذلك مضادة لما امروا به ودعوى أنهم صلوا ركبانا يحتاج إلى دليل ولم أره صريحا في شئ من طرق هذه القصة وقد تقدم بحث بن بطال في ذلك في باب صلاة الخوف وقال بن القيم في الهدى ما حاصله كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أن من صلى حاز الفضيلتين امتثال الامر في الاسراع وامتثال الامر في المحافظة على الوقت ولا سيما ما في هذه الصلاة بعينها من الحث على المحافظة عليها وأن من فاتته حبط عمله وإنما لم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الامر ولانهم اجتهدوا فأخروا لامتثالهم الامر لكنهم لم يصلوا إلى أن يكون اجتهادهم أصوب من اجتهاد الطائفة الاخرى وأما من احتج لمن أخر بأن الصلاة حينئذ كانت تؤخر كما في الخندق وكان ذلك قبل صلاة الخوف فليس بواضح لاحتمال أن يكون التأخير في الخندق كان عن نسيان وذلك بين في قوله صلى الله عليه وسلم لعمر لما قال له ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب فقال والله ما صليتها لانه لو كان ذاكرا لها لبادر إليها كما صنع عمر انتهى وقد تقدم تأخير الصلاة في الخندق في كتاب الصلاة بما يغني عن إعادته الحديث الرابع قوله حدثني بن أبي الاسود هو عبد الله كما تقدم بيانه في كتاب الخمس وساق هذا الحديث عنه هناك أتم وتقدم باختصار في غزوة بني النضير وتقدم ما يتعلق بالزيادة التي فيه هنا في حديث الزهري عن أنس في كتاب الهبة وحاصله أن الانصار كانوا واسوا المهاجرين بنخيلهم لينتفعوا بثمرها فلما فتح الله النضير ثم قريظة قسم في المهاجرين من غنائمهم فأكثر وأمرهم برد ما كان للانصار لاستغنائهم عنه ولانهم لم يكونوا ملكوهم رقاب ذلك وامتنعت أم أيمن من رد ذلك ظنا أنها ملكت الرقبة فلاطفها النبي صلى الله عليه وسلم لما كان لها عليه من حق الحضانة حتى عوضها عن الذي كان بيدها بما أرضاها قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن فجاءت أم أيمن في هذا السياق حذف يوضحه رواية مسلم من هذا الوجه بلفظ أعطاه أم أيمن فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيه فجاءت أم أيمن قوله والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك كذا أي يقول لام أيمن لك كذا في رواية مسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول يا أم أيمن اتركيه ولك كذا وقوله ولك كذا كناية عن القدر الذي ذكره لها النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي ظنت أم أيمن أن تلك المنحة مؤبدة فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليها هذا الظن تطيبا لقلبها لكونها حاضنته وزادها من عنده حتى طاب قلبها قوله أو كما قالت إشارة إلى شك وقع في اللفظ مع حصول المعنى قوله حتى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله أو كما قال في رواية مسلم حتى أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله وعرف بهذا أن معنى قوله ولك كذا أي مثل الذي لك مرة ثم شرع يزيدها مرتين أو ثلاثا إلى أن بلغها عشرة وفي الحديث مشروعية هبة المنفعة دون الرقبة وفرط جود النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة حلمه وبره ومنزلة أم أيمن عند النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما وهي والدة أسامة بن زيد وابنها أيمن أيضا له صحبة واستشهد بحنين وهو أسن من أسامة وعاشت أم أيمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلا رضي الله عنهم الحديث الخامس حديث أبي سعيد أورده من طريق شعبة بنزول وقد تقدم له في المناقب عاليا وكذا في المغازي قبل هذا بقليل قوله عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل هكذا
[ 317 ]
رواه شعبة عن سعد بن إبراهيم ورواه محمد بن صالح بن دينار التمار المدني عن سعد بن إبراهيم فقال عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أخرجه النسائي ورواية شعبة أصح ويحتمل أن يكون لسعد بن إبراهيم فيه إسنادان قوله نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ سيأتي بيان ذلك في الحديث الذي يليه وفي رواية محمد بن صالح المذكورة حكم أن يقتل منهم كل من جرت عليه الموسى وفيه زيادة بيان الفرق بين المقاتلة والذرية قوله فلما دنا من المسجد قيل المراد المسجد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أعده للصلاة فيه في ديار بني قريظة أيام حصارهم وليس المراد به المسجد النبوي بالمدينة لكن كلام بن إسحاق يدل على أنه كان مقيما في مسجد المدينة حتى بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم في بني قريظة فإنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سعدا في خيمة رفيدة عند مسجده وكانت امرأة تداوي الجرحى فقال اجعلوه في خيمتها لاعوده من قريب فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وحاصرهم وسأله الانصار أن ينزلوا على حكم سعد أرسل إليه فحملوه على حمار ووطؤا له وكان جسيما فدل قوله فلما خرج إلى بني قريظة أن سعدا كان في مسجد المدينة قوله قوموا إلى سيدكم يأتي البحث فيه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وفيه البيان عما اختلف فيه هل المخاطب بذلك الانصار خاصة أم هم وغيرهم ووقع في مسند عائشة رضي الله عنها من مسند أحمد من طريق علقمة بن وقاص عنها في اثناء حديث طويل قال أبو سعيد فلما طلع قال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم فانزلوه فقال عمر السيد هو الله قوله حكمت فيه بحكم الله وربما قال بحكم الملك هو بكسر اللام والشك فيه من أحد رواته أي اللفظين قال وفي رواية محمد بن صالح المذكورة لقد حكمت فيهم اليوم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات وفي حديث جابر عند بن عائذ فقال احكم فيهم يا سعد قال الله ورسوله أحق بالحكم قال قد أمرك الله تعالى أن تحكم فيهم وفي رواية بن إسحاق من مرسل علقمة بن وقاص لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة وأرقعة بالقاف جمع رقيع وهو من أسماء السماء قيل سميت بذلك لانها رقعت بالنجوم وهذا كله يدفع ما وقع عند الكرماني بحكم الملك بفتح اللام وقسره بجبريل لانه الذي ينزل بالاحكام قال السهيلي قوله من فوق سبع سماوات معناه أن الحكم نزل من فوق قال ومثله قول زينب بنت جحش زوجني الله من نبيه من فوق سبع سماوات أي نزل تزويجها من فوق قال ولا يستحيل وصفه تعالى بالفوق على المعنى الذي يليق بجلاله لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التحديد الذي يفضي إلى التشبيه وبقية الكلام على هذا الحديث في الذي بعده الحديث السادس حديث عائشة رضي الله عنها قوله أصيب سعد في الرواية التي في المناقب سعد بن معاذ قوله حبان بكسر المهملة وتشديد الموحدة بن العرفة بفتح المهملة وكسر الراء ثم قاف قوله وهو حبان بن قيس يعني أن العرقة أمه وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم قوله من بني معيص بفتح الميم وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم مهملة وهو حبان بن قيس ويقال بن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف قوله رماه في الاكحل بفتح الهمزة والمهملة بينهما كاف ساكنة وهو عرق في وسط الذراع قال الخليل هو عرق الحياة ويقال إن في كل عضو منه شعبة فهو في اليد الاكحل وفي الظهر الابهر وفي الفخذ النسا إذا قطع لم يرقأ الدم
[ 318 ]
قوله خيمة في المسجد تقدم بيانها في الذي قبله فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل هذا السياق يبين أن الواو زائدة في الطريق التي في الجهاد حيث وقع فيه بلفظ لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح فأتاه جبريل وهو أولى من دعوى القرطبي أن الفاء زائدة قال وكأنها زيدت كما زيدت الواو في جواب لما انتهى ودعوى زيادة الواو في قوله وضع أولى من دعوى زيادة الفاء لكثرة مجئ الواو زائدة ووقع في أول هذه الغزاة لما رجع من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل فمن هنا ادعى القرطبي أن الفاء زائدة ووقع عند الطبراني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد بن عائشة رضي الله عنها قالت سلم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فقمت في أثره فإذا بدحية الكلبي فقال هذا جبريل وفي حديث علقمة يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة وذلك لما رجع من الخندق قالت فكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه جبريل وفي حديث علقمة بن وقاص عن عائشة عند أحمد والطبراني فجاءه جبريل وإن على ثناياه لنقع الغبار وفي مرسل يزيد بن الاصم عند بن سعد فقال له جبريل عفا الله عنك وضعت السلاح ولم تضعه ملائكة الله وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة في حديث الباب قالت عائشة لقد رأيته من خلل الباب قد عصب التراب رأسه وفي رواية جابر عند بن عائذ فقال قم فشد عليك سلاحك فوالله لادقنهم دق البيض على الصفا قوله فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فحاصرهم وروى بن عائذ من مرسل قتادة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي فنادى يا خيل الله اركبي وفي رواية أبي الاسود عن عروة عند الحاكم والبيهقي وبعث عليا على المقدمة ودفع إليه اللواء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثره وعند موسى بن عقبة نحوه وزاد وحاصرهم بضع عشرة ليلة وعند بن سعد خمس عشرة وفي حديث علقمة بن وقاص المذكور خمسا وعشرين ومثلها عند بن إسحاق عن أبيه عن معبد بن كعب قال حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار وقذف في قلوبهم الرعب فعرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد أن يؤمنوا أو يقتلوا نساءهم وأبناءهم ويخرجوا مستقتلين أو يبيتوا المسلمين ليلة السبت فقالوا لا نؤمن ولا نستحل ليلة السبت وأي عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا فأرسلوا إلى أبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاءه فاستشاروه في النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلى حلقه يعني الذبح ثم ندم فتوجه إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فارتبط به حتى تاب الله عليه قوله فنزلوا على حكمه فرد الحكم إلى سعد كأنهم أذعنوا للنزول على حكمه صلى الله عليه وسلم فلما سأله الانصار فيهم رد الحكم إلى سعد ووقع بيان ذلك عند بن إسحاق قال لما اشتد بهم الحصار أذعنوا إلى أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثبت الاوس فقالوا يا رسول الله قد فعلت في موالي الخزرج أي بني قينقاع ما علمت فقال ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك إلى سعد بن معاذ وفي كثير من السير أنهم نزلوا على حكم سعد ويجمع بأنهم نزلوا على حكمه قبل أن يحكم فيه سعد وفي رواية علقمة بن وقاص المذكورة فلما اشتد بهم البلاء قيل لهم انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استشاروا أبا لبابة قال ننزل على حكم سعد بن معاذ ونحوه في حديث جابر عند بن عائذ
[ 319 ]
فحصل في سبب رد الحكم إلى سعد بن معاذ أمران أحدهما سؤال الاوس والآخر إشارة أبي لبابة ويحتمل أن تكون الاشارة إثر توقفهم ثم لما اشتد الامر بهم في الحصار عرفوا سؤال الاوس فأذعنوا إلى النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم وأيقنوا بأنه يرد الحكم إلى سعد وفي رواية علي بن مسهر عن هشام بن عروة عند مسلم فرد الحكم فيهم إلى سعد وكانوا حلفاءه قوله فإني أحكم فيهم أي في هذا الامر وفي رواية النسفي وإني أحكم فيهم قوله أن تقتل المقاتلة قد تقدم في الذي قبله بيان ذلك وذكر بن إسحاق أنهم حبسوا في دار بنت الحارث وفي رواية أبي الاسود عن عروة في دار أسامة بن زيد ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في بيتين ووقع في حديث جابر عند بن عائذ التصريح بأنهم جعلوا في بيتين قال بن إسحاق فخند قوالهم خنادق فضربت أعناقهم فجرى الدم في الخنادق وقسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأسهم للخيل فكان أول يوم وقعت فيه السهمان لها وعند بن سعد من مرسل حميد بن هلال أن سعد بن معاذ حكم أيضا أن تكون دارهم للمهاجرين دون الانصار فلامه فقال إني أحببت أن تستغنوا عن دورهم واختلف في عدتهم فعند بن إسحاق أنهم كانوا ستمائة وبه جزم أبو عمرو في ترجمة سعد بن معاذ وعند بن عائذ من مرسل قتادة كانوا سبعمائة وقال السهيلي المكثر يقول إنهم ما بين الثمانمائة إلى التسعمائة وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل فيحتمل في طريق الجمع أن يقال إن الباقين كانوا أتباعا وقد حكى بن إسحاق أنه قيل إنهم كانوا تسعمائة قوله قال هشام فأخبرني أبي هو موصول بالاسناد المذكور أولا وقد تقدم هذا القدر من هذا الحديث موصولا من طريق أخرى عن هشام في أوائل الهجرة وفي رواية عبد الله بن نمير عن هشام عند مسلم قال قال سعد وتحجر كلمه للبرء اللهم إنك تعلم الخ أي انه دعا بذلك لما كاد جرحه أن يبرأ ومعنى تحجر أي يبس قوله فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم قال بعض الشراح ولم يصب في هذا الظن لما وقع من الحروب في الغزوات بعد ذلك قال فيحمل على أنه دعا بذلك فلم تقع الاجابة وادخر له ما هو أفضل من ذلك كما ثبت في الحديث الآخر في دعاء المؤمن أو أن سعدا أراد بوضع الحرب أي في تلك الغزوة الخاصة لا فيما بعدها وذكر بن التين عن الداودي أن الضمير لقريظة قال بن التين وهو بعيد جدا لنصه على قريش قلت وقد تقدم الرد عليه أيضا في أول الهجرة في الكلام على هذا الحديث والذي يظهر لي أن ظن سعد كان مصيبا وأن دعاءه في هذه القصة كان مجابا وذلك أنه لم يقع بين المسلمين وبين قريش من بعد وقعة الخندق حرب يكون ابتداء القصد فيها من المشركين فإنه صلى الله عليه وسلم تجهز إلى العمرة فصدوه عن دخول مكة وكاد الحرب أن يقع بينهم فلم يقع كما قال تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ثم وقعت الهدنة واعتمر صلى الله عليه وسلم من قابل واستمر ذلك إلى أن نقضوا العهد فتوجه إليهم غازيا ففتحت مكة فعلى هذا فالمراد بقوله أظن أنك وضعت الحرب أي أن يقصدونا محاربين وهو كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي قريبا في أواخر غزوة الخندق إلا أن نغزوهم ولا يغزوننا قوله فأبقني له أي للحرب في رواية الكشميهني فأبقني لهم قوله فافجرها أي الجراحة قوله فانفجرت من لبته بفتح اللام وتشديد الموحدة هي موضع القلادة من الصدر وهي رواية مسلم والاسماعيلي وفي
[ 320 ]
رواية الكشميهني من ليلته وهو تصحيف فقد رواه حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته فإذا لبته قد انفجرت من كلمه أي من جرحه أخرجه بن خزيمة وكان موضع الجرح ورم حتى اتصل الورم إلى صدره فانفجر من ثم قوله فانفجرت بين سبب ذلك في مرسل حميد بن هلال عند بن سعد ولفظه انه مرت به عنز وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجر حتى مات قوله فلم يرعهم بالمهملة أي أهل المسجد أي لم يفزعهم قوله وفي المسجد خيمة هي جملة حالية قوله خيمة من بني غفار تقدم أن بن إسحاق ذكر أن الخيمة كانت لرفيدة الاسلمية فيحتمل أن تكون كان لها زوج من بني غفار قوله يغذو بغين وذال معجمتين أي يسيل قوله فمات منها في رواية بن خزيمة في آخر هذه القصة فإذا الدم له هدير ووقع في رواية علقمة بن وقاص عن عائشة عند أحمد فانفجر كلمه وكان قد برئ إلا مثل الخرص وهو بضم المعجمة وسكون الراء ثم مهملة وهو من حلي الاذن ولمسلم من طريق عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة فما زال الدم يسيل حتى مات قال فذلك حين يقول الشاعر ألا يا سعد سعد بني معاذ * لما فعلت قريظة والنضير لعمرك إن سعد بني معاذ * غداة تحملوا لهم الصبور تركتم قدركم لا شئ فيها * وقدر القوم حامية تفور وقد قال الكريم أبوحباث * أقيموا قينقاع ولا تسيروا وقد كانوا ببلدتهم ثفالا * كما ثفلت بميطان الصخور * وقوله أبوحباث بضم المهملة وتخفيف الموحدة وآخرها مثلثة هو عبد الله بن أبي ئيس الخزرج وكان شفع في بني قينقاع فوهبهم النبي صلى الله عليه وسلم له وكانوا حلفاءه وكانت قريظة حلفاء سعد بن معاذ فحكم بقتلهم فقال هذا الشاعر يوبخه بذلك وقوله تركتم قدركم أراد به ضرب المثل وميطان موضع في بلاد مزينة من الحجاز كثير الاوعار وأشار بذلك إلى أن بني قريظة كانوا في بلادهم راسخين من كثرة ما لهم من القوة والنجدة والمال كما رسخت الصخور بتلك البلدة وذكر بن إسحاق أن هذه الابيات لجبل بن جوال الثعلبي وهو بفتح الجيم والموحدة وأبوه بالجيم وتشديد الواو والثعلبي بمثلثة ومهملة ثم موحدة ووقع عنده بدل قوله وقد قال الكريم البيت وأما الخزرجي أبوحباث * فقال لقينقاع لا تسيروا وزاد فيها أبياتا منها أقيموا يا سراة الاوس فيها * كأنكم من المخزاة غور وأراد بذلك توبيخ سعد بن معاذ لانه رئيس الاوس وكان جبل بن جوال حينئذ كافرا ولعل قصيدة كعب بن مالك التي قدمناها في غزوة بني النضير كانت جوابا لجبل والله أعلم وذك بن إسحاق لحسان بن ثابت قصيدة على هذا الوزن والقافية يقول فيها تفاقد معشر نصروا قريشا * وليس لهم ببلدتهم نصير وهم أوتوا الكتاب فضيعوه * فهم عمي عن التوراة بور وهي من جملة قصيدته التي تقدم بعضها في غزوة بني النضير وأجابه أبو سفيان بن الحارث عنها وفي قصة بني قريظة من الفوائد وخبر سعد بن معاذ جواز تمني الشهادة وهو مخصوص من عموم
[ 321 ]
النهي عن تمني الموت وفيها تحكيم الافضل من هو مفضول وفيها جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهي خلافية في أصول الفقه والمختار الجواز سواء كان بحضور النبي صلى الله عليه وسلم أم لا وإنما استبعد المانع وقوع الاعتماد على الظن مع إمكان القطع ولا يضر ذلك لانه بالتقرير يصير قطعيا وقد ثبت وقوع ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم كما في هذه القصة وقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قتيل أبي قتادة كما سيأتي في غزوة حنين وغير ذلك وسيأتي مزيد له في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى الحديث السابع حديث البراء قوله عدي هو بن ثابت قوله اهجم أو هاجهم بالشك والثاني أخص من الاول قوله وزاد إبراهيم بن طهمان وصله النسائي وإسناده على شرط البخاري وأبو إسحاق هو الشيباني واسمه سليمان وزيادته في هذا الحديث معية أن الامر له بذلك وقع يوم قريظة ووقع في حديث جابر رضي الله عنه عند بن مردويه لما كان يوم الاحزاب وردهم الله بغيظهم قال النبي صلى الله عليه وسلم من يحمي أعراض المسلمين فقام كعب وابن رواحة وحسان فقال لحسان أهجهم أنت فإنه سيعينك عليهم روح القدس فهذا يؤيد زيادة الشيباني المذكورة فان يوم بني قريظة مسبب عن يوم الاحزاب والله أعلم ولا مانع أن يتعدد وقوع الامر له بذلك وأورده بن إسحاق لحسان في شأن بني قريظة عدة قصائد وقد تقدمت الاشارة إلى شئ من ذلك في الحديث الذي قبله رضي الله تعالى عنهما قوله باب غزوة ذات الرقاع هذه الغزوة اختلف فيها متى كانت واختلف في سبب تسميتها بذلك وقد جنح البخاري إلى أنها كانت بعد خيبر واستدل لذلك في هذا الباب بأمور سيأتي الكلام عليها مفصلا ومع ذلك فذكرها قبل خيبر فلا أدري هل تعمد ذلك تسليما لاصحاب المغازي أنها كانت قبلها كما سيأتي أو أن ذلك من الرواة عنه أو إشارة إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين كما أشار إليه البيهقي على أن أصحاب المغازي مع جزمهم بأنها كانت قبل خيبر مختلفون في زمانها فعند بن إسحاق أنها بعد بني النضير وقبل الخندق سنة أربع قال بن إسحاق أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني النضير شهر ربيع وبعض جمادى يعني من سنته وغزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان حتى نزل نخلا وهي غزوة ذات الرقاع وعند بن سعد وابن حبان أنها كانت في المحرم سنة خمس وأما أبو معشر فجزم بأنها كانت بعد بني قريظة والخندق وهو موافق لصنيع المصنف وقد تقدم أن غزوة قريظة كانت في ذالقعدة سنة خمس فتكون ذات الرقاع في آخر السنة وأول التي تليها وأما موسى بن عقبة فجزم بتقديم وقوع غزوة ذات الرقاع لكن تردد في وقتها فقال لا ندري كانت قبل بدر أو بعدها أو قبل أحد أو بعدها وهذا التردد لا حاصل له بل الذي ينبغي الجزم به أنها بعد غزوة بني قريظة لانه تقدم أن صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت وقد ثبت وقوع صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع فدل على تأخرها بعد الخندق وسأذكر بيان ذلك واضحا في الكلام على رواية هشام عن أبي الزبير عن جابر في هذا الباب إن شاء الله تعالى قوله وهي غزوة محارب خصفة كذا فيه وهو متابع في ذلك لرواية مذكورة في أواخر الباب وخصفة بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة ثم الفاء هو بن قيس بن عيلان بن الياس بن مضر ومحارب هو بن خصفة والمحاربيون من قيس ينسبون إلى محارب بن خصفة هذا وفي مضر محاربيون أيضا لكونهم
[ 322 ]
ينسبون إلى محارب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وهم بطن من قريش منهم حبيب بن مسلمة الذي ذكره في أواخر غزوة الخندق ولم يحرر الكرماني هذا الموضع فإنه قال قوله محارب هي قبيلة من فهر وخصفة هو بن قيس بن عيلان وفي شرح قول البخاري محارب خصفة بهذا الكلام من الفساد ما لا يخفى ويوضحه أن بني فهر لا ينسبون إلى قيس بوجه نعم وفي العرنيين محارب بن صباح وفي عبد القيس محارب بن عمرو ذكر ذلك الدمياطي وغيره فلهذه النكتة أضيفت محارب إلى خصفة لقصد التمييز عن غيرهم من المحاربيين كأنه قال محارب الذي ينسبون إلى خصفة لا الذين ينسبون إلى فهر ولا غيرهم قوله من بني ثعلبة بن غطفان بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة بعدها فاء كذا وقع فيه وهو يقتضي أن ثعلبة جد لمحارب وليس كذلك ووقع في رواية القابسي خصفة بن ثعلبة وهو أشد في الوهم والصواب ما وقع عند بن إسحاق وغيره وبني ثعلبة بواو العطف فان غطفان هو بن سعد بن قيس بن عيلان فمحارب وغطفان ابنا عم فكيف يكون الاعلى منسوبا إلى الادنى وسيأتي في الباب من حديث جابر بلفظ محارب وثعلبة بواو العطف على الصواب وفي قوله ثعلبة بن غطفان بباء موحدة ونون نظر أيضا والاولى ما وقع عند بن إسحاق وبني ثعلبة من غطفان بميم ونون فإنه ثعلبة بن سعد بن دينار بن معيص بن ريث بن غطفان على أن لقوله بن غطفان وجها بأن يكون نسبه إلى جده الاعلى وسيأتي في الباب من رواية بكر بن سوادة يوم محارب وثعلبة فغاير بينهما وليس في جميع العرب من ينسب إلى بني ثعلبة بالمثلثة والمهملة الساكنة واللام المفتوحة بعدها موحدة إلا هؤلاء وفي بني أسد بنو ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة وهم قليل والثعلبيون يشتهون بالتغلبيين بالمثناة ثم المعجمة واللام المكسورة فأولئك قبائل أخرى ينسبون إلى تغلب بن وائل أخي بكر بن وائل وهم من ربيعة إخوة مضر قوله فنزل أي النبي صلى الله عليه وسلم قوله نخلا هو مكان من المدينة على يومين وهو بواد يقال له شرخ بشين معجمة بعدها مهملة ساكنة ثم خاء معجمة وبذلك الوادي طوائف من قيس من بني فزارة وأنمار وأشجع ذكره أبو عبيد البكري تنبيه جمهور أهل المغازي على ان غزوة ذات الرقاع هي غزوة محارب كما جزم به بن إسحاق وعند الواقدي أنهما ثنتان وتبعه القطب الحلبي في شرح السيرة والله أعلم بالصواب قوله وهي أي هذه الغزوة بعد خيبر لان أبا موسى جاء بعد خيبر هكذا استدل به وقد ساق حديث أبي موسى بعد قليل وهو استدلال صحيح وسيأتي الدليل على أن أبا موسى إنما قدم من الحبشة بعد فتح خيبر في باب غزوة خيبر ففيه في حديث طويل قال أبو موسى فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر وإذا كان كذلك ثبت أن أبا موسى شهد غزوة ذات الرقاع ولزم أنها كانت بعد خيبر وعجبت من بن سيد الناس كيف قال جعل البخاري حديث أبي موسى هذا حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر قال وليس في خبر أبي موسى ما يدل على شئ من ذلك انتهى وهذا النفي مردود والدلالة من ذلك واضحة كما قررته وأما شيخه الدمياطي فادعى غلط الحديث الصحيح وأن جميع أهل السير على خلافه وقد قدمت أنهم مختلفون في زمانها فالاولى الاعتماد على ما ثبت في الحديث الصحيح وقد ازداد قوة بحديث أبي هريرة وبحديث بن عمر كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقد قيل إن الغزوة التي
[ 323 ]
شهدها أبو موسى وسميت ذات الرقاع غير غزوة ذات الرقاع التي وقعت فيها صلاة الخوف لان أبا موسى قال في روايته انهم كانوا ستة أنفس والغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف كان المسلمون فيها أضعاف ذلك والجواب عن ذلك أن العدد الذي ذكره أبو موسى محمول على من كان موافقا له من الرامة لا أنه أراد جميع من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم واستدل على التعدد أيضا بقول أبي موسى إنها سميت ذات الرقاع لما لفوا في أرجلهم من الخرق وأهل المغازي ذكروا في تسميتها بذلك أمورا غير هذا قال بن هشام وغيره سميت بذلك لانهم رقعوا فيها راياتهم وقيل بشجر بذلك الموضع يقال له ذات الرقاع وقيل بل الارض التي كانوا نزلوا بها كانت ذات ألوان تشبه الرقاع وقيل لان خيلهم كان بها سواد وبياض قاله بن حبان وقال الواقدي سميت بجبل هناك فيه بقع وهذا لعله مستند بن حبان ويكوقد تصحف جبل بخيل وبالجملة فقد اتفقوا على غير السبب الذي ذكره أبو موسى لكن ليس ذلك مانعا من اتحاد الواقعة ولازما للتعدد وقد رجح السهيلي السبب الذي ذكره أبو موسى وكذلك النووي ثم قال ويحتمل أن تكون سميت بالمجموع وأغرب الداودي فقال سميت ذات الرقاع لوقوع صلاة الخوف فيها فسميت بذلك لترقيع الصلاة فيها ومما يدل على التعدد أنه لم يتعرض أبو موسى في حديثه إلى أنهم صلوا صلاة الخوف ولا أنهم لقوا عدوا ولكن عدم الذكر لا يدل على عدم الوقوع فإن أبا هريرة في ذلك نظير أبي موسى لانه إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر كما سيأتي هناك ومع ذلك فقد ذكر في حديثه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في غزوة نجد كما سيأتي في أواخر هذا الباب واضحا وكذلك عبد الله بن عمر ذكر أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بنجد وقد تقدم أن أول مشاهده الخندق فتكون ذات الرقاع بعد الخندق قوله وقال لي عبد الله بن رجاء كذا لابي ذر ولغيره قال عبد الله بن رجاء ليس فيه لي وعبد الله بن رجاء هذا هو الغداني البصري قد سمع منه البخاري وأما عبد الله بن رجاء المكي فلم يدركه وقد وصله أبو العباس السراج في مسنده المبوب فقال حدثنا جعفر بن هاشم حدثنا عبد الله بن رجاء فذكره قوله أخبرنا عمران القطان هو بصري لم يخرج له البخاري إلا استشهادا قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف زاد السراج أربع ركعات صلى بهم ركعتين ثم ذهبوا ثم جاء أولئك فصلى بهم ركعتين وسيأتي في آخر الباب من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير بسنده وهذا بزيادة فيه وذلك كله في غزوة ذات الرقاع ولجابر حديث آخر فيه ذكر صلاة الخوف على صفة أخرى وسيأتي الكلام فيه قريبا قوله في غزوة السابعة هي من إضافة الشئ إلى نفسه على رأي أو فيه حذف تقديره غزوة السفرة السابعة وقال الكرماني وغيره غزوة السنة السابعة أي من الهجرة قلت وفي هذا التقدير نظر إذ لو كان مرادا لكان هذا نصا في أن غزوة ذات الرقاع تأخرت بعد خيبر ولم يحتج المصنف إلى تكلف الاستدلال لذلك بقصة أبي موسى وغير ذلك مما ذكره في الباب نعم في التنصيص على أنها سابع غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم تأييد لما ذهب إليه البخاري من أنها كانت بعد خيبر فإنه إن كان المراد الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه مطلقا وإن لم يقاتل فإن السابعة منها تقع قبل أحد ولم يذهب أحد إلى أن ذات الرقاع قبل أحد إلا ما تقدم من تردد موسى بن عقبة وفيه نظر لانهم متفقون
[ 324 ]
على أن صلاة الخوف متأخرة عن غزوة الخندق فتعين أن تكون ذات الرقاع بعد بني قريظة فتعين أن المراد الغزوات التي وقع فيها القتال والاولى منها بدر والثانية أحد والثالثة الخندق والرابعة قريظة والخامسة المريسيع والسادسة خيبر فيلزم من هذا أن تكون ذات الرقاع بعد خيبر للتنصيص على أنها السابعة فالمراد تاريخ الوقعة لا عدد المغازي وهذه العبارة أقرب إلى إرادة السنة من العبارة التي وقعت عند أحمد بلفظ وكانت صلاة الخوف في السابعة فإنه يصح أن يكون التقدير في الغزوة السابعة كما يصح في غزوة السنة السابعة قوله وقال بن عباس صلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني صلاة الخوف بذي قرد بفتح القاف والراء هو موضع على نحو يوم من المدينة مما بلى بلاد غطفان وحديث بن عباس هذا وصله النسائي والطبراني من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد صلاة الخوف مثل صلاة حذيفة وأخرجه أحمد وإسحاق من هذا الوجه بلفظ فصف الناس خلفه صفين صف موازي العدو وصف خلفه فصلى بالذي يليه ركعة ثم ذهبوا إلى مصاف الآخرين وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة أخرى انتهى وقد تقدم حديث بن عباس في باب صلاة الخوف من طريق الزهري عن عبيد الله به نحو هذا لكن ليس فيه بذي قرد وزاد فيه والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضهم بعضا وحمله الجمهور على أن العدو كانوا في جهة القبلة كما سيأتي بعد قليل وهذه الصفة تخالف الصفة التي وصفها جابر فيظهر أنهما قصتان لكن البخاري أراد من إيراد حديث بن عباس وحديث سلمة بن الاكوع الموافق له في تسميته الغزوة الاشارة أيضا إلى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر لان في حديث سلمة التنصيص على أنها كانت بعد الحديبية وخيبر كانت قرب الحديبية لكن يعكر عليه اختلاف السبب والقصد فإن سبب غزوة ذات الرقاع ما قيل لهم إن محارب يجمعون لهم فخرجوا إليهم إلى بلاد غطفان وسبب غزوة القرد إغارة عبد الرحمن بن عيينة على لقاح المدينة فخرجوا في آثارهم ودل حديث سلمة على أنه بعد أن هزمهم وحده واستنقذ اللقاح منهم أن المسلمين لم يصلوا في تلك الخرجة إلى بلاد غطفان فافترقا وأما الاختلاف في كيفية صلاة الخوف بمجرده فلا يدل على التغاير لاحتمال أن تكون وقعت في الغزوة الواحدة على كيفيتين في صلاتين في يومين بل في يوم واحد قوله وقال بكر بن سوادة حدثني زياد بن نافع عن أبي موسى ان جابرا حدثهم قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم محارب وثعلبة أما بكر بن سوادة فهو الجذامي المصري يكنى أبا ثمامة وكان أحد الفقهاء بمصر وأرسله عمر بن عبد العزيز إلى أهل إفريقية ليفقههم فمات بها سنة ثمان وعشرين ومائة وثقه بن معين والنسائي وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق وقد وصله سعيد بن منصور والطبري من طريقه بهذا الاسناد وأما زياد بن نافع فهو التجيي المصري تابعي صغير وليس له أيضا في البخاري سوى هذا الموضع وأما أبو موسى فيقال إنه علي بن رباح وهو تابعي معروف أخرج له مسلم ويقال هو الغافقي واسمه مالك بن عبادة وهو صحابي معروف أيضا ويقال أنه مصري لا يعرف اسمه وليس له في البخاري أيضا إلا هذا الموضع وقوله يوم محارب وثعلبة يؤيد ما وقع من الوهم في أول الترجمة قوله وقال بن إسحاق سمعت وهب بن كيسان سمعت جابرا قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نخل فلقى جمعا من غطفان الخ لم أر هذا الذي
[ 325 ]
ساقه عن بن إسحاق هكذا في شئ من كتب المغازي ولا غيرها والذي في السيرة تهذيب بن هشام قال بن إسحاق حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي صعب فساق قصة الجمل وكذلك أخرجه أحمد من طريق إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق وقال بن إسحاق قبل ذلك وغزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان حتى نزل نخلا وهي غزوة ذات الرقاع فلقي بها جمعا من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد أخاف الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف الناس وهذا القدر هو الذي ذكره البخاري تعليقا مدرجا بطريق وهب بن كيسان عن جابر وليس هو عند بن إسحاق عن وهب كما أوضحته إلا أن يكون البخاري اطلع على ذلك من وجه آخر لم نقف عليه أو وقع في النسخة تقديم وتأخير فظنه موصولا بالخبر المسند فالله أعلم ولم أر من نبه على ذلك في هذا الموضع ونخل بالخاء المعجمة كما تقدم موضع من نجد من أراضي غطفان قال أبو عبيد البكري لا يصرف وغفل من قال إن المراد نخل بالمدينة واستدل به على مشروعية صلاة الخوف في الحضر وليس كما قال وصلاة الخوف في الحضر قال بها الشافعي والجمهور إذا حصل الخوف وعن مالك تختص بالسفر والحجة للجمهور قوله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلم يقيد ذلك بالسفر والله أعلم قوله وقال يزيد عن سلمة غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم القرد أما يزيد فهو بن أبي عبيد وأما سلمة فهو بن الاكوع وسيأتي حديثه هذا موصولا قبل غزوة خيبر وترجم له المصنف غزوة ذي قرد وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساقه مطولا وليس فيه لصلاة الخوف ذكر وإنما ذكره هنا من أجل حديث بن عباس المذكور قبل أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بذي قرد ولا يلزم من ذكر ذي قرد في الحديثين أن تتحد القصة كما لا يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم صلى الخوف في مكان أن لا يكون صلاها في مكان آخر قال البيهقي الذي لا نشك فيه أن غزوة ذي قرد كانت بعد الحديبية وخيبر وحديث سلمة بن الاكوع مصرح بذلك وأما غزوة ذات الرقاع فمختلف فيها فظهر تغاير القصتين كما حررته واضحا قوله عن أبي موسى هو الاشعري قوله خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن في ستة نفر لم أقف على أسمائهم وأظنهم من الاشعريين قوله بيننا بعير نعتقبه أي نركبه عقبة عقبة وهو أن يركب هذا قليلا ثم ينزل فيركب الآخر بالنوبة حتيأتي على سائرهم قوله فنقبت أقدامنا بفتح النون وكسر القاف بعدها موحدة أي دقت يقال نقب البعير إذا رق خفه قوله لما كنا أي من أجل ما فعلناه من ذلك قوله نعصب بفتح أوله وكسر الصاد المهملة قوله وحدث أبو موسى بهذا هو موصول بالاسناد المذكور وهو مقول أبي بردة بن أبي موسى قوله كره ذلك أي لما خاف من تزكية نفسه قوله كأنه كره أن يكون شئ من عمله أفشاه وذلك أن كتمان العمل الصالح أفضل من إظهاره إلا لمصلحة راجحة كمن يكون ممن يقتدى به وعند الاسماعيلي في رواية منقطعة قال والله يجزي به قوله عن صالح بن خوات بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو وآخره مثناة أي بن جبير بن النعمان الانصاري وصالح تابعي ثقة ليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وأبوه أخرج له البخاري في الادب المفرد وهو صحابي جليل أول مشاهده أحد ومات بالمدينة سنة أربعين
[ 326 ]
قوله عمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف قيل إن اسم هذا المبهم سهل بن أبي حثمة لان القاسم بن محمد روى حديث صلاة الخوف عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة وهذا هو الظاهر من رواية البخاري ولكن الراجح أنه أبوه خوات بن جبير لان أبا أويس روى هذا الحديث عن يزيد بن رومان شيخ مالك فيه فقال عن صالح بن خوات عن أبيه أخرجه بن منده في معرفة الصحابة من طريقه وكذلك أخرجه البيهقي من طريق عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه وجزم النووي في تهذيبه بأنه خوات بن جبير وقال انه محقق من رواية مسلم وغيره قلت وسبقه لذلك الغزالي فقال إن صلاة ذات الرقاع في رواية خوات بن جبير وقال الرافعي في شرح الوجيز اشتهر هذا في كتب الفقه والمنقول في كتب الحديث رواية صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة وعمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم قال فلعل المبهم هو خوات والد صالح قلت وكأنه لم يقف على رواية خوات التي ذكرتها وبالله التوفيق ويحتمل أن صالحا سمعه من أبيه ومن سهل بن أبي حثمة فلذلك يبهمه تارة ويعينه أخرى إلا أن تعيين كونها كانت ذات الرقاع إنما هو في روايته عن أبيه وليس في رواية صالح عن سهل أنه صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم وينفع هذا فيما سنذكره قريبا من استبعاد أن يكون سهل بن أبي حثمة كان في سن من يخرج في تلك الغزاة فإنه لا يلزم من ذلك أن لا يرويها فتكون روايته إياها مرسل صحابي فبهذا يقوى تفسير الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بخوات والله أعلم قوله أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو وجاه بكسر الواو وبضمها أي مقابل قوله فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لانفسهم هذه الكيفية تخالف الكيفية التي تقدمت عن جابر في عدد الركعات وتوافق الكيفية التي تقدمت عن بن عباس في ذلك لكن تخالفها في كونه صلى الله عليه وسلم ثبت قائما حتى أتمت الطائفة لانفسها ركعة أخرى وفي أن الجميع استمروا في الصلاة حتى سلموا بسلام النبي صلى الله عليه وسلم قوله وقال معاذ حدثنا هشام كذا للاكثر وعند النسفي وقال معاذ بن هشام حدثنا هشام وفيه رد على أبي نعيم ومن تبعه في الجزم بأن معاذا هذا هو بن فضالة شيخ البخاري ومعاذ بن هشام ثقة صاحب غرائب وقد تابعه بن علية عن أبيه هشام وهو الدستوائي أخرجه الطبري في تفسيره وكذلك أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن هشام عن أبي الزبير ولمعاذ بن هشام عن أبيه فيه إسناد آخر أخرجه الطبري عن بندار عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن سليمان اليشكري عن جابر وسأذكر ما في رواياتهم من الاختلاف قريبا إن شاء الله تعالى قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل فذكر صلاة الخوف أورده مختصرا معلقا لان غرضه الاشارة إلى أن روايات جابر متفقة على أن الغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف هي غزوة ذات الرقاع لكن فيه نظر لان سياق رواية هشام عن أبي الزبير هذه تدل على أنه حديث آخر في غزوة أخرى وبيان ذلك أن في هذا الحديث عند الطيالسي وغيره أن المشركين قالوا دعوهم فان لهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم قال فنزل جبريل فأخبره فصلى بأصحابه العصر وصفهم صفين فذكر صفة صلاة الخوف وهذه القصة إنما هي في غزوة عسفان وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق زهير بن معاوية عن أبي الزبير بلفظ يدل على مغايرة هذه القصة لغزوة محارب في ذات الرقاع ولفظه عن جابر قال غزونا مع النبي
[ 327 ]
صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة فقاتلونا قتالا شديدا فلما أن صلينا الظهر قال المشركون لو ملنا عليهم ميلة واحدة لافظعناهم فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال وقالوا ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الاولاد فذكر الحديث وروى أحمد والترمذي وصححه النسائي من طريق عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضبحان وعسفان فقال المشركون إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم فذكر الحديث في نزول جبريل لصلاة الخوف وروى أحمد وأصحاب السنن وصححه بن حبان من حديث أبي عياش الزرقي قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فصلى بنا الظهر وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد فقالوا لقد أصبنا منهم غفلة ثم قال ان لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر فصلى بنا العصر ففرقنا فرقتين الحديث وسياقه نحو رواية زهير عن أبي الزبير عن جابر وهو ظاهر في اتحاد القصة وقد روى الواقدي من حديث خالد بن الوليد قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية لقيته بعسفان فوقفت بإزائه وتعرضت له فصلى بأصحابه الظهر فهممنا أن نغير عليهم فلم يعزم لنا فأطلع الله نبيه على ذلك فصلى بأصحابه العصر صلاة الخوف الحديث وهو ظاهر فيما قررته أن صلاة الخوف بعسفان غير صلاة الخوف بذات الرقاع وأ جابرا روى القصتين معا فأما رواية أبي الزبير عنه ففي قصة عسفان وأما رواية أبي سلمة ووهب بن كيسان وأبي موسى المصري عنه ففي غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب وثعلبة وإذا تقرر أن أول ما صليت صلاة الخوف في عسفان وكانت في عمرة الحديبية وهي بعد الخندق وقريظة وقد صليت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع وهي بعد عسفان فتعين تأخرها عن الخندق وعن قريظة وعن الحديبية أيضا فيقوى القول بأنها بعد خيبر لان غزوة خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية وأما قول الغزالي إن غزوة ذات الرقاع آخر الغزوات فهو غلط واضح وقد بالغ بن الصلاح في إنكاره وقال بعض من انتصر للغزالي لعله أراد آخر غزوة صليت فيها صلاة الخوف وهذا انتصار مردود أيضا لما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان من حديث أبي بكرة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف وإنما أسلم أبو بكرة في غزوة الطائف باتفاق وذلك بعد غزوة ذات الرقاع قطعا وإنما ذكرت هذا استطرادا لتكمل الفائدة قوله قال مالك هو موصول بالاسناد المذكور قوله وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف يقتضي أنه سمع في كيفيتها صفات متعددة وهو كذلك فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة صلاة الخوف كيفيات حملها بعض العلماء على اختلاف الاحوال وحملها آخرون على التوسع والتخيير وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في باب صلاة الخوف وما ذهب إليه مالك من ترجيح هذه الكيفية وافقه الشافعي وأحمد وداود على ترجيحها لسلامتها من كثرة المخالفة ولكونها أحوط لامر الحرب مع تجويزهم الكيفية التي في حديث بن عمر ونقل عن الشافعي أن الكيفية التي في حديث بن عمر منسوخة ولم يثبت ذلك عنه وظاهر كلام المالكية عدم إجازة الكيفية التي في حديث بن عمر واختلفوا في كيفية رواية سهل بن أبي حثمة في موضع واحد وهو أن الامام هل يسلم قبل أن تأتي الطائفة الثانية بالركعة الثانية أو ينتظرها في التشهد ليسلموا معه فبالاول
[ 328 ]
قال المالكية وزعم بن حزم أنه لم يرد عن أحد من السلف القول بذلك والله أعلم ولم تفرق المالكية والحنفية حيث أخذوا بالكيفية التي في هذا الحديث بين أن يكون العدو في جهة القبلة أم لا وفرق الشافعي والجمهور فحملوا حديث سهل على أن العدو كان في غير جهة القبلة فلذلك صلى بكل طائفة وحدها جميع الركعة وأما إذا كان العدو في جهة القبلة فعلى ما تقدم في حديث بن عباس أن الامام يحرم بالجميع ويركع بهم فإذا سجد سجد معه صف وحرس صف الخ ووقع عند مسلم من حديث جابر صفنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة وقال السهيلي اختلف العلماء في الترجيح فقالت طائفة يعمل منها بما كان أشبه بظاهر القرآن طائفة يجتهد في طلب الاخير منها فإنه الناسخ لما قبله وقالت طائفة يؤخذ بأصحها نقلا وأعلاها رواة وقالت طائفة يؤخذ بجميعها على حسب اختلاف أحوال الخوف فإذا اشتد الخوف أخذ بأيسرها مؤنة والله أعلم قوله تابعه الليث عن هشام عن زيد بن اسلم أن القاسم بن محمد حدثه قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار قلت لم يظهر لي مراد البخاري بهذه المتابعة لانه إن أراد المتابعة في المتن لم يصح لان الذي قبله غزوة محارب وثعلبة بنخل وهذه غزوة أنمار ولكن يحتمل الاتحاد لان ديار بني أنمار تقرب من ديار بني ثعلبة وسيأتي بعد باب أن أنمار في قبائل منهم بطن من غطفان وان أراد المتابعة في الاسناد فليس كذلك بل الروايتان متخالفتان من كل وجه الاولى متصلة بذكر الصحابي وهذه مرسلة ورجال الاولى غير رجال الثانية ولعل بعض من لا بصر له بالرجال يظن أن هشاما المذكور قبل هو هشام المذكور ثانيا وليس كذلك فان هشاما الراوي عن أبي الزبير هو الدستوائي كما بينته قبل وهو بصري وهشام شيخ الليث فيه هو بن سعد وهو مدني والدستوائي لا رواية له عن زيد بن أسلم ولا رواية لليث بن سعد عنه وقد وصل البخاري في تاريخه هذا المعلق قال قال لي يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم سمع القاسم بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في غزوة بني أنمار نحوه يعني نحو حديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف قلت فظهر لي من هذا وجه المتابعة وهو أن حديث سهل بن أبي حثمة في غزوة ذات الرقاع متحد مع حديث جابر لكن لا يلزم من اتحاد كيفية الصلاة في هذه وفي هذه أن تتحد الغزوة وقد أفرد البخاري غزوة بني أنمار بالذكر كما سيأتي بعد باب نعم ذكر الواقدي أن سبب غزوة ذات الرقاع أن أعرابيا قدم يجلب إلى المدينة فقال إني رأيت ناسا من بني ثعلبة ومن بني أنمار وقد جمعوا لكم جموعا وأنتم في غفلة عنهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في أربعمائة ويقال سبعمائة فعلى هذا فغزوة أنمار متحدة مع غزوة بني محارب وثعلبة وهي غزوة ذات الرقاع والله أعلم ويحتمل أن يكون موضع هذه المتابعة بعد حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات فيكون متأخرا عنه ويكون تقديمه من بعض النقلة عن البخاري ويؤيد ذلك ما ذكرته عن تاريخ البخاري فإنه بين في ذلك والله أعلم قوله حدثنا يحيى عن يحيى الاول هو بن سعيد القطان وشيخه هو بن سعيد الانصاري والقاسم بن محمد أي بن أبي بكر الصديق وصالح بن خوات تقدم التعريف به ففي الاسناد ثلاثة من التابعين المدنيين في نسق يحيى
[ 329 ]
الانصاري فمن فوقه وسهل بن أبي حثمة بفتح المهملة وسكون المثناة واسمه عبد الله وقيل عامر وقيل اسم أبيه عبد الله وأبو حثمة جده واسمه عامر بن ساعدة وهو أنصاري من بني الحارث بن الخزرج اتفق أهل العلم بالاخبار على أنه كان صغيرا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما ذكر بن ابي حاتم عن رجل من ولد سهل أنه حدثه أنه بايع تحت الشجرة وشهد المشاهد إلا بدراوكان الدليل ليلة أحد وقد تعقب هذا جماعة من أهل المعرفة وقالوا إن هذه الصفلابيه وأما هو فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثمان سنين وممن جزم بذلك الطبري وابن حبان وابن السكن وغير واحد وعلى هذا فتكون روايته لقصة صلاة الخوف مرسلة ويتعين أن يكون مراد صالح بن خوات ممن شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف غيره والذي يظهر أنه أبوه كما تقدم والله أعلم قوله يقوم الامام هذا ذكره موقوفا وقد أخرجه المصنف بعد حديث من طريق بن أبي حاتم واسمه عبد العزيز عن يحيى بن سعيد الانصاري وأورده من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه مرفوعا قوله عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أي مثل المتن الموقوف من رواية يحيى عن يحيى وقد أورده مسلم وأبو داود من هذا الوجه بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف فصفهم خلفه صفين فذكر الحديث وهو مما يقوي ما قدمته أن سهل بن أبي حثمة لم يشهد ذلك وأن المراد بقول صالح بن خوات ممن شهد أبوه لا سهل والله أعلم قوله ان بن عمر رضي الله عنهما قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا بالزاي أي قاتلنا العدو فصاففنا لهم وقد تقدم في باب صلاة الخوف أن في رواية الكشميهني فصففناهم وكذا أخرجه أحمد عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه وهكذا أورده البخاري من طريق شعيب هنا مقتصرا منها على هذا القدر وعقبها بطريق معمر فلم يتعرض لصدر الحديث بل أوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين والطائفة الاخرى مواجهة العدو الحديث فأما رواية شعيب فتقدمت في باب صلاة الخوف تامة وأما رواية معمر فأخرجها أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه كذلك ووقع في آخرها ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم ولفظ القضاء فيها على معنى الاداء لا على معنى القضاء الاصطلاحي وقد وقع في رواية شعيب فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين وهي تبين المراد في رواية بن جريج عن الزهري عند أحمد نحوه وقد تقدم الكلام على بقية هذا الحديث في باب صلاة الخوف قوله حدثني سنان وأبو سلمة أما سنان فهو بن أبي سنان الدؤلي كما في الرواية الثانية والدؤلي بضم المهملة وفتح الهمزة وهو مدني اسم أبيه يزيد بن أمية وثقه العجلي وغيره وماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر من روايته عن أبي هريرة في الطب وأما أبو سلمة فهو بن عبد الرحمن بن عوف كذا رواه شعيب عنهما ورواه إبراهيم بن سعد كما تقدم في الجهاد فلم يذكر فيه أبا سلمة وكذا رواه مسلم عن محمد بن جعفر الوركاني عن إبراهيم بن سعد ورواه الحارث بن أبي أسامة عن محمد الوركاني هذا فأثبت فيه أبا سلمة ورواه بن أبي عتيق عن الزهري فلم يذكر أبا سلمة ورواه معمر عن الزهري كما سيأتي بعد أحاديث قليلة فلم يذكر سنانا فكأن الزهري كان تارة يجمعهما وتارة يفرد أحدهما وإسماعيل في الرواية الثانية هو بن أبي أويس وأخوه هو عبد الحميد وسليمان شيخه هو بن بلال ومحمد بن أبي عتيق نسب إلى جده فإن أبا عتيق هو محمد بن عبد الرحمن بن
[ 330 ]
أبي بكر الصديق ومحمد هذا الراوي هو بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن وقد ساق البخاري الحديث على لفظ بن أبي عتيق وليس فيه ذكر أبي سلمة وذكر من طريق شعيب وهي عن سنان وأبي سلمة معا قطعة يسيرة فان جابرا أخبر أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد وتقدم في الجهاد عن أبي اليمان وحده بتمامه ورأيتها موافقة لرواية بن أبي عتيق إلا في آخره كما سأبينه وأما رواية إبراهيم بن سعد ففيها اختصار وقد رواه عن جابر أيضا سليمان بن قيس كما في رواية مسدد التي بعد هذه بحديث ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة كما في الرواية المعلقة بعده فذكر بعض ما في حديث الزهري وزاد قصة صلاة الخوف قوله أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع قوله فأدركتهم القائلة أي وسط النهار وشدة الحر قوله كثير العضاه بكسر المهملة وتخفيف الضاد المعجمة كل شجر يعظم له شوك وقيل هو العظيم من السمر مطلقا وقد تقدم غير مرة قوله فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة أي شجرة كثيرة الورق وفي رواية معمر فاستظل بها ويفسره ما في رواية يحيى فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم قوله قال جابر هو موصول بالاسناد المذكور وسقط ذلك من رواية معمر قوله فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرابي هذا السياق يفسر رواية يحيى فإن فيها فجاء رجل من المشركين الخ فبينت هذه الرواية أن هذا القدر لم يحضره الصحابة وإنما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن دعاهم واستيقظوا قوله أعرابي جالس في رواية معمر فإذا أعرابي قاعد بين يديه وسيأتي ذكر اسمه قريبا قوله وهو في يده صلتا بفتح المهملة وسكون اللام بعدها مثناة أي مجردا عن غمده قوله فقال لي من يمنعك مني في رواية يحيى فقال تخافني قال لا قال فمن يمنعك مني وكرر ذلك في رواية أبي اليمان في الجهاد ثلاث مرات وهو استفهام إنكار أي لا يمنعك مني أحد لان الاعرابي كان قائما والسيف في يده والنبي صلى الله عليه وسلم جالس لا سيف معه ويؤخذ من مراجعة الاعرابي له في الكلام أن الله سبحانه وتعالى منع نبيه صلى الله عليه وسلم منه وإلا فما أحوجه إلى مراجعته مع احتياجه إلى الحظوة عند قومه بقتله وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه الله أي يمنعني منك إشارة إلى ذلك ولذلك أعادها الاعرابي فلم يزده على ذلك الجواب وفي ذلك غاية التهكم به وعدم المبالاة به أصلا قوله فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية يحيى بن أبي كثير فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهرها يشعر بأنهم حضروا القصة وأنه إنما رجع عما كان عزم عليه بالتهديد وليس كذلك بل وقع في رواية إبراهيم بن سعد في الجهاد بعد قوله قلت الله فشامه السيف وفي رواية معمر فشامه والمراد أغمده وهذه الكلمة من الاضداد يقال شامه إذا استله وشامه إذا أغمده قاله الخطابي وغيره وكأن الاعرابي لما شاهد ذلك الثبات العظيم وعرف أنه حيل بينه وبينه تحقق صدقه وعلم أنه لا يصل إليه فألقى السلاح وأمكن من نفسه ووقع في رواية بن إسحاق بعد قوله قال الله فدفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال من يمنعك أنت مني قال لا أحد قال قم فاذهب لشأنك فلما ولى قال أنت خير مني وأما قوله في الرواية فها هو جالس ثم لم يعاقبه فيجمع مع رواية بن إسحاق
[ 331 ]
بأن قوله فاذهب كان بعد أن أخبر الصحابة بقصته فمن عليه لشدة رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في استئلاف الكفار ليدخلوا في الاسلام ولم يؤاخذه بما صنع بل عفا عنه وقد ذكر الواقدي في نحو هذه القصة أنه أسلم وأنه رجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير ووقع في رواية بن إسحاق التي أشرت إليها ثم أسلم بعد قوله وقال أبان هو بن يزيد العطار وروايته هذه وصلها مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عنه بتمامه قوله وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين الخ هذه الكيفية مخالفة للكيفية التي في طريق أبي الزبير عن جابر وهو مما يقوي أنهما واقعتان قوله وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر اسم الرجل غورث بن الحارث وقاتل فيها محارب خصفة هكذا أورده مختصرا من الاسناد ومن المتن فاما الاسناد فأبو عوانة هو الوضاح البصري وأما بشر فهو جعفر بن أبي وحشة وبقية الاسناد ظاهر فيما أخرجه مسدد في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه وكذلك أخرجها إبراهيم الحربي في كتاب غريب الحديث له عن مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر وأما المتن فتمامه عن جابر قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فذكره وفيه فقال الاعرابي غير أني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فجاء إلى أصحابه فقال جئتكم من عند خير الناس فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الحديث وغورث وزن جعفر وقيل بضم أوله وهو بغين معجمة وراء ومثلثة مأخوذ من الغرث وهو الجوع ووقع عند الخطيب بالكاف بدل المثلثة وحكى الخطابي فيه غويرث بالتصغير وحكى عياض أن بعض المغاربة قال في البخاري بالعين المهملة قال وصوابه بالمعجمة ومحارب خصفة تقدم بيانه في أول الباب ووقع عند الواقدي في سبب هذه القصة أن اسم الاعرابي دعثور وأنه أسلم لكن ظاهر كلامه أنهما قصتان في غزوتين فالله أعلم وفي الحديث فرط شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوة يقينه وصبره على الاذى وحلمه عن الجهال وفيه جواز تفرق العسكر في النزول ونومهم وهذا محله إذا لم يكن هناك ما يخافون منه قوله وقال أبو الزبير عن جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخل فصلى الخوف تقدمت الاشارة إلى ذكر من وصله قبل مع التنبيه على ما فيه من المغايرة قوله وقال أبو هريرة صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة نجد صلاة الخوف وصله أبو داود وابن حبان والطحاوي من طريق أبي الاسود أنه سمع عروة يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة هل صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف قال أبو هريرة نعم قال مروان متى قال عام غزوة نجد قوله وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيام خيبر يريد بذلك تأكيد ما ذهب إليه من أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر لكن لا يلزم من كون الغزوة كانت من جهة نجد أن لا تتعدد فان نجدا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات وقد تقدم تقرير كون جابر روى قصتين مختلفتين في صلاة الخوف بما يغني عن إعادته فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر لا التي قبل خيبر قوله باب هكذا وقع هنا وذكر ما يتعلق بها ثم أورد حديث أبي سعيد في العزل ثم قال بعد ذلك حدثني محمود يعني بن غيلان حدثنا عبد الرزاق فذكر حديث جابر في غزوة نحد وفيه قصة الاعرابي وهذا محله في غزوة ذات الرقاع وقد وقع في رواية أبي ذر عن
[ 332 ]
المستملي في غزوة ذات الرقاع وهو أنسب ثم ذكر بعد هذه ترجمة وهي غزوة أنمار وذكر فيه حديث جابر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أنمار يصلي على راحلته وهذا الحديث قد تقدم في باب قصر الصلاة وكان محل هذا قبل غزوة بني المصطلق لانه عقبه بترجمة حديث الافك والافك كان في غزوة بني المصطلق فلا معنى لادخال غزوة أنمار بينهما بل غزوة أنمار يشبه أن تكون هي غزوة محارب وبني ثعلبة لما تقدم من قول أبي عبيد إن الماء لبني أشجع وأنمار وغيرهما من قيس والذي يظهر أن التقديم والتأخير في ذلك من النساخ والله أعلم ولم يذكر أهل المغازي غزوة أنمار وذكر مغلطاي أنها غزوة أمر بفتح الهمزة وكسر الميم فقد ذكر بن إسحاق أنها كانت في صفر وعند بن سعد قدم قادم بجلب فأخبر أن أنمار وثعلبة قد جمعوا لهم فخرج لعشر خلون من المحرم فأتى محلهم بذات الرقاع وقبل إن غزوة أنمار وقعت في أثناء غزوة بني المصطلق لما روى أبو الزبير عن جابر أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق فأتيته وهو يصلي على بعير الحديث ويؤيده رواية الليث عن القاسم بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في غزوة بني أنمار صلاة الخوف ويحتمل أن رواية جابر لصلاته صلى الله عليه وسلم تعددت قوله غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع أما المصطلق فهو بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام بعدها قاف وهو لقب واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بطن من بني خزاعة وقد تقدم بيان نسب خزاعة في أوائل السيرة النبوية وأما المريسيع فبضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما مهملة مكسورة وآخره عين مهملة هو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم وقد روى الطبراني من حديث سفيان بن وبرة قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع غزوة بني المصطلق قوله قال بن إسحاق وذلك سنة ست كذا هو في مغازي بن إسحاق رواية يونس بن بكير وغيره عنه وقال في شعبان وبه جزم خليفة والطبري وروى البيهقي من رواية قتادة وعروة وغيرهما أنها كانت في شعبان سنة خمس وكذا ذكرها أبو معشر قبل الخندق قوله وقال موسى بن عقبة سنة أربع كذا ذكره البخاري وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم سنة خمس ولفظه عن موسى بن عقبة عن بن شهاب ثم قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد عن بن عمر أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق في شعبان سنة أربع ولم يؤذن له في القتال لانه إنما أذن له فيه في الخندق كما تقدم وهي بعد شعبان سواء قلنا إنها كانت سنة خمس أو سنة أربع وقال الحاكم في الاكليل قول عروة وغيره إنها كانت في سنة خمس أشبه من قول بن إسحاق قلت ويؤيده ما ثبت في حديث الافك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الافك كما سيأتي فلو كان المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الافك كان فيها لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا لان سعد بن معاذ مات أيام قريظة وكانت سنة خمس على الصحيح كما تقدم تقريره وإن كانت كما قيل سنة أربع فهي أشد فيظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان لتكون قد وقعت قبل الخندق لان الخندق كانت في شوال من سنة خمس أيضا فتكون بعدها فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع ورمى بعد ذلك بسهم في الخندق ومات من جراحته في قريظة وسأذكر ما وقع لعياض من ذلك في
[ 333 ]
أثناء الكلام على حديث الافك إن شاء الله تعالى ويؤيده أيضا أن حديث الافك كان سنة خمس إذ الحديث فيه التصريح بأن القصة وقعت بعد نزول الحجاب والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة فيكون المريسيع بعد ذلك فيرجح أنها سنة خمس أما قول الواقدي إن الحجاب كان في ذي القعدة سنة خمس فمردود وقد جزم خليفة وأبو عبيدة وغير واحد بأنه كان سنة ثلاث فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوال أشهرها سنة أربع والله أعلم قوله وقال النعمان بن راشد عن الزهري كان حديث الافك في غزوة المريسيع وصله الجوزقي والبيهقي في الدلائل من طريق حماد بن زيد عن النعمان بن راشد ومعمر عن الزهري عن عائشة فذكر قصة الافك في غزوة المريسيع وبهذا قال بن إسحاق وغير واحد من أهل المغازي إن قصة الافك كانت في رجوعهم من غزوة المريسيع وذكر بن إسحاق عن مشايخه عاصم بن عمر بن قتاد ة وغيره أنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار فخرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع قريبا من الساحل فزاحف الناس واقتتلوا فهزمهم الله وقتل منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وأبناءهم وأموالهم كذا ذكر بن إسحاق بأسانيد مرسلة والذي في الصحيح كما تقدم في كتاب العتق من حديث بن عمر يدل على أنه أغار عليهم على حين غفلة منهم فأوقع بهم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تستقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم الحديث فيحتمل أن يكون حين الايقاع بهم ثبتوا قليلا فلما كثر فيهم القتل انهزموا بأن يكون لما دهمهم وهم على الماء ثبتوا وتصافوا ووقع القتال بين الطائفتين ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم وقد ذكر هذه القصة بن سعد نحو ما ذكر بن إسحاق وأن الحارث كان جمع جموعا وأرسل عينا تأتيه بخبر المسلمين فظفروا به فقتلوه فلما بلغه ذلك هلع وتفرق الجمع وانتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الماء وهو المريسيع فصف أصحابه للقتال ورموهم بالنبل ثم حملوا عليهم حملة واحدة فما أفلت منهم إنسان بل قتل منهم عشرة وأسر الباقون رجالا ونساء وساق ذلك اليعمري في عيون الاثر ثم ذكر حديث بن عمر ثم قال أشار بن سعد إلى حديث بن عمر ثم قال الاول أثبت قلت آخر كلام بن سعد والحكم بكون الذي في السير أثبت مما في الصحيح مردود ولا سيما مع إمكان الجمع والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث بن محيريز واسمه عبد الله ومحيريز بمهملة وراء ثم زاي بصيغة التصغير عن أبي سعيد في قصة العزل وسيأتي شرحه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا ذكر غزوة بني المصطلق في الجملة وقد أشرت إلى قصتها مجملا ولله الحمد قوله باب حديث الافك قد تقدم وجه مناسبة إيراده هنا لما ذكره عن الزهري أن قصة الافك كانت في غزوة المريسيع قوله الافك والافك بمنزلة النجس والنجس أي هما في الاسم لغتان بكسر الهمزة وسكون الفاء وهي المشهورة وبفتحهما معا وقوله بمنزلة أي نظير ذلك النجس والنجس في الضبط وكونهما لغتين قوله يقال إفكهم وأفكهم أي في قوله تعالى بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون فقرئ في المشهور بكسر الهمزة وسكون الفاء وبضم الكاف وأما بالفتحات فقرئ بالشاذ وهو عن عكرمة وغيره بثلاث فتحات فعلا ماضيا أي صرفهم ووراء ذلك قراءات أخرى في الشواذ كالمشهور
[ 334 ]
لكن بفتح أوله وهو عن بن عباس ومثل الثاني لكن بتشديد الفاء وهو عن أبي عياض بصيغة التكبير وبالمد أوله وفتح الفاء والكاف وهو عن بن الزبير وغير ذلك مما يستوعب في موضعه قوله فمن قال أفكهم أي جعله فعلا ماضيا يقال معناه صرفهم عن الايمان كما قال يؤفك عنه من أفك أي يصرف عنه من صرف ثم ذكر المصنف حديث الافك بطوله من طريق صالح وهو بن كيسان عن بن شهاب وقد تقدم بطوله في الشهادات من طريق فليح عن بن شهاب وذكرت أني أورد شرحه مستوفى في سورة النور وسأذكر هناك مع شرحه بيان ما اختلفوا فيه من ألفاظ وسياقه إن شاء الله تعالى وذكر المصنف بعد سياقه قصة الافك أحاديث تتعلق بها
[ 335 ]
الاول قوله حدثنا عبد الله
[ 336 ]
بن محمد هو الجعفي قوله أملي على هشام بن يوسف هو الصنعاني قوله من حفظه فيه إشارة إلى أن الاملاء قد يقع من الكتاب قوله قال لي الوليد بن عبد الملك أي بن مروان في رواية عبد الرزاق عن معمر كنت عند الوليد بن عبد الملك أخرجه الاسماعيلي قوله أبلغك أن عليا كان فيمن قذف عائشة في رواية عبد الرزاق فقال الذي تولى كبره منهم علي قلت لا كذا في رواية عبد الرزاق وزاد ولكن حدثني سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة وعبيد الله كلهم عن عائشة قال الذي تولى كبره عبد الله بن أبي قال فما كان جزمه وفي ترجمة الزهري عن حلية أبي نعيم من طريق بن عيينة عن الزهري كنت عند الوليد بن عبد الملك فتلا هذه الآية والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقال نزلت في علي بن أبي طالب قال الزهري أصلح الله الامير ليس الامر كذلك أخبرني عروة عن عائشة قال وكيف أخبرك قلت أخبرني عروة عن عائشة أنها نزلت في عبد الله بن أبي بن أبي سلول ولابن مردويه من وجه آخر عن الزهري كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي وهو يقرأ سورة النور مستلقيا فلما بلغ هذه الآية ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم حتى بلغ والذي تولى كبره جلس ثم قال يا أبا بكر من تولى كبره منهم أليس علي بن أبي طالب قال فقلت في نفسي ماذا أقول لئن قلت لا لقد خشيت أن ألقى منه شرا ولئن قلت نعم لقد جئت بأمر عظيم قلت في نفسي لقد عودني الله على الصدق خيرا قلت لا قال فضرب بقضيبه على السرير ثم قال فمن فمن حتى ردد ذلك مرارا قلت لكن عبد الله بن أبي قوله ولكن قد أخبرني رجلان من قومك أي من قريش لان أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مخزومي وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف زهري يجمعهما مع بني أمية رهط الوليد مرة بن كعب بن لؤي بن غالب قوله كان على مسلما في شأنها كذا في نسخ البخاري بكسر اللام الثقيلة وفي رواية الحموي بفتح اللام قوله فراجعوه فلم يرجع المراجعة في ذلك وقعت مع هشام بن يوسف فيما أحسب وذلك أن عبد الرزاق رواه عن معمر فخالفه فرواه بلفظ مسيئا كذلك أخرجه الاسماعيلي وأبو نعيم في المستخرجين وزعم الكرماني أن المراجعة وقعت في ذلك عند الزهري قال وقوله فلم يرجع أي لم يجب بغير ذلك قال ويحتمل أن يكون المراد فلم يرجع الزهري إلى الوليد قلت ويقوى رواية عبد الرزاق ما في رواية بن مردويه المذكورة بلفظ أن عليا أساء في شأني والله يغفر له انتهى وقال بن التين قوله مسلما هو بكسر اللام وضبط أيضا بفتحها والمعنى متقارب قلت وفيه نظر فرواية الفتح تقتضي سلامته من ذلك ورواية الكسر تقتضي تسليمه لذلك قال بن التين وروى مسيئا وفيه بعد قلت بل هو الاقوى من حيث نقل الرواية وقد ذكر عياض أن النسفي رواه عن البخاري بلفظ مسيئا قال وكذلك رواه أبو علي بن السكن عن الفربري وقال الاصيلي بعد أن رواه بلفظ مسلما كذا قرأناه والاعرف غيره وإنما نسبته إلى الاساءة لانه لم يقل كما قال أسامة أهلك ولا نعلم إلا خيرا بل ضيق على بريرة وقال لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ونحو ذلك من الكلام كما سيأتي بسطه في مكانه وتوجيه العذر عنه وكأن بعض من لا خير فيه من الناصبة تقرب إلى بني أمية بهذه الكذبة فحرفوا قول عائشة إلى غير وجهه لعلمهم بانحرافهم عن علي فظنوا صحتها حتى بين الزهري للوليد أن الحق خلاف ذلك فجزاه الله تعالى خيرا وقد جاء عن الزهري أن هشام بن عبد الملك كان يعتقد ذلك أيضا فأخرج يعقوب بن شيبة في مسنده عن الحسن بن علي
[ 337 ]
الحلواني عن الشافعي قال حدثنا عمي قال دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال له يا سليمان الذي تولى كبره من هو قال عبد الله بن أبي قال كذبت هو علي قال أمير المؤمنين أعلم بما يقول فدخل الزهري فقال يا بن شهاب من الذي تولى كبره قال بن أبي قال كذبت هو علي فقال أنا أكذب لا أبالك والله لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت حدثني عروة وسعيد وعبيد الله وعلقمة عن عائشة أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي فذكر له قصة مع هشام في آخرها نحن هيجنا الشيخ هذا أو معناه الحديث الثاني قوله عن حصين هو بن عبد الرحمن الواسطي قوله عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة الاسدي قوله عن مسروق حدثتني أم رومان بضم الراء وسكون الواو وتقدم ذكرها في علامات النبوة وتسميتها وقد استشكل قول مسروق حدثتني أم رومان مع أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومسروق ليست له صحبة لانه لم يقدم من اليمن إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر أو عمر قال الخطيب لا نعلمه روى هذا الحديث عن أبي وائل غير حصين ومسروق لم يدرك أم رومان وكان يرسل هذا الحديث عنها ويقول سئلت أم رومان فوهم حصين فيه حيث جعل السائل لها مسروقا أو يكون بعض النقلة كتب سئلت بألف فصارت سألت فقرئت بفتحتين قال علي أن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب يعني بالعنعنة قال وأخرج البخاري هذا الحديث بناء على ظاهر الاتصال ولم يظهر له علة انتهى وقد حكى المزي كلام الخطيب هذا في التهذيب وفي الاطراف ولم يتعقبه بل أقره وزاد أنه روى عن مسروق عن بن مسعود عن أم رومان وهو أشبه بالصواب كذا قال وهذه الرواية شاذة وهي من المزيد في متصل الاسانيد على ما سنوضحه والذي ظهر لي بعد التأمل أن الصواب مع البخاري لان عمدة الخطيب ومن تبعه في دعوى الوهم الاعتماد على قول من قال إن أم رومان ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة أربع وقيل سنة خمس وقيل ست وهو شئ ذكره الواقدي ولا يتعقب الاسانيد الصحيحة بما يأتي عن الواقدي وذكره الزبير بن بكار بسند منقطع فيه ضعف أن أم رومان ماتت سنة ست في ذي الحجة وقد أشار البخاري إلى رد ذلك في تاريخه الاوسط والصغير فقال بعد ان ذكر أم رومان في فصل من مات في خلافة عثمان روى علي بن يزيد عن القاسم قال ماتت أم رومان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست قال البخاري وفيه نظر وحديث مسروق أسند أي أقوى إسنادا وأبين اتصالا انتهى وقد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر لان مولد مسروق كان في سنة الهجرة ولهذا قال أبو نعيم الاصبهاني عاشت أم رومان بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقد تعقب ذلك كله الخطيب معتمدا على ما تقدم عن الواقدي والزبير وفيه نظر لما وقع عند أحمد من طريق أبي سلمة عن عائشة قالت لما نزلت آية التخيير بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة فقال يا عائشة إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتي فيه بشئ حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان الحديث وأصله في الصحيحين دون تسمية أم رومان وآية التخيير نزلت سنة تسع اتفاقا فهذا دال على تأخر موت أم رومان عن الوقت الذي ذكره الواقدي والزبير أيضا فقد تقدم في علامات النبوة من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر قال عبد الرحمن وإنما هو أنا وأبي وأمي وامرأتي وخادم وفيه
[ 338 ]
عند المصنف في الادب فلما جاء أبو بكر قالت له أمي احتبست عن أضيافك الحديث وعبد الرحمن إنما هاجر فهدنة الحديبية وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست وهجرة عبد الرحمن في سنة سبع في قول بن سعد وفي قول الزبير فيها أو في التي بعدها لانه روى أن عبد الرحمن خرج في فئة من قريش قبل الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكون أم رومان تأخرت عن الوقت الذي ذكراه فيه وفي بعض هذا كفاية في التعقب على الخطيب ومن تبعه فيما تعقبوه على هذا الجامع الصحيح والله المستعان وقد تلقى كلام الخطيب بالتسليم صاحب المشارق والمطالع والسهيلي وابن سيد الناس وتبع المزي الذهبي في مختصراته والعلائي في المراسيل وآخرون وخالفهم صاحب الهدى قلت وسأذكر ما في حديث أم رومان من قصة الافك مخالفا لحديث عائشة ووجه التوفيق بينهما في التفسير إن شاء الله تعالى الحديث الثالث رضي الله تعالى عنه قوله عن بن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله قوله عن عائشة في رواية بن جريج عن بن أبي مليكة سمعت عائشة وسيأتي في التفسير قوله كانت تقرأ إذ تلقونه أي بكسر اللام وضم القاف مخففا وقد فسر في الخبر حيث قال وتقول الولق الكذب والولق بفتح الواو واللام بعدها قاف وقال الخطابي هو الاسراع في الكذب قوله قال بن أبي مليكة وكانت أعلم من غيرها بذلك لانه نزل فيها قلت لكن القراءة المشهورة بفتح اللام وتشديد القاف من التلقي وإحدى التاءين فيه محذوفة وسيأتي مزيد لذلك في تفيرسورة النور إن شاء الله تعالى الحديث الرابع قول عائشة في حسان ذكره بألفاظ وسيأتي شرحه أيضا في تفسير سورة النور وقوله وقال محمد بن عقبة أي الطحان الكوفي يكنى أبا جعفر وأبا عبد الله وهو من شيوخ البخاري ووقع في رواية كريمة والاصيلي حدثنا محمد بغير زيادة وقد عرف نسبه من رواية الآخرين وسيأتي له ذكر في كتاب الاحكام وشيخه عثمان بن فرقد بصري له عند البخاري شيخ آخر تقدم في آخر البيوع الحديث الخامس حديث مسروق دخلنا على عائشة وعندها حسان يأتي شرحه أيضا في تفسير النور إن شاء الله تعالى رحمه اللهقوله باب غزوة الحديبية في رواية أبي ذر عن الكشميهني عمرة بدل غزوة والحديبية بالتثقيل والتخفيف لغتان وأنكر كثير من أهل اللغة التخفيف وقال أبو عبيد البكري أهل العراق يثقلون وأهل الحجاز يخففون قوله وقول الله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة الآية يشير إلى أنها
[ 339 ]
نزلت في قصة الحديبية وقد تقدم شرح معظم هذه القصة في كتاب الشروط وأذكر هنا ما لم يتقدم له ذكر هناك وكان توجهه صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم الاثنين مستهل ذي القعدة سنة ست فخرج قاصدا إلى العمرة فصده المشركون عن الوصول إلى البيت ووقعت بينهم المصالحة على أن يدخل مكة في العام المقبل وجاء عن هشام بن عروة عن أبيه أنه خرج في رمضان واعتمر في شوال وشذ بذلك وقد وافق أبو الأسود عن عروة الجمهور ومضى في الحج قول عائشة ما اعتمر إلا في ذي القعدة ثم ذكر المصنف فيه ثلاثين حديثا الحديث الاول حديث زيد بن خالد الجهني في النهي عن قول مطرنا بنجم كذا الحديث وقد تقدم شرحه في الاستسقاء والغرض منه قوله خرجنا عام الحديبية الحديث الثاني حديث أنس اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر تقدم شرحه في الحج الحديث الثالث حديث أبي قتادة انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم هكذا ذكره مختصرا وقد تقدم بطوله في كتاب الحج مشروحا ويستفاد منه أن بعض من خرج إلى الحديبية لم يكن أحرم بالعمرة فلم يحتج إلى التحلل منها كما سأشير إليه في الحديث الذي بعده الحديث الرابع حديث البراء في تكثير ماء البئر بالحديبية ببركة بصاق النبي صلى الله عليه وسلم فيها ذكره من وجهين عن أبي إسحاق عن البراء ووقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء كنا أربع عشرة مائة وفي رواية زهير عنه أنهم كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر ووقع في حديث جابر الذي بعده من طريق سالم بن أبي الجعد عنه أنهم كانوا خمس عشرة مائة ومن طريق قتادة قلت لسعيد بن المسيب بلغني عن جابر أنهم كانوا أربع عشرة مائة فقال سعيد حدثني جابر أنهم كانوا خمس عشرة مائة ومن طريق عمرو بن دينار عن جابر كانوا ألفا وأربعمائة ومن طريق عبد الله بن أبي أوفى كانوا ألفا وثلاثمائة ووقع عند بن أبي شيبة من حديث مجمع بن حارثة كانوا ألفا وخمسمائة والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة فمن قال ألفا وخمسمائة جبر الكسر ومن قال ألفا وأربعمائة الغاه ويؤيده قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء ألفا وأربعمائة أو أكثر واعتمد على هذا الجمع النووي وأما البيهقي فمال إلى الترجيح وقال إن رواية من قال ألف وأربعمائة أصح ثم ساقه من طريق أبي الزبير ومن طريق أبي سفيان كلاهما عن جابر كذلك ومن رواية معقل بن يسار وسلمة بن الاكوع والبراء بن عازب ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه قلت ومعظم هذه الطرق عند مسلم ووقع عند بن سعد في حديث معقل بن يسار زهاء ألف وأربعمائة وهو ظاهر في عدم التحديد وأما قول عبد الله بن أبي أوفى ألفا وثلاثمائة فيمكن حمله على ما اطلع هو عليه واطلع غيره على زيادة ناس لم يطلع هو عليهم والزيادة من الثقة مقبولة أو العدد الذي ذكره جملة من ابتدأ الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك أو العدد الذي ذكره هو عدد المقاتلة والزيادة عليها من الاتباع من الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم وأما قول بن إسحاق إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافق عليه لانه قاله استنباطا من قول جابر نحرنا البدنة عن عشرة وكانوا نحروا سبعين بدنة وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلا وسيأتي في هذا الباب في حديث المسور ومروان أنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بضع عشرة مائة فيجمع أيضا بأن الذين بايعوا كانوا كما تقدم
[ 340 ]
وما زاد على ذلك كانوا غائبين عنها كمن توجه مع عثمان إلى مكة على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والاربع فلا تخالف وجزم موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة وفي حديث سلمة بن الاكوع عند بن أبي شيبة ألفا وسبعمائة وحكى بن سعد أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين وهذا إن ثبت تحرير بالغ ثم وجدته موصولا عن بن عباس عند بن مردويه وفيه رد على بن دحية حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحديد وإنما ذكره بالحدس والتخمين والله أعلم قوله ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يعني قوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم والتحقيق أنه يختلف ذلك باختلاف المراد من الآيات فقوله تعالى انا فتحنا لك فتحا مبينا المراد بالفتح هنا الحديبية لانها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الامن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الاسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما ثم تبعت الاسباب بعضها بعضا إلى أن كمل الفتح وقد ذكر بن إسحاق في المغازي عن الزهري قال لم يكن في الاسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه إنما كان الكفر حيث القتال فلما أمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكن أحد في الاسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الاسلام قبل ذلك أو أكثقال بن هشام ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى وهذه الآية نزلت منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية كما في هذا الباب من حديث عمر وأما قوله تعالى في هذه السورة وأثابهم فتحا قريبا فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح لانها هي التي وقعت فيها المغانم الكثيرة للمسلمين وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمع بن حارثة قال شهدنا الحديبية فلما انصرفنا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كراع الغميم وقد جمع الناس قرأ عليهم إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآية فقال رجل يا رسول الله أو فتح هو قال أي والذي نفسي بيده إنه لفتح ثم قسمت خيبر على أهل الحديبية وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الشعبي في قوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال صلح الحديبية وغفر له ما تقدم وما تأخر وتبايعوا بيعة الرضوان وأطعموا نخيل خيبر وظهرت الروم على فارس وفرح المسلمون بنصر الله وأما قوله تعالى فجعل من دون ذلك فتحا قريبا فالمراد الحديبية وأما قوله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح وقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح فالمراد به فتح مكة باتفاق فبهذا يرتفع الاشكال وتجتمع الاقوال بعون الله تعالى قوله والحديبية بئر يشير إلى أن المكان المعروف بالحديبية سمى ببئر كانت هنالك هذا اسمها ثم عرف المكان كله بذلك وقد مضى بأبسط من هذا في أواخر الشروط قوله فنزحناها كذا للاكثر ووقع في شرح بن التين فنزفناها بالفاء بدل الحاء المهملة قال والنزف والنزح واحد وهو أخذ الماء شيئا بعد شئ إلى أن لا يبقى منه شئ قوله فلم نترك فيها قطرة في رواية فوجدنا الناس قد نزحوها قوله فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء في رواية زهير ثم قال ائتوني بدلو من مائها قوله ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد في رواية زهير فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة قوله ثم انها أصدرتنا أي رجعتنا يعني أنهم رجعوا عنها
[ 341 ]
وقد رووا وفي رواية زهير فأرووا أنفسهم وركابهم والركاب الابل التي يسار عليها الحديث الخامس حديث جابر قوله بن فضيل هو محمد وحصين هو بن عبد الرحمن وسالم هو بن أبي الجعد والكل كوفيون كما أن الاسناد الذي بعده إلى قتادة بصريون قوله فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه هذا مغاير لحديث البراء أنه صب ماء وضوئه في البئر فكثر الماء في البئر وجمع بن حبان بينهما بأن ذلك وقع مرتين وسيأتي في الاشربة البيان بأن حديث جابر في نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء وحديث البراء كان لارادة ما هو أعم من ذلك ويحتمل أن يكون الماء لما تفجر من أصابعه ويده في الركوة وتوضئوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصب الماء الذي بقي في الركوة في البئر فتكاثر الماء فيها وقد أخرج أحمد من حديث جابر من طريق نبيح العنزي عنه وفيه فجاء رجل بأداوة فيها شئ من ماء ليس في القوم ماء غيره فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح ثم توضأ فأحسن ثم انصرف وترك القدح قال فتزاحم الناس على القدح فقال على رسلكم فوضع كفه في القدح ثم قال أسبغوا الوضوء قال فلقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابعه ووقع في حديث البراء أن تكثير الماء كان بصب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه في البئر وفي رواية أبي الاسود عن عروة في دلائل البيهقي أنه أمر بسهم فوضع في قعر البئر فجاشت بالماء وقد تقدم وجه الجمع في الكلام على حديث المسور ومروان في آخر الشروط وتقدم الكلام على اختلافهم في كيفية نبع الماء في علامات النبوة وأن نبع الماء من بين أصابعه وقع مرارا في الحضر وفي السفر والله أعلم قوله تابعه أبو داود هو سليمان بن داود الطيالسي قال حدثنا قرة هو بن خالد عن قتادة وهذه الطريق وصلها الاسماعيلي من طريق عمرو بن علي الفلاس عن أبي داود الطيالسي بهذا الاسناد إلى قتادة قال سألت سعيد بن المسيب كم كانوا في بيعة الرضوان فذكر الحديث وقال فيه أوهم يرحمه الله هو حدثني أنهم كانوا ألفا وخمسمائة قوله قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أنتم خير أهل الارض هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما وعند أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري قال لما كان بالحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم لا توقدوا نارا بليل فلما كان بعد ذلك قال أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم وعند مسلم من حديث جابر مرفوعا لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية وروى مسلم أيضامن حديث أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي على عثمان لان عليا كان من جملة من خوطب بذلك وممن بايع تحت الشجرة وكان عثمان حينئذ غائبا كما تقدم في المناقب من حديث بن عمر لكن تقدم في حديث بن عمر المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عنه فاستوى معهم عثمان في الخيرية المذكورة ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم على بعض واستدل به أيضا على أن الخضر ليس بحي لانه لو كان حيا مع ثبوت كونه نبيا للزم تفضيل غير النبي على النبي وهو باطل فدل على أنه ليس بحي حينئذ وأجاب من زعم أنه حي باحتمال أن يكون حينئذ حاضرا معهم ولم يقصد إلى تفضيل بعضهم على بعض أو لم يكن على وجه الارض بل كان في البحر والثاني جواب ساقط وعكس بن
[ 342 ]
التين فاستدل به على أن الخضر ليس بنبي فبنى الامر على أنه حي وأنه دخل في عموم من فضل النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشجرة عليهم وقد قدمنا الادلة الواضحة على ثبوت نبوة الخضر في أحاديث الانبياء وأغرب بن التين فجزم أن الياس ليس بنبي وبناه على قول من زعم أنه أيضا حي وهو ضعيف أعني كونه حيا وأما كونه ليس بنبي فنفى باطل ففي القرآن العظيم وان الياس لمن المرسلين فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلا وليس بنبي قوله ولو كنت أبصر اليوم يعني أنه كان عمى في آخر عمره قوله تابعه الاعمش سمع سالما يعني بن أبي الجعد سمع جابرا ألفا وأربعمائة أي في قوله ألفا وأربعمائة وهذه الطريق وصلها المؤلف في آخر كتاب الاشربة وساق الحديث أتم مما هنا وبين في آخره الاختلاف فيه على سالم ثم على جابر في العدد المذكور وقد بينت وجه الجمع قريبا وقيل إنما عدل الصحابي عن قوله ألف وأربعمائة إلى قوله أربع عشرة مائة للاشارة إلى أن الجيش كان منقسما إلى المئات وكانت كل مائة ممتازة عن الاخرى إما بالنسبة إلى القبائل وإما بالنسبة إلى الصفات قال بن دحية الاختلاف في عددهم دال على أنه قيل بالتخمين وتعقب بإمكان الجمع كما تقدم الحديث السادس حديث عبد الله بن أبي أوفى قوله وقال عبيد الله بن معاذ كذا ذكره بصيغة التعليق وقد وصله أبو نعيم في المستخرج على مسلم من طريق الحسن بن سفيان حدثنا عبيد الله بن معاذ به وقال مسلم حدثنا عبيد الله بن معاذ به قوله ألفا وثلاثمائة في رواية علي بن قادم عن شعبة عن عمرو بن مرة عند بن مردويه ألفا وأربعمائة وهي شاذة قوله وكانت أسلم أي قبيلته قوله ثمن المهاجرين بضم المثلثة وسكون الميم وضمها ولم أعرف عدد من كان بها من المهاجرين خاصة ليعرف عدد الاسلميين إلا أن الواقدي جزم بأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية من أسلم مائة رجل فعلى هذا كان المهاجرون ثمانمائة قوله تابعه محمد بن بشار هو بندار حدثنا أبو داود هو الطيالسي وهذه الطريق وصلها الاسماعيلي عن بن عبد الكريم عن بندار به وأخرجه مسلم عن أبي موسى محمد بن المثنى عن أبي داود به الحديث السابع قوله أخبرنا عيسى هو بن يونس وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم ومرداس الاسلمي هو بن مالك وليس له في البخاري سوى هذا الحديث ولا يعرف أحد روى عنه إلا قيس بن أبي حازم وجزم بذلك البخاري وأبو حاتم ومسلم وآخرون وقال بن السكن زعم بعض أهل الحديث أن مرداس بن عروة الذي روى عنه زياد بن علاقة هو الاسلمي قال والصحيح أنهما اثنان قلت وفي هذا تعقب على المزي في قوله في ترجمة مرداس الاسلمي روى عنه قيس بن أبي حازم وزياد بن علاقة ووضع أن شيخ زياد بن علاقة غير مرداس الاسلمي والله أعلم قوله سمع مرداسا الاسلمي يقول وكان من أصحاب الشجرة يقبض الصالحون كذا ذكره عنه موقوفا هنا أورده في الرقاق من طريق بيان عن قيس مرفوعا ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى والغرض منه بيان أنه كان من أصحاب الشجرة والحفالة بالمهملة والفاء بمعنى الحثالة بالمثلثة والفاء قد تقع موضع الثاء والمراد بها الردئ من كل شئ الحديث الثامن حديث المسور ومروان في قصة الحديبية ذكره مختصرا جدا من رواية سفيان وهو بن عيينة عن الزهري وقال فيه لا أحصى كم سمعته من سفيان حتى سمعته يقول لا أحفظ من الزهري الاشعار والتقليد الخ وهذا كلام علي بن المديني وسيأتي
[ 343 ]
هذا الحديث في هذا الباب من رواية عبيد الله بن محمد الجعفي عن سفيان بن عيينة أتم من رواية علي ولكن قال فيه حفظت بعضه وثبتني معمر وسأذكر ما يتعلق بشرحه وهو الحديث الخامس والعشرون فيه وأغرب الكرماني فحمل قول علي بن المديني لا أحصي كم سمعته من سفيان على أنه شك في العدد الذي سمعه منه هل قال ألف وخمسمائة أو ألف وأربعمائة أو ألف وثلاثمائة ويكفي في التعقب عليه أن حديث سفيان هذا ليس فيه تعرض للتردد في عددهم بل الطرق كلها جازمة بأن الزهري قال في روايته كانوا بضع عشرة مائة وكذلك كل من رواه عن سفيان وإنما وقع الاختلاف في حديث جابر والبراء كما تقدم مبسوطا الحديث التاسع قوله حدثنا الحسن بن خلف هو الواسطي ثقة من صغار شيوخ البخاري وما له عنه في الصحيح سوى هذا الموضع قوله عن أبي بشر ورقاء هو بن عمر اليشكري وهو مشهور باسمه وابن أبي نجيح اسمه عبد الله واسم أبي نجيح يسار بمهملة وحديث كعب بن عجرة هذا ذكره المصنف من وجهين عن مجاهد في آخر هذا الباب وقد تقدم شرحه في كتاب الحج الحديث العاشر والحادي عشر قوله فلحقت عمر امرأة شابة لم أقف على اسمها ولا على اسم زوجها ولا اسم أحد من أولادها وزوجها صحابي لان من كان له في ذلك الزمان أولاد يدل على أن له إدراكا وهذه بنت صحابي لا يبعد أن يكون لها رؤية فالذي يظهر أن زوجها صحابي أيضا وفي رواية معن عن مالك عند الاسماعيلي فلقينا امرأة قد شبثت بثيابه والدارقطني من هذا الوجه إني امرأة مؤتمة وله من طريق سعيد بن داود عن مالك فتعلقت بثيابه قوله وترك صبية صغارا في رواية سعيد بن داود وخلف صبيين صغيرين فيحتمل أن يكون معهما بنت أو أكثر قوله فقالت يا أمير المؤمنين زاد الدارقطني من طريق عبد العزيز بن يحيى عن مالك فقال من معه دعا أمير المؤمنين قوله ما ينضجون بضم أوله وسكون النون وكسر الضاد المعجمة بعدها جيم قوله كراعا بضم الكاف هو ما دون الكعب من الشاة قال الخطابي معناه أنهم لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه ويحتمل أن يكون المراد لا كراع لهم فينضجونه قوله ليس لهم ضرع بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء ليس لهم ما يحلبونه وقوله ولا زرع أي ليس لهم نبات قوله وخشيت أن تأكلهم الضبع أي السنة المجدبة ومعنى تأكلهم أي تهلكهم قوله وأنا بنت خفاف بضم المعجمة وفاءين الاولى خفيفة قوله إيماء بكسر الهمزة ويقال بفتحها وسكون التحتانية والمد وخفاف صحابي مشهور قيل له ولابيه ولجده صحبة حكاه بن عبد البر قال وكانوا ينزلون غيفة يعني بغين معجمة وتحتانية ساكنة وقاف ويأتون المدينة كثيرا ولخفاف هذا حديث عند مسلم موصول قوله شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الواقدي من حديث أبي رهم الغفاري قال لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالابواء أهدى له إيماء بن رحضة الغفاري مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا وبعث بها مع ابنه خفاف فقبل هديته وفرق الغنم في اصحابه ودعا بالبركة قوله بنسب قريب يحتمل أن يريد قرب نسب غفار من قريش لان كنانة تجمعهم أو أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف قوله بعير ظهير أي قوى الظهر معد للحاجة قوله اقتاديه بقاف ومثناة وفي رواية سعيد بن داود وقودي هذا البعير قوله
[ 344 ]
حتى يأتيكم الله بخير في رواية سعيد بن داود بالرزق قوله فقال رجل لم اقف على اسمه قوله ثكلتك أمك هي كلمة تقولها العرب للانكار ولا تريد بها حقيقتها قوله إني لارى أبا هذه يعني خفافا قوله وأخاها لم أقف على اسمه وكان لخفاف ابنان الحارث ومخلد لكنهما تابعيان فوهم من فسر الاخ الذي ذكره عمر بأحدهما لان مقتضى هذه القصة أن يكون الولد المذكور صحابيا وإذا ثبت ما ذكره بن عبد البر أن لخفاف وأبيه وجده صحبة اقتضى أن يكون هؤلاء أربعة في نسق لهم صحبة وهم ولد خفاف وإيماء ورحضة فتذاكر بهم مع بيت الصديق خلافا لمن زعم أنه لم يوجد أربعة في نسق لهم صحبة إلا في بيت الصديق وقد جمعت من وقع له ذلك ولو من طريق ضعيف فبلغوا عشرة أمثلة منهم زيد بن حارثة وأبوه وولده أسامة وولد أسامة لان الواقدي وصف أسامة بأنه تزوج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وولد له قوله قد حاصرا حصنا لم أعرف الغزوة التي وقع فيها ذلك ويحتمل احتمالا قريبا أن تكون خيبر لانها كانت بعد الحديبية وحوصرت حصونها قوله نستفئ بالمهملة وبالفاء وبالهمز أي نسترجع يقول الحديث الثاني عشر حديث سعيد بن المسيب عن أبيه في الشجرة أورده من طريق قتادة عنه ومن طريق طارق بن عبد الرحمن عن سعيد من ثلاثة طرق إلى طارق قوله لقد رأيت الشجرة أي التي كانت بيعة الرضوان تحتها ووقع في بعض النسخ قال محمود ثم أنسيتها قوله ثم أتيتها بعد فلم أعرفها بين في رواية طارق أنه أتاها في العام المقبل فلم يعرفها قوله حدثنا محمود هو بن غيلان وعبيد الله هو بن موسى وهو من شيوخ البخاري وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا قوله انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون لم أقف على اسم أحد منهم وزاد الاسماعيلي من رواية قيس بن الربيع عن طارق في مسجد الشجرة قوله نسيناها في رواية الكشميهني والمستملي أنسيناها بضم الهمزة وسكون النون أي أنسينا موضعها بدليل فلم نقدر عليها قوله فقال سعيد أي بن المسيب إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم قال سعيد هذا الكلام منكرا وقوله فأنتم أعلم هو على سبيل التهكم وفي رواية قيس بن الربيع أن أقاويل الناس كثيرة قوله فرجعنا إليها العام المقبل في رواية عفان عن أبي عوانة عند الاسماعيلي فانطلقنا في قابل حاجين كذا أطلق وهم كانوا معتمرين لكن يطلق عليها الحج كما يقال العمرة الحج الاصغر قوله فعميت علينا أي أبهمت في رواية عفان فعمى علينا مكانها وزاد فان كانت بينت لكم فأنتم أعلم قوله ذكرت عند سعيد بن المسيب الشجرة فضحك فقال أخبرني أبي وكان شهدها زاد الاسماعيلي من طريق أبي زرعة عن قبيصة شيخ البخاري فيه أنهم أتوها من العام القابل فأنسيناها وقد قدمت الحكمة في إخفائها عنهم في باب البيعة على الحرب من كتاب الجهاد عند الكلام على حديث بن عمر في معنى ذلك لكن إنكار سعيد بن المسيب على من زعم أنه عرفها معتمدا على قول أبيه إنهم لم يعرفوها في العام المقبل لا يدل على رفع معرفتها أصلا فقد وقع عند المصنف من حديث جابر الذي قبل هذا لو كنت أبصر اليوم لاريتكم مكان الشجرة فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها لان الظاهر أنها حين مقالته تلك كانت
[ 345 ]
هلكت إما بجفاف أو بغيره واستمر هو يعرف موضعها بعينه ثم وجدت عند بن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت الحديث الثالث عشر حديث عبد الله بن أبي أوفى في قوله اللهم صلى على آل أبي أوفى وقد تقدم شرحه في كتاب الزكاة وذكره هنا لقوله وكان من أصحاب الشجرة الحديث الرابع عشر قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه أبو بكر عبد الحميد وسليمان هوبن بلال وعمرو بن يحيى هو المازني وعباد بن تميم أي بن أبي زيد بن عاصم المازني وكلهم مدنيون قوله لما كان يوم الحرة أي لما خلع أهل المدينة بيعة يزيد بن معاوية وبايعوا عبد الله بن حنظلة أي بن أبي عامر الانصاري قوله فقال بن زيد هو عبد الله بن زيد بن عاصم عم عباد بن تميم قوله بن حنظلة هو عبد الله وصرح به الاسماعيلي في روايته وقوله يبايع الناس أي على الطاعة له وخلع يزيد بن معاوية وعكس الكرماني فزعم أنه كان يبايع الناس ليزيد بن معاوية وهو غلط كبير قوله لا أبايع على ذلك أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إشعار بأنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الموت وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في باب البيعة على الحرب من كتاب الجهاد وذكرت هناك ما وقع للكرماني من الخبط في شرح قوله بن حنظلة ووقع في رواية الاسماعيلي من الزيادة وقتل عبد الله بن زيد يوم الحرة وكان السبب في البيعة تحت الشجرة ما ذكر بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن عثمان قد قتل فقال لئن كانوا قتلوه لاناجزنهم فدعا الناس إلى البيعة فبايعوه على القتال على أن لا يفروا قال فبلغهم بعد ذلك أن الخبر باطل ورجع عثمان وذكر أبو الأسود في المغازي عن عروة السبب في ذلك مطولا قال أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بالحديبية أحب أن يبعث إلى قريش رجلا يخبرهم بأنه إنما جاء معتمرا فدعا عمر ليبعثه فقال والله لا آمنهم على نفسي فدعا عثمان فأرسله وأمره أن يبشر المستضعفين من المؤمنين بالفتح قريبا وأن الله سيظهر دينه فتوجه عثمان فوجد قريشا نازلين ببلدح قد اتفقوا على أن يمنعوا النبي صلى الله عليه وسلم من دخول مكة فأجاره أبان بن سعيد بن العاص قال وبعثت قريش بديل بن ورقاء وسهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر القصة التي مضت مطولة في الشروط قال وآمن الناس بعضهم بعضا وهم في انتظار الصلح إذ رمى رجل من الفريقين رجلا من الفريق الآخر فكانت معاركة وتراموا بالنبل والحجارة فارتهن كل فريق من عندهم ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيعة فجاءه المسلمون وهو نازل تحت الشجرة التي كان يستظل بها فبايعوه على أن لا يفروا وألقى الله الرعب في قلوب الكفار فأذعنوا إلى المصالحة وروى البيهقي في الدلائل من مرسل الشعبي قال كان أول من انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاالناس إلى البيعة تحت الشجرة أبو سنان الازدي وروى مسلم في حديث سلمة بن الاكوع قال ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى البيعة فبايعه أول الناس فذكر الحديث قال ثم ان المشركين راسلونا في الصلح حتى مشى بعضنا في بعض قال فاضطجعت في أصل شجرة فأتاني أربعة من المشركين فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحولت عنهم إلى شجرة أخرى فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي يا آل المهاجرين قال فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الاربعة وهم رقود
[ 346 ]
فأخذت سلاحهم ثم جئت بهم أسوقهم وجاء عمي برجل يقال له مكرز في ناس من المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثنياه فعفا عنهم فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وروى مسلم أيضا من حديث أنس أن رجالا من أهل مكة هبطوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل التنعيم ليقاتلوه فأخذهم فعفا عنهم فانزل الله الآية الحديث الخامس عشر حديث سلمة بن الركوع في وقت صلاة الجمعة أورده لقوله فيه وكان من أصحاب الشجرة قوله حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي هو كوفي ثقة من قدماء شيوخ البخاري مات سنة ست عشرة ومائتين وأبوه يعلى بن الحارث المحاربي ثقة أيضا ما ت سنة ثمان وستين ومائة وما لهما في البخاري إلا هذا الحديث قوله ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه استدل به لمن يقول بأن صلاة الجمعة تجزئ قبل الزوال لان الشمس إذا زالت ظهرت الظلال وأجيب بأن النفي إنما تسلط على وجود ظل يستظل به لا على وجود الظل مطلقا والظل الذي يستظل به لا يتهيأ إلا بعد الزوال بمقدار يختلف في الشتاء والصيف وقد تقدم بسط هذه المسألة ونقل الخلاف فيها في كتاب الجمعة الحديث السادس عشر قوله حدثنا حاتم هو بن إسماعيل قوله على الموت تقدم الكلام عليه في باب البيعة على الحرب من كتاب الجهاد وذكرت كيفية الجمع بينه وبين قول جابر لهم نبايعه على الموت وكذا روى مسلم من حديث معقل بن يسار مثل حديث جابر وحاصل الجمع أن من أطلق أن البيعة كانت على الموت أراد لازمها لانه إذا بايع على أن لا يفر لزم من ذلك أن يثبت والذي يثبت إما أن يغلب وإما أن يؤسر والذي يؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الراوي وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة والآخر حكى ما تئول إليه وجمع الترمذي بأن بعضا بايع على الموت وبعضا بايع على أن لا يفر الحديث السابع عشر قوله عن العلاء بن المسيب أي بن رافع الكوفي وهو وأبوه ثقتان وماله في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في الدعوات ولابيه حديث آخر في الادب من رواية منصور بن المعتمر عنه قوله طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم غبطه التابعي بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما يغبط به لكن سلك الصحابي مسلك التواضع في جوابه وطوبى في الاصل شجرة في الجنة تقدم تفسيرها في صفة الجنة في بدء الخلق وتطلق ويراد بها الخير أو الجنة أو أقصى الامنية وقيل هي من الطيب أي طاب عيشكم قوله فقال يا بن أخي في رواية الكشميهني يا بن أخ بغير إضافة وهي على عادة العرب في المخاطبة أو أراد أخوة الاسلام قوله انك لا تدري ما أحدثناه بعده يشير إلى ما وقع لهم من الحروب وغيرها فخاف غائلة ذلك وذلك من كمال فضله الحديث الثامن عشر قوله حدثني إسحاق هو بن منصور ويحيى بن صالح هو الوحاظي وهو من شيوخ البخاري وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا ومعاوية بن سلام بالتشديد ويحيى هو بن أبي كثير ووقع في رواية بن السكن عن زيد بن سلام بدل يحيى بن أبي كثير قال أبو علي الجياني ولم يتابع على ذلك وقد وقع في رواية النسفي عن البخاري كما قال الجمهور وكذا هو عند مسلم وأبي داود من طريق معاوية بن سلام عن يحيى قوله أنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة هكذا أورده مختصرا مقتصرا على موضع حاجته منه وبقية الحديث قد أخرجه مسلم عن يحيى
[ 347 ]
بن يحيى عن معاوية بهذا الاسناد وزاد وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين بملة غير الاسلام كاذبا فهو كما قال الحديث وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الايمان والنذور إن شاء الله تعالى الحديث التاسع عشر قوله عن أنس بن مالك إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال الحديبية سيأتي الكلام عليه في تفسير سورة الفتح إن شاء الله تعالى وأفاد هنا أن بعض الحديث عن قتادة عن أنس وبعضه عن عكرمة وقد أورده الاسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن شعبة وجمع في الحديث بين أنس وعكرمة وساقه مساقا واحدا وقد أوضحته في كتاب المدرج الحديث العشرون قوله حدثنا أبو عامر هو عبد الملك بن عمرو العقدي ووقع في رواية بن السكن حدثنا عثمان بن عمرو بدل أبي عامر قوله عن إسرائيل كذا في الاصول ولا بد منه وحكى بعض الشراح أنه وقع في بعض النسخ بإسقاطه قلت ولا أعتقد صحة ذلك بل إن كان سقط من نسخة فتلك النسخة غير معتمدة قوله عن مجزأة بفتح الميم والزاي بينهما جيم ساكنة وبهمز مفتوحة قبل الهاء وقال أبو علي الجياني المحدثون يسهلون الهمزة ولا يلفظون بها وقد يكسرون الميم وأبوه زاهر هو بن الاسود بن الحجاج وليس له في البخاري إلا هذا الحديث قوله عن أبيه كذا للجميع ووقع في رواية الاصيلي عن أبي زيد المروزي عن أنس بدل قوله عن أبيه وهو تصحيف نبه عليه أبو علي الجياني قوله إني لا وقد تحت القدور بلحوم الحمر يعني يوم خيبر كما سيأتي فيها واضحا وقد تعقب الداودي ما وقع هنا فقال هذا وهم فإن النهي عن لحوم الحمر الاهلية لم يكن بالحديبية وإنما كان بخيبر أه وليس في السياق أن ذلك كان في يوم الحديبية وإنما ساق البخاري الحديث في الحديبية لقوله فيه وكان ممن شهد الشجرة ولم يتعرض لمكان النداء بذلك مع أن غالب من بايع تحت الشجرة شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بعد رجوعهم الحديث الحادي والعشرون قوله وعن مجزأة يعني بالاسناد المذكور قبله وليس لمجزأة في البخاري إلا هذا الحديث والذي قبله قوله عن رجل منهم يعني من بني أسلم وقال الكرماني أي من الصحابة الاول أولى قوله اسمه أهبان بن أوس هو بضم الهمزة وسكون الهاء بعدها موحدة وماله في البخاري سوى هذ الحديث وقد ذكره في التاريخ فقال له صحبة ونزل الكوفة ويقال له وهبان أيضا ثم ساق من طريق أنيس بن عمرو عن أهبان بن أوس أنه كان في غنم له فكلمه الذئب قوله وكان يعني أهبان إذا سجد جعل تحت ركبته وسادة ولعله كان كبر فكان يشق عليه تمكين ركتبه من الارض فوضع تحتها وسادة لينة لا تمنع اعتماده عليها من التمكين لاحتمال أن يبس الارض كان يضر ركبته الحديث الثاني والعشرون حديث سويد بن النعمان قوله أتوا بسويق فلاكوه هو طرف من حديث تقدم في الطهارة وفي الجهاد وسيأتي بتمامه قريبا في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى قوله تابعه معاذ عن شعبة يعني بالاسناد المذكور وقد وصلها الاسماعيلي عن يحيى بن محمد عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه به مختصرا وزاد فيه وذلك بعد أن رجعوا من خيبر الحديث الثالث والعشرون قوله حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع بفتح الموحدة وكسر الزاي بوزن عظيم وآخره مهملة وشاذان هو الاسود بن عامر قوله عن أبي جمرة بجيم وراء هو نصر بن عمران الضبعي ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني بالمهملة والزاي وهو تصحيف قوله سألت عائذ بن عمرو هو بتحتانية مهموز وذال معجمة وهو بن عمرو بن هلال المزني
[ 348 ]
عاش إلى خلافة معاوية ماله في البخاري إلا هذا الحديث قوله هل ينقض الوتر يعني إذا أوتر المرء ثم نام وأراد أن يتطوع هل يصلي ركعة ليصير الوتر شفعا ثم يتطوع ما شاء ثم يوتر محافظة على قوله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا أو يصلي تطوعا ما شاء ولا ينقض وتره ويكتفي بالذي تقدم فأجاب باختيار الصفة الثانية فقال إذا أوترت من أوله فلا توتر من آخره زاد الاسماعيلي من طريق غندر عن شعبة بهذا الاسناد وإذا أوترت من آخره فلا توتر أوله وزاد فيه أيضا وسألت بن عباس عن نقض الوتر فذكر مثله وهذه المسألة اختلف فيها السلف فكان بن عمر ممن يرى نقض الوتر والصحيح عند الشافعية أنه لا ينقض كما في حديث الباب وهو قول المالكية الحديث الرابع والعشرون حديث عمر قوله عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وكان عمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر عن شئ الحديث هذا صورته مرسل ولكنه بقيته تدل على أنه عن عمر لقوله في أثنائه قال عمر فحركت بعير الخ وقد أشبعت القول فيه في المقدمة وقد أورده الاسماعيلي من طريق محمد بن خالد بن عثمة عنعن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب فذكره وسيأتي شحر المتن في تفسير سورة الفتح إن شاء الله تعالى قوله نزرت بنون وزاء ثقيلة أي ألححت وقال أبو ذر الهروي لم أسمعه لم أسمعه إلا بالتخفيف الحديث الخامس والعشرون حديث المسورين مخرمة ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على صاحبه قوله حفظت بعضه وثبتني فيه معمر بين أبو نعيم في مستخرجه القدر الذي حفظه سفيان عن الزهري والقدر الذي ثبته فيه معمر فساقه من طريق حامد بن يحيى عن سفيان إلى قوله فأحرم منها بعمرة ومن قوله وبعث عينا له من خزاعة الخ مما ثبته فيه معمر وقد تقدم في هذا الباب من رواية علي بن المديني عن سفيان وفيه قول سفيان لا أحفظ الاشعار والتقليد فيه وأن عليا قال ما أدري ما أراد سفيان بذلك هل أراد أنه لا يحفظ الاشعار والتقليد فيه خاصة أو أراد أنه لا يحفظ بقية الحديث وقد أزالت هذه الرواية الاشكال والتردد الذي وقع لعلي بن المديني وقد تقدم الكلام على شرح الحديث مستوفى في الشروط وأنه أورد هنا صدر الحديث واختصره هناك وساق هناك الحديث بطوله واقتصر منه هنا على البعض وتقدم بيان ما وقع هنا مما لم يذكره هناك من تسمية عينه الذي بعثه وأنه بشر بن سفيان الخزاعي وضبط غدير الاشطاط وذكر الواقدي أنه وراء عسفان ثم أورد المصنف بعضا من الحديث غير ما ذكره من هذه الطريق من طريق أخرى قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه ويعقوب هو بن إبراهيم بن سعد وابن
[ 349 ]
أخي بن شهاب اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب قوله وامعضوا بتشديد الميم بعدها عين مهملة ثم ضاد معجمة وفي رواية الكشميهني وامتعضوا بإظهار المثناة والمعنى شق عليهم وقد سبق بسطه في الشروط قوله ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الرجال إلا رده أي إلى المشركين في تلك المدة وإن كان مسلما قوله وجاءت المؤمنات مهاجرات أي في تلك المدة أيضا وقد ذكرت أسماء من سمى منهن في كتاب الشروط قوله فكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من مكة إلى المدينة مهاجرة مسلمة فقوله وهي عاتق أي بلغت واستحقت التزويج ولم تدخل في السن وقيل هي الشابة وقيل فوق المعصر وقيل استحقت التخدير وقيل بين البالغ والعانس وتقدم بسط ذلك في كتاب العيدين قوله فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم في حديث عبد الله بن أبي أحمد بن جحش هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط فخرج أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة بن أبي معيط حتى قدما المدينة فكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردها إليهم فنقض العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة فنزلت الآية أخرجه بن مردويه في تفسيره وبهذا يظهر المراد بقوله في حديث الباب حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل قوله حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل أي من استثنائهن من مقتضى الصلح على رد من جاء منهم مسلما وسيأتي بيان ذلك مشروحا في أواخر كتاب النكاح إن شاء الله تعالى الحديث السادس والعشرون قوله قال بن شهاب وأخبرني عروة الخ هو موصول بالاسناد المذكور وقد وصله الاسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن يعقوب بن إبراهيم به وفيه بيان لان الذي وقع في الشروط من عطف هذه القصة في رواية الزهري عن عروة عن مروان والمسور مدرج وإنما هو عن عروة عن عائشة ويأتي شرح الامتحان في النكاح إن شاء الله تعالى قوله وعن عمه هو موصول بالاسناد المذكور أيضا قوله بلغنا حين أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم هذا القدر ذكره هكذا مرسلا وهو موصول من رواية معمر كما أشرنا إليه في الشروط وسأشبع الكلام على ذلك في النكاح إن شاء الله تعالى قوله وبلغنا أن أبا بصير فذكره بطوله كذا في الاصل وأشار إلى ما تقدم في قصة أبي بصير في كتاب الشروط وقد ذكرت
[ 350 ]
شرحها مبسوطا هناك حيث ساقها مطولة الحديث السابع والعشرون حديث بن عمر حيث خرج معتمرا في الفتنة الحديث ذكره من طرق وقد تقدم شرحه في باب الاحصار من كتاب الحج الحديث الثامن والعشرون حديث بن عمر أيضا قوله حدثني شجاع بن الوليد أي البخاري المؤدب أبو الليث ثقة من أقران البخاري وسمع قبله قليلا وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وأما شجاع بن الوليد الكوفي فذاك يكنى أبا بدر ولم يدركه البخاري قوله سمع النضر بن محمد هو الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة ثقة متفق عليه وما له في البخاري إلا هذا الحديث قوله حدثنا صخر هو بن جويرية قوله عن نافع قال إن الناس يتحدثون أن بن عمر أسلم قبل عمر وليس كذلك ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله الخ ظاهر هذا السياق الارسال ولكن الطريق التي بعدها أوضحت أن نافعا حمله عن بن عمر قوله عند رجل من الانصار لم أقف على اسمه ويحتمل أنه الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينه وقد تقدمت الاشارة إليه في أول كتاب العلم قوله وعمر يستلئم للقتال أي يلبس اللامة بالهمز وهي السلاح قوله وقال هشام بن عمار كذا وقع بصيغة التعليق وفي بعض النسخ وقال لي وقد وصله الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن دحيم وهو عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم بالاسناد المذكور قوله فإذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم أي محيطون به ناظرون إليه بأحداقهم قوله فقال يا عبد الله القائل يا عبد الله هو عمر قوله قد أحدقوا كذا للكشميهني وغيره وهو الصواب ووقع للمستملي قال أحدقوا جعل بدل قد قال وهو تحريف وهذا السبب الذي هنا في أن بن عمر بايع قبل أبيه غير السبب الذي قبله ويمكن الجمع بينهما بأنه بعثه يحضر له الفرس ورأى الناس مجتمعين فقال له انظر ما شأنهم فبدأ بكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع وتوجه إلى الفرس فأحضرها وأعاد حينئذ الجواب على أبيه وأما بن التين فلم يظهر له وجه الجمع بينهما فقال هذا اختلاف ولم يسند نافع إلى بن عمر ذلك في شئ من الروايتين كذا قال والثانية ظاهرة في الرد عليه فان فيها عن بن عمر كما بيناه ثم زعم أن المبايعة المذكورة إنما كانت حين قدموا إلى المدينة مهاجرين وأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الناس فمر به بن عمر وهو يبايع الحديث قلت وبمثل ذلك لا ترد الروايات الصحيحة فقد صرح في الرواية الاولى بأن ذلك كان يوم الحديبية والقصة التي أشار إليها تقدمت من وجه آخر في الهجرة وليس فيما نقل فيها ما يمنع التعدد بل يتعين ذلك لصحة الطريقين والله المستعان قوله فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع هكذا أورده مختصرا وتوضحه الرواية التي قبله وهو أن بن عمر لما رأى الناس يبايعون بايع ثم رجع إلى عمر فأخبره بذلك فخرج وخرج معه فبايع عمر الحديث التاسع والعشرون قوله حدثنا بن نمير هو محمد بن عبد الله بن نمير قوله حدثنا يعلى هو بن عبيد وإسماعيل هو بن أبخالد قوله لا يصيبه أحد بشئ أي لئلا يصيبه وهذا كان في عمرة القضاء وقد تقدم أن عبد الله بن أبي أوفى كان ممن بايع تحت الشجرة وهو في عمرة الحديبية وكل من شهد الحديبية وعاش إلى السنة المقبلة خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا في عمرة القضاء الحديث
[ 351 ]
الثلاثون حديث سهل بن حنيف قوله حدثنا الحسن بفتح المهملتين أي بن إسحاق بن زياد الليثي مولاهم المروزي المعروف بحسنويه يكنى أبا علي وثقه النسائي ولم يعرفه أبو حاتم وعرفه غيره قال بن حبان في الثقات كان من أصحاب بن المبارك ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين وما له في البخاري سوى هذا الحديث ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري وقد يروى عنه بواسطة كما هنا قوله ما يسد منه خصم بضم الخاء المعجمة وسكون المهملة أي جانب وقد تقدم هذا الحديث في آخر الجهاد وزعم المزي في الاطراف أن المصنف أخرج هذه الطريق في فرض الخمس وليس كذلك ثم ذكر المصنف حديث كعب بن عجرة في قصة القمل وحلق رأسه بالحديبية أورده من وجهين وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك قوله باب قصة عكل بضم المهملة وسكون الكاف بعدها لام بسم الله الرحمن الرحيم وعرينة بمهملة وراء ثم نون مصغر قبيلتان تقدم ذكرهما وبيان نسبهما في باب أبوال الابل من كتاب الطهارة مع شرح حديث الباب مستوفى وتقدم قريبا بيان الاختلاف في وقتها وأن بن إسحاق ذكر أنها كانت بعد غزوة ذي قرد قوله قال قتادة هو موصول بالاسناد المذكور إليه قوله وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة بضم الميم وسكون المثلثة وهذا البلاغ لم أقف على من فسر المراد به وقد يسر الله الكريم به الآن وكنت قد اغفلت التنبيه عليه في المقدمة وحقه أن يذكر في الفصل الاخير منها عند ذكر عدد أحاديث الصحيح وتفصيلها بذكر كل صحابي وكم ورد له عنده من حديث وأن يذكر في المبهمات من الفصل المذكور فإنه حديث أخرجه البخاري في الجملة وإن كان إسناده معضلا فإن هذا المتن جاء من حديث قتادة عن الحسن البصري عن هياج بن عمران عن عمر ان بن حصين وعن سمرة بن جندب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة أخرجه أبو داود من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة بهذا الاسناد واللفظ وفيه قصة وأخرجه أحمد من طريق سعيد عن قتادة بهذا الاسناد إلى عمران بن حصين وفيه القصة ولفظه كان يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة وعن سمرة مثل ذلك وإسناد هذا الحديث قوي فإن هياجا بتحتانية ثقيلة وآخره جيم هو بن عمران البصري وثقه بن سعد وابن حبان وبقية رجاله من رجال الصحيح وسيأتي في الذبائح ومضى في المظالم من حديث عبد الله بن يزيد الانصاري قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة والنهي ولكنه من غير طريق قتادة وسيأتي شرح
[ 352 ]
المثلة في الذبائح إن شاء الله تعالى والذي يظهر أن الذي أورد ناه هو مراد قتادة بالبلاغ الذي وقع عند البخاري وقد تبين بهذا أن في الحديث الذي أخرجه النسائي من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن هشام عن قتادة عن أنس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة إدراجا وأن هذا القدر من الحديث لم يسنده قتادة عن أنس وإنما ذكره بلاغا ولما نشط لذكر إسناده ساقه بوسائط إلى النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم قوله وقال شعبة وأبان وحماد عن قتادة من عرينة يريد أن هؤلاء رووا هذا الحديث عن قتادة عن أنس فاقتصروا على ذكر عرينة دون عكل فأما رواية شعبة فوصلها المصنف في الزكاة وأما رواية أبان وهو بن يزيد العطار فوصلها بن أبي شيبة وأما رواية حماد هو بن سلمة فوصلها أبو داود والنسائي قوله قال يحيى بن أبي كثير وأيوب عن أبي قلابة عن أنس قدم نفر من عكل يريد أن هذين روياه بعكس أولئك فاقتصرا على ذكر عكل دون عرينة فأما رواية يحيى فوصلها المصنف في المحاربين وأما رواية أيوب فوصلها المصنف في الطهارة قوله وحدثني محمد بن عبد الرحيم هو الحافظ المعروف بصاعقة البزار يكنى أبا يحيى وحفص بن عمر شيخه من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كالذي هنا قوله حدثنا أيوب والحجاج الصواف قال حدثني أبو قلابة كذا وقع في النسخ المعتمدة قال حدثني بالافراد والمراد حجاج فأما أيوب فلا يظهر من هذه الرواية كيفية سياقه وقد اختلف عليه فيه هل هو عنده عن أبي قلابة بغير واسطة أو بواسطة وأوضح ذلك الدارقطني فقال إن أيوب حيث يرويه عن أبي قلابة نفسه فإنه يقتصر على قصة العرنيين وحيث يرويه عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة فإنه يذكر مع ذلك قصة أبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز ولما دار بينه وبين عنبسة بن سعيد وأما حجاج الصواف فإنه يرويه بتمامه عن أبي رجاء عن أبي قلابة انتهى وقد تقدمت الاشارة إلى شئ من هذا في كتاب الطهارة قوله وأبو قلابة خلف سريره فقال عنبسة بن سعيد كذا وقع مختصرا وسيأتي في الديات من طريق إسماعيل بن علية عن حجاج الصواف مطولا وكذا ساقه الاسماعيلي من طريق أيوب عن أبي رجاء عن أبي قلابة مطولا وسيأتي شرحه في الديات إن شاء الله تعالى قوله وقال أبو قلابة عن أنس من عكل وذكر القصة أي قصتهم وقد تقدم الكلام على حديث أبي قلابة في الطهارة تنبيه وقع من قوله وقال شعبة إلى آخر الباب عند أبي ذر بين غزوة ذي قرد وبين غزوة خيبر وعليه جرى الاسماعيلي ووقع عند الباقين تاليا لحديث العرنيين الذي قبله وهو الراجح ولعل الفصل وقع تغيير بعض الرواة ويحتمل أن يكون البخاري تعمد ذلك إشارة منه إلى أن قصة العرنيين متحدة مع غزوة ذي قرد كما يشير إليه كلام بعض أهل المغازي وان كان الراجح خلافه والله أعلم عز وجلقوله باب غزوة ذي قرد بفتح القاف والراء وحكى الضم فيهما وحكى ضم أوله وفتح ثانية قال الحازمي الاول ضبط أصحاب الحديث والضم عن أهل اللغة وقال البلاذري الصواب الاول وهو ماء على نحو بريد مما يلي بلاد غطفان وقيل على مسافة يوم قوله وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث كذا جزم به ومستنده في ذلك حديث إياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه فإنه قال في آخر الحديث ؤ الطويل الذي أخرجه مسلم من طريقه قال فرجعنا أي من الغزوة إلى المدينة فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر وأما بن سعد فقال كانت غزوة ذي قرد في ربيع الاول سنة
[ 353 ]
ست قبل الحديبية وقيل في جمادى الاولى وعن بن إسحاق في شعبان منها فإنه قال كانت بنو لحيان في شعبان سنة ست فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فلم يقم بها إلا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاحه قال القرطبي شارح مسلم في الكلام على حديث سلمة بن الاكوع لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية فيكون ما وقع في حديث سلمة من وهم بعض الرواة قال ويحتمل أن يجمع بأن يقال يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان أغزى سرية فيهم سلمة بن الاكوع إلى خيبر قبل فتحها فأخبر سلمة عن نفسه وعمن خرج معه يعني حيث قال خرجنا إلى خيبر قال ويؤيده أن بن إسحاق ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرتين انتهى وسياق الحديث يأبى هذا الجمع فإن فيه بعد قوله حين خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل عمر يرتجز بالقول وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم من السائق وفيه مبارزة علي لمرحب وقتل عامر وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر حين خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا ما في الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكره أهل السير ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح وقعت مرتين الاولى التي ذكرها بن إسحاق وهي قبل الحديبية والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر وكان رأس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة كما في سياق سلمة عند مسلم ويؤيده أن الحاكم ذكر في الاكليل أن الخروج إلى ذي قرد تكرر ففي الاولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد وفي الثانية خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر سنة خمس والثالثة هذه المختلف فيها انتهى فإذا ثبت هذا قوى هذا الجمع الذي ذكرته والله أعلم قوله حدثنا حاتم هو بن إسماعيل ويزيد بن أبي عبيدة هو مولى سلمة بن الاكوع وقد أخرج البخاري هذا الحديث عاليا في الجهاد عن مكي بن إبراهيم عن يزيد وهو أحد ثلاثياته قوله خرجت قبل أن يؤذن بالاولى يعني صلاة الصبح ويدل عليه قوله في رواية مسلم أنه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس وفي رواية مكي خرجت من المدينة ذاهبا نحو الغابة قوله وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد اللقاح بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة ذوات الدر من الابل واحدها لقحه بالكسر وبالفتح أيضا واللقوح الحلوب وذكر بن سعد أنها كانت عشرين لقحة قال وكان فيهم بن أبي ذر وامرأته فأغار المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة قوله فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون هو رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم وكأنه كان ملك أحدهما وكان يخدم الآخر فنسب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا قوله غطفان بفتح المعجمة والطاء المشالة المهملة والفاء تقدم بيان نسبهم في غزوة ذات الرقاع وفي رواية مكي غطفان وفزارة وهو من الخاص بعد العام لان فزارة من غطفان وعند مسلم قدمنا الحديبية ثم قدمنا المدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلامه وأنا معه وخرجت بفرس لطلحة أندبه فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري ولاحمد وابن سعد من هذا الوجه عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري وقد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه قال فقلت يا رباح خذ هذا الفرس وأبلغه طلحة وأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وللطبراني من وجه آخر عن سلمة خرجت بقوسي ونبلي وكنت أرمي الصيد فإذا عيينة بن حصن قد أغار على لقاح
[ 354 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقها ولا منافاة فإن كلا من عيينة وعبد الرحمن بن عيينة كان في القوم وذكر موسى بن عقبة وابن إسحاق أن مسعدة الفزاري كان أيضا رئيسا في فزارة في هذه الغزاة قوله فصرخت ثلاث صرخات في رواية المستملي بثلاث بزيادة الموحدة وهي للاستغاثة قوله فأسمعت ما بين لابتي المدينة فيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جدا ويحتمل أن يكون ذلك من خوارق العادات ولمسلم فعلوت أكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا وللطبراني فصعدت في سلع ثم صحت يا صباحاه فانتهى صياحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنودي في الناس الفزع الفزع وهو عند إسحاق بمعناه قوله يا صباحاه هي كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه قوله ثم اندفعت على وجهي أي لم ألتفت يمينا ولا شمالا بل أسرعت الجري وكان شديد العدو كما سيأتي بيانه في آخر الحديث قوله حتى أدركتهم في رواية مكي حتى ألقاهم وقد أخذوها يعني اللقاح ذكره بهذه الصيغة مبالغة في استحضار الحال قوله فأقبلت أرميهم أي أقبلت عليهم أرميهم أي بالسهام قوله وأقول أنا بن الاكوع واليوم يوم الرضع بضم الراء وتشديد المعجمة جمع راضع وهو اللئيم فمعناه اليوم يوم اللئام أي اليوم يوم هلاك اللئام والاصل فيه أن شخصا كان شديد البخل فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يحلبها فيسمع جيرانه أو من يمر به صوت الحلب فيطلبون منه اللبن وقيل بل صنع ذلك لئلا يتبدد من اللبن شئ إذا حلب في الاناء أو يبقى في الاناء شئ إذا شربه منه فقالوا في المثل الام من راضع وقيل بل معنى المثل ارتضع اللؤم من بطن أمه وقيل كل من كان يوصف وباللؤم يوصف بالمص والرضاع وقيل المراد من يمص طرف الخلال إذا خل أسنانه وهو دال على شدة الحرص وقيل هو الراعي الذي لا يستصحب محلبا فإذا جاءه الضيف اعتذر بأن لا محلب معه وإذا أراد أن يشرب ارتضع ثديها وقال أبو عمرو الشيباني هو الذي يرتضع الشاة أو الناقة عند إرادة الحلب من شدة الشره وقيل أصله الشاة ترضع لبن شاتين من شدة الجوع وقيل معناه اليوم يعرف من ارتضع كريمة فانجبته ولئيمة فهجنته وقيل معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها من غيره وقال الداودي معناه هذا يوم شديد عليكم تفارق فيه المرضعة من أرضعته فلا تجد من ترضعه قال السهيلي قوله اليوم يوم الرضع يجوز الرفع فيهما ونصب الاول ورفع الثاني على جعل الاول ظرفا قال وهو جائز إذا كان الظرف واسعا ولا يضيق على الثاني قال وقال أهل اللغة يقال في اللؤم رضع بالفتح يرضع بالضم رضاعة لا غير ورضع الصبي بالكسر ثدي أمه يرضع بالفتح رضاعا مثل سمع يسمع سماعا وعند مسلم في هذا الموضع فأقبلت أرميهم بالنبل وأرتجز وفيه فألحق رجلا منهم فأصكه بسهم في رجله فخلص السهم إلى كعبه فما زلت أرميهم وأعقرهم فإذا رجع إلى فارس منهم أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم رميته فعقرت به فإذا تضايق الخيل فدخلوا في مضايقة علوت الجبل فرميتهم بالحجارة وعند بن إسحاق وكان سلمة مثل الاسد فإذا حملت عليه الخيل فر ثم عارضهم فنضحها عنه بالنبل قوله استنقذت اللقاح منهم واستبلت منهم ثلاثين بردة في رواية مسلم فما زلت كذلك حتى ما خلق الله من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعير إلا خلفته وراء ظهري ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يتخففون بها قال فأتوا مضيقا فأتاهم رجل فجلسوا يتغدون فجلست على رأس قرن فقال لهم من هذا فقالوا لقينا من
[ 355 ]
هذا البرج قال فليقم إليه منكم أربعة فتوجهوا إليه فتهددهم فرجعوا قال فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم الاخرم الاسدي فقلت له أحذوهم فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فقتله عبد الرحمن وتحول على فرسه فلحقه أبو قتادة فقتل عبد الرحمن وتحول على الفرس قال واتبعتهم على رجلي حتى ما أرى أحدا فعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذي قرد فشربوا منه وهم عطاش قال فجلاهم عنه حتى طردهم وتركوا فرسين على ثنية فجئت بهما اسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بن إسحاق نحو هذه القصة وقال ان الاخرم لقب واسمه محرز بن نضلة لكن وقع عنده حبيب بن عيينة بن حصن بدل عبد الرحمن فيحتمل أن يكون كان له اسمان قوله وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس في رواية مسلم وأتاني عمي عامر بن الاكوع بسطيحة فيها ماء وسطيحة فيها لبن فتوضأت وشربت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي أجليتهم عنه فإذا هو قد أخذ كل شئ استنقذته منهم ونحر له بلال ناقته قوله قد حميت القوم الماء أي منعتهم من الشرب قوله فابعث إليهم الساعة في رواية مسلم فقلت يا رسول الله خلني انتخب من القوم مائة رجل فاتبعهم فلا يبقى منهم مخبر قال فضحك وعند بن إسحاق فقلت يا رسول الله لوسرحتني في مائة رجل لاخذت بأعناق القوم قوله فقال يا بن الاكوع ملكت فأسجع بهمزة قطجع وسين مهملة ساكنة وجيم مكسورة بعدها مهملة أي سهل والمعنى قدرت فاعف والسجاحة السهولة زاد مكي في روايته ان القوم ليقرون في قومهم وعند الكشميهني من قومهم ولمسلم انهم ليقرون في أرض غطفان ويقرون بضم أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الواو من القرى وهي الضيافة ولابن إسحاق فقال إنهم الآن ليغبقون في غطفان وهو بالغين المعجمة الساكنة والموحدة المفتوحة والقاف من الغبوق وهو شرب أول الليل والمراد أنهم فاتوا وأنهم وصلوا إلى بلاد قومهم ونزلوا عليهم فهم الآن يذبحون لهم ويطعمونهم ووقع عند مسلم قال فجاء رجل فقال نحر لهم فلان جزورا فلما كشطوا جلدها إذا هم بغبرة فقالوا أتاكم القوم فخرجوا هاربين قوله ثم رجعنا إلى المدينة ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة في رواية مسلم ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء وذكر قصة الانصاري الذي سابقه فسبقه سلمة قال فسبقت إلى المدينة فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا اليوم سلمة قال سلمة ثم أعطاني سهم الراجل والفار س جميعا وروى الحاكم في الاكليل والبيهقي من طريق عكرمة بن قتادة بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الله بن أبي قتادة حدثني أبي عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة أن أبا قتادة اشترى فرسه فلقيه مسعدة الفزاري فتقاولا فقال أبو قتادة اسأل الله أن يلقنيك وأنا عليها قال آمين قال فبينما هو يعلفها إذ قيل أخذت اللقاح فركبها حتى هجم على العسكر قال فطلع على فارس فقال لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة فذكر مصارعته له وظفره به وقتله وهزم المشركين ثم لم ينشب المسلمون أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبو قتادة سيد الفرسان وفي الحديث جواز العدو الشديد في الغزو والانذار بالصياح العالي وتعريف الانسان نفسه إذا كان شجاعا ليرعب خصمه واستحباب الثناء على الشجاع
[ 356 ]
ومن فيه فضيلة لا سيما عند الصنع الجميل ليستزيد من ذلك ومحله حيث يؤمن الافتتان وفيه المسابقة على الاقدام ولا خلاف في جوازه بغير عوض وأما بالعوض فالصحيح لا يصح والله أعلم قوله باب غزوة خيبر بمعجمة وتحتانية وموحدة بوزن جعفر وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام وذكر أبو عبيد البكري أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها قال بن إسحاق خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم سنة سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر وروى يونس بن بكير في المغازي عن بن إسحاق في حديث المسور ومروان قالا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة فأعطاه الله فيها خيبر بقوله وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه يعني خيبر فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم وذكر موسى بن عقبة في المغازي عن بن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها ثم خرج إلى خيبر وعند بن عائذ من حديث بن عباس أقام بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال وفي مغازي سليمان التيمي أقام خمسة عشر يوما وحكى بن التين عن بن الحصار أنها كانت في آخر سنة ست وهذا منقول عن مالك وبه جزم بن حزم وهذه الاقوال متقاربة والراجح منها ما ذكره بن إسحاق ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على أن ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الاول وأما ما ذكره الحاكم عن الواقدي وكذا ذكره بن سعد أنها كانت في جمادى الاولى فالذي رأيته في مغازي الواقدي أنها كانت في صفر وقيل في ربيع الاول وأغرب من ذلك ما أخرجه بن سعد وابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد الخدري قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر لثمان عشرة من رمضان الحديث وإسناده إلا أنه خطأ ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت وتوجيهه بأن غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة الفتح وغزوة الفتح خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها في رمضان جزما والله أعلم وذكر الشيخ أبو حامد في التعليقة أنها كانت سنة خمس وهو وهم ولعله انتقال من الخندق إلى خيبر وذكر بن هشام أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة نميلة بنون مصغر بن عبد الله الليثي وعند أحمد والحاكم من حديث أبي هريرة أنه سباع بن عرفطة وهو أصح ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثين حديثا الحديث الاول حديث سويد بن النعمان وهو الانصاري الحارثي أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر الحديث وقد تقدم شرحه في الطهارة والغرض منه هنا الاشارة إلى أن الطريق التي خرجوا منها إلى خيبر كانت على طريق الصهباء وقد تقدم ضبطها الحديث الثاني حديث سلمة بن الاكوع قوله خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر يا عامر ألا تسمعنا لم أقف على اسمه صريحا وعند بن إسحاق من حديث نصر بن دهر الاسلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الاكوع وهو عم سلمة بن الاكوع واسم الاكوع سنان انزل يا بن الاكوع فاحد لنا من هنياتك ففي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره بذلك قوله من هنيهاتك في رواية الكشميهني بحذف الهاء الثانية وتشديد التحتانية التي قبلها والهنيهات جمع هنيهة وهي تصغير هنة كما قالوا في تصغير سنة سنيهة ووقع في الدعوات من وجه آخر
[ 357 ]
عن يزيد بن أبي عبيد لو أسمعتنا من هناتك بغير تصغير قوله وكان عامر رجلا شاعرا قيل هذا يدل على أن الرجز من أقسام الشعر لان الذي قاله عامر حينئذ من الرجز وسيأتي بسط ذلك في كتاب الادب إن شاء الله تعالى قوله اللهم لولا أنت ما اهتدينا في هذا القسم زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله وأكثرها أربعة أحرف وقد تقدم في الجهاد من حديث البراء بن عازب وأنه من شعر عبد الله بن رواحة فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا منه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر أو استعان عامر ببعض ما سبقه إليه بن رواحة قوله فاغفر فداء لك ما اتقينا أما قوله فداء فهو بكسر الفاء وبالمد وحكى بن التين فتح أوله مع القصر وزعم أنه هنا بالكسر مع القصر لضرورة الوزن ولم يصب في ذلك فإنه لا يتزن إلا بالمد وقد استشكل هذا الكلام لانه لا يقال في حق الله إذ معنى فداء لك نفديك بأنفسنا وحذف متعلق الفداء للشهرة وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد بها ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ وقيل المخاطب بهذا الشعر النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى لا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك ونصرك وعلى هذا فقوله اللهم لم يقصد بها الدعاء وإنما افتتح بها الكلام والمخاطب بقول الشاعر لولا أنت النبي صلى الله عليه وسلم الخ ويعكر عليه قوله بعد ذلك فانزلن سكينة علينا * وثبت الاقدام إن لاقينا * فإنه دعا الله تعالى ويحتمل أن يكون المعنى فاسأل ربك أن ينزل ويثبت والله أعلم وأما قوله ما اتقينا فبتشديد المثناة بعدها قاف للاكثر ومعناه ما تركنا من الاوامر وما ظرفية وللاصيلي والنسفي بهمزة قطع ثم موحدة ساكنة أي ما خلفنا وراءنا مما اكتسبنا من الآثام أو ما أبقيناه وراءنا من الذنوب فلم نتب منه وللقابسي ما لقينا باللام وكسر القاف والمعنى ما وجدنا من المناهي ووقع في رواية قتيبة عن حاتم بن إسماعيل كما سيأتي في الادب ما اقتفينا بقاف ساكنة ومثناة مفتوحة ثم تحتانية ساكنة أي تبعنا من الخطايا من قفوت الاثر إذا اتبعته وكذا لمسلم عن قتيبة وهي أشهر الروايات في هذا الرجز قوله وألقين سكينة علينا في رواية النسفي وألق السكينة علينا بحذف النون وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين وليس بموزون قوله أنا إذا صيح بنا أتينا بمثناة أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو إلى الحق وروى بالموحدة كذا رأيت في رواية النسفي فإن كانت ثابتة فالمعنى إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا قوله وبالصباح عولوا علينا أي قصدونا بالدعاء بالصوت العالي واستغاثوا علينا تقول عولت على فلان وعولت بفلان بمعنى استغثت به وقال الخطابي المعنى أجلبوا علينا بالصوت وهو من العويل وتعقبه بن التين بأن عولوا بالتثقيل من التعويل ولو كان من العويل لكان أعولوا ووقع في رواية إياس بن سلمة عن أبيه عند أحمد في هذا الرجز من الزيادة ان الذين قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا ونحن عن فضلك ما استغنينا وهذا القسم الاخير عند مسلم أيضا قوله من هذا السائق في رواية أحمد فجعل عامر يرتجز ويسوع الركاب وهذه كانت عادتهم إذا أرادوا تنشيط الابل في السير ينزل بعضهم فيسوقه ويحدو في تلك الحال قوله قال يرحمه الله في رواية إياس بن سلمة قال غفر لك ربك قال وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لانسان يخصه إلا استشهد وبهذه الزيادة
[ 358 ]
يظهر السر في قول الرجل لولا أمتعتنا به قوله قال رجل من القوم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به اسم هذا الرجل عمر سماه مسلم في رواية إياس بن سلمة ولفظه فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له يا نبي الله لولا أمتعتنا بعامر وفي حديث نصر بن دهر عند بن إسحاق فقال عمر وجبت يا رسول الله ومعنى قوله لولا أي هلا وأمتعتنا أي متعتنا أي أبقيته لنا لنتمتع به أي بشجاعته والتمتع الترفة إلى مدة ومنه أمتعني الله ببقائك قوله فأتينا خيبرا أي أهل خيبر قوله فحاصرناهم ذكر بن إسحاق أن أول شئ حاصروه ففتح حصن ناعم ثم انتقلوا إلى غيره قوله حتى أصابتنا مخمصة بمعجمة ثم مهملة أي مجاعة شديدة وسيأتي شرح قصة الحمر الاهلية في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى قوله وكان سيف عامر قصيرا في تناول به ساق يهودي ليضربه في رواية إياس بن سلمة فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب * إذا الحروب أقبلت تلهب قال فبرز إليه عامر فقال قد علمت خيبر أني عامر * شاكي السلاح بطل مغامر فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فصار عامر يسل له أي يضربه من أسفل فرجع سيفه أي عامر على نفسه قوله ويرجع ذباب سيفه أي طرفه الاعلى وقيل حده قوله فأصاب عين ركبة عامر أي طرف ركبته الاعلى فمات منه وفي رواية يحيى القطان فأصيب عامر بسيف نفسه فمات وفي رواية إياس بن سلمة عند مسلم فقطع أكحله فكانت فيها نفسه وفي رواية بن إسحاق فكلمه كلما شديدا فمات منه قوله فلما قفلوا من خيبر أي رجعوا قوله وهو آخذ يدي في رواية الكشميهني بيدي وفي رواية قتيبة رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحبا بمعجمة ثم مهملة وموحدة أي متغير اللون وفي رواية إياس فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قوله زعموا أن عامرا حبط عمله في رواية إياس بطل عمل عامر قتل نفسه وسمى من القائلين أسيد بن حضير في رواية قتيبة الآتية في الادب وعند بن إسحاق فكان المسلمون شكوا فيه وقالوا إنما قتله سلاحه ونحوه عند مسلم من وجه آخر عن سلمة قوله كذب من قاله أي أخطأ قوله إن له أجرين في رواية الكشميهني لاجرين وكذا في رواية قتيبة وكذا في رواية بن إسحاق إنه لشهيد وصلى عليه قوله إنه لجاهد مجاهد كذا للاكثر باسم الفاعل فيهما وكسر الهاء والتنوين والاول مرفوع على الخبر والثاني اتباع للتأكيد كما قالوا جاد مجد ووقع لابي ذر عن الحموي والمستملي بفتح الهاء والدال وكذا ضبطه الباجي قال عياض والاول هو الوجه قلت يؤيده رواية أبي داود من وجه آخر عن سلمة مات جاهدا مجاهدا قال بن دريد رجل جاهد أي جاد في أموره وقال بن التين الجاهد من يرتكب المشقة ومجاهد أي لاعداء الله تعالى قوله قل عربي مشى بها مثله كذا في هذه الرواية بالميم والقصر من المشي والضمير للارض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة قوله قال قتيبة نشأ أي بنون وبهمزة والمراد أن قتيبة رواه عن حاتم بن إسماعيل بهذا الاسناد فحالف في هذه اللفظة وروايته موصولة في الادب عنده وغفل الكشميهني فرواها هنالك بالميم والقصر وحكى السهيلي أنه وقع في رواية مشابهابضم الميم اسم فاعل من الشبه أي ليس له مشابه في صفات الكمال في القتال وهو منصوب بفعل محذوف تقديره
[ 359 ]
رأيته مشابها أو على الحال من قوله عربي قال السهيلي والحال من النكرة يجوز إذا كان في تصحيح معنى قال السهيلي أيضا وروى قل عربيا نشأ بها مثله والفاعل مثله وعربيا منصوب على التمييز لان في الكلام معنى المدح على حد قولهم عظم زيد رجلا وقل زيد أدبا الحديث الثالث حديث أنس ذكره من ثلاثة طرق قوله عن أنس في رواية أبي إسحاق الفزاري عن حميد سمعت أنساكما تقدم في الجهاد قوله أتى خيبر ليلا أي قرب منها وذكر بن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم قال فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر قوله لم يغر بهم حتى يصبح كذا للاكثر من الاغارة ولابي ذر عن المستملي لم يقربهم بفتح أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الموحدة وتقدم في الجهاد بلفظ لا يغير عليهم وهو يؤيد رواية الجمهور وتقدم في الاذان من وجه آخر عن حميد بلفظ كان إذا غزا لم يغز بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار قال فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وحكى الواقدي أن أهل خيبر سمعوا بقصده لهم فكانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين فلا يرون أحدا حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين قوله خرجت يهود زاد أحمد من طريق قتادة عن أنس إلى زروعهم قوله بمساحيهم بمهملتين جمع مسحاة وهي من آلات الحرث ومكاتلهم جمع مكتل وهو القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره وعند أحمد من حديث أبي طلحة في نحو هذه القصة حتى إذا كان عند السحر وذهب ذو الزرع إلى زرعه وذو الضرع إلى ضرعه أغر عليهم قوله محمد والخميس تقدم في أوائل الصلاة من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد قال عبد العزيز قال بعض أصحابنا عن أنس والخميس يعني الجيش وعرف المراد ببعض أصحابه من هذا الطريق وتقدم في صلاة الخوف من طريق حماد بن زيد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس نحوه وفيه يقولون محمد والخميس قال والخميس الجيش وعرف من سياق هذا الباب أن اللفظ هناك لثابت وقد بينت ما في هذا الموضع من الادراج في أوائل كتاب الصلاة وزاد في الجهاد من وجه آخر عن أيوب فلجئوا إلى الحصن أي تحصنوا به قوله خربت خيبر زاد في الجهاد فرفع يديه وقال الله أكبر خربت خيبر وزيادة التكبير في معظم الطرق عن أنس وعن حميد قال السهيلي يؤخذ من هذا الحديث التفاؤل لانه صلى الله عليه وسلم لما رأى آلات الهدم مع أن لفظ المسحاة من سحوت إذا قشرت أخذ منه أن مدينتهم ستخرب انتهى ويحتمل أن يكون قال خربت خيبر بطريق الوحي ويؤيده قوله بعد ذلك إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين وقوله في رواية محمد بن سيرين عن أنس صبحنا خيبر بكرة لا يغاير قوله في رواية حميد عن أنس أنهم قدموها ليلا فإنه يحمل على أنهم لما قدموها وناموا دونها ركبوا إليها بكرة فصبحوها بالقتال والاغارة وقد وقع ذلك في رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد واضحا زاد في رواية محمد بن سيرين قصة الحمر الاهلية وسيأتي شرحها مستوفى في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى قوله حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي وليس هو والد الراوي عنه عبد الله بن عبد الوهاب فإن الراوي عنه عبدري
[ 360 ]
حجبي لا ثقفي قوله ينهيانكم في رواية سفيان الآتية ينهاكم بالافراد وفي رواية عبد الوهاب بالتثنية وهو دال على جواز جمع اسم الله مع غيره في ضمير واحد فيرد به على من زعم أن قوله للخطيب بئس خطيب القوم أنت لكونه قال ومن يعصمها فقد غوى وقد تقدمت الاشارة إلى مباحث ذلك في كتاب الصلاة قوله فأكفئت القدور قال بن التين صوابه فكفئت قال الاصمعي كفأت الاناء قلبته ولا يقال أكفأته ويحتمل أن يكون المراد أميلت حتى أزيل ما فيها قال الكسائي أكفأت الاناء أملته قوله حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس تقدم في صلاة الخوف مع ثابت عبد العزيز بن صهيب قوله فخرجوا يسعون في السكك فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبي الذرية فيه اختصار كبير لانه يوهم أن ذلك وقع عقب الاغارة عليهم وليس كذلك فقد ذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على محاصرتهم بضع عشرة ليلة وقيل أكثر من ذلك ويؤيده قوله في الحديث الذي قبله أنهم أصابتهم مخمصة شديدة فإنه دال على طول مدة الحصار إذ لو وقع الفتح من يومهم لم يقع لهم ذلك وفي حديث سلمة بن الاكوع وسهل بن سعد الآتيين قريبا في قصة على ما يؤكد ذلك وكذا في حديث سهل وأبي هريرة في قصة الذي قتل نفسه وكذا في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنهم حاصروهم الحديث الرابع حديث أنس أيضا في ذكر صفية ذكره من طريقين وسيأتي في الباب من وجه ثالث بأتم من هذا سياقا وصفية هي بنت حيي بن أخطب بن سعية بفتح المهملة وسكون العين المهملة بعدها تحتانية ساكنة بن عامر بن عبيد بن كعب من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام وأمها برة بنت شموال من بني قريظة وكانت تحت سلام بن مشكم القرظي ثم فارقها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضيري فقتل عنها يوم خيبر ذكر ذلك بن سعد وأسند بعضه من وجه مرسل قوله وكان في السبي صفية بنت حيي فصارت إلى دحية ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عبد العزيز عن أنس فجاء دحية فقال أعطني يا رسول الله جارية من السبي قال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية فجاء رجل فقال يا نبي الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك قال ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال خذ جارية من السبي غيرها وعند بن إسحاق أن صفية سبيت من حصن القموص وهو حصن بني أبي الحقيق وكانت تحت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسبي معها بنت عمها وعند غيره بنت عم زوجها فلما استرجع النبي صلى الله عليه وسلم صفية من دحية أعطاه بنت عمها قال السهيلي لا معارضة بين هذه الاخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسم والذي عوضه عنها ليس على سبيل البيع بل على سبيل النفل قلت وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم أن صفية وقعت في سهم دحية وعنده أيضا فيه فاشتراها من دحية بسبعة أرؤس فالاولى في طريق الجمع أن المراد بسهمه هنا نصيبه الذي اختاره لنفسه وذلك أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه جارية فأذن له أن يأخذ جارية فأخذ صفية فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها فلو خصه بها لامكن تغير خاطر بعضهم فكان من المصلحة العامة ارتجاعها واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها فإن في ذلك رضا الجميع وليس ذلك من الرجوع في الهبة
[ 361 ]
من شئ وأما إطلاق الشراء على العوض فعلى سبيل المجاز ولعله عوضه عنها بنت عمها أو بنت عم زوجها فلم تطب نفسه فأعطاه من جملة السبي زيادة على ذلك وعند بن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وأصله في مسلم صارت صفية لدحية فجعلوا يمدحونها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى بها دحية ما رضي وقد تقدم شئ من هذا في أوائل الصلاة ويأتي تمام قصتها في الحديث الثاني عشر ويأتي الكلام على قوله في الحديث وجعل عتقها صداقها في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث أبي موسى الاشعري قوله حدثنا عبد الواحد هو بن أبي زياد وعاصم هو الاحول وأبو عثمان هو النهدي والاسناد كله إلى أبي موسى بصريون قوله لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال لما توجه هو شك من الراوي قوله أشرف الناس على واد فذكر الحديث إلى قول أبي موسى فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله هذا السياق يوهم أن ذلك وقع وهم ذاهبون إلى خيبر وليس كذلك بل إنما وقع ذلك حال رجوعهم لان أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر مع جعفر كما سيأتي في الباب من حديثه واضحا وعلى هذا ففي السياق حذف تقديره لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فحاصرها ففتحها ففرغ فرجع أشرف الناس الخ وسيأتي شرح المتن في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى الحديث السادس حديث سهل بن سعد في قصة الذي قتل نفسه قوله حدثنا يعقوب هو بن عبد الرحمن الاسكندراني وأبو حازم هو سلمة بن دينار قوله التقي هو والمشركون في رواية بن أبي حازم الآتية بعد قليل في بعض مغازيه ولم أقف على تعيين كونها خيبر لكنه مبني على أن القصة التي في حديث سهل متحدة مع القصة التي في حديث أبي هريرة وقد صرح في حديث أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر وفيه نظر فإن في سياق سهل أن الرجل الذي قتل نفسه إتكأ على حد سيفه حتى خرج من ظهره وفي سياق أبي هريرة أنه استخرج أسهما من كنانته فنحر بها نفسه وأيضا ففي حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما أخبروه بقصته إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث وفي حديث أبي هريرة أنه قال لهم لما أخبروه بقصته قم يا بلال فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولهذا جنح بن التين إلى التعدد ويمكن الجمع بأنه لا منافاة في المغايرة الاخيرة وأما الاولى فيحتمل أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وان كان قد أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالا للموت لكن جزم بن الجوزي في مشكله بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد قال واسم الرجل قزمان الظفري وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء فخرج حتى صار في الصف الاول فكان أول من رمى بسهم ثم صار إلى السيف ففعل العجائب فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول الموت أحسن من الفرار فمر به قتادة بن النعمان فقال له هنيئا لك بالشهادة قال والله إني ما قاتلت على دين وإنما قاتلت على حسب قومي ثم اقلقته الجراحة فقتل نفسه قلت وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقدي وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف نعم أخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن عبد الرحمن القاضي عن أبي حازم حديث الباب وأوله أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما رأينا مثل ما أبلى فلان لقد فر الناس وما فر وما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة الحديث بطوله على نحو ما في الصحيح وليس فيه تسميته وسعيد مختلف فيه وما أظن روايته خفيت على
[ 362 ]
البخاري وأظنه لم يلتفت إليها لان في بعض طرقه عن أبي حازم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهره يقتضي أنها غير أحد لان سهلا ما كان حينئذ ممن يطلق على نفسه ذلك لصغره لان الصحيح أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين فيكون في أحد بن عشرة أو إحدى عشرة على أنه قد حفظ أشياء من أمر أحد مثل غسل فاطمة جراحة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من ذلك أن يقول غزونا إلا أن يحمل على المجاز كما سيأتي لابي هريرة لكن يدفعه ما سيأتي من رواية الكشميهني قريبا قوله فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم قوله وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل وقع في كلام جماعة ممن تكلم على هذا الكتاب أن اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بضم المعجمة والفاء نسبة إلى بني ظفر بطن من الانصار وكان يكنى أبا الغيداق بمعجمة مفتوحة وتحتانية ساكنة وآخره قاف ويعكر عليه ما تقدم قوله شاذة ولا فاذة الشاذة بتشديد المعجمة ما انفرد عن الجماعة وبالفاء مثله ما لم يختلط بهم ثم هما صفة لمحذوف أي نسمة والهاء فيهما للمبالغة والمعنى أنه لا يلقى شيئا إلا قتله وقيل المراد بالشاذ والفاذ ما كبر وصغر وقيل الشاذ الخارج والفاذ المنفرد وقيل هما بمعنى وقيل الثاني اتباع قوله فقال أي قائل وتقدم في الجهاد بلفظ فقالوا ويأتي بعد قليل من طريق أخرى بلفظ فقيل ووقع هنا للكشميهني فقلت فإن كانت محفوظة عرف اسم قائل ذلك قوله ما أجزأ بالهمزة أي ما أغنى قوله فقال إنه من أهل النار في رواية بن أبي حازم المذكورة فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار وفي حديث أكثم بن أبي الجون الخزاعي عند الطبراني قال قلنا يا رسول الله فلان يجزئ في القتال قال هو في النار قلنا يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن قال ذلك اخباث النفاق قال فكنا نتحفظ عليه في القتال قوله فقال رجل من القوم أنا صاحبه في رواية بن أبي حازم لاتبعنه وهذا الرجل هو أكثم بن أبي الجون كما سيظهر من سياق حديثه قوله فجرح جرحا شديدا زاد في حديث أكثم فقلنا يا رسول الله قد استشهد فلان قال هو في النار قوله فوضع سيفه بالارض وذبابه بين ثدييه في رواية بن أبي حازم فوضع نصاب سيفه في الارض وفي حديث أكثم أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت اشهد أنك رسول الله قوله وهو من أهل الجنة زاد في حديث أكثم تدركه الشقاوة والسعادة عند خروج نفسه فيختم له بها وسيأتي شرح الكلام الاخير في كتاب القدر إن شاء الله تعالى الحديث السابع حديث أبي هريرة قوله شهدنا خيبر أراد جيشها من المسلمين لان الثابت أنه إنما جاء بعد أن فتحت خيبر ووقع عند الواقدي أنه قدم بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها لكن مضى في الجهاد من طريق عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد ما افتتحها فقلت يا رسول الله اسهم لي وسيأتي البحث في ذلك في حديث آخر لابي هريرة آخر هذا الباب قوله فلما حضر القتال بالرفع والنصب قوله فقال لرجل ممن معه أي عن رجل واللام قد تأتي بمعنى عن مثل قوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا ويحتمل أن يكون بمعنى في أي في شانه أي سببه ومنه قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم
[ 363 ]
القيامة قوله فكادبعض الناس يرتاب في رواية معمر في الجهاد فكاد بعض الناس أن يرتاب ففيه دخول أن على خبر كاد وهو جائز مع قلته قوله قم يا فلان هو بلال كما وقع مفسرا في كتاب القدر قوله ان الله يؤيد في رواية الكشميهني ليؤيد قال النووي يجوز في أن فتح الهمزة وكسرها قوله بالرجل الفاجر يحتمل أن تكون اللام للعهد والمراد به قزمان المذكور ويحتمل أن تكون للجنس قوله تابعه معمر أي تابع شعيبا عن الزهري أي بهذا الاسناد وهو موصول عند المصنف في آخر الجهاد مقرونا برواية شعيب عن الزهري قوله وقال شبيب أي بن سعيد عن يونس أي بن يزيد عن بن شهاب أي الزهري بهذا الاسناد قوله شهدنا حنينا يريد أن يونس خالف معمرا وشعيبا فذكر بدل خيبر لفظة حنين ورواية شبيب هذه وصلها النسائي مقتصرا على طرف من الحديث وأوردها الذهلي في الزهريات ويعقوب بن سفيان في تاريخه كلاهما عن أحمد بن شبيب عن أبيه بتمامه وأحمد من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه غير هذا وقد وافق يونس معمرا وشعيبا في الاسناد لكن زاد فيه مع سعيد بن المسيب عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وساق الحديث عنهما عن أبي هريرة قوله وقال بن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني وافق شبيبا في لفظ حنين وخالفه في الاسناد فأرسل الحديث وطريق بن المبارك هذه وصلها في الجهاد ولم أر فيها تعيين الغزوة قوله وتابعه صالح يعني بن كيسان عن الزهري وهذه المتابعة ذكرها البخاري في تاريخه قال قال لي عبد العزيز الاويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن بن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ان بعض من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه هذا من أهل النار الحديث فظهر أن المراد بالمتابعة أن صالحا تابع رواية بن المبارك عن يونس في ترك ذكر اسم الغزوة لا في بقية المتن ولا في الاسناد وقد رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح عن الزهري فقال عن عبد الرحمن بن المسيب مرسلا ووهم فيه وكأنه أراد أن يقول عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وسعيد بن المسيب فذهل قوله وقال الزبيدي أخبرني الزهري أن عبد الرحمن بن كعب أخبره أن عبيد الله بن عكب قال أخبرني من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر قال الزهري وأخبرني عبيد الله بن عبد الله وسعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية النسفي عبد الله بن عبد الله هكذا أورد البخاري طريق الزبيدي هذه معلقة مختصرة وأجحف فيها في الاختصار فإنه لم يفصل بين رواية الزهري الموصولة عن عبد الرحمن وبين روايته المرسلة عن سعيد وعبيد الله بن عبد الله وقد أوضح ذلك في التاريخ وكذلك أبو نعيم في المستخرج والذهلي في الزهريات فأخرجوه من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عن الزبيدي فساق الحديث الموصول بالقصة ثم ساق بعده قال الزبيدي قال الزهري وأخبرني عبد الله بن عبد الله وسعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بلال قم فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا رجل مؤمن والله يؤيد هذا الدين بالرجل
[ 364 ]
الفاجر هذا سياق البخاري وفي سياق الذهلي قال الزهري وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله وهذا أصوب من عبيد الله بن عبد الله نبه عليه أبو علي الجياني وقد اقتضى صنيع البخاري ترجيح رواية شعيب ومعمر وأشار إلى أن بقية الروايات محتملة وهذه عادته في الروايات المختلفة إذا رجح بعضها عنده اعتمده وأشار إلى البقية وأن ذلك لا يستلزم القدح في الرواية الراجحة لان شرط الاضطراب أن تتساوى وجوه الاختلاف فلا يرجح شئ منها وذكر مسلم في كتاب التمييز فيه اختلافا آخر على الزهري فقال حدثنا الحسن بن الحلواني عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن بن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بلال قم فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن قال الحلواني قلت ليعقوب بن إبراهيم من عبد الرحمن بن المسيب هذا قال كان لسعيد بن المسيب أخ اسمه عبد الرحمن وكان رجل من بني كنانة يقال له عبد الرحمن بن المسيب فأظنه أن هذا هو الكناني قال مسلم وليس ما قال يعقوب بشئ وإنما سقط من هذا الاسناد واو واحدة ففحش خطؤه وإنما هو عن الزهري عن عبد الرحمن وابن المسيب فعبد الرحمن هو بن عبد الله بن كعب وابن المسيب هو سعيد وقد حدث به عن الزهري كذلك بن أخيه وموسى بن عقبة ويونس بن يزيد والله أعلم وكذا رجح الذهلي رواية شعيب ومعمر قال ولا تدفع رواية الاخيرين لان الزهري كان يقع له الحديث من عدة طرق فيحمله عنه أصحابه بحسب ذلك نعم ساق من طريق موسى بن عقبة وابن أخي الزهري عن الزهري موافقة الزبيدي على إرسال آخر الحديث قال المهلب هذا الرجل ممن أعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفذ عليه الوعيد من الفساق ولا يلزم منه أن كل من قتل نفسه يقضى عليه بالنار وقال بن التين يحتمل أن يكون قوله هو من أهل النار أي إن لم يغفر الله له ويحتمل أن يكون حين اصابته الجراحة ارتاب وشك في الايمان أو استحل قتل نفسه فمات كافرا ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وبذلك جزم بن المنير والذي يظهر أن المراد بالفاجر أعم من أن يكون كافرا أو فاسقا ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم إنا لا نستعين بمشرك لانه محمول على من كان يظهر الكفر أو هو منسوخ وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات وذلك من معجزاته الظاهرة وفيه جواز إعلام الرجل الصالح بفضيلة تكون فيه والجهر بها تنبيه المنادى بذلك بلال ووقع عند مسلم في رواية قم يا بن الخطاب وعند البيهقي أن المنادى بذلك عبد الرحمن بن عوف ويجمع بأنهم نادوا جميعا في جهات مختلفة الحديث الثامن حديث سلمة بن الاكوع وهو من ثلاثياته قوله فقلت يا أبا مسلم هي كنية سلمة بن الاكوع قوله أصبتها يوم خيبر أي أصابت ركبته ويوم بالنصب على الظرفية قوله فنفث فيه أي في موضع الضربة وقد تقدم أنه فوق النفخ ودون التفل وقد يكون بغير ريق بخلاف التفل وقد يكون بريق خفيف بخلاف النفخ ثم ذكر المصنف طريقا لحديث سهل بن سعد الماضي قبل وقد تقدم شرحه في الحديث السادس الحديث التاسع قوله حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي هو بصري واسم جده الوليد وهو ثقة من أقران أحمد وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في الجهاد قوله حدثنا زياد بن الربيع هو اليحمدي بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة بصري أيضا وثقه أحمد وغيره ونقل بن عدي عن البخاري أنه قال فيه نظر قال بن عدي وما أرى
[ 365 ]
بروايته بأسا قلت وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قوله عن أبي عمران هو عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو ثم نون نسبة إلى بني الجون بن عوف بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس وهم بطن من الازد وكذا جزم به الرشاطي عن أبي عبيد أن أبا عمران من هذا البطن وجزم الحازمي أنه من بني الجون بطن من كندة ولم يسق نسبه وقد ساقه الرشاطي فقال الجون واسمه معاوية بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور قوله فرأى طيالسة أي عليهم وفي رواية محمد بن بزيع عن زياد بن الربيع عند بن خزيمة وأبي نعيم أن أنسا قال ما شبهت الناس اليوم في المسجد وكثرة الطيالسة إلا بيهود خيبر والذي يظهر أن يهود خيبر كانوا يكثرون من لبس الطيالسة وكان غيرهم من الناس الذين شاهدهم أنس لا يكثرون منها فلما قدم البصرة رآهم يكثرون من لبس الطيالسة فشبههم بيهود خيبر ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيالسة وقيل المراد بالطيالسة الاكسية وإنما أنكر ألوانها لانها كانت صفراء بسم الله الرحمن الرحيما لحديث العاشر والحادي عشر حديث سلمة بن الاكوع وحديث سهل بن سعد في قصة فتح علي خيبر قوله وكان رمدا في حديث علي عند بن أبي شيبة أرمد وفي حديث جابر عند الطبراني في الصغير أرمد شديد الرمد وفي حديث بن عمر عند أبي نعيم في الدلائل أرمد لا يبصر قوله فقال أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق به وكأنه أنكر على نفسه تأخره عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال ذلك وقوله فلحق به يحتمل أن يكون لحق به قبل أن يصل إلى خيبر ويحتمل أن يكون لحق به بعد أن وصل إليها قوله فلما بتنا الليلة التي فتحت خيبر في صبيحتها قال لاعطين الراية غدا وقع في هذه الرواية اختصار وهو عند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الخصيب قال لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له فلما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له وقتل محمود بن مسلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لادفعن لوائي غدا إلى رجل الحديث وعند بن إسحاق نحوه من وجه آخر وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة سردهم الحاكم في الاكليل وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل قوله لاعطين الراية غدا أو ليأخذن الراية غدا هو شك من الراوي وفي حديث سهل الذي بعده لاعطين هذه الراية غدا رجلا بغير شك وفي حديث بريدة إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله والراية بمعنى اللواء وهو العلم الذي في الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش وقد يحمله أمير الجيش وقد يدفعه لمقدم العسكر وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفهما لكن روى أحمد والترمذي من حديث بن عباس كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض ومثله عند الطبراني عن بريدة وعند بن عدي عن أبي هريرة وزاد مكتوبا فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله وهو ظاهر ففي التغاير فلعل التفرقة بينهما عرفية وقد ذكر بن إسحاق وكذا أبو الاسود عن عروة أن أول ما وجدت الرايات يوم خيبر وما كانوا يعرفون قبل ذلك إلا الالوية قوله يحبه الله ورسوله زاد في حديث سهل بن سعد ويحب الله ورسوله وفي رواية بن إسحاق ليس بفرار وفي حديث بريدة لا يرجع حتى يفتح الله له قوله فنحن نرجوها في حديث سهل فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها وقوله يدوكون بمهملة مضمومة أي باتوا في اختلاط واختلاف والدوكة بالكاف الاختلاط وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن عمر قال ما أحببت الامارة
[ 366 ]
إلا يومئذ وفي حديث بريدة فما منا رجل له منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل حتى تطاولت أنالها فدعا عليا وهو يشتكي عينه فمسحها ثم دفع إليه اللواء ولمسلم من طريق إياس بن سلمة عن أبيه قال فأرسلني إلى علي قال فجئت به أقوده أرمد فبزق في عينه فبرأ قوله فقيل هذا علي كذا وقع مختصرا وبيانه في رواية إياس بن سلمة عند مسلم وفي حديث سهل بن سعد الذي بعده فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب قالوا يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتوا به وقد ظهر من حديث سلمة بن الاكوع أنه هو الذي أحضره ولعل عليا حضر إليهم بخيبر ولم يقدر على مباشرة القتال لرمده فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فحضر من المكان الذي نزل به أو بعث إليه إلى المدينة فصادف حضوره قوله فبرأ بفتح الراء والهمزة بوزن ضرب ويجوز كسر الراء بوزن علم وعند الحاكم من حديث علي نفسه قال فوضع رأسي في حجره ثم بزق في الية راحته فدلك بها عيني وعند بريدة في الدلائل للبيهقي فما وجعها علي حتى مضى لسبيله أي مات وعند الطبراني من حديث علي فما رمدت ولا صدعت مذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الراية يوم خيبر وله من وجه آخر فما اشتكيتها حتى الساعة قال ودعا لي فقال اللهم أذهب عنه الحر والقر قال فما اشتكيتهما حتى يومي هذا قوله فأعطاه ففتح عليه في حديث سهل فأعطاه الراية وفي حديث أبي سعيد عند أحمد فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما وقد اختلف في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحا وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس التصريح بأنه كان عنوة وبه جزم بن عبد البر ورد على من قال فتحت صلحا قال وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع ذلك الا بحصار وقتال انتهى والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل وألجأهم إلى القصر فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا الحديث وفي آخره فسبى نساءهم وذرايهم وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا وأراد أن يجليهم فقالوا دعنا في هذه الارض نصلحها الحديث أخرجه أبو داود والبيهقي وغيرهما وكذلك أخرجه أبو الأسود في المغازي عن عروة فعلى هذا كان قد وقع الصلح ثم حدث النقض منهم فزال أثر الصلح ثم من عليهم بترك القتل وإبقائهم عمالا بالارض ليس لهم فيها ملك ولذلك أجلاهم عمر كما تقدم في المزارعة فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها والله أعلم وقد تقدم في فرض الخمس احتجاج الطحاوي على أن بعضها فتح صلحا بما أخرجه هو وأبو داود من طريق بشير بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه وقسم نصفها بين المسلمين وهو حديث اختلف في وصله وإرساله وهو ظاهر في أن بعضها فتح صلحا والله أعلم قوله في حديث سهل فقال علي يا رسول الله أقاتلهم هو بحذف همزة الاستفهام قوله حتى يكوفوا مثلنا أي حتى يسلموا قوله فقال انفذ بضم الفاء بعدها معجمة قوله على رسلك بكسر الراء أي على هينتك قوله ثم ادعهم إلى الاسلام ووقع في حديث أبي هريرة عند مسلم فقال علي يا رسول الله علام أقاتل الناس قال قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله واستدل بقوله ادعهم ان الدعوة
[ 367 ]
شرط في جواز القتال والخلاف في ذلك مشهور فقيل يشترط مطلقا وهو عن مالك سواء من بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم قال إلا أن يعجلوا المسلمين وقيل لا مطلقا وعن الشافعي مثله وعنه لا يقاتل من لم تبلغه حتى يدعوهم وأما من بلغته فتجوز الاغارة عليهم بغير دعاء وهو مقتضى الاحاديث ويحمل ما في حديث سهل على الاستحباب بدليل أن في حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أغار على أهل خيبر لما لم يسمع النداء وكان ذلك أول ما طرقهم وكانت قصة على بعد ذلك وعن الحنفية تجوز الاغارة عليهم مطلقا وتستحب الدعوة قوله فوالله لان يهدي الله بك رجلا الخ يؤخذ منه أن تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله قوله حمر النعم بسكون الميم من حمر وبفتح النون والعين المهملة وهو من ألوان الابل المحمودة قيل المراد خير لك من أن تكون لك فتتصدق بها وقيل تقتنيها وتملكها وكانت مما تتفاخر العرب بها وذكر بن إسحاق من حديث أبي رافع قال خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته فضربه رجل من يهود فطرح ترسه فتناول على بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه حتى فتح الله عليه فلقد رأيتني أنا في سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه وللحاكم من حديث جابر ان عليا حمل الباب يوم خيبر وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا والجمع بينهما أن السبعة عالجوا قلبه والاربعين عالجوا حمله والفرق بين الامرين ظاهر ولو لم يكن إلا باختلاف حال الابطال وزاد مسلم في حديث إياس بن سلمة عن أبيه وخرج مرحب فقال قد علمت خيبر أني مرحب الابيات فقال علي أنا الذي سمتني أمي حيدرة الابيات فضرب رأس مرحب فقتله فكان الفتح على يديه وكذا في حديث بريدة الذي أشرت إليه قبل وخالف ذلك أهل السير فجزم بن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي بأن الذي قتل مرحبا هو محمد بن سلمة وكذا روى أحمد بإسناد حسن عن جابر وقيل إن محمد بن مسلمة كان بارزه فقطع رجليه فأجهز عليه علي وقيل ان الذي قتله هو الحارث أخو مرحب فاشتبه علي بعض الرواة فإن لم يكن كذلك وإلا فما في الصحيح مقدم على ما سواه ولا سيما وقد جاء من حديث بريدة أيضا وكان اسم الحصن الذي فتحه على القموص وهو من أعظم حصونهم ومنه سبيت صفية بنت حيي والله أعلم الحديث الثاني عشر حديث أنس في قصة صفية أخرجه من طرق الطريق الاولى قوله حدثنا عبد الغفار بن داود هو أبو صالح الجزامي أخرج عنه هنا وفي البيوع خاصة هذا الحديث الواحد وشيخه يعقوب هو بن عبد الرحمن الاسكندراني قوله وحدثني أحمد في رواية كريمة أحمد بن عيسى وفي رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري أحمد بن صالح وبه جزم أبو نعيم في المستخرج والذي يظهر أن البخاري ساقه على لفظ رواية بن وهب وأما على رواية بن عبد الغفار فساقها في البيوع قبيل السلم على لفظه قوله عن عمرو في رواية عبد الغفار عن عمرو بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ميسرة قوله مولى المطلب هو بن عبد الله بن حنطب المخزومي قوله فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي وقد قتل عنها زوجها وكانت عروسا اسم الحصن القموص كما تقدم قريبا واسم زوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق كما تقدم في النفقات وكان سبب قتله ما أخرجه البيهقي بإسناد رجاله ثقات من حديث بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك من ترك من أهل خيبر على أن لا يكتموه شيئا من أموالهم فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد قال فغيبوا مسكا فيه مال
[ 368 ]
وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر فسألهم عنه فقالوا أذهبته النفقات فقال العهد قريب والمال أكثر من ذلك قال فوجد بعد ذلك في خربة فقتل النبي صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية وقد تقدمت الاشارة إلى بعض هذا الحديث في الحديث الذي قبله قوله فاصطفاها لنفسه روى أبو داود وأحمد وصححه بن حبان والحاكم من طريق أبي أحمد الزبيدي عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال كانت صفية من الصفي والصفي بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية فسره محمد بن سيرين فيما أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عنه قال كان يضرب للنبي صلى الله عليه وسلم بسهم مع المسلمين والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شئ ومن طريق الشعبي قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا وإن شاء أمة وإن شاء فرسا يختاره من الخمس ومن طريق قتادة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاء وكانت صفية من ذلك السهم وقيل ان صفية كان اسمها قبل أن تسبى زينب فلما صارت من الصفي سميت صفية قوله فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء أما سد فبفتح المهملة وبضمها وأما الصهباء فتقدم بيانها في كتاب الطهارة ووقع في رواية عبد الغفار هنا سد الروحاء والاول أصوب وهي رواية قتيبة كما تقدم في الجهاد ورواية سعيد بن منصور عن يعقوب في هذا الحديث أخرجها أبو داود وغيره والروحاء بالمهملة مكان قريب من المدينة بينهما نيف وثلاثون ميلا من جهة مكة وقد تقدم ذلك في حديث بن عمر في أواخر المساجد وقيل بقرب المدينة مكان آخر يقال له الروحاء وعلى التقديرين فليست قرب خيبر فالصواب ما اتفق عليه الجماعة أنها الصهباء وهي على بريد من خيبر قاله بن سعد وغيره قوله حلت أي طهرت من الحيض وقد تقدم بيان ذلك في أواخر كتاب البيوع قبيل كتاب السلم وعند بن سعد من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وأصله عند مسلم في قصة صفية قال أنس ودفعها إلى أمي أم سليم حتى تهيئها وتصبنها وتعتد عندها وإطلاق العدة عليها مجاز عن الاستبراء والله أعلم قوله فبنى بها يأتي بيان ذلك وشرح بقية الحديث فيما يتعلق بتزويج صفية في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قوله يحوى لها بالمهملة المفتوحة وضم أوله وتشديد الواو أي يجعل لها حوية وهي كساء محشوة تدار حول الراكب قوله ويضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب وزاد عن قتيبة عن يعقوب في الجهاد في آخر هذا الحديث ذكر أحد وذكر الدعاء للمدينة وفي أوله أيضا التعوذ وقد بينت هناك أماكن شرح هذه الاحاديث ووقع في مغازي أبي الاسود عن عروة فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فخذه لتركب فأجلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضع رجلها على فخذه فوضعت ركبتها على فخذه وركبت الطريق الثانية قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو بن بلال ويحيى هو بن سعيد الانصاري وروايته عن حميد من رواية الاقران قوله أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر ثلاثة أيام حتى أعرس بها المراد أنه أقام في المنزلة التي أعرس بها فيها ثلاثة أيام لا أنه سار ثلاثة أيام ثم أعرس لان في حديث سويد بن النعمان المذكور في أول غزوة خيبر أن الصهباء قريبة من خيبر وبين بن سعد في حديث ذكره في ترجمتها أن الموضع الذي بني بها فيه بينه وبين خيبر ستة أميال وقد ذكر في الطريق التي
[ 369 ]
قبل هذه أنه صلى الله عليه وسلم أعرس بصفية بسد الصهباء وهو يبين المراد من قوله بطريق خيبر وكذا قوله في الطريق الثالثة أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال ولا مغايرة بينه وبين قوله في التي قبلها ثلاثة أيام لانه يبين أنها ثلاثة أيام بلياليها الطريق الثالثة قوله قام النبي صلى الله عليه وسلم كذا لابي ذر عن السرخسي وللباقين أقام وهو أوجه قوله قالوا إن حجبها الخ سيأتي شرحه واضحا في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى الحديث الثالث عشر حديث عبد الله بن مغفل بالغين المعجمة والفاء الثقيلة المزني قوله حدثنا وهب هو بن جرير بن حازم وساق الحديث هناك وتقدم في الخمس لفظ أبي الوليد المبدوء بذكره هنا قوله فرمى إنسان بجراب لم أقف على اسمه وقد تقدم أن الجراب بكسر الجيم ويجوز فتحها في لغة نادرة وتقدمت بقية مباحثه في باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب من كتاب الخمس الحديث الرابع عشر حديث بن عمر ذكره من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه فأما الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الاولى وهي رواية أبي أسامة عن عبيد الله ان فيها إدراجا لانه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده وذكر الحمر عن سالم واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو بن المبارك عن عبيد الله على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته عن عبيد الله عنهما هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة إليه في الذبائح ونذكر هناك شرح الحديث إن شاء الله تعالى ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لان أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه وقد جمع بينهما بلفظ النهي فاستعمله في حقيقته وهو التحريم وفي مجازه هو الكراهة الحديث الخامس عشر حديث علي قوله ابني محمد أي بن علي بن أبي طالب قوله عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الانسية في رواية أبي ذر عن السرخسي والمستملي حمر الانسية بغير ألف ولام في الحمر قيل ان في الحديث تقديما وتأخيرا والصواب نهي يوم خيبر على لحوم الحمر الانسية وعن متعة النساء وليس يوم خيبر ظرفا لمتعة النساء لانه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء وسيأتي بسط ذلك في مكانه من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى الحديث السادس عشر حديث جابر قوله عن عمرو هو بن دينار ومحمد بن علي هو أوب جعفر الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي قوله عن لحوم الحمر زاد الكشميهني الاهلية وسيأتي شرحه في الذبائح إن شاء الله تعالى الحديث السابع عشر حديث بن أبي أوفى قوله حدثنا عباد هو بن العوام والشيباني
[ 370 ]
سليمان بن فيروز قوله أصابتنا مجاعة يوم خيبر فان القدور لتغلي كذا وقع مختصرا وتمامه قد تقدم في فرض الخمس من وجه آخر عن الشيباني بلفظ فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الاهلية فانتحرناها فلما غلت القدور الحديث وقد ذكر الواقدي أن عدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين كذا رواه بالشك قوله وقال بعضهم نهى عنها البتة لانها كانت تأكل العذرة تقدم في فرض الخمس أن بعض الصحابة قال نهى عنها البتة وان الشيباني قال لقيت سعيد بجبير فقال نهى عنها البتة وزاد الاسماعيلي من رواية جرير عن الشيباني قال فلقيت سعيد بن جبير فسألته عن ذلك وذكرت له ذلك فقال نهى عنها البتة لانها كانت تأكل العذرة وسيأتي شرح ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى تنبيه قوله البتة معناه القطع وألفها ألف وصل وجزم الكرماني بأنها ألف قطع على غير القياس ولم أر ما قاله في كلام أحد من أهل اللغة قال الجوهري الانبتات الانقطاع رجل منبت أي منقطع به ويقال لا أفعله بتة ولا أفعله البتة لكل أمر لا رجعة فيه ونصبه على المصدر انتهى ورأيته في النسخ المعتمدة بألف وصل والله أعلم الحديث الثامن عشر حديث البراء وهو بن عازب مقرونا بابن أبي أوفى أخرجه من ثلاثة طرق عن شعبة عاليتين ونازلة والنكتة في إيراد النازلة بعد العالية أن في النازلة التصريح بسماع التابعي له من الصحابيين دون العالية فإنها بالعنعنة قوله في الاولى واطبخوها بتشديد الطاء المهملة أي عالجوا طبخها رضي الله تعالى عنها قوله فيها فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو طلحة كما تقدم قوله في الثانية حدثني إسحاق هو بن منصور وعبد الصمد هو بن عبد الوارث وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسحاق بن راهويه فقال عن النضر وهو بن شميل عن شعبة فدل على أنه ليس شيخ البخاري فيه وقد حققت في المقدمة أن إسحاق حيث أتى عن عبد الصمد فهو بن منصور لا بن راهويه قوله فيها انه قال يوم خيبر وقد نصبوا القدور أكفئوا القدور أي أميلوها ليراق ما فيها قوله في الثالثة حدثنا مسلم هوبن إبراهيم واقتصر في روايته على البراء وقد بين الاسماعيلي الاختلاف فيه على شعبة وأن أكثر الرواة عنه جمعوا بينهما ومنهم من أفرد أحدهما بالذكر وان الجري رواه عن شعبة فقال عن عدي عن بن أبي أوفى أو البراء بالشك قوله نحوه قد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن مسلم بن إبراهيم بلفظ غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فأصبنا حمرا فطبخناها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أكفئوا القدور ثم ساقه المصنف من وجه آخر عن البراء الله عز وجلقوله بن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا وعاصم هو الاحول وعامر هو الشعبي قوله نيئة ونضيجة بالتنوين فيهما ووقع في رواية بهاء الضمير فيهما والنئ بكسر النون بعدها تحتانية ساكنة ثم همزة ضد النضيج قوله ثم لم يأمرنا بأكله بعد فيه إشارة إلى استمرار تحريمه وسيأتي بسط ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى الحديث التاسع عشر حديث بن عباس قوله حدثني محمد بن أبي الحسين كذا للجميع وهو أبو جعفر محمد بن أبي الحسين جعفر السمناني بكسر المهملة وسكون الميم ونونين بينهما ألف كان حافظا وهو من اقران البخاري وعاش بعده خمس سنين وقد ذكر الكلاباذي ومن تبعه أن البخاري ما روى عنه غير هذا الحديث لكن تقدم في العيدين حديث آخر قال البخاري فيه حدثنا محمد حدثنا عمر
[ 371 ]
بن حفص بن غياث فالذي يظهر أنه هذا وقد روى البخاري الكثير عن عمر بن حفص بن غياث وأخرج عنه هنا بواسطة الحديث العشرون حديث بن عمر في سهام الراجل والفارس تقدم شرحه في الجهاد والقائل قال فسره نافع هو عبيد الله بن عمر العمري الراوي عنه وهو موصول بالاسناد المذكور إليه وزائدة هو بن قدامة ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كما هنا وشيخ البخاري الحسن بن إسحاق تقدم قريبا في عمرة الحديبية الحديث الحادي والعشرون حديث جبير بن مطعم تقدم شرحه في فرض الخمس وقوله إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد كذا للاكثر بفتح الشين المعجمة وبالهمزة وللمستملي هنا وحده بكسر المهملة وتشديد التحتانية وقوله قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا هو موصول بالاسناد المذكور الحديث الثاني والعشرون حديث أبي موسى قوله بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه ظاهره أنهم لم يبلغهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد الهجرة بمدة طويلة وهذا إن كان أراد بالمخرج البعثة وإن أراد الهجرة فيحتمل أن تكون بلغته الدعوة فأسلموا وأقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا بالهجرة فعزموا عليها وإنما تأخروا هذه المدة إما لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك وإما لعلمهم بما كان المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار فلما بلغتهم المهادنة آمنوا وطلبوا الوصول إليه وقد روى بن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئنا مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبورهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الاشعريين وستة من علك ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة وصححه بن حبان من هذا الوجه ويجمع بينه وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة لان ذلك كان في الهدنة قوله أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبورهم أما أبو بردة فاسمه عامر وله حديث عند أحمد والحاكم من طريق كريب بن الحارث بن أبي موسى وهو بن أخيه عنه وأما أبورهم فهو بضم الراء وسكون الهاء واسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر المهملة وتشديد التحتانية قاله بن عبد البر وجزم بن حبان في الصحابة بأن اسمه محمد ويعكر عليه ما تقدم قبل من المغايرة بين أبي رهم ومحمد بن قيس وذكر بن قانع أن جماعة من الاشعريين أخبروه وحققوا له وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء قوله إما قال بضعا وإما قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي في رواية المستملي من قومه وقد بين في الرواية التي قبل أنهم كانوا خمسين من الاشعريين وهم قومه فلعل الزائد على ذلك هو وإخوته فمن قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب وهما أبو بردة وأبورهم ومن قال ثلاثة أو أكبر فعلى الخلاف في عدد من كان معه من إخوته وأخرج البلاذري بسند له عن بن عباس أنهم كانوا أربعين رجلا والجمع بينه وبين ما قبله بالحمل على الاصول والاتباع وأما بن إسحاق فقال كانوا ستة عشر رجلا وقيل أقل قوله فوافقنا جعفر بن أبي طالب أي بأرض الحبشة قوله فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا اختصر المصنف
[ 372 ]
هنا شيئا ذكره في الخمس بهذا الاسناد وهو فقال جعفر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هنا وأمرنا بالاقامة فأقيموا معنا فأقمنا معه قوله حتى قدمنا جميعا ذكر بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية إلى النجاشي أن يجهز إليه جعفر بن أبي طالب ومن معه فجهزهم وأكرمهم وقدم بهم عمرو بن أمية وهو بخيبر وسمى بن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلا فمنهم امرأته أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة قوله فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم زاد في فرض الخمس فأسهم لنا ولم يسهم لاحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهدها معه إلا لاصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه فإنه قسم لهم معهم وقد أخرجه الاسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب شيخ البخاري فيه في هذا الموضع من هذا الحديث ووقع عند البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يقسم لهم كلم المسلمين فأشركوهم قوله وكان ناس سمى منهم عمر كما سيأتي قوله دخلت أسماء بنت عميس هي زوج جعفر وقوله وهي ممن قدم معنا هو كلام أبي موسى قوله عل حفصة زاد أبو يعلى زوج النبي صلى الله عليه وسلم قوله قال عمر الحبشية هذه البحيرية هذه كذا لابي ذر بالتصغير ولغيره البحرية بغير تصغير وكذا في رواية أبي يعلى ووقع في الموضعين بهمزة الاستفهام ونسبها إلى الحبشة لسكناها فيهم وإلى البحر لركوبها إياه قوله وكنا في دار أو في أرض البعداء هو شك من الراوي قوله البعداء البغضاء كذا للاكثر جمع بغيض وبعيد وفي رواية أبي يعلى بالشك البعداء أو البغضاء وللنسفي البعد بضمتين وللقابسي البعد البعداء البغضاء جمع بينهما فلعله فسر الاولى بالثانية وعند بن سعيد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي فقالت أي لعمري لقد صدقت كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم وكنا البعداء والطرداء قوله وذلك في الله وفي رسوله أي لاجلهما قوله وايم الله بهمزة وصل وفيها لغات تقدم ذكرها قوله ولكم أنتم أهل السفينة بنصب أهل على الاختصاص أو على النداء بحذف أداته ويجوز الجر على البدل من الضمير قوله هجرتان زاد أبو يعلى هاجرتم مرتين هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إلى ولابن سعد بإسناد صحيح عن الشعبي قال قالت أسماء بنت عميس يا رسول الله إن رجالا يفخرون علينا ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الاولين فقال بل لكم هجرتان هاجرتم إلى أرض الحبشة ثم هاجرتم بعد ذلك ومن وجه آخر عن الشعبي نحوه وقال فيه كذب من يقول ذلك ومن وجه آخر عنه قال يقول للناس هجرة واحدة وظاهره تفضيلهم على غيرهم من المهاجرين لكن لا يلزم منه تفضيلهم على الاطلاق بل من الحيثية المذكورة وهذا القدر المرفوع من الحديث ظاهر هذا السياق أنه من رواية أسماء بنت عميس وقد تقدم في الهجرة بهذا الاسناد من رواية أبي موسى لا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فيه وكذلك أخرجه بن حبان ومن وجه آخر عن أبي بردة عن أبي موسى قوله قالت يعني أسماء بنت عميس وهذا يحتمل أن يكون من رواية أبي موسى عنها فيكون من رواية صحابي عن مثله ويحتمل أن يكون من رواية أبي بردة عنها ويؤيده قوله بعد هذا قال أبو بردة قالت أسماء قوله يأتونني في رواية الكشميهني يأتون وقوله أرسالا بفتح الهمزة أي أفواجا
[ 373 ]
أي يجيئون إليها ناسا بعد ناس وفي رواية أبي يعلى ولقد رأيت أبا موسى أنه ليستعيد مني هذا الحديث الحديث الثالث والعشرون قوله قال أبو بردة هو موصول بالاسناد المذكور وقد أفرده مسلم عن أبي كريب وساق الحديث الذي قبله إلى قوله وإنه ليستعيد هذا الحديث مني قوله إني لاعرف أصوات رفقة الاشعريين الرفقة الجماعة المترافقون والراء مثلثة والاشهر ضمها قوله حين يدخلون بالليل بالدال والخاء المعجمة لجميع رواة البخاري ومسلم وحكى عياض عن بعض رواة مسلم بالراء والحاء المهملة وصوبها الدمياطي في البخاري وهو عجيب منه فإن الرواية بالدال والمعجمة والمعنى صحيح فلا معنى للتغيير وقد نقل عياض عن بعض الناس اختيار الرواية التي بالراء والمهملة قال النووي والرواية الاولى صحيحة أو أصح والمراد يدخلون منازلهم إذا خرجوا إلى المسجد أو إلى شغل ماثم رجعوا قوله بالقرآن يتعلق بأصوات وفيه أن رفع الصوت بالقرآن بالليل مستحسن لكن محله إذا لم يؤذ أحدا وأمن من الرياء قوله ومنهم حكيم قال عياض قال أبو علي الصدفي هو صفة لرجل منهم وقال أبو علي الجياني هو اسم علم على رجل من الاشعريين واستدركه على صاحب الاستيعاب قوله إذا لقي الخيل أو قال العدو هو شك من الراوي قوله قال لهم إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم أي تنتظروهم من الانتظار ومعناه أنه لفرط شجاعته كان لا يفر من العدو بل يواجههم ويقول لهم إذا أرادوا الانصراف مثلا انتظروا الفرسان حتى يأتوكم ليثبتهم على القتال هذا بالنسبة إلى الشق الثاني وهو قوله أو قال العدو وأما على الشق الاول وهو قوله إذا لقي الخيل فيحتمل أن يريد بها خيل المسلمين ويشير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة فكان هو يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا إلى العدو جميعا وهذا أشبه بالصواب قال بن التين معنى كلامه أن أصحابه يحبون القتال في سبيل الله ولا يبالون بما يصيبهم الحديث الرابع والعشرون قوله حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه وقوله سمع أي أنه سمع ويريد هو بن عبد الله بن أبي بردة الاشعري قوله قدمنا أي هو وأصحابه مع جعفر ومن معه قوله ولم يقسم لاحد لم يشهد الفتح غيرنا يعني الاشعريين ومن معهم وجعفر ومن معه وقد سبق في فرض الخمس من وجه آخر عن بريد بلفظ وما قسم لاحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم وقد تقدم شرحه هناك ويعكر على هذا الحصر ما سيأتي في حديث أبي هريرة والذي بعده وسيأتي الجواب عنه إن شاء الله تعالى الحديث الخامس والعشرون قوله حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي ومعاوية بن عمرو هو الازدي وهو من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كما هنا قوله قال أبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري ووقع في مسند حديث مالك للنسائي من وجه آخر عن معاوية بن عمرو قال حدثنا أبو إسحاق وأخرجه الدارقطني في الموطآت طريق المسيب بن واضح قال حدثنا أبو إسحاق الفزاري قوله عن مالك نزل البخاري في هذا الحديث درجتين لانه أخرجه في الايمان والنذور عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وبينه وبين مالك في هذا الموضع ثلاثة رجال قال بن طاهر والسر في ذلك أن في رواية أبي إسحاق الفزاري وحده عن مالك حدثني ثور بن زيد وفي رواية الباقين عن ثور وللبخاري حرص شديد على الاتيان بالطرق المصرحة بالتحديث انتهى وثور بن زيد هو الديلي مدني مشهور
[ 374 ]
وقد صرح في رواية أبي إسحاق هذه أيضا بقوله حدثني سالم أنه سمع أبا هريرة وعنعن باقي الرواة عن مالك جميع الاسناد وسالم مولى بن مطيع يكنى أبا الغيث وهو بها أشهر وقد سمى هنا فلا التفات لقول من قال إنه لا يوقف على اسمه صحيحا وهو مدني لا يعرف اسم أبيه وابن مطيع اسمه عبد الله وليست لسالم في الصحيح رواية عن غير أبي هريرة له عنه تسعة أحاديث تقدم منها في الاستقراض وفي الوصايا وفي المناقب قوله افتتحنا خيبر في رواية عبيد الله بن يحيى بن يحيى الليثي عن أبيه في الموطأ حنين بدل خيبر وخالفه محمد بن وضاح عن يحيى بن يحيى فقال خيبر مثل الجماعة نبه عليه بن عبد البر ووقع في رواية إسماعيل المذكورة خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وهي رواية رواة الموطأ أعني قوله خرجنا وأخرجها مسلم من طريق بن وهب عن مالك ومن طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ثور فحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أنه قال وهم ثور في هذا الحديث لان أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت قال أبو مسعود ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحوها قال ولكن لا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم فالغرض من الحديث قصة مدعم في غلول الشملة قلت وكأن محمد بن إسحاق صاحب المغازي استشعر بوهم ثور بن زيد في هذه اللفظة فروى الحديث عنه بدونها أخرجه بن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ورواية أبي إسحاق الفزاري التي في هذا الباب تسلم من هذا الاعتراض بأن يحمل قوله افتتحنا أي المسلمون وقد تقدم نظير ذلك قريبا وروى البيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أبي هريرة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى فلعل هذا أصل الحديث وحديث قدوم أبي هريرة المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة فذكر الحديث وفيه فزودونا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم ويجمع بين هذا وبين الحصر الذي في حديث أبي موسى الذي قبله أن أبا موسى أراد أنه لم يسهم لاحد لم يشهد الوقعة من غير استرضاء أحد من الغانمين إلا لاصحاب السفينة وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين والله أعلم وسأذكر رواية عنبسة بن سعيد التي أشار إليها أبو مسعود وبيان ما فيها بعد هذا الحديث إن شاء الله تعالى قوله إنما غنمنا البقر والابل والمتاع والحوائط في رواية مسلم غنما المتاع والطعام والثياب وعند رواة الموطأ إلا الاموال والثياب والمتاع وعند يحيى الليثي وحده إلا الاموال والثياب والاول هو المحفوظ ومقتضاه أن الثياب والمتاع لا تسمى مالا وقد نقل ثعلب عن بن الاعرابي عن المفضل الضبي قال المال عند العرب الصامت والناطق فالصامت الذهب والفضة والجوهر والناطق البعير والبقرة والشاة فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت وإذا قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالا فقال في قصة السلب الذي تنازع فيه هو والقرشي في غزوة حنين فابتعت به مخرفا فإنه لاول مال تأثلته فالذي
[ 375 ]
يظهر أن المال ما له قيمة لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشئ كما حكاه المفضل فتحمل الاموال على المواشي والحوائط التي ذكرت في رواية الباب ولا يراد بها النقود لانه نفاها أولا قوله إلى وادي القرى تقدم ضبطه في البيوع قوله عبد له في رواية الموطأ عبد أسود قوله مدعم بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة قوله أهداه له أحد بني الضباب كذا في رواية أبي إسحاق بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الاولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب وفي رواية مسلم أهداه له رفاعة بن زيد أحد بني الضبيب بضم أوله بصيغة التصغير وفي رواية أبي إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون وقيل بفتح المعجمة وكسر الموحدة نسبة إلى بطن من جذام قال الواقدي كان رفاعة قد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه قوله فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد البيهقي في الرواية المذكورة وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية قوله سهم عائر بعين مهملة بوزن فاعل أي لا يدري من رمى به وقيل هو الحائد عن قصده قوله بل والذي نفسي بيده في رواية الكشميهني بلى وهو تصحيف وفي رواية مسلم كلا وهو رواية الموطأ قوله لتشتعل عليه نارا يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارا فيعذب بها ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار وكذا القول في الشراك الآتي ذكره قوله فجاء رجل لم أقف على اسمه قوله بشراك أو بشراكين الشراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء سير النعل على ظهر القدم وفي الحديث تعظيم أمر الغلول وقد مر شرح ذلك واضحا في أواخر كتاب الجهاد في باب القليل من الغلول في الكلام على حديث عبد الله بن عمرو قال كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو في النار في عباءة غلها وكلام عياض يشعر بأن قصته مع قصة مدعم متحدة والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما نعم عند مسلم من حديث عمر لما كان يوم خيبر قالوا فلان شهيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة فهذا يمكن تفسيره بكركرة بخلاف قصة مدعم فإنها كانت بوادي القرى ومات بسهم عائر وغل شملة والذي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم كركرة هوذة بن علي بخلاف مدعم فأهداه رفاعة فافترقا والله أعلم وذكر البيهقي في روايته أنه صلى الله عليه وسلم حاصر أهل وادي القرى حتى فتحها وبلغ ذلك أهل تيماء فصالحوه وفي الحديث قبول الامام الهدية فإن كانت لامر يختص به في نفسه أن لو كان غير وال فله التصرف فيها بما أراد وإلا فلا يتصرف فيها إلا للمسلمين وعلى هذا التفصيل يحمل حديث هدايا الامراء غلول فيخص بمن أخذها فاستبد بها وخالف في ذلك بعض الحنفية فقال له الاستبداد مطلقا بدليل أنه لو ردها على مهديها لجاز فلو كانت فيئا للمسلمين لما ردها وفي هذا الاحتجاج نظر لا يخفى وقد تقدم شئ من هذا في أواخر الهبة الحديث السادس والعشرون حديث عمر ذكره من طريقين قوله أخبرنا محمد بن جعفر أي بن أبي كثير قوله أخبرني زيد هو بن أسلم مولى عمر قوله لولا أن أترك آخر الناس بيانا كذا للاكثر بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة وبعد الالف نون قال أبو عبيدة بعد أن أخرجه عن بن مهدي قال بن مهدي يعني شيئا واحدا قال الخطابي ولا أحسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث
[ 376 ]
وقال الازهري بل هي لغة صحيحة لكنها غير فاشية في لغة معد وقد صححها صاحب العين وقال ضوعفت حروفه وقال الببان المعدم الذي لا شئ له ويقال هم على ببان واحد أي على طريقة واحدة وقال بن فارس يقال هم ببان واحد أي شئ واحد قال الطبري الببان في المعدم الذي لا شئ له فالمعنى لولا ان أتركهم فقراء معدمين لا شئ لهم أي متساوين في الفقر وقال أبو سعيد الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد صوابه بيانا بالموحدة ثم تحتانية بدل الموحدة الثانية أي شيئا واحدا فإنهم قالوا لمن لا يعرف هو هيان بن بيان قلت وقد وقع من عمر ذكر هذه الكلمة في قصة أخرى وهو أنه كان يفضل في القسمة فقال لئت عشت لاجعلن الناس ببابا واحدا ذكره الجوهري وهو مما يؤيد تفسيرها بالتسوية وروى الدارقطني في غرائب مالك من طريق معن بن عيسى عن مالك بسند حديث الباب عن عمر قال لئن بقيت إلى الحول لالحقن أسفل الناس بأعلاهم وقد قدمت ذلك في باب الغنيمة لمن شهد الوقعة من كتاب الجهاد تنبيه نقل صاحب المطالع عن أهل العربية أنه لم يلتق حرفان من جنس واحد في اللسان العربي وتعقب بأن ذلك لا يعرف عن أحد من النحويين ولا اللغة وقذكر سيبويه الببر بموحدة مفتوحة ثم ساكنة وهي دابة تعادي الاسد وفي الاعلام ببة بموحدتين الثانية ثقيلة لقب عبد الله بن الحارث الهاشمي أمير الكوفة قوله ولكني أتركها لهم خزانة يقتسمونها أي يقتسمون خراجها قوله في الطريق الثانية حدثنا بن مهدي عن مالك عن زيد بن أسلم ووقع في غرائب أبي عبيد عن بن مهدي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فهو محمول على أن لعبد الرحمن بن مهدي فيه شيخين لانه ليس في رواية مالك قوله ببانا وهو في رواية هشام بن سعد المذكورة كما وقع في رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير الحديث السابع والعشرون حديث أبي هريرة قوله سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية أي بن عمرو بن سعيد بن العاص الاموي والجملة حالية قوله قال أخبرني قائل ذلك هو الزهري وعنبسة بن سعيد أي بن العاص وهو عم والد إسماعيل بن أمية قوله أن أبا هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله هذا السياق صورته مرسل وقد تقدم من وجه آخر مصرحا فيه بالاتصال في أوائل الجهاد وفيه بيان اسم المبهم هنا في قوله قال بعض بني سعيد وبيان المراد بقوله بن قوقل وشرح ما فيه قوله فسأله أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من غنائم خيبر وفي رواية الحميدي عن سفيان في الجهاد فقلت يا رسول الله اسهم لي قوله قال له بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه القائل هو أبان بن سعيد كما في الرواية التي بعده قوله واعجباه في رواية للسعيدي التي بعد هذه واعجبا لك وهو بالتنوين اسم فعل بمعنى أعجب ووا مثل واها واعجبا للتوكيد وبغير التنوين بمعنى واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة كقوله يا أسفي وفيه شاهد على استعمال وا في منادى غير مندوب كما هو رأي المبرد واختيار بن مالك قوله لوبر تدلي من قدوم الضأن كذا اختصره وقد مضى في الجهاد من رواية الحميدي عن سفيان أتم منه وسيأتي شرحه في الذي بعده قوله ويذكر عن الزبيدي أي محمد بن الوليد وطريقه هذه وصلها أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عنه ووصلها أيضا أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل أيضا ومن طريق عبد الله بن سالم كلاهما عن الحميدي قوله يخبر سعيد بن العاص أي بن أمية وكان سعيد بن العاص تأمر على المدينة من قبل معاو
[ 377 ]
ية في ذلك الزمان قوله قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان على سرية من المدينة قبل نجد لم أعرف حال هذه السرية وأما أبان فهو بن سعيد بن العاص بن أمية وهو عم سعيد بن العاص الذي حدثه أبو هريرة وكان إسلام أبان بعد غزوة الحديبية وقد ذكرنا أولا في قصة الحديبية في الشروط وغيرها أن أبان هذا أجار عثمان بن عفان في الحديبية حتى دخل مكة وبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم في هذه الغزوة أن غزوة خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية فيشعر ذلك بأن أبان أسلم عقب الحديبية حتى أمكن أن يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية وقد ذكر الهيثم بن علي في الاخبار سبب إسلام أبان فروى من طريق سعيد بن العاص قال قتل أبي يوم بدر فرباني عمي أبان وكان شديدا على النبي صلى الله عليه وسلم يسبه إذا ذكر فخرج إلى الشام فرجع فلم يسبه فسئل عن ذلك فذكر أنه لقى راهبا فأخبره بصفته ونعته فوقع في قلبه تصديقه فلم يلبث أن خرج إلى المدينة فأسلم فإن كان هذا ثابتا احتمل أن يكون خروج أبان إلى الشام كان قبل الحديبية قوله وإن حزم بمهملة وزاي مضمومتين قوله لليف بلام للتأكيد والليف معروف وفي رواية الكشميهني الليف على أنه أنه خبر إن بغير تأكيد قوله وأنت بهذا أي وأنت تقول بهذا أو وأنت بهذا المكان والمنزلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولامن بلاده قوله يا وبر بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية ونقل أبو علي القالي عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمى كل دابة من حشرات الجبال وبرا قال الخطابي أراد أبان تحقير أبي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع وأنه قليل القدرة على القتال انتهى ونقل بن التين عن أبي الحسن القابسي أنه قال معناه أنه ملصق في قريش لانه شبهه بالذي يعلق بوبر الشاة من الشوك وغيره وتعقبه بن التين بأنه يلزم من ذلك أن تكون الرواية وبر بالتحريك قال ولم يضبط إلا بالسكون قوله تحدر في الرواية الاولى تدلي وهي بمعناها وفي الرواية التي بعدها تدأدأ بمهملتين بينهما همزة ساكنة قيل أصله تدهدأ فأبدلت الهاء همزة وقيل الدأدأة صوت الحجارة في المسيل ووقع في رواية المستملي تدأرأ براء بدل الدال الثانية وفي رواية أبي زيد المرزوي تردي وهي بمعنى تحدر وتدلى كأنه يقول تهجم علينا بغتة قوله من رأس ضأن كذا في هذه الرواية باللام وفي التي قبلها بالنون وقد فسر البخاري في رواية المستملي الضال باللام فقال هو السدر البري وكذا قال أهل اللغة إنه السدر البري ووقع في نسخة الصغاني الضال سدرة البر وتقدم كلام بن دقيق العيد في ذلك في أوائل الجهاد وأنه السدر البري وأما قدوم فبفتح القاف للاكثر أي طرف ووقع في رواية الاصيلي بضم القاف وأما الضان فقيل هو رأس الجبل لانه في الغالب موضع مرعى الغنم وقيل هو بغير همز وهو جبل لدوس قوم أبي هريرة قوله ينعى بفتح أوله وسكون النون بعدها عين مهملة مفتوحة أي يعيب على يقال نعى فلان على فلان أمرا إذا عابه ووبخه عليه وفي رواية أبي داود عن حامد بن يحيى عن سفيان يعيرني قوله ومنعه أن يهني بالتشديد أصله يهينني فأدغمت إحدى النونين في الاخرى ووقع في الرواية الاخيرة ومنعه أن يهينني بيده وقد تقدم بقية شرحه في الجهاد قيل وقع في إحدى الطريقين ما يدخل في قسم المقلوب فإن في رواية بن عيينة أن أبا هريرة السائل أن يقسم له وأن أبان هو الذي أشار يمنعه
[ 378 ]
وفي رواية الزبيدي أن أبان هو الذي سأل وأن أبا هريرة هو الذي أشار بمنعه وقد رجح الذهلي رواية الزبيدي ويؤيد ذلك وقوع التصريح في روايته بقول النبي صلى الله عليه وسلم يا أبان اجلس ولم يقسم لهم ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون كل من أبان وأبي هريرة أشار أن لا يقسم للآخر وبدل عليه أن أبا هريرة احتج على أبان بأنه قاتل بن قوقل وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب يد يستحق بها النفل فلا يكون فيه قلب وقد سلمت رواية السعيدي من هذا الاختلاف فإنه لم يتعرض في حديثه لسؤال القسمة أصلا والله أعلم الحديث الثامن والعشرون حديث عائشة ان فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها تقدم شرحه في فرض الخمس وفي هذه الطريق زيادة لم تذكر هناك فتشرح قوله وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر هذا هو الصحيح في بقائها بعده وروى بن سعد من وجهين أنها عاشت بعده ثلاثة أشهر ونقل عن الواقدي وان ستة أشهر هو الثبت وقيل عاشت بعده سبعين يوما وقيل ثمانية أشهر وقيل شهرين جاء ذلك عن عائشة أيضا وأشار البيهقي إلى أن في قوله وعاشت الخ إدراجا وذلك أنه وقع عند مسلم من طريق أخرى عن الزهري فذكر الحديث وقال في آخره قلت للزهري كم عاشت فاطمة بعده قال ستة أشهر وعزا هذه الرواية لمسلم ولم يقع عند مسلم هكذا بل فيه كما عند البخاري موصولا والله أعلم قوله دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر روى بن سعد من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أن العباس صلى عليها ومن عدة طرق أنها دفنت ليلا وكان ذلك بوصية منها لارادة الزيادة في التستر ولعله لم يعلم أبا بكر بموتها لانه ظن أن ذلك لا يخفى عنه وليس في الخبر ما يدل على أن أبا بكر لم يعلم بموتها ولا صلى عليها وأما الحديث الذي أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود من حديث جابر في النهي عن الدفن ليلا فهو محمول على حال الاختيار لان في بعضه إلا أن يضطر انسان إلى ذلك قوله وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة أي كان الناس يحترمونه إكراما لفاطمة فلما ماتت واستمر على عدم الحضور عند أبي بكر قصر الناس عن ذلك الاحترام لارادة دخوله فيما دخل فيه الناس ولذلك قالت عائشة في آخر الحديث لما جاء وبايع كان الناس قريبا إليه حين راجع الامر بالمعروف وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها وتمريضها وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم ولانها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث رأى على أن يوافقها في الانقطاع عنه قوله فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الاشهر أي في حياة فاطمة قال المازري العذر لعلي في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الامام أن يقع من أهل الحل والعقد ولا يجب الاستيعاب ولا يلزم كل أحد أن يحضر عنده ويضع يده في يده بل يكفي التزام طاعته والانقياد له بأن لا يخالفه ولا يشق العصا عليه وهذا كان حال علي لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر وقد ذكرت سبب ذلك قوله كراهية ليحضر عمر في رواية الاكثر لمحضر عمر والسبب في ذلك ما ألفوه من قوة عمر وصلابته في القول والفعل وكان أبو بكر رقيقا لينا فكأنهم خشوا من حضور عمر كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة قوله لا تدخل عليهم أي لئلا يتركوا من تعظيمك ما يجب لك قوله وما عسيتهم أن يفعلوا بي قال بن مالك
[ 379 ]
في هذا شاهد على صحة تضمين بعض الافعال معنى فعل آخر وإجرائه مجراه في التعدية فإن عسيت في هذا الكلام بمعنى حسبت وأجريت مجراها فنصبت ضمير الغائبين على أنه مفعول ثان وكان حقه أن يكون عاريا من أن لكن جئ بها لئلا تخرج عسى عن مقتضاها بالكلية وأيضا فإن أن قد تسد بصلتها مسد مفعولي حسبت فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الاول بدلا منه قال ويجوز جعل ما عسيتهم حرف خطاب والهاء والميم اسم عسى والتقدير ما عساهم أن يفعلوا بي وهو وجه حسن قوله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك بفتح الفاء من ننفس أي لم نحسدك على الخلافة يقال نفست بكسر الفاء أنفس بالفتح نفاسة وقوله استبددت في رواية غير أبي ذر واستبدت بدال واحدة وهو بمعناه وأسقطت الثانية تخفيفا كقوله فظلتم تفكهون أصله ظللتم أي لم تشاورنا والمراد بالامر الخلافة قوله وكنا نرى بضم أوله ويجوز الفتح قوله لقرابتنا أي لاجل قرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا أي لنا في هذا الامر قوله حتى فاضت أي لم يزل على يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فاضت عينا أبي بكر من الرقة قال المازري ولعل عليا أشار إلى أن أبا بكر استبد عليه بأمور عظام كان مثله عليه أن يحضره فيها ويشاوره أو أنه أشار إلى أنه لم يستشره في عقد الخلافة له أولا والعذر لابي بكر أنه خشي من التأخر عن البيعة الاختلاف لما كان وقع من الانصار كما تقدم في حديث السقيفة فلم ينتظروه قوله شجر بيني وبينكم أي وقع من الاختلاف والتنازع قوله من هذه الاموال أي التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وغيرها قوله فلم آل أي لم أقصر قوله موعدك العشية بالفتح ويجوز الضم أي بعد الزوال قوله رقي المنبر بكسر القاف بعدها تحتانية أي علا وحكى بن التين أنه رآه في نسخة بفتح القاف بعدها ألف وهو تحريف قوله وعذره بفتح العين والذال على أنه فعل ماض ولغير أبي ذر بضم العين وإسكان الذال عطفا على مفعول وذكر قوله وتشهد علي فعظم حق أبي بكر زاد مسلم في روايته من طريق معمر عن الزهري وذكر فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه قوله وكان المسلمون إلى علي قريبا أي كان ودهم له قريبا حين راجع الامر بالمعروف أي من الدخول فيما دخل فيه الناس قال القرطبي من تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة ومن الاعتذار وما تضمن ذلك من الانصاف عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة وان كان الطبع البشري قد يغلب أحيانا لكن الديانة ترد ذلك والله الموفق وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة وهذيانهم في ذلك مشهور وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم وقد صحح بن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الامر وأما ما وقع في مسلم عن الزهري أن رجلا قال له لم يبايع على أبا بكر حتى ماتت فاطمة قال لا ولا أحد من بني هاشم فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للاولى لازالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم وعلى هذا فيحمل قول الزهري لم يبايعه علي في تلك الايام على إرادة الملازمة له والحضور عنده وما أشبه ذلك فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لايعرف باطن الامر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك وبسبب ذلك أظهر على المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها
[ 380 ]
السلام لازالة هذه الشبهة الحديث التاسع والعشرون قوله حدثني حرمي بفتح المهملة والراء وكسر الميم بعدها تحتانية ثقيلة اسم بلفظ النسب وهو بن عمارة شيخ شيخه وعمارة هو بن أبي حفصة وعكرمة هو مولى بن عباس وليس لعكرمة عن عائشة في البخاري غير هذا الحديث وآخر سبق في الطهارة وثالث يأتي في اللباس قوله قلنا الآن نشبع من التمر أي لكثرة ما فيها من النخيل وفيه إشارة إلى أنهم كانوا قبل فتحها في قلة من العيش الحديث الثلاثون قوله حدثنا الحسن هو بن محمد بن الصباح الزعفراني وقع منسوبا في رواية أبي علي بن السكن وقال الكلاباذي يقال إنه الزعفراني وأما الحاكم فقال هو الحسن بن شجاع يعني البلخي أحد الحفاظ وهو من أقران البخاري ومات قبله باثنتي عشرة سنة وهو شاب وسيأتي في تفسير سورة الزمر حديث آخر عن الحسن غير منسوب فقيل أيضا إنه هو وقرة بن حبيب أي بن يزيد القنوي بفتح القاف والنون الخفيفة نسبة إلى بيع القنا وهي الرماح وكذا يقال له أيضا الرماح وهو قشيري النسب بصري أصله من نيسابور وقد لقيه البخاري وحدث عنه في الادب المفرد وليس له في الصحيح سوى هذا الموضع ومات سنة أربع وعشرين ومائتين قوله ما شبعنا حتى فتحنا خيبر يؤيد حديث عائشة الذي قبله قوله باب استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر أي بعد فتحها لتنمية الثمار قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وسبق الحديث وشرحه في أواخر البيوع قوله وقال عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي وقد وصله أبو عوانة والدارقطني من طريقه قوله عن عبد المجيد هو بن سهيل شيخ مالك فيه قوله عن سعيد هو بن المسيب قوله بعث أخا بني عدي من الانصار في رواية أبي عوانة والدارقطني سواد بن غزية وهو من بني عدي بن النجار وسواد بتخفيف الواو وشذ السهيلي فشددها ولعله اعتمد على بعض ما في نسخ الدارقطني سوار آخره راء لكن ذكر أبو عمر أنها تصحيف وروى الخطيب من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل على خيبر فلان بن صعصعة فلعلها قصة أخرى قوله وعن عبد المجيد هو معطوف على الذي قبله وهو عن عبد العزيز الدراوردي عن عبد المجيد فلعبد المجيد فيه شيخان والله أعلم قوله باب معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ذكر فيه حديث بن عمر مختصرا وقد تقدم في المزارعة مع شرحه واضحا قوله باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أي جعل فيها السم والسم مثلث السين قوله رواه عروة عن عائشة لعله يشير إلى الحديث الذي ذكره في الوفاة النبوية من هذا الوجه معلقا أيضا وسيأتي ذكره هناك قوله حدثني سعيد هو بن أبي سعيد المقبري قوله لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم هكذا أورده مختصراوقد سبق مطولا في أواخر الجزية فذكر هذا الطرف وزاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود فذكر الحديث
[ 381 ]
وسيأتي شرح ما يتعلق بذلك في كتاب الطب قال بن إسحاق لما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية وكانت سألت أي عضو من الشاة أحب إليه قيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم فلما تناول الذراع لاك منها مضغة ولم يسغها وأكل معه بشر بن البراء فأساغ لقمته فذكر القصة وأنه صفح عنها وأن بشر بن البراء مات منها وروى البيهقي من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل فقال لاصحابه أمسكوا فإنها مسمومة وقال لها ما حملك على ذلك قالت أردت إن كنت نبيا فيطلعك الله وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك قال فما عرض لها ومن طريق أبي نضرة عن جابر نحوه فقال فلم يعاقبها وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري عن أبي بن كعب مثله وزاد فاحتجم على الكاهل قال قال الزهري فأسلمت فتركها قال معمر والناس يقولون قتلها وأخرج بن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة له هذه القصة مطولة وفي آخره قال فدفعها إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها قال الواقدي وهو الثبت وأخرج أبو داود من طريق يونس عن الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه وهذا منقطع لان الزهري لم يسمع من جابر ومن طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة نحوه مرسلا قال البيهقي وصله حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال البيهقي يحتمل أن يكون تركها أولا ثم لما مات بشر بن البراء من الاكلة قتلها وبذلك أجاب السهيلي وزاد إنه كان تركها لانه كان لا ينتقم لنفسه ثم قتلها ببشر قصاصا قلت ويحتمل أن يكون تركها لكونها أسلمت وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لان بموته تحقق وجوب القصاص بشرطه ووافق موسى بن عقبة على تسميتها زينب بنت الحارث وأخرج الواقدي بسند له عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ما حملك على ما فعلت قالت قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي قال فسألت إبراهيم بن جعفر فقال عمها يسار وكان من أجبن الناس وهو الذي أنزل من الرف وأخوها زبير وزوجها سلام بن مشكم ووقع في سنن أبي داود أخت مرحب وبه جزم السهيلي وعند البيهقي في الدلائل بنت أخي مرحب ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت فقد جزم بذلك سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد استبان لي الآن أنك صادق وأنا أشهدك ومن حضر أني على دينك وأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قال فانصرف عنها حين أسلمت وقد اشتملت قصة خيبر على أحكام كثيرة منها جواز قتال الكفار في أشهر الحرم والاغارة على من بلغته الدعوة بغير إنذار وقسمة الغنيمة على السهام وأكل الطعام الذي يصاب من المشركين قبل القسمة لمن يحتاج إليه بشرط أن لا يدخره ولا يحوله وأن مدد الجيش إذا حضر بعد انقضاء الحرب يسهم له إن رضي الجماعة كما وقع لجعفر والاشعريين ولا يسهم لهم إذا لم يرضوا كما وقع لابان بن سعيد وأصحابه وبذلك يجمع بين الاخبار ومنها تحريم لحوم الحمر الاهلية وأن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر بالذكاة وتحريم متعة النساء وجواز المساقاة والمزارعة ويثبت عقد الصلح والتوثق من أرباب التهم وأن من خالف من أهل الذمة ما شرط عليه انتقض عهده وهدر دمه وأن من أخذ شيئا من الغنيمة قبل القسمة لم يملكه ولو كان دون حقه وأن الامام مخير في أرض العنوة بين قسمتها وتركها وجواز إجلاء أهل
[ 382 ]
الذمة إذا استغنى عنهم وجواز البناء بالاهل بالسفر والاكل من طعام أهل الكتاب وقبول هديتهم وقد ذكرت غالب هذه الاحكام في أبوابها والله الهادي للصواب قوله غزوة زيد بن حارثة بالمهملة والمثلثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ووالد أسامة بن زيد ذكر فيه حديث بن عمر في بعث أسامة وسيأتي شرحه في أواخر المغازي والغرض منه قوله فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله وسيأتي قريبا بعد غزوة مؤتة حديث أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الاكوع قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وغزوت مع بن حارثة استعمله علينا هكذا ذكره مبهما ورواه أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم بلفظ وغزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات يؤمره علينا وكذلك أخرجه الطبراني عن أبي مسلم بهذا اللفظ وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبي شعيب الحراني عن أبي عاصم كذلك وكذا أخرجه الاسماعيلي من طرق عن أبي عاصم وقد تتبعت ما ذكره أهل المغازي من سرايا زيد بن حارثة فبلغت سبعا كما قاله سلمة وإن كان بعضهم ذكر ما لم يذكره بعض فأولها في جمادى الاخيرة سنة خمس قبل نجد في مائة راكب والثانية في ربيع الآخر سنة ست إلى بني سليم والثالثة في جمادى الاولى منها في مائة وسبعين فتلقى عيرا لقريش وأسروا أبا العاص بن الربيع والرابعة في جمادى الآخرة منها إلى بني ثعلبة والخامسة إلى حسمي بضم المهملة وسكون المهملة مقصور في خمسمائة إلى أناس من بني جذام بطريق الشام كانوا قطعوا الطريق على دحية وهو راجع من عند هرقل والسادسة إلى وادي القرى والسابعة إلى ناس من بني فزارة وكان خرج قبلها في تجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه فجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأوقع بهم وقتل أم قرفة بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج مالك بن حذيفة بن بدر عم عيينة بن حصن بن حذيفة وكانت معظمة فيهم فيقال ربطها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت وأسر بنتها وكانت جميلة ولعل هذه الاخيرة مراد المصنف وقد ذكر مسلم طرفا منها من حديث سلمة بن الاكوع قوله باب عمرة القضاء كذا للاكثر وللمستملي وحده غزوة القضاء والاول أولى ووجهوا كونها غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن بن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعدا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر فبلغهم ذلك ففزعوا فلقيه مكرز فأخبره أنه باق على شرطه وأن لا يدخل مكة بسلاح إلا السيوف في أغمادها وإنما خرج في تلك الهيئة احتياطا فوثق بذلك وأخر النبي صلى الله عليه وسلم السلاح مع طائفة من أصحابه خارج الحرم حتى رجع ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة وقال بن الاثير أدخل البخاري عمرة القضاء في المغازي لكونها كانت مسببة عن غزوة الحديبية انتهى واختلف في سبب تسميتها عمرة القضاء فقيل المراد ما وقع من المقاضاة بين المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه الصلح ولذلك يقال لها عمرة القضية قال أهل اللغة قاضي فلانا عاهده وقاضاه عاوضه فيحتمل تسميتها بذلك لامرين قاله عياض ويرجح الثاني تسميتها قصاصا قال الله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص قال السهيلي تسميتها عمرة القصاص أولى لان هذه الآية نزلت فيها قلت كذا رواه بن جرير وعبد بن حميد بإسناد صحيح عن مجاهد وبه جزم سليمان التيمي
[ 383 ]
في مغازيه وقال بن إسحاق بلغنا عن بن عباس فذكره ووصله الحاكم في الاكليل عن بن عباس لكن في إسناده الواقدي وقال السهيلي سميت عمرة القضاء لانه قاضى فيها قريشا لا لانها قضاء عن العمرة التي صد عنها لانها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة ولهذا عدوا عمر النبي صلى الله عليه وسلم أربعا كما تقدم تقريره في كتاب الحج وقال آخرون بل كانت قضاء عن العمرة الاولى وعدت عمرة الحديبية في العمر لثبوت الاجر فيها لا لانها كملت وهذا الخلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت فقال الجمهور يجب عليه الهدى ولا قضاء عليه وعن أبي حنيفة عكسه وعن أحمد رواية أنه لا يلزمه هدى ولا قضاء وأخرى يلزمه الهدى والقضاء فحجة الجمهور قوله تعالى فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى وحجة أبي حنيفة أن العمرة تلزم بالشروع فإذا أحصر جاز له تأخيرها فإذا زال الحصر أتى بها ولا يلزم من التحلل بين الاحرامين سقوط القضاء وحجة من أوجبها ما وقع للصحابة فإنهم نحروا الهدى حيث صدوا واعتمروا من قابل وساقوا الهدى وقد روى أبو داود من طريق أبي حاضر قال اعتمرت فأحصرت فنحر ت الهدى وتحللت ثم رجعت العام المقبل فقال لي بن عباس ابذل الهدى فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك وحجة من لم يوجبها أن تحللهم بالحصر لم يتوقف على نحر الهدى بل أمر من معه هدى أن ينحره ومن ليس معه هدى أن يحلق واستدل الكل بظاهر أحاديث من أوجبهما قال بن إسحاق خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة مثل الشهر الذي صد فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوعنها وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن بن شهاب وأبو الاسود عن عروة وسليمان التيمي جميعا في مغازيهم أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى عمرة القضاء في ذي القعدة وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند حسن عن بن عمر قال كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع وفي مغازي سليمان التيمي لما رجع من خيبر بث سراياه وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة فنادى في الناس أن تجهزوا إلى العمرة وقال بن إسحاق خرج معه من كان صد في تلك العمرة إلا من مات أو استشهد وقال الحاكم في الاكليل تواترت الاخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية فخرجوا إلا من استشهد وخرج معه آخرون معتمرين فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان قال وتسمى أيضا عمرة الصلح قلت فتحصل من أسمائها أربعة القضاء والقضية والقصاص والصلح قوله ذكره أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كنت ذكرت في تعليق التعليق أن مراده حديث أنس في عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم موصولا في الحج ثم ظهر لي الآن أن مراده بحديث أنس ما أخرجه عبد الرزاق عنه من وجهين أحدهما روايته عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة ينشد بين يديه خلوا بني الكفار عن سبيله * قد أنزل الرحمن في تنزيله * بأن خير القتل في سبيله * نحن قتلناكم على تأويله * كما قتلناكم على تنزيله * أخرجه أبو يعلى من طريقه وأخرجه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن عبد الرزاق وما
[ 384 ]
وجدته في مسند أحمد وقد أخرجه الطبراني أيضا عاليا عن إبراهيم بن أبي سويد عن عبد الرزاق ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في الدلائل وأخرجه من طريق أبي الازهر عن عبد الرزاق فذكر القسم الاول من الرجز وقال بعده اليوم نضربكم على تنزيله * ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله * يا رب إني مؤمن بقيله قال الدارقطني في الافراد تفرد به معمر عن الزهري وتفرد به عبد الرزاق عن معمر قلت وقد رواه موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أيضا لكن لم يذكر أنسا وعنده بعد قوله قد أنزل الرحمن في تنزيله * في صحف تتلى على رسوله * وذكره بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال بلغني فذكره وزاد بعد قوله يا رب إني مؤمن بقيله * إني رأيت الحق في قبوله * وزعم بن هشام في مختصر السيرة أن قوله نحن ضربناكم على تأويله إلى آخر الشعر من قول عمار بن ياسر قاله يوم صفين قال ويؤيده أن المشركين لم يقروا بالتنزيل وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل انتهى وإذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك فإن التقدير على رأي بن هشام نحن ضربناكم على تأويله أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل ويجوز أن يكون التقدير نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه وإذا كان كذلك محتملا وثبتت الرواية سقط الاعتراض نعم الرواية التي جاء فيها فاليوم نضربكم على تأويله يظهر أنها قول عمار ويبعد أن تكون قول بن رواحة لانه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال وصحيح الرواية نحن ضربناكم على تأويله * كما ضربناكم على تنزيله يشير بكل منهما إلى ما مضى ولا مانع أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول هذه اللفظة ومعنى قوله نحن ضربنا كم على تنزيله أي في عهد الرسول فيما مضى وقوله واليوم نضربكم على تأويله أي الآن وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر بل هي لغة قرئ بها في المشهور والله أعلم والرواية الثانية رواية عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أخرجها البزار وقال لم يروه عن ثابت إلا جعفر بن سليمان وأخرجها الترمذي والنسائي من طريقه بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة بين يديه يمشي وهو يقول خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله فقال له عمر يا بن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهو أسرع فيهم من نضح النبل قال الترمذي حديث حسن غريب وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس نحوه قال وفي غير هذا الحديث أن هذه القصة لكعب بن مالك وهو أصح لان عبد الله بن رواحة قتل بموتة وكانت عمرة القضاء قبل ذلك قلت وهو ذهول شديد وغلط مردود وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة كما سيأتي في هذا الباب
[ 385 ]
وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد كما سيأتي قريبا وكيف يخفى عليه أعني الترمذي مثل هذا ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس أن ذلك كان في فتح مكة فإن كان كذلك اتجه اعتراضه لكن الموجود بخط الكروخ راوي الترمذي ما تقدم والله أعلم وقد صححه بن حبان من الوجهين وعجيب من الحاكم كيف لم يستدركه مع أن الوجه الاول على شرطهما ومن الوجه الثاني على شرط مسلم لاجل جعفر ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث الاول حديث البراء بن عازب قوله عن البراء في رواية شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء أخرجها في الصلح قوله اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة أي سنة ست قوله أن يدعوه بفتح الدال أي يتركوه قوله حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام أي من العام المقبل وصرح به في حديث بن عمر الذي بعده وتقدم سبب هذه المقاضاة في الكلام على حديث المسور في الشروط مستوفى قوله فلما كتب الكتاب كذا هو بضم الكاف من كتب على البناء للمجهول وللاكثر كتبوا بصيغة الجمع وتقدم في الجزية من طريق يوسف بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق بلفظ فأخذ يكتب بينهم الشرط على بن أبي طالب وفي رواية شعبة كتب علي بينهم كتابا وفي حديث المسور قال فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم ونحوه في حديث أنس باختصار ولفظه ان قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل ما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم وللحاكم من حديث عبد الله بن مغفل فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فأمسك سهيل بيده فقال اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال اكتب باسمك اللهم فكتب قوله هذا إشارة إلى ما في الذهن قوله ما قاضى خبر مفسر له وفي رواية الكشميهني هذا ما قاضانا وهو غلط وكأنه لما رأى قوله اكتبوا ظن بأن المراد قريش وليس كذلك بل المراد المسلمون ونسبة ذلك إليهم وإن كان الكاتب واحدا مجازية وفي حديث عبد الله بن مغفل المذكور فكتب هذا ما صالح محمد رسول الله أهل مكة قوله قالوا لا نقر لك بهذا تقدم في الصلح بهذا الاسناد بعينه بلفظ فقالوا لا نقر بها أي بالنبوة قوله لو نعلم انك رسول الله ما منعناك شيئا زاد في رواية يوسف ولبا يعناك وعند النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه ما منعناك بيته وفي رواية شعبة عن أبي إسحاق لو كنت رسول الله لم نقاتلك وفي حديث أنس لاتبعناك وفي حديث المسور فقال سهيل بن عمرو والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك وفي رواية أبي الاسود عن عروة في المغازي فقال سهيل ظلمناك إن أقررنا لك بها ومنعناك وفي حديث عبد الله بن مغفل لقد ظلمناك إن كنت رسولا قوله ولكن أنت محمد بن عبد الله وفي رواية يوسف وكذا حديث المسور ولكن اكتب وكذا هو في رواية زكريا عن أبي إسحاق عند مسلم وفي حديث أنس وكذا في مرسل عروة ولكن اكتب اسمك واسم أبيك زاد في حديث عبد الله بن مغفل فقال اكتب
[ 386 ]
هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قوله ثم قال لعلي امح رسول الله أي امح هذه الكلمة المكتوبة من الكتاب فقال لا والله لا أمحوك أبدا وللنسائي من طريق علقمة بن قيس عن علي قال كنت كاتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فكتبت هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال سهيل لو علمنا أنه رسول الله ما قاتلناه امحها فقلت هو والله رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رغم أنفك لا والله لا أمحوها وكأن عليا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتما فلذلك امتنع من امتثاله ووقع في رواية يوسف بعد فقال لعلي امح رسول الله فقال لا والله لا أمحاه أبدا قال فأرنيه فأراه إياه فمحا النبي صلى الله عليه وسلم بيده ونحوه في رواية زكريا عند مسلم وفي حديث علي عند النسائي وزاد وقال أما أن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطر يشير صلى الله عليه وسلم إلى ما وقع لعلي يوم الحكمين فكان كذلك قوله فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله تقدم هذا الحديث في الصلح عن عبيد الله بن موسى بهذا الاسناد وليست فيه هذه اللفظة ليس يحسن يكتب ولهذا أنكر بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري وقال ليس في البخاري هذه اللفظة ولا في مسلم وهو كما قال عن مسلم فإنه أخرجه من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق بلفظ فأراه مكانها فمحاها وكتب بن عبد الله انتهى وقد عرفت ثبوتها في البخاري في مظنة الحديث وكذلك أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى مثل ما هنا سواء وكذا أخرجها أحمد عن حجين بن المثنى عن إسرائيل ولفظه فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب فشنع عليه علماء الاندلس في زمانه ورموه بالزندقة وأن الذي قاله مخالف القرآن حتى قال قائلهم برئت ممن شرى دنيا بآخرة وقال إن رسول الله قد كتبا فجمعهم الامير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للامير هذالا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن لانه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى وذكر بن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه بن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ قال مجاهد فذكرته للشعبي فقال صدق قد سمعت من يذكر ذلك ومن طريق يونس بن ميسرة على أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب للاقرع وعيينة فقال عيينة أتراني اذهب بصحيفة المتلمس فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال قد كتب لك بما أمر لك قال يونس فنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بعد ما أنزل عليه قال عياض وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها
[ 387 ]
كقوله لكاتبه ضع القلم على اذنك فإنه أذكر لك وقوله لمعاوية ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم وقوله لا تمد بسم الله قال وهذا وان لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة فإنه أوتي علم كل شئ وأجاب الجمهور بضعف هذه الاحاديث وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن علياهو الذي كتب فيحمل على أن النكتة في قوله فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب لبيان أن قوله أرني إياها أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة وعلى أن قوله بعد ذلك فكتب فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب وبهذا جزم بن التين وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة وهو كثير كقوله كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصا الاسماء ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من الملوك ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة ولا يخرج بذلك عن كونه أميا وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الاصول من الاشاعرة وتبعه بن الجوزي وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميا لا يكتب وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة وقال المعاند كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك قال السهيلي والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا والحق أن معنى قوله فكتب أي أمر عليا أن يكتب انتهى وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير والله أعلم قوله لا يدخل هذا تفسير للخبر المتقدم قوله الا السيف في القراب في رواية شعبة فكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثا ولا يدخلها بسلاح ونحوه لزكريا عن أبي إسحاق عند مسلم قوله وأن لا يخرج من أهلها بأحد الخ في حديث أنس قال علي قلت يا رسول الله أكتب هذا قال نعم قوله فلما دخلها أي في العام المقبل قوله ومضى الاجل أي الايام الثلاثة وقال الكرماني لما مضى أي قرب مضية ويتعين الحمل عليه لئلا يلزم الخلف قوله أتوا عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الاجل في رواية يوسف فقالوا مر صاحبك فليرتحل قوله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في رواية يوسف فذكر ذلك علي فقال نعم فارتحل وفي مغازي أبي الاسود عن عروة فلما كان اليوم الرابع جاءه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي فقالا ننشدك الله والعهد إلا ما خرجت من أرضنا فرد عليه سعد بن عبادة فأسكته النبي صلى الله عليه وسلم وآذن بالرحيل وأخرج الحاكم في المستدرك من حديث ميمونة في هذه القصة فأتاه حويطب بن عبد العزي وكأنه كان دخل في أوائل النهار فلم يكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق وكان مجيئهم في أول النهار قرب مجئ ذلك الوقت قوله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة هكذا رواه البخاري عن عبيد الله بن موسى معطوفا على إسناد القصة التي قبله وكذا أخرجه النسائي عن أحمد بن
[ 388 ]
سليمان عن عبيد الله بن موسى وكذا رواه الحاكم في الاكليل والبيهقي من طريق سعيد بن مسعود عن عبيد الله بن موسى بتمامه وادعى البيهقي أن فيه إدراجا لان زكريا بن أبي زائدة رواه عن أبي إسحاق متصلا وأخرج مسلم والاسماعيلي القصة الاولى من طريقه عن أبي إسحاق من حديث علي وهكذا رواه أسود بن عامر عن إسرائيل أخرجه أحمد من طريقه لكن باختصار في الموضعين قال البيهقي وكذا روى عبيد الله بن موسى أيضا قصة بنت حمزة من حديث علي قلت هو كذلك عند بن حبان عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى لكن باختصار وكذا رواه الهيثم بن كليب في مسنده عن الحسن بن علي بن عفان عن عبيد الله بن موسى بأتم من سياق بن حبان وأخرج أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل قصة بنت حمزة خاصة من حديث علي بلفظ لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة الحديث وكذا أخرجها أحمد عن حجاج بن محمد ويحيى بن آدم جميعا عن إسرائيل قلت والذي يظهر لي أن لا إدراج فيه وأن الحديث كان عند إسرائيل وكذا عند عبيد الله بن موسى عنه بالاسنادين جميعا لكنه في القصة الاولى من حديث البراء أتم وبالقصة الثانية من حديث على أتم وبيان ذلك أن عند البيهقي في رواية زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة أيام في عمرة القضاء فلما كان اليوم الثالث قالوا لعلي إن هذا آخر يوم من شرط صاحبك فمره فليخرج فحدثه بذلك فقال نعم فخرج قال أبو إسحاق فحدثني هانئ بن هانئ وهبيرة فذكر حديث علي في قصة بنت حمزة أتم مما وقع في حديث هذا الباب عن البراء وسيأتي إيضاح ذلك عند شرحه إن شاء الله تعالى وكذا أخرج الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى قصة بنت حمزة من حديث البراء فوضح أنه عند عبيد الله بن موسى ثم عند أبي بكر بن أبي شيبة عنه بالاسنادين جميعا وكذا أخرج بن سعد عن عبيد الله بن موسى بالاسنادين معا عنه قوله لجعفر أشبهت خلقي وخلقي قوله ابنة حمزة اسمها عمارة وقيل فاطمة وقيل أمامة وقيل أمة الله وقيل سلمى والاول هو المشهور وذكر الحاكم في الاكليل وأبو سعيد في شرف المصطفى من حديث بن عباس بسند ضعيف ان النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بين حمزة وزيد بن حارثة وأن عمارة بنت حمزة كانت مع أمها بمكة قوله تنادي يا عم كأنها خاطبت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إجلالا له وإلا فهو بن عمها أو بالنسبة إلى كون حمزة وإن كان عمه من النسب فهو أخوه من الرضاعة وقد أقرها على ذلك بقوله لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم دونك ابنة عمك وفي ديوان حسان بن ثابت لابي سعيد السكري أن عليا هو الذي قال لفاطمة ولفظه فأخذ على أمامة فدفعها إلى فاطمة وذكر أن مخاصمة علي وجعفر وزيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعد أن وصلوا إلى مر الظهران قوله دونك هي كلمة من أسماء الافعال تدل على الامر بأخذ الشئ المشار إليه قوله حملتها كذا للاكثر بصيغة الفعل الماضي وكأن الفاء سقطت قلت وقد ثبتت في رواية النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري وكذا لابي داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل وكذا لاحمد في حديث علي ووقع في رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني حمليها بتشديد الميم المكسورة وبالتحتانية بصيغة الامر وللكشميهني في الصلح في هذا الموضع احمليها بألف بدل التشديد وعند
[ 389 ]
الحاكم من مرسل الحسن فقال علي لفاطمة وهي في هودجها أمسكيها عندك وعند بن سعد من مرسل محمد بن علي بن الحسين الباقر بإسناد صحيح إليه بينما بنت حمزة تطوف في الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها قوله فاختصم فيها علي بن أبي طالب وجعفر أي أخوه وزيد بن حارثة أي في أيهم تكون عنده وكانت خصومتهم في ذلك بعد أن قدموا المدينة ثبت ذلك في حديث علي عند أحمد والحاكم وفي المغازي لابي الاسود عن عروة في هذه القصة فلما دنوا من المدينة كلمه فيها زيد بن حارثة وكان وصي حمزة وأخاه وهذا لا ينفي أن المخاصمة إنما وقعت بالمدينة فلعل زيدا سأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ووقعت المنازعة بعد ووقع في مغازي سليمان التيمي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى رحله وجد بنت حمزة فقال لها ما أخرجك قالت رجل من أهلك ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها وفي حديث علي عند أبي داود ان زيد بن حارثة أخرجها من مكة وفي حديث بن عباس المذكور فقال له علي كيف تترك ابنة عمك مقيمة بين ظهراني المشركين وهذا يشعر بأن أمها إما لم تكن أسلمت فإن في حديث بن عباس المذكور أنها سلمى بنت عميس وهي معدودة في الصحابة وإما أن تكون ماتت إن لم يثبت حديث بن عباس وإنما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على أخذها مع اشتراط المشركين أن لا يخرج بأحد من أهلها أراد الخروج لانهم لم يطلبوها وأيضا فقد تقدم في الشروط ويأتي في التفسير أن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك لكن إنما نزل القرآن في ذلك بعد رجوعهم إلى المدينة ووقع في رواية أبي سعيد السكري أن فاطمة قالت لعلي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى أن لا يصيب منهم أحدا إلا رده عليهم فقال لها علي إنها ليست منهم إنما هي منا قوله فاختصم فيها علي الخ زاد في رواية بن سعد حتى ارتفعت أصواتهم فأيقظوا النبي صلى الله عليه وسلم من نومه قوله فقال علي أنا أخرجتها وهي بنت عمي زاد في حديث علي عند أبي داود وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أحق بها قوله وخالتها تحتي أي زوجتي وفي رواية الحاكم عندي واسم خالتها أسماء بنت عميس التي تقدم ذكرها في غزوة خيبر وصرح باسمها في حديث علي عند أحمد وكان لكل من هؤلاء الثلاثة فيها شبهة أما زيد فللاخوة التي ذكرتها ولكونه بدأ بإخراجها من مكة وأما علي فلانه بن عمها وحملها مع زوجته وأماجعفر فلكونه بن عمها وخالتها عنده فيترجح جانب جعفر باجتماع قرابة الرجل والمرأة منها دون الآخرين قوله وقال زيد بنت أخي زاد في حديث علي إنما خرجت إليها قوله فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها في حديث بن عباس المذكور فقال النبي صلى الله عليه وسلم جعفر أولى بها وفي حديث علي عند أبي داود وأحمد أما الجارية فلا قضى بها لجعفر وفي رواية أبي سعيد السكري إدفعاها إلى جعفر فإنه أوسع منكم وهذا سبب ثالث قوله وقال الخالة بمنزلة الام أي في هذا الحكم الخاص لانها تقرب منها في الحنو والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد لما دل عليه السياق فلا حجة فيه لمن زعم أن الخالة ترث لان الام ترث وفي حديث علي وفي مرسل الباقر الخالة والدة وإنما الخالة أم وهي بمعنى قوله بمنزلة الام لا أنها أم حقيقة ويؤخذ منه أن الخالة في الحضانة مقدمة على العمة لان صفية بنت عبد المطلب كانت موجودة حينئذ وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي مقدمة
[ 390 ]
على غيرها ويؤخذ منه تقديم أقارب الام على أقارب الاب وعن أحمد رواية أن العمة مقدمة في الحضانة على الخالة وأجيب عن هذه القصة بأن العمة لم تطلب فإن قيل والخالة لم تطلب قيل قد طلب لها زوجها فكما أن للقريب المحضون أن يمنع الحاضنة إذا تزوجت فللزوج أيضا أن يمنعها من أخذه فإذا وقع الرضا سقط الحرج وفيه من الفوائد أيضا تعظيم صلة الرحم بحيث تقع المخاصمة بين الكبار في التوصل إليها وأن الحاكم يبين دليل الحكم للخصم وأن الخصم يدلي بحجته وأن الحاضنة إذا تزوجت بقريب المحضونة لا تسقط حضانتها إذا كانت المحضونة أنثى أخذا بظاهر هذا الحديث قاله أحمد وعنه لا فرق بين الانثى والذكر ولا يشترط كونه محرما لكن يشترط أن يكون فيه مأمونا وأن الصغيرة لا تشتهى ولا تسقط إلا إذا تزوجت بأجنبي والمعروف عن الشافعية والمالكية اشتراط كون الزوج جدا للمحضون وأجابوا عن هذه القصة بأن العمة لم تطلب وأن الزوج رضي بإقامتهما عنده وكل من طلبت حضانتها لها كانت متزوجة فرجح جانب جعفر بكونه تزوج الخالة قوله وقال لعلي أنت مني وأنا منك أي في النسب والصهر والمسابقة والمحبة وغير ذلك من المزايا ولم يرد محض القرابة وإلا فجعفر شريكه فيها قوله وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي بفتح الخاء الاولى وضم الثانية في مرسل بن سيرين عند بن سعد أشبه خلقك خلقي وخلقك خلقي وهي منقبة عظيمة لجعفر أما الخلق فالمراد به الصورة فقد شاركه فيها جماعة ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت أسماءهم في مناقب الحسن وأنهم عشرة أنفس غير فاطمة عليها السلام وقد كنت نظمت إذ ذاك بيتين في ذلك ووقفت بعد ذلك في حديث أنس على أن إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم كان يشبهه وكذا في قصة جعفر بن أبي طالب أن ولديه عبد الله وعونا كانا يشبهانه فغيرت البيتين الاولين بالزيادة فأصلحتهما هناك ورأيت إعادتهما هنا ليكتبهما من لم يكن كتبهما إذ ذاك شبه النبي ليج سائب وأبي * سفيان والحسنين الخال أمهما وجعفر ولداه وابن عامرهم * ومسلم كابس يتلوه مع قثما ووقع في تراجم الرجال وأهل البيت ممن كان يشبهه صلى الله عليه وسلم من غير هؤلاء عدة منهم إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي وكان يقال له الشبيه والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب وعلي بن علي بن عباد بن رفاعة الرفاعي شيخ بصري من أتباع التابعين ذكر بن سعد عن عفان قال كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم وإنما لم أدخل هؤلاء في النظم لبعد عهدهم عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم فاقتصرت على من أدركه والله أعلم وأما شبهه في الخلق فخصوصية لجعفر إلا أن يقال إن مثل ذلك حصل لفاطمة عليها السلام فإن في حديث عائشة ما يقتضى ذلك ولكن ليس بصريح كما في قصة جعفر هذه وهي منقبة عظيمة لجعفر قال الله تعالى وإنك لعلي خلق عظيم قوله وقال لزيد أنت أخونا أي في الايمان ومولانا أي من جهة أنه أعتقه وقد تقدم أن مولى القوم منهم فوقع منه صلى الله عليه وسلم تطييب خواطر الجميع وإن كان قضى لجعفر فقد بين وجه ذلك وحاصله أن المقضى له في الحقيقة الخالة وجعفر تبع لها لانه كان القائم في الطلب لها وفي حديث علي عند أحمد وكذا في مرسل الباقر فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم دار عليه
[ 391 ]
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا قال شئ رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم وفي حديث بن عباس ان النجاشي كان إذا رضي أحدا من أصحابه قام فحجل حوله وحجل بفتح المهملة وكسر الجيم أي وقف على رجل واحدة وهو الرقص بهيئة مخصوصة وفي حديث علي المذكور أن الثلاثة فعلوا ذلك قوله قال علي أي للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تتزوج بنت حمزة قال إنها بنت أخي أي من الرضاعة هو موصول بالاسناد المذكور أولا ووقع في رواية النسائي فقال علي الخ ووقع في رواية أبي سعيد السكري فدفعناها إلى جعفر فلم تزل عنده حتى قتل فأوصى بها جعفر إلى علي فمكثت عنده حتى بلغت فعرضها علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها فقال هي ابنة أخي من الرضاعة وسيأتي الكلام على ما يتعلق بالرضاعة في أوائل النكاح إن شاء الله تعالى الحديث الثاني قوله حدثني محمد هو بن رافع هذا البعض رواه الفربري ووقع في رواية النسفي عن البخاري حدثني محمد بن رافع وكذا تقدم في الصلح مجزوما به في هذا الحديث لجميعهم وساقه هناك على لفظه وهنا على لفظ رفيقه وسريح هو بن النعمان وهو من شيوخ البخاري وقد يحد ث عنه بواسطة كما هنا قوله وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم يعني المعروف بابن إشكاب يكنى أبا جعفر وأبوه الحسين بن إبراهيم بن الحسن العامري يكنى أبا علي خراساني سكن بغداد وطلب الحديث ولزم أبا يوسف وقد أدركه البخاري فإنه مات سنة ست عشرة ومائتين وليس له ولا لابيه في البخاري سوى هذا الموضع قوله بالحديبية تقدم بيان ذلك في حديث المسور في الشروط قوله إلا سيوفا يعني في غمدها كما تقدم في الذي قبله قوله ولا يقيم بها إلا ما أحبوا بين في حديث البراء أنهم اتفقوا على ثلاثة أيام وقال بن التين قوله ثلاثة أيام يخالف قوله إلا ما أحبوا فيجمع بأن محبتهم لما كانت ثلاثة أيام أفصح بها الراوي معبرا عما آل إليه الحال وهو ثلاثة أيام قلت بل قوله ما احبوا مجمل بينته رواية ثلاثة أيام بدليل ما سأذكره من حديث البراء قوله فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج تقدم بيان ذلك في حديث البراء ووقع في رواية زكريا عن أبي إسحاق عن البراء عند مسلم فقالوا لعلي هذا آخر يوم من شرط صاحبك فمره أن يخرج فذكر ذلك له فخرج الحديث الثالث حديث بن عمر في العمرة وفيه قصته مع عائشة وإنكارها عليه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب وقد تقدم شرحه في أبواب العمرة وقوله فيه ألا تسمعين في رواية الكشميهني ونقل الكرماني رواية ألا تسمعي بغير نون وهي لغية الحديث الرابع قوله عن إسماعيل بن أبي خالد في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قوله سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي خشية أن يؤذوه كذا قاله علي بن عبد الله عن سفيان بهذا اللفظ وقاله بن أبي عمر عن سفيان بلفظ لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت في عمرة القضية فكنا نستره من السفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوه أخرجه الاسماعيلي وأخرجه من رواية إسحاق بن أبي إسرائيل عن سفيان بلفظ وكنا نستره من صبيان أهل مكة لا يؤذونه أخرجه الحميدي كذلك وتقدم في أبواب العمرة من وجه آخر عن عبد الله بن أبي أوفى بأتم من هذا السياق قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمرنا معه فلما دخل مكة طاف فطفنا معه وأتى الصفا والمروة
[ 392 ]
وأتيناهما معه أي سعوا قال وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد الحديث الخامس حديث بن عباس تقدم بهذا السند والمتن في أبواب الطواف من كتاب الحج في باب بدء الرمل وشرحت بعض ألفاظه وحكم الرمل هناك قوله وفد أي قوم وزنا ومعنى ووقع في رواية بن السكن وقد بفتح القاف وسكون الدال وهو خطأ قوله وهنتهم بتخفيف الهاء وتشديدها أي أضعفتهم ويثرب اسم المدينة النبوية في الجاهلية ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بذلك وإنما ذكر بن عباس ذلك حكاية لكلام المشركين وفي رواية الاسماعيلي فأطلعه الله على ما قالوا قوله إلا الابقاء عليهم بكسر الهمزة وسكون الموحدة بعدها القاف والمد أي الرفق بهم والاشفاق عليهم والمعنى لم يمنعه من أمرهم بالرمل في جميع الطوفات إلا الرفق بهم قال القرطبي روينا قوله إلا الابقاء عليهم بالرفع على أنه فاعل يمنعه وبالنصب على أن يكون مفعولا من أجله ويكون في يمنعه ضمير عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فاعله قوله وأن يمشوا بين الركنين أي اليمانيين وعند أبي داود من وجه آخر وكانوا إذا تواروا عن قريش بين الركنين مشوا وإذا طلعوا عليهم رملوا وسيأتي في الذي بعده أن المشركين كانوا من قبل قيقعان وهو يشرف على الركنين الشاميين ومن كان به لا يرى من بين الركنين اليمانيين ولمسلم من هذا الوجه في آخره فقال المشركون هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وهنتهم لهؤلاء أجلد من كذا الحديث السادس حديث بن عباس أيضا قوله حدثنا محمد هو بن سلام وعمرو هو بن دينار قوله إنما سعى بالبيت أي رمل قوله ليرى المشركون قوته تقدم سببه في الذي قبله قوله وزاد بن سلمة كذا وقع هنا ووقع عند النسفي عقب الذي قبله وهو به أليق وابن سلمة هو حماد وقد شارك حماد بن زيد في روايته له عن أيوب وزاد عليه تعيين مكان المشركين وهو قيقعان وطريق حماد بن سلمة هذه وصلها الاسماعيلي نحوه وزاد في آخره فلما رملوا قال المشركون ما وهنتهم ووقع في بعض النسخ وزاد بن مسلمة بزيادة ميم في أوله وهو غلط الحديث السابع حديث بن عباس أيضا قوله تزوج ميمونة وهو محرم سيأتي البحث فيه في كتاب النكاح قوله وزاد بن إسحاق الخ هو موصول في السيرة وزاد في آخره وكان الذي زوجها منه العباس بن عبد المطلب ولابن حبان والطبراني من طريق إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق بلفظ تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك يعني عمرة القضاء وهو حرام وكان الذي زوجه إياها العباس ونحوه للنسائي من وجه آخر عن بن عباس وفي مغازي أبي الاسود عن عروة بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة ليخطبها له فجعلت أمرها إلى العباس وكانت أختها أم الفضل تحته فزوجه إياها فبنى بها بسرف وقدر الله أنها ماتت بعد ذلك بسرف وكانت قبله صلى الله عليه وسلم تحت أبي رهم بن عبد العزي وقيل تحت أخيه حويطب وقيل سخبرة بن أبي رهم وأمها هند بنت عوف الهلالية قوله باب غزوة مؤتة بضم الميم وسكون الواو بغير همز لاكثر الرواة وبه جزم المبرد ومنهم من همزها وبه جزم ثعلب والجوهري وابن فارس وحكى صاحب الواعي الوجهين وأما المؤتة التي ورد الاستعاذة منها وفسرت بالجنون فهي بغير همز قوله من أرض الشام قال بن إسحاق هي بالقرب من البلقاء وقال غيره هي على مرحلتين من بيت المقدس ويقال أن السبب فيها أن شرحبيل بن عمرو الغساني وهو من أمراء قيصر على الشام قتل رسولا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب
[ 393 ]
بصرى واسم الرسول الحارث بن عمير فجهز إليهم النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا في ثلاثة آلاف وفي مغازي أبي الاسود عن عروة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان وكذا قال بن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل المغازي لا يختلفون في ذلك إلا ما ذكر خليفة في تاريخه أنها كانت سنة سبع ثم ذكر المصنف فيه ستة أحاديث الحديث الاول حديث بن عمر قوله حدثنا أحمد هو بن صالح بينه أبو علي بن شبويه عن الفربري وبه جزم أبو نعيم قوله عن عمرو هو بن الحارث وابن أبي هلال هو سعيد قوله قال وأخبرني نافع هو معطوف على شئ محذوف ويؤيد ذلك قوله أنه وقف على جعفر يومئذ ولم يتقدم لغزوة مؤتة إشارة ولم أر من نبه على ذلك من الشراح وقد تتبعت ذلك حتى فتح الله بمعرفة المراد فوجدت في أول باب جامع الشهادتين من السنن لسعيد بن منصور قال حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمر بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن بن رواحة فذكر شعرا له قال فلما التقوا أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل ثم أخذها جعفر فقاتل حتى قتل ثم أخذها بن رواحة فحاد حيدة فقال أقسمت يا نفس لتنزلنه * كارهة أو لتطاوعنه * مالي أراك تكرهين الجنة * ثم نزل فقاتل حتى قتل فأخذ خالد بن الوليد الراية ورجع بالمسلمين على حمية ورمى واقد بن عبد الله التيمي المشركين حتى ردهم الله قال بن أبي هلال وأخبرني نافع فذكر ما أخرجه البخاري وزاد في آخره قال سعيد بن أبي هلال وبلغني أنهم دفنوا يومئذ زيدا وجعفرا وابن رواحة في حفرة واحدة قوله ليس منها كذا للاكثر وفي رواية الكشميهني ليس فيها قوله أخبرنا أحمد بن أبي بكر هو أبو مصعب الزهري ومغيرة بن عبد الرحمن هو المخزومي بينه أبو علي عن مصعب الزبيري وفي طبقته مغيرة بن عبد الرحمن الخزامي وهو أوثق من المخزومي وليس للمخزومي في البخاري سوى هذا الحديث وهو بطريق المتابعة عنده وكان المخزومي فقيه أهل المدينة بعد مالك وهو صدوق قوله عن عبد الله بن سعيد في رواية مصعب عبد الله بن سعيد بن أبي هند وهو مدني ثقة قوله ان قتل زيد فجعفر زاد موسى بن إسحاق في المغازي عن بن شهاب فجعفر بن أبي طالب أميرهم وفي حديث عبد الله بن جعفر عند أحمد والنسائي بإسناد صحيح إن قتل زيد فأميركم جعفر وروى أحمد والنسائي وصححه بن حبان من حديث أبي قتادة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الامراء وقال عليكم زيد بن حارثة فإن أصيب زيد فجعفر فذكر الحديث وفيه فوثب جعفر فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما كنت أرهب أن تستعمل على زيدا قال امض فإنك لا تدري أي ذلك خير قوله قال عبد الله أي بن عمر وهو موصول بالاسناد المذكور قوله كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب أي بعد أن قتل كذا اختصره وفي حديث عبد الله بن جعفر المذكور فلقوا العدو فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل ثم أخذها جعفر ونحوه في مرسل عروة عند بن إسحاق وذكر بن إسحاق بإسناد حسن وهو عند أبي داود من طريقه عن رجل من بني مرة قال والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقر لها ثم تقدم فقاتل حتى قتل قال بن إسحاق وحدثني محمد بن جعفر عن عروة قال ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فالتوى بها
[ 394 ]
بعض الالتواء ثم تقدم على فرسه ثم نزل فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم الانصاري فقال اصطلحوا على رجل فقالوا أنت لها قال لا فاصطلحوا على خالد بن الوليد وروى الطبراني من حديث أبي اليسر الانصاري قال أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن رواحة فدفعها إلى خالد بن الوليد وقال له أنت أعلم بالقتال مني قوله في الرواية الاولى فعددت به خمسين بين طعنة وضربة روى سعيد بن منصور عن أبي معشر عن نافع مثله وقال بن سعد عن أبي نعيم عن أبي معشر تسعين وفي الرواية الثانية ووجدنا في جسده بضعة وتسعين من طعنة ورمية وكذا أخرجه بن سعد من طريق العمري عن نافع بلفظ بضع وتسعون وظاهرهما التخالف ويجمع بأن العدد قد لا يكون له مفهوم أو بأن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمى السهام فإن ذلك لم يذكر في الرواية الاولى أو الخمسين مقيدة بكونها ليس فيها شئ في دبره أي في ظهره فقد يكون الباقي في بقية جسده ولا يستلزم ذلك أنه ولى دبره وهو محمول على أن الرمي إنما جاء من جهة قفاه أو جانبيه ولكن يؤيد الاول أن في رواية العمري عن نافع فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده بعد أن ذكر العدد بضع وتسعون ووقع في رواية البيهقي في الدلائل بضعا وتسعين أو بضعا وسبعين وأشار إلى أن بضعا وتسعين اثبت وأخرجه الاسماعيلي عن الهيثم بن خلف عن البخاري بلفظ بضعا وتسعين أو بضعا وسبعين بالشك لم أر ذلك في شئ من نسخ البخاري وفي قوله ليس شئ منها في دبره بيان فرط شجاعته وإقدامه الحديث الثاني حديث أنس قوله حدثنا أحمد بن واقد هو أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني قوله نعى زيدا أي أخبرهم بقتله وذكر موسى بن عقبة في المغازي أن يعلى بن أمية قدم بخبر أهل موتة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرك قال فأخبرني فأخبره خبرهم فقال والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره وعند الطبراني من حديث أبي اليسر الانصاري أن أبا عامر الاشعري هو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمصابهم قوله ثم أخذ جعفر فأصيب كذا هنا بحذف المفعول والمراد الراية ووقع في علامات النبوة عند أبي ذر بهذا الاسناد بلفظ ثم أخذها قوله وعيناه تذرفان بذال معجمة وراء مكسورة أي تدفعان الدموع قوله حتى أخذها سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم في حديث أبي قتادة ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الامراء وهو أمير نفسه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انه سيف من سيوفك فأنت تنصره فمن يومئذ سمى سيف الله وفي حديث عبد الله بن جعفر ثم أخذها سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليهم وتقدم حديث الباب في الجهاد من وجه آخر عن أيوب فأخذها خالد بن الوليد من غير إمرة والمراد نفي كونه كان منصوصا عليه وإلا فقد ثبت أنهم اتفقوا عليه وزاد فيه وما يسرهم أنهم عندنا أي لما رأوا من فضل الشهادة وزاد في حديث عبد الله بن جعفر ثم أمهل آل جعفر ثلاثا ثم أتاهم فقال لا تبكوا على أخي بعد اليوم ثم قال ائتوني ببني أخي فجئ بنا كأننا أفراخ فدعا الحلاق فحلق رؤوسنا ثم قال أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي ثم دعا لهم وفي الحديث جواز الاعلام بموت الميت ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه وقد تقدم تقرير ذلك في الجنائز وفيه جواز تعليق الامارة بشرط وتولية عدة أمراء بالترتيب وقد اختلف هل تنعقد الولاية الثانية في الحال أو لا والذي يظهر أنها في الحال
[ 395 ]
تنعقد ولكن بشرط الترتيب وقيل تنعقد لواحد لا بعينه وتتعين لمن عينها الامام على الترتيب وقيل تنعقد للاول فقط وأما الثاني فبطريق الاختيار واختيار الامام مقدم على غيره لانه أعرف بالمصلحة العامة وفيه جواز التأمر في الحرب بغير تأمير قال الطحاوي هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الامام يقوم مقامه إلى أن يحضر وفيه جواز الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه علم ظاهر من أعلا م النبوة وفضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد ولمن ذكر من الصحابة واختلف أهل النقل في المراد بقوله حتى فتح الله عليه هل كان هناك قتال فيه هزيمة للمشركين أو المراد بالفتح انحيازه بالمسلمين حتى رجعوا سالمين ففي رواية بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة فحاش خالد الناس ودافع وانحاز وانحيز عنه ثم انصرف بالناس وهذا يدل على الاول ويؤيده ما تقدم من بلاغ سعيد بن أبي هلال في الحديث الاول وذكر بن سعد عن أبي عامر ان المسلمين انهزموا لما قتل عبد الله بن رواحة حتى لم أر اثنين جميعا ثم اجتمعوا على خالد وعن الواقدي من طريق عبد الله بن الحارث بن فضيل عن أبيه قال لما أصبح خالد بن الوليد جعل مقدمته ساقة وميمنته ميسرة فأنكر العدو حالهم وقالوا جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين وعنده من حديث جابر قال أصيب بموتة ناس من المشركين وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين وفي مغازي أبي الاسود عن عروة فحمل خالد على الروم فهزمهم وهذا يدل على الثاني أو يمكن الجمع بأن يكونوا هزموا جانبا من المشركين وخشى خالد أن يتكاثر الكفار عليهم فقد قيل إنهم كانوا أكثر من مائة ألف فانحاز بهم حتى رجع بهم إلى المدينة وهذا السند وإن كان ضعيفا من جهة الانقطاع والآخر من جهة بن لهيعة الراوي عن أبي الاسود وكذلك الواقدي فقد وقع في المغازي لموسى بن عقبة وهي أصح المغازي كما تقدم ما نصه ثم أخذه يعني اللواء عبد الله بن رواحة فقتل ثم اصطلح المسلمون على خالد بن الوليد فهزم الله العدو وأظهر المسلمين قال العماد بن كثير يمكن الجمع بأن خالدا لما حاز المسلمين وبات ثم أصبح وقد غير هيئة العسكر كما تقدم وتوهم العدو أنهم قد جاء لهم مدد حمل عليهم خالد حينئذ فولوا فلم يتبعهم ورأى الرجوع بالمسلمين هي الغنيمة الكبرى ثم وجدت في مغازي بن عائذ بسند منقطع أن خالدا لما أخذ الراية قاتلهم قتالا شديدا حتى انحاز الفريقان عن غير هزيمة وقفل المسلمون فمروا على طريقهم بقرية بها حصن كانوا في ذهابهم قتلوا من المسلمين رجلا فحاصروهم حتى فتح الله عليهم عنوة وقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم فسمى ذلك المكان نقيع الدم إلى اليوم الحديث الثالث حديث عائشة قوله حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي ويحيى بن سعيد هو الانصاري قوله لما جاء قتل بن رواحة يحتمل أن يكون المراد مجئ الخبر على لسان القاصد الذي حضر من عند الجيش ويحتمل أن يكون المراد مجئ الخبر على لسان جبريل كما يدل عليه حديث أنس الذي قبله قوله جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد البيهقي من طريق المقدمي عن عبد الوهاب في المسجد قوله يعرف فيه الحزن أي لما جعل الله فيه من الرحمة ولا ينافي ذلك الرضا بالقضاء ويؤخذ منه أن ظهور الحزن على الانسان إذا أصيب بمصيبة لا يخرجه عن كونه صابرا راضيا إذا كان قلبه مطمئنا بل قد يقال إن من كان ينزعج بالمصيبة ويعالج نفسه على الرضا والصبر أرفع رتبة ممن لا يبالي بوقوع المصيبة أصلا أشار إلى ذلك الطبري وأطال في تقريره قوله وأنا أطلع من صائر الباب تعني
[ 396 ]
من شق الباب ووقع في رواية القابسي من صائر الباب بشق الباب وللنسفي شق بغير موحدة والاول أصوب هنا وشق بالكسر وبالفتح أيضا يقال بالفتح هو الموضع الذي ينظر منه كالكوة وبالكسر الناحية وهذه الرواية تدل على أن في الرواية التي تقدمت في الجنائز بلفظ من صائر الباب شق الباب إدراجا وأنه تفسير من بعض رواته وذكر بن التين وغيره أن الذي وقع في الحديث بلفظ صائر تغيير والصواب صير بكسر المهملة وتحتانية ساكنة ثم راء قال الجوهري الصير شق الباب وفي الحديث من نظر من صير باب ففقئت عينه فهي هدر قال أبو عبيد لم أسمع هذا الحرف إلا في هذا الحديث قوله فأتاه رجل لم أقف على اسمه قوله ان نساء جعفر يحتمل أن يريد زوجاته ويحتمل أن يريد من ينسب إليه من النساء في الجملة وهذا الثاني هو المعتمد لانا لا نعرف لجعفر زوجة غير أسماء بنت عميس قوله فذكر بكاءهن في رواية الكشميهني وذكر بواو قوله فأمره أن يأتيهن كذا رأيت في أصل أبي ذر فإن كان مضبوطا ففيه حذف تقديره فنهاهن وأظنه محرفا فان الذي في سائر الروايات فأمره أن ينهاهن وهو الوجه وكذا وقع في الجنائز قوله وذكر أنه لم يطعنه في رواية الكشميهني وذكر أنهن وهو أوجه قوله لقد غلبننا أي في عدم الامتثال لقوله وذلك إما لانه لم يصرح لهن بنهي الشارع عن ذلك فحملن أمره على أنه يحتسب عليهن من قبل نفسه أو حملن الامر على التنزيه فتمادين على ما هن فيه أو لانهن لشدة المصيبة لم يقدرن على ترك البكاء والذي يظهر أن النهي إنما وقع عن قدر زائد على محض البكاء كالنوح ونحو ذلك فلذلك أمر الرجل بتكرار النهي واستبعده بعضهم من جهة أن الصحابيات لا يتمادين بعد تكرار النهي على أمر محرم ولعلهن تركن النوح ولم يتركن البكاء وكان غرض الرجل حسم المادة ولم يطعنه لكن قوله فاحث في أفواههن من التراب يدل على أنهن تمادين على الامر الممنوع ويجوز في الثاء المثلثة من قوله فاحث الضم والكسر لانه يقال حتى يحثو ويحثى قوله من العناء بفتح العين المهملة وبالنون والمد هو التعب ووقع في رواية العذري عند مسلم من الغي بغين معجمة وتحتانية ثقيلة وللطبراني مثله لكن بعين مهملة ومراد عائشة أن الرجل لا يقدر على ذلك فإذا كان لا يقدر فقد أتعب نفسه ومن يخاطبه في شئ لا يقدر على إزالته ولعل الرجل لم يفهم من الامر المحتم وقال القرطبي لم يكن الامر للرجل بذلك على حقيقته لكن تقديره إن أمكنك فإن ذلك يسكنهن إن فعلته وأمكنك وإلا فالملاطفة أولى وفي الحديث جواز معاقبة من نهى عن منكر فتمادى عليه بما يليق به وقال النووي معنى كلام عائشة أنك قاصر عن القيام بما أمرت به من الانكار فينبغي أن تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك ليرسل غيرك وتستريح أنت من العناء ووقع عند بن إسحاق من وجه آخر صحيح عن عائشة في آخره قالت عائشة وعرفت أنه لا يقدر أن يحثى في أفواههن التراب قالت وربما ضر التكلف أهله وفي حديث عائشة من الفوائد بيان ما هو الاولى بالمصاب من الهيئات ومشروعية الانتصاب للعزاء على هيئته وملازمة الوقار والتثبت وفيه جواز نظر من شأنه الاحتجاب من شق الباب وأما عكسه فممنوع وفيه إطلاق الدعاء بلفظ لا يقصد الداعي إيقاعه بالمدعو به لان قول عائشة أرغم الله أنفك أي ألصقه بالتراب ولم ترد حقيقة هذا وإنما جرت عادة العرب بإطلاق هذه اللفظة في موضع الشماتة بمن يقال له ووجه المناسبة في قوله أحث
[ 397 ]
في أفواههن دون أعينهن مع أن الاعين محل البكاء الاشارة إلى أن النهي لم يقع عن مجرد البكاء بل عن قدر زائد عليه من صياح أو نياحة والله أعلم الحديث الرابع قوله حدثني محمد بن أبي بكر هو المقدمي وعمر بن علي هو عمه وعامر هو الشعبي قوله يا بن ذي الجناحين تقدم شرحه في مناقب جعفر وأنه عوض بذلك عن قطع يديه في تلك الوقعة حيث أخذ اللواء بيمينه فقطعت ثم أخذه بشماله فقطعت ثم احتضنه فقتل وأن النسفي روى عن البخاري أنه يقال لكل ذي ناحيتين جناحان وأنه أشار إلى أن الجناحين في هذه القصة ليسا على ظاهرهما وقال السهيلي قوله جناحان ليسا كما يسبق إلى الوهم كجناحي الطير وريشه لان الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها فالمراد بالجناحين صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر وقد عبر القرآن عن العضد بالجناح توسعا في قوله تعالى واضمم إليك جناحك وقال العلماء في أجنحة الملائكة انها صفات ملكية لا تفهم إلا بالمعاينة فقد ثبت أن لجبريل ستمائة جناح ولا يعهد للطير ثلاثة أجنحة فضلا عن أكثر من ذلك وإذا لم يثبت خبر في بيان كيفيتها فنؤمن بها من غير بحث عن حقيقتها انتهى وهذا الذي جزم به في مقام المنع والذي نقله عن العلماء ليس صريحا في الدلالة لما ادعاه ولا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة ما ذكره من المعهود وهو من قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف وكون الصورة البشرية أشرف الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهره لان الصورة باقية وقد روى البيهقي في الدلائل من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة أن جناحي جعفر من ياقوت وجاء في جناحي جبريل أنهما لؤلؤ أخرجه بن منده في ترجمة ورقة الحديث الخامس بسم الله الرحمن الرحيم قوله حدثنا سفيان هو الثوري وإسماعيل هو بن أبي خالد والاسناد كله كوفيون إلا الصحابي قوله دق في يدي بضم الدال فسره في الرواية الاولى بقوله انقطعت قوله يمانية بتخفيف التحتانية وحكى تشديدها وهذا الحديث يقتضي أن المسلمين قتلوا من المشركين كثيرا وقد روى أحمد وأبو داود من حديث عوف بن مالك ان رجلا من أهل اليمن رافقه في هذه الغزوة فقتل روميا وأخذ سلبه فاستكثره خالد بن الوليد فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل على أن ذلك بعد أن قام خالد بن الوليد بالامر وهو يرجح أن خالدالم يقتصر على حوز المسلمين والنجاة بهم بل باشر القتال فيمكن الجمع كما تقدم بسم الله الرحمن الرحيم الحديث السادس قوله عن حصين هو بن عبد الرحمن وعامر هو الشعبي كما في الرواية الثانية قوله أغمي على عبد الله بن رواحة أي بن ثعلب بن امرئ القيس الانصاري الخزرجي أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم من الانصار وأحد النقباء بالعقبة وأحد البدريين قوله فجعلت أخته عمرة هي والدة النعمان بن بشير راوي الحديث ووقع في رواية هشيم عند أبي نعيم وفي مرسل أبي عمران الجوني عند بن سعد أنها أمه وهو خطأ فلو كانت أمه تسمى عمرة لجوزت وقوع ذلك لهما ولكن اسم أمه كبشة بنت واقد وهذا الحديث ذكره خلف في مسند النعمان وذكره المزي في مسند عبد الله بن رواحة وهو واضح لان المتن منقول عنه وينبغي أن يذكر أيضا في مسند عمرة لقوله في الطريق الثانية لم تبك عليه أي عمرة فهو نقل من النعمان ما صنعت أمه ولما قال خاله لكن يصغر النعمان عن إدراك ذلك من خاله فالذي يظهر أنه إنما نقل جميع ذلك عن أمه فيكون الحديث من رواية النعمان عن أمه عن أخيها فيكون ذلك من رواية ثلاثة من الصحابة في نسق قوله واجبلاه وكذا وكذا تعدد
[ 398 ]
عليه في رواية هشيم عن حصين عند أبي نعيم في المستخرج واعضداه وفي مرسل الحسن عند بن سعد واجبلاه واعزاه وفي مرسل أبي عمران الجوني عنده وأظهراه وزاد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عاده فأغمي عليه فقال اللهم إن كان أجله قد حضر فيسر عليه وإلا فاشفه قال فوجد خفة فقال كان ملك قد رفع مرزبة من حديد يقول آنت كذا فلو قلت نعم لقمعني بها قوله قيل لي آنت كذلك هو استفهام إنكار وفي مرسل الحسن آنت جبلها آنت عزها وزاد أبو نعيم في المستخرج من طريق هشيم في آخرها فنهاها عن البكاء عليه وبها تظهر النكتة في قوله في الرواية الثانية فلما مات لم تبك عليه أي أصلا امتثالا لامره وبهذه الزيادة وهي قوله فلما مات لم تبك عليه تظهر النكتة في إدخال هذا الحديث في هذا الباب ويظهر أو يتجه الرد على من قال لا مناسبة لدخوله فيه لان موت عبد الله بن رواحة لم يكن في ذلك المرض والله أعلم قوله باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف نسبة إلى الحرقة واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة تسمى الحرقة لانه حرق قوما بالقتل فبالغ في ذلك ذكره بن الكلبي قوله أخبرنا حصين هو بن عبد الرحمن وأبو ظبيان بالمعجمة ثم الموحدة اسمه حصين بن جندب قال النووي أهل اللغة يفتحون الظاء يعني المشالة من ظبيان وأهل الحديث يكسرونها قوله بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة ليس في هذا ما يدل على أنه كان أمير الجيش كما هو ظاهر الترجمة وقد ذكر أهل المغازي سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة بتحتانية ساكنة وفاء مفتوحة وهي وراء بطن نخل وذلك في رمضان سنة سبع وقالوا إن أسامة قتل الرجل في هذه السرية فان ثبت أن أسامة كان أمير الجيش فالذي صنعه البخاري هو الصواب لانه ما أمر إلا بعد قتل أبيه بغزوة موتة وذلك في رجب سنة ثمان وإن لم يثبت أنه كان أميرها رجح ما قال أهل المغازي وسيأتي شرح حديث الباب في كتاب الديات وفيه تسمية الرجل المقتول إن شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف حديث سلمة بن الاكوع قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعوث بتسع غزوات مرة علينا أبو بكر ومرة علينا أسامة بن زيد بن حارثة أما غزوات سلمة مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقدم بيانها في غزوة الحديبية وقد ذكر منها في الطريق الاخيرة من حديث الباب خيبر والحديبية ويوم الحنين ويوم القرد وفي آخره قال يزيد يعني بن أبي عبيد الراوي عنه ونسيت بقيتهم كذا فيه بالميم في ضمير جمع الغزوات والمعروف فيه التأنيث وكذا وقع في رواية النسفي بالميم وضبب عليه ووقع في رواية حكاها الكرماني ولم أقف عليها بعينها وهي أوجه وأما بقية الغزوات التي نسيهن يزيد فهن غزوة الفتح وغزوة الطائف فإنهما وان كانا في سنة غزوة حنين فهما غيرهما وغزوة تبوك وهي آخر الغزوات النبوية فهذه سبع غزوات كما ثبت في أكثر الروايات وان كانت الرواية الاولى وهي رواية حاتم بن إسماعيل بلفظ التسع محفوظة فلعله عد غزوة وادي القرى التي وقعت عقب خيبر وعد أيضا عمرة القضاء غزوة كما تقدم من صنيع البخاري فكمل بها التسعة وأما ما وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق نصر بن علي عن حماد بن مسعدة فذكر هذا الحديث فقال في أوله أحد وخيبر ففيه نظر لانهم لم يذكروا سلمة فيمن شهد أحدا وقد أخرجه الاسماعيلي من وجه آخر عن حماد بن
[ 399 ]
مسعدة ولم يذكر فيه أحدا والله أعلم وأما المبعوث فسرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة كما ثبت من حديثه عند مسلم وسربته إلى بني كلاب ذكرها بن سعد وبعثه إلى الحج سنة تسع وأما أسامة فأول ما أرسل في السرية التي وقع ذكرها في الباب ثم في سرية إلى أبنى بضم الهمزة وسكون الموحدة ثم نون مقصور وهي من نواحي البلقاء وذلك في صفر فوقفنامما ذكره على خمس سرايا وبقيت أربع فليستدركها على أهل المغازي فإنهم لم يذكروا غير الذي ذكرته بعد التتبع البالغ ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره ومرة علينا غيرهما وأيضا فإنه لم يذكر في بعض الروايات للبعوث عددا قوله وقال عمر بن حفص أي بن غياث وهو من شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة وهذا الحديث قد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي بشر إسماعيل بن عبد الله عن عمر بن حفص به قوله وغزوت مع بن حارثة استعمله علينا كذا أبهمه البخاري عن شيخه أبي عاصم وقد ذكرت ما فيه في باب غزوة زيد بن حارثة ولعل البخاري أبهمه عمدا لمخالفة بقية روايات الباب في تعيين أسامة قوله حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة يقال إن محمد بن عبد الله هذا هو الذهلي نسبة إلى جده وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس وكان أبو داود إذا حدث عنه نسب أباه يحيى إلى جده فارس ولا يذكر خالدا ويقال إن محمد بن عبد الله المذكور هو المخزومي وجزم الكلاباذي والبرقاني بأنه الذهلي والله أعلم قوله باب غزوة الفتح أي فتح مكة شرفها الله تعالى وسقط لفظ باب من نسخة الصغاني وكان سبب ذلك أن قريشا نقضوا العهد الذي وقع بالحديبية فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغزاهم قال بن إسحاق حدثني الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة أنه كان في الشرط من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فدخلت بنو بكر أي بن عبد مناة بن كنانة في عهد قريش ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بن إسحاق وكان بين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية فتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الاسلام فلما كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية الديلي من بني بكر في بني الديل حتى بيت خزاعة على ماء لهم يقال له الوتير فأصاب منهم رجلا يقال له منبه واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم ولم يتركوا القتال وأمدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلا في خفية فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا فانصر هداك الله نصرا أيدا * وادع عباد الله يأتوا مددا إن قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا وزعموا أن لست أدعو أحدا * وهم أذل وأقل عددا قال بن إسحاق فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت يا عمرو بن سالم فكان ذلك ما هاج فتح مكة وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بعض
[ 400 ]
الابيات المذكورة في هذه القصة وهو إسناد حسن موصول ولكن رواه بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلا وأخرجه أيضا من رواية أيوب عن عكرمة مرسلا مطولا قال فيه لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة وكانت خزاعة في صلحه وبنو بكر في صلح قريش فكان بينهم قتال فأمدتهم قريش بسلاح وطعام فظهروا على خزاعة وقتلوا منهم قال وجاء وفد خزاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه إلى النصر وذكر الشعر وأخرجه عبد الرزاق من طريق مقسم عن بن عباس مطولا وليس فيه الشعر وأخرجه الطبراني من حديث ميمونة بنت الحارث مطولا وفيه أيضا أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلا وهو في متوضئه نصرت نصرت فسألته فقال هذا راجز بني كعب يستصرخني وزعم أن قريشا أعانت عليهم بني بكر قالت فأقمنا ثلاثا ثم صلى الصبح بالناس ثم سمعت الراجز ينشده وعند موسى بن عقبة في هذه القصة قال ويذكرون أن ممن أعانهم من قريش صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهل بن عمرو قوله وما بعث به حاطب