فتح الباري
ابن حجر ج 2
[ 1 ]
فتح الباري شرح صحيح البخاري للامام الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى الجزء الاول دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
[ 2 ]
الطبعة الثانية أعيد طبعه بالاوفست (الجزء الاول)
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم كذا للمستملي وبعده البسملة ولرفيقيه البسملة مقدمة وبعدها باب مواقيت الصلاة وفضلها وكذا في نسخة الصغاني وكذا لكريمة لكن بلا بسملة وكذ للاصيلي لكن بلا باب والمواقيت جمع ميقات وهو مفعال من الوقت وهو القدر المحدد للفعل من الزمان أو المكان قوله كتابا موقوتا موقتا وقته عليهم كذا وقع في أكثر الروايات وسقط في بعضها لفظ موقتا فاستشكل بن التين تشديد القاف من وقته وقال المعروف في اللغه التخفيف الله اه والظاهر أن المصنف أراد بقوله موقتا بيان أن قوله موقوتا من التوقيت فقد جاء عن مجاهد في معنى قوله موقوتا قال مفروضا وعن غيره محدودا وقال صاحب المنتهى كل شئ جعل له حين وغاية فهو موقت يقال وقته ليوم كذا أي أجله قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي وهذا الحديث أول شئ في الموطأ ورجاله كلهم مدنيون قوله أخر الصلاة يوما والمصنف في بدء الخلق من طريق الليث عن بن شهاب بيان الصلاة المذكورة ولفظه أخر العصر شيئا قال بن عبد البر ظاهر سياقه أنه فعل ذلك يوما ما لا أن ذلك كان عادة له وإن كان أهل بيته معروف اه هو وسيأتي بيان ذلك قريبا في باب تضييع الصلاة عن وقتها وكذا في نسخة الصغاني وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب أخر الصلاة مرة يعني العصر والطبراني من طريق أبي بكر بن حزم أن عروة حدث عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ أمير المدينة في زمان الوليد بن عبد الملك وكان ذلك زمان يؤخرون فيه الصلاة يعني بني أمية قال بن عبد البر المراد أنه أخرها حتى خرج الوقت المستحب لا أنه أخرها حتى غربت الشمس اه ويؤيده سياق رواية الليث المتقدمة وأما ما رواه الطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أسامة بن زيد المؤذن عن بن شهاب في هذا الحديث قال دعا المؤذن لصلاة العصر فأمسى عمر بن عبد العزيز قبل أن يصليها فمحمول على أنه قارب المساء لا أنه دخل فيه وقد رجع عمر بن عبد العزيز عن ذلك فروى الأوزاعي عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز يعني في خلافته كان يصلي الظهر في الساعة الثامنة والعصر في الساعة العاشرة حين الخطبة قوله أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما بين عبد الرزاق في روايته عن بن جريج عن بن شهاب أن الصلاة المذكورة العصر أيضا ولفظه أمسى المغيرة بن شعبة بصلاة العصر قوله وهو بالعراق في الموطأ رواية القعنبي وغيره عن مالك وهو بكار وكذأخرجه الاسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي والكوفة من جملة العراق فالتعبير بها أخص من التعبير بالعراق وكان المغيرة إذ ذاك أميرا عليها من قبل معاوية بن أبسفيان قوله أبو مسعود أي عقبة بن عمرو البدري قوله ما هذا أي التأخير قوله أليس كذا الرواية وهو استعمال صحيح لكن الأكثر في الاستعمال في مخاطبة الحاضر ألست وفي مخاطبة الغائب أليس قوله قد علمت قال عياض يدل ظاهرة على علم المغير بذلك ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل الظن من أبي مسعود لعلمه بصحبة المغيرة قلت ويؤيد الأول رواية شعيب عن بن شهاب عند المصنف في غزوة بدر بلفظ فقال لقد علمت بغير أداة استفهام ونحوه لعبد الرزاق عن معمر وابن جريج جميعا قوله أن جبريل نزل بين بن إسحاق في المغازي أن ذلك صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة وهي ليلة الإسراء قال بن إسحاق حدثني عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير وقال عبد الرزاق عن بن جريج قال نافع بن جبير وغيره لما مطرف النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسرى به لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس ولذلك سميت الأولى أي صلاة الظهر فأمر فصيح بأصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى به جبريل وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس فذكر الحديث وفيه رد على من زعم أن بيان الأوقات إنما وقع بعد الهجرة والحق أن ذلك وقع قبلها ببيان جبريل وبعدها ببيان النبي صلى الله عليه وسلم قوله نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عياض ظاهرة أن صلاته كانت بعد فراغ صلاة جبريل لكن المنصوص في غيره أن جبريل أم النبي صلى الله عليه وسلم فيحمل قوله صلى فصلى على أن جبريل كان كلما فعل جزءا من الصلاة تابعه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله اه وبهذا جزم النووي وقال غير الفاء بمعنى الواو واعتراض بأنه يلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقدم في بعض الأركان على جبريل على ما يقتضيه مطلق الجمع وأجيب بمراعاة الحيثية وهي التبيين فكان لأجل ذلك يتراخى عنه وقيل الفاء للسببية كقوله تعالى فوكزه موسى فقضى عليه وفي رواية الليث عند المصنف وغيره نزل جبريل فأمنى فصليت معه وفي رواية عبد الرزاق عن معمر نزل فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الناس معه وهذا يؤيد رواية نافع بن جبير المتقدمة وإنما دعاهم إلى الصلا بقولة الصلاة الجامعة لأن الأذان لم يكن شرع حينئذ واستبدل بهذا الحديث على جواز الائتمام بمن يأتم بغيره ويجاب عنه بما يجاب به عن قصه أبي بكر في صلاته خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصلاة الناس خلفه فإنه
[ 4 ]
أمرهم على أنه كان مبلغا فقط كما سيأتي تقريره في أبواب الإمامة واستدل به أيضا على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل من جهة أن الملائكة ليسوا مكلفين بمثل ما كلف به الإنس قاله بن العرب وغيره وأجاب عياض باحتمال أن لا تكون تلك الصلاة كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ وتعقبه بما تقدم من أنها كانت صبيحة ليلة فرض الصلاة وأجاب باحتمال أن الوجوب عليه كان معلقا بالبيان فلم يتحقق الوجوب الا بعد تلك الصلاة قال وأيضا لا نسلم أن جبريل كان متنقلا بل كانت تلك الصلاة واجبة عليه لأنه مكلف بتبليغها فهي صلاة مفترض خلف مفترض اه هو وقال بن المنيقد يتعلق به من يجوز صلاة مفترض بفرض خلف مفترض بفرض آخر كذا قال وهو مسلم له في صورة المؤداة مثلا خلف المقضية لا في صورة الظهر خلف العصر مثلا قوله بهذا أمرت بفتح المثناة على المشهور والمعنى هذا الذي أمرت به أن يصليه كل يوم وليلة وروى بالضم أي هذا الذي أمرت بتبليغه لك قوله أعلم بصيغة الأمر قوله أو إن جبريل بفتح الهمزة وهي للاستفهام والواو هي العاطفة والعطف على شئ مقدر وبكسر همزة وإن ويجوز الفتح قوله وقوت الصلاة كذا للمستملي بصيغة الجمع وللباقين وقت الصلاة بالافراد وهو للجنس قوله كذلك كان بشير هو بفتح الموحدة بعدها غدا بوزن فعيل وهو تابعي جليل ذكر في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله علية وسلم ورآه قال بن عبد البر هذا السياق منقطع عند جماعة من العلماء لأن بن شهاب لم يقل حضرت مراجعة عروة لعمر وعروة لم يقل حدثني بشير لكن الاعتبار عند الجمهور بثبوت اللقاء والمجالسة لا بالصيغ أه وقال الكرماني أعلم أن الحديث بهذا الطريق ليس متصل الإسناد إذ لم يقل أبو مسعود شاهدت رسول الله صلى الله علية وسلم ولا قال قال رسول الله صلى الله علية وسلم قلت هذا لا يسمى منقطعا اصطلاحا وإنما هو مرسل أصحابي لأنه لم يدرك القصة فاحتمل أن يكون سمع ذلك من النبي صلى الله علية وسلم أو بلغه عنه بتبليغ من شاهده أو سمعه كصحابى آخر على أن رواية الليث عند المصنف تزيل الاشكال كله ولفظه فقال عروة سمعت بشير بن أبي مسعود يقول سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله علية وسلم يقول فذكر الحديث وكذا سياق بن شهاب وليس فيه التصريح بسماعه له من عروة وابن شهاب قد جرب عليه التدليس لكن وقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب قال كنا مع عمر بن عبد العزيز فذكره وفي رواية شعيب عن الزهري سمعت عروة يحدث عمر بن عبد العزيز الحديث قال القرطي قول عروة ان جبريل نزل ليس فيه حجة واضحة على عمر بن عبد العزيز إذ لم يعين له الأوقات قال وغاية ما يتوهم عليه أنه نبهه وذكره بما كان يعرفه من تفاصيل الأوقات قال وفيه بعد لانكار عمر على عروة حيث قال له اعلم ما تحدث يا عروة قال وظاهر هذا الإنكار أنه لم يكن عنده علم من إمامه جبريل قلت لا يلزم من كونه لم يكن عنده علم منها أن لا يكون عنده علم بتفاصيل الأوقات المذكورة من جهة العمل المستمر لكن لم يكن يعرف أن أصله بتبيين جبريل بالفعل فلهذا استثبت فيوكأنه كان يرى أن لا مفاضلة بين أجزاء الوقت الواحد وكذا يحمل عمل المغيرة وغير من الصحابة ولم أقف في شئ من الروايات على جواب المغيرة لأبي مسعود والظاهر أنه رجع إليه والله أعلم وأما ما زاده عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري في هذه القصة قال فلم يزل عمر يعلم الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا ورواه أبو الشيخ
[ 5 ]
في كتاب المواقيت له من طريق الوليد عن الأوزاعي عن الزهري قال ما زال عمر بن عبد العزيز يتعلم مواقيت الصلاة حتى مات ومن طريق إسماعيل بن حكيم أن عمر بن عبد العزيز جعل ساعات ينقضين مع غروب الشمس زاد من طريق بن إسحاق عن الزهري فما أخرها حتى مات فكله يدل على أن عمر لم يكن يحتاط في الأوقات كثير احتياط إلابعد أن حدثه عروة بالحديث المذكور تنبيه ورد في هذه القصة من وجه آخر عن الزهر بيان أبي مسعود للأوقات وفي ذلك ما يرفع الاشكال ويوضح توجيه احتجاج عروة به فروى أبو داود وغيره وصححه بن خزيمة وغيره من طريق بن وهب والطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب كلاهما عن أسامة بن زيد عن الزهري هذا الحديث شوال وزاد في آخره قال أبو مسعود فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر حين تزول الشمس فذكر الحديث وذكر أبو داود أن أسامة بن زيد تفرد بتفسير الأوقات فيه وأن أصحاب الزهري لم يذكروا ذلك قال وكذا رواه هشام بن عروة وحبيب بن أبي الاستثناء عن عروة لم يذكرا تفسيرا أه وراوية هشام أخرجها سعيد بن منصور في سننورواية حبيب أخرجها الحارث بن أبي أسامة في مسنده وقد وجدت ما يعضد رواية أسامة ويزيد عليها أن البيان من فعل جبريل وذلك فيما رواه الباغندي في مسند عمربن عبد العزيز والبيهقي في السنن الكبرى من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي بكر بن حزم أنه بلغه عن أبي مسعود فذكره منقطعا لكن رواه الطبراني من وجه آخر عن أبي بكر عن عروة فرجع الحديث إلى عروة ووضح أن له أصلا وأن في رواية مالك ومن تابعه اختصارا وبذلك جزم بن عبد البر وليس في رواية مالك ومن تابعه ما ينفى الزيادة المذكورة فلا توصف والحالة هذه بالشذوذ وفي الحديث من الفوائد دخول العلماء على الأمراء وإنكارهم عليهم ما يخالف السنة واستثبات العالم فيما يستغربه السامع والرجوع عند التنازع إلى السنة وفيه فضيلة عمر بن عبد العزيز وفيه فضيلة المبادرة بالصلاة في الوقت الفاضل وقبول خبر الواحد الثبت واستدل به بن بطال وغيره على أن الحجة بالمتصل دون المنقطع لأن عروة أجاب عن استفهام عمر له لما أن أرسل الحديث بذكر من حدثه به فرجع إليه فكأن عمر قال له تأمل ما تقول فلعله بلغك عن غير ثبت فكأن عروة قال له بل قد سمعته ممن قد سمع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والصاحب قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم واستد به عياض على جواز الاحتجاج بمرسل الثقة كصنيع عروة حين احتج على عمر قال وإنما راجعه عمر لتثبته فيه لا لكونه لم يرض به مرسلا كذا قال وظاهر السياق يشهد لما قال بن بطال وقال بن بطال أيضا في هذا الحديث دليل على ضعف الحديث الوارد في أن جبريل أم بالنبي صلى الله عليه وسلم في يومين لوقتين مختلفين لكل صلاة قال لأنه لو كان صحيحا لم ينكر عروة على عمر صلاته في آخر الوقت محتجا بصلاة جبريل مع أن جبريل قد صلى في اليوم الثاني في آخر الوقت وقال الوقت ما بين هذين وأجيب باحتمال أن تكون صلاة عمر كانت خرجت عن وقت الاختيار وهو مصير ظل الشئ مثليه لا عن وقت الجواز وهو مغيب الشمس فيتجه إنكار عروة ولا يلزم منه ضعف الحديث أو يكون عروة أنكر مخالفة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصلاة في أول الوقت ورأى أن الصلاة بعد ذلك إنما هي لبيان الجواز فلا يلزم منه ضعف الحديث أيضا وقد روى سعيد بن منصور من طريق طلق بن حبيب مرسلا قال إن
[ 6 ]
الرجل ليصلى الصلاة وما فاتته ولما فاته من وقتها خير له من أهله وماله ورواه أيضا عن بن عمر من قوله ويؤيد ذلك احتجاج عروة بحديث عائشة في كونه صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها وهى الصلاة التي وقع الإنكار بسببها وبذلك تظهر مناسبة ذكره لحديث عائشة بعد حديث أبى مسعود لأن حديث عائشة يشعر بمواظبته على صلاة العصر في أول الوقت وحديث أبي مسعود يشعر بان أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريل قوله قال عروة ولقد حدثتني عائشة قال الكرماني هو إما مقول بن شهاب أو تعليق من البخاري قلت الاحتمال الثاني على بعده مغاير للواقع كما سيظهر في باب وقت العصر قريبا فقد ذكره مسندا عن بن شهاب عن عروة عن عائشة فهو مقوله وليس بتعليق وسنذكر الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى قوله باب منيبين إليه كذا عند أبي ذر بتنوين باب ولغيره باب قوله تعالى بالإضافة والمنيب التائب من الإنابة وهي الرجوع وهذه الآية مما استدل به من يرى تكفير تارك الصلاة لما يقتضيه مفهومها وأجيب بأن المراد أن ترك الصلاة من أفعال المشركين فورد النهى عن التشبه بهم لا أن من وأفقهم في الترك صار مشركا وهي من أعظم ما ورد في القرآن في فضل الصلاة ومناسبتها لحديث وفد عبد القيس أن في الآية اقتران نفى الشرك بإقامة الصلاة وفي الحديث اقتران اثبات التوحيد باقامتها وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الإيمان وقوله في هذه الرواية حدثنا عباد وهو بن عباد كذا لأبي ذر وسقطت الواو لغيره وهو ممن وافق اسمه اسم أبيه واسم جده حبيب بن المهلب بن أبي صفرة وقوله إنا هذا الحي هو بالنصب على الاختصاص والله أعلم قوله باب البيعة على أقام الصلاة وفي رواية كريمة إقامة والمراد بالبيعة المبايعة على الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يشترط بعد التوحيد إقامة الصلاة لأنها رأس العبادات البدنية ثم أداء الزكاة لأنها رأس العبادات المالية ثم يعلم كل قوم ما حاجتهم إليه أمس فبايع جريرا على النصيحة لأنه كان سيد قومه فأرشده إلى تعليمهم بأمره بالنصيحة لهم وبايع وفد عبد القيس على أداء الخمس لكونهم كانوا أهل محاربة مع من يليهم من كفار مضر وقد تقدم الكلام على حديث جرير أيضا مستوفى في آخر كتاب الإيمان ويحيى في الإسناد أيضا هو القطان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم قوله باب الصلاة كفارة كذا للأكثر وللمستملى باب تكفير الصلاة قوله حدثنا يحيى هو القطان وشقيق هو بن سلمة أبو وائل قوله سمعت حذيفة للمستملي حدثني حذيفة قوله في الفتنة فيه دليل على جواز إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص إذ تبين أنه لم يسأل إلا عن فتنة مخصوصة ومعنى الفتنة في الأصل الاختبار والامتحان ثم استعملت في كل أمر يكشفه الامتحان عن سوء وتطلق على الكفر والغلو في التأويل البعيد وعلى الفضيحة والبلية والعذاب والقتال والتحول من الحسن إلى القبيح والميل إلى الشئ والاعجاب به وتكون في الخير والشر كقوله تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة قوله أنا كما قاله أي أنا أحفظ ما قاله والكاف زائدة للتأكيد أو هي بمعنى على ويحتمل أن يراد بها المثلية أي أقول مثل ما قاله قوله عليه أي على النبي صلى الله عليه وسلم أو عليها أي على المقالة والشك من أحد رواته قوله الأمر
[ 7 ]
والنهي أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما صرح به في الزكاة قوله قلنا هو مقول شقيق وقوله أني حدثته هو مقول حذيفة والاغاليط جمع أغلوطه وقوله فهبنا أي خفنا وهو مقول شقيق أيضا وقوله الباب عمر لا يغاير قوله قبل ذلك أبينة وبين الفتنة بابا لأن المراد بقولة بينك وبينها أي بين زمانك وبين زمان الفتنة وجود حياتك وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في علامات النبو إن شاء الله تعالى قوله أن رجلا هو أبو اليسر بفتح التحتانية والمهملة الأنصاري رواه الترمذي وقيل غيره ولم أقف على اسم المرأة المذكورة ولكن جاء في بعض الأحاديث أنها من الأنصار قوله لجميع أمتي كلهم فيه ومظلمة في التأكيد وسقط كلهم من رواية المستملى وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في آخر تفسير سورة هود إن شاء الله تعالى واحتج المرجئة بظاهره وظاهر الذي قبله على أن أفعال الخير مكفرة للكبائر والصغائر وحملة جمهور أهل السنة على الصغائر وأشار بحمل المطلق على المقيد كما سيأتي بسطة هناك أن شاء الله تعالى قوله باب فضل الصلاة لوقتها كذا ترجم وأورده بلفظ على وقتها وهي رواية شعبة وأكثر الرواة نعم أخرجه في التوحيد من وجه آخر بلفظ الترجمة وكذا أخرجه مسلم باللفظين قوله قال الوليد بن العيزار أخبرني هو على التقديم والتأخير قوله حدثنا صاحب هذه الدار كذا رواه شعبة مبهما ورواه مالك بن مغول عند المصنف في الجهاد وأبو إسحاق الشيباني في التوحيد عن الوليد فصرحا باسم عبد الله وكذا رواه النسائي من طريق أبي معاوية النخعي عن أبي عمرو الشيباني وأحمد من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبية قوله وأشار بيده فيه الاكتفاء بالإشارة المفهمة عن التصريح وعبد الله هو بن مسعود قوله أي العمل أحب إلى الله في راوية مالك بن مغول أي العمل أفضل وكذا لأكثر الرواة فإن كان هذا اللفظ هو المسئول به فلفظ حديث الباب ملزوم عنه ومحصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال أن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين بان أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بما لهم فيه رغبه أو بما هو لائق بهم أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بان يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن أدائها وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل أو أن أفضل ليست على بابها بل المراد بها الفضل المطلق أو المراد من أفضل الأعمال فحذفت من وهي مرادة وقال بن دقيق العيد الأعمال في هذا الحديث محمولة على البدنية وأراد بذلك الاحتراز عن الإيمان لأنه من أعمال القلوب فلا تعارض حيئذ بينة وبين حديث أبي هريرة أفضل الأعمال إيمان بالله الحديث وقال غيره المراد بالجهاد هنا ما ليس بفرض عين لأنه يتوقف على إذن الوالدين فيكون برهما مقدما عليه قوله الصلاة على وقتها قال بن بطال فيه أن البدار إلى الصلاة في أول أوقاتها أفضل من التراخي فيها لأنه إنما شرط فيها أن تكون أحب الأعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب قلت وفي أخذ ذلك من اللفظ المذكور نظر قال بن دقيق العيد ليس في هذا اللفظ ما يقتضى أولا ولا أخرا وكأن المقصود به الاحتراز عما إذا وقعت قضاء وتعقب بأن إخرجها عن وقتها محرم ولفظ أحب يقتضى المشاركة في الاستحباب
[ 8 ]
فيكون المراد الاحتراز عن إيقاعها آخر الوقت وأجيب بأن المشاركة إنما هي بالنسبة إلى الصلاة وغيرها من الأعمال فإن وقعت الصلاة في وقتها كانت أحب إلى الله من غيرها من الأعمال فوقع الاحتراز عما إذا وقعت خارج وقتها من معذور كالنائم والناسى فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بالتحريم ولا يوصف بكونه أفضل الأعمال مع كونه محبوبا لكن إيقاعها في الوقت أحب تنبية اتفق أصحاب شعبة على اللفظ المذكور في الباب وهو قوله عن وقتها وخالفهم على بن حفص وهو شيخ صدوق من رجال مسلم فقال الصلاة في أول وقتها أخرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي من طريقة قال الدارقطني ما أحسبة حفظه لأنه كبر وتغير حفظه قلت ورواه الحسن بن على المعمري في اليوم والليلة عن أبي موسى محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة كذلك قال الدارقطني تفرد به المعمري فقد رواه أصحاب أبي موسى عنه بلفظ على وقتها ثم أخرجه الدارقطني عن المحاملي عن أبي موسى كرواية الجماعة وهكذا رواه أصحاب غندر عنه والظاهر أن المعمري وهم فيه لأنه كان يحدث من حفظة وقد أطلق النووي في شرح المهذب أن رواية في أول وقتها ضعيفة الله أه لكن لها طريق أخرى أخرجها بن خزيمة في صحيحه والحاكم وغيرهما من طريق عثمابن عمر عن مالك بن مغول عن الوليد وتفرد عثمان بذلك والمعروف عن مالك بن مغول كرواية الجماعة كذا أخرجه المصنف وغيره وكأن من رواها كذلك ظن أن المعنى واحد ويمكن أن يكون أخذه من لفظة على لأنها تقتضي الاستعلاء على جميع الوقت فيتعين أوله قال القرطبي وغيره قوله لوقتها اللام للاستقبال مثل قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أي مستقبلات عدتهن وقيل للابتداء كقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس وقيل بمعنى في أي في وقتها وقوله على وقتها قيل على بمعنى اللام ففيه ما تقدم وقيل لإرادة الاستعلاء على الوقت وفائدته تحقق دخول الوقت ليقع الأداء فيه قوله ثم أي قيل الصواب أنه غير منون لأنه غير موقوف عليه في الكلام والسائل ينتظر الجواب والتنوين لا يوقف عليه فتنوينه ووصله بما بعده خطأ فيوقف عليه وقفه لطيفه ثم يؤتى بما بعده قاله الفاكهانى وحكى بن الجوزي عن بن الخشاب الجزم بتنوينة لأنه معرب غير مضاف وتعقب بأنه مضاف تقديرا والمضاف إليه محذوف لفظا والتقدير ثم أي العمل أحب فيوقف عليه بلا تنوين وقد نص سيبوية على أنها تعرب ولكنها تبنى إذا اضيفت واستشكله الزجاج قوله قال بر الوالدين كذا للأكثر وللمستملى قال ثم بر الوالدين بزيادة ثم قال بعضهم هذا الحديث موافق لقوله تعالى أن اشكر لي ولوالديك وكأنه أخذه من تفسير بن عيينة حيث قال من صلى الصلوات الخمس فقد شكر لله ومن دعا لوالديه عقبها فقد شكر لهما قوله حدثني بهن هو مقول عبد الله بن مسعود وفيه تقرير وتأكيد لما تقدم من أنه باشر السؤال وسمع الجواب قوله ولو استردته يحتمل أن يريد من هذا النوع وهو مراتب أفضل الأعمال ويحتمل أن يريد من مطلق المسائل المحتاج إليها وزاد الترمذي من طريق المسعودي عن الوليد فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادنى فكأنه استشعر منه مشقة ويؤيده ما في رواية لمسلم فما تركت أن استزيده الا ارعاء عليه أي شفقة عليه لئلا يسأم وفي الحديث فضل تعظيم الوالدين وأن أعمال البر يفضل بعضها على بعض وفيه السؤال عن مسائل شتى في وقت واحد والرفق بالعالم والتوقف عن الإكثار عليه خشية ملاله وما كان عليه
[ 9 ]
الصحابة من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والشفقة عليه وما كان هو عليه من إرشاد المسترشدين ولو شق عليه وفيه أن الإشارة تتنزل منزلة التصريح إذا " " كانت معينة للمشار إليه مميزة له عن غيره قال بن بزيزة الذي يقتضية النظر تقديم الجهاد على جميع أعمال البدن لأن فيه بذل النفس إلا أن الصبر على المحافظة على الصلوات وأدائها في أوقاتها والمحافظة على بر الوالدين أمر السري متكرر دائم لا يصبر على مراقبة أمر الله فيه الا الصديقون والله أعلم قوله باب بالتنوين الصلوات الخمس كفارة كذا ثبت في أكثر الروايات وهي أخص من الترجمة للسابقة على التي قبلها وسقطت الترجمة من بعض الروايات وعليه مشى بن بطال ومن تبعه وزارد الكشميهني بعد قوله كفارة للخطايا إذا صلاهن لوقتهن في الجماعة وغيرها قوله بن أبي حازم والدراوردي كل منهما يسمى عبد العزيز وهما مدنيان وكذا بقية رجال الإسناد قوله عن يزيد بن عبد الله أي بن أبي أسامة بن الهاد المؤذن وهو تابعي صغير ولم أر هذا الحديث بهذا الإسناد إلا من طريقة وأخرجه مسلم أيضا من طريق الليث بن سعد وبكر بن مضر كلاهما عنه نعم روى من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب من طريق محمد بن عبيد عنه لكنه شاذ لأن أصحاب الأعمش إنما رووه عنه عن أبي سفيان عن جابر وهو عند مسلم أيضا من هذا الوجه قوله عن محمد بن إبراهيم هو التيمي راوي حديث الأعمال وهو من التابعين أيضا ففي الإسناد ثلاثة تابعيون على نسق قوله أرايتم هو استفهام تقرير متعلق بالاستخبار أي أخبروني هل يبقى قوله لو أن نهرا قال الطيبي لفظ لو يقتضى أن يدخل على الفعل وأن يجاب لكنه وضع الاستفهام موضعه تأكيدا وتقريرا والتقدير لو ثبت نهر صفته كذا لما بقي كذا والنهر بفتح الهاء وسكونها ما بين جنبي الوادي سمي بذلك لسعته وكذلك سمي النهار لسعة ضوئه قوله ما تقول كذا في النسخ المعتمدة بأفراد المخاطب والمعنى ما تقول يا أيها السامع ولأبي نعيم في المستخرج على مسلم كذا للاسماعيلي والجوزقى ما تقولون بصيغة الجمع والإشارة في ذلك إلى الاغتسال قال بن مالك فيه شاهد على إجراء فعل القول مجرى فعل الظن وشرطه أن يكون مضارعا مسندا إلى المخاطب متصلا باستفهام قوله يبقى بضم أوله على الفاعلية قوله من درنه زاد مسلم شيئا والدرن الوسخ وقد يطلق الدرن على الحب الصغار التي تحصل في بعض الأجساد ويأتي البحث في ذلك قوله قالوا لا يبقى بضم أولة أيضا وشيئا منصوب على المفعولية ولمسلم لا يبقى بفتح أولة وشئ بالرفع والفاء في قوله فذلك جواب شئ محذوف أي إذا تقرر ذلك عندكم فهو مثل الصلوات الخ وفائدة التمثيل التأكيد وجعل المعقول كالمحسوس قال الطيبي في هذا الحديث مبالغة فيه نفى الذنوب لأنهم لم يقتصروا في الجواب على لا بل أعادوا اللفظ تأكيدا وقال بن العربي وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير فكذلك الصلوات تطهر العبد عن أقذار الذنوب حتى لا تبقى له ذنبا إلا أسقطته انتهى وظاهرة أن المراد بالخطايا في الحديث ما هو أعم من الصغيرة والكبيرة لكن قال بن بطال يؤخذ من الحديث أن المراد الصغائر خاصة لأنه العطار الخطايا بالدرن والدرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه من القروح والخراجات انتهى وهو مبنى على أن المراد بالدرن في الحديث الحب والظاهر أن المراد به الوسخ لأنه هو الذي يناسبة الاغتسال والتنظف وقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري
[ 10 ]
التصريح بذلك وهو فيما أخرجه البزار والطبراني بإسنادلا بأس به من طريق عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أنه سمع رسو الله صلى الله عليه وسلم يقول أرأيت لو أن رجلا كان له معتمل وبين منزلة ومعتملة خمسة أنهار فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله فأصابه وسخ أو عرق فكلما مر بنهر اغتسل منه الحديث ولهذا قال القرطي ظاهر الحديث أن الصلوات الخمس تستقل بتكفير جميع الذنوب وهو مشكل لكن روى مسلم قبله حديث العلاء عن أبية عن أبي هريرة مرفوعا الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر فعلى هذا المقيد يحمل ما أطلق في غيره فائدة قال بن بزيزة في شرح الأحكام يتوجه على حديث العلاء إشكال يصعب التخلص منه وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر وإذا كان كذلك فما الذي تكفره الصلوات الخمس انتهى وقد أجاب عنه شيخنا الإمام البلقيني بان السؤال غير وارد لأن مراد الله أن تجتنبوا أي في جميع العمر ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها أي في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم فعلى هذا لا تعارض بين الآية والحديث انتهى وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلص منه بحمد الله سهل وذلك أنه لا يتم أجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس فمن لم يفعلها لم يعد مجتنبا للكبائر لأن تركها من الكبائر فوقف التكفير على فعلها والله أعلم وقد فصل شيخنا الإمام البلقيني أحول الإنسان بالنسبة إلى ما يصدر منه من صغيرة وكبيرة فقال تنحصر في خمسة أحدها أن لا يصدر منه شئ البتة فهذا يعاوض برفع الدرجات ثانيها يأتي بصغائر بلا إصرار فهذا تكفر عنه جزما ثالثها مثله لكن مع الاصرار فلا تكفر إذا قلنا أن الاصرار على الصغائر كبيرة رابعها أن يأتي بكبيرة واحدة وصغائر خامسها أن يأتي بكبائر وصغائر وهذا فيه نظر يحتمل إذا لم يجتنب الكبائر أن لا تكفر الكبائر بل تكفر الصغائر ويحتمل أن لا تكفر شيئا أصلا والثاني أرجح لأن مفهوم المخالفة إذا لم تتعين جهته لا يعمل به فهنا لا تكفر شيئا إما لاختلاط الكبائر والصغائر أو لتمحض الكبائر أو تكفر الصغائر فلم تتعين جهة مفهوم المخالفة لدورانه بين الفصلين فلا يعمل به ويؤيدة أن مقتضى تجنب الكبائر أن هناك كبائر ومقتضى ما اجتنبت الكبائر أن لا كبائر فيصا الحديث عنه تنبية لم أر في شئ من طرقه عند أحد من الأئمة الستة وأحمد بلفظ متقول إلا عند البخاري وليس هو عن أبي داود أصلا وهو عند بن ماجة من حديث عثمان لامن حديث أبي هريرة ولفظ مسلم أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل كان يبقى من درنه شئ وعلى يسير اقتصر عبد الحق في الجمع بين الصحيحين وكذا القدرة ووقع في كلام بعض المتأخرين بعد أن ساقه بلفظ ما تقولون أنه في الصحيحين والسنن الأربعة وكأنه أراد أصل الحديث لكن يرد عليه أنه ليس عند أبي داود أصلا ولا بن ماجة من حديث أبي هريرة ووقع في بعض النسخ المتأخرة من البخاري بالياء التحتانية آخر الحروف من يقول فزعم بعض أهل العصر أنه غلط وأنه لا يصح من حيث المعنى واعتمد على ما ذكره بن مالك مما قدمته وأخطأ في ذلك بل له وجه وجيه والتقدير ما يقول أحدكم في ذلك والشرط الذي ذكره بن مالك وغيره من النحاة إنما هو لإجراء فعل القول مجرى فعل الظن كما تقدم وأما إذا ترك القول على حقيقته فلا وهذا ظاهر وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به قوله
[ 11 ]
باب في تضييع الصلاة عن وقتها ثبتت هذه الترجمة في رواية الحموي والكشميهني وسقطت للباقين قوله مهدي هو بن ميمون وغيلان هو بن جرير والإسناد كله بصريون قوله قيل الصلاة أي قيل له الصلاة هي شئ مما كان على عهده صلى الله عليه وسلم وهي باقية فكيف يصح هذا السلب العام فأجاب بأنهم ومداواته أيضا بأن أخرجوها عن الوقت وهذا الذي قال لأنس ذلك يقال له أبو رافع بينه أحمد بن حنبل في روايته لهذا الحديث عن روح عن عثمان بن سعد عن أنس فذكر نحوه فقال أبو رافع يا أبا حمزة ولا الصلاة فقال له أنس قد علمتم ما صنع الحجاج في الصلاة قولة صنعتم بالمهملتين والنون للأكثرية وللكشميهني بالمعجمة وتشديد الياء وهو أوضح في مطابقة الترجمة ويؤيد الأول ما ذكرته آنفا من رواية عثمان بن سعد وما رواه الترمذي من طريق أبي عمران الجوني عن أنس فذكر نحو هذا الحديث وقال في آخره أولم يصنعوا في الصلاة ما قد علمتم وروى بن سعد في الطبقات سبب قول أنس هذا القول فأخرج في ترجمة أنس من طريق عبد الرحمن بن العريان الحارثي سمعت ثابتا البناني قال كنا مع أنس بن مالك فأخر الحجاج الصلاة فقام أنس يريد أن يكلمه فنهاه إخوانه شفقة عليه منه فخرج فركب دابته فقال في مسيره ذلك والله ما أعرف شيئا مما كنا عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهادة أن لا إلا الله فقال رجل فالصلاة يا أبا حمزة قال قد جعلتم الظهر عند المغرب أفتلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه بن أبي عمر في مسنده من طريق حماد عن ثابت مختصرا قوله عن عثمان بن أبي رواد هو خراساني سكن البصرة وأسم أبيه ميمون قوله أخو عبد العزيز أي هو أخو عبد العزيز وللكشميهني أخي عبد العزيز وهو بدل من قوله عثمان قوله بدمشق كان قدوم أنس دمشق في إمارة الحجاج على العراق قدمها شاكيا من الحجاج للخليفة وهو إذ ذاك الوليد بن عبد الملك قوله مما أدركت أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله إلا هذه الصلاة بالنصب والمراد أنه لا يعرف شيئا موجودا من الطاعات معمولا به على وجهه غير الصلاة قوله وهذه الصلاة قد ضيعت قال المهلب والمراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب لا إنهم أخرجوها عن الوقت كذا قال وتبعه جماعة وهو مع عدم مطابقته للترجمة مخالف للواقع فقد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها والآثار في ذلك مشهورة منهاما رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال أخر الوليد الجمعة حتى أمسى فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس ثم صليت العصر وأنا جالس إيماء وهو يخطب وإنما فعذلك عطاء خوفا على نفسه من القتل ومنها ما رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر بن عتبة قال صليت إلى جنب أبي جحيفة فمسى الحجاج بالصلاة فقام أبو جحيفة فصلى ومن طريق بن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج فلما أخر الصلاترك أن يشهدها معه ومن طريق محمد بن أبي إسماعيل قال كنت بمنى وصحف تقرأ للوليد فأخروا الصلاة فنظرت إلى سعيد بن جبير وعطاء يومئان إيماء وهما قاعدان قوله وقال بكر بن خلف هو البصري نزيل مكة وليس له في الجامع إلا هذا الموضع وقد وصله الاسماعيلي قال أخبرنا محمود بن محمد الواسطي قال أخبرنا أبو بشر بكر بن خلف قوله نحوه سياقه عند الاسماعيلي موافق للذي قبله إلا أنه زاد فيه وهو وحده وقال فيه لا أعرف شيئا مما كنا عليه في عهد رسوم الله صلى الله عليه
[ 12 ]
وسلم والباقي سواء تنبيه إطلاق أنس أمرهم على ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصو إلا فسيأتي في هذا الكتاب أنه قدم المدينة فقال ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف والسبب فيه أنه قدم المدنية وعمر بن عبد العزيز أميرها حيئذ وكان على طريقة أهل بيته حتى أخبره عروة عن بشير بن أبي مسعود عن أبية بالنص على الأوقات فكان يحافظ بعد ذلك على عدم إخراج الصلاة عن وقتها كما تقدم بيانه في أوائل الصلاة ومع ذلك فكان يراعى الأمر معهم فيؤخر الظهر إلى آخر وقتها وقد أنكر ذلك أنس أيضا كما في حديث أبي أمامة بن سهل عنه قوله باب المصلي يناجي ربه تقدم الكلام على حديث هذا الباب في أبواب المساجد ومناسبة هذه الترجمة لما قبلها من جهة أن الأحاديث السابقة دلت على مدح من أوقع الصلاة في وقتها وذم ما أخرجها عن وقتها ومناجاة الرب جل جلالة أرفع درجات العبد فأشار المصنف بإيراد ذلك إلى الترغيب في المحافظة على الفرائض في أوقاتها لتحصيل هذه المنزلة السنية التي يخشى فواتها على من قصر في ذلك قوله حدثنا هشام هو بن أبي عبد الله الدستوائي قوله وقال سعيد أي بن أبي عروبة عن قتادة أي بالإسناد المذكور وطريقه موصولة عند الإمام أحمد وابن حبان وقوله فيها قدامة أو بين يديه شك من الراوي قوله وقال شعبة أي عن قتادة بالإسناد أيضا وطريقه موصولة عند المصنف فيما تقدم عن آدم عنه وتقدم أيضا في باب حك المخاط من المسجد عن حفص بن عمر عن شعبة وأراد بهذين التعليقين بيان اختلاف ألفاظ أصحاب قتادة عنه في رواية هذا الحديث ورواية شعبة أتم الروايات لكن ليس فيها المناجاة وقال الكرماني ليس هذا التعليق موقوفا على قتادة ولا على شعبة يعني بل هي مرفوعه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ويحتمل الدخول تحت الإسناد السابق بان يكون معناه مثلا حدثنا سلم حدثنا هشام حدثنا مسلم قال قال سعيد وحدثنا مسلم قال قال شعبة انتهى وهو احتمال ضعيف بالنسبة لشعبة فإن مسلم بن إبراهيم سمع منه وباطل بالنسبة لسعيد فإنه لا رواية له عنه والذي ذكرته هو المعتمد وكذا طريق حميد وصلها المؤلف في أول أبواب المساجد من طريق إسماعيل بن جعفر عنه لكن ليس فيها قوله ولا عن يمينه قوله اعتدلوا في السجود يأتي الكلام عليه في أبواب صفه الصلاة قوله فإنما يناجي في رواية الكشميهني فإنه يناجي ربه قال الكرماني ما حاصله تقدم أن علة النهى عن البزاق عن اليمين بأن عن يمينه ملكا وهنا علل بالمناجاة ولا تنافى بينهما لأن الحكم الواحد يجوز أن يكون له علتان سواء كانتا مجتمعتين أو منفردتين والمناجي تارة يكون قدام من يناجيه وهو الأكثر وتارة يكون عن يمينه قوله باب الابراد بالظهر في شدة الحر قدم المصنف باب الابراد على باب وقت الظهر لأن لفظ الابراد يستلزم أن يكون بعد الزوال لا قبله إذ وقت الإبراد هو ما إذا انحط ت قوة الوهج من حر الظهيرة فكأنه أشار إلى أول وقت الظهر أو أشار إلى حديث جابر بن سمرة قال كان بلال يؤذن الظهر إذا دحضت الشمس أي مالت قوله حدثنا أيواب هوبن سليمان بن بلال كما في رواية أبي ذر وأبو بكر هو بن أبي أويس وهو من أقران أيوب وسليمان هو بن بلال والد أيوب روى أيوب عنه تارة بواسطة وتارة بلا واسطة قوله حدثنا الأعرج عبد الرحمن وغيره هو أبو سلمة بن عبد الرحمن فيما أظن وقد رواه أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أيوب بن سليمان فلم يقل فيه وغيره والإسناد كله مدنيون
[ 13 ]
قوله ونافع هو بالرفع عطفا على الأعرج وهو من رواية صالح بن جلس عن نافع وقد روى بن ماجة من طريق عبد الرحمن الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر بعضه أبردوا بالظهر وروى السراج من هذا الوجه بعضه شدة الحر من فيح جهنم قوله أنهما أي أبا هريرة وابن عمر حدثاه أي حدثا من حدث صالبن جلس ويحتمل أن يكون ضمير أنهما يعود على الأعرج ونافع أي أن الأعرج ونافعا حدثاه أي صالح بن جلس عن شيخهما بذلك ووقع في رواية الاسماعيلي أنهما حدثاه بغير ضمير فلا يحتاج إلى التقدير المذكور قوله إذا أشتد أصله أشتدد بوزن افتعل من الشدة ثم أدغمت إحدى الدالين في الأخرى ومفهومه أن الحر إذا لم يشتد لم يشرع الإبراد وكذا لا يشرع في البرد من باب الأولى قوله ح فأبردوا بقطع الهمزة وكسر الراء أي أخروا إلى أن يبرد الوقت يقال أبرد إذا دخل في البرد كأظهر إذا دخل في الظهيرة ومثله في المكان أنجد إذا دخل نجدا وأتهم إذا دخل تهامة والأمر بالإبرا أمر استحباب وقيل أمر إرشاد وقيل بل هو للوجوب حكاه عياض وغيره وغفل الكرماني فنقل الإجماع على عدم الوجوب نعم قال جمهور أهل العلم يستحب تأخير الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج وخصه بعضهم بالجماعة فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل وهذا قول أكثر المالكية والشافعي أيضا لكن خصه بالبلد الحار وقيد الجماعة بما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد فلو كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في كن فالأفضل في حقهم التعجيل والمشهور عن أحمد التسوية من غير تخصيص ولا قيد وهو قول إسحاق والكوفيين وابن المنذر واستدل له الترمذي بحديث أبي ذر الآتي بعد هذا لأن في روايته أنهم كانوا في سفر وهي رواية للمصنف أيضا ستأتي قريبا قال فلو كان على ما ذهب إليه الشافعي لم يأمر بالإبراد لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون إلى أن ينتابوا من البعد قال الترمذي والأول أولى للإتباع وتعقبه الكرماني بأن العادة في العسكر الكثير تفرقهم في أطراف المنزل للتخفيف وطلب الرعى فلا نسلم اجتماعهم في تلك الحالة انتهى وأيضا فلم تجر عادتهم باتخاذ خباء كبير يجمعهم بل كانوا يتفرقون في ظلال الشجر وليس هناك كن يمشون فيه فليس في سياق الحديث ما يخالف ما قاله الشافعي وغايته أنه استنبط من النص العام وهو الأمر بالإبراد معنى يخصصه وذلك جائز على الأصح في الأصول لكنه مبنى على أن العلة في ذلك تأذيهم بالحر في طريقهم وللمتمسك بعمومه أن يقول العلة فيه تأذيهم بحر الرمضاء في جباههم حالة السجود ويؤيده حديث أنس كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر رواه أبو عوانة في صحيحه بهذا اللفظ وأصله في مسلم وفي حديث أنس أيضا في الصحيحين نحوه وسيأتي قريبا والجواب عن ذلك أن العلة الأولى أظهر فإن الإبراد لا يزيل الحر عن الأرض وذهب بعضهم إلى أن تعجيل الظهر أفضل مطلقا وقالوا معنى أبردوا صلوا في أول الوقت أخذا من برد النهار وهو أوله وهو تأويل بعيد ويرده قوله فإن شدة الحر من فيح جهنم إذ التعليل بذلك يدل على أن المطلوب التأخير وحديث أبي ذر الآتي صريح في ذلك حيث قال أنتظر أنتظر والحامل لهم على ذلك حديث خباب شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا أي فلم يزل شكوانا وهو حديث صحيح رواه مسلم وتمسكوا أيضا بالأحاديث الدالة على فضيلة أول الوقت وبأن الصلاة حينئذ أكثر مشقة فتكون أفضل
[ 14 ]
والجواب عن حديث خباب أنه أمرهم على أنهم طلبوا تأخيرا زائدا عن وقت الإبراد وهو زوال حر الرمضاء وذلك قد يستلزم خروج الوقت فلذلك لم يجبهم أو هو منسوخ بأحاديث الإبراد فإنها متأخره عنه واستدل له الطحاوي بحديث المغيرة بن شعبة قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالهاجرة ثم قال لنا أبردوا بالصلاة الحديث وهو حديث رجاله ثقات رواه أحمد وابن ماجة وصححه بن حبان ونقل أسمع عن أحمد أنه قال هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمع بعضهم بين الحديثين بأن الابراد رخصة والتعجيل أفضل وهو قول من قال إنه أمر إرشاد وعكه بعضهم فقال الإبراد أفضل وحديث خباب يدل على الجواز وهو الصارف للأمر عن الوجوب كذا قيل وفيه نظر لأن ظاهره المنع من التأخير وقيل معنى قول خباب فلم يشكنا أي فلم يحوجنا إلى شكوى بل أذن لنا في الإبراد حكى عن ثعلب ويرده أن في الخبر زيادة رواها بن المنذر بعد قوله فلم يشكنا وقال إذا زالت الشمس فصلوا وأحسن الأجوبة كما قال المازري الأول والجواب عن أحاديث أول الوقت أنها عامة أو مطلقه والأمر بالإبراد خاص فهو مقدم ولا التفات إلى من قال التعجيل أكثر مشقة فيكون أفضل لأن الأفضلية لم تنحصر في الأشق بل قد يكون الأخف أفضل كما في قصر الصلاة في السفر قوله بالصلاة كذا للأكثر والباء للتعدية وقيل زائدة ومعنى أبردوا أخروا على سبيل التضمين أي أخروا الصلاة وفي رواية الكشميهني عن الصلاة فقيل زائدة أيضا أو عن بمعنى الباء أو هي للمجاوزة أي تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة الحر والمراد بالصلاة الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبا في أول وقتها وقد جاء صريحا في حديث أبي سعيد كما سيأتي آخر الباب فلهذا حمل المصنف في الترجمة المطلق على المقيد والله أعلم وقد حمل بعضهم الصلاة على عمومها بناء على أن المفرد المعرف يعم فقال به أشهب في العصر وقال به أحمد في رواية عنه في الشتاء حيث قال تؤخر في الصيف دون الشتاء ولم يقل أحد به في المغرب ولا في الصبح لضيق وقتهما قوله فإن شدة الحر تعليل لمشروعية التأخير المذكور وهل الحكمة فيه دفع المشقة لكونها قد تسلب الخشوع وهذا أظهر أو كونها الحالة التي ينتشر فيها العذاب ويؤيدة حديث عمرو بن عبسه عند مسلم حيث قال له أقصر عن الصلاة عند استواء الشمس فإنها ساعة تسجر فيها جهنم وقد استشكل هذا بان الصلاة سبب الرحمة ففعلها مظنه لطرد العذاب فكيف أمر بتركها وأجاب عنه أبو الفتح اليعمري بان التعليل إذا جاء من جهة الفاء وجب قبوله وأن لم يفهم معناه واستنبط له الزين بن المنير معنى يناسبة فقال وقت ظهور أثر الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا ممن أذن له فيه والصلاة لا تنفك عن كونها طلبودعاء فناسب الاقتصار عنها حينئذ واستدل بحديث الشفاعة حيث اعتذر الأنبياء كلهم للأمم بأن الله تعالى غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله سوى نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يعتذر بل طلب لكونه أذن له في ذلك ويمكن أن يقال سجر جهنم سبب فيحها وفيحها سبب وجود شدة الحر وهو مظنة المشقة التي هي مظنة سلب الخشوع فناسب أن لا يصلي فيها لكن يرد عليه أن سجرها مستمر في جميع السنة والإبراد مختص بشدة الحر فهما متغايران فحكمة الإبراد دفع المشقة وحكمة الترك وقت سجرها لكونه وقت ظهور أثر الغضب والله أعلم قوله من فيح جهنم أي من سعة انتشارها وتنفسها ومنه مكان أفيح أي متسع وهذا كناية عن شدة استعارها وظاهره أن مثار وهج الحر في
[ 15 ]
الأرض من فيح جهنم حقيقة وقيل هو من مجاز التشبيه أي كأنه نار جهنم في الحر والأول أولى ويؤيده الحديث الآتي اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين وسيأتي البحث فيه قوله عن المهاجر أبي الحسن المهاجر اسم وليس بوصف والألف واللام فيه للمح الصفة كما في العباس وسيأتي في الباب الذي بعده بغير ألف ولام قوله عن أبي ذر في رواية المصنف في صفة النار من طريق أخرى عن شعبة بهذا الإسناد سمعت أبا ذر قوله أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم هو بلال كما سيأتي قريبا قوله الظهر بالنصب أي أذن وقت الظهر ورواه الاسماعيلي بلفظ أراد أن يؤذن بالظهر وسيأتي بلفظ للظهر وهما واضحان قوله فقال أبرد ظاهره أن الأمر بالإبراد وقع بعد تقدم الأذان منه وسيأتي في الباب الذي بعده بلفظ فأراد أن يؤذن للظهر وظاهره أن ذلك وقع قبل الأذان فيجمع بينهما على أنه شرع في الأذان فقيل له أبرد فترك فمعنى أذن شرع في الأذان ومعنى أراد أن يؤذن أي يتم الأذان والله أعلم قوله حتى رأينا فئ التلول كذا وقع هنا مؤخرا عن قوله شدة الحر الخ وفي غير هذه الرواية وقع ذلك عقب قوله أبردوا وهو أوضح في السياق لأن الغاية متعلقة بالإبراد وسيأتي في الباب الذي بعده بقية مباحثه إن شاء الله تعالى قوله حفظناه من الزهري في رواية الاسماعيلي عن جعفر الفريابي عن على بن المديني شيخ المصنف فيه بلفظ حدثنا الزهري قوله عن سعيد بن المسيب كذا رواه أكثر أصحاب سفيان عنه ورواه أبو العباس السراج عن أبي قدامة عن سفيان عن الزهري عن سعيد أو بي سلمة أحدهما أو كلاهما ورواه أيضا من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن أبي سلمة وحده والطريقان محفوظان فقد رواه الليث وعمرو بن الحارث عند مسلم ومعمر وابن جريج عند أحمد وابن أخي الزهري وأسامة بن زيد عند السراج ستتهم عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة قوله واشتكت النار في رواية الاسماعيلي قال واشتكت النار وفاعل قال هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالإسناد المذكور قبل ووهم من جعله موقوفا أو معلقا وقد أفرده أحمد في مسنده عن سفيان وكذلك السراج من طريق سفيان وغيره وقد اختلف في هذه الشكوى هل هي بلسان المقال أو بلسان الحال واختار كلا طائفة وقال بن عبد البر لكلا القولين وجه ونظائر والأول أرجح وقال عياض إنه الأظهر وقال القرطبي لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته قال وإذا أخبر الصادق بأمر جائز لم يحتج إلى تأويله فحمله على حقيقته أولى وقال النووي نحو ذلك ثم قال حمله على حقيقته هو الصواب وقال نحو ذلك التوربشتى ورجح البيضاوي حمله على المجاز فقال شكواها مجاز عن غليانها وأكلها بعضها بعضا مجاز عن ازدحام أجزائها وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها وقال الزين بن المنير المختار حمله على الحقيقة لصلاحية القدرة لذلك ولا استعارة الكلام للحال وإن عهدت وسمعت لكن الشكوى وتفسيرها والتعليل له والإذن والقبول والتنفس وقصره على اثنين فقط بعيد من المجاز خارج عما ألف من استعماله قوله بنفسين بفتح الفاء والنفس معروف وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء قوله نفس في الشتاء ونفس في الصيف بالجر فيهما على البدل أو البيان ويجوز الرفع والنصب قوله أشد يجوز الكسر فيه على البدل لكنه في روايتنا بالرفع قال البيضاوي هو خبر مبتدأ محذوف تقديره فذلك أشد وقال الطيبي
[ 16 ]
جعل أشد مبتدأ محذوف الخبر أولى والتقدير أشد ما تجدون من الحر من ذلك النفس قلت يؤيد الأول رواية الاسماعيلي من من هذا الوجه بلفظ فهو أشد ويؤيد الثاني رواية النسائي من وجه آخر بلفظ فأشد ما تجدون من الحر من حر جهنم وفي سياق المصنف لف ونشر غير مرتب وهو مرتب في رواية النسائي والمراد بالزمهرير شدة البرد واستشكل الجوزي في النار ولا إشكال لأن المراد بالنار محلها وفيها طبقة زمهريرية وفي الحديث رد على من زعم من المعتزلة وغيرهم أن النار لا تخلق إلا يوم القيامة تنبيهان الأول قضية التعليل المذكور قد يتوهم منها مشروعية تأخير الصلاة في وقت شدة البرد ولم يقل به أحد لأنها تكون غالبا في وقت الصبح فلا تزول إلا بطلوع الشمس فلو أخرت لخرج الوقت الثاني النفس المذكور ينشأ عنه أشد الحر في الصيف وإنما لم يقتصر في الأمر بالإبراد على أشده لوجود المشقة عند شديد أيضا فالأشدية تحصل عند التنفس والشدة مستمرة بعد ذلك فيستمر الإبراد إلى أن تذهب الشدة والله أعلم قوله بالظهر قد يحتج به على مشروعية الإبراد للجمعة وقال به بعض الشافعية وهو مقتضى صنيع المصنف كما سيأتي في بابه لكن الجمهور على خلافه كما سيأتي توجيهه إن شاء الله تعالى قوله تابعه سفيان هو الثوري قد وصله المؤلف في صفه النار من بدء الخلق ولفظه بالصلاة ولم أره من طريق سفيان بلفظ بالظهر وفي إسناده اختلاف على الثوري رواه عبد الرزاق عنه بهذا الإسناد فقال عن أبي هريرة بدل أبي سعيد أخرجه أحمد عنه والجوزقى من طريق عبد الرزاق أيضا ثم روى عن الذهلي قال هذا الحديث رواه أصحاب الأعمش عنه عن أبي صالح عن أبي سعيد وهذه الطريق أشهر ورواه زائدة وهو متقن عنه فقال عن أبي هريرة قال والطريقان عندي محفوظان لأن الثوري رواه عن الأعمش بالوجهين قوله ويحيى هو بن سعيد القطان وقد وصله أحمد عنه بلفظ بالصلاة ورواه الاسماعيلي عن أبي يعلى عن المقدمي عن يحيى بلفظ بالظهر قوله وأبو عوانة لم أقف على من وصله عنه وقد أخرجه السراج من طريق محمد بن عبيد والبيهقي من طريق وكيع كلاهما عن الأعمش أيضا بلفظ بالظهر فائدة رتب المصنف أحاديث هذا الباب ترتيبا حسنا فبدأ بالحديث المطلق وثنى بالحديث الذي فيه الإرشاد إلى غاية الوقت التي ينتهى إليها الإبراد وهو ظهور فئ التلول وثلث بالحديث الذي فيه بيان العلة في كون ذلك المطلق محمولا على المقيد وربع بالحديث المفصح بالتقييد والله الموفق قوله باب الإبراد بالظهر في السفر أراد بهذه الترجمة أن الإبراد لا يختص بالحضر لكن محل ذلك ما إذا كان المسافر نازلا أما إذا كان سائرا أو على سير ففيه جمع التقديم أو التاخير كما سيأتي في بابه وأورد فيه حديث أبي ذر الماضي مقيدا بالسفر مشيرا به إلى أن تلك الرواية المطلقة محمولة على هذه المقيدة قوله فأراد المؤذن في رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة ومسدد عن أمية بن خالد والترمذي من طريق أبي داود الطيالسي وأبي عوانة من طريق حفص بن عمر ووهب بن جرير والطحاوي والجوزقى من طريق وهب أيضا كلهم عن شعبة التصريح بأنه بلال قوله ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد زاد أبو داود في روايته عن أبي الوليد عن شعبة مرتين أو ثلاثا وجزم مسلم بن إبراهيم عن شعبة بذكر الثالثة وهو عند المصنف في باب الأذان للمسافرين فإن قيل الإبراد الولاء فكيف أمر المؤذن به للأذان فالجواب أن ذلك مبنى على أن
[ 17 ]
الأذان هل هو للوقت أو الولاء وفيه خلاف مشهور والأمر المذكور يقوي القول بأنه الولاء وأجا ب الكرماني بأن عادتهم جرت بأنهم لا يتخلفون عند سماع الأذان عن الحضور إلى الجماعة فالإبراد بالأذان لغرض الإبراد بالعبادة قال ويحتمل أن المراد بالتأذين هنا اشتراط قلت ويشهد له رواية الترمذي من طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ فأراد بلال أن يقيم لكن رواه أبو عوانة من طريق حفص بن عمر عن شعبة بلفظ فأرا بلال أن يؤذن وفيه ثم أمره فأذن وأقام ويجمع بينهما بأن إقامته كانت لا تتخلف عن الأذان لمحافظته صلى الله عليه وسلم على الصلاة في أول الوقت فرواية فأراد بلال أن يقيم أي أن يؤذن ثم يقيم ورواية فأراد أن يؤذن أي ثم يقيم قوله حتى رأينا في التلول هذه الغاية متعلقة بقوله فقال له أبرد أي كان يقول له في الزمان الذي قبل الرؤية أبرد أو متعلقة بأبراد أي قال له أبرد إلى أن ترى أو متعلقة بمقدر أي قال له أبرد فأبرد إلى أن رأينا والفئ بفتح الفاء وسكون الياء بعدها همزة هو ما بعد الزوال من الظل والتلول جمع تل بفتح المثناة وتشديد اللام كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحو ذلك وهي في الغالب منبطحة غير شاخصة فلا يظهر لها ظل إلا إذا ذهب أكثر وقت الظهر وقد اختلف العلماء في غاية الإبراد فقيل حتى يصير الظل ذراعا بعد ظل الزوال وقيل ربع قامة وقيل ثلثها وقيل نصفها وقيل غير ذلك ونزلها المازري على اختلاف الأوقات الجاري على القواعد أنه باختلاف الأحوال لكن يشترط أن لا يمتد إلى آخر الوقت وأما ما وقع عند المصنف في الأذان عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ حتى ساوى الظل التلول فظاهره يقتضى أنه أخرها إلى أن صار ظل كل شئ مثله ويحتمل أن يراد بهذه المساواة ظهور الظل بجنب التل بعد أن لم يكن ظاهرا فساواه في الظهور لا في المقدار أو يقال قد كان ذلك في السفر فلعله أخر الظهر حتى يجمعها مع العصر قوله وقال بن عباس يتفيأ يتميل أي قال في تفسير قوله تعالى يتفيأ ظلاله معناه يتميل كأنه أراد أن الفئ سمي بذلك لأنه ظل مائل من جهة إلى أخرى وتتفيأ في روايتنا بالمثناة الفوقانية أي الظلال وقرئ أيضا بالتحتانية أي الشئ والقراءتان شهيرتان وهذا التعليق في رواية المستملى وكريمة وقد وصله بن أبي حاتم في تفسيره قوله باب بالتنوين وقت الظهر أي ابتداؤه عند الزوال أي زوال الشمس وهو ميلها إلى جهة المغرب وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من زعم من الكوفيين أن الصلاة لا تجب بأول الوقت كما سيأتي ونقل بن بطال أن الفقهاء بأسرهم على خلاف ما نقل عن الكرخي عن أبي حنيفة أن الصلاة في أول الوقت أنكر نفلا انتهى والمعروف عند الحنفية تضعيف هذا القول ونقل بعضهم أن أول الظهر إذا صار الفئ قدر الشراك قوله وقال جابر هو طرف من حديث وصله المصنف في باب وقت المغرب بلفظ كان يصلي الظهر بالهاجرة والهاجرة اشتداد الحر في نصف النهار قيل سميت بذلك من الهجر وهو الترك لأن الناس يتركون التصرف حينئذ لشدة الحر ويقيلون وحديث أنس تقدم في العلم في باب من برك على ركبتيه بهذا الإسناد لكن باختصار وسيأتي الكلام على فوائده مستوعبا إن شاء الله تعالى في كتاب الاعتصام قوله زاغت أي مالت وقد رواه الترمذي بلفظ زالت والغرض منه هنا صدر الحديث وهو قوله خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فإنه يقتضى أن زوال الشمس أول وقت الظهر إذا لم ينقل أنه صلى قبله وهذا هو الذي استقر عليه الإجماع وكان فيه خلاف قديم عن
[ 18 ]
بعض الصحابة أنه جوز صلاة الظهر قبل الزوال وعن أحمد وإسحاق مثله في الجمعة كما سيأتي في بابه قوله في عرض هذا الحائط بضم العين أي جانبه أو وسطه وقوله فلم أر كالخير والشر أي المرئي في ذلك المقام قوله عن أبي المنهال في رواية الكشميهني حدثنا أبو المنهال وهو سيار بن سلامة الآتي ذكره في باب وقت العصر من رواية عوف عنه قوله يعرف جليسه أي الذي بجنبه ففي رواية الجوزقي من طريق وهب بن جرير عن شعبة فينظر الرجل إلى جليسه إلى جنبه فيعرف وجهه ولأحمد فينصرف الرجل فيعرف وجه جليسه وفي رواية لمسلم فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرف فيعرفه وله في أخرى وننصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض قوله والعصر بالنصب أي ويصلي العصر قوله وأحدنا يذهب إلى أقصى المدينة رجع والشمس حية كذا وقع هنا في رواية أبي ذر والأصيلي وفي رواية غيرهما ويرجع بزيادة واو وبصيغة المضارعة عليها شرح الخطابي وظاهرة حصول الذهاب إلى أقصى المدينة والرجوع من ثم إلى المسجد لكن في رواية عوف الآتية قريبا ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية فليس فيه إلا الذهاب فقط دون الرجوع وطريق الجمع بينها وبين رواية الباب أن يقال يحتمل أن الواو في قوله وأحدنا بمعنى ثم على قول من قال أنها ترد للترتيب مثل ثم وفيه تقديم وتأخير والتقدير ثم يذهب أحدنا أي ممن صلى معه وأما قوله رجع فيحتمل أن يكون بمعنى يرجع ويكون بيانا لقوله يذهب ويحتمل أن يكون رجع في موضع الحال أي يذهب راجعا ويحتمل أن أداة الشرط سقطت إما لو أو إذا والتقدير ولو يذهب أحدنا الخ وجوز الكرماني أن يكون رجع خبرا للمبتدأ الذي هو أحدنا ويذهب جملة حالية وهو وإن كان محتملا من جهة اللفظ لكنه يغاير رواية عوف وقد رواه أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة بلفظ والعصر يرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية ولمسلم والنسائي من طريق خالد بن الحارث عن شعبة مثله لكن بلفظ يذهب بدل يرجع وقح ال الكرماني أيضا بعد أن حكى احتمالا آخر وهو أي قوله رجع عطف على يذهب والواو مقدرة ورجع بمعنى يرجع انتهى وهذا الاحتمال الأخير جزم به بن بطال وهو موافق للرواية التي حكيناها ويؤيد ذلك رواية أبي داود عن حفص بن عمر شيخ المصنف فيه بلفظ وأن أحدنا ليذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس حية وقد قدمنا ما يرد عليها وأن رواية عوف أوضحت أن المراد بالرجوع الذهاب أي من المسجد وإنما سمي رجوعا لأن ابتداء المجئ كان من المنزل إلى المسجد فكان الذهاب منه إلى المنزل رجوعا وسيأتى الكلام على بقية مباحث هذا الحديث في باب وقت العصر قريبا قوله وقال معاذ هو بن معاذ البصري عن شعبة أي شوال المذكور وهذا التعليق وصله مسلم عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه به والإسناد كله بصريون وكذا الذي قبله وجزم حماد بن سلمة عن أبي المنهال عند مسلم بقوله إلى ثلث الليل وكذا لأحمد عن حجاج عن شعبة قوله حدثنا محمد كذا للأصيلي وغيره ولأبي ذر بن مقاتل قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله أخبرنا خالد بن عبد الرحمن كذا وقع هنا مهملا وهو السلمي واسم جده بكير وثبت الأمران في مستخرج الاسماعيلي وليس له عند البخاري غير هذا الحديث الواحد وفي طبقته خالد بن عبد الرحمن الخراساني نزيل دمشق وخالد بن عبد الرحمن الكوفي العبدي ولم يخرج لهما البخاري شيئا قوله بالظهائر جمع ظهيرة وهي الهاجرة والمراد صلاة
[ 19 ]
الظهر قوله سجدنا على ثيابنا كذا في رواية أبي ذر والاكثرين وفي رواية كريمة فسجدنا بزيادة فاء وهي عاطفة على شئ مقدر قوله اتقاء الحر أبي للوقاية من الحر وقد روى هذا الحديث بشر بن المفضل عن غالب كما مضى ولفظه مغاير للفظه لكن المعنى متقارب وقد تقدم الكلام عليه في باب السجود على الثوب في شدة الحر وفيه الجواب عن استدلال من استدل به على جواز السجود على الثوب ولو كان يتحرك بحركته وفيه المبادرة لصلاة الظهر ولو كان في شدة الحر ولا يخالف ذلك الأمر بالإبراد بل هو لبيان الجواز وأن كان الإبراد أفضل والله أعلم قوله باب تأخير الظهر إلى العصر أي إلى أول وقت العصر والمراد أنه عند فراغه منها دخل وقت صلاة العصر كما سيأتي عن أبي الشعثاء راوي الحديث وقال الزين بن المنير أشار البخاري إلى اثبات القول باشتراك الوقتين لكن لم يصرح بذلك على عادته في الأمور المحتملة لأن لفظ الحديث يحتمل ذلك ويحتمل غيره قال والترجمة مشعرة بانتفاء الفاصلة بين الوقتين وقد نقل بن بطال عن الشافعي وتبعه غيره فقالوا قال الشافعي بين وقت الظهر وبين وقت العصر فاصله لا تكون وقتا للظهر ولا العصر أه لايعرف ذلك في كتب المذهب عن الشافعي وإنما المنقول عنه أنه كان يذهب إلى أن آخر وقت الظهر ينفصل من أول وقت العصر ومراده نفى القول بالاشتراك ويدل عليه أنه احتج بقول بن عباس وقت الظهر إلى والعصر إلى المغرب فكما أنه لا اشتراك بين العصر والمغرب فكذلك لا اشتراك بين الظهر والعصر قوله عن جابر بن زيد هو أبو الشعثاء والإسناد كله بصريون قوله سبعا وثمانيا أي سبعا جميعا وثمانيا جميعا كما صرح به في باب وقت المغرب من طريق شعبة عن عمرو بن دينار قوله فقال أيوب هو السختياني والمقول له هو أبو الشعثاء قوله عسى أي أن يكون كما قلت واحتما المطر قال به أيضا مالك عقب إخراجه لهذا الحديث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن بن عباس نحوه وقال بدل قوله بالمدينة من غير خوف ولا سفر قال مالك لعله كان في مطر لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابتا عن سعيد بن جبير بلفظ من غير خوف ولا مطر فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر وجوز بعض العلماء أن يكون الجمع المذكور للمرض وقواه النووي وفيه نظر لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من به نحو ذلك العذر والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه وقد صرح بذلك بن عباس في روايته قال النووي ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلا فبان أن وقت العصر دخل فصلاها قال وهو باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء أو كأن نفيه الاحتمال مبنى على أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد والمختار عنده خلافه وهو أن وقتها يمتد إلى العشاء فعلى هذا فالاحتمال قائم قال ومنهم من تأوله على أن الجمع المذكور صوري بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها قال وهو احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل أه وهذا الذي ضعفه استحسنه القرطبي ورجحه قبله إمام الحرمين وجزم به من القدماء بن الماجشون والطحاوي وقواه بن سيد الناس بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن بن عباس قد قال به وذلك فيما رواه الشيخان من طريق بن عيينة عن
[ 20 ]
عمرو بن دينار فذكر هذا الحديث وزاد قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال وأنا أظنه قال بن سيد الناس وراوي الحديث أدرى بالمراد من غيره قلت لكن لم يجزم بذلك بل لم يستمر عليه فقد تقدم كلامه لأيوب وتجويزه لأن يكون الجمع بعذر المطر لكن يقوي ما ذكره من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع فأما أن تحمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر وإما أن تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ويجمع بها بين مفترق الأحاديث والجمع الصوري أولى والله أعلم وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة وممن قال به بن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث واستدل لهم بما وقع عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال فقلت لابن عباس لم فعل ذلك قال أراد أن لا يحرج أحدا من أمته وللنسائي من طريق عمرو بن هرم عن أبي الشعثاء أن بن عباس صلى بالبصر الأولى والعصر ليس بينهما شئ والمغرب والعشاء ليس بينهما شئ فعل ذلك من شغل وفيه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم من طريق عبد الله بن شقيق أن شغل بن عباس المذكور كان بالخطبة وأنه خطب بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم ثم جمع بين المغرب والعشاء وفيه تصديق أبي هريرة لابن عباس في رفعه وما ذكره بن عباس من التعليل بنفى الحرج ظاهر في مطلق الجمع وقد جاء مثله عن بن مسعود مرفوعا أخرجه الطبراني ولفظه جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فقيل له في ذلك فقال صنعت هذا لئلا تحرج أمتي وإرادة نفى الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري لأن القصد إليه لا غلام عن حرج قوله باب وقت العصر وقال أبو أسامة عن هشام من قعر حجرتها كذا وقع هذا التعليق في رواية أبي ذر والأصيلي وكريمة والصواب تأخيره عن الإسناد الموصول كما جرت به عادة المصنف والحاصل أن أنس بن عياض وهو أبو ضمرة المؤذن وأبا أسامة رويا الحديث عن هشام وهو بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة وزاد أبو أسامة التقييد بقعر الحجرة وهو أوضح في تعجيل العصر من الرواية المطلقة وقد وصل الاسماعيلي طريق أبي أسامة في مستخرجه لكن بلفظ والشمس واقعه في حجرتي وعرف بذلك أن الضمير في قوله حجرتها لعائشة وفيه نوع التفاف وإسناد أبي ضمرة كلهم مدنيون والمراد بالحجرة وهي بضم المهملة وسكون الجيم البيت والمراد بالشمس ضوؤها وقوله في رواية الزهري والشمس في حجرتها أي باقية وقوله لم يظهر الفئ أي في الموضع الذي كانت الشمس فيه وقد تقدم في أول المواقيت من طريق مالك عن الزهري بلفظ والشمس في حجرتها قبل أن تظهر أي ترتفع فهذا الظهور غير ذلك الظهور ومحصله أن المراد بظهور الشمس خروجها من الحجرة وبظهور الفئ انبساطه في الحجرة وليس بين الكلب اختلاف لأن انبساط الفئ لا يكون إلا بعد خروج الشمس قولبن عيينة عن الزهري في رواية القدرة في مسنده عن بن عيينة حدثنا الزهري وفي رواية محمد بن منصور عند الاسماعيلي عن سفيان سمعته أذناي ووعاه قلبي من الزهري قوله والشمس طالعة أي ظاهرة قوله بعد بالضم بلا تنوين قوله وقال مالك الخ يعني
[ 21 ]
أن الأربعة المذكورين رووه عن الزهري بهذا الإسناد فجعلوا الظهور للشمس وابن عيينة جعله للفئ وقد قدمنا توجيه ذلك وطريق الجمع بينهما وأن طريق مالك وصلها المؤلف في أول المواقيت وأما طريق يحيى بن سعيد وهو الأنصاري فوصلها الذهلي في الزهريات وأما طريق شعيب وهو بن أبي حمزة فوصلها الطبراني في مسند الشاميين وأما طريق بن أبي حفصة وهو محمد بن ميسرة فرويناها من طريق بن عدي في نسخة إبراهيم بن طهمان عن بن أبي حفصة والمستفاد من هذا الحديث تعجيل صلاة العصر في أول وقتها وهذا هو الذي فهمته عائشة وكذا الراوي عنها عروة واحتج به على عمر بن عبد العزيز في تأخيره صلاة العصر كما تقدم وشذ الطحاوي فقال لا دلالة فيه على التعجيل لاحتمال أن الحجرة كانت قصيرة الجدار فلم تكن الشمس تحتجب عنها إلا بقرب غروبها فيدل على التأخير لا على التعجيل وتعقب بان الذي ذكره من الاحتمال إنما يتصور مع اتساع الحجرة وقد عرف بالاستفاضة والمشاهدة أن حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن متسعة ولا يكون ضوء الشمس باقيا في قعر الحجرة الصغيرة إلا والشمس قائمة مرتفعة وإلا متى مالت جدا ارتفع ضوؤها عن قاع الحجرة ولو كانت الجدر قصيرة قال النووي كانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث كان المريض جدارها أقل من مسافة العرصة بشئ يسير فإذا صار ظل الجدار مثله كانت الشمس بعد في أواخر العرصة أه وكأن المؤلف لما لم يقع له حديث على شرطه في تعيين أول وقت العصر وهو مصير ظل كل شئ مثله استغنى بهذا الحديث الدال على ذلك بطريق الاستنباط وقد أخرج مسلم عدة أحاديث مصرحة بالمقصود ولم ينقل عن أحد من أهل العلم مخالفة في ذلك إلا عن أبي حنيفة فالمشهور عنه أنه قال أول وقت العصر مصير ظل كل شئ مثليه بالتثنية قال القرطبي خالفه الناس كلهم في ذلك حتى أصحابه يعني الآخذين عنه وإلا فقد انتصر له جماعة ممن جاء بعدهم فقالوا ثبت الأمر بالإبراد ولا يحصل إلا بعد ذهاب اشتداد الحر ولا يذهب في تلك البلاد إلا بعد أن يصير ظل الشئ مثليه فيكون أول وقت العصر مصير الظل مثليه وحكاية مثل هذا تغنى عن رده قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك وعوف هو الغلام قوله دخلت أنا وأبي زاد الاسماعيلي زمن أخرج بن زياد من البصرة قلت وكان ذلك في سنة أربع وستين كما سيأتي في كتاب الفتن وسلامة والد سيار حكى عنه ولده هنا ولم أجد من ترجمه وقد وقعت لابنه عنه رواية في الطبراني الكبير في ذكر الحوض قوله المكتوبة أي المفروضة واستدل به على أن الوتر ليس من المكتوبة لكون أبي برزة لم يذكره وفيه بحث قوله كان يصلي الهجير أي صلاة الهجير الاكتيال والهاجرة بمعنى وهو وقت شدة الحر وسميت الظهر بذلك لأن وقتها يدخل حينئذ قوله تدعونها الأولى قيل سميت الأولى لأنها أول صلاة النهار وقيل لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم حين بين له الصلوات الخمس قوله حين تدحض الشمس أي تزول عن وسط السماء مأخوذ من الدحض وهو الزلق وفي رواية لمسلم حين تزول الشمس ومقتضى ذلك أنه كان يصلي الظهر في أول وقتها ولا يخالف ذلك الأمر بالإبراد لاحتمال أن يكون ذلك في زمن البرد أو قبل الأمر بالإبرار أو عند فقد شروط الإبراد لأنه يختص بشدة الحر أو لبيان الجواز وقد يتمسك بظاهره من قال إن فضيلة أول الوقت لا تحصل إلا بتقديم ما يمكن
[ 22 ]
تقدميه من طهارة وستر وغيرهما قبل دخول الوقت ولكن الذي يظهر أن المراد بالحديث التقريب فتحصل الفضيلة لمن لم يتشاغل عند دخول الوقت بغير أسباب الصلاة قوله إلى رحله بفتح الراء وسكون المهملة أي مسكنه قوله في أقصى المدينة صفة للرحل قوله والشمس حية أي بيضاء نقية قال الزين بن المنير المراد بحياتها قوة أثرها حرارة ولونا وشعاعا وإنارة وذلك لا يكون بعد مصير الظل مثلي الشئ اه وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن خيثمة أحد التابعين قال حياتها أن تجد حرها قوله ونسيت ما قال في المغرب قائل ذلك هو سيار بينه أحمد في روايته عن حجاج عن شعبة عنه قوله أن يؤخر من العشاء أي من وقت العشاء قال بن دقيق العيد فيه دليل على استحباب التأخير قليلا لأن التبعيض يدل عليه وتعقب بأنه بعض مطلق لا دلالة فيه على قلة ولا كثرة وسيأتي في باب وقت العشاء من حديث جابر أن التأخير إنما كان لانتظار من يجئ لشهود الجماعة قوله التي تدعونها العتمة فيه إشارة إلى ترك تسميتها بذلك وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد وقال الطيبي لعل تقييده الظهر والعشاء دون غيرهما للاهتمام بأمرهما فتسمية الظهر بالأولى يشعر بتقديمها وتسمية العشاء بالعتمة يشعر بتأخيرها وسيأتي الكلام على كراهة النوم قبلها في باب مفرد قوله وكان ينفتل أي ينصرف من الصلاة أو يلتفت إلى المأمومين قوله من صلاة الغداة أي الصبح وفيه أنه لا كراهة في تسمية الصبح بذلك قوله حين يعرف الرجل جليسه تقدم الكلام على اختلاف ألفاظ الرواة فيه واستدل بذلك على التعجيل بصلاة الصبح لأن ابتداء معرفة الإنسان وجه جليسه يكون في أواخر الغلس وقد صرح بان ذلك كان عند فراغ الصلاة ومن المعلوم من عادته صلى الله عليه وسلم ترتيل القراءة وتعديل الأركان فمقتضى ذلك أنه كان يدخل فيها مغلسا وادعى الزين بن المنير أنه مخالف لحديث عائشة الآتي حيث قالت فيه لا يعرفن من الغلس وتعقب بأن الفرق بينهما ظاهر وهو أن حديث أبي برزة متعلق بمعرفة من هو مسفر جالس إلى جنب المصلي فهو ممكن وحديث عائشة متعلق بمن هو متلفف مع أنه على بعد فهو بعيد قوله ويقرأ أي في الصبح بالستين إلى المائة يعني من الآى وقدرها في رواية الطبراني بسورة الحاقة ونحوها وتقدم في باب وقت الظهر بلفظ ما بين الستين إلى المائة وأشار الكرماني أن القياس أن يقول ما بين الستين والمائة لأن لفظ بين يقتضى الدخول على متعدد قال ويحتمل أن يكون التقدير ويقرأ ما بين الستين وفوقها إلى المائة فحذف لفظ فوقها لدلالة الكلام عليه وفي السياق تأدب الصغير مع الكبير ومسارعة المسئول بالجواب إذا كان عارفا به قوله إلى بني عمرو بن عوف أي بقباء لأنها كانت منازلهم وإخراج المصنف لهذا الحديث مشعر بأنه كان يرى أن قول الصحابي كنا نفعل كذا مسند ولو لم يصرح بإضافته إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو اختيار الحاكم وقال الدارقطني والخطيب وغيرهما هو موقوف والحق أنه موقوف لفظا مرفوع حكما لآن الصحابي أورده في مقام الاحتجاج فيحمل على أنه أراد كونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى بن المبارك هذا الحديث عن مالك فقال فيه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر الحديث أخرجة النسائي قال النووي قال العلماء كانت منازل بني عمرو بن عوف على ميلين من المدينة وكانوا يصلون العصر في وسط الوقت لآنهم كانوا يشتغلون بأعمالهم وحروثهم فدل هذا الحديث
[ 23 ]
على تعجيل النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة العصر في أول وقتها وسيأتي في طريق الزهري عن أنس أن الرجل كان يأتيهم والشمس مرتفعة قوله سمعت أبا أمامة هو أسعد بن سهل بن حنيف وهو عم الراوي عنه وفي القصة دليل على أن عمر بن عبد العزيز كان يصلي الصلاة في آخر وقتها تبعا لسلفه إلى أن أنكر عليه عروة فرجع إليه كما تقدم وإنما أنكر عليه عروة في العصر دون الظهر لآن وقت الظهر لا كراهة فيه بخلاف وقت العصر وفيه دليل على صلاة العصر في أول وقتها أيضا وهو عند انتهاء وقت الظهر ولهذا تشكك أبو أمامة في صلاة أنس أهي الظهر أو العصر فيدل أيضا على عدم الفاصلة بين الوقتين وقوله له يا عم هو على سبيل التوقير ولكونه أكبر سنا منه مع أن نسبهما مجتمع في الأنصار لكنه ليس عمه على الحقيقة والله أعلم قوله باب وقت العصر كذا وقع في رواية المستملى دون غيره وهو خطأ لآنه تكرار بلا فائدة قوله والشمس مرتفعة حية فيه إشارة إلى بقاء حزها وضوئها كما تقدم وقوله بعد ذلك فيأتيهم والشمس مرتفعة أي دون ذلك الارتفاع لكنها لم تصل إلى الحد الذي توصف به بأنها منخفضة وفي ذلك دليل على تعجيله صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر لوصف الشمس بالارتفاع بعد أن تمضى مسافة أربعة أميال وروى النسائي والطحاوي واللفظ له من طريق أبي الأبيض عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا العصر والشمس بيضاء محلقة ثم أرجع إلى قومي في ناحية المدينة فأقول لهم قوموا فصلوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى قال الطحاوي نحن نعلم أن أولئك يعني قوم أنس لم الريح يصلونها إلا قبل اصفرار الشمس فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجلها قوله وبعض العوالي كذا وقع هنا أي بين بعض العوالي والمدينة المسافة المذكورة وروى البيهقى حديث الباب من طريق أبي بكر الصغائى عن أبي اليماني شيخ البخاري فيه وقال في آخره وبعد العوالي بضم الموحدة وبالدال المهملة وكذلك أخرجه المصنف في الاعتصام تعليقا ووصله البيهقي من طريق الليث عن يونس عن الزهري لكن قال أربعة أميال أو ثلاثة وروى هذا الحديث أبو عوانة في صحيحه وأبو العباس السراج جميعا عن أحمد بن الفرج بي عتبة عن محمد بن حمير عن إبراهيم بن أبي عبله عن الزهري ولفظه والعوالى من المدينة على ثلاثة أميال وأخرجه الدارقطني عن المحاملي عن أبي عتبة المذكور بسنده فوقع عنده على ستة أميال ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال فيه على ميلين أو ثلاثة فتحصل من ذلك أن أقرب العوالي من المدينة مسافة ميلين وأبعدها مسافة ستة أميال إن كانت رواية المحاملي محفوظة ووقع في المدونه عن مالك أبعد العوالي مسافة ثلاثة أميال قال عياض كأنه أراد معظم عمارتها وإلا فأبعدها ثمانية أميال انتهى وبذلك جزم بن عبد البر وغير واحد آخرهم صاحب النهاية ويحتمل أن يكون أراد أنه أبعد الامكنة التي كان يذهب إليها الذاهب في هذه الواقعة والعوالى عبارة عن القرى المجتمعة حول المدينة من جهة نجدها وأما ما كان من جهة تهامتها فيقال لها السافلة تنبيه قوله وبعض العوالي الخ مدرج من كلام الزهري في حديث أنس بينه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في هذا الحديث فقال فيه بعد قوله والشمس حية قال الزهري والعوالى من المدينة على ميلين أو ثلاثة ولم يقف الكرماني على هذا فقال هو إما كلام البخاري أو أنس أو الزهري كما هو عادته قوله في الطريق الأخرى كنا نصلي
[ 24 ]
العصر أي مع النبي صلى الله عليه وسلم كما يظهر ذلك من الطرق الأخرح ى وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك كذلك مصرحا به أخرجه الدارقطني في غرائبه قوله ثم يذهب الذاهب منا إلى قباء كأن أنسا أراد اجرأ نفسه كما تشعر بذلك رواية أبي الأبيض المتقدمة قال بن عبد البر لم يختلف على مالك أنه قال في هذا الحديث إلى قباء ولم يتابعه أحد من أصحاب الزهري بل كلهم يقولون إلى العوالي وهو الصواب عند أهل الحديث قال وقول مالك إلى قباء وهم لا شك فيه وتعقب بأنه روى عن بن أبي ذئب عن الزهري إلى قباء كما قال مالك نقله الباجي عن الدارقطني فنسبة الوهم فيه إلى مالك منتقد فإنه إن كان وهما احتمل أن يكون منه وأن يكون من الزهري حين حدث به مالكا وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك فقال فيه إلى العوالي كما قال الجماعة فقد اختلف فيه على مالك وتوبع عن الزهري بخلاف ما جزم به بن عبد البر وأما قوله الصواب عند أهل الحديث العوالي فصحيح من حيث اللفظ ومع ذلك فالمعنى متقارب لكن رواية مالك أخص لأن قباء من العوالي وليست العوالي كل قباء ولعل مالكا لما رأى أن في رواية الزهري إجمالا حملها على الرواية المفسرة وهي روايته المتقدمة عن إسحاق حيث قال فيها ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف وقد تقدم أنهم أهل قباء فبنى مالك على أن القصة واحدة لأنهما جميعا حدثاه عن أنس والمعنى متقارب فهذا الجمع أولى من الجزم بأن مالكا وهم فيه وأما استدلال بن بطال على أن الوهم فيه ممن دون مالك برواية خالد بن مخلد المتقدمة الموافقة لرواية الجماعة عن الزهر ففيه نظر لأن مالكا أثبته في الموطأ باللفظ الذي رواه عنه كافة أصحابه فرواية خالد بن مخلد عنه شاذة فكيف تكون دالة على أن رواية الجماعة وهم بل إن سلمنا أنها وهم فهو من مالك كما جزم به البزار والدارقطني ومن تبعهما أو من الزهري حين حدثه به والأولى سلوك طريق الجمع التي أوضحناها والله الموفق قال بن رشيد قضى البخاري بالصواب لمالك بأحسن إشارة وأوجز عبارة لأنه قدم أولا المجمل ثم أتبعه بحديث مالك المفسر المعين تنبيه قباء تقدم ضبطها في بابا ما جاء في القبلة قوله إلى قباء فيأتيهم أي أهل قباء وهو على حد قوله تعالى واسأل القرية والله أعلم قال النووي في الحديث المبادرة بصلاة العصر في أول وقتها لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين أو أكثر والشمس لم تتغير ففيه دليل للجمهور في أن أول وقت العصر مصير ظل كل شئ مثله خلافا لأبي حنيفة وقد مضى ذلك في الباب الذي قبله قوله بابا إثم من فاتته صلاة العصر أشار المصنف بذكر الإثم إلى أن المراد بالفوات تأخيرها عن وقت الجواز بغير عذر لأن الإثم إنما يترتب علذلك وسيأتي البحث في ذلك قوله الذي تفوته قال بن بزيزة فيه رد على من كره أن يقول فاتتنا الصلاة قلت وسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد في صلاة الجماعة قوله صلاة العصر فكأنما كذا للكشميهنى وسقط للأكثر لفظ صلاة والفاء من قوله فكأنما قوله وتر أهله هو بالنصب عند الجمهور على أنه مفعول ثان لوتر وأضمر في وتر مفعول لم يسم فاعله وهو عائد على الذي فاتته فالمعنى أصيب بأهله وماله وهو متعد إلى مفعولين ومثله قوله تعالى ولن يتركم أعمالكم وإلى هذا أشار المصنف فيما وقع في رواية المستملى قال قال أبو عبد الله يتركم انتهى وقيل وتر هنا بمعنى نقص فعلى هذا يجوز نصبه ورفعه لأن من رد النقص إلى الرجل نصب وأضمر ما يقوم مقام الفاعل ومن رده إلى الأهل رفع وقال القرطبي يروي بالنصب على أن وتر بمعنى سلب وهي تعدى إلى
[ 25 ]
مفعوليين وبالرفع على أن وتر بمعنى أخذ فيكون أهله هو المفعول الذي ليسم فاعله ووقع في رواية المستملى أيضا وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا أو أخذ ت ماله وحقيقة الوتر كما قال الخليل هو الظلم في الدم فعلى هذا فاستعماله في الما مجاز لكن قال الجوهري الموتور هو الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتر وتقول أيضا وتره حقه أي نقصه وقيل الموتور من أخذ أهله أو ماله وهو ينظر إليه وذلك أشد لغمه فوقع التشبيه بذلك لمن فاتته الصلاة لأنه يجتمع عليه غمان غم الإثم وغم فقد النصارى كما يجتمع على الموتور غمان غم السلب وغم الطلب بالثأر وقيل معنى وتر أخذ أهله وماله فصار وتر أي فردا ويؤيد الذي قبله رواية أبي مسلم الكجي من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع فذكر نحو هذا الحديث وزاد في آخره وهو قاعد وظاهر الحديث التغليط على من تفوته العصر وأن ذلك مختص بها وقال بن عبد البر يحتمل أن يكون هذا الحديث خرج جوابا لسائل سأل عن صلاة العصر فأجيب فلا يمنع ذلك إلحاق غيرها من الصلوات بها وتعقبه النووي بأنه إنما يلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفت العلة واشتركا فيها قال والعلة في هذا الحكم لم تتحق فلا يلتحق غير العصر بها انتهى وهذا لا يدفع الاحتمال وقد احتج بن عبد البر بما رواه بن أبي شيبة وغيره من طريق أبي قلابة عن أبي الدرداء مرفوعا من ترك صلاة مكتوبة حتى تفوته الحديث قلت وفي إسناده انقطاع لأن أبا قلابه لم يسمع من أبي الدرداء وقد رواه أحمد من حديث أبي الدرداء بلفظ من ترك العصر فرجع حديث أبو الدرداء إلى تعيين العصر وروى بن حبان وغيره من حديث نوفل بن معاوية مرفوعا من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله وهذا ظاهره العموم في الصلوات المكتوبات وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن نوفل بلفظ لأن يوتر أحدكم أهله وماله خير له من أن يفوته وقت صلاة وهذا أيضا ظاهرة العموم ويستفاد منه أيضا ترجيح توجيه رواية النصب المصدر بها لكن المحفوظ من حديث نوفل بلفظ من الصلوات صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وما له أخرجه المصنف في علامات النبوة ومسلم أيضا والطبراني وغيرهم ورواه الطبراني من وجه آخر وزاد فيه عن الزهري قلت لأبي بكر يعني بن عبد الرحمن وهو الذي حدثه به ما هذه الصلاة قال العصر ورواه بن أبي خيثمة من وجه آخر فصرح بكونها العصر في نفس الخبر والمحفوظ أن كونها العصر من تفسير أبي بكر بن عبد الرحمن ورواه الطحاوي والبيهقي من وجه آخر وفيه أن التفسير من قول بن عمر فالظاهر اختصاص العصر بذلك وسيأتي تقريره في الكلام على الحديث الذي بعده ومما يدل على أن المراد بتفويتها إخراجها عن وقتها ما وقع في رواية عبد الرزاق فأنه أخرج هذا الحديث عن بن جريح عن نافع فذكر نحوه وزاد قلت لنافع حين تغيب الشمس قال نعم وتفسير الراوي إذا كان فقيها أولى من غيره لكن روى أبو داود عن الأوزاعي أنه قال في هذا الحديث وفواتها أن الخطبة الشمس صفرة ولعله مبنى على مذهبه في خروج وقت العصر ونقل عن بن وهب أن المراد إخرجها عن الوقت المختار وقال المهلب ومن تبعه من الشراح إنما أراد فواتها في الجماعة لا فواتها باصفرار الشمس أو بمغيبها قال ولو كان لفوات وقتها كله لبطل اختصاص العصر لأن ذهاب الوقت موجود في كل صلاة ونوقض بعين ما ادعاه لأن فوات الجماعة موجود فكل صلاة لكن في صدر كلامه أن العصر اختصت بذلك لاجتماع المتعاقبين من الملائكة فيها وتعقبة بن المنير بان الفجر أيضا فيها اجتماع المتعاقبين
[ 26 ]
فلا يختص العصر بذلك قال والحق أن الله تعالى يختص ما شاء من الصلوات بما شاء من الفضيلة انتهى وبوب الترمذي على حديث الباب ما جاء في السهو عن وقت العصر فحمله على الساهي وعلى هذا فالمراد بالحديث أنه يلحقه من الأسف عند معاينة النصارى لمن صلى ما يلحق من ذهب منه أهله وماله وقد روى بمعنى ذلك عن سالم بن عبد الله بن عمر ويؤخذ منه التنبية على أن أسف العامد أشد لاجتماع فقد النصارى وحصول الإثم قال بن عبد البر في هذا الحديث إشارة إلى تحقير الدنيا وأن قليل العمل خير من كثير منها وقال بن بطال لا يوجد حديث يقوم مقام هذا الحديث لأن الله تعالى قال حافظوا على الصلوات وقال ولا يوجد حديث فيه تكييف المحافظة غير هذا الحديث قوله باب من ترك العصر أي ما يكون حكمة قال بن رشيد أجاد البخاري حيث اقتصر على صدر الحديث فأبقى فيه محلا للتأويل وقال غيره كان ينبغي أن يذكر حديث الباب في الباب الذي قبله ولا يحتاج إلى هذه الترجمة وتعقب بان الترك أصرح بإرادة التعمد من الفوات قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم سقط عند الأصيلي بن إبراهيم قوله حدثنا هشام وقع عند غير أبي ذر أنبأنا هشام وهو بن أبي عبد الله الدستوائي قوله أخبرنا يحيى عند غير أبي ذر حدثنا قوله عن أبي قلابة عندبن خزيمة من طريق أبي داود الطيالس عن هشام عن يحيى أن أبا قلابة حدثه قوله عن أبي المليح عند المصنف في باب التبكير بالصلاة في يوم الغيم عن معاذ بن فضالة عن هشام في هذا الإسناد أن أبا المليح حدثه وأبو المليح هو بن أسامة بن عمير الهذلي وقد تقدم أن اسمه عامر وأبوه صحابي وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على نسق وتابع هشاما على هذا الإسناد عن يحيى بن أبي كثير شيبان ومعمر وحديثهما عند أحمد وخالفهم الأوزاعي فرواه عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عن بريدة والأول هو المحفوظ وخالفهم أيضا في سياق المتن كما سيأتي التنبية عليه في باب التبكير المذكور إن شاء الله تعالى قوله كنا مع بريدة هو بن الحصيب الأسلمي قوله ذي غيم قيل خص يوم الغيم بذلك لأنه مظنه التأخير إما لمتنطع يحتاط لدخول الوقت فيبالغ في التأخير حتى يخرج الوقت أو لمتشاغل بأمر آخر فيظن بقاء الوقت فيسترسل في شغله إلى أن يخرج الوقت قوله بكروا أي عجلوا والتبكير يطلق لكل من بادر بأي شئ كان في أي وقت كان وأصله المبادرة بالشئ أول النهار قوله فإن النبي صلى الله عليه وسلم الفاء للتعليل وقد استشكل معرفة تيقن دخول أول الوقت مع وجود الغيم لأنهم لم الريح يعتمدون فيه إلا على الشمس وأجيب باحتمال أن بريدة قال ذلك عند معرفة دخول الوقت لأنه لا مانع في يوم الغيم من أن تظهر الشمس أحيانا ثم أنه لا يشترط إذا احتجبت الشمس اليقين بل يكفي الاجتهاد قوله من ترك صلاة العصر زاد معمر في روايته متعمدا وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي الدرداء قوله فقد حبط سقط فقد من رواية المستملى وفي رواية معمر أحبط الله عمله وقد استدل بهذا الحديث من يقول بتكفير أهل المعاصي من الخوارج وغيرهم وقالوا هو وكما قوله تعالى ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وقال بن عبد البر مفهوم الآية أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله فيتعارض مفهومها ومنطوق الحديث فيتعين تأويل الحديث لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من الترجيح وتمسك بظاهر الحديث أيضا الحنابلة ومن قال بقولهم من أن تارك الصلاة يكفر وجوابهم ما تقدم وأيضا فلو كان على ما ذهبوا إليه لما
[ 27 ]
اختصت العصر بذلك وأما الجمهور فتأولوا الحديث فافترقوا في تأويله فرقا فمنهم من أول سبب الترك ومنهم من أول الحبط ومنهم من أول العمل فقيل المراد من تركها جاحدا لوجوبها أو معترفا لكن مستخفا مستهزئا بمن أقامها وتعقب بأن الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط ولهذا أمر بالمبادرة إليها وفهمه أولى من فهم غيره كما تقدم وقيل المراد من تركها متكاسلا لكن خرج الوعيمخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد كقوله لا يزني الزاني وهو مؤمن وقيل هو من مجاز التشبيه كأن المعنى فقد أشبه من حبط عمله وقيل معناه كاد أن يحبط وقيل المراد بالحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله فكأن المراد بالعمل الصلاة خاصة أي لا يحصل على أجر من صلى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ وقيل المراد بالحبط الإبطال أي يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما ثم ينتفع به كمن رجحت سيئاته على حسناته فإنه موقوف في المشيئة فإن ورجاله له فمجرد الوقوف إبطال لنفع الحسنة إذ ذاك وإن عذب ثم ورجاله له فكذلك قال معنى ذلك القاضي أبو بكر بن العربي وقد تقدم مبسوطا في كتاب الإيمان في باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله ومحصل ما قال أن المراد بالحبط في الآية غير المراد بالحبط في الحديث وقال في شرح الترمذي الحبط على قسمين حبط إسقاط وهو إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات وحبط موازنة وهو إحباط المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلى أن تحصل النجاة فيرجع إليه جزاء حسناته وقيل المراد بالعمل في الحديث عمل الدنيا الذي يسبب الاشتغال به ترك الصلاة بمعنى أنه لا ينتفع به ولا يتمتع وأقرب هذه التأويلات قول من قال إن ذلك خرج مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد والله أعلم قوله باب فضل صلاة العصر أي على جميع الصلوات إلا الصبح وإنما حملته على ذلك لأن حديثي الباب لا يظهر منهما رجحان العصر عليها ويحتمل أن يكون المراد أن العصر ذات فضيلة لا ذات أفضلية قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم ووقع عند بن مردويه من طريق شعبة عن إسماعيل التصريح بسماع إسماعيل من قيس وسماع قيس من جرير قوله فنظر إلى القمر ليلة زاد مسلم ليلة البدر وكذا للمصنف من وجه آخر وهو خال من العنعنه أيضا كما سيأتي في باب فضل صلاة الفجر قوله لا تضامون بضم أوله مخففا أي لا يحصل لكم ضيم حينئذ وروى بفتح أوله والتشديد من الضم والمراد نفى الازدحام وسيأتي بسط ذلك في كتاب التوحيد قوله فإن استطعتم أن لا تغلبوا فيه إشارة إلى قطع أسباب الغلبة المنافية للاستطاعة كالنوم والشغل ومقاومة ذلك بالاستعداد له وقوله فافعلوا أي عدم الغلبة وهو كناية عما ذكر من الاستعداد ووقع في رواية شعبة المذكورة فلا تغفلوا عن صلاة الحديث قوله قبل طلوع الشمس وقبل غروبها زاد مسلم يعني العصر والفجر ولابن مردويه من وجه آخر عن إسماعيل قبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها صلاة العصر وقال بن بطال قال المهلب قوله فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة أي في الجماعة قال وخص هذين الوقتين لاجتماع الملائكة فيهما ورفعهم أعمال العباد لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم قلت وعرف بهذا مناسبة إيراد حديث يتعاقبون عقب هذا الحديث لكن لم يظهر لي وجه تقييد ذلك بكونه في جماعة وأن كان فضل الجماعة معلوما من أحاديث أخر بل ظاهر الحديث يتناول
[ 28 ]
من صلاهما ولو منفردا إذ مقتضاه التحريض على فعلهما أعم من كونه جماعة أو لا قوله فافعلوا قال الخطابي هذا يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الصلاتين اه وقد يستشهد لذلك بما أخرجه الترمذي من حديث بن عمر رفعه قال إن أدنى أهل الجنة منزلة فذكر الحديث وفيه وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية وفي سنده ضعف قوله ثم قرأ كذا في جميع روايات الجامع وأكثر الروايات في غيره بايهام فاعل قرأ وظاهره أنه النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم أر ذلك صريح وحمله عليه جماعة من الشراح ووقع عند مسلم عن زهير بن حرب عن مروان بن معاوية بإسناد حديث الباب ثم قرأ جرير أي الصحابي وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد فظهر أنه وقع في سياق حديث الباب وما وافقة إدراج قال العلماء ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية أن الصلاة أفضل الطاعات وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع الملائكة فيهما ورفع الأعمال وغير ذلك فهما أفضل الصلوات فناسب أن يجازى المحافظ عليهم بأفضل العطايا وهو النظر إلى الله تعالى وقيل لما حقق رؤية الله تعالى برؤية القمر والشمس وهما آيتان عظيمتان شرعت لخسوفهما الصلاة والذكر ناسب من يحب رؤية الله تعالى أن يحافظ على الصلاة عند غروبها أه ولا يخفى بعده وتكلفه والله أعلم قوله يتعاقبون أي تأتي طائفة عقب طائفة ثم تعود الأولى عقب الثانية قال بن عبد البر وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو رجلين بأن يأتي هذا مرة ويعقبه هذا ومنه تعقيب الجيوش أن يجهز الأمير بعثا إلى مدة ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز غيرهم إلى مدة ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز الأولين قال القرطبي الواو في قوله يتعاقبون علامة الفاعل المذكر المجموع على لغه بلحارث وهم القائلون أكلوني البراغيث ومنه قول الشاعر بحوران يعصرن السليط أقاربه وهي لغة فاشية وعليها حمل الأخفش قوله تعالى واسروا النجوى الذين ظلموا قال وقد تعسف بعض النحاة في تأويلها وردها للبدل وهو تكلف مستغنى عنه فإن تلك اللغة مشهورة غنم وجه من القياس واضح وقال غيره في تأويل الآية قوله وأسروا عائد على الناس المذكورين أولا والذين ظلموا بدل من الضمير وقيل التقدير أنه لما قيل وأسروا النجوى قيل من هم قال الذين ظلموا حكاه الشيخ محي الدين والأول أقرب إذ الأصل عدم التقدير وتوارد جماعة من الشراح على أن حديث الباب من هذا القبيل ووافقهم بن مالك وناقشه أبو حيان زاعما أن هذه الطريق اختصرها الراوي واحتج لذلك بما رواه البزار من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ أن الله ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة صارت وملائكة بالنهار الحديث وقد سومح في العزو إلى مسند البزار مع أن هذا الحديث بهذا اللفظ في الصحيحين فالعزو إليهما أولى وذلك أن هذا الحديث رواه عن أبي الزناد مالك في الموطأ ولم يختلف عليه باللفظ المذكور وهو قوله يتعاقبون فيكم وتابعه على ذلك عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبية أخرجه سعيد بن منصور عنه وقد أخرجه البخاري في بدء الخلق من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بلفظ الملائكة يتعاقبون ملائكة صارت وملائكة بالنهار وأخرجه النسائي أيضا من طريق موسى بن عقبة عن أبي الزناد بلفظ أن الملائكة يتعاقبون فيكم فاختلف فيه على أبي الزناد
[ 29 ]
فالظاهر أنه كان تارة يذكره هكذا وتارة هكذا فيقوى بحث أبي حيان ويؤيد ذلك أن غير الأعرج من أصحاب أبي هريرة قد رووه تامفأخرجه أحمد ومسلم من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مثل رواية موسى بن عقبة لكن بحذف أن من أوله وأخرجه بن خزيمة والسراج من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ أن لله ملائكة يتعاقبون وهذه هي الطريقة التي أخرجها البزار وأخرجه أبو نيعم في الحلية بإسناد صحيح من طريق أبي موسى عن أبي هريرة بلفظ إن الملائكة فيكم يعتقبون وإذا عرف ذلك فالعزو إلى الطريق التي تتحد مع الطريق التي وقع القول فيها أولى من طريق مغايرة لها فليعز ذلك إلى تخريج البخاري والنسائي من طريق أبي الزناد لما أوضحته والله الموفق قوله فيكم أي المصلين أو مطلق المؤمنين قوله ملائكة قيل هم الحفظة نقله عياض وغيره عن الجمهور وتردد بن بزيزة وقال القرطب الأظهر عندي إنهم غيرهم ويقويه أنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد ولا أن حفظه الليل غير حفظة النهار وبأنهم لو كانوا هم الحفظة لم يقع الاكتفاء في السؤال منهم عن حالة الترك دون غيرها في قوله كيف تركتم عبادي قوله ويجتمعون قال الزين بن المنير التعاقب مغاير للاجتماع لكن ذلك منزل على حالين قلت وهو ظاهر وقال بن عبد البر الأظهر أنهم يشهدون معهم الصلاة في الجماعة واللفظ محتمل للجماعة وغيرها كما يحتمل أن التعاقب يقع بين طائفتين دون غيرهم وأن يقع التعاقب بينهم في النوع لا في الشخص قال عياض والحكمة في اجتماعهم في هاتين الصلاتين من لطف الله تعالى بعباده وإكرامه لهم بأن جعل اجتماع ملائكته في حال طاعة عباده لتكون شهادتهم لهم بأحسن الشهادة قلت وفيه شئ لأنه رجح أنهم الحفظة ولا شك أن الذين يصعدون كانوا مقيمين عندهم مشاهدين لأعمالهم في جميع الأوقات فلأولى أن يقال الحكمة في كونه تعالى لا يسألهم إلا عن الحالة التي تركوهم عليها ما ذكر ويحتمل أن يقال إن الله تعالى يستر عنهم ما يعملونه فيما بين الوقتين لكنه بناء على أنهم غير الحفظة وفيه إشارة إلى الحديث الآخر أن الصلاة كفارة لما بينهما فمن ثم وقع السؤال من كل طائفة عن آخر شئ فارقوهم عليه قوله ثم يعرج الذين باتوا فيكم استدل به بعض الحنفية على استحباب تأخير صلاة العصر ليقع عروج الملائكة إذا فرغ منها آخر النهار وتعقب بأن ذلك غير السري إذ ليس في الحديث ما يقتضى أنهم لا يصعدون إلا ساعة الفراغ من الصلاة بل جائز أن تفرغ الصلاة ويتأخروا بعد ذلك إلى آخر النهار ولا مانع أيضا من أن تصعد ملائكة النهار وبعض النهار باق وتقيم ملائكة الليل ولا يرد على ذلك وصفهم بالمبيت بقوله باتوا فيكم لأن اسم المبيت صادق عليهم ولو تقدمت إقامتهم صارت إقامتهم قطعة من النهار قوله الذين باتوا فيكم اختلف في سبب الاقتصار على سؤال الذين باتوا دون الذين ظلوا فقيل هو من باب الاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر كقوله تعالى فذكر إن نفعت الذكرى أي وإن لم تنفع وقوله تعالى سرابيل تقيكم الحر أي والبرد وإلى هذا أشار بن التين وغيره ثم قيل الحكمة في الاقتصار على ذلك أن حكم طرفي النهار يعلم من حكم طرفي الليل فلو ذكره لكان تكرارا ثم قيل الحكمة في الاقتصار على هذا الشق دون الآخر أن الليل مظنة المعصية فلما لم يقع منهم عصيان مع إمكان دواعى الفعل من إمكان الإخفاء ونحوه واشتغلوا بالطاعة كان النهار أولى بذلك فكان
[ 30 ]
لسؤال عن الليل أبلغ من السؤال عن النهار لكون النهار محل الاشتهار وقيل الحكمة في ذلك أن ملائكة الليل إذا صلوا الفجر عرجوا في الحال وملائكة النهار إذا صلوا العصر لبثوا إلى آخر النهار لضبط بقية عمل النهار وهذا ضعيف لأنه يقتضى أن ملائكة النهار لا يسئلون عن وقت العصر وهو خلاف ظاهر الحديث كما سيأتي ثم هو مبنى على أنهم الحفظة وفيه نطر لما سنبينه وقيل بناه أيضا على أنهم الحفظة أنهم ملائكة النهار فقط وهم لا يبرحون عن ملازمة بني آدم وملائكة الليل هم الذين يعرجون ويتعاقبون ويؤيده ما رواه أبو نعيم في كتاب الصلاة له من طريق الأسود بن يزيد النخعي قال يلتقى الحارسان أي ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة الصبح فيسلم بعضهم على بعض فتصعد ملائكة الليل ببأسه ملائكة النهار وقيل يحتمل أن يكون العروج إنما يقع عند صلاة الفجر خاصة وأما النزول فيقع في الصلاتين معا وفيه التعاقب وصورته أن تنزل طائفة عند العصر وتبيت ثم تنزل طائفة ثانية عند الفجر فيجتمع الطائفتان في صلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فقط ويستمر الذين نزلوا وقت الفجر إلى العصر فتنزل الطائفة الأخرى فيحصل اجتماعهم عند العصر أيضا ولا يصعد منهم أحد بل تبيت الطائفتان أيضا ثم تعرج إحدى الطائفتين ويستمر ذلك فتصبح صورة التعاقب مع اختصاص النزول بالعصر والعروج بالفجر فلهذا خص السؤال بالذين باتوا والله أعلم وقيل إن قوله في هذا الحديث ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر وهم لأنه ثبت في طرق كثيرة أن الاجتماع في صلاة الفجر من غير ذكر صلاة العصر كما في الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في أثناء حديث قال فيه وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر قال أبو هريرة وأقرؤا إن شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا وفي الترمذي والنسائي من وجه آخر بإسناد صحيح عن أبي هريرة في قوله تعالى إن قرأن الفجر كان مشهودا قال تشهده ملائكة الليل والنهار وروى بن مردويه من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه قال بن عبد البر ليس في هذا دفع للرواية التي فيها ذكر العصر إذ لا يلزم من عدم ذكر العصر في الآية والحديث الآخر عدم اجتماعهم في العصر لأن المسكوت عنه قد يكون في حكم المذكور بدليل آخر قال ويحتمل أن يكون الاقتصار وقع في الفجر لكونها جهرية وبحثه الأول متجه لأنه سبيل إلى ادعاء توهيم الراوي الثقة مع إمكان التوفيق بين الروايات ولا سيما أن الزيادة من العدل الضابط مقبولة ولم لا يقال إن رواية من لم يذكر سؤال الذين أقاموا في النهار واقع من تقصير بعض الرواة أو يحمل قوله ثم يعرج الذين باتوا على ما هو أعم من المبيت صارت والإقامة بالنهار فلا يختص ذلك بليل دون نهار ولا عكسه بل كل طائفة منهم إذا صعدت سألت وغاية ما فيه أنه استعمل لفظ بات في أقام مجازا ويكون قوله فيسألهم أي كلا من الطائفتين في الوقت الذي يصعد فيه ويدعلى هذا الحمل رواية موسى بن عقبة عن أبي الزناد عند النسائي ولفظة ثم يعرج الذين كانوا فيكم فعلى هذا لم يقع في المتن اختصار ولا اقتصار وهذا أقرب الأجوبة وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق أخرى واضحا وفيه التصريح بسؤال كل من الطائفتين وذلك فيما رواه بن خزيمة في صحيحه وأبو العباس السراج جميعا عن يوسف بن موسى عن جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله علية وسلم تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد ملائكة الليل وتبيت
[ 31 ]
ملائكة النهار ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتبيت ملائكة الليل فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادي الحديث وهذه الرواية تزيل الإشكال وتغنى عن كثير من الاحتمالات المتقدمة فهي المعتمدة ويحمل ما نقص منها على تقصير بعض الرواة قوله فيسألهم قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستنطاقهم بما يقتضى التعطف عليهم وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون أي وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم وقال عياض هذا السؤال على سبيل التعبد للملائكة كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم وهو سبحانه وتعالى أعلم من الجميع بالجميع قوله كيف تركتم عبادي قال بن أبي جمرة وقع السؤال عن آخر الأعمال لأن الأعمال بخواتيمها قال والعباد المسئول عنهم هم المذكورون في قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان قوله تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون لم يراعوا الترتيب الوجودى لأنهم بدؤا بالترك قبل الأعجمي والحكمة فيه أنهم طابقوا السؤال لأنه قال كيف تركتم ولأن المخبر به صلاة العباد والأعمال بخواتيمها فناسب ذلك إخبارهم عن آخر عملهم قبل أولة وقوله تركناهم وهم ظاهره أنهم فارقوهم عند شروعهم في العصر سواء تمت أم منع مانع من إتمامها وسواء شرع الجميع فيها أم لا لأن المنتظر في حكم المصلي ويحتمل أن يكون المراد بقولهم وهم يصلون أي ينتظرون صلاة المغرب وقال بن التين الواو في قوله وهم يصلون واو الحال أبي تركناهم على هذه الحال ولا يقال يلزم منه أنهم فارقوهم قبل انقضاء الصلاة فلم يشهدوها معهم والخبر ناطق بأنهم يشهدونها لأنا نقول هو أمرهم على أنهم شهدوا الصلاة مع من صلاها في أول وقتها وشهدوا من دخل فيها بعد ذلك وممن شرع فأسباب ذلك تنبيه استنبط منه بعض الصوفية أنه يستحب أن لا يفارق الشخص شيئا من أموره إلا وهو على طهارة كشعره إذا حلقه وظفره إذا قلمه وثوبه إذا أبدله ونحو ذلك وقال بن أبي جمرة أجابت الملائكة بأكثر مما سئلوا عنه لأنهم علموا أنه سؤال يستدعى التعطف على بني آدم فزادوا في موجب ذلك قلت ووقع في صحيح بن خزيمة من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث فاغفر لهم يوم الدين قال ويستفاد منه أن الصلاة أعلى العبادات لأنه عنها وقع السؤال والجواب وفى الاشارة إلى عظم هاتين الصلاتين لكونهما تجتمع فيهما الطائفتان وفي غيرهما طائفواحدة والإشارة إلى شرف الوقتين المذكورتين وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح وأن الأعمال ترفع آخر النهار فمن كان حيئنذ في طاعة بورك في رزقه وفي عمله والله أعلم ويترتب عليه حكمة الأمر بالمحافظة عليهما والاهتمام بهما وفيه تشريف هذه الأمة على غيرها ويستلزم تشريف نبيها على غيره وفيه الإخبار بالغيوب ويترتب عليه زيادة الإيمان وفيه الإخبار بما نحن فيه من ضبط أحوالنا حتى نتيقظ ونتحفظ في الأوامر والنواهي ونفرح في هذه الأوقات بقدوم رسل ربنا وسؤال ربنا عنا وفيه اعلامنا بحب ملائكة الله لنا لنزداد فيهم حبا ونتقرب إلى الله بذلك وفيه كلام الله تعالى مع ملائكته وغير ذلك من الفوائد والله أعلم وسيأتي الكلام على ذلك في باب قوله ثم يعرج في كتاب التوحيد أن شاء الله تعالى قوله باب من أدرك
[ 32 ]
ركعة من العصر قبل الغروب أورد فيه حديث أبي سلمة عن أبي هريرة إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته فكأنه أراد تفسير الحديث وأن المراد بقوله فيه سجدة أي ركعة وقد رواه الاسماعيلي من طريق حسين بن محمد عن شيبان بلفظ من أدرك منكم ركعة فدل على أن الاختلاف في الألفاظ وقع من الرواة وستأتى رواية مالك في أبواب وقت الصبح بلفظ من أدرك ركعة ولم يختلف على راويها في ذلك فكان عليها الاعتماد وقال الخطاب المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها والركعة إنما يكون تمامها بسجودها فسميت على هذا المعنى سجدة انتهى وقد روى البهيقى هذا الحديث من طريق محمد بن الحسين بن أبي الحسين عن الفضل بن دكين وهو أبو نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ إذا أدرك أحدكم أول سجدة من صلاة العصر وإنما لم يأت المصنف في الترجمة بجواب الشرط لما في لفظ المتن الذي أورده من الاحتمال وهو قوله فليتم صلاته لأن الأمر بالإتمام أعم من أن يكون ما ينمه أداء أو قضاء فحذف جواب الشرط لذلك ويحتمل أن تكون من فالترجمة موصولة وفي الكلام حذف تقديره باب حكم من أدرك الخ لكن سيأتي من حديث مالك بلفظ فقد أدرك الصلاة وهو يقتضى أن تكون أداء وستأتى مباحثه هناك أن شاء الله تعالى قوله إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في زمان الأمم السالفة وليس ذلك المراد قطعا وإنما معناه أن نسبة مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الآمم مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار فكأنه قال إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما سلف الخ وحاصله أن في بمعنى إلى وحذف المضاف وهو لفظ نسبة وقد أخرج المصنف هذا الحديث وكذا حديث أبي موسى الآتي بعده في أبواب الإجارة ويقع استيفاء الكلام عليهما هناك إن شاء الله تعالى والغرض هنا بيان مطابقتهما للترجمة والتوفيق بين ما ظاهره الاختلاف منهما قوله أوتى أهل التوراة التوراة ظاهره أن هذا كالشرح والبيان لما تقدم من تقدير مدة الزمانين وقد زاد المصنف من رواية عبد الله بن دينار عن بن عمر في فضائل القرآن هنا وأن مثلكم ومثل اليهود والنصارى الخ وهو يشعر بأنهما قضيتان قوله قيراطا قيراطا كرر قيراطا ليدل على تقسيم القراريط على العمال لأن العرب إذا أرادت تقسيم الشئ على متعدد كررته كما يقال أقسم هذا المال على بني فلان درهما درهما لكل واحد درهم قوله في حديث بن عمر عجزوا قال الداودي هذا مشكل لأنه أن كان المراد من مات منهم مسلما فلا يوصف بالعجز لأنه عمل ما أمر به وإن كان من مات بعد التغيير والتبديل فكيف يعطي القيراط من حبط عمله بكفره وأورده بن التين قائلا قال بعضهم ولم ينفصل عنه وأجيب بان المراد من مات منهم مسلما قبل التغيير والتبديل وعبر بالعجز لكونهم لم يستوفوا عمل النهار كله وإن كانوا قد استوفوا عمل ما قدر لهم فقوله عجزوا أي عن احراز الأجر الثاني دون الأول لكن من أدرك منهم النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به أعطى الأجر مرتين كما سبق مصرحا به كتاب الإيمان قال المهلب ما معناه أورد البخاري حديث بن عمر وحديث أبي موسى في هذه الترجمة ليدل على أنه قد يستحق بعمل البعض أجر الكل مثل الذي أعطى من العصر إلى الليل أجر النهار كله فهو وكما من يعطي أجر الصلاة كلها ولو لم يدرك إلا ركعة وبهذا تظهر مطابقة الحديثين للترجمة قلت وتكملة ذلك أن
[ 33 ]
يقال إن فضل الله الذي أقام به عمل ربع النهار مقام عمل النهار كله هو الذي اقتضى أن يقوم إدراك الركعة الواحدة من الصلاة الرباعية التي هي العصر مقام إدراك الأربع في الوقت فاشتركا في كون كل منهما ربع العمل وحصل بهذا التقرير الجواب عمن استشكل وقوع الجميع أداء مع أن الأكثر إنما وقع خارج الوقت فيقال في هذا ما أجيب به أهل الكتابين ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقد استبعد بعض الشراح كلام المهلب ثم قال هو منفك عن محل الاستدلال لأن الأمة عملت آخر النهار فكان أفضل من عمل المتقدمين قبلها ولا خلاف أن تقديم الصلاة أفضل من تأخيرها ثم هو من الخصوصيات التي لا يقاس عليها لأن صيام آخر النهار لا يجزئ عن جملته فكذلك سائر العبادات قلت فاستبعد غير مستبعد وليس في كلام المهلب ما يقتضى أن إيقاع العبادة في آخر وقتها أفضل من إيقاعها في أوله وأما إجزاء عمل البعض عن الكل فمن معي الفضل فهو كالخصوصية سواء وقال بن المنير يستنبط من هذا الحديث أن وقت العمل ممتد إلى غروب الشمس وأقرب الأعمال المشهورة بهذا الوقت صلاة العصر قال فهو من معي الإشارة لا من صريح العبارة فإن الحديث مثال وليس المراد العمل الخاص بهذا الوقت بل هو شامل لسائر الأعمال من الطاعات في بقية الأمهال إلى قيام الساعة وقد قال إمام الحرمين إن الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال قلت وما أبداه مناسب لإدخال هذا الحديث في أبواب أوقات العصر لا لخصوص الترجمة وهي من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب بخلاف ما أبداه المهلب وأكملناه وأما ما وقع من المخالفة بين سياق حديث بن عمر وحديث أبي موسى فظاهرهما أنهما قضيتان وقد حاول بعضهم الجمع بينهما فتعسف وقال بن رشيد ما حاصله إن حديث بن عمر ذكر مثالا لأهل الأعذار لقوله فعجزوا فأشار إلى أن من عجز عن استيفاء العمل من غير أن يكون له صنيع في ذلك أن الأجر يحصل له تاما فضلا من الله قال وذكر حديث أبي موسى مثالا لمن أخر بغير عذر وإلى ذلك الإشارة بقوله عنهم لا حاجة لنا إلى أجرك فأشار بذلك إلى أن من أخر عامدا لا يحصل له ما حصل لأهل الأعذار قوله في حديث أبي موسى فقال أكملوا كذا للأكثر بهمزة قطع وبالكاف وكذا وقع في الإجارة ووقع هنا للكشميهنى اعملوا بهمزة وصل وبالعين قوله في حديث بن عمر ونحن كنا أكثر وأشار تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد في كتاب الاسرار إلى أن وقت العصر من مصير ظل كل شئ مثليه لأنه لو كان من مصير ظل كل شئ مثله لكان مساويا لوقت الظهر وقد قالوا كنا أكثر وأشار فدل على أنه دون وقت الظهر وأجيب بمنع المساواة وذلك معروف عند أهل العلم بهذا الفن وهو أن المدة التي بين الظهر والعصر أطول من المدة التي بين العصر والمغرب وأما ما نقله بعض الحنابلة من الإجماع على أن وقت العصر ربع النهار فمحمول على التقريب إذا فرعنا على أن أول وقت العصر مصير الظل مثله كما قال الجمهور وأما على قول الحنفية فالذي من الظهر إلى العصر أطول قطعا وعلى التنزيل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة وبأن الخبر إذا أورد في معنى مقصود لا تؤخذ منه المعارضة لما ورد في ذلك المعنى بعينه مقصودا في أمر آخر وبأنه ليس في الخبر نص على أن كلا من الطائفتين أكثر وأشار لصدق أن كلهم مجتمعين أكثر وأشار من المسلمين وباحتمال أن يكون أطلق ذلك تغليبا وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصة فيندفع الاعتراض من أصله كما جزم به بعضهم
[ 34 ]
وتكون نسبة ذلك للجميع في الظاهر غير مرادة بل هو عموم أريد به الخصو ص أطلق ذلك تغليبا وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر وأشار أن الريح أكثر زمانا لاحتمال كون العمل في زمنهم كان أشق ويؤيده قوله تعالى ربنا ولا تحمل علينا أصرا كمحملته على الذين من قبلنا ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته لا بالنسبة إلى المريض الزمان وقصره كون أهل الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم دون المدة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا أن مدة الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان وقيل إنها دون ذلك حتى جاء عن بعضهم أنها مائة وخمس قرة سنة وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر ولا قائل به فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته والله سبحانه وتعالى أعلم قوله باب وقت المغرب وقال عطاء يجمع المريض بين المغرب والعشاء أشار بهذا الأثر في هذه الترجمة إلى أن وقت المغرب يمتد إلى العشاء وذلك أنه لو كان مضيقا لا نفصل عن وقت العشاء ولو كان منفصلا لم يجمع بينهما كما في الصبح والظهر ولهذه النكتة ختم الباب بحديث بن عباس الدال على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في وقت أحدهما وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما وأما الأحاديث التي أوردها في الباب فليس فيها ما يدل على أن الوقت مضيق لأنه ليس فيها إلا مجرد المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها وكانت تلك عادته صلى الله عليه وسلم في جميع الصلوات إلا فيما ثبت فيه خلاف ذلك كالابراد وكتأخير العشاء إذا أبطئوا كما في حديث جابر والله أعلم وأما أثر عطاء فوصله عبد الرزاق في مصنفه عن بن جريج عنه واختلف العلماء في المريض هل يجوز له أن يجمع بين الصلاتين كالمسافر لما فيه من الرفق به أو لا فجوزه أحمد وإسحاق مطلقا واختاره بعض الشافعية وجوزه مالك بشرطه والمشهور عن الشافعي وأصحابه المنع ولم أر في المسألة نقلا عن أحد من الصحابة قوله الوليد هو بن مسلم قوله هو عطاء بن صهيب هو مولى رافع بن خديج شيخه قال بن حبان صحبه ست سنين قوله وأنه ليبصر مواقع نبله بفتح النون وسكون الموحدة أي المواضع التي تصل إليها سهامه إذا رمى بها وروى أحمد في مسنده من طريق على بن بلال عن ناس من الأنصا قالوا كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثم نرجع فنترامى حتى نأتي ديارنا فما يخفى علينا مواقع سهامنا إسناده حسن والنبل هي السهام العربية وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها قاله بن سيده وقيل وأحدها نبلة مثل تمر وتمرة ومقتضاه المبادرة بالمغرب في أول وقتها بحيث أن الفراغ منها يقع والضوء باق قوله محمد بن جعفر هو غندر قوله عن محمد بن عمرو في مسلم من طريق معاذ عن شعبة عن سعد سمع محمد بن عمرو بن الحسن قوله قدم الحجاج بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم وآخره جيم هو بن يوسف الثقفي وزعم الكرماني أن الرواية بضم أوله قال وهو جمع حاج انتهى وهو تحريف بلا خلاف فقد وقع في رواية أبى عوانه في صحيحه من طرق أبي النضر عن شعبة سألنا جابر بن عبد الله في زمن الحجاج وكان يؤخر الصلاة عن وقت الصلاة وفي رواية مسلم من طريق معاذ عن شعبة كان الحجاج يؤخر الصلاة فائدة كان قدوم الحجاج المدينة
[ 35 ]
أميرا عليها من قبل عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين وذلك عقب قتل بن الزبير فأمره عبد الملك على الحرمين وما معهما ثم نقله بعد هذا إلى العراق قوله بالهاجرة ظاهره يعارض حديث الإبراد لأن قوله كايفعل يشعر بالكثرة والدوام عرفا قاله بن دقيق العيد ويجمع بين الحديثين بأن يكوأطلق الهاجرة على الوقت بعد الزوال مطلقا لأن الإبراد كما تقدم مقيد بحال شدة الحر وغير ذلك كما تقدم فإن وجدت شروط الإبراد أبرد وإلا عجل فالمعنى كان يصلى الظهر بالهاجرة إلا أن أحتاج إلى الإبراد وتعقب بأنه لو كان مراده لفصل كما فصفي العشاء والله أعلم قوله نقية بالنون أوله أي خالصة صافية لم تدخلها صفرة ولا تغير قوله إذا وجبت أي غابت وأصل الوجوب السقوط والمراد سقوط قرص الشمس وفاعل وجبت مستتر وهو الشمس وفي رواية أبي داود عن مسلم بن إبراهيم والمغرب إذا غربت الشمس ولأبي عوانة من طريق أبي النضر عن شعبة والمغرب حين تجب الشمس وفيه دليل على أن سقوط قرص الشمس يدخل به وقت المغرب ولا يخفى أن محله ما إذا كان لا يحول بين رؤيتها غاربة وبين الرائى حائل والله أعلم قوله والعشاء أحيانا وأحيانا ولمسلم أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل كان إذا رآهم قد اجتمعوا الخ وللمصنف في باب وقت العشاء عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة إذا كثر الناس عجل وإذا قلوا أخر ونحوه لأبي عوانة في رواية والأحيان جمع حين وهو اسم مبهم يقع على القليل والكثير من الزمان على المشهور وقيل الحين ستة أشهر وقيل أربعون سنة وحديث الباب يقوي المشهور وسيأتي الكلام على حكم وقت العشاء في بابه وقال بن دقيق العيد إذا تعارض في شخص أمران أحدهما أن يقدم الصلاة في أول الوقت منفردا أو يؤخرها في الجماعة أيهما أفضل الأقرب عندي أن التأخير لصلاة الجماعة أفضل وحديث الباب يدل عليه لقوله وإذا رآهم أبطئوا أخر فيؤخر لأجل الجماعة مع إمكان التقديم قلت ورواية مسلم بن إبراهيم التي تقدمت أخذت على أخص من ذلك وهو أن انتظار من تكثر بهم الجماعة أولى من التقديم ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم يفحش التأخير ولم يشق على الحاضرين والله أعلم قوله كانوا أو كان قال الكرماني الشك من الراوي عن جابر ومعناهما متلازمان لأن أيهما كان يدخل فيه الآخر إن أراد النبي صلى الله عليه وسلم فالصحابة في ذلك كانوا معه وإن أراد الصحابة فالنبى صلى الله عليه وسلم كان إمامهم أي كان شأنه التعجيل لها دائما لا كما كان يصنع في العشاء من تعجيلها أو تأخيرها وخبر كانوا محذوف يدل عليه قول يصليها أي كانوا يصلون والغلس بفتح اللام ظلمة آخر الليل وقال بن بطاما حاصله فيه حذفان حذف خبر كانوا وهو جائز كحذف خبر المبتدأ في قوله واللائى لم يحضن أي فعدتهن مثل ذلك والحذف الثاني حذف الجملة التي بعد أو تقديره أو لم الريح مجتمعين قال بن التين ويصح أن يكون كانوا هنا تامة غير ناقصة بمعنى الحضور والوقوع فيكون المحذوف ما بعد أو خاصة وقال بن المنير يحتمل أن يكون شكامن الراوي هل قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أو كانوا ويحتمل أن يكون تقدير والصبح كانوا مجتمعين مع النبي أو كان النبي صلى الله عليه وسلم وحده يصليها بالغلس قلت والتقدير المتقدم أولى والحق وأنه شك من الراوي فقد وقع في راوية مسلم والصبح كانوا أو قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وفيه حذف واحد تقديره والصبح كانوا يصلونها أو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس فقوله بغلس
[ 36 ]
يتعلق بأي اللفظين كان هو الواقع ولا يلزم من قوله كانوا يصلونها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معهم ولا من قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان وحده بل المراد بقوله كانوا يصلونها أي النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها أي بأصحابه والله أعلم قوله عن سلم هو بن الأكوع وهذا من ثلاثيات البخاري قوله إذا توارت بالحجاب أي استترت والمراد الشمس قال الخطابي لم يذكرها اعتمادا على أفهام السامعين وهو كقوله في القرآن حتى توارت بالحجاب انتهى وقد رواه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد بلفظ إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب فدل على أن الاختصار في المتن من شيخ البخاري وقد صرح بذلك الاسماعيلي ورواه عبد بن حميد عن صفوان بن عيسى وأبو عوانة والاسماعيلي من طريق صفوان أيضا عن يزيد بن أبي عبيد بلفظ كان يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس حيث يغيب حاجبها والمراد حاجبها الذي يبقى بعدأن تغيب أكثرها والرواية التي فيها توارت أصرح في المراد وقد تقدم الكلام على حديث بن عباس في الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر والله أعلم واستدل بهذه الأحاديث على ضعف حديث أبي بصرة بالموحدة ثم المهملة رفعه في أثناء حديث ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد والشاهد النجم قوله باب من كره أن يقال للمغرب العشاء قال الزين بن المنير عدل المصنف عن الجزم كأن يقول باب كراهية كذا لأن لفظ الخبر لا يقتضى نهيا مطلقا لكن فيه النهى عن غلبة الأعراب على ذلك فكأن المصنف رأى أن هذا القدر لا يقتضى المنع من إطلاق العشاء عليه أحيانا بل يجوز أن يطلق على وجه لا يترك له التسمية الأخرى كما ترك ذلك الأعراب وقوفا مع عادتهم قال وإنما شرع لها التسمية بالمغرب لأنه اسم يشعر بمسماها أو بابتداء وقتها وكره إطلاق اسم العشاء عليها لئلا يقع الالتباس بالصلاة الأخرى وعى هذا لا يكره أيضا أن تمسى العشاء بقيد كأن يقول العشاء الأولى ويؤيده قولهم العشاء الآخرة كما ثبت في الصحيح وسيأتي من حديث أنس في الباب الذي يليه ونقل بن بطال عن غير أنه لا يقال للمغرب العشاء الأولى ويحتاج إلى دليل خاص أما من حديث الباب فحجة له قوله عبد الوارث هو بن سعيد التنوري وقوله عن الحسين هو المعلم قوله حدثني عبد الله المزني كذا للأكثر لم يذكر اسم أبيه زاد في رواية كريمة هو بن مغفل بالغين المعجمة والفاء المشددة وكذلك وقع منسوبا بذكر أبيه في رواية عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عند الاسماعيلي وغيره والإسناد كله بصريون قوله لا تغلبكم قال الطيبي يقال غلبه على كذا غصبه منه أو أخذه منه قهرا والمعنى لا تتعرضوا لما هو من عادتهم من تسمية المغرب بالعشاء والعشاء بالعتمة فيغضب منكم الأعراب اسم العشاء التي سماها الله بها قال فالنهى على الظاهر للأعراب وعلم الحقيقة لهم وقال غيره معنى الغلبة أنكم تسمونها اسما وهم يسمونها اسما فإن سميتموها بالآسم الذي يسمونها به وافقتموهم وإذا وافق الخصم خصمه صار كأنه أنقطع له حتى غلبة ولا يحتاج إلى تقدير غصب ولا أخذ وقال التوربشتي المعنى لا تطلقوا هذا الاسم على ما هو متداول بينهم فيغلب مصطلحهم على الاسم الذي شرعته لكم وقال القرطبي الأعراب من كان من أهل البادية وأن لم يكن عربيا والعربي من ينتسب إلى العرب ولو لم يسكن البادية قولة على أسم صلاتكم التعبير بالاسم يبعد قول الأزهري أن المراد
[ 37 ]
بالنهي عن ذلك أن لا تؤخر صلاتها عن وقت الغروب وكذا قول بن المنير السر في النهى سد الذريعة لئلا تسمى عشاء فيظن امتداد وقتها عن غروب الشمس أخذا من لفظ العشاء أه وكأنه أراد تقوية مذهبة في أن وقت المغرب مضيق وفية نظر إذ لا يلزم من تسميتها المغرب أن يكون وقتها مضيقا فإن الظهر سميت بذلك لأن ابتداء وقتها عند الظهيرة وليس وقتها مضيقا بلا خلاف قوله قال وتقول الأعراب هي العشاء سر النهى عن موافقتهم على ذلك أن لفظ العشاء لغة هو أول ظلام الليل وذلك من غيبوبه الشفق فلو قيل للمغرب عشاء لأدى إلى أن أول وقتها غيبوبة الشفق وقد جزم الكرماني بأن فاعل قال هو عبد الله المزني راوي الحديث ويحتاج إلى نقل خاص لذلك وإلا فظاهر إيراد الاسماعيلي أنه من تتمة الحديث فإنه أورده بلفظ فإن الأعراب تسميها والأصل في مثل هذا أن يكون كلاما واحدا حتى يقوم دليل على ادراجه فائده لا يتناول النهى تسمية المغرب عشاء على سبيل التغليب كمن قال مثلا صليت العشاءين إذا قلنا أن حكمة النهى عن تسميتها عشاء خوف اللبس لزوال اللبس في الصيغة المذكورة والله أعلم تنبيه أورد الاسماعيلي حدبث الباب من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبية وأختلف عليه في لفظ المنن فقال هارون الحمال عنه كرواية البخاري قلت وكذلك رواه أحمد بن حنبل في مسنده وأبو خيثمة زهير بن حرب عند أبي نعيم في مستخرجه وغير واحد عن عبد الصمد وكذلك رواه بن خزيمة في صحيحه عن عبد الوارث بن عبد الصمد عن أبيه أه وقال أبو مسعود الرازي عن عبد الصمد لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإن الأعراب تسميها عتمة قلت وكذلك رواه على بن عبد العزيز البغوي عن أبي معمر شيخ البخاري فيه أخرجه الطبراني عنه وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه عن الطبراني كذلك وجنح الاسماعيلي إلى ترجيح رواية أبي مسعود لموافقته حديث بن عمر يعني الذي رواه مسلم كما سنذكره في صدر الباب الذي يليه والذي يتبين لي أنهما حديثان أحدهما في المغرب والآخر في العشاء كانا جميعا عند عبد الوارث بسند واحد والله تعالى أعلم قوله باب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعا غاير المصنف بين هذه الترجمة والتي قبلها مع أن سياق الحديثين الواردين فيهما واحد وهو النهى عن غلبة الأعراب على التسميتين وذلك لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق اسم العشاء على المغرب وثبت عنه إطلاق اسم العتمة على العشاء فتصرف المصنف في الترجمتين بحسب ذلك والحديث الذي ورد في العشاء أخراجه مسلم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن بن عمر بلفظ لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنها في كتاب الله العشاء وإنهم يعتمون بحلاب الإبل ولابن ماجة نحوه من حديث أبي هريرة وأسناده حسن ولأبي يعلى والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف كذلك زاد الشافعي في روايته في حديث بن عمر وكان بن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة صاح وغضب وأخرج عبد الرزاق هذا الموقوف من وجه آخر عن بن عمر واختلف السلف في ذلك فمنهم من كرهه كابن عمر راوي الحديث ومنهم من أطلق جوازه نقله بن أبي شيبة عن أبي بكر الصديق وغيره ومنهم من جعله خلاف الأولى وهو الراجح وسيأتي للمصنف وكذلك نقله بن المنذر عن مالك والشافعي واختاره ونقل القرطبي عن غيره إنما نهى عن ذلك تنزيها لهذه العبادة الشرعية
[ 38 ]
الدينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلة دنيوية وهي الحلبة التي كانوا يحلبونها في ذلك الوقت ويسمونها العتمة قلت وذكر بعضهم أتلك الحلبة إنما كانوا يعتمدونها في زمان الجدب خوفا من السؤال والصعاليك فعلى هذا فهي فعلة دنيوية مكروهة لا تطلق على فعلة دينية محبوبة ومعنى العتم في الأصل تأخير مخصوص وقال الطبري العتمة بقية اللبن تغبق بها الناقة بعد هوى من الليل فسميت الصلاة بذلك لأنهم كانوا يصلونها في تلك الساعة وروى بن أبي شيبة من طريق ميمون بن مهران قال قلت لابن عمر من أول من سمي صلاة العشاء العتمة قال الشيطان قوله وقال أبو هريرة شرع المصنف في أيراد أطراف أحاديث محذوفة الأسانيد كلها صحيحة مخرجة في أمكنة أخرى حاصلها ثبوت تسمية هذه الصلاة تارة عتمة وتارة عشاء وأما الأحاديث التي لا تسمية فيها بل فيها أطلاق الفعل كقوله أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ففائدة أيراده لها الأشارة إلى أن النهى عن ذلك إنما هو لإطلاق الاسم لا لمنع تأخير هذه الصلاة عن أول الوقت وحديث أبي هريرة المذكور وصله المصنف باللفظ الأول في باب فضل العشاء جماعة وباللفظ الثاني وهو العتمة في باب الاستهام في الأذان قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله والاختيار قال الزين بن المنير هذا لا يتناوله لفظ الترجمة فإن لفظ الترجمة يفهم التسوية وهذا ظاهر في الترجيح قلت لا تنافى بين الجواز مضمحلا فالشيئان إذا كانا جائزا الفعل قد يكون إحداهما أولى من الآخر وإنما صار عنده أولى لموافقته لفظ القرآن ويترجح أيضا بأنه أكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وبأن تسميتها عشاء يشعر بأول وقتها بخلاف تسميتها عتمة لأنه يشعر بخلاف ذلك وبأن يسير في الترجمة لا ينافي ما ذكر أنه الاختيار وهو واضح لمن نظره لأنه قال من كره فأشار إلى الخلاف ومن نقل الخلاف لا يمتنع عليه أن يختار قوله ويذكر عن أبي موسى سيأتي موصولا عند المصنف مطولا بعد باب واحد وكأنه لم يجزم به لأنه اختصر يسير نبه على ذلك شيخنا الحافظ أبو الفضل وأجاب به من اعترض على بن الصلاح حيث فرق بين الصيغتين وحاصل الجواب أن صيغة الجزم أخذت على القوة وصيغة التمريض لا أخذت ثم بين مناسبة العدول في حديث أبي موسى عن الجزم مع صحته إلى التمريض بأن البخاري قد يفعل ذلك لمعنى غير التضعيف وهو ما ذكره من إيراد الحديث بالمعنى وكذا الاقتصار على بعضه لوجود الاختلاف في جوازه وأن كان المصنف يرى الجواز قوله وقال بن عباس وعائشة أما حديث بن عباس فوصله المصنف في باب النوم قبل العشاء كما سيأتي قريبا وأما حديث عائشة بلفظ أعتم بالعشاء فوصله في باب فضل العشاء من طريق عقيل وفي الباب الذي بعده من طريق صالح بن جلس كلاهما عن الزهري عن عروة عنها وأما حديثها بلفظ أعتم بالعتمة فوصله المصنف أيضا في باب خروج النساء إلى المساجد صارت بعد باب وضوء الصبيان من كتاب الصلاة أيضا من طريق شعيب عن الزهري بالسند المذكور وأخرجه الاسماعيلي من طريق عقيل أيضا ويونس وابن أبي ذئب وغيرهم عن الزهري بلفظ أعتم النبي صلى الله علية وسلم ليلة بالعشاء وهي التي يدعو الناس العتمة وهذا يشعر بان السياق المذكور من يطلق الراوي تنبيه معنى أعتم دخل في وقت العتمة ويطلق أعتم بمعنى أخر لكن الأول هنا أظهر قوله وقال جابر كان النبي صلى الله علية وسلم يصلي العشاء هو طرف من حديث وصله المؤلف في باب وقت المغرب وفي باب وقت العشاء قوله وقال أبو برزة كا النبي
[ 39 ]
صلى الله علية وسلم يؤخر العشاء هو طرف من حديث وصله المؤلف في باب وقت العصر قوله وقال أنس أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء هو طرف من حديث وصله المؤلف في باب وقت العشاء إلى نصف الليل قوله وقال بن عمر وأبو أيوب وابن عباس صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء أما حديث بن عمر فأسنده المؤلف في الحج بلفظ صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء وأما حديث بن عباس فوصله في باب تأخير الظهر إلى العصر كما تقدم قوله قال سالم أخبرني عبد الله سالم بن عبد الله بن عمر وشيخه عبد الله هو أبوه قوله صلى لنا أي لاجلنا أو اللام بمعنى الباء قوله وهي التي يدعونها الناس العتمة تقدم وكما ذلك في حديث أبي برزة في قوله وكان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة وتقدم أيضا من حديث عائشة عند الاسماعيلي وفي كل ذلك إشعار بغلبة استعمالهم لها بهذا الاسم فصار من عرف النهى عن ذلك يحتاج إلى ذكره لقصد التعريف قال النووي وغيره يجمع بين النهى عن تسميتها عتمة وبين ما جاء من تسميتها عتمة بأمرين أحدهما أنه استعمل ذلك لبيان الجواز وأن النهى للتنزيه لا للتحريم والثاني بأنه خاطب بالعتمة من لا يعرف العشاء لكونه أشهر عندهم من العشاء فهو لقصد التعريف لا لقصد التسمية ويحتمل أنه استعمل لفظ العتمة في العشاء لأنه كان مشتهرا عندهم استعمال لفظ العشاء للمغرب فلو قال لو يعلمون ما في الصبح والعشاء لتوهموا أنها المغرب قلت وهذا ضعيف لأنه قد ثبت في نفس هذا الحديث لو يعلمون ما في الصبح والعشاء فالظاهر أن التعبير بالعشاء تارة وبالعتمة تارة من يطلق الرواة وقيل إن النهى عن تسمية العشاء عتمة نسخ الجواز وتعقب بأن نزول الآية كان قبل الحديث المذكور وفي كل من القولين نظر للاحتياج في مثل ذلك إلى التاريخ ولا بعد في أن ذلك كان جائزا فلما كثر إطلاقهم له نهوا عنه لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنة الإسلامية ومع ذلك فلا يحرم ذلك بدليل أن الصحابة الذين رووا النهى استعملوا التسمية المذكورة وأما استعمالها في مثل حديث أبي هريرة فلرفع الالتباس بالمغرب والله أعلم قوله وهي التي يدعو الناس العتمة فيه إشعار بغلبة هذه التسمية عند الناس ممن لم يبلغهم النهى وقد تقدم الكلام على متن الحديث في باب السمر في العلم قوله باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال أنها تسمى العشاء إذا عجلت والعتمة إذا أخرت أخذا من اللفظين وأراد هذا القائل الجمع بوجه غير الأوجه المتقدمة فاحتج عليه المصنف بأنها قد سميت في حديث الباب في حال التقديم والتأخير باسم واحد وقد تقدم الكلام على حديث جابر في باب وقت المغرب قوله باب فضل العشاء لم أر من تكلم على هذه الترجمة فإنه ليس في الحدثين اللذين ذكرهما المؤلف في هذا الباب ما يقتضى اختصاص العشاء بفضيلة ظاهرة وكأنه مأخوذ من قوله ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم فعلى هذا في الترجمة حذف تقديره باب فضل انتظار العشاء والله أعلم قوله عن عروة عند مسلم في رواية يونس عن بن شهاب أخبرني عروة قوله وذلك قبل أن يفشوا الإسلام أي في غير المدينة وإنما فشا الإسلام في غيرها بعد فتح مكة قوله حتى قال عمر زاد المصنف من رواية صالح عن بن شهاب في باب النوم
[ 40 ]
قبل العشاء حتى ناداه عمر الصلاة وهي بالنصب بفعل مضمر تقديره مثلا صلى الصلاة وساغ هذا الحذف لدلالة السياق عليه قوله نام النساء والصبيان أي الحاضرون في المسجد وإنما خصهم بذلك لأنهم مظنة قلة الصبر عن النوم ومحل الشفقة والرحمة بخلاف الرجال وسيأتي قريبا في حديث بن عمر في هذه القصة حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ونحوه في حديث بن عباس وهو أمرهم على أن الذي رقد بعضهم لاكلهم ونسب الرقاد إلى الجميع مجازا وسيأتي الكلام على بقية هذا الحديث في باب النوم قبل العشاء لمن غلب قوله عن بريد هو بالموحدة والراء بلفظ التصغير وشيخه أبو بردة هو جده قوله في بقيع بطحان بفتح الموحدة من بقيع وضمها من بطحان قوله وله بعض الشغل في بعض أمره مستسرا بالصلاة فيه دلالة على أن تأخير النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغاية لم يكن قصدا ومثله قوله في حديث بن عمر الآتي قريبا شغل عنها ليلة وكذا قوله في حديث عائشة أعتم بالصلاة ليلة يدل على أن ذلك لم يكن من شأنه والفيصل في هذا حديث جابر كانوا إذا اجتمعوا عجل وإذا أبطئوا أخر فائدة الشغل المذكور كان في تجهيز جيش رواه الطبري من وجه صحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قوله حتى أبهار الليل بالموحدة وتشديد الراء أي طلعت نجومه واشتبكت والباهر الممتلئ نورا قاله أبو سعيد الضرير وعن سيبويه أبهار الليل كثرت ظلمته وأبهار القمر كثر ضوؤه وقال الأصمعي أبهار انتصف مأخوذ من بهرة الشئ وهو وسطه ويؤيده أن في بعض الروايات حتى إذا كان قريبا من نصف الليل وهو في حديث أبي سعيد كما سيأتي وسيأتي في حديث أنس عند المصنف إلى نصف الليل وفي الصحاح أبهار الليل ذهب معظمة وأكثره وعند مسلم من رواية أم كلثوم عن عائشة حتى ذهب عامة الليل قوله على رسلكم بكسر الراء ويجوز فتحها المعنى تأنوا قوله إن من نعمة الله بكسر همز إن ووهم من ضبطه بالفتح وأما قوله أنه ليس أحد فهو بفتح أنه للتعليل واستدل بذلك على فضل تأخير صلاة العشاء ولا يعارض ذلك فضيلة أول الوقت لما في الانتظار من الفضل لكن قال بن بطال ولا يصلح ذلك الآن للأئمة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتخفيف وقال إن فيهم الضعيف وذا الحاجة فترك التطويل عليهم في الانتظار أولى قلت وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدرى صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل فقال إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل وسيأتى في حديث بن عباس قريبا لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم أن يصلوها هكذا وللترمذي وصححه من حديث أبي هريرة لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه فعلى هذا من وجد به قوه على تأخيرها ولم يغلبه النوم ولم يشق على أحد من المأمومين فالتأخير في حقه أفضل وقد قرر النووي ذلك في شرح مسلم وهو اختيار كثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم والله أعلم ونقل بن المنذر عن الليث وإسحاق أن المستحب تأخير العشاء إلى قبل الثلث وقال الطحاوي يستحب إلى الثلث وبه قال مالك وأحمد وأكثر الصحابة والتابعين وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم التعجيل أفضل وكذا قال في الإملاء وصححه النووي وجماعة وقالوا إنه مما يفتي
[ 41 ]
به على القديم وتعقب بأنه ذكره في الإملاء وهو من كتبه الجديدة والمختار من حيث الدليل أفضلية التأخير ومن حيث النظر التفصيل والله أعلم قوله فرحى جمع فرحان على غير قياس مثله وترى الناس سكري في قراءة أو تأنيث فراح وهو نحو الرجال فعلت وفي رواية الكشميهني فرجعنا وفرحنا ولبعضهم فرجعنا فرحا بفتح الراء على المصدر ووقع عند مسلم كالرواية الأولى وسبب فرحهم علمهم باختصاصهم بهذه العبادة التي هي نعمة عظمي مستلزمة للمثوبة الحسنى مع ما أنضاف إلى ذلك من تجميعهم فيها خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله باب ما يكره من النوم قبل العشاء قال الترمذي كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة انتهى ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرفمن عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهى خشية خروج الوقت وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله قوله حدثنا محمد بن سلام كذا في رواية أبي ذر ووافقه بن السكن وفي أكثر الروايات حدثنا محمد غير منسوب وقد تعين من رواية أبي ذر وابن السكن وحديث أبي برزة المذكور طرف من حديثه الآتي في السمر بعد العشاء قوله والحديث بعدها أي المحادثة وسيأتي بعد أبواب أن هذه الكراهة مخصوصة بما إذا لم يكن في أمر مطلوب وقيل الحكمة فيه لئلا يكون سببا في ترك قيام الليل أو للاستغراق في الحديث ثم يستغرق في النوم فيخرج وقت الصبح وسيأتي الجمع بين هذا الحديث وبين حديثه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العشاء في الباب المذكور قوله باب النوم قبل العشاء لمن غلب في الترجمة إشارة إلى أن الكراهة مختصه بمن تعاطى ذلك مختارا وقيل ذلك مستفاد من ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من رقد من الذين كانوا ينتظرون خروجه لصلاة العشاء ولو قيل بالفرق بين من غلبه النوم في مثل هذه الحالة وبين من غلبه وهو في منزله مثلا لكان متجها قوله حدثني أبو بكر هو عبد الحميد بن أبي أويس واسمه عبد الله أخو إسماعيل شيخ البخاري ويعرف بالأعشى قوله ولا تصلى بالمثناة الفوقانية وفتح اللام المشددة أي صلاة العشاء والمراد أنهالا تصلى بالهيئة المخصوصة وهي الجماعة إلا بالمدينة وبه صرح الداودي لأن من كان بمكة من المستضعفين لم الريح يصلون إلا سرا وأما غير مكة والمدينة من البلاد فلم يكن الإسلام دخلها قوله وكانوا أي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفي هذا بيان الوقت المختار لصلاة العشاء لما يشعر به السياق من المواظبة على ذلك وقد ورد بصيغة الأمر في هذا الحديث عند النسائي من رواية إبراهيم بن أبي عبله عن الزهري ولفظه ثم قال صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل وليس بين هذا وبين قوله في حديث أنس أنه أخر الصلاة إلى نصف الليل معارضة لأن حديث عائشة أمرهم على الأغلب من عادته صلى الله عليه وسلم فائدة زاد مسلم من رواية يونس عن بن شهاب في هذا الحديث قال بن شهاب وذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وما كان لكم أن تنزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء وذلك حين صاح عموقوله تنزروا بفتح المثناة الفوقانية وسكون النون وضم الزاي بعدها راء أي تلحوا عليه وروى بضم أوله بعدها موحدة ثم راء مكسورة ثم زاى أي تخرجوا قوله حدثنا
[ 42 ]
محمود هو بن غيلان قوله شغل عنها ليلة فأخرها هذا التأخير مغاير للتأخير المذكور في حديث جابر وغيره المقيد بتأخير اجتماع المصلين وسياقه يشعر بأن ذلك لم يكن من عادته قوله حتى رقدنا في المسجد استدل به من ذهب إلى أن النوم لا ينقض الوضوء ولا دلالة فيه لاحتمال أن يكون الراقد منهم كان قاعدا متمكنا أو لاحتمال أن يكون مضطجعا لكنه توضأ وإن لم ينقل اكتفاء بما عرف من أنهم لا يصلون على غير وضوء قوله وكان أي بن عمر يرقد قبلها أي قبل صلاة العشاء وهو أمرهم على ما إذا لم يخش أن يغلبه النوم عن وقتها كما صرح به قبل ذلك حيث قال وكان لا يبالي أقدمها أم أخرها وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن بن عمر كان ربما رقد عن العشاء الآخرة ويأمر أن يوقظوه والمصنف حمل ذلك في الترجمة على ما إذا غلبه النوم وهو اللائق بحال بن عمر قوله قال بن جريج هو بالإسناد الذي قبله وهو محمود عن عبد الرزاق عن بن جريج ووهم من زعم أنه معلق وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بالاسنادين وأخرجه من طريقة الطبراني وعنه أبو نعيم في مستخرجه قوله فقام عمر فقال الصلاة زاد في التمنى رقد النساء والصبيان وهو مطابق لحديث عائشة الماضي قوله واضعا يده على رأسه كذا للأكثر وللكشميهني على رأسي وهو وهم لما ذكر بعده من هيئة عصره صلى الله عليه وسلم شعره من الماء وكأنه كان اغتسل قبل أن يخرج قوله فاستثبت هو مقول بن جريج وعطاء هو بن أبي رباح ووهم من زعم أنه بن يسار قوله فبدد أي فرق وقرن الرأس جانبه قوله ثم ضمها كذا له بالضاد المعجمة والميم ولمسلم وصبها بالمهملة والموحدة وصوبه عياض قال لأنه يصف عصر الماء من الشعر باليد قلت ورواية البخاري موجهة لأن ضم اليد صفة العاصر قوله حتى مست إبهامه كذا بالإفراد للكشميهنى ولغيره إبهاميه وهو منصوب بالمفعولية وفاعله طرف الأذن وعلى هذا فهو مرفوع وعلى الرواية الأولى طرف منصوب وفاعله إبهامه وهو مرفوع ويؤيد رواية الأكثر رواية حجاج عن بن جريج عند النسائي وأبي نعيم حتى مست إبهاماه طرف الأذن قوله لا يقصر ولا يبطش أي لا يبطئ ولا يستعجل ويقصر بالقاف للأكثر ووقع عند الكشميهني لا يعصر بالعين والأولى أصوب قوله لأمرتهم أن يصلوها كذا بين ذلك في كتاب التمنى عند المصنف من رواية سفيان بن عيينة عن بجريج وغيره في هذه الحديث وقال أنه للوقت لولا أن أشق على أمتي فائدة وقع في الطبراني من طريق طاوس عن بن عباس في هذا الحديث بمعناه قال وذهب النا س إلا عثمان بن مظعون في ستة عشر رجلا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما صلى هذه الصلاة أمة قبلكم قوله باب وقت العشاء إلى نصف الليل في هذه الترجمة حديث صريح أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في بيان أول الأوقات وآخرها وفيه فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل قال النووي معناه وقت لأدائها اختيارا وأما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع الفجر لحديث أبي قتادة عند مسلم إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى وقال الإصطخري إذا ذهب نصف الليل صارت قضاء قال ودليل الجمهور حديث أبي قتادة المذكور قلت وعموم حديث أبي قتادة مخصوص بالإجماع في الصبح وعلى قول الشافعي الجديد في المغرب فللاصطخري أن يقول إنه مخصوص بالحديث المذكور وغيره من الأحاديث في العشاء والله أعلم
[ 43 ]
قوله وقال أبو برزة هو طرف من حديثه المتقدم في باب وقت العصر وليس فيه تصريح بقيد نصف الليل لكن أحاديث التأخير والتوقيت لما جاءت مرة مقيدة بالثلث وأخرى بالنصف كان النصف غاية التأخير ولم أر في امتداد وقت العشاء إلى طلوع الفجر حديثا صريحا يثبت قوله حدثنا عبد الرحيم المحاربي كذا لأبي ذر ووقع لأبي الوقت وغيره عبد الرحيم بغير صيغة أداء وهو عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي الكوفي يكنى أبا زياد وهو من قدماء شيو البخاري وليس له في الصحيح عنه غير هذا الحديث الواحد قوله صلاة العشاء زاد مسلم ليلة وفيه إشعار بأنه لم يكن يواظب على ذلك قوله قد صلى الناس أي المعهودون ممن صلى من المسلمين إذ إذا ذاك قوله وزاد بن أبي مريم يعني سعيد بن الحكم المصري ومراده بهذا التعليق بيان سماع حميد للحديث من أنس قوله كأني انظر الخ الجملة في موضع المفعول لقوله زاد وقد وقع لنا هذا التعليق موصولا عاليا من طريق أبي طاهر المخلص في الجزء الأول من فوائده قال حدثنا البغوي حدثنا أحمد بن منصور حدثنا بن أبي مريم بسنده وأوله سئل أنس هل أتخذ النبي صلى الله عليوسلم خاتما قال نعم أخر العشاء فذكره وفي آخره وكأني انظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذ والببغاء بالموحدة والصاد المهملة البريق وسيأتي الكلام على فضل انتظار الصلاة في أبواب الجماعة وعلى الخاتم ولبسه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى قوله باب فضل صلاة الفجر وقع في رواية أبي ذر بعد هذا والحديث ولم يظهر لقوله والحديث توجيه في هذا الموضع ووجهه الكرماني بأن الغرض منه باب كذا وباب الحديث الوارد في فضل صلاة الفجر قلت ولا يخفى بعده ولم أر هذه الزيادة في شئ من المستخرجات ولا عرج عليها أحد من الشراح فالظاهر أنها وهم ويدل لذلك أنه ترجم لحديث جرير أيضا باب فضل صلاة العصر بغير زيادة ويحتمل أنه كان فيه باب فضل صلاة الفجر والعصر واعجباه الكلمة الأخيرة والله أعلم قوله يحيى هو القطان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وقد تقدم الكلام على حديث جرير في باب فضل صلاة العصر قوله أبو جمرة بالجيم والراء وهو الضبعي وشيخه أبو بكر هو بن أبي موسى الأشعري بدليل الرواية التي بعده حيث وقع فيها أن أبا بكر بن عبد الله بن قيس وعبد الله بن قيس هو أبو موسى وقد قيل إنه أبو بكر بن عمارة بن رويبة والأول أرجح كما سيأتي آخر الباب قوله من صلى البردين بفتح الموحدة وسكون الراء تثنية برد والمراد صلاة الفجر والعصر ويدل على ذلك قوله في حديث جرير صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها زاد في رواية لمسلم يعني العصر والفجر قال الخطابي بردين لأنهما تصليان في بردى النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر ونقل عن أبي عبيد أن صلاة المغرب الخطبة في ذلك أيضا وقال البزار في توجيه اختصاص هاتين الصلاتين بدخول الجنة دون غيرهما من الصلوا ت ما محصله إن من موصولة لا شرطية والمراد الذين صلوهما أول ما فرضت الصلاة ثم ماتوا قبل فرض الصلوات الخمس لأنها فرضت أولا ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ثم فرضت الصلوات الخمس فهو خبر عن ناس مخصوصين لا عموم فيه قلت ولا يخفى ما فيه من التكلف والأوجه أن من في الحديث شرطية وقوله دخل جواب الشرط وعدل عن الأصل وهو فعل المضارع كأن يقول يدخل الجنة إرادة
[ 44 ]
للتأكيد في وقوعه بجعل ما سيقع كالواقع قوله وقال بن رجاء هو عبد الله البصري الغداني وهو أحد شيوخ البخاري وقد وصله محمد بن يحيى الذهلي قال حدثنا عبد الله بن رجاء ورويناه عاليا من طريقه في الجزء المشهور المروي عنه من طريق السلفي ولفظ المتن واحد قوله حدثنا إسحاق هوبن منصور ولم يقع منسوبا في شئ من الكتب والروايات واستدل أبو على الغساني على أنه بن منصور بأن مسلما روى عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال حديثا غير هذا قلت رأيت في رواية أبي على الشبوي عن الفربري في باب البيعان بالخيار حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال فذكر حديثا فهذه القرينة أقوى من القرينة التي في رواية مسلم قوله حدثنا حبان هو بن هلال وهو بفتح الحاء المهملة فاجتمعت الروايات عن همام بأن شيخ أبي جمرة هو أبو بكر بن عبد الله فهذا بخلاف من زعم أنه بن عمارة بن رويبة وحديث عمارة أخرجه مسلم وغيره من طرق عن أبي بكر بن عمارة عن أبيه لكن يسير لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهذا اللفظ مغاير للفظ حديث أبي موسى وإن كان معناهما واحدا فالصواب أنهما حديثان قوله باب وقت الفجر ذكر فيه حديث تسحر زيد بن ثابت مع النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين عن أنس فأما رواية همام عن قتادة فهي عن أنس أن زيد بن ثابت حدثه فجعله من مسند زيد بن ثابت ووافقه هشام عن قتادة كما سيأتي في الصيام وأما رواية سعيد وهو بن أبي عروبة عن قتادة فهي عن أنس أن نبي الله وزيدبن ثابت تسحرا وفي رواية السرخسي والمستملي تسحروا فجعله من مسند أنس وأما قوله تسحروا بصيغة الجمع فشاذة وترجح عند مسلم رواية همام فإنه أخرجها وأعرض عن رواية سعيد ويدل على رجحانها أيضا أن الاسماعيلي أخرج رواية سعيد من طريق خالد بن الحارث عن سعيد فقال عن أنس عن زيد بن ثابت والذي يظهر لي في الجمع بين أن أنسا حضر ذلك لكنه لم يتسحر معهما ولأجل هذا سأل زيدا عن مقدار وقت السحور كما سيأتي بعد ثم وجدت ذلك صريحا في رواية النسائي وابن حبان ولفظهما عن أنس قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس إني أريد الصيام أطعمني شيئا فجئته بتمر وإناء فيه ماء وذلك بعد ما أذن بلال قال يا أنس انظر رجلا يأكل معي فدعوت زيد بن ثابت فجاء فتسحر معه ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة فعلى هذا فالمراد بقوله كم كان بين الأذان والسحور أي أذان بن أم مكتوم لأن بلالا كان يؤذن قبل الفجر والآخر يؤذن إذا طلع قوله قلت كم كان بينهما سقلفظ كان من رواية السرخسي والمستملي ووقع عند الاسماعيلي من رواية عفان عن همام قلنا لزيد ومن رواية خالد بن الحارث عن سعيد قال خالد أنس القائل كم كان بينهما ووقع عند المصنف من رواية روح عن سعيد قلت لأنس فهو مقول قتادة قال الاسماعيلي والروايتان صحيحتان بان يكون أنس سأل زيدا وقتادة سأل أنسا والله أعلم قوله قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصليا كذا للكشميهنى بصيغة التثنية ولغيره فصلينا بصيغة الجمع وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى واستدل المصنف به على أن أو وقت الصبح طلوع الفجر لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب والمدة التي بين الفراغ من السحور والدخول في الصلاة وهي قراءة الخمسين آية
[ 45 ]
أو نحوها قدر ثلث خمس ساعة ولعلها مقدار ما يتوضأ فأشعر ذلك بأن أول وقت الصبح أول ما يطلع الفجر وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل فيها بغلس والله أعلم قوله عن أخيه هو أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو بن بلال وسيأتي الكلام على حديث سهل بن سعد في الصيام والغرض منه هنا الإشارة إلى مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الصبح في أول الوقت وحديث عائشة تقدم في أبواب ستر العورة ولفظه أصرح في مراده في هذا الباب من جهة التغليس بالصبح وأن سياقه يقتضى المواظبة على ذلك وأصرح منه ما أخرجه أبو داود من حديث بن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم أسفر بالصبح مرة ثم كانت صلاته بعد بالغلس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر وأما ما رواه أصحاب السنن وصححه غير واحد من حديث رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر فقد حمله الشافعي وغيره على أن المراد بذلك تحقق طلوع الفجر وحمله الطحاوي على أن المراد الأمر بتطويل القراءة فيها حتى يخرج من الصلاة مسفرا وأبعد من زعم أنه ناسخ الولاء في الغلس وأما حديث بن مسعود الذي أخرجه المصنف وغيره أنه قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة في غير وقتها غير ذلك اليوم يعني في الفجر يوم المزدلفة فمحمول على أنه دخل فيها مع طلوع الفجر من غير تأخير فإن في حديث زيد بن ثابت وسهل بن سعد ما يشعر بتأخير يسير لا أنه صلاها قبل أن يطلع الفجر والله سبحانه وتعالى أعلم قوله في حديث عائشة كن قال الكرماني هو مثل أكلوني البراغيث لأن قياسه الإفراد وقد جمع قوله نساء المؤمنات تقديره نساء الأنفس المؤمنات أو نحوها ذلك حتى لا يكون من إضافة الشئ إلى نفسه وقيل إن نساء هنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات كما يقال رجال القوم أي فضلاؤهم قوله يشهدن أي يحضرن وقوله لا يعرفهن أحد قال الداودي معناه لا يعرفن أنساء أم رجال أي لا يظهر للرائى الا الأشباح خاصة وقيل لا يعرف أعيانهن فلا يفرق بين خديجة وزينب وضعفه النووي بان المتلفعة في النهار لا تعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة وتعقب بان المعرفة إنما تتعلق بالأعيان فلو كان المراد الأول لعبر بنفى العلم وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها فيه نظر لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى وقال الباجي هذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن ومعاشرته لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس قلت وفيه ما فيه لأنه مبنى على الاشتباه الذي أشار إليه النووي وأما إذا قلنا إن لكل واحدة منهن هيئة غالبا فلا يلزم ما ذكر والله أعلم قوله متلفعات تقدم شرحه والمروط جمع مرط بكسر الميم وهو كساء معلم من خز أو صوف أغير ذلك وقيل لا يسمى مرطا إلا إذا كان أخضر ولا يلبسه إلا النساء وهو مردود بقوله مرط من شعر أسود قوله ينقلبن أي يرجعن قوله من الغلس من ابتدائية أو تعليلة ولا معارضة بين هذا وبين حديث أبي برزة السابق أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعر ف الرجل جليسه لأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة على بعد وذاك إخبار عن رؤية الجليس وفي الحديث استحباب المبادرة بصلاة الصبح في أول الوقت وجواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في الليل ويؤخذ منه جوازه في النهار من باب أولى لأن الليل مظنة الريبة أكثر من النهار ومحل ذلك إذا لم يخش عليهن أبهن فتنة واستدل به بعضهم على جواز صلاة المرأة مختمرة الأنف والفم فكأنه جعل
[ 46 ]
التلفع صفة لشهود الصلاة وتعقبه عياض بأنها إنما أخبرت عن هيئة الانصراف والله أعلم قوله باب من أدرك من الفجر ركعة تقدم الكلام على الحكمة في حذف جوا ب الشرط من الترجمة في باب من أدرك من العصر ركعه قوله يحدثونه أي يحدثون زيد بن اسلم ورجال الإسناد كلهم مدنيون قوله فقد أدرك الصبح الإدراك الوصول إلى الشئ فظاهره أنه يكتفى بذلك وليس ذلك مرادا بالإجماع فقيل يحمل على أنه أدرك الوقت فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته وهذا قول الجمهور وقد صرح بذلك في رواية الدراوردى عن زيد بن أسلم أخرجه البيهقي من وجهين ولفظه من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعد ما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة وأصرح منه رواية أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء وهو بن يسار عن أبي هريرة بلفظ من صلى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس فلم يفته العصر وقال مثل ذلك في الصبح وقد تقدمت رواية المصنف في با ب من أدرك من العصر ركعة من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وقال فيها فليتم صلاته وللنسائي من وجه آخر من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته وللبهيقى من وجه آخر من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحوها وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة وهو مبنى على أن الكراهية تتناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة قال الترمذي وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وخالف أبو حنيفة فقال من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته واحتج لذلك بالأحاديث الواردة في النهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وادعى بعضهم أن أحاديث النهى ناسخة لهذا الحديث وهي دعوى تحتاج إلى دليل فإنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال والجمع بين الحديثين ممكن بأن تحمل أحاديث النهى على ما لا سبب له من النوافل ولا شك أن التخصيص أولى من ادعاء النسخ ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت وللفقهاء في ذلك تفاصيل بين أصحاب الأعذار وغيرهم وبين مدرك الجماعة ومدرك الوقت وكذا مدرك الجمعة ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر للاحرام ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين بشروط كل ذلك وقال الرافعي المعتبر فيها أخف ما يقدر عليه أحد وهذا في حق غير أصحاب الأعذار أما أصحاب الأعذار كمن أفاق من إغماء أو طهرت من حيض أو غير ذلك فإن بقي من الوقت هذا القدر كانت الصلاة في حقهم أداء وقد قال قوم يكون ما ادرك في الوقت أداء وبعده قضاء وقيل يكون كذلك لكنه يلتحق بالأداء حكما والمختار أن الكل أداء وذلك من فضل الله تعالى ونقل بعضهم الاتفاق على أن لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر والله أعلم لطيفة أورد المصنف في باب من أدرك من العصر طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وفي هذا الباب طريق عطاء بن يسار ومن معه عن أبي هريرة لأنه قدم في طريق أبي سلمة ذكر العصر ربع في هذا ذكر الصبح فناسب أن يذكر في كل منهما ما قدم لما يشعر به التقديم من اهتمام والله الهادي للصواب قوله باب من أدرك من الصلاة ركعة هكذا ترجم وساق الحديث بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله العمري عن الزهري وأحال به على حديث مالك وأخرجه البيهقي وغيره
[ 47 ]
من الوجه الذي أخرجه منه مسلم ولفظه كلفظ ترجمة هذا الباب قدم قوله من الصلاة على قوله ركعة وقد وضح لنا بالاستقراء أن جميع ما يقع في تراجم البخاري مميترجم بلفظ الحديث لا يقع فيه شئ مغاير للفظ الحديث الذي يورده إلا وقد ورد من وجه آخر بذلك اللفظ المغاير فلله دره ما أكثر اطلاعه والظاهر أن هذا أعم من حديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب ويحتمل أن تكون اللام عهدية فيتحدا ويؤيده أن كلا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا مطلق وذاك مقيد فيحمل المطلق على المقيد وقال الكرماني الفرق بينهما أن الأول فيمن أدرك من الوقت قدر ركعة وهذا فيمن أدرك من الصلاة ركعة كذا قال وقال بعد ذلك وفي الحديث أن من دخل في الصلاة فصلى ركعة وخرج الوقت كان مدركا لجميعها وتكون كلها أداء وهو الصحيح انتهى وهذا يدل على اتحاد الحديثين عنده لجعلهما متعلقين بالوقت بخلاف ما قال أولا وقال التيمي معناه من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك فضل الجماعة وقيل المراد بالصلاة الجمعة وقيل غير ذلك وقوله فقد أدرك الصلاة ليس على ظاهره بالإجماع لما قدمناه من أنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركا لجميع الصلاة بحيث تحصل براءة ذمته من الصلاة فإذا فيه إضمار تقديره فقد أدرك وقت الصلاة أو حكم الصلاة أو نحو ذلك ويلزمه إتمام بقيتها وقد تقدم بقية مباحثه في الباب الذي قبله ومفهوم التقييد بالركعة أن من أدرك دون الركعة لا يكون مدركا لها وهو الذي استقر عليه الاتفاق وكان فيه شذوذ قديم منها إدراك الإمام راكعا يجزئ ولو لم يدرك معه الركوع وقيل يدرك الركعة ولو رفع الإمام رأسه ما لم يرفع بقية من ائتم به في الأصل رؤوسهم ولو بقي واحد وعن الثوري وزفر إذا كبر قيل أن يرفع الإمام رأسه أدرك إن وضع يديه على ركبتيه قبل رفع الإمام وقيل من أدرك تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع أدرك الركعة وعن أبي العالية إذا أدرك السجود أكمل بقية الركعة معهم ثم يقوم فيركع فقط وتجزيه قوله باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس يعني ما حكمها قال الزين بن المنير لم يثبت حكم النهى لأن تعين المنهي عنه في هذا الباب مما كثر فيه الاختلاف وخص الترجمة بالفجر مع اشتمال الأحاديث على الفجر والعصر لأن الصبح هي المذكورة أولا في سائر أحاديث الباب قلت أو لأن العصر ورد فيها كونه صلى الله عليه وسلم صلى بعدها بخلاف الفجر قوله هشام هو بن أبي عبد الله الدستوائي قوله عن أبي العالية هو الرياحي بالياء التحتانية واسمه رفيع بالتصغير ووقع مصرحا به عند الاسماعيلي من رواية غندر عن شعبة وأورد المصنف طريق يحيى وهو القطان عن شعبة عن قتادة سمعت أبا العالية والسر فيها التصريح بسماع قتادة له من أبي العالية وإن كانت طريق هشام أعلى منها قوله شهد عندي أي أعلمني أو أخبرني ولم يرد شهادة الحكم قوله مرضيون أي لا شك في صدقهم ودينهم وفي رواية الاسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن همام شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر وله من رواية شعبة حدثني رجال أحبهم إلى عمر قوله ناس بهذا أي بهذا الحديث بمعناه فإن مسددا رواه في مسنده ومن طريقه البيهقي ولفظه حدثني ناس أعجبهم إلي عمر وقال فيه حتى تطلع الشمس ووقع في الترمذي عنه سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر وكان من أحبهم إلي قوله بعد الصبح أي بعد صلاة الصبح لأنه لا جائز أن يكون الحكم فيه معلقا بالوقت إذ لا بد من أداء الصبح فتعين التقدير المذكور
[ 48 ]
قال بن دقيق العيد هذا الحديث معمول به عند فقهاء الأمصار وخالف بعض المتقدمين وبعض الظاهرية من بعض الوجوه قوله حتى تشرق بضم أوله من أشرق يقال أشرقت الشمس ارتفعت وأضاءت ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي في الباب بعده بلفظ حتى ترتفع الشمس ويروى بفتح أوله وضم ثالثه بوزن تغرب يقال شرقت الشمس أي طلعت ويؤيده رواية البهيقى من طريق أخرى عن بن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ حتى تشرق الشمس أو تطلع على الشك وقد ذكرنا أن في رواية مسدد حتى تطلع الشمس بغير شك وكذا هو في حديث أبي هريرة الآتي آخر الباب بلفظ حتى تطلع الشمس بالجزم ويجمع بين الحديثين بأن المراد بالطلوع طلوع مخصوص أي حتى تطلع مرتفعة قال النووي أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفائتة فذهب الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أن ذلك في عموم النهى واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر وهو صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى ويلتحق ما له سبب قلت وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب فقد حكى غيره عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهى منسوخة وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم بن حزم وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجر المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات وحكى آخرون الإجماع على جواز صلاة الجنازة في الأوقات المكروهة وهو متعقب بما سيأتي في بابه وما ادعاه بن حزم وغيره من النسخ مستندا إلى حديث من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى فدل على إباحة الصلاة في الأوقات المنهية انتهى وقال غيرهم ادعاء التخصيص أولى من ادعاء النسخ فيحمل النهى على ما لا سبب له ويخص منه ما له سبب جمعا بين الأدلة والله أعلم وقال البيضاوي اختلفوا في جواز الصلاة بعد الصبح والعصر وعند الطلوع والغروب وعند الاستواء فذهب داود إلى الجواز مطلقا وكأنه حمل النهى على التنزيه قلت بل المحكى عنه أنه ادعى النسخ كما تقدم قال وقال الشافعي تجوز الفرائض وماله سبب من النوافل وقال أبو حنيفة يحرم الجميع سوى عصر يومه وتحرم المنذورة أيضا وقال مالك تحرم النوافل دون الفرائض ووافقه أحمد لكنه استثنى ركعتي الطواف تنبيه لم يقع لنا تسمية الرجال المرضيين الذين حدثوا بن عباس بهذا الحديث وبلغني أن بعض من تكلم على العمدة تجاسر وزعم أنهم المذكورون فيها عند قوله مصنفها وفي الباب عن فلان وفلان ولقد أخطأ هذا المتجاسر خطأ بينا فلا حول ولا قوة الا بالله قوله عن هشام هو بن عروة بن الزبير قوله لا تحروا أصله لاتتحروا فحذفت إحدى التاءين والمعنى لا تقصدوا واختلف أهل العلم في المراد بذلك فمنهم من جعله تفسيرا للحديث السابق ومبينا للمراد به فقال لا ذكره الصلاة بعد الصبح ولا بعد العصر إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها وإلى ذلك جنح بعض أهل الظاهر وقواه بن المنذر واحتج له وقد روى مسلم من طريق طاوس عن عائشة قالت وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه
[ 49 ]
وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها انتهى وسيأتي من قول بن عمر أيضا ما يدل على ذلك قريبا بعد ببابين وربما قوي ذلك بعضهم بحديث من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليضف إليها الأخرى فأمر بالصلاة حينئذ فدل على أن الكراهة مختصة بمن قصد الصلاة في ذلك الوقت لا من وقع له ذلك اتفاقا وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر الباب الذي بعده ومنهم من جعله نهيا مستقلا وكره الصلاة في تلك الأوقات سواء قصد لها أم لم يقصد وهو قول الأكثر قال البيهقي إنما قالت ذلك عائشة لأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر فحملت نهيه على من قصد ذلك لا على الإطلاق وقد أجيب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء كما سيأتي وأما النهى فهو ثابت من طريق جماعة من الصحابة غير عمر رضي الله عنه فلا اختصاص له بالوهم والله أعلم قوله وقال حدثني بن عمر هو مقول عروة أيضا وهو حديث آخر وقد أفرده الاسماعيلي وذكر أنه وقع له الحديثان معا من رواية على بن مسهر وعيسى بن يونس ومحمد بن بشر ووكيع ومالك بن سعير ومحاضر كلهم عن هشام وأنه وقع له الحديث الثاني فقط من رواية عبد الله بن نمير عن هشام قوله حتى ترتفع جعل ارتفاعها غاية النهى وهو يقوي رواية من روى الحديث الماضي بلفظ حتى تشرق من الإشراق وهو الارتفاع كما تقدم قوله تابعه عبدة يعني بن سليمان والضمير يعود على يحيى بن سعيد وهو القطان يعني تابع يحيى القطان على روايته لهذا الحديث عن هشام ورواية عبدة هذه موصولة عند المصنف في بدء الخلق وفيه الحديثان معا وقال فيه حتى تبرز بدل ترتفع وقال فيه لا تحينوا بالياء التحتانية والنون وزاد فيه فإنها تطلع بين قرني شيطان وفيه إشارة إلى علة النهى عن الصلاة في الوقتين المذكور وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة وحينئذ يسجد لها الكفار فالنهى حينئذ لترك مشابهة الكفار وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال إن النهى عن ذلك لا يدرك معناه وجعله من معي التعبد الذي يجب الإيمان به وسيأتي الكلام على المراد بقوله بين قرني الشيطان في أوائل بدء الخلق إن شاء الله تعالى قوله حاجب الشمس أي طرف قرصها قال الجوهري حواجب الشمس نواحيها قوله عن عبيد الله هو بن عمر العمري قوله حفص بن عاصم أي بن عمر بن الخطاب وهو جد عبيد الله بن عمر المذكور في هذا الإسناد قوله وعن صلاتين محصل ما في الباب أربعة أحاديث الأول والاخير يتعلقان بالفعل والثاني والثالث يتعلقان بالوقت وقد تقدم نقل اختلاف العلماء في ذلك وسيأتي الكلام على البيعتين في كتاب البيع وعلى اللبستين في كتاب اللباس قوله بعد الفجر أي بعد صلاة الفجر كما تقدم قوله باب لا تتحرى بضم المثناة الفوقانية والصلاة بالرفع لأنها في مقام الفاعل أو بفتح المثناة التحتانية والصلاة بالنصب والفاعل محذوف أي المصلي وقد تقدم الكلام على حديث بن عمر في الباب الذي قبله ولا تنافى بين قوله في الترجمة قبل الغروب وبين قوله في الحديث عند الغروب لما نذكره قريبا قوله لا يتحرى كذا وقع بلفظ الخبر قال السهيلي يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع أي لا يكون الا هذا قوله فيصلى بالنصب والمراد نفى التحري والصلاة معا ويجوز الرفع أي لا يتحرى أحدكم الصلاة في وقت كذا فهو يصلي فيه وقال بن خروف يجوز في فيصلى ثلاثة أوجه الجزم على
[ 50 ]
العطف أي لا يتحرى ولا يصلي والرفع على القطع أي لا يتحرى فهو يصلي والنصب على جواب النهى والمعنى لا يتحرى مصليا وقال الطيبي قوله لا يتحرى نفى بمعنى النهى ويصلي بالنصب لأنه جوابه كأنه قيل لا يتحرى فقيل لم فأجيب خيفة أن يصلي ويحتمل أن يقدر غير ذلك وقد وقع في رواية القعنبي في الموطأ لا يتحرى أحدكم أن يصلي ومعناه لا يتحرى الصلاة قوله عن صالح هو بن جلس ولم يخرج البخاري لصالح بن أبي الأخضر شيئا قوله لا صلاة قال بن دقيق العيد وصيغة النفي في ألفاظ الفاء إذا دخلت على فعل كان الأولى حملها على نفى الفعل الشرعي لا الحسى لأنا لو حملناه على نفى الفعل الحسى لاحتجنا في تصحيحه إلى أضمار والأصل عدمه وإذا حملنا على الشرعي لم نحتج إلى إضمار فهذا وجه الأولوية وعلى هذا فهو نفى بمعنى النهى والتقدير لا تصلوا وحكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا إن النهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنهما لا يتطوع بعدهما ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد به وقت الطلوع ووقت الغروب ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر إلا أن تكون الشمس نقية وفي رواية مرتفعة فدل على أن المراد بالبعدية ليس على عمومه وإنما المراد وقت الطلوع ووقت الغروب وما قاربهما والله أعلم ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الصلاة المنهية غير صحيحة فلازمه أن لا يقصد لها المكلف إذ العاقل لا يشتغل بما لا فائدة فيه قوله لا صلاة بعد الصبح أي بعد صلاة الصبح وصرح به مسلم من هذا الوجه في الموضعين قوله حدثنا محمد بن أبان هو البلخي وقيل الواسطي ولكل من القولين مرجح وكلاهما ثقة قوله عن معاوية في رواية الاسماعيلي من طريق معاذ وغيره عن شعبة خطبنا معاوية واتفق أصحاب شعبة على أنه من رواية أبي التياح عن حمران وخالفهم عثمان بن عمر وأبو داود الطيالسي فقالا عن أبي التياح عن معبد الجهني عن معاوية والطريق التي أختارها البخاري أرجح ويجوز أن يكون لأبي التياح فيه شيخان قوله يصليهما أي الركعتين وللحموي يصليها أي الصلاة وكذا وقع الخلاف بين الرواة في قوله عنها أو عنهما وكلام معاوية مشعبأن من خاطبهم كانوا يصلون بعد العصر ركعتين على سبيل التطوع الراتب لها كما يصلي بعد الظهر وما نفاه من رؤية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لهما قد أثبته غيره والمثبت مقدم على النافي وسيأتي في الباب الذي بعده قول عائشة كان لا يصليهما في المسجد لكن ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في النهى لأن رواية الإثبات لها سبب كما سيأتي في الباب الذي بعده فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه والنهي فيه أمرهم على ما لا سبب له وأما من يرى عموم النهى ولا يخصه بما له سبب فيحمل إنكار معاوية على من يتطوع ويحمل الفعل على الخصوصية ولا يخفى رجحان الأول والله أعلم قوله حدثنا عبدة هو بن سليمان وبقية الإسناد والمتن تقدم بأتم سياق في الباب الذي قبله قوله باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر قيل آثر البخاري الترجمة بذكر المذاهب على ذكر الحكم للبراءة من عهدة بت القول في موضع كثر فيه الاختلاف ومحصل ما ورد من الأخبار في تعيين الأوقات التي تكره فيها الصلاة أنها خمسة عند طلوع الشمس وعند غروبها وبعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وعند الاستواء وترجع بالتحقيق إلى ثلاثة من بعد
[ 51 ]
صلاة الصبح إلى أن ترتفع الشمس فيدخل فيه الصلاة عند طلوع الشمس وكذا من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس ولا يعكر على ذلك أن من لم يصل الصبح مثلا حتى بزغت الشمس يكره له التنقل حينئذ لأن الكلام إنما هو جار على الغالب المعتاد وأما هذه الصورة النادرة فليست مقصودة وفي الجملة عدها أربعة أجود وبقي خامس وهو الصلاة وقت استواء الشمس وكأنه لم يصح عند المؤلف على شرطه فترجم على نفيه وفيه أربعة أحاديث حديث عقبة بن عامر وهو عند مسلم ولفظه وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع وحديث عمرو بن عبسة وهو عند مسلم أيضا ولفظه حتى يستقل الظل بالرمح فإذا أقبل الفئ فصل وفي لفظ لأبي داود حتى يعدل الرمح ظله وحديث أبي هريرة وهو عند بن ماجة والبيهقي ولفظه حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح فإذا زالت فصل وحديث الصنابحي وهو في الموطأ ولفظه ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها وفي آخره ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات وهو حديث مرسل مع قوة رجاله وفي الباب أحاديث أخر ضعيفة وبقضية هذه الزيادة قال عمر بن الخطاب فنهى عن الصلاة نصف النهار وعن بن مسعود قال كنا ننهى عن ذلك وعن أبي سعيد المقبري قال أدركت الناس وهم يتقون ذلك وهو مذهب الأئمة الثلاثة والجمهور وخالف مالك فقال ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار وقال بن عبد البر وقد روى مالك حديث الصنابحي فإماأنه لم يصح عنده وإما أنه رده بالعمل الذي ذكره انتهى وقد استثنى الشافعي ومن وافقه من ذلك يوم الجمعة وحجتهم أنه صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى التبكير يوم الجمعة ورغب في الصلاة إلى خروج الإمام كما سيأتي في بابه وجعل الغاية خروج الإمام وهو لا يخرج إلا بعد الزوال فدل على عدم الكراهة وجاء فيه حديث عن أبي قتادة مرفوعا أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة في إسناده انقطاع وقد ذكر له البيهقي شواهد ضعيفة إذا ضمت قوي الخبر والله أعلم فائدة فرق بعضهم بين حكمة النهى عن الصلاة بعد صلاة الصبح والعصر وعن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فقال يكره في الحالتين الأوليين ويحرم في الحالتين الأخريين وممن قال بذلك محمد بن سيرين ومحمد بن جرير الطبري واحتج بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعد العصر فدل على أنه لا يحرم وكأنه يحمل فعله على بيان الجواز وسيأتي ما فيه في الباب الذي بعده وروى عن بن عمر تحريم الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وإباحتها بعد العصر حتى تصفر وبه قال بن حزم واحتج بحديث على أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة رواه أبو داود بإسناد صحيح قوي والمشهور إطلاق الكراهة في الجميع فقيل هي كراهة تحريم وقيل كراهة تنزيه والله أعلم قوله رواه عمر الخ يريد أن أحاديث هؤلاء الأربعة وهي التي تقدم إيرادها في البابين السابقين ليس فيها تعرض للاستواء لكن لمن قال به أن يقول إنه زيادة من حافظ ثقة فيجب قبولها قوله حدثنا حماد هو بن زيد قوله أصلى زاد الاسماعيلي في أوله من وجهين عن حماد بن زيد كان لا يصلي من أول النهار حتى تزول الشمس ويقول أصلى الخ قوله أن لا تحروا أصله تتحروا أي تقصدوا وزاد عبد الرزاق في آخر هذا الحديث عن بن جريج عن نافع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال إنه يطلع قرن الشيطان مع طلوع الشمس تنبيه
[ 52 ]
قال بعض العلماء المراد بحصر الكراهة في الأوقات الخمسة إنما هو بالنسبة إلى الأوقات الأصلية وإلا فقد ذكروا أنه يكره التنفل وقت إقامة الصلاة ووقت صعود الامام لخطبة الجمعة وفي حالة الصلاة المكتوبة جماعة لمن لم يصلها وعند المالكية كراهة التنفل بعد الجمعة حتى ينصرف الناس وعند الحنفية كراهة التنفل قبل صلاة المغرب وسيأتي ثبوت الأمر به في هذا الجامع الصحيح قوله با ب ما يصلي بعد العصر من الفوائت ونحوها قال الزين بن المنير ظاهر الترجمة إخراج النافلة المحضة التي لا سبب لها وقال أيضا إن السر في قوله ونحوها ليدخل فيه رواتب النوافل وغيرها قوله وقال كريب يعني مولى بن عباس عن أم سلمة الخ وهو طرف من حديث أورده المؤلف مطولا في باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده معي كتاب الجنائز وقال في آخره أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان قوله في حديث عائشة والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله وقولها في الرواية الأخرى ما ترك السجدتين بعد العصر عندي قط وفي الرواية الأخرى لم يكن يدعهما سرا ولا علانية وفي الرواية الأخيرة ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل بعد العصر مطلقا ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس وقد تقدم نقل المذاهب في ذلك وأجاب عنه من أطلق الكراهة بأن فعله هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال رواه أبو داود ورواية أبي سلمة عن عائشة في نحو هذه القصة وفي آخره وكان إذا صلى صلاة أثبتها رواه مسلم قال البيهقي الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء وأما ما روى عن ذكوان عن أم سلمة في هذه القصة أنها قالت فقلت يا رسول الله أنقضيهما إذا فاتتا فقال لا فهي رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة قلت أخرجها الطحاوي واحتج بها على أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وفيه ما فيه فائدة روى الترمذي من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال إنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم لم يعد قال الترمذي حديث حسن قلت وهو من رواية جرير عن عطاء وقد سمع منه بعد اختلاطه وإن صح فهو شاهد لحديث أم سلمة لكن ظاهر قوله ثم لم يعد معارض لحديث عائشة المذكور في هذا الباب فيحمل النفي على علم الراوي فإنه لم يطلع على ذلك والمثبت مقدم على النافي وكذا ما روا النسائي من طريق أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة الحديث وفي رواية له عنها لم أره يصليهما قبل ولا بعد فيجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليهما إلا في بيت فلذلك لم يره بن عباس ولا أم سلمة ويشير إلى ذلك قول عائشة في الرواية الأولى وكان لا يصليهما في المسجد مخافة أن تثقل على أمته قوله أنه سمع عائشة قالت والذي ذهب به في رواية البيهقي من طريق إسحاق بن الحسن والاسماعيلي من طريق أبى زرعة كلاهما عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه أنه دخل عليها فسألها عن ركعتين بعد العصر فقالت والذي ذهب بنفسه تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه أيضا فقال لها أيمن
[ 53 ]
إن عمر كان ينهى عنهما ويضرب عليهما فقالت صدقت ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما فذكره والخبر بذلك عن عمر أيضا ثابت في رواية كريب عن أم سلمة التي ذكرناها في باب إذا كلم وهو يصلي ففي أول الخبر عن كريب أن بن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر أرسلوه إلى عائشة فقالوا اقر عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر وقل لها إنا أخبرنا إنك تصلينهما وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنهما وقال بن عباس وقد كنت أضرب الناس مع عمر عليهما الحديث تنبيه روى عبد الرزاق من حديث زيد بخالد سبب ضرب عمر الناس على ذلك فقال عن زيد بن خالد إن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه فذكر الحديث وفيه فقال عمر يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما فلعل عمر كان يرى أن النهى عن الصلاة بعد العصر إنما هو خشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس وهذا يوافق قول بن عمر الماضي وما نقلناه عن بن المنذر وغيره وقد روى يحيى بن بكير عن الليث عن أبي الأسود عن عروة عن تميم الداري نحو رواية زيد بن خالد وجواب عمر له وفيه ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيها وهذا أيضا يدل لما قلناه والله أعلم قوله ما خفف عنهم في رواية المستملى ما يخفف عنهم وسيأتي الكلام على ذلك في أعلام النبوة إن شاء الله تعالى قوله هشام هو بن عروة قوله بن أختي بالنصب على النداء وحرف النداء محذوف وأثبته الاسماعيلي في روايته قوله عبد الواحد هو بن زياد والشيباني هو أبو إسحاق وأبو إسحاق المذكور في الإسناد الذي بعده هو السبيعي قوله يدعهما زاد النسائي في بيتي فائدة فهمت عائشة رضي الله عنها من مواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس مختص بمن قصد الصلاة عند غروب الشمس لا إطلاقه فلهذا قالت ما تقدم نقله عنها وكانت تتنفل بعد العصر وقد أخرجه المصنف في الحج من طريق عبد العزيز بن رفيع قال رأيت بن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيتها إلا صلاهما وكأن بن الزبير فهم من ذلك ما فهمته خالته عائشة والله أعلم وقد روى النسائي أن معاوية سأل بن الزبير عن ذلك فرد الحديث إلى أم سلمة فذكرت أم سلمة قصة الركعتين حيث شغل عنهما فرجع الأمر إلى ما تقدم تنبيه قول عائشة ما تركهما حتى لقي الله عز وجل وقولها لم يكن يدعهما وقولها ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين مرادها من الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ولم ترد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت الصلوات مثلا إلى آخر عمره بل في حديث أم سلمة ما يدل على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه قوله باب التبكير بالصلاة في يوم غيم أورد فيه حديث بريدة الذي تقدم في أوقات العصر في باب من من ترك العصر قال الاسماعيلي جعل البخاري الترجمة لقول بريدة لا للحديث وكان حق هذه الترجمة أن يورد فيها الحديث المطابق لها ثم أورده من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بلفظ بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإن من ترك صلاة العصر حبط عمله قلت من عادة البخاري أن يترجم
[ 54 ]
ببعض ما تشتمل عليه ألفاظ الحديث ولو لم يوردها بل ولو لم يكن على شرطه فلا إيراد عليه وروينا في سنن سعيد بن منصور عن عبد العزيز بن رفيع قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عجلوا صلاة العصر في يوم الغيم إسناده قوي مع إرساله وقد تقدم الكلام على المتن في باب من ترك العصر فائدة المراد بالتبكير المبادرة إلى الصلاة في أول الوقت وأصل التبكير فعل الشئ بكرة والبكرة أول النهار ثم استعمل في فعل الشئ في أول وقته وقيل المراد تعجيل العصر وجمعها مع الظهر وروى ذلك عن عمر قال إذا كان يوم غيم فأخروا الظهر وعجلوا العصر قوله باب الأذان بعد ذهاب الوقت سقط لفظ ذهاب من رواية المستملى قال بن المنير إنما صرح المؤلف بالحكم على خلاف عادته في المختلف فيه لقوة الاستدلال من الخبر على الحكم المذكور قوله حدثنا حصين هو بن عبد الرحمن الواسطي قوله سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة كان ذلك في رجوعه من خبير كذا جزم به بعض الشراح معتمدا على ما وقع عند مسلم من حديث أبي هريرة وفيه نظر لما بينته في باب الصعيد الطيب من كتاب التيمم ولأبي نعيم في المستخرج من هذا الوجه في أوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسير بنا وزاد مسلم من طريق عبد الله بن رباح عن أبي قتادة في أول الحديث قصة له في مسيره مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم نعس حتى مال عن راحلته وأن أبا قتادة دعمه ثلاث مرات وأنه في الأخيرة مال عن الطريق فنزل في سبعة أنفس فوضع رأسه ثم قال احفظوا علينا صلاتنا ولم يذكر ما وقع عند البخاري من قول بعض القوم لو عرست بنا ولا قول بلال أنا أوقظكم ولم أقف على تسمية هذا السائل والتعريس نزول المسافر لغير إقامة وأصله نزول آخر الليل وجواب لو محذوف تقديره لكان أسهل علينا قوله أنا أوقظكم زاد مسلم في رواية فمن يوقظنا قال بلال أنا قوله فغلبته عيناه في رواية السرخسي فغلبت بغير ضمير قوله فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس في رواية مسلم فكان أول من استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره قوله يا بلال أين ما قلت أي أين الوفاء بقولك أنا أوقظكم قوله مثلها أي مثل النومة التي وقعت له قوله أن الله قبض أرواحكم هو كقوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ولا يلزم من قبض الروح الموت فالموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ظاهرا وباطنا والنوم انقطاعه عن ظاهره فقط زاد مسلم أما أنه ليس في النوم تفريط الحديث قوله حين شاء حين في الموضعين ليس لوقت واحد فإن نوم القوم لا يتفق غالبا في وقت واحد بل يتتابعون فيكون حين الأولى خبرا عن أحيان متعددة قوله قم فأذن بالناس بالصلاة كذا هو بتشديد ذال أذن وبالموحدة فيهما وللكشميهني فآذن بالمدينة وحذف الموحدة من بالناس وآذن معناه أعلم وسيأتي ما فيه بعد قوله فتوضأ زاد أبو نعيم في المستخرج فتوضأ الناس فلما ارتفعت في رواية المصنف في التوحيد من طريق هشيم عن حصين فقضوا حوائجهم فتوضؤوا إلى أن طلعت الشمس وهو أبين سياقا ونحوه لأبي داود من طريق خالد عن حصين ويستفاد منه أن تأخيره الصلاة إلى أن طلعت الشمس وارتفعت كان بسبب الشغل بقضاء حوائجهم لا لخروج وقت الكراهة قوله وابيضت وزنه افعال بتشديد اللام مثل احمار وابهار أي صفت وقيل إنما يقال في كل
[ 55 ]
لون بين لونين فأما الخالص من البياض مثلا فإنما يقال له أبيض قوله فصلى زاد أبو داود بالناس وفي الحديث من الفوائد جواز التماس الأتباع ميتعلق بمصالحهم الدنيوية وغيرها ولكن بصيغة العرض لا بصيغة الاعتراض وأن على الإمام أن يراعى المصالح الدينية والاحتراز عما يحتمل فوات العبادة عن وقتها بسببه وجواز التزام الخادم القيام بمراقبة ذلك والاكتفاء في الأمور المهمة بالواحد وقبول العذر ممن اعتذر بأمر سائغ وتسويغ المطالبة بالوفاء بالالتزام وتوجهت المطالبة على بلال بذلك تنبيها له على اجتناب الدعوى والثقة بالنفس وحسن الظن بها لا سيما في مظان الغلبة وسلب الاختيار وإنما بادر إلى قوله أنا أوقظكم اتباعا لعادته في الاستيقاظ في مثل ذلك الوقت لأجل الأذان وفيه خروج الإمام نفسه في الغزوات والسرايا وفيه الرد على منكري القدر وأنه لا واقفي الكون إلا بقدر وفي الحديث أيضا ما ترجم له وهو الأذان الفائتة وبه قال الشافعي في القديم وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وقال الأوزاعي ومالك والشافعي في الجديد لا يؤذن لها والمختار عند كثير من أصحابه أن يؤذن لصحة الحديث وحمل الأذان هنا على اشتراط متعقب لأنه عقب الأذان بالوضوء ثم بارتفاع الشمس فلو كان المراد به اشتراط لما أخر الصلاة عنها نعم يمكن حمله على المعنى اللغوي وهو محض الإعلام ولا سيما على رواية الكشميهني وقد روى أبو داود وابن المنذر من حديث عمران بن حصين في نحو هذه القصة فأمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين ثم أمره فأقام فصلى الغداة وسيأتي الكلام على الحديث الذي احتج به من لم ير التأذين في الباب الذي بعد هذا وفيه مشروعية الجماعة في الفوائت وسيأتي في الباب الذي بعده أيضا واستدل به بعض المالكية على عدم قضاء السنة الراتبة لأنه لم يذكر فيه أنهم صلوا ركعتي الفجر ولا دلالة فيه لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع لا سيما وقد ثبت أنه ركعهما في حديث أبي قتادة هذا عند مسلم وسيأتي في باب مفرد لذلك في أبواب التطوع واستدل به المهلب على أن الصلاة الوسطى هي الصبح قال لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدا بمراقبة وقت صلاة غيرها وفيما قاله نظر لا يخفى قال ويدل على أنها هي المأمور بالمحافظة عليها أنه صلى الله عليه وسلم لم تفته صلاة غيرها لغير عذر شغله عنها أه وهو كلام متدافع فأي عذر أبين من النوم واستدل به على قبول خبر الواحد قال بن بزيزه وليس هو بقاطع فيه لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول بلال بمجرده بل بعد النظر إلى الفجر لو استيقظ مثلا وفيه جواز تأخير قضاء الفائتة عن وقت الانتباه مثلا وقد تقدم ذلك مع بقية فوائده في باب الصعيد الطيب من كتاب التيمم قوله باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت قال الزين بن المنير إنما قال البخاري بعد ذهاب الوقت ولم يقل مثلا لمن صلى صلاة فائتة للإشعار بأن ايقاعها كان قرب خروج وقتها لا كالفوائت التي جهل يومها أو شهرها قوله هشام هو بن أبي عبد الله الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن قوله أن عمر بن الخطاب قد اتفق الرواة على أن هذا الحديث من رواية جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حجاج بن نصير فإنه رواه عن على بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير فقال فيه عن جابر عن عمر فجعله من مسند عمر تفرد بذلك حجاج وهو ضعيف قوله يوم الخندق سيأتي شرح أمره في كتاب المغازي قوله بعد ما غربت الشمس في رواية شيبان عن يحيى عند المصنف وذلك بعد ما أفطر الصائم
[ 56 ]
والمعنى واحد قوله يسب كفار قريش لأنهم كانوا السبب في تأخيرهم الصلاة عن وقتها إما المختار كما وقع لعمر وإما مطلقا كما وقع لغيره قولما كدت قال اليعمري لفظة كاد من أفعال المقاربة فإذا قلت كاد زيد يقوم فهم منها أنه قارب القيام ولم يقم قال والراجح فيها أن لا تقرن بأن بخلاف عسى فإن الراجح فيها أن تقرن قال وقد وقع في مسلم في هذا الحديث حتى كادت الشمس أن تغرب قلت وفي البخاري في باب غزوة الخندق أيضا وهو من يطلق الرواة وهل تسوغ الرواية بالمعنى في مثل هذا أولا الظاهر الجواز لأن المقصود الإخبار عن صلاته العصر كيف وقعت لا الإخبار عن عمر هل تكلم بالراجحة أو المرجوحة قال وإذا تقرر أن معنى كاد المقاربة فقول عمر ما كدت أصلى العصر حتى كادت الشمس تغرب معناه أنه صلى العصر قرب غروب الشمس لأن نفى الصلاة يقتضى إثباتها وإثبات الغروب يقتضى نفيه فتحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ولم يثبت الغروب الله أه وقال الكرماني لا يلزم من هذا السياق وقوع الصلاة في وقت العصر بل يلزم منه أن لا أنكر الصلاة لأنه يقتضى أن كيدودته كانت عند كيدودتها قال وحاصله عرفا ما صليت حتى غربت الشمس الله أه ولا يخفى ما بين التقريرين من الفرق وما ادعاه من العرف ممنوع وكذا العندية للفرق الذي أح وضحه اليعمري من الإثبات والنفى لأن كاد إذا اثبتت نفت وإذا نفت أثبتت كما قال فيها المعري ملغزا إذا نفيت والله أعلم أثبتت وأن أثبتت قامت مقام جحود هذا إلى ما في تعبيره بلفظ كيدودة من الثقل والله الهادي إلى الصواب فإن قيل الظاهر أن عمر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فكيف اختص بان أدرك صلاة العصر قبل غروب الشمس بخلاف بقية الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم معهم فالجواب أنه يحتمل أن يكون الشغل وقع بالمشركين إلى قرب غروب الشمس وكان عمر حينئذ متوضئا فبادر فأوقع الصلاة ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعمله بذلك في الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها قد شرع يتهيأ الولاء ولهذا قام عند الإخبار هو وأصحابه إلى الوضوء وقد اختلف في سبب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ذلك اليوم فقيل كان ذلك نسيانا واستبعد أن يقع ذلك من الجميع ويمكن أن يستدل له بما رواه أحمد من حديث أبي جمعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب يوم الأحزاب فلما سلم قال هل علم رجل منكم أني صليت العصر قالوا لا يا رسول الله فصلى العصر ثم صلى المغرب أه وفي صحة هذا الحديث نظر لأنه مخالف لما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر والله ما صليتها ويمكن الجمع بينهما بتكلف وقيل كان عمدا لكونهم شغلوه فلم يمكنوه من ذلك وهو أقرب لا سيما وقد وقع عند أحمد والنسائي من حديث أبي سعيد أن ذلك كان قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف فرجالا أو ركبانا وقد اختلف في هذا الحكم هل نسخ أم لا كما سيأتي في كتاب صلاة الخوف إن شاء الله تعالى قوله بطحان بضم أوله وسكون ثانيه واد بالمدينة وقيل هو بفتح أوله وكسر ثانيه حكاه أبو عبيد البكري قوله فصلى العصر وقع في الموطأ من طريق أخرى أن الذي فاتهم الظهر والعصر وفي حديث أبي سعيد الذي أشرنا إليه الظهر والعصر والمغرب وأنهم صلوا بعد هوى من الليل وفي حديث بن مسعود عند الترمذي والنسائي أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من
[ 57 ]
الليل ما شاء الله وفي قوله أربع تجوز لأن العشاء لم تكن فاتت قال اليعمري من الناس من رجح ما في الصحيحين وصرح بذلك بن العربي فقال إن الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها واحدة وهي العصر قلت ويؤيده حديث على في مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر قال ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أياما فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام قال وهذا أولى قلت وبقربه أن روايتي أبي سعيد وابن مسعود ليس فيهما تعرض لقصة عمر بل فيهما أن قضاءه الولاء وقع بعد خروج وقت المغرب وأما رواية حديث الباب ففيها أن ذلك كان عقب غروب الشمس قال الكرماني فإن قلت كيف دل الحديث على الجماعة قلت إما أنه يحتمل أن في السياق اختصارا وإما من إجراء الراوي الفائتة التي هي العصر والحاضرة التي هي المغرب مجرى واحدا ولا شك أن المغرب كانت بالجماعة لما هو معلوم من عادته أه وبالاحتمال الأول جزم بن المنير زين الدين فقال فإن قيل ليس فيه تصريح بأنه صلى في جماعة أجيب بأن مقصود الترجمة مستفاد من قوله فقام وقمنا وتوضأ وتوضأنا قلت الاحتمال الأول هو الواقع في نفس الأمر فقد وقع في رواية الاسماعيلي ما يقتضى أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن هشام بلفظ فصلى بنا العصر وفي الحديث من الفوائد ترتيب الفوائت والأكثر على وجوبه مع الذكر لا مع النسيان وقال الشافعي لا يجب الترتيب فيها واختلفوا فيما إذا تذكر فائتة في وقت حاضرة ضيق هل يبدأ بالفائتة وإن خرج وقت الحاضرة أو يبدأ بالحاضرة أو يتخير فقال بالأول مالك وقال بالثاني الشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أصحاب الحديث وقال بالثالث أشهب وقال عياض محل الخلاف إذا لم تكثر الصلوات الفوائت فأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة واختلفوا في حد القليل فقيل صلاة يوم وقيل أربع صلوات وفيه جواز اليمين من غير استحلاف إذا اقتضت مصلحة من زيادة طمأنينة أو نفى توهم وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من مكارم الأخلاق وحسن التأني مع أصحابه وتألفهم وما ينبغي الاقتداء به في ذلك وفيه استحباب قضاء الفوائت في الجماعة وبه قال أكثر أهل العلم إلا الليث مع أنه أجاز صلاة الجمعة جماعة إذا فاتت والإقامة الولاء الفائتة واستدل به على عدم مشروعية الأذان للفائتة وأجاب من اعتبره بأن المغرب كانت حاضرة ولم يذكر الراوي الأذان لها وقد عرف من عادته صلى الله عليه وسلم الأذان للحاضرة فدل على أن الراوي ترك ذكر ذلك لا أنه لم يقع في نفس الأمر وتعقب باحتمال أن تكون المغرب لم يتهيأ إيقاعها إلا بعد خروج وقتها على رأى من يذهب إلى القول بتضييقه وعكس ذلك بعضهم فاستدل بالحديث على أن وقت المغرب متسع لأنه قدم العصر عليها فلو كان ضيقا لبدأ بالمغرب ولا سيما على قول الشافعي في قوله بتقديم الحاضرة وهو الذي قال بأن وقت المغرب ضيق فيحتاج إلى الجواب عن هذا الحديث وهذا في حديث جابر وأما حديث أبي سعيد فلا يتأتى فيه هذا لما تقدم أن فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد مضى هوى من الليل قوله باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ولا يعيد إلا تلك الصلاة قال على بن المنير صرح البخاري بإثبات هذا الحكم مع كونه مما اختلف فيه لقوة دليله ولكونه على وفق القياس إذ الواجب خمس صلوات لا أكثر فمن قضى الفائتة كمل العدد المأمور به ولكونه على مقتضى ظاهر الخطاب لقول الفاء فليصلها ولم
[ 58 ]
يذكر زيادة وقال أيضا لا كفارة لها إلا ذلك فاستفيد من هذا الحصر أن لا يجب غير إعادتها وذهب مالك إلى أن من ذكر بعد أن صلى صلاة أنه لم يصل التي قبلها فإنه يصلي التي ذكر ثم يصلي التي كان صلاها مراعاة للترتيب انتهى ويحتمل أن يكون البخاري أشار بقوله ولا يعيد إلا تلك الصلاة إلى تضعيف ما وقع في بعض طرق حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن الصلاة حيث قال فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها فإن بعضهم زعم أن ظاهره إعادة المقضية مرتين عند ذكرها وعند حضور مثلها من الوقت الآتي ولكن اللفظ المذكور ليس نصا في ذلك لأنه يحتمل أن يريد بقوله فليصلها عند وقتها أي الصلاة التي تحضر لا أنه يريد أن يعيد التي صلاها بعد خروج وقتها لكن في رواية أبي داود من حديث عمران بن حصين في هذه القصة من أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها قال الخطابي لا أعلم أحدا قال بظاهره وجوبا قال ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب ليحوز فضيلة الوقت في القضاء انتهى ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضا بل عدوا الحديث غلطا من راويه وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري ويؤيد ذلك ما رواه النسائي من حديث عمران بن حصين أيضا إنهم قالوا يا رسول الله ألا نقضها لوقتها من الغد فقال صلى الله عليه وسلم لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم قوله وقال إبراهيم أي النخعي وأثره هذا موصول عند الثوري في جامعه عن منصور وغيره عنه قوله عن همام هو بن يحيى والإسناد كله بصريون قوله من نسي صلاة فليصل كذا وقع في جميع الروايات بحذف المفعول ورواه مسلم عن هداب بن خالد عن همام بلفظ فليصلها وهو أبين للمراد وزاد مسلم أيضا من رواية سعيد عن قتادة أو نام عنها وله من رواية المثنى بن سعيد الضبعي عن قتادة نحوه وسيأتي يسير وقد تمسك بدليل الخطاب منه القائل إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي وقال من قال يقضي العامد بأن ذلك مستفاد من مفهوم الخطاب فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا وجب القضاء على الناسي مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه فالعامد أولى وادعى بعضهم أن وجوب القضاء على العامد يؤخذ من قوله نسي لأن النسيان يطلق على الترك سواء كان عن ذهول أم لا ومنه قوله تعالى نسوا الله فأنساهم أنفسهم نسوا الله فنسيهم قال ويقوى ذلك قوله لا كفارة لها والنائم والناسى لا إثم عليه قلت وهو بحث ضعيف لأن الخبر بذكر النائم ثابت وقد قال فيه لا كفارة لها والكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد والقائل بان العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالا من الناسي بل يقول إنه لو شرع له القضاء لكان هو والناسى سواء والناسى غير مأثوم بخلاف العامد فالعامد أسوأ حالا من الناسي فكيف يستويان ويمكن أن يقال إن إثم العامد بإخراجه الصلاة عن وقتها باق عليه ولو قضاها بخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه مطلقا ووجوب القضاء على العامد بالخطاب الأول لأنه قد خوطب بالصلاة وترتبت في ذمته فصارت دينا عليه والدين لا يسقط إلا بأدائه فيأثم بإخراجه لها عن الوقت المحدود لها ويسقط عنه الطلب بادائها فمن أفطر في رمضان عامدا فإنه يجب عليه أن يقضيه مع بقاء إثم الإفطار عليه والله أعلم قوله قال موسى أي دون أبي نعيم قال همام سمعته يعني قتادة يقول بعد أي في وقت آخر الذكرى يعني أن همام سمعه من قتادة
[ 59 ]
مرة بلفظ للذكرى بلامين وفتح الراء بعدها ألف مقصورة ووقع عند مسلم من طريق يونس أن الزهري كان يقرأها كذلك ومرة كان يقولها قتادة بلفظ لذكرى بلام واحدة وكسر الراء وهي القراءة المشهورة وقد اختلف في ذكر هذه الآية هل هي من كلام قتادة أو هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية مسلم عن هداب قال قتادة وأقم الصلاة لذكرى وفي روايته من طريق المثنى عن قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول أقم الصلاة لذكرى وهذا ظاهر أن الجميع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا لأن المخاطب بالآية المذكورة موسى عليه الصلاة والسلام وهو الصحيح في الأصول ما لم يرد ناسخ واختلف في المراد بقوله لذكرى فقيل المعنى لتذكرني فيها وقيل لأذكرك بالمدح وقيل إذا ذكرتها أي لتذكيري لك إياها وهذا يعضد قراءة من قرأ للذكرى وقال النخعي اللام للظرف أي إذا ذكرتني أي إذا ذكرت أمري بعد ما نسيت وقيل لا تذكر فيها غيري وقيل شكرا لذكرى وقيل المراد بقوله ذكري ذكر أمري وقيل المعنى إذا ذكرت الصلاة فقد ذكرتني فإن الصلاة عبادة الله فمتى ذكرها ذكر المعبود فكأنه أراد لذكر الصلاة وقال التوربشتى الأولى أن يقصد إلى وجه يوافق الآية والحديث وكأن المعنى أقم الصلاة لذكرها لأنه إذا ذكرها ذكر الله تعالى أو يقدر مضاف أي لذلك صلاتي أو ذكر الضمير فيه موضع الصلاة لشرفها قوله وقال حبان هو بفتح أوله والموحدة وهو بن هلال وأراد بهذا التعليق بيان سماع قتادة له من أنس لتصريحه فيها بالتحديث وقد وصله أبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء عن حبان بن هلال وفيه أن هماما سمعه من قتادة مرتين كما في رواية موسى قوله باب قضاء الصلاة وللكشميهني الصلوات الأولى فالأولى وهذه الترجمة عبر عنها بعضهم بقوله باب ترتيب الفوائت وقد تقدم نقل الخلاف في حكم هذه المسألة ويحيى المذكور فيه هو القطان وبقية الإسناد تقدم قبل وأورد المتن هنا مختصرا ولا ينهض الاستدلال به لمن يقول بوجوب ترتيب الفوائت إلا إذا قلنا إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب اللهم إلا أن يستدل له بعموم قوله صلوا كما رأيتموني أصلى فيقوى وقد اعتبر ذلك الشافعية في أشياء غير هذه قوله باب ما يكره من السمر بعد العشاء أي بعد صلاتها قال عياض السمر رويناه بفتح الميم وقال أبو مروان بن سراج الصواب سكونها لأنه اسم الفعل وأما بالفتح فهو اعتماد السمر للمحادثة وأصله من لون ضوء القمر لأنهم كانوا يتحدثون فيه والمراد بالسمر في الترجمة ما يكون في أمر مباح لأن المحرم لا اختصاص لكراهته بما بعد صلاة العشاء بل هو حرام في الأوقات كلها وأما ما يكون مستحيا فسيأتي في الباب الذي بعده قوله السامر من السمر الخ هكذا وقع في رواية أبي ذر وحده واستشكل ذلك لأنه لم يتقدم للسامر ذكر في الترجمة والذي يظهر لي أن المصنف أراد تفسير قوله تعالى سامرا تهجرون وهو المشار إليه بقوله ههنا أي في الآية والحاصل أنه لما كان الحديث بعد العشاء يسمى السمر والسمر والسامر مشتقان من السمر وهو يطلق على الجمع والواحد ظهر وجه مناسبة ذكر هذه اللفظة هنا وقد أكثر البخاري من هذه الطريقة إذا وقع في الحديث لفظة توافق في القرآن يستغنى بتفسير تلك اللفظة من القرآن وقد استقرئ للبخاري أنه إذا مر له لفظ من القرآن يتكلم على غريبه وقد تقدم الكلام على حديث أبي برزة المذكور في هذا الباب في باب وقت العصر
[ 60 ]
وموضع الحاجة منه هنا قوله وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى اخراجها عن وقتها مطلقا أو عن الوقت المختار والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح أو عن وقتها المختار أو عن قيام الليل وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على ذلك ويقول أسمرا أول الليل ونوما آخره وإذا تقرر أن علة النهى ذلك فقد يفرق فارق بين الليالي الطوال والقصار ويمكن أن تحمل الكراهة على الاطلاق حسما للمادة لأن الشئ إذا شرع لكونه مظنة قد يستمر فيصير مئنة والله أعلم قوله باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء قال على بن المنير الفقه يدخل في عموم الخير لكنه خصه بالذكر تنويها بذكره وتنبيها على قدره وقد روى الترمذي من حديث عمر محسنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمر هو وأبو بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معهما قوله حدثنا عبد الله بن صباح هو العطار وهو بصري وكذا بقية رجال هذا الإسناد قوله انتظرنا الحسن أي بن أبي الحسن البصري قوله وراث علينا الواو للحال وراث بمثلثة غير مهموز أي أبطأ قوله من وقت قيامه أي الذي جرت عادته بالقعود معهم فيه كل ليلة في المسجد لأخذ العلم عنه قوله دعانا جيراننا بكسر الجيم كأن الحسن أورد هذا مورد الاعتذار عن تخلفه عن القعود على عادته قوله ثم قال أي الحسن قال أنس نظرنا وفي رواية الكشميهني انتظرنا وهما بمعنى قوله حتى كان شطر الليل برفع شطر وكان تامة وقوله يبلغه أي يقرب منه قوله ثم خطبنا هو موضع الترجمة لما قررناه من أن المراد بقوله بعدها أي بعد صلاتها وأورد الحسن ذلك لأصحابه مؤنسا لهم ومعرفا أنهم وإن كان فاتهم الأجر على ما يتعلمونه منه في تلك الليلة على ظنهم فلم يفتهم الأجر مطلقا لأن منتظر الخير في خير فيحصل له الأجر بذلك والمراد أن يحصل لهم الخير في الجملة لا من جميع الجهات وبهذا يجاب عمن استشكل قوله إنهم في صلاة مع أنهم جائز لهم الأكل والحديث وغير ذلك واستدل الحسن على ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه آنس أصحابه بمثل ذلك ولهذا قال الحسن بعد وإن القوم لا يزالون بخير ما انتظروا الخير قوله قال قرة هو من حديث أنس يعني الكلام الأخير وهذا والذي يظهر لي لأن الكلام الأول ظاهر في كونه عن النبي صلى الله عليه وسلم والاخير هو الذي لم يصرح الحسن برفعه ولا بوصله فأراد قرة الذي اطلع على كونه في نفس الأمر موصولا مرفوعا أن يعلم من رواه عنه بذلك تنبيه أخرج مسلم وابن خزيمة في صحيحيهما عن عبد الله بن الصباح شيخ البخاري بإسناد هذا حديثا خالفا البخاري فيه في بعض الإسناد والمتن فقالا عن أبي على الحنفي عن قرة بن خالد عن قتادة عن أنس قال نظرنا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة حتى كان قريبا من نصف الليل قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى قافكأنما أنظر إلى وبيص خاتمه حلقة فضة انتهى وأخرجه الاسماعيلي في مستخرجه عن عمر بن سهل عن عبد الله بن الصباح كذلك من رواية قرة عن قتادة ولم يصب في ذلك فإن الذي يظهر لي أنه حديث آخر كان عند أبي على الحنفي عن قرة أيضا وسمعه منه عبد الله بن الصباح كما سمع منه الحديث الآخر عن قرة عن الحسن ويدل على ذلك أن في كل من الحديثين ما ليس في الآخر وقد أورد أبو نعيم في مستخرجه الحديثين من الطريقين فأورد حديث قرة عن قتادة من طرق منها عن يزيد بن عمر عن أبي على الحنفي وحديث قرة عن الحسن من رواية حجاج بن نصير عن قرة وهو في التحقيق حديث واحد عن أنس
[ 61 ]
اشترك الحسن وقتادة في سماعه منه فاقتصر الحسن على موضع حاجته منه فلم يذكر قصة الخاتم وزاد مع ذلك على قتادة ما لم يذكره والله أعلم قوله وأبو بكر بن أبي حثمة نسبة إلى جده وهو أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة وقد تقدم كذلك في باب السمر بالعلم من كتاب العلم وتقدم الكلام على حديث بن عمر هناك قوله فوهل الناس أي غلطوا أو توهموا أو فزعوا أو نسوا والأول أقرب هنا وقيل وهل بالفتح بمعنى وهم بالكسر ووهل بالكسر مثله وقيل بالفتح غلط وبالكسر فزع قوله في مقالة وفي رواية المستملى والكشميهني من مقالة قوله إلى ما يتحدثون في هذه وفي رواية الكشميهني من هذه قوله عن مائة سنة لأن بعضهم كان يقول إن الساعة تقوم عند تقضى مائة سنة كما روى ذلك الطبراني وغيره من حديث أبي مسعود البدري ورد ذلك عليه على بن أبي طالب وقد بين بن عمر في هذا الحديث مراد النبي صلى الله عليه وسلم وأن مراده أن عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك ينخرم ذلك القرن فلا يبقى أحد ممن كان موجودا حال تلك المقالة وكذلك وقع بالاستقراء فكان آخر من ضبط أمره ممن كان موجودا حينئذ أبو الطفيل عامر بن واثلة وقد أجمع أهل الحديث على أنه كان آخر الصحابة موتا وغاية ما قيل فيه إنه بقي إلى سنة عشر ومائة وهي رأس مائة سنة من مقالة النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم قال النووي وغيره احتج البخاري ومن قال بقوله بهذا الحديث على موت الخضر والجمهور على خلافه وأجابوا عنه بان الخضر كان حينئذ من ساكني البحر فلم يدخل في الحديث قالوا ومعنى الحديث لا يبقى ممن ترونه أو تعرفونه فهو عام أريد به الخصوص وقيل احترز بالأرض عن الملائكة وقالوا خرج عيسى من ذلك وهو حي لأنه في السماء لا في الأرض وخرج إبليس لأنه على الماء أو في الهواء وأبعد من قال إن اللام في الأرض عهدية والمراد أرض المدينة والحق أنها للعموم وتتناول جميع بني آدم وأما من قال المراد أمه محمد سواء أمة الإجابة وأمة الدعوة وخرج عيسى والخضر لأنهما ليسا من أمته فهو قول ضعيف لأن عيسى يحكم بشريعته فيكون من أمته والقول في الخضر إن كان حيا كالقول في عيسى والله أعلم قوله باب السمر مع الأهل والضيف قال على بن المنير ما محصله اقتطع البخاري هذا الباب من باب السمر في الفقه والخير لانحطاط رتبته عن مسمى الخير لأن الخير متمحض للطاعة لا يقع على غيرها وهذا النوع من السمر خارج عن أصل الضيافة والصلة المأمور بهما فقد يكون مستغنى عنه في حقهما فيلتحق بالسمر الجائز أو المتردد بين الإباحة والندب ووجه الاستدلال من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر المذكور في الباب اشتغاله أبي بكر بعد صلاة العشاء بمجيئه إلى بيته ومراجعته لخبر الأضياف واشتغاله بما دار بينهوذلك كله في معنى السمر لأنه سمر مشتمل على مخاطبة وملاطفة ومعاتبة انتهى قولكانوا أناسا للكشميهنى كانوا ناسا قوله فهو أنا وأبي زاد الكشميهني وأمي وللمستملى فهو وأنا وأمي قوله ثم لبث حيث صليت العشاء في رواية الكشميهني حتى بدل
[ 62 ]
حيث قوله ففرقنا أي جعلنا فرقا وسنذكر فوائد هذا الحديث وما اشتمل عليه من الأحكام وغيرها في علامات النبوة مفصلا إن شاء الله تعالى خاتمة اشتمل كتاب المواقيت على مائة حديث وسبعة عشر حديثا المعلق من ذلك ستة وثلاثون حديثا والباقي موصول الخالص منها ثمانية وأربعون حديثا والمكرر منها فيه وفيما تقدم تسعة وستون حديثا وافقه مسلم على جميعها سوى ثلاثة عشر حديثا وهي حديث أنس في السجود على الظهائر وقد أخرج معناه وحديثه ما أعرف شيئا وحديثه في المعنى هذه الصلاة قد ضيعت وحديث بن عمر أبردوا وكذا حديث أبي سعيد وحديث بن عمر إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم وحديث أبي موسى مثل المسلمين واليهود وحديث أنس كنا نصلي العصر وقد اتفقا على أصله وحديث عبد الله بن مغفل لا يغلبكم الأعراب وحديث بن عباس لولا أن أشق وحديث سهل بن سعد كنت أتسحر وحديث معاوية في الركعتين بعد العصر وحديث أبي قتادة في النوم عن الصبح على أن مسلما أخرج أصل الحديث من وجه آخر لكن بينا في الشرح أنهما حديثان لقصتين والله أعلم وفيه من الآثار الموقوفة ثلاثة آثار والله سبحانه وتعالى أعلم بسم الله الرحمن الرحيم كتاب أبواب الأذان الأذن لغة الإعلام قال الله تعالى وأذان من الله ورسوله واشتقاقه من الأذان بفتحتين وهو الاستماع وشرعا الإعلام يوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة قال القرطبي وغيره الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالاكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله ثم ثنى بالتوحيد ونفى الشريك ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد ثم أعاد ما أعاد توكيدا ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الجماعة وإظهار شعائر الإسلام والحكمة في اختيار القول له دون الفعل سهولة القول وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان واختلف أيما أفضل الأذان أو الإمامة ثالثها أن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل وإلا فالأذان وفي كلام الشافعي ما يومئ إليه واختلف أيضا في الجمع بينهما فقيل يكره وفي البيهقي من حديث جابر مرفوعا النهى عن ذلك لكن سنده ضعيف وصح عن عمر لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت رواه سعيد بن منصور وغيره وقيل هو خلاف الأولى وقيل يستحب وصححه النووي عز قوله باب بدء الأذان أي ابتدائه وسقط لفظ باب من رواية أبي ذر وكذلك سقطت البسملة من رواية القابسي وغيره قوله وقول الله عز وجل وإذا ناديتم إلى الصلاة الآية يشير بذلك إلى أن ابتداء الأذان كان بالمدينة وقد ذكر بعض أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان قالوا لقد ابتدعت يا محمد شيئا لم يكن فيما مضى فنزلت وإذا ناديتم الى الصلاة الآية قوله وقوله تعالى إذا نودي الولاء من يوم الجمعة يشير بذلك أيضا إلى الابتداء لأن ابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة كما سيأتي في بابه واختلف في السنة التي فرض فيها فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى وقيل بل كان في السنة الثانية وروى عن بن عباس أن فرض الأذان نزل مع هذه الآية أخرجه أبو الشيخ تنبيه الفرق بين ما في الآيتين من التعدية بإلى واللام أن صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام فقصد في الأولى
[ 63 ]
معنى الانتهاء وفي الثانية معنى الاختصاص قاله الكرماني ويحتمل أن تكون اللام بمعنى الى أو العكس والله أعلم وحديث بن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا وقوله في آخره يا بلال قم فناد بالصلاة كان ذلك قبل رؤيا عبد الله بن زيد وسياق حديثه يدل على ذلك كما أخرجه بن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال حدثني عبد الله بن زيد فذكر نحو حديث بن عمر وفي آخره فبينما هم على ذلك أرى عبد الله النداء فذكر الرؤيا وفيها صفة الأذان لكن بغير ترجيع وفيه تربيع التكبير وإفراد اشتراط وتثنية قد قامت الصلاة وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم أنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى فقم مع بلال فألقها عليه فإنه أندى صوتا منك وفيه مجئ عمر وقوله إنه رأى مثل ذلك وقد أخرج الترمذي في ترجمة بدء الأذان حديث عبد الله بن زيد مع حديث عبد الله بن عمر وإنما لم يخرجه البخاري لأنه على غير شرطه وقد روعن عبد الله بن زيد من طرق وحكى بن خزيمة عن الذهلي أنه ليس في طرقه أصح من هذا لطريق وشاهده حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلا ومنهم من وصله عن سعيد عن عبد الله بن زيد والمرسل أقوى إسنادا ووقع في الأوسط للطبراني أن أبا بكر أيضا رأى الأذان ووقع في الوسيط للغزالي أنه رآه بضعة عشر رجلا بحال الجيلي في شرح التنبيه أربعة عشر رجلا وأنكره بن الصلاح ثم النووي ونقل مغلطاي أن في بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة ولا يثبت شئ من ذلك الا لعبد الله بن زيد وقصة عمر جاءت في بعض طرقه وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسند واه قال أول من أذن بالصلاة جبريل في سماء الدنيا فسمعه عمر وبلال فسبق عمر بلالا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء بلال فقال له سبقك بها عمر فائدتان الأولى وردت أحاديث أخذت على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة منها للطبراني من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعله بلالا وفي إسناده طلحة بن زيد وهو متروك وللدارقطني في الأطراف من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة وإسناده ضعيف أيضا ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا لما أسرى بي أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت وفيه من لا يعرف وللبزار وغيره من حديث على قال لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها فذكر الحديث وفيه إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال الله أكبر الله أكبر وفي آخره ثم أخذ الملك بيده فأم بأهل السماء وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة وأما قول القرطبي لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه ففيه نظر لقوله في أوله لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضا لتصريحه بكيفيته المشروعة فيه والحق أنه لا يصح شئ من هذه الأحاديث وقد جزم بن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد انتهى وقد حاول السهيلي الجمع بينهما فتكلف وتعسف والأخذ بما صح أولى فقال بانيا على صحة الحكمة في مجئ الأذان على اختلفوا الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فوق سبع سماوات
[ 64 ]
وهو أقوى من الوحي فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فقال أنها لرؤيا حق بعدم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطق على لسانه والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه صلى الله عليه وسلم التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه انتهى ملخصا والثاني حسن بديع ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها لكن قد يقال فلم لا أقتصر على عمر فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة وقد جاء في رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤولة فإن لفظها سبقك بها بلال فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا عبد الله بن زيد ومما كثر السؤال عنه هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه وقد وقع عند السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى أبي هريرة أه وليس هو من حديث أبي هريرة وإنما هومن حديث يعلى بن مرة وكذا جزم النووي بان النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه فأمر بلالا فأذن فعرف أن في رواية الترمذي اختصار وأن معنى قوله أذن أمر بلالا به كما يقال أعطى ناحية العالم الفلاني ألفا وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال أخذ الأذان من أذان إبراهيم وأذن في الناس الحنفية الآية قال فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة الفائدة الثانية قال الزين بن المنير أعرض البخاري عن التصريح بحكم الأذان لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين فاثبت مشروعيته وسلم من الاعتراض وقد اختلف في ذلك ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه كان ذلك بالواجبات أشبه انتهى وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى قوله حدثنا عبد الوارث هو بن سعيد وخالد هو الحذاء كما ثبت في رواية كريمة والإسناد كله بصريون قوله ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى كذا ساقه عبد الوارث مختصرا ورواية عبد الوهاب الآتية في الباب الذي بعده أوضح قليلا حيث قال لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشئ يعرفونه فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا وأوضح من ذلك رواية روح بن عطاء عن خالد عند أبي الشيخ ولفظه فقالوا لو اتخذنا ناقوسا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك للنصارى فقالوا لو اتخذنا بوقا فقال ذاك لليهود فقالوا لو رفعنا نارا فقال ذاك للمجوس فعلى هذا ففي رواية عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه ذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس واللف والنشر فيه معكوس فالنار للمجوس والناقوس للنصارى والبوق لليهود وسيأتي في حديث بن عمر التنصيص على أن البوق لليهود وقال الكرماني يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس وابن عمر انتهى ورواية
[ 65 ]
روح تغنى عن هذا الاحتمال قوله فأمر بلال هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول وقد اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم أتباعه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوى جانب الرفع جدا وقد وقع في رواية روح بن عطاء المذكورة فأمر بلالا بالنصب وفاعل أمر هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين في سياقه وأصرح من ذلك رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا قال الحاكم صرح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة قتيبة قلت ولم ينفرد به فقد أخرجه أبو عوانة من طريق مروان المروزي عن قتيبة ويحي بن معين كلاهما عن عبد الوهاب وطريق يحيى عند الدارقطني أيضا ولم ينفرد به عبد الوهاب وقد رواه البلاذري من طريق بن شهاب الحناط عن أبي قلابة وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر النداء إلى الصلاة ظاهر في أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم لا غيره كما استدل به بن المنذر وابن حبان واستدل بورود الأمر به من قال بوجوب الأذان وتعقب بأن الأمر إنما ورد بصفة الأذان لا بنفسه وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورا به قال بن دقيق العيد وممن قال بوجوبه مطلقا الأوزاعي وداود وابن المنذر وهو ظاهر قول مالك في الموطأ وحكى عن محمد بن الحسن وقيل واجب في الجمعة فقط وقيل فرض كفاية والجمهور على أنه من السنن المؤكدة وقد تقدم ذكر منشأ الخلاف في ذلك وأخطأ من استدل على عدم وجوبه بالإجماع لما ذكرناه والله أعلم قوله أن بن عمر كان يقول في رواية مسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال قوله حين قدموا المدنية أي من مكة في الهجرة قوله فيتحينون بحاء الركعة بعدها مثناة تحتانية ثم نون أي يقدرون أحيانها ليأتوا إليها والحين الوقت والزمان قوله ليس ينادي لها بفتح الدال على البناء للمفعول قال بن مالك فيه جواز استعمال ليس حرفا لا اسم لها ولا خبر وقد أشار إليه سيبويه ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشان والجملة بعدها خبر قلت ورواية مسلم تؤيد ذلك فإن يسير ليس ينادي بها أحد قوله فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا لم يقع لي تعين المتكلمين في ذلك واختصر الجواب في هذه الرواية ووقع لابن ماجة من وجه آخر عبن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يجمعهم إلى الصلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى وقد تقدمت رواية روح بن عطاء نحوه وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند أبي الشيخ وعند أبي عمير بن أنس عن عمومته عن سعيد بن منصور قوله بل بوقا أي بل اتخذوا بوقا ووقع في بعض النسخ بل قرنا وهي رواية مسلم والنسائي والبوق والقرن معروفان والمراد أنه ينفخ فيه فيجمعون عند سماع صوته وهو من شعار اليهود ويسمى أيضا الشبور بالشين المعجمة المفتوحة والموحدة المضمومة الثقيلة قوله فقال عمر أو لا الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر كما في نظائره قال الطيبي الهمزة إنكار للجملة الأولى أي المقدرة وتقرير للجملة الثانية قوله رجلا زاد الكشميهني منكقوله ينادي قال القرطبي يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم بادر عمر فقال أو لا تبعثون رجلا ينادي أي يؤذن للرؤيا المذكورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فعلى هذا فالفاء في سياق حديث بن عمر هي الفصيحة والتقدير فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه فصدقه
[ 66 ]
فقال عمر قلت وسياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك فإن فيه أنه لما قص رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ألقها على بلال فليؤذن بها قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لقد رأيت مثل الذي رأى فدل على أن عمر لم يكن حاضرا لما قص عبد الله بن زيد رؤياه والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي الولاء كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك والله أعلم وقد أخرج أبو داود بسند صحيح إلى أبي عمير بن أنس عن عمومته من الأنصار قالوا اهتم النبي صلى الله عليه وسلم الولاء كيف يجمع الناس لها فقال انصب راية عند حضور وقت الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه الحديث وفيه ذكروا القنع بضم القاف وسكون النون يعني البوق وذكروا الناقوس فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم فأرى الأذان فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكان عمر رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما منعك أن تخبرنا قال سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فأنظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله ترجم له أبو داود بدء الأذان وقال أبو عمر بن عبد البر روى قصة عبد الله بن زيد جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة وهي من وجوه حسان وهذا أحسنها قلت وهذا لا يخالفه ما تقدم أن عبد الله بن زيد لما قص منامه فسمع عمر الأذان فجاء فقال قد رأيت لأنه يحمل على أنه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله بل متراخيا عنه لقوله ما منعك أن تخبرنا أي عقب إخبار عبد الله فاعتذر بالاستحياء فدل على أنه لم يخبر بذلك على الفور وليس في حديث أبي عمير التصريح بأن عمر كان حاضرا عند قص عبد الله رؤياه بخلاف ما وقع في روايته التي ذكر به فسمع عمر الصوت فخرج فقال فإنه صريح في أنه لم يكن حاضرا عند قص عبد الله والله أعلم قوله فناد بالصلاة في رواية الاسماعيلي فأذن بالصلاة قال عياض المراد الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع وأغرب القاضي أبو بكر بن العربي فحمل قوله أذن على الأذان المشروع وطعن في صحة حديث بن عمر وقال عجبا لأبي عيسى كيف صححه والمعروف أن شرع الأذان إنما كان برؤيا عبد الله بن زيد انتهى ولا تدفع الأحاديث الصحيحة بمثل هذا مع إمكان الجمع كما قدمناه وقد قال بن منده في حديث بن عمر إنه مجمع على صحته قوله يا بلال قم قال عياض وغيره فيه حجة لشرع الأذان قائما قلت وكذا احتج بن خزيمة وابن المنذر وتعقبه النووي بأن المراد بقوله قم أي أذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس قال وليس فيه تعرض القيام في حال الأذان انتهى وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ فإن الصيغة محتملة للأمرين وإن كان ما قاله أرجح ونقل عياض أن مذهب العلماء كافة أن الأذان قاعدا لا يجوز إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي وتعقب بأن الخلاف معروف عند الشافعية وبأن المشهور عند الحنفية كلهم أن القيام سنة وأنه لو أذن قاعدا صح والصواب ما قال بن المنذر أنهم اتفقوا على أن القيام من السنة فائدة كان اللفظ الذي ينادي به بلال الولاء قوله الصلاة جامعة أخرجه بن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب وظن بعضهم أن بلالا حينئذ إنما أمر بالأذان المعهود فذكر مناسبة اختصاص بلال بذاك دون غيره لكونه كان لما عذب ليرجع عن الإسلام فيقول أحد أحد فجوزي بولاية الأذان المشتملة على التوحيد في ابتدائه وانتهائه وهي مناسبة حسنة في اختصاص بلال بالأذان إلا أن هذا الموضع ليس هو محلها وفي حديث بن عمر دليل على مشروح عية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة دون
[ 67 ]
الاقتصار على الظواهر قاله بن العربي وعلى مراعاة المصالح والعمل بها وذلك أنه لما شق عليهم التبكير إلى الصلاة فتفوتهم أشغالهم أو التأخير فيفوتهم وقت الصلاة نظروا في ذلك وفيه مشروعية التشاور في الأمور المهمة وأنه لا حرج على أحد من المتشاورين إذا أخبر بما أدى إليه اجتهاده وفيه منقبة ظاهرة لعمر وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد لأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعى وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك أو لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمقتضاها لينظر أيقر على ذلك أم لا ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه وهذا ينبنى على القول بجواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأحكام وهو المنصور في الأصول ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير المؤذن أحد كبار التابعين أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم سبقك بذلك الوحي وهذا أصح ممحكى الداودي عن بن إسحاق أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام وأشار السهيلي إلى أن الحكمة في ابتداء شرع الأذان على اختلفوا غير النبي صلى الله عليه وسلم التنويه بعلو قدره على اختلفوا غيره ليكون أفخم لشأنه والله أعلم قوله باب الأذان مثنى في رواية الكشميهني مثنى مثنى أي مرتين مرتين ومثنى معدول عن اثنين اثنين وهو بغير تنوين فتحمل رواية الكشميهني على التوكيد لأن الأول يفيد تثنية كل لفظ من ألفاظ الأذان والثاني يؤكد ذلك فائدة ثبت لفظ هذه الترجمة في حديث لابن عمر مرفوع أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده فقال فيه مثنى مثنى وهو عند أبي داود والنسائي وصححه بن خزيمة وغيره من هذا الوجه لكن بلفظ مرتين مرتين قوله عن سماك بن عطية هو بصري ثقة روى عن أيوب وهو من أقرانه وقد روى حماد بن زيد عنهما جميعا وقال مات سماك قبل أيوب ورجال إسناده كلهم بصريون قوله أن يشفع بفتح أوله وفتح الفاء أي يأتي بألفاظه شفعا قال الزين بن المنير وصف الأذان بأنه شفع يفسره قوله مثنى مثنى أي مرتين مرتين وذلك يقتضى أن تستوي جميع ألفاظه في ذلك لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة فيحمل قوله مثنى على ما سواها وكأنه أراد بذلك تأكيد مذهبه في ترك تربيع التكبير في أوله لكن لمن قال بالتربيع أن يدعي وكما ما ادعاه لثبوت الخبر بذلك وسيأتي في اشتراط توجيه يقتضى أن القائل به لا يحتاج إلى دعوى التخصيص قوله وأن يوتر اشتراط إلا اشتراط المراد بالمنفى غير المراد بالمثبت فالمراد بالمثبت جميع الألفاظ المشروعة عند القيام إلى الصلاة والمراد بالمنفى خصوص قوله قد قامت الصلاة كما سيأتي ذلك صريحا وحصل من ذلك جناس تام تنبية ادعى بن منده أن قوله إلا اشتراط من قول أيوب غير مسند كما في رواية إسماعيل بن إبراهيم وأشار إلى أن في رواية سماك بن عطية هذه إدراجا وكذا قال أبو محمد الأصيلي قوله إلا اشتراط هو من قول أيوب وليس من الحديث وفيما قالاه نظر لأن عبد الرزاق رواه عن معمر عن أيوب بسنده متصلا بالخبر مفسرا ولفظه كان بلال يثني الأذان ويوتر اشتراط إلا قوله قد قامت الصلاة وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج في مسنده وكذا هو في مصنف عبد الرزاق وللاسماعيلي من هذا الوجه ويقول قد قامت الصلاة مرتين والأصل أن ما كان
[ 68 ]
في الخبر فهو منه حتى يقوم دليل على خلافه ولا دليل في رواية إسماعيلى لأنه إنما يتحصل منها أن خالدا كان لا يذكر الزيادة وكان أيوب يذكرها وكل منهما روى الحديث عن أبي قلابة عن أنس فكان في رواية أيوب زيادة من حافظ فتقبل والله أعلم وقد استشكل عدم استثناء التكبير في اشتراط وأجاب بعض الشافعية بأن التثنية في تكبيرة اشتراط بالنسبة إلى الأذان إفراد قال النووي ولهذا يستحب أن يقول المؤذن كل تكبيرتين بنفس واحد قلت وهذا إنما يتأتى في أول الأذان لا في التكبير الذي في آخره وعلى ما قال النووي ينبغي للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة من اللتين في آخره بنفس ويظهر بهذا التقرير ترجيح قول من قال بتربيع التكبير في أوله على من قال بتثنيته مع أن لفظ الشفع يتناول التثنية والتربيع فليس في لفظ حديث الباب ما يخالف ذلك بخلاف ما يوهمه كلام بن بطال وأما الترجيع في التشهدين فالاصح في صورته أن يشهد بالوحدانية ثنتين ثم بالرسالة ثنتين ثم يرجع فيشهد كذلك فهو وإن كان في العدد مربعا فهو في الصورة مثنى والله أعلم قوله حدثني محمد وهو بن سلام كذا في رواية أبي ذر وأهمله الباقون قوله حدثني عبد الوهاب الثقفي في رواية كريمة أخبرنا وفي رواية الاصليى حدثنا وليس في رواية كريمة الثقفي قوله حدثنا خالد كذا لأبي ذر والأصيلي ولغيرهما أخبرنا قوله قال لما كثر الناس قال ذكروا قال الثانية زائدة ذكرت تأكيدا قوله أن يعلموا بضم أوله من الإعلام وفي رواية كريمة بفتح أوله من العلم قوله أن يوروا نارا أي يوقدوها يقال وري الزند إذا خرجت ناره وأوريته إذا أخرجته ووقع في رواية مسلم أن ينوروا نارا أي يظهروا نورها والناقوس خشبة تضرب بخشبة أصغر منها فيخرج منها صوت وهو من شعار النصارى قوله وأن يوتر اشتراط احتج به من قال بإفراد قوله قد قامت الصلاة والحديث الذي قبله حجة عليه لما قدمناه فإن احتج بعمل أهل المدينة عورض بعمل أهل مكة ومعهم الحديث الصحيح قوله قد قامت الصلاة قوله باب اشتراط واحدة قال الزين بن المنير خالف البخاري لفظ الحديث في الترجمة فعدل عنه إلى قوله واحدة لأن لفظ الوتر غير منحصر في المرة فعدل عن لفظ فيه الاشتراك إلى ما لااشتراك فيه قلت وإنما لم يقل واحدة واحدة مراعاة للفظ الخبر الوارد في ذلك وهو عند بن حبان في حديث بن عمر الذي أشرت إليه في الباب الماضي ولفظه الأذان مثنى والإقامة واحدة وروى الدارقطني وحسنه في حديث لأبي محذورة وأمره أن يقيم واحدة واحدة قوله إلا قوله قد قامت الصلاة هو لفظ معمر عن أيوب كما تقدم قيل واعترضه الاسماعيلي بأن إيراد حديث سماك بن عطية في هذا الباب أولى من إيراد حديث بن علية والجواب أن المصنف قصد رفع توهم من يتوهم أنه موقوف على أيوب لأنه أورده في مقام الاحتجاج به ولو كان عنده مقطوعا لم يحتج به قوله حدثنا خالد هو الحذاء كما تقدم والإسناد كله بصريون قوله قال إسماعيل هو بن إبراهيم المذكور في أول الإسناد وهو المعروف بابن علية وليس هو معلقا قوله فذكرت كذا للأكثر بحذف المفعول وللكشميهني والأصيلي فذكرته أي حديث خالد وهذا الحديث حجة على من زعم أن اشتراط مثنى مثل الأذان وأجاب بعض الحنفية بدعوى النسخ وأن إفراد اشتراط كان أولا ثم نسخ بحديث أبي محذورة يعني الذي رواه أصحاب السنن وفيه تثنية اشتراط وهو متأخر عن حديث أنس فيكون ناسخا وعورض بأن في بعض طرق حديث أبي محذورة المحسنة التربيع
[ 69 ]
والترجيع فكان يلزمهم القول به وقد أنكر أحمد على من ادعى النسخ بحديث أبي محذورة واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع بعد الفتح إلى المدينة وأقر بلالا على إفراد اشتراط وعلمه سعد القرظ فأذن به بعده كما رواه الدارقطني والحاكم وقال بن عبد البر ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح فإن ربع التكبير الأول في الأذان أو ثناه أو رجع في المنكدر أو لم يرجع أو ثنى اشتراط أو أفردها كلها أو إلا قد قامت الصلاة فالجميع جائز وعن بن خزيمة إن ربع الأذان ورجع فيه ثنى اشتراط وإلا أفردها وقيل لم يقل بهذا التفصيل أحد قبله والله أعلم فائدة قيل الحكمة في تثنية الأذان وإفراد اشتراط أن الأذان لإعلام الغائبين المنجنون ليكون أوصل إليهم بخلاف اشتراط فإنها للحاضرين ومن ثم استحب أن يكون الأذان في مكان عال بخلاف اشتراط وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في اشتراط وأن يكون الأذان مرتلا والإقامة مسرعة وكرر قد قامت الصلاة لأنها المقصودة من اشتراط بالذات قلت توجيهه ظاهر وأما قول الخطابي لو سوى بينهما ورؤساءهم الأمر عند ذلك وصار لأن يفوت كثيرا من الناس صلاة الجماعة ففيه نظر لأن الأذان يستحب أن يكون على مكان عال لتشترك الاسماع كما تقدم وقد تقدم الكلام على تثنية التكبير وتؤخذ حكمة الترجيع مما تقدم وإنما اختص بالتشهد لأنه أعظم ألفاظ الأذان والله أعلم قوله باب فضل التأذين راعي المصنف لفظ التأذين لوروده في حديث الباب وقال الزين بن المنير التأذين يتناول جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة وحقيقة الأذان تعقل بدون ذلك كذا قال والظاهر أن التأذين هنا أطلق بمعنى الأذان لقوله في الحديث حتى لا يسمع التأذين وفي رواية لمسلم حتى لا يسمع صوته فالتقييد بالسماع لا يدل على فعل ولا على هيئة مع أن ذلك هو الأصل في المصدر قوله إذا نودي الولاء وللنسائي عن قتيبة عن مالك بالصلاة وهي رواية لمسلم أيضا ويمكن حملها على معنى واحد قوله له ضراط جملة اسمية وقعت حالا بدون واو لحصول الارتباط بالضمير وفي رواية الاصليى وله ضراط وهي للمصنف من وجه آخر في بدء الخلق قال عياض يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح ويحتمل أنها عبارة عن شدة نفاره ويقويه رواية لمسلم له حصاص بمهملات مضموم الأول فقد فسره الأصمعي وغيره بشدة العدو قال الطيبي العطار شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره ثم سماه ضراطا تقبيحا له تنبيه الظاهر أن المراد بالشيطان إبليس وعليه يدل كلام كثير من الشراح كما سيأتي ويحتمل أن المراد جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن والإنس لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة قوله حتى لا يسمع التأذين ظاهره أنه يتعمد إخراج ذلك إما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن أو يصنع ذلك استخفافا كما بالصلاة السفهاء ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف يحدث له ذلك الصوت بسببها ويحتمل أن يتعمد ذلك ليقابل ما يناسب الصلاة من الطهارة بالحدث واستدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان لأن قوله حتى لا يسمع ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفى فيها سماعه للصو ت وقد وقع بيان الغاية في رواية لمسلم من حديث جابر فقال حتى يكون مكان الروحاء وحكى الأعمش عن أبي سفيان راويه عن جابر أن بين المدنية والروحاء ستة وثلاثين
[ 70 ]
ميلا هذه رواية قتيبة عن جرير عند مسلم وأخرجه عن إسحاق عن جرير ولم يسق يسيرو لفظ إسحاق في مسنده حتى يكون بالروحاء وهي ثلاثون ميلا من المدينة فأدرجه في الخبر والمعتمد رواية قتيبة وسيأتي حديث أبي سعيد في فضل رفع الصوت بالأذان بعده قوله قضى بضم أوله والمراد بالقضاء الفراغ أو الانتهاء ويروى بفتح أوله على حذف الفاعل والمراد المنادى واستدل به على أنه كان بين الأذان والإقامة فصل خلافا لمن شرط في إدراك فضيلة أول الوقت أن ينطبق أول التكبير على أول الوقت قوله إذا ثوب بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة قيل هو من ثاب إذا رجع وقيل من ثوب إذا أشار بثوبه عند الفراغ لإعلام غيره قال الجمهور المراد بالتثويب هنا اشتراط وبذلك جزم أبو عوانة في صحيحه والخطابى والبيهقي وغيرهم قال القرطي ثوب بالصلاة إذا أقيمت وأصله أنه رجع إلى ما يشبه الأذان وكل من ردد صوتا فهو مثوب ويدل عليه رواية مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة فإذا سمع اشتراط ذهب وزعم بعض الكوفيين أن المراد بالتثويب قول المؤذن بين الأذان والإقامة حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة وحكى ذلك بن المنذر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وزعم أنه تفرد به لكن في سنن أبي داود عن بن عمر أنه كره التثويب بين الأذان والإقامة فهذا يدل على أن له سلفا في الجملة ويحتمل أن يكون الذي تفرد به القول الخاص وقال الخطابي لا يعرف فضالة التثويب الا قول المؤذ في الأذان الصلاة خير من النوم لكن المراد به في هذا الحديث اشتراط والله أعلم قوله أقبل زاد مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة فوسوس قوله أقبل حتى يخطر بضم الطاء قال عياض كذا سمعناه من أكثر الرواة وضبطناه عن المتقنين بالكسر وهو الوجه ومعناه يوسوس وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب به فخذيه وأما بالضم فمن المرور أي يدنو منه فيمر بينه وبين قلبه فيشغله وضعف الحجري في نوادره الضم مطلقا وقال هو يخطر بالكسر في كل شئ قوله بين المرء ونفسه أي قلبه وكذا هو للمصنف من وجه آخر في بدء الخلق قال الباجي المعنى أنه يحول بين المرء وبين ما يريده من اقباله على صلاته وإخلاصه فيها قوله يقول أذكر كذا أذكر كذا وقع في رواية كريمة بواو العطف واذكر كذا وهي لمسلم وللمصنف في صلاة السهو أذكر كذاوكذا زاد مسلم من رواية عبد ربه عن الأعرج فهناه ومناه وذكره من حاجاته ما لم يكن يذكر قوله لما لم يكن يذكر أي لشئ لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة وفي رواية لمسلم لما لم يكن يذكر من قبل ومن ثم استنبط أبو حنيفة للذي شكا إليه أندفن مالا ثم لم يهتد لمكانه أن يصلي ويحرص أن لا يحدث نفسه بشئ من أمر الدنيا ففعل فذكر مكان المال في الحال قيل خصه بما يعلم دون ما لا يعلم لأنه يميل لما يعلم أكثر لتحقق الجوزي والذي يظهر أنه لاعم من ذلك فيذكره بما سبق له به علم ليشتغل باله به وبما لم يكن سبق له ليوقعه في الفكرة فيه وهذا أعم من أن يكون في أمور الدنيا أو في أمور الدين كالعلم لكن هل يشمل ذلك التفكر في معاني الآيات التي يتلوها لا يبعد ذلك لأن غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان قوله حتى يظل الرجل كذا للجمهور بالظاء المشالة المفتوحة ومعنى يظل في الأصل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا لكنها هنا بمعنى يصير أو يبقى ووقع عند الأصيلي يضل بكسر الساقطة أي ينسى ومنه قوله تعالى أن تضل أحدهما أو بفتحها أي يخطئ ومنه قوله تعالى لا يضل ربي ولا ينسى والمشهور الأول قوله لا يدري
[ 71 ]
وفي رواية في صلاة السهو أن يدري بكسر همزة أن وهي نافية بمعنى لا وحكى بن عبد البر عن الأكثر في الموطأ فتح الهمزة ووجهه بما تعقبه عليه جماعة وقال القرطبي ليست رواية الفتح لشئ الا مع رواية الضاد الساقطة فتكون أن مع الفعل بتأويل المصدر ومفعول ضل أن بإسقاط حرف الجر أي يضل عن درايته قوله كم صلى وللمصنف في بدء الخلق من وجه آخر عن أبي هريرة حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا وسيأتي الكلام عليه في أبواب السهو إن شاء الله تعالى وقد اختلف العلماء في الحكمة في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة دون سماع القرآن والذكر في الصلاة فقيل يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له كما يأتي بعد ولعل البخاري أشار إلى ذلك بإيراده الحديث المذكور عقب هذا الحديث ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن اللفظ عام والمراد به خاص وأن الذي يشهد من تصح منه الشهادة كما سيأتي القول فيه في الباب الذي بعده وقيل إن ذلك خاص بالمؤمنين فأما الكفار فلا تقبل لهم شهادة ورده لما جاء من الآثار بخلافه وبالغ الزين بن المنير في تقرير الأول وهو مقام احتمال وقيل يهرب نفورا عن سماع الأذان ثم يرجع موسوسا ليفسد على المصلي صلاته فصار رجوعه من جنس فراره والجامع بينهما الاستخفاف وقيل لأن الأذان دعاء إلى الصلاة المشتملة على السجود الذي أباه وعصى بسببه واعترض بأنه يعود قبل السجود فلو كان هربه لأجله لم يعد إلا عند فراغه وأجيب بأنه يهرب عند سماع الدعاء بذلك ليغالط نفسه بأنه لم يخالف أمراثم يرجع ليفسد على المصلي سجوده الذي أباه وقيل إنما يهرب لاتفاق الجميع على الاعلان بشهادة الحق وإقامة خالف واعترض بأن الاتفاق على ذلك حاصل قبل الأذان وبعده من جميع من يصلي وأجيب بأن الإعلان أخص من الاتفاق فإن الإعلان المختص بالأذان لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير والتلاوة مثلا ولهذا قال لعبد الله بن زيد ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك أي أقعد في المد وألينه والإسماع ليعم الصوت ويطول أمد التأذين فيكثر الجمع ويفوت على الشيطان مقصوده من إلهاء الآدمي عن إقامة الصلاة في جماعة أو إخراجها عن وقتها أو وقت فضيلتها فيفر حينئذ وقد ييأس عن أن يردهم عما أعلنوا به ثم يرجع لما طبع عليه من الأذى والوسوسة وقال بن الجوزي على الأذان هيبة يشتد انزعاج الشيطان بسببها لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به بخلاف الصلاة فإن النفس تحضر فيها فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة وقد ترجم عليه أبو عوانة الدليل على أن المؤذن في أذانه وإقامته منفى عنه الوسوسة والرياء لتباعد الشيطان منه وقيل لأن الأذان إعلام بالصلاة التي هي أفضل الأعمال بألفاظ هي من أفضل الذكر لا يزاد فيها ولا ينقص منها بل أنكر على وفق الأمر فيفر من سماعها وأما الصلاة فلما يقع من كثير من الناس فيها من التفريط فيتمكن الخبيث من المفرط فلو قدر أن المصلي وفى بجميع ما أمر به فيها لم يقر به إذا كان وحده وهو نادر وكذا إذا انضم إليه من هو مثله فإنه يكون أندر أشار إليه بن أبي جمرة نفع الله ببركته فائدة قال بن بطال يشبه أن يكون الزجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن من هذا المعنى لئلا يكون متشبها بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان والله أعلم تنبيهان الأول فهم بعض السلف من الأذان في هذا الحديث الإتيان بصورة
[ 72 ]
الأذان وإن لم توجد فيه شرائط الأذان من وقوعه في الوقت وغير ذلك ففي صحيح مسلم من رواية سهيل بن أبصالح عن أبيه أنه قال إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة واستدل بهذا الحديث وروى مالك عن زيد بن أسلم نحوه الثاني وردت في فضل الأذان أحاديث كثيرة ذكر المصنف بعضها في مواضع أخرى واقتصر على هذا هنا لأن هذا الخبر تضمن فضلا لا ينال بغير الأذان بخلاف غيره من الأخبار فإن النصارى المذكور فيها يدرك بأنواع أخرى من العبادات والله أعلم قوله باب رفع الصوت بالنداء قال الزين بن المنير لم ينص على حكم رفع الصوت لأنه من صفة الأذان وهو لم ينص في أصل الأذان على حكم كما تقدم وقد ترجم عليه النسائي باب النصارى على رفع الصوت بالأذان قوله وقال عمر بن عبد العزيز وصله بن أبي شبيبة من طريق عمر عن سعيد بن أبي حسين أن مؤذنا أذن فطرب في أذانه فقال له عمر بن عبد العزيز فذكره ولم أقف على اسم هذا المؤذن وأظنه من بني سعد القرظ لأن ذلك وقع حيث كان عمر بن عبد العزيز أميرا على المدينة والظاهر أنه خاف عليه من التطريب الخروج عن الخشوع لاأنه نهاه عن رفع الصوت وقد روى نحو هذا من حديث بن عباس مرفوعا أخرجه الدارقطني وفيه إسحاق بن أبي يحيى الكعبي وهو ضعيف عند الدارقطني وابن عدي وقال بن حبان لا تحل الرواية عنه ثم غفل فذكره في الثقات قوله عن أبيه زاد بن عيينوكان يتيما في حجر أبي سعيد وكانت أمه عند أبي سعيد أخرجه بن خزيمة من طريقه لكن قلبه بن عيينة فقال عن عبد الرحمن بن عبد الله والصحيح قول مالك ووافقه عبد العزيز الماجشون وزعم أبو مسعود في الأطراف أن البخاري أخرج روايته لكن لم تجذلك ولا ذكرها خلف قاله بن عساكر واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذبن عمرو بن غنم بن مازن بن ماتت مات أبو صعصعة في الجاهلية وابنه عبد الرحمن صحابي روى بن شاهين في الصحابة من طريق قيس بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن جده حديثا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي سياقه أن جده كان بدريا وفيه نظر لأن أصحاب المغازي لم يذكروه فيهم وإنما ذكروا أخاه قيس بن أبي صعصعة قوله أن أبا سعيد الخدري قال له أي لعبد الله بن عبد الرحمن قوله تحب الغنم والبادية أي لأجل الغنم لأن محبها يحتاج إلى إصلاحها بالمرعى وهو في الغالب يكون في البادية وهي الصحراء التي لا عمارة فيها قوله في غنمك أو باديتك يحتمل أن تكون أو شكا من الراوي ويحتمل أن تكون للتنويع لأن الغنم قد لا تكون في البادية ولأنه قد يكون في البادية حيث لا غنم قوله فأذنت الولاء أي لأجل الصلاة وللمصنف في بدء الخلق بالصلاة أي أعلمت بوقتها قوله فارفع فيه إشعار بان أذان من أراد الصلاة كان مقررا عندهم لاقتصاره على الأمر بالرفع دون أصل التأذين واستدل به الرافعي للقول الصائر إلى استحباب أذان المنفرد وهو الراجح عند الشافعية بناء على أن الأذان حق الوقت وقيل لا يستحب بناء على أن الأذان لاستدعاء الجماعة الولاء ومنهم من فصل بين من يرجو جماعة أو لا قوله بالنداء أي بالأذان قوله لا يسمع مدى صوت المؤذن أي غاية صوته قال البيضاوي غاية الصوت تكون أخفى من ابتدائه فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه منتهى صوته فلأن يشهد له من دنا منه وسمع مبادى صوته أولى قوله جن ولا إنس ولا شئ ظاهره يشمل الحيوانات والجمادات فهو من العام بعد الخاص ويؤيده ما في رواية بن خزيمة لا يسمع صوته شجر ولا مدر
[ 73 ]
ولا حجر ولا جن ولا أنس ولأبي داود والنسائي من طريق أبي يحيى عن أبي هريرة بلفظ المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس ونحوه للنسائي وغيره من حديث البراء وصححه بن السكن فهذه الأحاديث تبين المراد من قوله في حديث الباب ولا شئ وقد تكلم بعض من لم يطلع عليها في تأويله على غير ما يقتضيه ظاهره قال القرطبي قوله ولا شئ المراد به الملائكة وتعقب بأنهم دخلوا في قوله جن لأنهم يستخفون عن الأبصار وقال غيره المراد كل ما يسمع المؤذن من الحيوان حتى ما لا يعقل دون الجمادات ومنهم من حمله على ظاهره وذلك غير ممتنع عقلا ولا شرعا قال بن بزيزة تقرر في العادة أن السماع والشهادة والتسبيح لا يكون إلا من حي فهل ذلك حكاية عن اختلفوا الحال لأن الموجودات ناطقة بلسان حالها بحلال باريها أو هو على ظاهره وغير ممتنع عقلا أن الله يخلق فيها الحياة والكلام وقد تقدم البحث في ذلك في قول النار أكل بعضي بعضا وسيأتي في الحديث الذي فيه أن البقرة قالت إنما خلقت للحرث وفي مسلم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا إني لأعرف حجرا كان يسلم علي أه ونقل بن النين عن أبي عبد الملك إن قوله هنا ولا شئ وكما قوله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده وتعقبه بأن الآية مختلف فيها وما عرفت وجه هذا التعقب فإنهما سواء في الاحتمال ونقل الاختلاف إلا أن يقول إن الآية لم يختلف في كونها على عمومها وإنما اختلف في تسبيح بعض الأشياء هل هو على الحقيقة أو المجاز بخلاف الحديث والله أعلم فائدة السر في هذه الشهادة مع أنها أنكر عند عالم الغيب والشهادة أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا من توجيه الدعوى والجواب والشهادة قاله الزين بن المنير وقال النوربشتى المراد من هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو الدرجة وكما أن الله يفضح بالشهادة قوما فكذلك يكرم بالشهادة آخرين قوله الا شهد له للكشميهنى إلا يشهد له وتوجيههما واضح قوله قال أبو سعيد سمعت قال الكرماني أي هذا الكلام الأخير وهو قوله إنه لا يسمع الخ قلت وقد أورد الرافعي هذا الحديث في الشرح بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد انك رجل تجب الغم وساقه إلى آخره وسبقه إلى ذلك الغزالي وامامه والقاضي حسين وابن داود شارح المختصر وغيرهم وتعقبه النووي وأجاب بن الرفعة عنهم بأنهم فهموا أن قول أبي سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عائد على كل ما ذكر الله أه ولا يخفى بعده وقد رواه بن خزيمة من رواية بن عيينة ولفظه قال أبو سعيد إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالنداء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يسمع فذكره ورواه يحيى القطان أيضا عن مالك بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أذنت فارفع صوتك فإنه لا يسمع فذكره فالظاهر أن ذكر الغنم والبادية موقوف والله أعلم وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان ليكثر من يشهد له ما لم يجهده أو يتأذى به وفيه أن حب الغنم والبادية ولا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح وفيه جواز التبدى ومساكنة الأعراب ومشاركتهم في الأسباب بشرط حظ من العلم وأمن غلبة الجفاء وفيه أن أذان الفذ مندوب إليه ولو كان في قفر ولو لم يرتج حضور من يصلي معه لأنه إن فاته دعاء المصلين فلم يفته استشهاد من سمعه من غيرهم قوله باب ما يحقن بالأذان من الدماء قال الزين بن المنير قصد البخاري بهذه الترجمة واللتين قبلها استيفاء ثمرات الأذان فالأولى فيها فضل التأذين لقصد
[ 74 ]
الاجتماع الولاء والثانية فيها فضل أذان المنفرد لايداع الشهادة له بذلك والثالثة فيها حقن الدماء عند وجود الأذان قال وإذانتفت عن الأذان فائدة من هذه الفوائد لم يشرع إلا في حكايته عند سماعه ولهذا عقبه بترجمة ما يقول إذا سمع المنادي أه كلامه ملخصا ووجه الاستدلال للترجمة من حديث الباب ظاهر وباقي المتن من متعلقات الجهاد وقد أورده المصنف هناك بهذ الاسناد وسياقه أتم مما هنا وسيأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى وقد روى مسلم طرفه المتعلق بالأذان وسياقه أوضح أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار قال الخطابي فيه أن الأذان شعار الإسلام وأنه لا يجوز تركه ولو أن أهل بلد اجتمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه أه وهذا أحد أقوال العلماء كما تقدم وهو أحد الأوجه في المذهب وأغرب بن عبد البر فقال لا أعلم فيه خلافا وأن قول أصحابنا من نطق بالتشهد في الأذان حكم بإسلامه إلا إذا كان عيسويا فلا يرد عليه مطلق حديث الباب لأن العيسوية طائفة من اليهود حدثت في آخر دولة بني أمية فاعترفوا بان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن إلى العرب فقط وهم منسوبون إلى رجل يقال له أبو عيسى حالا لهم ذلك تنبيه وقع في سياق حديث الباب لم يكن يغر بنا واختلف في ضبطه ففي رواية المستملى يغر من الاغارة مجزوم على أنه بدل من قوله يكن وفي رواية الكشميهني يغد بإسكان الغين وبالدال المهملة من الغدو وفي رواية كريمة يغزو بزاى بعدها واو من الغزو وفي رواية الأصيلي يغير كالأول لكن بإثبات الياء وفي رواية غيرهم بضم أوله وإسكان الغين من الإغراء ورواية مسلم تشهد لرواية من رواه من الإغارة والله أعلم قوله باب ما يقول إذا سمع المنادى هذا لفظ رواية أبي داود الطيالسي عن بن المبارك عن يونس عن الزهري وفي حديث الباب وآثر المصنف عدم الجزم بحكم ذلك لقوة الخلاف فيه كما سيأتي ثم ظاهر صنيعه يقتضى ترجيح ما عليه الجمهور وهو أن يقول مثل ما يقول من الأذان إلا الحيعلتين لأن حديث أبي سعيد الذي بدأ به عام وحديث معاوية الذي تلاه به يخصصه والخاص مقدم على العام قوله عن عطاء بن يزيد في رواية بن وهب عن مالك ويونس عن الزهري أن عطاء بن يزيد أخبره أخرجه أبو عوانة فائدة اختلف على الزهري في إسناد هذا الحديث وعلى مالك أيضا لكنه اختلاف لا يقدح في صحته فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجة وقال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود والترمذي حديث مالك ومن تابعه أصح ورواه يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده عنه وقال الدارقطني أنه خطأ والصواب الرواية الأولى وفيه اختلاف آخر دون ما ذكر لا نطيل به قوله إذا سمعتم ظاهره اختصاص الإجابة بمن يسمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا في الوقت بعدم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة قاله النووي في شرح المهذب قوله فقولوا مثل ما يقول المؤذن ادعى بن وضاح أن قول المؤذن مدرج وأن الحديث انتهى عند قوله مثل ما يقول وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها ولم يصب صاحب العمدة في حذفها قوله ما يقول قال الكرماني قال ما
[ 75 ]
يقول ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها قلت والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت وأما أبو الفتح اليعمري فقال ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذن لكن الأحاديث التي تضمنت إجابة كل كلمة عقبها دلت على أن المراد المساوقة يشير إلى حديث عمر بن الخطاب الذي عند مسلم وغيره فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل قاله النووي في شرح المهذب بحثا وقد قالوه فيما إذا كان له عذر كالصلاة وظاهر قوله أنه يقول مثل قوله في جميع الكلمات لكن حديث عمر أيضا وحديث معاوية الآتي يدلان على أنه يستثنى من ذلك حى على الصلاة وحي على الفلاح فيقول بدلهما لا حول ولا قوة الا بالله كذلك استدل به بن خزيمة وهو المشهور عند الجمهور وقال بن المنذر يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما قال فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة وهو وجه عند الحنابلة وأجيب عن المشهور من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة وذلك يحصل من المؤذن فعوض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة ولقائل أن يقول يحصل للمجيب النصارى لامتثاله الأمر ويمكن أن يزداد استيقاظا وإسراعا إلى القيام إلى الصلاة إذا تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن ومن نفسه ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم سمع الله لمن حمده كما سيأتي في موضعه وقال الطيبي معنى الحيعلتين هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلا والفوز بالنعيم آجلا فناسب أن يقول هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفى القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عبد الرزاق عن بن جريج قال حدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقراءة فلا يقول شيئا إلا قالوا مثله حتى إذا قال حي على الصلاة قالوا لا حول ولا قوة الا بالله وإذا قال حي على الفلاح قالوا ما شاء الله انتهى وإلى هذا صار بعض الحنفية وروى بن أبي شيبة مثله عن عثمان وروى عن سعيد بن جبير قال يقول في جواب الحيعلة سمعنا وأطعنا ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى قيل لا يجيبه إلا في التشهدين فقط وقيل هما والتكبير وقيل يضيف إلى ذلك الحوقلة دون ما في آخره وقيل مهما أتى به مما يدل على التوحيد والإخلاص كفاه وهو اختيار الطحاوي وحكوا أيضا خلافا هل يجيب في الترجيع أولا وفيما إذا أذن مؤذن آخر هل يجيبه بعد إجابته للأول أو لا قال النووي لم أر فيه شيئا لأصحابنا وقال بن عبد السلام يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب وإجابة الأول أفضل إلا في الصبح والجمعة فإنهما سواء لأنهما مشروعان وفي الحديث دليل على أن لفظ المثل لا يقتضى المساواة من كل جهة لأن قوله مثل ما يقول لا يقصد به رفع الصوت المطلوب من المؤذن كذا قيل وفيه بحث لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك أن المؤذن مقصوده الإعلام فاحتاج إلى رفع الصوت والسامع مقصوده ذكر الله فيكتفى بالسر أو الجهر لا مع الرفع نعم لا يكفيه أن يجريه على خاطره من غير تلفظ لظاهر الأمر بالقول وأغرب بن المنير فقال حقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة وتعقب بأن
[ 76 ]
الأذان معناه الإعلام لغة وخصه الشرع بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة فإذا وجدت وجد الأذان وما زاد على ذلك من قول أو فعل أو هيئة يكون من مكملاته ويوجد الأذان من دونها ولو كان على ما أطلق لكان ما حالا من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الأذان وليس كذلك لا لغة ولا شرعا واستدل به على جواز إجابة المؤذن في الصلاة وأشار بظاهر الأمر ولان المجيب لا يقصد المخاطبة وقيل يؤخر الإجابة حتى يفرغ لأن في الصلاة شغلا وقيل مجيب إلا في الحيعلتين لأنهما كالخطاب للآدميين والباقي من ذكر الله فلا يمنع لكن قد يقال من يبدل الحيعلة بالحوقلة لا يمنع لأنها من ذكر الله قاله بن دقيق العيد وفرق بن عبد السلام في فتاوية بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب بناء على وجوب موالاتها وإلا فيجيب وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة استأنف وهذا قاله بحثا والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخرها حتى يفرغ وكذا في حال الجماع والخلاء لكن إن أجاب بالحيعلة بطلت كذا أطلقه كثير منهم ونص الشافعي في الأم على عدم فساد الصلاة بذلك واستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في اشتراط قالوا الا في كلمتي اشتراط فيقول أقامها الله وأدامها وقياس إبدال الحيعلة بالحوقلة في الأذان أن يجئ هنا لكن قد يفرق بأن الأذان أعلام عام فيعسر على الجميع أن الريح دعاة إلى الصلاة والإقامة أعلام خاص وعدد من يسمعها محصور فلا يعسر أن يدعو بعضهم بعض واستدل به على وجوب إجابة المؤذن حكاه الطحاوي عن قوم من السلف وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال على الفطرة فلما تشهد قال خرج من النار فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر لم يرد أن يدخل نفسه في عموم من خوطب بذلك قيل ويحتمل أن يكون الرجل لم يقصد الأذان لكن يرد هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة قوله حدثنا هشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قوله أنه سمع معاوية يوما فقال مثله إلى قوله وأشهد أن محمدا رسول الله هكذا أورد المتن هنا مختصرا وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن هشام ولفظه كنا عند معاوية فنادى المنادي بالصلاة فقال مثل ما قال ثم قال هكذا سمعت نبيكم ثم قال البخاري حدثنا إسحاق أنبأنا وهب بن جرير حدثنا هشام عن يحيى نحوه قال يحيى وحدثني بعض إخواننا أنه لما قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله وقال هكذا سمعت نبيكم يقول انتهى فأحال بقوله نحوه على الذي قبله وقد عرفت أنه لم يسق يسير كله وقد وقع لنا هذا الحديث من طرق عن هشام المذكور تاما منها للاسماعيلي من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا عيسى بن طلحة قال دخلنا على معاوية فنادى مناد بالصلاة فقال الله أكبر الله أكبر فقال معاوية الله أكبر الله أكبر فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله فقال أشهد أن محمدا رسول الله فقال معاوية وأنا أشهد أن محمد رسول الله قال يحيى فحدثني صاحب لنا أنه لما قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله ثم قال هكذا سمعنا نبيكم انتهى
[ 77 ]
فاشتم هذا السياق على فوائد أحدها تصريح يحيى بن أبي كثير بالسماع له من محمد بن إبراهيم فأمن ما يخشى من تدليسه ثانيها بيان ما اختصر من روايتي البخاري ثالثها أن قوله في الرواية الأولى أنه سمع معاوية يوما فقال مثله فيه حذف تقديره أنه سمع معاوية يسمع المؤذن يوما فقال مثله رابعها أن الزيادة في رواية وهب بن جرير لم ينفرد بها لمتابعة معاذ بن هشام له خامسها أن قوله قال يحيى ليس تعليقا من البخاري كما زعمه بعضهم بل هو عنده بإسناد إسحاق وأبدى الحافظ قطب الدين احتمالا أنه عنده بإسنادين ثم إن إسحاق هذا لم ينسب وهو بن راهويه كذلك صرح به أبنعيم في مستخرجه وأخرجه من طريق عبد الله بن شيرويه عنه وأما المبهم الذي حدث يحيى به عن معاوية فلم أقف في شئ من الطرق على تعيينه وحكى الكرماني عن غيره المراد به الأوزاعي وفيه نظر لأن الظاهر أن قائل ذلك ليحيى حدثه به عن معاوية وأين عصر الأوزاعي من عصر معاوية وقد غلب على ظني أنه علقمة بن وقاص إن كان يحيى بن أبي كثير أدركه وإلا فأحد ابنيه عبد الله بن علقمة أو عمرو بن علقمة وإنما قلت ذلك لأننى جمعت طرقه عن معاوية فلم أجد هذه الزيادة في ذكر الحوقلة إلا من طريقين أحدهما عن نهشل التميمي عن معاوية وهو في الطبراني بإسناد واوالآخر عن علقمة بن وقاص عنه وقد أخرجه النسائي واللفظ له وابن خزيمة وغيره ممن طريق بن جريج أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمرو أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال إني لعند معاوية إذ أذن مؤذن فقال معاوية كما قال حتى إذا قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله فلما قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة الا بالله وقال بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ورواه بن خزيمة أيضا من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده قال كنت عند معاوية فذكر مثله وأوضح سياقا منه وتبين بهذه الرواية أن ذكر الحوقلة في جواب حى على الفلاح اختصر في حديث الباب بخلاف ما تمسك به بعض من وقف مع ظاهره وأن إلى في قوله في الطريق الأولى فقال مثل قوله إلى أشهد أن محمدا رسول الله بمعنى مع كقوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم تنبيه أخرج مسلم من حديث عمر بن الخطاب نحو حديث معاوية وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في وصله وإرساله كما أشار إليه الدارقطني ولم يخرج مسلم حديث معاوية لأن الزيادة المقصودة منه ليست على شرط الصحيح للمبهم الذي فيها لكن إذا انضم أحد الحديثين إلى الآخر قوي جدا وفي الباب أيضا عن الحارث بن نوفل الهاشمي وأبي رافع وهما في الطبراني وغيره وعن أنس في البزار وغيره والله تعالى أعلم قوله باب الدعاء عند النداء أي عند تمام النداء وكأن المصنف لم يقيده بذلك اتباعا لإطلاق الحديث كما سيأتي البحث فيه قوله حدثني على بن عياش بالياء الأخيرة والشين المعجمة وهو الحمصي من كبار شيوخ البخاري ولم يلقه من الأئمة الستة غيره وقد حدث عنه القدماء بهذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده عنه ورواه على بن المديني شيخ البخاري مع تقدمه على أحمد عنه أخرجه الاسماعيلي من طريقه قوله عن محمد بن المنكدر ذكر الترمذي أن شعيبا تفرد به عن بن المنكدر فهو غريب مع صحته وقد توبع بن المنكدر عليه عن جابر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه ووقع في زوائد الاسماعيلي أخبرني بن المنكدر قوله
[ 78 ]
من قال حين يسمع النداء أي الأذان واللام للعهد ويحتمل أن يكون التقدير من قال حين يسمع نداء المؤذن وظاهره أنه يقول الذكر المذكور حال سماع الأذان ولا يتقيد بفراغه لكن يحتمل أن يكون المراد من النداء تمامه إذ المطلق يحمل على الكامل ويؤيده حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم بلفظ قولوا مثل ما يقول ثم صلوا على ثم سلوا الله لي الوسيلة ففي هذا أن ذلك يقال عند فراغ الأذان واستدل الطحاوي بظاهر حديث جابر على أنه لا يتعين إجابة المؤذن بمثل ما يقول بل لو اقتصر على الذكر المذكور كفاه وقد بين حديث عبد الله بن عمرو المراد وأن الحين أمرهم على ما بعد الفراغ واستدل به بن بزيزة على عدم وجوب ذلك لظاهر إيراده لكن لفظ الأمر في رواية مسلم قد يتمسك به من يدعي الوجوب وبه قال الحنفية وابن وهب من المالكية وخالف الطحاوي أصحابه فوافق الجمهور قوله رب هذه الدعوة بفتح الدال زاد البيهقي من طريق محمد بن عون عن على بن عياش اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة والمراد بها دعوة التوحيد كقوله تعالى له دعوة الحق وقيل لدعوة التوحيد تامة لأن الدوري نقص أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل بل هي باقية إلى يوم النشور أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها فمعرض للفساد وقال بن التين وصفت بالتامة لأن فيها أتم القول وهو لا إله الا الله وقال الطيبي من أوله إلى قوله محمد رسول الله الدعوة التامة والحيعلة هي الصلاة القائمة في قوله يقيمون الصلاة ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء وبالقائمة الدائمة من قام على الشئ إذا داوم عليه وعلى هذا فقوله والصلاة القائمة بيان للدعوة التامة ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ وهو أظهر قوله الوسيلة هي ما يتقرب به إلى الكبير يقال توسلت أي تقربت وتطلق على المنزلة العلية ووقع ذلك في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم بلفظ فإنها منزلة في الجنة لا ينبغي إلا لعبد من عباد الله الحديث ونحوه للبزار عن أبي هريرة ويمكن ردها إلى الأول بأن الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله فتكون كالقربة التي يتوسل بها قوله والفضيلة أي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة قوله مقاما محمودا أي يحمد القائم فيه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من يجري الكرامات ونصب على الظرفيه أي أبعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا أو ضمن أبعثه معنى أقمه أو على أنه مفعول به ومعنى أبعثه أعطه ويجوز أن يكون حالا أي أبعثه ذا مقام محمود قال النووي ثبتت الرواية بالتنكير وكأنه حكاية للفظ القرآن وقال الطيبي إنما نكره لأنه أفخم وأجزل كأنه قيل مقاما محمودا بكل اختلفوا قلت وقد جاء في هذه الرواية بعينها من رواية على بن عياش شيخ البخاري فيه بالتعريف عند النسائي وهي في صحيح بن خزيمة وابن حبان أيضا وفي الطحاوي والطبراني في الدعاء والبيهقي وفيه تعقب على من أنكر ذلك كالنووى قوله الذي وعدته زاد في رواية البيهقي انك لا تخلف الميعاد وقال الطيبي المراد بذلك قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وأطلق عليه الوعد لأن عسى من الله أوقع كما صح عن بن عيينة وغيره والموصول إما بدل أو عطف بيان أو واقع خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة وغيرهما المقام المحمود بالألف واللام فيصبح وصفه بالموصول والله أعلم قال بن الجوزي والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة وقيل إجلاسه على العرش وقيل على الكرسي وحكى كلا
[ 79 ]
من القولين عن جماعة وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الإذان في الشفاعة ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو المشهور وأن يكون الاجلاس هي المنزلة المعبر عنها بالوسيلة أو الفضيلة ووقع في صحيح بن حبان من حديث كعب بن مالك مرفوعا يبعث الله الناس فيكسوني ربي حلة خضراء فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة ويظهر أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحال ويشعر قوله في آخر الحديث حلت له شفاعتي بان الأمر المطلوب له الشفاعة والله أعلم قوله حلت له أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه يقال حل يحل بالضم إذا نزل واللام بمعنى على ويؤيده رواية مسلم حلت عليه ووقع في الطحاوي من حديث بن مسعود وجبت له ولا يجوز أن يكون حلت من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة قوله شفاعتي استشكل بعضهم جعل ذلك ثوابا لقائل ذلك مع ما ثبت من أن الشفاعة للمذنبين وأجيب بان له صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى كإدخال الجنة بغير حساب وكرفع الدرجات فيعطى كل أحد ما يناسبه ونقل عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصا مستحضرا إجلال النبي صلى الله عليه وسلم لامن قصد بذلك مجرد النصارى ونحو ذلك وهو تحكم غير مرضى ولو كان أخرج الغافل اللاهى لكان أشبه وقال المهلب في الحديث الحض على الدعاء في أوقات الصلوات لأنه حال رجاء الإجابة والله أعلم قوله باب الاستهام في الأذان أي الاقتراع ومنه قوله تعالى فساهم فكان من المدحضين قال الخطابي وغيره قيل له الاستهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشئ فمن خرج سهمه غلب قوله ويذكر أن قوما اختلفوا أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريق أبي عبيد كلاهما عن هشيم عن عبد الله بن شبرمة قال تشاح الناس في الأذان بالقادسية فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص فأقرع بينهم وهذا منقطع وقد وصله سيف بن عمر في الفتوح والطبري من طريقه عنه عن عبد الله بن شبرمة عن شقيق وهو أبو وائل قال افتتحنا القادسية صدر النهار فتراجعنا وقد أصيب المؤذن فذكره وزاد فخرجت القرعة لرجل منهم فأذن فائدة القادسية مكان بالعراق معروف نسب إلى قادس رجل نزل به وحكى الجوهري أن إبراهيم عليه السلام قدس على ذلك المكان فلذلك صار منزلا للحاج وكانت به وقعه للمسلمين مشهورة مع الفرس وذلك في خلافة عمر سنة خمس عشرة وكان سعد يومئذ الأمير على الناس قوله عن سمي بضم أوله بلفظ التصغير قوله مولى أببكر أي بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قوله لو يعلم الناس قال الطيبي وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم قوله ما في النداء أي الأذان وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج قوله والصف الأول زاد أبو الشيخ في رواية له من طريق الأعرج عن أبي هريرة من الخير والبركة وقال الطيبي أطلق مفعول يعلم وهو ما ولم يبين الفضيلة ما هي ليفيد ضربا من المبالغة وأنه مما لا يدخل تحت الوصف والإطلاق إنما هو في قدر الفضيلة وإلا فقد بينت في الرواية الأخرى بالخير والبركة قوله ثم لم يجدوا في رواية المستملى والحموي ثم لا يجدون وحكى الكرماني أن في بعض الروايات ثم لا يجدوا ووجهه بجواز حذف النون تخفيفا ولم أقف على هذه الرواية قوله الا أن يستهموا أي لم يجدوا
[ 80 ]
شيئا من وجوه الاولوية أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك من شرائط المؤذن وتكملاته وأما في الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة ويستووا في الفضل فيقرع بينهم إذا لم يتراضوا فيما بينهم في الحالين واستدل به بعضهم لمن قال بالاقتصار على مؤذن واحد وليس بظاهر لصحة استهام أكثر من واحد في مقابلة أكثر من واحد ولان الاستهام على الأذان يتوجه من جهة التولية من الإمام لما فيه من المزية وزعم بعضهم أن المراد بالاستهام هنا الترامي بالسهام وأنه أخرج مخرج المبالغة واستأنس بحديث يسير لتجالدوا عليه بالسيوف لكن الذي فهمه البخاري منه أولى ولذلك استشهد له بقصة سعد ويدل عليه رواية لمسلم لكانت قرعة قوله عليه أي على ما ذكر ليشمل الامرين الأذان والصف الأول وبذلك يصح تبويب المصنف وقال بن عبد البر الهاء عائدة على الصف الأول لا على النداء وهو حق الكلام لأن الضمير يعود لأقرب مذكور ونازعه القرطبي وقال أنه يلزم منه أن يبقى النداء ضائعا لا فائدة له قال والضمير يعود على معنى الكلام المتقدم ومثله قوله تعالى ومن يفعل ذلك يلق أثاما أي جميع ذلك قلت وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ لاستهموا عليهما فهذا مفصح بالمراد من غير تكلف قوله التهجير أي التبكير إلى الصلاة قال الهروي وحمله الخليل وغيره على ظاهره فقالوا المراد الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت لأن التهجير مشتق من الهاجرى وهي شدة الحر نصف النهار وهو أول وقت الظهر وإلى ذلك مال المصنف كما سيأتي ولا يرد على ذلك مشروعية الأبرار لأنه أريد به الرفق وأما من ترك قائلته وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة فلا يخفى ماله من الفضل قوله لاستبقوا إليه قال بن أبي جمرة المراد بالاستباق معنى لا حسا لأن المسابقة على الأقدام حسا تقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه انتهى وسيأتي الكلام على بقية الحديث في باب فضل صلاة العشاء في الجماعة قريبا ويأتي الكلام على المراد بالصف الأول في أواخر أبواب الإمامة أن شاء الله تعالى قوله باب الكلام في الأذان أي في أثنائه بغير ألفاظه وجرى المصنف على عادته في عدم الجزم بالحكم الذي دلالته غير صريحة لكن الذي أورده فيه يشعر بأنه يختار الجواز وحكى بن المنذر الجواز مطلقا عن عروة وعطاء والحسن وقتادة وبه قال أحمد وعن النخعي وابن سيرين والأوزاعي الكراهة وعن الثوري المنع وعن أبي حنيفة وصاحبيه أنه خلاف الأولى وعليه يدل كلام مالك والشافعي وعن إسحاق بن راهويه يكره إلا إن كان فيما يتعلق بالصلاة واختاره بن المنذر لظاهر حديث بن عباس المذكور في الباب وقد نازع في ذلك الداودي فقال لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان بل القول المذكور مشروع من جملة الأذان في ذلك المحل قوله وتكلم سليمان بن صرد في أذانه وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له وأخرجه البخاري في التاريخ عنه وإسناده صحيح ولفظه أنه كان يؤذن في العسكر فيأمر غلامه بالحاجة في أذانه قوله وقال الحسن لم أره موصولا والذي أخرجه بن أبي شيبة وغيره من طرق عنه جواز الكلام بغير قيد الضحك قيل مطابقته للترجمة من جهة أن الضحك إذا كان بصوت قد يظهر منه حر ف مفهم أو أكثر فتفسد الصلاة ومن منع الكلام في الأذان أراد أن يساويه بالصلاة وقد ذهب الأكثر إلى أن تعمد الضحك يبطل الصلاة ولو لم يظهر منه حرف فاستوى مع الكلام في بطلان الصلاة بعمده قوله
[ 81 ]
حماد هو بن زيد وعبد الحميد هو بن دينار وعبد الله بن الحارث هو البصري بن عم بن سيرين وزوج ابنته وهو تابعي صغير ورواية الثلاثة عنه من باب رواية الأقران لأن الثلاثة من صغار التابعين ورجال الإسناد كلهم بصريون وقد جمعهم حماد كمسدد كما هنا وكذلك رواه سليمان بن حرب عنه عند أبي عوانة وأبي نعيم في المستخرج وكان حماد ربما اقتصر على بعضهم كما سيأتي قريبا في باب هل يصلي الإمام بمن حضر عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجي عن حماد عن عبد الحميد وعن عاصم فرقهما ورواه مسلم عن الربيع عن حماد عن أيوب وعاصم من طرق أخرى منها وهيب عن أيوب وحكى عن وهيب أن أيوب لم يسمعه من عبد الله بن الحارث وفيه نظر لأن في رواية سليمان بن حرب عن حماد عن أيوب وعبد الحميد قالا سمعنا عبد الله بن الحارث كذلك أخرجه الاسماعيلي وغيره ولمسدد فيه شيخ آخر وهوبن علية كما سيأتي في كتاب الجمعة إن شاء الله قوله خطبنا استدل به بن الجوزي على أن الصلاة المذكورة كانت الجمعة وفيه نظر نعم وقع التصريح بذلك في رواية بن علية ولفظه أن الجمعة عزمة قوله في يوم رزغ بفتح الراء وسكون الزاي بعدها غين غدا كذا للأكثر هنا ولابن السكن والكشميهني وأبي الوقت بالدال المهملة بدل الزاي وقال القرطبي أنها أشهر وقال والصواب الفتح فإنه الاسم وبالسكون المصدر انتهى وبالفتح رواية القابسي قال صاحب المحكم الرزغ الماء القليل في ولقيني وقيل إنه طين وحل وفي العين الردغة الوحل والرزغة أشد منها وفي الجمهرة والردغة والرزغة الطين القليل من مطر أو غيره تنبيه وقع هنا يوم رزغ بالإضافة وفي رواية الحجي الآتية في يوم ذي رزغ وهي أوضح وفي رواية بن علية في يوم مطير قوله فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره كذا فيه وكأن هنا حذفا تقديره أراد أن يقولها فأمره ويؤيده رواية بن علية إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حى على الصلاة وبوب عليه بن خزيمة وتبعه بن حبان ثم المحب الطبري حذف حي على الصلاة في يوم المطر وكأنه نظر إلى المعنى لأن حي على ا لصلاة والصلاة في الرحال وصلوا في بيوتكم يناقض ذلك وعند الشافعية وجه أنه يقول ذلك بعد الأذان وآخر أنه يقوله بعد الحيعلتين والذي يقتضيه الحديث ما تقدم وقوله الصلاة في الرحال بنصب الصلاة والتقدير صلوا الصلاة والرحال جمع رحل وهو مسكن الرجل وما فيه من أثاثه قال النووي فيه أن هذه الكلمة تقال في نفس الأذان وفي حديث بن عمر يعني الآتي في باب الأذان للمسافر أنها تقال بعده قال والامران جائزان كما نص عليه الشافعي لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان قال ومن أصحابنا من يقول لا يقوله إلا بعد الفراغ وهو ضعيف مخالف لصريح حديث بن عباس انتهى وكلامه يدل على أنها تزاد مطلقا إما في أثنائه وإما بعده لا أنها بدل من حي على الصلاة وقد تقدم عن بن خزيمة ما يخالفه وقد ورد الجمع بينهما في حديث آخر أخرجه عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن نعيم بن النحام قال أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم للصبح في ليله باردة فتمنيت لو قال ومن قعد فلا حرج فلما قال الصلاة خير من النوم قالها قوله فقال فعل هذا كأنه فهم من نظرهم الإنكار وفي رواية الحجي كأنهم أنكروا ذلك وفي رواية بن علية فكأن الناس استنكروا ذلك قوله من هو خير منه وللكشميهني منهم وللحجى مني يعني النبي صلى الله عليه وسلم كذا في أصل الرواية ومعنى رواية
[ 82 ]
الباب من هو خير من المؤذن يعني فعله مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير من هذا المؤذن وأما رواية الكشميهني ففيها نظر ولعل من أذن كانوا جماعة إن كانت محفوظة أو أراد جنس المؤذنين أو أراد خير من المنكرين قوله وإنها أي الجمعة كما تقدم عزمة بسكون الزاي ضد الرخصة زاد بن علية وإني كرهت أن اخرجكم فتمشون في الطين وفي رواية الحجي من طريق عاصم أني أؤثمكم وهي ترجح رواية من روى أحرجكم بالحاء المهملة وفي رواية جرير عن عاصم عند بن خزيمة أن أخرج الناس وأكلفهم أن يحملوا الخبث من طرقهم إلى مسجدكم وسيأتي الكلام على ما يتعلق بسقوط الجمعة بعذر المطر في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى ومطابقة الحديث للترجمة أنكرها الداودي فقال لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان بل القول المذكور من جملة الأذان في ذلك المحل وتعقب بأنه وإن ساغ ذكره في هذا المحل لكنه ليس من ألفاظ الأذان المعهود وطريق بيان المطابقة أن هذا الكلام لما جازت زيادته في الأذان للحاجة إليه دل على جواز الكلام في الأذان لمن يحتاج إليه قوله باب أذان الأعمى أي جوازه قوله إذا كان له من يخبره أي بالوقت لأن الوقت في الأصل مبنى على المشاهدة وعلى هذا القيد يحمل ما روى بن أبي شيبة وابن المنذر عن بن مسعود وابن الزبير وغيرهما أنهم كرهوا أن يكون المؤذن أعمى وأما ما نقله النووي عن أبي حنيفة وداود أن أذان الأعمى لا يصح فقد تعقبه السروجي بأن غلط على أبي حنيفة نعفي المحيط للحنفية أنه يكره قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي قال الدارقطني تفرد القعنبي بروايته إياه في الموطأ موصولا عن مالك ولم يذكر غيره من رواة الموطأ فيه بن عمر ووافقه على وصله عن مالك خارج الموطأ عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق وروح بن عبادة وأبو قرة وكامل بن طلحة وآخرون ووصله عن الزهري جماعة من حفاظ أصحابه قوله أن بلالا يؤذن بليل فيه إشعار بأن ذلك كان من عادته المستمرة وزعم بعضهم أن ابتداء ذلك باجتهاد منه وعلى تقدير صحته فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فصار في حكم المأمور به وسيأتي الكلام على تعيين الوقت الذي كان يؤذن فيه من الليل بعد باب قوله فكلوا فيه إشعار بأن الأذاكان علامة عندهم على دخول الوقت فبين لهم أن أذان بلال بخلاف ذلك قوله بن أم مكتوم اسمه عمرو كما سيأتي موصولا في الصيام وفضائل القرآن وقيل كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ولا يمتنع أنه كان له اسمان وهو قرشي عامري أسلم قديما والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويستخلفه على المدينة وشهد القادسية في خلافة عمر فاستشهد بها وقيل رجع إلى المدينة فمات وهو الأعمى المذكور في سورة عبس واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية وزعم بعضهم أنه ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لانكتام نور بصره والمعروف أنه عمي بعد بدر بسنتين قوله وكان رجلا أعمى ظاهره أن فاعل قال هو بن عمر وبذلك جزم الشيخ الموفق في المغني لكن رواه الاسماعيلي عن أبي خليفة والطحاوي عن يزيد بن سنان كلاهما عن القعنبي فعينا أنه بن شهاب وكذلك رواه إسماعيل بن إسحاق ومعاذ بن المثنى وأبو مسلم الكجي الثلاثة عند الدار قطني والخزاعي عند أبي الشيخ وتمام عند أبي نعيم وعثمان الدارمي عند البيهقي كلهم عن القعنبي وعلى هذا ففي رواية البخاري إدراج ويجاب عن ذلك بأنه لا يمنع كون بن شهاب
[ 83 ]
قاله أن يكون شيخه قال وكذا شيخ شيخه وقد رواه البيهقي من رواية الربيع بن سليمان عن بن وهب عن يونس والليث جميعا عن بن شهاب وفيه قال سالم وكان رجلا ضرير البصر ففي هذا أن شيخ بن شهاب قاله أيضا وسيأتي في كتاب الصيام عن المصنف من وجه آخر عن بن عمر ما يؤدي معناه وسنذكر يسير قريبا فثبتت صحة وصله ولابن شهاب فيه شيخ آخر أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه عن سعيد بن المسيب وفيه الزيادة قال بن عبد البر هو حديث آخر لابن شهاب وقد وافق بن إسحاق معمرا فيه عن بن شهاب قوله أصبحت أصبحت أي دخلت في الصباح هذا ظاهره واستشكل لأنه جعل أذانه غاية للأكل فلو لم يؤذن حتى يدخل في الصباح للزم منه جواز الأكل بعد طلوع الفجر والإجماع على خلافه إلا من شذ كالأعمش وأجاب بن حبيب وابن عبد البر والأصيلي وجماعة من الشراح بأن المراد قاربت الصباح ويعكر على هذا الجواب أن في رواية الربيع التي قدمناها ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن وأبلغ من ذلك أن لفظ رواية المصنف التي في الصيام حتى يؤذن بن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر وإنما قلت إنه أبلغ لكون جميعه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا فقوله أن بلالا يؤذن بليل يشعر أن بن أم مكتوم بخلافه ولأنه لو كان قبل الصبح لم يكن بينه وبين بلال فرق لصدق أن كلا منهما أذن قبل الوقت وهذا الموضع عندي في غاية الإشكال وأقرب ما يقال فيه إن أذانه جعل علامة لتحريم الأكل والشرب وكأنه كان له من يراعى الوقت بحيث يكون أذانه مقارنا لابتداء طلوع الفجر وهو المراد بالبزوغ وعند أخذه في الأذان يعترض الفجر في الأفق ثم ظهر لي أنه لا يلزم من كون المراد بقولهم أصبحت أي قاربت الصباح وقوع أذانه قبل الفجر لاحتمال أن يكون قولهم ذلك يقع في آخر جزء من الليل وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر وهذا وإن كان مستبعدا في العادة فليس بمستبعد من مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالملائكة فلا يشاركه فيه من لم يكن بتلك الصفة وقد روى أبو قرة من وجه آخر عن بن عمر حديثا فيه وكان بن أم مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه وفي هذا الحديث جواز الأذان قبل طلوع الفجر وسيأتي بعد باب واستحباب أذان واحد بعد واحد وأما أذان اثنين معا فمنع منه قوم ويقال إن أول من أحدثه بنو أمية وقال الشافعية لا يكره إلا إن حصل من ذلك تهويش واستدل به على جواز اتخاذ مؤذنين في المسجد الواحد قال بن دقيق العيد وأما الزيادة على الإثنين فليس في الحديث تعرض له انتهى ونص الشافعي على جوازه ولفظه ولا يتضيق إن إذن أكثر من اثنين وعلى جواز تقليد الأعمى للبصير في دخول الوقت وفيه أوجه واختلف فيه الترجيح وصحح النووي في كتبه أن للأعمى والبصير اعتماد المؤذن الثقة وعلى جواز شهادة الأعمى وسيأتي ما فيه في كتاب الشهادات وعلى جواز العمل بخبر الواحد وعلى أن ما بعد الفجر من حكم النهار وعلى جواز الأكل مع الشك في طلوع الفجر لأن الأصل بقاء الليل وخالف في ذلك مالك فقال يجب القضاء وعلى جواز الاعتماد على الصوت في الرواية إذا كان عارفا به وإن لم يشاهد الراوي وخالف في ذلك شعبة لاحتمال الاشتباه وعلى جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة إذا كان يقصد التعريف ونحوه وجواز نسبة الرجل إلى أمه إذا اشتهر بذلك واحتيج إليه قوله باب الأذان بعد الفجر قال الزين بن المنير قد المصنف ترجمة الأذان بعد الفجر على ترجمة الأذان قبل الفجر فخالف الترتيب الوجودى لأن الأصل في الشرع أن لا يؤذن إلا بعد
[ 84 ]
دخول الوقت فقدم ترجمة الأصل على ما ندر عنه وأشار بن بطال إلى الاعتراض على الترجمة بأنه لا خلاف فيه بين الأئمة وإنما الخلاف في جوازه قبل الفجر والذي يظهر لي أن مراد المصنف بالترجمتين أن يبين أن المعنى الذي كان يؤذن لأجله قبل الفجر غير المعنى الذي كان يؤذن لأجله بعد الفجر وأن الأذان قبل الفجر لا يكتفى به عن الأذان بعده وأن أذان بن أم مكتوم لم يكن يقع قبل الفجر والله أعلم قوله كان إذا أعتكف المؤذن للصبح هكذا وقع عند جمهور رواة البخاري وفيه نظر وقد استشكله كثير من العلماء ووجهه بعضهم كما سيأتي والحديث في الموطأ عند جميع رواته بلفظ كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وكذا رواه مسلم وغيره وهو الصواب وقد أصلح في رواية بن شبويه عن الفربري كذلك وفي رواية الهمداني كان إذا أذن بدل أعتكف وهي أشبه بالرواية المصوبة ووقع في رواية النسفي عن البخاري بلفظ كان إذا أعتكف وأذن المؤذن وهو يقتضى أن صنيعه ذلك كان مختصا بحال اعتكافه وليس كذلك والظاهر أنه من إصلاحه وقد أطلق جماعة من الحفاظ القول بأن الوهم فيه من عبد الله بن يوسف شيخ البخاري ووجه بن بطال وغيره بأن معنى أعتكف المؤذن أي السري ارتقابه ونظره إلى أن يطلع الفجر ليؤذن عند أول ادراكه قالوا وأصل العكوف لزوم اشتراط بمكان واحد وتعقب بأنه يلزم منه أنه كان لا يصليهما إلا إذا وقع ذلك من المؤذن لما يقتضيه مفهوم الشرط وليس كذلك لمواظبته عليهما مطلقا والحق أن لفظ أعتكف محرف من لفظ سكت وقد أخرجه المؤلف في باب الركعتين بعد الظهر من طريق أيوب عن نافع بلفظ كاإذا أذن المؤذن وطلع الفجر قوله وبدا الصبح بغير همز أي ظهر وأغرب الكرماني فصحح أنه بالنون المكسورة والهمزة بعد المد وكأنه ظن أنه معطوف على قوله للصبح فيكون التقدير واعتكف لنداء الصبح وليس كذلك فإن الحديث في جميع النسخ من الموطأ والبخاري ومسلم وغيرها بالباء الموحدة المفتوحة وبعد الدال ألف مقصورة والواو فيه واو الحال لا واو العطف وبذلك تتم مطابقة الحديث للترجمة وسيأتي بقية الكلام عليه في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى قوله عن يحيى هو بن أبي كثير قوله بين النداء والإقامة قال الزين بن المنير حديث عائشة أبعد في الاستدلال به للترجمة من حديث حفصة لأن قولها بين النداء والإقامة لا يستلزم كون الأذان بعد الفجر ثم أجاب عن ذلك بما محصله أنها عنت بالركعتين ركعتي الفجر وهما لا يصليان إلا بعد الفجر فإذا صلاهما بعد الأذان استلزم أن يكون الأذان وقع بعد الفجر انتهى وهو مع ما فيه من التكليف غير سالم من الانتقاد والذي عندي أن المصنف جرى على عادته في الإيماء إلى بعض ما ورد في طرق الحديث الذي يستدل به وبيان ذلكفيما أورده بعد بابين من وجه آخر عن عائشة ولفظه كان إذا سكت المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الصبح بعد أن يستبين الفجر قوله عن عبد الله بن دينار هذا إسناد آخر لمالك في هذا الحديث قال بن عبد البر لم يختلف عليه فيه واعترض بن التيمي فقال هذا الحديث لا يدل على الترجمة لجعله غاية الأكل ابتداء أذان بن أم مكتوم فدل على أن أذانه كان يقع قبل الفجر بقليل وجوابه ما تقدم تقريره في الباب الذي قبله وقال الزين بن المنير الاستدلال بحديث بن عمر أوجه من غيره فإن قوله حتى ينادي بن أم مكتوم يقتضى أنه ينادي حين يطلع الفجر لأنه لو كان ينادي
[ 85 ]
قبله لكان كبلال ينادي بليل تنبيه قال بن منده حديث عبد الله بن دينار مجمع على صحته رواه جماعة من أصحابه عنه ورواه عنه شعبة فاختلف عليه فيه رواه يزيد بن هارون عنه على الشك أن بلالا كما هو المشهور أو أن بن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال قال ولشعبة فيه إسناد آخر فإنه رواه أيضا عن خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة فذكره على الشك أيضا أخرجه أحمد عن غندر عنه ورواه أبو داود الطيالسي عنه جازما بالأول ورواه أبو الوليد عنه جازما بالثاني وكذا أخرجه بن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة وكذلك أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن وادعى بن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح بن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله إذ أذن عمرو فأنه ضرير البصر فلا يغرنكم وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد وأخرجه أحمد وجاء عن عائشة أيضا أنها كانت تنكر حديث بن عمر وتقول إنه غلط أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردى عن هشام عن أبيه عنها فذكر الحديث وزاد قالت عائشة وكان بلال يبصر الفجر قال وكانت عائشة تقول غلط بن عمر انتهى وقد جمع بن خزيمة والضبعي بين الحديثين بما حاصله أنه يحتمل أن يكون الأذان كان نوبا بين بلال وابن أم مكتوم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن أذان الأول منهما لا يحرم على الصائم شيئا ولا يدل على دخول وقت الصلاة بخلاف الثاني وجزم بن حبان بذلك ولم يبده احتملا وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره وقيل لم يكن نوبا وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان فإن بلالا كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني ماتت قالت كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن أخرجه أبو داود وإسناده حسن ورواية حميد عن أنس أن سائلا سأل عن وقت الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن حين طلع الفجر الحديث أخرجه النسائي وإسناده صحيح ثم أردف بابن أم مكتوم وكان يؤذن بليل واستمر بلال على حالته الأولى وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها ثم في آخر الأمر أخر بن أم مكتوم لضعفه ووكل به من يراعى له الفجر واستقر أذان بلال بليل وكان سبب ذلك ما روى أنه ربما كان أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه وأنه أخطأ مرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول ألا إن العبد نام يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين الفجر وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن بن عمر موصولا مرفوعا ورجاله ثقات حفاظ لكن اتفق كثرة الحديث على بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري والذهلي وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني على أن حمادا أخطأ في رفعه وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حمادا انفر برفعه ومع ذلك فقد وجد له متابع أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زربى وهو بفتحه الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم ياء كياء النسب فرواه عن أيوب موصولا لكن سعيد ضعيف ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضا لكنه أعضله فلم يذكر نافعا ولا بن عمر وله طريق أخرى عن نافع عند الدارقطني وغيره
[ 86 ]
اختلف في رفعها ووقفها أيضا وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حميد بن هلال وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة ووصلها يونس عن سعيد بذكر أنس وهذه طرق يقوي بعضها بعضا قوة ظاهرة فلهذا والله أعلم استقر أن بلالا يؤذن الأذان الأول وسنذكر اختلافهم في تعيين الوقت المراد من قوله يؤذن بليل في الباب الذي بعد هذا قوله باب الأذان قبل الفجر أي ما حكمة هل يشرع أولا وإذا شرع هل يكتفى به عن إعادة الأذان بعد الفجر أولا وإلى مشروعيته مطلقا ذهب الجمهور وخالف الثوري وأبو حنيفة ومحمد وإلى الاكتفاء مطلقا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وخالف بخزيمة وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث وقال به الغزالي في الإحياء وادعى بعضهم أنه لم يرد في شئ من الحديث ما يدل على الاكتفاء وتعقب بحديث الباب وأجيب بأنه مسكوت عنه فلا يدل وعلى التنزل فمحله فيما إذا لم يرد نطق بخلافه وهنا قد ورد حديث بن عمر وعائشة بما يشعر بعد الاكتفاء وكأن هذا هو السر في أيراد البخاري لحديثهما في هذا الباب عقب حديث بن مسعود نعم حديث زياد بن الحارث عند أبي داود يدل على الاكتفاء فإن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه استأذنه في اشتراط فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام لكن في إسناده ضعف وأيضا فهي واقعة عين وكانت في سفر ومن ثم قال القرطبي إنه مذهب واضح غير أن العمل المنقول بالمدينة على خلافه انتهى فلم يرده إلا بالعمل على قاعدة المالكية وادعى بعض الحنفية كما حكاه السروجي منهم أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان وإنما كان تذكيرا أو تسحيرا كما يقع للناس اليوم وهذا مردود لكن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعا وقد تضافرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان فحمله على معناه الشرعي مقدم ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين وسياق الخبر يقتضى أنه خشي عليهم الالتباس وادعى بن القطان أن ذلك كان في رمضان خاصة وفيه نظر قوله زهير هو بن معاوية الجعفر قوله عن أبي عثمان في رواية بن خزيمة من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه حدثنا أبو عثمان ولم أر هذا الحديث من حديث بن مسعود في شئ من الطرق إلا من رواية أبي عثمان عنه ولا من رواية أبي عثمان إلا من رواية سليمان التيمي عنه واشتهر عن سليمان وله شاهد في صحيح مسلم من حديث سمرة بن جندب قوله أحدكم أو أحد منكم شك من الراوي وكلاهما يفيد العموم وأن اختلفت الحيثية قوله من سحوره بفتح أوله اسم لما يؤكل في السحر ويجوز الضم وهو اسم الفعل قوله ليرجع بفتح الياء وكسر الجيم المخففة يستعمل هذا لازما ومتعديا يقال رجع زيد ورجعت زيدا ولا يقال في المتعدى بالتثقيل فعلى هذا من رواه بالضم والتثقيل أخطأ فإنه يصير من الترجيع وهو الترديد وليس مرادنا هنا وإنما معناه يرد القائم أي المتهجد إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطا أو يكون له حاجة إلى الصيام فيتسحر ويوقظ النائم ليتأهب لها بالغسل ونحوه وتمسك الطحاوي بحديث بن مسعود هذا لمذهبه فقال فقد أخبر أن ذلك النداء كان لما ذكر لا الولاء وتعقب بأن قوله لا الولاء زيادة في الخبر وليس فيه حصر فيما ذكر فإن قيل تقدم في تعريف الأذان الشرعي أنه إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة والأذان قبل الوقت ليس إعلاما بالوقت فالجواب أن الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلاما بأنه دخل
[ 87 ]
أو قارب أن يدخل وإنما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات لأن الصلاة في أول وقتها مرغب فيه والصبح يأتي غالبا عقب نوم فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها ليتأهبوا ويدركوا فضيلة أول الوقت والله أعلم قوله وليس أن يقول الفجر فيه إطلاق القول على الفعل أي يظهر وكذا قوله وقال بأصابعة ورفعها أي أشار وفي رواية الكشميهني بأصبعه ورفعهما قوله إلى فوق بالضم على البناء وكذا أسفل لنية المضا ف إليه دون لفظة نحو لله الأمر من قبل ومن بعد قوله وقال زهير أي الراوي وهي أيضا بمعنى أشار وكأنه جمع بين أصبعيه ثم فرقهما ليحكى صفة الفجر الصادق لأنه يطلع معترضا ثم يعم الأفق ذاهبا يمينا وشمالا بخلاف الفجر الكاذب وهو الذي تسمية العرب ذئب السرحان فإنه يظهر في أعلى السماء ثم ينخفض وإلى ذلك أشار بقوله رفع وطأطأ رأسه وفي رواية الاسماعيلي من طريق عيسى بن يونس عن سليمان فإن الفجر ليس هكذا ولا هكذا ولكن الفجر هكذا فكأن أصل الحديث كان بهذا اللفظ مقرونا بالإشارة الدالة على المراد وبهذا اختلفت عبارة الرواة وأخصر ما وقع فيها رواية جرير عن سليمان عند مسلم وليس الفجر المعترض ولكن المستطيل قوله حدثني إسحاق لم أره منسوبا وتردد فيه الجياني وهو عندي بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه كما جزم به المزي ويدل عليه تعبيره بقوله أخبرنا فإنه لا يقول قط حدثنا بخلاف إسحاق بن منصور وإسحاق بن نصر وأما ما وقع بخط الدمياطي أنه الواسطي ثم فسره بأنه بن شاهين فليس بصواب لأنه لا يعرف له عن أبي أسامة شئ لأن أبا أسامة كوفي وليس في شيوخ بن شاهين أحد من أهل الكوفة قوله قال عبيد الله حدثنا فاعل قال أبو أسامة وعبيد الله قائل حدثنا فالتقدير حدثنا عبيد الله قوله عن نافع هو معطوف على عن القاسم بن محمد والحاصل أنه أخرج الحديث عن عبيد الله بن عمر من وجهين الأول ذكر له فيه اسنادين نافع عن بن عمر والقاسم عن عائشة وأما الثاني فاقتصر فيه على الإسناد الثاني قوله حتى يؤذن في رواية الكشميهني حتى ينادي وقد أورده في الصيام بلفظ يؤذن وزاد في آخره فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر قال القاسم لم يكن بين أذنيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا وفي هذا تقييد لما أطلق في الروايا ت الأخرى من قوله أن بلالا يؤذن بليل ولا يقال إنه مرسل لأن القاسم تابعي فلم يدر ك القصة المذكورة لأنه ثبت عند النسائي من رواية حفص بن الصالح وعند الطحاوي من رواية يحيى القطان كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث قالت ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا وعلى هذا فمعنى قوله في رواية البخاري قال القاسم أي في روايته عن عائشة وقد وقع عند مسلم في رواية بن نمير عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر مثل هذه الزيادة وفيها نظر أوضحته في كتاب المدرج وثبتت الزيادة أيضا في حديث أنيسة الذي تقدمت الإشارة إليه وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحور وهو أحد الأوجه في المذهب واختاره السبكي في شرح المنهاج وحكى تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي وقطع به البغوي وكلام بن دقيق العيد يشعر به فإنه قال بعد أن حكاء يرجح هذا بان قوله أن بلالا ينادي بليل خبر يتعلق به فائدة للسامعين قطعا وذلك إذا كان وقت الأذان مشتبها محتملا لأن يكون عند طلوع الفجر فبين صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يمنع الأكل والشرب بل الذي يمنعه طلوع الفجر الصادق
[ 88 ]
قال وهذا يدل على تقارب وقت أذان بلال من الفجر انتهى ويقويه أيضا ما تقدم من أن الحكمة في مشروعيته التأهب لادراك الصبح في أول وقتها وصحح النووي في أكثر كتبه أن مبدأه من نصف الليل الثاني وأجاب عن الحديث في شرح مسلم فقال قال العلماء معناه أن بلالا كان يؤذن ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه فإذا قارب طلوع الفجر نزل فأخبر بن أم مكتوم فيتأهب بالطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر وهذا مع وضوح مخالفته لسياق الحديث يحتاج إلى دليل خاص لما صححه حتى يسوغ له التأويل ووراء ذلك أقوال أخرى معروفة في الفقهيات واحتج الطحاوي لعدم مشروعية الأذان قبل الفجر بقوله لما كان بين أذانيهما من القرب ما ذكر في حديث عائشة ثبت أنهما كانا يقصدان وقتا واحد وهو طلوع الفجر فيخطئه بلال ويصيبه بن أم مكتوم وتعقب بأنه لو كان كذلك لما أقره النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنا واعتمد عليه ولو كان كما ادعى لكان وقوع ذلك منه نادرا وظاهر حديث بن عمر يدل على أن ذلك كان شأنه وعادته والله أعلم قوله باب كم بين الأذان والإقامة أما باب فهو في روايتنا بلا تنوين وكم استفهامية ومميزها محذوف وتقديره ساعة أو صلاة أو نحو ذلك ولعله أشار بذلك إلى ما روى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته أخرجه الترمذي والحاكم لكن إسناده ضعيف وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أخرجهما أبو الشيخ ومن حديث أبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وكلها واهية فكأنه أشار إلى أن التقدير بذلك لم يثبت وقال بن بطال لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين ولم يختلف العلماء في التطوع بين الأذان والإقامة إلا في المغرب كما سيأتي ووقع هنا في رواية نسبت للكشميهنى ومن أنتظر اشتراط وهو خطأ فإن هذا اللفظ ترجمة تلي هذه قوله حدثنا إسحاق الواسطي هو بن شاهين ويحتمل أن يكون هو الذي عناه الدمياطي ونقلناه عنه في الذي مضى لكني رأيته كما نقلته أولا بخط القطب الحلبي وقد روى البخاري عن إسحاق بن وهب العلاف وهو واسطي أيضا لكليست له رواية عن خالد وهو بن عبد الله الطحان والجريري سعيد بن إياس وهو بضم الجيم كما تقدم في المقدمة ووقع مسمى في رواية وهب بن بقية عن خالد عند الاسماعيلي وهي إحدى فوائد المستخرجات وهو معدود فيمن اختلط واتفقوا على أن سماع المتأخرين منه كان بعد اختلاطه وخالد منهم لكن أخرجه الاسماعيلي من رواية يزيد بن زريع وعبد الأعلى وابن علية وهم ممن سمع منه قبل اختلاطه وهي إحدى فوائد المستخرجات أيضا وهو عند مسلم من طريق عبد الأعلى أيضا وقد قال العجلي إنه من أصحهم سماعا من الجريري فإنه سمع منه قبل اختلاطه بثمان سنين ولم ينفرد به مع ذلك الجريري بل تابعه عليه كهمس بن الحسن عن بن بريدة وسيأتي عند المصنف بعد باب وفي رواية يزيد بن زريع من الفوائد أيضا تسمية بن بريدة عبد الله والتصريح بتحديثه للجريري قوله بين كل أذانين أي أذان وإقامة ولا يصح حمله على ظاهرة لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة والخبر ناطق بالتخيير لقوله لمن شاء وأجرى المصنف الترجمة مجرى البيان للخبر لجزمه بأن ذلك المراد وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم
[ 89 ]
القمرين الشمس والقمر ويحتمل أن يكون أطلق على اشتراط أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت ولا مانع من حمل قوله أذانين على ظاهره لأنه يكون التقدير بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة قوله صلاة أي وقت صلاة أو المراد صلاة نافلة أو نكرت لكونها تتناول كل عدد نواه المصلي من النافلة كركعتين أو أربع أو أكثر ويحتمل أن يكون المراد به الحث على المبادرة إلى المسجد عند سماع الأذان لانتظار اشتراط لأن منتظر الصلاة في صلاة قاله الزين بن المنير قوله ثلاثا أي قالها ثلاثا وسيأتي بعد باب بلفظ بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ثم قال في الثالثة لمن شاء وهذا يبين أنه لم يقل لمن شاء إلا في المرة الثالثة بخلاف ما يشعر به ظاهر الرواية الأولى من أنه قيد كل مرة بقوله لمن شاء ولمسلم والاسماعيلي قال في الرابعة لمن شاء وكأن المراد بالرابعة في هذه الرواية المرة الرابعة أي أنه اقتصر فيها على قوله لمن شاء فأطلق عليه بعضهم رابعة باعتبار مطلق القول وبهذا توافق رواية البخاري وقد تقدم في العلم حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا وكأنه قال بعد الثلاث لمن شاء ليدل على أن التكرار لتأكيد الاستحباب وقال بن الجوزي فائدة هذا الحديث أنه يجوز أن يتوهم أن الأذان الولاء يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها فبين أن التطوع بين الأذان والإقامة جائز في حديث أنس وقد صح ذلك في اشتراط كما سيأتي ووقع عند أحمد إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت وهو أخص من الرواية المشهورة إلا المكتوبة قوله في حديث أنس كان المؤذن إذا أذن في رواية الاسماعيلي إذا أخذ المؤذن في أذان المغرب قوله قام ناس في رواية النسائي قام كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا تقدم للمؤلف في أبواب ستر العورة قوله يبتدرون أي يستبقون والسوارى جمع سارية وكأن غرضهم بالاستباق إليها الاستتار بها ممن يمر بين أيديهم لكونهم يصلون فرادى قوله وهم كذلك أي في تلك الحال وزاد مسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس فيجئ الغريب فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما قوله ولم يكن بينهما أي الأذان والإقامة قوله شئ التنوين فيه للتعظيم أي لم يكن بينهما شئ كثير وبهذا يندفع قول من زعم أن الرواية المعلقة معارضة للرواية الموصولة بل هي مبينة لها ونفى الكثير يقتضى إثبات القليل وقد أخرجها الاسماعيلي موصولة من طريق عثمان بن عمر عن شعبة بلفظ وكان بين الأذان والإقامة قريب ولمحمد بن نصر من طريق أبي عامر عن شعبة نحوه وقال بن المنير يجمع بين الكلب بحمل النفي المطلق على المبالغة مجازا والاثبات للقليل على الحقيقة وحمل بعض العلماء حديث الباب على ظاهره فقال دل قوله ولم يكن بينهما شئ على أن عموم قوله بين كل أذانين صلاة مخصوص بغير المغرب فإنهم لم الريح يصلون بينهما بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان ويفرغون مع فراغه قال ويؤيد ذلك ما رواه البزار من طريق حيان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريده عن أبيه مثل الحديث الأول وزاد في آخره إلا المغرب أه وفي قوله ويفرغون مع فراغه نظر لأنه ليس في الحديث ما يقتضيه ولا يلزم من شروعهم في أثناء الأذان ذلك وأما رواية حيان وهو بفتح المهملة والتحتانية فشاذة لأنه وأن كان صدوقا عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه وقد وقع في بعض طرقه عند الاسماعيلي وكان
[ 90 ]
بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب فلو كان الاستثناء محفوظا لم يخالف بريدة روايته وقد نقل بن الجوزي في الموضوعات عن الفلاس أنه كذب حيانا المذكور وقال القرطبي وغيره ظاهر حديث أنس أن الركعتين بعد المغرب وقبل صلاة المغرب كان أمرا أقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه وعملوا به حتى كانوا يستبقون إليه وهذا يدل على الاستحباب وكأن أصله قوله صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما فلا ينفى الاستحباب بل يدل على أنهما ليستا من الرواتب وإلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث وروى عن بن عمر قال ما رأيت أحدا يصليهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة أنهم كانوا لا يصلونهما وهو قول مالك والشافعي وادعى بعض المالكية نسخهما فقال إنما كان ذلك في أول الأمر حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس فبين لهم بذلك وقت الجواز ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها وتعقب بأن دعوى النسخ لا دليل عليها والمنقول عن بن عمر رواه أبو داود من طريق طاوس عنه ورواية أنس المثبتة مقدمة على نفيه والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم وهو منقطع ولو ثبت لم يكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة وسيأتي في أبواب التطوع أن عقبة بن عامر سئل عن الركعتين قبل المغرب فقال كنا نفعلهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قيل له فما يمنعك الآن قال الشغل فلعل غيره أيضا منعه الشغل وقد روى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم أنهكانوا يواظبون عليهما وأما قول أبي بكر بن العربي اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم فمردود بقول محمد بن نصر وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحي بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن مالك ومن طريق الحسن البصري أنه سئل عنهما فقال حسنتين والله لمن أراد الله بهما وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين وعن مالك قول آخر باستحبابهما وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه وقال في شرح مسلم قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة ومع ذلك فزمنهما زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها قلت ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر قيل والحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر واستدل بحديث أنس على امتداد وقت المغرب وليس ذلك بواضح تنبيهان أحدهما مطابقة حديث أنس للترجمة من جهة الإشارة إلى أن الصحابة إذا كانوا يبتدرون إلى الركعتين قبل صلاة المغرب مع قصر وقتها فالمبادرة إلى التنفل قبل غيرها من الصلوات أنكر من باب الأولى ولا يتقيد بركعتين إلا ما ضاهى المغرب في قصر الوقت كالصبح الثاني لم تتصل لنا رواية عثمان بن جبلة وهو بفتح الجيم والموحدة إلى الآن وزعم مغلطاي ومن تبعه أن الاسماعيلي وصلها في مستخرجه
[ 91 ]
وليس كذلك فإن الاسماعيلي إنما أخرجه من طريق عثمان بن عمر وكذلك لم تتصل لنا رواية أبي داود وهو الطيالسي فيما يظهر لي وقيل هو الحفري بفتح المهملة والفاء وقد وقع لنا مقصود روايتهما من طريق عثمان بن عمر وأبي عامر ولله الحمد قوله باب من أنتظر اشتراط موضع الترجمة من الحديث قوله ثم اضطجع على شقة الأيمن حتى يأتيه المؤذن وأوردها مورد الاحتمال تنبيها على اختصاص ذلك بالإمام لأن المأموم مندوب إلى إحراز الصف الأول ويحتمل أن يشارك الإمام في ذلك من كان منزله قريبا من المسجد وقيل يستفاد من حديث الباب أن الذي ورد من الحض على الاستباق إلى المسجد هو لمن كان على مسافة من المسجد وأما من كان يسمع اشتراط من داره فانتظاره الولاء إذا كان متهيئا لها كانتظاره إياها في المسجد وفي مقصود الترجمة أيضا ما أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال كان بلال يؤذن ثم لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم قوله إذا سكت المؤذن أي فرغ من الأذان بالسكوت عنه هذا في الروايات المعتمدة بالمثناة الفوقانية وحكى بن التين أنه روى بالموحدة ومعناه صب الأذان وأفرغه في الآذان ومنه أفرغ في أذني كلاما حسنا أه والرواية المذكورة لم تثبت في شئ من الطرق وإنما ذكرها الخطابي من طريق الأوزاعي عن الزهري وقال إن سويد بن نصر راويها عن بن المبارك عنه ضبطها بالموحدة وأفرط الصغاني في العباب فجزم أنها بالموحدة وكذا ضبطها في نسخته التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري وأن المحدثين يقولونها بالمثناه ثم ادعى أنها تصحيف وليس كما قال قوله بالأولى أي عن الأولى وهي متعلقة بسكت يقال سكت عن كذا إذا تركه والمراد بالأولى الأذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت وهو أول باعتبار اشتراط وثان باعتبار الأذان الذي قبل الفجر وجاءه التأنيث إما من قبل مؤاخاته للاقامة أو لأنه أراد المناداة أو الدعوة التامة ويحتمل أن يكون صفه لمحذوف والتقدير إذا سكت عن المرة الأولى أو في المرة الأولى تنبيه أخرج البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج بعد النداء إلى المسجد فإن رأى أهل المسجد قليلا جلس حتى يجتمعوا ثم يصلي وإسناده قوي مع إرساله وليس بينه وبين حديث الباب تعارض لأنه يحمل على غير الصبح أو كان يفعل ذلك بعد أن يأتيه المؤذن ويخرج معه إلى المسجد قوله يستبين بموحدة وآخره نون وفي رواية يستنير بنون وآخره راء وسيأتي الكلام على ركعتي الفجر في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى قوله باب بين كل أذانين صلاة تقدم الكلام على فوائده قبل باب وترجم هنا بلفظ الحديث وهناك ببعض ما دل عليه قوله باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد كأنه يشير إلى ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح أن بن عمر كان يؤذن للصبح في السفر أذانين وهذا مصير منه إلى التسوية بين الحضر والسفر وظاهر حديث الباب أن الأذان في السفر لا يتكرر لأنه لم يفرق بين الصبح وغيرها والتعليل الماضي في حديث بن مسعود يؤيده وعلى هذا فلا مفهوم لقوله مؤذن واحد في السفر لأن الحضر أيضا لا يؤذن فيه إلا واحد ولو احتيج إلى تعددهم لتباعد أقطار البلد أذن كل واحد في جهة ولا يؤذنون جميعا وقد قيل أن أول من احدث التأذين جميعا بنو أمية وقال الشافعي في الأم وأحب أن يؤذن مؤذن يعد مؤذن ولا
[ 92 ]
يؤذن جماعة معا وأن كان مسجد كبير فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه مؤذن يسمع من يليه في وقت واحد قوله في نفر هم من ثلاثة إلى عشرة قوله من قومي هم بنو ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة وكان قدوم وفد بني ليث فيما ذكره بن سعد بأسانيد متعدده أن واثلة المؤذن قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لتبوك قوله رفيقا بفاء ثم قاف من الرفق وفي رواية الأصيلي قيل والكشميهني بقافين أي رقيق القلب قوله وصلوا زاد في رواية إسماعيل بن عليه عن أيوب كما رأيتموني أصلى وهوفي باب رحمة الناس والبهائم من كتاب الأدب ومثله في باب خبر الواحد من رواية عبد الوهاب الثقفي عن أيوب قوله فإذا حصرت الصلاة وجه مطابقته للترجمة مع أن ظاهره يخالفها لقوله فكونوا فيهم وعلموهم فإذا حضرت فظاهره أن ذلك بعد وصولهم إلى أهلهم وتعليمهم لكن المصنف أشار إلى الرواية الآتية في الباب الذي بعد هذا فإن فيها إذ أنتما خرجتما فأذنا ولا تعارض بينهما أيضا وبين قوله في هذه الترجمة مؤذن واحد لأن المراد بقوله أذنا أي من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن وذلك لاستوائهما في الفضل ولا يعتبر في الأذان السن بخلاف الإمامة وهو واضح من سياق حديث الباب حيث قال فيؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم واستدل بهذا على أفضلية الإمامة على الأذان وعلى وجوب الأذان وقد تقدم القول فيه في أوائل وبيان خطأ من نقل الإجماع على عدم الوجوب وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في باب إذا استووا في القراءة من أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى قوله باب الأذان للمسافرين كذا للكشميهنى وللباقين للمسافر بالافراد وهو للجنس قوله إذا كانوا جماعة هو مقتضى الأحاديث التي أوردها لكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن بن عمر أنه كان يقول إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادى بالصلاة ليجتمعوا لها فأما غيرهم فإنما هي اشتراط وحكى نحو ذلك عن مالك وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعية الأذان لكل أحد وقد تقدم حديث أبي سعيد في باب رفع الصوت بالنداء وهو يقتضى استحباب الأذان للمنفرد وبالغ عطاء فقال إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى استحباب الإعادة لا وجوبها قوله والإقامة بالخفض عطفا على الأذان ولم يختلف في مشروعية اشتراط في كل حال قوله وكذلك بعرفة لعله يشير إلى حديث جابر الطويل في صفة الحج وهو عند مسلم وفيه أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة قوله وجمع بفتح الجيم وسكون الميم هي مزدلفة وكأنه أشار بذلك إلى حديث بن مسعود الذي ذكره في كتاب الحج وفيه أنه صلى المغرب باذان وإقامة والعشاء بأذان وإقامة ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة قوله وقول المؤذن هو بالخفض أيضا وقد تقدم الكلام على حديث أبي ذر مستوفى في باب الابراد بالظهر في المواقيت وفيه البيان أن المؤذن هو بلال وأنه أذن وأقام فيطابق هذه الترجمة قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفرياني وبذلك صرح أبو نعيم في المستخرج وسفيان هو الثوري وقد روى البخاري عن محمد بن يوسف أيضا عن سفيان بن عيينة لكنه محمد بن يوسف البيكندي وليست له رواية عن الثوري والفريانى وأن كان يروي أيضا عن بن عيينة لكنه إذا أطلق سفيان فإنما يريد به الثوري وإذا روى عن بن عيينة
[ 93 ]
بينه وقد قدمنا ذلك قوله أتى رجلان هما مالك بن الحويرث راوي الحديث ورفيقه وسيأتي في باب سفر الإثنين من كتاب الجهاد بلفظ انصرفت من عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا المنكر لي ولم أر في شئ من طرقه تسمية صاحبه قول فأذنا قال أبو الحسن بن القصار أراد به الفضل وإلا فاذان الواحد يجزئ وكأنه فهم منه أنه أمرهما أن يؤذنا جميعا كما هو ظاهر اللفظ فإن أراد أنهما يؤذنان معا فليس ذلك بمراد وقد قدمنا النقل عن السلف بخلافه وإن أراد أن كلا منهما يؤذن على حدة ففيه نظر فإن أذان الواحد يكفي الجماعة نعم يستحب لكل أحد إجابة المؤذن فالأولى حمل الأمر على أن أحدهما يؤذن والآخر يجيب وقد تقدم له توجيه آخر في الباب الذي قبله وأن الحامل على صرفه عن ظاهرة قوله فيه فليؤذن لكم أحدكم وللطبراني من طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء في هذا الحديث إذا كنت مع صاحبك فأذن وأقم وليؤمكما أكبركما واستروح القرطبي فحمل اختلاف ألفاظ الحديث على تعدد القصة وهو بعيد وقال الكرماني قد يطلق الأمر بالتثنية وبالجمع والمراد واحد كقوله يا حرسي اضربا عنقه وقوله قتله بنو تميم مع أن القاتل والضارب واحد قوله ثم أقيما فيه حجة لمن قال باستحباب إجابة المؤذن بالإقامة إن حمل الأمر على ما مضى وإلا فالذي يؤذن هو الذي يقيم تنبيه وقع هنا في رواية أبي الوقت حدثنا محمد بن المئنى حدثنا عبد الوهاب عن أيوب فذكر حديث مالك بن الحويرث مطولا نحو ما مضى في الباب قبله وسيأتي بتمامه في باب خبر الواحد وعلى ذكره هناك اقتصر باقي الرواة قوله حدثنا يحيى هو القطان قوله بضجنان هو بفتح الضاد المعجمة وبالجيم بعدها نون على وزن فعلان غير مصروف قال صاحب الصحاح وغيره هو جبل بناحية مكة وقال أبو موسى في ذيل الغريبين هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة وقال صاحب المشارق ومن تبعه هو جبل على بريد من مكة وقال صاحب الفائق بينه وبين مكة خمسة قرة ميلا وبينه وبين وادي مريسعة أميال انتهى وهذا القدر أكثر من بريدين وضبطه بالأميال يدل على مزيد اعتناء المنكر الفائق ممن شاهد تلك الأماكن واعتنى بها خلاف من تقدم ذكره ممن لم يرها أصلا ويؤيده ما حكاه أبو عبيد البكري قال وبين قديد وضجنان يوم قال معبد الهدي قد جعلت ماء قديد موعدى وماء ضجنان لها ضحى الغد قوله وأخبرنا أي بن عمر قوله كان يأمر مؤذنا في رواية مسلم كان يأمر المؤذن قوله ثم يقول على أثره صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان وقال القرطبي لما ذكر رواية مسلم بلفظ يقول في آخره ندائه يحتمل أن يكون المراد في آخره معي الفراغ منه جمعا بينه وبين حديث بن عباس انتهى وقد قدمنا في باب الكلام في الأذان عن بن خزيمة أنه حمل حديث بن عباس على ظاهره وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة نظرا إلى المعنى لأن معنى حي على الصلاة هلموا إليها ومعنى الصلاة في الرحال تأخروا عن المجئ ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر أه ويمكن الجمع بينهما ولا يلزم منه ما ذكر بان يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لما أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 94 ]
في سفر فمطرنا فقال ليصل من شاء منكم في رحله قوله في الليلة الباردة أو المطيرة قال الكرماني فعلية بمعنى فاعله وإسناد المطر إليها مجاز ولا يقال أنها بمعنى مفعولة أي ممطور فيها لوجود الهاء في قوله مطيرة إذ لا يصح ممطورة فيها أه ملخصا وقوله أو للتنويع لا للشك وفي صحيح أبي عوانة ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في التأخير عن الجماعة ونقل بن بطال فيه الإجماع لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة صارت لكن في السنن من طريق بن إسحاق عن نافع في هذا الحديث في الليلة المطيرة والغداة القرة وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه أنهم مطروا يوما فرخص لهم ولم أر في شئ من الأحاديث الترخص بعذر الريح في النهار صريحا لكن القياس يقتضى إلحاقه وقد نقله بن الرفعة وجها قوله في السفر ظاهره اختصاص ذلك بالسفر ورواية مالك عن نافع الآتية في أبواب صلاة الجماعة مطلقة وبها أخذ الجمهور لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقا ويلحق به من تلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا تلحقه والله أعلم قوله حدثنا إسحاق وقع في رواية أبي الوقت أنه بن منصور وبذلك جزم خلف في الأطراف وقد تردد الكلاباذى هل هو بن إبراهيم أو بن منصور ورجح الجياني أنه بن منصور واستدل على ذلك بان مسلما أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد عن إسحاق بن منصور قوله فآذنه بالصلاة ثم خرج بلال اختصره المصنف وقد أخرجه الاسماعيلي من طرق عن جعفر بن عون فقال بعد قوله بالصلاة فدعا بوضوء فتوضأ فذكر القصة قوله وأقام الصلاة اختصر بقيته وهي عند الاسماعيلي أيضا وهي وركزها بين يديه والظعن يمرون الحديث وقد قدمنا الكلام عليه في باب سترة الإمام سترة لمن خلفه قوله بالأبطح هو موضع معروف خارج مكة وقد بيناه في ذلك الباب وفهم بعضهم أن المراد بالأبطح موضع جمع لذكره لها في الترجمة وليس ذلك مراده بل بين جمع والابطح مسافة طويلة وإنما أورد حديث أبي جحيفة لأنه يدخل في أصل الترجمة وهي مشروعية الأذان والإقامة للمسافرين قوله باب هل يتتبع المؤذن فاه ههنا وههنا هو بياء تحتانية ثم بتاءين مفتوحات ثم بموحدة مشددة من التتبع وفي رواية الأصيلي يتبع بضم أوله وإسكان المثناة وكسر الموحدة من الأتباع والمؤذن بالرفع لأنه فاعل التتبع وفاه منصوب على المفعولية وههنا وههنا ظرفا مكان والمراد بهما جهتا اليمن والشمال كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على الحديث وقال الكرماني لفظ المؤذن بالنصب وفاعله محذوف تقديره الشخص ونحوه وفاه بالنصب بدل من المؤذن قال ليوافق قوله في الحديث فجعلت أتتبع فاه أه وليس ذلك بلازم لما عرف من طريقة المصنف أنه لا يقف مع اللفظ الذي يورده غالبا بل يترجم له ببعض ألفاظه الواردة فيه وكذا وقع ههنا فإن في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند أبي عوانة في صحيحه فجعل يتتبع بفيه يمينا وشمالا وفي رواية وكيع عن سفيان عند الاسماعيلي رأيت بلالا يؤذن يتتبع بفيه ووصف سفيان يميل برأسه يمينا وشمالا والحاصل أن بلالا كان يتبع بفيه الناحيتين وكان أبو جحيفة ينظر إليه فكل منهما متتبع باعتبار قوله وهل يلتفت في الأذان يشير إلى ما قدمناه في رواية وكيع وفي رواية إسحاق الأزرق عن سفيان عند النسائي فجعل
[ 95 ]
ينحرف يمينا وشمالا وسيأتي في رواية يحيى بن آدم بلفظ والتفت قوله ويذكر عن بلال أنه جعل إصبعية في أذنيه يشير بذلك إلى ما وقع في رواية عبد الرزاق وغيره عن سفيان كما سنوضحه بعد قوله وكان بن عمر الخ أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طرق نسير وهو بالنون والمهملة مصغر بن ذعلوق بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وضم اللام عن بن عمر قوله وقال إبراهيم يعني النخعي الخ وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن جرير عن منصور عنه بذلك وزاد ثم يخرج فيتوضأ ثم يرجع فيقيم قوله وقال عطاء الخ وصله عبد الرزاق عن بن جرير قال قال لي عطاء حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن المؤذن إلا متوضئا هو من الصلاة هو فاتحة الصلاة ولابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء أنه كره أن يؤذن الرجل على غير وضوء وقد ورد فيه حديث مرفوع أخرجه الترمذي والبيهقي من حديث أبي هريرة وفي إسناده ضعف قوله وقالت عائشة تقدم الكلام عليه في باب تقضى الحائض المناسك من كتاب الحيض وأن مسلما وصله وفي إيراد البخاري له هنا إشارة إلى اختيار قول النخعي وهو قول مالك والكوفيين لأن الأذان من جملة الأذكار فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة كما لا يستحب فيه الخشوع الذي ينافيه الالتفات وجعل الإصبع في الأذن وبهذا تعرف مناسبة ذكره لهذه الآثار في هذه الترجمة والأختلاف نظر العلماء فيها أوردها بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري قوله ههنا ههنا بالأذان كذا أورده مختصرا ورواية وكيع عن سفيان عند مسلم أتم حيث قال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يمينا وشمالا يقول حي على الصلاة حي على الفلاح وهذا فيه تقييد للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين وبوب عليه بن خزيمة انحراف المؤذن عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله قال وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه ثم ساقه من طريق وكيع أيضا بلفظ فجعل يقول في أذانه هكذا ويحرف رأسه يمينا وشمالا وفي رواية عبد الرزاق عن الثوري في هذا الحديث زيادتان إحداهما الاستدارة والأخرى وضع الإصبع في الأذن ولفظه عند الترمذي رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه ههنا وههنا وإصبعاه في أذنيه فأما قوله ويدور فهو مدرج في رواية سفيان عن عون بين ذلك يحيى بن آدم عن سفيان عن عون عن أبيه قال رأيت بلالا أذن فأتبع فاه ههنا وههنا والتفت يمينا وشمالا قال سفيان كان حجاج يعني بن أرطاة يذكر لنا عن عون أنه قال فاستدار في أذانه فلما لقينا عونا لم يذكر فيه الاستدارة أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من طريق يحيى بن آدم وكذا أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن الوليد العدئى عن سفيان لكن لم يسم حجاجا وهو مشهور عن حجاج أخرجه بن ماجة وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من طريقه ولم ينفرد به بل وافقه إدريس الأودي ومحمد العرزمي عن عون لكن الثلاثة ضعفاء وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون فقال في حديثه ولم يستدر أخرجه أبو داود ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى استدارة الرأس ومن نفاها عنى استدارة الجسد كله ومشى بن بطال ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز الاستدارة بالبدن كله قال بن دقيق العيد فيه دليل على استدارة المؤذنين للاسماع عند التلفظ كشفاعة واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه
[ 96 ]
فقط وقدماه قارتان مستقبل القبلة واختلف أيضا هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة وفي الثانيتين مرة أو يقول حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى قال ورجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما قال والأول أقرب إلى لفظ الحديث وفي المغني عن أحمد لا يدور إلا إن كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين وأما وضع الإصبعين في الأذنين فقد رواه مؤمل أيضا عن سفيان أخرجه أبو عوانة وله شواهد ذكرتها في تعليق التعليق من أصحها ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه قال قلت لبلال كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه قال بلال فجعلت إصبعى في أذني فأذنت ولابن ماجة والحاكم من حديث سعد القرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه وفي إسناده ضعف قال العلماء في ذلك فائدتان أحدهما أنه قد يكون أرفع لصوته وفيه حديث ضعيف أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القرظ عن بلال ثانيهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن ومن ثم قال بعضهم يجعل يده فوق أذنه حسب قال الترمذي استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن إصبعه في أذنيه في الأذان قال واستحبه الأوزاعي في اشتراط أيضا تنبيه لم يرد تعيين الإصبع التي يستحب وضعها وجزم النووي أنها المسبحة وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة تنبيه آخر وقع في المغني للموفق نسبة حديث أبي جحيفة بلفظ أن بلالا أذن ووضع أصبعيه في أذنيه إلى تخريج البخاري ومسلم وهو وهم وساق أبو نعيم في المستخرج حديث الباب من طريق عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق عن سفيان بلفظ عبد الرزاق من غير بيان فما أجاد لإبهامه أنهما متوافقتان وقد عرفت ما في رواية عبد الرزاق من الإدراج وسلامة رواية عبد الرحمن من ذلك والله المستعان قوله باب قول الرجل فاتتنا الصلاة أي هل يكره أم لا قوله وكره بن سيرين الخ وصله بن أبي شيبة عن أزهر عن بن عون قال كان محمد يعني بن سيرين يكره فذكره قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم هو بالرفع على الابتداء وأصح خبره وهذا الكلام المصنف رادا على بن سيرين ووجه الرد أن الفاء أطلق لفظ الفوات فدل على الجواز وابن سيرين مع كونه كرهه فإنما كرهه من جهة اللفظ لأنه قال وليقل لم ندرك وهذا محصل معنى الفوات لكن قوله لم ندرك فيه نسبة عدم الإدراك إليه بخلاف فاتتنا فلعل ذلك هو الذي لحظه بن سيرين وقوله أصح معناه صحيح أي بالنسبة إلى قول بن سيرين فإنه غير صحيح لثبوت النص بخلافه وعند أحمد من حديث أبي قتادة في قصة نومهم عن الصلاة فقلت يا رسول الله فاتتنا الصلاة ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وموقع هذه الترجمة وما بعدها من أبواب الأذان والإقامة أن المرء عند إجابة المؤذن يحتمل أن يدرك الصلاة كلها أو بعضها أو لا يدرك شيئا فاحتيج إلى جواز إطلاق الفوات وكيفية الإتيان بالصلاة وكيفية العمل عند فوات البعض ونحو ذلك قوله شيبان هو بن عبد الرحمن ويحيى هو بن أبي كثير قوله عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه في رواية مسلم من طريق معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير التصريح بأخبار عبد الله له به وباخبار أبي قتادة لعبد الله قوله جلبة الرجال وفي رواية كريمة والأصيلي جلبة رجال بغير ألف ولام وهما للعهد الذهنى وقد
[ 97 ]
سمي منهم أبوه بكرة فيما رواه الطبراني من رواية يونس عن الحسن عنه نحوه في نحو هذه القصة وجلبة بجيم ولام وموحدة مفتوحات أي أصواتهم حال حركتهم واستدل به على أن التفات خاطر المصلي إلى الأمر الحادث لا يفسد صلاته وسنذكر الكلام على المتن في الباب الذي بعده قوله باب لا يسعى إلى الصلاة الخ سقطت هذه الترجمة من رواية الأصيلي ومن رواية أبي ذر عن غير السرخسي وثبوتها أصوب لقوله فيها وقاله أبو قتادة لأن الضمير يعود على ما ذكر في الترجمة ولولا ذلك لعاد الضمير إلى المتن السابق فيكون ذكر أبي قتادة تكرارا بلا فائدة لأنه ساقه عنه قوله وعن الزهري أي بالإسناد الذي قبله وهو آدم عن بن أبي ذئب عنه أي أن بن أبي ذئب حدث به عن الزهري عن شيخين حدثاه به عن أبي هريرة وقد جمعهما المصنف في باب المشي إلى الجمعة عن آدم فقال فيه عن سعيد وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة وكذلك أخرجه مسلم من طريق إبراهيم بن سعيد عن الزهري عنهما وذكر الدارقطني الاختلاف فيه على الزهري وجزم بأنه عنده عنهما جميعا قال وكان ربما اقتصر على أحدهما وأما الترمذي فإنه أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة وحده ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد وحده قال وقول عبد الرزاق أصح ثم أخرجه من طريق بن عيينة عن الزهري كما قال عبد الرزاق وهذا عمل صحيح لو لم يثبت أن الزهري حدث به عنهما وقد أخرجه المصنف في باب المشي إلى الجمعة من طريق شعيب ومسلم من طريق يونس كلاهما عن الزهري عن أبي سلمة وحده فترجح ما قال الدارقطني قوله إذا سمعتم اشتراط هو أخص من قوله في حديث أبي قتادة إذا أتيتم الصلاة لكن الظاهر أنه من مفهوم الموافقة لأن المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك ومع ذلك فقد نهى عن الإسراع فغيره ممن جاء قبل اشتراط لا يحتاج إلى الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينهى عن الإسراع من باب الأولى وقد لحظ فيه بعضهم معنى غير هذا فقال الحكمة في التقيد بالإقامة أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إليها وقد انبهر فيقرأ وهو في تلك الحالة فلا يحصل له تمام الخشوع في الترتيل وغيره بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة قد لا تقام فيه حتى يستريح انتهى وقضية هذا أنه لا يكره الإسراع لمن جاء قبل اشتراط وهو مخالف لصريح قوله إذا أتيتم الصلاة لأنه يتناول ما قبل اشتراط وإنما قيد في الحديث الثاني بالإقامه لأن ذلك هو الحامل في الغالب على الإسراع قوله وعليكم بالسكينة كذا في رواية أبي ذر ولغيره وعليكم السكينة بغير باء وكذا في رواية مسلم من طريق يونس وضبطها القرطبي شارحه بالنصب على الإغراء وضبطها النووي بالرفع على أنها جملة في موضع الحال واستشكل بعضهم دخول الباء قال لأنه متعد بنفسه كقوله تعالى عليكم أنفسكم وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث عليكم برخصة الله وحديث فعليه بالصوم فأنه له رجاء وحديث فعليك بالمرأة قاله لأبي طلحة في قصة صفية وحديث عليك بعيبتك قالته عائشة لعمر وحديث عليكم بقيام الليل وحديث عليك بخويصة نفسك وغير ذلك ثم أن الذي علل به هذا المعترض غير موف بمقصوده إذ لا يلزم من كونه يجوز أن يتعدى بنفسه امتناع تعديه بالباء وإذا ثبت ذلك فيدل على أن فيه لغتين والله أعلم فائدة الحكمة في هذا الأمر تستفاد من زيادة وقعت في مسلم من طريق العلاء
[ 98 ]
عن أبيه عن أبي هريرة فذكر نحو حديث الباب وقال في آخره فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة أي أنه في حكم المصلي فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلى اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلى اجتنابه قوله والوقار قال عياض والقرطبى هو بمعنى السكينة وذكر على سبيل التأكيد وقال النووي الظاهر أن بينهما فرقا وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث والوقار في الهيئة كغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات قوله ولا تسرعوا فيه زيادة تأكيد ويستفاد منه الرد على من أول قوله في حديث أبي قتادة لا تفعلوا أي الاستعجال المفضى إلى عدم الوقار وأما الإسراع الذي لا ينافي الوقار كمن خاف فوت التكبيرة فلا وهذا محكى عن إسحاق بن راهويه وقد تقدمت رواية العلاء التي فيها فهو في صلاة قال النووي نبه بذلك على أنه لو لم يدرك من الصلاة شيئا لكان محصلا لمقصوده لكونه في صلاة وعدم الإسراع أيضا يستلزم كثرة الخطا وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث كحديث جابر عند مسلم أن بكل خطوة درجة ولأبي داود من طريق سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار مرفوعا إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لم يرفع قدمه اليمني إلا كتب الله له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة فإن أتى المسجد فصلى في جماعة ورجاله له فإن أتى وقد صلوا بعضا وبقي بعض فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك وأن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك قوله فما أدركتم فصلوا قال الكرماني الفاء جواب شرط محذوف أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا قلت أو التقدير إذا فعلتم فما أدركتم أي فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسرا واستدل بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بادراك جزء من الصلاة لقوله فما أدركتم فصلوا ولم يفصل بين القليل والكثير وهذا قول الجمهور وقيل لا تدرك الجماعة بأقل من ركعة للحديث السابق من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك وقياسا على الجمعة وقد قدمنا الجواب عنه في موضعه وأنه ورد في الأوقات وأن في الجمعة حديثا خاصا بها وأستدل به أيضا على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وجد عليها وفيه حديث أصرح منه أخرجه بن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن رجل من الأنصار مرفوعا من وجدني راكعا أو قائما أو ساجدا فليكن معي على حالتى التي أنا عليها قوله وما فاتكم فأتموا أي أكملوا هذا هو الصحيح في رواية الزهري ورواه عنه بن عيينة بلفظ فاقضوا وحكم مسلم في التمييز عليه بالوهم في هذه اللفظة من أنه أخرج إسناده في صحيحه لكن لم يسبق يسير وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة فقال فاقضوا وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بلفظ فأتموا واختلف أيضا في حديث أبي قتادة فرواية الجمهور فأتموا ووقع لمعاوية بن هشام عن سفيان فاقضوا كذا ذكره بن أبي شيبة عنه وأخرج مسلم إسناده في صحيحه عن بن أبي شيبة فلم يسق يسير أيضا وروى أبو داود مثله عن سعيد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ووقعت في رواية أبي رافع عن أبي هريرة واختلف في حديث أبي ذر قال وكذا قال بن سيرين عن أبي هريرة وليقض قلت ورواية بن سيرين عند مسلم بلفظ صل ما أدركت واقض ما سبقك والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ فأتموا وأقلها بلفظ فاقضوا وإنما تظهر فائدة ذلك إذا جعلنا
[ 99 ]
بين الاتمام والقضاء مغايرة لكن إذا كان مخرج الحديث واحدا واختلف في لفظة منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى وهنا كذلك لأن القضاء وأن كان يطلق على الفائت غالبا لكنه يطلق على الأداء أيضا ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا ويرد بمعان أخر فيحمل قوله فاقضوا على معنى الأداء أو الفراغ فلا يغاير قوله فأتموا فلا حجة فيه لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته حتى استحب له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة السورة وترك القنوت بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه لأن الآخر لا يكون إلا عن شئ تقدمه وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال فلو كان ما يدركه مع الإمام أخرا له لما أحتاج إلى إعادة المنكدر وقول بن بطال إنه ما تشهد الا لأجل السلام لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور واستدل بن المنذر لذلك أيضا على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور فإنهم قالوا إن ما أدرك المأموم هو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين وكأن الحجة فيه قوله ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن أخرجه البيهقي وعن أسحق والمزنى لا يقرأ إلا أم القرآن فقط وهو القياس واستدل به على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته لأنه فاته الوقوف والقراءة فيه وهو قول أبي هريرة وجماعة بل حكاه البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام واختاره بن خزيمة والضبعي وغيرهما من محدثي الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين والله أعلم وحجة الجمهور حديث أبي بكرة حيث ركع دون الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد ولم يأمر بإعادة تلك الركعة وسيأتي في أثناء صفة الصلاة إن شاء الله تعالى قوله باب متى بقوم الناس إذا رأوا الإمام عند اشتراط قيل أورد الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قوله في الحديث لا تقوموا نهى عن القيام وقوله حتى تروني تسويغ للقيام عند الرؤية وهو مطلق غير مقيد بشئ من ألفاظ اشتراط ومن ثم اختلف السلف في ذلك كما سيأتي قوله هشام هو الدستوائي وقد رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه هنا عن أبان العطار عن يحيى فلعله له فيه شيخان قوله كتب إلى يحيى ظاهر في أنه لم يسمعه منه وقد رواه الاسماعيلي من طريق هشيم عن هشام وحجاج الصواف كلاهما عن يحيى وهو من تدليس الصيغ وصرح أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن هشام أن يحيى كتب إليه أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه فأمن بذلك تدليس يحيى قوله إذا أقيمت أي إذا ذكرت ألفاظ اشتراط قوله حتى تروني أي خرجت وصرح به عبد الرزاق وغيره عن معمر عن يحيى أخرجه مسلم ولابن حبان من طريق عبد الرزاق وحده حتى تروني خرجت إليكم وفيه مع ذلك حذف تقديره فقاموا وقال مالك في الموطأ لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس فإن منهم الثقيل والخفيف وذهب الأكثرون إلى أنهم إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ اشتراط وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن قد قامت
[ 100 ]
الصلاة رواه بن المنذر وغيره وكذا رواه سعيد بن منصور من طرق أبي إسحاق عن أصحاب عبد الله وعن سعيد بن المسيب قال إذا قال المؤذن الله أكير وجب القيام وإذا قال حي على الصلاة عدلت الصفوف وإذا قال لا إله إلا الله كبر الإمام وعن أبي حنيفة يقومون إذا قال حي على الفلاح فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه وخالف من ذكرنا على التفصيل الذي شرحنا وحديث الباب حجة عليهم وفيه جواز اشتراط والإما في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك قال القرطبي ظاهر الحديث إن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته وهو معارض لحديث جابر بن سمرة أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النى صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في اشتراط قبل أن يراه غالب الناس ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم قلت ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن بن شهاب أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن الله أكبر يقومون إلى الصلاة فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف وأما حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه في مستخرج أبي نعيم فصف الناس صفوفهم ثم خرج علينا ولفظه عند مسلم أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم فأتى فقام مقامه الحديث وعنه في رواية أبي داود أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجئ النبي صلى الله عليه وسلم فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كأن سبب النهى عن ذلك في حديث أبي قتادة وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئفيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره ولا يرد هذا حديث أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلا في حاجة بعض القوم لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادرا أو فعله لبيان الجواز قوله باب لا يقوم إلى الصلاة مستعجلا وليقم إليها بالسكينة والوقار كذا في رواية الحموي وفي رواية المستملى باب لا يسعى إلى الصلاة وسقط من رواية الكشميهني وجمعا في رواية الباقين بلفظ باب لا يسعى إلى الصلاة ولا يقوم إليها مستعجلا الخ قوله لا يسعى كأنه يشير بذلك إلى رواية بن سيرين في حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عند المصنف في باب المشي إلى الجمعة من كتاب الجمعة إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وسيأتي وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله هناك أن شاء الله تعال قوله وعليكم بالسكينة كذا في رواية أبي ذر وكريمة وفي رواية الآصيلى وأبي الوقت وعليكم السكينة بحذف الباء وكذا أخرجه أبو عوانة من طرق عن شيبان قوله تابعه على بن المبارك أي عن يحيى ومتابعته وصلها المؤلف في كتاب الجمعة ولفظه وعليكم السكينة بغير باء أيضا وقال أبو العباس الطرقي تفرد شيبان وعلى بن المبارك عن يحيى بهذه الزيادة وتعقب بأن معاوية بن سلام تابعهما عن يحيى ذكره أبو داود عقب رواية أبان عن يحيى فقال رواه معاوية بن سلام وعلى بن
[ 101 ]
المبارك عن يحيى وقالا فيه حتى تروني وعليكم السكينة قلت وهذه الرواية المعلقة وصلها الاسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن معاوية بن سلاوشيبان جميعا عن يحيى كما قال أبو داود قوله باب هل يخرج من المسجد لعلة أي لضرورة وكأنه يشير إلى تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق أبي الشعثاء عن أبي هريرة أنه رأى رجلا خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم فإن حديث الباب يدل على أن ذلك مخصوص بمن ليس له ضرورفيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إماما لمسجد آخر ومن في معناه وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه فصرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبالتخصيص ولفظه لا يسمع النداء في المسجد ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق قوله خرج وقد أقيمت الصلاة يحتمل أن يكون المعنى خرج في حال اشتراط ويحتمل أن تكون اشتراط تقدمت خروجه وهو ظاهر الرواية التي في الباب الذي بعده لتعقيب اشتراط بالتسوية وتعقيب التسوية بخروجه جميعا بالفاء ويحتمل أن يجمع بين الكلب بان الجملتين وقعتا حالا أي خرج والحال أن الصلاة أقيمت والصفوف عدلت وقال الكرماني لفظ قد تقرب الماضي من الحال وكأنه خرج في حال اشتراط وفي حال التعديل ويحتمل أن الريح إنما شرعوا في ذلك بإذن منه أو قرينة أخذت عليه قلت وتقدم احتمال أن يكون ذلك سببا للنهى فلا يلزم منه مخالفتهم له وقد تقدم الجمع بينه وبين حديث أبي قتادة لا تقوموا حتى تروني قريبا قوله وعدلت الصفوف أي سويت قوله حتى إذا قام في مصلاه زاد مسلم من طريق يونس عن الزهري قبل أن يكبر فانصرف وقد تقدم في باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب من أبواب الغسل من وجه آخر عن يونس بلفظ فلما قام في مصلاه ذكر ففيه دليل على أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة وهو معارض لما رواه أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم ولمالك من طريق عطاء بن يسار مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده أن امكثوا ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله كبر على أراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان أبداه عياض والقرطبى احتمالا وقال النووي إنه الأظهر وجزم بن حبان كعادته فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح ودعوى بن بطال أن الشافعي احتج بحديث عطاء على جواز تكبير المأموم قبل تكبير الإمام قال فناقض أصله فاحتج بالمرسل متعقبة بأن الشافعي لا يرد المراسيل مطلقا بل يحتج منها بما يعتضد والأمر هنا كذلك لحديث أبي بكرة الذي ذكرناه قوله انتظرنا جملة حالية وقوله انصرف أي إلى حجرته وهو جواب إذا وقوله قال استئناف أو حال قوله على مكانكم أي كونوا على مكانكم قوله على هيئتنا بفتح الهاء بعدها ياء تحتانية ساكنة ثم همزة مفتوحة ثم مثناة والمراد بذلك أنهم امتثلوا أمره في قوله على مكانكم فاستمروا على الهيئة أي الكيفية التي تركهم عليها وهي قيامهم في صفوفهم المعتدلة وفي رواية الكشميهني على هيئتنا بكسر الهاء وبعد الياء نون مفتوحة والهينة الرفق ورواية الجماعة أوجه قوله ينطف بكسر الطاء وضمها أي يقطر صرح به في الرواية التي بعد هذه قوله وقد اغتسل زاد الدارقطني من وجه آخر عن أبي هريرة فقال
[ 102 ]
أني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى في كتاب الغسل جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة لأجل التشريع وفيه طهارة الماء المستعمل وجواز الفصل بين اشتراط والصلاة لأن قوله فصلى ظاهر في أن اشتراط لم تعد والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت وعن مالك إذا بعدت اشتراط من الإحرام تعاد وينبغى أن يحمل على ما إذا لم يكن عذروفيه أنه لا حياء في أمر الدين وسبيل من غلب أن يأتي بعذر موهم كأن يمسك بأنفليوهم أنه رعف وفيه جواز انتظار المأمومين مجئ الإمام قياما عند الضرورة وهو غير القيام المنهي عنه في حديث أبي قتادة وأنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد الخروج منه أن يتيمم كما تقدم في الغسل وجواز الكلام بين اشتراط والصلا وسيأتي في باب مفرد وجواز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث فائدة وقع في بعض النسخ هنا قيل لأبي عبد الله أي البخاري إذا وقع هذا لأحدنا يفعل مثل هذا قال نعم قيل فينتظرون الإمام قياما أو قعودا قال إن كان قبل التكبير فلا بأس أن يقعدوا وإن كان بعد التكبير انتظروه قياما ووقع في بعضها في آخر الباب الذي بعده قوله باب إذا قال الإمام مكانكم هذا اللفظ في رواية يونس عن الزهري كما مضى في الغسل بلفظ فقال لنا مكانكم بحذف حرف الجر قوله حتى نرجع بالنون للكشميهنى وبالهمزة للاصيلي وبالتحتانية للباقين قوله حدثنا إسحاق كذا في جميع الروايات غير منسوب وجوز بن طاهر والجيانى أنه إسحاق بن منصور وبه جزم المزي وكنت أجوز أنه بن راهويه لثبوته في مسنده عن الفريابي إلى أن رأيت في سياقه له مغايرة ومحمد بن يوسف هو الفريابي وقد أكثر البخاري عنه بغير واسطة قوله عن الزهري عن أبي سلمة صرح بالتحدث في الموضعين إسحاق بن راهويه في روايته له عن الفريابي ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج قوله فتقدم وهو جنب أي في نفس الأمر لا أنهم اطلعوا على ذلك منه قبل أن يعلمهم وقد تقدم في الغسل في رواية يونس فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب وفي رواية أبي نعيم ذكر أنه لم يغتسل ومضت فوائده في الباب الذي قبله قوله باب قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما صلينا قال بن بطال فيه رد لقول إبراهيم النخعي يكره أن يقول الرجل لم نصل ويقول نصلي قلت وكراهة النخعي إنما هي في حق منتظر الصلاة وقد صرح بن بطال بذلك ومنتظر الصلاة في صلاة كما ثبت بالنص فاطلاق المنتظر ما صلينا يقتضى نفى ما أثبت الفاء فلذلك كرهه والإطلاق الذي في حديث الباب إنما كان من ناس لها أو مشتغل عنها بالحرب كما تقدم تقريره في باب من صلى بالناس جماعة بعد خروج الوقت في أبواب المواقيت فافترق حكمهما وتغايرا والذي يظهر لي أن البخاري أراد أن ينبه على أن الكراهة المحكية عن النخعي ليست على إطلاقها لما دل عليه حديث الباب ولو أراد الرد على النخعي مطلقا لأفصح به كما أفصح بالرد على بن سيرين في ترجمة فاتتنا الصلاة ثم إن اللفظ الذي أورده المؤلف وقع النفي فيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا من قول الرجل لكن في بعض طرقه وقوع ذلك من الرجل أيضا وهو عمر كما أورده في المغازي وهذه عادة معروفة للمؤلف يترجم ببعض ما وقع في طرق الحديث الذي يسوقه ولو لم يقع في الطريق التي يوردها في تلك الترجمة ويدخل في هذا ما في الطبراني من حديث جندب في قصة النوم عن الصلاة فقالوا يا رسول الله سهونا فلم نصل حتى طلعت الشمس وبقية فوائد الحديث تقدمت في المواقيت
[ 103 ]
قوله ما كدت أن أصلى حتى كادت الشمس تغرب وذلك بعد ما أفطر الصائم قال الكرماني مستشكلا كيف يكون المجئ بعد الغروب لأن الصائم إنما يفطر حينئذ مع تصريحه بأنه جاء في اليوم ثم أجاب بأن المراد بقوله يوم الخندق زمان الخندق والمراد به بيان التاريخ لا خصوص الوقت أه والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله وذلك بعد ما أفطر الصائم إشارة إلى الوقت الذي خاطب به عمر النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر العصر فإنه كان قرب الغروب كما أخذت عليه كاد وأما إطلاق اليوم وإرادة زمان الوقعة لا خصوص النهار فهو كثير قوله باب الإمام تعرض له الحاجة بعد اشتراط أي هل يباح له التشاغل بها قبل الدخول في الصلاة أو لا وتعرض بكسر الراء أي تظهر قوله عن أنس في رواية لمسلم سمع أنسا والإسناد كله بصريون قوله أقيمت الصلاة أي صلاة العشاء بينه حماد عن ثابت عن أنس عند مسلم قوله يناجي رجلا أي يحادثه ولم أقف على اسم هذا الرجل وذكر بعض الشراح أنه كان كبيرا في قومه فأراد أن يتألفه على الإسلام ولم أقف على مستند ذلك قيل ويحتمل أن يكون ملكا من الملائكة جاء بوحى من الله عز وجل ولا يخفى بعد هذا الاحتمال قوله حتى نام بعض القوم زاد شعبة عن عبد العزيز ثم قام فصلى أخرجه مسلم وهو عند المصنف في الاستئذان ووقع عند إسحاق بن راهويه في مسنده عن بن علية عن عبد العزيز في هذا الحديث حتى نعس بعض القوم وكذا هو عند بن حبان من وجه آخر عن أنس وهو يدل على أن النوم المذكور لم يكن مستغرقا وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في باب الوضوء من النوم من كتاب الطهارة وفي الحديث جواز مناجاة الواحد غيره بحضور الجماعة وترجم عليه المؤلف في الاستئذان المريض النجوى وفيه جواز الفصل بين اشتراط والإحرام إذا كان لحاجة أما إذا كان لغير حاجة فهو مكروه واستدل به للرد على من أطلق من الحنفية أن المؤذن إذ قال قد قامت الصلاة وجب على الإمام التكبير قال الزين بن المنير خص المصنف الإمام بالذكر مع أن الحكم عام لأن لفظ الخبر يشعر بأن المناجاة كانت لحاجة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا ولو كان لحاجة الرجل لقال أنس ورجل يناجي النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وهذا ليس بلازم وفيه غفلة منه عما في صحيح مسلم بلفظ أقيمت الصلاة فقال رجل لي حاجة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه والذي يظهر لي أن هذا الحكم إنما يتعلق بالإمام لأن المأموم إذا عرضت له الحاجة لا يتقيد به غيره من المأمومين بخلاف الإمام ولما أن كانت مسألة الكلام بين الإحرام والإقامة تشمل المأموم والإمام أطلق المؤلف الترجمة ولم يقيدها بالامام فقال قوله باب الكلام إذا أقيمت الصلاة وأشار بذلك إلى الرد على من كرهه مطلقا قوله حدثنا عياش بن الوليد هو الرقام وعبد الأعلى هو بن عبد الأعلى السامي بالمهملة والإسناد كله بصريون أيضا وقول حميد سألت ثابتا يشعر بأن الاختلاف في حكم المسألة كان قديما ثم إنه ظاهر في كونه أخذه عن أنس بواسطة وقد قال البزار إن عبد الأعلى بن عبد الأعلى تفرد عن حميد بذلك ورواه عامة أصحاب حميد عنه عن أنس بغير واسطة قلت كذا أخرجه أحمد عن يحيى القطان وجماعة عن حميد وكذلك أخرجه بن حبان من طريق هشيم عن حميد لكن لم أقف في شئ من طرقه على تصريح بسماعه له من أنس وهو
[ 104 ]
مدلس فالظاهر أن رواية عبد الأعلى هي المتصلة قوله فحبسه أي منعه من الدخول في الصلاة وزاد هشيم في روايته حتى نعس بعض القوم ويدخل في هذا الباب ما سيأتي في الإمامة من طريق زائدة عن حميد قال حدثنا أنس قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه زاد بن حبان قبل أن يكبر فقال أقيموا صفوفكم وتراصوا لكن لما كان هذا يتعلق بمصلحة الصلاة كان الاستدلال بالأول أظهر في جواز الكلام مطلقا والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب الأذان وما معه من الأحاديث المرفوعة على سبعة وأربعين حديثا المعلق منها ستة أحاديث المكرر فيه وفيما مضى ثلاثة قرة والخالص أربعة قرة ووافقه مسلم على تخريجها سوى أربعة أحاديث حديث أبي سعيد لا يسمع مدى صوت المؤذن وحديث معاوية وجابر في القول عند سماع الأذان وحديث بلال في جعل أصبعيه في أذنيه وفيه من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ثمانية آثار والله أعلم أبواب صلاة الجماعة والإمامة ولم يفرده البخاري بكتاب فيما رأينا من نسخ كتابه بل أتبع به كتاب الأذان لتعلقه به لكن ترجم عليه أبو نعيم في المستخرج كتاب صلاة الجماعة فلعلها رواية شيخه أبي أحمد الجرجاني قوله باب وجوب صلاة الجماعة هكذا بت الحكم في هذه المسألة وكأذلك لقوة دليلها عنده لكن أطلق الوجوب وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية إأن الأثر الذي ذكره عن الحسن يشعر بكونه يريد أنه وجوب عين لما عرف من عادته أنه يستعمل الآثار في التراجم لتوضيحها وتكميلها وتعين أحد الاحتمالات في حديث الباب وبهذا يجاب من اعتراض عليه بأن قول الحسن يستدل له لا به ولم ينبه أحد من الشراح على من وصل أثر الحسن وقد وجدته بمعناه وأتم منه وأصرح في كتاب الصيام للحسين بن الحسن المروزي بإسناد صحيح عن الحسن في رجل يصوم يعني تطوعا فتأمره أمه أن يفطر قال فليفطر ولا قضاء عليه وله أجر الصوم وأجر البر قيل فتنهاه أن يصلي العشاء في جماعة قال ليس ذلك لها هذه فريضة وأما حديث الباب فظاهر في كونها فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه ويحتمل أن يقال التهديد بالتحريق المذكور يمكن أن يقع في حق تاركى فرض الكفاية كمشروعية قتال تاركى فرض الكفاية وفيه نظرا لأن التحريق الذي قد يفضى إلى القتل أخص من المقاتلة ولان المقاتلة إنما تشرع فيما إذا تمالأ الجميع على الترك وإلى القول بأنها فر ض عين ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وبالغ داود ومن تبعه فجعلها شرطا في صحة الصلاة وأشار بن دقيق العيد إلى أنه مبنى على أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها فلما كان الهم المذكور دالا على لازمه وهو الحضور ووجوب الحضور دليلا على لازمه وهو الاشتراط ثبت الاشتراط بهذه الوسيلة إلا أنه لا يتم إلا بتسليم أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها وقد قيل إنه الغالب ولما كان الوجوب قد ينفك عن الشرطية قال أحمد أنها واجبة غير شرط انتهى وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وقال به كثير من الحنفية والمالكية والمشهور عند الباقين أنها سنة مؤكدة وقد أجابوا عن ظاهر
[ 105 ]
حديث الباب بأجوبة منها ما تقدم ومنها وهو ثانيها ونقله إمام الحرمين عن بن خزيمة والذي نقله عنه النووي الوجوب حسبما قال ببزيزة إن بعضهم استنبط من نفس الحديث عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه وتعقببان الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه قلت وليس فيه أيضا دليل على أنه لفعل ذلك لم يتداركها في جماعة آخرين ومنها وهو ثالثها ما قال بن بطال وغيره لو كانت فرضا لقال حين توعد بالإحراق من تخلف عن الجماعة لم تجزئه صلاته لأنه وقت البيان وتعقبه بن دقيق العيد بأن البيان قد يكون بالتنصيص وقد يكون بالدلالة فلما قال صلى الله عليه وسلم لقد هممت الخ دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان ومنها وهو رابعها ما قال الباجي وغيره إن الخبر ورد مورد الزجر وحقيقته غير مراده وإنما المراد المبالغة ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار وقد أنعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك وأجيب بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار وكان قبل ذلك جائزا بدليل حديث أبي هريرة الآتي في الجهاد الدال على جواز التحريق بالنار ثم على نسخه فحمل التهديد على حقيقته غير ممتنع ومنها وهو خامسها كونه صلى الله عليه وسلم ترك تحريقهم بعد التهديد فلو كان واجبا ما عفا عنهم قال القاضي عياض ومن تبعه ليس في الحديث حجة لأنه عليه السلام هم ولم يفعل زاد النووي ولو كانت فرض عين لما تركهم وتعقبه بن دقيق العيد فقال هذا ضعيف لأنه صلى الله عليه وسلم لايهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن الريح انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه على أنه قد جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون الحديث ومنها وهو سادسها أن المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأسا لا مجرد الجماعة وهو متعقب بأن في رواية مسلم لا يشهدون الصلاة أي لا يحضرون وفي رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد لا يشهدون العشاء في الجميع أي في الجماعة وفي حديث أسامة بن زيد عند بن ماجة مرفوعا لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم ومنها وهو سابعها أن الحديث ورد في الحث على مخالفة فعل أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم لا لخصوص ترك الجماعة فلا يتم الدليل أشار إليه الزين بن المنير وهو قريب من الوجه الرابع ومنها وهو ثامنها أن الحديث ورد في حق المنافقين فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل وتعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم وبأنه كان معرضا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم وقد قال لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه وتعقب بن دقيق العيد هذا التعقب بأنه لا يتم إلا إذا ادعى أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبا عليه ولا دليل على ذلك فإذا ثبت أنه كان مخيرا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم انتهى والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله في صدر الحديث الآتي بعد أربعة أبواب ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر الحديث ولقوله لو يعلم أحدهم الخ لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل لكن المراد به نفاق المعصية لا نفاق
[ 106 ]
الكفر بدليل قوله في رواية عجلان لا يشهدون العشاء في الجميع وقوله في حديث أسامة لا يشهدو الجماعة وأصرح من ذلك قوله في رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عند أبي دارد ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لاكفر لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من الكفر والاستهزاء نبه عليه القرطبي وأيضا فقوله في رواية المقبري لولا ما في البيوت من النساء والذرية يدل على أنهم لم الريح كفارا لأن تحريق بيت الكافر إذا تعين طريقا إلى الغلبة عليه لم يمنع ذلك وجود النساء والذرية في بيته وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق في الحديث نفاق الكفر فلا يدل على عدم الوجوب لأنه يتضمن أن ترك الجماعة من صفات المنافقين وقد نهينا عن التشبه بهم وسياق الحديث يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها قال الطيبي خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم بل هو من صفات المنافقين ويدل عليه قول بن مسعود لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة الا منافق رواه مسلم انتهى كلامه وروى بن أبي شيبة وسعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عمير بن أنس حدثني عمومتي من الأنصار قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشهدهما منافق يعني العشاء والفجر ولا يقال فهذا يدل على ما ذهب إليه صاحب هذا الوجه لانتفاء أن يكون المؤمن قد يتخلف وإنما ورد الوعيد في حق من تخلف لأني أقول بل هذا يقوي ما ظهر لي أولا أن المراد نفاق المعصية لا نفاق الكفر فعلى هذا لذي خرج هو المؤمن الكامل لا العاصي الذي يجوز إطلاق النفاق عليه مجازا لما دل عليه مجموع الأحاديث ومنها وهو تاسعها ما ادعاه بعضهم أن فرضية الجماعة كانت في أول الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ حكاه عياض ويمكن أن يتقوى بثبوت نسخ الوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار كما سيأتي واضحا في كتاب الجهاد وكذا ثبوت نسخ ما يتضمنه التحريق من جواز العقوبة بالمال ويدل على النسخ الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ كما سيأتي بيانه في الباب الذي بعد هذا لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل ومن السري ذلك الجواز ومنها وهو عاشرها أن المراد بالصلاة الجمعة لا باقي الصلوات ونصره القرطبي وتعقب بالأحاديث المصرحة بالعشاء وفيه يحث لأن الأحاديث اختلفت في تعين الصلاة التي وقع التهديد بسببها هل هي الجمعة أو العشاء والفجر معا فإن لم تكن أحاديث مختلفة ولم يكن بعضها أرجح من بعض وإلا وقف الاستدلال لأنه لا يتم إلا إن تعين كونها غير الجمعة أشار إليه بن دقيق العيد ثم قال فليتأمل الأحاديث الواردة في ذلك انتهى وقد تأملتها فرأيت التعيين ورد في حديث أبي هريرة وابن أم مكتوم وابن مسعود أما حديث أبي هريرة فحديث الباب من رواية الأعرج عنه يومى إلى أنها العشاء لقوله في آخره لشهد العشاء وفي رواية مسلم يعني العشاء ولهما من رواية أبي صالح عنه أيضا الإيماء إلى أنها العشاء والفجر وعينها السراج في رواية له من هذا الوجه العشاء حيث قال في صدر الحديث أخر العشاء ليلة فخرج فوجد الناس قليلا فغضب فذكر الحديث وفي رواية بن حبان من هذا الوجه يعني الصلاتين العشاء والغداة وفي رواية عجلان والمقبري
[ 107 ]
عند أحمد التصريح يتعين العشاء ثم سائر الروايات عن أبي هريرة على الإبهام وقد أورده مسلم من طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عنه فلم يسق يسير وساقه الترمذي وغيره من هذا الوجه بإبهام الصلاة وكذلك رواه السراج وغيره من طرق عن جعفر وخالفهم معمر عن جعفر فقال الجمعة أخرجه عبد الرزاق عنه والبيهقي من طريقه وأشار إلى ضعفها لشذوذها ويدل على وهمه فيها رواية أبي داود والطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن يزيد بن جابر عن يزيد بن الأصم فذكر الحديث قال يزيد قلت ليزيد بن الأصم يا أبا عوف الجمعة عنى أو غيرها قال صمت أذناي أن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر جمعه ولا غيرها فظهر أن الراجح في حديث أبي هريرة أنها لا تختص بالجمعه وأما حديث بن أم مكتوم فسأذكر قريبا وأنه موافق لأبي هريرة وأما حديث بن مسعود فأخرجه مسلم وفيه الجزم بالجمعة وهو حديث مستقل لأن مخرجه مغاير لحديث أبي هريرة ولا يقدح أحدهما في الآخر فيحمل على أنهما واقعتان كما أشار إليه النووي والمحب الطبري وقد وافق بن أم مكتوم أبا هريرة على ذكر العشاء وذلك فيما أخرجه بن خزيمة وأحمد والحاكم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد عن بن أم مكتوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال لقد هممت أني آتي هؤلاء الذين يتخلفون عن الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم فقام بن أم مكتوم فقال يا رسول الله قد علمت ما بي وليس لي قائد زاد أحمد وأن بيني وبين المسجد شجرا ونخلا ولا أقدر على قائد كل ساعة قال أتسمع اشتراط قال نعم قال فاحضرها ولم يرخص له ولابن حبان من حديث جابر قال أتسمع الأذان قال نعم قال فأتها ولو حبوا وقد حمله العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشى وحده ككثير من العميان واعتمد بن خزيمة وغيره حديث بن مكتوم هذا على فرضية الجماعة في الصلوات كلها ورجحوه بحديث الباب وبالاحاديث الدالة على الرخصة في التخلف عن الجماعة قالوا لأن الرخصة لا تكون إلا عن واجب وفيه نظر ووراء ذلك أمر آخر ألزم له بن دقيق العيد من يتمسك بالظاهر ولا يتقيد بالمعنى وهو أن الحديث ورد في صلاة معينة فيدل على وجوب الجماعة فيها دون غيرها وأشار للإنفصال عنه بالتمسك بدلالة العموم لكن نوزع في كون القول بما ذكر أولا ظاهرية (محضة قال العلامة بن باز حفظه الله ليس هذا بجيد والصواب ما قاله بن (خزيمة وغيره من الموجبين للجماعة في جميع الصلوات وإنما) (يستقيم حمل المطلق على المقيد إذا لم يوجد دليل على التعميم وفي هذه المسألة قد) (قام الدليل على التعميم كحديث من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) (وغيره من الأحاديث التي أشار إليها الشارح في هذا الباب وذكر العشاء) (والفجر (هذه الجمل كلها غلط) في بعض الروايات لا يقتضي التخصيص لاحتمال كون المتوعدين لم يتخلفوا إلا عنهما (كما قد بين ذلك في كثير من الروايات ولأن الحكمة في شرعية الجماعة تقتضي) فإن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضيه ولا يستلزم ذلك ترك أتباع المعنى لأن غير العشاء والفجر مظنة الشغل بالتكسب وغيره أما العصران فظاهر وأما المغرب فلأنها في الغالب وقت الرجوع إلى البيت والأكل ولا سيما للصائم مع ضيق وقتها بخلاف العشاء والفجر فليس للمتخلف عنهما عذر غير الكسل المذموم وفي المحافظة عليهما في الجماعة أيضا انتظام الألفة بين المتجاورين في طرفي النهار وليختموا النهار بالاجتماع على الطاعة ويفتتحوه كذلك وقد وقع في رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد تخصيص التهديد بمن حول المسجد وسيأتي توجيه كون العشاء والفجر أثقل على المنافقين من غيرهما وقد أطلت في هذا الموضع لارتباط بعض الكلام ببعض واجتمع من الأجوبة لمن لم يقل بالوجوب عشرة أجوبة لا توجد مجموعة في غير هذا الشرح قوله عن الأعرج في رواية السراج من طريق شعيب عن أبي الزناد سمع الأعرج قوله والذي نفسي بيده هو قسم كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقسم
[ 108 ]
به والمعنى أن أمر نفوس العباد بيد الله أي بتقديره (هذه كلمات غلط) وتدبيره قال العلامة بن باز حفظه الله وذلك لأنه سبحانه مالكها والمتصرف فيها وفي ذلك من الفوائد مع ما ذكر إثبات اليد لله سبحانه على الوجه الذي يليق به كالقول في سائر الصفات وهو سبحانه منزه عن مشابهة المخلوقات في كل شئ موصوف بصفات دابة اللائق به فتنبه وفيه جواز القسم على الأمر الذي لا شك فيه تنبيها على عظم شأنه وفيه الرد من كره أن يحلف بالله مطلقا قوله لقد هممت اللام جواب القسم والهم العزم وقيل دونه وزاد مسلم في أوله أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات فقال لقد هممت فأفاد ذكر سبب الحديث قوله بحطب ليحطب كذا للحموى والمستملي بلام التعليل وللكشميهني والباقين فيحطب بالفاء وكذا هو في الموطأ ومعنى يحطب يكسر ليسهل اشتعال النار به ويحتمل أن يكون أطلق عليه ذلك قبل أن يتصف به تجوزا بمعنى أنه سيتصف به قوله ثم أخالف إلى رجال أي آتيهم من خلفهم وقال الجوهري خالف إلى فلان أي أتاه إذا غاب عنه أو المعنى أخالف الفعل الذي أظهرت من إقامة الصلاة وأسير إليهم أو أخالف ظنهم في أني مشغول بالصلاة عن قصدي إليهم أو معنى أخالف أتخلف أي عن الصلاة إلى قصدي المذكورين والتقييد بالرجال يخرج النساء والصبيان قوله فأحرق بالتشديد والمراد به التكثير يقال حرقه إذا بالغ في تحريقه قوله عليهم يشعر بان العقوبة ليست قاصرة على المال بل المراد تحريق المقصودين والبيوت تبعا للقاطنين بها وفي رواية مسلم من طريق أبي صالح فأحرق بيوتا على من فيها قوله والذي نفسي بيده فيه إعادة اليمين للمبالغة في التأكيد قوله عرقا بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف قال الخليل العراق العظم بلا لحم وأن كان عليه لحم فهو عرق وفي المحكم عن الأصمعي العرق بسكون الراء قطعة لحم وقال الأزهري العرق واحد العراق وهي العظام التي يؤخذ منهاهبر اللحم ويبقى عليها لحم رقيق فيكسر ويطبخ ويؤكل ما على العظام من لحم دقيق ويتشمس العظام يقال عرقت اللحم واعترقته وتعرقته إذا أخذت اللحم منه نهشا وفي المحكم جمع العرق على عراق بالضم عزيز وقول الأصمعي هو اللائق هنا قوله أو مرماتين تثنية مرماة بكسر الميم وحكى الفتح قال الخليل هي ما بين ظلفى الشاة وحكاه أبو عبيد وقال لا أدرى ما وجهه ونقله المستملى في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري قال قال يونس عن محمد بن سليمان عن البخاري المرماة بكسر الميم مثل مسناة وميضاة ما بين ظلفى الشاة من اللحم قال عياض فالميم على هذا أصلية وقال الأخفش المرماة لعبة كانوا يلعبونها بنصال محدودة يرمونها في كوم من تراب فأيهم أثبتها في الكوم غلب وهي المرماة والمدحاة قلت ويبعد أن تكون هذه مراد الحديث لأجل التثنية وحكى الحربي عن الأصمعي أن المرماة سهم الهدف قال ويؤيده ما حدثني ثم ساق من طريق أبي رافع عن أبي هريرة نحو الحديث بلفظ لو أن أحدهم إذا شهد الصلاة معي كان له عظم من شاة سمينة أو سهمان لفعل وقيل المرماة سهم يتعلم عليه الرمي وهو سهم دقيق مستو غير محدد قال الزين بن المنير ويدل على ذلك التثنية فإنها مشعرة بتكرار الرمي بخلاف السهام المحددة الحربية فإنها لا يتكرر رميها وقال الزمخشري تفسير المرماة بالسهم ليس بوجيه ويدفعه ذكر العرق معه ووجهه بن الأثير بأنه لما ذكر العظم السمين وكان مما يؤكل أتبعه بالسهمين لأنهما مما يلهى به انتهى وإنما وصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما وفيه الإشارة إلى ذم المتخلفين عن الصلاة بوصفهم بالحرص على الشئ الحقير من مطعوم أو ملعوب به مع التفريط فيما يحصل رفيع الدرجات ومنازل الكرامة وفي الحديث من الفوائد أيضا تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة وسره أن المفسدة إذا ارتفعت
[ 109 ]
بالأهون من الزجر أكتفى به عن الأعلى من العقوبة نبه عليه بن دقيق العيد وفيه جواز العقوبة بالمال كذا استدل به كثير من القائلين بذلك من المالكية وغيرهم وفيه نظر لما أسلفناه ولاحتمال أن التحريق من باب ما لا يتم الواجب إلا به إذ الظاهر أن الباعث على ذلك أنهم كانوا يختفون في بيوتهم فلا يتوصل إلى عقوبتهم إلا بتحريقها عليهم وفيه جواز أخذ أهل الجرائم على غرة لأنه صلى ا لله عليه وسلم هم بذلك في الوقت الذي عهد منه فيه الاشتغال بالصلاة بالجماعة فأراد أن يبغتهم في الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحد وفي السياق إشعار بأنه تقدم منه زجرهم عن التخلف بالقول حتى استحقوا التهديد بالفعل وترجم عليه البخاري في كتاب الأشخاص وفي كتاب الأحكام باب إخراج أهل المعاصي والريب من البيوت بعد المعرفة يريد أن من طلب منهم بحق فاختفى أو أمتنع في بيته لددا ومطلا أخرج منه بكل طريق يتوصل إليه بها كما أراد صلى الله عليه وسلم إخراج المتخلفين عن الصلاة بالقاء النار عليهم في بيوتهم واستدل به بن العربي وغيره على مشروعية قتل تارك الصلاة متهاونا بها ونوزع في ذلك ورواية أبي داود التي فيها أنهم كانوا يصلون في بيوتهم كما قدمناه تعكر عليه نعم يمكن الاستدلال منه بوجه آخر وهو أنهم إذا استحقوا التحريق بترك صفة من صفات الصلاة خارجة عنها سواء قلنا واجبة أو مندوبة كان من تركها أصلا رأسا أحق بذلك لكن لا يلزم من التهديد بالتحريق حصول القتل لا دائما ولا غالبا لأنه يمكن الفرار منه أو الاخماد له بعد حصول المقصود منه من الزجر والارهاب وفي قوله في رواية أبي داود ليست بهم علة دلالة على أن الأعذار تبيح التخلف عن الجماعة ولو قلنا إنها فرض وكذا الجمعة وفيه الرخصة للإمام أو نائبه في ترك الجماعة لأجل إخراج من يستخفى في بيته ويتركها ولا بعد في أن تلحق بذلك الجمعة فقد ذكروا من الاعذار في التخلف عنها خوف فوات الغريم وأصحاب الجرائم في حق الإمام كالغرماء واستدل به على جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا كان في ذلك مصلحة قال بن بزيزة وفيه نظر لأن الفاضل في هذه الصورة يكون غائبا وهذا لا يختلف في جوازه واستدل به بن العربي على جواز إعدام محل المعصية كما هو مذهب مالك وتعقب بأنه منسوخ قال العلامة بن باز حفظه الله جزم الشارح بالنسخ ليس بجيد والصواب عدم النسخ لأدلة كثيرة معروفة في محلها منها حديث الباب وإنما المنسوخ التعذيب بالنار فقط والله أعلم كما قيل في العقوبة بالمال والله أعلم قوله باب فضل صلاة الجماعة أشار الزين بن المنير إلى أن ظاهر هذه الترجمة ينافي الترجمة التي قبلها ثم أطال في الجواب عن ذلك ويكفى منه أن كون الشئ واجبا لا ينافي كونه ذا فضيلة ولكن الفضائل تتفاوت فالمراد منها بيان زيادة ثواب الجماعة على صلاة الفذقوله وكان الأسود أي بن يزيد النخعي أحد كبار التابعين وأثره هذا وصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح ولفظه إذا فاتته الجماعة في مسجد قومه ومناسبته للترجمة أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عنده لما ترك فضيلة أول الوقت والمبادرة إلى خلاص الح ذمة وتوجه إلى مسجد آخر كذا أشار إليه بن المنير والذي يظهر لي أن البخاري قصد الإشارة بأثر الأسود وأنس إلى أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته مثلا كما سيأتي البحث فيه في الكلام على حديث أبي هريرة لأن التجميع لو لم يكن مختصا بالمسجد لجمع الأسود في مكانه ولم ينتقل إلى مسجد آخر لطلب الجماعة ولما جاء أنس إلى مسجد بني رفاعة كما سنبينه قوله وجاء أنس وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان قال مر بنا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة فذكر نحوه قال وذلك في صلاة الصبح وفيه فأمر رجلا فأذن وأقام ثم
[ 110 ]
صلى بأصحابه وأخرجه بن أبي شيبة من طرق عن الجعد وعند البيهقي من طريق أبي عبد الصمد العمي عن الجعد نحوه وقال مسجد بني رفاعة وقال فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه وهو يؤيد ما قلناه من إرادة التجميع في المسجد قوله صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بالمعجمة أي المنفرد يقال فذ الرجل من أصحابه إذا بقي منفردا وحده وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع وسياقة أوضح ولفظه صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده قوله بسبع وعشرين درجة قال الترمذي عامة من رواه قالوا خمسا وعشرين إلا بن عمر فإنه قال سبعا وعشرين قلت لم يختلف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق عن عبد الله العمري عن نافع فقال فيه خمس قرة لكن العمري ضعيف ووقع عند أبي عوانة في مستخرجه من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع فإنه قال فيه بخمس وعشرين وهي شاذة مخالفة لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحاب نافع وإن كان راويها ثقة وأما ما وقع عند مسلم من رواية الضحاك بن عثمان عن نافع بلفظ بضع وعشرين فليست مغايرة لرواية الحفاظ لصدق البضع على السبع وأما غير بن عمر فصح عن أبي سعيد وأبي هريرة كما في هذا الباب وعن بن مسعود عند أحمد وابن خزيمة وعن أبي بن كعب عند بن ماجة والحاكم وعن عائشة وأنس عند السراج وورد أيضا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد وزيد بن ثابت وكلها عند الطبراني واتفق الجميع على خمس وعشرين سوى رواية أبي فقال أربع أو خمس على الشك وسوى رواية لأبي هريرة عند أحمد قال فيها سبع قرة وفي إسنادها شريك القاضي وفي حفظه ضعف وفي رواية لأبي عوانة بضعا وعشرين وليست مغايرة أيضا لصدق البضع على الخمس فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع إذ لا أثر للشك واختلف في أيهما أرجح فقيل رواية الخمس لكثرة رواتها وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ ووقع الاختلاف في موضع آخر من الحديث وهو مميز العدد المذكور ففي الروايات كلها التعبير بقوله درجة أو حذف المميز إلا طرق حديث أبي هريرة ففي بعضها ضعفا وفي بعضها جزءا وفي بعضها درجة وفي بعضها صلاة ووقع هذا الأخير في بعض طرق حديث أنس والظاهر أن ذلك من يطلق الرواة ويحتمل أن يكون ذلك من التفنن في العبارة وأما قول بن الأثير إنما قال درجة ولم يقل جزءا ولا نصيبا ولا حظا ولا نحو ذلك لأنه أراد النصارى من جهة العلو والارتفاع فإن تلك فوق هذه بكذا وكذا درجة لأن الدرجات إلى جهة فوق فكأنه بناه على أن الأصل لفظ درجة وما عدا ذلك من يطلق الرواة لكن نفيه ورود الجز مردود فإنه ثابت وكذلك الضعف وقد جمع بين روايتي الخمس والسبع بوجوه منها أن ذكر القليل لا ينفى الكثير وهذا قول من لا يعتبر مفهوم العدد لكن قد قال به جماعة من أصحاب الشافعي وحكى عن نصه وعلى هذا فقيل وهو الوجه الثاني لعله صلى الله عليه وسلم أخبر بالخمس ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع وتعقب بأنه يحتاج إلى التاريخ وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه لكن إذا فرعنا على المنع تعين تقدم الخمس على السبع من جهة أن الفضل من الله يقبل الزيادة لا النقص ثالثها أن اختلاف العددين باختلاف مميزهما وعلى هذا فقيل الدرجة أصغر من الجزء وتعقب بان الذي روى عنه الجزء روى عنه الدرجة وقال بعضهم الجزء في الدنيا والدرجة في الآخرة وهو مبنى على التغاير
[ 111 ]
رابعها الفرق بقرب المسجد وبعده خامسها الفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع سادسها الفرق بايقاعها في المسجد أو في غيره سابعها الفرق بالمنتظر الولاء وغيره ثامنها الفرق بادراك كلها أو بعضها تاسعها الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم عاشرها مختصة بالفجر والعشاء وقيل بالفجر والعصر والخمس بما عدا ذلك حادى عشرها السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية وهذا الوجه عندي أوجهها لما سأبينه ثم إن الحكمة في هذا العدد الخاص غير محققة المعنى ونقل الطيبي عن التوربشتى ما حاصله إن ذلك لا يدرك بالرأي بل مرجعه إلى علم النبوة التي قصرت علوم الألباء عن إدراك حقيقتها كلها ثم قال ولعل الفائدة هي اجتماع المسلمين مصطفين كصفوف الملائكة والاقتداء بالإمام وإظهار شعائر الإسلام وغير ذلك وكأنه يشير إلى ما قدمته عن غيره وغفل عن مراد من زعم أن هذا الذي ذكره لا يفيد المطلوب لكن أشار الكرماني إلى احتمال أن أصله كون المكتوبات خمسا فأريد المبالغة في تكثيرها فضربت في مثلها فصارت خمسا وعشرين ثم ذكر للسبع مناسبة أيضا من جهة عدد ركعات الفرائض ورواتبها وقال غيره الحسنة بعشر للمصلى منفردا فإذا انضم إليه آخر بلغت عشرين ثم زيد بقدر عدد الصلوات الخمس أو يزاد عدد أيام الأسبوع ولا يخفى فساد هذا وقيل الاعداد عشرات ومئين وألوف وخير الأمور الوسط فاعتبرت المائة والعدد المذكور ربعها وهذا أشد فسادا من الذي قبله وقرأت بخط شيخنا البلقيني فيما كتب على العمدة ظهر لي في هذين العددين شئ لم أسبق إليه لأن لفظ بن عمر صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ ومعناه الصلاة في الجماعة كما وقع في حديث أبي هريرة صلاة الرجل في الجماعة وعلى هذا فكل واحد من المحكوم له بذلك صلى في جماعة وأدنى الاعداد التي يتحقق فيها ذلك ثلاث حتى يكون كل واحد صلى في جماعة وكل واحد منهم أتى بحسنة وهي بعشرة فيحصل من مجموعه ثلاثون فاقتصر في الحديث على الفضل الزائد وهو سبعة قرة دون الثلاثة التي هي أصل ذلك انتهى وظهر لي في الجمع بين العددين أن أقل الجماعة إمام ومأموم فلولا الإمام ما سمي المأموم مأموم وكذا عكسه فإذا تفضل الله على من صلى جماعة بزيادة خمس وعشرين درجة حمل الخبر الوارد بلفظها على الفضل الزائد والخبر الوارد بلفظ سبع وعشرين على الأصلى والفضل وقد خاض قوم في تعيين الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة قال بن الجوزي وما جاءوا بطائل وقال المحب الطبري ذكر بعضهم أن في حديث أبي هريرة يعني ثالث أحاديث الباب إشارة إلى بعض ذلك ويضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك وقد فصلها بن بطال وتبعه جماعة من الشارحيه وتعقب الزين بن المنير بعض ما ذكره واختار تفصيلا آخر أورده وقد نقحت ما وقفت عليه من ذلك وحذفت ما لا يختص بصلاة الجماعة فأولها إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة والتكبير إليها في أول الوقت والمشى إلى المسجد بالسكينة ودخول المسجد داعيا وصلاة التحية عند دخوله كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة سادسها انتظار الجماعة سابعها صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له ثامنها شهادتهم له تاسعها إجابة اشتراط عاشرها السلامة من الشيطان حين يفر عند اشتراط حادى عاشرها الوقوف منتظرا إحرام الإمام أو الدخول معه في أي هيئة وجده عليها ثاني عشرها إدراك تكبير الإحرام كذلك ثالث عشرها تسوية الصفوف وسد فرجها رابع عشرها
[ 112 ]
جواب الإمام عند قوله سمع الله لمن حمده خامس عشرها الأمن من السهو غالبا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه سادس عشرها حصول الخشوع والسلامة عما يلهى غالبا سابع عشرها تحسين الهيئة غالبا ثامن عشرها احتفاف الملائكة به تاسع عشرها التدرب على تجويد القراءة وتعلم الأركان والأبعاض العشرون إظهار شعائر الإسلام الحادي والعشرون إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل الثاني والعشرون السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره الظن بأنه ترك الصلاة رأسا الثالث والعشرون رد السلام على الإمام الرابع والعشرون الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل على الناقص الخامس والعشرون قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات فهذه خمس قرة خصلة ورد في كل منها أمر أو ترغيب يخصه وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما الانصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة وبهذا يترجح أن السبع تختص بالجهرية والله أعلم تنبيهات الأول مقتضى الخصال التي ذكرتها اختصاص التضعيف بالتجمع في المسجد وهو الراجح في نظرى كما سيأتي البحث فيه وعلى تقدير أن لا يختص بالمسجد فإنما يسقط مما ذكرته ثلاثة أشياء وهي المشي والدخول والتحية فيمكن أن تعوض من بعض ما ذكر مما يشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة كالاخيرتين لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص وكذا فائدة قيام نظام الألفة غير فائدة حصول التعاهد وكذا فائدة أمن المأمومين من السهو غالبا غير تنبيه الإمام إذا سها فهذه ثلاثة يمكن أن يعوض بها الثلاثة المذكورة فيحصل المطلوب الثاني لا يرد على الخصال التي ذكرتها كون بعض الخصال يختص ببعض من صلى جماعة دون بعض كالتبكير في أول الوقت وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية ولو لم يقع كما سبق والله أعلم الثالث معنى الدرجة أو الجزء حصول مقدار صلاة المنفرد بالعدد المذكور للمجمع وقد أشار بن دقيق العيد إلى أن بعضهم زعم خلاف ذلك قال والأول أظهر لأنه قد ورد مبينا في بعض الروايات انتهى وكأنه يشير إلى ما عند مسلم في بعض طرقه بلفظ صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ وفي أخرى صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده ولأحمد من حديث بن مسعود بإسناد رجاله ثقات نحوه وقال في آخره كلها مثل صلاته وهو مقتضى لفظ رواية أبي هريرة الآتية حيث قال تضعف لأن الضعف كما قال الأزهري المثل إلى ما زاد ليس بمقصور على المثلين تقول هذا ضعف الشئ أي مثله أو مثلاه فصاعدا لكن لا يزاد على العشرة وظاهر قوله تضعف وكذا قوله في روايتي بن عمر وأبي سعيد تفضل أي تزيد وقوله في رواية أبي هريرة السابقة في باب مساجد السوق يريد أن صلاة الجماعة تساوى صلاة المنفرد وتزيد عليها العدد المذكور فيكون لمصلى الجماعة ثواب ست أو ثمان وعشرين من صلاة المنفرد قوله عن عبد الله بن خباب بمعجمة وموحدتين الأولى مثقلة وهو أنصاري مدني ويوافقه في اسمه واسم أبيه عبد الله بن خباب بن الأرت لكن ليست له في الصحيحين رواية قوله بخمس وعشرين في رواية الأصيلي خمسا وعشرين زاد بن حبان وأبو داود من وجه آخر عن أبي سعيد
[ 113 ]
فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة وكأن السر في ذلك أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة بل حكى النووي أنه لا يجري فيه الخلاف في وجوبها لكن فيه نظر فإنه خلاف نص الشافعي وحكى أبو داود عن عبد الواحد قال في هذا الحديث أن صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة انتهى وكأنه أخذه من إطلاق قوله فإن صلاها لتناوله الجماعة والانفراد لكن حمله على الجماعة أولى وهو الذي يظهر من السياق ويلزم على ما قال النووي أن ثواب المندوب يزيد على ثواب الواجب عند من يقول بوجوب الجماعة وقد استشكله القرافي على أصل الحديث بناء على القول بأنها سنة ثم أورد عليه أن النصارى المذكور مرتب على صلاة الفرد وصفته من صلاة الجماعة فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب وأجاب بأنه تفرض المسألة فيمن صلى وحده ثم أعاد في جماعة فإن ثواب الفرض يحصل له بصلاته وحده والتضعيف يحصل بصلاته في الجماعة فبقي الاشكال على حاله وفيه نظر لأن التضعيف لم يحصل بسبب الإعادة وإنما حصل بسبب الجماعة إذ لو أعاد منفردا لم يحصل له إلا صلاة واحدة فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب ومما ورد من الزيادة على العدد المذكور ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق عكرمة عن بن عباس موقوفا عليه قال فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد خمس قرة درجة قال فإن كانوا أكثر من ذلك فعلى عدد من في المسجد فقال رجل وإن كانوا عشرة آلاف قال نعم وهذا له حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي لكنه غير ثابت تنبيه سقط حديث أبي سعيد من هذا الباب في رواية كريمة وثبت للباقين وأورده الاسماعيلي قبل حديث عمر قوله في حديث أبي هريرة صلاة الرجل في الجماعة في رواية الحموي والكشميهني في جماعة بالتنكير قوله خمسة وعشرين ضعفا كذا في الروايات التي وقفنا عليها وحكى الكرماني وغيره أن فيه خمسا وعشرين درجة بتأويل الضعف بالدرجة أو الصلاة قوله في بيته وفي سوقه مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادى قاله بدقيق العيد قال والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا قال وبهذا يرتفع الاشكال عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق انتهى ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية المذكورة إذ لا يلزم من استوائهما في المفضولية عن المسجد أن لا يكون أحدهما أفضل من الآخر وكذا لا يلزم منه أن كون الصلاة جماعة في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا بل الظاهر أن التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد والصلاة في البيت مطلقا أولى منها في السوق لما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين والصلاة جماعة في البيت وفي السوق أولى من الانفراد وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع وفي المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته قال حسن جميل قال فإن صلى في مسجد عشيرته قال خمس عشرة صلاة قال فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه قال خمس قرة انتهى وأخرج حميد بن زنجويه في كتاب الترغيب نحوه من حديث واثلة وخص الخمس والعشرون بمسجد القبائل قال وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه أي الجمعة بخمسمائه
[ 114 ]
وسنده ضعيف قوله وذلك أنه إذا توضأ ظاهر في أن الأمور المذكورة علة للتضعيف المذكور إذ التقدير وذلك لأنه فكأنت يقول التضعيف المذكور سببه كيت وكيت وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على الغاء ما ليس معتبرا أو ليس مقصودا لذاته وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى فالأخذ بها متوجه والروايات المطلقة لا تنافيها بل يحمل مطلقها على هذه المقيدة والذين قالوا بوجوب الجماعة على الكفاية ذهب كثير منهم إلى أن الحرج لا يسقط بأقامة الجماعة في البيوت وكذا روى عن أحمد في فرض العين ووجهوه بان أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد وهو وصف معتبر لا ينبغي إلغاؤه فيختص به المسجد ويلحق به ما في معناه مما يحصل به إظهار الشعار قوله لا يخرجه إلا الصلاة أي قصد الصلاة في جماعة واللام فيها للعهد لما بيناه قوله لم يخط بفتح أوله وضم الطاو قوله خطوة ضبطناه بضم أوله ويجوز الفتح قال الجوهري الخطوة بالضم ما بين القدمين وبالفتح المرة الواحدة وجزم اليعمري أنها هنا بالفتح وقال القرطبي إنها في روايات مسلم بالضم والله أعلم قوله فإذا صلى قال بن أبي جمرة أي صلى صلاة تامة لأنه صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته ارجع فصل فإنك لم تصل قوله في مصلاه أي في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد وكأنه خرج مخرج الغالب وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة كان كذلك قوله اللهم ارحمه أي قائلين ذلك زاد بن ماجة اللهم تب عليه وفي الطريق الماضية في باب مسجد السوق اللهم اغفر له واستدل به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة وعلى تفضيل صالحي الناس على الملائكة لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشغولون بالاستغفار والدعاء لهم واستدل بأحاديث الباب على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة لأن قوله على صلاته وحده يقتضى صحة صلاته منفردا لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل فإن ذلك يقتضى وجود فضيلة في صلاة المنفرد وما لا يصح لا فضيلة فيه قال القرطبي وغيره ولا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لاثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى وأحسن مقيلا لأنا نقول إنما يقع ذلك على قلة حيث ترد صيغة أفعل مطلقة غر مقيدة بعدد معين فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا بكذا فلا بدمن وجود أصل العدد ولا يقال يحمل المنفرد على المعذور لأن قوله صلاة الفذ صيغة عموم فيشمل من صلى منفردا بعذر وبغير عذر فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل وأيضا ففضل الجماعة حاصل للمعذور لما سيأتي في هذا الكتاب من حديث أبي موسى مرفوعا إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما وأشار بن عبد البر إلى أن بعضهم حمله على صلاة النافلة ثم رده بحديث أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة واستدل بها على تساوى الجماعات في الفضل سواء كثرت الجماعة أم قلت لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة فيدخل فيه كل جماعة كذا قال بعض المالكية وقواه بما روى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي قال إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهم التضعيف خمسا وعشرين انتهى وهو مسلم في أصل الحصول لكنه لا ينفى مزيد الفضل لما كان أكثر لا سيما مع وجود النص المصرح به وهو ما رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه بن خزيمة وغيره من حديث أبي بن كعب مرفوعا صلاة
[ 115 ]
الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله وله شاهد قوي في الطبراني من حديث قباث بن أشيم وهو بفتح القاف والموحدة وبعد الألف مثلثة وأبوه بالمعجمة بعدها تحتانية بوزن أحمر ويترتب على الخلاف المذكور أن من قال بالتفاوت استحب إعادة الجماعة مطلقا لتحصيل الأكثرية ولم يستحب ذلك الآخرون ومنهم من فصل فقا تعاد مع الأعلم أو الأورع أو في البقعة الفاضلة ووافق مالك على الأخير لكن قصره على المساجد الثلاثة والمشهور عنه بالمسجدين المكي والمدنى وكما أن الجماعة تتفاوت في الفضل بالقلة والكثرة وغير ذلك مما ذكر كذلك يفوق بعضها بعضا ولذلك عقب المصنف الترجمة المطلقة في فضل الجماعة بالترجمة المقيدة بصلاة الفجر واستح دل بها على أن أقل الجمح اعة إمام ومأموم وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد قريبا إن شاء الله تعالى قوله باب فضل صلاة الفجر في جماعة هذه الترجمة أخص من التي قبلها ومناسبة حديث أبي هريرة لها من قوله وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر فإنه يدل على مزية لصلاة الفجر على غيرها وزعم بن بطال أن في قوله وتجتمع إشارة إلى أن الدرجتين الزائدتين على خمس وعشرين تؤخذ من ذلك ولهذا عقبه برواية بن عمر التي فيها بسبع وعشرين وقد تقدم الكلام على الاجتماع المذكور في باب فضل صلاة العصر من المواقيت قوله بخمس وعشرين جزءا كذا في النسخ التي وقفت عليها ونقل الزركشي في نكتة أنه وقع في الصحيحين خمس بحذف الموحدة من أوله والهاء من آخره قال وخفض خمس على تقدير الباء كقول الشاعر أشارت كليب بالاكف الأصابع أي إلى كليب وأما حذف الهاء فعلى تأويل الجزء بالدرجة انتهى وقد أورده المؤلف في التفسير من طريق معمر عن الزهري بلفظ فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس قرة درجه قوله قال شعيب وحدثني نافع أي بالحديث مرفوعا نحوه إلا أنه قال بسبع وعشرين درجة وهو موافق لرواية مالك وغيره عن نافع كما تقدم وطريق شعيب هذه موصولة وجوز الكرماني أن تكون معلقة وهو بعيد بل هي معطوفة على الإسناد الأول والتقدير حدثنا أبو وابنه قال شعيب ونظائر هذا في الكتاب كثيرة ولكن لم أر طريق شعيب هذه إلا عند المصنف ولم يستخرجها الاسماعيلي ولا أبو نعيم ولا أوردها الطبراني في مسند الشاميين في ترجمة شعيب قوله سمعت سالما هو بن أبي الجعد وأم الدرداء هي الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية لأن الكبرى ماتت في حياة أبي الدرداء وعاشت الصغرى بعده زمانا طويلا وقد جزم أبو حاتم بأن سالم بن أبي الجعد لم يدرك أبا الدرداء فعلى هذا لم يدرك أم الدرداء الكبرى وفسرها الكرماني هنا بصفات الكبرى وهو خطأ لقول سالم سمعت أم الدرداء وقد تقدم في المقدمة أن اسم الصغرى هجيمة والكبرى خيرة قوله من أمة محمد كذا في رواية أبي ذر وكريمة وللباقين من محمد بحذف المضاف وعليه شرح بن بطال ومن تبعه فقال يريد من شريعة محمد شيئا لم يتغير عما كان عليه إلا الصلاة في جماعة فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه انتهى ووقع في رواية أبي الوقت من أمر محمد بفتح الهمزة وسكون الميم بعدها راء وكذا ساقه القدرة في جمعه وكذا هو في مسند أحمد ومستخرجي الاسماعيلي وأبي نعيم من طرق عن الأعمش وعندهم ما أعرف فيهم أي في أهل البلد الذي كان فيه وكأن لفظ فيهم لما حذف من رواية البخاري صحف
[ 116 ]
بعض النقلة أمر بامة ليعود الضمير في أنهم على الأمة قوله يصلون جميعا أي مجتمعين وحذف المفعول وتقديره الصلاة أو الصلوات ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة وهو أمر نسبي لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان وفي هذا الحديث جواز الغضب عند تغير شئ من أمور الدين وإنكار المنكر بإظهار الغضب إذا لم يستطع أكثر منه والقسم على الخبر لتأكيده في نفس السامع قوله أبعدهم فأبعدهم ممشى أي إلى المسجد وسيأتي الكلام على ذلك بعد باب واحد قوله مع الإمام زاد مسلم في جماعة وبين أنها رواية أبي كريب وهو محمد بن العلاء الذي أخرجه البخاري عنه قوله من الذي يصلي ثم ينام أي سواء صلى وحده أو في جماعة ويستفاد منه أن الجماعة تتفاوت كما تقدم تكميل استشكل إيراد حديث أبي موسى في هذا الباب لأنه ليس فيه لصلاة الفجر ذكر بل آخره يشعر بأنه في العشاء ووجهه بن المنير وغيره بأنه دل على أن السبب في زيادة الأجر وجود المشقة بالمشى إلى الصلاة وإذا كان كذلك فالمشي إلى صلاة الفجر في جماعة أشق من غيرها لأنها وإن شاركتها العشاء في المشي في الظلمة فإنها تزيد عليها بمفارقة النوم المشتهى طبعا ولم أر أحدا من الشراح نبه على مناسبة حديث أبي الدرداء للترجمة إلا الزين بن المنير فإنه قال الخطبة صلاة الفجر في قوله يصلون جميعا وهي أخص بذلك من باقي الصلوات وذكر بن رشيد نحوه وزاد أن استشهاد أبي هريرة في الحديث الأول بقوله تعالى إن قرآن الفجر كان مشهودا يشير إلى أن الاهتمام بها آكد وأقول تفنن المصنف بإيراد الأحاديث الثلاثة في الباب إذ تؤخذ المناسبة من حديث أبي هريرة بطريق الخصوص ومن حديث أبي الدرداء بطريق العموم ومن حديث أبي موسى بطريق الاستنباط ويمكن أن يقال لفظ الترجمة يحتمل أن يراد به فضل الفجر على غيرها من الصلوات وأن يراد به ثبوت الفضل لها في الجملة فحديث أبي هريرة شاهد للأول وحديث أبي الدرداء شاهد للثاني وحديث أبي موسى شاهد لهما والله أعلم قوله باب فضل التهجير إلى الظهر كذا للأكثر وعليه شرح بن التين وغيره وفي بعضها إلى الصلاة وعليه شرح بن بطال وقد تقدم الكلام عليه في باب الاستهام في الأذان قوله بينما رجل في هذا المتن ثلاثة أحاديث قصة الذي نحى غصن الشوك والشهداء والترغيب في النداء وغيره مما ذكر والمقصود منه ذكر التهجير وقد تقدم الحديث الثالث مفردا في باب الاستهام عن عبد الله بن يوسف عن مالك ويأتي الثاني في الجهاد عنه أيضا والأول في المظالم كذلك وتكلمنا على شرحه هناك وكأن قتيبة حدث به عن مالك هكذا مجموعا فلم يتصرف فيه المصنف كعادته في الاختصار وتكلف الزين بن المنير إبداء مناسبة للأول من جهة أنه دال على أن الطاعة وإن قلت فلا ينبغي أن تترك واعترف بعدم مناسبة الثاني قوله فأخذه في رواية الكشميهني فأخره قوله فشكر الله له أي رضي بفعله وقبل منه وفيه فضل إماطة الأذى عن الطريق وقد تقدم في كتاب الإيمان أنها أدنى شعب الإيمان قوله الشهداء خمس كذا لابي ذر عن الحموي وللباقين خمسة وهو الأصل
[ 117 ]
في المذكر وجاز الأول لأن المميز غير مذكور وسيأتي الكلام على مباحثه في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى قوله باب احتساب الآثار أي إلى الصلاة وكأنه لم يقيدها لتشمل كل مشى إلى كل طاعة قوله حدثنا عبد الوهاب هو الثقفي قوله يا بني سلمة بكسر اللام وهم بطن كبير من الأنصار ثم من الخزرج وقد غفل القزاز وتبعه الجوهري حيث قال ليس في العرب سلمة بكسر اللام غير هذا القبيل فإن الأئمة الذين صنفوا في المؤتلف والمختلف ذكروا عددا من الأسماء كذلك لكن يحتمل أن يكون أراد بقيد القبيلة أو البطن فله بعض اتجاه قوله ألا تحتسبون كذا في النسخ التي وقفنا عليها بإثبات النون وشرحه الكرماني بحذفها ووجهه بان النحاة أجازوا ذلك يعني تخفيفا قال والمعنى ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد فإن لكل خطوة ثوابا أه والاحتساب وأن كان أصله العد لكنه يستعمل غالبا في معنى طلب تحصيل النصارى بنية خالصة قوله وحدثنا بن أبي مريم كذا لأبي ذر وحده وفي رواية الباقين وقال بن أبي مريم وذكره صاحب الأطراف بلفظ وزاد بن أبي مريم وقال أبو نعيم في المستخرج ذكره البخاري بلا رواية يعنى معلقا وهذا هو الصواب وله نظائر في الكتاب في رواية يحيى بن أيوب لأنه ليس على شرطه في الأصول قوله عن أنس كذا لأبي ذر وحده أيضا وللباقين حدثنا أنس وكذا ذكره أبو نعيم أيضا وكذا سمعناه في الأول من فوائد المخلص من طريق أحمد بن منصور عن بن أبي مريم ولفظه سمعت أنسا وهذا هو السر في إيراد طريق يحيى بن أيوب عقب طريق عبد الوهاب ليبين الأمن من تدليس حميد وقد تقدم نظيره في باب وقت العشاء وقد أخرجه في الحج من طريق مروان ها عن حميد وساق المتن كاملا قوله فينزلوا قريبا يعني لأن ديارهم كانت بعيدة من المسجد وقد صرح بذلك في رواية مسلم من طريق أبي الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كانت ديارنا بعيدة من المسجد فأردنا أن نبتاع بيوتا فنقرب من المسجد فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن لكم بكل خطوة درجة وللسراج من طريق أبي نضرة عن جابر أرادوا أن يقربوا من أجل الصلاة ولابن مردويه من طريق أخرى عن أبي نضرة عنه قال كانت منازلنا بسلع ولا يعارض هذا ما سيأتي في الاستسقاء من حديث أنس وما بيننا وبين سلع من دار لاحتمال أن تكون ديارهم كانت من وراء سلع وبين سلع والمسجد قدر ميل قوله أن يعروا المدينة في رواية الكشميهني أن يعروا منازلهم وهو بضم أوله وسكون العين المهملة وضم الراء أي يتركونها خالية يقال أعراه إذا أخلاه والعراء الأرض الخالية وقيل الواسعة وقيل المكان الذي لا يستتر فيه بشئ ونبه بهذه الكراهة على السبب في منعهم من القرب من المسجد لتبقى جهات المدينة عامرة بساكنها واستفادوا بذلك كثرة الأجر لكثرة الخطا في المشي إلى المسجد وزاد في رواية ها التي في الحج فأقاموا ومثله في رواية المخلص التي ذكرناها وللترمذي من حديث أبي سعيد فلم ينتقلوا ولمسلم من طريق أبي نضرة عن جابر فقالوا ما يسرنا أنا كنا تحولنا قوله وقال مجاهد خطاهم آثارهم والمشى في الأرض بارجلهم كذا لأبي ذر وللباقين وقال مجاهد ونكتب ما قدموا وآثارهم قال خطاهم وهكذا وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عنه قال في قوله تعالى ونكتب ما قدموا قال أعمالهم وفي قوله وآثارهم قال خطاهم وأشار البخاري بهذا التعليق إلى أن قصة بني سلمة كانت
[ 118 ]
سبب نزول هذه الآية وقد ورد مصرحا به من طريق سماك عن عكرمة عن بن عباس أخرجه بن ماجة وغيره وإسناده قوي وفي الحديث أن أعمال البر إذا كانت خالصة تكتب آثارها حسنات وفيه استحباب السكنى بقرب المسجد إلا لمن حصلت به منفعة أخرى أو أراد تكثير الأجر بكثرة المشي ما لم يحمل على نفسه ووجهه أنهم طلبوا السكنى بقرب المسجد للفضل الذي علموه منه فما أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بل رجح درء المفسدة باخلائهم جوانب المدينة على المصلحة المذكورة وأعلمهم بان لهم في التردد إلى المسجد من الفضل ما يقوم مقام السكنى بقرب المسجد أو يزيد عليه واختلف فيمن كانت داره قريبة من المسجد فقارب الخطا بحيث تساوى خطا من داره بعيدة هل يساويه في الفضل أو لا وإلى المساواة جنح الطبري وروى بن أبي شييبة من طريق أنس قال مشيت مع زيد بن ثابت إلى المسجد فقارب بين الخطا وقال أردت أن تكثر خطانا إلى المسجد وهذا لا يلزم منه المساواة في الفضل وأن دل على أن في كثرة الخطا فضيلة لأن ثواب الخطا الشاقة ليس كثواب الخطا السهلة وهو ظاهر حديث أبي موسى الماضي قبل باب حيث جعل أبعدهم ممشى أعظمهم أجرا واستنبط منه بعضهم استحباب قصد المسجد البعيد ولو كان بجنبه مسجد قريب وإنما يتم ذلك إذا لم يلزم من ذهابه إلى البعيد هجر القريب وإلا فاحياؤه بذكر الله أولى وكذا إذا كان في البعيد مانع من دابة كأن يكون إمامه مبتدعا قوله باب فضل صلاة العشاء في الجماعة أورد فيه الحديث الدال على فضل العشاء والفجر فيحتمل أن يكون مراد الترجمة إثبات فضل العشاء في الجملة أو إثبات أفضليتها على غيرها والظاهر الثاني ووجهه أن الفجر ثبتت أفضليتها كما تقدم وسوى في هذا بينها وبين العشاء ومساوى الأفضل يكون أفضل جزما قوله ليس أثقل كذا للأكثر بحذف الاسم وبينه الكشميهني في رواية أبي ذر وكريمة عنه فقال ليس صلاة أثقل ودل هذا على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين ومنه قوله تعالى ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهما لأن العشاء وقت السكون والراحة والصبح وقت لذة النوم وقيل وجهه كون المؤمنين يفوزون بما ترتب عليهما من الفضل لقيامهم بحقهما دون المنافقين قوله ولو يعلمون ما فيهما أي من مزيد الفضل لأتوهما أي الصلاتين والمراد لأتوا إلى المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد قوله ولو حبوا أي يزحفون إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء ولو حبوا على المرافق والركب وقد تقدم الكلام على باقي الحديث في باب وجوب صلاة الجماعة قوله في آخره على من لا يخرج إلى الصلاة بعد كذا للأكثر بلفظ بعد ضد قبل وهي مبنية على الضم ومعناه بعد أن يسمع النداء إليها أو بعد أن يبلغه التهديد المذكور وللكشميهني بدلها يقدر أي لا يخرج وهو يقدر على المجئ ويؤيده ما قدمناه من رواية لأبي داود وليست بهم علة ووقع عند الداودي الشارح هنا لا لعذر وهي أوضح من غيرها لكن لم نقف عليها في شئ من الروايات عند غيره قوله باب اثنان فما فوقهما جماعة هذه الترجمة لفظ حديث ورد من طرق ضعيفة منها في بن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري وفي معجم البغوي من حديث الحكم بن عمير وفي أفراد الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو وفي البيهقي من حديث أنس وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي أمامة وعند أحمد من حديث أبي
[ 119 ]
أمامة أيضا أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه فقام رجل فصلى معه فقال هذان جماعة والقصة المذكورة دون قوله هذان جماعة أخرجها أبو داود والترمذي من وجه آخر صحيح قوله إذا حضرت الصلاة تقدم من هذا الوجه في باب الأذان للمسافر وأوله أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال لهما فذكره وقد اعترض على الترجمة بأنه ليس في حديث مالك بن الحويرث تسمية صلاة الإثنين جماعة والجواب أن ذلك مأخوذ بالاستنباط من السري الأمر بالإمامة لأنه لو استوت صلاتهما معا مع صلاتهما منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة كأن يقول أذنا وأقيما وصليا واعترض أيضا على أصل الاستدلال بهذا الحديث بأن مالك بن الحويرث كان مع جماعة من أصحابه فلعل الاقتصار على التثنية من يطلق الرواة والجواب أنهما قضيتان كما تقدم واستدل به على أن أقل الجماعة إمام ومأموم أعم من أن يكون المأموم رجلا أو صبيا أو امرأة وتكلم بن بطال هنا على مسألة أقل الجمع والاختلاف فيها ورده الزين بن المنير بأنه يلزم من قوله الاثنان جماعة أن يكون أقل الجمع اثنين وهو واضح قوله باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة أي ليصليها جماعة قوله تصلي على أحدكم أي تستغفر له قيل عبر بتصلى ليتناسب الجزاء والعمل قوله ما دام في مصلاه أي ينتظر الصلاة كما صرح به في الطهارة من وجه آخر قوله لا يزال أحدكم الخ هذا القدر أفرده مالك في الموطأ عما قبله وأكثر الرواة ضموه إلى الأول فجعلوه حديثا واحدا ابن حجر في ذلك قوله في صلاة أي في ثواب صلاة لا في حكمها لأنه يحل له الكلام وغيره مما منع في الصلاة قوله ما دامت في رواية الكشميهني ما كانت وهو عكس ما مضى في الطهارة قوله لا يمنعه يقتضى أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه النصارى المذكور وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمر آخر وهل يحصل ذلك لمن نيته إيقاع الصلاة في المسجد ولو لم يكن فيه الظاهر خلافه لأنه رتب النصارى المذكور على المجموع من النية وشغل البقعة بالعبادة لكن للمذكور ثواب يخصه ولعل هذا هو السر في إيراد المصنف الحديث الذي يليه وفيه ورجل قلبه معلق في المساجد وقد تقدم الكلام في الطهارة على معنى قوله ما لم يحدث وفيه زيادة على ما هنا وأن المراد بالحدث حدث الفرج لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب الأولى لأن الأذى منهما يكون أشد أشار إلى ذلك بن بطال وقد تقدم الكلام على باقي فوائده في باب فضل صلاة الجماعة ويؤخذ من قوله في مصلاه الذي صلى فيه أن ذلك مقيد بمن صلى ثم انتطر صلاة أخرى وبتقييد الصلاة الأولى بكونها مجزئة أما لو كان فيها نقص فإنها تجبر بالنافلة كما ثبت في الخبر الآخر قوله اللهم أغفر له اللهم ارحمه هو مطابق لقوله تعالى والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض قيل السر فيه أنهم يطلعون على أفعال بني آدم وما فيها من المعصية والخلل في الطاعة فيقتصرون على الاستغفار لهم من ذلك لأن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ولو فرض أن فيهم من تحفظ من ذلك فإنه يعوض من المغفرة بما يقابلها من النصارى قوله حدثنا يحيى هو القطان وعبيد الله هو بن عمر العمري وخبيب بضم المعجمة وهو خال عبيد الله الراوي عنه وحفص بن عاصم هو بن عمر بن الخطاب وهو جد عبيد الله المذكور لأبيه قوله عن أبى هريرة لم تختلف الرواة عن عبيد الله في ذلك ورواه مالك في الموطأ عن خبيب
[ 120 ]
فقال عن أبي سعيد أو أبي هريرة على الشك ورواه أبو قرة عن مالك بواو العطف فجعله عنهما وتابعه مصعب الزبيري وشذا في ذلك عن أصحاب مالك والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده والله أعلم قوله سبعة ظاهره اختصاص المذكورين بالثواب المذكور ووجهه الكرماني بما محصله أن الطاعة إما أن تكون بين العبد وبين الرب أو بينه وبين الخلق فالأولى باللسان وهو الذكر أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد أو بالبدن وهو الناشئ في العبادة والثاني عام وهو العادل أو خاص بالقلب وهو التحاب أو بالمال وهو الصدقة أو بالبدن وهو العفة وقد نظم السبعة العلامة أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل فيما أنشدناه أبو إسحاق التنوخي إذنا عن أبي الهدى أحمد بن أبي شامة عن أبيه سماعا من يسير قال وقال النبي المصطفى إن سبعة * يظلهم الله الكريم بظله محب عفيف ناشئ متصدق * وباك مصل والإمام بعدله ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعا من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدد المذكور لا مفهوم له وقد ألقيت هذه المسألة على العالم شمس الدين بن عطاء الرازي المعروف بالهروي لما قدم القاهرة وادعى أنه يحفظ صحيح مسلم فسألته بحضرة الملك المؤيد عن هذا وعن غيره فما استحضر في ذلك شيئا ثم تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذييلا على بيتي أبي شامة وهما وزد سبعة إظلال غاز وعونه * وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب * وتاجر صدق في المقال وفعله فأما إظلال الغازي فرواه بن حبان وغيره من حديث عمر وأما عون المجاهد فرواه أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف وأما انظار المعسر والوضيعة عنه ففي صحيح مسلم كما ذكرنا وأما إرفاد الغارم وعون المكاتب فرواهما أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف المذكور وأما التاجر الصدوق فرواه البغوي في شرح السنة من حديث سلمان وأبو القاسم التيمي من حديث أنس والله أعلم ونظمته مرة أخرى فقلت في السبعة الثانية وتحسين خلق مع إعانة غارم * خفيف يد حتى مكاتب أهله وحديث تحسين الخلق أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ونظمتها في بيتين آخرين وهما وزد سبعة حزن ومشى لمسجد وكره وضوء ثم مطعم فضله وآخذ حق باذل ثم كافل وتاجر صدق في المقال وفعله ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ولكن أحاديثها ضعيفة وقلت في آخر البيت تربع به السبعات من فيض فضله وقد أوردت الجميع في الامالى وقد أفردته في جزء سميته معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال قوله في ظله قال عياض إضافة الظل إلى الله إضافة ملك وكل ظل فهو ملكه كذا قال وكان حقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا على غيره كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه وقيل المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال
[ 121 ]
فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن سبعة يظلهم الله في ظل عرشه فذكر الحديث وإذا كان المراد ظل العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح وبه جزم القرطبي ويؤيده أيضا تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به بن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود وبهذا يندفع قول من قال المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة ثم أن ذلك مشترك لجميع من يدخلها والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة فيرجح أن المراد ظل العرش وروى الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا إمام عادل قوله الإمام العادل اسم فاعل من العدل وذكر بن عبد البر أن بعض الرواة عن مالك رواه بلفظ العدل قال وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلا والمراد به به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه أن المقسطين عند الله منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شئ في موضعه من غير إفراط ولا تفريط وقدمه في الذكر لعموم النفع به قوله وشاب خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى قوله في عبادة ربه في رواية الإمام أحمد عن يحيى القطان بعبادة الله وهي رواية مسلم وهما بمعنى زاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر حتى توفي على ذلك أخرجه الجوزقي وفي حديث سلمان أفنى شبابة ونشاطه في عبادة الله قوله معلق في المساجد هكذا في الصحيحين وظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشئ المعلق في المسجد كالقنديل مثلا إشارة إلى المريض الملازمة بقلبه وأن كان جسده خارجا عنه ويدل عليه رواية الجوزقي كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد معلق بالمساجد وكذا رواية سلمان من حبها وزاد الحموي والمستملي متعلق بزيادة مثناة بعد الميم وكسر اللام زاد سلمان من حبها وزاد مالك إذا خرج منه حتى يعود إليه وهذه الخصلة هي المقصودة من هذا الحديث للترجمة ومناسبتها للركن الثاني من الترجمة وهو فضل المساجد ظاهرة وللأول من جهة ما دل عليه من الملازمة للمسجد واستمرار الكون فيه بالقلب وأن عرض للجسد عارض قوله تحابا بتشديد الباء وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارا فقط ووقع في رواية حماد بن زيد ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك ونحوه في حديث سلمان قوله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه في رواية الكشميهني اجتمعا عليه وهي رواية مسلم أي على الحب المذكور والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوى سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت ووقع في الجمع للحميدي اجتمعا على خير ولم أر ذلك في شئ من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف تنبيه عدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان
[ 122 ]
عد أحدهما مغنيا عن عد الآخر لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها قوله ورجل طلبته ذات منصب بين المحذوف أحمد في روايته عن يحيى القطان فقال دعته امرأة وكذا في رواية كريمة ولمسلم وهو للمصنف في الحدود عن بن المبارك والمراد بالمنصب الأصل أو الشرف وفي رواية مالك دعته ذات حسب وهو يطلق على الأصل وعلى المال أيضا وقد وصفها باكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن تحصل فيه وهو المنصب الذي يستلزمه الجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء زاد بن المبارك إلى نفسها وللبيهقي في الشعب من طريق أبي صالح عن أبى هريرة فعرضت نفسها عليه والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي ولم يحك غيره وقال بعضهم يحتمل أن تكون دعته إلى التزوج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها والأول أظهر ويؤيده وجود الكناية في قوله إلى نفسها ولو كان المراد التزويج لصرح به والصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسل تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها قوله فقال إني أخاف الله زاد في رواية كريمة رب العالمين والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه قال عياض قال القرطبي إنما يصدر عن شدة خوف من الله تعالى ومتين تقوى وحياء قوله تصدق أخفى بلفظ الماضي قال الكرماني هو جملة حالية بتقدير قد ووقع في رواية أحمد تصدق فأخفى وكذا للمصنف في الزكاة عن مسدد عن يحيى تصدق بصدقة فأخفاها ومثله لمالك في الموطأ فالظاهر أن راوي الأولى حذف العاطف ووقع في رواية الأصيلي تصدق إخفاء بكسر الهمزة ممدودا على أنه الحدود أو نعت لمصدر محذوف ويحتمل أن يكون حالا من الفاعل أي مخفيا وقوله بصدقة نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير وظاهره أيضا يشمل المندوبة والمفروضة لكن نقل النووي عن العلماء أن إظهار المفروضة أولى من إخفائها قوله حتى لا تعلم بضم الميم وفتحها قوله شماله ما تنفق يمينه هكذا وقع في معظم الروايات في هذا الحديث في البخاري وغيره ووقع في صحيح مسلم مقلوبا حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله وهو نوع من يجري علوم الحديث أغفله بن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب لكنه قصره على ما يقع في الإسناد ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح ومثل له بحديث أن بن أم مكتوم يؤذن بليل وقد قدمنا الكلام عليه في كتاب الأذان وقال شيخنا ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس انتهى والأولى تسميته مقلوبا فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء وقد سماه بعض من تقدم مقلوبا قال عياض هكذا في جميع النسخ التي وصلت إلينا من صحيح مسلم وهو مقلوب أو الصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة باب الصدقة باليمين قال ويشبه أن يكون الوهم فيه ممن دون مسلم بدليل قوله في رواية مالك لما أوردها عقب رواية عبد الله بن عمر فقال بمثل حديث عبيد الله فلو كانت بينهما مخالفة لبينها كما نبه على الزيادة في قوله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه انتهى وليس الوهم فيه ممن دون مسلم ولا منه بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه يحيى القطان فإن مسلما أخرجه عن زهير بن حرب وابن نمير كلاهما عن
[ 123 ]
يحيى وأشعر سياقه بان اللفظ لزهير وكذا أخرجه أبو يعلى في مسنده عن زهير وأخرجه الجوزقى في مستخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن يحيى القطان كذلك وعقبه بأن قال سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول يحيى القطان عندنا واهم في هذا إنما هو حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه قلت والجزبكون يحيى هو الواهم فيه نظر لأن الإمام أحمد قد رواه عنه على الصواب وكذلك أخرجه البخاري هنا عن محمد بن بشار وفي الزكاة عن مسدد وكذا أخرجه الاسماعيلي من طريق يعقوب الدورقي وحفص بن عمر وكلهم عن يحيى وكأن أبا حامد لما رأى عبد الرحمن قد تابع زهيرا ترجح عنده أن الوهم من يحيى وهو محتمل بأن يكون منه لما حدث به هذين خاصة مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه وقد تكلف بعض المتأخرين توجيه هذه الرواية المقلوبة وليس بجيد لأن المخرج متحد ولم يختلف فيه على عبيد الله بن عمر شيخ يحيى فيه ولا على شيخه خبيب ولا على مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه وأما استدلال عياض على أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله في رواية مالك مثل عبيد الله فقد عكسه غيره فواخذ مسلما بقوله مثل عبيد الله لكونهما ليستا متساويتين والذي يظهر أن مسلما لا يقصر لفظ المثل على المساوى في جميع اللفظ والترتيب بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى والمعنى المقصود من هذا الموضع إنما هو اخفاء الصدقة والله أعلم ولم نجد هذا الحديث من وجه من الوجوه إلا عن أبي هريرة إلا ما وقع عند مالك من التردد هل هو عنه أو عن أبي سعيد كما قدمناه قبل ولم نجده عن أبي هريرة إلا من رواية حفص ولا عن حفص إلا من رواية خبيب نعم أخرجه البيهقي في الشعب من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة والراوي له عن سهيل عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف لكنه ليس بمتروك وحديثه حسن في المتابعات ووافق في قوله تصدق بيمينه وكذا أخرجه سعيد بن منصور من حديث سلمان الفارسي بإسناد حسن موقوفا عليه لكن حكمه الرفع وفي مسند أحمد من حديث أنس بإسناد حسن مرفوعا أن الملائكة قالت يا رب هل من خلقك شئ أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت فهل أشد من الحديد قال نعم النار قالت فهل أشد من النار قال نعم الماء قالت فهل أشد من الماء قال نعم الريح قالت فهل أشد من الريح قال نعم بن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله ثم إن المقصود منه المبالغة في إخفاء الصدقة بحيث أن شماله مع قربها من يمينه وتلازمهما لو تصور أنها تعلم لما علمت ما فعلت اليمين لشدة إخفائها فهو على هذا من مجاز التشبيه ويؤيده رواية حماد بن زيد عند الجوزقي تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله ويحتمل أن يكون من مجاز الحذف والتقدير حتى لا يعلم ملك شمالوأبعد من زعم أن المراد بشماله نفسه وأنه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أن نفسه لا تعلم ما تنفق نفسه وقيل هو من مجاز الحذف والمراد بشماله من على شماله من الناس كأنه قال مجاور شماله وقيل المراد أنه لا يرائى بصدقته فلا يكتبها غالبا الشمال وحكى القرطبي عن بعض مشايخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه وفيه نظران كان أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة وإن أراد أن هذا من صور الصدقة المخفية فمسلم والله أعلم قوله ذكر الله أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر وخاليا أي من الخلو لأنه يكون حينئذ أبعد من الرياء والمراد خاليا من
[ 124 ]
الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملأ ويؤيده رواية البيهقي ذكر الله بين يديه ويؤيد الأول رواية بن المبارك وحماد بن زيد ذكر الله في خلاء أي في موضع خال وهي أصح قوله ففاضت عيناه أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت قال القرطبي وفيض العين بحسب حال الذاكر وبحسب ما يكشف له ففي حال أوصاف الجلال يكون البكاء من خشية الله وفي حال أوصاف الجمال يكون البكاء من الشوق إليه قلت قد خص في بعض الروايات بالأول ففي رواية حماد بن زيد عند الجوزقي ففاضت عيناه من خشية الله ونحوه في رواية البيهقي ويشهد له ما رواه الحاكم من حديث أنس مرفوعا من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة تنبيهان الأول ذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له بل يشترك النساء معهم فيما ذكر إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فهيم وتخرج خصلة ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن حتى الرجل الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلا فامتنعت خوفا من الله تعالى مع حاجتها أو شاب جميل دعاه ملك إلى أن يزوجه ابنته مثلا فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه الثاني استوعبت شرح هذا الحديث هنا وإن كان مخالفا لما شرطت لأن أليق المواضع به كتاب الرقاق وقد اختصرها المصنف حيث أورده فيه وساقه تاما في الزكاة والحدود فاستوفيته هنا لأن وجها من الأولوية قوله سئل أنس تقدم التصريح بسماع حميد له منه في باب وقت العشاء قوله صلى الناس أي غير المخاطبين ممن صلى في داره أو مسجد قبيلته ويستأنس به لمن قال بأن الجماعة غير واجبة قوله ولم تزالوا في صلاة أي في ثواب صلاة كما تقدم قوله وبيص بكسر الموحدة وبالمهملة أي بريقه وزفير وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في باب وقت العشاء ويأتي الكلام على الخاتم في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى قوله باب فضل من غدا للمسجد ومن راح هكذا للأكثر موافقا للفظ الحديث في الغدو والرواح ولأبي ذر بلفظ خرج بدل غذاوله عن المستملى والسرخسي بلفظ من يخرج بصيغة المضارع وعلى هذا فالمراد بالغد والذهاب وبالرواح الرجوع والأصل في الغدو المضى من بكرة النهار وللرواح بعد الزوال ثم قد يستعملان في كل ذهاب ورجوع توسعا قوله أعد أي هيأ قوله نزله للكشميهنى نزلا بالتنكير والنزل بضم النون والزاي المكان الذي يهيأ للنزول فيه وبسكون الزاي ما يهيأ للقادم من الضيافة ونحوها فعلى هذا من في قوله من الجنة للتبعيض على الأول وللتبيين على الثاني ورواه مسلم وابن خزيمة وأحمد بلفظ نزلا في الجنة وهو محتمل للمعنيين قوله كلما غدا أو راح أي بكل غدوة وروحة وظاهر الحديث حصول الفضل لمن أتى المسجد مطلقا لكن المقصود منه اختصاصه بمن يأتيه للعبادة والصلاة رأسها والله أعلم قوله باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من رواية عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة واختلف على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه وقيل إن ذلك هو السبب في كون البخاري لم
[ 125 ]
يخرجه ولما كان الحكم صحيحا ذكره في الترجمة وأخرج في الباب ما يغنى عنه لكن حديث الترجمة أعم من حديث الباب لأنه يشمل الصلوات كلها وحديث الباب يختص بالصبح كما سنوضحه ويحتمل أن يقال اللام في حديث الترجمة عهدية فيتفقان هذا من حيث اللفظ وأما من حيث المعنى فالحكم في جميع الصلوات واحد وقد أخرجه أحمد من وجه آخر بلفظ فلا صلاة إلا التي أقيمت قوله إذا أقيمت أي إذا شرع في اشتراط وصرح بذلك محمد بن جحادة عن عمرو بن دينار فيما أخرجه بن حبان بلفظ إذا أخذ المؤذن في اشتراط وقوله فلا صلاة أي صحيحة أو كاملة والتقدير الأول أولى لأنه أقرب إلى نفى الحقيقة لكن لما لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المصلي واقتصر على الإنكار دل على أن المراد نفى دابة ويحتمل أن يكون النفي بمعنى النهى أي فلا تصلوا حينئذ ويؤيده ما رواه البخاري في التاريخ والبزار وغيرهما من رواية محمد بن عمار عن شريك بن أبي نمر عن أنس مرفوعا في نحو حديث الباب وفيه ونهى أن يصليا إذا أقيمت الصلاة وورد بصيغة النهى أيضا فيما رواه أحمد من وجه آخر عن بن بحينة في قصته هذه فقال لا تجعلوا هذه الصلاة مثل الظهر واجعلوا بينهما فصلا والنهي المذكور للتنزيه لما تقدم من كونه لم يقطع صلاته قوله الا المكتوبة فيه منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة سواء كانت راتبة أم لا لأن المراد بالمكتوبة المفروضة وزاد مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار في هذا الحديث قيل يا رسول الله ولا ركعتي الفجر قال ولا ركعتي الفجر أخرجه بن عدي في ترجمة يحيى بن نصر بن الحاجب وإسناده حسن والمفروضة تشمل الحاضرة والفائتة لكن المراد الحاضرة وصرح بذلك أحمد والطحاوي من طريق أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة الا التي أقيمت قوله مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل لم يسق البخاري لفظ رواية إبراهيم بن سعد بل تحول إلى رواية شعبة فأوهم أنهما متوافقتان وليس كذلك فقد ساق مسلم رواية إبراهيم بن سعد بالسند المذكور ولفظه مر برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح فكلمه بشئ لا ندري ما هو فلما انصرفنا أحطنا به نقول ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال لي يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا ففي هذا السياق مخالفة لسياق شعبة في كونه صلى الله عليه وسلم كلم الرجل وهو يصلي ورواية شعبة تقتضي أنه كلمه بعد أن فرغ ويمكن الجمع بينهما بأنه كلمه أولا سرا فلهذا احتاجوا أن يسألوه ثم كلمه ثانيا جهرا فسمعوه وفائدة التكرار تأكيد الإنكار قوله حدثني عبد الرحمن هو بن بشر بن الحكم كما جزم به بن عساكر وأخرجه الجوزقي من طريقه قوله سمعت رجلا من الأزد في رواية الأصيلي من الأسد بالمهملة الساكنة بدل الزاي الساكنة وهي لغة صحيحة قوله يقال له مالك بن بحينة هكذا يقول شعبة في هذا الصحابي وتابعه على ذلك أبو عوانة وحماد بن سلمة وحكم الحفاظ يحيى بن معين وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والاسماعيلي وابن الشرقي والدارقطني وأبو مسعود وآخرون عليهم بالوهم فيه في موضعين أحدهما أن بحينة والدة عبد الله لا مالك وثانيهما أن الصحبة والرواية لعبد الله لا لمالك وهو عبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة وهو لقب واسمه جندب بن نضلة بن عبد الله قال بن سعد قدم مالك بن القشب مكة يعني في الجاهلية
[ 126 ]
فحالف بني المطلب بن عبد مناف وتزوج بحينة بنت الحارث بن المطلب واسمها عبدة وبحينة لقب وأدركت بحينة الإسلام فأسلمت وصحبت وأسلم ابنها عبد الله قديما ولم يذكر أحد مالكا في الصحابة إلا بعض ممن تلقاه من هذا الإسناد ممن لا تمييز له وكذا أغرب الداودي الشارح فقال هذا الاختلاف لا يضر فأي الرجلين كان فهو صاحب وحكى بن عبد البر اختلافا في بحينة هل هي أم عبد الله أو أم مالك والصوا ب أنها أم عبد الله كما تقدم فينبغي أن يكتب بن بحينة بزيادة ألف ويعرب اعرا ب عبد الله كما في عبد الله بن أبي بن سلول ومحمد بن على بن الحنفية قوله رأى رجلا هو عبد الله الراوي كما رواه أحمد من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يصلي وفي رواية أخرى له خرج وابن القشب يصلي ووقع لبعض الرواة هنا بن أبي القشب وهو خطأ كما بينته في كتاب الصحابة ووقع نحو هذه القصة أيضا لابن عباس قال كنت أصلى وأخذ المؤذن في اشتراط فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وقال أتصلي الصبح أربعا أخرجه بن خزيمة وابن حبان والبزار والحاكم وغيرهم فيحتمل تعدد القصة قوله لاث بمثلثة خفيفة أي أدار وأحاط قال بن قتيبة أصل اللوث الطى يقال لاث عمامته إذا أدارها قوله به الناس ظاهره أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لكن طريق إبراهيم بن سعد المتقدمة تقتضي أنه للرجل قوله الصبح أربعا بهمزة ممدودة في أوله ويجوز قصرها وهو استفهام إنكار وأعاده تأكيدا للانكار والصبح بالنصب بإضمار فعل تقديره أتصلي الصبح وأربعا منصوب على الحال قاله بن مالك وقال الكرماني على البدلية قال ويجوز وقع الصبح أي الصبح تصلي أربعا واختلف في حكمة هذا الإنكار فقال القاضي عياض وغيره لئلا يتطاول الزمان فيظن وجوبها ويؤيده قوله في رواية إبراهيم بن سعد يوشك أحدكم وعلى هذا إذا حصل الأمن لا يكره ذلك وهو متعقب بعموم حديث الترجمة وقيل لئلا تلتبس صلاة الفرض بالنفل وقال النووي الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة أه وهذا يليق بقول من يرى بقضاء النافلة وهو قول الجمهور ومن ثم قال من لا يرى بذلك إذا علم أنه يدرك الركعة الأولى مع الإمام وقال بعضهم إن كان في الأخيرة لم يكره له التشاغل بالنافلة بشرط الأمن من الالتباس كما تقدم والأول عن المالكية والثاني عن الحنفية ولهم في ذلك سلف عن بن مسعود وغيره وكأنهم لما تعارض عندهم الأمر بتحصيل النافلة والنهي عن إيقاعها في تلك الحالة جمعوا بين الأمرين بذلك وذهب بعضهم إلى أن سبب الإنكار عدم الفصل بين الفرض والنفل لئلا يلتبسا وإلى هذا جنح الطحاوي واحتج له بالاحاديث الواردة بالأمر بذلك ومقتضاه أنه لو كان في زاوية من المسجد لم يكره وهو متعقب بما ذكر إذا لو كان المراد مجرد الفصل بين الفرض والنفل لم يحصل إنكار أصلا لأن بن بحينة سلم من صلاته قطعا ثم دخل في الفرض ويدل على ذلك أيضا حديث قيس بن عمرو الذي أخرجه أبو داود وغيره أنه صلى ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الصبح فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله لم فقلنا عليه قضاءهما بعد الفراغ من صلاة الصبح متصلا بها فدل على أن الإنكار على بن بحينة إنما كان للتنفل حال صلاة الفرض وهو موافق لعموم حديث الترجمة وقد فهم بن عمر اختصاص المنع بمن يكون في المسجد لا خارجا عنه
[ 127 ]
فصح عنه أنه كان يحصب من يتنفل في المسجد بعد الشروع في اشتراط وصح عنه أنه قصد المسجد فسمع اشتراط فصلى ركعتي الفجر في بيت حفصة ثم دخل المسجد فصلى مع الإمام قال بن عبد البر وغيره الحجة عند التنازع السنة فمن أدلى بها فقد أفلح وترك التنفل عند إقامة الصلاة وتداركها بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة ويتأيد ذلك من حيث المعنى بأن قوله في اشتراط حي على الصلاة معناه هلموا إلى الصلاة أي التي يقام لها فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لم يتشاغل عنه بغيره والله أعلم واستدل بعموم قوله فلا صلاة الا المكتوبة لمن قال يقطع النافلة إذا أقيمت الفريضة وبه قال أبو حامد وغيره من الشافعية وخص آخرون النهى بمن ينشئ النافلة وأشار بعموم قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم وقيل يفرق بين من يخشى فوت الفريضة في الجماعة فيقطع وإلا فلا واستدل بقوله التي أقيمت بأن المأموم يصلي فرضا ولا نفلا خلف من يصلي فرضا آخر كالظهر مثلا خلف من يصلي العصر وإن جازت إعادة الفرض خلف من يصلي ذلك الفرض قوله تابعه غندر ومعاذ عن شعبة عن مالك أي تابعا بهز بن أسد في روايته عن شعبة بهذا الإسناد فقالا عن مالك بن بحينة وفي رواية الكشميهني عن شعبة عن مالك أي والأول يقتضى اختصاص المتابعة بقوله عن مالك بن بحينة فقط والثاني يشمل جميع الإسناد والمتن وهو أولى لأنه الواقع في نفس الأمر وطريق غندر وصلها أحمد في مسنده عنه كذلك وطريق معاذ وهو بن معاذ العنبري البصري وصلها الاسماعيلي من رواية عبيد الله بن معاذ عن أبيه وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة وكذا أخرجه أحمد عن يحيى القطان وحجاج والنسائي من رواية وهب بن جرير والاسماعيلي من رواية يزيد بن هارون كلهم عن شعبة كذلك قوله وقال بن إسحاق أي صاحب المغازي عن سعد أي بن إبراهيم وهذه الرواية موافقة لرواية إبراهيم بن سعد عن أبيه وهي الراجحة قوله وقال حماد يعني بن سلمة كما جزم به المزي وآخرون وكذا أخرجه الطحاوي وابن منده موصولا من طريقه ووهم الكرماني في زعمه أنه حماد بن زيد والمراد أن حمادا وافق شعبة في قوله عن مالك بن بحينة وقد وافقهما أبو عوانة فيما أخرجه الاسماعيلي عن جعفر الفريابي عن قتيبة عنه لكن أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة فوقع في روايتهما عن بن بحينة مبهما وكأن ذلك وقع من قتيبة في وقت عمدا ليكون أقرب إلى الصواب قال أبو مسعود أهل المدينة يقولون عبد الله بن بحينة وأهل العراق يقولون مالك بن بحينة والأول هو الصواب انتهى فيحتمل أن يكون السهو فيه من سعد بن إبراهيم لما حدث به بالعراق وقد رواه القعنبي عن إبراهيم بن سعد على وجه آخر من الوهم قال عن عبد الله بن مالك بن بحينة عن أبيه قال مسلم في صحيحه قوله عن أبيه خطأ انتهى وكأنه لما رأى أهل العراق يقولون عن مالك بن بحينة ظن أن رواية أهل المدينة مرسلة فوهم في ذلك والله أعلم قوله باب حد المريض أن يشهد الجماعة قال بن التين تبعا لابن بطال معنى الحد ههنا الحدة وقد نقله الكسائي ومثله قول عمر في أبي بكر كنت أرى منه بعض الحد أي الحدة قال والمراد به هنا الحض على شهود الجماعة قال بن التين ويصح أن يقال هنا جد بكسر الجيم وهو الاجتهاد في الأمر لكن لم أسمع أحدا رواه بالجيم انتهى وقد أثبت بن قرقول رواية الجيم وعزاها للقابسى وقال بن
[ 128 ]
رشيد إنما المعنى ما يحد للمريض أن يشهد معه الجماعة فإذا جاوز ذلك الحد لم يستحب له شهودها ومناسبة ذلك من الحديث خروجه صلى الله عليه وسلم متوكئا على غيره من شدة الضعف فكأنه يشير إلى أنه من بلد إلى تلك الحال لا يستحب له تكلف الخروج للجماعة إلا إذا وجد من يتوكأ عليه وأن قوله في الحديث الماضي لأتوهما ولو حبوا وقع على طريق المبالغة قال ويمكن أن يقال معناه ياب الحد الذي للمريض أن يأخذ فيه بالعزيمة في شهود الجماعة انتهى ملخصا قوله مرضه الذي مات فيه سيأتي الكلام عليه مبينا في آخر المغازي في سببه ووقت ابتدائه وقدره وقد بين الزهري في روايته كما في الحديث الثاني من هذا الباب أن ذلك كان بعد أن أشتد به المرض واستقر في بيت عائشة قوله فحضرت الصلاة هي العشاء كما في رواية موسى بن أبي عائشة الآتية قريبا في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به وسنذكر هناك الخلاف في ذلك إن شاء الله تعالى قوله فأذن بضم الهمزة على البناء للمفعول وفي رواية الأصيلي وأذن بالواو وهو أوجه والمراد به أذان الصلاة ويحتمل أن يكون معناه أعلم ويقويه رواية أبي معاوية عن الأعمش الآتية في باب الرجل يأتم بالإمام ولفظه جاء بلال يؤذنه بالصلاة واستفيد منه تسمية المبهم وسيأتي في رواية موسى بن أبي عائشة أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالسؤال عن حضور وقت الصلاة وأنه أراد أن يتهيأ للخروج إليها فأغمى عليه الحديث قوله مروا أبا بكر فليصل استدل به على أن الآمر بالأمر بالشئ يكون آمرا به وهي مسألة معروفة في أصول الفقه وأجاب المانعون بأن المعنى بلغوا أبا بكر أني أمرته وفصل النزاع أن النافي إن أراد أنه ليس أمرا حقيقة فمسلم لأنه ليس فيه صيغة أمر للثاني وإن أراد أنه لا يستلزمه فمردود والله أعلم قوله فقيل له قائل ذلك عائشة كما سيأتي قوله أسيف بوزن فعيل وهو بمعنى فاعل من الاسف وهو شدة الحزن والمراد أنه رقيق القلب ولابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عن مسروق عن عائشة في هذا الحديث قال عاصم والاسيف الرقيق الرحيم وسيأتي بعد ستة أبواب من حديث بن عمر في هذه القصة فقالت له عائشة إنه رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء ومن حديث أبي موسى نحوه ومن رواية مالك عن هشام عن أبيه عنها بلفظ قالت عائشة قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر قوله فاعادوا له أي من كان في البيت والمخاطب بذلك عائشة كما ترى لكن جمع لأنهم كانوا في مقام الموافقين لها على ذلك ووقع في حديث أبي موسى بالإفراد ولفظه فعادت ولابن عمر فعاودته قوله فأعاد الثالثة فقال إنكن صواحب يوسف فيه حذف بينه مالك في روايته المذكورة وأن المخاطب له حينئذ حفصة بنت عمر بأمر عائشة وفيه أيضا فمر عمر فقال مه إنكن لأنتن صواحب يوسف وصواحب جمع صاحبة والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط كما أن صواحب صيغة جمع والمراد زليخا فقط ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به وقد صرحت هي فيما بعد ذلك فقالت
[ 129 ]
لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا الحديث وسيأتي بتمامه في بابوفاة النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى وأخرجه مسلم أيضا وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن ووقع في مرسل الحسن عند بن أبي خيثمة أن أبا بكر أمر عائشة أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرف ذلك عنه فارادت التوصل إلى ذلك بكل طريق فلم يتم ووقع في أمالى بن عبد السلام أن النسوة أتين امرأة العزيز يظهرن تعنيفها ومقصودهن في الباطن أن يدعون يوسف إلى أنفسهن كذا قال وليس في سياالآية ما يساعد ما قال فائدة زاد حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم في هذا الحديث أن أبا بكر هو الذي أمر عائشة أن تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيأمر عمر بالصلاة أخرجه الدورقي في مسنده وزاد مالك في روايته التي ذكرناها فقالت حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا ومثله للاسماعيلي في حديث الباب وإنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة من المعاودة وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضا في قصة المغافير كما سيأتي في موضعه قوله فليصل بالناس في رواية الكشميهني للناس قوله فخرج أبو بكر فيه حذف دل عليه سياق الكلام وقد بينه في رواية موسى بن أبي عائشة المذكورة ولفظه فأتاه الرسول أي بلال لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة فأجيب بذلك وفي روايته أيضا فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكارجلا رقيقا يا عمر صل بالناس فقال له عمر أنت أحق بذلك انتهى وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أرادت عائشة قال النووي تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا وليس كذلك بل قاله للعذر المذكور وهو كونه رقيق القلب كثير البكاء فخشي أن لا يسمع الناس انتهى ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى بعدم ما في تحملها من الخطر بعدم قوة عمر على ذلك فاختاره ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح والظاهر أنه لم يطلع على المراجعة المتقدمة وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك سواء باشر بنفسه أو استخلف قال القرطبي ويستفاد منه أن للمستخلف في الصلاة أن يستخلف ولا يتوقف على إذن خاص له بذلك قوله فصلى في رواية المستملون السرخسي يصلي وظاهره أنه شرع في الصلاة ويحتمل أن يكون المراد أنه تهيأ لهو سيأتي في رواية أبي معاوية عن الأعمش بلفظ فلما دخل في الصلاة وهو محتمل أيضا بان يكون المراد دخل في مكان الصلاة ويأتي البحث مع من حمله على ظاهره إن شاء الله تعالى قوله فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم وجد ذلك في تلك الصلاة بعينها ويحتمل أن يكون ذلك بعد ذلك وأن يكون فيه حذف كما تقدم مثله في قوله فخرج أبو بكر وأوضح منه رواية موسى بن أبي عائشة المذكور فصلى أبو بكر تلك الأيام ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد منفسه خفة وعلى هذا لا يتعين أن تكون الصلاة المذكورة هي العشاء قوله يهادى بضم أوله وفتح الدال أي
[ 130 ]
يعتمد على الرجلين متمايلا في مشيه من شدة الضعف والتهادى التمايل في المشي البطئ وقوله يخطان الأرض أي لم يكن يقدر على ليقطعوا من الأرض وسقط لفظ الأرض من رواية الكشميهني وفي رواية عاصم المذكورة عند بن حبان إني لأنظر إلى بطون قدميه قوله بين رجلين في الحديث الثاني من حديثي البا ب أنهما العباس بن عبد المطلب وعلى بن أبي طالب ومثله في رواية موسى بن أبي عائشة ووقع في رواية عاصم المذكورة وجد خفة من نفسه فخرج بين بريرة ونوبة ويجمع كما قال النووي بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هذين ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلى أو يحمل على التعدد ويدل عليه ما في رواية الدارقطني أنه خرج بين أسامة بين زيد والفضل بن العباس وأما ما في مسلم أنه خرج بين الفضل بن العباس وعلى فذاك في حال مجيئه إلى بيت عائشة تنبيه نوبة بضم النون وبالموحدة ذكره بعضهم في النساء الصحابيات فوهم وإنما هو عبد أسود كما وقع عند سيف في كتاب الردة ويؤيده حديث سالم بن عبيد في صحيح بن خزيمة بلفظ خرج بين بريرة ورجل آخر قوله فأراد أبو بكر زاد أبو معاوية عن الأعمش فلما سمع أبو بكر حسه وفي رواية أرقم بن شرحبيل عن بن عباس في هذا الحديث فلما أحس الناس به سبحوا أخرجه بن ماجة وغيره بإسناد حسن قوله أن مكانك في رواية عاصم المذكورة أن أثبت مكانك وفي رواية موسى بن أبي عائشة فأومأ إليه بأن لا يتأخر قوله ثم أتى به كذاهنا بضم الهمزة وفي رواية موسى بن أبي عائشة أن ذلك كان بأمره ولفظه فقال أجلساني إلى جانبه فأجلساه وعين أبو معاوية عن الأعمش في إسناد حديث الباب كما سيأتي بعد أبواب مكان الجلوس فقال في روايته حتى جلس عن يسار أبي بكر وهذا هو مقام الإمام وسيأتي القول فيه وأغرب القرطبي شارح مسلم لما حكى الخلاف هل كان أبو بكر إماما أو مأموما فقال لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى الله عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره انتهى ورواية أبي معاوية هذه عند مسلم أيضا فالعجب منه كيف يغفل عن ذلك في حال شرحه له قوله فقيل للأعمش الخ ظاهره الانقطاع لأن الأعمش لم يسنده لكن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متصلا بالحديث وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة وغيرها قوله رواه أبو داود هو الطيالسي قوله بعضه بالنصب وهو بدل من الضمير وروايته هذه وصلها البزار قال حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أبو داود به ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم بين يدي أبي بكر كذا رواه مختصرا وهو موافق لقضية حديث الباب لكن رواه بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار عن أبي داود بسنده هذا عن عائشة قالت من الناس من يقول كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف ومنهم من يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقدم ورواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر أخرجه بن المنذر وهذا عكس رواية أبي موسى وهو اختلاف شديد ووقع في رواية مسروق عنها أيضا اختلاف فأخرجه بن حبان من رواية عاصم عن شقيق عنه بلفظ كان أبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر وأخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة من رواية شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وظاهر رواية محمد بن بشار أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة ولكن تضافرت الروايات
[ 131 ]
عنها بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة منها رواية موسى بن أبي عائشة التي أشرنا إليها ففيها فجعل أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر وهذه رواية زائدة بن قدامة عن موسى وخالفه شعبة أيضا فرواه عن موسى بلفظ أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموما للجزم بها ولان أبا معاوية أحفظ في حديث الأعمش من غيره ومنهم من سلك عكس ذلك ورجح أنه كان إماما وتمسك بقول أبي بكر في باب من دخل ليؤم الناس حيث قال ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد وأجاب عن قول أبي بكر كما سيأتي في بابه ويؤيده اختلاف النقل عن الصحابة غير عائشة فحديث بن عباس فيه أن أبا بكر كان مأموما كما سيأتي في رواية موسى بن أبي عائشة وكذا في رواية أرقم بن شرحبيل التي أشرنا إليها عن بن عباس وحديث أنس فيه أن أبا بكر كان إماما أخرجه الترمذي وغيره من رواية حميد عن ثابت عنه بلفظ آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في ثوب وأخرجه النسائي من وجه آخر عن حميد عن أنس فلم يذكر ثابتا وسيأتي بيان ما ترتب على هذا الاختلاف من الحكم في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به قريبا إن شاء الله تعالى قوله وزاد أبو معاوية عن الأعمش جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما يعني روى الحديث المذكور أبو معاوية عن الأعمش كما رواه حفص بن الصالح مطولا وشعبة مختصرا كلهم عن الأعمش شوال المذكور فزاد أبو معاوية ما ذكر وقد تقدمت الإشارة إلى المكان الذي وصله المصنف فيه وغفل مغلطاي ومن تبعه فنسبوا وصله إلى رواية بن نمير عن أبي معاوية في صحيح بن حبان وليس بجيد من وجهين أحدهما أن رواية بن نمير ليس فيها عن يسار أبي بكر والثاني أن نسبته إلى تخريج صاحب الكتاب أولى من نسبته لغيره فيه قوله في الحديث الثاني لما ثقل على النبي صلى الله عليه وسلم أي أشتد به مرضه يقال ثقل في مرضه إذا ركدت أعضاؤه عن خفة الحركة قوله فأذن له بفتح الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون أي الأزواج وحكى الكرماني أنه روى بضم الهمزة وكسر الذال وتخفيف النون على البناء للمجهول واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وقد تقدم حديث الزهري هذا في باب الغسل والوضوء من المخضب وفيه زيادة على الذي هنا وسيأتي في رواية بن أبي عائشة عن عبيد الله شيخ الزهري وسياقه أتم من سياق الزهري قوله قال هو علي بن أبي طالب زاد الاسماعيلي من رواية عبد الرزاق عن معمر ولكن عائشة لا تطيب نفسا له بخير ولابن إسحاق في المغازي عن الزهري ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة فعبر عنها بعبارة شنيعة وفي هذا رد على من تنطع فقال لا يجوز أن يظن ذلك بعائشة ورد على من زعم أنها أبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة إذ كان تارة يتوكأ على الفضل وتارة على أسامة وتارة على على وفي جميع ذلك الرجل الآخر هو العباس واختص بذلك إكراما له وهذا توهم ممن قاله والواقع خلافه لأن بن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأن المبهم على فهو المعتمد والله أعلم ودعوى وجود العباس في كل مرة والذي يتبدل غيره مردودة بدليل
[ 132 ]
رواية عاصم التي قدمت الإشارة إليها وغيرها صريح في أن العباس لم يكن في مرة ولا في مرتين منها والله أعلم وفي هذه القصة من الفوائد غير ما مضى تقديم أبي بكر وترجيحه على جميع الصحابة وفضيلة عمر بعده وجواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب وملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لازواجه وخصوصا لعائشة وجواز مراجعة الصغير الكبير والمشاورة في الأمر العام والأدب مع الكبير لهم أبي بكر بالتأخر عن الصف واكرام الفاضل لأنه أراد أن يتأخر حتى يستوي مع الصف فلم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم يتزحزح عن مقامه وفيه أن البكاء ولو كثر لا يبطل الصلاة لأنه صلى الله عليه وسلم بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء لم يعدل عنه ولا نهاه عن البكاء وأن الإيماء يقوم مقام النطق واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته ويحتمل أن يكون للاعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق وفيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص في تركها ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد وإن كانت الرخصة أولى وقال الطبري إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده نفسه بأدنى عذر فيتخلف عن الإمامة ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لاهليته لذلك حتى إنه صلى خلفه واستدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة كمن قصد أن يبلغ عنه ويلتحق به من زحم عن الصف وعلى جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض وهو قول الشعبي واختيار الطبري وأومأ إليه البخاري كما سيأتي وتعقب بأن أبا بكر إنما كان مبلغا كما سيأتي في باب من أسمع الناس التكبير من رواية أخرى عن الأعمش وكذا ذكره مسلم على هذا فمعنى الاقتداء اقتداؤهم بصوته ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا وكان أبو بكر قائما فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين فمن ثم كان أبو بكر كالإمام في حقهم والله أعلم وفيه أتباع صوت المكبر وصحة صلاة المستمع والسامع ومنهم من شرط في صحته تقدم إذن الإمام واستدل به الطبري على أن للأمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة وعلى جواز تقدم إحرام المأموم على الإمام بناء على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قدمنا أنه ظاهر الرواية ويؤيد أيضا أن في رواية أرقم بن شرحبيل عن بن عباس فابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر واستدل به على صحة صلاة القادر على القيام قائما خلف القاعد خلافا للمالكية مطلقا ولأحمد حيث أوجب القعود على من يصلي خلف القاعد كما سيأتي الكلام عليه في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به إن شاء الله تعالى قوله باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد والمقصود الأصلى في الجماعة إيقاعها في المسجد وقد تقدم الكلام على حديث بن عمر في كتاب الأذان وعلى حديث عتبان في باب المساجد في البيوت وسياقه هناك أتم وإسماعيل شيخه هنا هو بن أبي أويس قوله باب هل يصلي الإمام بمن حضر
[ 133 ]
أي مع وجود العلة المرخصة للتخلف فلو تكلف قوم الحضور فصلى بهم الإمام لم يكره فالأمر بالصلاة في الرحال على هذا للإباحة لا للندب ومطابقة ذلك لحديث بن عباس من قوله فيه فنظر بعضهم إلى بعض لما أمر المؤذن أن يقول الصلاة في الرحال فإنه دال على أن بعضهم حضر وبعضهم لم يحضر ومع ذلك خطب وصلى بمن حضر وأما قوله وهل يخطب يوم الجمعة في المطر فظاهر من حديث بن عباس وقد تقدم الكلام عليه في الأذان أيضا وفيه أن ذلك كان يوم الجمعة وأن قوله أنها عزمة أي الجمعة وأما مطابقة حديث أبي سعيد فمن جهة أن العادة في يوم المطر أن يتخلف بعض الناس وأما قول بعض الشراح يحتمل أن يكون ذلك في الجمعة فمردود لأنه سيأتي في الاعتكاف أنها كانت في صلاة الصبح وحديث أنس لا ذكر للخطبة فيه ولا يلزم أن يدل كل حديث في الباب على كل ما في الترجمة قوله وعن حماد هو معطوف على قوله حدثنا حماد بن زيد وليس بمعلق وقد تقدم في الأذان عن مسدد عن حماد عنهما جميعا قوله نحوه أي بمعظم يسير وجميع معناه ولهذا استثنى منه لفظ أحرجكم وأن في هذا بدلها أؤئمكم الخ ويحتمل أن يكون المراد بالاستثناء أنهما متفقان في المعنى وفي الرواية الثانية هذه الزيادة قوله فتجيئون كذا للأكثر بإثبات النون وهو على حذف مقدر وللكشميهني فتجيئوا وقد تقدمت مباحث الحديث في كتاب الأذان وحديث أبي سعيد يأتي في الاعتكاف ومسلم شيخه فيه هنا هو بن إبراهيم وهشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن وقوله سألت أبا سعيد أي عن ليلة القدر قوله في حديث أنس قال رجل من الأنصار قيل إنه عتبان بن مالك وهو محتمل لتقارب القصتين لكن لم أر ذلك صريحا وقد وقع في رواية بن ماجة الآتية أنه بعض عمومة أنس وليس عتبان عما لأنس إلا على سبيل المجاز لأنهما من قبيلة واحدة وهي الخزرج لكن كل منهما من بطن قوله معك أي في الجماعة في المسجد قوله وكان رجلا ضخما أي سمينا وفي هذا الوصف إشارة إلى علة تخلفه وقد عده بن حبان من الأعذار المرخصة في التأخر عن الجماعة وزاد عبد الحميد عن أنس وإني أحب أن تأكل في بيتي وتصلى فيه قوله فبسط له حصيرا سبق الكلام فيه في حديث أنس في أوائل الصلاة في باب الصلاة على الحصير قوله فصلى عليه ركعتين زاد عبد الحميد فصلى وصلينا معه قوله فقال رجل من آل الجارود في رواية على بن الجعد عن شعبة الآتية للمصنف في صلاة الضحى فقال فلان بن فلان بن الجارود وكأنه عبد الحميد بن المنذر بن الجارود البصري وذلك أن البخاري أخرج هذا الحديث من رواية شعبة وأخرجه في موضع آخر من رواية خالد الحذاء كلاهما عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس وأخرجه أبن ماجة وابن حبان من رواية عبد الله بن عون عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس فاقتضى ذلك أن في رواية البخاري انقطاعا وهو مندفع بتصريح أنس بن سيرين عنده بسماعه من أنس فحينئذ رواية بن ماجة إما من المزيد في متصل الأسانيد وإما أن يكون فيها وهم لكون بن الجارود كان حاضرا عند أنس لما حدث بهذا الحديث وسأله عما سأله من ذلك فظن بعض الرواة أن له فيه رواية وسيأتي الكلام على فوائده في باب صلاة الضحى ومطابقته لهذه الترجمة إما من جهة ما يلزم من الرخصة لمن له عذر أن يتخلف عن الحضور فإن ضرورة مواظبته صلى الله عليه وسلم على الصلاة بالجماعة
[ 134 ]
أن يصلي بمن بقي وإما من جهة ما ورد في طريق عبد الحميد المذكورة حيث قال أنس فصلى وصلينا معه فإنه مطابق لقوله وهل يصلي بمن حضر والله أعلم قوله باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة قال الزين بن المنير حذف جواب الشرط في هذه الترجمة إشعارا بعدم الجزم بالحكم لقوة الخلاف انتهى وكأنه أشار بالاثرين المذكورين في الترجمة إلى منزع العلماء في ذلك فإن بن عمر حمله على إطلاقه وأشار أبو الدرداء إلى تقييده بما إذا كان القلب مشغولا بالأكل وأثر بن عمر مذكور في الباب بمعناه وأثر أبي الدرداء وصله بن المبارك في كتاب الزهد وأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة من طريقه قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وقد أخرجه السراج من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن هشام بن عروة أيضا لكن يسير إذا حضر وذكره المصنف في كتاب الأطعمة من طريق سفيان عن هشام بلفظ إذا حضر وقال بعده قال يحيى بن سعيد ووهيب عن هشيم إذا وضع انتهى ورواية وهيب وصلها الاسماعيلي وأخرجه مسلم من رواية بن نمير وحفص ووكيع بلفظ إذا حضر ووافق كلا جماعة من الرواة عن هشام لكن الذين رووه بلفظ إذا وضع كما قال الاسماعيلي أكثر والفرق بين اللفظين أن الحضور أعم من الوضع فيحمل قوله حضر أي بين يديه لتأتلف الروايات لاتحاد المخرج ويؤيده حديث أنس الآتي بعده بلفظ إذا قدم العشاء ولمسلم إذا قرب العشاء وعلى هذا فلا يناط الحكم بما إذا حضر العشاء لكنه لم يقرب للاكل كما لو لم يقرب قوله وأقيمت الصلاة قال بن دقيق العيد الألف واللام في الصلاة لا ينبغي أن تحمل على الاستغراق ولا على تعريف الماهية بل ينبغي أن تحمل على المغرب لقوله فابداؤا بالعشاء ويترجح حمله على المغرب لقوله في الرواية الأخرى فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب والحديث يفسر بعضه بعضا وفي رواية صحيحة إذا وضع العشاء وأحدكم صائم انتهى وسنذكر من أخرج هذه الرواية في الكلام على الحديث الثاني وقال الفاكهانى ينبغي حمله على العموم نظر إلى العلة وهي التشويش المفضى إلى ترك الخشوع وذكر المغرب لا يقتضى حصرا فيها لأن الجائع غير الصائم قد يكون أشوق إلى الأكل من الصائم انتهى وحمله على العموم إنما هو بالنظر إلى المعنى إلحاقا للجائع بالصائم وللغداء بالعشاء لا بالنظر إلى اللفظ الوارد قوله فابدؤوا بالعشاء حمل الجمهور هذا الأمر على الندب ثم اختلفوا فمنهم من قيده بمن كان محتاجا إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية وزاد الغزالي ما إذا خشي فساد المأكول ومنهم من لم يقيده وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق وعليه يدل فعل بن عمر الآتي وأفرط بن حزم فقال تبطل الصلاة ومنهم من اختار البداءة بالصلاة إلا إن كان الطعام خفيفا نقله بن المنذر عن مالك وعند أصحابه تفصيل قالوا يبدأ بالصلاة إن لم يكن متعلق النفس بالأكل أو كان متعلقا به لكن لا يعجله عن صلاته فإن كان يعجله عن صلاته بدأ بالطعام واستحبت له الإعادة قوله عن عقيل في رواية الاسماعيلي حدثني عقيل وعنده أيضا عن بن شهاب أخبرني أنس قوله إذا قدم العشاء زاد بن حبان والطبراني في الأوسط من رواية موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث عن بن شهاب وأحدكم صائم وقد أخرجه مسلم من طريق بن وهب عن عمرو بدون الزيادة وذكر الطبراني أن موسى بن أعين تفرد بها انتهى وموسى ثقة متفق عليه قوله ولا تعجلوا بضم المثناة وبفتحها والجيم مفتوحة فيهما ويروى بضم أوله
[ 135 ]
وكسر الجيم قوله في حديث بن عمر إذا وضع عشاء أحدكم هذا أخص من الرواية الماضية حيث قال إذا وضع العشاء فيحمل العشاء في تلك الرواية على عشاء من يريد الصلاة فلو وضع عشاء غيره لم يدخل في ذلك ويحتمل أن يقال بالنظر إلى المعنى لو كان جائعا واشتغل خاطره بطعام غيره كان كذلك وسبيله أن ينتقل عن ذلك المكان أو يتناول مأكولا يزيل شغل باله ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ ويؤيد هذا الاحتمال عموم قوله في رواية مسلم من طريق أخرى عن عائشة لا صلاة بحضرة طعام الحديث وقول أبي الدرداء الماضي إقباله على حاجته قوله ولا يعجل أي أحدكم المذكور أولا وقال الطيبي أفرد قوله يعجل نظرا إلى لفظ أحد وجمع قوله فابدؤوا نظر إلى لفظ كم قال والمعنى إذا وضع عشاء أحدكم فابدؤوا أنتم بالعشاء ولا يعجل هو حتى يفرغ معكم منه انتهى قوله وكان بن عمر هو موصول عطفا على المرفوع وقد رواه السراج من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع فذكر المرفوع ثم قال قال نافع وكان بن عمر إذا حضر عشاؤه وسمع اشتراط وقراءة الإمام لم يقم حتى يفرغ ورواه بن حبان من طريق بن جريج عن نافع أن بن عمر كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس وكان أحيانا يلقاه وهو صائم فيقدم له عشاؤه وقد نودي الولاء ثم تقام وهو يسمع فلا يترك عشاءه ولا يعجل حتى يقضي عشاءه ثم يخرج فيصلى انتهى وهذا أصرح ما ورد عنه في ذلك قوله وأنه يسمع في رواية الكشميهني وأنه ليسمع بزيادة لام التأكيد في أوله قوله وقال زهير هو بن معاوية الجعفي وطريقه هذه موصولة عند أبي عوانة في مستخرجه وأما رواية وهب بن عثمان فقد ذكر المصنف أن إبراهيم بن المنذر رواها عنه وإبراهيم من شيوخ البخاري وقد وافق زهيرا ووهبا أبو ضمرة عند مسلم وأبو بدر عند أبي عوانة والدراوردي عند السراج كلهم عن موسى بن عقبة قال النووي في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من ذهاب كمال الخشوع ويلتحق به ما في معناه مما يشغل القلب وهذا إذا كان في الوقت سعة فإن ضاق صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز التأخير وحكى المتولي وجها أنه يبدأ بالأكل وإن خرج الوقت لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته انتهى وهذا إنما يجئ على قول من يوجب الخشوع ثم فيه نظر لأن المفسدتين إذا تعارضتا اقتصر على أخفهما وخروج الوقت أشد من ترك الخشوع بدليل صلاة الخوف والغريق وغير ذلك وإذا صلى لمحافظة الوقت صحت مع الكراهة وتستحب الإعادة عند الجمهور وادعى بن حزم أن في الحديث دلالة على امتداد الوقت في حق من وضع له الطعام ولو خرج الوقت المحدود وقال مثذلك في حق النائم والناسى واستدل النووي وغيره بحديث أنس على امتداد وقت المغرب واعترضه بن دقيق العيد بأنه إن أريد بذلك التوسعة إلى غروب الشفق ففيه نظر وإن أريد به مطلق التوسعة فمسلم ولكن ليس محل الخلاف المشهور فإن بعض مذهب إلى ضيق وقتها جعله مقدرا بزمن يدخل فيه مقدار ما يتناول لقيمات يكسر بها سورة الجوع واستدل به القرطبي على أن شهود صلاة الجماعة ليس بواجب لأن ظاهره أنه يشتغل بالأكل وإن فاتته الصلاة في الجماعة وفيه نظر لأن بعض من ذهب إلى الوجوب كابن حبان جعل حضور الطعام عذرا في ترك الجماعة فلا دليل فيه حينئذ على إسقاط الوجوب مطلقا وفيه دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أول الوقت واستدل بعض الشافعية والحنابلة
[ 136 ]
بقوله فابدؤوا على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل وأما من شرع ثم أقيمت الصلاة فلا يتمادى بل يقوم إلى الصلاة قا النووي وصنيع بن عمر يبطل ذلك وهو الصواب وتعقب بأن صنيع أبن عمر اختيار له وإلا فالنظر إلى المعنى يقتضى ما ذكروه لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما دفع شغل البال به ويؤيد ذلك حديث عمرو بن أمية المذكور في الباب بعده ولعل ذلك هو السر في إيراد المصنف له عقبه وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن أبي هريرة وابن عباس انهما كانا يأكلان طعاما وفي التنور شواء فأراد المؤذن أن يقيم فقال له بن عباس لا تعجل لئلا نقوم وفي أنفسنا منه شئ وفي رواية بن أبي شيبة لئلا يعرض لنا في صلاتنا وله عن الحسن بن على قال العشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك تشوف النفس إلى الطعام فينبغي أن يدار الحكم مع علته وجودا وعدما ولا يتقيد بكل ولا بعض ويستثنى من ذلك الصائم فلا تكره صلاته بحضرة الطعام إذ الممتنع بالشرع لا يشغل العاقل نفسه به لكن إذا غلب استحب له التحول من ذلك المكان فائدتان الأولى قال بن الجوزي ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله وليس كذلك وإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل الخلق في عبادته بقلوب مقبلة ثم إن طعام القوم كان شيئا يسيرا لا يقطع عن لحاق الجماعة غالبا الثانية ما يقع في بعض كتب الفقه إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفف كذا في شرح الترمذي لشيخنا أبي الفضل لكن رأيت بخط الحافظ قطب الدين أن بن أبي شيبة أخرج عن إسماعيل وهو بن علية عن بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن رافع عن أم سلمة مرفوعا إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدءوا بالعشاء فإن كان ضبطه فذا ك وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل بلفظ وحضرت الصلاة ثم راجعت مصنف بن أبي شيبة فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد والله أعلم قوله باب إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل قيل أشار بهذا إلى أن الأمر الذي في الباب قبله للندب لا للوجوب وقد قدمنا قول من فصل بين ما إذا أقيمت الصلاة قبل الشروع في الأكل أو بعده فيحتمل أن المصنف كان يرى التفصيل ويحتمل تقييده في الترجمة بالإمام أنه كان يرى تخصيصه به وأما غيره من المأمومين فالأمر متوجه إليهم مطلقا ويؤيده قوله فيما سبق إذا وضع عشاء أحدكم وقد قدمنا تقرير ذلك مع بقية فوائد الحديث في باب من لم يتوضأ من لحم الشاة من كتاب الطهارة وقال الزين بن المنير لعله صلى الله عليه وسلم أخذ في خاصة نفسه بالعزيمة فقدم الصلاة على الطعام وأمر غيره بالرخصة لأنه لا يقوى على مدافعة الشهوة قوته وأيكم يملك أربه انتهى ويعكر على من استدل به على أن الأمر للندب احتمال أن يكون اتفق في تلك الحالة أنه قضى حاجته من الأكل فلا تتم الدلالة به وإبراهيم المذكور في الإسناد هبن سعد وصالح هو بن جلس والإسناد كله مدنيون قوله باب من كان في حاجة أهله كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أنه لا يلحق بحكم الطعام كل أمر يكون للنفس تشوف إليه إذ لو كان كذلك لم يبق الولاء وقت في الغالب وأيضا فوضع الطعام بين يدي الآكل فيه زيادة تشوف وكلما تأخر تناوله ازداد بخلاف باقي الأمور ومحل النص إذا اشتمل على وصف يمكن اعتباره يتعين عدم إلغائه قوله في مهنة أهله بفتح الميم وكسرها وسكون الهاء فيهما
[ 137 ]
وقد فسرها في الحديث بالخدمة وهي من تفسير آدم بن أبي إياس شيخ المصنف لأنه أخرجه في الأدب عن حفص بن عمر وفي النفقا ت عن محمد بن عرعرة وأخرجه أحمد عن يحيى القطان وغندر والاسماعيلي من طريق بن مهد ورواه أبو داود الطيالسي كلهم عن شعبة بدونها وفي الصحاح المهنة بالفتح الخدمة وهذا موافق لما قاله لكن فسرها صاحب المحكم باخص من ذلك فقال المهنة الحذق بالخدمة والعمل ووقع في رواية المستملى وحده في مهنة بيت أهله وهي موجهة مع شذوذها والمراد بالأهل نفسه أو ما هو أعم من ذلك وقد وقع مفسرا في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ ما كان إلا بشرا من البشر إفسادنا ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها يخيط ثوبه ويخصف نعله وزاد بن حبان ويرقع دلوه زاد الحاكم في الإكليل ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادما قوله فإذا حضرت الصلاة في رواية بن عرعرة فإذا سمع الأذان وهو أخصووقع في الترجمة فأقيمت الصلاة وهي أخص وكأنه أخذه من حديثها المتقدم في با ب من انتطر اشتراط فإن فيه حتى يأتيه المؤذن للاقامة واستدل بحديث الباب على أنه لا يكره التشمير في الصلاة وأن النهى عن كف الشعر والثياب للتنزيه لكونها لم تذكر أنه أزاح عن نفسه هيئة المهنة كذا ذكره بن بطال ومن تبعه وفيه نظر لأنه يحتاج إلى ثبوت أنه كان له هيئتان ثم لا يلزم من ترك ذكر التهيئة الولاء عدم وقوعه وفيه الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله وترجم عليه المؤلف في الأدب كيف يكون الرجل في أهله قوله باب من صلى بالناس الخ والحديث مطابق للترجمة وكأنه لم يجزم فيها بالحكم لما سنبينه قوله حدثنا وهيب هو بن خالد والإسناد كله بصريون قوله اني لأصلى بكم وما أريد الصلاة استشكل نفى هذا الإرادة لما يلزم عليها من وجود صلاة غير قربة ومثلها لا يصح وأجيب بأنه لم يرد نفى القربة وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة وكأنه قال ليس الباعث لي على هذا الفعل حضور صلاة معينة من أداء أو إعادة أو غير ذلك وإنما الباعث لي عليه قصد التعليم وكأنه كان تعين عليه حينئذ لأنه أحد من خوطب بقوله صلوا كما رأيتموني أصلى كما سيأتي ورأى أن التعليم بالفعل أوضح من القول ففيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العبادة قوله أصلى زاد في باب كيف يعتمد على الأرض عن معلى عن وهيب ولكني أريد أن أريكم قوله مثل شيخنا هو عمرو بن سلمة كما سيأتي في باب اللبث بين السجدتين وسياقه هناك أتم ونذكر فوائده هناك إن شاء الله تعالى تنبيه أخرج صاحب العمدة هذا الحديث وليس هو عند مسلم من حديث مالك بن الحويرث قوله باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة أي ممن ليس كذلك ومقتضاه أن الأعلم والأفضل أحق من العالم والفاضل وذكر الفضل بعد العلم من العام بعد الخاص وسيأتي الكلام على ترتيب الأئمة بعد بابين قوله حدثنا حسين هو بن على الجعفي والإسناد سوى الراوي عنه كلهم كوفيون وأبو بردة هو بن أبي موسى ووهم من زعم أنه هنا أخوه قوله رقيق أي رقيق القلب قوله لم يستطع أي من البكاء قوله فأتاه الرسول هو بلال قوله فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي إلى أن مات وكذا صرح به موسى بن عقبة في المغازي قوله عن أبيه عن عائشة كذا رواه جماعة عن
[ 138 ]
مالك موصولا وهو في أكثر نسخ الموطأ مرسلا ليس فيه عائشة قوله مه هي كلمة زجر بنيت على السكون قوله فليصل بالناس في رواية الكشميهني للناس وقد تقدم الكلام على فوائد هذين الحديثين في باب حد المريض أن يشهد الجماعة والظاهر أن حديث أبى موسى من مراسيل الصحابة ويحتمل أن يكون تلقاعن عائشة أو بلال وحديث أنس من طريق الزهري سيأتي في الوفاة من آخر المغازي قوله حدثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو لا إسماعيل بن إبراهيم وعبد العزيز هو بن صهيب والإسناد كله بصريون قوله ثلاثا كان ابتداؤها من حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم قاعدا كما تقدم قوله فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب هو من إجراء قال مجرى فعل وهو كثير قوله ما رأينا في رواية الكشميهني ما نظرنا وقوله فأومأ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم ليس مخالفا لقوله في أوله فتقدم أبو بكر بل في السياق حذف يظهر من رواية الزهري حيث قال فيها فنكص أبو بكر والحاصل أنه تقدم ثم ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فتأخر فأشار إليه حينئذ أن يرجع إلى مكانه فائدة وقع في حديث بن عباس في نحو هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم في تلك الحالة ألا وإني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا الحديث أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن معبد عنه قوله عن حمزة بن عبد الله أي بن عمر بن الخطاب وفي كلام بن بطال ما يوهم أنه حمزة بن عمرو الأسلمي وهو خطأ قوله فعاودته بفتح الدال وسكون المثناة أي عائشة وبسكون الدال وفتح النون أي هي ومن معها من النساء قوله تابعه الزبيدي أي تابع يونس بن يزيد ومتابعته هذه وصلها الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه موصولا مرفوعا وزاد فيه قولها فمر عمر وقال فيه فراجعته عائشة ومتابعة بن أخي الزهري وصلها بن عدي من رواية الدراوردي عنه ومتابعة إسحاق بن يحيى وصلها أبو بكر بن شاذان البغدادي في نسخة إسحاق بن يحيى في رواية يحيى بن صالح عنه تنبيه ظن بعضهم أن قوله عن الزهري أي موقوفا عليه وهو فاسد لما بيناه قوله وقال عقيل ومعمر الخ قال الكرماني الفرق بين رواية الزبيدي وابن أخي الزهري وإسحاق بن يحيى وبين رواية عقيل ومعمر أن الأولى متابعة والثانية مقاولة أه ومراده بالمقاولة الإتيان فيها بصيغة قال وليس في اصطلاح المحدثين صيغة مقاولة وإنما السر في تركه عطف رواية عقيل
[ 139 ]
ومعمر على رواية يونس ومن تابعه أنهما أرسلا الحديث وأولئك وصلوه أي أنهما خالفا يونس ومن تابعه فارسلا الحديث فأما رواية عقيل فوصلها الذهلي في الزهريات وأما معمر فاختلف عليه فرواه عبد الله بن المبارك عنه مرسلا كذلك أخرجه بن سعد وأبو يعلى من طريقه ورواه عبد الرزاق عن معمر موصولا لكن قال عن عائشة بدل قوله عن أبيه كذلك أخرجه مسلم وكأنه رجح عنده لكون عائشة صاحبة القصة ولقاء حمزة لها ممكن ورجح الأول عند البخاري لأن المحفوظ في هذا عن الزهري من حديث عائشة روايته لذلك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها ومما يؤيده أن في رواية عبد الرزاق عن معمر متصلا بالحديث المذكور أن عائشة قالت وقد عاودته وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم الناس معبد بكر الحديث وهذه الزيادة إنما تحفظ من رواية الزهري عن عبيد الله عنها لا من رواية الزهري عن حمزة وقد روى الاسماعيلي هذا الحديث عن الحسن بن سفيان عن يحيى بن سليمان شيخ البخاري فيه مفصلا فجعل أوله من رواية الزهري عن حمزة عن أبيه بالقدر الذي أخرج البخاري وآخره من رواية الزهري عن عبيد الله عنها والله أعلم قوله باب من قا أي صلى إلى جنب الإمام لعلة أي سبب اقتضى ذلك وقد تقدم ما فيه في باب حد المريض قوله قال عروة فوجد هو بالإسناد المذكور ووهم من جعله معلقا ثم إن ظاهره الإرسال من قوله فوجد الخ لكن رواه أبن أبي شيبة عن بن نمير بهذا الإسناد متصلا بما قبله وأخرجه بن ماجة عنه وكذا وصله الشافعي عن يحيى بن حبان عن حماد بن سلمة عن هشام وكذا وصله عن عروة عنها كما تقدم ويحتمل أن يكون عروة أخذه عن عائشة وعن غيرها فلذلك قطعه عن القدر الأول الذي أخذه عنها وحدها والأصل في الإمام أن يكون متقدما على المأمومين إلا إن ضاق المكان أو لم يكن إلا مأموم واحد وكذا لو كانوا عراة وما عدا ذلك يجوز ويجزى ولكن تفوت الفضيلة قوله باب من دخل أي إلى المحراب مثلا ليؤم الناس فجاء الإمام الأول أي الراتب فتأخر الأول أي الداخل فكل منهما أول باعتبار والمعرفة إذا أعيدت كانت عين الأولى إلا بقرينة وقرينة كونها غيرها هنا ظاهرة قوله فيه عائشة يشير بالشق الأول وهو ما إذا تأخر إلى رواية عروة عنها في الباب الذي قبله حيث قال فلما رآه استأخر وبالثانى وهو ما إذا لم يستأخر إلى رواية عبد الله عنها حيث قال فأراد أن يتأخر وقد تقدمت في باب حد المريض والجواز مستفاد من التقرير وكلا الامرين قد وقعا في حديث الباب قوله عن سهل بن سعد في رواية النسائي من طريق سفيان عن أبي حازم سمعت سهلا قوله ذهب إلى بني عمرو بن عوف أي بن مالك بن الأوس والأوس أحد قبيلتي الأنصار وهما الأوس والخزرج وبنو عمرو بن عوف بطن كبير من الأوس فيه عدة أحياء كانت منازلهم بقباء منهم بنو أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف وبنو ضبيعة بن زيد وبنو ثعلبة بن عمرو بن عوف والسبب في ذهابه صلى الله عليه وسلم إليهم ما في رواية سفيان المذكورة قال وقع بين حيين من الأنصار كلام وللمؤلف في الصلح من طريق محمد بن جعفر عن أبي حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال اذهبوا بنا نصلح بينهم وله فيه من رواية أبي غسان عن أبي حازم فخرج في أناس من أصحابه وسمى الطبراني منهم من طريق موسى بن محمد عن أبي حازم أبي بن كعب
[ 140 ]
وسهيل بن بيضاء وللمؤلف في الأحكام من طريق حماد بن زيد عن أبي حازم أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر وللطبراني من طريق عمر بن على عن أبي حازم أن الخبر جاء بذلك وقد أذن بلال لصلاة الظهر قوله فحانت الصلاة أي صلاة العصر وصرح به في الأحكام ولفظه فلما حضرت صلاة العصر أذن وأقام وأمر أبا بكر فتقدم ولم يسم فاعل ذلك وقد أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان من رواية حماد المذكورة فبين الفاعل وأن ذلك كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه فقال لبلال إن حضرت العصر ولم آتك فمرأبا بكر فليصل بالناس فلما حضرت العصر أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم ونحوه للطبراني من رواية موسى بن محمد عن أبي حازم وعرف بهذا أن المؤذن بلال وأما قوله لأبي بكر أتصلي للناس فلا يخالف ما ذكر لأنه يحمل على أنه استفهمه هل يبادر أول الوقت أو ينتظر قليلا ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم ورجح عند أبي بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة قوله فأقيم بالنصب ويجوز الرفع قوله قال نعم زاد في رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن شئت وهو في باب رفع الأيدي عند المؤلف وإنما فوض ذلك له لاحتمال أن يكون عنده زيادة علم من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قوله فصلى أبو بكر أي دخل في الصلاة ولفظ عبد العزيز المذكور وتقدم أبو بكر فكبر وفي رواية المسعودي عن أبي حازم فاستفتح أبو بكر الصلاة وهي عند الطبراني وبهذا مجاب عن الفرق بين المقامين حيث امتنع أبو بكر هنا أن يستمر إماما وحيث استمر في مرض موته صلى الله عليه وسلم حين صلى خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرح به موسى بن عقبة في المغازي فكأنه لما أن مضى معظم الصلاة حسن الاستمرار ولما أن لم يمض منها إلا اليسير لم يستمر وكذا وقع لعبد الرحمن بن عوف حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه الركعة الثانية من الصبح فإنه استمر في صلاته إماما لهذا المعنى وقصة عبد الرحمن عند مسلم من حديث المغيرة بن شعبة قوله فتخلص في رواية عبد العزيز فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في الصف الأول ولمسلم فخرق الصفوف حتى قام عند الصف المتقدم قوله فصفق الناس في رواية عبد العزيز فأخذ الناس في التصفيح قال سهل أتدرون ما التصفيح هو التصفيق انتهى وهذا يدل على ترادفهما عنده فلا يلتفت إلى ما يخالف ذلك وسيأتي البحث فيه في باب مفرد قوله وكان أبو بكر لا يلتفت قيل كان ذلك لعلمه بالنهي عن ذلك وقد صح أنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد كما سيأتي في باب مفرد في صفة الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق في رواية حماد بن زيد فلما رأى التصفيح لا يمسك عنه التفت قوله فأشار إليه أن امكث مكانك في رواية عبد العزيز فأشار إليه يأمره أن يصلي وفي رواية عمر بن على فدفع في صدره ليتقدم فأبى قوله فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ظاهره أنه تلفظ بالحمد لكن في رواية القدرة عن سفيان فرفع أبو بكر رأسه إلى السماء شكرا لله ورجع القهقرى وادعى بن الجوزي أنه أشار بالشكر والحمد بيده وليتكلم وليس في رواية القدرة ما يمنع أن يكون تلفظ ويقوي ذلك ما عند أحمد من رواية عبد العزيز الماجشون عن أبي حازم يا أبا بكر لم رفعت يديك وما منعك أن تثبت حين أشرت إليك قال رفعت يدي لأني حمدت الله على ما رأيت منك زاد المسعودي فلما تنحى تقدم النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه في رواية حماد بن زيد قوله أن يصلي بين يدي رسول الله صلى
[ 141 ]
الله عليه وسلم في رواية الحمادين والماجشون أن يؤم النبي صلى الله عليه وسلم قوله أكثرتم التصفيق ظاهره أن الإنكار إنما حصل عليهم لكثرته لا لمطلقه وسيأتي البحث فيه قوله من نابه أي أصابه قوله فليسبح فرواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم فليقل سبحان الله وسيأتي في باب الإشارة في الصلاة قوله ألتفت إليه بضم المثناة على البناء للمجهول وفي رواية يعقوب المذكورة فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت قوله وإنما التصفيق للنساء في رواية عبد العزيز وإنما التصفيح للنساء زاد القدرة والتسبيح للرجال وقد روى المصنف هذه الجملة الأخيرة مقتصرا عليها من رواية الثوري عن أبي حازم كما سيأتي في باب التصفيق للنساء ووقع في رواية حماد بن زيد بصيغة الأمر ولفظه إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفح النساء وفي هذا الحديث فضل الإصلاح بين الناس وجمع كلمة القبيلة وحسم مادة القطيعة وتوجه الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك وتقديم مثل ذلك على مصلحة الإمامة بنفسه واستنبط منه توجه الحاكم لسماع دعوى بعض الخصوم إذا رجح ذلك على استحضارهم وفيه جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر وأن الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيره وأنه إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو ويصير النائب مأموما من غير أن يقطع الصلاة ولا يبطل شئ من ذلك صلاة أحد من المأمومين وادعى بن عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وادعى الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم ونوقض بان الخلاف ثابت فالصحيح المشهور عند الشافعية الجواز وعن بن القاسم في الإمام يحدث فيستخلف ثم يرجع فيخرج المستخلف ويتم الأول أن الصلاة صحيحة وفيه جواز إحرام المأموم قبل الإمام وأن المرء قد يكون في بعض صلاته إماما وفي بعضها مأموما وأن من أحرم منفردا ثم أقيمت الصلاة جاز له الدخول مع الجماعة من غير قطع لصلاته كذا استنبطه الطبري من هذه القصة وهو مأخوذ من السري جواز إحرام الإمام بعد المأموم كما ذكرنا وفيه فضل أبي بكر على جميع الصحابة واستدل به جمع من الشراح ومن الفقهاء كالروياني على أن أبا بكر كان عند الصحابة أفضلهم لكونهم اختاروه دون غيره وعلى جواز تقديم الناس لانفسهم إذا غاب إمامهم قالوا ومحل ذلك إذا أمنت الفتنة والانكار من الإما وأن الذي يتقدم نيابة عن الإمام يكون أصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به وأن المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وأن الفاضل يوافقه بعد أن يعلم أن ذلك برضا الجماعة أه وكل ذلك مبنى على أن الصحابة فعلوا ذلك بالاجتهاد وقد قدمنا أنهم إنما فعلوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن اشتراط واستدعاء الإمام من وظيفة المؤذن وأنه لا يقيم إلا بإذن الإمام وأن فعل الصلاة لا سيما العصر في أول الوقت مقدم على انتظار الإمام الأفضل وفيه جواز التسبيح والحمد في الصلاة لأنه من ذكر الله ولو كان مراد المسبح أعلام غيره بما صدر منه وسيأتي في باب مفرد وفيه رفع اليدين في الصلاة عند الدعاء والثناء وسيأتي كذلك وفيه استحباب حمد الله لمن تجددت له نعمة ولو كان في الصلاة وفيه جواز الالتفات للحاجة وأن مخاطبة المصلي بالإشارة أولى من مخاطبته بالعبارة وأنها تقوم مقام النطق لمعاتبة النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على مخالفة إشارته وفيه جواز شق الصفوف والمشى بين المصلين لقصد الوصول إلى الصف الأول لكنه مقصور على من يليق
[ 142 ]
ذلك به كالإمام أو من كان بصدد أن يحتاج الإمام إلى استخلافه أو من أراد سد فرجة في الصف الأول أوما يليه مع ترك من يليه سدها ولا يكون ذلك معدودا من الأذى قال المهلب لا تعارض بين هذا وبين النهى عن التخطي لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في أمر الصلاة ولا غيرها لأن له أن يتقدم بسبب ما ينزل عليه من الأحكام وأطال في تقرير ذلك وتعقب بأن هذا ليس من الخصائص وقد أشار هو إلى المعتمد في ذلك فقال ليس في ذلك شئ من الأذى والجفاء الذي يحصل من التخطي وليس كمن شق الصفوف والناس جلوس لما فيه من تخطى رقابهم وفيه كراهية التصفيق في الصلاة وسيأتي في باب مفرد وفيه الحمد والشكر على الوجاهة في الدين وأن من أكرم بكرامة يتخير بين القبول والترك إذا فهم أن ذلك الأمر على غير جهة اللزوم وكأن القرينة التي بينت لأبي بكر ذلك هي كونه صلى الله عليه وسلم شق الصفوف إلى أن انتهى إليه فكأنه فهم من ذلك أن مراده أن يؤم الناس وأن أمره إياه بالاستمرار في الإمامة من باب الإكرام له والتنويه بقدره فسلك هو طريق الأدب والتواضع ورجح ذلك عنده احتمال نزول الوحي في حال الصلاة لتغيير حكم من أحكامها وكأنه لأجل هذا لم يتعقب صلى الله عليه وسلم اعتذاره برد عليه وفيه جواز إمامة المفضول للفاضل وفيه سؤال الرئيس عن سبب مخالفة أمره قبل الزجر عن ذلك وفيه إكرام الكبير بمخاطبته بالكنية واعتماد ذكر الرجل لنفسه بما يشعر بالتواضع من جهة استعمال أبي بكر خطاب الغيبة مكان الحضور إذ كان حد الكلام أن يقول أبو بكر ما كان لي فعدل عنه إلى قوله ما كان لابن أبي قحافة لأنه أدل على التواضع من الأول وفيه جواز العمل القليل في الصلاة لتأخر أبي بكر عن مقامه إلى الصف الذي يليه وأن من أحتاج إلى مثل ذلك يرجع القهقرى ولا يستدبر القبلة ولا ينحرف عنها واستنبط بن عبد البر منه جواز الفتح على الإمام لأن التسبيح إذا جاز جازت التلاوة من باب الأولى والله أعلم قوله باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم هذه الترجمة مع ما سأبينه من زيادة في بعض طرق حديث الباب منتزعة من حديث أخرجه مسلم من رواية أبي مسعود الأنصاري مرفوعا يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا الحديث ومداره على إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عنه وليسا جميعا من شرط البخاري وقد نقل بن أبي حاتم في العلل عن أبيه أن شعبة كان يتوقف في صحة هذا الحديث ولكن هو في الجملة يصح لح للاحتجاج به عند البخاري وقد علق منه طرفا بصيغة الجزم كما سيأتي واستعمله هنا في الترجمة وأورد في الباب ما يؤدي معناه وهو حديث مالك بن الحويرث لكن ليس فيه التصريح باستواء المخاطبين في القراءة وأجاب الزين بن المنير وغيره بما حاصله أن تساوى هجرتهم وإقامتهم وغرضهم بها مع ما في الشباب غالبا من الفهم ثم توجه الخطاب إليهم بان يعلموا من وراءهم من غير تخصيص بعضهم دون بعض دال على استوائهم في القراءة والتفقه في الدين قلت وقد وقع التصريح بذلك فيما رواه أبو داود من طريق مسلمة بن محمد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة في هذا الحديث قال وكنا يومئذ متقاربين في العلم انتهوأظن في هذه الرواية إدراجا فإن بن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن علية عن خالد قال قلت لأبي قلابة فأين القراءة قال إنهما كانا متقاربين وأخرجه مسلم من طريق حفص بن الصالح عن خالد الحذاء
[ 143 ]
وقال فيه قال الحذاء وكانا متقاربين في القراءة ويحتمل أن يكون مستند أبي قلابة في ذلك هو إخبار مالك بن الحويرث كما أن مستند الحذاء هو إخبار أبي قلابة له به فينبغي الادراج عن الإسناد والله أعلم تنبيه ضمعج والد أوس بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح العين المهملة بعدها جيم معناه الغليظ وقوله في حديث أبي مسعود أقرؤهم قيل المراد به الأفقه وقيل هو على ظاهره وبحسب ذلك اختلف الفقهاء قال النووي قال أصحابنا الأفقه مقدم على الاقرأ فإن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط فقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلا كامل الفقه ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه كأنه عنى حديث أقرؤكم أبي قال وأجابوا عن الحديث بان الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه قلت وهذا الجواب يلزم منه أن من نص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من أبي بكر فيفسد الاحتجاج بأن تقديم أبي بكر كان لأنه الافقه ثم قال النووي بعد ذلك إن قوله في حديث أبي مسعود فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم السنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم في الهجرة يدل على تقديم الاقرأ مطلقا انتهى وهو واضح للمغايرة وهذه الرواية أخرجها مسلم أيضا من وجه آخر عن إسماعيل بن رجاء ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفا بما يتعين معرفته من أحوال الصلا فأما إذا كان جاهلا بذلك فلا يقدم اتفاقا والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهل اللسان فالاقرأ منهم بل القارئ كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاءوا بعدهم قوله ونحن شببة بفتح المعجمة والموحدتين جمع شاب زاد في الأدب من طريق بن علية عن أيوب شببة متقاربون والمراد تقاربهم في السن لأن ذلك كان في حال قدومهم قوله نحوا من عشرين في رواية بن علية المذكورة الجزم به ولفظه فأقمنا عنده عشرين ليلة والمراد بأيامها ووقع التصريح بذلك في روايته في خبر الواحد من طريق عبد الوهاب عن أيوب قوله رحيما فقال لو رجعتم في رواية بن علية وعبد الوهاب رحيما رقيقا فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا وسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه فقال ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ويمكن الجمع بينهما بأن يكون عرض ذلك عليهم على طريق الإيناس بقوله لو رجعتم إذ لو بدأهم بالأمر بالرجوع لأمكن أن يكون فيه تنفير فيحتمل أن الريح أجابوه بنعم فأمرهم حينئذ بقوله ارجعوا واقتصار الصحابي على ذكر سبب الأمر برجوعهم بأنه الشوق إلى أهليهم دون قصد التعليم هو لما قام عنده من القرينة الدالة على ذلك ويمكن أن يكون عرف ذلك بتصريح القول منه صلى الله عليه وسلم وإن كان سبب تعليمهم قومهم أشرف في حقهم لكنه أخبر بالواقع ولم يتزين بما ليس فيهم ولما كانت نيتهم صادقة صادف شوقهم إلى أهلهم الحظ الكامل في الدين وهو أهلية التعليم كما قال الإمام أحمد في الحرص على طلب الحديث حظ وافق حقا قوله وليؤمكم أكبركم ظاهره تقديم الأكبر بكثير السن وقليله وأما من جوز أن يكون مراده بالكبر ما هو أعم من السن أو القدر كالتقدم في الفقه والقراءة والدين فبعيد لما تقدم من فهم راوي الخبر حيث قال للتابعي فأين القراءة فإنه دال على أنه أراد كبر السن وكذا دعوى من زعم أن قوله وليؤمكم أكبركم معارض بقوله يؤم القوم أقرؤهم
[ 144 ]
لأن الأول يقتضى تقديم الأكبر على الأقرأ والثاني عكسه ثم انفصل عنه بان قصة مالك بن الحويرث واقعة عين قابلة للاحتمال بخلاف الحديث الآخر فإنه تقرير قاعدة تفيد التعميم قال فيحتمل أن يكون الأكبر منهم كان يومئذ هو الأفقه انتهى والتنصيص على تقاربهم في العلم يرد عليه فالجمع الذي قدمناه أولى والله أعلم وفي الحديث أيضا فضل الهجرة والرحلة في طلب العلم وفضل التعليم وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة والاهتمام بأحوال الصلاة وغيرها من أمور الدين وأجازة خبر الواحد وقيام الحجة به وتقدم الكلام على بقية فوائده في باب من قال يؤذن في السفر مؤذن واحد ويأتي الكلام على قوله صلوا كما رأيتموني أصلى في باب إجازة خبر الواحد إن شاء الله تعالى قوله باب إذا زار الإمام قوما فأمهم قيل أشار بهذه الترجمة إلى أن حديث مالك بن الحويرث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه مرفوعا من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم أمرهم على من عدا الإمام الأعظم وقال الزين بن المنير مراده أن الإمام الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر بمكان مملوك لا يتقدم عليه مالك الدار أو المنفعة ولكن ينبغي للمالك أن يأذن له ليجمع بين الحقين حق الإمام في التقدم وحق المالك في منع التصرف بغير إذنه انتهى ملخصا ويحتمل أنه أشار إلى ما في حديث أبي مسعود المتقدم ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه فإن مالك الشئ سلطان عليه والإمام الأعظم سلطان على المالك وقوله إلا بإذنه يحتمل عوده على الامرين الإمامة والجلوس وبذلك جزم أحمد كما حكاه الترمذي عنه فتحصل بالإذن مراعاة الجانبين قوله حدثنا معاذ بن أسد هو مروزي سكن البصرة وليس هو أخا لمعلى بن أسد أحد شيوخ البخاري أيضا كان معاذ المذكور كاتبا لعبد الله بن المبارك وهو شيخه في هذا الإسناد وقد تقدم الكلام على حديث عتبان مستوفى في باب المساجد التي في البيوت قوله باب إنما جعل الإمام ليؤتم به هذه الترجمة قطعة من الحد يث الآتي في الباب والمراد بها أن الائتمام يقتضى متابعة المأموم لإمامه في أحوال الصلاة فتنتفى المقارنة والمسابقة والمخالفة إلا ما دل الدليل الشرعي عليه ولهذا صدر المصنف الباب بقوله وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه وهو جالس أي والناس خلفه قياما ولم يأمرهم بالجلوس كما سيأتي فدل على دخول التخصيص في عموم قوله إنما جعل الإمام ليؤتم به قوله وقال بن مسعود الخ وصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح وسياقه أتم ولفظه لا تبادروا أئمتكم بالركوع ولا بالسجود وإذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجد ثم ليمكث قدر ما سبقه به الإمام انتهى وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به ومن قوله وما فاتكم فأتموا وروى عبد الرزاق عن عمر نحو قول بن مسعود ولفظه أيما رجل رفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود فليضع رأسه بقدر رفعه إياه وإسناده صحيح قال الزين بن المنير إذا كان الرافع المذكور يؤمر عنده بقضاء القدر الذي خرج فيه عن الإمام فأولى أن يتبعه في جملة السجود فلا يسجد حتى يسجد وظهرت بهذا مناسبة هذا الأثر للترجمة قوله وقال الحسن الخ فيه فرعان أما الفرع الأول فوصله بن المنذر في كتابه الكبير ورواه سعيد بن منصور عن هشيم عن يونس عن الحسن ولفظه في الرجل يركع يوم الجمعة فيزحمه الناس فلا يقدر على السجود قال فإذا فرغوا من صلاتهم سجد سجدتين
[ 145 ]
لركعته الأولى ثم يقوم فيصلى ركعة وسجدتين ومقتضاه أن الإمام لا يتحمل الأركان فمن لم يقدر على السجود معه لم تصح له الركعة ومناسبته للترجمة من جهة أن المأموم لو كان له أن ينفرد عن الإمام لم يستمر متابعا في صلاته التي اختل بعض أركانها حتى يحتاج إلى تداركه بعد الإمام وأما الفرع الثاني فوصله بن أبي شيبة وسياقه أتم ولفظه في رجل نسي سجدة من أول صلاته فلم يذكرها حتى كان آخر ركعة من صلاته قال يسجد ثلاث سجدات فإن ذكرها قبل السلام يسجد سجدة واحدة وإن ذكرها بعد انقضاء الصلاة يستأنف الصلاة وقد تقدم الكلام على حديث عائشة الأول في باب حد المريض أن يشهد الجماعة وقد ذكرنا مناسبته للترجمة قبل وقوله فيه ضعوني ماء كذا للمستملي والسرخسي بالنون وللباقين ضعوا لي وهو أوجه وكذلك أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه والأول كما قال الكرماني أمرهم على تضمين الوضع معنى الإعطاء أو على نزع الخافض أي ضعوني في ماء والمخضب تقدم الكلام عليه في أبواب الوضوء وأن الماء الذي اغتسل به كان من سبع قرب وذكرت حكمة ذلك هناك قوله فذهب في رواية الكشميهني ثم ذهب لينوء بضم النون بعدها مدة أي لينهض بجهد قوله فأغمى عليه فيه أن الإغماء جائز على الأنبياء لأنه شبيه بالنوم قال النووي جاز عليهم لأنه مرض من الأمراض بخلاف الجنون فلم يجز عليهم لأنه نقص قوله ينتظرون النبي عليه السلام لصلاة العشاء كذا للأكثر بلام التعليل وفي رواية المستملى والسرخسي لصلاة العشاء الآخرة وتوجيهه أن الراوي كأنه فسر الصلاة المسئول عنها في قوله صلى الله عليه وسلم أصلى الناس فذكره أي الصلاة المسئول عنها هي العشاء الآخرة قوله فخرج بين رجلين كذا للكشميهنى وللباقين وخرج بالواو قوله لصلاة الظهر هو صريح في أن الصلاة المذكورة كانت الظهر وزعم بعضهم أنها الصبح واستدل بقوله في رواية أرقم بن شرحبيل عن بن عباس وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث بلغ أبو بكر هذا لفظ بن ماجة وإسناده حسن لكن في الاستدلال به نظر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم سمع لما قرب من أبي بكر الآية التي كان انتهى إليها خاصة وقد كان هو صلى الله عليه وسلم يسمع الآية أحيانا في الصلاة السرية كما سيأتي من حديث أبي قتادة ثم لو سلم لم يكن فيه دليل على أنها الصبح بل يحتمل أن تكون المغرب فقد ثبت في الصحيحين عن أم الفضل بنت الحارث قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله وهذا لفظ البخاري وسيأتي في باب الوفاة من آخر المغازي لكن وجدت بعد في النسائي أن هذه الصلاة التي ذكرتها أم الفضل كانت في بيته وقد صرح الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بالنا س في مرض موته في المسجد إلا مرة واحدة وهي هذه التي صلى فيها قاعدا وكان أبو بكر فيها أولا إماما ثم صار مأموما يسمع الناس التكبير قوله فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم كذا للأكثر وللمستملى والسرخسي وهو يأتم من الائتمام واستدل بهذا الحديث على أن استخلاف الإمام الراتب إذا اشتكى أولى من صلاته بهم قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ولم يصل بهم قاعدا غير مرة واحدة واستدل به على صحة إمامة القاعد المعذور بمثله وبالقائم أيضا وخالف في ذلك مالك في المشهور عنه ومحمد بن الحسن فيما حكاه الطحاوي ونقل عنه أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم واحتج بحديث
[ 146 ]
جابر عن الشعبي مرفوعا لا يؤمن أحد بعدي جالسا واعترضه الشافعي فقال قد علم من احتج بهذا أن لا حجة فيه لأنه مرسل ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه يعني جابرا الجعفي وقال بن بزيزة لو صح لم يكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون المراد منع الصلاة بالجالس أي يعرب قوله جالسا مفعولا لا حالا وحكى عياض عن بعض مشايخهم أن الحديث المذكور يدل على نسخ أمره المتقدم له بالجلو س لما صلوا خلفه قياما وتعقب بأن ذلك يحتاج لو صح إلى تاريخ وهو لا يصح لكنه زعم أنه تقوى بان الخلفاء الراشدين لم بالصلاة أحد منهم قال والنسخ لا يثبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن مواظبتهم على ترك ذلك تشهد لصحة الحديث المذكور وتعقب بأن عدم النقل لا يدل على عدم الوقوع ثم لو سلم لا يلزم منه عدم الجواز لاحتمال أن الريح اكتفوا باستخلاف القادر على القيام للاتفاق على أن صلاة القاعد بالقائم مرجوحة بالنسبة إلى صلاة القائم بمثله وهذا كاف في بيان سبب تركهم الإمامة من قعود واحتج أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى بهم قاعدا لأنه لا يصح التقدم بين يديه لنهى الله عن ذلك ولأن الأئمة شفعاء ولا يكون أحد شافعا له وتعقب بصلاته صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف وهو ثابت بلا خلاف وصل أيضا أنه صلى خلف أبي بكر كما قدمناه والعجب أن عمدة مالك في منع إمامة القاعد قول ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في تلك الصلاة مأموما خلف أبي بكر وإنكاره أن يكون صلى الله عليه وسلم أم في مرض موته قاعدا كما حكاه عنه الشافعي في الأم فكيف يدعي أصحابه عدم تصوير أنه صلى مأموما وكأن حديث إمامته المذكور لما كان في غاية الصحة ولم يمكنهم رده سلكوا في الانتصار وجوها مختلف وقد تبين بصلاته خلف عبد الرحمن بن عوف أن المراد بمنع التقدم بين يديه في غير الإمامة وأن المراد بكون الأئمة شفعاء أي في حق من يحتاج إلى الشفاعة ثم لو سلم أنه لا يجوز أن يؤمه أحد لم يدل ذلك على منع إمامة القاعد وقد أم قاعدا جماعة من الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم منهم أسيد بن حضير وجابر وقيس بن قهد وأنس بن مالك والأسانيد عنهم بذلك صحيحة أخرجها عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم بل ادعى بن حبان وغيره إجماع الصحابة على صحة إمامة القاعد كما سيأتي وقال أبو بكر بن العربي لا جواب لأصحابنا عن حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم يخلص عند السبك واتباع السنة أولى والتخصيص لا يثبت بالاحتمال قا إلا أني سمعت بعض الأشياخ يقول الحال أحد وجوه التخصيص وحال النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به وعدم العوض عنه يقتضى الصلاة معه على أي حال كان عليها وليس ذلك لغيره وأيضا فنقص صلاة القاعد عن القائم لا يتصور في حقه ويتصور في حق غيره والجواب عن الأول رده بعموم قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلى وعن الثاني بأن النقص إنما هو في حق القادر في النافلة وأما المعذور في الفريضة فلا نقص في صلاته عن القائم واستدل به على نسخ الأمر بصلاة المأموم قاعدا إذا صلى الإمام قاعدا لكونه صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على القيام خلفه وهو قاعد هكذا قرره الشافعي وكذا نقله المصنف في آخر الباب عن شيخه القدرة وهو تلميذ الشافعي وبذلك يقول أبو حنفية وأبو يوسف والأوزاعي وحكاه الوليد بن مسلم عن مالك وأنكر أحمد نسخ الأمر المذكور بذلك وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين أحدهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى
[ 147 ]
برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعودا ثانيتهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما سواء طرأ ما يقتضى صلاة إمامهم قاعدا ألا كما في الأحاديث التي في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائما وصلوا معه قياما بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسا فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم ويقوى هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدا فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد وأبعد منه ما تقدم عن نقل عياض فإنه يقتضى وقوع النسخ ثلاث مرات وقد قال بقول أحمد جماعة من محدثي الشافعية كابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة أخرى منها قول بن خزيمة إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعدا تبعا لإمامه لم يختلف في صحتها ولا في سياقها وأما صلاته صلى الله عليه وسلم قاعدا فاختلف فيها هل كان إماما أو مأموما قال وما لم يختلف فيه لا ينبغي تركه لمختلف فيه وأجيب بدفع الاختلاف والحمل على أنه كان إماما مرة ومأموما أخرى ومنها أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز فعلى هذا الأمر من أم قاعدا لعذر تخير من صلى خلفه بين القعود والقيام والقعود أولى لثبوت الأمر بالائتمام والاتباع وكثرة الأحاديث الواردة في ذلك وأجاب بن خزيمة عن استبعاد من استبعد ذلك بان الأمر قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واستمر عليه عمل الصحابة في حياته وبعده فروعبد الرزاق بإسناد صحيح عن قيس بن قهد بفتح القاف وسكون الهاء الأنصاري أن إماما لهم اشتكى لهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكان يؤمنا وهو جالس ونحن جلوس وروى بن المنذر بإسناد صحيح عن أسيد بن حضير أنه كان يؤم قومه فاشتكى فخرج إليهم بعد شكواه فأمروه أن يصلي بهم فقال إني لا أستطيع أن أصلى قائما فاقعدوا فصلى بهم قاعدا وهم قعود وروى أبو داود من وجه آخر عن أسيد بن حضير أنه قال يا رسول الله إن إمامنا مريض قال إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا وفي إسناده انقطاع وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر أنه اشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسا وصلوا معه جلوسا وعن أبي هريرة أنه أفتى بذلك وإسناده صحيح أيضا وقد ألزم بن المنذر من قال بأن الصحابي أعلم بتأويل ما روى بان يقول بذلك لأن أبا هريرة وجابرا رويا الأمر المذكور واستمر على العمل به والفتيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويلزم ذلك من قال إن الصحابي إذا روى وعمل بخلافة أن العبرة بم عمل من باب الأولى لأنه هنا عمل بوفق ما روى وقد ادعى بن حبان الإجماع على العمل به وكأنه أراد السكوتي لأنه حكاه عن أربعة من الصحابة الذين تقدم ذكرهم وقال إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة غيرهم القول بخلافه لا عن طريق صحيح ولا ضعيف وكذا قال بن حزم إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك ثم نازع فثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم وهو قاعد قياما غير أبي بكر قال لأن ذلك لم يرد صريحا وأطال في ذلك بما لا طائل فيه والذي ادعى نفيه قد أثبته الشافعي وقال إنه في رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة ثم وجدته مصرحا به أيضا في
[ 148 ]
مصنف عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني عطاء فذكر الحديث ولفظه فصلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا وجعل أبو بكر وراءه بينه وبين الناس وصلى الناس وراءه قياما وهذا مرسل يعتضد بالرواية التي علقها الشافعي عن النخعي وهذا هو الذي يقتضيه النظر فإنهم ابتدؤا الصلاة مع أبي بكر قياما بلا نزاع فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان ثم رأيت بن حبان استدل على أنهم قعدوا بعد أن كانوا قياما بما رواه من طريق أبي الزبير عن جابر قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره قال فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فلما سلم قال إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم فلا تفعلوا الحديث وهو حديث صحيح أخرجه مسلم لكن ذلك لم يكن في مرض موته وإنما كان ذلك حيث سقط عن الفرس كما في رواية أبي سفيان عن جابر أيضا قال ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرعه على جذع نخلة فانفكت قدمه الحديث أخرجه أبو داود وابن خزيمة بإسناد صحيح فلا حجة على هذا لما ادعاه إلا أنه تمسك بقوله في رواية أبي الزبير وأبو بكر يسمع الناس التكبير وقال إن ذلك لم يكن إلا في مرض موته لأن صلاته في مرضه الأول كانت في مشربة عائشة ومعه نفر من أصحابه لا يحتاجون إلى من يسمعهم تكبيره بخلاف صلاته في مرض موته فإنها كانت في المسجد بجمع كثير من الصحابة فاحتاج أبو بكر أن يسمعهم التكبير انتهى ولا راحة له فيما تمسك به لأن إسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحد وعلى تقدير أنه حفظه فلا مانع أن يسمعهم أبو بكر التكبير في تلك الحالة لأنه يحمل على أن صوته صلى الله عليه وسلم كان خفيا من الوجع وكان من عادته أن يجهب التكبير فكان أبو بكر يجهر عنه بالتكبير لذلك ووراء ذلك كله أنه أمر محتمل يترك لأجله الخبر الصريح بأنهم صلوا قياما كما تقدم في مرسل عطاء وغيره بل في مرسل عطاء أنهم استمروا قياما إلى أن انقضت الصلاة نعم وقع في مرسل عطاء المذكور متصلا به بعد قوله وصلى الناس وراءه قياما فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من آمري ما استدبرت ما صليتم إلا قعودا فصلوا صلاة إمامكم ما كان إن صلى قائما فصلوا قياما وان صلى قاعدا فصلوا قعودا وهذه الزيادة تقوى ما قال بن حبا أن هذه القصة كانت في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم ويستفاد منها نسخ الأمر بوجوب صلاة المأمومين قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم في هذه المرة الأخيرة بالإعادة لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز والجواز لا ينافي الاستحباب فيحمل أمره الأخير بأن يصلوا قعودا على الاستحباب لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم وترك أمرهم بالإعادة هذا مقتضى الجمع بين الأدلة وبالله التوفيق والله أعلم وقد تقدم الكلام على باقي فوائد هذا الحديث في باب حد المريض أن يشهد الجماعة قوله في بيته أي في المشربة التي في حجرة عائشة كما بينه أبو سفيان عن جابر وهو دال على أن تلك الصلاة لم تكن في المسجد وكأنه صلى الله عليه وسلم عجز عن الصلاة بالناس في المسجد فكان يصلي في بيته بمن حضر لكنه لم ينقل أنه استخلف ومن ثم قال عياض أن الظاهر أنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر عنده ومن كان في المسجد وهذا الذي قاله محتمل أيضا أن يكون استخلف وان لم ينقل ويلزم على الأول صلاة الإمام أعلى من المأمومين ومذهب عياض خلافه لكن له أن يقول
[ 149 ]
محل المنع ما إذا لم يكن مع الإمام في مكانه العالي أحد وهنا كان معه بعض أصحابه قوله وهو شاك بتخفيف الكاف بوزن قاض من الشكاية وهي المرض وكان سبب ذلك ما في حديث أنس المذكور بعده أنه سقط عن فرس قوله فصلى جالسا قال عياض يحتمل أن يكون أصابه من السقطة رض في الأعضاء منعه من القيام قلت وليس كذلك وإنما كانت قدمه صلى الله عليه وسلم انفكت كما في رواية بشر بن المفضل عن حميد عن أنس عند الاسماعيلي وكذا لأبي داود وابن خزيمة من رواية أبي سفيان عن جابر كما قدمناه وأما قوله في رواية الزهري عن أنس بن مالك جحش شقه الأيمن وفي رواية يزيد عن حميد عن أنس جحش ساقه أو كتفه كما تقدم في باب الصلاة على السطوح فلا ينافي ذلك كون قدمه انفكت لاحتمال وقوع الامرين وقد تقدم تفسير الجحش بأنه الخدش والخدش قشر الجلد ووقع عند المصنف في باب يهوى بالتكبير من رواية سفيان عن الزهري عن أنس قال سفيان حفظت من الزهري شقه الأيمن فلما خرجنا قال بن جريج ساقه الأيمن قلت ورواية بن جريج أخرجها عبد الرزاق عنه وليست مصحفة كما زعم بعضهم لموافقة رواية حميد المذكورة لها وإنما هي مفسرة لمحل الخدش من الشق الأيمن لأن الخدش لم يستوعبه وحاصل ما في القصة أن عائشة أبهمت الشكوى وبين جابر وأنس السبب وهو السقوط عن الفرس وعين جابر العلة في الصلاة قاعدا وهي انفكاك القدم وأفاد بن حبان أن هذه القصة كانت في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة قوله وصلى وراءه قوم قياما ولمسلم من رواية عبدة عن هشام فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه الحديث وقد سمي منهم في الأحاديث أنس كما في الحديث الذي بعده عند الاسماعيلي وجابر كما تقدم وأبو بكر كما في حديث جابر وعمر كما في رواية الحسن مرسلا عند عبد الرزاق قوله فأشار إليهم كذا للأكثر هنا من الإشارة وكذا لجميعهم في الطب من رواية يحيى القطان عن هشام ووقع هنا للحموى فأشار عليهم من المشورة والأول أصح فقد رواه أيوب عن هشابلفظ فأومأ إليهم ورواه عبد الرزاق عن معمر عن هشام بلفظ فاخلف بيده يومئ بها إليهم وفي مرسل الحسن ولم يبلغ بها الغاية قوله إنما جعل الإمام ليؤتم به قال البيضاوي وغيره الائتمام الاقتداء والاتباع أي جعل الإمام إماما ليقتدي به ويتبع ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه في موقفه بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شئ من الأحوال وقال النووي وغيره متابعة الإمام واجبة في الأفعال الظاهرة وقد نبه عليها في الحديث فذكر الركوع وغيره بخلاف النية فإنها لم تذكر وقد خرجت بدليل آخر وكأنه يعني قصة معاذ الآتية ويمكن أن يستدل من هذا الحديث على عدم دخولها لأنه يقتضى الحصرفي الاقتداء به في أفعاله لافى جميع أحواله كما لو كان محدثا أو حامل نجاسة فالصلاة خلفه تصح لمن لم يعلم حاله على الصحيح عند العلماء ثم مع وجوب المتابعة ليس شئ منها شرطا في صحة القدوة الا تكبيرة الإحرام واختلف في الائتمام والمشهور عند المالكية اشتراطه مع الإحرام والقيام من المنكدر الأول وخالف الحنفية فقالوا تكفى المقارنة قالوا لأن معنى الائتمام الامتثال ومن فعل مثل فعل أمامه عد ممتثلا وسيأتي بعد باب الدليل على تحريم التقدم على الإمام في الأركان قوله فإذا ركع فاركعوا قال بن المنير مقتضاه أن ركوع المأموم يكون بعد ركوع الإمام
[ 150 ]
إما بعد تمام انحنائه وأما أن يسبقه الإمام باوله فيشرع فيه بعد أن يشرع قال وحديث أنس أتم من حديث عائشة لأنه زاد فيه المتابعة في القول أيضا قلتقد وقعت الزيادة المذكورة وهي قوله وإذا قال سمع الله لمن حمده في حديث عائشة أيضا ووقع في رواية الليث عن الزهري عن أنس زيادة أخرى في الأقوال وهي قوله في أوله فإذا كبر فكبروا وسيأتي في باب إيجاب التكبير وكذا فيه من رواية الأعرج عن أبي هريرة وزاد في رواية عبدة عن هشام في الطب وإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا وهو يتناول الرفع من الركوع والرفع من السجود وجميع السجدات وكذا وردت زيادة ذلك في حديث أنس الذي في الباب وقد وافق عائشة وأنسا وجابرا على رواى هذا الحديث دون القصة التي في أوله أبو هريرة وله طرق عنه عند مسلم منها ما اتفق عليه الشيخان من رواية همام عنه كما سيأتي في باب إقامة الصف وفيه جميع ما ذكر في حديث عائشة وحديث أنس بالزيادة وزاد أيضا بعد قوله ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ولم يذكرها المصنف في رواية أبي الزناد عن الأعرج عنه من طريق شعيب عن أبي الزناد في باب إيجاب التكبير لكن ذكرها السراج والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في المستخرج عنه من طريق أبي وابنه شيخ البخاري فيه وأبو عوانة من رواية بشر بن شعيب عن أبيه شيخ أبي وابنه ومسلم من رواية اني بن عبد الرحمن والاسماعيلي من رواية مالك وورقاء كلهم عن أبي الزناد شيخ شعيب وأفادت هذه الزيادة أن الأمر بالاتباع يعم جميع المأمومين ولا يكفي في تحصيل الائتمام أتباع بعض دون بعض ولمسلم من رواية الأعمش عن أبي صالح عنه لا تبادروا الإمام إذا كبر فكبروا الحديث زاد أبو داود من رواية مصعب بن محمد عن أبي صالح ولا تركعوا حتى يركع ولا تسجدوا حتى يسجد وهي زيادة حسنة تنفى احتمال إرادة المقارنة مقوله إذا كبر فكبروا فائدة جزم بن بطال ومن تبعه حتى بن دقيق العيد أن الفاء في قوله فكبروا للتعقيب قالوا ومقتضاه الأمر بأن أفعال المأموم أنكر عقب فعل الإمام لكن تعقب بان الفاء التي للتعقيب هي العاطفة وأما التي هنا فهي للربط فقط لأنها وقعت جوابا للشرط فعلى هذا لا تقتضي تأخر أفعال المأموم عن الإمام إلا على القول بتقدم الشرط على الجزاء وقد قال قوم إن الجزاء يكون مع الشرط فعلى هذالا تنتفى المقارنة لكن رواية أبي داود هذه صريحة في انتفاء التقدم والمقارنة والله أعلم قوله فقولوا ربنا ولك الحمد كذا لجميع الرواة في حديث عائشة بإثبات الواو وكذا لهم في حديث أبي هريرة وأنس إلا في رواية الليث عن الزهري في باب إيجاب التكبير فللكشميهنى بحذف الواو ورجح اثبات الواو بأن فيها معنى زائدا لكونها عاطفة على محذوف تقديره ربنا استجب أو ربنا أطعناك ولك الحمد فيشتمل على الدعاء والثناء معا ورجح قوم حذفها لأن الأصل عدم التقدير فتكون عاطفة على كلام غير تام والأول أوجه كما قال بن دقيق العيد وقال النووي ثبتت الرواية بإثبات الواو وحذفها والوجهان جائزان بغير ترجيح وسيأتي في أبواب صفة الصلاة الكلام على زيادة اللهم قبلها ونقل عياض عن القاضي عبد الوهاب أنه استدل به على أن الإمام يقتصر على قوله سمع الله لمن حمده وأن المأموم يقتصر على قوله ربنا ولك الحمد وليس في السياق ما يقتضى المنع من ذلك لأن السكوت عن الشئ لا يقتضى ترك فعله نعم مقتضاه أن المأموم يقول ربنا لك الحمد عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده فأما منع الإمام من قول ربنا ولك الحمد فليس بشئ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم
[ 151 ]
كان يجمع بينهما كما سيأتي في باب ما يقول عند رفع رأسه من الركوع ويأتي باقي الكلام عليه هناك قوله عن أنس في رواية شعيب عن الزهري أخبرني أنس قوله فصلى صلاة من الصلوات في رواية سفيا عن الزهري فحضرت الصلاة وكذا في رواية حميد عن أنس عند الاسماعيلي قال القرطبي اللام للعهد ظاهرا والمراد الفرض لأنها التي عرف من عادتهم أنهم يجتمعون لها بخلاف النافلة وحكى عياض عن بن القاسم أنها كانت نفلا وتعقب بأن في رواية جابر عند بن خزيمة وأبي داود الجزم بأنها فرض كما سيأتي لكن لم أقف على تعيينها إلا أن في حديث أنس فصلى بنا يومئذ فكأنها نهارية الظهر أو العصر قوله فصلينا وراءه قعودا ظاهره يخالف حديث عائشة والجمع بينهما أن في رواية أنس هذه اختصارا وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم بالجلوس وقد تقدم في باب الصلاة في السطوح من رواية حميد عن أنس بلفظ فصلى بهم جالسا وهم قيام فلما سلم قال إنما جعل الإمام وفيها أيضا اختصار لأنه لم يذكر فيه قوله لهم اجلسوا والجمع بينهما أنهم ابتدؤا الصلاة قياما فأومأ إليهم بان يقعدوا فقعدوا فنقل كل من الزهري وحميد أحد الأمرين وجمعتهما عائشة وكذا جمعهما جابر عند مسلم وجمع القرطبي بين الحديثين باحتمال أن يكون بعضهم قعد من أول الحال وهو الذي حكاه أنس وبعضهم قام حتى أشار إليه بالجلوس وهذا الذي حكته عائشة وتعقب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه صلى الله عليه وسلم لأنه يستلزم النسخ بالاجتهاد لأن فرض القادر في الأصل القيام وجمع آخرون بينهما باحتمال تعدد الواقعة وفيه بعد لأن حديث أنس إن كانت القصة فيه سابقة لزم منه ما ذكرنا من النسخ بالاجتهاد وإن كانت متاخرة لم يحتج إلى إعادة قول إنما جعل الإمام ليأتم به الخ لأنهم قد امتثلوا أمره السابق وصلوا قعودا لكونه قاعدا فائدة وقع في رواية جابر عند أبي داود أنهم دخلوا يعودونه مرتين فصلى بهم فيهما لكن بين أن الأولى كانت نافلة وأقرهم على القيام وهو جالس والثانية كانت فريضة وابتدؤا قياما فأشار إليهم بالجلوس وفي رواية بشر عن حميد عن أنس عند الاسماعيلي نحوه قوله وإذا صلى جالسا استدل به على صحة إمامة الجالس كما تقدم وادعى بعضهم أن المراد بالأمر أن يقتدى به في جلوسه في المنكدر وبين السجدتين لأنه ذكر ذلك عقب ذكر الركوع والرفع منه والسجود قال فيحمل على أنه لما جلس للتشهد قاموا تعظيما له فأمرهم بالجلوس تواضعا وقد نبه على ذلك بقوله في حديث جابر ان كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا وتعقبه بن دقيق العيد وغيره بالاستبعاد وبأن سياق طرق الحديث تأباه وبأنه لو كان المراد الأمر بالجلوس في الركن لقال وإذا جلس فاجلسوا ليناسب قوله وإذا سجد فاسجدوا فلما عدل عن ذلك إلى قوله وإذا صلى جالسا كان كقوله وإذا صلى قائما فالمراد بذلك جميع الصلاة ويؤيد ذلك قول أنس فصلينا وراءه قعودا قوله أجمعون كذا في جميع الطرق في الصحيحين بالواو إلا أن الرواة اختلفوا في رواية همام عن أبي هريرة كما سيأتي في باب إقامة الصف فقال بعضهم أجمعين بالياء والأول تأكيد لضمير الفاعل في قوله صلوا وأخطأ من ضعفه فإن المعنى عليه والثاني نصب على الحال أي جلوسا مجتمعين أو على التأكيد لضمير مقدر منصوب كأنه قال أعنيكم أجمعين وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم مشروعية ركوب الخيل والتدرب على أخلاقها والتأسى لمن يحصل له سقوط ونحوه بما اتفق
[ 152 ]
النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة وبه الاسوة الحسنة وفيه أنه يجوز عليه صلى الله عليه وسلم ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره بذلك ليزداد قدره رفعة ومنصبه جلالة قوله باب متى يسجد من خلف الإمام أي إذا اعتدل أو جلس بين السجدتين قوله وقال أنس هو طرفمن حديثه الماضي في الباب قبله لكن في بعض طرقه دون بعض وسيأتي في با ب إيجاب التكبير من رواية الليث عن الزهري بلفظه ومناسبته لحديث الباب مما قدمناه أنه يقتضى تقديم ما يسمى ركوعا من الإمام بناء على تقدم الشرط على الجزاء وحديث الباب يفسره قوله عن سفيان هو الثوري وأبو إسحاق هو السبيعي وعبد الله بن يزيد هو الخطمي كذا وقع منسوبا عند الاسماعيلي في رواية لشعبة عن أبي إسحاق وهو منسوب إلى خطمة بفتح المعجمة واسكان الطاء بطن من الأوس وكان عبد الله المذكور أميرا على الكوفة في زمن بن الزبير ووقع للمصنف في باب رفع البصر في الصلاة أن أبا إسحاق قال سمعت عبد الله بن يزيد يخطب وأبو إسحاق معروف بالرواية عن البراء بن عازب لكنه سمع هذا عنه بواسطة وفيه لطيفة وهي رواية صحابي بن صحابي عن صحابي بن صحابي كلاهما من الأنصار ثم من الأوس وكلاهما سكن الكوفة قوله وهو غير كذوب الظاهر أنه من كلام عبد الله بن يزيد وعلى ذلك جرى القدرة في جمعه المنكر العمدة لكن روى عباس الدوري في تاريخه عن يحيى بن معين أنه قال قوله هو غير كذوب إنما يريد عبد الله بن يزيد الراوي عن البراء لا البراء ولا يقال لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كذوب يعني أن هذه العبارة إنما تحسن في مشكوك في عدالته والصحابة كلهم عدول لا يحتاجون إلى تزكية وقد تعقبه الخطابي فقال هذا القول لا يوجب تهمة في الراوي إنما يوجب حقيقة الصدق له قال وهذه عادتهم إذا أرادوا تأكيد العلم بالراوي والعمل بما روى كان أبو هريرة يقول سمعت خليلي الصادق المصدوق وقال بن مسعود حدثني الصادق المصدوق وقال عياض وتبعه النووي لا وصم في هذا على الصحابة لأنه لم يرد به التعديل وإنما أراد به تقوية الحديث إذ حدث به البراء وهو غير متهم ومثل هذا قول أبي مسلم الخولاني حدثني الحبيب الأمين وقد قال بن مسعود وأبو هريرة فذكرهما قال وهذا قالوه تنبيها على صحة الحديث لا أن قائله قصد به تعديل روايه وأيضا فتنزيه بن معين للبراء عن التعديل لأجل صحبته ولم ينزه عن ذلك عبد الله بن يزيد لا وجه له فإن عبد الله بن يزيد معدود في الصحابة انتهى كلامه وقد علمت أنه أخذ كلام الخطابي فبسطه واستدرك عليه الإلزام الأخير وليس بوارد لأن يحيى بن معين لا يثبت صحبة عبد الله بن يزيد وقد نفاها أيضا مصعب الزبيري وتوقف فيها أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو داود وأثبتها بن البرقي والدارقطني وآخرون وقال النووي معنى الكلام حدثني البراء وهو غير متهم كما علمتم فثقوا بما أخبركم به عنه وقد اعترض بعض المتأخرين على التنظير المذكور فقال كأنه لم يلم بشئ من علم البيان للفرق الواضح بين قولنا فلان صدوق وفلان غير كذوب لأن في الأول إثبا ت الصفة للموصوف وفي الثاني نفى ضدها عنه فهما مفترقان قال والسر فيه أن نفى الضكأنه يقع جوابا لمن أثبته يخالف إثبات الصفة انتهى والذي يظهر لي أن الفرق بينهما أنه يقع في الاثبات بالمطابقة وفي النفي بالالتزام لكن التنظير صحيح بالنسبة إلى المعنى المراد باللفظين لأن كلا منهما يرد عليه أنه
[ 153 ]
بتزكية في حق مقطوع بتزكيته فيكون من تحصيل الحاصل ويحصل الانفصال عن ذلك بما تقدم من أن المراد بكل منهما تفخيم الأمر وتقويته في نفس السامع وذكر بن دقيق العيد أن بعضهم استدل على أنه كلام عبد الله بن يزيد بقول أبي إسحاق في بعض طرقه سمعت عبد الله بن يزيد وهو يخطب يقول حدثنا البراء وكان غير كذوب قال وهو محتمل أيضا قلت لكنه أبعد من الأول وقد وجدت الحديث من غير طريق أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد وفيه قوله أيضا حدثنا البراء وهو غير كذوب أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق محارب بن دثار قال سمعت عبد الله بن يزيد على المنبر يقول فذكره وأصله في مسلم لكن ليس فيه قوله وكان غير كذوب وهذا يقوي أن الكلام لعبد الله بن يزيد والله أعلم فائدة روى الطبراني في مسند عبد الله بن يزيد هذا شيئا يدل على سبب روايته لهذا الحديث فإنه أخرج من طريقه أنه كان يصلي بالناس بكار فكان الناس يضعون رؤوسهم قبل أن يضع رأسه ويرفعون قبل أن يرفع رأسه فذكر الحديث في إنكاره عليهم قوله إذا قال سمع الله لمن حمده في رواية شعبة إذا رفع رأسه من الركوع ولمسلم من رواية محارب بن دثار فإذا رفع رأسه من الركوع فقال سمع الله لمن حمده لم نزل قياما قوله لم يحن بفتح التحتانية وسكون المهملة أي لم يثن يقال حنيت العود إذا ثنيته وفي رواية لمسلم لا يحنو وهي لغة صحيحة يقال حنيت وحنوت بمعنى قوله حتى يقع ساجدا في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق حتى يضع جبهته على الأرض وسيأتي في باب سجود السهو ونحوه لمسلم من رواية زهير عن أبي إسحاق ولأحمد عن غندر عن شعبة حتى يسجد ثم يسجدون واستدل به بن الجوزي على أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه الإمام وتعقب بأنه ليس فيه إلا التأخر حتى يتلبس الإمام بالركن الذي ينتقل إليه بحيث يشرع المأموم بعد شروعه وقبل الفراغ منه ووقع في حديث عمرو بن حريث عند مسلم فكان لا يحنى أحد منا ظهره حتى يستتم ساجدا ولأبي يعلى من حديث أنس حتى يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود وهو أوضح في انتفاء المقارنة واستدل به على المريض الطمأنينة وفيه نظر وعلى جواز النظر إلى الإمام لاتباعه في انتقالاته قوله حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان نحوه هكذا في رواية المستملى وكريمة وسقط للباقين وقد أخرجه أبو عوانة عن الصغاني وغيره عن أبي نعيم ولفظه كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته قوله باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام أي من السجود كما سيأتي بيانه قوله عن محمد بن زياد هو الجمحي مدني سكن البصرة وله في البخاري أحاديث عن أبي هريرة وفي التابعين أيضا محمد بن زياد الألهاني الحمصي وله عنده حديث واحد عن أبي أمامة في المزارعة قوله أما يخشى أحدكم في رواية الكشميهني أو لا يخشى ولأبي داود عن حفص بن عمر عن شبعة أما يخشى أو ألا يخشى بالشك وأما بتخفيف الميم حرف استفتاح مثل ألا وأصلها النافية دخلت عليها همزة الاستفهام وهو هنا استفهام توبيخ قوله إذا رفع رأسه قبل الإمام زاد بن خزيمة من روية حماد بن زيد عن محمد بن زياد في صلاته وفي رواية حفص بن عمر المذكورة الذي يرفع رأسه والإمام ساجد فتبين أن المراد الرفع من السجود ففيه تعقب على من قال أن الحديث نص في المنع من تقدم المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود معا وإنما هو نص في السجود ويلتحق به الركوع
[ 154 ]
لكونه في معناه ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه لأنه غاية الخضوع المطلوب منه فلذلك خص بالتنصيص عليه ويحتمل أن يكون من باب الاكتفاء وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم إذا كان للمذكور مزية وأما التقدم على الإمام في الخفض في الركوع والسجود فقيل يلتحق به من باب الأولى لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا دل الدليل على وجوب الموافقة فيما هو وسيلة فأولى أن يجب فيما هو مقصد ويمكن أن يقال ليس هذا بواضح لأن الرفع من الركوع والسجود يستلزم قطعه عن غاية كماله ودخول النقص في المقاصد أشد من دخوله في الوسائل وقد ورد الزجر عن الخفض والرفع قبل الإمام في حديث آخر أخرجه البزار من رواية مليح بن عبد الله السعدي عن أبي هريرة مرفوعا الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفا وهو المحفوظ قوله أو يجعل الله صورته صورة حمار الشك من شعبة فقد رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة وابن خزيمة من رواية حماد بن زيد ومسلم من رواية يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد فأما الحمادان فقالا رأس وأما يونس فقال صورة وأما الربيع فقال وجه والظاهر أنه من يطلق الرواة قال عياض هذه الروايات متفقة لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه قلت لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضا وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمدة وخص وقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية وهي أشمل وظاهر الحديث يقتضى تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات وبذلك جزم النووي في شرح المهذب ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته وعن بن عمر تبطل وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهى يقتضى الفساد وفي المغني عن أحمد أنه قال في رسالته ليس لمن سبق الإمام صلاة لهذا الحديث قال ولو كانت له صلاة لرجى له النصارى ولم يخش عليه العقاب واختلف في معنى الوعيد المذكور فقيل يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوى فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام ويرجح هذا المجازى أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين لكن ليس في الحديث ما يدل على أن ذلك يقع ولا بد وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك وكون فعله ممكنا لأن يقع عنه ذلك الوعيد ولا يلزم من التعرض للشئ وقوع ذلك الشئ قاله بن دقيق العيد وقال بن بزيزة يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معا وحمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك وسيأتي في كتاب الأشربة الدليل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة وهو حديث أبي مالك الأشعري في المغازي فإن فيه ذكر الخسف وفي آخره ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة وسيأتي مزيد لذلك في تفسير سورة الأنعام إن شاء الله تعالى ويقوى حمله على ظاهره أن في رواية بن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد أن يحول الله رأسه رأس كلب فهذا يبعد المجاز لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار ومما يبعده أيضا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور فلا
[ 155 ]
يحسن أن يقال له يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليدا مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة وقال بن الجوزي في الرواية التي عبر فيها بالصورة هذه اللفظة تمنع تأويل من قال المراد رأس حمار في البلادة ولم يبين وجه المنع وفي حديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته وبيانه لهم الأحكام وما يترتب عليها من النصارى والعقاب واستدل به على جواز المقارنة ولا دلالة فيه لأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة وبمفهومه على طلب المتابعة وأما المقارنة فمسكوت عنها وقال بن بزيزة استدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ قلت وهو مذهب ردئ مبنى على دعاوى بغير برهان والذي استدل بذلك منهم إنما استدل بأصل النسخ لا بخصوص هذا الحديث لطيفة قال صاحب القبس ليس للتقدم قبل الإمام سبب إلا طلب الاستعجال ودواؤه أن يستحضر أنه لا يسلم قبل الإمام فلا يستعجل في هذه الأفعال والله أعلم قوله باب إمامة العبد والمولى أي العتيق قال الزين بن المنير لم يفصح بالجواز لكن لوح به لإيراده أدلته قوله وكانت عائشة الخ وصله أبو داود في كتاب المصاحف من طريق أيوب عن بن أبي مليكة أن عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف ووصله بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة أنها أعتقت غلاما لها عن دبر فكان يؤمها في رمضان في المصحف ووصله الشافعي وعبد الرزاق من طريق أخرى عن بن أبي مليكة أنه كان يأتي عائشة بأعلى الوادي هو وأبوه وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وهو يومئذ غلام لم يعتق وأبو عمرو المذكور هو ذكوان وإلى صحة إمامة العبد ذهب الجمهور وخالف مالك فقال لا يؤم الأحرار إلا إن كان قارئا وهم لا يقرأون فيؤمهم إلا في الجمعة لأنها لا تجب عليه وخالفه أشهب واحتج بأنها تجزئه إذا حضرها قوله في المصحف استدل به على جواز قراءة المصلي من المصحف ومنع منه آخرون لكونه وأشار كثيرا في الصلاة قوله وولد البغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة والتشديد أي الزانية ونقل بن التين أنه رواه بفتح الموحدة وسكون المعجمة والتخفيف والأول أولى وهو معطوف على قوله والمولى لكن فصل بين المتعاطفين بأثر عائشة وغفل القرطبي في مختصر البخاري فجعله من بقية الأثر المذكور وإلى صحة إمامة ولد الزنا ذهب الجمهور أيضا وكان مالك يكره أن يتخذ إماما راتبا وعلته عنده أنه يعير معرضا لكلام الناس فيأثمون بسببه وقيل لأنه ليس في الغالب من يفقهه فيغلب عليه الجهل قوله والأعرابي بفتح الهمزة أي ساكن البادية وإلى صحة إمامته ذهب الجمهور أيضا وخالف مالك وعلته عنده غلبة الجهل على سكان البوادي وقيل لأنهم يديمون نقص السنن وترك حضور الجماعة غالبا قوله والغلام الذي لم يحتلم ظاهره أنه أراد المراهق ويحتمل الأعم لكن يخرج منه من كان دون سن التمييز بدليل آخر ولعل المصنف راعى اللفظ الوارد في النهى عن ذلك وهو فيما رواه عبد الرزاق من حديث بن عباس مرفوعا لا يؤم الغلام حتى يحتلم وإسناده ضعيف وقد أخرج المصنف في غزوة الفتح حديث عمرو بن سلمة بكسر اللام أنه كان يؤم قومه وهو بن سبع سنين وقيل إنما لم يستدل به هنا لأن أحمد بن حنبل توقف فيه فقيل لأنه ليس فيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذ لك وقيل لاحتمال أن يكون أراد أنه كان يؤمهم في النافلة دون الفريضة وأجيب عن الأول بان زمان نزول الوحي لا يقع فيه لأحد من الصحابة التقرير على ما لا يجوز فعله ولهذا استدل
[ 156 ]
أبو سعيد وجابر على جواز العزل بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل كما سيأتي في موضعه وأيضا فالوفد الذين قدموا عمرو بن سلمة كانوا جماعة من الصحابة وقد نقل بن حزم أنه لا يعلم لهم في ذلك مخالف منهم وعن الثاني بان سياق رواية المصنف أخذت على أنه كان يؤمهم في الفرائض لقوله فيه صلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة الحديث وفي رواية لأبي داود قال عمرو فما شهدت مشهدا في جرم إلا كنت إمامهم وهذا يعم الفرائض والنوافل واحتج بن حزم على عدم الصحة بأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤمهم أقرؤهم قال فعلى هذا إنما يؤم من يتوجه إليه الأمر والصبي ليس بمأمور لأن القلم رفع عنه فلا يؤم كذا قال ولا يخفى فساده لأنا نقول المأمور من يتوجه إليه الأمر من البالغين بأنهم يقدمون من اتصف بكونه أكثر قرآنا فبطل ما احتج به وإلى صحة إمامة الصبي ذهب أيضا الحسن البصري والشافعي وإسحاق وكرهها مالك والثوري وعن أبي حنيفة وأحمد روايتان والمشهور عنهما الاجزاء في النوافل دون الفرائض قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله أي فكل من اتصف بذلك جازت إمامته من عبد وصبي وغيرهما وهذا طرف من حديث أبي مسعود الذي ذكرناه في باب أهل العلم أحق بالإمامة وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن بلفظ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله الحديث وفي الحديث عمرو بن سلمة المذكور عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وليؤمكم أكثركم قرآنا وفي حديث أبي سعيد عند مسلم أيضا إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالامامه أقرؤهم واستدل بقوله أقرؤهم على أن إمامة الكافر لا تصح لأنه لا قراءة له قوله ولا يمنع العبد من الجماعة هذا من كلام المصنف وليس من الحديث المعلق قوله بغير علة أي بغير ضرورة لسيده فلو قصد تفويت الفضيلة عليه بغير ضرورة لم يكن له ذلك وسنذكر مستنده في الكلام على قصة سالم في أول حديثي الباب قوله عن عبيد الله هو العمري قوله لما قدم المهاجرون الأولون أي من مكة إلى المدينة وبه صرح في رواية الطبراني قوله العصبة بالنصب على الظرفية لقوله قدم كذا في جميع الروايات وفي رواية أبي داود نزلوا العصبة أي المكان المسمى بذلك وهو بإسكان الصاد المهملة بعدها موحدة واختلف في أوله فقيل بالفتح وقيل بالضم ثم رأيت في النهاية ضبطه بعضهم بفتح العين والصاد المهملتين قال أبو عبيد البكري لم يضبطه الأصيلي في روايته والمعروف المعصب بوزن محمد بالتشديد وهو موضع بقباء قوله وكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة زاد في الأحكام من رواية بن جريج عن نافع وفيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة أي بن عبد الأسد وزيد أي بن حارثة وعامر بن ربيعة واستشكل ذكر أبي بكر فيهم إذ في الحديث أن ذلك كان قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر كان رفيقه ووجهه البيهقي باحتمال أن يكون سالم المذكور استمر على الصلاة بهم فيصح ذكر أبي بكر ولا يخفى ما فيه ووجه الدلالة منه إجماع كبار الصحابة القرشيين على تقديم سالم عليهم وكان سالم المذكور مولى امرأة من الأنصار فأعتقته وكأن إمامته بهم كانت قبل أن يعتق وبذلك تظهر مناسبة قول المصنف ولا يمنع العبد وإنما قيل له مولى أبي حذيفة لأنه السري أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بعد أن عتق فتبناه فلما نهوا عن ذلك قيل له مولاه كما سيأتي في موضعه واستشهد سالم باليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما قوله وكان أكثرهم قرآنا إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه وفي رواية للطبراني لأنه كان أكثرهم قرآنا
[ 157 ]
قوله حدثنا يحيى هو القطان قوله اسمعوا وأطيعوا أي فيما فيه طاعة لله قوله وان استعمل أي جعل عاملا وللمصنف في الأحكام عن مسدد عن يحيى وإاستعمل عليكم عبد حبشي وهو أصرح في مقصود الترجمة وذكره بعد باب من طريق غندر عن شعبة بلفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر أسمع وأطع الحديث وقد أخرجه مسلم من طريق غندر أيضا لكن بإسناد له آخر عن شعبة عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال أن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أسمع وأطع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف وأخرجه الحاكم والبيهقي من هذا الوجه وفيه قصة أن أبا ذر انتهى إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة فإذا عبد يؤمهم قال فقيل هذا أبو ذر فذهب يتأخر فقال أبو ذر أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وأخرج مسلم أيضا من طريق غندر أيضا عن شعبة عن يحيى بن الحصين سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله وفي هذه الرواية فائدتان تعيين جهة الطاعة وتاريخ الحديث وأنه كان في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم قوله كأن رأسه زبيبة قيل شبهه بذلك لصغر رأسه وذلك معروف في الحبشة وقيل لسواده وقيل لقصر شعر رأسه وتفلفله ووجه الدلالة منه على صحة إمامة العبد أنه إذا أمر بطاعته فقد أمر بالصلاة خلفه قاله بن بطال ويحتمل أن يكون ماخوذا من جهة ما جرت به عادتهم أن الأمير هو الذي يتولى الإمامة بنفسه أو نائبه واستدل به على المنع من القيام على السلاطين وإن جاروا لأن القيام عليهم يفضى غالبا إلى أشد مما ينكر عليهم ووجه الدلالة منه أنه أمر بطاعة العبد الحبشي والإمامة العظمى إنما تكون بالاستحقاق في قريش فيكون غيرهم متغلبا فإذا أمر بطاعته استلزم النهى عن مخالفته والقيام عليه ورده بن الجوزي بأن المراد بالعامل هنا من يستعمله الأمام لا من يلي الإمامة العظمى وبأن المراد بالطاعة الطاعة فيما وافق الحق انتهى ولا مانع من حمله على أعم من ذلك فقد وجد من ولي الإمامة العظمى من غير قريش من ذوي الشوكة متغلبا وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأحكام وقد عكسه بعضهم فاستدل به على جواز الإمامة في غير قريش وهو متعقب إذ لا تلازم بين الأجزاء والجواز والله أعلم قوله باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه يشير بذلك إلى حديث عقبة بن عامر وغيره كما سيأتي قوله حدثنا الفضل بن سهل هو البغدادي المعروف بالأعرج من صغار شيوخ البخاري ومات قبله بسنة قوله يصلون أي الأئمة واللام في قوله لكم للتعليل قوله فإن أصابوا فلكم أي ثواب صلاتكم زاد أحمد عن الحسن بن موسى بهذا السند ولهم أي ثواب صلاتهم وهو يغنى عن تكلف توجيه حذفها وتمسك بن بطال بظاهر الرواية المحذوفة فزعم أن المراد بالاصابة هنا إصابة الوقت واستدل بحديث بن مسعود مرفوعا لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة وهو حديث حسن أخرجه النسائي وغيره فالتقدير على هذا فإن أصابوا الوقت وإن في أهل اللغة نكتب أخطأوا الوقت فلكم يعني الصلاة التي في الوقت انتهى وغفل عن الزيادة التي في رواية أحمد فإنها أخذت على أن المراد صلاتهم معهم لا عند الانفراد وكذا أخرجه الاسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طرق عن الحسن بن موسى وقد أخرج بن حبان حديث أبي هريرة من وجه آخر أصرح في مقصود الترجمة ولفظه
[ 158 ]
يكون أقوام يصلون الصلاة فإن أتموا فلكم ولهم وروى أبو داود من حديث عقبة بن عامر مرفوعا من أم الناس فأصاب الوقت فله ولهم وفي رواية أحمد في هذا الحديث فإن صلوا الصلاة لوقتها وأتموا الركوع والسجود فهي لكم ولهم فهذا يبين أن المراد ما هو أعم من ترك إصابة الوقت قال بن المنذر هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه قوله وأن أخطؤا أي ارتكبوا الخطيئة ولم يرد به الخطأ المقابل للعمد لأنه لا إثم فيه قال المهلب فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه ووجه غيره قوله إذا خيف منه بأن الفاجر إنما يؤم إذا كان صاحب شوكة وقال البغوي في شرح السنة فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم محدثا أنه تصح صلاة المأمومين وعليه الإعادة واستدل به غيره على أعم من ذلك وهو صحة الائتمام بمن يخل بشئ من الصلاة ركنا كان أو غيره إذا أتم المأموم وهو وجه عند الشافعية بشرط أن يكون الإمام هو ناحية أو نائبه والأصح عندهم صحة الاقتداء إلا بمن علم أنه ترك واجبا ومنهم من استدل به على الجواز مطلقا بناء على أن المراد بالخطأ ما يقابل العمد قال ومحل الخلاف في الأمور الاجتهادية كمن يصلي خلف من لا يرى قراءة البسملة ولا أنها من أركان القراءة ولا أنها آية من الفاتحة بل يرى أن الفاتحة تجزئ بدونها قال فإن صلاة المأموم تصح إذا قرأ هو البسملة لأن غاية حال الإمام في هذه الحالة أن يكون أخطأ وقد دل الحديث على أن خطأ الإمام لا يؤثر في صحة صلاة المأموم إذا أصاب تنبيه حديث الباب من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وفيه مقال وقد ذكرنا له شاهدا عند بن حبان وروى الشافعي معناه من طريق صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ يأتي قوم فيصلون لكم فإن أتموا كان لهم ولكم وإن نقصوا كان عليهم ولكم قوله باب إمامة المفتون أي الذي دخل في الفتنة فخرج على الإمام ومنهم من فسره بما هو أعم من ذلك قوله والمبتدع أي من اعتقد شيئا مما يخالف أهل السنة والجماعة قوله وقال الحسن صل وعليه بدعته وصله سعيد بن منصور عن بن المبارك عن هشام بن حسان أن الحسن سئل عن الصلاة خلف صاحب البدعة فقال الحسن صل خلفه وعليه بدعته قوله وقال لنا محمد بن يوسف هو الفريابي قيل عبر بهذه الصيغة لأنه مما أخذه من شيخه في المذاكرة فلم يقل فيه حدثنا وقيل إن ذلك مما تحمله بالح إجازة أو المناولة أو العرض وقيل هو متصل من حيث اللفظ منقطع من حيث المعنى والذي ظهر لي بالاستقراء خلاف ذلك وهو أنه متصل لكنه لا يعبر بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن موقوفا أو كان فيه راو ليس على شرطه والذي هنا من معي الأول وقد وصله الاسماعيلي من رواية محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قوله عن حميد بن عبد الرحمن أي بن عوف وفي رواية الاسماعيلي أخبرني حميد وأخرجه الاسماعيلي من طريق أخرى عن الأوزاعي وخالفه يونس بن يزيد فقال عن الزهري عن عروة أخرجه الاسماعيلي أيضا وكذلك رواه معمر عن الزهري أخرجه عمر بن شبة في كتاب مقتل عثمان عن غندر عنه ويحتمل أن يكون للزهري فيه شيخان قوله عن عبيد الله بن عدي في رواية بن المبارك عن الأوزاعي عند الاسماعيلي وأبي نعيم حدثني عبيد الله بن عدي بن الخيار من بني نوفل بن عبد مناف وعبيد الله المذكور تابعي كبير معدود في الصحابة لكونه ولد في
[ 159 ]
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان عثمان من أقارب أمه كما سيأتي في موضعه قوله انك إمام عامة أي جماعة وفي رواية يونس وأنت الإمام أي الأعظم قوله ونزل بك ما نرى أي من الحصار قوله ويصلي لنا أي يؤمنا قوله إمام فتنة أي رئيس فتنة واختلف في المشار إليه بذلك فقيل هو عبد الرحمن بن عديس البلوي أحد رءوس المصريين الذين حصروا عثمان قاله بن وضاح فيما نقله عنه بن عبد البر وغيره وقاله بن الجوزي وزاد إن كنانة بن بشر أحد رؤوسهم صلى بالناس أيضا قلت وهو المراد هنا فإن سيف بن عمر روى حديث الباب في كتاب الفتوح من طريق أخرى عن الزهري بسنده فقال فيه دخلت على عثمان وهو محصور وكنانة يصلي بالناس فقلت كيف ترى الحديث وقد صلى بالناس يوم حصر عثمان أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري لكن بإذن عثمان ورواه عمر بن شبة بسند صحيح ورواه بن المديني من طريق أبي هريرة وكذلك صلى بهم على بن أبي طالب فيما رواه إسماعيل الخطى في تاريخ بغداد من رواية ثعلبة بن يزيد الحماني قال فلما كان يوم عيد الأضحى جاء على فصلى بالناس وقال بن المبارك فيما رواه الحسن الحلواني لم يصل بهم غيرها وقال غيره صلى بهم عدة صلوات وصلى بهم أيضا سهل بن حنيف رواه عمر بن شبة بإسناد قوي وقيل صلى بهم أيضا أبو أيوب الأنصاري وطلحة بن عبيد الله وليس واحد من هؤلاء مرادا بقوله إمام فتنة وقال الداودي معنى قوله إمام فتنة أي إمام وقت فتنة وعلى هذا لا اختصاص له بالخارجى قال ويدل على صحة ذلك أن عثمان لم يذكر الذي أمهم بمكروه بل ذكر أن فعله أحسن الأعمال انتهى وهذا مغاير لمراد المصنف من ترجمته ولو كان كما قال لم يكن قوله ونتحرج مناسبا قوله ونتحرج في رواية بن المبارك وأنا لنتحرج من الصلاة معه والتحرج التأثم أي نخاف الوقوع في الإثم وأصل الحرج الضيق ثم استعمل للإثم لأنه يضيق على صاحبه قوله فقال الصلاة أحسن في رواية بن المبارك أن الصلاة أحسن وفي رواية معقل بن زياد عن الأوزاعي عند الاسماعيلي من أحسن قوله فإذا أحسن الناس فأحسن ظاهره أنه رخص له في الصلاة معهم كأنه يقول لا يضرك كونه مفتونا بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه واترك ما افتنن به وهو المطابق لسياق الباب وهو الذي فهمه الداودي حتى أحتاج إلى تقدير حذف في قوله إمام فتنة وخالف بن المنير فقال يحتمل أن يكون رأى أن الصلاة خلفه لا تصح فحاد عن الجواب بقوله إن الصلاة أحسن لأن الصلاة التي هي أحسن هي الصلاة الصحيحة وصلاة الخارجي غير صحيحة لأنه إما كافر أو فاسق انتهى وهذا قاله نصرة لمذهبه في عدم صحة الصلاة خلف الفاسق وفيه نظر لأن سيفا روى في الفتوح عن سهل بن يوسف الأنصاري عن أبيه قال كره الناس الصلاة خلف الذين حصروا عثمان إلا عثمان فإنه قال من دعا إلى الصلاة فأجيبوه انتهى فهذا صريح في أن مقصوده بقوله الصلاة أحسن الإشارة إلى يأمر بالصلاة خلفه وفيه تأييد لما فهمه المصنف من قوله إمام فتنة وروى سعيد بن منصور من طريق تثبت قال قالوا لعثمان إنا نتحرج أن نصلي خلف هؤلاء الذين حصروك فذكر نحو حديث الزهري وهذا منقطع إلا أنه اعتضد قوله وإذا أساؤا فاجتنب فيه تحذير من الفتنة والدخول فيها ومن جميع ما فقلنا من قول أو فعل أو اعتقاد وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة ولا سيما في زمن الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل
[ 160 ]
الجماعة وفيه رد على من زعم أن الجمعة لا يجزئ أن تقام بغير إذن الإمام قوله وقال الزبيدي بضم الزاي هو محمد بن الوليد قوله المخنث رويناه بكسر النون وفتحها فالأول المراد به من فيه تكسر وتثن وتشبه بالنساء والثاني المراد به من يؤتى وبه جزم أبو عبد الملك فيما حكاه بن التين محتجا بأن الأول لا مانع من الصلاة خلفه إذا كان ذلك أصل خلقته ورد بان المراد من يتعمد ذلك فيتشبه بالنساء فإن ذلك بدعة قبيحة ولهذا جوز الداودي أن يكون كل منهما مرادا قال بن بطال ذكر البخاري هذه المسألة هنا لأن المخنث مفتتن في طريفته قوله الا من ضرورة أي بأن يكون ذا شوكة أو من جهته فلا تعطل الجماعة بسببه وقد رواه معمر عن الزهري بغير قيد أخرجه عبد الرزاق عنه ولفظه قلت فالمخنث قال لا ولا كرامة لا يؤتم به وهو أمرهم على حالة الاختيار قوله حدثنا محمد بن أبان هو البلخي مستملي وكيع وقيل الواسطي وهو محتمل لكن لم نجد للواسطي رواية عن غندر بخلاف البلخي وقد تقدم عنه بموضع آخر في المواقيت وهذا جميع ما أخر عنه البخاري قوله أسمع وأطع تقدم الكلام عليه قبل بباب قال بن المنير وجه دخولفي هذا الباب أن الصفة المذكورة إنما توجد غالبا في عجمى حديث عهد بالإسلام غلام من جهل بدينه وما غلام من هذه صفته عن ارتكاب البدعة ولو لم يكن الا افتتانه بنفسه حتى تقدم للإمامة وليس من أهلها قوله باب يقوم أي المأموم عن يمين الإمام بحذائه بكسر المهملة وذال غدا بعدها مدة أي بجنبه فأخرج بذلك من كان خلفه أو مائلا عنه وقوله سواء أخرج به من كان إلى جنبه لكن على بعد عنه كذا قال الزين بن المنير والذي يظهر أن قوله بحذائه يخرج هذا أيضا وقوله سواء أي لا يتقدم ولا يتأخر وفي انتزاع هذا من الحديث الذي أورده بعد وقد قال أصحابنا يستحب أن يقف المأموم دونه قليلا وكأن المصنف أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه فقد تقدم في الطهارة من رواية مخرمة عن كريب عن بن عباس بلفظ فقمت إلى جنبه وظاهره المساواة وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس نحوا من هذه القصة وعن بن جريج قال قلت لعطاء الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه قال إلى شقه الأيمن قلت أيحاذى به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر قال نعم قلت أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجه قال نعم وفي الموطأ عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح فقمت وراءه فقربنى حتى جعلني حذاءه عن يمينه قوله إذا كانا أي إماما ومأموما بخلاف من إذا كانا مأمومين مع إمام فلهما حكم آخر تنبيه هكذا في جميع الروايات باب بالتنوين يقوم الخ وأورده الزين بن المنير بلفظ باب من يقوم بالإضافة وزيادة من وشرحه على ذلك وتردد بين كونها موصولة أو استفهامية ثم أطال في حكمة ذلك وأن سببه كون المسألة مختلفا فيها والواقع أن من محذوفة والسياق ظاهر في أن المصنف جازم بحكم المسألة لا متردد والله أعلم وقد نقل بعضهم الاتفاق على أن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام إلا النخعي فقال إذا كان الإمام ورجل قام الرجل خلف الإمام فإن ركع الإمام قبل أن يحئ أحد قام عن يمينه أخرجه سعيد بن منصور ووجهه بعضهم بان الإمام مظنة الاجتماع فاعتبرت في موقف المأموم حتى يظهر خلاف ذلك وهو حسن لكنه مخالف للنص وهو قياس فاسد ثم ظهر لي أن إبراهيم إنما كان يقول بذلك حيث يظن ظنا قويا مجئ ثان وقد
[ 161 ]
روى سعيد بن منصور أيضا عنه قال ربما قمت خلف الأسود وحدي حتى يجئ المؤذن وذكر البيهقي أنه يستفاد من حديث الباب امتناع تقديم المأموم على الإمام خلافا لمالك لما في رواية مسلم فقمت عن يساره فأدارني من خلفه حتى جعلني عن يمينه وفيه نظر قوله باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام الخ وجه الدلالة من حديث بن عباس المذكور أنه صلى الله عليه وسلم لم يبطل صلاة بن عباس مع كونه قام عن يساره أولا وعن أحمد تبطل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقره على ذلك والأول هو قول الجمهور بل قال سعيد بن المسيب إن موقف المأموم الواحد يكون عن يسار الإمام ولم يتابع على ذلك قوله حدثنا أحمد لم أره منسوبا في شئ من الروايات لكن جزم أبو نعيم في المستخرج بأنه بن صالح وأخرجه من طريق قوله عمرو هو بن الحارث المصري وكذا وقع عند أبي نعيم قوله عن عبد ربه بفتح الراء وتشديد الموحدة وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري وفي الإسناد ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق قوله نمت في رواية الكشميهني بت قوله فأخذني فجعلني قد تقدم أنه أداره من خلفه واستدل به على أن مثل ذلك من العمل لا يفسد الصلاة كما سيأتي قوله قال عمرو أي بن الحارث المذكور بالإسناد المذكور إليه ووهم من زعم أنه من تعليق البخاري فقد ساقه أبو نعيم مثل سياقه وبكير المذكور في هذا هو بن عبد الله بن الأشج واستفاد عمرو بن الحارث بهذه الرواية عنه العلو برجل قوله باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم الخ لم يجزم بحكم المسألة لما فيه من الاحتمال لأنه ليس في حديث بن عباس التصريح بان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينو الإمامة كما أنه ليس فيه أنه نوى لا في ابتداء صلاته ولا بعد أن قام بن عبا س فصلى معه لكن في إيقافه إياه منه موقف المأموم ما يشعر بالثاني وأما الأول فالأصل عدمه وهذه المسألة مختلف فيها والأصح عند الشافعية لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة واستدل بن المنذر أيضا بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في شهر رمضان قال فجئت فقمت إلى جنبه وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطا فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بنا تجوز في صلاته الحديث وهو ظاهر في أنه لم ينو الإمامة ابتداء وائتموا هم به وأقرهم وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلقه البخاري كما سيأتي في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى وذهب أحمد إلى التفرقة بين النافلة والفريضة فشرط أن ينوي في الفريضة دون النافلة وفيه نظر لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم قوله عن عبد الله بن سعيد بن جبير هو من أقران أيوب الراوي عنه ورجال الإسناد كلهم بصريون وسيأتي الكلام على بقية فوائد حديث بن عباس المذكور في هذه الأبواب الثلاثة تاما في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى قوله باب إذا المريض الإمام وكان للرجل أي المأموم حاجة فخرج وصلى وللكشميهني فصلى بالفاء وهذه الترجمة عكس التي قبلها لأن في الأولى جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة وفي الثانية جواز قطع الائتمام بعد الدخول فيه وأما قوله في الترجمة فخرج فيحتمل أنه خرج من القدوة أو من الصلاة رأسا أو من المسجد قال بن رشيد الظاهر أن المراد خرج إلى منزله فصلى فيه وهو ظاهر قوله في الحديث فانصرف الرجل قال وكان سبب ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الذي رآه يصلي أصلاتان
[ 162 ]
معا كما تقدم قلت وليس الواقع كذلك فإن في رواية النسائي فانصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد وهذا يحتمل أن يكون قطع الصلاة أو القدوة لكن في مسلم فانحرف الرجل فسلم ثم صلى وحده واعلم أن هذا الحديث رواه عن جابر عمرو بن دينار ومحارب بن دثار وأبو الزبير وعبيد الله بن مقسم فرواية عمرو للمصنف هنا عن شعبة وفي الأدب عن سليم بن حيان ولمسلم عن أبي عيينة ثلاثتهم عنه ورواية محارب تأتي بعد بابين وهي عند النسائي مقرونه معبد صالح ورواية أبي الزبير عند مسلم ورواية عبيد الله عند بن خزيمة وله طرق أخرى غير هذه سأذكر ما يحتاج إليه منها معزوا وإنما قدمت ذكر هذه لتسهل الحوالة عليه قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم والظاهر أن روايته عن شعبة مختصرة كما هنا وكذلك أخرجها البيهقي من طريق محمد بن أيوب الرازي عنه وقال الكرماني الظاهر من قوله فصلى العشاء الخ انظر تحت الطريق الأولى وكان الحامل له على ذلك أنها لو خلت عن ذلك لم تطابق الترجمة ظاهرا لكن لقائل أن يقول إن مراد البخاري بذلك الإشارة إلى أصل الحديث على عادته واستفاد بالطريق الأولى علو الإسناد كما أن في الطريق الثانية فائدة التصريح بسماع عمرو من جابر قوله يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم زاد مسلم من رواية منصور عن عمرو عشاء الآخرة فكأن العشاء هي التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين قوله ثم يرجع فيؤم قومه في رواية منصور المذكورة فيصلى بهم تلك الصلاة وللمصنف في الأدب فيصلى بهم الصلاة أي المذكورة وفي هذا رد على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم غير الصلاة التي كان يصليها بقومه وفي رواية بن عيينة فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء تم أتى قومه فأمهم وفي رواية القدرة عن بن عيينة ثم يرجع إلى بني سلمة فيصليها بهم ولا مخالفة فيه لأن قومه هم بنو سلمة وفي رواية الشافعي عنه ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة ولأحمد ثم يرجع فيؤمنا قوله فصلى العشاء كذا في معظم الروايات ووقع في رواية لأبي عوانة والطحاوي من طريق محارب صلى بأصحابه المغرب وكذا لعبد الرزاق من رواية أبي الزبير فإن حمل على تعدد القصة كما سيأتي أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازا تم وإلا فما في الصحيح أصح قوله فقرأ بالبقرة استدل به على من يكره أن يقول البقرة بل يقول سورة البقرة لكن في رواية الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه فقرأ سورة البقرة ولمسلم عن بن عيينة نحوه وللمصنف في الأدب فقرأ بهم البقرة فالظاهر أن ذلك من تصرفات الرواة والمراد أنه ابتدأ في قراءتها وبه صرح مسلم ولفظه فافتتح سورة البقرة وفي رواية محارب فقرأ بسورة البقرة أو النساء على الشك وللسراج من رواية مسعر عن محارب فقرأ بالبقرة والنساء كذا رأيته بخط الزكي البرزالى بالواو فإن كان ضبطه احتمل أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة وفي الثانية بالنساء ووقع عند أحمد من حديث بريدة بإسناد قوي فقرأ اقتربت الساعة وهي شاذة إلا إن حمل على التعدد ولم يقع في شئ من الطرق المتقدمة تسمية هذا الرجل لكن روى أبو داود الطيالسي في مسنده والبزار من طريقه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن بن جابر عن أبية قال مر حزم بن أبي بن كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي بقومه صلاة العتمة فافتتح بسورة طويلة ومع حزم ناضح له الحديث قال البزار لا نعلم أحدا أسماء عن جابر إلا بن جابرأه وقد رواه أبو داود في السنن من وجه آخر عن طالب فجعله عن بن جابر عن حزم صاحب القصة وابن جابر لم يدرك
[ 163 ]
حزما ووقع عنده صلاة المغرب وهو نحو ما تقدم من الاختلاف في رواية محارب ورواه بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر فسماه حازما وكأنه صحفه أخرجه بن شاهين من طريقة ورواه أحمد والنسائي وأبو يعلى وابن السكن بإسناد صحيح عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال كان معاذ يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقى نخله الحديث كذا فيه براء بعدها ألف وظن بعضهم أنه حرام بن ملحان خال أنس وبذلك جزم الخطيب في المبهمات لكن لم أره منسوبا في الرواية ويحتمل أن يكون تصحيفا من حزم فتجتمع هذه الروايات وإلى ذلك يومئ صنيع بن عبد البر فإنه ذكر في الصحابة حرام بن أبي بن كعب وذكر له هذه القصة وعزا تسميته لرواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس ولم أقف في رواية عبد العزيز على تسمية أبيه وكأنه بني على أن اسمه تصحف والأب واحد سماه جابر ولم يسمه أنس وجاء في تسميته قول آخر أخرجه أحمد أيضا من رواية معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سلمة يقال له سليم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فنصلى فيأتي معاذ بن جبل فينادى بالصلاة فناتيه فيطول علينا الحديث وفيه أنه استشهد بأحد وهذا مرسل لأن معاذ بن رفاعة لم يدركه وقد رواه الطحاوي والطبراني من هذا الوجه عن معاذ بن رفاعة أن رجلا من بني سلمة فذكره مرسلا ورواه البزار من وجه آخر عن جابر وسماه سليما أيضا لكن وقع عند بن حزم من هذا الوجه أن اسمه سلم بفتح أوله وسكون اللام وكأنه تصحيف والله أعلم وجمع بعضهم بين هذا الاختلاف بأنهما واقعتان وأيد ذلك بالاختلاف في الصلاة هل هي العشاء أو المغرب وبالاختلاف في السورة هل هي البقرة أو اقتربت وبالاختلاف في عذر الرجل هل هو لأجل التطويل فقط لكونه جاء من العمل وهو تعبان أو لكونه أراد أن يسقى نخله إذ ذاك أو لكونه خاف على الماء في النخل كما في حديث بريده واستشكل هذا الجمع لأنه لا يظن بمعاذ أنه صلى الله عليه وسلم يأمره بالتخفيف ثم يعود إلى التطويل ويجاب عن ذلك باحتمال أن يكون قرأ أولا بالبقرة فلما نهاه قرأ اقتربت وهي طويلة بالنسبة إلى السور التي أمره أن يقرأ بها كما سيأتي ويحتمل أن يكون النهى أولا وقع لما يخشى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام ثم لما اطمأنت نفوسهم بالإسلام ظن أن المانع زال فقرأ باقتربت لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فصادف صاحب الشغل وجمع النووي باحتمال أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة فانصرف رجل ثم قرأ اقتربت في الثانية فانصرف آخر ووقع في رواية أبي الزبير عند مسلم فانطلق رجل منا وهذا يدل على أنه كان من بني سلمة ويقوى رواية من سماه سليما والله أعلم قوله فانصرف الرجل اللام فيه للعهد الذهنى ويحتمل أن يراد به الجنس فكأنه قال واحد من الرجال لأن المعرف تعريف الجنس كالنكرة في مؤاده ووقع في رواية الاسماعيلي فقام رجل فانصرف وفي رواية سليم بن حيان فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة ولابن عيينة عند مسلم فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة لكن ذكر البيهقي أن محمد بن عباد شيخ مسلم تفرد عن بن عيينة بقوله ثم سلم وأن الحفاظ من أصحاب بن عيينة وكذا من أصحاب شيخه عمرو بن دينار وكذا من أصحاب جابر لم يذكروا السلام وكأنه فهم أن هذه اللفظة أخذت على أن الرجل قطع الصلاة لأن السلام يتحلل به من الصلاة وسائر الروايات أخذت على أنه قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا قال
[ 164 ]
الرافعي في شرح المسند في الكلام على رواية الشافعي عن بن عيينة في هذا الحديث فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده هذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته واستأنفها لنفسه لكنه غير أمرهم عليه لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه انتهى ولهذا استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا ونازع النووي فيه فقال لا دلالة فيه لأنه ليس فيه أنه فارقه وبنى على صلاته بل في الرواية التي فيها أنه سلم دليل على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر قوله فكان معاذ ينال منه وللمستملى تناول منه وللكشميهني فكأن بهمزة ونون مشددة معاذا تناول منه والأولى أخذت على كثرة ذلك منه بخلاف الثانية ومعنى ينال منه أو تناوله ذكره بسوء وقد فسره في رواية سليم بن حيان ولفظه فبلغ ذلك معاذا فقال إنه منافق وكذا لأبي الزبير ولابن عيينة فقالوا له أنافقت يا فلان قال لا والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاخبرنه وكأن معاذا قال ذلك أولا ثم قاله أصحاب معاذ للرجل قوله فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بين بن عيينة في روايته وكذا محارب وأبو الزبير أنه الذي جاء فاشتكى من معاذ وفي رواية النسائي فقال معاذ أداء أصبحت لا ذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأرسل إليه فقال ما حملك على الذي صنعت فقال يا رسول الله عملت على ناضح لي فذكر الحديث وكأن معاذ سبقه بالشكوى فلما أرسل إليه جاء فاشتكى من معاذ قوله فقال فتان في رواية بن عيينة أفتان أنت زاد محارب ثلاثا قوله أو قال فاتنا شك من الراوي وهو منصوب على أنه خبر كان المقدرة وفي رواية أبي الزبير أتريد أن تكون فاتنا ولأحمد في حديث معاذ بن رفاعة المتقدم يا معاذ لا تكن فاتنا وزاد في حديث أنس لا تطول بهم ومعنى الفتنة ههنا أن التطويل يكون سببا لخروجهم من الصلاة وللتكره الولاء في الجماعة وروى البيهقي في الشعب بإسناد صحيح عن عمر قال لا تبغضوا إلى الله عباده يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه وقال الداودي يحتمل أن يريد بقوله فتان أي معذب لأنه عذبهم بالتطويل ومنه قوله تعالى إن الذين فتنوا المؤمنين قيل معناه عذبوهم قوله وأمره بسورتين من أوسط المفصل قال عمرو أي بن دينار لا أحفظما وكأنه قال ذلك في حال تحديثه لشعبة وإلا ففي رواية سليم بن حيان عن عمرو اقرأ والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها وقال في رواية بن عيينة عند مسلم اقرأ بكذا وأقرأ بكذا قال بن عيينة فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال اقرأ بالشمس وضحاها والليل إذا يغشى وبسبح اسم ربك الأعلى فقال عمرو نحو هذا وجزم بذلك محارب في حديثه عن جابر وفي رواية الليث عن أبي الزبير عند مسلم مع الثلاثة اقرأ باسم ربك زاد بن جريج عن أبي الزبير والضحى أخرجه عبد الرزاق وفي رواية القدرة عن بن عيينة مع الثلاثة الأول والسماء ذات البروج والسماء والطارق وفي المراد بالمفصل أقوال ستأتي في فضائل القرآن أصحها أنه من أول ق إلى آخر القرآن قوله أوسط يحتمل أن يريد به المتوسط والسور التي مثل بها من قصار المتوسط ويحتمل أن يريد به المعتدل أي المناسب للحال من المفصل والله أعلم واستدل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل بناء على أن معاذ كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية النفل ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدارقطني وغيرهم من طريق بن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث
[ 165 ]
الباب زاد هي له تطوع ولهم فريضة وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح وقد صرح بن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه فقول بن الجوزي إنه لا يصح مردود وتعليل الطحاوي له بان بن عيينة ساقه عن عمرو أتم من سياق بن جريج ولم يذكر هذه الزيادة ليس بقادح في صحته لأن بن جريج أسن وأجل من بن عيينة وأقدم أخذا عن عمرو منه ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها وأما رد الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة فجوابه أن الأصل عدم الإدراج حتى يثبت التفصيل فمهما كان مضمونا إلى الحديث فهو منه ولا سيما إذا روى من وجهين والأمر هنا كذلك فإن الشافعي أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعا لعمرو بن دينار عنه وقول الطحاوي هو ظن من جابر مردود لأن جابر كان ممن يصلي مع معاذ فهو أمرهم على أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلا بان يكون ذلك الشخص أطلعه عليه وأما احتجاج أصحابنا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فليس بجيد لأن حاصله النهى عن التلبس بصلاة غير التي أقيمت من غير تعرض لنية فرض أو نفل ولو تعينت نية الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلي الثانية بقومه لأنها ليست حينئذ فرضا له وكذلك قوله بعض أصحابنا لا يظن بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في المسجد الذي هو من أفضل المساجد فإنه وإن كان فيه نوع ترجيح لكن للمخالف أن يقول إذا كان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع أن يحصل له الفضل بالاتباع وكذلك قول الخطابي إن العشاء في قوله كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء حقيقة في المفروضة فلا يقال كان ينوي بها التطوع لأن لمخالفه أن يقول هذا لا ينافي أن ينوي بها التنفل وأما قول بن حزم إن المخالفين لا يجيزون لمن عليه فرض إذا أقيم أن يصليه متطوعا فكيف ينسبون إلى معاذ ما لا يجوز عندهم فهذا إن كان كما قال نقض قوي وأسلم الأجوبة التمسك بالزيادة المتقدمة وأما قول الطحاوي لا حجة فيها لأنها لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقريره فجوابه أنهم لا يختلفون في أن رأى الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة والواقع هنا كذلك فإن الذين كان يصلي بهم معاذ كلهم صحابة وفيهم ثلاثون عقبيا وأربعون بدريا قاله بن حزم قال ولا يحفظ عن غيرهم من الصحابة امتناع ذلك بل قال معهم بالجواز عمر وابن عمر وأبو الدراء وأنس وغيرهم وأما قول الطحاوي لو سلمنا جميع ذلك لم يكن فيه حجة لاحتمال أن ذلك كان في الوقت الذي كانت الفريضة فيه يصلي مرتين أي فيكون منسوخا فقد تعقبه بن دقيق العيد بأنه يتضمن إثبات النسخ بالاحتمال وهو لا يسوغ وبأنه يلزمه إقامة الدليل على ما ادعاه الفريضة أه وكأنه لم يقف على كتابه فإنه قد ساق فيه دليل ذلك وهو حديث بن عمر رفعه لا تصلوا الصلاة في اليوم مرتين ومن وجه آخر مرسل إن أهل العالية كانوا يصلون في بيوتهم ثم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فنهاهم ففي الاستدلال بذلك على تقدير صحته نظر لاحتمال أن يكون النهى عن أن يصلوها مرتين على أنها فريضة وبذلك جزالبيهقي جمعا بين الحديثين بل لو قال قائل هذا النهى منسوخ بحديث معاذ لم يكن بعيدا ولا يقال القصة قديمة لأن المؤلف استشهد بأحد لأنا نقول كانت أحد في أواخر الثالثة فلا مانع أن يكون النهى في الأولى والإذن في الثالثة مثلا وقد
[ 166 ]
قال صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين لم يصليا معه إذا صليتما في حالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد بن الأسود العامري وصححه بن خزيمة وغيره وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويدل على الجواز أيضا أمره صلى الله عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن صلوها في بيوتكم في الوقت ثم اجعلوها معهم نافلة وأما الاستدلال الطحاوي أنه صلى الله عليه وسلم نهى معاذا عن ذلك بقوله في حديث سليم بن الحارث إما أن تصلي معي وإما أن تخفف بقومك ودعواه أن معناه إما أن تصلي معي ولا تصل بقومك وإما أن تخفف بقومك ولا تصلي معي ففيه نظر لأن لمخالفه أن يقول بل التقدير إما أن تصلي معي فقط إذا لم تخفف وإما أن تخفف بقومك فتصلى معي وهو أولى من تقديره لما فيه من مقابلة التخفيف بترك التخفيف لأنه هو المسئول عنه المتنازع فيه وأما تقوية بعضهم بكونه منسوخا بان صلاة الخوف وقعت مرارا على صفة فيها مخالفة ظاهرة بالأفعال المنافية في حال الأمن فلو جازت صلاة المفترض خلف المتنفل لصلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم مرتين على وجه لا أنكر فيه منافاة فلما لم يفعل دل ذلك على المنع فجوابه أنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف مرتين كما أخرجه أبو داود عن أبي بكرة صريحا ولمسلم عن جابر نحوه وأما صلاته بهم على نوع من المخالفة فلبيان الجواز وأما قول بعضهم كان فعل معاذ للضرورة لقلة القراء في ذلك الوقت فهو ضعيف كما قال بن دقيق العيد لأن القدر المجزئ من القراءة في الصلاة كان حافظوه كثيرا وما زاد لا يكون سببا لارتكاب أمر ممنوع منه شرعا في الصلاة وفي حديث الباب من الفوائد أيضا استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين وأما من قال لا يكره التطويل إذا علم رضاء المأمومين فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة كما في حديث الباب فعلى هذا يكره التطويل مطلقا إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم وفيه أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة وجواز إعادة الصلاة الواحدة في اليوم الواحد مرتين وجواز خروج المأموم من الصلاة لعذر وأما بغير عذر فاستدل به بعضهم وتعقب وقال بن المنير لو كان كذلك لم يكن لأمر الأئمة بالتخفيف فائدة وفيه نظر لأن فائدة الأمر بالتخفيف المحافظة على صلاة الجماعة ولا ينافي ذلك جواز الصلاة منفردا وهذا كما استدل بعضهم بالقصة على وجوب صلاة الجماعة وفيه نحو هذا النظر وفيه جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلي فيه بالجماعة إذا كان بعذر وفيه الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام ويؤخذ منه تعزيز كل أحد بحسبه والاكتفاء في التعزيز بالقول والانكار في المكروهات وأما تكراره ثلاثا فللتأكيد وقد تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه وفيه اعتذار من وقع منه خطأ في الظاهر وجواز الوقوع في حق من وقع في محذور ظاهر وإن كان له عذر باطن للتنفير عن فعل ذلك وأنه لا لوم على من فعل ذلك متأولا وأن التخلف عن الجماعة من صفة المنافق قوله باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود قال الكرماني الواو بمعنى مع كأنه قال باب التخفيف بحيث لا يفوته شئ من الواجبات فهو تفسير لقوله في الحديث فليتجوز لأنه لا يأمر بالتجوز المؤدى إلى فساد الصلاة قال بن المنير وتبعه بن رشيد وغيره خص التخفيف في الترجمة بالقيام
[ 167 ]
مع أن لفظ الحديث أعم حيث قال فليتجوز لأن الذي يطول في الغالب إنما هو القيام وما عداه لا يشق إتمامه على أحد وكأنه حمل حديث الباب على قصة معاذ فإن الأمر بالتخفيف فيها مختص بالقراءة انتهى ملخصا والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى بعض ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته وأما قصة معاذ فمغايرة لحديث الباب لأن قصة معاذ كانت في العشاء وكان الإمام فيها معاذا وكانت في مسجد بني سلمة وهذه كانت في الصبح وكانت في مسجد قباء ووهم من فسر الإمام المبهم هنا بمعاذ بل المراد به أبي بن كعب كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن من رواية عيسى بن جارية وهو بالجيم عن جابر قال كان أبي بن كعب يصلي بأهل قباء فاستفتح سورة طويلة فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة فلما سمعه استفتحها انفتل من صلاته فغضب أبي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الغلام وأتى الغلام يشكو أبيا فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه ثم قال إن منكم منفرين فإذا صليتم فاوجزوا فإن خلفكم الضعيف والكبير والمريض وذا الحاجة فأبان هذا الحديث أن المراد بقوله في حديث الباب مما يطيل بنا فلان أي في القراءة واستفيد منه أيضا تسمية الإمام وبأى موضع كان وفي الطبراني من حديث عدي بن حاتم من أمنا فليتم الركوع والسجود وفي قول بن المنير إن الركوع والسجود لا يشق إتمامهما نظر فإنه إن أراد أقل ما يطلق عليه اسم تمام فذاك لا بد منه وإن أراد غاية التمام فقد يشق فسيأتي حديث البراء قريبا أنه صلى الله عليه وسلم كان قيامه وركوعه وسجوده قريبا من السواء قوله حدثنا زهير هو بن معاوية الجعفي وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وأبمسعود هو الأنصاري البدري والإسناد كله كوفيون قوله أن رجلا لم أقف على اسمه ووهم من زعم أنه حزم بن أبي بن كعب لأن قصته كانت مع معاذ لا مع أبي بن كعب قوله أني لأتأخر عن صلاة الغداة أي فلا أحضرها مع الجماعة لأجل التطويل وفي رواية بن المبارك في الأحكام والله إني لأتأخر بزيادة القسم وفيه جواز مثل ذلك لأنه لم ينكر عليه وتقدم في كتاب العلم في باب الغضب في العلم بلفظ إني لا أكاد أدرك الصلاة وتقدم توجيهه ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن الذي ألفه من تطويله اقتضى له أن يتشاغل عن المجئ في أول الوقت وثوقا بتطويله بخلاف ما إذا لم يكن يطول فإنه كان يحتاج إلى المبادرة إليه أول الوقت وكأنه يعتمد على تطويله فيتشاغل ببعض شغله ثم يتوجه فيصادف أنه تارة يدركه وتارة لا يدركه فلذلك قال لا أكاد أدرك مما يطول بنا أي بسبب تطويله واستدل به على تسمية الصبح بذلك ووقع في رواية سفيان الآتية قريبا عن الصلاة في الفجر وإنما خصها بالذكر لأنها تطول فيها القراءة غالبا ولان الانصراف منها وقت التوجه لمن له حرفة إليها قوله أشد بالنصب وهو نعت لمصدر محذوف أي غضبا أشد وسببه إما لمخالفة الموعظة أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه كذا قاله بن دقيق العيد وتعقبه تلميذه أبو الفتح اليعمري بأنه يتوقف على تقدم الإعلام بذلك قال ويحتمل أن يكون ما ظهر من الغضب لإدارة الاهتمام بما يلقيه لأصحابه ليكونوا من سماعه على بال لئلا يعومن فعل ذلك إلى مثله وأقول هذا أحسن في الباعث على أصل إظهار الغضب أما كونه أشد فالاحتمال الثاني أوجه ولا يرد عليه التعقب المذكور قوله أن منكم منفرين فيه تفسير للمراد بالفتنة في قوله في حديث معاذ أفتان أنت ويحتمل أن
[ 168 ]
تكون قصة هذه بعد قصة معاذ فلهذا أتى بصيغة الجمع وفي قصة معاذ واجهه وحده بالخطاب وكذا ذكر في هذا الغضب ولم يذكره في قصه معاذ وبهذا يتوجه الاحتمال الأول لابن دقيق العيد قوله فأيكم ما صلى ما زائدة ووقع في رواية سفيان فمن أم الناس قوله فليخفف قال بن دقيق العيد التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشئ خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنبسة لعادة آخرين قال وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا قلت وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أنت إمام قومك واقدر القوم بأضعفهم إسناده حسن وأصله في مسلم قوله فإن فيهم في رواية سفيان فإن خلفه وهو تعليل الأمر المذكور ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من المذكورات لم يضر التطويل وقد قدمت ما يرد عليه في الباب الذي قبله من إمكان مجئ من يتصف باحداها وقال اليعمري الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا قال وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وعلل بالمشقة وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق وأشار بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهنا كذلك قوله الضعيف والكبير كذا للأكثر ووقع في رواية سفيان في العلم فإن فيهم المريض والضعيف وكأن المراد بالضعيف هنا المريض وهناك من يكون ضعيفا في خلقته كالنحيف والمسن وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد قول فيه قوله باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء يريد أن عموم الأمر بالتخفيف مختص بالأئمة فأما المنفرد فلا حجر عليه في ذلك لكن اختلف فيما إذا أطال القراءة حتى خرج الوقت كما سنذكره قوله فإن فيهم كذا للأكثر وللكشميهني فإن منهم قوله الضعيف والسقيم المراد بالضعيف هنا ضعيف الخلقة وبالسقيم من به مرض زاد مسلم من وجه آخر عن أبي الزناد والصغير والكبير وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص والحامل والمرضع وله من حديث عدي بن حاتم والعابر السبيل وقوله في حديث أبي مسعود الماضي وذا الحاجة هي أشمل الأوصاف المذكورة قوله فليطول ما شاء ولمسلم فليصل كيف شاء أي مخففا أو مطولا واستدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وهو المصحح عند بعض أصحابنا وفيه نظر لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى أخرجه مسلم وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في دابة بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة المفسدة أولى واستدل بعمومه أيضا على جواز تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين قوله باب من شكا إمامه إذا المريض فيه حديث أبي مسعود وهو ظاهر في الترجمة وكذا حديث جابر والتعليق عن أبي أسيد وهو الأنصاري وصله بن أبي شيبة من رواية المنذر بن أبي أسيد قال كان أبي يصلي خلفي فربما قال يا بني طولت بنا اليوم واستفيد منه تسمية الابن المذكور وفيه حجة على من كره للرجل أن يؤم أباه كعطاء ورأيت بخط البدر الزركشي أنه رأى في بعض نسخ البخاري وكره عطاء أن يؤم الرجل أباه فإن ثبت ذلك فقد وصل بن أبي شيبة هذا التعليق وكأن المنذر كان إماما راتبا في المسجد تنبيه وقع في
[ 169 ]
رواية المستملى أبو أسيد بفتح الهمزة والصواب الضم كما للباقين قوله في حديث محارب عن جابر أقبل رجل بناضحين الناضح بالنون والضاد المعجمة والحاء المهملة ما استعمل من الإبل في سقى النخل والزرع قوله وقد جنح الليل أي أقبل بظلمته وهو يؤيد أن الصلاة المذكورة كانت العشاء كما تقدم قوله بسورة البقرة أو للنساء زاد أبو داود الطيالسي عن شعبة شك محارب وفي هذا رد على من زعم أن الشك فيه من جابر قوله فلولا صليت أي فهلا صليت قوله فإنه يصلي وراءك تقدم شرحه في الباب الذي قبله فكان هذا هو الحامل لمن وحد بين القصتين لكن في ثبوت هذه الزيادة في هذه القصة نظر لقوله بعدها أحسب هذا في الحديث يعني هذه الجملة الأخيرة فإنه يصلي الخ وقائل ذلك هو شعبة الراوي عن محارب وقد رواه غير شعبة من أصحاب محارب عنه بدونها وكذا أصحاب جابر قوله تابعه سعيد بن مسروق هو والد سفيان الثوري وروايته هذه وصلها أبو عوانة من طريق أبي الأحوص عنه ومتابعة مسعر وصلها السراج من رواية أبي نعيم عنه ومتابعة الشيباني وهو أبو إسحاق وصلها البزار من طريقه كلهم عن محارب والمراد أنهم تابعوا شعبة عن محارب في أصل الحديث لا في جميع ألفاظه قوله قال عمرو هو بن دينار وقد تقدمت روايته قبل ببابين ورواية عبيد الله بن مقسم وصلها بن خزيمة من رواية محمد بن عجلان عنه وهي عند أبي داود باختصار ورواية أبي الزبير وصلها عبد الرزاق عن بن جريج عنه وهي عند مسلم من طريق الليث عنه لكن لم يعين أن السورة البقرة قوله وتابعه الأعمش عن محارب أي تابع شعبة وروايته عند النسائي من طريق محمد بن فضيل عن الأعمش عن محارب وأبي صالح كلاهما عن جابر بطوله وقال فيه فيطول بهم معاذ ولم يعين السورة قوله باب الإيجاز في الصلاة واكمالها ثبتت هذه الترجمة عند المستملى وكريمة وكذا ذكرها الاسماعيلي وسقطت للباقين وعلى تقدير سقوطها فمناسبة حديث أنس للترجمة من جهة أن من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الإيجاز والاتمام لا يشكى منه تطويل وروى بن أبي شيبة من طريق أبي مجلز قال كانوا أي الصحابة يتمون ويوجزون ويبادرون الوسوسة فبين العلة في تخفيفهم ولهذا عقب المصنف هذه الترجمة بالإشارة إلى أن تخفيف النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهذا السبب لعصمته من الوسوسة بل كان يخفف عند حدوث أمر يقتضيه كبكاء صبي قوله عبد العزيز هو بن صهيب والإسناد كله بصريون والمراد بالايجاز مع الإكمال الأعجمي بأقل ما يمكن من الأركان والأبعاض قوله باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي قال الزين بن المنير التراجم السابقة بالتخفيف تتعلق بحق المأمومين وهذه الترجمة تتعلق بقدر زائد على ذلك وهو مصلحة غير المأمور لكن حيث تتعلق بشئ يرجع إليه قوله عن يحيى بن أبي كثير في روايبشر بن بكر الآتية عن الأوزاعي حدثني يحيى قوله عن عبد الله بن أبي قتادة في رواية بن سماعه عن الأوزاعي عند الاسماعيلي حدثني عبد الله بن أبي قتادة قوله أني لا قوم في الصلاة أريد في رواية بشر بن بكر لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد قوله تابعه بشر بن بكر هي موصولة عند المؤلف في باب خروج النساء إلى المساجد معي كتاب الجمعة ومتابعة بن المبارك وصلها النسائي ومتابعة بقية وهو بن الوليد لم أقف عليها واستدل بهذا الحديث على جواز
[ 170 ]
إدخال الصبيان المساجد وفيه نظر لاحتمال أن يكون الصبي كان مخلفا في بيت يقرب من المسجد بحيث يسمع بكاؤه وعلى جواز صلاة النساء في الجماعة مع الرجال وفيه شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ومراعاة أحوال الكبير منهم والصغير قوله حدثني شريك بن عبد الله أي بن أبي نمر والإسناد كله مدنيون غير خالد فهو كوفي سكن المدينة قوله أخف صلاة ولا أتم إلى هنا أخرج مسلم من هذا الحديث من رواية إسماعيل بن جعفر عن شريك ووافق سليمان بن بلال على تكملته أبو ضمرة عند الاسماعيلي قوله فيخفف بين مسلم في رواية ثابت عن أنس محل التخفيف ولفظه فيقرأ بالسورة القصيرة وبين بن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن سابط مقدارها ولفظه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى بسورة طويلة فسمع بكاء صبي فقرأ بالثانية بثلاث آيات وهذا مرسل قوله أن تفتن أمه أي تلتهى عن صلاتها لاشتغال قلبها ببكائه زاد عبد الرزاق من مرسل عطاء أو تتركه فيضيع قوله حدثنا سعيد هو بن أبي عروبة والإسناد كله بصريون وكذا ما بعده موصولا ومعلقا قوله وأنا أريد إطالتها فيه أن من قصد في الصلاة الإتيان بشئ مستحب لا يجب عليه الوفاء به خلافا لأشهب حيث ذهب إلى أن من نوى التطوع قائما ليس له أن يتمه جالسا قوله في رواية بن أبي عدي مما أعلم وفي رواية الكشميهني لما أعلم قوله وجد أمه أي حزنها قال صاحب المحكم وجد يجد وجدا بالسكون والتحريك حزن وكأن ذكر الأم هنا خرج مخرج الغالب وإلا فمن كان في معناها ملتحق بها قوله وقال موسى أي بن إسماعيل وهو أبو سلمة النبوذكى وأبان هذا بن يزيد العطار والمراد ببهذا بيان سماع قتادة له من أنس وروايته هذه وصلها السراج عن عبيد الله بن جرير وابن المنذر عن محمد بن إسماعيل كلاهما عن أبي سلمة ووقع التصريح أيضا عند الاسماعيلي من رواية خالد بن الحارث عن سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك حدثه قال بن بطال احتج به من قال يجوز للأمام إطالة الركوع إذا سمع بحس انظر ليدركه وتعقبه بن المنير بان التخفيف نقيض التطويل فكيف يقاس عليه قال ثم إن فيه مغايرة للمطلوب لأن فيه إدخال مشقة على جماعة لأجل واحد انتهى ويمكن أن يقال محل ذلك ما لم يشق على الجماعة وبذلك قيده أحمد وإسحاق وأبو ثوروما ذكره بن بطال سبقه إليه الخطابي ووجهه بأنه إذا جاز التخفيف لحاجة من حاجات الدنيا كان التطويل لحاجة من حاجات الدين أجوز وتعقبه القرطبي بأن في التطويل هنا زيادة عمل في الصلاة غير مطلوب بخلاف التخفيف فإنه مطلوب انتهى وفي هذه المسألة خلاف عند الشافعية وتفصيل وأطلق النووي عن المذهب استحباب ذلك وفي التجريد للمحاملى نقل كراهيته عن الجديد وبه قال الأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأبو يوسف وقال محمد بن الحسن أخشى أن يكون شركا قوله باب إذا صلى ثم أم قوما قال الزين بن المنير لم يذكر جواب إذا جريا على عادته في ترك الجزم بالحكم المختلف فيه وقد تقدم البحث في ذلك قريبا وتقدم الحديث من وجه آخر عن عمرو قوله باب من أسمع الناس تكبير الإمام تقدم الكلام على حديث عائشة
[ 171 ]
في باب حد المريض أن يشهد الجماعة والشاهد فيه قوله وأبو بكر يسمع الناس التكبير وهذه اللفظة مفسرة عند الجمهور للمراد بقوله في الرواية الماضية وكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر وقد ذكر البخاري أن محاضرا تابع عبد الله بن داود على ذلك وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده قال بن مالك ووقع في بعض الروايات هنا إن يقم مقامك يبكي ومروا أبا بكر يصلي بإثبات الياء فيهما وهو من معي أجراء المعتل لمجرى الصحيح والاكتفاء بحذف الحركة ومنه قراءة من قرا إنه من يتقي ويصبر تنبيه سقط في رواية أبي زيد المروزي من هذا الإسناد إبراهيم ولا بد منه قوله باب الرجل يأتم بالإما ويأتم الناس بالمأموم قال بن بطال هذا موافق لقول مسروق والشعبي إن الصفوف يؤم بعضها بعضا خلافا للجمهور قلت وليس المراد أنهم يأتمون بهم في التبليغ فقط كمفهمه بعضهم ولو الخلاف معنوى لأن الشعبي قال فيمن أحرم قبل أن يرفع الصف الذي يليه رؤوسهم من الركعة أنه أدركها ولو كان الإمام رفع قبل ذلك لأن بعضهم لبعض كثرة انتهى فهذا يدل على أنه يرى أنهم يتحملون عن بعضهم بعض ما يتحمله الإمام وأثر الشعبي الأول وصله عبد الرزاق والثاني وصله بن أبي شيبة ولم يفصح البخاري باختياره في هذه المسألة لأنه بدأ بالترجمة الدالة على أن المراد بقوله ويأتم الناس معبد بكر أي أنه مقام المبلغ ثم ثنى بهذه الرواية التي أطلق فيها اقتداء الناس معبد بكر ورشح ظاهرها بظاهر الحديث المعلق فيحتمل أن يكون يذهب إلى قول الشعبي ويرى أن قوله في الرواية الأولى يسمع الناس التكبير لا ينفى كونهم يأتمون به لأن اسماعه لهم التكبير جزء من أجزاء ما يأتمون به فيه وليس فيه نفى لغيره ويؤيد ذلك رواية الاسماعيلي من طريق عبد الله بن داود المذكور ووكيع جميعا عن الأعمش بهذا الإسناد قال فيه والناس يأتمون معبد بكر وأبو بكر يسمعهم قوله ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا طرف من حديث أبي سعيد الخدري قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخرا فقال تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم الحديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن من رواية أبي نضرة عنه قيل وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض لأن أبا نضرة ليس على شرطه لضعف فيه وهذا عندي ليس بصواب لأنه لا يلزم من كونه على غير شرطه أنه لا يصلح عنده للاحتجاج به بل قد يكون صالحا للاحتجاج به عنده وليس هو على شرط صحيحه الذي هو أعلى شروط الصحة والحق أن هذه الصيغة لا تختص بالضعيف بل قد تستعمل في الصحيح أيضا بخلاف صيغة الجزم فإنها لا تستعمل إلا في الصحيح وظاهره يدل لمذهب الشعبي وأجاب النووي بأن معنى وليأتم بكم من بعدكم أي يقتدى بكم من خلفكم مستدلين على أفعالى بأفعالكم قال وفيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه أو صف قدامة يراه متابعا للأمام وقيل معناه تعلموا مني أحكام خالف وليتعلم منكم التابعون بعدكم وكذلك أتباعهم إلى انقراض الدنيا قوله مروا أبا بكر يصلي كذا فيه بإثبات الياء وقد تقدم توجيه بن مالك له ووقع في رواية الكشميهني أن يصلي قوله متى يقوم كذا وقع للأكثر في الموضعين بإثبات الواو ووجهه بن مالك بأنه العطار متى بإذا فلم تجزم كما العطار إذا بمتى في قوله إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين فحذف النون ووقع في رواية الكشميهني معي متى ما يقم ولا اشكال
[ 172 ]
فيها قوله تخطان الأرض في رواية الكشميهني يخطان في الأرض وقد تقدمت بقية مباحث الحديث في باب حد المريض وقوله في السند الأعمش عن إبراهيم عن الأسود كذا للجميع وهو الصواب وسقط إبراهيم بين الأعمش والأسود من رواية أبي زيد المروزي وهو وهم قاله الجياني قوله باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس أورد فيه قصة ذي اليدين في السهو وسيأتي الكلام عليها في موضعه قال الزين بن المنير أراد أن محل الخلاف في هذه المسألة هو ما إذا كان الإمام شاكا أما إذا كان على يقين من فعل نفسه فلا خلاف أنه لا يراجع إلى أحد انتهى وقال بن التين يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم شك بأخبار ذي اليدين فسألهم إرادة تيقن أحد الأمرين فلما صدقوا ذا اليدين علم صحة قوله قال وهذا الذي أراد البخاري بتبويبه وقال بن بطال بعد أن حكى الخلاف في هذه المسألة حمل الشافعي رجوعه عليه الصلاة والسلام على أنه تذكر فذكر وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لبينه لهم ليرتفع اللبس ولو بينه لنقل ومن ادعى ذلك فليذكره قلت قد ذكره أبو داود من طريق الأوزاعي عن الزهري عن سعيد وعبيد الله عن أبي هريرة بهذه القصة قال ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك قوله باب إذا بكى الإمام في الصلاة أي هل تفسد أو لا والاثر والخبر اللذان في الباب يدلان على الجواز وعن الشعبي والنخعي والثوري أن البكاء والأنين يفسد الصلاة وعن المالكية والحنفية إن كان لذكر النار والخوف لم يفسد وفي مذهب الشافعي ثلاثة أوجه أصحها إن ظهر منه حرفان أفسد وإلا فلا ثانيها وحكى عن نصه في الإملاء أنه لا يفسد مطلقا لأنه ليس من جنس الكلام ولا يكاد يبين منه حرف محقق فأشبه الصوت الغفل ثالثها عن القفاإن كان فمه مطبقا لم يفسد وإلا أفسد إن ظهر منه حرفان وبه قطع المتولي والوجه الثاني أقوى دليلا فائدة أطلق جماعة التسوية بين الضحك والبكاء وقال المتولي لعل الأظهر في الضحك البطلان مطلقا لما فيه من هتك حرمة الصلاة وهذا أقوى من حيث المعنى والله أعلم قوله وقال عبد الله بن شداد أي بن الهاد وهو تابعي كبير له رؤية ولأبيه صحبة قوله سمعت نشيج عمر النشيج بفتح النون وكسر المعجمة وآخره جيم قال بن فارس نشج الباكى ينشج متنفسا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب وقال الهروي النشيج صوت معه ترجيع كما يردد الصبي بكاءه في صدره وفي المحكم هو أشد البكاء وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور عن بن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعيد سمع عبد الله بن شداد بهذا وزاد في صلاة الصبح وأخرجه بن المنذر من طريق عبيد بن عمير عن عمر نحوه وقد تقدم الكلام على حديث أبي بكر وقوله فيه من البكاء أي لأجل البكاء وفي الباب حديث عبد الله
[ 173 ]
بن الشخير رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا وفي صدره أزيز كأزيز المرجع من البكاء رواه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل وإسناده قوي وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم ووهم من زعم أن مسلما أخرجه والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم القدر إذا غلت والازيز بفتح الهمزة بعدها زاى ثم تحتانية ساكنة ثم زاى أيضا وهو صوت القدر إذا غلت وفي لفظ كأزيز الرحى قوله باب تسوية الصفوف عند اشتراط وبعدها ليس في حديثي الباب دلالة على تقييد التسوية بما ذكر لكن أشار بذلك إلى ما في بعض الطرق كعادته ففي حديث النعمان عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عند ما كاد أن يكبر وفي حديث أنس في الباب الذي بعد هذا أقيمت الصلاة فأقبل علينا فقال قوله لتسون بضم التاء المثناة وفتح السين وضم الواو المشددة وتشديد النون وللمستملى لتسوون بواوين قال البيضاوي هذه اللام هي التي يتلقى بها القسم والقسم هنا مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة انتهى وسيأتي من رواية أبي داود قريبا إبراز القسم في هذا الحديث قوله أو ليخالفن الله بين وجوهكم أي إن لم تسووا والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد أو يراد بها سد الخلل الذي في الصف كما سيأتي واختلف في الوعيد المذكور فقيل هو على حقيقته والمراد تسوية الوجه بتحويل خلقه عن وضعه بجعله موضع القفا أو نحو ذلك فهو وكماما تقدم من الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار وفيمن اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهي المخالفة وعلى هذه فهو واجب والتفريط فيه حرام وسيأتي البحث في ذلك في باب إثم من لم يتم الصفوف قريبا ويؤيد حمله على ظاهره حديث أبي أمامة لتسون الصفوف أو لتطمسن الوجوه أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف ولهذا قال بن الجوزي الظاهر أنه مثل الوعيد المذكور في قوله تعالى من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها وحديث أبي أمامه أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف ومنهم من حمله على المجاز قال النووي معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما تقول تغير وجه فلان علي أي ظهر لي من وجهه كراهية لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن ويؤيده رواية أبي داود وغيره بلفظ أو ليخالفن الله بين قلوبكم كما سيأتي قريبا وقال القرطبي معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجها غير الذي أخذ صاحبه لأتقدم الشخص على غيره مظنة الكبر المفسد للقلب الداعي إلى القطيعة والحاصل أن المراد بالوجه إن حمل عل العضو الخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الإنسانية أالصفة أو جعل القدام وراء وأن حمل على ذات الشخص فالمخالفة بحسب المقاصد أشار إلى ذلك الكرماني ويحتمل أن يراد بالمخالفة في الجزاء فيجازى المسوى بخير ومن لا يسوى بشر قوله في حديث أنس أقيموا أي عدلوا يقال أقام العود إذا عدله وسواه قوله فإني أراكم فيه إشارة إلى سبب الأمر بذلك أي إنما أمرت بذلك لأني تحققت منكم خلافه وقد تقدم القول في المراد بهذه الرؤية في باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وأن المختار حملها على الحقيقة خلافا لمن زعم أن المراد بها خلق علم ضروري له بذلك ونحو ذلك قال الزين بن المنير لا حاجة إلى تأويلها لأنه في معنى تعطيل لفظ الفاء من غير ضرورة وقال القرطبي بل حملها على ظاهرها أولى لأن فيه زيادة في كرامة النبي صلى الله عليه وسلم
[ 174 ]
قوله باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف أورد فيه حديث أنس الذي في الباب قبله وقد تقدم الكلام عليه فيه قوله حدثنا معاوية بن عمرو هو من قدماء شيوخ البخاري وروى له هنا بواسطة فكأنه لم يسمعه منه وإنما نزل فيه لما وقع في الإسناد من تصريح حميد بتحديث أنس له فأمن بذلك تدليسه قوله وتراصوا بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل ويحتمل أن يكون تأكيدا لقوله أقيموا والمراد بأقيموا سووا كما وقع في رواية معمر عن حميد عند الاسماعيلي بدل أقيموا واعتدلوا وفيه جواز الكلام بين اشتراط والدخول في الصلاة وقد تقدم في باب مفرد وفيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة قوله باب الصف الأول والمراد به ما يلي الإمام مطلقا وقيل أول صف تام يلي الإمام لا ما تخلله شئ كمقصورة وقيل المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف قاله بن عبد البر واحتج بالاتفاق على أن من جاء أول الوقت ولم يدخل في الصف الأول فهو أفضل ممن جاء في آخره وزاحم إليه ولا حجة له في ذلك كما لا يخفى قال النووي القول الأول هو الصحيح المختار وبه صرح المحققون والقولان الآخران غلط صريح انتهى وكأن صاحب القول الثاني لحظ أن المطلق ينصرف إلى الكامل وما فيه خلل فهو ناقص المنكر القول الثالث لحظ المعنى في تفضيل الصف الأول دون مراعاة يسير وإلى الأول أشار البخاري لأنه ترجم بالصف الأول وحديث الباب فيه الصف المقدم وهو الذي لا يتقدمه إلا الإمام قال العلماء في الحض على الصف الأول المسارعة إلى خلاص الذمة والسبق لدخول المسجد والقرب من الإمام واستماع قراءته والتعلم منه والفتح عليه والتبليغ عنه والسلامة من اختراق المارة بين يديه وسلامة البال من رؤية من يكون قدامة وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين قوله باب إقامة الصف من تمام الصلاة أورد فيه حديث أبي هريرة إنما جعل الإمام ليأتم به وسيأتي الكلام عليه في باب إيجاب التكبير قريبا وفي آخره هنا وأقيموا الصفوف الخ وهو المقصود بهذه الترجمة وقد أفرده مسلم وأحمد وغيرهما من طريق عبد الرزاق المذكورة عما قبله فجعلوه حديثين قوله من حسن الصلاة قال بن رشيد إنما قال البخاري في الترجمة من تمام الصلاة ولفظ الحديث من حسن الصلاة لأنه أراد أن يبين أنه المراد بالحسن هنا وأنه لا يعني به الظاهر المرئي من الترتيب بل المقصود منه الحسن الحكمي بدليل حديث أنس وهو الثاني من حديثي الباب حيث عبر بقوله من إقامة الصلاة قوله في حديث أنس فإن تسوية الصفوف وفي رواية الأصيلي الصف بالافراد والمراد به الجنس قوله من إقامة الصلاة هكذا ذكره البخاري عن أبي الوليد وذكره غيره عنه بلفظ من تمام الصلاة كذلك أخرجه الاسماعيلي عن بن حذيفة والبيهقي من طريق عثمان الدارمي كلاهما عنه وكذلك أخرجه أبو داود عن أبي الوليد وغيره وكذا مسلم وغيره من طريق جماعة عن شعبة وزاد الاسماعيلي من طريق أبي داود الطيالسي قال سمعت شعبة يقول داهنت في هذا الحديث لم أسأل قتادة أسمعته من أنس أم لا انتهى ولم أره عن قتادة إلا معنعنا ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري لحديث أبي هريرة معه في الباب تقوية له واستدل بن حزم بقوله إقامة الصلاة على وجوب تسوية الصفوف قال لأن إقامة الصلاة واجبة وكل شئ من الواجب واجب ولا يخفى ما فيه ولا سيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة وتمسك بن بطال بظاهر
[ 175 ]
لفظ حديث أبي هريرة فاستدل به على أن التسوية سنة قال لأن حسن الشئ زيادة علتمامه وأورد عليه رواية من تمام الصلاة وأجاب بن دقيق العيد فقال قد يؤخذ من قوله تمام الصلاة الاستحباب لأن تمام الشئ في العرف أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وإن كان يطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة إلا به كذا قال وهذا الأخذ بعيد لأن لفظ الفاء لا يحمل إلا على ما دل عليه الوضع في اللسان العربي وإنما يحمل على العرف إذا ثبت أنه عرف الفاء لا العرف الحادث تنبيه لفظ الترجمة أورده عبد الرزاق من حديث جابر قوله باب إثم من لم يتم الصفوف قال بن رشيد أورد فيه حديث أنس ما أنكرت شيئا الا أنكم لا تقيمون الصفوف وتعقب بان الإنكار قد يقع على ترك السنة فلا يدل ذلك على حصول الإثم وأجيب بأنه لعله حمل الأمر في قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره على أن المراد بالأمر الشأن والحال لا مجرد الصيغة فيلزم منه أن من خالف شيئا من الحال التي كان عليها صلى الله عليه وسلم أن يأثم لما يدل عليه الوعيد المذكور في الآية وإنكار أنس ظاهر في أنهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة الصفوف فعلى هذا تسلتزم المخالفة التأثيم انتهى كلام بن رشيد ملخصا وهو ضعيف لأنه يفضى إلى أن لا يبقى شئ مسنون لأن التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب وأما قول بن بطال إن تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها والتي يستحق فاعلها المدح عليها دل على أن تاركها يستحق الذم فهو متعقب من جهة أنه لا يلزم من ذم تارك السنة أن يكون آثما سلمنا لكن يرد عليه التعقب الذي قبله ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله سووا صفوفكم ومن عموم قوله صلوا كما رأيتموني أصلى ومن ورود الوعيد على تركه فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب وأن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين ويؤيد ذلك أن أنسا مع إنكاره علهيم لم يأمرهم بإعادة الصلاة وأفرط بن حزم فجزم بالبطلان ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف وبما صح عن سويد بن غفلة قال كان بلال يسوى مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة فقال ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب وفيه نظر لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة قولبشير هو بالمعجمة مصغر قوله ما أنكرت منذ يوم عهدت في رواية المستملى والكشميهني ما أنكرت منا منذ عهدت قوله وقال عقبة بن عبيد هو أبو الرحال بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة وهو أخو سعيد بن عبيد راوي الإسناد الذي قبله وليس لعقبة في البخاري إلا هذا الموضع المعلق وأراد به بيان سماع بشير بن يسار له من أنس وقد وصله أحمد في مسنده عن يحيى القطان عن عقبة بن عبيد الطائي حدثني بشير بن يسار قال جاء أنس إلى المدينة فقلنا ما أنكرت منا من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أنكرت منكم شيئا غير أنكم لا تقيمون الصفوف تنبية هذه القدمة لأنس غير القدمة التي تقدم ذكرها في باب وقت العصر فإن ظاهر الحديث فيها أنه أنكر تأخير الظهر إلى أول وقت العصر كما مضى وهذا الإنكار أيضا غير الإنكار الذي تقدم ذكره في باب تضييع الصلاة عن وقتها حيث قال لا أعرف شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله
[ 176 ]
عليه وسلم إلا الصلاة وقد ضيعت فإن ذاك كان بالشام وهذا بالمدينة وهذا يدل على أن أهل المدينة كانوا في ذلك الزمان أمثل من غيرهم في التمسك بالسنن قوله باب إلزاق المنكب والمحسوسات والقدم بالقدم في الصف المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث بن عمر عند أبي داود وصححه بن خزيمة والحاكم ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات الشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله قوله وقال النعمان بن بشير هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود وصححه بن خزيمة من رواية أبي القاسم الجدلي واسمه حسين بن الحارث قال سمعت النعمان بن بشير يقول أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال أقيموا صفوفكم ثلاثا والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم قال فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرجل وهو عند ملتقى الساق والقدم وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه خلافا لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم وأثبته بعضهم في مسألة الحج لا الوضوء وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم قوله عن أنس رواه سعيد بن منصور عن هشيم فصرح فيه بتحديث ث أنس لحميد وفيه الزيادة التي في آخره وهي قوله وكان أحدنا الخ وصرح بأنها من قول أنس وأخرجه الاسماعيلي من رواية معمر عن حميد بلفظ قال أنس فلقد رأيت أحدنا الخ وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته وزاد معمر في روايته ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس قوله باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه تمت صلاته تقدم أكثر لفظ هذه الترجمة قبل بنحو من عشرين بابا لكن ليس هناك لفظ خلفه وقال هناك لم تفسد صلاتهما بدل قوله تمت صلاته وأخرج هناك حديث بن عباس هذا لكن من وجه آخر ولم ينبه أحد من الشراح على حكمة هذه الإعادة بل أسقط بعضهم الكلام على هذا الباب والذي يظهر لي أن حكمهما مختلف لاختلاف الجوابين فقوله لم تفسد صلاتهما أي بالعمل الواقع منهما لكونه خفيفا وهو من مصلحة الصلاة أيضا وقوله تمت صلاته أي المأموم ولا يضر وقوفه عن يسار الإمام أولا مع كونه في غير موقفه ولأنه معذور بعدم العلم بذلك الحكم ويحتمل أن يكون الضمير للأمام وتوجيهه أن الإمام وحده في مقام الصف ومحاولته لتحويل المأموم فيه التفات ببعض بدنه ولكن ليس تركا لإقامة الصف للمصلحة المذكورة فصلاته على هذا لا نقص فيها من هذه الجهة والله أعلم وقال الكرماني يحتمل أن يكون الضمير للرجل لأن الفاعل وإن تأخر لفظا لكنه متقدم رتبة فلكل منهما قرب من وجه قلت لكن إذا عاد الضمير للأمام أفاد أنه احترز أن يحوله من بين يديه لئلا يصير كالمار بين يديه قوله باب المرأة وحدها تكون صفا أي في حكم الصف وبهذا يندفع اعتراض الاسماعيلي حيث قال الشخص الواحد لا يسمى صفا وأقل ما يقوم الصف باثنين ثم أن هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه بن عبد البر من حديث عائشة مرفوعا المرأة
[ 177 ]
وحدها صف قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي وإن كان عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قد روى هذا الحديث أيضا عن سفيان وهو بن عيينة قوله عن إسحاق عن أنس في رواية القدرة عند أبي نعيم وعلى بن المديني عند الاسماعيلي كلاهما عن سفيان حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك قوله صليت أنا ويتيم كذا للجميع وكذا وقع في خبر يحيى بن يحيى المشهور من روايته عن بن عيينة ووقع عند بن فتحون فيما رواه عن بن السكن بسنده في الخبر المذكور صليت أنا وسليم بسين الركعة ولام مصغرا فتصحفت على الراوي من لفظ يتيم ومشى على ذلك بن فتحون فقال في ذيله على الاستيعاب سليم غير منسوب وساق هذا الحديث ثم إن هذا طرف من حديث أختصره سفيان وطوله مالك كمتقدم في باب الصلاة على الحصير واستدل بقوله فصففت أنا واليتيم وراءه على أن السنة في موقف الإثنين أن يصفا خلف الإمام خلافا لمن قال من الكوفيين أن أحدهما يقف عن يمينه والآخر عن يساره وحجتهم في ذلك حديث بن مسعود الذي أخرجه أبو داود وغيره عنه أنه أقام علقمة عن يمينة والأسود عن شماله وأجاب عنه بن سيرين بأن ذلك كان لضيق المكان رواه الطحاوي قوله وأمي أم سليم خلفنا فيه أن المرأة لاتصف مع الرجال وأصله ما يخشى من الافتتان بها فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور وعن الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة وهو عجيب وفي توجيهه تعسف حيث قال قائلهم دليله قول بن مسعود أخروهن من حيث أخرهن الله والأمر للوجوب وحيث ظرف مكان ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها وحكاية هذا تغني عن تكلف جوابه والله المستعان فقد ثبت النهى عن الصلاة في الثوب المغصوب وأمر لابسه أن ينزعه فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك وأوضح منه لو كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع إقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته وأثم وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته ولا سيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه وقال بن رشيد الأقرب أن البخاري قصد أن يبين أن هذا مستثنى من عموم الحديث الذي فيه لا صلاة لمنفرد خلف الصف يعني أنه مختص بالرجال والحديث المذكور أخرجه بن حبان من حديث على بن شيبان وفي صحته نظر كما سنذكره في باب إذ ركع دون الصف واستدل به بن بطال على صحة صلاة المنفرد خلف الصف خلافا لأحمد قال لأنه لما ثبت ذلك للمرأة كان للرجل أولى لكن لمخالفة أن يقول إنما ساغ ذلك لامتناع أن تصف مع الرجال بخلاف الرجل فإن له أن يصف معهم وأن يزاحمهم وأن يجذب رجلا من حاشية الصف فيقوم معه فافترقا وباقى مباحثه تقدمت في باب الصلاة على الحصير قوله باب ميمنة المسجد والإمام أورد فيه حديث بن عباس مختصرا وهو موافق للترجمة أما للأمام فبالمطابقة وأما للمسجد فباللزوم وقد تعقب من وجه آخر وهو أن الحديث إنما ورد فيما إذا كان المأموم واحدا أما إذا كثروا فلا دليل فيه على فضيلة ميمنة المسجد وكأنه أشار إلى ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن البراء قال كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه ولأبي داود بإسناد حسن عن عائشة مرفوعا أن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف وأما ما رواه بن ماجة عن بن عمر قال
[ 178 ]
قيل للنبي صلى الله علية وسلم إن ميسرة المسجد تعطلت فقال من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر ففي إسناده مقال وإن ثبت فلا يعارض الأول لأن ما ورد لمعنى عارض يزول بزواله قولحدثنا موسى هو بن إسماعيل النبوذكى وعاصم هو بن سليمان قوله وقال بيده أي تناوويدل عليه رواية الاسماعيلي فأخذ بيدي قوله من ورائي في رواية الكشميهني من ورائه وهو أوجه قوله باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة أي هل يضر ذلك بالاقتداء أولا والظاهر من تصرفه أنه لا يضر كما ذهب إليه المالكية والمسألة ذات خلاف شهير ومنهم من فرق بين المسجد وغيره قوله وقال الحسن لم أره موصولا بلفظه وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه في الرجل يصلي خلف الإمام أو فوق سطح يأتم به لا بأس بذلك قوله وقال أبو مجلز وصله بن أبي شيبة عن معتمر عن ليث بن أبي سليم عنه بمعناه وليث ضعيف لكن أخرجه عبد الرزاق عن بن التيمي وهو معتمر عن أبيه عنه فإن كان مضبوطا فهو إسناد صحيح قوله حدثني محمد هو بن سلام قاله أبو نعيم وبه جزم بن عساكر في روايته وعبدة هو بن سليمان قوله في حجرته ظاهره أن المراد حجرة بيته ويدل عليه ذكر جدار الحجرة وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي نعيم بلفظ كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه ويحتمل أن المراد الحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير كما في الرواية التي بعد هذه وكذا حديث زيد بن ثابت الذي بعده ولأبي داود ومحمد بن نصر من وجهين آخرين عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها فأما أن يحمل على التعدد أو على المجاز في الجدار وفي نسبة الحجرة إليها قوله فقام ناس في رواية الكشميهني فقام أناس وهذا موضع الترجمة لأن مقتضاه أنهم كانوا يصلون بصلاته وهو انظر الحجرة وهم خارجها قوله فقام ليلة الثانية كذا للأكثر وفيه حذف تقديره ليلة الغداة الثانية وفي رواية الأصيلي فقام الليلة الثانية قوله فلما مطرف ذكر ذلك الناس أي له وأفاد عبد الرزاق أن الذي خاطبه بذلك عمر رضي الله عنه أخرجه عن معمر عن الزهري عن عروة عنها قوله أن تكتب عليكم أي تفرض وهو رواية حماد بن زيد عند أبي نعيم وكذا رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن الزهري عن عروة عنها وستأتى بقية مباحثه في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى قوله باب صلاة الليل كذا وقع في رواية المستملى وحده ولم يعرج عليه أكثر الشراح ولا ذكره الاسماعيلي وهو وجه السياق لأن التراجم متعلقة بأبواب الصفوف وإقامتها ولما كانت الصلاة بالحائل قد يتخيل أنها مانعة من إقامة الصف ترجم لها وأورد ما عنده فيها فأما صلاة الليل بخصوصها فلها كتاب مفرد سيأتي في أواخر الصلاة وكأن النسخة وقع فيها تكرير لفظ صلاة الليل وهي الجملة التي في آخر الحديث الذي قبله فظن الراوي أنها ترجمة مستقلة فصدرها بلفظ باب وقد تكلف بن رشيد توجيهها بما حاصله إن من صلى صارت مأموما في الظلمة كانت فيه مشابهة بمن صلى وراء حائل وأبعد منه من قال يريد أن من صلى صارت مأموما في الظلمة كان كمن صلى وراء حائط ثم ظهر لاحتمال أن يكون المراد صلاة الليل جماعة فحذف لفظ جماعة والذي يأتي في أبواب التهجد إنما هو حكم صلاة الليل وكيفيتها في عدد الركعات أو في المسجد أو البيت ونحو ذلك قوله عن المقبري هو سعيد والإسناد كله مدنيون قوله ويحتجره كذا للأكثر بالراء أي يتخذه مثل الحجرة وفي رواية الكشميهني بالزاى بدل
[ 179 ]
الراء أي يجعلة حاجزا بينه وبين غيره قوله فثاب كذا للأكثر بمثلثة ثم موحدة أي اجتمعوا ووقع عند الخطابي آبوا أي رجعوا وفي رواية الكشميهني والسرخسي فثار بالمثلثة والراء أي قاموا قوله فصلوا وراءه كذا أورده مختصرا وغرضه بيان أن الحجرة المذكورة في الرواية التي قبل هذه كانت حصيرا وقد ساقه الاسماعيلي من وجه آخر عن بن أبي ذئب تاما وسنذكر الكلام على فوائده في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى قوله عن سالم أبي النضر كذا لأكثر الرواة عن موسى بن عقبة وخالفهم بن جريج عن موسى فلم يذكر أبا النضر في الإسناد أخرجه النسائي ورواية الجماعة أولى وقد وافقهم مالك في الإسناد لكن لم يرفعه في الموطأ وروى عنه خارج الموطأ مرفوعا وفيه ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق أولهم موسى المذكور قوله حجرة كذا للأكثر بالراء وللكشميهني أيضا بالزاى قوله من صنيعكم كذا للأكثر وللكشميهني بضم الصاد وسكون النون وليس المراد به صلاتهم فقط بل كونهم رفعوا أصواتهم وسبحوا به ليخرج إليهم وحصب بعضهم الباب لظنهم أنه نائم كما ذكر المؤلف ذلك في الأدب وفي الاعتصام وزاد فيه حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به وقد استشكل الخطابي هذه الخشية كما سنوضحه في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى قوله أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ظاهره أنه يشمل جميع النوافل لأن المراد بالمكتوبة المفروضة لكنه أمرهم على ما لا يشرع فيه التجميع وكذا ما لا يخص المسجد كركعتي التحية كذا قال بعض أئمتنا ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة ما يشرع في البيت وفي المسجد معا فلا الخطبة تحية المسجد لأنها لا تشرع في البيت وأن يكون المراد بالمكتوبة ما تشرع فيه الجماعة وهل يدخل ما وجب بعارض كالمنذورة فيه نظر والمراد بالمكتوبة الصلوات الخمس لا ما وجب بعارض كالمنذورة والمراد بالمرء جنس الرجال فلا يرد استثناء النساء لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوهن المساجد وبيوتهن خير لهن أخرجه مسلم قال النووي إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء وأفرادها البيت بذلك فتنزل فيه الرحمة وينفر منه الشيطان وعلى هذا يمكن أن يخرج بقوله في بيته بيت غيره ولو أم فيه من الرياء قوله قال عفان كذا في رواية كريمة وحدها ولم يذكره الاسماعيلي ولا أبو نعيم وذكر خلف في الأطراف في رواية حماد بن شاكر حدثنا عفان وفيه نظر لأنه أخرجه في كتاب الاعتصام بواسطة بينه وبين عفان ثم فائدة هذه الطريق بيان سماع موسى بن عقبة له من أبي النضر والله أعلم خاتمة اشتملت أبواب الجماعة والإمامة من الأحاديث المرفوعة على مائة واثنين وعشرين حديثا الموصول منها ستة وتسعون والمعلق ستة قرة المكرر منها فيه وفيما مضى تسعون حديثا الخالص اثنان وثلاثون وافقة مسلم على تخريجها سوى تسعة أحاديث وهي حديث أبي سعيد في فضل الجماعة وحديث أبي الدرداء ما أعرف شيئا وحديث أنس كان رجل من الأنصار ضخما وحديث مالك بن الحويرث في صفة الصلاة وحديث بن عمر لما قدم المهاجرون وحديث أبي هريرة يصلون فإن أصابوا وحديث النعمان المعلق في الصفوف وحديث أنس كان أحدنا يلزق منكبه وحديثه في أنكاره إقامة الصفوف وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين سبعة عشر أثرا كلها معلقة إلا أثر بن عمر أنه كان يأكل قبل أن يصلي وأثر عثمان الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإنهما موصولان والله سبحانه وتعالى أعلم
[ 180 ]
قوله باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة قيل أطلق الإيجاب والمراد الوجوب تجوزا لأن الإيجاب خطاب الفاء والوجوب ما يتعلق بالمكلف وهو المراد هنا ثم الظاهر أن الواو عاطفة إما على المضاف وهو أيجاب وإما على المضاف إليه وهو التكبير الأولى أولى إن كان المراد بالافتتاح الدعاء لكنه لا يجب والذي يظهر من سياقه أن الواو بمعنى مع وأن المراد بالافتتاح الشروع في الصلاة وأبعد من قال إنها بمعنى الموحدة أو اللام وكأنه أشار إلى حديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير وسيأتي بعد بابين حديث بن عمر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة واستدل به وبحديث عائشة على تعين لفظ التكبير دون غيره من ألفاظ التعظيم وهو قول الجمهور ووافقهم أبو يوسف وعن الحنفية تنعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم ومن حجة الجمهور حديث رفاعة في قصة المسئ صلاته أخرجه أبو داود بلفظ لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبر ورواه الطبراني بلفظ ثم يقول الله أكبر وحديث أبي حميد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه ثم قال الله أكبر أخرجه بن ماجة وصححه بن خزيمة وابن حبان وهذا فيه بيان المراد بالتكبير وهو قول الله أكبر وروى البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم عن على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال الله أكبر ولأحمد والنسائي من طريق واسع بن حبان أنه سأل بن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله أكبر كلما وضع ورفع ثم أورد المصنف حديث أنس إنما جعل الإمام ليأتم به من وجهين ثم حديث أبي هريرة في ذلك واعترضه الاسماعيلي فقال ليس في الطريق الأول ذكر التكبير ولا في الثاني والثالث بيان إيجاب التكبير وإنما فيه الأمر بتأخير تكبير المأموم عن الإمام قال ولو كان ذلك إيجابا للتكبير لكان قوله فقولوا ربنا ولك الحمد إيجابا لذلك على المأموم وأجيب عن الأول بأن مراد المصنف أن يبين أن حديث أنس من الطريقين واحد اختصره شعيب وأتمه الليث وإنما أحتاج إلى ذكر الطريق المختصرة لتصريح الزهري فيها بأخبار أنس له وعن الثاني بأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وفعلة بيان لمجمل الصلاة وبيان الواجب واجب كذا وجهه بن رشيد وتعقب بالاعتراض الثالث وليس بوارد على البخاري لاحتمال أن يكون قائلا بوجوبه كما قال به شيخه إسحاق بن راهويه وقيل في الجواب أيضا إذا ثبت إيجاب التكبير في حالة من الأحوال طابق الترجمة ووجوبه على المأموم ظاهر من الحديث وأما الإمام فمسكوت عنه ويمكن أن يقال في السياق إشارة إلى الإيجاب لتعبيره بإذا التي تختص بما يجزم وقوعه وقال الكرماني الحديث دال على الجزء الثاني من الترجمة لأن لفظ إذا صلى قائما متناول لكون الافتتاح في حال القيام فكأنه قال إذا افتتح الإمام الصلاة قائما فافتتحوا أنتم أيضا قياما قال ويحتمل أن تكون الواو بمعنى مع والمعنى باب إيجاب التكبير عند افتتاح الصلاة فحينئذ دلالته على الترجمة مشكل انتهى ومحصل كلامه أنه لم يظهر له توجيه إيجاب التكبير من هذا الحديث والله أعلم وقال قوله فقولوا ربنا ولك الحمد لولا الدليل الخارجي وهو الإجماع على عدم وجوبه لكان هو أيضا واجبا
[ 181 ]
انتهى وقد قال بوجوبه جماعة من السلف منهم القدرة شيخ البخاري وكأنه لم يطلع على ذلك وقد تقدم الكلام على فوائد المتن المذكور مستوفى في باب إنما جعل الإمام ليأتم به ووقع في رواية المستملى وحده في طريق شعيب عن الزهري وإذا سجد فاسجدوا ووقع في رواية الكشميهني في طريق الليث ثم انصرف بدل قوله فلما انصرف وزيادة الواو في قوله ربنا لك الحمد وسقط لفظ جعل عند السرخسي في حديث أبي هريرة من قوله إنما جعل الإمام ليأتم به فائدة تكبيرة الإحرام ركن عند الجمهور وقيل شرط وهو عند الحنفية ووجه عند الشافعية وقيل سنة قال بن المنذر ليقل به أحد غير الزهري ونقله غيره عن سعيد بن المسيب والأوزاعي ومالك ولم يثبت عن أحد منهم تصريحا وإنما قالوا فيمن أدرك الإمام راكعا تجزئه تكبيرة الركوع نعم نقله الكرخي من الحنفية عن إبراهيم بن علية وأبي بكر الأصم ومخالفاتهما للجمهور كثيرة تنبيه لم يختلف في إيجاب النية في الصلاة وقد أشار إليه المصنف في أواخر الإيمان حيث قال باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاه إلى آخر كلامه قوله باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء هو ظاهر قوله في حديث الباب يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وفي رواية شعيب الآتية بعد باب يرفع يديه حين يكبر فهذا دليل المقارنة وقد ورد تقديم الرفع على التكبير وعكسه أخرجهما مسلم ففي حديث الباب عنده من رواية بن جريج وغيره عن بن شهاب بلفظ رفع يديه ثم كبر وفي حديث مالك بن الحويرث عنده كبر ثم رفع يديه وفي المقارنة وتقديم الرفع على التكبير خلاف بين العلماء والمرجح عند أصحابنا المقارنة ولم أرمن قال بتقديم التكبير على الرفع ويرجح الأول حديث وائل بن حجر عند أبي داود بلفظ رفع يديه مع التكبير وقضية المعية أنه ينتهى بانتهائه وهو الذي صححه النووي في شرح المهذب ونقله عن نص الشافعي وهو المرجح عند المالكية وصحح في الروضة تبعا لأصلها أنه لا حد لانتهائه وقال صاحب الهداية من الحنفية الأصح يرفع ثم يكبر لأن الرفع نفى صفة الكبرياء عن غير الله والتكبير إثبات ذلك له والنفى سابق على الاثبات كما في كلمة الشهادة وهذا مبنى على أن الحكمة في الرفع ما ذكر وقد قال فريق من العلماء الحكمة في اقترانهما أن يراه الأصم ويسمعه الأعمى وقد ذكر ت في ذلك مناسبات أخر فقيل معناه الإشارة إلى طرح الدنيا والاقبال بكليته على العبادة وقيل إلى الاستسلام والانقياد ليناسب فعله قوله الله أكبر وقيل إلى استعظام ما دخل فيه وقيل إشارة إلى تمام القيام وقيل إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود وقيل ليستقبل بجميع بدنه قال القرطبي هذا أنسبها وتعقب وقال الربيع قلت للشافعي ما معنى رفع اليدين قال تعظيم الله واتباع سنة نبيه ونقل بن عبد البر عن بن عمر أنه قال رفع اليدين من زينة الصلاة وعن عقبة بن عامر قال بكل رفع عشر حسنات بكل إصبع حسنة قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي وفي روايته هذه عن مالك خلاف ما في روايته عنه في الموطأ وقد أخرجه الاسماعيلي من روايته بلفظ الموطأ قال الدارقطني رواه الشافعي والقعنبي وسرد جماعة من رواة الموطأ فلم يذكروا فيه الرفع عند الركوع قال وحدث به عن مالك في غير الموطأ بن المبارك وابن مهدي والقطان وغيرهم بإثباته وقال بن عبد البر كل من رواه عن بن شهاب أثبته غير مالك في الموطأ خاصة قال النووي في شرح مسلم أجمعت
[ 182 ]
الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ثم قال بعد أسطر أجمعوا على أنه لا يجب شئ من الرفع إلا أنه حكى وجوبه عند تكبيرة الإحرام عن داود وبه قال أحمد بن سيار من أصحابنا أه واعترض عليه بأنه تناقض وليس كما قال المعترض فلعله أراد إجماع من قبل المذكورين أو لم يثبت عنده عنهما أو لأن الاستحباب لا ينافي الوجوب وبالاعتذار الأول يندفع اعتراض من أورد عليه أن مالكا قال في روايته عنه إنه لا يستحب نقله صاحب التبصرة منهم وحكاه الباجي عن كثير من متقدميهم وأسلم العبارات قول بن المنذر لم يختلفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وقول بن عبد البر أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة وممن قال بالوجوب أيضا الأوزاعي والحميدي شيخ البخاري وابن خزيمة من أصحابنا نقله عنه الحاكم في ترجمة محمد بن على العلوي وحكاه القاضي حسن عن الإمام أحمد وقال بن عبد البر كل من نقل عنه الإيجاب لا يبطل الصلاة بتركه إلا في رواية عن الأوزاعي والحميدي قلت ونقل بعض الحنفية عن أبي حنيفة يأثم تاركه وأما قول النووي في شرح المهذب أجمعوا على استحبابه ونقله باالمنذر ونقل العبدري عن الزيدية أنه لا يرقع ولا يعتد بخلافهم ونقل القفال عن أحمد بن سيار أنه أوجبه وإذا لم يرفع لم تصح صلاته وهو مردود بإجماع من قبله وفي نقل الإجماع نظر فقد نقل القول بالوجوب عن بعض من تقدمه ونقله القفال في فتاويه عن أحمد بن سيار الذي مضى ونقله القرطبي في أوائل تفسيره عن بعض المالكية وهو مقتضى قول بن خزيمة إنه ركن واحتج بن حزم بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد قال صلوا كما رأيتموني أصلى وسيأتي ما يرد عليه في ذلك في الباب الذي يليه ويأتي الكلام على نهاية الرفع بعد بباب قوله باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع قد صنف البخاري في هذه المسألة جزءا منفردا وحكى فيه عن الحسن وحميد بن هلال أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك قال البخاري ولم يستثن الحسن أحدا وقال بن عبد البر كل من روى عنه ترك الرفع في الركوع والرفع منه روى عنه فعله إلا بن مسعود وقال محمد بن نصر المروزي أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة وقال بن عبد البر لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا بن القاسم والذي نأخذ به الرفع على حديث بن عمر وهو الذي رواه بن وهب ب وغيره عن مالك ولم يحك الترمذي عن مالك غيره ونقل الخطابي وتبعه القرطبي في المفهم أنه آخر قولي مالك وأصحهما ولم أر للمالكية دليلا على تركه ولا متمسكا إبقول بن القاسم وأما الحنفية المغسل على رواية مجاهد أنه صلى خلف بن عمر فلم يره يفعل ذلك وأجيبوا بالطعن في إسناده لأن أبا بكر بن عياش رواية ساء حفظة بأخرة وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما عنه وستأتى رواية نافع بعد بابين والعدد الكثير أولى من واحد لا سيما وهم مثبتون وهو ناف مع أن الجمبين الكلب ممكن وهو أنه لم يكن يراه واجبا ففعله تارة وتركه أخرى ومما يدل على ضعفه ما رواه البخاري في جزء رفع اليدين عن مالك أن بن عمر كان إذا رأى رجلا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصا واحتجوا أيضا بحديث بن مسعود أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الافتتاح ثم لا يعود أخرجه أبو داود ورده الشافعي بأنه لم يثبت قال ولو ثبت لكان المثبت مقدما على النافي وقد صححه بعض أهل الحديث لكنه استدل به على عدم الوجوب والطحاوي إنما نصب الخلاف مع من
[ 183 ]
يقول بوجوبه كالأوزاعي وبعض أهل الظاهر ونقل البخاري عقب حديث بن عمر في هذا الباب عن شيخه على بن المديني قال حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع والرفع منه لحديث بن عمر هذا وهذا في رواية بن عساكر وقد ذكره البخاري في جزء رفع اليدين وزاد وكان على أعلم أهل زمانه ومقابل هذا قول بعض الحنفية إنه يبطل الصلاة ونسب بعض متأخرى المغاربة فاعله إلى البدعة ولهذا مال بعض محققيهم كما حكاه بن دقيق العيد إلى تركه درءا لهذه المفسدة وقد قال البخاري في جزء رفع اليدين من زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة فإنه لم يثبت عن أحد منهم تركه قال ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع انتهى والله أعلم وذكر البخاري أيضا أنه رواه سبعة عشر رجلا من الصحابة وذكر الحاكم وأبو القاسم بن منده ممن رواه العشرة المبشرة وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلا قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد وأفادت هذه الطريق تصريح الزهري بأخبار سالم له به قوله عن أبيه سماه غير أبي ذر فقالوا عن عبد الله بن عمر قوله حين يكبر للركوع أي عند ابتداء الركوع وهو مقتضى رواية مالك بن الحويرث المذكورة في الباب حيث قال وإذا أراد أن يركع رفع يديه وسيأتي في باب التكبير إذا قام من السجود من حديث أبي هريرة ثم يكبر حين يركع قوله ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع أي إذا أراد أن يرفع ويؤيده رواية أبي داود من طريق الزبيدي عن الزهري بلفظ ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه ومقتضاه أنه يبتدئ رفع يديه عند ابتداء القيام من الركوع وأما رواية بن عيينة عن الزهري التي أخرجها عنه أحمد وأخرجها عن أحمد أبو داود بلفظ وبعد ما يرفع رأسه من الركوع فمعناه بعد ما يشرع في الرفع لتتفق الروايات قوله ولا يفعل ذلك في السجود أي لا في الهوى إليه ولا في الرفع منه كما في رواية شعيب في الباب الذي بعده حيث قال حين يسجد ولا حين يرفع رأسه وهذا يشمل ما إذا نهض من السجود إلى الثانية والرابعة والتشهدين ويشمل ما إذا قام إلى الثالثة أيضا لكن بدون تشهد لكونه غير واجب وإذا قلنا باستحباب جلسة الاستراحة لم يدل هذا اللفظ على نفى ذلك عند القيام منها إلى الثانية والرابعة لكن قد روى يحيى القطان عن مالك عن نافع عن بن عمر مرفوعا هذا الحديث وفيه ولا يرفع بعد ذلك أخرجه الدارقطني في الغرائب بإسناد حسن وظاهره يشمل النفي عماعدا المواطن الثلاثة وسيأتي اثبات ذلك في موطن رابع بعد بباب قوله عن خالد هو الحذاء وفي رواية المستملى والسرخسي حدثنا خالد قوله إذا صل كبر ورفع يديه في رواية مسلم ثم رفع وزاد مسلم من رواية رواية نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث حتى يحاذي بهما أذنيه ووهم المحب الطبري فعزاه للمتفق قوله وحدث أي مالك بن الحويرث وليس معطوفا على قوله رأى فيبقى فاعله أبو قلابة فيصير مرسلا قوله باب إلى أين يرفع يديه لم يجزم المصنف بالحكم كما جزم به قبل وبعد جريا على عادته فيما إذا قوي الخلاف لكن الارجح عنده محاذاة المنكبين لاقتصاره على إيراد دليله قوله وقال أبو حميد الخ هذا التعليق طرف من حديث سيأتي في باب سنة الجلوس في المنكدر وسنذكر هناك من عرفنا اسمه من أصحابه المذكورين إن شاء الله تعالى قول حذو منكبيه بفتح المهملة واسكان الذال المعجمة أي واستفادوا والمنكب مجمع عظم العضد والكتف وبهذا أخذ الشافعي والجمهور
[ 184 ]
وذهب الحنفية إلى حديث مالك بن الحويرث المقدم ذكره عند مسلم وفي لفظ له عنه حتى يحاذي بهما فروع أذنيه وعند أبي داود من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر بلفظ حتى حاذتا أذنيه ورجح الأول لكون إسناده أصح وروى أبو ثور عن الشافعي أنه جمع بينهما فقال يحاذي بظهر كفيه المنكبين وباطراف أنامله الأذنين ويؤيده رواية أخرى عن وائل عند أبي داود بلفظ حتى كانتا حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه وبهذا قال المتأخرون من المالكية فيما حكاه بن شاس في الجواهر لكن روى مالك عن نافع عن بن عمر أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه في الافتتاح وفي غيره دون ذلك أخرجه أبو داود ويعارضه قوبن جريج قلت لنافع أكان بن عمر يجعل الأولى أرفعهن قال لا ذكره أبو داود أيضا وقال لم يذكر رفعهما دون ذلك غير مالك فيما أعلم قوله وإذا قال سمع الله لمن حمده فعل مثله ظاهره أنه يقول التسميع في ابتداء ارتفاعه من الركوع وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب قليلة فائدة لم يرد ما يدل على التفرقة في الرفع بين الرجل والمرأة وعن الحنفية يرفع الرجل إلى الأذنين والمرأة إلى المنكبين لأنه أستر لها والله أعلم قوله باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين أي بعد المنكدر فيخرج ما إذا تركه ونهض قائما من السجود لعموم قوله في الرواية التي قبله ولا حين يرفع رأسه من السجود ويحتمل حمل النفي هناك على حالة رفع الرأس من السجود لا على ما بعد ذلك حين يستوي قائما وأبعد من استدل بقول سالم في روايته ولا يفعل ذلك في السجود على موافقة رواية نافع في حديث هذا الباب حيث قال وإذا قام من الركعتين لأنه لا يلزم من كونه لم ينفه أنه أثبته بل هو ساكت عنه وأبعد أيضا من استدل برواية سالم على ضعف رواية نافع والحق أنه ليس بين روايتي نافع وسالم تعارض بل في رواية نافع زيادة لم ينفها سالم وستأتى الإشارة إلى أن سالما أثبتها من وجه آخر قوله حدثنا عياش هو بالمثناة التحتانية وبالمعجمة وهو بن الوليد الرقام وعبد الأعلى هو بن عبد الأعلى وعبيد الله هو بن عمر بن حفص قوله ورفع ذلك بن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أبي ذر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم قال أبو داود رواه الثقفي يعني عبد الوهاب عن عبيد الله فلم يرفعه وهو الصحيح وكذا رواه الليث بن سعد وابن جريج ومالك يعني عن نافع موقوفا وحكى الدارقطني في العلل الاختلاف في وقفه ورفعه وقال الاشبه بالصواب قول عبد الإعلى وحكى الاسماعيلي عن بعض مشايخه أنه أومأ إلى أن عبد الأعلى أخطأ في رفع قال الاسماعيلي وخالفه عبد الله بن إدريس وعبد الوهاب الثقفي والمعتمر يعني عن عبيد الله فرووه موقوفا عن بن عمر قلت وقفه معتمر وعبد الوهاب عن عبيد الله عنافع كما قال لكن رفعاه عن عبيد الله عن الزهري عن سالم عن بن عمر أخرجهما البخاري في جزء رفع اليدين وفيها الزيادة وقد توبع نافع على ذلك عن بن عمر وهو فيما رواه أبو داود وصححه البخاري في الجزء المذكور من طرق محارب بن دثار عن بن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه وله شواهد منها حديث أبي حميد الساعدي وحديث على بن أبي طالب أخرجهما أبو داود وصححهما بن خزيمة وابن حبان وقال البخاري في الجزء المذكور ما زاده بن عمر وعلى وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيه وإنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم وقال بن
[ 185 ]
بطال هذه زيادة يجب قبولها لمن يقول بالرفع وقال الخطابي لم يقل به الشافعي وهو السري على أصله في قبول الزيادة وقال بن خزيمة هو سنة وإن ليذكره الشافعي فالإسناد صحيح وقد قال قولوا بالسنة ودعوا قولي وقال بن دقيق العيد قياس نظر الشافعي أنه يستحب الرفع فيه لأنه أثبت الرفع عند الركوع والرفع منه لكونه زائدا على من اقتصر عليه عند الافتتاح والحجة في الموضعين واحدة وأول راض سيرة من يسيرها قال والصواب إثباته وأما كونه مذهبا للشافعي لكونقال إذا صح الحديث فهو مذهبي ففيه نظر انتهى ووجه النظر أن محل العمل بهذه الوصية ما إذا عرف أن الحديث لم يطلع عليه الشافعي أما إذا عرف أنه اطلع عليه ورده أو تأوله بوجه من الوجوه فلا والأمر هنا محتمل واستنبط البيهقي من كلام الشافعي أنه يقول به لقوله في حديث أبي حميد المشتمل على هذه السنة وغيرها وبهذا نقول وأطلق النووي في الروضة أن الشافعي نص عليه لكن الذي رأيت في الأم خلاف ذلك فقال في باب رفع اليدين في التكبير في الصلاة بعد أن أورد حديث بن عمر من طريق سالم وتكلم عليه ولا نأمره أن يرفع يديه في شئ من الذكر في الصلاة التي لها ركوع وسجود إلا في هذه المواضع الثلاثة وأما ما وقع في أواخر البويطي يرفع يديه في كل خفض ورفع فيحمل الخفض على الركوع والرفع على الاعتدال وإلا فحمله على ظاهره يقتضى استحبابه في السجود أيضا وهو خلاف ما عليه الجمهور وقد نفاه بن عمر وأغرب الشيخ أبو حامد في تعليقه فنقل الإجماع على أنه لا يشرع الرفع في غير المواطن الثلاثة وتعقب بصحة ذلك عن بن عمر وابن عباس وطاوس ونافع وعطاء كما أخرجه عبد الرزاق وغيره عنهم بأسانيد قوية وقد قال به من الشافعية بن خزيمة وابن المنذر وأبو على الطبري والبيهقي والبغوى وحكاه بن خويز منداد عن مالك وهو شاذ وأصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود ما رواه النسائي من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في صلاته إذا ركع وإذا رفع رأسه من ركوعه وإذا سجد وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه وقد أخرج مسلم بهذا الإسناد طرفه الأخير كما ذكرناه في أول الباب الذي قبل هذا ولم ينفرد به سعيد فقد تابعه همام عن قتادة عند أبي عوانة في صحيحه وفي الباب عن جماعة من الصحابة لا غلام شئ منها عن مقال وقد روى البخاري في جزء رفع اليدين في حديث على المرفوع ولا يرفع يديه في شئ من صلاته وهو قاعد وأشار إلى تضعيف ما ورد في ذلك تنبيه روى الطحاوي حديث الباب في مشكله من طريق نصر بن على عن عبد الأعلى بلفظ كان يرفع يديه في كل خفض ورفع وركوع وسجود وقيام وقعود وبين السجدتين ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك وهذه رواية شاذة فقد رواه الاسماعيلي عن جماعة من مشايخه الحفاظ عن نصر بن على المذكور بلفظ عياح ش شيخ البخاري وكذا رواه هو وأبو نعيم من طرق أخرى عن عبد الأعلى كذلك قوله رواه حماد بن سلمة عن أيوب الخ وصله البخاري في الجزء المذكور عن موسى بن إسماعيل عن حماد مرفوعا ولفظه كان إذا كبر رفع يديه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع قوله ورواه بن طهمان يعني إبراهيم عن أيوب وموسى بن عقبة وهذا وصله البيهقي من طريق عمر بن عبد الله بن رزين عن إبراهيم بن طهمان بهذا السند موقوفا نحو حديث حماد
[ 186 ]
وقال آخره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك واعترض الاسماعيلي فقال ليس في حديث حماد ولا بن طهمان الرفع من الركعتين المعقود لأجله الباب قال فلعل المحدث عنه دخل له باب في باب يعني أن هذا التعليق يليق بحديث سالم الذي في الباب الماضي وأجيب بأن البخاري قصد الرد على من جزم بأن رواية نافع لأصل الحديث موقوفة وأنه خالف في ذلك سالما كما نقله بن عبد البر وغيره وقد تبين بهذا التعليق أنه اختلف على نافع في وقفه ورفعه لا خصوص هذه الزيادة والذي يظهر أن السبب في هذا الاختلاف أن نافعا كان يرويه موقوفا ثم يعقبه بالرفع فكأنه كان أحيانا يقتصر على الموقوف أو يقتصر عليه بعض الرواة عنه والله أعلم قوله باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة أي في حال القيام قوله كان الناس يؤمرون هذا حكمه الرفع لأنه أمرهم على أن الآمر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي قوله على ذراعه أبهم موضعه من الذراع وفي حديث وائل عند أبي داود والنسائي ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد وصححه بن خزيمة وغيره وأصله في صحيح مسلم بدون الزيادة والرسغ بضم الراء وسكون السين المهملة بعدها غدا هو المفصل بين الساعد والكف وسيأتي أثر على نحوه في أواخر الصلاة ولم يذكر أيضا محلهما من الجسد وقد روى بن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره والبزار عند صدره وعند أحمد في حديث هلب الطائي نحوه وهلب بضم إلها وسكون اللام بعدها موحدة وفي زيادات المسند من حديث على أنه وضعهما تحت السرة وإسناده ضعيف واعترض الدائى في أطراف الموطأ فقال هذا معلول لأنه ظن من أبي حازم ورد بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلمه اللكان في حكم المرفوع لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع فيحمل على من صدر عنه الشرع ومثله قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم فأنه أمرهم على أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم وأطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل والله أعلم وقد ورد في سنن أبي داود والنسائي وصحيح بن السكن شئ يستأنس به على تعيين الآمر والمأمور فروى عن بن مسعود قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يدي اليسرى على يدي اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى إسناده حسن قيل لو كان مرفوعا ما أحتاج أبو حازم إلى قوله لا أعلمه الخ والجواب أنه أراد الانتقال إلى التصريح فالأول لا يقال له مرفوع وإنما يقال له حكم الرفع قال العلماء الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع وكأن البخاري لحظ ذلك فعقبه بباب الخشوع ومن اللطائف قول بعضهم القلب موضع النية والعادة أن من احترز على حفظ شئ جعل يديه عليه قال بن عبد البر لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك بن المنذر وغيره عن مالك غيره وروى بن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة ومنهم من كره الإمساك ونقل بن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الراحة قوله قال أبو حازم يعني راويه بالسند المذكور إليه لا أعلمه أي سهل بن سعد إلا ينمى بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم قال أهل اللغة نميت الحديث إلى غيري رفعته وأسندته
[ 187 ]
وصرح بذلك معن بن عيسى وابن يوسف عند الاسماعيلي والدارقطني وزاد بن وهب ثلاثتهم عن مالك بلفظ يرفع ذلك ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي ينميه فمراده يرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقيده قوله وقال إسماعيل ينمى ذلك ولم يقل ينمى الأول بضم أوله وفتح الميم بلفظ المجهول والثاني وهو المنفى كرواية القعنبي فعلى الأول الهاء ضمير الشأن فيكون مرسلا لأن أبا حازم لم يعين من نماه له وعلى رواية القعنبي الضمير لسهل شيخه فهو متصل وإسماعيل هذا هو بن أبي أويس شيخ البخاري كما جزم به القدرة في الجمع وقرأت بخط مغلطاي هو إسماعيل بن إسحاق القاضي وكأنه رأى الحديث عند الجوزقي والبيهقي وغيرهما من روايته عن القعنبي فظن أنه المراد وليس كذلك لأن رواية إسماعيل بن إسحاق موافقة لرواية البخاري ولم يذكر أحد أن البخاري روى عنه وهو أصغر سنا من البخاري وأحدث سماعا وقد شاركه في كثير من مشايخه البصريين القدماء ووافق إسماعيل بن أبي أويس على هذه الرواية عن مالك سويد بن سعيد فيما أخرجه الدارقطني في الغرائب تنبيه حكى في المطالع أن رواية القعنبي بضم أوله من أنمى قال وهو غلط وتعقب بأن الزجاج ذكر في كتاب فعلت وأفعلت نميت الحديث وأنميته وكذا حكاه بن دريد وغيره ومع ذلك فالذي ضبطناه في البخاري عن القعنبي بفتح أوله من الثلائى فلعل الضم رواية القعنبي في الموطأ والله أعلم قوله باب الخشوع في الصلاة سقط لفظ باب من رواية أبي ذر والخشوع تارة يكون من فعل القلب كالخشية وتارة من فعل البدن كالسكون وقيل لا بد من اعتبارهما حكاه الفخر الرازي في تفسيره وقال غيره هو معنى يقوم بالنفس يظهر عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة ويدل على أنه من عمل القلب حديث على الخشوع في القلب أخرجه الحاكم وأما حديث لو خشع هذا خشعت جوارحه ففيه إشارة إلى أن الظاهر عنوان الباطن وحديث أبي هريرة من هذا الوجه سبق الكلام عليه في باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة من أبواب القبلة وأورد فيه أيضا حديث أنس من وجه آخر ببعض مغايرة قوله عن أنس عند الاسماعيلي من رواية أبي موسى عن غندر التصريح بقول قتادة سمعت أنس بن مالك قوله أقيموا الركوع والسجود أي أكملوهما وفي رواية معاذ عن شعبة عند الاسماعيلي أتموا بدل أقيموا قوله فو الله أني لأراكم من بعدي تقدم الكلام على معنى هذه الرواية وأغرب الداودي الشارح فحمل البعدية هنا على ما بعد الوفاة يعني أن أعمال الأمة تعرض عليه وكأنه لم يتأمل سياق حديث أبي هريرة حيث بين فيه سبب هذه المقالة وقد تقدم في الباب المذكور ما يدل على أن حديث أبي هريرة وحديث أنس في قضية واحدة وهو مقتضى صنيع البخاري في إيراده الحديثين في هذا الباب وكذا أوردهما مسلم معا واستشكل إيراد البخاري لحديث أنس هذا لكونه لأذكر فيه للخشوع الذي ترجم له وأجيب بأنه أراد أن ينبه على أن الخشوع يدرك بسكون الجوارح إذا الظاهر عنوان الباطن وروى البيهقي بإسناد صحيح عن مجاهد قال كان بن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود وحدث أن أبا بكر الصديق كان كذلك قال وكان يقال ذاك الخشوع في الصلاة واستدل بحديث الباب على أنه لا يجب إذ لم يأمرهم بالإعادة وفيه نظر نعم في حديث أبي هريرة من وجه آخر عند مسلم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ثم انصرف فقال يا فلان ألا تحسن صلاتك وله في رواية أخرى أتموا الركوع والسجود وفي أخرى أقيموا
[ 188 ]
الصفوف وفي أخرى لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود وعند أحمد صلى بنا الظهر وفي مؤخر الصفوف رجل فأساء الصلاة وعنده من حديث أبى سعيد الخدري أن بعض الصحابة تعمد المسابقة لينظر هل يعلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أول فلما قضى الصلاة نهاه عن ذلك واختلاف هذه الأسباب يدل على أن جميع ذلك صدر من جماعة في صلاة واحدة أو في صلوات وقد حكى النووي الإجماع على أن الخشوع ليس بواجب ولا يرد عليه قول القاضي حسين ان مدافعة الاخبثين إذا انتهت إلى حد يذهب معى الخشوع أبطلت الصلاة وقاله أيضا أبو زيد المروزي لجواز أن يكون بعد الإجماع السابق أو المراد بالإجماع أنه لم يصرح أحد بوجوبه وكلاهما في أمر يحصل من مجموع المدافعة وترك الخشوع وفيه تعقب على من نسب إلى القاضي وأبي زيد أنهما قال أن الخشوع شرط في صحة الصلاة وقد حكاه المحب الطبري وقال هو أمرهم على أن يحصل في الصلاة في الجملة لا في جميعها والخلاف في ذلك عند الحنابلة أيضا وأما قول بن بطال فإن قال قائل فإن الخشوع فرض في الصلاة قيل له بحسب الإنسان أن يقبل على صلاته بقلبه ونيته يريد بذلك وجه الله عز وجل ولا طاقة له بما اعترضه من الخواطر فحاصل كلامه أنه القدر المذكور هو الذي يجب من الخشوع وما زاد على ذلك فلا وأنكر بن المنير إطلاق الفرضية وقال الصواب أن عدم الخشوع تابع لما يظهر عنه من الآثار وهو أمر متفاوت فإن أثر نقصا في الواجبات كان حراما وكان الخشوع واجبا وإلا فلا وقد سئل عن الحكمة في تحذيرهم من النقص في الصلاة برؤيته إياهم دون تحذيرهم برؤية الله تعالى لهم وهو مقام الإحسان المبين في سؤال جبريل كما تقدم في كتاب الإيمان اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فأجيب بأن في التعليل برؤيته صلى الله عليه وسلم لهم تنبيها على رؤية الله تعالى لهم فإنهم إذ أحسنوا الصلاة لكون النبي صلى الله عليه وسلم يراهم أيقظهم ذلك إلى مراقبة الله تعالى مع ما تضمنه الحديث من المعجزة له صلى الله عليه وسلم بذلك ولكنه يبعث شهيدا عليهم يوم القيامة فإذا علموا أنه يراهم تحفظوا في عبادتهم ليشهد لهم بحسن عبادتهم قوله باب ما يقول بعد التكبير في رواية المستملى باب ما يقرأ بدل ما يقول وعليها اقتصر الاسماعيلي واستشكل إيراد حديث أبي هريرة إذ لا ذكر للقراءة فيه وقال الزين بن المنير ضمن قوله ما يقرأ ما يقول من الدعاء قولا متصلا بالقراءة أو لما كان الدعاء والقراءة يقصد بهما التقرب إلى الله تعالى استغنى بذكر أحدهما عن الآخر كما جاء علفتها تبنا وماء باردا وقال بن رشيد دعاء الافتتاح يتضمن مناجاة الرب والاقبال عليه بالسؤال وقراءة الفاتحة تتضمن هذا المعنى فظهرت المناسبة بين الحديثين قوله كانوا يفتتحون الصلاة أي القراءة في الصلاة وكذلك رواه بن المنذر والجوزقى وغيرهما من طريق أبي عمر الدوري وهو حفص بن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين وكذلك رواه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام عن عمرو بن الاستثناء عن شعبة وذكر أنها أبين من رواية حفص بن عمر قوله بالحمد لله رب العالمين بضم الدال على الحكاية واختلف في المراد بذلك فقيل المعنى كانوا يفتتحون بالفاتحة وهذا قول من أثبت البسملة في أولها وتعقب بأنها إنما تسمى الحمد فقط وأجيب بمنع الحصر ومستنده ثبوت تسميتها بهذه الجملة وهي الحمد لله رب العالمين في صحيح البخاري أخرجه في فضائل القرآن من حديث أبي سعيد بن المعلى
[ 189 ]
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن فذكر الحديث وفيه قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى وقيل المعنى كانوا يفتتحون بهذا اللفظ تمسكا بظاهر الحديث وهذا قول من نفى قراءة البسملة لكن لا يلزم من قوله كانوا يفتتحون بالحمد أنهم لم يقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم سرا وقد أطلق أبو هريرة السكوت على القراءة سرا كما في الحديث الثاني من الباب وقد اختلف الرواة عن شعبة في لفظ الحديث فرواه من أصحابه عنه بلفظ كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ورواه آخرون عنه بلفظ فلم أسمع أحد منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم كذا أخرجه مسلم من رواية أبي داود الطيالسي ومحمد بن جعفر وكذا أخرجه الخطيب من رواية أبي عمر الدوري شيخ البخاري فيه وأخرجه بن خزيمة من رواية محمد بن جعفر باللفظين وهؤلاء من أثبت أصحاب شعبة ولا يقال هذا اضطراب من شعبة لأنا نقول قد رواه جماعة من أصحاب قتادة عنه باللفظين فأخرجه البخاري في جزء القراءة والنسائي وابن ماجة من طريق أيوب وهؤلاء والترمذي من طريق أبي عوانة والبخاري في جزء القراءة وأبو داود من طريق هشام الدستوائي والبخاري فيه وابن حبان من طريق حماد بن سلمة والبخاري فيه والسراج من طريق همام كلهم عن قتادة باللفظ الأول وأخرجه مسلم من طريق الأوزاعي عن قتادة بلفظ لم الريح يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم وقد قدح بعضهم في صحته بكون الأوزاعي رواه عن قتادة مكاتبة وفيه نظر فإن الأوزاعي لم ينفرد به فقد رواه أبو يعلى عن أحمد الدورقي والسراج عن يعقوب الدورقي وعبد الله بن أحمد بن عبد الله السلمي ثلاثتهم عن أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ فلم الريح يفتتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم قال شعبة قلت لقتادة سمعته من أنس قال نحن سألناه لكن هذا النفي أمرهم على ما قدمناه أن المراد أنه لم يسمع منهم البسملة فيحتمل أن الريح يقرءونها سرا ويؤيده رواية من رواه عنه بلفظ فلم الريح يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم كذا رواه سعيد بن أبي عروبة عند النسائي وابن حبان وهمام عند الدارقطني وشيبان عند الطحاوي وابن حبان وشعبة أيضا من طريق وكيع عنه عند أحمد أربعتهم عن قتادة ولا يقال هذا اضطراب من قتادة لأنا نقول قد رواه جماعة من أصحاب أنس عنه كذلك فرواه البخاري في جزء القراءة والسراج وأبو عوانة في صحيحه من طرق إسحاق بن أبي طلحة والسراج من طريق ثابت البنائي والبخاري فيه من طريق مالك بن دينار كلهم عن أنس باللفظ الأول ورواه الطبراني في الأوسط من طريق إسحاق أيضا وابن خزيمة من طريق ثابت أيضا والنسائي من طريق منصور بن زاذان وابن حبان من طريق أبي قلابة والطبراني من طريق أبي نعامة كلهم عن أنس باللفظ النافي للجهر فطريق الجمع بين هذه الألفاظ حمل نفى القراءة على نفى السماع ونفى السماع على نفى الجهر ويؤيده أن لفظ رواية منصور بن زاذان فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم وأصرح من ذلك رواية الحسن عن أنس عند بن خزيمة بلفظ كانوا يسرون بسم الله الرحمن الرحيم فاندفع بهذا تعليل من أعله بالاضطراب كابن عبد البر لأن الجمع إذا أمكن تعين المصير إليه وأما من قدح في صحته بأن أبا سلمة سعيد بن يزيد سأل أنسا عن هذه المسألة فقال إنك لتسألني عن شئ ما أحفظه ولا سألني عنه أحد قبلك ودعوى أبي شامة أن أنسا سئل عن ذلك سؤالين فسؤال أبي سلمة هل كان الافتتاح بالبسملة أو الحمدلة وسؤال
[ 190 ]
قتادة هل كان يبد بالفاتحة أو غيرها قال ويدل عليه قول قتادة في صحيح مسلم نحن سألناه انتهى فليس يجيد لأن أحمد روى في مسنده بإسناد الصحيحين أن سؤال قتادة وكما سؤال أبي سلمة والذي في مسلم إنما قاله عقب رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة ولم يبين مسلم صورة المسألة وقد بينها أبو يعلى والسراج وعبد الله بن أحمد في رواياتهم التي ذكرناها عن أبي داود أن السؤال كان عن افتتاح القراءة بالبسملة وأصرح من ذلك رواية بن المنذر من طريق أبي جابر عن شعبة عن قتادة قال سألت أنسا أيقرأ الرجل في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فقال صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم فظهر اتحاد سؤال أبي سلمة وقتادة وغايته أن أنسا أجاب قتادة بالحكم دون أبي سلمة فلعله تذكره لما سأله قتادة بدليل قوله في رواية أبي سلمة ما سألني عنه أحد قبلك أو قاله لهما معا فحفظه قتادة دون أبي سلمة فإن قتادة أحفظ من أبي سلمة بلا نزاع وإذا انتهى البحث إلى أن محصل حديث أنس نفى الجهر بالبسملة على ما ظهر من طريق الجمع بين مختلف الروايات عنه فمتى وجدت رواية فيها إثبات الجهر قدمت على نفيه لا لمجرد تقديم رواية المثبت على النافي لأن أنسا يبعد جدا أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم مدة عشر سنين ثم يصحب أبا بكر وعمر وعثمان خمسا وعشرين سنة فلم يسمع منهم الجهر بها في صلاة واحدة بل لكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا الحكم كأنه لبعد عهده به ثم تذكر منه الجزم بالافتتاح بالحمد جهرا ولم يستحضر الجهر بالبسملة فيتعين الأخذ بحديث من أثبت الجهر وسيأتي الكلام على ذلك في باب جهر المأموم بالتأمين إن شاء الله قريبا وترجم له بن خزيمة وغيره إباحة الإسرار بالبسملة في الجهرية وفيه نظر لأنه لم يختلف في إباحته بل في استحبابه واستدل به المالكية على ترك دعاء الافتتاح وحديث أبي هريرة الذي بعده يرد عليه وكأن هذا هو السر في إيراده وقد تحرر أن المراد بحديث ث أنس بيان ما يفتتح به القراءة فليس فيه تعرض لنفى دعاء الافتتاح تنبيه وقع ذكر عثمان في حديث أنس في رواية عمرو بن الاستثناء عن شعبة عند البخاري في جزء القراءة وكذا في رواية حجاج بن محمد عن شعبة عند أبي عوانة وهو في رواية شيبان وهشام والأوزاعي وقد أشرنا إلى روايتهم فيما تقدم قوله حدثنا أبو زرعة هو بن عمرو بن جرير الأسماء قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت ضبطناه بفتح أوله من السكوت وحكى الكرماني عن بعض الروايات بضم أوله من الإسكات قال الجوهري يقال تكلم الرجل ثم سكت بغير ألف فإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قلت أسكت قوله إسكاته بكسر أوله بوزن إفعالة من السكوت وهو من المصادر الشاذة نحو أثبته إثباته قال الخطابي معناه سكوت يقتضى بعده كلاما مع قصر المدة فيه وسياق الحديث يدل على أنه أراد السكوت عن الجهر لا عن مطلق القول أو السكوت عن القراءة لا عن الذكر قوله قال أحسبه قال هنية هذه رواية عبد الواحد بن زياد بالظن ورواه جرير عند مسلم وغيره وابن فضيل عند بن ماجة وغيره بلفظ سكت هنية بغير تردد وإنما أختار البخاري رواية عبد الواحد لوقوع التصريح بالتحديث فيها في جميع الإسناد وقال الكرماني المراد أنه قال بدل اسكاتة هينة قلت وليس بواضح بل الظاهر أنه شك هل وصف الإسكاتة بكونها هنية أم لا وهنية بالنون بلفظ التصغير وهو عند الأكثر بتشديد الياء وذكر عياض والقرطبى أن أكثر رواة مسلم قالوه بالهمزة وأما النووي فقال الهمز خطأ قال وأصله هنوة فلما
[ 191 ]
صغر صار هنيوة فأجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ثم أدغمت قال غيره لا يمنع ذلك إجازة الهمز فقد تقلب الياء همزة وقد وقع في رواية الكشميهني هنيهة بقلبها هاء وهي رواية إسحاق والحميدي في مسنديهما عن جرير قوله معبد وأمي الياء متعلقة بمحذوف اسم أو فعل والتقدير أنت مفدى أو أفديك واستدل به على جواز قول ذلك وزعم بعضهم أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم قوله إسكاتك بكسر أوله وهو بالرفع على الابتداء وقال المظهري شارح المصابيح هو بالنصب على أنه مفعول بفعل مقدر أي أسألك إسكاتك أو على نزع الخافض انتهى والذي في روايتنا بالرفع للأكثر ووقع في رواية المستملى والسرخسي بفتح الهمزة وضم السين على الاستفهام وفي رواية القدرة ما تقول في سكتتك بين التكبير والقراءة ولمسلم أرأيت سكوتك وكله مشعر بأن هناك قولا لكونه قال ما تقول ولم يقل هل تقول نبه عليه بن دقيق العيد قال ولعله استدل على أصل القول بحركة الفم كما استدل غيره على القراءة باضطراب اللحية قلت وسيأتي من حديث خباب بعد باب ونقل بن بطال عن الشافعي أن سبب هذه السكتة للإمام أن يقرأ المأموم فيها الفاتحة ثم اعترضه بأنه لو كان كذلك لقال في الجواب أسكت لكي يقرأ من خلفي ورده بن المنير بأنه لا يلزم من كونه أخبره بصفة ما يقول أن لا يكون سبب السكوت ما ذكر انتهى وهذا النقل من أصله غير معروف عن الشافعي ولا عن أصحابه إلا أن الغزالي قال في الإحياء إن المأموم يقرأ الفاتحة إذا اشتغل الإمام بدعاء الافتتاح وخولف في ذلك بل أطلق المتولي وغيره كراهة تقديم المأموم قراءة الفاتحة على الإمام وفي وجه إن فرغها قبله بطلت صلاته والمعروف أن المأموم يقرؤها إذا سكت الإمام بين الفاتحة والسورة وهو الذي حكاه عياض وغيره عن الشافعي وقد نص الشافعي على أن المأموم يقول دعاء الافتتاح كما يقوله الإمام والسكتة التي بين الفاتحة والسورة ثبت فيها حديث سمرة عن أبي داود وغيره قوله باعد المراد بالمباعدة محو ما حصل منها والعصمة عما سيأتي منها وهو مجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه أراد أن لا يبقى لها منه اقتراب بالكلية وقال الكرماني كرر لفظ بين لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض قوله نقنى مجاز عن زوال الذنوب ومحو أثرها ولما كان الدنس في الثوب الأبيض أظهر من غيره من الألوان وقع التشبيه به قاله بن دقيق العيد قوله بالماء والثلج والبرد قال الخطابي ذكر الثلج والبرد تأكيد أو لأنهما ما آن لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال وقال بن دقيق العيد عبر بذلك عن غاية . المحو فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء قال ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو وكأنه كقوله تعالى واعف عنا واغفر لنا وارحمنا وأشار الطيبي إلى هذا بحثا فقال يمكن أن يكون المطلوب من ذكر الثلج والبرد بعد الماء شمول يجري الرحمة والمغفرة بعد العفو لإطفاء حرارة عذاب النار التي هي في غاية الحرارة ومنه قولهم برد الله مضجعه أي رحمه ووقاه عذاب النار انتهى ويؤيده ورود وصف الماء بالبرودة في حديث عبد الله بن أبي أوفى عند مسلم وكأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها مسببة عنها فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى أبرد منه وقال التوربشتى خص هذه الثلاثة بالذكر لأنها منزلة من السماوقال الكرماني يحتمل أن يكون في
[ 192 ]
الدعوات الثلاث إشارة إلى الإزمنة الثلاثة فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل للماضي انتهى وكأن تقديم المستقبل للاهتمام بدفع ما سيأتي قبل رفع ما حصل واستدل بالحديث على مشروعية الدعاء بين التكبير والقراءة خلافا للمشهور عن مالك وورد فيه أيضا حديث وجهت وجهي الخ وهو عند مسلم من حديث على لكن قيده بصلاة الليل وأخرجه الشافعي وابن خزيمة وغيرهما بلفظ إذا صلى المكتوبة واعتمده الشافعي في الأم وفي الترمذي وصحيح بن حبان من حديث أبي سعيد الافتتاح بسبحانك اللهم ونقل الساجي عن الشافعي استحباب الجمع بين التوجيه والتسبيح وهو اختيار بن خزيمة وجماعة من الشافعية وحديث أبي هريرة أصح ما ورد في ذلك واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما ليس في القرآن خلافا للحنفية ثم هذا الدعاء صدر منه صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة في إظهار العبودية وقيل قاله على سبيل التعليم لأمته واعترض بكونه لو أراد ذلك لجهر به وأجيب بورود الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار وفيه ما كان الصحابة عليه من المحافظة على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وإسراره وإعلانه حتى حفظ الله بهم الدين واستدل به بعض الشافعية على أن الثلج والبرد مطهران واستبعده بن عبد السلام وأبعد منه استدلال بعض الحنفية به على نجاسة الماء المستعمل قوله باب كذا في رواية الأصيلي وكريمة بلا ترجمة وكذا قال الاسماعيلي باب بلا ترجمة وسقط من رواية أبي ذر وأبي الوقت وكذا لم يذكره أبو نعيم وعلى هذا فمناسبة الحديث غير ظاهرة للترجمة وعلى تقدير ثبوت لفظ باب فهو كالفصل من الباب الذي قبله كما قررناه غير مرة فله به تعلق أيضا قال الكرماني وجه المناسبة أن دعاء الافتتاح مستلزم لتطويل القيام وحديث الكسوف فيه تطويل القيام فتناسبا وأحسن منه ما قال بن رشيد يحتمل أن تكون المناسبة في قوله حتى قلت أي رب أو أنا معهم لأنه وإن لم يكن فيه دعاء ففيه مناجاة واستعطاف فيجمعه مع الذي قبله جواز دعاء الله ومناجاته بكل ما فيه خضوع ولا يختص بما ورد في القرآن خلافا لبعض الحنفية قوله أو أنا معهم كذا للأكثر بهمزة الاستفهام بعدها واو عاطفة وهي على مقدر وفي رواية كريمة بحذف الهمزة وهي مقدرة قوله حسبت ت أنه قال تخدشها قائل ذلك هو نافع بن عمر راوي الحديث بينه الاسماعيلي فالضمير في أنه لابن أبي مليكة قوله لا هي أطعمتها سقط لفظ هي من رواية الكشميهني والحموي قوله تأكل من خشيش أو خشاش الأرض كذا في هذه الرواية على الشك وكل من اللفظين بمعجمات مفتوح الأول والمراد حشرات الأرض وأنكر الخطابي رواية خشيش وضبطها بعضهم بضم أوله على التصغير من لفظ خشاش فعلى هذا لا إنكار ورواها بعضهم بحاء الركعة وقال عياض هو تصحيف وسيأتي الكلام على بقية فوائده في كتاب الكسوف وعلى قصة المرأة صاحبة الهرة في كتاب بدء الخلق إن شاء الله تعالى قوله باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة قال الزين بن المنير نظر المأموم إلى الإمام من مقاصد الائتمام فإذا تمكن من مراقبته بغير التفات كان ذلك من إصلاح صلاته وقال بن بطال فيه حجة لمالك في أن نظر المصلي يكون إلى جهة القبلة وقال الشافعي والكوفيون يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده لأنه أقرب للخشوع وورد في ذلك حديث أخرجه سعيد بن منصور من مرسل محمد بن سيرين ورجاله ثقات وأخرجه البيهقي موصولا
[ 193 ]
وقال المرسل هو المحفوظ وفيه أن ذلك سبب نزول قوله تعالى الذين هم في صلاتهم خاشعون ويمكن أن يفرق بين الإمام والمأموم فيستحب للأمام النظر إلى موضع السجود وكذا للمأموم إلا حيث يحتاج إلى مراقبة إمامه وأما المنفرد فحكمه حكم الإمام والله أعلم قوله وقالت عائشة الخ هذا طرف من حديث وصله المؤلف في باب إذا انفلتت الدابة وهو في أواخر الصلاة وموضع الترجمة منه قوله حين رأيتموني قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل وعبد الواحد هو بن زياد قوله عن عمارة في رواية حفص بن الصالح عن الأعمش حدثنا عمارة وسيأتي بعد أربعة أبواب ويأتي الكلام على المتن قريبا وموضع الترجمة منه قوله باضطراب لحيته قوله حدثنا حجاج هو بن منهال ولم يسمع البخاري من حجاج بن محمد وقد تقدم الكلام على حديث البراء في باب متى يسجد من خلف الإمام ووقع فيه هنا في رواية كريمة وأبي الوقت وغيرهما حتى يرونه قد سجد بإثبات النون وفي رواية أبي ذر الأصيلي بحذفها وهو أوجه وجاز الأول على إرادة الحال وحديث بن عباس يأتي في الكسوف وهو ظاهر المناسبة وحديث أنس يأتي في الرقاق وفيه التصريح بسماع هلال له من أنس واعترض الاسماعيلي على إيراده له هنا فقال ليس فيه نظر المأمومين إلى الإمام وأجيب بان فيه أن الإمام يرفع بصره إلى ما أمامه وإذا ساغ ذلك للأمام ساغ للمأموم والذي يظهر لي أن حديث أنس مختصر من حديث بن عباس وأن القصة فيهما واحدة فسيأتي في حديث بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال رأيت الجنة والنار كما قال في حديث أنس وقد قالوا له في حديث بن عباس رأيناك تكعكعت فهذا موضع الترجمة ويحتمل أن يكون ماخوذا من قوله فأشار بيده قبل قبلة المسجد فإن رؤيتهم الإشارة تقتضي أنهم كانوا يراقبون أفعاله قلت لكن يطرق هنا احتمال أن يكون سبب رفع بصرهم إليه وقوع الإشارة منه لا أن الرفع كان مستمرا ويحتمل أن يكون المراد بالترجمة أن الأصل نظر المأموم إلى موضع سجوده لأنه المطلوب في الخشوع إلا إذا أحتاج إلى رؤية ما بالصلاة الإمام ليفتدى به مثلا والله أعلم قوله باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة قال بن بطال أجمعوا على كراهة رفع البصر في الصلاة واختلفوا فيه خارج الصلاة في الدعاء فكرهه شريح وطائفة وأجازه الأكثرون لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة قال عياض رفع البصر إلى السماء في الصلاة فيه نوع إعراض عن القبلة وخروج عن هيئة الصلاة قوله حدثنا قتادة فيه دفع لتعليل ما أخرجه بن عدي في الكامل فأدخل بين سعيد بن أبي عروبة وقتادة رجلا وقد أخرجه بن ماجة من رواية عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد وهو من أثبت أصحابه وزاد في أوله بيان سبب هذا الحديث ولفظه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بأصحابه فلما قضى الصلاة أقبل عليهم بوجهه فذكره وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا لم يذكر أنسا وهي علة غير قادحة لأن سعيدا أعلم بحديث قتادة من معمر وقد تابعه همام على وصله عن قتادة
[ 194 ]
أخرجه السراج قوله في صلاتهم زاد مسلم من حديث أبي هريرة عند الدعاء فإن حمل المطلق على هذا المقيد اقتضى اختصاص الكراهة بالدعاء الواقع في الصلاة وقد أخرجه بن ماجة وابن حبان من حديث بن عمر بغير تقييد ولفظه لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء يعني في الصلاة وأخرجه بغير تقييد أيضا مسلم من حديث جابر بن سمرة والطبراني من حديث أبي سعيد الخدري وكعب بن مالك وأخرج بن أبي شيبة من رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين كانوا يلتفتون في صلاتهم حتى نزلت قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون فأقبلوا على صلاتهم ونظروا أمامهم وكانوا يستحبون أن لا يجاوز بصر أحدهم موضوع سجوده ووصله الحاكم بذكر أبي هريرة فيه ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره فطأطأ رأسه قوله لينتهين كذا للمستملي والحموي بضم الياء وسكون النون وفتح المثناة والهاء والياء وتشديد النون على البناء للمفعول والنون للتأكيد وللباقين لينتهن بفتح أوله وضم الهاء على البناء للفاعل قوله أو لتخطفن أبصارهم ولمسلم من حديث جابر بن سمرة أولا لا ترجع إليهم يعني أبصارهم واختلف في المراد بذلك فقيل هو وعيد وعلى هذا فالفعل المذكور حرام وأفرط بن حزم فقال يبط الصلاة وقيل المعنى أنه يخشى على الأبصار من الأنوار إلى تنزل بها الملائكة على المصلين كما في حديث أسيد بن حضير الآتي في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى أشار إلى ذلك الداودي ونحوه في جامع حماد بن سلمة عن أبي مجلز أحد التابعين وأوهنا للتخيير وكما قوله تعالى تقاتلونهم أو يسلمون أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة وإما الإسلام وهو خبر في معنى الأمر قوله باب الالتفات في الصلاة لم يبين المؤلف حكمه لكن الحديث الذي أورده دل على الكراهة وهو إجماع لكن الجمهور على أنها للتنزيه وقال المتولي يحرم الا للضرورة وهو قول أهل الظاهر وورد في كراهية الالتفات صريحا على غير شرطه عدة أحاديث منها عند أحمد وابن خزيمة من حديث أبي ذر رفعه لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه عنه انصرف ومن حديث الحارث الأشعري نحوه وزاد فإذا صليتم فلا تلتفتوا وأخرج الأول أيضا أبو داود والنسائي والمراد بالالتفات المذكور ما لم يستدبر القبلة بصدره أو عنقه كله وسبب كراهة الالتفات يحتمل أن يكون لنقص الخشوع أو لترك استقبال القبلة ببعض البدن قوله عن أبيه هو أبو الشعثاء المحاربي ووافق أبا الأحوص على هذا الإسناد شيبان عند بن خزيمة وزائدة عن النسائي ومسعر عند بن حبان وخالفهم إسرائيل فرواه عن أشعث عن أبي عطية عن مسروق ووقع عند البيهقي من رواية مسعر عن أشعث عن أبي وائل فهذا اختلاف على أشعث والراجح رواية أبي الأحوص وقد رواه النسائي من طريق عمارة بن عمير عن أبي عطية عن عائشة ليس بينهما مسروق ويحتمل أن يكون للأشعث فيه شيخان أبوه وأبو عطية بناء على أن يكون أبو عطية حمله عن مسروق ثم لقي عائشة فحمله عنها وأما الرواية عن أبي وائل فشاذة لأنه لا يعرف من حديثه والله أعلم قوله هو اختلاس أي اختطاف بسرعة ووقع في النهاية والاختلاس افتعال من الخلسة وهي ما يؤخذ سلبا مكابرة وفيه نظر وقال غيره المختلس الذي يخطف من غير غلبة ويهرب ولو مع معاينة المالك له والناهب يأخذ بقوة والسارق يأخذ في خفية فلما كان الشيطان قد يشغل المصلي عن صلاته بالالتفات إلى
[ 195 ]
شئ ما بغير حجة يقيمها أشبه المختلس وقال بن بزيزة أضيف ف إلى الشيطان لأن فيه انقطاعا من ملاحظة التوجه إلى الحق سبحانه وقال الطيبي سمي اختلاسا تصويرا لقبح تلك الفعلة بالمختلس لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه فإذا ألتفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة قوله يختلس كذا للأكثر بحذف المفعول وللكشميهني يختلسه وهي رواية أبي داود عن مسدد شيخ البخاري قيل الحكمة في جعل سجود السهو جابرا للمشكوك فيه دون الالتفات وغيره مما ينقص الخشوع لأن السهو لا يؤاخذ به المكلف فشرع له الجبر دون العمد ليتيقظ العبد له فيجتنبه ثم أورد المصنف حديث عائشة في قصة انبجانية أبي جهم وقد تقدم الكلام عليه في باب إذا صلى في ثوب له أعلام في أوائل الصلاة ووجه دخوله في الترجمة أن أعلام الخميصة إذا لحظها المصلي وهي على عاتقة كان قريبا من الالتفات ولذلك خلعها معللا بوقوع بصره على أعلامها وسماه شغلا عن صلاته وكأن المصنف أشار إلى أن علة كراهة الالتفات كونه يؤثر في الخشوع كما وقع في قصة الخميصة ويحتمل أن يكون أراد أن ما لا يستطاع دفعه معفو عنه لأن لمح العين يغلب الإنسان ولهذا لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة قوله شغلني في رواية الكشميهني شغلتني وهو أوجه وكذا اختلفوا في اذهبوا بها أو به قوله إلى أبي جهم كذا للأكثر وهو الصحيح وللكشميهني جهيم بالتصغير قوله باب هل يلتفت لأمر ينزل به أو يرى شيئا أو بصاقا في القبلة الظاهر أن قوله في القبلة يتعلق بقوله بصاقا وأما قوله شيئا فأقام من ذلك والجامع بين جميع ما ذكر في الترجمة حصول التأمل المغاير للخشوع وأنه لا يقدح إلا إذا كان لغير حاجة قوله وقال سهل هو بن سعد وهذا طرف من حديث تقدم موصولا في باب من دخل ليؤم الناس ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكر بالإعادة بل أشار إليه أن يتمادى على إمامته وكان التفاتة لحاجة قوله في حديث بن عمر بين يدي الناس يحتمل أن يكون متعلقا بقوله وهو يصلي أو بقوله رأى نخامة قوله فحتها ثم قال حين انصرف ظاهره أن الحت وقع منه انظر الصلاة وقد تقدم من رواية مالك عن نافع غير مقيد بحال الصلاة وسبق الكلام على فوائده في أواخر أبواب القبلة وأورده هناك أيضا من رواية أبي هريرة وأبي سعيد وعائشة وأنس من طرق كلها غير مقيدة بحال الصلاة قوله رواه موسى بن عقبة وصله مسلم من طريقه قوله وابن أبي رواد اسم أبي رواد ميمون ووصله أحمد عن عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد المذكور وفيه أن الحك كان بعد الفراغ من الصلاة فالغرض منه على هذا المتابعة في أصل الحديث ثم أورد المصنف حديث أنس المتقدم في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة قال بن بطال وجه مناسبته للترجمة أن الصحابة لما كشف صلى الله عليه وسلم الستر التفتوا إليه ويدل على ذلك قول أنس فأشار إليهم ولولا التفاتهم لما رأوا إشارته أه ويوضحه كون الحجرة عن يسار القبلة فالناظر إلى إشارة من هو فيها يحتاج إلى أن يلتفت ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالإعادة بل أقرهم على صلاتهم بالإشارة المذكورة والله أعلم قوله باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر لم يذكر المنفرد لأن حكمه حكم الإمام وذكر
[ 196 ]
السفر لئلا يتخيل أنه يترخص فيه بترك القراءة كما رخص فيه بحذف بعض الركعات قوله وما يجهر فيها وما يخافت هو بضم أول كل منهما على البناء للمجهول وتقدير الكلام وما يجهر به وما يخافت لأنه السري فلا يبني منه قال بن رشيد قوله وما يجهر معطوف على قوله في الصلوات لا على القراءة والمعنى وجوب القراءة فيما يجهر فيه ويخافت أي أن الوجوب لا يختص بالسرية دون الجهرية خلافا لمن فرق في المأموم انتهى وقد اعتنى البخاري بهذه المسألة فصنف فيها جزءا مفردا سنذكر ما يحتاج إليه في هذا الشرح من فوائده إن شاء الله تعالى قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل قوله عن جابر بن سمرة هو الصحابي ولأبيه سمرة بن جنادة صحبة أيضا وقد صرح بن عيينة بسماع عبد الملك له من جابر أخرجه أحمد وغيره قوله شكا أهل الكوفة سعدا هو بن أبي وقاص وهو خال بن سمرة الراوي عنه وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك عن جابر بن سمرة قال كنت جالسا عند عمر إذ جاء أهل الكوفة يشكون إليه سعد بن أبي وقاص حتى قالوا إنه لا يحسن الصلاة انتهى وفي قوله أهل الكوفة مجاز وهو من إطلاق الكل على البعض لأن الذين شكوه بعض أهل الكوفة لا كلهم ففي رواية زائدة عن عبد الملك في صحيح أبي عوانة جعل ناس من أهل الكوفة ونحوه لإسحاق بن راهويه عن جرير عن عبد الملك وسمي منهم عند سيف والطبراني الجراح بن سنان وقبيصة وأربد الاسديون وذكر العسكري في الأوائل أن منهم الأشعث بن قيس قوله فعزله كان عمر بن الخطاب أمر سعد بن أبي وقاص على قتال الفرس في سنة أربع عشرة ففتح الله العراق على يديه ثم اختط الكوفة سنة سبع عشرة واستمر عليها أميرا إلى سنة إحدى وعشرين في قول خليفة بن خياط وعند الطبري سنة عشرين فوقع له مع أهل الكوفة ما ذكر قوله واستعمل عليهم عمارا هو بن ياسر قال خليفة استعمل عمارا على الصلاة وابن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض انتهى وكأن تخصيص عمار بالذكر لوقوع التصريح بالصلاة دون غيرها مما وقعت فيه الشكوى قوله فشكوا ليست هذه الفاء عاطفة على قوله فعزله بل هتفسيرية عاطفة على قوله شكا عطف تفسير وقوله فعزله واستعمل اعتراض إذ الشكو كانت سابقة على العزل وبينته رواية معمر الماضية قوله حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي ظاهره أن جهات الشكوى كانت متعددة ومنها قصة الصلاة وصرح بذلك في رواية أبي عون الآتية قريبا فقال عمر لقد شكوك في كل شئ حتى في الصلاة وذكر بن سعد وسيف أنهم زعموا أنه حابى في بيع خمس باعه وأنه صنع على داره بابا مبوبا من خشب وكان السوق مجاورا له فكان يتأذى بأصواتهم فزعموا أنه قال انقطع التصويت وذكر سيف أنهم زعموا أنه كان يلهيه الصيد عن الخروج في السرايا وقال الزبير بن بكار في كتاب النسب رفع أهل الكوفة عليه أشياء كشفها عمر فوجدها باطلة أه ويقويه قول عمر في وصيته فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة وسيأتي ذلك في مناقب عثمان قوله فأرسل إليه فقال فيه حذف تقديره فوصل إليه الرسول فجاء إلى عمر وسيأتي تسمية الرسول قوله يا أبا إسحاق هي كنية سعد كنى بذلك بأكبر أولاده وهذا تعظيم من عمر له وفيه دلالة على أنه لم تقدح فيه الشكوى عنده قوله أما أنا والله أما بالتشديد وهي للتقسيم والقسيم هنا محذوف تقديره وأما هم فقالوا ما قالوا وفيه القسم في
[ 197 ]
الخبر لتأكيده في نفس السامع وجواب القسم يدل عليه قوله فإني كنت أصلى بهم قوله صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصب أي مثل صلاة قولما أخرم بفتح أوله وكسر الراء أي لا أنقص وحكى بن التين عن بعض الرواة أنه بضع أوله ففعله من الرباعي واستضعفه قوله أصلى صلاة العشاء كذا هنا بالفتح والمد للجميع غير الجرحانى فقال العشي وفي الباب الذي بعده صلاتي العشي بالكسر والتشديد لهم إلا الكشميهني ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة بلفظ صلاتي العشي وكذا في رواية عبد الرزاق عن معمر وكذا لزائدة في صحيح أبي عوانة وهو الأرجح ويدل عليه التثنية والمراد بهما الظهر والعصر ولا يبعد أن أنكر التثنية في الممدود ويراد بهما المغرب والعشاء لكن يعكر عليه قوله الأخريين لأن المغرب إنما لها أخرى واحدة والله أعلم وأبدى الكرماني لتخصيص العشاء بالذكر حكمة وهو أنه لما أتقن فعل هذه الصلاة التي وقتها وقت الاستراحة كان ذلك في غيرها بطريق الأولى وهو حسن ويقال مثله في الظهر والعصر لأنهما وقت الاشتغال بالقائلة والمعاش والأولى أن يقال لعل شكواهم كانت في هاتين الصلاتين خاصة فلذلك خصهما بالذكر قوله فأركد في الأوليين قال القزاز أركد أي أقيم طويلا أي أطول فيهما القراءة قلت ويحتمل أن يكون التطويل بما هو أعم من القراءة كالركوع والسجود لكن المعهود في التفرقة بين الركعات إنما هو في القراءة وسيأتي قريبا من رواية أبى عون عن جابر بن سمرة أمد في الأوليين والأوليين بتحتانيتين تثنية الأولى وكذا الاخريين قوله وأخف بضم أوله وكسر الخاء المعجمة وفي رواية الكشميهني وأحذف بفتح أوله وسكون المهملة وكذا هو في رواية عثمان بن سعيد الدارمي عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه أخرجه البيهقي وكذا هو في جميع طرق هذا الحديث التي وقفت عليها إلا أن في رواية محمد بن كثير عن شعبة عند الاسماعيلي بالميم بدل الفاء والمراد بالحذف حذف التطويل لا حذف أصل القراءة فكأنه قال أحذف الركود قوله ذلك الظن بك أي هذا الذي تقول هو الذي كنا نظنه زاد مسعر عن عبد الملك وابن عون معا فقال سعد أتعلمني الأعراب الصلاة أخرجه مسلم وفيه دلالة على أن الذين شكوه لم الريح من أهل العلم وكأنهم ظنوا مشروعية التسوية بين الركعات فأنكروا على سعد التفرقة فيستفاد منه ذم القول بالرأي الذي لا يستند إلى أصل وفيه أن القياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار قال بن بطال وجه دخول حديث سعد في هذا الباب أنه لما قال أركد وأخف علم أنه لا يترك القراءة في شئ من صلاته وقد قال أنها مثل صلاة رسول الله صلى الله علية وسلم واختصره الكرماني فقال ركود الإمام يدل على قراءته عادة قال بن رشيد ولهذا أتبع البخاري في الباب الذي بعده حديث سعد بحديث أبي قتادة كالمفسر له قلت وليس في حديث أبي قتادة هنا ذكر القراءة في الأخريين نعم هو مذكور من حديثه بعد عشرة أبواب وإنما تتم الدلالة على الوجوب إذا ضم إلى ما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلى فيحصل التطابق بهذا لقوله القراءة للأمام وما ذكر من الجهر والمخافتة وأما الحضر والسفر وقراءة المأموم فمن غير حديث سعد مما ذكر في الباب وقد يؤخذ السفر والحضر من إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يفصل بين الحضر والسفر وأما وجوب القراءة على الإمام فمن حديث عبادة
[ 198 ]
في الباب ولعل البخاري أكتفى بقوله صلى الله عليه وسلم للمسئ صلاته وهو ثالث أحاديث الباب وافعل ذلك في صلاتك كلها وبهذا التقرير يندفع اعتراض الاسماعيلي وغيره حيث قال لا دلالة في حديث سعد على وجوب القراءة وإنما فيه تخفيفها في الأخريين عن الأوليين قوله فأرسل معه رجلا أو رجالا كذا لهم بالشك وفي رواية بن عيينة عروبة عمر رجلين وهذا يدل على أنه أعاده إلى الكوفة ليحصل له الكشف عنه بحضرته ليكون أبعد من التهمة لكن كلام سيف يدل على أن عمر إنما سأله عن مسألة الصلاة بعد ما عاد به محمد بن مسلمة من الكوفة وذكر سيف والطبري أن رسول عمر بذلك محمد بن مسلمة قال وهو الذي كان يقبض آثار من شكى من العمال في زمن عمر وحكى بن التين أن عمر أرسل في ذلك عبد الله بن أرقم فإن كان محفوظا فقد عرف الرجلان وروى بن سعد من طريق مليح بن عوف السلمي قال بعث عمر محمد بن مسلمة وأمرني بالمسير معه وكنت دليلا بالبلاد فذكر القصة وفيها وأقام سعدا في مساجد الكوفة يسألهم عنه وفرواية إسحاق عن جرير فطيف به في مساجد الكوفة قوله ويثنون عليه معروفا في روا بن عيينة فكلهم يثني عليه خيرا قوله لبنى عبس بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها الركعة قبيلة كبيرة من قيس قوله أبا سعدة بفتح المهملة بعدها الركعة ساكنة زاد سيف في روايته فقال محمد بن مسلمة أنشد الله رجلا يعلم حقا إلا قال قوله أما بتشديد الميم وقسيمها محذوف أيضا قوله نشدتنا أي طلبت منا القول قوله لا يسير بالسرية الباء للمصاحبة والسرية بفتح المهملة وكسر الراء المخففة قطعة من الجيش ويحتمل أن يكون صفة لمحذوف أي لا يسير بالطريقة السرية أي العادلة والأول أولى لقوله بعد ذلك ولا يعدل والأصل عدم التكرار والتأسيس أولى من التأكيد ويؤيد رواية جرير وسفيان بلفظ ولا ينفر في السرية قوله في القضية أي الحكومة وفي رواية سفيان وسيف في الرعية قوله قال سعد في رواية جرير فغضب سعد وحكى بن التين أنه قال له أعلى تسجع قوله أما والله بتخفيف الميم حرف استفتاح قوله لأدعون بثلاث أي عليك والحكمة في ذلك أنه نفى عنه الفضائل الثلاث وهي الشجاعة حيث قال لا ينفر والعفة حيث قال لا يقسم والحكمة حيث قال لا يعدل فهذه الثلاثة تتعلق بالنفس والمال والدين فقابلها بمثلها فطول العمر يتعلق بالنفس وطول الفقر يتعلق بالمال والوقوع في الفتن يتعلق بالدين ولما كان في الثنتين الأوليين ما يمكن الاعتذار عنه دون الثالثة قابلهما بأمرين دنيويين والثالثة بأمرديني وبيان ذلك أن قوله لا ينفر بالسرية يمكن أن يكون حقا لكن رأى المصلحة في إقامته ليرتب مصالح من يغزو ومن يقيم أو كان له عذر كما وقع له في القادسية وقوله لا يقسم بالسوية يمكن أن يكون حقا فإن للأمام تفضيل أهل الغناء في الحرب والقيام بالمصالح وقوله لا يعدل في القضية هو أشدها لأنه سلب عنه العدل مطلقا وذلك قدح في الدين ومن أعجب العجب أن سعدا مع كون هذا الرجل واجهه بهذا وتعذب حتى دعا عليه في حال غضبه راعي العدل والإنصاف في الدعاء إذ علقه بشرط أن يكون كاذبا وأن يكون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي قوله رياء وسمعة أي ليراه الناس ويسمعوه فيشهروا ذلك عنه فيكون له بذلك ذكر وسيأتي مزيد في ذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى قوله وأطل فقره في رواية جرير وشدد فقره وفي رواية سيف وأكثر عياله قال الزين
[ 199 ]
بن المنير في الدعوات الثلاث مناسبة للحال أما المريض عمره فليراه من سمع بأمره فيعلم كرامة سعد وأما المريض فقره فلنقيض مطلوبه لأن حاله يشعر بأنه طلب أمرا دنيويا وأما تعرضه للفتن فلكونه قام فيها ورضيها دون أهل بلده قوله فكان بعد أي أبو سعدة وقائل ذلك عبد الملك بن عمير بينه جرير في روايته قوله إذا سئل في رواية بن عيينة إذ قيل له كيف أنت قوله شيخ كبير مفتون قيل لم يذكر الدعوة الأخرى وهي الفقر لكن عموم قوله أصابتني دعوة سعد يدل عليه قلت قد وقع التصريح به في رواية الطبراني من طريق أسد بن موسى وفي رواية أبي يعلى عن إبراهيم بن الحجاج كلاهما عن أبي عوانة ولفظه قال عبد الملك فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك فإذا سألوه قال كبير فقير مفتون وفي رواية إسحاق عن جرير فافتقر وافتتن وفي رواية سيف فعمى واجتمع عنده عشر بنات وكان إذا سمع بحس المرأة تشبث بها فإذا أنكر عليه قال دعوة المبارك سعد وفي رواية بن عيينة ولا تكون فتنة إلا وهو فيها وفي رواية محمد بن جحادة عن مصعب بن سعد نحو هذه القصة قال وأدرك فتنة المختار مولاه فيها رواه المخلص في فوائده ومن طريقه بن عساكر وفي رواية سيف أنه عاش إلى فتنة الجماجم وكانت سنة ثلاث وثمانين وكانت فتنة المختار حين غلب على الكوفة من سنة خمس وستين إلى أن قتل سنة سبع وستين قوله دعوة سعد أفردها لارداة الجنس وإن كانت ثلاث دعوات وكان سعد معروفا بإجابة الدعوة روى الطبراني من طريق الشعبي قال قيل لسعد متى أصبت الدعوة قال يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم استجب لسعد وروى الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق قيس بن أبي حازم عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم استجب لسعد إذا دعاك وفي هذا الحديث من الفوائد سوى ما تقدم جواز عزل الإمام بعض عماله إذا شكى إليه وإن لم يثبت عليه شئ إذا اقتضت ذلك المصلحة قال مالك قد عزل عمر سعدا وهو أعدل من يأتي بعده إلى يوم القيامة والذي يظهر أن عمر عزله حسما لمادة الفتنة ففي رواية سيف قال عمر لولا الاحتياط وأن لا يتقي من أمير مثل سعد لما عزلته وقيل عزله ايثارا لقربه منه لكونه من أهل الشورى وقيل لأن مذهب عمر أنه لا يستمر بالعامل أكثر من أربع سنين وقال المازري اختلفوا هل يعزل القاضي بشكوى الواحد أو الإثنين أو لا يعزل حتى يجتمع الأكثر على الشكوى منه وفيه استفسار العامل عما قيل فيه والسؤال عمن شكى في موضع عمله والاقتصار في المسألة على من يظن به الفضل وفيه أن السؤال عن عدالة الشاهد ونحوه يكون ممن يجاوره وأن تعريض العدل للكشف عن حاله لا ينافي قبول شهادته في الحال وفيه خطاب الرجل الجليل بكنيته والاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوؤه وفيه الفرق بين الافتراء الذي يقصد به السب والافتراء الذي يقصد به دفع كلاهما فيعزز قائل الأول دون الثاني ويحتمل أن يكون سعد لم يطلب حقه منهم أو عفاعنهم واكتفى بالدعاء على الذي كشف قناعه في الافتراء عليه دون غيره فإنه صار كالمنفرد بأذيته وقد جاء في الخبر من دعا على ظالمه فقد انتصر فلعله أراد الشفقة عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا فانتصر لنفسه وراعى حال من ظلمه لما كان فيه من وفور الديانة ويقال إنه إنما دعا عليه لكونه انتهك حرمة من صحب خالف وكأنه قد انتصر لصاحب خالف وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه وليس هو من طلب وقوع المعصية ولكن من حيث أنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته ومن هذا القبيل
[ 200 ]
مشروعية طلب الشهادة وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم ومن الأول قول موسى عليه السلام ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبه الآية وفيه سلوك الورع في الدعاء واستدل به على أن الأوليين من الرباعية متساويتان في الطول وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده قوله عن محمود بن الربيع في رواية القدرة عن سفيان حدثنا الزهري سمعت محمود بن الربيع ولابن أبي عمر عن سفيان بالإسناد عند الاسماعيلي سمعت عبادة بن الصامت ولمسلم من رواية صالح بن جلس عن بن شهاب أن محمود بن الربيع أخبره أن عبادة بن الصامت أخبره وبهذا التصريح الإخبار يندفع تعليل من أعله بالانقطاع لكون بعض الرواة أدخل بين محمود وعبادة رجلا وهي رواية ضعيفة عند الدارقطني قوله لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب زاد القدرة عن سفيان فيها كذا في مسنده وهكذا رواه يعقوب بن سفيان عن القدرة أخرجه البيهقي وكذا لابن أبي عمر عند الاسماعيلي ولقتيبة وعثمان بن أبي شيبة عند أبي نعيم في المستخرج وهذا يعين أن المراد القراءة في نفس الصلاة قال عياض قيل يحمل على نفى الذات وصفاتها لكن الذات غير منتفية فيخص بدليل خارج ونوزع في تسليم عدم نفى الذات على الإطلاق لأنه أن ادعى أن المراد بالصلاة معناها اللغوي فغير مسلم لأن ألفاظ الفاء محمولة على عرفه لأنه المحتاج إليه فيه لكونه بعث لبيان الشرعيات لا لبيان موضوعات اللغة وإذا كان المنفى الصلاة الشرعية استقام دعوى نفي الذات فعلى هذا لا يحتاج إلى إضمار الإجزاء ولا دابة لأنه يؤدي إلى الإجمال كما نقل عن القاضي أبي بكر وغيره حتى مال إلى التوقف لأن ففي دابة يشعر بحصول الإجزاء فلو قدر الإجزاء منتفيا لأجل العموم قدر ثابتا لأجل إشعار نفى دابة بثبوته فيتناقض ولا سبيل إلى إضمار هما معا لأن الاضمار إنما احتيج إليه للضرورة وهي مندفعة بإضمار فرد فلا حاجة إلى أكثر منه ودعوى إضمار أحدهما ليست بأولى من الآخر قاله بن دقيق العيد وفي هذا الأخير نظر لأنا إن سلمنا تعذر الحمل على الحقيقة فالحمل على أقرب المجازين إلى الحقيقة أولى من الحمل على أبعدهما ونفى الإجزاء أقرب إلى نفى الحقيقة وهو السابق إلى الفهم ولأنه يستلزنفى دابة من غير عكس فيكون أولى ويؤيده رواية الاسماعيلي من طريق العباس بن الوليد النرسي أحد شيوخ البخاري عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وتابعه على ذلك زياد بن أيوب أحد الأثبات أخرجه الدارقطني وله شاهد من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بهذا اللفظ أخرجه بن خزيمة وابن حبان وغيرهما ولأحمد من طريق عبد الله بن سوادة القشيري عن رجل عن أبيه مرفوعا لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن وقد أخرج بن خزيمة عن محمد بن الوليد القرشي عن سفيان حديث الباب بلفظ لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فلا يمتنع أن يقال إن قوله لا صلاة نفى بمعنى النهي أي لا تصلوا إلا بقراءة فاتحة الكتاب ونظيره ما رواه مسلم من طريق القاسم عن عائشة مرفوعا لا صلاة بحضرة الطعام فإنه في صحيح بن حبان بلفظ لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام أخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل وغيره عن يعقوب بن مجاهد عن القاسم وابن حبان من طريق حسين بن على وغيره عن يعقوب به وأخرج له بن حبان أيضا شاهدا من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ وقد قال بوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة الحنفية لكن بنوا على قاعدتهم
[ 201 ]
أنها مع الوجوب ليست شرطا في صحة الصلاة لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن وقد قال تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن فالفرض قراءة ما تيسر وتعيين الفاتحة إنما ثبت بالحديث فيكون واجبا يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه وإذا تقرر ذلك لا ينقضي عجبي ممن يتعمد ترك قراءة الفاتحة منهم وترك الطمأنينة فيصلى صلاة يريد أن يتقرب بها إلى الله تعالى وهو يتعمد ارتكاب الإثم فيها مبالغة في تحقيق مخالفته لمذهب غيره واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن الركعة الواحدة تسمى صلاة لو تجردت وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة من الرباعية مثلا يقتضى حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة والأصل أيضا عدم إطلاق الكل على البعض لأن الظهر مثلا كلها صلاة واحدة حقيقة كما صرح به في حديث الإسراء حيث سمى المكتوبات خمسا وكذا حديث عبادة خمس صلوات كتبهن الله على العباد وغير ذلك فاطلاق الصلاة على ركعة منها يكون مجازا قال الشيخ تقى الدين وغاية ما في هذا البحث أن يكون في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في كل ركعة واحدة منها فإن دل دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدما انتهى وقال بمقتضى هذا البحث الحسن البصري رواه عنه بن المنذر بإسناد صحيح ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم وافعل ذلك في صلاتك كلها بعد أن أمره بالقراءة وفي رواية لأحمد وابن حبان ثم أفعل ذلك في كل ركعة ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري له عقب حديث عبادة واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسر الإمام أم جهر لأن صلاته صلاة حقيقة فتنتفى عند انتفاء القراءة إلا إن جاء دليل يقتضى تخصيص صلاة المأمومن هذا العموم فيقدم قال الشيخ تقى الدين واستدل من أسقطها عن المأموم مطلقا كالحنفية بحديث من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ وقد استوعب طرفه وعلله الدارقطني وغيره واستدل من أسقطها عنه في الجهرية كالمالكية بحديث وإذا قرأ فأنصتوا وهو حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين فينصت فيما عدا الفاتحة أو ينصت إذا قرأ الإمام ويقرأ إذا سكت وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهى حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام وقد ثبت يأمر بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد وذلك فيما أخرجه البخاري في جزء القراءة والترمذي وابن حبان وغيرهما من رواية تثبت عن محمود بن الربيع عن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم ثقلت عليه القراءة في الفجر فلما فرغ قال لعلكم تقرؤن خلف إمامكم قلنا نعم قال فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتا ب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها والظاهر أن حديث الباب مختصر من هذا وكان هذا سببه والله أعلم وله شاهد من حديث أبي قتادة عند أبي داود والنسائي ومن حديث أنس عند بن حبان وروى عبد الرزاق عن سعيد بن جبير قال لا بد من أم القرآن ولكن من مضى كان الإمام يسكت ساعة قدر ما يقرأ المأموم بأم القرآن فائدة زاد معمر عن الزهري في آخر حديث الباب فصاعدا أخرجه النسائي وغيره واستدل به على وجوب قدر زائد على الفاتحة وتعقب بأنه ورد لدفع توهم قصر الحكم على الفاتحة قال البخاري في جزء القراءة
[ 202 ]
هو وكما قوله تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا وادعى بن حبان والقرطبى وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد عليها وفيه نظر لثبوته عن بعض الصحابة ومن بعدهم فيما رواه بن المنذر وغيره ولعلهم أرادوا أن الأمر استقر على ذلك وسيأتي بعد ثمانية أبواب حديث أبي هريرة وان لم تزد على أم القرآن أجزأت ولابن خزيمة من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب ثم ذكر البخاري حديث أبي هريرة في قصة المسئ صلاته وسيأتي الكلام عليه بعد أربعة وعشرين بابا وموضع الحاجة منه هنا قوله ثم أقرأ ما تيسر معك من القرآن وكأنه أشار بإيراده عقب حديث عبادة أن الفاتحة إنما تتحتم على من يحسنها وأن من لا يحسنها يقرأ بما تيسر عليه وأن إطلاق القراءة في حديث أبي هريرة مقيد بالفاتحة كما في حديث عبادة والله أعلم قال الخطابي قوله ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ظاهر الإطلاق التخيير لكن المراد به فاتحة الكتاب لمن أحسنها بدليل حديث عبادة وهو كقوله تعالى فما استيسر من الهدى ثم عينت السنة المراد وقال النووي قوله ما تيسر أمرهم على الفاتحة فإنها متيسرة أو على ما زاد من الفاتحة بعد أن يقرأها أو على من عجز عن الفاتحة وتعقب بأن قوله ما تيسر لا إجمال فيه حتى يبين بالفاتحة والتقييد بالفاتحة ينافي التيسير الذي يدل عليه الإطلاق فلا يصح حمله عليه وأيضا فسورة الإخلاص متيسرة وهي أقصر من الفاتحة فلم ينحصر التيسير في الفاتحة وأما الحمل على ما زاد فمبنى على تسليم تعين الفاتحة وهي محل النزاع وأما حمله على من عجز فبعيد والجواب القوي عن هذا أنه ورد في حديث المسئ صلاته تفسير ما تيسر بالفاتحة كما أخرجه أبو داود من حديث رفاعة بن رافع رفعه وإذا قمت فتوجهت فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك الحديث ووقع فيه في بعض طرقه ثم اقرأ إن كان معك قرآن فإن لم يكن فاحمد الله وكبر وهلل فإذا جمع بين ألفاظ الحديث كان تعين الفاتحة هو الأصل لمن معه قرآن فإن عجز عن تعلمها وكان معه شئ من القرآن قرأ ما تيسر وإلا انتقل إلى الذكر ويحتمل الجمع أيضا أن يقال المراد بقوله فأقرأ ما تيسر معك من القرآن أي بعد الفاتحة ويؤيده حديث أبي سعيد عند أبي داود بسند قوي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر قوله باب القراءة في الظهر هذه الترجمة والتي بعدها يحتمل أن يكون المراد بهما إثبات القراءة فيهما وأنها تكون سرا إشارة إلى من خالف في ذلك كابن عباس كما سيأتي البحث فيه بعد ثمانية أبواب ويحتمل أن يراد به تقدير المقروء أو تعينه والأول أظهر لكونه لم يتعرض في البابين لإخراج شئ مما يتعلق بالاحتمال الثاني وقد أخرج مسلم وغيره في ذلك أحاديث مختلفة سيأتي بعضها وجمع بينها بوقوع ذلك في أحوال متغايرة إما لبيان الجواز أو لغير ذلك من الأسباب واستدل بن العربي باختلافها على عدم مشروعية سورة معينة في صلاة معينة وهو واضح فيما اختلف لا فيما لم يختلف كتنزيل وهل أتى في صبح الجمعة قوله حدثنا شيبان هو بن عبد الرحمن ويحي هو بن أبي كثير قوله عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه في رواية الجوزقي من طريق عبيد الله بن موسى عن شيبان التصريح بالإخبار ليحيى من عبد الله ولعبد الله من أبيه وكذا للنسائي من رواية الأوزاعي عن يحيى لكن بلفظ التحديث فيهما وكذا عنده من رواية أبي إبراهيم القناد عن يحيى حدثني عبد الله فأمن بذلك تدليس يحيى قوله الأوليين
[ 203 ]
بتحتانيتين تثنية الأول قوله صلاة الظهر فيه جواز تسمية الصلاة بوقتها قوله وسورتين أي في كل ركعة سورة كما سيأتي صريحا في الباب الذي بعده واستدل به على أن قراءة سورة أفضل من قراءة قدرها من طويلة قاله النووي وزاد البغوي ولو قصرت السورة عن المقروء كأنه مأخوذ من قوله كان يفعل لأنها أخذت على الدوام أو الغالب قوله يطول في الأولى ويقصر في الثانية قال الشيخ تقى الدين كان السبب في ذلك أن النشاط في الأولى يكون أكثر فناسب التخفيف في الثانية حذرا من الملل انتهى وروى عبد الرزاق عن معمر عن يحيى في آخر هذا الحديث فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة ولأبي داود وابن خزيمة نحوه من رواية أبي خالد عن سفيان عن معمر وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال إني لأحب أن يطول الإمام الركعة الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس واستدل به على استحباب تطويل الأولى على الثانية وسيأتي في باب مفرد وجمع بينه وبين حديث سعد الماضي حيث قال أمد في الأوليين أن المراد تطويلهما على الأخريين لا التسوية بينهما في الطول وقال من استحب استواءهما إنما طالت الأولى بدعاء الافتتاح والتعوذ وأما في القراءة فهما سواء ويدل عليه حديث أبي سعيد عند مسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي رواية لابن ماجة أن الذين حزروا ذلك كانوا ثلاثين من الصحابة وادعى بن حبان أن الأولى إنما طالت على الثانية بالزيادة في الترتيل فيها مع استواء المقروء فيهما وقد روى مسلم من حديث حفصة أنه صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها واستدل به بعض الشافعية على جواز تطويل الإمام في الركوع لأجل الداخل قال القرطبي ولا حجة فيه لأن الحكمة لا يعلل بها لخفائها أو لعدم انضباطها ولأنه لم يكن يدخل في الصلاة يريد تقصير تلك الركعة ثم يطيلها لأجل الآتي وإنما كان يدخل فيها ليأتي بالصلاة على سنتها من تطويل الأولى فافترق الأصل والفرع فامتنع الإلحاق انتهى وقد ذكر البخاري في جزء القراءة كلاما معناه أنه لم يرد عن أحد من السلف في انتظار الداخل في الركوع شئ والله أعلم ولم يقع في حديث أبي قتادة هذا هنا ذكر القراءة في الأخرين فتمسك به بعض الحنفية على إسقاطها فيهما لكنه ثبت في حديثه من وجه آخر كما سيأتي من حديثه بعد عشرة أبواب قوله ويسمع الآية أحيانا في الرواية الآتية ويسمعنا وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية شيبان وللنسائي من حديث البراء كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات ولابن خزيمة من حديث أنس نحوه لكن قال سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية واستدل به على جواز الجهر في السرية وأنه لا سجود سهو على من فعل ذلك خلافا لمن قال ذلك من الحنفية وغيرهم سواء قلنا كان يفعل ذلك عمدا لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر وفيه حجة على من زعم أن الإسرار شرط لصحة الصلاة السرية وقوله أحيانا يدل على تكرر ذلك منه وقال بن دقيق العيد فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال في الأخبار دون التوقف على اليقين لأن الطريق إلى العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها وإنما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهرية وكأنه مأخوذ من سماع بعضها مع قيام القرينة على قراءة باقيها ويحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم عقب الصلاة دائما أو غالبا بقراءة السورتين وهو بعيد جدا والله أعلم
[ 204 ]
قوله حدثنا عمر هو بن حفص بن الصالح قوله حدثني عمارة هو بن عمير كما في الباب الذي بعده قوله على ابي معمر هو عبد الله بن سخبرة بفتح المهملة والموحدة بينهما خاء غدا ساكنة الأزدي وأفاد الدمياطي أن لأبيه صحبة ووهمه بعضهم في ذلك فإن الصحابي أخرج حديثه الترمذي وقال في سياقه عن سخبرة وليس بالازدي قلت لكن جزم البخاري وابن أبي خيثمة وابن حبان بأنه الأزدي والعلم عند الله قوله باضطراب لحيته فيه الحكم بالدليل لأنهم حكموا باضطراب لحيته على قراءته لكن لا بد من قرينة تعين القراءة دون الذكر والدعاء مثلا لأن اضطراب اللحية يحصل بكل منهما وكأنهم بكلية بالصلاة الجهرية لأن ذلك المحل منها هو محل القراءة لا الذكر والدعاء وإذا انضم إلى ذلك قول أبي قتادة كان يسمعنا الآية أحيانا قوي الاستدلال والله أعلم وقال بعضهم احتمال الذكر ممكن لكن جزم الصحابي بالقراءة مقبول لأنه أعرف بأحد المحتملين فيقبل تفسيره واستدل به المصنف على مخافتته القراءة في الظهر والعصر كما سيأتي وعلى رفع بصر المأموم إلى الإمام كما مضى واستدل به البيهقي على أن الإسرار بالقراءة لا بد فيه من أسماع المرء نفسه وذلك لا يكون إلا بتحريك اللسان والشفتين بخلاف ما لو أطبق شفتيه وحرك لسانه بالقراءة فإنه لا تضطرب بذلك لحيته فلا يسمع نفسه انتهى وفيه نظر لا يخفى قوله باب القراءة في العصر أورد فيه حديث خباب المذكور قبله وكذا حديث أبي قتادة مختصرا وقد تقدم الكلام عليهما في الباب الذي قبله وعلى ما يؤخذ من الترجمة تصريحا أو إشارة قوله قلنا في رواية الحموي والمستملي قلت لخباب قوله بن الأرت بفتح الراء وتشديد المثناة الفوقانية قوله هشام هو الدستوائي قوله باب القراءة في المغرب المراد تقديرها لا إثباتها لكونها جهرية بخلاف ما تقدم في باب القراءة في الظهر من أن المراد إثباتها قوله أن أم الفضل هي والدة بن عباس الراوي عنها وبذلك صرح الترمذي في روايته فقال عن أمه أم الفضل وقد تقدم في المقدمة أن اسمها لبابة بنت الحارث الهلالية ويقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة والصحيح أخت عمر زوج سعيد بن زيد لما سيأتي في المناقب من حديثه لقد رأيتني وعمر موثقي وأخته على الإسلام واسمها فاطمة قوله سمعته أي سمعت بن عباس وفيه التفات لأن السياق يقتضى أن يقول سمعتني قوله لقد ذكرتني أي شيئا نسيته وصرح عقيل في روايته عن بن شهاب أنها آخر صلوات النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله أورده المصنف في باب الوفاة وقد تقدم في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به من حديث عائشة أن الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مرض موته كانت الظهر وأشرنا إلى الجمع بينه وبين حديث أم الفضل هذا بأن الصلاة التي حكتها عائشة كانت في المسجد والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته كما رواه النسائي لكن يعكر عليه رواية بن إسحاق عن بن شهاب في هذا الحديث بلفظ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب الحديث أخرجه الترمذي ويمكن حمل قولها خرج إلينا أي من مكانه الذي كان راقدا فيه إلى من في البيت فصلى بهم فتلتئم الروايات قوله يقرأ بها هو في موضع الحال أي سمعته في حال قراءته قوله عن بن أبي مليكة في رواية عبد الرزاق عن بن جرى حدثني أبن أبي مليكة ومن طريقه أخرجه أبو داود وغيره قوله عن عروة في رواية الاسماعيلي
[ 205 ]
من طريق حجاج بن محمد عن بن جريج سمعت بن أبي مليكة أخبرني عروة أن مروان أخبره قوله قال لي زيد بن ثابت مالك تقرأ كان مروان حينئذ أميرا على المدينة من قبل معاوية قوله بقصار كذا للأكثر بالتنوين وهو عوض عن المضاف إليه وفي رواية الكشميهني بقصار المفصل وكذا للطبراني عن أبي مسلم الكجي وللبيهقي من طريق الصغائى كلاهما عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه وكذا في جميع الروايات عند أبي داود والنسائي وغيرهما لكن في رواية النسائي بقصار السور وعند النسائي من رواية أبي الأسود عن عروة عن زيد بن ثابت أنه قال لمروان أبا عبد الملك أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا إعطيناك الكوثر وصرح الطحاوي من هذا الوجه بالأخبار بين عروة وزيد فكأن عروة سمعه من مروان عن زيد ثم لقى زيدا فأخبره قوله وقد سمعت استدل به بن المنير على أن ذلك وقع منه صلى الله عليه وسلم نادرا قال لأنه لو لم يكن كذلك لقال كان يفعل يشعر بأن عادته كانت كذلك انتهى وغفل عما في رواية البيهقي من طريق أبي عاصم شيخ البخاري فيه بلفظ لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ومثله في رواية حجاج بن محمد عن بن جريج عند الاسماعيلي قوله بطولى الطوليين أي بأطول السورتين الطويلتين وطولي تأنيث أطول والطوليين بتحتانيتين تثنية طولى وهذه رواية الأكثر ووقع في رواية كريمة بطول بضم الطاء وسكون الواو ووجهه الكرماني بأنه أطلق المصدر وأراد الوصف أي كان يقرأ بمقدار المريض الطوليين وفيه نظر لأنه يلزم منه أن يكون قرأ بقدر السورتين وليس هو المراد كما سنوضحه وحكى الخطابي أنه ضبطه عن بعضهم بكسر الطاء وفتح الواو قال وليس بشئ لأن الطول الحبل ولا معنى له هنا انتهى ووقع في رواية الاسماعيلي بأطول الطوليين بالتذكير ولم يقع تفسيرهما في رواية البخاري ووقع في رواية أبي الأسود المذكورة بأطول الطوليين ألمص وفي رواية أبي داود قال قلت وما طولى الطوليين قال الأعراف وبين النسائي في رواية له أن التفسير من قول عروة ولفظه قال قلت يا أبا عبد الله وهي كنية عروة وفي رواية البيهقي قال فقلت لعروة وفي رواية الاسماعيلي قال بن أبي مليكة وما طولى الطوليين زاد أبو داوقال يعني بن جريج وسألت أنا بن أبي مليكة فقال لي من قبل نفسه المائدة عمشاء كذا رواه عن الحسن بن على عن عبد الرزاق وللجوزقي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن عبد الرزاق مثله لكن قال الأنعام بدل المائدة وكذا في رواية حجاج بن محمد والصغائي المذكورتين وعند أبي مسلم الكجي عن أبي عاصم بدل الأنعام يونس أخرجه الطبراني وأبو نعيم في المستخرج فحصل الاتفاق على تفسير الطولى بالأعراف وفى تفسير الأخرى ثلاثة أقوال المحفوظ منها الأنعام قال بن بطال البقرة أطول السبع الطوال فلو أرادها لقال طولى الطوال فلما لم يردها دل على أنه أراد الأعراف لأنها أطول السور بعد البقرة وتعقب بأن النساء أطول من الأعراف وليس هذا التعقيب بمرضي لأنه اعتبر عدد الآيات وعدد آيات الأعراف أكثر من عدد آيات النساء وغيرها من السبع بعد البقرة والمتعقب اعتبر عدد الكلمات لأن كلمات النساء تزيد على كلمات الأعراف بمائتي كلمة وقال بن المنير تسمية الأعراف والأنعام بالطوليين إنما هو لعرف فيهما لا أنهما أطول من غيرهما والله أعلم واستدل بهذين الحديثين على امتداد وقت المغرب وعلى استحباب القراءة فيها بغير قصار المفصل وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي
[ 206 ]
بعده قوله باب الجهر في المغرب اعترض الزين بن المنير على هذه الترجمة والتي بعدها بأن الجهر فيهما لا خلاف فيه وهو عجيب لأن الكتاب موضوع لبيان الأحكام من حيث هي وليس هو مقصورا على الخلافيات قوله عن محمد بن جبير في رواية بن خزيمة من طريق سفيان عن الزهري حدثني محمد بن جبير قوله قرأ في المغرب بالطور في رواية بن عساكر يقرأ وكذا هو في الموطأ وعند مسلم زاد المصنف في الجهاد من طريق محمد بن عمرو عن الزهري وكان جاء في أسارى بدر ولابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري في فداء أهل بدر وزاد الاسماعيلي من طريق معمر وهو يومئذ مشرك وللمصنف في المغازي من طريق معمر أيضا في آخره قال وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي وللطبراني من رواية أسامة بن زيد عن الزهري نحوه وزاد فأخذني من قراءته الكرب ولسعيد بن منصور عن هشيم عن الزهري فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن واستدل به على صحة أداء ما تحمله الراوي في حال الكفر وكذا الفسق إذا أداه في حال العدالة وستأتى الإشارة إلى زوائد أخرى فيه لبعض الرواة قوله بالطور أي بسورة الطور وقال بن الجوزي يحتمل أن تكون الباء بمعنى من كقوله تعالى عينا يشرب بها عباد الله وسنذكر ما فيه قريبا قال الترمذي ذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في المغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات وقال الشافعي لا أكره ذلك بل أستحبه وكذا نقله البغوي في شرح السنة عن الشافعي والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهية في ذلك ولا استحباب وأما مالك فاعتمد العمل بالمدينة بل وبغيرها قال بن دقيق العيد استمر العمل على تطويل القراءة في الصبح وتقصيرها في المغرب والحق عندنا أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وثبتت مواظبته عليه فهو مستحب وما لم تثبت مواظبته عليه فلا كراهة فيه قلت الأحاديث التي ذكرها البخاري في القراءة هنا ثلاثة مختلفة المقادير لأن الأعراف من السبع الطوال والطور من طوال المفصل والمرسلات من أوساطه وفي بن حبان من حديث بن عمر أنه قرأ بهم في المغر ب بالذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ولم أر حديثا مرفوعا فيه التنصيص على القراءة فيها بشئ من قصار المفصل إلا حديثا في بن ماجة عن بن عمر نص فيه على الكافرون والإخلاص ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة فأما حديث بن عمر فظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول قال الدارقطني أخطأ فيه بعض رواته وأما حديث جابر بن سمرة ففيه سعيد بن سماك وهو متروك والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب واعتمد بعض أصحابنا وغيرهم حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة أنه قال ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان قال سليمان فكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل وفي المغرب بقصار المفصل الحديث أخرجه النسائي وصححه بن خزيمة وغيره وهذا يشعر بالمواظبة على ذلك لكن في الاستدلال به نظر يأتي مثله في باب جهر الإمام بالتأمين بعد ثلاثة عشر باب نعم حديث رافع الذي تقدم في المواقيت أنهم كانوا ينتضلون بعد صلاة المغرب يدل على تخفيف القراءة فيها وطريق الجمع بين هذه الاحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز وإما لعمله بعدم المشقة على المأمومين وليس في حديث جبير بن مطعم دليل على أن ذلك تكرر منه وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعار بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار
[ 207 ]
المفصل ولو كان مروان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك لاحتج به على زيد لكن لم يرد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف وهو يرد على أبي داود ادعاء نسخ التطويل لأنه روى عقب حديث زيد بن ثابت من طريق عروة أنه كان يقرأ في المغرب بالقصار قال وهذا يدل على نسخ حديث زيد ولم يبين وجه الدلالة وكأنه لما رأى عروة راوي الخبر عمل بخلافه حمله على أنه اطلع على ناسخه ولا يخفى بعد هذا الحمل وكيف تصح دعوى النسخ وأم الفضل تقول إآخر صلاة صلاها بهم قرأ بالمرسلات قال بن خزيمة في صحيحه هذا من الاختلاف المباح فجائز للمصلى أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها بما أحب إلا أنه إذا كان إماما استحب له أن يخفف في القراءة كما تقدم أه وهذا أولى من قول القرطبي ما ورد في مسلم وغيره من تطويل القراءة فيما استقر عليه التقصير أو عكسه فهو متروك وادعى الطحاوي أنه لا دلالة في شئ من الأحاديث الثلاثة على تطويل القراءة لاحتمال أن يكون المراد أنه قرأ بعض السورة ثم استدل لذلك بما رواه من طريق هشيم عن الزهري في حديث جبير بلفظ فسمعته يقول إن عذاب ربك لواقع قال فأخبر أن الذي سمعه من هذه السورة في هذه الآية خاصة أه وليس في السياق ما يقتضى قوله خاصة مع كون رواية هشيم عن الزهري بخصوصها مضعفة بل جاء في روايات أخرى ما يدل على أنه قرأ السورة كلها فعند البخاري في التفسير سمعته يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون الآيات إلى قوله المصيطرون كاد قلبي يطير ونحوه لقاسم بن أصبغ وفي رواية أسامة ومحمد بن عمرو المتقدمتين سمعته يقرأ والطور وكتاب مسطور ومثله لابن سعد وزاد في أخرى فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد ثم ادعى الطحاوي أن الاحتمال المذكور يأتي في حديث زيد بن ثابت وكذا أبداه الخطابي احتمالا وفيه نظر لأنه لو كان قرأ بشئ منها يكون قدر سورة من قصار المفصل لما كان لإنكار زيد معنى وقد روى حديث زيد هشام بن عروة عن أبيه عنه أنه قال لمروان إنك لتخف القراءة في الركعتين من المغرب فوالله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بسورة الأعراف في الركعتين جميعا أخرجه بن خزيمة واختلف على هشام في صحابيه والمحفوظ عن عروة أنه زيد بن ثابت وقال أكثر الرواة عن هشام عن زيد بن ثابت أو أبي أيوب وقيل عن عائشة أخرجه النسائي مقتصرا على المتن دون القصة واستدل به الخطابي وغيره على امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق وفيه نظر لأن من قال إن لها وقتا واحدا لم يحده بقراءة معينة بل قالوا لا يجوز تأخيرها عن أول غروب الشمس وله أن يمد القراءة فيها ولو غاب الشفق واستشكل المحب الطبري إطلاق هذا وحمله الخطابي قبله على أنه يوقع ركعة في أول الوقت ويديم الباقي ولو غاب الشفق ولا يخفى ما فيه لأن تعمد إخراج بعض الصلاة عن الوقت ممنوع ولو أجزات فلا يحمل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك واختلف في المراد بالمفصل مع الاتفاق على أن منتهاه آخر القرآن هل هو من أول الصافات أو الجائية أو القتال أو الفتح أو الحجرات أو ق أو الصف أو تبارك أو سبح أو الضحى إلى آخر القرآن أقوال أكثرها مستغرب اقتصر في شرح المهذب على
[ 208 ]
أربعة من الأوائل سوى الأول والرابع وحكى الأول والسابع والثامن بن أبي الصيف اليمني وحكى الرابع والثامن الدزماري في شرح التنبيه وحكى التاسع المرزوقى في شرحه وحكى الخطابي والماوردي العاشر والراجح الحجرات ذكره النووي ونقل المحب الطبري قولا شاذا أن المفصل جميع القرآن وأماما أخرجه الطحاوي من طريق زرارة بن أوفى قال أقرأني أبو موسى كتاب عمر إليه اقرأ في المغرب آخر المفصل وآخر المفصل من لم يكن إلى آخر القرآن فليس تفسيرا للمفصل بل لآخره فدل على أن أوله قبل ذلك قوله باب الجهر في العشاء قدم ترجمة الجهر على ترجمة القراءة عكس ما صنع في المغرب ثم الصبح والذي في المغرب أولى ولعله من النساخ قوله حدثنا معتمر هو بن سليمان التيمي وبكر هو بن عبد الله المزني وأبو رافع هو الصائغ وهو ومن قبله من رجال الإسناد بصريون وهو من كبار التابعين وبكر من أوساطهم وسليمان من صغارهم قوله فقلت له أي في شأن السجدة يعني سألته عن حكمها وفي الرواية التي بعدها فقلت ما هذه قوله سجدت زاد غير أبي ذر بها أي بالسجدة أو الباء للظرف أي فيها يعني السورة وفي الرواية الآتية لغير الكشميهني سجدت فيها قوله خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أي في الصلاة وبه يتم استدلال المصنف لهذه الترجمة والتي بعدها ونوزع في ذلك لأن سجوده في السورة أعم من أن يكون انظر الصلاة أو خارجها فلا ينهض الدليل وقال بن المنير لا حجة فيه على مالك حيث كره السجدة في الفريضة يعني في المشهور عنه لأنه ليس مرفوعا وغفل عن رواية أبي الأشعث عن معتمر بهذا الإسناد بلفظ صليت خلف أبي القاسم فسجد بها أخرجه بن خزيمة وكذلك أخرجه الجوزقي من طريق يزيد بن هارون عن سليمان التيمي بلفظ صليت مع أبي القاسم فسجد فيها قوله حتى ألقاه كناية عن الموت وسيأتي الكلام على بقية فوائده في أبواب سجود التلاوة إن شاء الله تعالى قوله عن عدي هو بن ثابت كما في الرواية الآتية بعد باب قوله في سفر زاد الاسماعيلي فصلى العشاء ركعتين قوله في إحدى الركعتين في رواية النسائي في الركعة الأولى قوله بالتين أي بسورة التين وفي الرواية الآتية والتين على الحكاية وإنما قرأ في العشاء بقصار المفصل لكونه كان مسافرا والسفر يطلب فيه التخفيف وحديث أبي هريرة أمرهم على الحضر فلذلك قرأ فيها بأوساط المفصل قوله باب القراءة في العشاء بالسجدة تقدم ما فيه قبل والقول في إسناده كالذي قبله والتيمي هو سليمان بن طوخان والد المعتمر قوله باب القراءة في العشاء تقدم أيضا وقوله فيه وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه يأتي الكلام عليه في أواخر كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قوله باب يطول في الأوليين أي من صلاة العشاء ذكر فيه حديث سعد وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب وجوب القراءة ووجهه هنا إما الإشارة إلى إحدى الكلب في قوله صلاتي العشاء أو العشي وإما لإلحاق العشاء بالظهر والعصر لكون كل منهن رباعية قوله باب القراءة في الفجر يعني صلاة الصبح قوله وقالت أم سلمة قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالطور يأتي
[ 209 ]
الكلام عليه في الباب الذي بعده قوله عن وقت الصلاة في رواية غير أبي ذر الصلوات والمراد المكتوبات وقد تقد الكلام على حديث أبي برزة المذكور في المواقيت وقوله هنا وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة أي من الآيات وهذه الزيادة تفرد بها شعبة عن أبي المنهال والشك فيه منه وقد تقدم عن رواية الطبراني تقديرها بالحاقة ونحوها فعلى تقدير أن يكون ذلك في كل الركعتين فهو منطبق على حديث بن عباس في قراءته في صبح الجمعة تنزيل السجدة وهل أتى وعلى تقدير أن يكون في كل ركعة فهو منطبق على حديث جابر بن سمرة في قراءته في الصبح بق أخرجه مسلم وفي رواية له بالصافات وفي أخرى عند الحاكم بالواقعة وكأن المصنف قصد بإيراد حديثي أم سلمة وأبي برزة في هذه الباب بيان حالتى السفر والحضر ثم ثلث بحديث أبي هريرة الدال على عدم اشتراط قدر معين قوله إسماعيل بن إبراهيم هو المعروف بابن علية وقد تكلم يحيى بن معين في حديثه عن بن جريج خاصة لكن تابعه عليه عبد الرزاق ومحمد بن بكر ويحيى بن أبي الحجاج عند أبي عوانة وغندر عند أحمد وخالد بن الحارث عند النسائي وابن وهب عند بن خزيمة ستتهم عن بن جريج منهم من ذكر الكلام الأخير ومنهم من لم يذكره وتابع بن جريج حبيب المعلم عند مسلم وأبي داود وحبيب بن الشهيد عند مسلم وأحمد ورقية بن مصقلة عند النسائي وقيس بن سعد وعمارة بن ميمون عند أبي داود وحسين المعلم عند أبي نعيم في المستخرج ستتهم عن عطاء منهم من طوله ومنهم من اختصره قوله في كل صلاة يقرأ بضم أوله على البناء للمجهول ووقع في رواية الأصيلي نقرأ بنون مفتوحه في أوله كذا هو موقوف وكذا هو عند من ذكرنا روايته إلا حبيب بن الشهيد فرواه مرفوعا بلفظ لا صلاة إلا بقراءة هكذا أورده مسلم من رواية أبي أسامة عنه وقد أنكره الدارقطني على مسلم وقال إن المحفوظ عن أبي أسامة وقفه كما رواه أصحاب بن جريج وكذا رواه أحمد عن يحيى القطان وأبي عبيدة الحداد كلاهما عن حبيب المذكور موقوفا وأخرجه أبو عوانة من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن بن جريج كرواية الجماعة لكن زاد في آخره وسمعته يقول لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وظاهر سياقه أن ضمير سمعته النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا بخلاف رواية الجماعة نعم قوله ما أسمعنا وما أخفى عنا يشعر بأن جميع ما ذكره متلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون للجميع حكم الرفع قوله وان لم تزد بلفظ الخطاب وبينته رواية مسلم عن أبي خيثمة وعمرو الناقد عن إسماعيل فقال له رجل ان لم أزد وكذا رواه يحيى بن محمد عن مسدد شيخ البخاري فيه أخرجه البيهقي وزاد أبو يعلى في أوله عن أبي خيثمة بهذا السند إذا كنت إماما فخفف وإذا كنت وحدك فطول ما بدلك وفي كل صلاة قراءة الحديث قوله أجزأت أي كفت وحكى بن التين رواية أخرى جزت بغير ألف وهي رواية القابسي واستشكله ثم حكى عن الخطابي قال يقال جزى وأجزى مثل وفي وأوفى قال فزال الاشكال قوله فهو خير في رواية حبيب المعلم فهو أفضل وفي هذا الحديث أن من لم يقرأ الفاتحة لم تصح صلاته وهو شاهد لحديث عبادة المتقدم وفيه استحباب السورة أو الآيات مع الفاتحة وهو قول الجمهور في الصبح والجمعة والأوليين من غيرهما وصح إيجاب ذلك عن بعض الصحابة كما تقدم وهو عثمان بن أبي العاص وقال به بعض الحنفية وابن كتانة من المالكية وحكاه القاضي الفراء الحنبلي في الشرح الصغير
[ 210 ]
رواية عن أحمد وقيل يستحب في جميع الركعات وهو ظاهر حديث أبي هريرة هذا والله أعلم قوله باب الجهر بقراءة صلاة الصبح ولغير أبي ذر صلاة الفجر وهو موافق للترجمة الماضية وعلى رواية أبي ذر فلعله أشار إلى أنها تسمى بالأمرين قوله وقالت أم سلمة الخ وصله المصنف في باب طواف النساء من كتاب الحج من رواية مالك عن أبي الأسود عن عروة عن زينب عن أمها أم سلمة قالت شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني أشتكى أي أن بها مرضا فقال طوفي وراء الناس وأنت راكبة قالت فطفت حينئذ والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي الحديث وليس فيه بيان أن الصلاة حينئذ كانت الصبح ولكن تبين ذلك من رواية أخرى أوردها بعد ستة أبواب من طريق يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام بن عروة عن أبيه ولفظه فقال إذا أقيمت الصلاة للصبح فطوفى وهكذا أخرجه الاسماعيلي من رواية حسان بن إبراهيم عن هشام وأما ما أخرجه بن خزيمة من طريق بن وهب عن مالك وابن لهيعة جميعا عن أبي الأسود في هذا الحديث قال فيه قالت وهو يقرأ في العشاء الآخرة فشاذ وأظن سياقه لفظ أبي لهيعة لأن بن وهب رواه في الموطأ عن مالك فلم يعين الصلاة كما رواه أصحاب مالك كلهم أخرجه الدارقطني في الموطآت له من طرق كثيرة عن مالك منها رواية بن وهب المذكورة وإذا تقرر ذلك فابن لهيعة لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف وعرف بهذا اندفاع الاعتراض الذي حكاه بن التين عن بعض المالكية حيث أنكر أن تكون الصلاة المذكورة صلاة الصبح فقال ليس في الحديث بيانها والأولى أن تحمل على النافلة لأن الطواف يمتنع إذا كان الإمام في صلاة الفريضة انتهى وهو رد للحديث الصحيح بغير حجة بل يستفاد من هذا الحديث جواز ما منعه بل يستفاد من الحديث التفصيل فنقول أن كان الطائف بحيث يمر بين يدي المصلين فيمتنع كما قال وإلا فيجوز وحال أم سلمة هو الثاني لأنها طافت من وراء الصفوف ويستنبط منه أن الجماعة في الفريضة ليست فرضا على الأعيان إلا أن يقال كانت أم سلمة حينئذ شاكية فهي معذورة أو الوجوب يختص بالرجال وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى وقال بن رشيد ليس في حديث أم سلمة نص على ما ترجم له من الجهر بالقراءة إلا أنه يؤخذ بالاستنباط من حيث أن قولها طفت وراء الناس يستلزم الجهر بالقراءة لأنه لا يمكن سماعها للطائف من ورائهم إلا إن كانت جهرية قال ويستفاد منه جواز إطلاق قرأ وإرادة جهر والله أعلم ثم ذكر البخاري حديث بن عباس في قصة سماع الجن القرآن وسيأتي الكلام عليه في موضعه من التفسير ويأتي بيان عكاظ في كتاب الحج في شرح حديث بن عباس أيضا كانت عكاظ من أسواق الجاهلية الحديث والمقصود منه هنا قوله وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وهو ظاهر في الجهر ثم ذكر حديث بن عباس أيضا قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر وسكت فيما أمر وما كان ربك نسيا لقد كان لكن في رسول الله أسوة حسنة ووجه المناسبة منه ما تقدم من إطلاق قرأ على جهر لكن كان يبقى خصوص تناول ذلك لصلاة الصبح فيستفاد ذلك من الذي قبله فكأنه يقول هذا الإجمال هنا مفسر بالبيان في الذي قبله لأن المحدث بهما واحد أشار إلى ذلك بن رشيد ويمكن أن يكون مراد البخاري بهذا ختم تراجم القراءة في الصلوات إشارة منه إلى أن المعتمد في ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينبغي لأحد أن
[ 211 ]
يغير شيئا مما صنعه وقال الاسماعيلي إيراد حديث بن عباس هنا يغاير ما تقدم من إثبات القراءة في الصلوات لأن مذهب بن عباس كان ترك القراءة في السرية وأجيب بأن الحديث الذى أورده البخاري ليس فيه دلالة على الترك وأما بن عباس فكان يشك في ذلك تارة وينفي القراءة أخرى وربما أثبتها أما نفيه فرواه أبو داود وغيره من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عمه أنهم دخلوا عليه فقالوا له هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر قال لا قيل لعله كان يقرأ في نفسه قال هذه شر من الأولى كان عبدا مأمورا بلغ ما أمر به وأما شكه فرواه أبو داود أيضا والطبري من رواية حصين عن عكرمة عن بن عباس قال ما أدرى أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا انتهى وقد أثبت قراءته فيهما خباب وأبو قتادة وغيرهما كما تقدم فروايتهم مقدمة على من نفى فضلا على من شك ولعل البخاري أراد بإيراد هذا إقامة الحجة عليه لأنه احتج بقوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فيقال له قد ثبت أنه قرأ فيلزمك أن تقرأ والله أعلم وقد جاء عن بن عباس اثبات ذلك أيضا رواه أيوب عن أبي العالية البراء قال سألت بن عباس أقرأ في الظهر والعصر قال هو أمامك اقر منه ما قل أو كثر أخرجه بن المنذر والطحاوي وغيرهما قوله حدثنا إسماعيل هو بن إبراهيم المعروف بابن علية قوله وما كان ربك نسيا ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة قال الخطابي مراده أنه لو شاء الله أن ينزل بيان أحوال الصلاة حتى تكون قرآنا يتلى لفعل ولم يتركه عن نسيان ولكنه وكل الأمر في ذلك إلى بيان نبيه صلى الله عليه وسلم ثم شرع الاقتداء به قال ولا خلاف في وجوب أفعاله التي هي لبيان مجمل الكتاب وقوله أسوة بكسر الهمزة وضمها أي قدوة قوله باب الجمع بن السورتين في ركعة والقراءة بالخواتم وبسورة قبل سورة وبأول سورة اشتمل هذا الباب على أربع مسائل فأما الجمع بين سورتين فظاهر من حديث بن مسعود ومن حديث أنس أيضا وأما القراءة بالخواتم فيؤخذ بالإلحاق من القراءة بالأوائل والجامع بينهما أن كلا منهما بعض سورة ويمكن أن يؤخذ من قوله قرأ عمر بمائة من البقرة ويتأيد بقول قتادة كل كتاب الله وأما تقديم السورة على السورة على ما في ترتيب المصحف فمن حديث أنس ومن فعل عمر في رواية الأحنف عنه وأما القراءة بأول سورة فمن حديث عبد الله بن السائب ومن حديث بن مسعود أيضا قوله ويذكر عن عبد الله بن السائب أي بن أبي السائب بن صيفي بن عابد بموحدة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وحديثه هذا وصله مسلم من طريق بن جريج قال سمعت محمد به عباد بن جعفر يقول أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن المسيب العابدي كلهم عن عبد الله بن السائب قال صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح بسورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى شك محمد بن عباد أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع وفي رواية بحذف فركع وقوله بن عمرو بن العاص وهم من بعض أصحاب بن جريج وقد رويناه في مصنف عبد الرزاق عنه فقال عبد الله بن عمرو القارئ وهو الصواب واختلف في إسناده على بن جريج فقال بن عيينة عنه عن بن أبي مليكة عن عبد الله بن السائب أخرجه بن ماجة وقال أبو عاصم عنه عن محمد بن عباد عن أبي سلمة بن سفيان أو سفيان بن أبي سلمة وكأن البخاري علقه بصيغة ويذكر لهذا الاختلاف مع أن إسناده مما تقوم
[ 212 ]
به الحجة قال النووي قوله بن العاص غلط عند الحفاظ فليس هذا عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي المعروف بل هو تابعي حجازي قال وفي الحديث جواز قطع القراءة وجواز القراءة ببعض السورة وكرهه مالك انتهى وتعقب بأن الذي كرهه مالك أن يقتصر على بعض السورة مختارا والمستدل به ظاهر في أنه كان للضرورة فلا يرد عليه وكذا يرد على من استدل به على أنه لا يكره قراءة بعض الآية أخذا من قوله حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى لأن كلا من الموضعين يقع في وسط آية وفيه ما تقدم نعم الكراهة لا تثبت إلا بدليل وأدلة الجواز كثيرة وقد تقدم حديث زيد بن ثابت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ الأعراف في الركعتين ولم يذكر ضرورة ففيه القراء بالأول وبالأخير وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي بكر الصديق أنه أم الصحابة في صلاة الصبح بسورة البقرة فقرأها في الركعتين وهذا إجماع منهم وروى محمد بن عبد السلام الخشني بضم الخاء المعجمة بعدها غدا مفتوحة خفيفة ثم نون من طريق الحسن البصري قال غزونا خراسان ومعنا ثلاثمائة من الصحابة فكان الرجل منهم يصلي بنافيقرأ الآيات من السورة ثم يركع أخرجه بن حزم محتجا به وروى الدارقطني بإسناد قوي عن بن عباس أنه قرأ الفاتحة وآية من البقرة في كل ركعة قوله أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة بفتح أوله من السعال ويجوز الضم ولابن ماجة شرقة بمعجمة وقاف وقوله في رواية مسلم فحذف أي ترك القراءة وفسره بعضهم برمى النخامة الناشئة عن السعلة والأول أظهر لقوله فركع ولو كان أزال ما عاقه عن القراءة لتمادي فيها واستدل به على أن السعال لا يبطل الصلاة وهو واضح فيما إذا غلبه وقال الرافعي في شرح المسند قد يستدل به على أن سورة المؤمنين مكية وهو قول الأكثر قال ولمن خالف أن يقول يحتمل أن يكون قوله بمكة أي في الفتح أو حجة الوداع قلت قد صرح بقضية الاحتمال المذكور النسائي في روايته فقال في فتح مكة ويؤخذ منه أن قطع القراءة لعارض السعال ونحوه أولى من التمادي في القراءة مع السعال والتنحنح ولو استلزم تخفيف القراءة فيما استحب فيه تطويلها قوله وقرأ عمر الخ وصله بن أبي شيبة من طريق أبي رافع قال كان عمر يقرأ في الصبح بمائة من البقرة ويتبعها بسورة من المثاني انتهى والمثاني قيل ما لم يبلغ مائة آية أو بلغها وقيل ما عدا السبع الطوال إلى المفصل قيل سميت مثانى لأنها المنسأة السبع وسميت الفاتحة السبع المثاني لأنها تثنى في كل صلاة وأما قوله سبحانه وتعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني فالمراد بها سورة الفاتحة وقيل غير ذلك قوله وقرأ الأحنف وصله جعفر الفريابي في كتاب الصلاة له من طريق عبد الله بن شقيق قال صلى بنا الأحنف فذكره وقال في الثانية يونس ولم يشك قال وزعم أنه صلى خلف عمر كذلك ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في المستخرج قوله وقرأ بن مسعود الخ وصله عبد الرزاق بلفظه من رواية عبد الرحمن بن يزيد النخعي عنه وأخرجه هو وسعيد بن منصور من وجه آخر عن عبد الرزاق بلفظ فافتتح الأنفال حتى بلغ ونعم النصير انتهى وهذا الموضع هو رأس أربعين آية فالروايتان متوافقتان وتبين بهذا أنه قرأ بأربعين من أولها فاندفع الاستدلال به على قراءة خاتمة السورة بخلاف الأثر عن عمر فإنه محتمل قال بن التين إن لم تؤخذ القراءة بالخواتم من أثر عمر أو بن مسعود وإلا فلم يأت البخاري بدليل على ذلك وفاته ما قدمناه من أنه مأخوذ بالإلحاق مؤيد بقول قتادة قوله وقال قتادة وصله
[ 213 ]
عبد الرزاق وقتادة تابعي صغير يستدل لقوله ولا يستدل به وإنما أراد البخاري منه قوله كل كتاب الله فإنه يستنبط منه جواز جميع ما ذكر في الترجمة وأما قول قتادة في ترديد السورة فلم يذكره المصنف في الترجمة فقال بن رشيد لعله لا يقول به لما روى فيه من الكراهة عن بعض العلماء قلت وفيه نظر لأنه لا يراعى هذا القدر إذا صح له الدليل قال الزين بن المنير ذهب مالك إلى أن يقرأ المصلي في كل ركعة بسورة كما قال بن عمر لكل سورة حظها من الركوع والسجود قال ولا تقسم السورة في ركعتين ولا يقتصر على بعضها ويترك الباقي ولا يقرأ بسورة قبل سورة يخالف ترتيب المصحف قال فإن فعل ذلك كله لم تفسد صلاته بل هو خلاف الأولى قال وجميع ما استدل به البخاري لا يخالف ما قال مالك لأنه أمرهم على بيان الجواز انتهى وأما حديث بن مسعود ففيه إشعار بالمواظبة على الجمع بين سورتين كما سيأتي في الكلام عليه وقد نقل البيهقي في مناقب الشافعي عنه أن ذلك مستحب وما عدا ذلك مما ذكر أنه خلاف الأولى وهو مذهب الشافعي أيضا وعن أحمد والحنفية كراهية قراءة سورة قبل سورة تخالف ترتيب المصحف واختلف هل رتبه الصحابة بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم أخبرني أباجتهاد منهم قال القاضي أبو بكر الصحيح الثاني وأما ترتيب الآيات فتوقيفي بلا خلاف ثم قال بن المنير والذي يظهر أن التكرير أخف من قسم السورة في ركعتين انتهى وسبب الكراهة فيما يظهر أن السورة مرتبط بعضها ببعض فأي موضع قطع فيه لم يكن كانتهائه إلى أخر السورة فإنه ان قطع في وقف غير تام كانت الكراهة ظاهرة وإن قطع في وقف تام فلا يخفى أنه خلاف الأولى وقد تقدم في الطهارة قصة الأنصاري الذي رماه العدو بسهم فلم يقطع صلاته وقال كنت في سورة فكرهت أن أقطعها وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك قوله وقال عبيد الله بن عمر أي بن حفص بن عاصم وحديثه هذا وصله الترمذي والبزار عن البخاري عن إسماعيل بن أبي أوبس والبيهقي من رواية محرز بن سلمة كلاهما عن عبد العزيز الدراوردي عنه بطوله قال الترمذي حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله عن ثابت قال وقد روى مبارك بن فضالة عن ثابت فذكر طرفا من آخره وذكر الطبراني في الأوسط أن الدراوردي تفرد به عن عبيد الله وذكر الدارقطني في العلل أن حماد بن سلمة خالف عبيد الله في إسناده فرواه عن ثابت عن حبيب بن سبيعة مرسلا قال وهو أشبه بالصواب وإنما رجحه الأن حماد بن سلمة مقدم في حديث ثابت لكن عبيد الله بن عمر حافظ حجة وقد وافقه مبارك في إسناده فيحتمل أن يكون لثابت فيه شيخان قوله كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء هو كلثوم بن الهدم رواه بن منده في كتاب التوحيد من طريق أبي صالح عن بن عباس كذا أورده بعضهم والهدم بكسر الهاء وسكون الدال وهو من بني عمرو من عوف سكان قباء وعليه نزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم في الهجرة إلى قباء قيل وفي تعيين المبهم به هنا نظر لأن في حديث عائشة في هذه القصة أنه كان أمير سرية وكلثوم بن الهدم مات في أوائل ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فيما ذكره الطبري وغيره من أصحاب المغازي وذلك قبل أن يبعث السرايا ثم رأيت بخط بعض من تكلم على رجال العمدة كلثوم بن زهدم وعزاه لابن منده لكن رأيت أنا بخط الحافظ رشيد الدين العطار في حواشي مبهمات الخطيب فتنق عن صفة التصوف لابن طاهر أخبرنا عبد الوهاب بن أبي
[ 214 ]
عبد الله بن منده عن أبيه فسماه كرز بن زهدم فالله أعلم وعلى هذا فالذي كان يؤم في مسجد قباء غير أمير السرية ويدل على تغايرهما أن في رواية الباب أنه كان يبدأ بقل هو الله أحد وأمير السرية كان يختم بها وفي هذا أن كان يصنع ذلك في كل ركعة ولم يصرح بذلك في قصة الآخر وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله وأمير السرية أمر أصحابه أن يسألوه وفي هذا أنه قال إنه قال إنه يحبها فبشره بالجنة وأمير السرية قال لأنها صفة الرحمن فبشره بان الله يحبه والجمع بين هذا التغاير كله ممكن لولا ما تقدم من كون كلثوم بن الهدم مات قبل البعوث والسرايا وأما من فسره بأنه قتادة بن النعمان فأبعد جدا فإن في قصة قتادة أنه كان يقرؤها في الليل يرددها ليس فيه أنه أم بها لا في سفر ولا في حضر ولا أنه سئل عن ذلك ولا بشر وسيأتي ذلك واضحفي فضائل القرآن وحديث عائشة الذي أشرنا إليه أورده المصنف في أوائل كتا ب التوحيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى قوله مما يقرأ به أي من السورة بعد الفاتح قوله افتتح بقل هو الله أحد تمسك به من قال لا يشترط قراءة الفاتحة وأجيب بأن الراوي لم يذكر الفاتحة اعتناء بالعلم لأنه لا بد منها فيكون معناه افتتح بسورة بعد الفاتحة أو كان ذلك قبل ورود الدليل الدال على اشتراط الفاتحة قوله فكلمه أصحابه يظهر منه أن صنيعه ذلك خلاف ما ألفوه من النبي صلى الله عليه بإطوسلم قوله وكرهوا أن يؤمهم غيره إما لكونه من أفضلهم كما ذكر في الحديث وإما لكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قرره قوله ما يأمرك به أصحابك أي يقولون لك وليرد الأمر بالصيغة المعروفة لكنه السري من التخيير الذي ذكروه كأنهم قالوا له أفعل كذا وكذا قوله ما يمنعك وما يحملك سأله عن أمرين فأجابه بقوله اني أحبها وهو جواب عن الثاني مستلزم للأول بانضمام شئ آخر وهو إقامة السنة المعهودة في الصلاة فالمانع مركب من المحبة والأمر المعهود والحامل على الفعل المحبة وحدها ودل تبشيره له بالجنة على الرضا بفعله وعبر بالفعل الماضي في قوله أدخلك وإن كان دخول الجنة مستقبلا تحقيقا لوقوع ذلك قال ناصر الدين بن المنير في هذا الحديث أن المقاصد تغير أحكام الفعل لأن الرجل لو قال إن الحامل له على إعادتها أنه لا يحفظ غيرها لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه قال وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يعد ذلك هجرانا لغيره وفيه ما يشعر بأن سورة الإخلاص مكية قوله جاء رجل إلى بن مسعود هو نهيك بفتح النون وكسر الهاء بن سنان الأسماء سماه منصور في روايته عن أبي وائل عند مسلم وسيأتي من وجه آخر قوله قرأت المفصل تقدم أنه من ق إلى آخر القرآن على الصحيح وسمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح ولقول هذا الرجل قرأت المفصل سبب بينه مسلم في أول حديثه من رواية وكيع عن الأعمش عن أبي وائل قال جاء رجل يقال له نهيك بن سنان إلى عبد الله فقال يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ الحرف من ماء غير آسن أو غير ياسن فقال عبد الله كل القرآن أحصيت غير هذا قال إني لأقرأ المفصل في ركعة قوله هذا بفتح الهاء وتشديد الذال المعجمة أي سردا وافراطا في السرعة وهو منصوب على المصدر وهو استفهام إنكار بحذف أداة الاستفهام وهي ثابتة في رواية منصور عند مسلم وقال ذلك لأن تلك الصفة كانت عادتهم في انشاد الشعر وزاد فيه مسلم من رواية وكيع أيضا أن أقواما يقرؤون القرآن
[ 215 ]
لا يجاوز تراقيهم وزاد أحمد عن أبي معاوية وإسحاق عن عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش فيه ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع وهو في رواية مسلم دون قوله نفع قوله لقد عرفت النظائر أي السور المتماثلة في المعاني كالموعظة أو الحكم أو القصص لا المتماثلة في عدد الآى لما سيظهر عند تعيينها قال المحب الطبري كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العد حتى اعتبرتها فلم أجد فيها شيئا متساويا قوله يقرن بضم الراء وكسرها قوله عشرين سورة من المفصل وسورتين من آل حم في كل ركعة وقع في فضائل القرآن من رواية واصل عن أبي وائل ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم وبين فيه من رواية أبي حمزة عن الأعمش أن قوله عشرين سورة إنما سمعه أبو وائل من علقمة عن عبد الله ولفظه فقام عبد الله ودخل علقمة معه ثم خرج علقمة فسألناه فقال عشرون سورة من المفصل على تأليف بن مسعود آخرهن حم الدخان وعم يتساءلون ولابن خزيمة من طريق أبي خالد الأحمر عن الأعمش مثله وزاد فيه فقال الأعمش أولهن الرحمن وآخرهن الدخان ثم سردها وكذلك سردها أبو إسحاق عن علقمة والأسود عن عبد الله فيما أخرجه أبو داود متصلا بالحديث بعد قوله كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والذاريات والطور في ركعة والواقعة ونون في ركعة وسأل والنازعات في ركعة وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة وإذا الشمس كورت والدخان في ركعة هذا لفظ أبي داود والآخر مثله إلا إنه لم يقل في ركعة في شئ منها وذكر السورة الرابعة قبل الثالثة والعاشرة قبل التاسعة ولم يخالفه في الاقتران وقد سردها أيضا محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي وائل فيما أخرجه الطبراني لكن قدم وأخر في بعض وحذف بعضها ومحمد ضعيف وعرف بهذأن قوله في رواية واصل وسورتين من آل حم مشكل لأن الروايات لم تختلف أنه ليس في العشرين من الحواميم غير الدخان فيحمل على التغليب أو فيه حذف كأنه قال وسورتين إحداهما من آل حم وكذا قوله في رواية أبي حمزة وأخرهن حم الدخان وعم يتساءلون مشكل لأن حم الدخان آخرهن في جميع الروايات وأما عم فهي في رواية أبي خالد السابعة عشرة وفي رواية أبي إسحاق الثامنة عشرة فكان فيه تجوزا لأن عم وقعت في الركعتين الأخيرتين في الجملة ويتبين بهذا أن في قوله في حديث الباب وعشرين سورة من المفصل تجوزا لأن الدخان ليست منه ولذلك فصلها من المفصل في رواية واصل نعم يصح ذلك على أحد الآراء في حد المفصل كما تقدم وكما سيأتي بيانه أيضا في فضائل القرآن وفي هذا الحديث من الفوائد كراهة الإفراط في سرعة التلاوة لأنه ينافي المطلوب من التدبر والتفكر في معاني القرآن ولا خلاف في جواز السرد بدون تدبر لكن القراءة بالتدبر أعظم أجرا وفيه جواز تطويل الركعة الأخيرة على ما قبلها وهذا الحديث أول حديث موصول أورده في هذا الباب فلهذا صدر الترجمة بما دل عليه وفيه ما ترجم له وهو الجمع بين السور لأنه إذا جمع بين السورتين ساغ الجمع بين ثلاث فصاعدا لعدم الفرق وقد روى أبو داود وصححه بن خزيمة من طريق عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسليجمع بين السور قالت نعم من المفصل ولا يخالف هذا ما سيأتي في التهجد أنه جمبين البقرة وغيرها من الطوال لأنه يحمل على
[ 216 ]
النادر وقال عياض في حديث بن مسعو هذا يدل على أن هذا القدر كان قدر قراءته غالبا وأما تطويله قائما كان في التدبر والترتيل وما ورد غير ذلك من قراءة البقرة وغيرها فكان نادرا قلت لكن ليس في حديث بن مسعود ما يدل على المواظبة بل فيه أنه كان يقرن بين هذه السور المعينات إذا قرأ من المفصل وفيه موافقة لقول عائشة وابن عباس إن صلاته صارت كانت عشر ركعات غير الوتر وفيه ما يقوي قول القاضي أبي بكر المتقدم إن تأليف السور كان عن اجتهاد من الصحابة لأن تأليف عبد الله المذكور مغاير لتأليف مصحف عثمان وسيأتي ذلك في باب مفرد في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى قوله باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب يعني بغير زيادة وسكت عن ثالثة المغرب رعاية للفظ الحديث مع أن حكمها حكم الأخريين من الرباعية ويحتمل أن يكون لم يذكرها لما رواه مالك من طريق الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق يقرأ فيها ربنا لا تزغ قلوبنا الآية قوله عن يحيى هو بن أبي كثير قوله بأم الكتاب فيه ما ترجم له وفيه التنصيص على قراءة الفاتحة في كل ركعة وقد تقدم البحث فيه قال بن خزيمة قد كنت زمانا أحسب أن هذا اللفظ لم يروه عن يحيى غير همام وتابعه أبان إلى أن رأيت الأوزاعي قد رواه أيضا عن يحيى يعني أن أصحاب يحيى اقتصروا على قوله كان يقرأ في الأوليين بأم الكتاب وسورة كما تقدم عنه من طرق وأن هماما زاد هذه الزيادة وهي الاقتصار على الفاتحة في الأخريين فكان يخشى شذوذها إلى أن قويت عنده بمتابعة من ذكر لكن أصحاب الأوزاعي لم يتفقوا على ذكرها كما سيظهر ذلك بعد باب قوله ما لا يطيل كذا للأكثر ولكريمة ما لا يطول وما نكرة موصوفة أو مصدرية وفي رواية المستملى والحموي بما لا يطيل واستدل به على تطويل الركعة الأولى على الثانية وقد تقدم البحث في ذلك في باب القراءة في الظهر وسيأتي أيضا قوله باب من خافت القراءة أي أسر وفي رواية الكشميهني خافت بالقراءة وهو أوجه ودلالة حديث خباب للترجمة واضحة وقد تقدم الكلام على بقية فوائده قريبا قوله باب إذا أسمع وللكشميهني إذا سمع بتشديد الميم الإمام الآية أي في السرية خلافا لمن قال يسجد للسهو إن كان ساهيا وكذا لمن قال يسجد مطلقا وحديث أبي قتادة واضح في الترجمة وقد تقدم الكلام عليه أيضا قوله باب يطول في الركعة الأولى أي في جميع الصلوات وهو ظاهر الحديث المذكور في الباب وقد تقدم البحث فيه أيضا وعن أبي حنيفة يطول في أولى الصبح خاصة وقال البيهقي في الجمبين أحاديث المسألة يطول في الأولى أن كان ينتظر أحدا وإلا فليسو بين الأوليين وروى عبد الرزاق نحوه عن بن جريج عن عطاء قال إني لاحب أن يطول الإمام الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس فإذا صليت لنفسي فإني أحرص على أن أجعل الأوليين سواء وذهب بعض الأئمة إلى استحباب تطويل الأولى من الصبح دائما وأما غيرها فإن كان يترجى كثرة المأمومين ويبادر هو أول الوقت فينتظر وإلا فلا وذكر في حكمة اختصاص الصبح بذلك أنها تكون عقب النوم والراحة وفي ذلك الوقت يواطئ السمع واللسان القلب لفراغه وعدم تمكن الاشتغال بأمور المعاش وغيرها منه والعلم عند الله تنبيه أبو يعفور المذكور في السند هو الأكبر واسمه حكى بالقاف وقيل وقدان وجزم النووي في شرح مسلم بأنه الأصغر واسمه عبد الرحمن بن عبيد وبالأول جزم أبو على الجياني والمزى
[ 217 ]
وغيرهما وهو الصواب قوله باب جهر الإمام بالتأمين أي بعد الفاتحة في الجهر والتأمين الحدود أمن بالتشديد أي قال آمين وهي بالمد والتخفيف في جميع الروايات وعن جميع القراء وحكى الواحدى عن حمزة والكسائي الإمالة وفيها ثلاث لغات أخرى شاذة القصر حكاه ثعلب وأنشد له شاهدا وأنكره بن درستويه وطعن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر وحكى عياض ومن تبعه عن ثعلب أنه إنما أجازه في الشعر خاصة والتشديد مع المد والقصر وخطأهما جماعة من أهل اللغة وآمين من أسماء الأفعال مثل صه للسكوت وتفتح في الوصل لأنها مبنية بالاتفاق مثل كيف وإنما لم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء ومعناها اللهم استجب عند الجمهور وقيل غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى كقول من قال معناه اللهم آمنا بخير وقيل كذلك يكون وقيل درجة في الجنة تجب لقائلها وقيل لمن استجيب له كما استجيب للملائكة وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة بإسناد ضعيف وعن هلال بن يساف التابعي مثله وأنكره جماعة وقال من الفساد وشدد معناها قاصدين إليك ونقل ذلك عن جعفر الصادق وقال من قصر وشدد هي كلمة عبرانية أو سريانية وعند أبي داود من حديث أبي زهير النميري الصحابي أن آمين مثل الطابع على الصحيفة ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم إن ختم بآمين فقد أوجب قوله وقال عطاء إلى قوله بآمين وصله عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال قلت له أكان بن الزبير يؤمن على أثر أم القرآن قال نعم ويؤمن من وراءه حتى إن للمسجد للجة ثم قال إنما آمين دعاء قال وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام فيناديه فيقول لا تسبقني بآمين وقوله حتى إن بكسر الهمزة للمسجد أي لأهل المسجد للجة اللام للتأكيد واللجة قال أهل اللغة الصوت المرتفع وروى للجبة بموحدة وتخفيف الجيم حكاه بن التين وهي الأصوات المختلطة ورواه البيهقي لرجة بالراء بدل اللام كما سيأتي قوله لا تفتني بضم الفاء وسكون المثناة وحكى بعضهم عن بعض النسخ بالفاء والشين المعجمة ولم أر ذلك في شئ من الروايات وإنما فيها بالمثناة من الفوات وهي بمعنى ما تقدم عند عبد الرزاق من السبق ومراد أبي هريرة أن يؤمن مع الإمام انظر الصلاة وقد تمسك به بعض المالكية في أن الإمام لا يؤمن وقال معناه لا تنازعني بالتأمين الذي هو من وظيفة المأموم وهذا تأويل بعيد وقد جاء عن أبي هريرة من وجه آخر أخرجه البيهقي من طريق حماد عن ثابت عن أبي رافع قال كان أبو هريرة يؤذن لمروان فاشترط أن لا يسبقه بالضالين حتى يعلم أنه دخل في الصف وكأنه كان يشتغل بالإقامة وتعديل الصفوف وكان مروان يبادر إلى الدخول في الصلاة قبل فراغ أبي هريرة وكان أبو هريرة ينهاه عن ذلك وقد وقع له ذلك مع غير مروان فروى سعيد بن منصور عن طريق محمد بن سيرين أن أبا هريرة كان مؤذنا بالبحرين وأنه اشترط على الإمام أن لا يسبقه بآمين والإمام بالبحرين كان العلاء بن الحضرمي بينه عبد الرزاق من طريق أبي سلمة عنه وقد روى نحو قول أبي هريرة عن بلال أخرجه أبو داود من طريق أبي عثمان عن بلال أنه قال يا رسول الله لا تستبقني بآمين ورجاله ثقات لكن قيل إن أبا عثمان لم يلق بلالا وقد روى عنه بلفظ أن بلالا قال وهو ظاهر الإرسال ورجحه الدارقطني وغيره على الموصول وهذا الحديث يضعف التأويل السابق لأن بلالا لا يقع منه ما حمل هذا القائل كلام أبي هريرة وتمسك به بعض الحنفية بأن الإمام يدخل في الصلاة قبل فراغ المؤذن
[ 218 ]
من اشتراط وفيه نظر لأنها واقعة عين وسببها محتمل فلا يصح التمسك بها قال بن المنير مناسبة قول عطاء الترجمة أنه حكم بأن التأمين دعاء فاقتضى ذلك أن يقوله الإمام لأنه في مقام الداعي بخلاف قول المانع أنها جواب للدعاء فيختص بالمأموم وجوابه أن التأمين قائم مقام التخليص بعد البسط فالداعي فصل المقاصد بقوله اهدنا الصراط المستقيم إلى آخره والمؤمن أتى بكلمة تشمل الجميع فإن قالها الإمام فكأنه دعا مرتين مفصلا ثم مجملا قوله وقال نافع الخ وصله عبد الرزاق عن بن جريج أخبرنا نافع أن بن عمر كان إذا ختم أم القرآن قال آمين لا يدع أن يؤمن إذا ختمها ويحضهم على قولها قال وسمعت منه في ذلك خيرا وقوله ويحضهم بالضاد المعجمة وقوله خيرا بسكون التحتانية أي فضلا وثوابا وهر رواية الكشميهني ولغيره خبرا بفتح الموحدة أي حديثا مرفوعا ويشعر به ما أخرجه البيهقي كان بن عمر إذا أمن الناس أمن معهم ويرى ذلك ك من السنة ورواية عبد الرزاق مثل الأول وكذلك رويناه في فوائد يحيى بن معين قال حدثنا حجاج بن محمد عن بن جريج ومناسبة أثر بن عمر من جهة أنه كان يؤمن إذا ختم الفاتحة وذلك أعم من أن يكون إماما أو مأموما قوله عن بن شهاب في الترمذي من طريق زيد بن الحباب عن مالك أخبرنا بن شهاب قوله أنهما أخبراه ظاهره أن لفظهما واحد لكن سيأتي في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة مغايرة يسيرة للفظ الزهري قوله إذا أمن الإمام فأمنوا ظاهر في أن الإمام يؤمن وقيل معناه إذا دعا والمراد دعاء الفاتحة من قوله اهدنا إلى آخره بناء على أن التأمين دعاء وقيل معناه إذا بلغ إلى موضع استدعى التأمين وهو قوله ولا الضالين ويرد ذلك التصريح بالمراد في حديث الباب واستدل به على مشروعية التأمين للإمام قيل وفيه نظر لكونها قضيه شرطية وأجيب بأن التعبير بإذا يشعر بتحقيق الوقوع وخالف مالك في إحدى الكلب عنه وهي رواية بن القاسم فقال لا يؤمن الإمام في الجهرية وفي رواية عنه لا يؤمن مطلقا وأجاب عن حديث بن شهاب هذا بأنه لم يره في حديث غيره وهي علة غير قادحة فإن بن شهاب إمام لا يضره التفرد مع ما سيذكر قريبا أن ذلك جاء في حديث غيره ورجح بعض المالكية كون الإمام لا يؤمن من حيث المعنى بأنه داع فناسب أن يختص المأموم بالتأمين وهذا يجئ على قولهم إنه لا قراءة على المأموم وأما من أوجبها عليه فله أن يقول كما اشتركا في القراءة فينبغي أن يشتركا في التأمين ومنهم من أول قوله إذا أمن الإمام فقال معناه دعا قال ونسميه الداعي مؤمنا سائغة لأن المؤمن يسمى داعيا كما جاء في قوله تعالى قد أجيبت دعوتكما وكان موسى داعيا وهارون مؤمنا كما رواه بن مردويه من حديث أنس وتعقب بعدم الملازمة فلا يلزم من تسمية المؤمن داعيا عكسه قاله بن عبد البر على أن الحديث في الأصل لم يصح ولو صح فاطلاق كون هارون داعيا إنما هو للتغليب وقال بعضهم معنى قوله إذا أمن بلغ موضع التأمين كما يقال أنجد إذا بلغ نجدا وإن لم يدخلها قال بن العربي هذا بعيد لغة وشرعا وقال بن دقيق العيد وهذا مجاز فإن وجد دليل يرجحه عمل به وإلا فالأصل عدمه قلت استدلوا له برواية أبي صالح عن أبي هريرة الآتية بعد باب بلفظ إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين قالوا فالجمع بين الكلب يقتضى حمل قوله إذا أمن على المجاز وأجاب الجمهور على تسليم المجاز المذكور بان المراد بقوله إذا أمن أي أراد التأمين ليتوافق تأمين الإمام والمأموم معا ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها الإمام وقد ورد التصريح بان الإمام يقولها وذلك في رواية ويدل على خلاف تأويلهم رواية معمر عن بن شهاب في هذا الحديث بلفظ إذا قال
[ 219 ]
الإمام ولا الضالين فقالوا أمين فإن الملائكة تقول آمين وأن الإمام يقول آمين الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والسراج وهو صريح في كون الإمام يؤمن وقيل في الجمع بينهما المراد بقوله إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين أي ولو لم يقل الإمام آمين وقيل يؤخذ من الخبرين تخيير المأموم في قولها مع الإمام أو بعده قاله الطبري وقيل الأول لمن قرب من الإمام والثاني لمن تباعد عنه لأن جهر الإمام بالتامين أخفض من جهره بالقراءة فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه فمن سمع تأمينه أمن معه وإلا يؤمن إذا سمعه يقول ولا الضالين لأنه وقت تأمينه قال الخطابي وهذه الوجوه كلها محتملة وليست بدون الوجه الذي ذكروه وقد رده بن شهاب بقوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين كأنه استشعر التأويل المذكور فبين أن المراد بقوله إذا أمن حقيقة التأمين وهو وإن كان مرسلا فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة روايه كما سيأتي بعد باب وإذا ترجح أن الإمام يؤمن فيجهر به في الجهرية كما ترجم به المصنف وهو قول الجمهور خلافا للكوفيين ورواية عن مالك فقال يسر به مطلقا ووجه الدلالة من الحديث أنه لو لم يكن التأمين مسموعا للمأموم لم يعلم به وقد علق تأمينه بتأمينه وأجابوا بان موضعه معلوم فلا يستلزم الجهر به وفيه نظر لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به وقد روى بن عبادة بن مالك في هذا الحديث قال بن شهاب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال ولا الضالين جهر بآمين أخرجه السراج ولابن حبان من رواية الزبيدي في حديث الباب عن بن شهاب كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين وللحميدي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه بلفظ إذا قال ولا الضالين ولأبي داود من طريق أبي عبد الله بن عم أبي هريرة عن أبي هريرة مثله وزاد حتى يسمع من يليه من الصف الأول ولأبي داود وصححه بن حبان من حديث وائل بن حجر نحو رواية الزبيدي وفيه رد على من أومأ إلى النسخ فقال إنما كان صلى الله عليه وسليجهر بالتامين في ابتداء الإسلام ليعلمهم فإن وائل بن حجر إنما أسلم في أواخر الأمر قوله فأمنوا استدل به على تأخير تامين المأموم عن تامين الإمام لأنه رتب عليه بالفاء لكن تقدم في الجمع بين الكلب أن المراد المقارنة وبذلك قال الجمهور وقال الشيخ أبو محمد الجويني لا تستحب مقارنة الإمام في شئ من الصلاة غيره قال إمام الحرمين يمكن تعليله بان التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه فلذلك لا يتأخر عنه وهو واضح ثم إن هذا الأمر عند الجمهور للندب وحكى بن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم وأشار بظاهر الأمر قال وأوجبه الظاهرية على كل مصل ثم في مطلق أمر المأموم بالتامين أنه يؤمن ولو كان مشتغلا بقراءة الفاتحة وبه قال أكثر الشافعية ثم اختلفوا هل تنقطع بذلك الموالاة على وجهين أصحهما لا تنقطع لأنه مأمور بذلك لمصلحة الصلاة بخلاف الأمر الذي لا يتعلق بها كالحمد للعاطس قال العلامة بن باز حفظه الله الصواب أن تأمين المأموم وحمده إذا عطس لا يقطع عليه قراءته لكونه شيئا يسيرا مشروعا والله أعلم والله أعلم قوله فإنه من وافق زاد يونس عن بن شهاب عند مسلم فإن الملائكة تؤمن قيل قوله فمن وافق وكذا لابن عيينة عن بن شهاب كما سيأتي في الدعوات وهو دال على أن المراد الموافقة في القول والزمان خلافا لمن قال المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حبان فإنه لما ذكر الحديث قال يريد موافقة الملائكة في الإخلاص بغير إعجا ب وكذا جنح إليه غيره فقال نحو ذلك من الصفات المحمودة أو في إجابة الدعاء أو في الدعاء بالطاعة خاصة أو المراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين وقال بن المنير الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون
[ 220 ]
المأموم على يقظة للاتيان بالوظيفة في محلها لأن الملائكة لا غفلة عندهم فمن وافقهم كان متيقظا ثم إن ظاهره أن المراد بالملائكة جميعهم واختاره بن بزيزة وقيل الحفظة منهم وقيل الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا إنهم غير الحفظة والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء وسيأتي في رواية الأعرج بعد باب وقالت الملائكة في السماء آمين وفي رواية محمد بن عمرو الآتية أيضا فوافق ذلك قول أهل السماء ونحوها لسهيل عن أبيه عند مسلم وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء ورجاله للعبد انتهى ومثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى قوله ورجاله له ما تقدم من ذنبه ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية وهو أمرهم عند العلماء على الصغائر وقد تقدم البحث في ذلك في الكلام على حديث عثمان فيمن توضأ كوضوئه صلى الله عليه وسلم في كتاب الطهارة فائدة وقع في أمالى الجرجاني عن أبي العباس الأصم عن بحر بن نصر عن بن وهب عن يونس في آخر هذا الحديث وما تأخر وهي زيادة شاذة فقد رواه بن الجارود في المنتقى عن بحر بن نصر بدونها وكذا رواه مسلم عحرملة وابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى كلاهما عن بن وهب وكذلك في جميع الطرق عن أبي هريرة إلا أني وجدته في بعض النسخ من بن ماجة عن هشام بن عمار وأبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن بن عيينة بإثباتها ولا يصح لأن أبا بكر قد رواه في مسنده ومصنفه بدونها وكذلك حفاظ أصحاب بن عيينة القدرة وابن المديني وغيرهما وله طريق أخرى ضعيفة من رواية أبي فروة محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه عن عثمان والوليد مشهور ساج عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قوله قال بن شهاب هو متصل إليه برواية مالك عنه وأخطأ من زعم أنه معلق ثم هو من مراسيل بن شهاب وقد قدمنا وجه اعتضاده وروى عنه موصولا أخرجه الدارقطني في الغرائب والعلل من طريق حفص بن عمر العدني عن مالك عنه وقال الدارقطني تفرد به حفص بن عمر وهو ضعيف وفي الحديث حجة على الإمامية قال العلامة بن باز حفظه الله ما كان يحسن من الشارح أن يذكر خلاف الإمامية لأنها طائفة ضالة وهي من أخبث طوائف الشيعة وقد سبق للشارح أن خلاف الزيدية لا يعتبر والإمامية شر من الزبيدية وكلاهما من الشيعة وليسوا أهلا لأن يذكر خلافهم في مسائل الإجماع والخلاف والله أعلم في قولهم إن التأمين يبطل الصلاة لأنه ليس بلفظ قرآن ولا ذكر ويمكن أن يكون مستندهم ما نقل عن جعفر الصادق أن معنى آمين أي قاصدين إليك وبه تمسك من قال إنه بالمد والتشديد وصرح المتولي من الشافعية بأن من قاله هكذا بطلت صلاته وفيه فضيلة الإمام لأن تأمين الإمام يواف تأمين الملائكة ولهذا شرعت للمأموم موافقته وظاهر سياق الأمر أن المأموم إنما يؤمن إذا أمن الإمام لا إذا ترك وقال به بعض الشافعية كما صرح به صاحب الذخائر وهو مقتضى إطلاق الرافعي الخلاف وادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على خلافه ونص الشافعي في الأم على أن المأموم يؤمن ولو تركه الإمام عمدا أو سهوا واستدل به القرطبي على تعيين قراءة الفاتحة للأمام وعلى أن المأموم ليس س عليه أن يقرأ فيما جهر به إمامه فأما الأول فكأنه أخذه من أن التأمين مختص بالفاتحة فظاهر السياق يقتضى أن قراءة الفاتحة كانت أمرا معلوما عندهم وأما الثاني فقد يدل على أن المأموم لا يقرأ الفاتحة حال قراءة الإمام لها لا أنه لا يقرؤها أصلا قوله باب فضل التأمين أورد فيه رواية الأعرج لأنها مطلقة غير مقيدة بحال الصلاة قال بن المنير وأي فضل أعظم من كونه قولا يسيرا لا كلفة فيه ثم قد ترتبت عليه المغفرة أه ويؤخذ منه مشروعية التأمين لكل من قرأ الفاتحة سواء
[ 221 ]
كان انظر الصلاة أو خارجها لقوله إذا قال أحدكم لكن في رواية مسلم من هذا الوجه إذ قال أحدكم في صلاته فيحمل المطلق على المقيد نعم في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد وساق مسلم إسنادها إذا أمن القارئ فأمنوا فهذا يمكن حمله على الإطلاق فيستحب التأمين إذا أمن القارئ مطلقا لكل من سمعه من مصل أو غيره ويمكن أن يقال المراد بالقارئ الإمام إذا قرأ الفاتحة فإن الحديث واحد اختلفت ألفاظه واستدل به بعض المعتزلة على أن الملائكة أفضل من الآدميين وسيأتي البحث في ذلك في باب الملائكة من بدء الخلق إن شاء الله تعالى قوله باب جهر المأموم بالتأمين كذا للأكثر وفي رواية المستملى والحموي جهر الإمام بآمين والأول هو صواب لئلا يتكرر قوله مولى أبي بكر أي بن عبد الرحمن بن الحارث قوله إذا قال الإمام الخ استدل به على أن الإمام لا يؤمن وقد تقدم البحث فيه قبل قال الزين بن المنير مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن في الحديث الأمر بقول آمين والقول إذا وقع به الخطاب مطلقا حمل على الجهر ومتى أريد به الإسرار أو حديث النفس قيد بذلك وقال بن رشيد تؤخذ المناسبة منه من جهات منها أنه قال إذا قال الإمام فقولوا فقابل القول بالقول والإمام إنما قال ذلك جهرا فكان الظاهر الاتفاق في الصفة ومنها أنه قال فقولوا ولم يقيده بجهر ولا غيره وهو مطلق في سياق الإثبات وقد عمل به في الجهر بدليل ما تقدم يعني في مسألة الإمام والمطلق إذا عمل به في صورة لم يكن حجة في غيرها باتفاق ومنها أنه تقدم أن المأموم مأمور بالاقتداء بالإمام وقد تقدم أن الإمام يجهر فلزم جهره بجهره أه وهذا الأخير سبق إليه بن بطال وتعقب بأنه يستلزم أن يجهر المأموم بالقراءة لأن الإمام جهر بها لكن يمكن أن ينفصل عنه بان الجهر بالقراءة خلف الإمام قد نهى عنه فبقي التأمين داخلا تحت عموم الأمر باتباع الإمام ويتقوى ذلك بما تقدم عن عطاء أن من خلف بن الزبير كانوا يؤمنون جهرا وروى البيهقي من وجه آخر عن عطاء قال أدركت مائتين من أصحا ب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد إذا قال الإمام ولا الضالين سمع ت لهم رجة بآمين والجهر للمأموم ذهب إليه الشافعي في القديم وعليه الفتوى وقال الرافعي قال الأكثر في المسألة قولان أصحهما أنه يجهر قوله تابعه محمد بن عمرو أي بن علقمة المؤذن ومتابعته وصلها أحمد والدارمي عن يزيد بن هارون وابن خزيمة من طريق إسماعيل بن جعفر والبيهقي من طريق النضر بن شميل ثلاثتهم عن محمد بن عمرو نحو رواية سمي عن أبي صالح وقال في روايته فوافق ذلك قول أهل السماء قوله ونعيم المجمر بالرفع عطفا على محمد بن عمرو وأغرب الكرماني فقال حاصله أن سميا ومحمد بن عمرو ونعيما ثلاثتهم روى عنهم مالك هذا الحديث لكن الأول والثاني رويا عن أبي هريرة بالواسطة ونعيم بدونها وهذا جزم منه بشئ لا يدل عليه السياق ولم يرو مالك طريق نعيم ولا طريق محمد بن عمرو أصلا وقد ذكرنا من وصل طريق محمد وأما طريق نعيم فرواها النسائي وابن خزيمة والسراج وابن حبان وغيرهم من طريق سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين فقال آمين وقال الناس آمين ويقول كلما سجد الله أكبر وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال الله أكبر ويقول إذا سلم والذي نفسي بيده اني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم بوب النسائي عليه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
[ 222 ]
وهو أصح حديث ورد في ذلك وقد تعقب استدلاله باحتمال أن يكون أبو هريرة أراد بقوله أشبهكم أي في معظم الصلاة لا في جميع أجزائها وقد رواه جماعة غير نعيم عن أبي هريرة بدون ذكر البسملة كما سيأتي قريبا والجواب أن نعيما ثقة فتقبل زيادته والخبر ظاهر في جميع الأجزاء فيحمل على عمومه حتى يثبت دليل يخصصه تنبيه عرف مما ذكرناه أن متابعة نعيم في أصل إثبات التأمين فقط بخلاف متابعة محمد بن عمرو والله أعلم قوله باب إذا ركع دون الصف كان اللائق إيراد هذه الترجمة في أبواب الإمامة وقد سبق هنا ك ترجمة المرأة وحدها تكون صفا وذكرت هناك أن بن بطال استدل بحديث أنس المذكو فيه في صلاة أم سليم لصحة صلاة المنفرد خلف الصف إلحاقا للرجل بالمرأة ثم وجدته مسبوقا بالاستدلال به عن جماعة من كبار الأئمة لكنه متعقب وأقدم من وقفت على كلامه ممن تعقبه بن خزيمة فقال لا يصح الاستدلال به لأن صلة المرء خلف الصف وحده منهى عنها باتفاق ممن يقول تجزئه أو لا تجزئه وصلاة المرأة وحدها إذا لم يكن هنا ك امرأة أخرى مأمور بها باتفاق فكيف يقاس مأمور على منهى والظاهر أن الذي استدل به نظر إلى مطلق الجواز حملا للنهى على التنزيه والأمر على استحباب وقال ناصر الدين بن المنير هذه الترجمة مما نوزع فيها البخاري حيث لم يأت بجواب إذا لاشكال الحديث واختلاف العلماء في المراد بقوله ولا تعد قوله عن الأعلم وهو زياد في رواية عن عفان عن همام حدثنا زياد الأعلم أخرجه بن أبي شيبة وزياد هو بن حسان بن قرة الباهلي من صغار التابعين قيل له الأعلم لأنه كان مشقوق الشفة والإسناد كله بصريون قوله عن الحسن هو البصري قوله عن أبي بكرة هو الثقفي وقد أعله بعضهم بان الحسن عنعنه وقيل إنه لم يسمع من أبي بكرة وإنما يروى عن الأحنف عنه ورد هذا الاعلال برواية سعيد بن أبي عروبة عن الأعلم قال حدثني الحسن أن أبا بكرة حدثه أخرجه أبو داود والنسائي قوله أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية سعيد المذكورة أنه دخل المسجد زاد الطبراني من رواية عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه وقد أقيمت الصلاة فانطلق يسعى والطحاوي من رواية حماد بن سلمة عن الأعلم وقد حفزه النفس قوله فذكر ذلك في رواية حماد عند الطبراني فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيكم دخل الصف وهو راكع قوله زادك الله حرصا أي على الخير قال بن المنير صوب النبي صلى الله عليه وسلم فعل أبي بكرة من الجهة فضالة وهي الحرص على أدراك فضيلة الجماعة وخطأه من الجهة الخاصة قوله ولا تعد أي إلى ما صنعت من السعي الشديد ثم الركوع دون الصف ثم من المشي إلى الصف وقد ورد ما يقتضى ذلك صريحا في طرق حديثه كما تقدم بعضها وفي رواية عبد العزيز المذكورة فقال من الساعي وفي رواية يونس بن عبيد عن الحسن عند الطبراني فقال أيكم صاحب هذا النفس قال خشيت أن تفوتني الركعة معك وله من وجه آخر عنه في آخر الحديث صل ما أدركت واقض ما سبقك وفي رواية حماد عند أبي داود وغيره أيكم الراكع دون الصف وقد تقدم من روايته قريبا أيكم دخل الصف وهو راكع وتمسك المهلب بهذه الرواية الأخيرة فقال إنما قال له لا تعد لأنه مثل بنفسه في مشيه راكعا لأنها كمشية البهائم أه ولم ينحصر النهى في ذلك كما حررته ولو كان منحصرا لاقتضى ذلك عدم الكراهة في إحرام المنفرد خلف الصف وقد تقدم نقل الاتفاق
[ 223 ]
على كراهيته وذهب إلى تحريمه أحمد وإسحاق وبعض محدثي الشافعية كابن خزيمة واستدلوا بحديث وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة أخرجه أصحاب السان وصححه أحمد وابن خزيمة وغيرهما ولابن خزيمة أيضا من الحديث على بن شيبان نحوه وزاد لا صلاة لمنفرد خلف الصف واستد الشافعي وغيره بحديث أبي بكرة على أن الأمر في حديث وابصة للاستحباب لكون أبي بكرة أتى بجزء من الصلاة خلف الصف ولم يؤمر بالإعادة لكن نهى عن العود إلى ذلك فكأنه أرشد إلى ما هو الأفضل وروى البيهقي من طريق المغيرة عن إبراهيم فيمن صلى خلف الصف وحده فقال صلاته تامة وليس له تضعيف وجمع أحمد وغيره بين الحديثين بوجه آخر وهو أن حديث أبي بكر مخصص لعموم حديث وابصة فمن ابتدأ الصلاة منفردا خلف الصف ثم دخل في قبل القيام من الركوع لم تجب عليه الإعادة كما في حديث أبي بكرة وإلا فتجب على عموم حديث وابصة وعلى بن شيبان واستنبط بعضهم من قوله لا تعد أن ذلك الفعل كان جائزا ثم ورد النهى عنه بقوله لا تعد فلا يجوز العود إلى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهذه طريقة البخاري في جزء القراءة خلف الإمام ويؤخذ مما حررته جواب من قال لم لا دعا له بعدم العود إلى ذلك كما دعا له بزيادة الحرص وأجاب بأنه جوز أنه ربما تأخر في أمر يكون أفضل من إدراك أول الصلاة أه وهو مبنى على أن النهى إنما وقع عن التأخير وليس كذلك تنبيه قوله ولا تعد ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود وحكى بعض شراح المصابيح أنه روى بضم أوله وكسر العين من الإعادة ويرجح الرواية المشهورة ما تقدم من الزيادة في آخره عند الطبراني صل ما أدركت واقض ما سبقك وروى الطحاوي بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف واستدل بهذا الحديث على استحباب موافقة الداخل للأمام على أي حال وجده عليها وقد ورد الأمر بذلك صريحا في سنن سعيد بن منصور من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أناس من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من وجدني قائما أو راكعا أو ساجدا فليكن معي على الحال التي أنا عليها وفي الترمذي نحوه عن على ومعاذ بن جبل مرفوعا وفي إسناده ضعف لكنه ينجبر بطريق سعيد بن منصور المذكورة قوله باب إتمام التكبير في الركوع أي مده بحيث ينتهى بتمامه أو المراد إتمام عدد تكبيرات الصلاة بالتكبير في الركوع قاله الكرماني قلت ولعله أراد بلفظ الإتمام الإشارة إلى تضعيف ما رواه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أبزي قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتم التكبير وقد نقل البخاري في التاريخ عن أبي داود الطيالسي أنه قال هذا عندنا باطل وقال الطبري والبزار تفرد به الحسن بن عمران وهو مجهول وأجيب على تقدير صحته بأنه فعل ذلك لبيان الجواز أو المراد لم يتم الجهر به أو لم يمده قوله قاله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أي الاتمام ومراده أنه قال ذلك بالمعنى لأنه أشار بذلك إلى حديثه الموصول في آخر الباب الذي بعده وفيه قوله لعكرمة لما أخبره عن الرجل الذي كبر في الظهر ثنتين وعشرين تكبيرة أنها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيستلزم ذلك أنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم إتمام التكبير لأن الرباعية لا يقع فيها لذاتها أكثر من ذلك ومن السري ذلك التكبير في
[ 224 ]
الركوع وهذا يبعد الاحتمال الأول قوله وفيه مالك بن الحويرث أي يدخل في الباب حديث مالك وقد أورده المؤلف بعد أبواب في باب المكث بين السجدتين ولفظه فقام ثم ركع فكبر قوله أخبرنا خالد هو الطحان والجريري هو سعيد وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف الذي روى هذا الحديث عنه والإسناد كله بصريون وفيه رواية الأقران والإخوة قوله صلى أي عمران مع على أي بن أبي طالب بالبصرة يعني بعد وقعة الجمل قوله ذكرنا بتشديد الكاف وفتح الراء وفيه إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك وقد روى أحمد والطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال ذكرنا على صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما نسيناها وإما تركناها عمدا ولأحمد من وجه آخر عن مطرف قال قلنا يعني لعمران بن حصين يا أبا نجيد هو بالنون والجيم مصغر من أول من ترك التكبير قال عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر وروى الطبراني عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية وروى أبو عبيد أن أول من تركه زياد وهذا لا ينافي الذي قبله لأن زيادا تركه بترك معاوية وكأن معاوية تركه بترك عثمان وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء ويرشحه حديث أبي سعيد الآتي في باب يكبر وهو ينهض من السجدتين لكن حكى الطحاوي أن قوما كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع قال وكذلك كانت بنو أمية تفعل وروى بن المنذر نحوه عن بن عمرو عن بعض السلف أنه كان لا يكبر سوى تكبيرة الإحرام وفرق بعضهم بين المنفرد وغيره ووجهه بان التكبير شرع للايذان بحركة الإمام فلا يحتاج إليه المنفرد لكن استقر الأمر على مشروعية التكبير في الخفض والرفع لكل مصل فالجمهور على ندبية ما عدا تكبيرة الإحرام وعن أحمد وبعض أهل العلم بالظاهر يجب كله قال ناصر الدين بن المنير الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير وكان من حقه أن يستصحب النية إلى آخر الصلاة فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية قوله كلما رفع وكلما وضع هو عام في جميع الانتقالات في الصلاة لكن خص منه الرفع من الركوع بالإجماع فإنه شرع فيه التحميد وقد جاء بهذا اللفظ العام أيضا من حديث أبي هريرة في الباب ومن حديث أبي موسى الذي ذكرناه عند أحمد والنسائي ومن حديث بن مسعود عند الدارمي والطحاوي ومن حديث بن عباس في الباب الذي بعده ومن حديث بن عمر عند أحمد والنسائي ومن حديث عبد الله بن زيد عند سعيد بن منصور ومن حديث وائل بن حجر عند بن حبان ومن حديث جابر عند البزار وسيأتي مفسرا من حديث أبي هريرة فيه قوله في حديث أبي هريرة يصلي بهم في رواية الكشميهني يصلي لهم قوله باب إتمام التكبير في السجود فيه ما تقدم في الذي قبله قوله حدثنا حماد هو بن زيد قوله صليت خلف على بن أبي طالب أنا وعمران استدل به على أن موقف الإثنين يكون خلف الإمام خلافا لمن قال يجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وفيه نظر لأنه ليس فيه أنه لم يكن معهما غيرهما وقد تقدم أن ذلك كان بالبصرة وكذا رواه سعيد بن منصور من رواية حميد بن هلال عن عمران ووقع لأحمد من طريق سعيد بن أبي عروبة عن غيلان بكار وكذا لعبد الرزاق عن معمر عن قتادة وغير واحد عن مطرف فيحتمل أن يكون ذلك وقع منه بالبلدين وقد ذكره في
[ 225 ]
رواية أبي العلاء بصيغة العموم وهنا بذكر السجود والرفع والنهوض من الركعتين فقط ففيه إشعار بان هذه المواضع الثلاثة هي التي كان ترك التكبير فيها حتى تذكرها عمران بصلاة على قوله قد ذكرني في رواية الكشميهني لقد ذكرني قوله أو قال هو شك من أحد رواته ويحتمل أن يكون من حماد فقد رواه أحمد من رواية سعيد بن أبي عروبة بلفظ صلى بنا هذا مثل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشك وفي رواية قتادة عن مطرف قال عمران ما صليت منذ حين أو منذ كذا وكذا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الصلاة قال بن بطال ترك النكير على من ترك التكبير يدل على أن السلف لم يتلقوه على أنه ركن من الصلاة وأشار الطحاوي إلى أن الإجماع استقر على أن من تركه فصلاته تامة وفيه نظر لما تقدم عن أحمد والخلاف في بطلان الصلاة بتركه ثابت في مذهب مالك إلا أن يريد إجماعا سابقا قوله عن أبي بشر صرح سعيد بمنصور عن هشيم بأن أبا بشر حدثه قوله رأيت رجلا عند المقام في رواية الاسماعيلي صليت خلف شيخ بالأبطح والأولى أصح إلا أن يكون المراد بالأبطح البطحاء التي تفرش في المسجد وسيأتي في أول الباب الذي بعده بلفظ وصليت خلف شيخ بمكة وأنه سماه في بعض الطرق أبا هريرة واتفقت هذه الروايات على أنه رآه بمكة وللسراج من طريق حبيب بن الزبير عن عكرمة رأيت رجلا يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يحمل على التجوز وإلا فهي شاذة قوله أو ليس تلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هو استفهام إنكار للإنكار المذكور ومقتضاه الاثبات لأنه نفى النفي قوله لا أم لك هي كلمة تقولها العرب عند الزجر وكذا قوله في الرواية التي بعدها ثكلتك أمك فكأنه دعا عليه أن يفقد أمه أو أن تفقده أمه لكنهم قد يطلقون ذلك ولا يريدون حقيقته واستحق عكرمة ذلك عند بن عباس لكونه نسب ذلك الرجل الجليل إلى الحمق الذي هو غاية الجهل وهو برئ من ذلك قوله باب التكبير إذا قام من السجود قوله صليت خلف شيخ زاد سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عند الاسماعيلي الظهر وبذلك يصح عدد التكبير الذي ذكره لأن في كل ركعة خمس تكبيرات فيقع في الرباعية عشرون تكبيرة مع تكبيرة الافتتاح وتكبيرة القيام من المنكدر الأول ولأحمد والطحاوي والطبراني من طريق عبد الله الداناج وهو بالنون والجيم الخفيفتين عن عكرمة قال صلى بنا أبو هريرة قوله وقال موسى هو بن إسماعيل راوي الحديث عن همام وهو عنده متصل عن همام وأبان كلاهما عن قتادة وإنما أفردهما لكونه على شرطه في الأصول بخلاف أبان فإنه على شرطه في المتابعات وأفادت رواية أبان تصريح قتادة بالتحديث عن عكرمة وقد وقع مثله من رواية سعيد بن أبي عروبة المذكورة عند الاسماعيلي وقوله سنة بالرفع خبر مبتدأ محذوف تقديره تلك سنة وثبت ذلك في رواية عبيد الله بن موسى عن همام عند الاسماعيلي قوله أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن كذا قال عقيل وتابعه بن جريج عن بن شهاب عند مسلم وقال مالك عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن كما تقدم قبل بباب مختصرا وكذا أخرجه مسلم والنسائي مطولا من رواية يونس عن بن شهاب وتابعه معمر عن بن شهاب عند السراج وليس هذا الاختلاف قادحا بل الحديث عند بن شهاب عنهما معا كما سيأتي في باب يهوى بالتكبير من رواية شعيب عنه عنهما جميعا عن أبي هريرة قوله يكبر حين يقوم فيه التكبير قائما
[ 226 ]
وهو بالاتفاق في حق القادر قوله ثم يكبر حين يركع قال النووي فيه دليل على مقارنه التكبير للحركة وبسطه عليها فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتفال إلى الركوع ويمده حتى يصل إلى حد الراكع انتهى ودلالة هذا اللفظ على البسط الذي ذكره غير ظاهرة قوله حين يرفع الخ فيه أن التسميع ذكر النهوض وأن التحميد ذكر الاعتدال وفيه دليل على أن الإمام يجمع بينهما خلافا لمالك لإن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حال الإمامة لكون ذلك هو الأكثر الأغلب من أحواله وسيأتي البحث فيه بعد خمسة أبواب قوله قال عبد الله بن صالح عن الليث ولك الحمد يعني أن بن صالح زاد في روايته عن الليث ث الواو في قوله ولك الحمد وأما باقي الحديث فاتفقا فيه وإنما لم يسقه عنهما معوهما شيخاه لأن يحيى من شرطه في الأصول وابن صالح إنما بورده في المتابعات وسيأتي من رواية شعيب أيضا عن بن شهاب بإثبات الواو وكذا في رواية بن جريج عند مسلم ويونس عند النسائي قال العلماء الرواية بثبوت الواو أرجح وهي زائدة وقيل عاطفة على محذوف وقيل هي واو الحال قاله أبي الأثير وضعف ما عداه قوله ثم يكبر حين يهوى يعني ساجدا وكذا هو في رواية شعيب ويهوي ضبطناه بفتح أوله أي يسقط قوله يكبر حين يقوم من الثنتين أي الركعتين الأوليين وقوله بعد الجلوس أي في المنكدر الأول وهذا الحديث مفسر للأحاديث المتقدمة حيث قال فيها كان يكبر في كل خفض ورفع قوله باب وضع الأكف على الركب في الركوع أي كل كف على ركبة قوله وقال أبو حميد سيأتي موصولا مطولا في باب سنة الجلوس في المنكدر والغرض منه هنا بيان الصفة المذكورة في الركوع يقويه ما أشار إليه سعد من نسخ التطبيق قوله عن أبي يعفور بفتح التحتانية وبالفاء وآخره راء وهو الأكبر كما جزم به المزي وهو مقتضى صنيع بن عبد البر وصرح الدارمي في روايته من طريق إسرائيل عن أبي يعفور بأنه العبدي والعبدى هو الأكبر بلا نزاع وذكر النووي في شرح مسلم أنه الأصغر وتعقب وقد ذكرنا اسمهما في المقدمة قوله مصعب بن سعد أي بن أبي وقاص قوله فطبقت أي ألصقت بين باطني كفى في حال الركوع قوله كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا استدل به على نسخ التطبيق المذكور بناء على أن المراد بالآمر والناهي في ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الصيغة مختلف فيها والراجح أن حكمها الرفع وهو مقتضى يطلق البخاري وكذا مسلم إذ أخرجه في صحيحه وفي رواية إسرائيل المذكورة عند الدارمي كان بنو عبد الله بن مسعود إذا ركعوا جعلوا أيديهم بين أفخاذهم فصليت إلى جنب أبي فضرب يدي الحديث فافادت هذه الزيادة مستند مصعب ب في فعل ذلك وأولاد بن مسعود أخذوه عن أبيهم قال الترمذي التطبيق منسوخ عند أهل العلم لا خلاف بين العلماء في ذلك إلا ما روى عن بن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون انتهى وقد ورد ذلك عن بن مسعود متصلا في صحيح مسلم وغيره من طريق إبراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فذكر الحديث قال فوضعنا أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه فلما صلى قال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل هذا على أن بن مسعود لم يبلغه النسخ وقد روى بن المنذر عن بن عمر بإسناد قوي قال إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة يعني التطبيق وروى بن خزيمة من وجه آخر عن علقمة عن عبد الله قال علمنا رسول الله صلى
[ 227 ]
الله عليه وسلم فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع فبلغ ذلك سعدا فقال صدق أخي كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا يعني الإمساك بالركب فهذا شاهد قوي لطريق مصعب بن سعد وروى عبد الرزاق عن عمر ما يوافق قول سعد أخرجه من وجه آخر عن علقمة والأسود قال صلينا مع عبد الله فطبق ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا فلما انصرف قال ذلك شئ كنا نفعله ثم ترك وفي الترمذي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال قال لنا عمر بن الخطاب إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب ورواه البيهقي بلفظ كنا إذا ركعنا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا فقال عمر ان من السنة الأخذ بالركب وهذا أيضا حكمه حكم الرفع لأن الصحابي إذا قال السنة كذا أو سن كذا كان الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما إذا قاله مثل عمر قوله فنهينا عنه استدل به بن خزيمة على أن التطبيق غير جائز وفيه نظر لاحتمال حمل النهى على الكراهة فقد روى بن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن على قال إذا ركعت فإن شئت قلت هكذا يعني وضعت يديك على ركبتيك وأن شئت طبقت وإسناده حسن وهو ظاهر في أنه كان يرى التخيير فاما أنه لم يبلغه النهى واما حمله على كراهة التنزيه ويدل على أنه ليس بحرام كون عمر وغيره ممن أنكره لم يأمر من فعله بالإعادة فائدة حكى بن بطال عن الطحاوي وأقره أن طريق النظر يقتضى أن تفريق اليدين أولى من تطبيقهما لأن السنة جاءت بالتجافي في الركوع والسجود وبالمراوحة بين القدمين قال فلما اتفقوا على أولوية تفريقهما في هذا واختلفوا في الأول اقتضى النظر أن يلحق ما اختلفوا فيه بما اتفقوا عليه قال فثبت انتفاء التطبيق ووجوب وضع اليدين على الركبتين انتهى كلامه وتعقبه الزين بن المنير بان الذي ذكره معارض بالمواضع التي سن فيها الضم كوضع اليمنى على اليسرى في حال القيام قال وإذا ثبت مشروعية الضم في بعض مقاصد الصلاة بطل ما اعتمده من القياس المذكور نعم لو قال ان الذي ذكره ما يقتضى مزية التفريج على التطبيق لكان له وجه قلت وقد وردت الحكمة في اثبات التفريج على التطبيق عن عائشة رضي الله عنها أورد سيف في الفتوح من رواية مسروق أنه سألها عن ذلك فأجابت بما محصله أن التطبيق من صنيع اليهود وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لذلك وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أمر في آخر الأمر بمخالفتهم والله أعلم قوله أن نضع أيدينا أي أكفنا من إطلاق الكل وإرادة الجزء ورواه مسلم من طريق أبي عوانة عن أبي يعفور بلفظ وأمرنا أن نضرب بالاكف على الركب وهو مناسب للفظ الترجمة قوله باب إذا لم يتم الركوع أفرد الركوع بالذكر مع أن السجود مثله لكونه أفرده بترجمة تأتي وغرضه سياق صفة الصلاة على ترتيب أركانها واكتفى عن جواب إذا بما ترجم به بعد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يتم ركوعه بالإعادة قوله عن سليمان هو الأعمش قوله رأى حذيفة رجلا لم أقف على اسمه لكن عند بن خزيمة وابن حبان من طريق الثوري عن الأعمش أنه كان عند أبواب كندة ومثله علبد الرزاق عن الثوري قوله لا يتم الركوع والسجود في رواية عبد الرزاق فجعل ينقر ولا يتركوعه زاد أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة فقال منذ كم صليت فقال منذ أربعين سنة ومثله في رواية الثوري وللنسائي من طريق طلحة بن مصرف عن زيد بن وهب مثله وفحمله على ظاهره نظر وأظن ذلك هو السبب
[ 228 ]
في كون البخاري لم يذكر ذلك وذلك لأن حذيفة مات سنة ست وثلاثين فعلى هذا يكون ابتداء صلاة المذكور قبل الهجرة بأربع سنين أو أكثر ولعل الصلاة لم تكن فرضت بعد فلعله أطلق وأراد المبالغة أو لعلى ممن كاد يصلي قبل إسلامه ثم أسلم فحصلت المدة المذكورة من الأمرين قوله ما صليت هو وكما قوله صلى الله عليه وسلم للمسئ صلاته فإنك لم تصل وسيأتي بعد باب قوله فطر الله محمدا زاد الكشميهني عليها واستدل به على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود وعلى أن الاخلال بها مبطل الولاء وعلى تكفير تارك الصلاة لأن ظاهره أن حذيفة نفى الإسلام عمن أخل ببعض أركانها فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى وهذا بناء على أن المراد بالفطرة الدين وقد أطلق الكفر على من لم يصل كما رواه مسلم قال العلامة بن باز حفظه الله ولفظه بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة انتهى وقد ورد في معناه أحاديث والصواب حمل الكفر فيها على الحقيقة وأن من ترك الصلاة خرج من الإسلام وقد حكاه عبد الله بن شقيق العقيلي عن جميع الصحابة رضي الله عنهم وأدلته من الكتاب والسنة كثيرة والله أعلم وهو إما على حقيقته عند قوم وإما على المبالغة في الزجر عند آخرين قال الخطابي الفطرة الملة أو الدين قال ويحتمل أن يكون المراد بها هنا السنة كما جاء خمس من الفطرة الحديث ويكون حذيفة قد أراد توبيخ الرجل ليرتدع في المستقبل ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ سنة محمد كما سيأتي بعد عشرة أبواب وهو مصير من البخاري إلى أن الصحابي إذا قال سنة محمد أو فطرته كان حديثا مرفوعا وقد خالف فيه قوم والراجح الأول قوله باب استواء الظهر في الركوع أي من غير ميل في الرأس عن البدن ولا عكسه قوله وقال أبو حميد هو الساعدي قوله هصر ظهره بفتح الهاء والصاد المهملة أي أماله وفي رواية الكشميهني حنى بالمهملة والنون الخفيفة وهو بمعناه وسيأتي حديث أبي حميد هذا موصولا مطولا في باب سنة الجلوس في المنكدر بلفظ ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه ثم هصر ظهره زاد أبو داود من وجه آخر عن أبي حميد ووتر يديه فتجافى عن جنبيه وله من وجه آخر أمكن كفيه من ركبتيه وفرج بين أصابعه ثم هصر ظهره غير مقنع رأسه ولا صافح بخده قوله وحد إتمام الركوع والاعتدال فيه وقع في بعض الروايات عند الكشميهني وهو للاصيلي هنا باب إتمام الركوع ففصله عن البا ب الذي قبله بباب وعند الباقين الجميع في ترجمة واحدة إلا أنهم جعلوا التعليق عن أبي حميد في أثنائها لاختصاصه بالجملة الأولى ودلالة حديث البراء على ما بعدها وبهذا يجاب عن اعتراض ناصر الدين بن المنير حيث قال حديث البراء لا يطابق الترجمة لأن الترجمة للاستواء في الح ركوع السالم من الزيادة في حنو الرأس دون بقية البدن أو العكس والحديث في تساوى الركوع مع السجود وغيره في الإطالة والتخفيف أه وكأنه لم يتأمل ما بعد حديث أبي حميد من بقية الترجمة ومطابقة حديث البراء لقوله حد إتمام الركوع من جهة أنه دال على تسوية الركوع والسجود والاعتدال والجلوس بين السجدتين وقد ثبت في بعض طرقه عند مسلم تطويل الاعتدال فيؤخذ منه إطالة الجميع والله أعلم قوله والطمأنينة كذا للأكثر بكسر الهمزة ويجوز الضم وسكون الطاء وللكشميهني والطمأنينة بضم الطاء وهي أكثر في الاستعمال والمراد بها السكون وحدها ذهاب الحركة التي قبلها كما سيأتي مفسرا في حديث أبي حميد قوله أخبرنا الحكم هو بن عتيبة عن بن أبي ليلى هو عبد الرحمن ووقع التصرى بتحديثه له عند مسلم قوله ما خلا القيام والقعود بالنصب فيهما قيل المراد بالقيام الاعتدال وبالقعود الجلوس بين السجدتين وجزم به بعضهم وتمسك به في أن الاعتدال والجلوس بين السجدتين لا يطولان ورده بن القيم في كلامه على حاشية
[ 229 ]
السنن فقال هذا سوء فهم من قائله لأنه قد ذكرهما بعينهما فكيف يستثنيهما وهل يحسن قول القائل جاء زيد وعمرو وبكر وخالد إلا زيدا وعمرا فإنه متى أراد نفى المجئ عنهما كان تناقضا أه وتعقب بأن المراد بذكرها إدخالها في الطمأنينة وباستثناء بعضها إخراج المستثنى من المساواة وقال بعض شيوخ شيوخنا معنى قوله قريبا من السواء أن كل ركن قريب من مثله فالقيام الأول قريب الثاني والركوع في الأولى قريب من الثانية والمراد بالقيام والقعود اللذين غبتم الاعتدال والجلوس بين السجدتين ولا يخفى تكلفه واستدل بظاهره على أن الاعتدال ركن طويل ولا سيما قوله في حديث أنسحتي يقول القائل قد نسي وفي الجواب عنه تعسف والله أعلم وسيأتي هذا الحديث بعد أبواب بغير استثناء وكذا أخرجه مسلم من طرق وقيل المراد بالقيام والقعود القيام للقراءة والجلوس للتشهد لأن القيام للقراءة أطول من جميع الأركان في الغالب واستدل به على تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين كما سيأتي في باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى قوله باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة قال الزين بن المنير هذه التراجم الخفية وذلك أن الخبر لم يقع فيه بيان ما نقصه المصلي المذكور لكنه صلى الله عليه وسلم لما قال له ثم اركع حتى تطمئن راكعا إلى آخر ما ذكر له من الأركان اقتضى ذلك تساويها في الحكم لتناول الأمر كل فرد منها فكل من لم يتم ركوعه أو سجوده أو غير ذلك مما ذكر مأمور بالإعادة قلت ووقع في حديث رفاعة بن رافع عند بن أبي شيبة في هذه القصة دخل رجل فصلى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها فالظاهر أن المصنف أشار بالترجمة إلى ذلك قوله عن عبيد الله هو بن عمر العمري قوله عن أبيه قال الدارقطني خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم في هذا الإسناد فإنهم لم يقولوا عن أبيه ويحيى حافظ قال فيشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين وقال البزار لم يتابع يحيى عليه ورجح الترمذي رواية يحيى قلت لكل من الكلب وجه مرجح أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ وأما الرواية الأخرى فللكثرة ولان سعيدا لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين فأخرج البخاري طريق يحيى هنا وفي باب وجوب القراءة وأخرج في الاستئذان طريق عبيد الله بن نمير وفي الإيمان والنذور طريق أبي أسامة كلاهما عن عبيد الله ليس فيه عن أبيه وأخرجه مسلم من رواية الثلاثة وللحديث طريق أخرى من غير رواية أبي هريرة أخرجها أبو داود والنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو بن عجلان وداود بن قيس كلهم عن على بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع فمنهم من لم يسم رفاعة قال عن عم له بدري ومنهم من لم يقل عن أبيه ورواه النسائي والترمذي من طريق يحيى بن على بن يحيى عن أبيه عن جده عن رفاعة لكن لم يقل الترمذي عن أبيه وفيه اختلاف آخر نذكره قريبا قوله فدخل رجل في رواية بن نمير ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد وللنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ونحن حوله وهذا الرجل هو خلاد بن رافع جد على بن يحيى راوي الخبر بينه بن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى عن رفاعة أن خلادا دخل المسجد
[ 230 ]
وروى أبو موسى في الذيل من جهة بن عيينة عن بن عجلان عن على بن يحيى بن عبد الله بن خلا عن أبيه عن جده أنه دخل المسجد أه وفيه أمران زيادة عبد الله في نسب على بن يحيى وجعل الحديث من رواية خلاد جد على فأما الأول فوهم من الراوي عن بن عيينة وأما الثاني فمن بن عيينة لأن سعيد بن منصور قد رواه عنه كذلك لكن بإسقاط عبد الله والمحفوظ أنه من حديث رفاعة كذلك أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد القطان وابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر كلاهما عن محمد بن عجلان وأما ما وقع عند الترمذي إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته فهذا لا يمنع تفسيره بخلاد لأن رفاعة شبهه بالبدوى لكونه أخف الصلاة أو لغير ذلك قوله فصلى زاد النسائي من رواية داود بن قيس ركعتين وفيه إشعار بأنه صلى نفلا والاقرب أنها تحية المسجد وفي الرواية المذكورة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه في صلاته زاد في رواية إسحاق بن أبي طلحة ولا ندري ما يعيب منها وعند بن أبي شيبة من رواية أبي خالد يرمقه ونحن لا نشعر وهذا أمرهم على حالهم في المرة الأولى وهو مختصر من الذي قبله كأنه قال ولا نشعر بما يعيب منها قوله ثم جاء فسلم في رواية أبي أسامة فجاء فسلم وهي أولى لأنه لم يكن بين صلاته ومجيئه تراخ قوله فرد النبي صلى الله عليوسلم في رواية مسلم وكذا في رواية بن نمير في الاستئذان فقال وعليك السلام وفي هذا تعقب على بن المنير حيث قال فيه أن الموعظة في وقت الحاجة أهم من رد السلام ولأنه لعله لم يرد عليه السلام تأديبا على جهله فيؤخذ منه التأديب بالهجر وترك السلام أه والذي وقفنا عليه من نسخ الصحيحين ثبوت الرد في هذا الموضع وغيره إلا الذي في الأيمان والنذور وقد ساق الحديث صاحب العمدة بلفظ الباب إلا أنه حذف منه فرد النبي صلى الله عليه وسلم فلعل بن المنير اعتمد على النسخة التي اعتمد عليها صاحب العمدة قوله ارجع في رواية بن عجلان فقال أعد صلاتك قوله فإنك لم تصل قال عياض فيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ وهو مبنى على أن المراد بالنفى نفى الإجزاء وهو الظاهر ومن حمله على نفى دابة تمسك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بعد التعليم بالإعادة فدل على إجزائها وإلا لزم تأخير البيان كذا قاله بعض المالكية وهو المهلب ومن تبعه وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة فسأله التعليم فعلمه فكأنه قال له أعد صلاتك على هذه الكيفية أشار إلى ذلك بن المنير وسيأتي في آخر الكلام على الحديث مزيد بحث في ذلك قوله ثلاثا في رواية بن نمير فقال في الثالثة أو في التي بعدها وفي رواية أبي أسامة فقال في الثانية أو الثالثة وتترجح الأولى لعدم وقوع الشك فيها ولكونه صلى الله عليه وسلم كان من عادته استعمال الثلاث في تعليمه غالبا قوله فعلمني في رواية يحيى بن على فقال الرجل فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ فقال أجل قوله إذا قمت إلى الصلاة فكبر في رواية بن نمير إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر وفي رواية يحيى بن على فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة عند النسائي أنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله ويحمده ويمجده وعند أبي داود ويثني عليه بدل ويمجده قوله ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن لم تختلف الروايات في هذا عن أبي هريرة وأما رفاعة ففي رواية
[ 231 ]
إسحاق المذكورة ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله وفي رواية يحيى بن على فإن كان معك قرآن فأقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله وفي رواية محمد بن عمرو عند أبي داود ثم اقرأ بأم القرآن أو بما شاء الله ولأحمد وابن حبان من هذا الوجه ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت ترجم له بن حبان بباب فرض المصلي قراءة فاتحه الكتاب في كل ركعة قوله حتى تطمئن راكعا في رواية أحمد هذه القريبة فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك وتمكن لركوعك وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة ثم يكبر فيركع حتى تطمئن مفاصله ويسترخي قوله حتى تعتدل قائما في رواية بن نمير عند بن ماجة حتى تطمئن قائما أخرجه بن أبي شيبة عنه وقد أخرج مسلم إسناده بعينه في هذا الحديث لكن لم يسق يسير فهو على شرطه وكذا أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة وهو في مستخرج أبي نعيم من طريقه وكذا أخرجه السراج عن يوسف بن موسى أحد شيوخ البخاري عن أبي أسامة فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان وفي لفظ لأحمد فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها وعرف بهذا أن قول إمام الحرمين في القلب من ايجابها أي الطمأنينة في الرفع من الركوع شئ لأنها لم تذكر في حديث المسئ صلاته دال على أنه لم يقف على هذه الطرق الصحيحة قوله ثم اسجد في رواية إسحاق بن أبي طلحة ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه أو جبهته حتى تطمأن مفاصله وتسترخى قوله ثم أرفع في رواية إسحاق المذكورة ثم يكبر فيركع حتى يستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه وفي رواية محمد بن عمرو فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى وفي رواية إسحاق فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن جالسا ثم افترش فخذك اليسرى ثم تشهد قوله ثم أفعل ذلك في صلاتك كلها في رواية محمد بن عمرو ثم أصنع ذلك في كل ركعة وسجدة تنبيه وقع في رواية بن نمير في الاستئذان بعد ذكر السجود الثاني ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وقد قال بعضهم هذا يدل على إيجاب جلسة الاستراحة ولم يقل به أحد وأشار البخاري إلى أن هذه اللفظة وهم فإنه عقبة بأن قال قال أبو أسامة في الأخير حتى تستوي قائما ويمكن أن يحمل إن كان محفوظا على الجلوس للتشهد ويقويه رواية إسحاق المذكورة قريبا وكلام البخاري ظاهر في أن أبا أسامة خالف بن نمير لكن رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة كما قال بن نمير بلفظ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا ثم أفعل ذلك في كل ركعة وأخرجه البيهقي من طريق وقال كذا قال إسحاق بن راهويه عن أبي أسامة والصحيح رواية عبيد الله بن سعيد أبي قدامة ويوسف بموسى عن أبي أسامة بلفظ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم ساقه من طريق يوسف بن موسى كذلك واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة وبه قال الجمهور واشتهر عن الحنفية أن الطمأنينة سنة وصرح بذلك كثير من مصنفيهم لكن كلام الطحاوي كالصريح في الوجوب عندهم فإنه ترجم مقدار الركوع والسجود ثم ذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره في قوله سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع وذلك أدناه قال فذهب قوم إلى أن هذا مقدار الركوع والسجود لا يجزئ أدنى منه قال وخالفهم آخرون فقالوا إذا استوى
[ 232 ]
راكعا وأطمأن ساجدا أجزأ ثم قال وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد قال بن دقيق العيد تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر أما الوجوب فلتعلق الأمر به وأما عدمه فليس لمجرد كون الأصل عدم الوجوب بل لكون الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل وذلك يقتضى انحصار الواجبات فيما ذكر ويتقوى ذلك بكونه صلى الله عليه وسلم ذكر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلي وما لم تتعلق به فدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت به الإساءة قال فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه وكان مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه وبالعكس لكن يحتاج أولا إلى جمع طرق هذا الحديث وإحصاء الأمور المذكورة فيه والأخذ بالزائد فالزائد ثم إن عارض الوجوب أو عدمه دليل أقوى منه عمل به وإن جاءت صيغة الأمر في حديث آخر بشئ لم يذكر في هذا الحديث قدمت قلت قد امتثلت ما أشار إليه وجمعت طرقه القوية من رواية أبي هريرة ورفاعة قد أمليت الزيادات التي اشتملت عليها فمما لم يذكر فيه صريحا من الواجبات المتفق عليها النية والقعود الأخير ومن المختلف فيه المنكدر الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه والسلام في آخر الصلاة قال النووي وهو أمرهم على أن ذلك كان معلوما عند الرجل أه وهذا يحتاج إلى تكملة وهو ثبوت الدليل على إيجاب ما ذكر كما تقدم وفيه بعد ذلك نظر قال وفيه دليل على أن اشتراط والتعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره ووضع اليمني على اليسرى وتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود وهيئات الجلوس ووضع اليد على الفخذ ونحو ذلك مما لم يذكر في الحديث ليس بواجب أه وهو في معرض المنع لثبوت بعض ما ذكر في بعض الطرق كما تقدم بيانه فيحتاج من لم يقل بوجوبه إلى دليل على عدم وجوبه كما تقدم تقريره واستدل به على تعين لفظ التكبير خلافا لمن قال يجزئ بكل لفظ يدل على التعظيم وقد تقدمت هذه المسألة في أول صفة الصلاة قال بن دقيق العيد ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات ولأن رتب هذه الأذكار مختلفة فقد يتأدى برتبة منها ما يقصد برتبة أخرى ونظيره الركوع فإن المقصود به التعظيم بالخضوع فلو أبدله بالسجود لم يجزئ مع أنه غاية الخضوع واستدل به على أن قراءة الفاتحة لا تتعين قال بن دقيق العيد ووجهه أنه إذا تيسر فيه غير الفاتحة فقرأه يكون ممتثلا فيخرج عن العهدة قال والذين عينوها أجابوا بأن الدليل على تعينها تقييد للمطلق في هذا الحديث وهو متعقب لأنه ليس بمطلق من كل وجه بل هو مقيد بقيد التيسير الذي يقتضى التخيير وإنما يكون مطلقا لو قال اقرأ قرآنا ثم قال اقرأ فاتحة الكتاب وقال بعضهم هو بيان للمجمل وهو متعقب أيضا لأن المجمل ما لم تتضح دلالته وقوله ما تيسر متضح لأنه ظاهر في التخيير قال وإنما يقرب ذلك إن جعلت ما موصولة وأريد بها شئ معين وهو الفاتحة لكثرة حفظ المسلمين لها فهي المتيسرة وقيل هو أمرهم على أنه عرف من حال الرجل أنه لا يحفظ الفاتحة ومن كان كذلك كان الواجب عليه قراءة ما تيسر وقيل أمرهم على أنه منسوخ بالدليل على تعيين الفاتحة ولا يخفى ضعفهما لكنه محتمل ومع الاحتمال لا يترك الصريح وهو قوله لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وقيل إن قوله ما تيسر أمرهم على ما زاد على الفاتحة جمعا بينه وبين دليل إيجاب الفاتحة ويؤيده الرواية التي تقدمت لأحمد وابن حبان حيث قال فيها اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت واستدل به
[ 233 ]
على وجوب الطمأنينة في الأركان واعتذر بعض من لم يقل به بأنه زيادة على النص لأن المأمور به في القرآن مطلق السجود فيصدق بغير طمأنينة فالطمأنينة زيادة والزيادة على المتواتر بالآحاد لا تعتبر وعورض بأنه ليست زيادة لكن بيان للمراد بالسجود وأنه خالف السجود اللغوي لأنه مجرد وضع الجبهة فبينت السنة أن السجود الشرعي ما كان بالطمأنينة ويؤيده أن الآية نزلت تأكيدا لوجوب السجود وكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه يصلون قبل ذلك ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بغير طمأنينة وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم وجوب الإعادة على من أخل بشئ من واجبات الصلاة وفيه أن الشروع في النافلة ملزم لكن يحتمل أن تكون تلك الصلاة كانت فريضة فيقف الاستدلال وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحسن التعليم بغير تعنيف وإيضاح المسألة وتخليص المقاصد وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه وفيه تكرار السلام ورده وإن يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال وفيه أن القيام في الصلاة ليس مقصودا لذاته وإنما يقصد للقراءة فيه وفيه جلوس الإمام في المسجد وجلوس أصحابه معه وفيه التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ وفيه أن فرائض الوضوء مقصورة على ما ورد به القرآن لا ما زادته السنة فيندب وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ولطف معاشرته وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة وقد استشكل تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على صلاته وهي فاسدة على القول بأنه أخل ببعض الواجبات وأجاب المازري بأنه أراد استدراجه بفعل ما يجهله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسيا أو غافلا فيتذكره فيفعله من غير تعليم وليس ذلك من باب التقرير على الخطأ بل من باب تحقق الخطأ وقال النووي نحوه قال وإنما لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة وقال بن الجوزي يحتمل أن يكون ترديده لتفخم الأمر وتعظيمه عليه ورأى أن الوقت لم يفته فرأى إيقاظ الفطنة للمتروك وقال بن دقيق العيد ليس التقرير بدليل على الجواز مطلقا بل لا بد من انتفاء الموانع ولا شك أن في زيادة قبول المتعلم لما لقي إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم لا سيما مع عدم خوف الفوات إما بناء على ظاهر الحال أو بوحى خاص وقال النوربشتى إنما سكت عن تعليمه أولا لأنه لما رجع لم يستكشف الحال من مورد الوحي وكأنه اغتر بما عنده من العلم فسكت عن تعليمه زجرا له وتأديبا وإرشادا إلى استكشاف ما استبهم عليه فلما طلب كشف الحال من مورده أرشد إليه انتهى لكن فيه مناقشة لأنه إن تم له في الصلاة الثانية والثالثة لم يتم له في الأولى لأنه صلى الله عليه وسلم بدأه لما جاء أول مرة بقوله ارجع فصل فإنك لم تصل فالسؤال وارد على تقريره له على الصلاة الأولى كيف لم ينكر عليه في أثنائها لكن الجواب يصلح بيانا للحكمة في تأخير البيان بعد ذلك والله أعلم وفيه حجة على من أجاز القراءة بالفارسية لكون ما ليس بلسان العرب لا يسمى قرآنا قاله عياض وقال النووي وفيه وجوب القراءة في الركعات كلها وأن المفتى إذا سئل عن شئ وكان هناك شئ آخر يحتاج إليه السائل يستحب له أن يذكره له وإن لم يسأله عنه وبكون من باب النصيحة لامن الكلام فيما لا معنى له وموضع الدلالة منه كونه قال علمني أي الصلاة فعلمه الصلاة ومقدماتها قوله باب الدعاء في الركوع
[ 234 ]
ترجم بعد هذا بأبواب التسبيح والدعاء في السجود وساق فيه حديث الباب فقيل الحكمة في تخصيص الركوع بالدعاء دون التسبيح ح مع أن الحديث واحد أنه قصد الإشارة إلى الرد على من كره الدعاء في الركوع كمالك وأما التسبيح فلا خلاف فيه فاهتم هنا بذكر الدعاء لذلك وحجة المخالف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية بن عباس مرفوعا وفيه فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم لكنه لا مفهوم له فلا يمتنع الدعاء في الركوع كما لا يمتنع التعظيم في السجود وظاهر حديث عائشة أنه كان يقول هذا الذكر كله في الركوع وكذا في السجود وسيأتي بقية الكلام عليه في الباب لمذكور إن شاء الله تعالى قوله باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع وقع في شرح بن بطال هنا باب القراءة في الركوع والسجود وما يقول الإمام ومن خلفه الخ وتعقبه بان قال لم يدخل فيه حديثا لجواز القراءة ولا منعها وقال بن رشيد هذه الزيادة لم أنكر فيما رويناه من نسخ البخاري انتهى وكذلك أقول وقد تبع بن المنير بن بطال ثم اعتذر عن البخاري بان قال يحتمل أن يكون وضعها للأمرين فذكر أحدهما وأخلى للآخر بياضا ليذكر فيه ما يناسبه عرض له مانع فبقيت الترجمة بلا حديث وقال بن رشيد يحتمل أن يكون ترجم بالحديث مشيرا إليه ولم يخرجه لأنه ليس على شرطه لأن في إسناده اضطرابا وقد أخرجه مسلم من حديث بن عباس في أثناء حديث وفي آخره ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ثم تعقبه على نفسه بأن ظاهر الترجمة الجواز وظاهر الحديث المنع قال فيحتمل أن يكون معنى الترجمة باب حكم القراءة وهو أعم من الجواز أو المنع وقد اختلف السلف في ذلك جوازا ومنعا فلعله كان يرى الجواز لأن حديث النهى لم يصح عنده انتهى ملخصا ومال الزين بن المنير إلى هذا الأخير لكن حمله على وجه أخص ص منه فقال لعله أراد أن الحمد في الصلاة لا حجر فيه وإذا ثبت أنه من مطالبها ظهر تسويغ ذلك في الركوع وغيره بأي لفظ كان فيدخل في ذلك آيات الحمد كمفتتح الأنعام وغيرها فإن قيل ليس في حديث الباب ذكر ما يقوله المأموم أجاب بن رشيد بأنه أشار إلى التذكير بالمقدمات لتكون الأحاديث عند الاستنباط نصب عيني المستنبط فقد تقدم حديث إنما جعل الإمام ليؤتم به وحديث صلوا كما رأيتموني أصلى قال ويمكن أن يكون قاس المأموم على الإمام لكن فيه ضعف قلت وقد ورد في ذلك حديث عن أبي هريرة أيضا أخرجه الدارقطني بلفظ كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمع الله لمن حمده قال من وراءه سمع الله لمن حمده ولكن قال الدارقطني المحفوظ في هذا فليقل من وراءه ربنا ولك الحمد وسنذكر الاختلاف في هذه المسألة في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى قوله إذا قال سمع الله لمن حمده في رواية أبي داود الطيالسي عن بن أبي ذئب كان إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد ولا منافاة بينهما لأن أحدهما ذكر ما لم يذكره الآخر قوله اللهم ربنا ثبت في أكثر الطرق هكذا وفي بعضها بحذف اللهم وثبوتها أرجح وكلاهما جائز وفي ثبوتها تكرير النداء كأنه قال يا الله يا ربنا قوله ولك الحمد كذا ثبت زيادة الواو في طرق كثيرة وفي بعضها كما في الباب الذي يليه بحذفها قال النووي المختار لا ترجيح لأحدهما على الآخر وقال بن دقيق العيد كأن إثبات الواو دال على معنى زائد لأنه يكون التقدير مثلا ربنا استجب ولك الحمد فيشتمل
[ 235 ]
على معنى الدعاء ومعنى الخبر انتهى وهذا بناء على أن الواو عاطفة وقد تقدم في باب التكبير إذا قام من السجود قول من جعلها حالية وأنا الأكثر رجحو ثبوتها وقال الأثرم سمعت أحمد يثبت الواو في ربنا ولك الحمد ويقول ثبت فيه عدة أحاديث قوله إذا ركع وإذا رفع رأسه أي من السجود وقد ساق البخاري هذا المتن مختصرا ورواه أبو يعلى من طريق شبابة وأوله عنده عن أبي هريرة وقال أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر إذا ركع وإذا قال سمع الله لمن حمده قال اللهم ربنا لك الحمد وكان يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه وإذا قام من السجدتين ورواه الاسماعيلي من وجه آخر عن بن أبي ذئب بلفظ وإذا قام من الثنتين كبر ورواه الطيالسي بلفظ وكان يكبر بين السجدتين والظاهر أن المراد بالثنتين الركعتان والمعنى أنه كان يكبر إذا قام إلى الثالثة ويؤيده الرواية الماضية في باب التكبير إذا قام من السجود بلفظ ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس وأما رواية الطيالسي فالمراد بها التكبير للسجدة الثانية وكأن بعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر قوله قال الله أكبر كذا وقع مغير الاسلوب إذ عبر أولا بلفظ يكبر قال الكرماني هو للتفنن أو لإرادة التعميم لأن التكبير يتناول التعريف ونحوه انتهى والذي يظهر أنه من يطلق الرواة فإن الروايات التي أشرنا إليها جاءت كلها على أسلوب واحد ويحتمل أن يكون المراد به تعيين هذا اللفظ دون غيره من ألفاظ التعظيم وقد تقدم الكلام على بقية فوائده في باب التكبير إذا قامن السجود ويأتي الكلام على محل التكبير عند القيام من المنكدر الأول بعد بضعة عشر بابا قوله باب فضل اللهم ربنا لك الحمد في رواية الكشميهني ولك الحمد بإثبات الواو وفيه رد على بن القيم حيث جزم بأنه لم يرد الجمع بين اللهم والواو في ذلك وثبت لفظ باب عند من عدا أبا ذر والأصيلي والراجح حذفه كما سيأتي قوله إذا قال الإمام الخ استدل به على أن الإمام لا يقول ربنا لك الحمد وعلى أن المؤموم لا يقول سمع الله لمن حمده لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية كما حكاه الطحاوي وهو قول مالك وأبي حنيفة وفيه نظر لأنه ليس فيه ما يدل على النفي بل فيه أن قول المأموم ربنا لك الحمد يكون عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده والواقع في التصوير ذلك لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله فقوله يقع عقب قول الإمام كما في الخبر وهذا الموضع يقرب من مسألة التأمين كما تقدم من أنه لا يلزم من قوله إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين أن الإمام لا يؤمن بعد قوله ولا الضالين وليس فيه أن الإمام يؤمن كما أنه ليس في هذا أنه يقول ربنا لك الحمد لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة كما تقدم في التأمين وكما مضى في الباب الذي قبله وفي غيره ويأتي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين التسميع والتحميد وأما ما احتجوا به من حيث المعنى من أن معنى سمع الله لمن حمده طلب التحميد فيناسب حال الإمام وأما المأموم فتناسبه الإجابة بقوله ربنا لك الحمد ويقويه حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم وغيره ففيه وإذا سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع لله لكم فجوابه أن يقال لا يدل ما ذكرتم على أن الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد إذ لا يمتنع أن يكون طالبا ومجيبا وهو وكما ما تقدم في مسألة التأمين من أنه لا يلزم من كون الإمام داعيا والمأموم مؤمنا أن لا يكون الإمام مؤمنا ويقرب منه ما تقدم البحث فيه في الجمع بين الحيعلة والحوقلة لسامع المؤذن وقضية ذلك أن الإمام
[ 236 ]
يجمعهما وهو قول الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد والجمهور والأحاديث ث الصحيحة تشهد له وزاد الشافعي أن المأموم يجمع بينهما أيضا لكن لم يصح في ذلك ك شئ ولم يثبت عن بن معمر أنه قال إن الشافعي انفرد بذلك لأنه قد نقل في الإشارف عن عطاء وابن سيرين وغيرهما القول بالجمع بينهما للمأموم وأما المنفرد فحكى الطحاوي وابن عبد البر الإجماع على أنه يجمع بينهما وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد لكن أشار صاحب الهداية إلى خلاف عندهم في المنفرد قوله فإنه من وافق قوله فيه إشعار بأن الملائكة تقول ما يقول المأمومون وقد تقدم باقي البحث فيه في باب التأمين قوله باب كذا للجميع بغير ترجمة إلا للاصيلي فحذفه وعليه شرح بن بطال ومن تبعه والراجح إثباته كما أن الراجح حذف باب من الذي قبله وذلك أن الأحاديث المذكورة فيه لادلالة فيها على فضل اللهم ربنا لك الحمد إلا بتكلف فالأولى أن يكون بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله كما تقدم في عدة مواضع وذلك أنه لما قال أولا باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع وذكر فيه قوله صلى الله عليه وسلم اللهم ربنا ولك الحمد استطرد إلى ذكر فضل هذا القول بخصوصه ثم فصل بلفظ باب لتكميل الترجمة الأولى فأورد بقية ما ثبت على شرطه مما يقال في الاعتدال كالقنوت وغيره وقد وجه الزين بن المنير دخول الأحاديث الثلاثة تحت ترجمة فضل اللهم ربنا لك الحمد فقال وجه دخول حديث أبي هريرة أن القنوت لما كان مشروعا في الصلاة كانت هي مفتاحه ومقدمته ولعل ذلك سبب تخصيص القنوت بما بعد ذكرها انتهى ولا يخفى ما فيه من التكلف وقد تعقب من وجه آخر وهو أن الخبر المذكور في الباب لم يقع فيه قول ربنا لك الحمد لكن له أن يقول وقع في هذه الطريق اختصار وهي مذكورة في الأصل ولم يتعرض لحديث أنس لكن له أن يقول إنما أورده استطراد الأجل ذكر المغرب قال وأما حديث رفاعة فظاهر في أن الابتدار الذي تنشأ عند الفضيلة إنما كان لزيادة قول الرجل لكن لما كانت الزيادة المذكورة صفة في التحميد جارية مجرى التأكيد له تعين جعل الأصل سببا أو سببا للسبب فثبتت بذلك الفضيلة والله أعلم وقد ترجم بعضهم له بباب القنوت ولم أره في شئ من روايتنا قوله حدثنا هشام هو الدستوائي ويحي هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة في رواية مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى حدثني أبو سلمة قوله لأقربن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم المذكورة لأقربن لكم وللاسماعيلي اني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فكان أبو هريرة إلى آخره قيل المرفوع من هذا الحديث وجود القنوت لا وقوعه في الصلوات المذكورة فإنه موقوف على أبي هريرة ويوضحه ما سيأتي في تفسير النساء من رواية شيبان عن يحيى من تخصيص المرفوع بصلاة العشاء ولأبي داود من رواية الأوزاعي عن يحيى قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة شهرا ونحوه لمسلم لكن لا ينافي هذا كونه صلى الله عليه وسلم قنت في غير العشاء وظاهر سياق حديث الباب أن جميعه مرفوع ولعل هذا هو السر في تعقب المصنف له بحديث أنس إشارة إلى أن القنوت في النازلة لا يختص بصلاة معينة واستشكل التقييد في رواية الأوزاعي بشهر لأن المحفوظ أنه كان في قصة الذي قتلوا أصحاب بئر معونة كما سيأتي في آخر أبواب الوت وسيأتي في تفسير آل عمران من رواية الزهري عن أبي سلمة في هذا
[ 237 ]
الحديث أن المراد بالمؤمنين من كان مأسورا بمكة وبالكافرين قريش وأن مدته كانت طويلة فيحتمل أن يكون التقييد بشهر في حديث أبي هريرة يتعلق بصفة من الدعاء مخصوصة وهي قوله اشدد وطأتك على مضر قوله في الركعة الأخرى في رواية الكشميهني الآخرة وسيأتي بعد باب من رواية الزهري عن أبي سلمة أن ذلك كان بعد الركوع وسيأتي في تفسير آل عمران بيان الخلاف في مدة الدعاء عليهم والتنبيه على أحوال من سمي منهم وقد اختصر يحيى سياق هذا الحديث عن أبي سلمة وطوله الزهري كما سيأتي بعد باب وسيأتي في الدعوات بالإسناد الذي ذكره المصنف أتم مما ساقه هنا إن شاء الله تعالى قوله إسماعيل هو المعروف بابن علية والإسناد كله بصريون وعبد الله بن أبي الأسود نسب إلى جد أبيه واسم أبيه محمد بن حميد قوله كان القنوت أي في أول الأمر واحتج بهذا على أن قول الصحابي كنا نفعل كذا له حكم الرفع وان لم يقيده بزمن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو قول الحاكم وقد اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث في المسند الصحيح وليس فيه تقييد وسنذكر اختلاف النقل عن أنس في القنوت في محله من الصلاة وفي أي الصلوات شرع وهل استمر مطلقا أو مدة معينة أو في حالة دون حالة حيث أورد المصنف بعض ذلك في آخر أبواب الوتر إن شاء الله تعالى قوله المجمر بالخفض وهو صفة لنعيم ولأبيه قوله عن على بن يحيى في رواية بن خزيمة أن على بن يحيى حدثه والإسناد كله مدنيون وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر لأن نعيما أكبر سنا من على بن يحيى وأقدم سماعا وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم من بين مالك والصحابى هذا من حيث الرواية وأما من حيث شرف الصحبة فيحيى بن خلاد والد على مذكور في الصحابة لأنه قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم حنكه لما ولد قوله فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده ظاهره أن قول التسميع وقع بعد رفع الرأس من الركوع فيكون من أذكار الاعتدال وقد مضى في حديث أبي هريرة وغيره ما يدل على أنه ذكر الانتقال وهو المعروف ويمكن الجمع بينهما بان معنى قوله فلما رفع رأسه أي فلما شرع في رفع رأسه ابتدأ القول المذكور وأتمه بعد أن اعتدل قوله قال رجل زاد الكشميهني وراءه قال بن بشكوال هذا الرجل هو رفاعة بن رافع راوي الخبر ثم استدل على ذلك بما رواه النسائي وغيره عن قتيبة عن رفاعة بن يحيى الزرقي عن عم أبيه معاذ بن رفاعة عن أبيه قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت الحمد لله ونوزع في تفسيره به لاختلاف سياق السبب والقصة والجواب أنه لا تعارض بينهما بل يحمل على أن عطاسه وقع عند رفع رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مانع أن يكنى عن نفسه لقصد إخفاء عمله أو كنى عنه لنسيان بعض الرواة لاسمه وأما ما عدا ذلك من الاختلاف فلا يتضمن إلا زيادة لعل الراوي اختصرها كما سنبينه وأفاد بشر بن عمر الزهراني في روايته عن رفاعة بن يحيى أن تلك الصلاة كانت المغرب قوله مباركا فيه زاد رفاعة بن يحيى مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فأما قوله مباركا عليه فيحتمل أن يكون تاكيدوهو الظاهر وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء قال الله تعالى وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فهذا يناسب الأرض لأن المقصود به النماء والزيادة لا البقاء لأنه بصدد التغير وقال تعالى وباركنا عليه وعلى إسحاق فهذا يناسب الأنبياء لأن البركة باقية لهم ولما كان الحمد يناسبه المعنيان جمعهما كذا قرره بعض الشراح ولا يخفى ما فيه وأما قوله
[ 238 ]
كما يحب ربنا ويرضى ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد قوله من المتكلم زاد رفاعة بن يحيى في الصلاة فلم يتكلم أحد ثم قالها الثانية فلم يتكلم أحد ثم قالها الثالثة فقال رفاعة بن رافع أنا قال كيف قلت فذكره فقال والذي نفسي بيده الحديث قوله بضعة وثلاثين فيه رد على من زعم كالجوهري أن البضع يختص بما دون العشرين قوله أيهم يكتبها أول في رواية رفاعة بن يحيى المذكورة أيهم يصعد بها أول وللطبراني من حديث أبي أيوب أيهم يرفعها قال السهيلي روى أول بالضم على البناء لأنه ظرف قطع من الإضافة وبالنصب على الحال انتهى وأما أيهم فرويناه بالرفع وهو مبتدأ وخبره يكتبها قاله الطيبي وغيره تبعا لأبي البقاء في إعراب قوله تعالى يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم قال وهو في موضع نصب والعامل فيه ما دل عليه يلقون وأي استفهامية والتقدير مقول فيهم أيهم يكتبها ويجوز في أيهم النصب بان يقدر المحذوف فينظرون أيهم وعند سيبويه أي موصولة والتقدير يبتدرون الذي هو يكتبها أول وأنكر جماعة من البصريين ذلك ولا تعارض بين روايتي يكتبها ويصعد بها لأنه يحمل على أنهم يكتبونها ثم يصعدون بها والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا أن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر الحديث واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة وقد استشكل تأخير رفاعة إجابة النبي صلى الله عليه وسلم حين كرر سؤاله ثلاثا مع أن إجابته واجبة عليه بل وعلى كل من سمع رفاعة فإنه لم يسأل المتكلم وحده وأجيب بأنه لما لم يعين واحدا بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا مواحد بعينه فكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شظنا منهم أنه أخطأ فيما فعل ورجوا أن يقع العفو عنه وكأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى سكوتهم فهم ذلك فعرفهم أنه لم يقل بأسا ويدل على ذلك أن في رواية سعيد بن عبد الجبار عن رفاعة بن يحيى عند بن قانع قال رفاعة فوددت أني خرجت من مالكا وأنى لم أشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة ولأبي داود من حديث عامر بن ربيعة قال من القائل الكلمة فإنه لم يقل بأسا فقال أنا قلتها لم أرد بها إلا خيرا وللطبراني من حديث أبي أيوب فسكت الرجل ورأى أنه قد هجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على شئ كرهه فقال من هو فإنه لم يقل إلا صوابا فقال الرجل أنا يا رسول الله قلتها أرجو بها الخير ويحتمل أيضا أن يكون المصلون لم يعرفوه بعينه إما لاقبالهم على صلاتهم وإما لكونه في آخر الصفوف فلا يرد السؤال في حقهم والعذر عنه هو ما قدمناه والحكمة في سؤاله صلى الله عليه وسلم له عمن قال أن يتعلم السامعون كلامه فيقولا مثله واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غيماثور إذا كان غير مخالف للمأثور وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه وعلى أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة وأن المتلبس بالصلاة لا يتعين عليه تشميت العاطس وعلى تطويل الاعتدال بالذكر كما سيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده واستنبط منه بن بطال جواز رفع الصوت بالتبليغ خلف الإمام وتعقبه الزين بن المنير بأن سماعه صلى الله عليه وسلم لصوت الرجل لا يستلزم رفعه صوته كرفع صوت المبلغ وفي هذا التعقب نظر لأن غرض بن بطال إثبات جواز الرفع في الجملة وقد سبقه إليه بن عبد البر واستدل له بإجماعهم على أن الكلام الأجنبي يبطل عمده الصلاة ولو كان سرا قال
[ 239 ]
وكذلك الكلام المشروع في الصلاة لا يبطلها ولو كان جهرا وقد تقدم الكلام على مسألة المبلغ في باب من أسمع الناس تكبير الإما فائدة قيل الحكمة في اختصاص العدد المذكور من الملائكة بهذا الذكر أن عدد حروفه مطابق للعدد المذكور فإن البضع من الثلاث إلى التسع وعدد الذكر المذكور ثلاثة وثلاثون حرفا ويعكر على هذا الزيادة المتقدمة في رواية رفاعة بن يحيى وهي قوله مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى بناء على أن القصة واحدة ويمكن أن يقال المتبادر إليه هو الثناء الزائد على المعتاد وهو من قوله حمدا كثيرا الخ دون قوله مباركا عليه فإنه كما تقدم للتأكيد وعدد ذلك سبعة وثلاثون حرفا وأما ما وقع عند مسلم من حديث أنس لقد رأيت أثنى عشر ملكا يبتدرونها وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني ثلاثة عشر فهو مطابق لعدد الكلمات المذكورة في سياق رفاعة بن يحيى ولعددها أيضا في سياق حديث الباب لكن على اصطلاح النحاة والله أعلم قوله باب الطمأنينة كذا للأكثر وللكشميهني الطمأنينة وقد تقدم الكلام عليها في باب استواء الظهر قوله وقال أبو حميد يأح تي موصولا مطولا في باب سنة الجلوس في المنكدر وقوله رفع أي من الركوع فاستوى أي قائما كما سيأتي بيانه هناك وهو ظاهر فيما ترجم له ووقع في رواية كريمة جالسا بعد قوله فاستوى فإن كان محفوظا حمل على أنه عبر عن السكون بالجلوس وفيه بعد أو لعل المصنف أراد إلحاق الاعتدال بالجلوس بين السجدتين بجامع كون كل منهما غير مقصود لذاته فيطابق الترجمة قوله ينعت بفتح المهملة أي يصف وهذا الحديث ساقه شعبة عن ثابت مختصرا ورواه عنه حماد بن زيد مطولا كما سيأتي في باب المكث بين السجدتين فقال في أوله عن أنس قال إني لا آلو أن أصلى بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فصرح بوصف أنس لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل وقوله لا آلو بهمزة ممدودة بعد حرف النفي ولام مضمومة بعدها واو خفيفة أي لا أقصر وزاد حماد بن زيد أيضا قال ثابت فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه وفيه إشعار بأنهم كانوا يخلون بتطويل الاعتدال وقد تقدم حديث أنس وإنكاره عليهم في أمر الصلاة في أبواب المواقيت وقوله حتى نقول بالنصب وقوله قد نسي أي نسي وجوب الهوى إلى السجود قاله الكرماني ويحتمل أن يكون المراد أنه نسي أنه في صلاة أو ظن أنه وقت القنوت حيث كان معتدلا أو وقت المنكدر حيث كان جالسا ووقع عند الاسماعيلي من طريق غندر عن شعبة قلنا قد نسي من المريض القيام أي لأجل المريض قيامه وحديث البراء تقدم التنبيه عليه في باب استواء الظهر وقوله قريبا من السواء فيه إشعار بأن فيها تفاوتا لكنه لم يعينه وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال وبين السجدتين لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود قوله وإذا رفع أي ورفعه إذا رفع وكذا قوله وبين السجدتين أي وجلوسه بين السجدتين والمراد أن زمان ركوعه وسجوده واعتداله وجلوسه متقارب ولم يقع في هذه الطريق الاستثناء الذي مر في باب استواء الظهر وهو قوله ما خلا القيام والقعود ووقع في رواية لمسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله الحديث وحكى بن دقيق العيد عن بعض العلماء أنه نسب هذه الرواية إلى الوهم ثم استبعده لأن توهيم الراوي الثقة على خلاف الأصل ثم قال في آخر كلامه فلينظر ذلك من الروايات ويحقق الاتحاد أو الاختلاف من مخارج الحديث أه وقد جمعت طرقه فوجدت مداره على بن أبي ليلى عن
[ 240 ]
البراء لكن الرواية التي فيها زيادة ذكر القيام من طريق هلال بن أبي حميد عنه ولم يذكره الحكم عنه وليس بينهما اختلاف في سوى ذلك إلا ما زاده بعض الرواة عن شعبة عن الحكم من قوله ما خلا القيام والقعود وإذا جمع بين الكلب ظهر من الأخذ بالزيادة فيهما أن المراد بالقيام المستثنى القيام للقراءة وكذا القعود والمراد به للتشهد كما تقدم قال بن دقيق العيد هذا الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل وحديث أنس يعني الذي قبله أصرح في الدلالة على ذلك بل هو نص فيه ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود ووجه ضعفه أنه في مقابلة النص وهو فاسد وأيضا فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع فتكرير سبحان ربي العظيم ثلاثا يجئ قدر قوله اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وقد شرع في الاعتدال ذكر أطول كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس بعد قوله حمدا كثيرا طيبا ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد زاد في حديث بن أبي أوفى اللهم طهرني بالثلج الخ وزاد في حديث الآخرين أهل الثناء والمجد الخ وقد تقد في الحديث الذي قبله ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من زاد في الاعتدال ذكرا غير مأثور ومن ثم اختر النووي جواز تطويل الركن القصير بالذكر خلافا للمرجح في المذهب واستدل لذلك أيضا بحديث حذيفة في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة بالبقرة أو غيرها ثم ركع نحوا مما قرأ ثم قام بعد أن قال ربنا لك الحمد قياما طويلا قريبا مما ركع قال النووي الجواب عن هذا الحديث صعب والاقوى جواز الاطالة بالذكر أه وقد أشار الشافعي في الآم إلى عدم البطلان فقال في ترجمة كيف القيام من الركوع ولو أطال القيام بذكر الله أو يدعو أو ساهيا وهو لا ينوي به القنوت كرهت له ذلك ولا إعادة إلى آخر كلامه في ذلك فالعجب ممن يصحح مع هذا بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال وتوجيههم ذلك أنه إذا أطيل انتفت الموالاة معترض بأن معنى الموالاة أن لا يتخلل فصل طويل بين الآركان بما ليس منها وما ورد به الشرع لا يصح نفى كونه منها والله أعلم وأجاب بعضهم عن حديث البراء أن المراد بقوله قريبا من السواء ليس أنه كان يركع بقدر قيامه وكذا السجود والاعتدال بل المراد أن صلاته كانت قريبا معتدله فكان إذا أطال بقية الآركان وإذا أخفها أخف بقية الأركان فقد ثبت أنه قرأ في الصبح بالصافات وثبت في السنن عن أنس أنهم حزروا في السجود قدر عشر تسبيحات فيحمل على أنه إذا قرأ بدون الصافات اقتصر على دون العشر وأقله كما ورد في السنن أيضا ثلاث تسبيحات قوله كان ما لك بن الحويرث في رواية الكشميهني قام والأول يشعر بتكرير ذلك منه وقد تقدم بعض الكلام عليه في باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم ويأتي بقية الكلام عليه في باب المكث بين السجدتين قوله فأنصت في رواية الكشميهني بهمزة مقطوعة وآخره مثناه خفيفة وللباقين بألف موصولة وآخره موحدة مشددة وحكى بن التين أن بعضهم ضبطه بالمثناة المشددة بدل الموحدة ووجهه بان أصله انصوت فأبدل من الواو تاء ثم أدغمت إحدى التاءين في الأخرى وقياس إعلاله انصات تحركت الواو وإنفتح ما قبلها فانقلبت ألفا قال ومعنى انصات استوت قامته بعد الانحناء كأنه أقبل شبابة قال الشاعر
[ 241 ]
وعمرو بن دهمان الهنيدة عاشها وتسعين عاما ثم قوم فانصاتا وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه وعادوه شرخ الشباب الذي فاتا أو عرف بهذا أن من نقل عن بن التين وهو السفاقسى أنه ضبطه بتشديد الموحدة فقد صحف ومعنى رواية الكشميهني أنصت أي سكت فلم يكبر للهوى في الحال قال بعضهم وفيه نظر والأوجه أن يقال هو كناية عن سكون أعضائه عبر عن عدم حركتها بالإنصات وذلك دال على الطمأنينة وأما الرواية المشهورة بالموحدة المشددة انفعل من الصب كأنه كنى عن رجوع أعضائه عن الانحناء إلى القيام بالانصباب ووقع عند الاسماعيلي فانتصب قائما وهي أوضح من الجميع قوله هنية أي قليلا وقد تقدم ضبطها في باب ما يقول بعد التكبير قوله صلاة شيخنا هذا أبي يزيد هو عمرو بن سلمة الجرمي واختلف في ضبط كنيته ووقع هنا للأكثر بالتحتانية والزاي وعند الحمو وكريمة بالموحدة والراء مصغرا وكذا ضبطه مسلم في الكنى وقال عبد الغني بن سعيد لم أسمعه من أحد إلا بالزاي لكن مسلم أعلم والله أعلم قوله باب يهوى بالتكبير حين يسجد قال بن التين رويناه بالفتح وضبطه بعضهم بالضم والفتح أرجح ووقع في روايتنا بالوجهين قوله كان بن عمر الخ وصله بن خزيمة والطحاوي وغيرهما من طريق عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع بهذا وزاد في آخره ويقول كان النبي صلى أه عليه وسلم يفعل ذلك قال البيهقي كذا رواه عبد العزيز ولا أراه إلا وهما يعني رفعه قال والمحفوظ ما اخترنا ثم أخرج من طريق أيوب عن نافع بن عمر قال إذا سجد أحدكم فليضع يديه وإذا رفع فليرفعهما الله ه ولقائل أن يقول هذا الموقوف غير المرفوع فإن الأول في تقديم وضع اليدين على الركبتين والثاني في اثبات وضع اليدين في الجملة واستشكل أيراد هذا الأثر في هذه الترجمة وأجاب الزين بن المنير بما حاصله أنه لما ذكر صفة الهوى إلى السجود القولية أردفها بصفته الفعلية وقال أخوه أراد بالترجمة وصف حال الهوى من فعال ومقال أه والذي يظهر أن أثر بن عمر من جملة الترجمة فهو مترجم به لا مترجم له والترجمة قد تكون مفسرة لمجمل الحديث وهذا منها وهذه من المسائل المختلف فيها قال مالك هذه الصفة أحسن في خشوع الصلاة وبه قال الأوزاعي وفيه حديث عن أبي هريرة رواه أصحاب السنن وعورض بحديث عنه أخرجه الطحاوي وقد روى الأثرم حديث أبي هريرة إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل ولكن إسناده ضعيف وعند الحنفية والشافعية الأفضل أن يضع ركبتيه ثم يديه وفيه حديث في السنن أيضا عن وائل بن حجر قال الخطابي هذا أصح من حديث أبي هريرة ومن ثم قال النووي لا يظهر ترجيح أحد المذهبين على الآخر من حيث السنة أه وعن مالك وأحمد رواية بالتخيير وادعى بن خزيمة أن حديث أبي هريرة منسوخ بحديث سعد قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا تجاوبه قبل اليدين وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع لكنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهما ضعيفان وقال الطحاوي مقتضى تأخير وضع الرأس عنهما في الانحطاط ورفعه قبلهما أن يتأخر وضع اليدين عن الركبتين لاتفاقهم على تقديم اليدين عليهما في الرفع وأبدى الزين بن المنير لتقديم اليدين مناسبة وهي أن يلقى الأرض عن جبهته ويعتصم بتقديمهما على إيلام ركبتيه إذا جثا عليهما والله أعلم قوله أن أبا هريرة كان يكبر زاد النسائي من طريق يونس عن الزهري حين استخلفه مروان على المدينة قوله ثم يقول الله أكبر حين يهوى ساجدا
[ 242 ]
فيه أن التكبير ذكر الهوى فيبتدئ به من حين يشرع في الهوى بعد الاعتدال إلى حين يتمكن ساجدا قوله ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الاثنتين فيه أنه يشرع في التكبير من حين ابتداء القيام إلى الثالثة بعد المنكدر الأول خلافا لمن قال إنه لا يكبر حتى يستوي قائما وسيأتي في باب مفرد بعد بضعة عشر باب قوله أن كانت هذه لصلاته قال أبو داود هذا الكلام يؤيد رواية مالك وغيره عن الزهري عن على بن حسين يعني مرسلا قلت وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن بن عيينة عن الزهري لكن لا يلزم من ذلك أن لا يكون الزهري رواه أيضا عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وغيره عن أبي هريرة ويؤيد ذلك ما تقدم في بال التكبير إذا قام من السجود من طريق عقيل عن الزهري فإنه صريح في أن الصفة المذكورة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله قالا يعني أبا بكر بن عبد الرحمن وأبا سلمة المذكورين وهو موصول بالإسناد المذكور إليهما والكلام على المتن المذكور يأتي في تفسير آل عمران إن شاء الله تعالى وإنما ذكره هنا استطرادا وقد أورده مختصرا في الباب الذي ذكر فيه ما يقول في الاعتدال واستدل به على أن محل القنوت بعد الرفع من الركوع وعلى أن تسمية الرجال بأسمائهم فيما يدعى لهم وعليهم لا تفسد الصلاة قوله عن فرس وربما قال سفيان وهو بن عيينة من فرس فيه إشعار بتثبيت على بن عبد الله ومحافظته على الإتيان بألفاظ الحديث وقد تقدم الكلام عليه في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به وأن قوله جحش أي خدش ووقع في قصر الصلاة عن أبي نعيم عن بن عيينة بلفظ فجحش أو خدش على الشك قوله كذا جاء به معمر القائل هو سفيان والمقول له على وهمزة الاستفهام قبل كذا مقدرة قوله قلت نعم كأن مستند على في ذلك رواية عبد الرزاق عن معمر فإنه من مشايخه بخلاف معمر فإنه لم يدركه وإنما يروي عنه بواسطة وكلام الكرماني يوهم خلاف ذلك قوله قال لقد حفظ أي حفظا جيدا وفيه إشعار بقوة حفظ سفيان بحيث يستجيد حفظ معمر إذا وافقه وقوله كذا قال الزهري ولك الحمد فيه إشارة إلى أن بعض أصحاب الزهري لم يذكر الواو في ولك الحمد وقد وقع ذلك في رواية الليث وغيره عن الزهري كما تقدم في باب إيجاب التكبير قوله حفظت في رواية بن عساكر وحفظت بزيادة واو وهي أوضح وقوله من شقة الأيمن الخ فيه إشارة إلى ما ذكرناه من جودة ضبط سفيان لأن بن جريج سمعه معهم من الزهري بلفظ شقه فحدث به عن الزهري بلفظ ساقه وهي أخص من شقه لكن هذا أمرهم على أن بن جريج عرف من الزهري في وقت آخر أن الذي خدش هو ساقه لبعد أن يكون نسي هذه الكلمة في هذه المدة اليسيرة وقد قدمنا الدلالة على ذلك في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به وقوله وأنا عنده قال الكرماني هو معطوف على مقد أو جملة حالية من فاعل قال مقدرا إذ تقديره قال الزهري وأنا عنده ويحتمل أن يكون هو مقول سفيان والضمير لابن جريج قلت وهذا أقرب إلى الصواب ومقول بن جريج هفجحش الخ والله أعلم قوله باب فضل السجود أورد فيه حديث أبي هريرة في صفة البعث والشفاعة والمقصود منه هنا قوله
[ 243 ]
وحرم الله على النار أن تأكل آثار السجود وقد ورده بتمامه أيضا في أبواب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق ويأتي الكلام عليه هناك مستوفى إن شاء الله تعالى مع ذكر اختلاف ألفاظ رواته واختلف في المراد بقوله آثار السجود فقيل هي الأعضاء السبعة الآتي ذكرها في حديث بن عباس قريبا وهذا هو الظاهر وقال عياض المراد الجبهة خاصة ويؤيده ما في رواية مسلم من وجه آخر أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم فإن ظاهر هذه الرواية يخص العموم الذي في الأولى قوله باب يبدى ضبعيه بفتح المعجمة وسكون الموحدة تثنية ضبع وهو وسط العضد من انظر وقيل هو لحمة تحت الإبط قوله عن جعفر هو بن ربيعة وابن هرمز هو عبد الرحمن الأعرج والإسناد كله بصريون قوله فرج بين يديه أي نحى كل يد عن الجنب الذي يليها قال القرطبي الحكمة في استحباب هذه الهيئة في السجود أنه يخف بها اعتماده عن وجهه ولا يتأثر أنفه ولا جبهته ولا يتأذى بملاقاة الإرض وقال غيره هو أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان وقال ناصر الدين بن المنير في الحاشية الحكمة فيه أن يظهر كل عضو بنفسه ويتميز حتى يكون الإنسان الواحد في سجوده كأنه عدد ومقتضى هذا أن يستقل كل عضو بنفسه ولا يعتمد بعض الأعضاء
[ 244 ]
على بعض في سجوده وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض لأن المقصود هناك إظهار الاتحاد بين المصلين حتى كأنهم جسد واحد وروى الطبراني وغيره من حديث بن عمر بإسناد صحيح أنه قال لا تفترش افتراش السبع وادعم على راحتيك وأبد ضبعيك فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك ولمسلم من حديث عائشة نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وأخرج الترمذي وحسنه من حديث عبد الله بن أرقم صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه إذا سجد ولابن خزيمة عن أبي هريرة رفعه إذا سجد أحدكم فلا يفترش ذراعيه افتراش الكلب وليضم فخذيه وللحاكم من حديث بن عباس نحو حديث عبد الله بن أرقم وعنه عند الحاكم كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد يرى وضح إبطيه وله من حديثه ولمسلم من حديث البراء رفعه إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك وهذه الأحاديث مع حديث ميمونة عند مسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يجافى يديه فلو أن بهيمة أرادت أن تمر لمرت مع حديث بن بحينة المعلق هنا ظاهرها وجوب التفريج المذكور لكن أخرج أبو داود ما يدل على أن للاستحباب وهو حديث أبي هريرة شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا فقال استعينوا بالركب وترجم له الرخصة في ذلك أي في ترك التفريج قال بن عجلان أحد رواته وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود واعيا وقد أخرج الترمذي الحديث المذكور ولم يقع في روايته إذا انفرجوا فترجم له ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود فجعل محل الاستعانة بالركب لمن يرفع من السجود طالبا للقيام واللفظ محتمل ما قال لكن الزيادة التي أخرجها أبو داود تعين المراد وقال بن التين فيه دليل على أنه لم يكن قميص لانكشاف إبطيه وتعقب باحتمال أن يكون القميص واسع الأكمام وقد روى الترمذي في الشمائل عن أم سلمة قالت كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم القميص أو أراد الراوي أن موضع بياضهما لو لم يكن عليه ثوب لرئى قاله القرطبي واستدل به على أن إبطيه صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهما شعر وفيه نظر فقد حكى المحب الطبري في الاستسقاء من الأحكام له أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الإبط من جميع الناس متغير اللون غيره واستدل بإطلاقه على استحباب التفريج في الركوع أيضا وفيه نظر لأن في رواية قتيبة عن بكر بن مضر التقييد بالسجود وأخرجه المصنف في المناقب والمطلق إذا استعمل في صورة اكتفى بها قوله وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة نحوه وصله مسلم من طريقه بلفظ كان إذا سجد فرج يديه عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه تنبيه تقدم معي أبواب القبلة أنه وقع في كثير من النسخ وقوع هاتين الترجمتين هذه والتي بعدها هناك وأعيدا هنا وأن الصواب إثباتهما هنا وذكرنا توجيه ذلك بما يغنى عن إعادته قوله باب يستقبل القبلة بأطراف رجليه قال أبو حميد يأتي موصولا في باب سنة الجلوس في المنكدر قريبا وأنه ورد في صفة السجود قال الزين بن المنير المراد أن يجعل قديمه قائمتين على بطون أصابعهما وعقباه مرتفعان فيستقبل بظهور قدميه القبلة قال أخوه ومن ثم ندب ضم الأصابع في السجود لأنها لو تفرجت انحرفت رؤوس بعضها عن القبلة قوله باب إذا لم يتم سجوده أورد فيه حديث حذيفة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب إذا لم يتم الركوع قوله باب السجود
[ 245 ]
على سبعة أعظم لفظ المتن الذي أورده في هذا الباب على سبعة أعضاء لكنه أشار بذلك إلى لفظ الرواية الأخرى وقد أوردها من وجه آخر في الباب الذي يليه قال بن دقيق العيد يسمى كل واحد عظما باعتبار الجملة وأن اشتمل كل واحد على عظام ويجوز أن يكون من باب تسمية الجملة باسم بعضها قوله سفيان هو الثوري قوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم هو بضم الهمزة في جميع الروايات بالبناء لما لم يسم فاعله والمراد به الله جل جلاله قال البيضاوي عرف ذلك بالعرف وذلك يقتضى الوجوب قيل وفيه نظر لأنه ليس فيه صيغة أفعل ولما كان هذا السياق يحتمل الخصوصية عقبه المصنف بلفظ آخر دال على أنه لعموم الأمة وهو من رواية شعبة عن عمرو بن دينار أيضا بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أمرنا وعرف بهذا أن بن عباس تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم إما سماعا منه وإما بلاغا عنه وقد أخرجه مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب بلفظ إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب الحديث وهذا يرجح أن النون في أمرنا نون الجمع والآراب بالمد جمع إرب بكسر أوله وإسكان ثانيه وهو العضو ويحتمل أن يكون بن عباس تلقاه عن أبيه رضي الله عنه قوله ولا يكف شعرا ولا ثوبا جملة معترضة بين المجمل وهو قوله سبعة أعضاء والمفسر وهو قوله الجبهة الخ وذكره بعد باب من وجه آخر بلفظ ولا نكفت الثياب والشعر والكفت بمثناة في آخره هو الضم وهو بمعنى الكف والمراد أنه لا يجمع ثيابه ولا شعره وظاهره يقتضى أن النهى عنه في حال الصلاة واليه جنح الداودي وترجم المصنف بعد قليل باب لا يكف ثوبه في الصلاة وهي تؤيد ذلك ورده عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور فإنهم كرهوا ذلك للمصلى سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخل فيها واتفقوا على أنه لا يفسد الصلاة لكن حكى بن المنذر عن الحسن وجوب الإعادة قيل والحكمة في ذلك أنه رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر قوله الجبهة زاد في رواية بن طاوس عن أبيه في الباب الذي يليه وأشار بيده على أنفه كأنه ضمن أشار معنى أمر بتشديد الراء فلذلك عداه بعلي دون إلى ووقع في العمدة بلفظ إلى وهي في بعض النسخ من رواية كريمة وعند النسائي من طريق سفيان بن عيينة عن بن طاوس فذكر هذا الحديث وقال في آخره قال بن طاوس ووضع يده على جبهته وأمرها على أنفه وقال هذا واحد فهذه رواية مفسرة قال القرطبى هذا يدل على أن الجبهة الأصل في السجود والأنف تبع وقال بن دقيق العيد قيل معناه أنهما جعلا كعضو واحد وإلا لكانت الأعضاء ثمانية قال وفيه نظر لأنه يلزم منه أن يكتفى بالسجود على الأنف كما يكتفى بالسجود على بعض الجبهة وقد احتج بهذا لأبي حنيفة في الاكتفاء بالسجود على الأنف قال والحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة وإن أمكن أن يعتقد أنهما كعضو واحد فذاك في التسمية والعبارة لا في الحكم الذي دل عليه الأمر وأيضا فإن الإشارة قد لا تعين المشار إليه فإنها إنما تتعلق بالجبهة لأجل العبادة فإذا تقارب ما في الجبهة أنكن أن لا يعين المشار إليه يقينا وأما العبارة فإنها معنية لما وضعت له فتقديمه أولى انتهى وما ذكره من جواز الاقتصار على بعض الجبهة قال به كثير من الشافعية وكأنه أخذ من قول الشافعي في الأم إن الاقتصار على بعض الجبهة يكره وقد ألزمهم بعض الحنفية بما تقدم ونقل بن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده وذهب الجمهور إلى أنه مجزئ على الجبهة وحدها وعن
[ 246 ]
الأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية وغيرهم يجب أن يجمعهما وهو قول للشافعي أيضا قوله واليدين قال بن دقيق العيد المراد بهما الكفان لئلا يدخل تحت المنهي عنه من افتراش السبع والكلب انتهى ووقع بلفظ الكفين في رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عند مسلم قوله والرجلين في رواية بن طاوس المذكورة وأطراف القدمين وهو مبين للمراد من الرجلين وقد تقدمت كيفية السجود عليهما قبل بباب قال بن دقيق العيد ظاهره يدل على وجوب السجود على هذه الأعضاء واحتج بعض ض الشافعية على أن الواجب الجبهة دون غيرها بحديث المسئ صلاته حيث قال فيه ويمكجبهته قال وهذا غايته أنه مفهوم لقب والمنطوق مقدم عليه وليس هو من باب تخصيص العموم قال وأضعف من هذا استدلالهم بحديث سجد وجهي فإنه لا يلزم من إضافة السجود إلى الوجه انحصار السجود فيه وأضعف منه قولهم إن مسمى السجود يحصل بوضع الجبهة لأن هذا الحديث يدل على إثبات زيادة على المسمى وأضعف منه المعارضة بقياس شبهي كأن يقال أعضاء لا يجب كشفها فلا يجب وضعها قال وظاهر الحديث أنه لا يجب كشف شئ من هذه الأعضاء لأن مسمى السجود يحصل بوضعها دون كشفها ولم يختلف في أن كشف الركبتين غير واجب لما يحذر فيه من كشف العورة وأما عدم وجوب كشف القدمين فلدليل لطيف وهو أن الفاء وقت المسح على الخف بمدة أنكر فيها الصلاة بالخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المتقضى لنقض الطهارة فتبطل الصلاة انتهى وفيه نظر فللمخالف أن يقول يخص لابس الخف لأجل الرخصة وأما كشف اليدين فقد تقدم البحث فيه في باب السجود على الثوب في شدة الحر معي أبواب استقبال القبلة وفيه أثر الحسن في نقله عن الصحابة ترك الكشف ثم أورد المصنف حديث البراء في الركوع وقد تقدم الكلام عليه في باب متى يسجد من خلف الإمام ومراده منه هنا قوله في آخره حتى يضع جبهته على الأرض قال الكرماني ومناسبته للترجمة من حيث أن العادة أن وضع الجبهة إنما هو باستعانة الأعظم الستة غالبا انتهى والذي يظهر في مراده أن الأحاديث الواردة بالاقتصار على الجبهة كهذا الحديث لا تعارض الحديث المنصوص فيه على الأعضاء السبعة بل الاقتصار على ذكر الجبهة اما لكونها أشرف الأعضاء المذكورة أو أشهرها في تحصيل هذا الركن فليس فيه ما ينفى الزيادة التي في غيره وقيل أراد أن يبين أن الأمر بالجبهة للوجو ب وغيرها للندب ولهذا اقتصر على ذكرها في كثير من الأحاديث والأول أليق بتصرفه قوله باب السجود على الأنف أورد فيه حديث بن عباس من جهة وهيب وهو بن خالد عن عبد الله بن طاوس عن أبيه وقد أسلفنا الكلام عليه قبل قوله فيه على سبعة أعظم على الجبهة قال الكرماني على الثانية بدل من الأولى التي في حكم الطرح أو الأولى متعلقة بنحو حاصلا أي اسجد على الجبهة حال كون السجود على سبعة أعضاء قوله باب السجود على الأنف في الطين
[ 247 ]
كذا للأكثر وللمستملى السجود على الأنف والسجود على الطين والأول أنسب لئلا يلزم التكرار وهذه الترجمة أخص من التي قبلها وكأنه يشير إلى تأكيد أمر السجود على الأنف بأنه لم يترك مع وجود عذر للطين الذي أثر فيه ولا حجة فيه لمن استدل به على جواز الاكتفاء بالأنف لأن في سياقه أنه سجد على جبهته وأرنبته فوضح أنه إنما قصد بالترجمة ما قدمناه وهو دال على وجوب السجود عليهما ولولا ذلك لصانها عن لوث الطين قاله الخطابي وفيه نظر وفيه استحباب ترك الإسراع إلى إزالة ما يصيب جبهة الساجد من غبار الأرض ونحوه وسنذكر بقية مباحث الحديث المذكور في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى قوله باب عقد الثياب وشدها ومن ضم إليه ثوبه إذا خاف أن تنكشف عورته كأنه يشير إلى أن النهى الوارد عن كف الثياب في الصلاة أمرهم على غير حالة الاضطرار ووجه إدخال هذه الترجمة في أحكام السجود من جهة أن حركة السجود والرفع منه تسهل مع ضم الثياب وعقدها لا مع إرسالها وسدلها أشار إلى ذلك الزين بن المنير قوله عن أبي حازم هو بن دينار وقد تقدم في باب إذا كان الثوب ضيقا في أوائل الصلاة من وجه آخر عن سفيان قال حدثني أبو حازم وقد تقدم الكلام على فوائد المتن هناك قوله باب لا يكف شعرا أي المصلي ويكف ضبطناه في روايتنا بضم الفاء وهو الراجح ويجوز الفتح والمراد بالشعر شعر الرأس ومناسبة هذه الترجمة لأحكام السجود من جهة أن الشعر يسجد مع الرأس إذا لم يكف أو يلف وجاء في حكمة النهى عن ذلك أن غرزة الشعر يقعد فيها الشيطان حالة الصلاة وفي سنن أبي داود بإسناد جيد أن أبا رافع رأى الحسن بن على يصلي قد غرز ضفيرته في قفاه فحلها وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك مقعد الشيطان وقد تقدم الكلام على بقية الحديث مستوفى قبل ثلاثة أبواب قوله باب لا يكف ثوبه في الصلاة أورد فيه حديث بن عباس من وجه آخر وقد تقدم ما فيه قوله باب التسبيح والدعاء في السجود تقدم الكلام على هذه الترجمة في باب الدعاء في الركوع قوله يحيى هو القطان وسفيان هو الثوري قوله يكثر أن يقول كذا في رواية منصور وقد بين الأعمش في روايته عن أبي الضحى كما سيأتي في التفسير ابتداء هذا الفعل وأنه واظب عليه صلى الله عليه وسلم ولفظه ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح إلا يقول فيها الحديث قيل أختار النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لهذا القول لأن حالها أفضل من غيرها انتهى وليس في الحديث أنه لم يكن يقول ذلك خارج الصلاة أيضا بل في بعض طرقه عند مسلم ما يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على ذلك انظر الصلاة وخارجها وفي رواية منصور بيان المحل الذي كان صلى الله عليه وسلم يقول فيه من الصلاة وهو الركوع والسجود قوله يتأول القرآن أيفعل ما أمر به فيه وقد تبين من رواية الأعمش أن المراد بالقرآن بعضه وهذا السورة المذكورة والذكر المذكور ووقع في رواية بن السكن عن الفربري قال أبو عبد الله يعني قوله تعالى فسبح بحمد ربك الآية وفي هذا تعيين أحد الاحتمالين في قوله تعالى فسبح بحمد ربك لأنه يحتمل أن يكون المراد بسبح نفس الحمد لما تضمنه الحمد من معنى التسبيح الذي هو التنزيه لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود عليها إلى الله سبحانه وتعالى فعلى هذا يكتفى في امتثال الأمر الاقتصار على الحمد ويحتمل
[ 248 ]
أن يكون المراد فسبح متلبسا بالحمد فلا يمتثل حتى يجمعهما وهو الظاهر قال بن دقيق العيد يؤخذ من هذا الحديث إباحة الدعاء في الركوع وإباحة التسبيح في السجود ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء قال ويمكن أن يحمل حديث الباب على الجواز وذلك على الأولوية ويحتمل أن يكون أمر في السجود بتكثير الدعاء لإشارة قوله فاجتهدوا والذي وقع في الركوع من قوله اللهم اغفر لي ليس كثيرا فلا يعارض ما أمر به في السجود انتهى واعترضه الفاكهانى بأن قول عائشة كان يكثر أن يقول صريح في كون ذلك وقع منه كثيرا فلا يعارض ما أمر به في السجود هكذا نقله عنه شيخنا بن الملقن في شرح العمدة وقال فليتأمل وهو عجيب فإن بن دقيق العيد أراد بنفى الكثرة عدم الزيادة على قوله اللهم اغفر لي في الركوع الواحد فهو قليل بالنسبة إلى السجود المأمور فيه بالاجتهاد في الدعاء المشعر بتكثير الدعاء ولم يرد أنه كان يقول ذلك في بعض الصلوات دون بعض حتى يعترض عليه بقول عائشة كان يكثر تنبيه الحديث الذي ذكره بن دقيق العيد أما الركوع الخ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وفيه بعد قوله فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم وقمن بفتح القاف والميم وقد تكسر معناه حقيق وجاء الأمر بالإكثار من الدعاء في السجود وهو أيضا عند مسلم وأبي داود والنسائي من حديث أبي هريرة بلفظ أقرب ما يكون العبمن ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء والأمر باكثار الدعاء في السجود يشمل الحث على تكثير الطلب لكل حاجة كما جاء في حديث أنس ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله أخرجه الترمذي ويشمل التكرار للسؤال الواحد والاستجابة تشمل استجابة الداعي بإعطاء سؤله واستجابة المثنى بتعظيم ثوابه وسيأتي الكلام على تفسير سورة النصر وتعيين الوقت الذي نزلت فيه والبحث في السؤال الذي أورده بن دقيق العيد على ظاهر الشرك في قوله إذا جاء وعلى قول عائشة ما صلى صلاة بعد أن نزلت الا قال الخ والتوفيق بين ما ظاهره التعارض من ذلك في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى قوله باب المكث بين السجدتين في رواية الحموي بين السجود قوله ألا أنبئكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنباء بعدي بنفسه وبالباء قال الله تعالى من أنبأك هذا وقال قل أأنبئكم بخير من ذلكم قوله قال أي أبو قلابة وذلك في غير حين صلاة أي غير وقت صلاة من المفروضة ويتعين حمله على ذلك حتى لا يدخل فيه أوقات المنع من النافلة لتنزيه الصحابي عن التنفل حينئذ وليس في اليوم والليلة وقت أجمع على أنه غير وقت لصلاة من الخمس إلا من طلوع الشمس إلى زوالها وقد تقدم هذا الحديث في باب الطمأنينة في الركوع وفي غيره والغرض منه هنا قوله ثم رفع رأسه هنية بعد قوله ثم سجد لأنه يقتضى الجلوس بين السجدتين قدر الاعتدال قوله قال أيوب أي بالسند المذكور إليه قوله كان يقعد في الثالثة أو الرابعة هو شك من الراوي والمراد منه بيان جلسة الاستراحة وهي أنكر بين الثالثة والرابعة كما أنكر بين الأولى والثانية فكأنه قال كان يقعد في آخر الثالثة أو في أول الرابعة والمعنى واحد فشك الراوي أيهما قال وسيأتي الحديث بعد باب واحد بلفظ فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي
[ 249 ]
قاعدا قوله فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم هو مقول مالك بن الحويرث والفاء عاطفة على شئمحذوف تقديره أسلمنا فأتينا أو أرسلنا قومنا فأتينا ونحو ذلك وقد تقدم الكلام عليه في أبواب الإمامة وفي الأذان وحديث البراء تقدم الكلام عليه في باب استواء الظهر في الركوع وحديث أنس تقدم الكلام عليه في باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع وفي قوله في هذه الطريق قال ثابت كان أنس يصنع شيئا لم أركم تصنعونه الخ إشعار بأن من خاطبهم كانوا لا يطيلون الجلوس بين السجدتين ولكن السنة إذا ثبتت لا يبالي من تمسك بها بمخالفة من خالفها وبالله المستعان قوله باب لا يفترس ذراعيه في السجود يجوز في يفترش الجزم على النهى والرفع على النفي وهو بمعنى النهى قال الزين بن المنير أخذ لفظ الترجمة من حديث أبي حميد والمعنى من حديث أنس وأراد بذلك أن الافتراش المذكور في حديث أبي حميد بمعنى الانبساط في حديث أنس أه والذي يظهر لي أنه أشار إلى رواية أبي داود فإنه أخرج حديث الباب عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ ولا يفترش بدل ينبسط وروى أحمد والترمذي وابن خزيمة من حديث جابر نحوه بلفظ إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه الحديث ولمسلم عن عائشة نحوه قوله وقال أبو حميد الخ هو طرف من حديث يأتي مطولا بعد ثلاثة أبواب قوله ولا قابضهما أي بأن يضمهما ولا يجافيهما عن جنبيه قوله عن أنس في رواية أبي داود الطيالسي عند الترمذي وفي رواية معاذ عند الاسماعيلي كلاهما عن شعبة التصريح بسماع قتادة له من أنس قوله اعتدلوا أي كونوا متوسطين بين الافتراش والقبض وقال بن دقيق العيد لعل المراد بالاعتدال هنا وضع هيئة السجود على وفق الأمر لأن الاعتدال الحسى المطلوب في الركوع لا يتأتى هنا فإنه هناك استواء الظهر والعنق والمطلوب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالى قال وقد ذكر الحكم هنا مقرونا بعلته فإن التشبيه بالأشياء الخسيسة يناسب تركه في الصلاة انتهى والهيئة المنهي عنها أيضا مشعرة بالتهاون وقلة الاعتناء بالصلاة قوله ولا ينبسط كذا للأكثر بنون ساكنة قبل الموحدة وللحموي يبتسط بمثناة بعد موحدة وفي رواية بن عساكر بموحدة ساكنة فقط وعليها اقتصر صاحب العمدة وقوله انبساط بالنون في الأولى والثالثة وبالمثناة في الثانية وهي ظاهرة والثالثة تقديرها ولا يبسط ذراعيه فينبسط انبساط الكلب قوله باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته ذكر فيه حديث مالك بن الحويرث ومطابقته واضحة وفيه مشروعية جلسة الاستراحة وأخذ بها الشافعي وطائفة من أهل الحديث وعن أحمد روايتان وذكر أسمع أن أحمد رجع إلى القول بها ولم يستحبها الأكثر واحتج الطحاوي بخلو حديث أبي حميد عنها فإنه ساقه بلفظ فقام ولم يتورك وأخرجه أبو داود أيضا كذلك قال فلما تخالفا احتمل أن يكون ما فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد لاجلها لا أن ذلك من سنة الصلاة ثم قوي ذلك بأنها لو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص وتعقب بأن الأصل عدم العلة وبأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث صلوا كما رأيتموني أصلى فحكايته لصفات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخله تحت هذا الأمر ويستدل بحديث
[ 250 ]
أبي حميد المذكور على عدم وجوبها فكأنه تركها لبيان الجواز وتمسك من لم يقل باستحبابها بقوله صلى الله عليه وسلم لا تبادروني بالقيام والقعود فإني قد بدنت فدل على أنه كان يفعلها لهذا السبب فلا يشرع إلا في حق من اتفق له نحو ذلك وأما الذكر المخصوص فإنها جلسة خفيفة جدا استغنى فيها بالتكبير المشروع للقيام فإنها من جملة النهوض إلى القيام ومن حيث المعنى إن الساجد يضع يديه وركبتيه ورأسه مميزا لكل عضو وضع فكذا ينبغي إذا رفع رأسه ويديه أن يميز رفع ركبتيه وإنما يتم ذلك بان يجلس ثم ينهض قائما نبه عليه ناصر الدين بن المنير في الحاشية ولم تتفق الروايات عن أبي حميد على نفى هذه الجلسة كما يفهمه صنيع الطحاوي بل أخرجه أبو داود أيضا من وجه آخر عنه بإثباتها وسيأتي ذلك عند الكلام على حديثه بعد بابين إن شاء الله تعالى وأما قول بعضهم لو كانت سنة لذكرها كل من وصف صلاته فيقوى أنه فعلها للحاجة ففيه نظر فإن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف وإنما أخذ مجموعها عن مجموعهم قوله باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة أي أي ركعة كانت وفي رواية المستملى والكشميهني من الركعتين أي الأولى والثالثة قوله عن السجدة في رواية المذكورين في السجدة وفي بعض نسخ أبي ذر من السجدة وهي رواية الاسماعيلي وقد تقدم الكلام على حديث مالك بن الحويرث والغرض منه هنا ذكر الاعتماد على الأرض عند القيام من السجود أو الجلوس والإشارة إلى رد ما روى بخلاف ذلك فعند سعيد بن منصور بإسناد ضعيف عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه وعن بن مسعود مثله بإسناد صحيح وعن إبراهيم أنه كره أن يعتمد على يديه إذا نهض فإن قيل ترجم على كيفية الاعتماد والذي في الحديث اثبات الاعتماد فقط أجاب الكرماني بان بيان الكيفية مستفاد من قوله جلس واعتمد على الأرض ثم قام فكأنه أراد بالكيفية أن يقوم معتمدا عن جلوس لا عن سجود وقال بن رشيد أفاد في الترجمة التي قبل هذه اثبات الجلوس في الأولى والثالثة وفي هذه أن ذلك الجلوس جلوس اعتماد على الأرض بتمكن بدليل الإتيان بحرف ثم الدال على المهملة وأنه ليس جلوس استيفاز فأفاد في الأولى مشروعية الحكم وفي الثانية صفته أه ملخصا وفيه شئ إذ لو كان ذلك المراد لقال كيف يجلس مثلا وقيل يستفاد من الاعتماد أنه يكون باليد لأنه افتعال من العماد والمراد به الاتكاء وهو باليد وروى عبد الرزاق عن بن عمر أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا على يديه قبل أن يرفعهما قوله باب يكبر وهو ينهض من السجدتين ذهب أكثر العلماء إلى أن المصلي يشرع في التكبير أو غيره عند ابتداء الخفض أو الرفع الا أنه اختلف عن مالك في القيام إلى الثالثة من المنكدر الأول فروى في الموطأ عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما أنهم كانوا يكبرون في حال قيامهم وروى بن وهب عنه أن التكبير بعد الاستواء أولى وفي المدونة لا يكبر حتى يستوي قائما ووجهه بعض أتباعه بان تكبير الافتتاح يقع بعد القيام فينبغي أن يكون هذا نظيره من حيث أن الصلاة فرضت أولا ركعتين ثم زيدت الرباعية فيكون افتتاح المزيد كافتتاح المزيد عليه وكان ينبغي لصاحب هذا الكلام أن يستحب رفع اليدين حينئذ لتكمل المناسبة ولا قائل منهم به قوله وكان بن الزبير وصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح قوله صلى لنا أبو سعيد أي الخدري
[ 251 ]
بالمدينة وبين الاسماعيلي في روايته من طريق يونس بن محمد عن فليح سبب ذلك ولفظه اشتكى أبو هريرة أو غاب فصلى أبو سعيد فجهر بالتكبير حين افتتح وحين ركع الحديث وزاد في آخره أيضا فلما انصرف قيل له قد اختلف الناس على صلاتك فقام عند المنبر فقال إني والله ما أبالي اختلفت صلاتكم أم لم تختلف إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يصلي والذي يظهر أن الاختلاف بينهم كان في الجهر بالتكبير والاسرار به وكان مروان وغيره من بني أمية يسرونه كما تقدم في باب إتمام التكبير في الركوع وكان أبو هرير يصلي بالناس في إمارة مروان على المدينة وأما مقصود الباب فالمشهور عن أبي هريرة أنه كان يكبر حين يقوم ولا يؤخره حتى يستوي قائما كما تقدم عن الموطأ وأماما تقدم في باب ما يقول الإمام ومن خلفه من حديثه بلفظ وإذا قام من السجدتين قال الله أكبر فيحمل على أن المعنى إذا شرع في القيام قال الزين بن المنير أجرى البخاري الترجمة وأثر بن الزبير مجرى التبيين لحديثي الباب لأنهما ليسا صريحين في أن ابتداء التكبير يكون مع أول النهوض وقال بن رشيد في هذه الترجمة إشكال لأنه ترجم فيما مضى باب التكبير إذا قام من السجود وأورد فيه حديث بن عباس وأبي هريرة وفيهما التنصيص على أنه يكبر في حالة النهوض وهو الذي اقتضته هذه الترجمة فكان ظاهرها التكرار ويحمل قوله من السجدتين على أنه أراد من الركعتين لأن الركعة تسمى سجدة مجازا ثم استبعده ثم رجح أن المراد بهذه الترجمة بيان محل التكبير حين ينهض من السجدة الثانية بأنه إذا قعد على الوتر يكون تكبيره في الرفع إلى القعود ولا يؤخره إلى ما بعد القعود ويتوجه ذلك بأن الترجمتين اللتين قبله فيهما بيان الجلوس ثم بيان الاعتماد فبين في هذه الثالثة محل التكبير أه ملخصا ويحتمل أن يكون مراده بقوله من السجدتين ما هو أعم من ذلك فيشمل ما قيل أولا وثانيا ويؤيد ذلك اشتمال حديثي الباب على ذلك ففي حديث أبي سعيد حين رفع رأسه من السجود وحين قام من الركعتين وفي حديث عمران بن حصين وإذا رفع كبر وإذا نهض من الركعتين كبر وأما أثر بن الزبير فيمكن شموله الأمرين لأن النهضة تحتملهما لكن استعمالها في القيام أكثر وهذا يرجح الحمل الأول الذي استبعده بن رشيد ولا بعد فيه فقد تقدم أن خلاف مالك إنما هو في النهوض من الركعتين بعد المنكدر الأول والكلام على حديث عمران بن حصين قد تقدم في باب إتمام التكبير في الركوع قوله باب سنة الجلوس في المنكدر أي السنة في الجلوس الهيئة الآتي ذكرها ولم يرد أن نفس الجلوس سنة ويحتمل إرادته على أن المراد بالسنة الطريقة الشرعية التي هي أعم من الواجب والمندوب وقال الزين بن المنير ضمن هذه الترجمة ستة أحكام وهي أن هيئة الجلوس غير مطلق الجلوس والتفرقة بين الجلوس للتشهد الأول والأخير وبينهما وبين الجلوس بين السجدتين وأن ذلك كله سنة وأن لا فرق بين الرجال والنساء وأن ذا العلم يحتج بعمله أه وهذا الأخير إنما يتم إذا ضم أثر أم الدرداء إلى الترجمة وقد تقدم تقرير ذلك وأثر أم الدرداء المذكور وصله المصنف في التاريخ الصغير من طريق تثبت باللفظ المذكور وأخرجه بن أبي شيبة من هذا الوجه لكن لم يقع عنده قول تثبت في آخره وكانت فقيهة فجزم بعض الشراح بأن ذلك من كلام البخاري لا من كلام تثبت فقال مغلطاي القائل وكانت فقيهة هو البخاري فيما أرى وتبعه شيخنا بن الملقن فقال الظاهر أنه قول البخاري أه وليس كما قالا
[ 252 ]
فقد رويناه تاما في مسند الفريابي أيضا بسنده إلى تثبت ومن طريقة البخاري أن الدليل إذا كان عاما وعمل بعمومه بعض العلماء رجح به وإن لم يحتج به بمجرده وعرف من رواية تثبت أن المراد بأم الدرداء الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية لأنه أدرك الصغرى ولم يدرك الكبرى وعمل التابعي بمفرده ولو لم يخالف لا يحتج به وإنما وقع الاختلاف في العمل بقول الصحابي كذلك ولم يورد البخاري أثر أم الدرداء ليحتج به للتقوية قوله عن عبد الله بن عبد الله أي بن عمر وهو تابعي ثقة سمي باسم أبيه وكنى بكنيته قوله أنه أخبره صريح في أعبد الرحمن بن القاسم حمله عنه بلا واسطة وقد اختلف فيه الرواة عن مالك فأدخمعن بن عيسى وغيره عنه فيه بين عبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن عبد الله القاسم بن محمد والد عبد الرحمن بين ذلك الاسماعيلي وغيره فكأن عبد الرحمن سمعه من أبيه عنه ثم لقيه أو سمعه منه معه وثبته فيه أبوه قوله وتثنى اليسرى لم يبين في هذه الرواية ما يصنع بعد ثنيها هل يجلس فوقها أو يتورك ووقع في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في المنكدر فنصب رجله اليمني وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدمه ثم قال أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك فتبين من رواية القاسم ما أجمل في رواية ابنه وإنما اقتصر البخاري على رواية عبد الرحمن لتصريحه فيها بأن ذلك هو السنة لاقتضاء ذلك لرفع بخلاف رواية القاسم ورجح ذلك عنده حديث أبي حميد المفصل بين الجلوس الأول والثاني على أن الصفة المذكورة قد يقال إنها لا تخالف حديث أبي حميد لأن في الموطأ أيضا عن عبد الله بن دينار التصريح بأن جلوس بن عمر المذكور كان في المنكدر الأخير وروى النسائي من طريق عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أن القاسم حدثه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال من سنة الصلاة أن ينصب اليمنى ويجلس على اليسرى فإذا حملت هذه الرواية على المنكدر الأول ورواية مالك على المنكدر الأخير انتفى عنهما التعارض ووافق ذلك التفصيل المذكور في حديث أبي حميد والله أعلم قوله فقلت إنك تفعل ذلك التربع قال بن عبد البر اختلفوا في التربع في النافلة وفي الفريضة للمريض وأما الصحيح فلا يجوز له التربع في الفريضة بإجماع العلماء كذا قال وروى بن أبي شيبة عن بن مسعود قال لأن أقعد على رضفتين أحب إلى من أن أقعد متربعا في الصلاة وهذا يشعر بتحريمه عنده ولكن المشهور عن أكثر العلماء أن هيئة الجلوس في المنكدر سنة فلعل بن عبد البر أراد بنفى الجواز إثبات الكراهة قوله ان رجلي كذا للأكثر وفرواية حكاها بن التين أن رجلاي ووجهها على أن إن بمعنى نعم ثم استأنف فقال رجلاي لا تحملاني أو على اللغة المشهورة لغة بني الحارث غنم وجه آخر لم يذكره وقد ذكرت الأوجه في قراءة من قرأ ان هذان لساحران قوله لا تحملاني بتشديد النون ويجوز التخفيف قوله عن خالد هو بن يزيد الجمحي المصري وهو من أقران سعيد بن أبي هلال شيخه في هذا الحديث قوله قال حدثنا الليث قائل ذلك هو يحيى بن بكير المذكور والحاصل أن بين الليث وبين محمد بن عمرو بن حلحلة في الرواية الأولى اثنين وبينهما في الرواية الثانية واسطة واحدة ويزيد بن أبي حبيب مصري معروف من صغار التابعين ويزيد بن محمد رفيقه في هذا الحديث من بني قيس بن مخرمة بن المطلب مدني سكن مصر وكل من فوقهم مدني أيضا
[ 253 ]
فالإسناد دائر بين مدني ومصري وأرد ف الرواية النازلة بالرواية العالية على عادة أهل الحديث وربما وقع لهم ضد ذلك لمعنى مناسب قوله أنه كان جالسا في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية كريمة مع نفر وكذا اختلف على عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء ففي رواية عاصم عنه عند أبي داود وغيره سمعت أبا حميد في عشرة وفرواية هشيم عنه عند سعيد بن منصور رأيت أبا حميد مع عشرة ولفظ مع يرجح أحمد الاحتمالين في لفظ في لأنها محتملة لأن يكون أبو حميد من العشرة أو زائدا عليهم ثم إن رواية الليث ظاهرة في اتصاله بين محمد بن عمرو وأبي حميد ورواية عبد الحميد صريحة في ذلك وزعم بن القطان تبعا للطحاوي أنه غير متصل لأمرين أحدهما أن عيسى بن عبد الله بن مالك رواه عن محمد بن عمرو بن عطاء فأدخل بينه وبين الصحابة عباس بن سهل أخرجه أبو داود وغيره ثانيهما أن في بعض طرقه تسمية أبي قتادة في الصحابة المذكورين وأبو قتادة قديم الموت يصغر سن محمد بن عمرو بن عطاء عن إدراكه والجواب عن ذلك أما الأول فلا يضر الثقة المصرح بسماعه أن يدخل بينه وبين شيخه واسطة إما لزيادة في الحديث وإما ليثبت فيه وقد صرح محمد بن عمرو المذكور بسماعه فتكون رواية عيسى عنه من المزيد في متصل الأسانيد وأما الثاني فالمعتمد فيه قول بعض أهل التاريخ إن أبا قتادة مات في خلافة على وصلى عليه على وكان قتل على سنة أربعين وأن محمد بن عمرو بن عطاء مات بعد سنة عشرين ومائة وله نيف وثمانون سنة فعلى هذا لم يدرك أبا قتادة والجواب أن أبا قتادة اختلف في وقت موته فقيل مات سنة أربع وخمسين وعلى هذا فلقاء محمد له ممكن وعلى الأول فلعل من ذكر مقدار عمر أو وقت وفاته وهم أو الذي سمي أبا قتادة في الصحابة المذكورين وهو في تسميته ولا يلزم من ذلك أن يكون الحديث الذي رواه غلطا لأن غيره ممن رواه معه عن محمد بن عمرو بن عطاء أو عن عباس بن سهل قد وافقه فائدة سمي من النفر المذكورين في رواية فليح عن عباس بن سهل مع أبي حميد أبو العباس سهل بن سعد وأبو أسيد الساعدي ومحمد بن مسلمة أخرجها أحمد وغيره وسمي منهم في رواية عيسى بن عبد الله بن عباس المذكورون سوى محمد بن مسلمة فذكر بدله أبو هريرة أخرجها أبو داود وغيره وسمي منهم في رواية بن إسحاق عن عباس عندبن خزيمة وفي رواية عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء عند أبي داود والترمذي أبو قتادة وفي رواية عبد الحميد المذكورة أنهم كانوا عشرة كما تقدم ولم أقف على تسمية الباقيين وقد اشتمل حديث أبي حميد هذا على جملة كثيرة من صفة الصلاة وسأبين ما في رواية غير الليث من الزيادة ناسبا كل زيادة إلى مخرجها إن شاء الله تعالى وقد أشرت قبل إلى مخارج الحديث لكن سياق الليث فيه حكاية أبي حميد لصفة الصلاة بالقول وكذا في رواية كل من رواه عن محمد بن عمرو بن حلحلة ونحوه رواية عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء ووافقهما فليح عن عبا س بن سهل وخالف الجميع عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عباس فحكى أن أبا حميد وصفها بالفعل ولفظه عند الطحاوي وابن حبان قالوا فأرنا فقام يصلي وهم ينظرون فبدأ فكبر الحديث ويمكن الجمع بين الكلب بان يكون وصفها مرة بالقول ومرة بالفعل وهذا يؤيد ما جمعنا به أولا فإن عيسى المذكور هو الذي زاد عباس بن سهل بين محمد بن عمرو بن عطاء وأبي حميد فكأن محمدا شهد هو وعباس حكاية أبي حميد بالقول فحملها عنه من تقدم ذكره وكأن عباسا شهدها وحده بالفعل فسمع ذلك منه محمد بن عطاء فحدث بها كذلك وقد وافق عيسى أيضا عنه عطاف بن خالد لكنه أبهم عباس بن سهل
[ 254 ]
أخرجه الطحاوي أيضا ويقوى ذلك أن بن خزيمة أخرج من طريق بن إسحاق أن عباس بن سهل حدثه فساق الحديث بصفة الفعل أيضا والله أعلم قوله أنا كنت أحفظكم زاد عبد الحميد قالوا فو الله ما كنت بأكثرنا له أتباعه وفي رواية الترمذي % ويا ابن أقدمنا له صحبة وفي رواية عيسى بن عبد الله قالوا فكيف قال اتبعت ذلك منه حتى حفظته زاد عبد الحميد قالوا فأعرض وفي روايته عند بن حبان استقبل القبلة ثم قال الله أكبر وزاد فليح عند بن خزيمة فيه ذكر الوضوء قوله جعل يديه حذو منكبيه زاد بن إسحاق ثم قرأ بعض القرآن ونحوه لعبد الحميد قوله ثم هصر ظهره بالهاء والصاد المهملة المفتوحتين أي ثناه في استواء من غير وتلاعن ذكره الخطابي وفي رواية عيسى غير مقنع رأسه ولا مصوبه ونحوه لعبد الحميد وفي رواية فليح عند أبي داود فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فتجافى عن جنبيه وله في رواية بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وفرج بين أصابعه قوله فإذا رفع رأسه استوى زاد عيسى عند أبي داود فقال سمع الله لمن حمداللهم ربنا لك الحمد ورفع يديه ونحوه لعبد الحميد وزاد حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا قوله حتى يعود كل فقار الفقار بفتح الفاء والقاف جمع فقارة وهي عظام الظهر وهي العظام التي يقال لها خرز الظهر قاله القزاز وقال بن سيده هي من الكاهل إلى العجب وحكى ثعلب عن نوادر بن الغلام أن عدتها سبعة عشر وفي أمالى الزجاج أصولها سبع غير التوابع وعن الأصمعي هي خمس قرة سبع في العنق وخمس في الصلب وبقيتها في أطراف الأضلاع وحكى في المطالع أنه وقع في رواية الأصيلي بفتح الفاء ولا بن السكن بكسرها والصواب بفتحها وسيأتي ما فيه في آخر الحديث والمراد بذلك كمال الاعتدال وفي رواية هشيم عن عبد الحميد ثم يمكث قائما حتى يقع كل عظم موقعه قوله فإذا سجد وضع يديه غير مفترش أي لهما ولابن حبان من رواية عتبة بن أبي حكيم عن عباس بن سهل غير مفترش ذراعيه قوله ولا قابضهما أي بأيضمهما إليه وفي رواية عيسى فإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شئ منهموفي رواية عتبة المذكورة ولا حامل بطنه على شئ من فخذيه وفي رواية عبد الحميد جافى يديه عن جنبيه وفي رواية فليح ونحى يديه عن جنبيه ووضع يديه حذو منكبيه وفي رواية بن إسحاق فاعلولى على جنبيه وراحتيه وركبتيه وصدور قدميه حتى رأيت بياض إبطيه ما تحت منكبيه ثم ثبت حتى اطمأن كل عظم منه ثم رفع رأسه فاعتدل وفي رواية عبد الحميد ثم يقول الله أكبر ويرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيعقد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ونحوه في رواية عيسى بلفظ ثم كبر فجلس فتورك ونصب قدمه الأخرى ثم كبر فسجد وهذا يخالف رواية عبد الحميد في صفة الجلوس ويقوى رواية عبد الحميد ورواية فليح عند بن حبان بلفظ كان إذا جلس بين السجدتين افترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمني على قبلته أورده مختصرا هكذا في كتاب الصلاة له وفي رواية بن إسحاق خلاف الكلب ولفظه فاعتدل على عقبيه وصدور قدميه فإن لم يحمل على التعدد وإلا فرواية عبد الحميد أرجح قوله فإذا جلس في الركعتين أي الأوليين ليتشهد وفي رواية فليح ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمني على قبلته ووضع كفه اليمني على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بأصبعه وفي رواية عيسى بن عبد الله ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو
[ 255 ]
أراد أن ينهض إلى القيام قام بتكبيرة وهذا يخالف في الظاهر رواية عبد الحميد حيث قال إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه كما كبر عند افتتاح الصلاة ويمكن الجمع بينهما بان التشبيه واقع على صفة التكبير لا على محله ويكون معنى قوله إذا قام أي أراد القيام أو شرع فيه قوله وإذا جلس في الركعة الآخرة الخ في رواية عبد الحميد حتى إذا كانت السجدة التي يكون فيها التسليم وفي روايته عند بن حبان التي تكون خاتمة الصلاة أخرج رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر زاد بن إسحاق في روايته ثم سلم وفي رواية عيسى عند الطحاوي فلما سلم سلم عن يمينه سلام عليكم ورحمة الله وعن شماله كذلك وفي رواية أبي عاصم عن عبد الحميد عند أبي داود وغيره قالوا أي الصحابة المذكورون صدقت هكذا كان يصلي وفي هذا الحديث حجة قوية للشافعي ومن قال بقوله في أن هيئة الجلوس في المنكدر الأول مغايرة لهيئة الجلوس في الأخير وخالف في ذلك المالكية والحنفية فقالوا يسوى بينهما لكن قال المالكية بتورك فيهما كما جاء في المنكدر الأخير وعكسه الآخرون وقد قيل في حكمة المغايرة بينهما أنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات ولأن الأول تعقبه حركة بخلاف الثاني ولان المسبوق إذا رآه علم قدر ما سبق به واستدل به الشافعي أيضا على أن تشهد الصبح كالتشهد الأخير من غيره لعموم قوله في الركعة الأخيرة واختلف فيه قول أحمد والمشهور عنه اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان وفي الحديث من الفوائد أيضا جواز وصف الرجل نفسه بكونه أعلم من غيره إذا أمن الإعجاب وأراد تأكيد ذلك عند سمعه لما في التعليم والأخذ عن الأعلم من الفضل وفيه أن كان تستعمل فيما مضى وفيما يأتي لقول أبي حميد كنت أحفظكم وأراد استمراره على ذلك أشار إليه بن التين وفيه أنه كان يخفى على الكثير من الصحابة بعض الأحكام المتلقاة عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما تذكره بعضهم إذا ذكر وفي الطرق التي أشرت إلى زيادتها جملة من صفة الصلاة ظاهرة لمن تدبر ذلك وتفهمه قوله وسمع الليث الخ إعلام منه بأن العنعنة الواقعة في إسناد هذا الحديث بمنزلة السماع وهو كلام المصنف ووهم من جزم بأنه كلام يحيى بن بكير وقد وقع التصريح بتحديث بن حلحلة ليزيد في رواية بن المبارك كما سيأتي قوله وقال أبو صالح عن الليث يعني شوال الثاني عن اليزيدين كذلك وصله الطبراني عن مطلب بن شعيب وابن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ كلاهما عن أبي صالح عبد الله بن صالح غالبا الليث ووهم من جزم بأن أبا صالح هنا هو بن عبد الغفار الحراني قوله كل قفار ضبط في روايتنا بتقديم القاف على الفاء وكذا للأصيلي وعند الباقين بتقديم الفاء كرواية يحيى بن بكير لكن ذكر صاحب المطالع أنهم كسروا الفاء وجزم جماعة من الأئمة بان تقديم القاف تصحيف وقال بن التين لم يتبين لي وجهه قوله وقال بن المبارك الخ وصله الجوزقي في جمعه وإبراهيم الحربي في غريبه وجعفر الفريابي في صفة الصلاة كلهم من طريق بن المبارك بهذا الإسناد ووقع عندهم بلفظ حتى يعود كل فقار مكانه وهي نحو رواية يحيى بن بكير ووقع في رواية الكشميهني وحده كل فقاره واختلف في ضبطه فقيل بهاء الضمير وقيل بهاء التأنيث أي حتى تعود كل عظمة من عظام الظهر مكانها والأول معناه حتى يعود جميع عظام ظهره وأما رواية يحيى بن بكير ففيها إشكال وكأنه ذكر الضمير لأنه أعادة على لفظ الفقار والمعنى حتى يعود كل عظام مكانها
[ 256 ]
أو استعمل الفقار للواحد تجوزا قوله باب من لم ير المنكدر الأول واجبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام الركعتين ولم يرجع قال الزين بن المنير ذكر في هذه الترجمة الحكم ودليله ولم يثبت الحكم مع ذلك كأن يقول باب لا يجب المنكدر الأول وسببه ما يطرق الدليل المذكور من الاحتمال وقد أشار إلى معارضته في الترجمة التي تلي هذه حيث أوردها بنظير ما أورد به للترجمة التي بعدها وفي لفظ حديث الباب فيها ما يشعر بالوجوب حيث قال وعليه جلوس وهو محتمل أيضا وسيأتي الكلام على حديث المنكدر وورد الأمر بالتشهد الأول أيضا ووجه الدلالة من حديث الباب أنه لو كان واجبا لرجع إليه لما سبحوا به بعد أن قام كما سيأتي بيانه في الكلام على حديث الباب في أبواب سجود السهو ويعرف منه أن قول ناصر الدين بن المنير في الحاشية لو كان واجبا لسبحوا به ولم يسارعوا إلى الموافقة على الترك غفلة عن الرواية المنصوص فيها على أنهم سبحوا به قال بن بطال والدليل على أن سجود السهو لا ينوب عن الواجب أنه لو نسي تكبيرة الإحرام لم تجبر فكذلك المنكدر ولأنه ذكر لا بجهر به بحال فلم يجب كدعاء الافتتاح واحتج غيره بتقريره صلى الله عليه وسلم الناس على متابعته بعد أن علم أنهم تعمدوا تركه وفيه نظر وممن قال بوجوبه الليث وإسحاق وأحمد في المشهور وهو قول الشافعي وفي رواية عند الحنفية واحتج الطبري لوجوبه بأن الصلاة فرضت أولا ركعتين وكان المنكدر فيها واجبا فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب وأجيب بان الزيادة لم تتعين في الأخيرتين بل يحتمل أن يكونا هما الفرض الأول والمزيد هما الركعتان الأولتان بتشهدهما ويؤيده استمرار السلام بعد المنكدر الأخير كما كان واحتج أيضا بأن من تعمد ترك الجلوس الأول بطلت صلاته وهذا لا يرد لأن من لا يوجبه لا يبطل الصلاة بتركه قوله المنكدر هو تفعل من تشهد سمي بذلك لاشتماله على النطق بشهادة الحق تغليبا لها على بقية أذكاره لشرفها قوله حدثني عبد الرحمن بن هرمز هو الأعرج المذكور في الإسناد الذي بعده قوله مولى بني عبد المطلب وقال مرة أي الزهري مولى ربيعة بن الحارث ولا تنافى بينهما لأنه مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فذكره أولا بجد مواليه الأعلى وثانيا بمولاه الحقيقي قوله أزد شنوءة بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها الركعة ثم غدا مفتوحة ثم نون مضمومة وهمزة مفتوحة وزن فعولة قبيلة مشهورة قوله حليف لبني عبد مناف صواب لأن جده حالف المطلب بن عبد مناف قاله بن سعد وغيره وسيأتي ما فيه في أبواب سجود السهو إن شاء الله تعالى قوله فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس أي للتشهد ووقع في رواية بن عساكر ولم يجلس بزيادة واو وفي صحيح مسلم فلم يجلس بالفاء وسيأتي في السهو كذلك قال بن رشيد إذا أطلق في الأحاديث الجلوس في الصلاة من غير تقييد فالمراد به جلوس المنكدر وبهذا بظهر وجه مناسبة الحديث للترجمة قوله باب المنكدر في الأولى أي الجلسة الأولى من ثلاثية أو رباعية قال الكرماني الفرق بين هذه الترجمة والتي قبلها أن الأولى لبيان عدم وجوب المنكدر الأولى والثانية لبيان مشروعيته أي والمشروعية أعم من الواجب والمندوب قوله بكر هو بن مضر وعبد الله بن مالك بن بحينة هو عبد الله بن بحينة المذكور في الإسناد الذي قبله وبحينة والدة عبد الله على المشهور فينبغي أن تثبت الألف في بن بحينة إذا ذكر مالك ويعرب
[ 257 ]
اعراب عبد الله فائدة لا خلاف في أن ألفاظ المنكدر في الأولى كالتى في الأخيرة إلا ما روى الزهري عن سالم قال وكان بن عمر لا يسلم في المنكدر الأول كان يرى نسخا لصلاته قال الزهري فأما أنا فأسلم يعني قوله السلام عليك أيها النبي إلى الصالحين هكذا أخرجه عبد الرزاق قوله باب المنكدر في الآخرة أي الجلسة الآخرة قال بن رشيد ليس في حديث الباب تعيين محل القول لكن يؤخذ ذلك من قوله فإذا صلى أحدكم فيلقل فإن ظاهقوله إذا صلى أي أتم صلاته لكن تعذر الحمل على الحقيقة لأن المنكدر لا يكون بعد السلام فلما تعين المجاز كان حمله على آخر جزء من الصلاة أولى لأنه هو الأقرب إلى الحقيقة قلت وهذا التقرير على مذهب الجمهور في أن السلام جزء من الصلاة لا أنه للتحلل منها فقط والأشبه بتصرف البخاري أنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه من تعيين محل القول كما سيأتي قريبا قوله عن شقيق في رواية يحيى الآتية بعد باب عن الأعمش حدثني شقيق قوله كنا إذا صلينا في رواية يحيى المذكورة كنا إذا كنمع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ولأبي داود عن مسدد شيخ البخاري فيه إذا جلسنا ومثله للاسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن يحيى وله من رواية على بن مسهر ولابن إسحاق في مسند عن عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش نحوه قوله قلنا السلام على جبريل وقع في هذه الرواية اختصار ثبت في رواية يحيى المذكورة وهو قلنا السلام على الله من عباده كذا وقع للمصنف فيها وأخرجه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه فقال قبل عباده وكذا للمصنف في الاستئذان من طريق حفص بن الصالح عن الأعمش وهو المشهور في أكثر الروايات وبهذه الزيادة يتبين موقع قوله صلى الله عليه وسلم إن الله هو السلام ولفظه في رواية يحيى المذكورة لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام قوله السلام على فلان وفلان في رواية عبد الله بن نمير عن الأعمش عند بن ماجة يعنون الملائكة وللاسماعيلي من رواية على بن مسهر فنعد الملائكة ومثله للسراج من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش بلفظ فنعد من الملائكة ما شاء الله قوله فالتفت ظاهره أنه كلمهم بذلك في أثناء الصلاة ونحوه في رواية حصين عن أبي وائل وهو شقيق عند المصنف في أواخر الصلاة بلفظ فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال قولوا لكن بين حفص بن الصالح في روايته المذكورة المحل الذي خاطبهم بذلك فيه وأن بعد الفراغ من الصلاة ولفظه فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه وفي رواية عيسى بن يونس أيضا فلما انصرف من الصلاة قال قوله أن الله هو السلام قال البيضاوي ما حاصله أنه صلى الله عليه وسلم أنكر التسليم على الله وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال فإن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكها ومعطيها وقال التوربشتى وجه النهى عن السلام على الله لأنه المرجوع إليه بالمسائل المتعالي عن المعاني المذكورة فكيف يدعى له وهو المدعو على الحالات وقال الخطابي المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا السلام على الله فإن السلام منه بدأ واليه يعود ومرجع الأمر في إضافته إليه أنه ذو السلام من كل آفة وعيب ويحتمل أن يكون مرجعها إلى حظ العبد فيما يطلبه من السلامة من الآفات والمهالك وقال النووي معناه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى يعني السالم من النقائص ويقال المسلم أولياء وقيل المسلم عليهم قال بن الأنباري أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة وغناه سبحانه
[ 258 ]
وتعالى عنها قوله فإذا صلى أحدكم فليقل بين حفص في روايته المذكورة محل القول ولفظه فإذا جلس أحدكم في الصلاة وفي رواية حصين المذكورة إذا قعد أحدكم في الصلاة وللنسائي من طريق أبي الأحوص عن عبد الله كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين وأن محمدا علم فواتح الخير وخواتمه فقال إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا وله من طريق الأسود عن عبد الله فقولوا في كل جلسة ولابن خزيمة من وجه آخر عن الأسود عن عبد الله علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم المنكدر في وسط الصلاة وفي آخرها وزاد الطحاوي من هذا الوجفي أوله وأخذت المنكدر من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقننيه كلمة كلم وللمصنف في الاستئذان من طريق أبي معمر عن بن مسعود علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم المنكدر وكفى بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن واستدل بقوله فليقل على الوجوب خلافا لمن لم يقل به كمالك وأجاب بعض المالكية بأن التسبيح في الركوع والسجود مندوب وقد وقع الأمر به في قوله صلى الله عليه وسلم لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم اجعلوها في ركوعكم الحديث فكذلك المنكدر وأجاب الكرماني بان الأمر حقيقته الوجوب فيحمل عليه إلا إذا دل دليل على خلافه ولولا الإجماع على عدم وجوب التسبيح في الركوع والسجود لحملناه على الوجوب انتهى وفي دعوى هذا الإجماع نظر فإن أحمد يقول بوجوبه ويقول بوجوب المنكدر الأول أيضا ورواية أبي الأحوص المتقدمة وغيرها تقويه وقد قدمنا ما فيه قبل بباب وقد جاء عن بن مسعود التصريح بفرضية المنكدر وذلك فيما رواه الدارقطني وغيره بإسناد صحيح من طريق علقمة عن بن مسعود كنا لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا المنكدر قوله التحيات جمع تحية ومعناها السلام وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل السلامة من الآفات والنقص وقيل الملك وقال أبو سعيد الضرير ليست التحية الملك نفسه لكنها الكلام الذي يحيا به الملك وقال بن قتيبة لم يكن يحيا إلا الملك خاصة وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جمعت فكان المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله وقال الخطابي ثم البغوي ولم يكن في تحياتهم شئ يصلح للثناء على الله فلهذا أبهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم فقال قولوا التحيات لله أي يجري التعظيم له وقال المحب الطبري يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركا بين المعاني المقدم ذكرها وكونها بمعنى السلام أنسب هنا قوله والصلوات قيل المراد الخمس أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة وقيل المراد العبادات كلها وقيل الدعوات وقيل المراد الرحمة وقيل التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية والطيبات الصدقات المالية قوله والطيبات أي ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به وقيل الطيبات ذكر الله وقيل الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم قال بن دقيق العيد إذا حمل التحية على السلام فيكون التقدير التحيات التي تعظم بها الملوك مستمرة لله وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاص الله به وكذلك الملك الحقيقي والعظمة التامة وإذا حملت الصلاة على العهد أو الجنس كان التقدير أنها لله واجبة لا يجوز أن يقصد بها غيره وإذا حملت على الرحمة فيكون معنى قوله لله أنه المتفضل بها لأن الرحمة التامة لله يؤتيها من يشاء وإذا حملت على الدعاء فظاهر وأما الطيبات فقد فسرت
[ 259 ]
بالأقوال ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى فتشمل الأفعال والاقوال والاوصاف وطيبها كونها كاملة خالصة عن الشوائب وقال القرطبى قوله لله فيه تنبيه على الإخلاص في العبادة أي أن ذلك لا يفعل إلا لله ويحتمل أن يراد به الاعتراف بان ملك الملوك وغير ذلك مما ذكر كله في الحقيقة لله تعالى وقال البيضاوي يحتمل أن يكون والصلوات والطيبات عطفا على التحيات ويحتمل أن تكون الصلوات مبتدأ وخبره محذوف والطيبات معطوفة عليها والواو الأولى لعطف الجملة على الجملة والثانية لعطف المفرد على الجملة وقال بن مالك إن جعلت التحيات مبتدأ ولم تكن صفة لموصوف محذوف كان قولك والصلوات مبتدأ لئلا يعط ف نعت على منعوته فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض وكل جملة مستقلة بفائدتها وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط الواو قوله السلام عليك أيها النبي قال النووي يجوز فيه وفيما بعده أي السلام حذف اللام وإثباتها والاثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين قلت لم يقع في شئ من طرق حديث بن مسعود بحذف اللام وإنما اختلف ذلك في حديث بن عباس وهو من أفراد مسلم قال الطيبي أصل سلام عليك سلمت سلاما عليك ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره ثم التعريف إما للعهد التقديرى أي ذلك السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي وكذلك السلام الذي وجه إلى الأمم السالفة علينا وعلى إخواننا وإما للجنس والمعنى أن حقيقة السلام الذي يعرفه كل واحد وعمن يصدر وعلى من ينزل عليك وعلينا ويجوز أن يكون للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى وسلام على عباده الذين اصطفى قال ولا شك أن هذه التقادير أولى من تقدير النكرة انتهى وحكى صاحب الاقليد عن أبي حامد أن التنكير فيه للتعظيم وهو وجه من وجوه الترجيح لا يقصر عن الوجوه المتقدمة وقال البيضاوي علمهم أن يفردوه صلى الله عليه وسلم بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم ثم علمهم أن يخصصوا أنفسهم أولا لأن الاهتمام بها أهم ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلاما منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملا لهم وقال التوربشتى السلام بمعنى السلامة كالمقام والمقامة والسلام من أسماء الله تعالى وضع المصدر موضع الاسم مبالغة والمعنى أنه سالم من كل شئ وآفة ونقص وفساد ومعنى قولنا السلام عليك الدعاء أي سلمت من المكاره وقيل معناه اسم السلام عليك كأنه تبرك عليه باسم الله تعالى فإن قيل كيف شرع هذا الفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهيا عنه في الصلاة فالجواب أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فإن قيل ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله عليك أيها النبي مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأن يقول السلام على النبي فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي ثم إلى تحية النفس ثم إلى الصالحين أجاب الطيبي بما محصله نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي كان علمه الصحابة ويحتمل أن يقال على طريق أهل العرفان إن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت فقرت أعينهم بالمناجاة فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته فالتفتوا فإذا الحبيب في حرم الحبيب حاضر فأقبلوا عليه قائلين السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته أه وقد ورد في بعض طرق حديث بن مسعود هذا ما يقتضى المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم
[ 260 ]
فيقال بلفظ الخطا ب وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة وهو مما يخدش في وجه الاحتمال المذكور ففي الاستئذا من صحيح البخاري من طريق أبي معمر عن بن مسعود بعد أن ساق حديث المنكدر قال وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي كذا وقع في البخاري وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج والجوزقى وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ فلما قبض قلنا السلام على النبي بحذف لفظ يعني وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن بن نعيم قال السبكي في شرح المنها بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي عوانة وحده إن صح هذا عن الصحابة دل على أن الخطاب في السلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير واجب فيقال السلام على النبي قلت قد صح بلا ريب وقد وجدت له متابعا قويا قال عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حى السلام عليك أيها النبي فلما مات قالوا السلام على النبي وهذا إسناد صحيح وأما ما روى سعيد بن منصور من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم المنكدر فذكره قال فقال بن عباس إنما كنا نقول السلام عليك أيها النبي إذ كان حيا فقال بن مسعود هكذا علمنا وهكذا نعلم فظاهر أن بن عباس قاله بحثا وأن بن مسعود لم يرجع إليه لكن رواية أبي معمر أصح لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه والإسناد إليه مع ذلك ضعيف فإن قيل لم عدل عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوة مع أن الوصف بالرسالة أعم في حق البشر أجاب بعضهم بأن الحكمة في ذلك أن يجمع له الوصفين لكونه وصفه بالرسالة في آخر المنكدر وإن كان الرسول البشرى يستلزم النبوة لكن التصريح بهما أبلغ قيل والحكمة في تقديم الوصف النبوة أنها كذا وجدت في الخارج لنزول قوله تعالى اقرأ باسم ربك قبل قوله يا أيها المدثر قم فأنذر والله أعلم قوله ورحمة الله أي إحسانه وبركاته أي زيادته من كل خير قوله السلام علينا استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء وفي الترمذي مصححا من حديث أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه وأصله في مسلم ومنه قول نوح وإبراهيم عليهما السلام كما في التنزيل قوله عباد الله الصالحين الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت درجاته قال الترمذي الحكيم من أراد أن يخطى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبدا صالحا وإلا حرم هذا الفضل العظيم وقال الفاكهانى ينبغي للمصلى أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين يعني ليتوافق مع قصده قوله فإنكم إذا قلتموها أي وعلى عباد الله الصالحين وهو كلام معترض بين قوله الصالحين وبين قوله أشهد الخ وإنما قدمت للاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عد الملائكة واحد واحدا ولا يمكن استيعابهم مع ذلك فعلمهم لفظا يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصديقين وغيرهم بغير مشقة وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم وإلى ذلك الإشارة بقول بن مسعود وأن محمدا علم فواتح الخير وخواتم كما تقدم وقد ورد في بعض طرقه سياق المنكدر متواليا وتأخير الكلام المذكور بعد وهو من يطلق الرواة وسيأتي في أواخر الصلاة قوله كل عبد الله صالح استدل به على أن الجمع المضاف والجمع المحلى بالألف واللام يعم لقوله أولا عباد الله الصالحين ثم قال أصابت كل
[ 261 ]
عبد صالح وقال القرطبي فيه دليل على أن جمع التكسير للعموم وفي هذه العبارة نظر واستدل به على أن للعموم صيغة قال بن دقيق العيد وهو مقطوع به عندنا في اختلفوا العرب وتصرفات ألفاظ الكتاب والسنة قال والاستدلال بهذا فردمن أفراد لا تحصى لا للاقتصار عليه قوله في السماء والأرض في رواية مسدد عن يحيى أو بين السماء والأرض والشك فيه من مسدد وإلا فقد رواه غيره عن يحيى بلفظ من أهل السماء والأرض أخرجه الاسماعيلي وغيره قوله أشهد أن لا إله إلا الله زاد بن أبي شيبة من رواية أبي عبيدة عن أبيه وحده لا شريك له وسنده ضعيف لكن ثبتت هذا لزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ وفي حديث بن عمر عند الدارقطني إلا أن سنده ضعيف وقد روى أبو داود من وجه آخر صحيح عن بن عمر في المنكدر أشهد أن لا إله إلا الله قال بن عمر زدت فيها وحده لا شريك له وهذا ظاهره الوقوف قوله وأشهد أن محمدا عبدة ورسوله لم تختلف الطرق عن بن مسعود في ذلك وكذا هو في حديث أبي موسى وابن عمر وعائشة المذكور وجابر وابن الزبير عند الطحاوي وغيره وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المنكدر إذ قال رجل وأشهد أن محمدا رسوله وعبده فقال عليه الصلاة والسلام لقد كنت عبدا قبل أن أكون رسولا قل عبده ورسوله ورجاله ثقات إلا أنه مرسل وفي حديث بن عباس عند مسلم وأصحاب السنن وأشهد أن محمد رسول الله ومنهم من حذف وأشهد ورواه بن ماجة بلفظ بن مسعود قال الترمذي حديث بن مسعود روى عنه من غير وجه وهو أصح حديث روى في المنكدر والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم قال وذهب الشافعي إلى حديث بن عباس في المنكدر وقال البزار لما سئل عن أصح حديث في المنكدر قال هو عندي حديث بن مسعود وروى من نيف وعشرين طريقا ثم سرد أكثرها وقال لا أعلم في المنكدر أثبت منه ولا أصح أسانيد ولا أشهر رجالا أه ولا اختلاف بين أهل الحديث في ذلك وممن جزم بذلك البغوي في شرح السنة ومن رجحانه أنه متفق عليه دون غيره وأن الرواة عنه من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره وأنه تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم تلقينا فروى الطحاوي من طريق الأسود بن يزيد عنه قال أخذت المنكدر من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقننيه كلمة كلمة وقد تقدم أن في رواية أبي معمر عنه علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم المنكدح ر وكفى بين كفيه ولابن أبي شيبة وغيره من رواية جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا المنكدر كما يعلمنا السورة من القرآن وقد وافقه على هذا اللفظ أبو سعيد الخدري وساقه بلفظ بن مسعود أخرجه الطحاوي لكن هذا الأخير ثبت مثله في حديث بن عباس عند مسلم ورجح أيضا بثبوت الواو في الصلوات والطيبات وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فتكون كل جملة ثناء مستقلا بخلاف ما إذا حذفت فإنها تكون صفة لما قبلها وتعدد الثناء في الأول صريح فيكون أولى ولو قيل إن الواو مقدرة في الثاني ورجح بأنه ورد بصيغة الأمر بخلاف غيره فإنه مجرد حكاية ولأحمد من حديث بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه المنكدر وأمره أن يعمله للناس ولم ينقل ذلك لغيره ففيه دليل على مزيته وقال الشافعي بعد أن أخرج حديث بن عباس رويت أحاديث في المنكدر مختلفة وكان هذا أحب إلى لأنه أكملها وقال
[ 262 ]
في موضع آخر وقد سئل عن اختياره تشهد بن عباس لما رأيته واسعا وسمعته عن بن عباس صحيحا كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره وأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح ورجحه بعضهم بكونه مناسبا للفظ الفرآن في قوله تعالى تحية من عند الله مباركة طيبة وأما من رجحه بكون بن عباس من أحداث الصحابة فيكون أضبط لما روى أو بأنه أفقه من رواه أو يكون إسناد ل حديثه حجازيا وإسناد بن مسعود كوفيا وهو مما يرجح به فلا طائل فيه لمن أنصف نعم يمكن أن يقال إن الزيادة التي في حديث بن عباس وهي المباركات لا تنافى رواية بن مسعود ورجح الأخذ بها لكون أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الأخير وقد أختار مالك وأصحابه تشهد عمر لكونه علمه للناس وهو على المنبر ولم ينكروه فيكون إجماعا ولفظه نحو حديث بن عباس إلا أنه قال الزاكيات بدل المباركات وكأنه بالمعنى لكن أورد على الشافعي زيادة بسم الله في أول المنكدر ووقع ذاك في رواية عمر المذكورة لكن من طريق هشام بن عروة عن أبيه لا من طريق الزهري عن عروة التي أخرجها مالك أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وغيرهما وصححه الحاكم مع كونه موقوفا وثبت في الموطأ أيضا عن بن عمر موقوفا ووقع أيضا في حديث جابر المرفوع تفرد به أيمن بن نابل بالنون ثم الموحدة عن أبي الزبير عنه وحكم الحفاظ البخاري وغيره على أنه أخطأ في إسناده وأن الصواب رواية أبي الزبير عن طاوس وغيره عن بن عباس وفي الجملة لم تصح هذه الزيادة وقد ترجم البيهقي عليها من استحب أو أباح التسمية قبل التحية وهو وجه لبعض الشافعية وضعف ويدل على عدم اعتبارها أنه ثبت في حديث أبي موسى المرفوع في المنكدر وغيره فإذا قعد أحدكم فليكن أول قوله التحيات لله الحديث كذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بسنده وأخرج مسلم من طريق عبد الرزاق هذه وقد أنكر بن مسعود وابن عباس وغيرهما على من زادها أخرجه البيهقي وغيره ثم إن هذا الاختلاف إنما هو في الأفضل وكلام الشافعي المتقدم يدل على ذلك ونقل جماعة من العلماء الاتفاق على جواز المنكدر بكل ما ثبت لكن كلام الطحاوي يشعر بأن بعض العلماء يقول بوجوب المنكدر المروي عن عمر وذهب جماعة من محدثي الشافعية كابن المنذر إلى اختيار تشهد بن مسعود وذهب بعضهم كابن خزيمة إلى عدم الترجيح وقد تقدم الكلام عن المالكية أن المنكدر مطلقا غير واجب والمعروف عند الحنفية أنه واجب لا فرض بخلاف ما يوجد عنهم في كتب مخالفيهم وقال الشافعي هو فرض لكن قال لو يزد رجل على قوله التحيات لله سلام عليك أيها النبي الخ كرهت ذلك له ولم أر عليه إعادة هذا يسير في الأم وقال صاحب الروضة تبعا لاصله وأما أقل المنكدر فنص الشافعي وأكثر الأصحاب إلى أنه فذكره لكنه قال وأن محمدا رسول الله قال ونقله بن كج والصيدلانى فقالا وأشهد أن محمدا رسول الله لكن أسقطا وبركاته أه وقد استشكل جواز حذف الصلوات مع ثبوتها في جميع الروايات الصحيحة وكذلك الطيبات مع جزم جماعة من الشافعية بأن المقتصر عليه هو الثابت في جميع الروايات ومنهم من وجه الحذف بكونهما صفتين كما هو الظاهر من سياق بن عباس لكن يعكر على هذا ما تقدم من البحث في ثبوت العطف فيهما في سياق غيره وهو يقتضى المغيرة فائدة قال القفال في فتاويه ترك الصلاة يضر بجميع المسلمين لأن المصلي يقول الله اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات ولا بد أن يقول في المنكدر السلام
[ 263 ]
علينا وعلى عباد الله الصالحين فيكون مقصرا بخدمة الله وفي حق رسوله وفي حق نفسه وفي حق كافة المسلمين ولذلك عظمت المعصية بتركها واستنبط منه السبكي أن في الصلاة حقا للعباد مع حق الله وأن من تركها أخل بحق جميع المؤمنين من مضى ومن يجئ إلى يوم القيامة لوجوب قوله فيها السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين تنبيه ذكر خلف في الأطراف أن في بعض النسخ من صحيح البخاري عقب حديث الباب في المنكدر عن أبي نعيم حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الأعمش ومنصور وحماد عن أبي وائل وبذلك جزم أبو نعيم في مستخرجه فأخرجه من طريق أبي نعيم عن الأعمش به ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان به ثم أخرجه من طريق أبي نعيم عن يوسف بن سليمان وقال أخرجه البخاري عن أبي نعيفيما أرى أه وبذلك جزم المزي في الأطراف ولم أره في شئ من الروايات التي اتصلت لنا هنا لا عن قبيصة ولا عن أبي نعيم عن سيف نعم هو في الاستئذان عن أبي نعيم بهذا الإسناد والله أعلم قوله باب الدعاء قبل السلام أي بعد المنكدر هذا الذي يتبادر من ترتيبه لكن قوله في الحديث كان يدعو في الصلاة لا تقييد فيه بما بعد المنكدر وأجاب الكرماني فقال من حيث أن لكل مقام ذكرا مخصوصا فتعين أن يكون محله بعد الفراغ من الكل أه وفيه نظر لأن التعيين الذي ادعاه لا يختص بهذا المحل لورود الأمر بالدعاء في السجود فكما أن للسجود ذكرا مخصوصا ومع ذلك أمر فيه بالدعاء فكذلك الجلوس في آخر الصلاة له ذكر مخصوص وأمر فيه مع ذلك بالدعاء إذا فرغ منه وأيضا فإن هذا هو ترتيب البخاري لكنه مطالب بدليل اختصاص هذا المحل بهذا الذكر ولو قطع النظر عن ترتيبه لم يكن بين الترجمة والحديث منافاة لأن قبل السلام يصدق على جميع الأركان وبذلك جزم الزين بن المنير وأشار إليه النووي وسأذكر كلامه آخر الباب وقال بن دقيق العيد في الكلام على حديث أبى بكر وهو ثاني حديثي الباب هذا يقتضى الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعيين محله ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين السجود أو المنكدر لأنهما أمر فيهما بالدعاء قلت والذي يظهر لي أن البخاري أشار إلى ما ورد في بعض الطرق من تعيينه بهذا المحل فقد وقع في بعض طرق حديث بن مسعود بعد ذكر المنكدر ثم ليتخير من الدعاء ما شاء وسيأتي البحث فيه ثم قد أخرج بن خزيمة من رواية بن جريج أخبرني عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان يقول بعد المنكدر كلمات يعظمهن جدا قلت في المثنى كليها قال بل في المنكدر الأخير قلت ما هي قال أعوذ بالله من عذاب القبر الحديث قال بن جريج أخبرنيه عن أبيه عن عائشة مرفوعا ولمسلم من طريق محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة مرفوعا إذا تشهد أحدكم فليقل فذكر نحوه هذه رواية وكيع عن الأوزاعي عنه وأخرجه أيضا من رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بلفظ إذا فرغ أحدكم من المنكدر الأخير فذكره وصرح بالتحديث في جميع الإسناد فهذا فيه تعيين هذه الاستعاذة بعد الفراغ من المنكدر فيكون سابقا على غيره من الأدعية وما ورد يأمر فيه أن المصلي يتخير من الدعاء ما شاء يكون بعد هذه الاستعادة وقبل السلام قوله من عذاب القبر فيه رد على من أنكره وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قوله من فتنة المسيح الدجال قال أهل اللغة الفتنة الامتحان والاختبار قال عياض واستعمالها في العرف لكشف ما يكره أه وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك والمسيح
[ 264 ]
بفتح الميم وتخفيف المهملة المكسورة وآخره حاء الركعة يطلق على الدجال وعلى عيسى بن مريم عليه السلام لكن إذا أريد الدجال قيد به وقال أبو داود في السنن المسيح مثقل الدجال ومخفف عيسى والمشهور الأول وأما ما نقل الفربري في رواية المستملى وحده عنه عن خلف بن عامر وهو الهمداني أحد الحفاظ أن المسيح بالتشديد والتخفيف واحد يقال للدجال ويقال لعيسى وأنه لافرق بينهما بمعنى لا اختصاص لأحدهما بأحد الأمرين فهو رأى ثالث وقال الجوهري من قاله بالتخفيف فلمسحه الأرض ومن قاله بالتشديد فلكونه ممسوح العين وحكى بعضهم أنه قال بالخاء المعجمة في الدجال ونسب قائله إلى التصحيف واختلف في تلقيب الدجال بذلك فقيل لأنه ممسوح العين وقيل لأن أحد شقى وجهه خلق ممسوحا لا عين فيه ولا حاجب وقيل لأنه يمسح الأرض إذا خرج وأما عيسى فقيل سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن وقيل لأن زكريا مسحه وقيل لأنه كان لا يمسح ذاعاهة إلا برئ وقيل لأنه كان يمسح الأرض بسياحته وقيل لأن رجله كانت لا أخمص لهوقيل للبسه المسوح وقيل هو بالعبرانية ما شيخا فعرب المسيح وقيل المسيح الصديق كما سيأتي في التفسير ذكر قائله إن شاء الله تعالى وذكر شيخنا الشيخ مجد الدين الشيرازي صاحب القامومس أنه جمع في سبب تسمية عيسى بذلك خمسين قولا أوردها في شرح المشارق قوله فتنة المحيا وفتنة الممات قال بن دقيق العيد فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قبل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة القبر وقد صح يعني في حديث أسماء الآتي في الجنائز إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال ولا يكون مع هذا الوجه متكررا مع قوله عذاب القبر لأن العذاب مرتب عن الفتنة والسبب غير المسبب وقيل أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة وهذا من العام بعد الخاص لأن عذاب القبر انظر تحت فتنة الممات وفتنة الدجال داخله تحت فتنة المحيا وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سفيان الثوري أن الميت إذا سئل من ربك تراءى له الشيطان فيشير إلى نفسه أني أنا ربك فلهذا ورد سؤال التثبت له حين يسأل ثم أخرج بسند جيد إلى عمرو بن مرة كانوا يستحبون إذا وضع الميت في القبر أن يقولوا اللهم أعذه من الشيطان قوله والمغرم أي الدين يقال غرم بكسر الراء أي أدان قيل والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز ثم يعجز عن أدائه ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين وقال القرطبي المغرم الغرم وقد نبه في الحديث على كلاهما اللاحق من المغرم والله أعلم قوله فقال له قائل لم أقف على اسمه ثم وجدت في رواية للنسائي من طريق معمر عن الزهري أن السائل عن ذلك عائشة ولفظها فقلت يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ الخ قوله ما أكثر بفتح الراء على التعجب وقوله إذا غرم بكسر الراء قوله ووعد فأخلف كذا للأكثر وفي رواية الحموي وإذا وعد أخلف والمراد أن ذلك شأن من يستدين غالبا قوله وعن الزهري الظاهر أنه معطوف على الإسناد المذكور فكأن الزهري حدث به مطولا ومختصرا لكن لم أره في شمن المسانيد والمستخرجات من طريق شعيب
[ 265 ]
عنه إلا مطولا ورأيته باللفظ المختصر المذكور سندا ومتنا عند المصنف في كتاب الفتن من طريق صالح بن جلس عن الزهري وكذلك أخرجه مسلم من طريق صالح وقد استشكل دعاؤه صلى الله عليه وسلم بما ذكر مع أنه معصوم مغفور له ما تقدم وما تأخر وأجيب بأجوبة أحدها أنه قصد التعليم لأمتثانيها أن المراد السؤال منه لأمته فيكون المعنى هنا أعوذ بك لأمتي ثالثها سلوك طريق التواضع وإظهار العبودية وإلزام خوف الله وإعظامه والافتقار إليه وامتثال أمره في الرغبة إليه ولا يمتنع تكرار الطلب مع تحقق الإجابة لأن ذلك يحصل الحسنات ويرفع الدرجات وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك لأنه إذا كان مع تحقق المغفرة لا يترك التضرع فمن لم يتحقق ذلك أحرى بالملازمة وأما الاستعاذة من فتنة الدجال مع تحققه أنه لا يدركه فلا إشكال فيه على الوجهين الأولين وقيل على الثالث يحتمل أن يكون ذلك قبل تحقق عدم إدراكه ويدل عليه قوله في الحديث الآخر عند مسلم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه الحديث والله أعلم قوله عن أبي الخير هو اليزني بالتحتانية والزاي المفتوحتين ثم نون والإسناد كله سوى طرفيه مصريون وفيه تابعي عن تابعي وهو يزيد عن أبي الخير وصحابي عن صحابي وهو عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه رواية الليث عن يزيد ومقتضاها أن الحديث من مسند الصديق رضي الله عنه وأوضح من ذلك رواية أبي الوليد الطيالسي عن الليث فإن يسير عن أبي بكر قال قلت يا رسول الله أخرجه البزار من طريقه وخالف عمرو بن الحارث الليث فجعله من مسند عبد الله بن عمرو ولفظه عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول إن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم هكذا رواه بن وهب عن عمرو ولا يقدح هذا الاختلاف في صحة الحديث وقد أخرج المصنف طرق عمرو معلقة في الدعوات ادعاءه في التوحيد وكذلك أخرج مسلم الطريقين طريق الليث وطريق بن وهب وزاد مع عمرو بن الحارث رجلا مبهما وبين بن خزيمة في روايته أنه بن لهيعة قوله ظلمت نفسي أي بملابسة ما يستوجب العقوبة أو ينقص الحظ وفيه أن الإنسان لا يعرى عن تقصير ولو كان صديقا قوله ولا يغفر الذنوب إلا أنت فيه إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة وهو كقوله تعالى والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم الآية فأثنى على المستغفرين وفي ضمن ثنائه عليهم بالاستغفار لوح بالأمر به كما قيل إن كل شئ أثنى الله على فاعله فهو آمر به وكل شئ ذم فاعله فهو ناه عنه قوله مغفرة من عندك قال الطيبي دل التنكير على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كنهه ووصفه بكونه من عنده سبحانه وتعالى مزيدا لذلك العظم لأن الذي يكون من عند الله لا يحيط به وصف وقال بن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما الإشارة إلى التوحيد المذكور كأنه قال لا يفعل هذا إلا أنت فافعله لي أنت والثاني وهو أحسن أنه إشارة إلى طلب مغفرة متفضل بها لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره انتهى وبهذا الثاني جزم بن الجوزي فقال المعنى هب لي المغفرة تفضلا وإن لم أكن لها أهلا بعملي قوله إنك أنت الغفور الرحيم هما صفتان ذكرتا ختما للكلام على جهة المقابلة لما تقدم فالغفور مقابل لقوله اغفر لي والرحيم مقابل لقوله ارحمني وهي مقابلة مرتبة وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا استحباب طلب التعليم من العالم خصوصا في الدعوات المطلوب فيها جوامع الكلم ولم يصرح في الحديث بتعيين محله وقد
[ 266 ]
تقدم كلام بن دقيق العيد في ذلك في أوائل الباب الذي قبله قال ولعله ترجح كونه فيما بعد المنكدر لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل ونازعه الفاكهانى فقال الأولى الجمع بينهما في المحلين المذكورين أي السجود والتشهد وقال النووي استدلال البخاري صحيح لأن قوله في صلاتي يعم جميعها ومن مظانه هذا الموطن قلت ويحتمل أن يكون سؤال أبي بكر عن ذلك كان عند قوله لما علمهم المنكدر ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ومن ثم أعقب المصنف الترجمة بذلك قوله باب ما يتخير من الدعاء بعد المنكدر وليس بواجب يشير إلى أن الدعاء السابق في الباب الذي قبله لا يجب وإن كان قد ورد بصيغة الأمر كما أشرت إليه لقوله في آخر حديث المنكدر ثم ليتخير والمنفى وجوبه يحتمل أن يكون الدعاء الذي لا يجب دعاء مخصوص وهذا واضح مطابق للحديث وأن كان التخيير مأمورا به ويحتمل أن يكون المنفى التخيير ويحمل الأمر الوارد به على الندب ويحتاج إلى دليل قال بن رشيد ليس التخيير في آحاد الشئ بدال على عدم وجوبه فقد يكون أصل الشئ واجبا ويقع التخيير في وصفه وقال الزين بن المنير قوله ثم ليتخير وان كان بصيغة الأمر لكنها كثيرا ما ترد للندب وادعى بعضهم الإجماع على عدم الوجوب وفيه نظر فقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طاوس ما يدل على أنه يرى وجوب الاستعاذة المأمور بها في حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله وذلك أنه سأل ابنه هل قالها بعد المنكدر فقال لا فأمره أن يعيد الصلاة وبه قال بعض أهل الظاهر وأفرط بن حزم فقال بوجوبها في المنكدر الأول أيضا وقال بن المنذر لولا حديث بن مسعود ثم ليتخير من الدعاء لقلت بوجوبها وقد قال الشافعي أيضا بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد المنكدر وادعى أبو الطيب الطبري من أتباعه والطحاوي وآخرون أنه لم يسبق إلى ذلك واستدلوا على ندبيتها بحديث الباب مع دعوى الإجماع وفيه نظر لأنه ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب وأعجب من ذلك أنه صح عن بن مسعود راوي حديث الباب ما يقتضيه فعند سعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص قال قال عبد الله يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه بعد وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الكلب عنه وبعض أصحاب مالك وقال إسحاق بن راهويه أيضا بالوجوب لكن قال إن تركها ناسيا رجوت أن يجزئه فقيل إن له في المسألة قولين كاحمد وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطا ومنهم من قيد تفرد الشافعي بكونه عينها بعد المنكدر لا قبله ولا فيه حتى لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء المنكدر مثلا لم يجزئ عنده وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى قوله ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو زاد أبو داود عن مسدد شيخ البخار فيه فيدعو به ونحوه النسائي من وجه آخر بلفظ فليدع به ولإسحق عن عيسى عن الأعمش ثم ليتخير من الدعاء ما أحب وفي رواية منصور عن أبي وائل عند المصنف في الدعوات ثم ليتخير من الثناء ما شاء ونحوه لمسلم بلفظ من المسألة واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما أختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة قال بن بطال خالف ف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة فقالوا لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآكذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت
[ 267 ]
في الحديث بحال بعضهم ما كان مأثورا قال قائلهم والمأثور أعم من أن يكون مرفوعا أو غير مرفوع لكن ظاهر حديث الباب يرد عليهم وكذا يرد على قول بن سيرين لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة واستثنى بعض الشافعيح ة ما يقبح من أمر الدنيا فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقا لا يجوز وقد ورد فيما يقال بعد المنكدر أخبار من أحسنها ما رواه سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمير بن سعد قال كان عبد الله يعني بن مسعود يعلمنا المنكدر في الصلاة ثم يقول إذا فرغ أحدكم من المنكدر فليقل اللهم اني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم اللهم أني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية قال ويقول لم يدع نبي ولا صالح بشئ إلا دخل في هذا الدعاء وهذا من المأثور غير مرفوع وليس هو مما ورد في القرآن وقد استدل البيهقي بالحديث المتفق عليه ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به وبحديث أبو هريرة رفعه إذ فرغ أحدكم من المنكدر فليتعوذ بالله الحديث وفي آخره ثم ليدعو لنفسه بما بدا له هكذا أخرجه البيهقي وأصل الحديث في مسلم وهذه الزيادة صحيحة لأنها من الطريق التي أخرجها مسلم قوله باب من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى قال الزين بن المنير ما حاصله ذكر البخاري المستدل ودليله ووكل الأمر فيه لنظر المجتهد هل يوافق القدرة أو يخالفه وإنما فعل ذلك لما يتطرق إلى الدليل من الاحتمالات لأن بقاء أثر الطين لا يستلزم نفى مسح الجبهة إذ يجوز أن يكون مسحها وبقي الأثر بعد المسح ويحتمل أن يكون ترك المسح ناسيا أو تركه عامدا لتصديق رؤياه أو لكونه لم يشعر ببقاء أثر الطين في جبهته أو لبيان الجواز أو لأن ترك المسح أولى لأن المسح عمل وان كان قليلا وإذا تطرقت هذه الاحتمالات لم ينهض الاستدلال لا سيما وهو فعل من الجبليات لا من القرب قوله قال أبو عبد الله هو المصنف والحميدي هو شيخه المشهور أحد تلامذة الشافعي قوله يحتج بهذا فيه إشارة إلى أنه يوافقه على ذلك ومن ثم لم يتعقبه وقد تقدم ما فيه وأنه إن احتج به على المنع جملة لم يسلم من الاعتراض وأن الترك أولى قوله حدثنا هشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قوله حتى رأيت أثر الطين هو أمرهم على أثر خفيف لا يمنع مباشرة الجبهة للسجود وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى قوله باب التسليم أي من الصلاة قيل لم يذكر المصنف حكمة لتعارض الأدلة عنده في الوجوب وعدمه ويمكن أن يؤخذ الوجوب من حديث الباب حيث جاء فيه كان إذا سلم لأنه يشعر بتحقيق مواظبته على ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلى وحديث تحليلها التسليم أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح أما حديث إذا حالا وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته فقد ضعفه فه الحفاظ وسيأتي الكلام على بقية فوائده بعد أربعة أبواب تنبيه لم يذكر عدد التسليم وقد أخرج مسلم من حديث بن مسعود ومن حديث سعد بن أبي وقاص التسليمتين وذكر العقيلي وابن عبد البر أن حديث التسليمة الواحدة معلول وبسط بن عبد البر الكلام على ذلك قوله باب يسلم أي المأموم حين يسلم الإمام قال الزين بن المنير ترجم بلفظ الحديث وهو محتمل لأن يكون المراد أنه يبتدئ السلام
[ 268 ]
بعد ابتداء الإمام له فيشرع المأموم فيه قبل أن يتمه الإمام ويحتمل أن يكون المراد أن المأموم يبتدئ السلام إذا أتمه الإمام قال فلما كان محتملا للأمرين وكل النظر فيه إلى المجتهد انتهى ويحتمل أن يكون أراد أن الثاني ليس بشرط لأن اللفظ يحتمل الصورتين فأيهما فعل المأموم جاز وكأنه أشار إلى أنه يندب أن لا يتأخر المأموم في سلامه بعد الإمام متشاغلا بدعاء وغيره ويدل على ذلك ما ذكره عن بن عمر والأثر المذكور لم أقف على من وصله لكن عند بن أبي شيبة عن بن عمر ما يعطي معناه وقد تقدم الكلام على حديث عتبان مطولا في أوائل الصلاة وأورده هنا مختصرا جدا وفي الباب الذي يليه أتم منه وكلاهما من طريق عبد الله وهو بن المبارك قوله باب من لم يرد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة أورد فيه حديث عتبان كما ذكرنا واعتماده فيه على قوله ثم سلم وسلمنا حين سلم فإن ظاهره أنهم سلموا وكما سلامه وسلامه إما واحدة وهي التي يتحلل بها من الصلاة وإما هي وأخرى معها فيحتاج من استحب تسليمة ثالثة على الإمام بين التسليمتين كما تقوله المالكية إلى دليل خاص وإلى رد ذلك أشار البخاري وقال بن بطال أظنه قصد الرد على من يوجب التسليمة الثانية وقد نقله الطحاوي عن الحسن بن الحسن انتهى وفي هذا الظن بعد والله أعلم قوله وزعم الزعم يطلق على القول المحقق وعلى القول المشكوك فيه وعلى الكذب وينزل في كل موضع على ما يليق به والظاهر أن المراد به هنا الأول لأن محمود بن الربيع موثق عند الزهري فقوله عنده مقبول قوله من دلو كانت في دارهم قال الكرماني كانت صفة لموصوف محذوف أي من بئر كانت في دارهم ولفظ الدلو يدل عليه وقال غيره بل الدلو يذكر ويؤنث فلا يحتاج إلى تقدير قوله سمعت عتبان بن مالك الأنصاري ثم أحد بني سالم بنصب أحد عطفا على قوله الأنصاري وهو بمعنى قوله الأنصاري ثم السالمي هذا الذي يكاد من له أدنى ممارسة بمعرفة الرجال أن يقطع به وقال الكرماني يحتمل أن يكون عطفا على عتبان يعني سمعت عتبان ثم سمعت أحد بني سالم أيضا قال والمراد به فيما يظهر الحصين بن محمد فكأن محمودا سمع من عتبان ومن الحصين قال وهو بخلاف ما تقدم في باب المساجد في البيوت أن الزهري هو الذي سمع محمودا والحصين قال ولا منافاة بينهما لاحتمال أن الزهري ومحمودا سمعا جميعا من الحصين قال ولو روى برفع أحد بأن يكون عطفا على محمود لساغ ووافق الرواية الأولى يعني فيصير التقدير قال الزهري أخبرني محمود بن الربيع ثم أخبرني أحد بني سالم أي الحصين انتهى وكأن الحامل له على ذلك كله قوله الزهري في الرواية السابقة ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري وهو أحد بني سالم فكأنه ظن أن المراد بقوله ثم أحد بني سالم هنا هو المراد بقوله أحد بني سالم هناك ولا حاجة لذلك فإن عتبان من بني سالم أيضا وهو عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان بن زياد بن غنم بن سالم بن عوف وقيل في نسبه غير ذلك مع الاتفاق على أنه من بني سالم والأصل عدم التقدير في إدخال أخبرني بين ثم وأحد وعلى الاحتمال الذي ذكره إشكال آخر لأنه يلزم منه أن يكون الحصين بن محمد هو صاحب القصة المذكورة أو أنها تعددت له ولعتبان وليس كذلك فإن الحصين المذكور لاصحبة له بل لم أر من ذكر أباه في الصحابة وقد ذكر بن أبي حاتم الحصين بن محمد في الجرح والتعديل ولم يذكر له شيخا غير عتبان بن مالك ونقل عن أبيه أن روايته عن مرسلة ولم يذكر أحد ممن صنف
[ 269 ]
في الرجال لمحمود بن الربيع رواية عن الحصين والله أعلم قوله فلوددت أي فوالله لوددت قوله اشتد النهار أي ارتفعت الشمس قولفأشار إليه من المكان الذي أحب أن يصلي فيه قال الكرماني فاعل أشار النبي صلى الله عليه وسلم ومن للتبعيض قال ولا ينافي ما تقدم أنه قال فأشرت له إلى المكان لا مكان وقوع الاشارتين منه ومن النبي صلى الله عليه وسلم إما معا وإما سابقا ولاحقا قلت والذي يظهر أن فاعل أشار هو عتبان لكن فيه التفات إذ ظاهر السياق أن يقول فأشرت الخ وبهذا تتوافق الروايات والله أعلم قوله باب الذكر بعد الصلاة أورد فيه أولا حديث بن عباس من وجهين أحدهما أتم من الآخر وأغرب المزي فجعلهما حديثين والذي يظهر أنهما حديث واحد كما سنبينه قوله أخبرني عمرو هو بن دينار المكي قوله كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أن مثل هذا عند البخاري يحكم له بالرفع خلافا لمن شذ ومنع ذلك وقد وافقه مسلم والجمهور على ذلك وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة قال الطبري فيه الإبانه عن صحة ما كان بالصلاة الأمراء من التكبير عقب الصلاة وتعقبه بن بطال بأنه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف إلا ما حكاه بن حبيب في الواضحة أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيرا عاليا ثلاثا قال وهو قديم من شأن الناس قال بن بطال وفي العتبية عن مالك أن ذلك محدث قال وفي السياق إشعار بأن الصحابة لم الريح يرفعون أصواتهم بالذكر في الوقت الذي قال فيه بن عباس ما قال قلت في التقييد بالصحابة نظر بل لم يكن حينئذ من الصحابة إلا القليل وقال النووي حمل الشافعي هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتا يسير لأجل تعليم صفة الذكر لا أنهم داوموا على الجهر به والمختار أن الإمام والمأموم يخفيان الذكر إلا إن احتيج إلى التعليم قوله وقال بن عباس هو موصول بالإسناد المبدأ به كما في رواية مسلم عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق به قوله كنت أعلم فيه إطلاق العلم على الأمر المستند إلى الظن الغالب قوله إذا انصرفوا أي أعلم انصرافهم بذلك أي برفع الصوت إذا سمعته أي الذكر والمعنى كنت ت أعلم بسماع الذكر انصرافهم قوله حدثني على هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة وعمرو هو بن دينار قوله كنت أعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير وقع في رواية القدرة عن سفيان بصيغة الحصر ولفظه ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير وكذا أخرجه مسلم عن بن أبي عمر عن سفيان واختلف في كون بن عباس قال ذلك فقال عياض الظاهر أنه لم يكن يحضر الجماعة لأنه كان صغيرا ممن لا يواظب على ذلك ولا يلزم به فكان يعرف انقضاء الصلاة بما ذكر وقال غيره يحتمل أن يكون حاضرا في أواخر الصفوف فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم وإنما كان يعرفه بالتكبير وقال بن دقيق العيد يؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد قوله بالتكبير هو أخص من رواية بن جريدة التي قبلها لأن الذكر أعم من التكبير ويحتمل أن تكون هذه مفسرة لذلك فكان المراد أن رفع الصوت بالذكر أي بالتكبير وكأنهم كانوا يبدءون بالتكبير بعد الصلاة قبل التسبيح والتحميد وسيأتي الكلام على ذلك في الحديث الذي بعده قوله قال على هو بن المديني المذكور وثبتت هذه الزيادة في رواية المستملى والكشميهني وزاد مسلم في روايته المذكورة قال عمرو يعني بن دينار وذكرت ذلك لأبي معبد بعد
[ 270 ]
فأنكره وقال لم أحدثك بهذا قال عمرو قد أخبرتنيه قبل ذلك قال الشافعي بعد أن رواه عن سفيان كأنه نسيه بعد أن حدثه به انتهى وهذا يدل على أن مسلما كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلا ولأهل الحديث فيه تفصيل قالوا إما أن يجزم برده أو لا وإذا جزم فأما أن يصرح بتكذيب الراوي عنه أو لا فإن لم يجزم بالرد كأن قال لا أذكره فهو متفق عندهم على قبوله لأن الفرع ثقة والأصل لم يطعن فيه وأن جزم وصرح بالتكذيب فهو متفق عندهم على رده لأن جزم الفرع بكون الأصل حدثه يستلزم تكذيب الأصل في دعواه أنه كذب عليه وليس قبول قول أحدهما بأولى من الآخر وإن جزم بالرد ولم يصرح بالتكذيب فالراجح عندهم قبوله وأما الفقهاء فاختلفوا فذهب الجمهور في هذه الصورة إلى القبول وعن بعض الحنفية ورواية عن أحمد لا يقبل قياسا على الشاهد وللإمام فخر الدين في هذه المسألة تفصيل نحو ما تقدم وزاد فإن كان الفرع مترددا في سماعه والأصل جازما بعدمه سقط لوجود التعارض ومحصل كلامه آنفا أنهما إن تساويا فالرد وإن رجح أحدهما عمل به وهذا الحديث من أمثلته وأبعد من قال إنما نفى أبو معبد التحديث ولا يلزم منه نفى الأخبار وهو الذي وقع من عمرو ولا مخالفة وترده الرواية التي فيها فأنكره ولو كان كما زعم لم يكن هناك إنكار ولان الفرق بين التحديث والاخبار إنما حدث بعد ذلك وفي كتب الأصول حكاية الخلاف في هذه المسألة عن الحنفية قوله عن عبيد الله هو بن عمر العمري وسمي هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن وهما مدنيان وعبيد الله تابعي صغير ولم أقف لسمى على رواية عن أحد من الصحابة فهو من رواية الكبير عن الصغير وهما مدنيان وكذا أبو صالح قوله جاء الفقراء سمي منهم في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة أبو ذر الغفاري أخرجه أبو داود وأخرجه جعفر الفريابي في كتاب الذكر له من حديث أبي ذر نفسه وسمي منهم أبو الدرداء عند النسائي وغيره من طرق عنه ولمسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنهم قالوا يا رسول الله فذكر الحديث والظاهر أن أبا هريرة منهم وفي رواية النسائي عن زيد بن ثابت قال أمرنا أن نسبح الحديث كما سيأتي يسير وهذا يمكن أن يقال فيه إن زيد بن ثابت كان منهم ولا يعارضه قوله في رواية بن عجلان عن سمي عند مسلم جاء فقراء المهاجرين لكون زيد بن ثابت من الأنصار لاحتمال التغليب قوله الدثور بضم المهملة والمثلثة جمع دثر بفتح ثم سكون هو المال الكثير ومن في قوله من الأموال للبيان ووقع عند الخطابي ذهب أهل الدور من الأموال وقال كذا وقع الدور جمع دار والصواب الدثور انتهى وذكر صاحب المطالع عن رواية أبي زيد المروزي أيضا الدور قوله بالدرجات العلى بضم العين جمع العلياء وهي تأنيث الأعلى ويحتمل أن تكون حسية والمراد درجات الجنات أو معنوية والمراد علو القدر عند الله قوله والنعيم المقيم وصفه بالإقامة إشارة إلى ضده وهو التعيم العاجل فإنه قل ما يصفو وإن صفا فهو بصدد الزوال وفي رواية محمد بن أبي عائشة المذكورة ذهب أصحاب الدثور بالاجور وكذا لمسلم من حديث أبي ذر زاد المصنف في الدعوات من رواية ورقاء عن سمي قال كيف ذلك ونحوه لمسلم من رواية بن عجلان عن سمي قوله ويصومون كما نصوم زاد في حديث أبي الدرداء المذكور ويذكرون كما نذكر وللبزار من حديث بن عمر صدقوا تصديقنا وآمنوا إيماننا قوله ولهم فضل أموال كذا للأكثر بالإضافة وفي رواية الأصيلي فضل الأموال وللكشميهني
[ 271 ]
فصل من أموال قوله يحجون بها أي ولا نحج يشكل عليه ما وقع في رواية جعفر الفريابي من حديث أبي الدرداء ويحجون كما نحج ونظيره ما وقع هنا ويجاهدون ووقع في الدعوات من رواية ورقاء عن سمي وجاهدوا كما جاهدنا لكن الجواب عن هذا الثاني ظاهر وهو التفرقة بين الجهاد الماضي فهو الذي اشتركوا فيه وبين الجهاد المتوقع فهو الذي تقدر عليه أصحاب الأموال غالبا ويمكن أن يقال مثله في الحج ويحتمل أن يقرأ يحجون بها بضم أوله من الرباعي أي يعينون غيرهم على الحج بالمال قوله ويتصدقون عند مسلم من رواية بن عجلان عن سمي ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق قوله فقال ألا أحدثكم بما إن أخذتم به في رواية الأصيلي بأمر إن أخذتم وكذا للاسماعيلي وسقط قوله بما من أكثر الروايات وكذا قوله به وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى وفي رواية مسلم أفلا أعلمكم شيئا وفي رواية أبي داود فقال يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات تقوله تقولهن قوله أدركتم من سبقكم أي من أهل الأموال الذين امتازوا عليكم بالصدقة والسبقية هنا يحتمل أن تكون معنوية وأن تكون حسية قال الشيخ تقى الدين والأول أقرب وسقط قوله من سبقكم من رواية الأصيلي قوله وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم بفتح النون وسكون التحتانية وفي رواية كريمة وأبي الوقت ظهرانيه بالافراد وكذ للاسماعيلي وعند مسلم من رواية بن عجلان ولا يكون أحد أفضل منكم قيل ظاهره يخالف ما سبق لأن الإدراك ظاهره المساواة وهذا ظاهره الأفضلية وأجاب بعضهم بأن الإدراك لا يلزم منه المساواة فقد يدرك ثم يفوق وعلى هذا فالتقرب بهذا الذكر راجح على التقرب بالمال ويحتمل أن يقال الضمير في كنتم للمجموع من السابق والمدرك وكذا قوله إلا من عمل مثل عملكم أي من الفقراء فقال الذكر أو من الأغنياء فتصدق أو أن الخطاب للفقراء خاصة لكن يشاركهم الأغنياء في الخيرية المذكورة فيكون كل من الصنفين خيرا ممن لا يتقرب بذكر ولا صدقة ويشهد له قوله في حديث بن عمر عند البزار أدركتم مثل فضلهم ولمسلم في حديث أبي ذر أو ليس قد جعلكم ما تتصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة الحديث واستشكل تساوى فضل هذا الذكر بفضل التقرب بالمال مع شدة المشقة فيه وأجاب الكرماني بأنه لا يلزم أن يكون النصارى على قدر المشقة في كل حالة واستدل لذلك بفضل كلمة الشهادة مسهولتها على كثير من العبادات الشاقة قوله تسبحون وتحمدون وتكبرون كذا وقع في أكثر الأحاديث تقديم التسبيح على التحميد وتأخير التكبير وفي رواية بن عجلان تقديم التكبير على التحميد خاصة وفيه أيضا قول أبي صالح يقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ومثله لأبي داود من حديث أم الحكم وله من حديث أبي هريرة تكبر وتحمد وتسبح وكذا في حديث بن عمر وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها ويستأنس لذلك بقوله في حديث الباقيات الصالحات لا يضرك بأيهن بدأت لكن يمكن أن يقال الأولى البداءة بالتسبيح لأنه يتضمن نفى النقائص عن الباري سبحانه وتعالى ثم التحميد لأنه يتضمن إثبات دابة له إذ لا يلزم من نفى النقائص إثبات دابة ثم التكبير إذ لا يلزم من نفى النقائص وإثبات دابة أن يكون هناك كبير آخر ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك قوله خلف كل صلاهذه الرواية مفسرة للرواية التي عند المصنف في الدعوات وهي قوله دبر كل صلاة ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر أثر كل صلاة وأما رواية دبر
[ 272 ]
فهي بضمتين قال الأزهري دبر الأمر يعني بضمتين ودبره يعني بفتح ثم سكون آخره وادعى أبو عمرو الزاهد أنه لا يقال بالضم الا للجارحة ورد بمثل قولهم أعتق غلامه عن دبر ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة فلو تأخر ذلك عن الفراغ فإن كان يسيرا بحيث لا يعد معرضا أو كان ناسيا أو متشاغلا بما ورد أيضا بعد الصلاة كآية الكرسي فلا يضر وظاهر قوله كل صلاة يشمل الفرض والنفل لكن حمله أكثر العلماء على الفرض وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة وكأنهم حملوا المطلقات عليها وعلى هذا هل يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلا بين المكتوبة والذكر أو لا محل النظر والله أعلم قوله ثلاثا وثلاثين يحتمل أن يكون المجموع للجميع فإذا وزع كان لكل واحد إحدى عشرة وهو الذي فهمه سهيل بن أبي صالح كما رواه مسلم من طريق روح بن القاسم عنه لكن لم يتابع سهيل على ذلك بل لم أر في شئ من طرق الحديث كلها التصريح بإحدى عشرة إلا في حديث بن عمر عند البزا وإسناده ضعيف والأظهر أن المراد أن المجموع لكل فرد فرد فعلى هذا ففيه تناز ثلاثة أفعال في ظرف ومصدر والتقدير تسبحون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدون كذلك وتكبرون كذلك قوله فاختلفنا بيننا ظاهره أن أبا هريرة هو القائل وكذا قوله فرجعت إليه وأن الذي رجع أبو هريرة إليه هو النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فالخلاف في ذلك وقع بين الصحابة لكن بين مسلم في رواية بن عجلان عن سمي أن القائل فاختلفنا هو سمي وأنه هو الذي رجع إلى أبي صالح وأن الذي خالفه بعض أهله ولفظه قال سمي فحدثت بعض أهل هذا الحديث قال وهمت فذكر كلامه قال فرجعت إلى أبي صالح وعلى رواية مسلم اقتصر صاحب العمدة لكن لم يوصل مسلم هذه الزيادة فإنه أخرج الحديث عن قتيبة عن الليث عن بن عجلان ثم قال زاد غير قتيبة في هذا الحديث عن الليث فذكرها والغير المذكور يحتمل أن يكون شعيب بن الليث أو سعيد بن أبي مريم فقد أخرجه أبو عوانة في مستخرجه عن الربيع بن سليمان عن شعيب وأخرجه الجوزقي والبيهقي من طريق سعيد وتبين بهذا أن في رواية عبيد الله بن عمر عن سمي في حديث الباب إدراجا وقد روى بن حبان هذا الحديث من طريق المعتمر بن سليمان بالإسناد المذكور فلم يذكر قوله فاختلفنا الخ قوله وتكبر أربعا وثلاثين هو قول بعض أهل سمي كما تقدم التنبيه عليه من رواية مسلم وقد تقدم احتمال كونه من كلام بعض الصحابة وقد جاء مثله في حديث أبي الدرداء عند النسائي وكذا عنده من حديث بن عمر بسند قوي ومثله لمسلم من حديث كعب بن عجرة ونحوه لابن ماجة من حيث أبي ذر لكن شك بعض رواته في أنهن أربع وثلاثون ويخالف ذلك ما في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة عند أبي داود ففيه ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ وكذا لمسلم في رواية عطاء بن يزيد عن أبي هريرة ومثله لأبي داود في حديث أم الحكم ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر قال النووي ينبغي أن يجمع بين الكلب بان يكبر أربعا وثلاثين ويقول معها لا إله إلا الله وحده الخ وقال غيره بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة بلا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث قوله حتى يكون منهن كلهن بكسر اللام تأكيدا للضمير المجرور قوله ثلاث وثلاثون بالرفع وهو اسم كان وفي رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت ثلاثا وثلاثين وتوجه بان اسم كان محذوف
[ 273 ]
والتقدير حتى يكون العدد منهن كلهن ثلاثة وثلاثين وفي قوله منهن كلهن الاحتمال المتقدم هل العدد للجميع أو المجموع وفي رواية بن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع لكن يقول ذلك مجموعا وهذا اختبار أبي صالح لكن الرواية الثابتة عن غيره الأفراد قال عياض وهو أولى ورجح بعضهم الجمع للاتيان بواو العطف والذي يظهر أن كلا من الأمرين حسن إلا أن الإفراد يتميز بأمر آخر وهو أن الذاكر يحتاج إلى العدد وله على كل حركة لذلك سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه الا الثلث تنبيهان الأول وقع في رواية ورقاء عن سمي عند المصنف في الدعوات في هذا الحديث تسبحون عشرا وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا ولم أقف في شئ من طرق حديث أبي هريرة على من تابع ورقاء على ذلك لا عن سمي ولا عن غيره ويحتمل أن يكون تأول ما تأول سهيل من التوزيع ثم ألغى الكسر ويعكر عليه أن السياق صريح في كونه كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجدت لرواية العشر شواهد منها عن على عند أحمد وعن سعد بن أبي وقاص عند النسائي وعن عبد الله بن عمرو عنده وعند أبي داود والترمذي وعن أم سلمة عند البزار وعن أم مالك الأنصارية عند الطبراني وجمع البغوي في شرح السنة بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة أو لها عشرا عشرا ثم إحدى عشرة إحدى عشرة ثم ثلاثا وثلاثين ثلاثا وثلاثين ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل التخيير أو يفترق بافتراق الأحوال وقد جاء من حديث زيد بن ثابت وابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقولوا كل ذكر منها خمسا وعشرين ويزيدوا فيها لا إله إلا الله خمسا وعشرين ولفظ زيد بن ثابت أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين فأتى رجل في منامه فقيل له أمركم محمد أن تسبحوا فذكره قال نعم قال اجعلوها خمسا وعشرين واجعلوا فيها التهليل فلما مطرف أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال فافعلوه أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان ولفظ بن عمر رأى رجل من الأنصار فيما يرى النائم فذكر نحوه وفيه فقيل له سبح خمسا وعشرين وأحمد خمسا وعشرين وكبر خمسا وعشرين وهلل خمسا وعشرين فتلك مائة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا كما قال أخرجه النسائي وجعفر الفريابي واستنبط من هذا أن مراعاة العدد المخصوص في الأذكار معتبرة وإلا يمكن أن يقال لهم أضيفوا لها التهليل ثلاثا وثلاثين وقد كان بعض العلماء يقول إن الاعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك النصارى المخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الاعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وفيه نظر لأنه أتى بالمقدار الذي رتب النصارى على الأعجمي به فحصل له النصارى بذلك فإذا زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة لذلك النصارى بعد حصوله أه ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا لا محالة وان زاد بغير نية بأن يكون النصارى رتب على عشرة مثلا فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي وقد بالغ القرافي في القواعد فقال من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعا لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أن يوقف عنده
[ 274 ]
ويعد الخارج عنه مسيئا للادب أه وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلا فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة خاصة تفوت بفواتها والله أعلم التنبيه الثاني زاد مسلم في رواية بن عجلان عن سمي قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلناه ففعلوا مثله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ثم ساقه مسلم من رواية روح بن القاسم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة فذكر طرفا منه ثم قال بمثل حديث قتيبة قال إلا أنه أدرج في حديث أبي هريرة قول أبي صالح فرجع فقراء المهاجرين قلت وكذا رواه أبو معاوية عن سهيل مدرجا أخرجه جعفر الفريابي وتبين بهذا أن الزيادة المذكورة مرسلة وقد روى الحديث البزار من حديث بن عمر وفيه فرجع الفقراء فذكره موصولا لكن قد قدمت أن إسناده ضعيف ورواه جعفر الفريابي من رواية حرام بن حكيم وهو بحاء وراء مهملتين عن أبي ذر وقال فيه فقال أبو ذر يا رسول الله إنهم قد قالوا مثل ما نقول فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ونقل الخطيب أن حرام بن حكيم يرسل الرواية عن أبي ذر فعلى هذا لم يصح بهذه الزيادة إسناد إلا أن هذين الطريقين يقوي بهما مرسل أبي صالح قال بن بطال عن المهلب في هذا الحديث فضل الغني نصا لا تأويلا إذا استوت أعمال الغني والفقير فيما افترض الله عليهما فللغنى حينئذ فضل عمل الباب من الصدقة ونحوها مما لا سبيل للفقير إليه قال ورأيت بعض المتكلمين ذهب إلى أن هذا الفضل يخص الفقراء دون غيرهم أي الفضل المترتب على الذكر المذكور وعلل عن قوله في نفس الحديث إلا من صنع مثل ما صنعتم فجعل الفضل لقائله كائنا من كان وقال القرطبي تأول بعضهم قوله ذلك فضل الله يؤتيه بان قال الإشارة راجعة إلى النصارى المترتب على العمل الذي يحصل به التفضيل عند الله فكأنه قال ذاك النصارى الذي أخبرتكم به لا يستحقه أحد بحسب الذكر ولا بحسب الصدقة وإنما هو بفضل الله قال وهذا التأويل فيه بعد ولكن اضطره إليه ما يعارضه وتعقب بأن الجمع بينه وبين ما يعارضه ممكن من غير احتياج إلى التعسف وقال بن دقيق العيد ظاهر الحديث القريب من النص أنه فضل الغني وبعض الناس تأوله بتأويل مستكره كأنيشير إلى ما تقدم قال والذي يقتضيه النظر أنهما إن تساويا وفضلت العبادة المالية أنه يكون الغني أفضل وهذا لا شك فيه وإنما النظر إذا تساويا وانفرد كل منهما بمصلحة ما هو فيه أيهما أفضل إن فسر الفضل بزيادة النصارى فالقياس يقتضى أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة فيترجح الغني وإن فسر بالاشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل لها من التطهير بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقر ومن ثم ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر وقال القرطبي للعلماء في هذه المسألة خمسة أقوال ثالثها الأفضل الكفاف رابعها يختلف باختلاف الأشخاص خامسها التوقف وقال الكرماني قضية الحديث أن شكوى الفقر تبقى بحالها وأجاب بان مقصودهم كان تحصيل الدرجات العلا والنعيم المقيم لهم أيضا لا نفى
[ 275 ]
الزيادة عن أهل الدثور مطلقا أه والذي يظهر أن مقصودهم إنما كان طلب المساواة ويظهر أن الجواب وقع قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن متمنى الشئ يكون شريكا لفاعله في الأجر كما سبق في كتاب العلم في الكلام على حديث بن مسعود الذي أوله لا حسد إلا في اثنتين فإن في رواية الترمذي من وجه آخر التصريح بأن المنفق والمتمني إذا كان صادق النية في الأجر سواء وكذا قوله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها من غير أن ينقص من أجره شئ فإن الفقراء في هذه القصة كانوا السبب في تعلم الأغنياء الذكر المذكور فإذا استووا معهم في قوله امتاز الفقراء بأجر السبب مضافا إلى التمنى فلعل ذلك يقاوم التقرب بالمال وتبقى المقايسة بين صبر الفقير على شظف العيش وشكر الغني على التنعم بالمال ومن ثم وقع التردد في تفضيل أحدهما على الآخر وسيكون لنا عودة إلى ذلك في الكلام على حديث الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن العالم إذا سئل عن مسألة يقع فيها الخلاف أن يجيب بما يلحق به المفضول درجة الفاضل ولا يجيب بنفس الفاضل لئلا يقع الخلاف كذا قال بن بطال وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله ألا أدلكم على أمر تساوونهم فيه وعدل عن قوله نعم هم أفضل منكم بذلك وفيه التوسعة في الغبطة وقد تقدم تفسيرها في كتاب العلم والفرق بينها وبين الحسد المذموم وفيه المسابقة إلى الأعمال المحصلة للدرجات العالية لمبادرة الأغنياء إلى العمل بما بلغهم ولم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم فيؤخذ منه أن قوله إلا من عمل عام للفقراء والاغنياء خلافا لمن أوله بغير ذلك وفيه أن العمل السهل قد يدرك به صاحبه فضل العمل الشاق وفيه فضل الذكر عقب الصلوات واستدل به البخاري على فضل الدعاء عقيب الصلاة كما سيأتي في الدعوات لأنه في معناها ولأنها أوقات فاضلة يرتجى فيها إجابة الدعاء وفيه أن العمل القاصر قد يساوي المتعدى خلافا لمن قال إن المتعدى أفضل مطلقا نبه على ذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام قوله حدثنا سفيان هو الثوري ورجال الإسناد كلهم كوفيون إلا محمد بن يوسف وهو الفريابي قوله عن وراد في رواية معتمر بن سليمان عن سفيان عند الاسماعيلي حدثني وراد قوله أملى على المغيرة أي بن شعبة في كتاب إلى معاوية كان المغيرة إذ ذاك أميرا على الكوفة من قبل معاوية وسيأتي في الدعوات من وجه آخر عن وراد بيان السبب في ذلك وهو أن معاوية كتب إليه اكتب لي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي القدر من رواية عبدة بن أبي لبابة عن وراد قال كتب معاوية إلى المغيرة اكتب إلى ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة وقد قيدها في رواية الباب بالمكتوبة فكأن المغيرة فهم ذلك من قرينة في السؤال واستدل به على العمل بالمكاتبة وإجرائها مجرى السماع في الرواية ولو لم تقترن بالإجازة وعلى الاعتماد على خبر الشخص الواحد وسيأتي في القدر في آخره أن ورادا قال ثم وفدت بعد على معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك وزعم بعضهم أن معاوية كان قد سمع الحديث المذكور وإنما أراد استثبات المغيرة واحتج بما في الموطأ من وجه آخر عن معاوية أنه كان يقول على المنبر أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطى لما منع الله ولا ينفع ذا الجد منه الجد من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ثم يقول سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد قوله
[ 276 ]
له الملك وله الحمد زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة يحيى ويميت وهو حي يموت بيده الخير إلى قدير ورواته موثقون وثبت مثله عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند ضعيف لكن في القول إذا مطرف وإذا أمسى قوله ولا ينفع ذاالجد منك الجد قال الخطابي الجد الغني ويقال الحظ قال ومن في قوله منك بمعنى البدل قال الشاعر فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على الطهيان يريد ليت لنا بدل ماء زمزم أه وفي الصحاح معنى منك هنا عندك أي لا ينفع ذا الغني عندك غناه إنما ينفعه العمل الصالح وقال بن التين الصحيح عندي أنها ليست بمعنى البدل ولا عند بل هو كما نقول ولا ينفعك مني شئ إن أنا أردتك بسوء ولم يظهر من كلامه معنى ومقتضاه أنها بمعنى عند أو فيه حذف تقديره من قضائي أو سطوتي أو عذابي واختار الشيخ جمال الدين في المغني الأول قال بن دقيق العيد قوله منك يجب أن يتعلق بينفع وينبغى أن يكون ينفع قد ضمن معنى يمنع وما قاربه ولا يجوز أن يتعلق منك بالجد كما يقال حظى منك كثير لأن ذلك نافع أه والجد مضبوط في جميع الروايات بفتح الجيم ومعناه الغني كما نقله المصنف عن الحسن أو الحظ وحكى الراغب أن المراد به هنا أبو الأب أي لا ينفع أحدا نسبه قال القرطبي حكى عن أبي عمرو الشيباني أنه رواه بالكسر وقال معناه لا ينفع ذا الاجتهاد اجتهاده وأنكره الطبري وقال القزاز في توجيه إنكاره الاجتهاد في العمل نافع لأن الله قد دعا الخلق إلى ذلك فكيف لا ينفع عنده قال فيحتمل أن يكون المراد أنه لا ينفع الاجتهاد في طلب الدنيا وتضييع أمر الآخرة وقال غيره لعل المراد أنه لا ينفع بمجرده ما لم يقارنه القبول وذلك لا يكون إلا بفضل الله ورحمته كما تقدم في شرح قوله لا يدخل أحدا منكم الجنة عمله وقيل المراد على رواية الكسر السعي التام في الحرص أو الإسراع في الهرب قال النووي الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه بالفتح وهو الحظ في الدنيا بالمال أو الولد أو العظمة أو السلطان والمعنى لا ينجيه حظه منك وإنما ينجيه فضلك ورحمتك وفي الحديث استحباب هذا الذكر عقب الصلوات لما اشتمل عليه من ألفاظ التوحيد ونسبة الأفعال إلى الله والمنع والإعطاء وتمام القدرة وفيه المبادرة إلى امتثال السنن واشاعتها فائدة اشتهر على الألسنة في الذكر المذكور زيادة ولا راد لما قضيت وهي في مسند عبد بن حميد من رواية معمر عن عبد الملك بن عمير بهذا الإسناد لكن حذف قوله ولا معطى لما منعت ووقع عند الطبراني تاما من وجه آخر كما سنذكره في كتاب القدر إن شاء الله تعالى ووقع عند أحمد والنسائي وابن خزيمة من طريق هشيم عن عبد الملك بالإسناد المذكور أنه كان يقول الذكر المذكور أولا ثلاث مرات قوله وقال شعبة عن عبد الملك بن عمير بهذا وصله السراج في مسنده والطبراني في الدعاء وابن حبان من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة ولفظه عن عبد الملك بن عمير سمعت ورادا غالبا المغيرة بن شعبة أن المغيرة كتب إلى معاوية فذكره وفي قوله كتب تجوز لما تبين من رواية سفيان وغيره أن الكاتب هو وراد لكنه كتب بأمر المغيرة واملائه عليه وعند مسلم من رواية عبدة عن وراد قال كتب المغيرة إلى معاوية كتب ذلك الكتاب له وراد فجمع بين الحقيقة والمجاز قوله وقال الحسن جد غنى الأولى في قراءة هذا الحرف أن يقرأ بالرفع بغير تنوين على الحكاية ويظهر ذلك من لفظ الحسن فقد وصله بن
[ 277 ]
أبي حاتم من طريق أبي رجاء وعبد بن حميد من طريق سليمان التيمي كلاهما عن الحسن في قوله تعالوأنه تعالى جد ربنا قال غنى ربنا وعادة البخاري إذا وقع في الحديث يسير غريبوقع مثلها في القرآن يحكي قول أهل التفسير فيها وهذا منها ووقع في رواية كريمقال الحسن الجد غنى وسقط هذا الأثر من أكثر الروايات قوله وعن الحكم هكذا وقفي رواية أبي ذر التعليق عن الحكم مؤخرا عن أثر الحسن وفي رواية كريمة بالعكس وهو الاصوب لأن قوله وعن الحكم معطوف على قوله عن عبد الملك فهو من رواية شعبة عن الحكم أيضا وكذلك أخرجه السراج والطبراني وابن حبان بالإسناد المذكور إلى شعبة ولفظه كلفظ عبد الملك إلا أنه قال فيه كان إذا قضى صلاته وسلم قال فذكره ووقع نحو هذا التصريح لمسلم من طريق المسيب بن رافع عن وراد به قوله باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم أورد فيه ثلاثة أحاديث أحدها حديث سمرة بن جندب وسيأتي مطولا في أواخر الجنائز ثانيها حديث زيد بن خالد الجهني وسيأتي في كتاب الاستسقاء ثالثها حديث أنس وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت وفي فضل انتظار الصلاة من أبواب الجماعة والأحاديث الثلاثة مطابقة لما ترجم له وأصرحها حديث زيد بن خالد حيث قال فيه فلما انصرف وأما قوله في حديث سمرة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فالمعنى إذا صلى صلاة ففرغ منها أقبل علينا لضرورة أنه لا يتحول عن القبلة قبل فراغ الصلاة وقوله في حديث أنس فلما صلى أقبل يأتي فيه نحو ذلك وسياق سمرة ظاهره أنه كان يواظب على ذلك قيل الحكمة في استقبال المأمومين أن يعلمهم ما يحتاجون إليه فعلى هذا يختص بمن كان في مثل حاله صلى الله عليه وسلم من قصد التعليم والموعظة وقيل الحكمة فيه تعريف الداخل بان الصلاة انقضت إذ لو استمر الإمام على حاله لأوهم أنه في المنكدر مثلا وقال الزين بن المنير استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة فإذا انقضت الصلاة زال السبب فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين والله أعلم قوله باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام أي وبعد استقبال القوم فيلائم ما تقدم ثم أن المكث لا يتقيد بحال من ذكر أو دعاء أو تعليم أو صلاة نافلة ولهذا ذكر في الباب مسألة تطوع الإمام في مكانه قوله وقال لنا آدم الخ هو موصول وإنما عبر بقوله قال لنا لكونه موقوفا مغايرة بينه وبين الموفوع هذا الذي عرفته بالاستقراء من صنيعه وقيل إنه لا يقول ذلك إلا فيما حمله مذاكرة وهو محتمل لكنه ليس بمطرد لأني وجدت كثيرا مما قال فيه قال لنا في الصحيح قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة حدثنا وقد روى بن أبي شيبة أثر بن عمر من وجه آخر عن أيوب عن نافع قال كان بن عمر يصلي سبحته مكانه قوله وفعله القاسم أي بن محمد بن أبي بكر الصديق وقد وصله بن أبي شيبة عن معتمر عن عبيد الله بن عمر قال رأيت القاسم وسالما يصليان الفريضة ثم يتطوعان في مكانهما قوله ويذكر عن أبي هريرة رفعه أي قال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله لا يتطوع الإمام في مكانه ذكره بالمعنى ولفظه عند أبي داود أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله في الصلاة ولابن ماجة إذا صلى
[ 278 ]
أحدكم زاد أبو داود يعني في السبحة وللبيهقي إذا أراد أحدكم أن يتطوع بعد الفريضة فليتقدم الحديث قوله ولم يصح هو كلا البخاري وذلك لضعف إسناده واضطرابه تفرد به ليث بن أبي سليم وهو ضعيف واختلف عليه فيه وقد ذكر البخاري الاختلاف فيه في تاريخه وقال لم يثبت هذا الحديث وفي الباب عن المغيرة بن شعبة مرفوعا أيضا بلفظ لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول رواه أبو داود وإسناده منقطع وروى بن أبي شيبة بإسناد حسن عن على قال من السنة أن لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكانه وحكى بن قدامة في الغني عن أحمد أنه كره ذلك وقال لا أعرفه عن غير على فكأنه لم يثبت عنده حديث أبي هريرة ولا المغيرة وكان المعنى في كراهة ذلك خشية التباس النافلة بالفريضة وفي مسلم عن السائب بن يزيد أنه صلى مع معاوية الجمعة فتنفل بعدها فقال له معاوية إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك ففي هذا إرشاد إلى طريق الأمن من الالتباس وعليه تحمل الأحاديث المذكورة ويؤخذ من مجموع الأدلة أن للإمام أحوالا لأن الصلا إما أن تكون مما يتطوع بعدها أولا يتطوع الأول اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور ثم يتطوع وهذا الذي عليه عمل الأكثر وعند الحنفية يبدأ بالتطوع وحجة الجمهور حديث معاوية ويمكن أن يقال لا يتعين الفصل بين الفريضة والنافلة بالذكر بل إذا تنحى من مكانه كفى فإن قيل لم يثبت الحديث في التنحي قلنا قد ثبت في حديث معاوية أو تخرج ويترجح تقديم الذكر المأثور بتقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة وزعم بعض الحنابلة أن المراد بدبر الصلاة ما قبل السلام وتعقب بحديث ذهب أهل الدثور فإن فيه تسبحون دبر كل صلاة وهو بعد السلام جزما فكذلك ما شابهه وأما الصلاة التي لا يتطوع بعدها فيتشاغل الإمام ومن معه بالذكر المأثور ولا يتعين له مكان بل إن شاءوا انصرفوا وذكروا وإن شاءوا مكثوا وذكروا وعلى الثاني إن كان للإمام عادة أن يعلمهم أو يعظهم فيستحب أن يقبل عليهم بوجهه جميعا وأن كان لا يزيد على الذكر المأثور فهل يقبل عليهم جميعا أو ينفتل فيجعل يمينه من قبل المأمومين ويساره من قبل القبلة ويدعو الثاني هو الذي جزم به أكثر الشافعية ويحتمل إن قصر زمن ذلك أن يستمر مستقبلا للقبلة من أجل أنها أليق بالدعاء ويحمل الأول على ما لو طال الذكر والدعاء والله أعلم قوله عن هند بنت الحارث هي تابعية ولا أعرف عنها راويا غير الزهري وهي من أفراد البخاري عن مسلم وسيأتي الخلاف في نسبتها قوله قال بن شهاب هو الزهري وهو موصول بالإسناد المذكور وقوله فنرى بضم النون أي تظن قوله من النساء زاد في باب التسليم من هذا الوجه قبل أن يدركهن من انصرف من القوم أي الرجال وهو يسير في رواية يحيى بن قزعة الآتية بعد أبواب قوله وقال بن أبي مريم رويناه موصولا في الزهريات لمحمد بن يحيى الذهلي قال حدثنا سعيد بن أبي مريم فذكره قوله من صواحباتها جمع صاحبة وهي لغة والمشهور صواحب كضوارب وضاربة وقيل هو جمع صواحب وهو جمع صاحبة قوله كان يسلم أي النبي صلى الله عليه وسلم وأفادت هذه الرواية الإشارة إلى أقل مقدار كان يمكثه صلى الله عليه وسلم قوله وقال بن وهب الخ وصله النسائي عن محمد بن سلمة عنه بالإسناد المذكور ولفظه أن النساء كن إذا سلمن قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 279 ]
قام الرجال قوله وقال عثمان بن عمر سيأتي موصولا بعد أربعة أبواب من طريقة قوله وقال الزبيدي وصله الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم عنه بتمامه وفيه أن النساء كن يشهدن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سلم قام النساء فانصرفن إلى بيوتهن قبل أن يقوم الرجال قوله وقال شعيب هو بن أبي حمزة وابن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله وروايتهما موصولة في الزهريات أيضا ومراد البخاري بيان الاختلاف في نسب هند وأن منهم من قال الفراسية نسبة إلى بني فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء آخره الركعة وهم بطن من كنانة ومنهم من قال القرشية فمن قال من أهل النسب إن كنانة جماع قريش فلا مغايرة بين النسبتين ومن قال إن جماع قريش فهر بن مالك فيحتمل أن يكون اجتماع النسبتين لهند على أن أحدهما بالأصالة والأخرى بالمخالفة وأشار البخاري برواية الليث الأخيرة إلى الرد على من زعم أن قول من قال القرشية تصحيف من الفراسية لقوله فيه عن امرأة من قريش وفي رواية الكشميهني أن امرأة وقوله فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير موصول لأنها تابعية كما تقدم وكأن التقصير فيه من يحيى بن سعيد وهو الأنصاري وروايته عن بن شهاب من رواية الأقران وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين والاحتياط في اجتناب ما قد يفضى إلى المحذور وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط أن لا يستحب هذا المكث وعليه حمل بن قدامة حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام أخرجه مسلم وفيه أن النساء كن يحضرن الجماعة في المسجد وستأتى المسألة قريبا قوله باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم الغرض من هذه الترجمة بيان أن المكث المذكور في الباب قبله محله ما إذا لم يعرض ما يحتاج معه إلى القيام قوله حدثنا محمد بن عبيد أي بن ميمون العلاف وثبت كذلك في رواية بن عساكر قوله عن عمر بن سعيد أي بن أبي حسين المكي قوله عن عقبة هو بن الحارث النوفلي وللمصنف في الزكاة من رواية أبي عاصم عن عمر بن سعيد أن عقبة بن الحارث حدثه قوله فسلم فقام في رواية الكشميهني ثم قام قوله ففزع الناس أي خافوا وكانت تلك عادتهم إذا رأوا منه غير ما يعهدونه خشية أن ينزل فيهم شئ يسؤوهم قوله فرأى أنهم قد عجبوا في رواية أبي عاصم فقلت أو فقيل له وهو شك من الراوي فإن كان قوله فقلت محفوظا فقد تعين الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة عن ذلك قوله ذكرت شيئا من تبر في رواية روح عن عمر بن سعيد في أواخر الصلاة ذكرت وأنا في الصلاة وفي رواية أبي عاصم تبرا من الصدقة والتبر بكسر المثناة وسكون الموحدة الذهب الذي لم يصف ولم يضرب قال الجوهري لا يقال إلا للذهب وقد قاله بعضهم في الفضة انتهى وأطلقه بعضهم على جميع جواهر الأرض قبل أن تصاغ أو تضرب حكاه بن الأنباري عن الكسائي وكذا أشار إليه بن دريد وقيل هو الذهب المكسور حكاه بن سيده قوله يحبسنى أي ويؤلمه التفكر فيه عن التوجه والاقبال على الله تعالى وفهم منه بن بطال معنى آخر فقال فيه أن تأخير الصدقة تحبس المؤلف يوم القيامة قوله فأمرت بقسمته في رواية أبي عاصم فقسمته وفي الحديث أن المكث بعد الصلاة ليس بواجب وأن التخطي للحاجة
[ 280 ]
مباح وأن التفكير في الصلاة في أمر لا يتعلق بالصلاة لا يفسدها ولا ينقص من كمالها وأن إنشاء العزم في أثناء الصلاة على الأمور الجائزة لا يضر وفيه إطلاق الفعل على ما يأمر به الإنسان وجواز الاستنابة مع القدرة على المباشرة قوله باب الانفتال والانصراف عن اليمن والشمال قال الزين بن المنير جمع في الترجمة بين الانفتال والانصراف للإشارة إلى أنه لا فرق في الحكم بين الماكث في مصلاه إذا انفتل لاستقبال المأمومين وبين المتوجه لحاجته إذا انصرف إليها قوله وكان أنس بن مالك الخ وصله مسدد في مسنده الكبير من طريق سعيد عن قتادة قال كان أنس فذكره وقال فيه ويعيب على من يتوخى ذلك أن لا ينفتل إلا عن يمينه ويقول يدور كما يدور الحمار وقوله يتوخى بخاء غدا مشددة أي يقصد وقوله أو يعمد شك من الراوي قلت وظاهر هذا الأثر عن أنس يخالف ما رواه مسلم من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال سألت أنسا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يسارى قال أما أنا فأكثر ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه ويجمع بينهما بأن أنا عاب من يعتقد تحتم ذلك ووجوبه وأما إذا استوى الأمران فجهة اليمين أولى قوله عن سليمان هو الأعمش قوله عن عمارة في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش سمعت عمارة بن عمير وفي الإسناد ثلاثة من التابعين كوفيون في نسق آخرهم الأسود وهو بن يزيد النخعي قوله لا يجعل في رواية الكشميهني لا يجعلن بزيادة نون التأكيد قوله شيئا من صلاته في رواية وكيع وغيره عن الأعمش عند مسلم جزءا من صلاته قوله يرى بفتح أول أي يعتقد ويجوز الضم أي يظن وقوله أن حقا عليه هو بيان للجعل في قوله لا يجعل قوله أن لا ينصرف أي يرى أن عدم الانصراف حق عليه فهو من باب القلب قاله الكرماني في الجواب عن ابتدائه بالنكرة قال أو لأن النكرة المخصوصة كالمعروف قوله كثيرا ينصرف عن يساره في رواية مسلم أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله فأما رواية البخاري في تعارض حديث أنس الذي أشرت إليه عند مسلم وأما رواية مسلم فظاهرة التعارض لأنه عبر في كل منهما بصيغة أفعل قال النووي يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر وإنما كره بن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين قلت وهو موافق للاثر المذكور أولا عن أنس ويمكن أن يجمع بينهما بوجه آخر وهو أن يحمل حديث بن مسعود على حالة الصلاة في المسجد لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر ثم إذا تعارض اعتقاد بن مسعود وأنس رجح بن مسعود لأنه أعلم وأسن وأجل وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى موقفه في الصلاة من أنس وبأن في إسناد حديث أنس من تكلم فيه وهو السدي وبأنه متفق عليه بخلاف حديث أنس في الأمرين وبأن رواية بن مسعود توافق ظاهر الحال لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على جهة يساره كما تقدم ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع بين الحديثين بوجه آخر وهو أن من قال كان أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته في حال الصلاة ومن قال كان أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته في حالة استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة ومن ثم قال العلماء يستحب الانصراف
[ 281 ]
إلى جهة حاجته لكن قالوا إذا استوت الجهتان في حقه فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل التيامن كحديث عائشة المتقدم في كتاب الطهارة قال بن المنير فيه أن المندوبات قد تقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها لأن التيامن مستحب في كل شئ أي من أمور العبادة لكن لما خشي بن مسعود أن يعتقدوا وجوبه أشار إلى كراهته والله أعلم قوله باب ما جاء في الثوم هذه الترجمة والتى بعدها من أحكام المساجد وأما التراجم التي قبلها فكلها من صفة الصلاة لكن مناسبة هذه الترجمة وما بعدها لذلك من جهة أنه بني صفة الصلاة على الصلاة في الجماعة ولهذا لم يفرد ما بعد كتاب الأذان بكتاب لأنه ذكر فيه أحكام اشتراط ثم الإمامة ثم الصفوف ثم الجماعة ثم صفة الصلاة فلما كان ذلك كله مرتبطا بعضه ببعض واقتضى فضل حضور الجماعة بطريق العموم ناسب أن يورد فيه من قام به عارض كأكل الثوم ومن لا يجب عليه ذلك كالصبيان ومن تندب له في حالة كالنساء فذكر هذه التراجم فختم بها صفة الصلاة قوله الثوم بضم الثاء المثلثة والنئ بكسر النون وبعدها تحتانية ثم حمزة وقد تدغم وتقييده بالنئ حمل منه للأحاديث المطلقة في الثوم على غير النضيج منه وقوله في الترجمة والكراث لم يقع ذكره في أحاديث الباب التي ذكرها لكنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق حديث جابر كما سأذكره وهذا أولى من قول بعضهم إنه قاسه على البصل ويحتمل أن يكون استنبط الكراث من عموم الخضرات فإنه يدخل فيها دخولا أولويا لأن رائحته أشد قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم هو بكسر اللام وقوله من الجوع أو غيره لم أر التقييد بالجوع وغيره صريحا لكنه مأخوذ من كلام الصحابي في بعض طرق حديث جابر وغيره فعند مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة الحديث وله من رواية أبي نضرة عن أبي سعيد لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة والناس جياع الحديث وقال بن المنير في الحاشية ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره بآكل الثوم في المنع من المسجد قال وفيه نظر لأن آكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا المانع والمجذوم علته سماوية قال لكن قوله صلى الله عليه وسلم من جوع أو غيره يدل على التسوية بينهما انتهى وكأنه رأى قول البخاري في الترجمة وقول النبي صلى الله عليه وسلم الخ فظنه لفظ حديث وليس كذلك بل هو من تفقه البخاري وتجويزه لذكر الحديث بالمعنى قوله من أكل قال بن بطال هذا يدل على إباحة أكل الثوم لأن قوله من أكل لفظ إباحة وتعقبه بن المنير بأن هذه الصيغة إنما تعطى الوجود لا الحكم أي من وجد منه الأكل وهو أعم من كونه مباحا أو غير مباح وفي حديث أبي سعيد الذي أشرت إليه عند مسلم الدلالة على عدم تحريمه كما سيأتي قوله حدثنا يحيى هو القطان وعبيد الله هو بن عمر قوله قال في غزوة خيبر قال الداودي أي حين أراد الخروج أو حين قدم وتعقبه بن التين بأن الصواب أنه قال ذلك وهو في الغزاة نفسها قال ولا ضرورة تمنع أن يخبرهم بذلك في السفر انتهى فكأن الذي حمل الداودي على ذلك قوله في الحديث فلا يقربن مسجدنا لأن الظاهر أن المراد به مسجد المدينة فلهذا حمل الخبر على ابتداء التوجه إلى خيبر أو الرجوع إلى المدينة لكن حديث أبي سعيد عند مسلم دال على أن القول المذكور صدر منه صلى الله عليه وسلم عقب فتح خيبر فعلى هذا فقوله مسجدنا
[ 282 ]
يريد به المكان الذي أعد ليصلى فيه مدة إقامته هناك أو المراد بالمسجد الجنس والإضافة إلى المسلمين أي فلا يقربن مسجد المسلمين ويؤيده رواية أحمد عن يحيى القطان فيه بلفظ فلا يقربن المساجد ونحوه لمسلم وهذا يدفع قول من خص النهى بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي وقد حكاه بن بطال عن بعض أهل العلم ووهاه وفي مصنف عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء الباهلي النهى للمسجد الحرام خاصة أو في المساجد قال لا بل في المساجد قوله من هذه الشجرة يعنى الثوم لم أعر ف القائل يعني ويحتمل أن يكون عبيد الله بن عمر فقد رواه السراج من رواية يزيد بن الهادي عن نافع بدونها ولفظه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم يوخيبر وزاد مسلم من رواية بن نمير عن عبيد الله حتى يذهب ريحها وفي قوله شجرة مجاز لأن المعروف في اللغة أن الشجرة ما كان لها ساق وما لا ساق له يقال له نجم وبهذا فسر بن عباس وغيره قوله تعالى والنجم والشجر يسجدان ومن أهل اللغة من قال كل ما ثبتت له أرومة أي أصل في الأرض يخلف ما قطع منه فهو شجر وإلا فنجم وقال الخطابي في هذا الحديث إطلاق الشجر على الثوم والعامة لا تعرف الشجر إلا ما كان له ساق أه ومنهم من قال بين الشجر والنجم عموم وخصوص فكل نجم شجر من غير عكس كالشجر والنخل فكل نخل شجر من غير عكس قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو المسندي وأبو عاصم هو النبيلى وهو شيخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كما هنا قوله يريد الثوم لم أعرف الذي فسره أيضا وأظنه بن جريج فإن في الرواية التي تلي هذه عن الزهري عن عطاء الجزم بذكر الثوم على أنه قد اختلف في سياقه عن بن جريج فقد رواه مسلم من رواية يحيى القطان عن بن جريج بلفظ من أكل من هذه البقلة الثوم وقال مرة من أكل البصل والثوم والكراث ورواه أبو نعيم في المستخرج من طريق روح بن عبادة عن بن جريج مثله وعين الذي قال وقال مرة ولفظه قال بن جريج وقال عطاء في وقت آخر الثوم والبصل والكراث ورواه أبو الزبير عن جابر بلفظ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث قال ولم يكن ببلدنا يومئذ الثوم هكذا أخرجه بن خزيمة من رواية يزيد بن إبراهيم وعبد الرزاق عن بن عيينة كلاهما عن أبي الزبير قلت وهذا لا ينافي التفسير المتقدم إذ لا يلزم من كونه لم يكن بأرضهم أن لا يجلب إليهم حتى لو أمتنع هذا الحمل لكانت رواية المثبت مقدمة على رواية النافي والله أعلم قوله فلا يغشانا كذا فيه بصيغة النفي التي يراد بها النهى قال الكرماني أو على لغة من يجرى المعتل مجرى الصحيح أو أشبع الراوي الفتحة فظن أنها ألف والمراد بالغشيان الإتيان أي فلا يأتينا قوله في مسجدنا في رواية الكشميهني وأبي الوقت مساجدنا بصيغة الجمع قوله قلت ما يعني به لم أقف على تعيين القائل والمقول له وأظن السائل بن جريج والمسئول عطاء وفي مصنف عبد الرزاق ما يرشد إلى ذلك وجزم الكرماني بان القائل عطاء والمسئول جابر وعلى هذا فالضمير في أراه للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بضم الهمزة أي أظنه ونيئه تقدم ضبطه قوله وقال مخلد بن يزيد عن بن جريج الا نتنه بفتح النون وسكون المثناة من فوق بعدها نون أخرى ولم أجد طريق مخلد هذه موصولة بالإسناد المذكور وقد أخرج السراج عن أبي كريب عن مخلد هذا الحديث لكن قال عن أبي الزبير بدل عطاء عن جابر ولم يذكر المقصود من التعليق المذكور إلا أنه قال فيه
[ 283 ]
ألم أنهكم عن هذه البقلة الخبيئة أوالمنتنة فإن كان أشار إلى ذلك وإلا فما أظنه إلا تصحيفا فقد رواه أبو عوانة في صحيحه من طريق روح بن عبادة عن بن جريج كما قال أبو عاصم ورواه عبد الرزاق عن بن جريج بلفظ أراه يعني النيئة التي لم تطبخ وكذا لأبي نعيم في المستخرج من طريق بن أبي عدي عن بن جريج بلفظ يريد النئ الذي لم يطبخ وهو تفسير النئ بأنه الذي لم يطبخ وهو حقيقته كما تقدم وقد يطلق على أعم من ذلك وهو ما لم ينضج فيدخل فيه ما طبخ قليلا ولم يبلغ النضح قوله عن يونس هو بن يزيد قوله زعم عطاء هو بن أبي رباوفي رواية الأصيلي عن عطاء ولمسلم من وجه آخر عن بن وهب حدثني عطاء قوله أن جابر بن عبد الله زعم قال الخطابي لم يقل زعم على وجه التهمة لكنه لما كان أمرا مختلفا فيه أتى بلفظ الزعم لأن هذا اللفظ لا يكاد يستعمل إلا في أمر يرتاب به أو يختلف فيه قلت وقد يستعمل في القول المحقق أيضا كما تقدم وكلام الخطابي لا ينفى ذلك وفي رواية أحمد بن صالح الآتية عن جابر ولم يقل زعم قوله فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا شك من الراوي وهو الزهري ولم تختلف الرواة عنه في ذلك قوله أو ليقعد في بيته كذا لأبي ذر بالشك أيضا ولغيره وليقعد في بيته بواو العطف وكذالمسلم وهي أخص من الاعتزال لأنه أعم من أن يكون في البيت أو غيره قوله وأن النبي صلى الله عليه وسلم هذا حديث آخر وهو معطوف على الإسناد المذكور والتقدير وحدثنا سعيد بن عفير شوال أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى وقد تردد البخاري فيه هل هو موصول أو مرسل كما سيأتي وهذا الحديث الثاني كان متقدما على الحديث الأول بست سنين لأن الأول تقدم في حديث بن عمر وغيره أنه وقع منه صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر وكانت في ستة سبع وهذا وقع في السنة الأولى عند قدومه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزوله في بيت أبي أيوب الأنصاري كما سأبينه قوله أتى بقدر بكسر القاف وهو ما يطبخ فيه ويجوز فيه التأنيث والتذكير والتأنيث أشهر لكن الضمير في قوله فيه خضرات يعود على الطعام الذي في القدر فالتقدير أتى بقدر من طعام فيه خضرات ولهذا لما أعاد الضمير على القدر أعاده بالتأنيث حيث قال فأخبر بما فيها وحيث قال قربوها وقوله خضرات بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين كذا ضبط في رواية أبي ذر ولغيره بفتح أوله وكسر ثانيه وهو جمع خضرة ويجوز مع ضم أوله ضم الضاد وتسكينها أيضا قوله إلى بعض أصحابه قال الكرماني فيه النقل بالمعنى إذ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقله بهذا اللفظ بل قال قربوها إلى فلان مثلا أو فيه حذف أي قال قربوها مشيرا أو أشار إلى بعض أصحابه قلت والمراد بالبعض أبو أيوب الأنصاري ففي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب في قصة نزول النبي صلى الله عليه وسلم عليه قال فكان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم طعاما فإذا جئ به إليه أي بعد أن يأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه سأل عن موضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم فصنع ذلك مرة فقيل له لم يأكل وكان الطعام فيه ثوم فقال أحرام هو يا رسول الله قال لا ولكن أكرهه قوله كافإني أناجي من لا تناجى أي الملائكة وفي حديث أبي أيوب عند بن خزيمة وابن حبان من وجه آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث فلم ير فيه أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأكل فقال له ما منعك قال لم أر أثر يدك قال أستحي من ملائكة الله وليس بمحرم ولهما من حديث أم أيوب
[ 284 ]
قالت نزل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلفنا له طعاما فيه بعض البقول فذكر الحديث نحوه وقال فيه كلوا فإني لست كأحد منكم إني أخاف أوذى صاحبي قوله وقال أحمد بن صالح عن بن وهب أتى ببدر مراده أن أحمد بن صالح خالف سعيد بن عفير في هذه اللفظة فقط وشاركه في سائر الحديث عن بن وهب شوال المذكور وقد أخرجه البخاري في الاعتصام قال حدثنا أحمد بن صالح فذكره بلفظ أتى ببدر وفيه قول بن وهب يعني طبقا فيه خضرات وكذا أخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح لكن أخر تفسير بن وهب فذكره بعد فراغ الحديث وأخرجه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن بن وهب فقال بقدر بالقاف ورجح جماعة من الشراح رواية أحمد بن صالح لكون بن وهب فسر البدر بالطبق فدل على أنه حدث به كذلك وزعم بعضهم أن لفظة بقدر تصحيف لأنها تشعر بالطبخ وقد ورد يأمر بأكل البقول مطبوخة بخلاف الطبق فظاهره أن البقول كانت فيه نيئة والذي يظهر لي أن رواية القدر أصح لما تقدم من حديث أبي أيوب وأم أيوب جميعا فإن فيه التصريح بالطعام ولا تعارض بين امتناعه صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم وغيره مطبوخا وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخا فقد علل ذلك بقوله أني لست كأحد منكم وترجم بن خزيمة على حديث أبي أيوب ذكر ما خص الله نبيه به من ترك أكل الثوم ونحوه مطبوخا وقد جمل القرطبي في المفهم بين الكلب بأن الذي في القدر لم ينضج حتى تضمحل رائحته ف بقي في حكم النئ قوله ببدر بفتح الموحدة وهو الطبق سمي بذلك لاستدارته تشبيها له بالقمر عند كماله قوله ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة القدر أما رواية الليث فوصلها الذهلي في الزهريات وأما رواية أبي صفوان وهو الأموي فوصلها المؤلف في الأطعمة عن على بن المديني عنه واقتصر على الحديث الأول وكذا اقتصر عقيل عن الزهري كما أخرجه بن خزيمة قوله فلا أدرى الخ هو من كلام البخاري ووهم من زعم أنه كلام أحمد بن صالح أو من فوقه وقد قال البيهقي الأصل أن ما كان من الحديث متصلا به فهو منه حتى يجئ البيان الواضح بأنه مدرج فيه قوله عن عبد العزيز هوبن صهيب قوله سأل رجل لم أقف على تسميته وقد تقدم الكلام على إطلاق الشجرة على الثوم وقوله فلا يقربن بفتح الراء والموحدة وتشديد النون وليس في هذا تقييد النهى بالمسجد فيستدل بعمومه على إلحاق المجامع بالمساجد كمصلى العيد والجنازة ومكان الوليمة وقد ألحقها بعضهم بالقياس والتمسك بهذا العموم أولى ونظيره قوله وليقعد في بيته كما تقدم لكن قد علل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة وترك أذى المسلمين فإن كان كل منهما جزء علة اختص النهى بالمساجد وما في معناها وهذا هو الأظهر وإلا لعم النهى كل مجمع كالاسواق ويؤيد هذا البحث قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم من أكل من هذه الشجرة شيئا فلا يقربنا في المسجد قال القاضي بن العربي ذكر الصفة في الحكم يدل على التعليل بها ومن ثم رد على المازري حيث قال لو أن جماعة مسجد أكلوا كلهم ما له رائحة كريهة لم يمنعوا منه بخلاف ما إذا أكل بعضهم لأن المنع لم يختص بهم بل بهم وبالملائكة وعلى هذا يتناول المنع من تناول شيئا من ذلك ودخل المسجد مطلقا ولو كان وحده واستدل بأحاديث الباب على أن صلاة الجماعة ليست فرض عين قال بن دقيق العيد لأن اللازم من منعه أحد أمرين إما أن يكون أكل هذه الأمور مباحا فتكون صلاة الجماعة
[ 285 ]
ليست فرض عين أو حراما فتكون صلاة الجماعة فرضا وجمهور الأمة على إباحة أكلها فيلزم أن لا تكون الجماعة فرض عين وتقريره أن يقال أكل هذه الأمور جائز ومن لوازمه ترك صلاة الجماعة وترك الجماعة في حق آكلها جائز ولازم الجائز جائز وذلك ينافي الوجوب ونقل عن أهل الظاهر أو بعضهم تحريمها بناء على أن الجماعة فرض عين وتقريره أن يقال صلاة الجماعة فرض عين ولا تتم إلا بترك أكلها وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فترك أكل هذا واجب فيكون حراما أه وكذا نقله غيره عن أهل الظاهر لكن صرح بن حزم منهم بأن أكلها حلال مع قوله بان الجماعة فرض عين وانفصل عن اللزوم المذكور بأن المنع من أكلها مختص بمن علم بخروج الوقت قبل زوال الرائحة ونظيره أن صلاة الجمعة فرض عين بشروطها ومع ذلك تسقط بالسفر وهو في أصله مباح لكن يحرم على من أنشأه بعد سماع النداء وقال بن دقيق العيد أيضا قد يستدل بهذا الحديث على أن أكل هذه الأمور من الاعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة وقد يقال إن هذا الكلام خرج مخرج الزجر عنها فلا يقتضى ذلك أن يكون عذرا في تركها إلا أن تدعو إلا أكلها ضرورة قال ويبعد هذا من وجه تقريبه إلى بعض أصحابه فإن ذلك ينفى الزجر أه ويمكن حمله على حالتين والفرق بينهما أن الزجر وقع في حق من أراد إتيان المسجد والإذن في التقريب وقع في حالة لم يكن فيها ذلك بل لم يكن المسجد النبوي إذ ذاك بني فقد قدمت أن الزجر متأخر عن قصة التقريب بست سنين وقال الخطابي توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلف عن الجماعة وإنما هو عقوبة لآكله على فعله إذ حرم فضل الجماعة أه وكأنه يخص الرخصة بما لا سبب للمرء فيه كالمطر مثلا لكن لا يلزم من ذلك أن يكون أكلها حراما ولا أن الجماعة فرض عين واستدل المهلب بقوله فإني أناجي من لا تناجى على أن الملائكة أفضل من الآدميين وتعقب بأنه لا يلزم من تفضيل بعض الأفراد على بعض تفضيل الجنس على الجنس واختلف هل كان أكل ذلك حراما على النبي صلى الله عليه وسلم أو لا والراجح الحل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم وليس بمحرم كما تقدم من حديث أبي أيوب عند بن خزيمة ونقل بن التين عن مالك قال الفجل إن كان يظهر ريحه فهو كالثوم وقيده عياض بالجشاء قلت وفي الطبراني الصغير من حديث أبي الزبير عن جابر التنصيص على ذكر الفجل في الحديث لكن في إسناده يحيى بن راشد وهو ضعيف وألحق بعضهم بذلك من بفيه بخر أو به جرح له رائحة وزاد بعضهم فألحق أصحاب الصنائع كالسماك والعاهات كالمجذوم ومن يؤذى الناس بلسانه وأشار بن دقيق العيد إلى أن ذلك كله توسع غير مرضى فائدة حكم رحبة المسجد وما قرب منها حكمه ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج من وجدت منه إلى البقيع كما ثبت في مسلم عن عمر رضي الله عنه تنبيه وقع في حديث حذيفة عنبن خزيمة من أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثا وبوب عليه توقيت النهى عن إتيان الجماعة لآكل الثوم وفيه نظر لاحتمال أن يكون قوله ثلاثا يتعلق بالقول أي قال ذلك ثلاثا بل هذا هو الظاهر لأن علة المنع وجود الرائحة وهي لا تستمر هذه المدة قوله باب وضوء الصبيان قال الزين بن المنير لم ينص على حكمة لأنه لو عبر بالندب لاقتضى صحة صلاة الصبي بغير وضوء ولو عبر بالوجوب لاقتضى أن الصبي يعاقب على تركه كما هو حد الواجب فأتى
[ 286 ]
بعبارة سالمة من ذلك وإنما لم يذكر الغسل لندور موجبه من الصبي بخلاف الوضوء ثم أردفه بذكر الوقت الذي يجب فيه ذلك عليه فقال ومتى يجب عليهم الغسل والطهور وقوله والطهور من عطف العام على الخاص وليس في أحاديث الباب تعيين وقت الإيجاب إلا في حديث أبي سعيد فإن مفهومه أن غسل الجمعة لا يجب على غير المحتلم فيؤخذ منه أن الاحتلام شرط لوجوب الغسل وأما ما رواه أبو داود والترمذي وصححه وكذا بن خزيمة والحاكم من طريق عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده مرفوعا علموا الصبي الصلاة بن سبع واضربوه عليها بن عشر فهو وإن اقتضى تعيين وقت الوضوء لتوقف الصلاة عليه فلم يقل بظاهره إلا بعض أهل العلم قالوا تجب الصلاة على الصبي للأمر بضربه على تركها وهذه صفة الوجوب وبه قال أحمد في رواية وحكى البندنيجي أن الشافعي أومأ إليه وذهب الجمهور إلى أنها لا تجب عليه إلا بالبلوغ وقالوا الأمر بضربه للتدريب وجزم البيهقي بأنه منسوخ بحديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم لأن الرفع يستدعى سبق وضع وسيأتي البحث في ذلك في كتاب النكاح ويؤخذ من إطلاق الصبي على بن سبع الرد على من زعم أنه لا يسمى صبيا إلا إذا كان رضيعا ثم يقال له غلام إلى أن يصير بن سبع ثم يصير يافعا إلى عشر ويوافق الحديث قول الجوهري الصبي الغلام قوله وحضورهم بالجر عطفا على قوله وضوء الصبيان وكذا قوله وصفوفهم ثم أورد في الباب سبعة أحاديث أولها حديث بن عباس في الصلاة على القبر والغرض منه صلاة بن عباس معهم ولم يكن إذا ذاك بالغا كما سيأتي دليله في خامس أحاديث الباب وسيأتي الكلام عليه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى ثانيها حديث أبي سعيد وقد تقدم توجيه
[ 287 ]
إيراده ويأتي الكلام عليه في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى ثالثها حديث بن عباس في مبيته في بيت ميمونة وفيه وضوؤه وصلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره له على ذلك بان حوله فجعله عن يمينه وقد تقدم من هذا الوجه في أوائل كتاب الطهارة ويأتي بقية مباحثه في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى رابعها حديث أنس في صف اليتيم معه خلف النبي صلى الله عليه وسلم ومطابقته للترجمة من جهة أن اليتم دال على الصبا إذ لا يتم بعد أحتلام وقد أقره صلى الله عليه وسلم على ذلك خامسها حديث بن عباس في مجيئه إلى مني ومروره بين يدي بعض الصف ودخوله معهم وتقريره على ذلك وقال فيه إنه كان تنهز الأحلام أي قاربه وقد تقدمت مباحثه في أبواب سترة المصلي سادسها حديث عائشة في تأخير العشاء حتى قال عمر نام النساء والصبيان قال بن رشيد فهم منه البخاري أن النساء والصبيان الذين ناموا كانوا حضورا في المسجد وليس الحديث صريحا في ذلك إذ يحتمل أنهم ناموا في البيوت لكن الصبيان جمع محلى باللام فيعم من كان منهم مع أمه أو غيرها في البيوت ومن كان مع أمه في المسجد وقد أورد المصنف في البا ب الذي يليه حديث أبي قتادة رفعه أني لأقوم إلى الصلاة الحديث وفيه فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه وقد قدمنا في شرحه في أبواب الجماعة أن الظاهر أن الصبي كان مع أمه في المسجد وأن احتمال أنها كانت تركته نائما في بيتها وحضرت الصلاة فاستيقظ في غيبتها فبكى بعيد لكن الظاهر الذي فهمه أن القضاء بالمرئى أولى من القضاء بالمقدر انتهى وقد تقدمت مباحثه في أبواب المواقيت وساقه المصنف هنا من طريق معمر وشعيب بلفظ معمر ثم ساق لفظ شعيب في الباب الذي بعده وقوله قال عياش وقع في بعض الروايات قال لي عياش وهو بالتحتانية والمعجمة وتحول الإسناد عند الأكثر من بعد الزهري وأتمه في رواية المستملى ثم ختم الباب بحديث بن عباس في شهوده صلاة العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد صرح فيه بأنه كان صغيرا وسيأتي الكلام عليه في كتاب العيدين وترجم له هناك باب خروج الصبيان إلى المصلي واستشكل قوله في الترجمة وصفوفهم لأن يقتضى أن يكون للصبيان صفوف تخصهم وليس في الباب ما يدل على ذلك وأجيب بأالمراد بصفوفهم وقوفهم في الصف مع غيرهم وفقه ذلك هل يخرج من وقف معه الصبي في الصف عن أن يكون فردا حتى يسلم من بطلان صلاته عن من يمنعه أو كراهته وظاهر حديث أنس يقتضى الإجزاء فهو حجة على من منع ذلك من الحنابلة مطلقا وقد نص أحمد على أنه يجزئ في النفل دون الفرض وفيه ما فيه قوله باب خروج النساء إلى المساجد صارت والغلس أورد فيه ستة أحاديث تقدم الكلام عليها إلا الثاني والاخير وبعضها مطلق مطلق في الزمان وبعضها مقيد صارت أو الغلس فحمل المطلق في الترجمة على المقيد وللفقهاء في ذلك تفاصيل ستأتي الإشارة إلى بعضها فأول أحاديث الباب حديث عائشة في تأخير العشاء حتى نادى عمر نام النساء والصبيان وقد تقدم سادسا لأحاديث الباب الذي قبله ثانيها حديث بن عمر في النهى عن منع النساء عن المسجد ثالثها حديث أم سلمة في مكث الإمام بعد السلام حتى ينصرف النساء وقد تقدم الكلام عليه قبل أربعة أبواب رابعها حديث عائشة في صلاة الصبح بغلس ورجوع النساء متلفعات وقد تقدم الكلام عليه قبل في المواقيت خامسها حديث أبي قتادة في تخفيف الصلاة حين بكى الصبي لأجل أمه وقد تقدم
[ 288 ]
الكلام عليه في الإمامة سادسها حديث عائشة في منع نساء بني إسرائيل المساجد وسأذكر فوائده بعد الكلام على الحديث الثاني وهو حديث بن عمر قوله عن حنظلة هو بن أبي سفيان الجمحي وسالم بن عبد الله أي بن عمر قوله إذا استأذنكم نساؤكم صارت إلى المسجد لم يذكر أكثر الرواة عن حنظلة قوله صارت كذلك أخرجه مسلم وغيره وقد اختلف فيه على الزهري عن سالم أيضا النمص المصنف بعد بابين من رواية معمر ومسلم من رواية يونس بن يزيد وأحمد من رواية عقيل والسراج من رواية الأوزاعي كلهم عن الزهري بغير تقييد وكذا أخرجه المصنف في النكاح عن على بن المديني عن سفيان بن عيينة عن الزهري بغير قيد ووقع عند أبي عوانة في صحيحه عن يونس بن عبد الأعلى عن بن عيينة مثله لكن قال في آخره يعني صارت وبين بن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء أن سفيان بن عيينة هو القائل يعني وله عن سعيد بن عبد الرحمن عن بن عيينة قال قال نافع صارت وله عن يحيى بين حكيم عن بن عيينة قال جاءنا رجل فحدثنا عن نافع قال إنما هو صارت وسمي عبد الرزاق عن بن عيينة الرجل المبهم فقال بعد روايته عن الزهري قال بن عيينة وحدثنا عبد الغفار يعني بن القاسم أنه سمع أبا جعفر يعني الباقر يخبر بمثل هذا عن بن عمر قال فقال له نافع مولى بن عمرإنما ذلك صارت وكأن اختصاص الليل بذلك لكونه أستر ولا يخفى أن محل ذلك إذ أمنت المفسدة منهن وعليهن قال النووي استدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجه الأمر إلى الأزواج بالاذن وتعقبه بن دقيق العيد بأنه إن أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب هو ضعيف لكن يتقوى بأن يقال إن منع الرجال نساءهم أمر مقرر وإنما علق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز فيبقى ما عداه على المنع وفيه إشارة إلى أن يأمر المذكور لغير الوجوب لأنه لو كان واجبا لا تنفى معنى الاستئذان لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة أو الرد قوله تابعه شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن بن عمر ذكر المزي في الأطراف تبعلخلف وأبي مسعود أن هذه المتابعة وقعت بعد رواية ورقاء عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن بن عمر بهذا الحديث ولم أقف على ذلك في شئ من الروايات التي اتصلت لنا من البخاري في هذا الموضع وإنما وقعت المتابعة المذكورة عقب رواية حنظلة عن سالم وقد وصلها أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة فذكر الحديث بزيادة سيأتي ذكرها قريبا نعم إخراج البخاري رواية ورقاء في أوائل كتاب الجمعة بلفظ ائذنوا للنساء صارت إلى المساجد ولم يذكر بعده متابعة ولا غيرها ووافقه مسلم على إخرجه من هذا الوجه أيضا وزاد فيه فقال له بن له حكى إذا يتخذنه دغلا قال فضرب في صدره وقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول لا ولم أر لهذه القصة ذكرا في شئ من الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث وقد أوهم صنيع صاحب العمدة خلاف ذلك ولم يتعرض لبيان ذلك أحد من سراحه وأظن البخاري اختصرها للاختلاف في تسمية بن عبد الله بن عمر فقد رواه مسلم من وجه آخر عن بن عمر وسمي الابن بلالا فأخرجه من طريق كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم فقال بلال والله لنمنعهن الحديث وللطبراني من طريق عبد الله بن هبيرة عن بلال بن عبد الله نحوه وفيه فقلت أما أنا فسأمنع أهلي فمن شاء فليسرح أهله وفي رواية يونس عن بن شهاب الزهري عن سالم في هذا
[ 289 ]
الحديث قال فقال بلال بن عبد الله والله لنمنعهن ومثله في رواية عقيل عند أحمد وعنده في رواية شعبة عن الأعمش المذكورة فقال سالم أو بعض بنيه والله لا ندعهن يتخذنه دغلا الحديث والراجح من هذا أن صاحب القصة بلال لورود ذلك من روايته نفسه ومن رواية أخيه سالم ولم يختلف عليهما في ذلك وأما هذه الرواية الأخيرة فمرجوحة لوقوع الشك فيها ولم أره مع ذلك في شئ من الروايات عن الأعمش مسمى ولا عن شيخه مجاهد فقد أخرجه أحمد من رواية إبراهيم بن مهاجر وابن أبي نجيح وليث بن أبي سليم كلهم عن مجاهد ولم يسمه أحد منهم فإن كانت رواية عمرو بن دينار عن مجاهد محفوظة في تسميته واقدا فيحتمل أن يكون كل من بلال وواقد وقع منه ذلك إما في مجلس أو في مجلسين وأجاب بن عمر كلا منهما بجواب يليق به ويقويه اختلاف النقلة في جواب بن عمر ففي رواية بلال عند مسلم فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته يسبه مثله قط وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني السب المذكور باللعن ثلاث مرات وفي رواية زائدة عن الأعمش فانتهره وقال أف لك وله عن بن نمير عن الأعمش فعل الله بك وفعل ومثله للترمذي من رواية عيسى بن يونس ولمسلم من رواية أبي معاوية فزبره ولأبي داود من رواية جرير فسبه وغضب فيحتمل أن يكون بلال البادئ فلذلك أجابه بالسب المفسر باللعن وأن يكون حكى بدأه فلذلك أجابه بالسب المفسر بالتأفيف مع الدفع في صدره وكأن السر في ذلك أن بلالا عارض الخبر برأيه ولم يذكر علة المخالفة ووافقه حكى لكن ذكرها بقوله يتخذنه دغلا وهو بفتح المهملة ثم المعجمة وأصله الشجر الملتف ثم استعمل في المخادعة لكون المخادع يلف في ضميره أمرا ويظهر غيره وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت وحملته على ذلك الغيرة وإنما أنكر عليه بن عمر لتصريحه بمخالفة الحديث وإلا فلو قال مثلا إن الزمان قد تغير وإن بعضهن ربما ظهر منه قصد المسجد وإضمار غيره لكان يظهر أن لا ينكر عليه وإلى ذلك أشارت عائشة بما ذكر في الحديث الأخير وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه وعلى العالم بهواه وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرا إذا تكلم بما لا ينبغي له وجواز التأديب بالهجران فقد وقع في رواية بن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد فما كلمه عبد الله حتى مات وهذا إن كان محفوظا يحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث في مطلق حضور النساء الجماعة مع الرجال وهى حديث أم سلمة أن النساء كن إذا سلمن من الصلاة قن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى البح فينصرف النساء متلفعات وقد مضى الكلام عليه في أواخر صفة الصلاة وحديث عائشة ان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى الصبح فينصرف النساء متلفعات وقد تقدم شرحه في المواقيت وحديث أبى قتادة رفعه انى لاقوم في الصلاة الحديث وفيه فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه وقد تقگم شرحه في أبواب الامامة قال ولا دقيق العيد هذا الحديث عام في النساء الا أن الفقهاء خصوه بشروط منها أن لا تتطيب وهو في بعض الروايات وليخرجن تفلات (قلت) هو بفتح المثناة وكسر الفاء أي غير متطيبات ويقال امرأة تفله إذا كانت متغيرة الريح وهو عند أبى داود وابن خزيمة من حديث أبى هريرة وعند ابن حبان من حديث زيد بن خالد وأوله لا تمنعوا اماء الله مساجد الله ولمسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود إذا شهدت احدا كن المسجد فلا تمسن طيبا انتهى
[ 290 ]
قال ويلحق بالطيب ما في معناه لان سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلى الذى يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر الا ان أخذ الخوف علهيا من جهتها لانها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الا من عليها ولا سيما إذا كان ذلك بالليل وقد ورد في بعض طرق هذا الحطيث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد وذلك في رواية حبيب بنأبى ثابت عن ابن عمر بلفظ لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة ولاحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعد ية أنها جاءت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انى أحب الصلاة معك قال قد علمت وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدا الجماعة واسناد أحمد حسن وله شاهد من حديث وله شاهد من حديث ابن مسعود وعند أبى داود ووجه كون صلاتها في الاخفاء أفضل تحقق الا من يه من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء مطلقا وفيه نظر إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لانها علقته على شرط لم يوجبهاء على ظن ظنته فقالت لو رأى لمنع فيقال عليه لم يرو لم يمنع فاستمر الحكم حتى أن عائشة لم تصرح بالمنع وان كان كلاما يشعر بأنها كانت ترى المنع وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى الى نبيه بمنعهن ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المسجاد لكان منعهن من غيرها كالاسواق أولى وأيضا فالاحداث انما وقع من بعض النساء لامن جميعهن فان تعين المنع فليكن لمن أحدثت والاولى وأيضا فالاحادث انما وقع من بعض النساء لامن جميعهن فان تعين المنع فليكن لمن أحدثت والاولى أن ينظر الى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لاشارته صلى الله عليه وسلم الى ذلك بمنع التطيب والزينة وكذلك التقييد بالليل كما سبق قوله في حديث عائشة آخر أحاديث الباب كما منعت نساء بني إسرائيل وقول عمرة نعم في جواب سؤال يحيى بن سعيد لها بظهر أنها تلقته عن عائشة ويحتمل أن يكون عن غيرها وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفا أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولفظه قالت كن نساء بني إسرائيل يتخذن طبعة من خشب يتشرف للرجال في المساجد فحرم الله عليهن المساجد وسلطت عليهن الحيضة وهذا وأن كاموقوفا فحكمه حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي وروى عبد الرزاق أيضا نحوه بإسناد صحيح عن بن مسعود وقد أشرت إلى ذلك في أول كتاب الحيض تنبيه وقع في رواية كريمة عقب الحديث الثاني من هذا الباب باب انتظار الناس قيام الإمام العالم وكذا في نسخة الصغائى وليس ذلك بمعتمد إذ لا تعلق لذلك بهذا الموضع بل قد تقدم في موضعه من الإمامة بمعناه قوله باب صلاة النساء خلف الرجال أورد فيه حديث أم سلمة في مكث الرجال بعد التسليم وقد تقدم الكلام عليه ومطابقته للترجمة من جهة أن صف النساء لو كان إمام الرجال أو بعضهم للزم من انصرافهن قبلهم أن يتخطينهم وذلك منهى عنه ثم أورد فيه حديث أنس في صلاة أم سليم خلفه واليتيم معه وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدم الكلام عليه في آخر أبواب الصفوف وقوله فيه فقمت ويتيم خلفه فيه شاهد لمذهب الكوفيين في إجازة العطف على الضمير المرفوع المتصل بدون التأكيد قوله باب سرعة انصرف
[ 291 ]
النساء من الصبح قيد بالصبح لأن المريض التأخير فيه يفضى إلى الإسفار فناسب الإسراع بخلاف العشاء فإنه يفضى إلى زيادة الظلمة فلا يضر المكث قوله سعيد بن منصور هو من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كما هنا قوله فينصرفن هو على لغة بني الحارث وكذا قوله لا يعرفن بعضهن بعضا وهذا في رواية الحموي والكشميهني ولغيرهما لا يعرف بالافراد على الجادة قوله نساء المؤمنين ذكر الكرماني أن في بعض النسخ نساء المؤمنات وذكر توجيهه وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في أبواب المواقيت قوله باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد أورد فيه حديث بن عمر وقد تقدم الكلام عليه قريبا لكن أورده هنا من طريق يزيد بن زريع عن معمر وليس فيه تقييد بالمسجد نعم أخرجه الاسماعيلي من هذا الوجه بذكر المسجد وكذا أخرجه أحمد عن عبد الأعلى عن معمر وزاد فيه زيادة ستأتي قريبا ومقتضى الترجمة أن جواز الخروج يحتاج إلى إذن الزوج وقد تقدم البحث فيه أيضا والله المستعان خاتمة اشتملت أبواب صفة الصلاة الى هنا من الأحاديث المرفوعة على مائة وثمانين حديث المعلق منها ثمانية وثلاثون حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيها وفيما مضى مائة حديثن وخمسة أحاديث وهي جملة المعلق إلا ثلاثة منه وسبعون أخرى موصولة فالخالص منها خمسة وسبعون منها الثلاثة المعلقة وافقه مسلم على تخريجها سوى ثلاثة عشر حديثا وهي حديث ابن عمر في الرفع عند القيام من الرجعتين وحديث أنس في النهي عن رفع البصر في الصلاة وحديث عائشة في أن الالتفات اختلاس من الشيطان وحديث زيد بن ثابت في قراءة الأعراف في المغرب وحديث أنس في قراءة الرجل قل هو الله أحد وهو معلق وحديث أبي بكرة في الركوع دون الصف وحديث أبي هريرة في جمع الإمام بين التسميع والتحميد وحديث رفاعة في القول في الإعتدال وحديث أبي سعيد في الجهر بالتكبير وحديث ابن عمر في سنة الجلوس في المنكدر وحديث أم سلمة في سرعة انصراف النساء بعد السلام وحديث أبي هريرة لا يتطوع الإمام في مكانه وهو معلق وحديث عقبة بن الحارث في قسمة التبر وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة وغيرهم ستة عشر آثرا منها ثلاثة موصولة وهي حديث أبي يزيد عمرو بن سلمة في موافقته في صفة الصلاة لحديث مالك بن الحويرث وقد كرره وحديث ابن عمر في صلاته متربعا ذكره في أثناء حديثه في سنة الجلوس في المنكدر وحديثه في تطوعفي المكان الذي صلى فيه الفريضة والبقية معلقات والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين كتاب الجمعة كتاب الجمعة ثبتت هذه الترجمة للأكثر ومنهم من قدمها على البسملة وسقطت لكريمة وأبي ذر عن الحموى والجمعة بضم الميم على المشهور وقد تسكن وقرأ بها الأعمش وحكى الواحدى عن الفراء فتحها وحكى الزجاج الكسر أيضا والمراد بيان أحكام صلاة الجمعة واختلف في تسمية اليوم بذلك مع الاتفاق على أنه كان يسمي في الجاهلية العروبة بفتح العين المهملة وضم الراء وبالمواحده فقيل سمي
[ 292 ]
بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه ذكره أبو حذيفة النجاري في المبتدأ عن ابن عباس وإسناده ضعيف وقيل لأن خلق آدم جمع فيه ورد ذلك من حديث سلمان أخرجه أحمد وابن خزيمة وغيرهما في أثناء حديث وله شاهد عن ابن أبي هريرة وذكره ابن أبي حاتم موقوفا باسناد قوي وأحمد مرفوعا باسناد ضعيف وهذا أصح الأقوال ويليه ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن سيرين بسند صحيح إليه في قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فصلى بهم وذكرهم فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه ذكره ابن أبي حاتم موقوفا وقيل لأن كعب بن لؤي كان يجمع قومه فيه فيذكرهم ويأمرهم بتعطيم الحرم ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي روى ذلك الزبير في كتاب النسب عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف مقطوعا وبه جزم الفراء وغيره وقيل أن قصيا هو الذي كان يجمعهم ذكره ثعلب في أماليه وقيل سمي بذلك لاجتماع الناس الولاء فيه وبهذا جزم ابن حزم فقال إنه اسم اسلامي لم يكن في الجاهلية وإنما كان يسمى العروبة انتهى وفيه نظر فقد قال أهل اللغة أن العروبة اسم قديم كان للجاهلية وقالوا في الجمعة هو يوم العروبة فالظاهر أنهم غيروا أسماء الأيام السبعة بعد أن كانت تسمى أول أهون جبار دبار مؤنس عروبة شبار وقال الجوهري كانت العرب تسمي يوم الإثنين أهون في أسمائهم القديمة وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء وهي هذا المتعارفة الأن كالسبت والأحد الى آخرها وقيل إن أول من سمي الجمعة العروبة كعب بن لؤي وبه جزم الفراء وغيره فيحتاج من قال إنهم ومداواته إلا الجمعة فأبقوه على تسمية العروبة الى نقل خاص وذكر ابن القيم في الهدى ليوم الجمعة اثنين وثلاثين خصوصية وفيها أنها يوم عيد ولا يصام منفردا وقراءة ألم تتزيل وهل أتى في صبيحتها والجمعة والمنافقين فيها والغسل لها والطيب والسواك ولبس أحسن الثياب وتبخير المسجد والتبكير والاشتغال بالعباد حتى يخرج الخطيب والخطبة والانصات وقراءة الكهف ونفي كراهية النافلة وقت الاستواء ومنع السفر قبلها وتضعيف أجر الذاهب إليها بكل خطوة أجر سنة ونفي تسجير جهنم في يومها وساعة الاجابة وتكفير الآثام وأنها يوم المزيد والشاهد المدخر لهذا الأمة وخير أيام الأسبوع وتجتمع فيه الأرواح إن ثبت الخير فيه وذكر أشياء أخر فيها نظر وترك أشياء يطول تتبعها انتهى ملخصا والله أعلم قوله باب فرض الجمعة لقول الله تعالى إذا نودي الولاء من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع إلى هنا عند الأكثر وسياق بقية الآية في رواية كريمة وأبي ذر قوله فاسعوا فامضوا هذا في رواية أبي ذر عن الحموي وحده وهو تفسير منه للمراد بالسعي هنا بخلاف قوله في الحديث المتقدم فلا تأتوها تسعون فالمراد به الجري وسيأتي في التفسير أن عمر قرأ فامضوا وهو يؤيد ذلك واستدلال البخاري بهذه الآية على فرضية الجمعة سبقه إليه الشافعي في الأم وكذا حديث أبي هريرة ثم قال فالتنزيل ثم السنة يدلان على إيجابها قال بعدم بالإجماع أن يوم الجمعة هو الذي بين الخميس والسبت وقال الشيخ الموفق الأمر بالسعي يدل على الوجوب إذ لا يجب السعي إلا إلى واجب واختلف في وقت فرضيتها فالأكثر على أنها فرضت بالمدينة وهو مقتضى ما تقدم أن فرضيتها بالآية المذكورة وهي مدنية وقال الشيخ أبو حامد فرضت بمكة وهو غريب وقال الزين بن المنير وجه الدلالة من الآية الكريمة مشروعية النداء لها إذ الأذان من خواص الفرائض وكذا النهى عن البيع لأنه لا ينهى
[ 293 ]
عن المباح يعني نهى تحريم إلا إذا أفضى إلى ترك واجب ويضاف إلى ذلك التوبيخ على قطعها قال وأما وجه الدلالة من الحديث فهو من التعبير بالفرض لأنه للالزام وان أطلق على غير الالزام كالتقدير لكنه متعين له لاشتماله على ذكر الصرف لأهل الكتاب عن اختياره وتعيينه لهذه الأمة سواء كان ذلك وقع لهم بالتنصيص أم بالاجتهاد وفي سياق القصة اشعار بأن فرضيتها على الأعيان لا على الكفاية وهو من جهة إطلاق الفرضية ومن التعميم في قوله فهدانا الله له والناس لنا فيه تبع قوله نحن الآخرون السابقون في رواية بن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم نحن الآخرون ونحن السابقون أي الآخرون زمانا الأولون منزلة والمراد أن هذه الأمة وان تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم أول من يحشر وأول من يحاسب وأول من يقضي بينهم وأول من يدخل الجنة وفي حديث حذيفة عند مسلم نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق وقيل المراد بالسبق هنا احراز فضيلة اليوم السابق بالفضل وهو يوم الجمعة ويوم الجمعة وان كان مسبوقا بسبت قبله أو أحد لكن لا يتصور اجتماع الأيام الثلاثة متوالية الا ويكون يوم الجمعة سابقا وقيل المراد بالسبق أي إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا سمعنا وعصينا والأول أقوى قوله بيد بموحدة ثم تحتانية ساكنة مثل غير وزنا ومعنى وبه جزم الخليل والكسائي ورجحه بن سيده وروى بن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن الربيع عنه أن معنى بيد من أجل وكذا ذكره بن حبان والبغوى عن المزني عن الشافعي وقد استبعده عياض ولا بعد فيه بل معناه أنا سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم ويشهد له ما وقع في فوائد بن المقري من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ نحن الآخرون في الدنيا ونحن السابقون أول من يدخل الجنة أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وفي موطأ سعيد بن عفير عن مالك عن أبي الزناد بلفظ ذلك بأنهم أوتوا الكتاب وقال الداودي هي بمعنى على أو مع قال القرطبي إن كانت بمعنى غير فنصب على الاستثناء وان كانت بمعنى مع فنصب على الظرف وقال الطيبي هي للاستثناء وهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم والمعنى نحن السابقون للفضل غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ووجه التأكيد فيه ما أدمج فيه من مني النسخ لأن الناسخ هو السابق في الفضل وإن كان متأخرا في الوجود وبهذا التقرير يظهر موقع قوله نحن الآخرون مع كونه أمرا واضحا قوله أوتوا الكتاب اللام للجنس والمراد التوراة والإنجيل والضمير في أوتيناه للقرآن وقال القرطبي المراد بالكتاب التوراة وفيه نظر لقوله وأوتيناه من بعدهم فأعاد الضمير على الكتاب فلو كان المراد التوراة لما صح الإخبار لأنا إنما أوتينا القرآن وسقط من الأصل قوله وأوتيناه من بعدهم وهي ثابتة في رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي وابنه شيخ البخاري فيه أخرجه الطبراني في مسند الشاميين عنه وكذا لمسلم من طريق بن عيينة عن أبي الزناد وسيأتي تاما عند المصنف بعد أبواب من وجه آخر عن أبي هريرة قوله ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم كذا للأكثر وللحموي الذي فرض الله عليهم والمراد باليوم يوم الجمعة والمراد باليوم بفرضه فرض تعظيمه وأشير إليه بهذا لكونه ذكر في أول الكلام كما عند مسلم من طريق آخر عن أبي هريرة ومن حديث حذيفة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أضل الله عن الجمعة
[ 294 ]
من كان قبلنا الحديث قال بن بطال ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الإيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة ومال عياض إلى هذا ورشحه بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا وقال النووي يمكن أن الريح أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فاخطؤا انتهى ويشهد له ما رواه الطبري بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه قال أرادوا الجمعة فاخطؤا وأخذوا السبت مكانه ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى في ذلك وقد روى بن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي التصريح بأنهم فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا ولفظه إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا فجعل عليهم وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة وغير ذلك وكيف لا وهم القائلون سمعنا وعصينا قوله فهدانا الله له يحتمل أن يراد بأن نص لنا عليه وأن يراد الهداية إليه بالاجتهاد ويشهد للثاني ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل الجمعة فقالت الأنصار إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى كذلك فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره فجعلوه يوم العروبة واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ وأنزل الله تعالى بعد ذلك إذا نودي الولاء من يوم الجمعة الآية وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه بن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك قال كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسعد بن زرارة الحديث فمرسل بن سيرين بل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها ثم فقد ورد فيه حديث عن بن عباس عند الدارقطني ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه بن إسحاق وغيره وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتى البيان والتوفيق وقيل في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه والإنسان إنما خلق للعبادة فناسب أن يشتغل بالعبادة فيه ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه قوله اليهود غدا والنصارى بعد غد في رواية أبي سعيد المقبري عن أبى هريرة عند بن خزيمة فهو لنا ولليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد والمعنى أنلنا بهداية الله تعالى ولهم باعتبار اختيارهم كاظم في اجتهادهم قال القرطبي غداهنا منصوب على الظرف وهو متعلق بمحذوف وتقديره اليهود يعظمون غدا وكذا قوله بعد غد ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجنة انتهى وقال بن مالك الأصل أن يكون المخبر عنه بظرف الزمان من أسماء المعاني كقولك غدا للتأهب وبعد غد للرحيل فيقدر هنا مضافان يكون ظرفا الزمان خبرين عنهما أي تعييد اليهود غدا وتعييد النصارى بعد غد أه وسبقه إلى نحو ذلك عياض وهو أوجه من كلام القرطبي وفي الحديث دليل على فرضية الجمعة كما قال
[ 295 ]
النووي لقوله فرض عليهم فهدانا الله له فإن التقدير فرض عليهم وعلينا فضلوا وهدينا وقد وقع في روايسفيان عن أبي الزناد عند مسلم بلفظ كتب علينا وفيه أن الهداية والاضلال من اللتعالى كما هو قول أهل السنة وأن سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأمة وأن استنباط معنى من الأصل يعود عليه بالإبطال باطل وأن القياس مع وجود النص فاسد وأن الاجتهاد في زمن نزول الوحي جائز وأن الجمعة أول الأسبوع شرعا ويدل على ذلك تسمية الأسبوع كله جمعة وكانوا يسمون الأسبوع سبتا كما سيأتي في الاستسقاء في حديث أنس وذلك أنهم كانوا مجاورين لليهود فتبعوهم في ذلك وفيه بيان واضح لمزيد فضل هذه الأمة على الأمم السابقة زادها الله تعالى قوله باب فضل الغسل يوم الجمعة قال الزين بن المنير لم يذكر الحكم لما وقع فيه من الخلاف واقتصر على الفضل لأن معناه الترغيب فيه وهو القدر الذي تتفق الأدلة على ثبوته قوله وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء اعترض أبو عبد الملك فيما حكاه بن التين على هذا الشق الثاني من الترجمة فقال ترجم هل على الصبي أو النساء جمعة وأورد إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وليس فيه ذكر وجوب شهود ولا غيره وأجاب بن التين بأنه أراد سقوط الوجوب عنهم أما الصبيان فبالحديث الثالث في الباب حيث قال على كل محتلم فدل على أنها غير واجبة على الصبيان قال وقال الداودي فيه دليل على سقوطها عن النساء لأن الفروض تجب عليهن في الأكثر بالحيض لا بالاحتلام وتعقب بان الحيض في حقهن علامة للبلوغ كالاحتلام وليس الاحتلام مختصا بالرجال وإنما ذكر في الخبر لكونه الغالب وإلا فقد لا يحتلم الإنسان أصلا ويبلغ بالإنزال أو السن وحكمه حكم المحتلم وقال الزين بن المنير إنما أشار إلى أن غسل الجمعة شرع للرواح إليها كما دلت عليه الأخبار فيحتاج إلى معرفة من يطلب رواحه فيطلب غسله واستعمل الاستفهام في الترجمة للإشارة إلى وقوع الاحتمال في حق الصبي في عموم قوله أحدكم لكن تقيده بالمحتلم في الحديث الآخر يخرجه وأما النساء فيقع فيهن الاحتمال بأن يدخلن في أحدكم بطريق التبع وكذا احتمال عموم النهى في منعهن المساجد لكن تقيده صارت يخرج الجمعة أه ولعل البخاري أشار بذكر النساء إلى ما سيأتي قريبا في بعض طرق حديث نافع وإلى الحديث المصرح بأن لا جمعة على امرأة ولا صبي لكونه ليس على شرطه وإن كان الإسناد صحيحا وهو عند أبي داود من حديث طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات لكن قال أبو داود لم يسمع طارق من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه رآه أه وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق طارق عن أبي موسى الأشعري قال الزين بن المنير ونقل عن مالك أن من يحضر الجمعة من غير الرجال ان حضرها لابتغاء الفضل شرع له الغسوسائر آداب الجمعة وان حضرها لأمر اتفاقى فلا ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث نافع عن بن عمر أخرجه من حديث مالك عنه بلفظ إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وقد رواه بن وهب عن مالك أن نافعا حدثهم فذكره أخرجه البيهقي والفاء للتعقيب وظاهره أن الغسل يعقب المجئ وليس ذلك المراد وإنما التقدير إذا أراد أحدكم وقد جاء مصرحا به في رواية الليث عن نافع عند مسلم ولفظه إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ونظير ذلك قوله تعالى إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة
[ 296 ]
فإن المعنى إذا أردتم المناجاة بلا خلاف ويقوى رواية الليث حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فهو صريح في تأخير الرواح عن الغسل وعرف بهذا فساد قول من حمله على ظاهره واحتج به على أن الغسل لليوم لا الصلاة لأن الحديث واحد ومخرجه واحد وقد تبين الليث في روايته المراد وقواه حديث أبي هريرة ورواية نافع عن بن عمر لهذا الحديث مشهور جدا فقد اعتنى بتخريج طرقه أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين نفسا رووه عن نافع وقد تتبعت ما فاته وجمعت ما وقع لي من طرقه في جزء مفرد لغرض اقتضى ذلك فبلغت أسماء من رواه عن نافع مائة وعشرين نفسا فما يستفاد منه هنا ذكر سبب الحديث ففي رواية إسماعيل بن أمية عن نافع عند أبي عوانة وقاسم بن أصبغ كان الناس يغدون في أعمالهم فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب متغيرة فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من جاء منكم الجمعة فليغتسل ومنها ذكر محل القول ففي رواية الحكم بن عتيبة عن نافع عن بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد هذا المنبر بالمدينة يقول أخرجه يعقوب الجصاص في فوائد من رواية اليسع بن قيس عن الحكم وطريق الحكم عند النسائي وغيره من رواية شعبة عنه بدون هذا السياق بلفظ حديث الباب إلا قوله جاء فعنده راح وكذا رواه النسائي من رواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب ومنصور ومالك ثلاثتهم عن نافع ومنها ما يدل على تكرار ذلك ففي رواية صخر بن جويرية عن نافع عند أبي مسلم الكجي بلفظ كان إذا خطب يوم الجمعة قال الحديث ومنها زيادة في المتن ففي رواية عثمان بن حكى عن نافع عند أبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان في صحاحهم بلفظ من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ومن لم يأتها فليس عليه غسل ورجاله ثقات لكن قال البزار أخشى أن يكون عثمان بن حكى وهم فيه ومنها زيادة في المتن والإسناد أيضا أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من طرق عن مفضل بن فضاله عن عياش بن عباس الفتبانى عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن بن عمر عن حفصة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة واجبة على كل محتلم وعلى من راح إلى الجمعة الغسل قال الطبراني في الأوسط لم يروه عن نافع بزيادة حفصة الا بكير ولا عنه الا عياش تفرد به مفضل قلت رواته ثقات فإن كان محفوظا فهو حديث آخر ولا مانع أن يسمعه بن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره من الصحابة فيأتي في ثاني أحاديث الباب من رواية بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما مع اختلاف المتون قال بن دقيق العيد في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجئ إلى الجمعة واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور قالوا يجزئ من بعد الفجر ويشهد لهم حديث بن عباس الآتي قريبا وقال الأثرم سمعت أحمد سئل عمن اغتسل ثم حالا هل يكفيه الوضوء فقال نعم ولم أسمع فيه أعلى من حديث بن أبزي يشير إلى ما أخرجه به أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه وله صحبة أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ ولا يعيد الغسل ومقتضى النظر أن يقال إذا عر ف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة والتنظيف رعاية الحاضرين من التأذى بالرائحة الكريهة فمن خشي أن يصيبه في أثناء النهار
[ 297 ]
ما يزيل تنظيفه استحب له أن يؤخر الغسل لوقت ذهابه ولعل هذا هو الذي لحظه مالك فشرط اتصال الذهاب بالغسل ليحصل الأمن مما يغاير التنظيف والله أعلم قال بن دقيق العيد ولقد أبعد الظاهري إبعادا يكاد أن يكون مجزوما ببطلانه حيث لم يشترط تقدم الغسل على إقامة صلا الجمعة حتى لو اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقا باضافه الغسل إلى اليوم يعني كما سيأتي في حديث الباب الثالث وقد تبين من بعض الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة يعني كما سيأتي من حديث عائشة بعد أبواب قال وفهم منه أن المقصود عدم تأذى الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة وكذلك أقول لو قدمه بحيث لا يتحصل هذا المقصود لم يعتد به والمعنى إذا كان معلوما كالنص قطعا أو ظنا مقارنا للقطع فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من أتباع مجرد اللفظ قلت وقد حكى بن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة ولا فعل ما أمر به وادعى بن حزم أنه قول جماعة من الصحابة والتابعين وأطال في تقرير ذلك بما هو بصدد المنع والرد يفضى إلى التطويل بما لا طائل تحته ولم يورد عن أحد ممن ذكر التصريح بأجزاء الاغتسال بعد صلاة الجمعة وإنما أورد عنهم ما يدل على أنه لا يشترط اتصال الغسل بالذهاب إلى الجمعة فأخذ هو منه أنه لا فرق بين ما قبل الزوال أو بعده والفرق بينهما ظاهر كالشمس والله أعلم واستدل من مفهوم الحديث على أن الغسل لا يشرع لمن لم يحضر الجمعة وقد تقدم التصريح بمقتضاه في آخر رواية عثمان بن حكى عن نافع وهذا هو الأصح عند الشافعية وبه قال الجمهور خلافا لأكثر الحنفية وقوله فيه الجمعة المراد به الصلاة أو المكان الذي تقام فيه وذكر المجئ لكونه الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به واستدل به على أن الأمر لا يحمل على الوجوب إلا بقرينة لقوله كان يأمرنا مع أن الجمهور حملوه على الندب كما سيأتي في الكلام على الحديث الثالث وهذا بخلاف صيغة أفعل فإنها على الوجوب حتى تظهر قرينة على الندب الحديث الثاني حديث مالك عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة الحديث أورده من رواية جويرية بن أسماء عن مالك وهو عند رواة الموطأ عن مالك ليس فيه ذكر بن عمر فحكى الاسماعيلي عن البغوي بعد أن أخرجه من طريق روح بن عبادة عن مالك أنه لم يذكر في هذا الحديث أحد عن مالك عبد الله بن عمر غير روح بن عبادة وجويريه أه وقد تابعهما أيضا عبد الرحمن بن مهدي أخرجة أحمد بن حنبل عنه بذكر بن عمر وقال الدارقطني في الموطأ رواه جماعة من أصحاب مالك الثقات عنه خارج الموطأ موصولا عنهم فذكر هؤلاء الثلاثة ثم قال وأبو عاصم النبيل وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم وعبد الوهاب بن عطاء وذكر جماعة غيرهم في بعضهم مقال ثم ساق أسانيدهم إليهم بذلك وزاد بن عبد البر فيمن وصله عن مالك القعنبي في رواية إسماعيل إسحاق القاضي عنه ورواه عن الزهري موصولا يونس بن يزيد عند مسلم ومعمر عند أحمد وأبو أويس عند قاسم بن أصبغ ولجويرية بن أسماء فيه إسناد آخر أعلى من روايته عن مالك أخرجه الطحاوي وغيره من رواية أبي غسان عنه عن نافع عن بن عمر رضي الله عنهما قوله بينا أصله بين وأشبعت الفتحة وقد تبقى بلا إشباع ويزاد فيها ما فتصير بينما وهي رواية يونس وهي ظرف زمان فيه معنى المفأجاة قوله إذ جاء رجل في رواية
[ 298 ]
المستملى والأصيلي وكريمة إذ دخل قوله من المهاجرين الأولين قيل في تعريفهم من صلى إلى القبلتين وقيل من شهد بدرا وقيل من شهد بيعة الرضوان ولا شك أنها مراتب نسبية والأول أولى في التعريف لسبقه فمن هاجر بعد تحويل القبلة وقيل وقعة بدر هو آخر بالنسبة إلى من هاجر قبل التحويل وقد سمي بن وهب وابن القاسم في روايتهما عن مالك في الموطأ الرجل المذكور عثمان بن عفان وكذا سماه معمر في روايته عن الزهري عند الشافعي وغيره وكذا وقع في رواية بن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع عن بن عمر قال بن عبد البر لا أعلم خلافا في ذلك وقد سماه أيضا أبو هريرة في روايته لهذه القصة عند مسلم كما سيأتي بعد بابين قوله فناداه أي قاله له يا فلان قوله أية ساعة هذه أية بتشديد التحتانية تأنيث أي يستفهم بها والساعة اسم لجزء من النهار مقدر وتطلق على الوقت الحاضر وهو المراد هنا وهذا الاستفهام استفهام توبيخ وانكار وكأنه يقول لم تأخرت إلى هذه الساعة وقد ورد التصريح بالإنكار في رواية أبي هريرة فقال عمر لم تحتبسون عن الصلاة وفي رواية مسلم فعرض عنه عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء والذي يظهر أن عمر قال ذلك كله فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر ومراد عمر التلميح إلى ساعات التبكير التي وقع الترغيب فيها وأنها إذا انقضت طوت الملائكة الصحف كما سيأتي قريبا وهذا من أحسن التعريضات وأرشق الكنايات وفهم عثمان ذلك فبادر إلى الاعتذار عن التأخر قوله إني شغلت بضم أوله وقد بين جهة شغله في رواية عبد الرحمن بن مهدي حيث قال انقلبت من السوق فسمعت النداء والمراد به الأذان بين يدي الخطيب كما سيأتي بعد أبواب قوله فلم أزد على أن توضأت لم اشتغل بشئ بعد أن سمعت النداء إلا بالوضوء وهذا يدل على أنه دخل المسجد في ابتداء شروع عمر في الخطبة قوله والوضوء أيضا فيه إشعار بأنه قبل عذره في ترك التبكير لكنه استنبط منه معنى آخر اتجه له عليه فيه إنكار ثان مضاف إلى الأول وقوله والوضوء في روايتنا بالنصب وعليه اقتصر النووي في شرح مسلم أي والوضوء أيضا اقتصرت عليه أو اخترته دون الغسل والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي والوضوء أيضا يقتصر عليه وأغرب السهيلي فقال اتفق الرواة على الرفع لأن النصب يخرجه إلى معنى الإنكار يعني والوضوء لا فقلنا وجوابه ما تقدم والظاهر أن الواو عاطفة وقال القرطبي هي عوض عن همزة استفهام كقراءة بن كثير قال فرعون وآمنتم به وقوله أيضا أي ألم يكفك أن فاتك فضل التبكير إلأى الجمعة حتى أضفت إليه ترك الغسل المرغب فيه ولم أقف في شئ من الروايات على جواب عثمان عن ذلك والظاهر أنه سكت عنه اكتفاء بالاعتذار الأول لأنه قد أشار إلى أنه كان ذاهلا عن الوقت وأنه بادر عند سماع النداء وإنما ترك الغسل لأنه تعارض عنده إدراك سماع الخطبة والاشتغال بالغسل وكل منهما مرغب فآثر سماع الخطبة ولعله كان يرى فرضيته فلذلك آثره والله أعلم قوله كان يأمر بالغسل كذا في جميع الروايات لم يذكر المأمور إلا أن في رواية جويرية عن نافع بلفظ كنا نؤمر وفي حديث بن عباس عند الطحاوي في هذه القصة أن عمر قال له لقد علم أنا أمرنا بالغسل قلت أنتم المهاجرون الأولون أم الناس جميعا قال لا أدرى رواته ثقات إلا أنه معلول وقد وقع في رواية أبي هريرة في هذه القصة أن
[ 299 ]
عمر قال ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل كذا هو في الصحيحين وغيرهما وهو ظاهر في عدم التخصيص بالمهاجرين الأولين وفي هذا الحديث من الفوائد القيام في الخطبة وعلى المنبر وتفقد الإمام رعيته وأمره لهم بمصالح دينهم وإنكاره على من أخل بالفضل وان كان عظيم المحل ومواجهته بالإنكار ليرتدع من هو دونه بذلك وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أثناء الخطبة لا يفسدها وسقوط منع الكلام عن المخاطب بذلك وفيه الاعتذار إلى ولاة الأمر وإباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء ولو أفضى إلى ترك فضيلة البكور إلى الجمعة لأن عمر لم يأمر برفع السوق بعد هذه القصة واستدل به مالك على أن مالك على أن السوق لا تمنع يوم الجمعة قبل النداء لكونها كانت في زمن عمر ولكون الذاهب إليها مثل عثمان وفيه شهود الفضلاء السوق ومعاناة المتجر فيها وفيه أن فضيلة التوجه إلى الجمعة إنما تحصل قبل التأذين وقال عياض فيه حجة لأن السعي إنما يجب بسماع الأذان وأن شهود الخطبة لا يجب وهو مقتضى قول أكثر المالكية وتعقب بأنه لا يلزم من التأخير إلسماع النداء فوات الخطبة بل تقدم ما يدل على أنه لم يفت عثمان من الخطبة شئ وعلى تقدير أن يكون فاته منها شئ فليس فيه دليل على أنه لا يجب شهودها على من تنعقد به الجمعة واستدل به على أن غسل الجمعة واجب لقطع عمر الخطبة وإنكاره على عثمان تركه وهو متعقب لأنه أنكر عليه ترك السنة المذكورة وهي التبكير إلى الجمعة فيكون الغسل كذلك وعلى أن الغسل ليس شرطا لصحة الجمعة وسيأتي البحث فيه في الحديث بعده الحديث الثالث حديث مالك أيضا عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري لم تختلف رواة الموطأ على مالك في إسناده ورجاله مدنيون كالأول وفيه رواية تابعي عن تابعي صفوان عن عطاء وقد تابع مالكا على روايته الدراوردي عن صفوان عند بن حبان وخالفهما عبد الرحمن بن إسحاق فرواه عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أخرجه أبو بكر المروذي في كتاب الجمعة له قوله غسل يوم الجمعة استدل به لمن قال الغسل لليوم للاضافة إليه وقد تقدم ما فيه واستنبط منه أيضا أن ليوم الجمعة غسلا مخصوصا حتى لو وجدت صورة الغسل فيه لم يجز عن غسل الجمعة إلا بالنية وقد أخذ بذلك أبو قتادة فقال لابنه وقد رآه يغتسل يوم الجمعة ان كان غسلك عن جنابة فأعد غسلا آخر للجمعة أخرجه الطحاوي وابن المنذر وغيرهما ووقع في رواية مسلم في حديث الباب الغسل يوم الجمعة وكذا هو في الباب الذي بعد هذا وظاهره أن الغسل حيث وجد فيه كفى لكون اليوم جعل ظرفا للغسل ويحتمل أن يكون اللام للعهد فتتفق الروايتان قوله واجب على كل محتلم أي بالغ وإنما ذكر الاحتلام لكونه الغالب واستدل به على دخول النساء فذلك كما سيأتي بعد ثمانية أبواب واستدل بقوله واجب على فرضية غسل الجمعة وقد حكاه بن المنذر عن أبي هريرة وعمار بن ياسر وغيرهما وهو قول أهل الظاهر وإحدى عن أحمد وحكاه بن حزم عن عمر وجمع جم من الصحابة ومن بعدهم ثم ساق الرواية عنهم لكن ليس فيها عن أحد منهم التصريح بذلك إلا نادرا وإنما اعتمد في ذلك على أشياء محتملة كقول سعد ما كنت أظن مسلما يدع غسل يوم الجمعة وحكاه بن المنذر والخطابي عن مالك وقال القاضي عياض وغيره ليس ذلك بمعروف في مذهبه قال بن دقيق العيد قد نص
[ 300 ]
مالك على وجوبه فحمله من لم يمارس مذهبه على ظاهره وأبي ذلك أصحابه أه والرواية عن مالك بذلك في التمهيد وفيه أيضا من طريق أشهب عن مالك أنه سئل عنه فقال حسن وليس بواجب وحكاه بعض المتأخرين عن بخزيمة من أصحابنا وهو غلط عليه فقد صرح في صحيحه بأنه على الاختيار واحتج لكون مندوبا بعدة أحاديث في عدة تراجم وحكاه شارح الغنية لابن سريج قولا للشافعي واستغرب وقد قال الشافعي في الرسالة بعد أن أورد حديثي بن عمر وأبي سعيد احتمل قوله واجب معنيين الظاهر منهما أنه واجب فلا تجزى الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل واحتمل أنه واجب في الاختيار وكرم الأخلاق والنظافة ثم استدل للاحتمال الثاني بقصة عثمان مع عمر التي تقدمت قال فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ولم يأمره عمر بالخروج للغسل دل ذلك على أنهما قد علما أن الأمر بالغسل للاختيار أه وعلى هذا الجواب عول أكثر المصنفين في هذه المسألة كابن خزيمة والطبري والطحاوي وابن حبان وابن عبد البر وهلم جرا وزاد بعضهم فيه أن من حضر من الصحابة وافقوهما على ذلك فكان إجماعا منهم على أن الغسل ليس شرطا في صحة الصلاة وهو استدلال قوي وقد نقل الخطابي وغيره الإجماع على أن صلاة الجمعة بدون الغسل مجزئة لكن حكى الطبري عن قوم أنهم قالوا بوجوبه ولم يقولوا إنه شرط بل هو واجب مستقل تصح الصلاة بدونه كأن أصله قصد التنظيف وإزالة الروائح الكريهة التي يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس وهو موافق لقول من قال يحرم أكل الثوم على من قصد الصلاة في الجماعة ويرد عليهم أنه يلزم من ذلك تأثيم عثمان والجواب أنه كان معذورا لأنه إنما تركه ذاهلا عن الوقت مع أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار لما ثبت في صحيح مسلم عن حمران أن عثمان لم يكن يمضى عليه يوم حتى يفيض عليه الماء وإنما لم يعتذر بذلك لعمر كما اعتذر عن التأخر لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة كما هو الأفضل وعن بعض الحنابلة التفصيل بين ذي النظافة وغيره فيجب على الثاني دون الأول نظرا إلى العلة حكاه صاحب الهدى وحكى بن المنذر عن إسحاق بن راهويه أن قصة عمر وعثمان أخذت على وجوب الغسل لا على عدم وجوبه من جهة ترك عمر الخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على رؤوس الناس فلو كان ترك الغسل مباحا لما فعل عمر ذلك وإنما لم يرجع عثمان للغسلضيق الوقت إذ لو فعل لفاتته الجمعة أو لكونه كان اغتسل كما تقدم قال بن دقيق العيد ذهب الأكثرون إلى استحباب غسل الجمعة وهو محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر وقد أولوا صيغة الأمر على الندب وصيغة الوجوب على التأكيد كما يقال إكرامك على واجب وهو تأويل ضعيف إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا على هذا الظاهر وأقوى ما عارضوا به هذا الظاهر حديث من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمتومن اغتسل فالغسل أفضل ولا يعارض سنده سند هذه الأحاديث قال وربما تأولوه تأويلا مستكرها كمن حمل لفظ الوجوب على السقوط انتهى فأما الحديث فعول على المعارضة به كثير من المصنفين ووجه الدلالة منه قوله فالغسل أفضل فانه يقتضى اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل فيستلزم أجزاء الوضوء ولهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها رواية الحسن عن سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حبان وله علتان إحداهما أنه من عنعنة الحسن والأخرى أنه اختلف عليه فيه وأخرجه بن ماجة
[ 301 ]
من حديث أنس والطبراني من حديث أنس والطبراني من حديث عبد الرحمن بن سمرة والبزار من حديث أبي سعيد وابن عدي من حديث جابر وكلها ضعيفة وعارضوا أيضا بأحاديث منها الحديث الآتي في الباب الذي بعده فإن فيه وأن يستن وأن يمس طيبا قال القرطبي ظاهره وجوب الاستنان والطيب لذكرهما بالعاطف فالتقدير الغسل واجب والاستنان والطيب كذلك قال وليسا بواجبين اتفاقا فدل على أن الغسل ليس بواجب إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد انتهى وقد سبق إلى ذلك الطبري والطحاوي وتعقبه بن الجوزي بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف وقال بن المنير في الحاشية أن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه لأن للقائل أن يقول أخرج بدليل فبقي ما عداه على الأصل وعلى أن دعوى الإجماع في الطيب مردودة فقد روى سفيان بن عيينة في جامعه عن أبي هريرة أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة وإسناده صحيح وكذا قال بوجوبه بعض أهل الظاهر ومنها حديث أبي هريرة مرفوعا من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت ورجاله له أخرجه مسلم قال القرطبي ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه النصارى المقتضى للصحة فدل على أن الوضوء كاف وأجيب بأنه ليس فيه نفى الغسل وقد ورد من وجه آخر في الصحيحين بلفظ من اغتسل فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء ومنها حديث بن عباس أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو فقال لا ولكنه أطهر لمن اغتسل ومن لم يغتسل فليس بواجب عليه وسأخبركم عن بدالغسل كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون وكان مسجدهم ضيقا فلما آذى بعضهم بعضا قال النبي صلى الله عليه وسلم أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا قال بن عباس ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع المسجد أخرجه أبو داود والطحاوي وإسناده حسن لكن الثابت عن بن عباس خلافه كما سيأتي قريبا وعلى تقدير الصحة فالمرفوع منه ورد بصيغة الأمر الدالة على الوجوب وأما نفى الوجوب فهو موقوف لأنه من استنباط بن عباس وفيه نظر إذ لا يلزم من زوال السبب زوال المسبب كما في الرمل والجمار على تقدير تسليمه فلمن قصر الوجوب على من به رائحة كريهة أن يتمسك به ومنها حديث طاوس قلت لابن عباس زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رءوسكم الا أن تكونوا جنبا الحديث قال بن حبان بعد أن أخرجه فيه أن غسل الجمعة يجزئ عنه غسل الجناية وأن غسل الجمعة ليس بفرض إذ لو كان فرضا لم يجز عنه غيره انتهى وهذه الزيادة الا أن تكونوا جنبا تفرد بها بن إسحاق عن الزهري وقد رواه شعيب عن الزهري بلفظ وأن تكونوا جنبا وهذا هو المحفوظ عن الزهري كما سيأتي بعد بابين ومنها حديث عائشة الآتي بعد أبواب بلفظ لو اغتسلتم ففيه عرض وتنبيه لا حتم ووجوب وأجيب بأنه ليس فيه نفى الوجوب وبأنه سابق على الأمر به والإعلام بوجوبه ونقل الزين بن المنير بعد قول الطحاوي لما ذكر حديث عائشة فدل على أن الأمر بالغسل لم يكن للوجوب وإنما كان لعله ثم ذهبت تلك العلة فذهب الغسل وهذا من الطحاوي يقتضى سقوط الغسل أصلا فلا يعد فرضا ولا مندوبا لقوله زالت العلة الخ فيكون مذهبا ثالثا في المسألة انتهى ولا يلزم من زوال العلة سقوط الندب تعبدا ولا سيما مع احتمال وجود العلة المذكورة ثم أن هذه الأحاديث كلها لو سلمت
[ 302 ]
لما دلت الا على نفى اشتراط الغسل لا على الوجوب المجرد كما تقدم وأما ما أشار إليه بن دقيق العيد من أن بعضهم أوله بتأويل مستكره فقد نقله بن دحية عن القدوري من الحنفية وأنه قال قوله واجب أي ساقط وقوله على بمعنى عن فيكون المعنى أنه غير السري ولا يخفى ما فيه من التكلف وقال الزين بن المنير أصل الوجوب في اللغة السقوط فلما كان في الخطاب على المكلف عبء ثقيل كان كل ما أكد طلبه منه يسمى واجبا كأنه سقط عليه وهو أعم من كونه فرضا أو ندبا وهذا سبقه بن بزيزة إليه ثم تعقبه بان اللفظ الشرعي خاص بمقتضاه شرعا لا وضعا وكأن الزين استشعر هذا الجواب فزاد أن تخصيص الواجب بالفرض اصطلاح حادث وأجيب بان وجب في اللغة لم ينحصر في السقوط بل ورد بمعنى مات وبمعنى اضطرب وبمعنى لزم وغير ذلك والذي يتبادر إلى الفهم منها في الأحاديث أنها بمعنى لزم لا سيما إذا سيقت لبيان الحكم وقد تقدم في بعض طرق حديث بن عمر الجمعة واجبة على كل محتلم وهو بمعنى اللزوم قطعا ويؤيده أن في بعض طرق حديث الباب واجب كغسل الجنابة أخرجه بن حبان من طريق الدراوردي عن صفوان بن سليم وظاهره اللزوم وأجاب عنه بعض القائلين بالندبية بان التشبيه في الكيفية لا في الحكم وقال بن الجوزي يحتمل أتكون يسير الوجوب اني من بعض الرواة أو ثابتة ونسخ الوجوب ورد بان الطعن في الروايات الثابتة بالظن الذي لا مستند له لا يقبل والنسخ لا يصار إليه الا بدليل ومجموع الأحاديث يدل على استمرار الحكم فإن في حديث عائشة أن ذلك كان في أول الحال حيث كانوا مجهودين وأبو هريرة وابن عباس إنما صحبا النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن حصل التوسع بالنسبة إلى ما كانوا فيه أولا ومع ذلك فقد سمع كل منهما منه صلى الله عليه وسلم الأمر بالغسل والحث عليه والترغيب فيه فكيف يدعي النسخ بعد ذلك فائدة حكى بن العربي وغيره أن بعض أصحابهم قالوا يجزئ عن الاغتسال للجمعة التطيب لأن المقصود النظافة وقال بعضهم لا يشترط له الماء المطلق بل يجزئ بماء الورد ونحوه وقد عاب بن العربي ذلك وقال هؤلاء وقفوا مع المعنى وأغفلوا المحافظة على التعبد بالمعين والجمع بين التعبد والمعنى أولى انتهى وعكس ذلك قول بعض الشافعية بالتيمم فإنه تعبد دون نظر إلى المعنى وأما الاكتفاء بغير الماء المطلق فمردود لأنها عبادة لثبوت الترغيب فيها فيحتاج إلى النية ولو كان لمحض النظافة لم تكن كذلك والله أعلم قوله باب الطيب للجمعة لم يذكر حكمة أيضا لوقوع الاحتمال فيه كما سبق قوله حدثنا على بن عبد الله بن جعفر كذا في رواية بن عساكر وهو بن المديني واقتصر الباقون على حدثنا على قوله قال أشهد على أبي سعيد ظاهر في أنه سمعه منه قال بن التين أراد بهذا اللفظ التأكيد للرواية انتهى وقد أدخل بعضهم بين عمرو بن سليم القائل أشهد وبين أبي سعيد رجلا كما سيأتي قوله وأن يستن أي يدلك أسنانه بالسواك قوله وأن يمس بفتح الميم على الأفصح قوله أن وجد متعلق بالطيب أي إن وجد الطيب مسه ويحتمل تعلقه بما قبله أيضا وفي رواية مسلم ويمس من الطيب ما يقدر عليه وفي رواية ولو من طيب المرأة قال عياض يحتمل قوله ما يقدر عليه إرادة التأكيد ليفعل ما أمكنه ويحتمل إرادة الكثرة والأول أظهر ويؤيده قوله ولو من طيب المرأة لأنه يكره استعماله للرجل وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه فاباحته للرجل لأجل عدم غيره يدل على تأكد الأمر في ذلك ويؤخذ من اقتصاره على المس الأخذ
[ 303 ]
بالتخفيف في ذلك قال الزين بن المنير فيه تنبيه على الرفق وعلى تيسير الأمر في التطيب بأن يكون بأقل ما يمكن حتى إنه يجزئ مسه من غير تناول قدر ينقصه تحريضا على امتثال الأمر فيقوله قال عمرو أي بن سليم راوي الخبر وهو موصول بالإسناد المذكور إليه قوله وأما الاستنان والطيب فالله أعلم هذا يؤيد ما تقدم من أن العطف لا يقتضى التشريك مجميع الوجوه وكأن القدر المشترك تأكيد الطلب للثلاثة وكأنه جزم بوجوب الغسل دون غيره للتصريح به في الحديث وتوقف فيما عداه لوقوع الاحتمال فيه قال الزين بن المنير يحتمل أن يكون قوله وأن يستن معطوفا على الجملة المصرحة بوجوب الغسل فيكون واجبا أيضا ويحتمل أن يكون مستأنفا فيكون التقدير وأن يستن ويتطيب استحبابا ويؤيد الأول ما سيأتي في آخر الباب من رواية الليث عن خالد بن يزيد حيث قال فيها أن الغسل واجب ثم قال والسواك وأن يمس من الطيب ويأتي في شرح باب الدهن يوم الجمعة حديث بن عباس وأصيبوا من الطيب وفيه تردد بن عباس في وجوب الطيب وقال بن الجوزي يحتمل أن يكون قوله وأن يستن الخ من كلام أبي سعيد خلطه الراوي بكلام النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وإنما قال ذلك لأنه ساقه بلفظ قال أبو السعيد وأن يستن وهذا لم أره في شئ من نسخ الجمع بين الصحيحن الذي تكلم بن الجوزي عليه ولا في واحد من الصحيحين ولا في شئ من المسانيد والمستخرجات بل ليس في جميع طرق هذا الحديث قال أبو سعيد فدعوى الإدراج فيه لا حقيقة لها ويلتحق بالاستنان والتطيب التزين باللباس وسيأتي استعمال الخمس التي عدت من الفطرة وقد صرح بن حبيب من المالكية به فقال يلزم الآتي الجمعة جميع ذلك وسيأتي في باب الدهن للجمعة ويدهن من دهنه ويمس من طيبه والله أعلم قوله قال أبو عبد الله أي البخاري ومراده بما ذكر أن محمد بن المنكدر وإن كان يكنى أيضا أبا بكر لكنه ممن كان مشهورا باسمه دون كنيته بخلاف أخيه أبي بكر راوي هذا الخبر فإنه لا اسم له الا كنيته وهو مدني تابعي كشيخه قوله روى عنه بكير بن الأشج وسعيد بن أبي هلال كذا في رواية أبي ذر ولغيره رواه عنه وكأن المراد أن شعبة لم ينفرد برواية هذا الحديث عنه لكن بين رواية بكير وسعيد مخالفة في موضع من الإسناد فرواية بكير موافقة لرواية شعبة ورواية سعيد أدخل فيها بين عمرو بن سليم وأبي سعيد واسطة كما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه فذكر الحديث وقال في آخره إلا أن بكيرا لم يذكر عبد الرحمن وكذلك أخرج أحمد من طريق بن لهيعة عن بكير ليس فيه عبد الرحمن وغفل الدارقطني في العلل عن هذا الكلام الأخير فجزم بأن بكيرا وسعيدا خالفا شعبة فزادا في الإسناد عبد الرحمن وقال إنهما ضبطا إسناده وجوداه وهو الصحيح وليس كما قال بل المنفرد بزيادة عبد الرحمن هو سعيد بن أبي هلال وقد وافق شعبة وبكيرا على إسقاطه محمد بن المنكدر أخو أبي بكر أخرجه بن خزيمة من طريقه والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد والذي يظهر أن عمرو بن سليم سمعه من عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه ثم لقي أبا سعيد فحدثه وس ماعه منه ليس بمنكر لأنه قديم ولد في خلافة عمر بن الخطاب ولم يوصف بالتدليس وحكى الدارقطني في العلل فيه اختلافا آخر على على بن المديني شيخ البخاري فيه فذكر أن الباغندي حدث به عنه بزيادة
[ 304 ]
عبد الرحمن أيضا وخالفه تمام عنه فلم يذكر عبد الرحمن وفيما قال نظر فقد أخرجه الاسماعيلي عن الباغندي بإسقاط عبد الرحمن وكذأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبي إسحاق بن حمزة وأبي أحمد الغطريفي كلاهما عن الباغندي فهؤلاء ثلاثة من الحفاظ حدثوا به عن الباغندي فلم يذكروا عبد الرحمن في الإسناد فلعل الوهم فيه ممن حدث به الدارقطني عن الباغندي وقد وافق البخاري علترك ذكره محمد بن يحيى الذهلي عند الجوزقي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة عند بن خزيمة وعبد العزيز بن سلام عند الاسماعيلي وإسماعيل القاضي عند بن منده في غرائب شعبة كلهم عن على بن المديني ووافق على بن المديني على ترك ذكره أيضا إبراهيم بن محمد بن عرعرة عن حرمي بن عمارة عند أبي بكر المروذي في كتاب الجمعة له ولم أقف عليه من حديث شعبة إلا من طريق حرمي وأشار بن منده إلى أنه تفرد به عنه تنبيه ذكر المزي في الأطراف أن البخاري قال عقب رواية شعبة هذه وقال الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه ولم أقف على هذا التعليق في شئ من النسخ التي وقعت لنا من الصحيح ولا ذكره أبو مسعود ولا خلف وقد وصله من طريق الليث كذلك أحمد والنسائي وابن خزيمة بلفظ أن الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه قوله باب فضل الجمعة أورد فيه حديث مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة من اغتسل يوم الجمعة ثم راح الحديث وإسناده مدنيون ومناسبته للترجمة من جهة ما اقتضاه الحديث من مساواة المبادر إلى الجمعة للمتقرب بالمال فكأنه جمع بين عبادتين بدنية ومالية وهذه خصوصية للجمعة لم تثبت لغيرها من الصلوات قوله من اغتسل يدخل فيه كل من يصح التقرب منه من ذكر أو أنثى حر أو عبد قوله غسل الجناية بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي غسلا كغسل الجناية وهو كقوله تعالى وهي تمر مر السحاب وفي رواية بن جريج عن سمي عند عبد الرزاق فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو قول الأكثر وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجناية والحكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد عينه إلى شئ يراه وفيه حمل المرأة أيضا على الاغتسال ذلك اليوم وعليه حمل قائل ذلك حديث من غسل واغتسل المخرج في السنن على رواية من روى غسل بالتشديد قال النووي ذهب بعض أصحابنا إلى هذا وهو ضعيف أو باطل والصواب الأول انتهى وقد حكاه بن قدامة عن الإمام أحمد وثبت أيضا عن جماعة من التابعين وقال القرطبي إنه أنسب الأقوال فلا وجه لادعاء بطلانه وإن كان الأول أرجح ولعله عنى أنه باطل في المذهب قوله ثم راح زاد أصحاب الموطأ عن مالك في الساعة الأولى قوله فكأنما قرب بدنة أي تصدق بها متقربا إلى الله وقيل المراد أن للمبادر في أول ساعة وكما ما لصاحب البدنة من النصارى ممن شرع له القربان لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للامم السالفة وفي رواية بن جريج المذكورة فله من الأجر مثل الجزور وظاهره أن المراد أن النصارى لو تجسد لكان قدر الجزور وقيل ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البدانة في القيمة مثلا ويدل عليه أن في مرسل طاوس عند عبد الرزاق كفضل صاحب الجزور
[ 305 ]
على صاحب البقرة ووقع في رواية الزهري الآتية في باب الاستماع إلى الخطبة بلفظ كمثل الذي يهدى بدنة فكأن المراد بالقربان في رواية الباب الإهداء إلى الكعبة قال الطيبي في لفظ الإهداء إدماج بمعنى التعظيم للجمعة وأن المبادر إليها كمن ساق الهدى والمراد بالبدنة البعير ذكر أكان أو أنثى والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث وكذا في باقي ما ذكر وحكى بن التين عن مالك أنه كان يتعجب ممن يخص البدنة بالأنثى وقال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر البدنة لا تكون إلا من الإبل وصح ذلك عن عطاء وأما الهدى فمن الإبل والبقر والغنم هذا يسير وحكى النووي عنه أنه قال البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم وكأنه خطأ نشأ عن سقط وفي الصحاح البدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها انتهى والمراد بالبدنة هنا الناقة بلا خلاف واستدل به على أن البدنة تختص بالإبل لأنها قوبلت بالبقرة عند الإطلاق وقسم الشئ لا يكون قسيمه أشار إلى ذلك بن دقيق العيد وقال إمام الحرمين البدنة من الإبل ثم الشرع قد يقيم مقامها البقرة وسبعا من الغنم وتظهر ثمرة هذا فيما إذا قال لله على بدنة وفيه خلاف الأصح تعين الإبل إن وجدت وإلا فالبقرة أو سبع من الغنم وقيل تتعين الإبل مطلقا وقيل يتخير مطلقا قوله دجاجة بالفتح ويجوز الكسر وحكى الليث الضم أيضا وعن محمد بن حبيب أنها بالفتح من الحيوان وبالكسر من الناس واستشكل التعبير في الدجاجة والبيضة بقوله في رواية الزهري كالذي يهدى لأن الهدى لا يكون منهما وأجاب القاضي عياض تبعا لابن بطال بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه حكمه في اللفظ فيكون من الأتباع كقوله متقلدا سيفا ورمحا وتعقبه بن المنير في الحاشية بأن شرط الأتباع أن لا يصرح باللفظ في الثاني فلا يسوغ أن يقال متقلدا سيفا ومتقلدا رمحا والذي يظهر أنه من باب المشاكلة وإلى ذلك أشار بن العربي بقوله هو من تسمية الشئ باسم قرينه وقال بن دقيق العيد قوله قرب بيضة وفي الرواية الأخرى كالذي يهدى يدل على أن المراد بالتقريب الهدى وينشأ منه أن الهدى يطلق على مثل هذا حتى لو التزم هديا هل يكفيه ذلك أولا انتهى والصحيح عند الشافعية الثاني وكذا عند الحنفية والحنابلة وهذا ينبنى على أن النذر هل يسلك به مسلك جائز الشرع أو واجبه فعلى الأول يكفي أقل ما يتقرب به وعلى الثاني يحمل على أقل ما يتقرب به من ذلك الجنس ويقوى الصحيح أيضا أن المراد بالهدي هنا التصدق كما دل عليه لفظ التقرب والله أعلم قوله فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر استنبط منه الماوردي أن التبكير لا يستحب للأمام قال ويدخل للمسجد من أقرب أبوابه إلى المنبر وما قاله غير ظاهر لإمكان أن يجمع الأمرين بأن يبكر ولا يخرج من المكان المعد له في الجامع إلا إذا حضر الوقت أو يحمل على من ليس له مكان معد وزاد في رواية الزهري الآتية طووا صحفهم ولمسلم من طريقه فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر وكأن ابتداء طي الصحف عند ابتداء خروج الإمام وانتهاءه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم الذكر والمراد به ما في الخطبة من المواعظ وغيرها وأول حديث الزهري إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ونحوه في رواية بن عجلان عن سمي عند النسائي وفي رواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عند بن خزيمة على كل باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الأول فالأول فكأن المراد بقوله في رواية الزهري على باب المسجد جنس الباب ويكون من مقابلة المجموع
[ 306 ]
بالمجموع فلا حجة فيه لمن أجاز التعبير عن الإثنين بلفظ الجمع ووقع في حديث بن عمر صفة الصحف المذكورة أخرجه أبو نعيم في الحلية مرفوعا بلفظ إذا كان يوم الجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور وأقلام من نور الحديث وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة والمراد بطى الصحف طي الصحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وادراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك فإنه يكتبه الحافظان قطعا ووقع في رواية بن عيينة عن الزهري في آخر حديثه المشار إليه عند بن ماجة فمن جاء بعد ذلك فإنما يجئ لحق الصلاة وفي رواية بن جريج عن سمي من الزيادة في آخره ثم إذا استمع وأنصت ورجاله له ما بين الجمعتين زيادة ثلاثة أيام وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند بن خزيمة فيقول بعض الملائكة لبعض ما حبس فلانا فتقول اللهم أن كان ضالا المزوجات وأن كان فقيرا فأغنه وأن كان مريضا فعافه وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحض على الاغتسال يوم الجمعة وفضله وفضل التبكير إليها وأن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعهما وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغسل وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب بالبقر وهو بالاتفاق في الهدى واختلف في الضحايا والجمهور على أنها كذلك وقال الزين بن المنير فرق مالك بين التقربين باختلاف المقصودين لأن أصل مشروعية الأضحية التذكير بقصة الذبيح وهو قد فدى بالغنم والمقصود بالهدي التوسعة على المساكين فناسب البدن واستدل به على الجمعة تصح قبل الزوال كما سيأتي نقل الخلاف فيه بعد أبواب ووجه الدلالة منه تقسيم الساعة إلى خمس ثم عقب بخروج الإمام وخروجه عند أول وقت الجمعة فيقتضى أنه يخرج في أول الساعة السادسة وهي قبل الزوال والجواب أنه ليس في شئ من طرق هذا الحديث ذكر الإتيان من أول النهار فلعل الساعة الأولى منه جعلت للتأهب بالاغتسال وغيره ويكون مبدأ المجئ من أول الثانية فهي أولى بالنسبة للمجئ ثانية بالنسبة للنهار وعلى هذا فآخر الخامسة أول الزوال فيرتفع الاشكال وإلى هذا أشار الصيدلاني شارح المختصر حيث قال إن أول التبكير يكون من ارتفاع النهار وهو أول الضحى وهو أول الهاجرة ويؤيده الحث على التهجير إلى الجمعة ولغيره من الشافعية في ذلك وجهان اختلف فيهما الترجيح فقيل أول التبكير طلوع الشمس وقيل طلوع الفجر ورجحه جمع وفيه نظر إذ يلزم منه أن يكون التأهب قبل طلوع الفجر وقد قال الشافعي يجزئ الغسل إذا كان بعد الفجر فأشعر بأن الأولى أن يقع بعد ذلك ويحتمل أن يكون ذكر الساعة السادسة لم يذكره الراوي وقد وقع في رواية بن عجلان عن سمي عند النسائي من طريق الليث عنه زيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة وهي العصفور وتابعه صفوان بن عيسى عن بن عجلان أخرجه محمد بن عبد السلام الخشني وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه حميد بن زنجويه في الترغيب له بلفظ فكمهدى البدنة إلى البقرة إلى الشاة إلى علية الطير إلى العصفور الحديث ونحوه في مرسل طاوس عند سعيد بن منصور ووقع عند النسائي أيضا في حديث الزهري من رواية عبد الأعلى عن معمر زيادة البطة بين الكبش والدجاجة لكن خالفه عبد الرزاق وهو أثبت منه في معمر فلم يذكرها وعلى هذا فخروج الإمام يكون عند انتهاء السادسة وهذا كله مبنى على
[ 307 ]
أن المراد بالساعات ما يتبادر إلى الذهب الذهن إليه من العرف فيها وفيه نظر إذ لو كان ذلك المراد لاختلف الأمر في اليوم الشاتي والصائف لأن النهار ينتهى في القصر إلى عشر ساعات وفي الطول إلى أربع عشرة وهذا الاشكال للقفال وأجاب عنه القاضي حسين بأن المراد بالساعات ما لا يختلف عدده بالطول والقصر فالنهار اثنتا عشرة ساعة لكن يزيد كل منها وينقص والليل كذلك وهذه تسمى الساعات الآفاقية عند أهل الميقات وتلك التعديلية وقد روى أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث جابر مرفوعا يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة وهذا وإن لم يرد في حديث التبكير فيستأنس به في المراد بالساعات وقيل المراد بالساعات بيان مراتب المبكرين من أول النهار إلى الزوال وأنها تنقسم إلى خمس وتجاسر الغزالي فقسمها برايه فقال الأولى من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والثانية إلى ارتفاعها والثالثة إلى انبساطها والرابعة إلى أن ترمض الأقدام والخامسة إلى الزوال واعترضه بن دقيق العيد بأن الرد إلى الساعات المعروفة أولى وإلا لم يكن لتخصيص هذا العدد بالذكر معنى لأن المراتب متفاوتة جدا وأولى الأجوبة الأول إن لم تكن زيادة بن عجلان محفوظة وإلا فهي المعتمدة وانفصل المالكية إلا قليلا منهم وبعض الشافعية عن الإشكال بأن المراد بالساعات الخمس لحظات لطيفة أولها زوال الشمس وآخرها قعود الخطيب على المنبر واستدلوا على ذلك بأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود تقول جئت ساعة كذا وبأن قوله في الحديث ثم راح يدل على أن أول الذهاب إلى الجمعة من الزوال لأن حقيقة الرواح من الزوال إلى آخر النهار والغدو من أوله إلى الزوال قال المازري تمسك مالك بحقيقة الرواح وتجوز في الساعة وعكس غيره انتهى وقد أنكر الأزهري على من زعم أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال ونقل أن العرب تقول راح في جميع الأوقات بمعنى ذهب قال وهي لغة أهل الحجاز ونقل أبو عبيد في الغريبين نحوه قلت وفيه رد على الزين بن المنير حيث أطلق أن الرواح لا يستعمل في المضى في أول النهار بوجه وحيث قال إن استعمال الرواح بمعنى الغدو لم يسمع ولا ثبت ما يدل عليه ثم إني لم أر التعبير بالرواح في شئ من طرق هذا الحديث إلا في رواية مالك هذه عن سمي وقد رواه بن جريج عن سمي بلفظ غدا ورواه أبو سلمة عن أبي هريرة بلفظ المتعجل إلى الجمعة كالمهدي بدنة الحديث وصححه بن خزيمة وفي حديث سمرة ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الجمعة في التبكير كناحر البدنة الحديث أخرجه بن ماجة ولأبداود من حديث على مرفوعا إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق وتغدو الملائكة فتجلس على باب المسجد فتكتب الرجل من ساعة والرجل من ساعتين الحديث فدل مجموع هذه الأحاديث على أن المراد بالرواح الذهاب وقيل النكتة في التعبير بالرواح الإشارة إلى أن الفعل المقصود إنما يكون بعد الزوال فيسمى الذاهب إلى الجمعة رائحا وان لم يجئ وقت الرواح كما سمي القاصد إلى مكة حاجا وقد أشتد إنكار أحمد وابن حبيب من المالكية ما نقل عن مالك من كراهية التبكير إلى الجمعة وقال أحمد هذا خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتج بعض المالكية أيضا بقوله في رواية الزهري مثل المهجر لأنه مشتق من التهجروهو السير في وقت الهاجرة وأجيب بأن المراد بالتهجير هنا التبكير كما تقدنقله عن الخيل في المواقيت وقال بن المنير في الحاشية يحتمل أن يكون مشتقا من الهجير بالكسر
[ 308 ]
وتشديد الجيم وهو ملازمة ذكر الشئ وقيل هو من هجر المنزل وهو ضعيفلأن مصدره الهجر لا التهجير وقال القرطبي الحق أن التهجير هنا من الهاجرة وهو السير وقت الحر وهو صالح لما قبل الزوال وبعده فلا حجة فيه لمالك وقال التوربشتي جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار ويأخذ الحر في الازدياد من الهاجرة تغليبا بخلاف ما بعد زوال الشمس فإن الحر يأخذ في الانحطاط ومما يدل على استعمالهم التهجير في أول النهار ما أنشد بن الغلام في نوادره لبعض العرب تهجرون تهجير الفجر واحتجوا أيضا بان الساعة لو لم تطل للزم تساوى الآتين فيها والادلة تقتضي رجحان السابق بخلاف ما إذا قلنا وثلاثمائة لحظة لطيفة والجواب ما قاله النووي في شرح المهذب تبعا لغيره أن التساوى وقع في مسمى البدنة والتفاوت في صفاتها ويؤيده أن في رواية بن عجلان تكرير كل من المتقرب به مرتين حيث قال كرجل قدم بدنة وكرجل قدم بدنة الحديث ولا يرد على هذا أن في رواية بن جريج وأول الساعة وآخرها سواء لأن هذه التسوية بالنسبة إلى البدنة كما تقرر واحتج من كره التبكير أيضا بأنه يستلزم تخطى الرقاب في الرجوع لمن عرضت له حاجة فخرج لها ثم رجع وتعقب بأنه لا حرج عليه في هذه الحالة لأنه قاصد للوصول لحقه وإنما الحرج على من تأخر عن المجئ ثم جاء فتخطى والله سبحانه وتعالى أعلم قوله باب كذا في الأصل بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله ووجه تعلقه به أن فيه إشارة إلى الرد على من ادعى إجماع أهل المدينة على ترك التبكير إلى الجمعة لأن عمر أنكر عدم التبكير بمحضر من الصحابة وكبار التابعين من أهل المدينة ووجه دخوله في فضل الجمعة ما يلزم من إنكار عمر على الداخل احتباسه مع عظم شأنه فإنه لولا عظم الفضل في ذلك لما أنكر عليه وإذا ثبت الفضل في التبكير إلى الجمعة ثبت الفضل لها قوله إذا دخل رجل سماه عبيد الله بن موسى في روايته عن شيبان عثمان بن عفان أخرجه الاسماعيلي ومحمد بن سابق عن شيبان عند قاسم بن أصبغ وكذا سماه الأوزاعي عند مسلم وحرب بن شداد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير وصرح مسلم في روايته بالتحديث في جميع الإسناد وقد تقدمت بقية مباحثه في باب فضل الغسل يوم الجمعة قوله باب الدهن للجمعة أي استعمال الدهن ويجوز أن يكون بفتح الدال فلا يحتاج إلى التقدير قوله عن بن وديعة هو عبد الله سماه أبو على الحنفي عن بن أبي ذئب بهذا الإسناد عند الدارمي وليس له في البخاري غير هذا الحديث وهو تابعي جليل وقد ذكره بن سعد في الصحابة وكذا بن منده وعزاه لأبي حاتم ومستندهم أن بعض الرواة لم يذكر بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أحدا لكنه لم يصرح بسماعه فالصواب إثبات الواسطة وهذا من الأحاديث التي تتبعها الدارقطني على البخاري وذكر أنه اختلف فيه على سعيد المقبري فرواه بن أبي ذئب عنه هكذا ورواه بن عجلان عنه فقال عن أبي ذر بدل سلمان وأرسله أبو معشر عنه فلم يذكر سلمان ولا أبا ذر ورواه عبيد الله العمري عنه فقال عن أبى هريرة أه ورواية بن عجلان المذكور عند بن ماجة ورواية أبي معشر عند سعيد بن منصور ورواية العمري عند أبي يعلى فأما بن عجلان فهو دون بن أبي ذئب في الحفظ فروايته مرجوحة مع أنه محتمل أن يكون وديعة سمعه من أبي ذر وسلمان جميعا ويرجح كونه عن سلمان وروده من وجه آخر عنه أخرجه النسائي وابن خزيمة من طريق
[ 309 ]
علقمة بن قيس عن قرئع الضبي وهو بقاف مفتوحة وراء ساكنة ثم مثلثة قال وكان من القراء الأولين وعن سلمان نحوه ورجاله ثقات وأما أبو معشر فضعيف وقد قصر فيه بإسقاط الصحابي وأما العمري فحافظ وقد تابعه صالح بن جلس عن سعيد عندبن خزيمة وكذا أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج عن رجل عن سعيد وأخرجه بن السكن من وجه آخر عن عبد الرزاق وزاد فيه مع أبي هريرة عمارة بن عامر الأنصاري أه وقوله بن عامر خطأ فقد رواه الليث عن بن عجلان عن سعيد فقال عمارة بن عمرو بن حزم أخرجه بن خزيمة وبين الضحاك بن عثمان عن سعيد أن عمارة إنما سمعه من سلمان ذكره الاسماعيلي وأفاد في هذه الرواية أن سعيدا حضر أباه لما سمع هذا الحديث من بوديعة وساقه الاسماعيلي من رواية حماد بن مسعدة وقاسم بن يزيد الجرمي كلاهما عبن أبي ذئب عن سعيد عن بن وديعة ليس فيه عن أبيه فكأنه سمعه مع أبيه من بن وديعة ثم استثبت أباه فيه فكان يرويه على الوجهين وإذا تقرر ذلك عرف أن الطريق التي أختارها البخاري أتقن الروايات وبقيتها إما موافقة لها أو قاصرة عنها أو يمكن الجمع بينهما وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق فإن ثبت أن لابن وديعة صحبة ففيه تابعيان وصحابيان كلهم من أهل المدينة قوله ويتطهر ما استطاع من الطهر في رواية الكشميهني من طهر والمراد به المبالغة في التنظيف ويؤخذ من عطف على الغسل أن إفاضة الماء تكفى في حصول الغسل أو المراد به التنظيف بأخذ الشارب والظفر والعانة أو المراد بالغسل غسل الجسد وبالتطهير غسل الرأس قوله ويدهن المراد به إزالة شعث الشعر به وفيه إشارة إلى التزين يوم الجمعة قوله أو يمس من طيب بيته أي إن لم يجد دهنا ويحتمل أن يكون أو معنى الواو وإضافته إلى البيت تؤذن بان السنة أن يتخذ المرء لنفسه طيبا ويجعل استعماله له عادة فيدخره في البيت كذا قال بعضهم بناء على أن المراد بالبيت حقيقته لكن في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود أو يمس من طيب امرأته فعلى هذا فالمعنى إن لم يتخذ لنفسه طيبا فليستعمل من طيب امرأته وهو موافق لحديث أبي سعيد الماضي ذكره عند مسلم حيث قال فيه ولو من طيب المرأة وفيه أن بيت الرجل يطلق ويراد به امرأته وفي حديث عبد الله بن عمرو المذكور من الزيادة ويلبس من صالح ثيابه وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعد هذا قوله ثم يخرج زاد في حديث أبي أيوب عند بن خزيمة إلى المسجد ولأحمد من حديث أبي الدرداء ثم يمشي وعليه السكينة قوله فلا يفرق بين اثنين في حديث عبد الله بن عمرو المذكور ثم لم يتخط رقاب الناس وفي حديث أبي الدرداء ولم يتخط أحدا ولم يؤذه قوله ثم يصلي ما كتب له في حديث أبي الدرداء ثم يركع ما قضى له وفي حديث أبي أيوب فيركع إن بدا له قوله ثم ينصت إذا تكلم الإمام زاد في رواية قرئع الضبي حتى يقضي صلاته ونحوه في حديث أبي أيوب قوله ورجاله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى في رواية قاسم بن يزيد حط عنه ذنوب ما بينه وبين الجمعة الأخرى والمراد بالأخرى التي مضت بينه الليث عن بن عجلان في روايته عند بن خزيمة ولفظه ورجاله له ما بينه وبين الجمعة التي قبلها ولابن حبان من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ورجاله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام من التي بعدها وهذا الزيادة أيضا في رواية سعيد عن عمارة عن سلمان لكن لم يقل
[ 310 ]
من التي بعدها وأصله عند مسلم من حديث أبي هريرة باختصار وزاد بن ماجة في رواية أخرى عن أبي هريرة ما لم يغش الكبائر ونحوه لمسلم وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا كراهة التخطي يوم الجمعة قال الشافعي أكره التخطي إلا لمن لا يجد السبيل إلى المصلي إلا بذلك أه وهذا يدخل فيه الإمام ومن يريد وصل الصف المنقطع إن أبي السابق من ذلك ومن يريد الرجوع إلى موضعه الذي قام منه لضرورة كما تقدم واستثنى المتولي من الشافعية من يكون معظما لدينه أو علمه أو ألف مكانا يجلس فيه أنه لا كراهة في حقه وفيه نظر وكان مالك يقول لا يكره التخطي إلا إذا كان الإمام على المنبر وفيه مشروعية النافلة قبل صلاة الجمعة لقوله صلى ما كتب له ثم قال ثم ينصت إذا تكلم الإمام فدل على تقدم ذلك على الخطبة وقد بينه أحمد من حديث نبيشة الهذلي بلفظ فإن لم يجد الإمام خرج الإمام صلى ما بدا له وفيه جواز النافلة نصف النهار يوم الجمعة واستدل به على أن التبكير ليس من ابتداء الزوال لأن خروج الإمام يعقب الزوال فلا يسع وقتا يتنفل فيه وتبين بمجموع ما ذكرنا أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميع ما تقدم من غسل وتنظف وتطيب أو دهن ولبس أحسن الثياب والمشى بالسكينة وترك التخطي والتفرقة بين الإثنين وترك الأذى والتنفل والإنصات وترك اللغو ووقع في حديث عبد الله بن عمرو فمن تخطى أو لغا كانت له ظهرا ودل التقييد بعدم غشيان الكبائر على أن الذي يكفر من الذنوب هو الصغائر فتحمل المطلقات كلها على هذا المقيد وذلك أن معنى قوله ما لم تغش الكبائر إي فإنها إذا غشيت لا تكفر وليس المراد أن تكفير الصغائر شرطه اجتناب الكبائر إذ اجتناب الكبائر بمجرده يكفرها كما نطق به القرآن ولا يلزم من ذلك أن لا يكفرها إلا اجتناب الكبائر وإذا لم يكن للمرء صغائر تكفر رجى له أن يكفر عنه بمقدار ذلك من الكبائر وإلا أعطى من النصارى بمقدار ذلك وهو جار في جميع ما ورد في نظائر ذلك والله أعلم قوله ذكروا لم يسم طاوس من حدثه بذلك والذي يظهر أنه أبو هريرة فقد رواه بن خزيمة وابن حبان والطحاوي من طريق عمرو بن دينار عن طاوس عن أبي هريرة نحوه وثبت ذكر الطيب أيضا في حديث أبي سعيد وسلمان وأبي ذر وغيرهم كما تقدم قوله اغتسلوا يوم الجمعة وإن لم تكونوا جنبا معناه اغتسلوا يوم الجمعة إن كنتم جنبا للجنابة وإن لم تكونوا جنبا للجمعة وأخذ منه أن الاغتسال يوم الجمعة للجنابة يجزئ عن الجمعة سواء نواه للجمعة أم لا وفي الاستدلال به على ذلك بعد نعم روى بن حبان من طريق بن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث اغتسلوا يوم الجمعة إلا أن تكونوا جنبا وهذا أوضح في الدلالة على المطلو ب لكن رواية شعيب عن الزهري أصح قال بن المنذر حفظنا الإجزاء عن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين أه والخلاف في هذه المسألة منتشر في المذاهب واستدل به على أنه لا يجزئ قبل طلوع الفجر لقوله يوم الجمعة وطلوع الفجر أول اليوم شرعا قوله واغسلوا رءوسكم هو من عطف الخاص على العام للتنبيه على أن المطلوب الغسل التام لئلا يظن أن إفاضته الماء دون حل الشعر مثلا يجزئ في غسل الجمعة وهو موافق لقوله في حديث أبي هريرة كغسل الجنابة ويحتمل أن يراد بالثاني المبالغة في التنظيف قوله وأصيبوا من الطيب ليس في هذه الرواية ذكر الدهن المترجم به لكن لما كانت العادة تقتضي استعمال الدهن بعد غسل الرأس أشعر ذلك به كذا وجهه
[ 311 ]
الزين بن المنير جوابا لقول الداودي ليس في الحديث دلالة على الترجمة والذي يظهر أن البخاري أراد أن حديث طاوس عن بن عباس واحد ذكر فيه إبراهيم بن ميسرة الدهن ولم يذكره الزهري وزيادة الثقة الحافظ مقبولة وكأنه أراد بإيراد حديث بن عباس عقب حديث سلمان الإشارة إلى أن ما عدا الغسل من الطيب والدهن والسواك وغيرها ليس هو في التأكد كالغسل وان كان الترغيب ورد في الجميع لكن الحكم يختلف إما بالوجوب عند من يقول به أو بتأكيد بعض المندوبات على بعض قوله قال بن عباس أما الغسل فنعم وأما الطيب فلا أدرى هذا يخالف ما رواه عبيد بن السباق عن بن عباس مرفوعا من جاء إلى الجمعة فليغتسل وان كان له طيب فليمس منه أخرجه بن ماجة من رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد وصالح ضعيف وقد خالفه مالك فرواه عن الزهري عن عبيد بن السباق بمعناه مرسلا فإن كان صالح حفظ فيه بن عباس احتمل أن يكون ذكره بعد ما نسيه أو عكس ذلك وهشام المذكور في طريق بن عباس الثانية هو بن يوسف الصنعاني قوله باب يلبس أحسن ما يجد أي يوم الجمعة من الجائز أورد فيه حديث بن عمر أن عمر رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة الحديث ووجه الاستدلال به من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للجمعة وقصر الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريرا وقد تعقبه الداودي بأنه ليس في الحديث دلالة على الترجمة وأجاب بن بطال بأنه كان معهودا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه للجمعة وتبعه بن التين وما تقدم أولى وقد ورد الترغيب في ذلك في حديث أبي أيوب وعبد الله بن عمر وعند بن خزيمة بلفظ ولبس من خير ثيابه ونحوه في رواية الليث عن بن عجلان ولأبي داود من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة وأبي أمامة عن أبي سعيد وأبي هريرة نحو حديث سلمان وفيه ولبس من أحسن ثيابه وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما على أحدكم لو أتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته ووصله بن عبد البر في التمهيد من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها وفي إسناده نظر فقد رواه أبو داود من طريق عمرو بن الحارث وسعيد بن منصور عن بن عيينة وعبد الرزاق عن الثوري ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان مرسلا ووصله أبو داود وابن ماجة من وجه آخر عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن سلام ولحديث عائشة طريق عند بن خزيمة وابن ماجة وسيأتي الكلام على حديث بن عمر في كتاب اللباس وقوله سيراء بكسر المهملة وفتح التحتانية ثم راء ثم الفساد أي حرير قال بن قرقول ضبطناه عن المتقنين بالإضافة كما يقال ثوب خز وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل قال الخطابي يقال حلة سيراء كناقة عشراء ووجهه بن التين فقال يريد أن عشراء مأخوذ من عشرة أي أكملت الناقة عشرة أشهر فسميت عشراء وكذلك الحلة سميت سيراء لأنها ماخوذة من السيور هذا وجه التشبيه وعطارد صاحب الحلة هو بن حاجب التميمي وقوله فكساها أخا له بمكة مشركا سيأتي أن اسمه عثمان بن حكيم وكان أخا عمر من أمه وقيل غير ذلك وقد اختلف في إسلامه والله أعلم قوله باب السواك يوم الجمعة أورد فيه حديثا معلقا وثلاثة موصولة
[ 312 ]
والمعلق طرف من حديث أبي سعيد المذكور في باب الطيب للجمعة فإن فيه وأن يستن أي يدلك أسنانه بالسواك وأما الموصولة فأولها حديث أبي هريرة لولا أن أشق ومطابقته للترجمة من جهة اندراج الجمعة في عموم قوله كل صلاة وقال الزين بن المنير لما خصت الجمعة بطلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب ناسب ذلك تطييب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة وإزالة ما يضر الملائكة وبنى آدم ثاني الموصولة حديث أنس أكثرت عليكم في السواك قال بن رشيد مناسبته للذي قبله من جهة أن سبب منعه من إيجاب السواك واحتياجه إلى الاعتذار عن إكثاره عليهم فيه وجود المشقة ولا مشقة في فعل ذلك في يوم واحد وهو يوم الجمعة ثالث الموصولة حديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه ووجه مناسبته أنه شرع في الليل لتجمل الباطن فيكون في الجمعة أحرى لأنه شرع لها التجمل في الباطن والظاهر وقد تقدم الكلام على حديث حذيفة في آخر كتاب الوضوء وأما حديث أبي هريرة فلم يختلف على مالك في إسناده وإن كان له في أصل الحديث إسناد آخر بلفظ آخر سيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى قوله أو لولا أن أشق على الناس هو شك من الراوي ولم أقف عليه بهذا اللفظ في شئ من الروايات عن مالك ولا عن غيره وقد أخرجه الدارقطني في الموطآ ت من طريق الموطأ لعبد آله بن يوسف شيخ البخاري فيه بهذا الإسناد بلفظ أو على الناس لم يعد قوله لولا أن أشق وكذا رواه كثير من رواة الموطأ ورواه أكثرهم بلفظ المؤمنين بدل أمتي ورواه يحيى بن يحيى المؤذن بلفظ على أمتي دون الشك قوله لأمرتهم بالسواك أي باستعمال السواك لأن السواك هو الآلة وقد قيل إنه يطلق على الفعل أيضا فعلى هذا لا تقدير والسواك مذكر على الصحيح وحكى في المحكم تأنيثه وأنكر ذلك الأزهري قوله مع كل صلاة لم أرها أيضا في شئ من روايات الموطأ إلا عن معن بن عيسى لكن بلفظ عند كل صلاة وكذا النسائي عن قتيبة عن مالك وكذرواه مسلم من طريق بن عيينة عن أبي الزناد وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال مع الوضوء بدل الصلاة أخرجه أحمد من طريقه قال القاضي البيضاوي لولا كلمة أخذت على انتفاء الشئ لثبوت غيره والحق أنها مركبة من لوالدالة على انتفاء الشئ لانتفاء غيره ولا النافية فدل الحديث على الانتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين أحدهما أنه نفى الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي ثانيهما أنه جعل الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك وقال الشيخ أبو إسحاق في اللمع في هذا الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه وقد أخبر الفاء أنه لم يأمر به أه ويؤكده قوله في رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة عند النسائي بلفظ لفرضت عليهم بدل لأمرتهم وقال الشافعي فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبا لأمرهم شق عليهم به أو لم يشق أه وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم بل ادعى بعضهم فيه الإجماع لكن حكى الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردي عن أسحق بن راهويه قال هو واجب لكل صلاة فمن تركه عامدا بطلت صلاته وعن داود أنه قال وهو واجب لكن ليس شرطا واحتج
[ 313 ]
من قال بوجوبه بورود الأمر به فعند بن ماجة من حديث أبي أمامة مرفوعا تسوكوا ولأحمد نحوه من حديث العباس وفي الموطأ في أثناء حديث عليكم بالسواك ولا يثبت شئ منها وعلى تقدير الصحة فالمنفى في مفهوم حديث الباب الأمر به مقيدا بكل صلاة لا مطلق الأمر ولا يلزم من نفى المقيد نفى المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار كما سيأتي واستدل بقوله كل صلاة على استحبابه للفرائض والنوافل ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعا لغيرها كصلاة العيد وهذا اختاره أبو شامة ويتأيد بقوله في حديث أم حبيبة عند أحمد بلفظ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضأون وله من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك فسوى بينهما وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا أن طال الفصل مثلا فكذلك السواك ويمكن أن يفرق بينهما بأن الوضوء أشق من السواك ويتأيد بما رواه بن ماجة من حديث بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك وإسناده صحيح لكنه مختصر من حديث طويل أورده أبو داود وبين فيه أنه مخلل بين الانصراف والسواك نوم وأصل الحديث في مسلم مبينا أيضا واستدل به على أن الأمر يقتضى التكرار لأن الحديث دل على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك ولا مشقة في وجوبه مرة وإنما المشقة في وجوب التكرار وفي هذا البحث نظر لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر وإنما أخذ من تقييده بكل صلاة وقال المهلب فيه أن المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته وفيه جواز الاجتهاد منه فيما لم ينزل عليه فيه نص لكونه جعل المشقة سببا لعدم أمره فلو كان الحكم متوقفا على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص لا وجود المشقت قال بن دقيق العيد وفيه بحث وهو كما قال ووجهه أنه يجوز أن يكون إخبارا منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة فيكون معنى قوله لأمرتهم أي عن الله بأنه واجب واستدل به النسائي على استحباب السواك للصائم بعد الزوال لعموم قوله كل صلاة وسيأتي البحث فيه في كتاب الصيام فائدة قال بن دقيق العيد الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حالا تقرب إلى الله فاقتضى أن تكون حال كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة وقد ورد من حديث على عند البزار ما يدل على أنه لأمر يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي فلا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه لكن لا ينافي ما تقدم وأما حديث أنس فرجال إسناده بصريون وقوله أكثرت وقع في رواية الاسماعيلي لقد أكثرت الخ أي بالغت في تكرير طلبه منكم أو في إيراد الأخبار في الترغيب فيه وقال بن التين معناه أكثرت عليكم وحقيق أن أفعل وحقيق أن تطيعوا وحكى الكرماني أنه روى بضم أوله أي بولغت من عند الله بطلبه منكم ولم أقف على هذه الرواية إلى الآن صريحة تنبيه ذكره بن المنير بلفظ عليكم بالسواك ولم يقع ذلك في شئ من الروايات في صحيح البخاري وقد تعقبه بن رشيد وللفظ المذكور وقع في الموطأ عن الزهري عن عبيد بن السباق مرسلا وهو في أثناء حديث وصله بن ماجة من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري يذكر بن عباس فيه وسبق الكلام عليه في آخر باب الدهن للجمعة ورواه معمر عن الزهري قال أخبرني من لا أتهم من
[ 314 ]
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم سمعوه يقول ذلك قوله باب من تسوك بسواك غيره أورد فيه حديث عائشة في قصة دخول عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سواك وأنها أخذته منه فاستاك به النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مضغته وهو مطابق لما ترجم له والكلام عليه بذكر مستوفى إن شاء الله تعالى في أواخر المغازي عند ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فإن القصة كانت في مرض موته وقولها فيه فقصمته بقا ف وصاد الركعة للأكثر أي كسرته وفي رواية كريمة وابن السكن بضاد غدا والقضم بالمعجمة الأكل بأطراف الأسنان قال بن الجوزي وهو أصح قلت ويحمل الكسر على كسر موضع الاستياك فلا ينافي الثاني والله أعلم وقد أورد الزين بن المنير على مطابقة الترجمة بأن تعيين عائشة موضع الاستياك بالقطع وأجاب أن استعماله بعد أن مضغته واف بالمقصود وتعقب بأنه إطلاق في موضع التقييد فينبغي تقييد الغير بأن يكون ممن لا يعاف أثر فمه إذ لولا ذلك ما غيرته عائشة ولا يقال لم يتقدم فيه استعمال لأن في نفس الخبر يستن به وفيه دلالة على تأكد أمر السواك لكونه صلى الله عليه وسلم لم يخل به مع ما هو فيه من شاغل المرض فائدة رجال الإسناد مدنيون وإسماعيل شيخ البخاري هو بن أبي أويس ولم أره في شئ من الروايات من غير طريق البخاري عنه بهذا الإسناد وقد ضاق على الاسماعيلي مخرجه فاستخرجه من طريق البخاري نفسه عن إسماعيل وكأن إسماعيل تفرد به أيضا فانني لم أره من رواية غيره عن سليمان بن بلال إلا أن أبا نعيم أورده في المستخرج من طريق محمد بن الحسن المدني عن سليمان ومحمد ضعيف جدا فكان ما صنعه الاسماعيلي أولى وقد سمع إسماعيل من سليمان ويروي عنه أيضا بواسطة كثيرا قوله باب ما يقرأ بضم الياء ويجوز فتحها أي الرجل ولم يقع قوله يوم الجمعة في أكثر الروايات في الترجمة وهو مراد قال الزين بن المنير ما في قوله ما يقرأ الظاهر أنها موصولة لا استفهامية قوله حدثنا أبو نعيم في نسخة من رواية كريمة حدثنا محمد بن يوسف أي الفريابي وذكرا في بعض النسخ جميعا وسفيان هو الثوري وسعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف نسبه النسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن الثوري وهو تابعي صغير وشيخه تابعي كبير وهما معا مدنيان قوله في الفجر يوم الجمعة في رواية كريمة والأصيلي في الجمعة في صلاة الفجر قوله ألم تنزيل بضم اللام على الحكاية زاد في رواية كريمة السجدة وهو بالنصب قوله وهل أتى على الإنسان زاد الأصيلي في روايته حين من الدهر والمراد أن يقرأ في كل ركعة بسورة وكذا بينه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه بلفظ ألم تنزيل في الركعة الأولى وفي الثانية هل أتى على الإنسان وفيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصلاة من هذا اليوم لما تشعر الصيغة به من مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك أو اكثاره منه بورد من حديث بن مسعود التصريح بمداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك أخرجه الطبراني ولفظه يديم ذلك وأصله في بن ماجة بدون هذه الزيادة ورجاله ثقات لكن صوب أبو حاتم إرساله وكأن بن دقيق العيد لم يقف عليه فقال في الكلام على حديث الباب ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائما اقتضاء قويا وهو كما قال بالنسبة لحديث الباب فإن الصيغة ليست نصا في المداومة لكن الزيادة التي ذكرناها نص في ذلك وقد أشار أبو الوليد الباجي في رجال البخاري إلى الطعن
[ 315 ]
في سعد بن إبراهيم لروايته لهذا الحديث وأن مالكا أمتنع من الرواية عنه لأجله وأن الناس تركوا العمل به لا سيما أهل المدينة أه وليس كما قال فإن سعدا لم ينفرد به مطلقا فقد أخرجه مسلم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس مثله وكذا بن ماجة والطبراني من حديث بن مسعود وابن ماجة من حديث سعد بن أبي وقاص والطبراني في الأوسط من حديث على وأما دعواه أن الناس تركوا العمل به فباطلة لأن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين قد قالوا به كما نقله بن المنذر وغيره حتى إنه ثابت عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والد سعد وهو من كبار التابعين من أهل المدينة أنه أم الناس بالمدينة بهما في الفجر يوم الجمعة أخرجه بن أبي شيبة بإسناد صحيح وكلام بن العربي يشعر بأن ترك ذلك أمر طرأ على أهل المدينة لأنه قال وهو أمر لم يعلم بالمدينة فالله أعلم بمن قطعه كما قطع غيره أه وأما امتناع مالك من الرواية عن سعد فليس لأجل هذا الحديث بل لكونه طعن في نسب مالك كذا حكاه بن البرقي عن يحيى بن معين وحكى أبو حاتم عن على بن المديني قال كان سعد بن إبراهيم لا يحدث بالمدينة فلذلك لم يكتب عنه أهلها وقال الساجي أجمع أهل العلم على صدقه وقد روى مالك عن عبد الله بن إدريس عن شعبة عنه فصح أنه حجة باتفاقهم قال ومالك إنما لم يرو عنه لمعنى معروف فأما أن يكون تكلم فيه فلا أحفظ ذلك أه وقد اختلف تعليل المالكية بكراهة قراءة السجدة في الصلاة فقيل لكونها تشتمل على زيادة سجود في الفرض قال القرطبي وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث وقيل لخشية التخليط على المصلين ومن ثم فرق بعضه بين الجهرية والسرية لأن الجهرية يؤمن معها التخليط لكن صح من حديث بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة فيها سجدة في صلاة الظهر فسجد بهم فيها أخرجه أبو داود والحاكم فبطلت التفرقة ومنهم من علل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض قال بن دقيق العيد أما القول بالكراهة فيأباه الحديث لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة فينبغي أن تترك أحيانا لتندفع فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات أه وإلى ذلك أشار بن العربي بقوله ينبغي أن يفعل ذلك في الأغلب للقدوة ويقطع أحيانا لئلا تظنه فضالة سنة أه وهذا على قاعدتهم في التفرقة بين السنة والمستحب وقال صاحب المحيط من الحنفية يستحب قراءة هاتين السورتين في صبح يوم الجمعة بشرط أن يقرأ غير ذلك أحيانا لئلا يظن الجاهل أنه لا يجزئ غيره وأما صاحب الهداية منهم فذكر أن علة الكراهة هجران الباقي وإيهام التفضيل وقول الطحاوي يناسب قول صاحب المحيط فإنه خص الكراهة بمن يراه إحتمال لا يجزئ غيره أو يرى القراءة بغيره مكروهة فائدتان الأولى لم أر في شئ من الطر التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم سجد لما قرأ سورة تنزيل السجدة في هذا المحل إلا في كتاب خالف لابن أبي داود من طريق أخرى عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال غدوت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في صلاة الفجر فقرأ سورة فيها سجدة فسجد الحديث وفي إسناده من ينظر في حاله وللطبراني في الصغير من حديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة لكن في إسناده ضعف الثانية قيل الحكمة في اختصاص يوم الجمعة بقراءة سورة السجدة قصد السجود الزائد حتى أنه يستحب لمن لم يقرأ هذه السورة بعينها أن يقرأ سورة غيرها فيها سجدة وقد عاب ذلك على فاعله غير واحد
[ 316 ]
من العلماء ونسبهم صاحب الهدى إلى قلة العلم ونقص المعرفة لكن عند بن أبي شيبة بإسناد قوي عن إبراهيم النخعي أنه قايستحب أن يقرأ في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة وعنده من طريقه أيضا أنه فعل ذلك فقرأ سورة مريم ومن طريق بن عون قال كانوا يقرؤون في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة وعنده من طريقه أيضا قال وسألت محمدا يعني بن سيرين عنه فقال لاأعلم به بأسا أه فهذا قد ثبت عن بعض علماء الكوفة والبصرة فلا ينبغي القطع بتزييفه وقد ذكر النووي في زيادات الروضة هذا المسألة وقال لم أر فيها كلاما لاصحابنا ثم قال وقياس مذهبنا أنه يكره في الصلاة إذا قصده أه وقد أفتى بن عبد السلام قبله بالمنع ويبطلان الصلاة بقصد ذلك قال صاحب المهمات مقتضى كلام القاضي حسين الجواز وقال الفارقي في فوائد المهذب لا تستحب قراءة سجدة غير تنزيل فإن ضاق الوقت عن قراءتها قرأ بما أمكن منها ولو بآية السجدة منها ووافقه بن أبي عصرون في كتاب الانتصار وفيه نظر تكملة قال الزين بن المنير مناسبة ترجمة البا ب لما قبلها أن ذلك من جملة ما يتعلق بفضل يوم الجمعة لاختصاص صبحها بالمواظبة على قراءة هاتين السورتين وقيل إن الحكمة في هاتين السورتين الإشارة إلى ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم القيامة لأن ذلك كان وسيقع يوم الجمعة ذكره بن دحية في العلم المشهور وقرره تقريرا حسنا قوله باب الجمعة في القرى والمدن في هذه الترجمة إشارة إلى خلاف من خص الجمعة بالمدن دون القرى وهو مروي عن الحنفية وأسنده بن أبي شيبة عن حذيفة وعلى وغيرهما وعن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين أن جمعوا حيثما كنتم وهذا يشمل المدن والقرى أخرجه بن أبي شيبة أيضا من طريق أبي رافع عن أبي هريرة عن عمر وصححه بن خزيمة وروى البيهقي من طريق الوليد بن مسلم سألت الليث بن سعد فقال كل مدينة أو قرية فيها جماعة أمروا بالجمعة فإن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن بن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب عليهم فلما اختلف الصحابة وجب الرجوع إلى المرفوع قوله عن بن عباس كذا رواه الحفاظ من أصحاب إبراهيم بن طهمان عنه وخالفهم المعافى بن عمران فقال عن بن طهمان عن محمد بن زياد عن أبي هريرة أخرجة النسائي وهو خطأ من المعافى ومن ثم تكلم محمد بن عبد الله بن عمار في إبراهيم بن طهمان ولا ذنب له فيه كما قاله صالح جزرة وإنما الخطأ في إسناده من المعافى ويحتمل أن يكون لإبراهيم فيه إسنادان قوله أن أول جمعة جمعت زاد وكيع عن بن طهمان في الإسلام أخرجه أبو داود قوله بعد جمعة زاد المصنف في أواخر المغازي جمعت قوله في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية وكيع بالمدينة ووقع في رواية المعافى المذكورة بمكة وهو خطأ بلا مرية قوله بحوائى بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز ثم مثلثة خفيفة قوله من البحرين في رواية وكيع قرية من قرى البحرين وفي أخرى عنه من قرى عبد القيس وكذا للاسماعيلي من رواية محمد بن أبي حفصة عن بن طهمان وبه يتم مراد الترجمة ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادح ة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن كما استدل جابر وأبو سعيد على جواز العزل بأنهم فعلوه
[ 317 ]
والقرآن ينزل فلم ينهوا عنه وحكى الجوهري والزمخشري وابن الأثير أن جوائى اسم حص بالبحرين وهذا لا ينافي كونها قرية وحكى بن التين عن أبي الحسن اللخمي أنها مدينة وما ثبت في نفس الحديث من كونها قرية أصح مع احتمال أن تكون في الأول قرية ثم صارت مدينة وفيه اشعار بتقديم إسلام عبد القيس على غيرهم من أهل القرى وهو كذلك كما قررته في أواخر كتاب الإيمان قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد الأيلي قوله كلكم راع وزاد الليث الخ فيه إشارة إلى أن رواية الليث متفقة مع بن المبارك إلا في القصة فإنها مختصة برواية الليث ورواية الليث معلقة وقد وصلها الذهلي عن أبي صالح غالبا الليث عنه وقد ساق المصنف رواية بن المبارك بهذا الإسناد في كتاب الوصايا فلم يخالف رواي الليث إلا في إعادة قوله في آخره وكلكم راع الخ قوله وكتب رزيق بن حكيم هو بتقديم الراء على الزاي والتصغير في اسمه واسم أبيه في روايتنا وهذا هو المشهور في غيرها وقيل بتقديم الزاي وبالتصغير فيه دون أبيه قوله أجمع أي أصلى بمن معي الجمعة قوله على أرض يعملها أي يزرع فيها قوله ورزيق يومئذ على أيلة بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام بلدة معروفة في طريق الشام بين المدينة ومصر على ساحل القلزم وكان رزيق أميرا عليها من قبل عمر بن عبد العزيز والذي يظهر أن الأرض التي كان يزرعها من أعمال أيلة ولم يسأل عن أيله نفسها لأنها كانت مدينة كبيرة ذات قلعة وهي الآن خراب ينزل بها الحاج المصري والغزى وبعض آثارها ظاهر قوله وأنا أسمع هو قول يونس والجملة حالية وقوله يأمره حالة أخرى وقوله يخبره حال من فاعل يأمره والمكتوب هو الحديث والمسموع المأمور به قاله الكرماني والذي يظهر أن المكتوب هو عين المسموع وهو الأمر والحديث معا وفي قوله كتب تجوز كأن بن شهاب أملاه على كاتبه فسمعه يونس منه ويحتمل أن يكون الزهري كتبه بخطه وقرأه بلفظه فيكون فيه حذف تقديره فكتب بن شهاب وقرأه وأن أسمع ووجه ما احتج به على التجميع من قوله صلى الله عليه وسلم كلكم راع أن على من كان أميرا إقامة الأحكام الشرعية والجمعة منها وكان رزيق عاملا على الطائفة التي ذكرها وكان عليه أن يراعى حقوقهم ومن جملتها إقامة الجمعة قال الزين بن المنير في هذه القصة إيماء إلى أن الجمعة تنعقد بغير إذن من السلطان إذا كان في القوم من يقوم بمصالحهم وفيه إقامة الجمعة في القرى خلافا لمن شرط لها المدن فإن قيل قوله كلكم راع يعم جميع الناس فيدخل فيه المرعى أيضا فالجواب أنه مرعى باعتبار راع باعتبار حتى ولو لم يكن له أحد كان راعيا لجوارحه وحواسه لأنه يجب عليه أن يقوم بحق الله وحق عباده وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى قوله فيه قال وحسبت أن قد قال جزم الكرماني بان فاعل قال هنا هو يونس وفيه نظر والذي يظهر أنه سالم ثم ظهر لي أنه بن عمر وسيأتي في كتاب الاستقراض بيان ذلك إن شاء الله تعالى وقد رواه الليث أيضا عن نافع عن بن عمر بدون هذه الزيادة أخرجه مسلم قوله باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم تقدم التنبيه على ما تضمنته هذه الترجمة في باب فضل الغسل ويدخل في قوله وغيرهم العبد والمسافر والمعذور وكأنه استعمل الاستفهام في الترجمة للاحتمال الواقع في حديث أبي هريرة حق على كل مسلم أن يغتسل فإنه شامل للجميع والتقييد في حديث بن عمر بمن جاء منكم يخرج من لم
[ 318 ]
يجئ والتقييد في حديث أبي سعيد بالمحتلم يخرج الصبيان والتقييد في النهى عن منع النساء المساجد صارت يخرج الجمعة وعرف بهذا وجه إيراد هذه الأحاديث في هذه الترجمة وقد تقدم الكلام على أكثرها قوله وقال بن عمر إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة وصله البيهقي بإسناد صحيح عنه وزاد والجمعة على من يأتي أهله ومعنى هذه الزيادة أن الجمعة تجب عنده على من يمكنه الرجوع إلى موضعه قبل دخول الليل فمن كان فوق هذه المسافة لا تجب عليه عنده وسيأتي البحث فيه بعد باب وقد تقرر أن الآثار التي يوردها البخاري في التراجم أخذت على اختيار ما تضمنته عنده فهذا مصير منه إلى أن الغسل للجمعة لا يشرع إلا لمن وجبت عليه قوله في حديث أبي هريرة فسكت ثم قال حق على كل مسلم الخ فاعل سكت هو النبي صلى الله عليه وسلم فقد أورده المصنف في ذكر بني إسرائيل من وجه آخر عن وهيب بهذا الإسناد دون قوله فسكت ثم قال ويؤكد كونه مرفوعا رواية مجاهد عن طاوس المقتصرة على الحديث الثاني ولهذه النكتة أورده بعده فقال رواه أبان بن صالح الخ وكذا أخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب مقتصرا وهاذا التعليق عن مجاهد قد وصله البيهقي من طريق سعيد بن أبي هلال عن أبان المذكور وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن طاوس وصرح فيه بسماعه له من أبي هريرة أخرجه من طريق عمرو بن دينار عن طاوس وزاد فيه ويمس طيبا إن كان لأهله واستدل بقوله لله على كل مسلم حق للقائل بالوجوب وقد تقدم البحث فيه قوله في كل سبعة أيام يوما هكذا أبهم في هذه الطريق وقد عيينة جابر في حديثه عند النسائي بلفظ الغسل واجب على كل مسلم في كل اسبوع يوما وهو يوم الجمعة وصححه بن خزيمة ولسعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة من حديث البراء بن عازب مرفوعا نحوه ولفظه إن من الحق على المسلم أن يغتسل يوم الجمعة الحديث ونحوه للطحاوي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من الصحابة أنصاري مرفوعا قوله عن مجاهد عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ائذنوا للنساء صارت إلى المساجد هكذا ذكره مختصرا وأورده مسلم من طريق مجاهد عن بن عمر مطولا وقد تقدم ذكره في باب خروج النساء إلى المساجد وهو معي كتاب الجمعة وتقدم هناك ما يتعلق به مطولا وقوله صارت فيه إشارة إلى أنهم ما كانوا يمنعونهن بالنهار لأن الليل مظنة الربية ولاجل ذلك قال بن عبد الله بن عمر لا نأذن لهن يتخذنه دغلا كما تقدم ذكره من عند مسلوقال الكرماني عادة البخاري إذا ترجم بشئ ذكر ما يتعلق به وما يناسب التعلق فلذلك أورد حديث بن عمر هذا في ترجمته هل على من لم يشهد الجمعة غسل قال فإن قيل مفهوم التقييد صارت يمنع النهار والجمعة نهارية وأجاب بأنه من مفهوم الموافقة لأنه إذا أذن لهن صارت مع أن الليل مظنة الريبة فالاذن بالنهار بطريق الأولى وقد عكس هذا بعض الحنفية فجرى على ظاهر الخبر فقال التقييد صارت لكون الفساق فيه في شغل بفسقهم بخلاف النهار فإنهم ينتشرون فيه وهذا وإن كان ممكنا لكن مظنة الريبة في الليل أشد وليس لكلهم في الليل ما يجد ما يشتغل به وأما النهار فالغالب أنه يفضحهم غالبا ويصدهم عن التعرض لهن ظاهرا لكثرة انتشار الناس ورؤية من يتعرض فيه لما لا يحل له فينكر عليه والله أعلم قوله في رواية نافع عن بن عمر قال كانت امرأة لعمر هي عاتكة بنت
[ 319 ]
زيد بن عمرو بن نفيل أخت سعيد بن زيد أحد العشرة سماها الزهري فيما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه قال كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل عند عمر بن الخطاب وكانت تشهد الصلاة في المسجد وكان عمر يقول لها والله إنك لتعلمين أني ما أحب هذا قالت والله لا انتهى حتى تنهاني قال فلقد طعن عمر وإنها لفي المسجد كذا ذكره مرسلا ووصله عبد الإعلى عن معمر بذكر سالم بن عبد الله عن أبيه لكن أبهم المرأة أخرجه أحمد عنه وسماها أحمد من وجه آخر عن سالم قال كان عمر رجلا غيورا وكان إذا خرج إلى الصلاة اتبعته عاتكة بنت زيد الحديث وهو مرسل أيضا وعرف من هذا أن قوله في حديث الباب فقيل لها لم تخرجين الخ أن قائل ذلك كله هو عمر بن الخطاب ولا مانع أن يعبر عن نفسه بقوله أن عمر الخ فيكون من باب التجريد أو الالتفات وعلى هذا فالحديث من مسند عمر كما صرح به في رواية سالم المرسلة ويحتمل أن تكون المخاطبة دارت بينها وبين بن عمر أيضا لأن الحديث مشهور من روايته ولا مانع أن يعبر عن نفسه بقيل لها الخ وهذا مقتضى ما صنع القدرة وأصحاب الأطراف فإنهم أخرجوا هذا الحديث من هذا الوجه في مسند بن عمر وقد تقدم الكلام على فوائد مستوفى كتاب الجمعة تنبيه قال الاسماعيلي أورد البخاري حديث مجاهد عن بن عمر بلفظ ائذنوا للنساء صارت إلى المساجد وأراد بذلك أن الإذان إنما وقع لهن صارت فلا الخطبة فيه الجمعة قال ورواية أبي أسامة التي أوردها بعد ذلك أخذت على خلاف ذلك يعني قوله فيها لا تمنعوا إماء الله مساجد الله انتهى والذي يظهر أنه جنح إلى أن هذا المطلق يحمل على ذلك المقيد والله أعلم قوله باب الرخصة أن لم يحضر الجمعة في المطر ضبط في روايتنا بكسر إن وهي الشرطية ويحضر بفتح أوله الرجل وضبطه الكرماني بفتح أن ويحضر بلفظ المبنى للمفعول وهو متجه أيضا وأورد المصنف هنا حديث بن عباس من رواية إسماعيل وهو المعروف بابن علية وهو مناسب لما ترجم له وبه قال الجمهور ومنهم من فرق بين قليل المطر وكثيره وعن مالك لا يرخص في تركها بالمطر وحديث بن عباس هذا حجة في الجواز وقال الزين بن المنير الظاهر أن بن عباس لا يرخص في ترك الجمعة وأما قوله صلوا في بيوتكم فاشارة منه إلى العصر فرخص لهم في ترك الجماعة فيها وأما الجمعة فقد جمعهم لها فالظاهر أنه جمع بهم فيها قال ويحتمل أن يكون جمعهم للجمعة ليعلمهم بالرخصة في تركها في مثل ذلك ليعملوا به في المستقبل انتهى والذي يظهر أنه لم يجمعهم وإنما أراد بقوله صلوا في بيوتكم مخاطبة من لم يحضر وتعليم من حضر قوله أن الجمعة عزمة استشكله الاسماعيلي فقال لا إخاله صحيحا فإن أكثر الروايات بلفظ أنها عزمة أي كلمة المؤذن وهي حي على الصلاة لأنها دعاء إلى الصلاة تقتضي لسامعه الإجابة ولو كان معنى الجمعة عزمة لكانت العزيمة لا تزول بترك بقية الأذان انتهى والذي يظهر أنه لم يترك بقية الأذان وإنما أبدل قوله حي على الصلاة بقوله صلوا في بيوتكم والمراد بقوله إن الجمعة عزمة أي فلو تركت المؤذن يقول حي على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجئ في المطر فيشق عليهم فأمرته أن يقول صلوا في بيوتكم لتعلموا أن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة قوله والدحض بفتح الدال المهملة وسكون الحاء المهملة ويجوز فتحها وآخره ضاد غدا هو الزلق وحكى بن التين أن في رواية القابسي بالراء بدل الدال وهو الغسل قال ولا معنى له هنا إلا إن حمل على أن الأرض
[ 320 ]
حين أصابها المطر كالمغتسل والجامع بينهما الزلق وقد تقدمت بقية مباحث الحديث في أبواب الأذان تنبيه وقع في السياق عن عبد الله بن الحارث بن عمحمد بن سيرين وأنكره الدمياطي فقال كان زوج بنت سيرين فهو صهر بن سيرين لا بن عمه قلت ما المانع أن يكون بن سيرين والحارث إخوة من رضاع ونحوه فلا ينبغي تغليط الرواية الصحيحة مع وجود الاحتمال المقبول قوله باب من أين تؤتى الجمعة وعلى من تجب لقول الله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله يعني أن الآية ليست صريحة في وجوب بيان الحكم المذكور فلذلك أتى في الترجمة بصيغة الاستفهام والذي ذهب إليه الجمهور أنها تجب على من سمع النداء أو كان في قوة السامع سواء كان انظر البلد أو خارجه ومحله كما صرح به الشافعي ما إذا كان المنادى صيتا والأصوات هادئه والرجل سميعا وفي السنن لأبي داود من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا إنما الجمعة على من سمع النداء وقال إنه اختلف في رفعه ووقفه وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم أتسمع النداء قال نعم قال فأجب وقد تقدم في صلاة الجماعة ذكر من احتج به على وجوبها فيكون في الجمعة أولى لثبوت الأمر بالسعي إليها وأما حديث الجمعة على من آواه الليل إلى أهله فأخرجه الترمذي ونقل عن أحمد أنه لم يره شيئا وقال لمن ذكره له استغفر ربك وقد تقدم قبل بباب من قول بن عمر نحوه والمعنى أنها تجب على من يمكنه الرجوع إلى أهله قبل دخول الليل واستشكل بأنه يلزم منه أنه يجب السعي من أول النهار وهو بخلاف الآية قوله وقال عطاء الخ وصله عبد الرزاق عن بن جريج عنه وقوله سمعت النداء أولم تسمعه يعني إذا كنت البلد وبهذا صرح أحمد ونقل النووي أنه لا خلاف فيه وزاد عبد الرزاق في هذا الأثر عن بن جريج أيضا قلت لعطاء ما القرية الجامعة قال ذات الجماعة والأمير والقاضي والدور المجتمعة الآخذ بعضها ببعض مثل جدة قوله وكان أنس إلى قوله لا يجمع وصله مسدد في مسنده الكبير عن أبي عوانة عن حميد بهذا وقوله يجمع أي يصلي بمن معه الجمعة أو يشهد الجمعة بجامع البصرة قوله وهو أي القصر والزاوية موضع ظاهر البصرة معروف كانت فيه وقعة كبيرة بين الحجاج وابن الأشعث قال أبو عبيد البكري هو بكسر الواو موضع دان من البصرة وقوله على فرسخين أي من البصرة وهذا وصله بن أبي شيبة من وجه آخر عن أنس أنه كان يشهد الجمعة من الزاوية وهي على فرسخين من البصرة وهذا يرد على من زعم أن الزاوية موضع بالمدينة النبوية كان فيه قصر لأنس على فرسخين منها ويرجح الاحتمال الثاني وعرف بهذا أن التعليق المذكور ملفق من أثرين ولا يعارض ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن ثابت قال كان أنس يكون في أرضه وبينه وبين البصرة ثلاثة أميال فيشهد الجمعة بالبصرة لكون الثلاثة أميال فرسخا واحد لأنه يجمع بأن الأرض المذكورة غير القصر وبأن أنسا كان يرى التجميع حتما إن كان على فرسخ ولا يراه حتما إذا كان أكثر من ذلك ولهذا لم يقع في رواية ثابت التخيير الذي في رواية حميد قوله حدثنا أحمد بن صالح كذا في رواية أبي ذر ووافقه بن السكن وعند غيرهما حدثنا أحمد غير منسوب وجزم أبو نعيم في المستخرج بأنه بن عيسى والأول أصوب وفي هذا الإسناد لطيفة وهو أن فيه ثلاثة دون عبيد الله بن أبي جعفر من أهل مصر
[ 321 ]
وثلاثه فوقه من أهل المدينة قوله ينتابون الجمعة أي يحضرونها نوبا والانتياب افتعال من النوبة وفي رواية يتناوبون قوله والعوالى تقدم تفسيرها في المواقيت وأنها على أربعة أميال فصاعدا من المدينة قوله فيأتون في الغبار فيصيبهم الغبار كذا وقع للأكثر وعند القابسي فيأتون في العباء بفتح المهملة والمد وهو أصوب وكذا هو عند مسلم والاسماعيلي وغيرهما من طريق بن وهب قوله إنسان منهم لم أقف على اسمه والاسماعيلي ناس منهم قوله لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب أو للشرط والجواب محذوف تقديره لكان حسنا وقد وقع في حديث بن عباس عند أبي داود أن هذا كان مبدأ الأمر بالغسل للجمعة ولأبي عوانة من حديث بن عمر نحوه وصرح في آخره بأنه صلى الله عليه وسلم قال حينئذ من جاء منكم الجمعة فليغتسل وقد استدلت به عمرة على أن غسل الجمعة شرع للتنظيف لأجل الصلاة كما سيأتي في الباب الذي بعده فعلى هذا فمعنى قوله ليومكم هذا أي في يومكم هذا وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا رفق العالم بالمتعلم واستحباب التنظيف لمجالسة أهل الخير واجتناب أذى المسلم بكل طريق وحرص الصحابة على امتثال الأمر ولو شق عليهم وقال القرطبي فيه رد على الكوفيين حيث لم يوجبوا الجمعة على من كان خارج المصر كذقال وفيه نظر لأنه لو كان واجبا على أهل العوالي ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعا والله أعلم قوله باب وقت الجمعة أي أوله إذا زالت الشمس جزم بهذه المسألة مع وقوع الخلاف فيها لضعف دليل المخالف عنده قوله وكذا يذكر عن عمر وعلى والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث قيل إنما اقتصر على هؤلاء من الصحابة دون غيرهم لأنه نقل عنهم خلاف ذلك وهذا فيه نظر لأنه لا خلاف عن على ومن بعده في ذلك وأغرب بن العربي فنقل الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس إلا ما نقل عن أحمد أنه إن صلاها قبل الزوال أجزأ أه وقد نقله بن قدامة وغيره عن جماعة من السلف كما سيأتي فأما الأثر عن عمر فروى أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له وابن أبي شيبة من رواية عبد الله بن سيدان قال شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار وشهدتها مع عمر رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار رجاله ثقات إلا عبد الله بن سيدان وهو بكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة فإنه تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة قال بن عدي العطار المجهول وقال البخاري لا يتابع على حديثه بل عارضه ما هو أقوى منه فروى بن أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس إسناده قوي وفي الموطأ عن مالك بن أبي عامر قال كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي فإذا غشيها ظل الجدار خرج عمل إسناده صحيح وهو ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد زوال الشمس وفهم منه بعضهم عكس ذلك ولا يتجه إلا إن حمل على أن الطنفسة كانت تفرش خارج المسجد وهو بعيد والذى ظهر أنها كانت تفرش له انظر المسجد وعلى هذا فكان عمر يتأخر بعد الزوال قليلا وفي حديث السقيفة عن بن عباس قال فلما كان يوم الجمعة وزالت الشمس خرج عمفجلس على المنبر وأما على فروى بن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق أنه صلى خلف على الجمعة بعد ما زالت الشمس إسناده صحيح وروى أيضا من طريق أبي رزين قال كنا نصلي مع على الجمعة فأحيانا نجد فيئا وأحيانا لا نجد وهذا أمرهم على المبادرة عند الزوال أو
[ 322 ]
التأخير قليلا وأما النعمان بن بشير فروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سماك بن حرب قال كان النعمان بن بشير يصلي بنا الجمعة بعد ما تزول الشمس قلتوكان النعمان أميرا على الكوفة في أول خلافة يزيد بن معاوية وأما عمرو بن حريث فأخرجه بن أبي شيبة أيضا من طريق الوليد بن العيزار قال ما رأيت إماما كان أحسصلاة للجمعة من عمرو بن حريث فكان يصليها إذا زالت الشمس إسناده صحيح أيضا وكان عمرو ينوب عن زياد وعن ولده في الكوفة أيضا وأما ما يعارض ذلك عن الصحابة فروى بن أبي شيبة من طريق عبد الله بن سلمة وهو بكسر اللام قال صلى بنا عبد الله يعني بن مسعود الجمعة ضحى وقال خشيت عليكم الحر وعبد الله صدوق إلا أنه ممن تغير لما كبر قاله شعبة وغيره ومن طريق سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية الجمعة ضحى وسعيد ذكره بن عدي في الضعفاء واحتج بعض الحنابلة بقوله صلى الله عليه وسلم إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين قال فلما سماه عيدا جازت الصلاة فيه وقت العيد كالفطر والأضحى وتعقب بأنه لا يلزم من تسمية يوم الجمعة عيدا أن يشتمل على جميع أحكام العيد بدليل أن يوم اح لعيد يحرم صومه مطلقا سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة باتفاقهم قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك ويحيى بن سعيد هو الأنصاري قوله كان الناس مهنة بنون وفتحات جمع ماهن ككتبة وكاتب أي خدم أنفسهم وحكى بن التين أنه روى بكسر أوله وسكون الهاء ومعناه بإسقاط محذوف أي ذوي مهنة ولمسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفأة أي لم يكن لهم من يكفيهم العمل من الخدم قوله وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم استدل البخاري بقوله راحوا على أن ذلك كان بعد الزوال لأنه حقيقة الرواح كما تقدم عن أكثر أهل اللغة ولا يعارض هذا ما تقدم عن الأزهري أن المراد بالرواح في قوله من اغتسل يوم الجمعة ثم راح الذهاب مطلقا لأنه إما أن يكون مجازا أو مشتركا وعلى كل من التقديرين فالقرينة مخصصة وهي في قوله من راح في الساعة الأولى قائمة في إرادة مطلق الذهاب وفي هذا قائمة في الذهاب بعد الزوال لما جاء في حديث عائشة المذكور في الطريق التي في آخر الباب الذي قبل هذا حيث قالت يصيبهم الغبار والعرق لأن ذلك غالبا إنما يكون بعد ما يشتد الحر وهذا في حال مجيئهم من العوالي فالظاهر أنهم لا يصلون إلى المسجد إلا حين الزوال أو قريبا من ذلك وعرف بهذا توجيه إيراد حديث عائشة في هذا الباب تنبيه أورد أبو نعيم في المستخرج طريق عمرة هذه في الباب الذي قبله وعلى هذا فلا اشكال فيه أصلا قوله عن أنس صرح في رواية الاسماعيلي من طريق زيد بن الحباب عن فليح بسماع عثمان له من أنس قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس فيه إشعار بمواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس وأما رواية حميد التي بعد هذا عن أنس كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة فظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض وقد تقرر فيما تقدم أن التبكير يطلق على فعل الشئ في أول وقته أو تقديمه على غيره وهو المراد هنا والمعنى أنهم كانوا يبدؤن بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحر فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإبراد ولهذه النكتة أورد البخاري طريق حميد عن أنس عقب طريق عثمان بن عبد الرحمن عنه وسيأتي في الترجمة التي بعد هذا التعبير بالتبكير والمراد به الصلاة في أول الوقت وهو يؤيد ما قلناه قال الزين بن المنير في الحاشية فسر البخاري حديث
[ 323 ]
أنس الثاني بحديث أنس الأول إشارة منه إلى أنه لا تعارض بينهما تنبيهان الأول حكى بن التين عن أبي عبد الملك أنه قال إنما أورد البخاري الآثار عن الصحابة لأنه لم يجد حديثا مرفوعا في ذلك وتعقبه بحديث أنس هذا وهو كما قال الثاني لم يقع التصريح عند المصنف برفع حديث أنس الثاني وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق فضيل بن عياض عن حميد فزاد فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه بن حبان في صحيحه من طريق محمد بن إسحاق حدثني حميد الطويل وله شاهد من حديث سهل بن سعد يأتي في آخر كتاب الجمعة وفيه رد على من زعم أن الساعات المطلوبة في الذهاب إلى الجمعة من عند الزوال لأنهم كانوا يتبادرون إلى الجمعة قبل القائلة قوله باب إذا أشتد الحر يوم الجمعة لما اختلف ظاهر النقل عن أنس وتقرر أن طريق الجمع أن يحمل الأمر على اختلاف الحال بين الظهر والجمعة كما قدمناه جاء عن أنس حديث آخر يوهم خلاف ذلك فترجم المصنف هذه الترجمة لأجله قوله حدثنا أبو خلدة بفتح المعجمة وسكون اللام والإسناد كله بصريون قوله بكر بالصلاة أي صلاها في أول وقتها قوله وإذا أشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة لم يجزم المصنف بحكم الترجمة للاحتمال الواقع في قوله يعني الجمعة لاحتمال أن يكون من كلام التابعي أو من دونه وهو ظن ممن قاله والتصريح عن أنس في رواية حميد الماضية أنه كان يبكر بها مطلقا من غير تفصيل ويؤيده الرواية المعلقة الثانية فإن فيها البيان بأن قوله يعني الجمعة إنما أخذه قائله مما فهمه من التسوية بين الجمعة والظهر عند أنس حيث استدل لما سئل عن الجمعة بقوله كان يصلي الظهر وأوضح من ذلك رواية الاسماعيلي من طريق أخرى عن حرمي ولفظه سمعت أنسا وناداه يزيد الضبي يوم جمعة يا أبا حمزة قد شهدت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف كان يصلي الجمعة فذكره ولم يقل بعده يعني الجمعة قوله وقال يونس بن بكير وصله المصنف في الأدب المفرد ولفظه سمعت أنس بن مالك وهو مع الحكم أمير البصرة على السرير يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد بكر بالصلاة وأخرجه الاسماعيلي من وجه آخر عن يونس وزاد يعني الظهر والحكم المذكور هو بن أبي عقيل الثقفي كان نائبا عن بن عمه الحجاج بن يوسف وكان على طريقة بن عمه في تطويل الخطبة يوم الجمعة حتى يكاد الوقت أن يخرج وقد أورد أبو يعلى قصة يزيد الضبي المذكور وإنكاره على الحكم هذا الصنيع واستشهاده بأنس واعتذار أنس عن الحكم بأنه أخر للابراد فساقها مطولة في نحو ورقة وعرف بهذا أن الإبراد بالجمعة عند أنس إنما هو بالقياس على الظهر لا بالنص لكن أكثر الأحاديث أخذت على التفرقة بينهما قوله وقال بشر بن ثابت وصله الاسماعيلي والبيهقي بلفظ كان إذا كان الشتاء بكر بالظهر وإذا كان الصيف أبرد بها وعرف من طريق الأدب المفرد تسمية الأمير المبهم في هذه الرواية المعلقة ومن رواية الاسماعيلي وغيره سبب تحديث أنس بن مالك بذلك حتى سمعه أبو خلدة وقال الزين بن المنيرنحا البخاري إلى مشروعية الإبراد بالجمعة ولم يبت الحكم بذلك لأن قوله يعني الجمعة يحتمل أن يكون قول التابعي مما فهمه ويحتمل أن يكون من نقله فرجح عنده إلحاقها بالظهر لأنها إما ظهر وزيادة أو بدل عن الظهر وأيد ذلك قول أمير البصرة لأنس يوم الجمعة كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر وجواب أنس من غير إنكار ذلك وقال أيضا إذا تقرر أن الإبراد يشرع في الجمعة
[ 324 ]
أخذ منه أنها لا تشرع قبل الزوال لأنه لو شرع لما كان اشتداد الحر سببا لتأخيرها بل كان يستغنى عنه بتعجيلها قبل الزوال واستدل به بن بطال على أن وقت الجمعة وقت الظهر لأن أنسا سوى بينهما في جوابه خلافا لما أجاز الجمعة قبل الزوال وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبلوفيه إزالة التشويش عن المصلي بكل طريق محافظة على الخشوع لأن ذلك هو السبب في مراعاة الإبراد في الحر دون البرد قوله باب المشي إلى الجمعة وقول الله جل ذكره فاسعوا إلى ذكر الله ومن قال السعي العمل والذهاب لقوله تعالى وسعى لها سعيها قال بن المنير في الحاشية لما قابل الله بين الأمر بالسعي والنهي عن البيع دل على أن المراد بالسعي العمل الذي هو الطاعة لأنه هو الذي يقابل بسعي الدنيا كالبيع والصناعة والحاصل أن المأمور به سعى الآخرة والمنهى عنه سعى الدنيا وفي الموطأ عن مالك أنه سأل بن شهاب عن هذه الآية فقال كان عمر يقرؤها إذا نودي الولاء فامضوا وكأنه فسر السعي بالذهاب قال مالك وإنما السعي العمل لقول الله تعالى وإذا تولى سعى في الأرض وقال وأما من جاءك يسعى قال مالك وليس السعي الاشتداد أه وقراءة عمر المذكورة سيأتي الكلام عليها في التفسير وقد أورد المصنف في الباب حديث لا تأتوها التجارة تسعون إشارة منه إلى أن السعي المأمور به في الآية غير السعي المنهي عنه في الحديث والحجة فيه أن السعي في الآية فسر بالمضي والسعي في الحديث فسر بالعدو لمقابلته بالمشى حيث قال لا تأتوها تسعون وأتوها تمشون قوله وقال بن عباس يحرم البيع حينئذ أي إذا نودي بالصلاة وهذا الأثر ذكره بن حزم من طريق عكرمة عن بن عباس بلفظ لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادي الولاء فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع ورواه بن مردوية من وجه آخر عن بن عباس مرفوعا وإلى القول بالتحريم ذهب الجمهور وابتداؤه عندهم من حين الأذان بين يدي الإمام لأنه الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي قريبا وروى عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق تثبت أن النداء كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن يوم الجمعة مؤذن واحد حين يخرج الإمام وذلك النداء الذي يحرم عنده البيع وهو مرسل يعتضد بشواهد تأتي قريبا وأما الأذان الذي عند الزوال فيجوز عندهم البيع فيه مع الكراهة وعن الحنفية يكره مطلقا ولا يحرم وهل يصح البيع مع القول بالتحريم قولان مبنيان على أن النهى هل يقتضى الفساد مطلقا أو لا قوله وقال عطاء تحرم الصناعات كلها وصله عبد بن حميد في تفسيره بلفظ إذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع والصناعات كلها والرقاد وأن يأتي الرجل أهله وأن يكتب كتابا وبهذا قال الجمهور أيضا قوله وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري الخ لم أره من رواية إبراهيم وقد ذكره بن المنذر عن الزهري وقال إنه اختلف عليه فيه فقيل عنه هكذا وقيل عنه مثل قول الجماعة إنه لا جمعة على مسافر كذا رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري قال بن المنذر وهو كالاجماع من أهل العلم على ذلك لأن الزهري اختلف عليه فيه أه ويمكن حمل كلام الزهري على حالين فحيث قال لا جمعة على مسافر أراد على طريق الوجوب وحيث قال فعليه أن يشهد أراد على طريق الاستحباب ويمكن أن تحمل رواية إبراهيم بن سعد هذه على صورة مخصوصة وهو إذا اتفق حضوره في موضع تقام فيه الجمعة فسمع النداء لها لا أنها تلزم المسافر مطلقا حتى يحرم عليه
[ 325 ]
السفر قبل الزوال من البلد الذي يدخلها مجتازا مثلا وكأن ذلك رجح عند البخاري ويتأيد عنده بعموم قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودي الولاء من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله فلم يخص مقيما من مسافر وأما ما احتج به بن المنذر على سقوط الجمعة عن المسافر بكونه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر جمعيا بعرفة وكان يوم جمعة فدل ذلك من فعله على أنه لا جمعة على مسافر فهو عمل صحيح إلا أنه لا يدفع الصورة التي ذكرتها وقال الزين بن المنير قرر البخاري في هذه الترجمة إثبات المشي إلى الجمعة مع معرفته بقول من فسرها بالذهاب الذي يتناول المشي والركوب وكأنه حمل الأمر بالسكينة والوقار على عمومه في الصلوات كلها فتدخل الجمعة كما هو مقتضى حديث أبي هريرة وأما حديث أبي قتادة فيؤخذ من قوله وعليكم السكينة فإنه يقتضى عدم الإسراع في حال السعي إلى الصلاة أيضا قوله حدثني على بن عبد الله هو بن المديني قوله يزيد بالتحتانية والزاي وعباية بفتح المهملة بعدها موحدة وهو بن رفاعة بن رافع بن خديج قوله أدركني أبو عبس بفتح المهملة وسكون الموحدة وهو بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة واسمه عبد الرحمن على الصحيح وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد قوله وأنا أذهب كذا وقع عند البخاري أن القصة وقعت لعباية مع أبي عبس وعند الاسماعيلي من رواية على بن بحر وغيره عن الوليد بن مسلم أن القصة وقعت ليزيد بن أبي مريم مع عباية وكذا أخرجه النسائي عن الحسين بن حريث عن الوليد ولفظه حدثني يزيد قال لحقني عباية بن رفاعة وأنا ماش إلى الجمعة زاد الاسماعيلي في روايته وهو راكب فقال احتسب خطاك هذه وفي رواية النسائي فقال أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله فإني سمعت أبا عبس بن جبر فذكر الحديث فإن كان محفوظا احتمل أن تكون القصة وقعت لكل منهما وسيأتي الكلام على المتن في كتاب الجهاد وأورده هنا لعموم قوله في سبيل الله فدخلت فيه الجمعة ولكون راوي الحديث استدل به على ذلك وقال بن المنير في الحاشية وجه دخول حديث أبي عبس في الترجمة من قوله أدركني أبو عبس لأنه لو كان يعدو لما احتمل وقت المحادثة لتعذرها مع الجري ولان أبا عبس جعل حكم السعي إلى الجمعة حكم الجهاد وليس العدو من مطالب الجهاد فكذلك الجمعة انتهى وحديث أبي هريرة تقدم الكلام عليه في أواخر أبواب الأذان وقد سبق في أول هذا الباب توجيه إيراده هنا قوله عن عبد الله بن أبي قتادة قال أبو عبد الله لا أعلمه إلا عن أبيه انتهى أبو عبد الله هذا هو المصنف وقع قوله قال أبو عبد الله في رواية المستملى وحده وكأنه وقع عنده توقف في وصله لكونه كتبه من حفظه أو لغير ذلك وهو في الأصل موصول لا ريب فيه فقد أخرجه الاسماعيلي عن بن ناجية عن أبي حفص وهو عمر بن على شيخ البخاري فيه فقال عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه ولم يشك وأغرب الكرماني فقال إن هذا الإسناد منقطع وإن حكم البخاري بكونه موصولا لأن شيخه لم يروه إلا منقطعا انتهى وقد تقدم في أواخر الأذان أن البخاري علق هذه الطريق من جهة على بن المبارك ولم يتعرض للشك الذي هنا وتقدم الكلام على المتن أيضا وموضع الحاجة منه هنا قوله وعليكم السكينة قال بن رشيد والنكتة في النهى عن ذلك لئلا يكون مقامهم سببا لاسراعه في الدخول إلى الصلاة فينافى مقصوده من هيئة الوقار قال وكأن البخاري استشعر إيراد الفرق بين الساعي إلى الجمعة وغيرها بان السعي إلى الصلاة غير الجمعة منهى لأجل ما يلحق الساعي من التعب وضيق النفس فيدخل
[ 326 ]
في الصلاة وهو منبهر فينافى ذلك خشوعه وهذا بخلاف الساعي إلى الجمعة فإنه في العادة يحضر قبل إقامة الصلاة فلا تقام حتى يستريح مما يلحقه من الانبهار وغيره وكأنه استشعر هذا الفرق فأخذ يستدل على أن كل ما آل إلى إذهاب الوقار منع منه فاشتركت الجمعة مع غيرها في ذلك والله أعلم قوله باب لا يفرق أي الداخل بين اثنين كذا ترجم ولم يثبت الحكم وقد نقل الكراهة عن الجمهور بن المنذر واختار التحريم وبه جزم النووي في زوائد الروضة والأكثر على أنها كراهة تنزيه ونقله الشيخ أبو حامد عن النص والمشهور عند الشافعية الكراهة كما جزم به الرافعي والاحاديث الواردة في الزجر عن التخطي مخرجة في المسند والسنن وفي غالبها ضعف وأقوى ما ورد فيه ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق أبي الزاهرية قال كنا مع عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أن رجلا جاء يتخطى والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال أجلس فقد آذيت ولأبي داود من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه ومن تخطى رقاب الناس كانت له ظهرا وقيد مالك والأوزاعي الكراهة بما إذا كان الخطيب على المنبر قال الزين بن المنير التفرقة بين اثنين يتناول القعود بينهما وإخراج أحدهما والقعود مكانه وقد يطلق على مجرد التخطي وفي التخطي زيادة رفع رجليه على رؤوسهما أو أكتافهما وربما تعلق بثيابهما شئ مما برجليه وقد استثنى من كراهة التخطي ما إذا كان في الصفوف الأول فرجه فأراد الداخل سدها فيغتفر له لتقصيرهم أورد فيه حديث سلمان وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب الدهن للجمعة قوله باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه هذه الترجمة المقيدة بيوم الجمعة ورد فيها حديث صحيح لكنه ليس على شرط البخاري أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول تفسحوا ويؤخذ منه أن الذي يتخطى بعد الاستئذان خارج عن حكم الكراهة وقوله في الحديث لا يقيم الرجل أخاه لا مفهوم له بل ذكر لمزيد التنفير عن ذلك لقبحه لأنه إن فعله من جهة الكبر كان قبيحا وأن فعله من جهة الأثره كان أقبح وكأن البخاري اغتنى عنه بعموم حديث بن عمر المذكور في الباب وبالعموم المذكور احتج نافع حين سأله بن جريج عن الجمعة وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وقد تقدم بيان دخول هذه الصورة في التفرقة التي قبلها وشيخ البخاري فيه هو محمد بن سلام كما وقع منسوبا في رواية أبي ذر قوله باب الأذان يوم الجمعة أي متى يشرع قوله عن السائب بن يزيد في رواية عقيل عن بن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره وفي رواية يونس عن الزهري سمعت السائب وسيأتيان بعد هذا قوله كان كل النداء يوم الجمعة في رواية أبي عامر عن بن أبي ذئب عند بن خزيمة كان ابتداء النداء الذي ذكره الله في القرآن يوم الجمعة وله في رواية وكيع عن بن أبي ذئب كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة قال بن خزيمة قوله أذانين يريد الأذان والإقامة يعني تغليبا أو لاشتراكهما في الاعلام كما تقدم في أبواب الأذا قوله إذا جلس الإمام على المنبر في رواية أبي عامر المذكورة إذا خرج الإمام وإذا أقيمت الصلاة وكذا البيهقي من طريق بن أبي فديك عن بن أبي ذئب وكذا في رواية الماجشون الآتية عن الزهري ولفظه وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام يعني على
[ 327 ]
المنبر وأخرجه الاسماعيلي من وجه آخر عن الماجشون بدون قوله يعني وللنسائي من رواية سليمان التيمي عن الزهري كان بلال يؤذن إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فإذا نزل أقام وقد تقدم نحوه في مرسل تثبت قريبا قال المهلب الحكمة في جعل الأذان في هذا المحل ليعرف الناس بجلوس الإمام على المنبر فينصتون له إذا خطب كذا قال وفيه نظر فإن في سياق بن إسحاق عند الطبراني وغيره عن الزهري في هذا الحديث أن بلالا كان يؤذن على باب المسجد فالظاهر أنه كان لمطلق الإعلام لا لخصوص الإنصات نعم لما زيد الأذان الأول كان للإعلام وكان الذي بين يدي الخطيب للانصات قوله فلما كان عثمان أي خليفة قوله وكثر الناس أي بالمدينة وصرح به في رواية الماجشون وظاهره أن عثمان أمر بذلك في ابتداء خلافته لكن في رواية أبي ضمرة عن يونس عند أبي نعيم في المستخرج أن ذلك كان بعد مضى مدة من خلافته قوله زاد النداء الثالث في رواية وكيع عن بن أبي ذئب فأمر عثمان بالأذان الأول ونحوه للشافعي من هذا الوجه ولا منافاة بينهما لأنه باعتبار كونه مزيدا يسمى ثالثا وباعتبار كونه جعل مقدما على الأذان والإقامة يسمى أولا ولفظ رواية عقيل الآتية بعد بابين أن التأذين بالثاني أمر به عثمان وتسميته ثانيا أيضا متوجه بالنظر إلى الأذان الحقيقي لا اشتراط قوله على الزوراء بفتح الزاي وسكون الواو وبعدها راء ممدودة وقوله قال أبو عبد الله هو المصنف وهذا في رواية أبي ذر وحده وما فسر به الزوراء هو المعتمد وجزم بن بطال بأنه حجر كبير عند باب المسجد وفيه نظر لما في رواية بن إسحاق عن الزهري عند بن خزيمة وابن ماجة بلفظ زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء وفروايته عند الطبراني فأمر بالنداء الأول على دار لها يقال له الزوراء فكان يؤذن له عليها فإذا جلس على المنبر أذن مؤذنه الأول فإذا نزل أقام الصلاة وفي روايه له من هذا الوجه فأذن بالزوراء قبل خروجه ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت ونحوه في مرسل المتقدم وفي صحيح مسلم من حديث أنس أن نبي الله وأصحابه كانوا بالزوراء والزوراء بالمدينة عند السوق الحديث زاد أبو عامر عن بن أبي ذئب فثبت ذلك حتى الساعة وسيأتي نحوه قريبا من رواية يونس بلفظ فثبت الأمر كذلك والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك لكونه خليفة مطاع الأمر لكن ذكر الفاكهانى أن أول من حالا الأذان الأول بمكة الحجاج وبالبصرة زياد وبلغني أن أهل المغرب الأدنى الآن لا تأذين عندهم سوى مرة وروى بن أبي شيبة من طريق بن عمر قال الأذان الأول يوم الجمعة بدعة فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار ويحتمل أنه يريد أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة لكن منها ما يكون حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياسا على بقية الصلوات فألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب وفيه استنباط معنى من الأصل لا يبطله وأما ما حالا الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء إليهما بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو في بعض البلاد دون بعض واتباع السلف الصالح أولى تنبيهان الأول ورد ما يخالف هذا الخبر أن عمر هو الذي زاد الأذان ففي تفسير جويبر عن الضحاك من زيادة الراوي عن برد بن سنان عن عن معاذ أن عمر أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس الجمعة خارجا من المسجد حتى يسمع
[ 328 ]
الناس وأمر أن يؤذن بين يديه كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ثم قال عمر نحن ابتدعناه لكثرة المسلمين انتهى وهذا منقطع بين تثبت ومعاذ ولا يثبت لأن معاذا كان خرج من المدينة إلى الشام في أول ما غزوا الشام واستمر إلى أن مات بالشام في طاعون عمواس وقد تواردت الروايات أن عثمان هو الذي زاده فهو المعتمد ثم وجدت لهذا الأثر ما يقويه فقد أخرج عبد الرزاق عن بن جريج قال قال سليمان بن موسى أول من زاد الأذان بالمدينة عثمان فقال عطاء كلا إنما كان يدعو الناس دعاء ولا يؤذن غير أذان واحد انتهى وعطاء لم يدرك عثمان فرواية من أثبت ذلك عنه مقدمة على إنكاره ويمكن الجمع بأن الذي ذكره عطاء هو الذي كان في زمن عمر واستمر على عهد عثمان ثم رأى أن يجعلة أذانا وأن يكون على مكان عال ففعل ذلك فنسب إليه لكونه بألفاظ الأذان وترك ما كان فعله عمر لكونه مجرد إعلام الثاني تواردت الشراح على أن معنى قوله الأذان الثالث أن الأولين الأذان والإقامة لكن نقل الداودي أن الأذان أولا كان في سفل المسجد فلما كان عثمان جعل من يؤذن على الزوراء فلما كان هشام يعني بن عبد الملك جعل من يؤذن بين يديه فصاروا ثلاثة فسمى فعل عثمان ثالثا لذلك انتهى وهذا الذي ذكره يغنى ذكره عن تكلف رده فليس له فيما قاله سلف ثم هو خلاف الظاهر فتسمية ما أمر به عثمان ثالثا يستدعى سبق اثنين قبله وهشام إنما كان بعد عثمان بثمانين سنة واستدل البخاري بهذا الحديث أيضا على الجلوس على المنبر قبل الخطبة خلافا لبعض الحنفية واختلف من أثبته هل هو للآذان أو لراحة الخطيب فعلى الأول لا يسن في العيد إذ لا أذان هناك واستدل به أيضا على أن التأذين معي الخطبة وعلى ترك تأذين اثنين معا وعلى أن الخطبة يوم الجمعة سابقة على الصلاة ووجهه أن الأذان لا يكون إلا قبل الصلاة وإذا كان يقع حين يجلس الإمام على المنبر دل على سبق الخطبة على الصلاة قوله باب المؤذن الواحد يوم الجمعة أورد فيه حديث السائب بن يزيد المذكور في الباب قبله وزاد فيه ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن غير واحد ومثله للنسائي وأبي داود من رواية صالح بن جلس ولأبي داود وابن خزيمة من رواية بن إسحاق كلاهما عن الزهري وفي مرسل تثبت المتقدم نحوه وهو ظاهر في إرادة نفى تأذين اثنين معا والمراد أن الذي كان يؤذن هو الذي كان يقيم قال الاسماعيلي لعل قوله مؤذن يريد به التأذين فعبر عنه بلفظ المؤذن لدلالته عليه انتهى وما أدرى ما الحامل له على هذا التأويل فإن المؤذن الراتب هو بلال وأما أبو محذورة وسع القرظ فكان كل منهما بمسجده الذي رتب فيه وأما بن أم مكتوم فلم يرد أنه كان يؤذن إلا في الصبح كما تقدم في الأذان فلعل الاسماعيلي استشعر أيراد أحد هؤلاء فقال ما قال ويمكن أن يكون المراد بقوله مؤذن واحد أي في الجمعة فلا ترد الصبح مثلا وعرف بهذا الرد على ما ذكر بن حبيب أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رقي المنبر وجلس أذن المؤذنون وكانوا ثلاثة واحد بعد واحد فإذا فرغ الثالث قام فخطب فإنه دعوى تحتاج لدليل ولم يرد ذلك صريحا من طريق متصله يثبت مثلها ثم وجدته في مختصر البويطي عن الشافعي قوله باب يجيب الإمام على المنبر إذا سمع النداء في رواية كريمة يؤذن بدل يجيب فكأنه سماه أذانا لكونه بلفظ قوله عن أبي أمامة في رواية الاسماعيلي من طريق حبان وعبدان عن عبد الله وهو بن
[ 329 ]
المبارك سمعت أبا أمامة قوله وأنا أي أشهد أو أنا أقول مثله قوله فلما أن قضى أي فرغ وأن زائدة وسقطت في رواية الأصيلي وللكشميهني فلما أن انقضى أي انتهى وفي هذا الحديث من الفوائد تعلم العلم وتعليمه من الإمام وهو على المنبر والخطيب يجيب المؤذن وهو على المنبر وأن قول المجيب وأنا كذلك ونحوه يكفي في إجابة المؤذن وفيه إباحة الكلام قبل الشروع في الخطبة وأن التكبير في أول الأذان غير مرجع وفيهما نظر وفيه الجلوس قبل الخطبة وبقية مباحثه تقدمت في أبواب الأذان قوله باب الجلوس على المنبر عند التأذين تقدمت مباحث حديث السائب قريبا ومناسبته للذي قبله ظاهرة جدا وأشار الزين بن المنير إلى أن مناسبة هذه الترجمة الإشارة إلى خلاف من قال الجلوس على المنبر عند التأذين غير مشروع وهو عن بعض الكوفيين وقال مالك والشافعي والجمهور هو سنة قال الزين والحكمة فيه سكون اللغط والتهيؤ للانصات والاستنصات لسماع الخطبة وإحضار الذهن للذكر قوله باب التأذين عند الخطبة أي عند إرادتها أورد فيه حديث السائب أيضا وقد تقدم ما فيه وعبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد قوله باب الخطبة على المنبر أي مشروعيتها ولم يقيدها بالجمعة ليتناولها ويتناول غيرها قوله وقال أنس خطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر هذا طرف من حديث أورده المصنف في الاعتصام وفي الفتن مطولا وفيه قصة عبد الله بن حذافة ومن حديثه أيضا في الاستسقاء في قصة الذي قال هلك المال وسيأتي ثم قوله أن رجالا أتوا سهل بن سعد لم أقف على أسمائهم قوله امتروا من المماراة وهي المجادلة وقال الكرماني من الامتراء وهي لشك ويؤيد الأول قوله في رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عند مسلم أن تماروا فإن معناه تجادلوا قال الراغب الامتراء والمماراة المجادلة ومنه فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا وقال أيضا المرية التردد في الشئ ومنه فلا تكن في مرية من لقائه قوله والله أني لأعرف مما هو فيه القسم على الشئ لإرادة تأكيده للسامع وفي قوله ولقد رأيته أول يوم وضع وأول يوم جلس عليه زيادة على السؤال لكن فائدته إعلامهم بقوة معرفته بما سألوه عنه وقد تقدم في باب الصلاة على المنبر أن سهلا قال ما بقي أحد أعلم به مني قوله أرسل الخ هو شرح الجواب قوله إلى فلانة امرأة من الأنصار في رواية أبي غسان عن أبى حازم امرأة من المهاجرين كما سيأتي في الهبة وهو وهم من أبي غسان لاطباق أصحاب أبي حازم على قولهم من الأنصار وكذا قال أيمن عن جابر كما سيأتي في علامات النبوة وقد تقدم الكلام على اسمها في باب الصلاة على المنبر في أوائل الصلاة قوله مرى غلامك ماتت سماه عباس بن سهل عن أبيه فيما أخرجه قاسم بن أصبغ وأبو سعد في شرف المصطفى جميعا من طريق يحيى بن بكير عن بن لهيعة حدثني عمارة بن غزية عنه ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة فلما كثر الناس قيل له لو كنت جعلت منبرا قال وكان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون فذكر الحديث وأخرجه بن سعد من رواية سعيد بن سعد الأنصاري عن بن عباس نحو هذا السياق ولكن لم يسمه
[ 330 ]
وفي الطبراني من طريق أبي عبد الله الغفاري سمعت سهل بن سعد يقول كنت جالسا مع خال لي من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اخرج إلى الغابة وأتنى من خشبها فاعمل لي منبرا الحديث وجاء في صانع المنبر أقوال أخرى أحدها اسمه إبراهيم أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي نضرة عن جابر وفي إسناده العلاء بن مسلمة الرواس وهو متروك ثانيها باقول بموحدة وقاف مضمومة رواه عبد الرزاق بإسناد ضعيف منقطع ووصله أبو نعيم في المعرفة لكن قال بأقوم آخره ميم وإسناده ضعيف أيضا ثالثها صباح بضم المهملة بعدها موحدة خفيفة وآخره الركعة أيضا ذكره بن بشكوال بإسناد شديد الانقطاع رابعها قبيصة أو قبيصة المخزومي مولاهم ذكره عمر بن شبة في الصحابة بإسناد مرسل خامسها كلاب مولى العباس كما سيأتي سادسها تميم الداري رواه أبو داود مختصرا والحسن بن سفيان والبيهقي من طريق أبي عاصم عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن بن عمر أن تميما الداري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثر لحمه ألا نتخذ لك منبرا يحمل عظامك قال بلى فاتخذ له منبرا الحديث وإسناده جيد وسيأتي ذكره في علامات النبوة فإن البخاري أشار إليه ثم وروى بن سعد في الطبقات من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب وهو مستند إلى جذع فقال أن القيام قد شق على فقال له تميم الداري ألا أعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام فشاور النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين في ذلك فرأوا أن يتخذه فقال العباس بن عبد المطلب إن لي غلاما يقال له كلاب أعمل الناس فقال مره أن يعمل الحديث رجاله ثقات إلا الواقدي سابعها ميناء ذكره بن بشكوال عن الزبير بن بكار حدثني إسماعيل هو بن أبي أويس عن أبيه قال عمل المنبر غلام لامرأة من الأنصار من بني سلمة أو من بني ساعدة أو امرأة لرجل منهم يقال له ميناء انتهى وهذا يحتمل أن يعود الضمير فيه على الأقرب فيكون ميناء اسم زوج المرأة وهو بخلاف ما حكيناه في باب الصلاة على المنبر والسطوح عن بن التين أن المنبر عمله غلام سعد بن عبادة وجوزنا أن تكون المرأة زوج سعد وليس في جميع هذه الروايات التي سمي فيها ماتت شئ قوي السند إلا حديث بن عمر وليس فيه التصريح بأن الذي أتخذ المنبر تميم الداري بل قد تبين من رواية بن سعد أن تميما لم يعمله وأشبه الأقوال بالصواب قول من قال هو ميمون لكون الإسناد من طريق سهل بن سعد أيضا وأما الأقوال الأخرى فلا اعتداد بها لوهائها ويبعد جدا أن يجمع بينها بأن ماتت كانت له أسماء متعددة وأما احتمال كون الجميع اشتركوا في عمله فيمنع منه قوله في كثير من الروايات السابقة لم يكن بالمدينة إلا نجار واحد إلا إن كان يحمل على أن المراد بالواحد الماهر في صناعته والبقية أعوانه فيمكن والله أعلم ووقع عند الترمذي وابن خزيمة وصححاه من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يخطب فجاء إليه رومي فقال ألا أصنع لك منبرا الحديث ولم يسمه يحتمل أن يكون المراد بالرومي تميم الداري لأنه كان كثير السفر إلى أرض الرووقد عرف مما تقدم سبب عمل المنبر وجزم بن سعد بأن ذلك كان في السنة السابعة وفيه نظر لذكر العباس وتميم فيه وكان قدوم العباس بعد الفتح في آخر سنة ثمان وقدوم تميم سنة تسع وجزم بن ماتت بأن عمله كان سنة ثمان وفيه نظر أيضا لما ورد في حديث الإفك في الصحيحين عن عائشة قالت فثار الحيان الأوس والخزرج حتى كادوا أن
[ 331 ]
يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر وإلا فهو أصح مما مضى وحكى بعض أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبر من طين قبل أن يتخذ المنبر الذي من خشب ويعكر عليه أن في الأحاديث الصحيحة أنه كان يستند إلى الجذع إذا خطب ولم يزل المنبر على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله وكان سبب ذلك ما حكاه الزبير بن بكار في أخبار المدينة شوال إلى حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال بعث معاوية إلى مروان وهو عامله على المدينة أن يحمل إليه المنبر فأمر به فقلع فأظلمت المدينة فخرج مروان فخطب وقال إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه فدعا نجارا وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم ورواه من وجه آخر قال فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم وقال فزاد فيه ست درجات وقال إنما زدت فيه حين كثر الناس قال بن ماتت وغيره استمر على ذلك إلا ما أصلح منه إلى أن احترق مسجد المدينة سنة أربع وخمسين منهن فاحترق ثم جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين منبرا ثم أرسل الظاهر بيبرس بعد عشر سنين منبرا فأزيل منبر المظفر فلم يزل ذلك إلى هذا العصر فأرسل الملك المؤيد سنة عشرين وثمانمائة منبرا جديدا وكان أرسل في سنة ثمانين عشرة منبرا جديدا إلى مكة أيضا شكر الله له صالح عمله آمين قوله فعملها من طرفاء الغابة في رواية سفيان عن أبي حازم من أثلة الغابة كما تقدم في أوائل الصلاة ولا مغايرة بينهما فإن الأثل هو الطرفاء وقيل يشبه الطرفاء وهو أعظم منه والغابة بالمعجمة وتخفيف الموحدة موضع من عوالي المدينة جهة الشام وهي اسم قرية بالبحرين أيضا وأصلها كل شجر ملتف قوله فأرسلت أي المرأة تعلم بأنه فرغ قوله فأمر بها فوضعت أنث لارداة الأعواد والدرجات ففي رواية مسلم من طريق عبد العزيز بن أبي حازم فعمل له هذا الدرجات الثلاث قوله ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها أي على الأعواد وكانت صلاته على الدرجة العليا من المنبر قوله وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى لم يذكر القيام بعد الركوع في هذه الرواية وكذا لم يذكر القراءة بعد التكبيرة وقد تبين ذلك في رواية سفيان عن أبي حازم ولفظه كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى والقهقرى بالقصر المشي إلى خلف والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على المنبر فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة قوله في أصل المنبر أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه قوله ثم عاد زاد مسلم من رواية عبد العزيز حتى فرغ من صلاته قوله ولتعلموا بكسر اللام وفتح المثناة وتشديد اللام أي لتتعلموا وعرف منه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر ليراه من قد يخفى عليه رؤيته إذا صلى على الأرض ويستفاد منه أن من فعل شيئا يخالف العادة أن يبين حكمته لأصحابه وفيه مشروعية الخطبة على المنبر لكل خطيب خليفة كان أو غيره وفيه جواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل وجواز العمل اليسير في الصلاة وكذا الكثير إن تفرق وقد تقدم البحث فيه وكذا في جواز ارتفاع الإمام في باب الصلاة في السطوح وفيه استحباب اتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه واستحباب الافتتاح بالصلاة في كل شئ جديد إما شكرا وإما تبركا وقال بن بطال إن كان الخطيب هو
[ 332 ]
فسنته أن يخطب على المنبر وإن كان غيره يخير بين أن يقوم على المنبر أو على الأرض وتعقبه الزين بن المنير بأن هذا خارج عن مقصود الترجمة ولأنه إخبار عن شئ أحدثه بعض الخلفاء فإن كان من الخلفاء الراشدين فهو سنة متبعة وإن كان من غيرهم فهو بالبدعة أشبه منه بالسنة قلت ولعل هذا هو حكمة هذه الترجمة أشار بها إلى أن هذا التفصيل غير مستحب ولعل مراد من استحبه أن الأصل أن لا يرتفع الإمام عن المأمومين ولا يلزم من مشروعية ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ثم لمن ولي الخلافة أن يشرع لمن جاء بعدهم وحجة الجمهور وجود الاشتراك في وعظ السامعين وتعليمهم بعض أمور الدين والله الموفق قوله أخبرني يحيى بن سعيد هو الأنصاري وابن أنس هو حفص بن عبيد الله بن أنس كما سيأتي في الرواية المعلقة ونسب في هذه إلى جده قال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف إنما أبهم البخاري حفصا لأن محمد بن جعفر بن أبي كثير يقول عبيد الله بن حفص بقعودهم قلت كذا رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن مسكين عن بن أبي مريم شيخ البخاري فيه ولكن أخرجه الاسماعيلي من طريق أبي الأحوص محمد بن الهيثم عن بن أبي مريم فقال عن حفص بن عبيد الله على الصواب وقلبه أيضا عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عن يحيى بن سعيد أخرجه الاسماعيلي من طريقه وقال الصواب فيه حفص بن عبيد الله وفي تاريخ البخاري حفص بن عبيد الله بن أنس وقال بعضهم عبيد الله بن حفص ولا يصح عبيد الله قوله أصوات العشار بكسر المهملة بعدها غدا قال الجوهري العشار جمع عشراء بالضم ثم الفتح وهي الناقة الحامل التي مضت لها عشرة أشهر ولا يزال ذلك اسمها إلى أن تلد وقال الخطابي العشار الحوامل من الإبل التي قاربت الولادة ويقال اللواتي أتى على حملهن عشرة أشهر يقال ناقة عشراء ونوق عشار على غير قياس وسيأتي الكلام على حديث الجذع في علامات النبوة إن شاء الله تعالى قوله وقال سليمان عن يحيى أخبرني حفص بن عبيد الله أما سليمان فهو بن بلال وأما يحيى فهو بن سعيد وقد وصله المصنف في علامات النبوة بهذا الإسناد وزعم بعضهم أنه سليمان بن كثير لأنه رواه عن يحيى بن سعيد لكن فيه نظر لأن سليمان بن كثير قال فيه عن يحيى عن سعيد بن المسيب عن جابر كذلك أخرجه الدارمي عن محمد بن كثير عن أخيه سليمان فإن كان محفوظا فليحيى بن سعيد فيه شيخان والله أعلم صقوله يخطب على المنبر هذا القدر هو المقصود إيراده في هذا الباب وقد تقدم الكلام على المتن في باب فضل الغسل يوم الجمعة ويستفاد منه أن للخطيب تعليم الأحكام على المنبر قوله باب الخطبة قائما قال بن المنذر الذي حمل عليه جل أهل العلم من علماء الأمصار ذلك ونقل غيره عن أبي حنيفة أن القيام في الخطبة سنة وليس بواجب وعن مالك رواية أنه واجب فإن تركه أساء وصحت الخطبة وعند الباقين أن القيام في الخطبة يشترط للقادر كالصلاة واستدل للأول بحديث أبي سعيد الآتي في المناقب أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله وبحديث سهل الماضي قبل مرى غلامك يعمل لي أعوادا أجلس عليها والله الموفق وأجيب عن الأول أنه كان في غير خطبة الجمعة وعن الثاني باحتمال أن تكون الإشارة إلى الجلوس أول ما يصعد وبين الخطبتين واستدل للجمهور بحديث جابر بن سمرة المذكور وبحديث كعب بن عجرة أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أبي الحكم يخطب قاعدا فأنكر عليه وتلا وتركوك قائما وفي رواية بن خزيمة
[ 333 ]
ما رأيت كاليوم قط إماما يؤم المسلمين يخطب وهو جالس يقول ذلك مرتين وأخرج بن أبي شيبة عن طاوس خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من جلس على المنبر معاوية وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على القيام وبمشروعية الجلوس بين الخطبتين فلو كان القعود مشروعا في الخطبتين ما احتيج إلى الفصل بالجلوس ولأن الذي نقل عنه القعود كان معذورا فعند بن أبي شيبة من طريق الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعدا لما كثر شحم بطنه ولحمد وأما من احتج بأنه لو كان شرطا ما صلى من أنكر ذلك مع القاعد فجوابه أنه أمرهم على أن من صنع ذلك خشي الفتنة أو أن الذي قعد قعد باجتهاد كما قالوا في إتمام عثمان الصلاة في السفر وقد أنكر ذلك بن مسعود ثم إنه صلى خلفه فأتم معه واعتذر بأن الخلاف شر قوله وقال أنس الخ هو طرف من حديث الاستستقاء أيضا وسيأتي في بابه ثم أورد في الباب حديث بن عمر وقد ترجم له بعد بابين القعدة بين الخطبتين وسيأتي الكلام عليه ثم وفي الباب حديث جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب أخرجه مسلم وهو أصرح في المواظبة من حديث بن عمر إلا أن إسناده ليس على شرط البخاري وروى بن أبي شيبة من طريق طاوس قال أول من خطب قاعدا معاوية حين كثر شحم بطنه وهذا مرسل يعضده ما روى سعيد بن منصور عن الحسن قال أول من استراح في الخطبة يوم الجمعة عثمان وكان إذا أعي جلس ولم يتكلم حتى يقوم وأول من خطب جالسا معاوية وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يخطبون يوم الجمعة قياما حتى شق على عثمان القيام فكان يخطب قائما ثم يجلس فلما كان معاوية خطب الأولى جالسا والأخرى قائما ولا حجة في ذلك لمن أجاز الخطبة قاعدا لأنه تبين أن ذلك للضرورة قوله باب استقبال الناس الإمام إذا خطب زاد في رواية كريمة في أول الترجمة يستقبل الإمام القوم ولم يبت الحكم وهو مستحب عند الجمهور وفي وجه يجب جزم به أبو الطيب الطبري من الشافعية فإن فعل أجزأ وقيل لا ذكره الشاشي ونقل في شرح المهذب أن الالتفات يمينا وشمالا مكروه اتفاقا إلا ما حكى عن بعض الحنفية فقال أكثرهم لا يصح ومن السري الاستقبال استدبار الإمام القبلة واغتفر لئلا يصير مستدبر القوم الذين يعظهم ومن حكمة استقبالهم للأمام التهيؤ لسماع كلامه وسلوك الأدب معه في استماع كلامه فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه كان أدعى لتفهم موعظته وموافقته فيما شرع له القيام لأجله قوله واستقبل بن عمر وأنس الإمام أما بن عمر فرواه البيهقي من طريق الوليد بن مسلم قال ذكرت لليث بن سعد فأخبرني عن بن عجلان أنه أخبره عن نافع أن بن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله وأما أنس فرويناه في نسخة نعيم بن حماد بإسناد صحيح عنه أنه كان إذا أخذ الإمام في الخطبة يوم الجمعة يستقبله بوجهه حتى يفرغ من الخطبة ورواه بن المنذر من وجه آخر عن أنس أنه جاء يوم الجمعة فاستند إلى الحائط واستقبل الإمام قال بن المنذر لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء وحكى غيره عن سعيد بن المسيب والحسن شيئا محتملا وقال الترمذي لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شئ يعني صريحا وقد استنبط المصنف من
[ 334 ]
حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله مقصود الترجمة وهو طرف من حديث طويل سيأتي بهذا الإسناد في كتاب الزكاة في باب الصدقة على اليتامى ويأتي الكلام عليه في الرقاق إن شاء الله تعالى ووجه الدلالة منه أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضى نظرهم إليه غالبا ولا يعكر على ذلك ما تقدم من القيام في الخطبة لأن هذا أمرهم على أنه كان يتحدث وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه وإذا كان ذلك في غير حال الخطبة كان حال الخطبة أولى لورود الأمر بالاستماع لها والإنصات عندها والله أعلم قوله باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد قال الزين بن المنير يحتمل أن تكون من موصولة بمعنى الذي والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم كما في أخبار الباب ويحتمل أن تكون شرطية والجواب محذوف والتقدير فقد أصاب السنة وعلى التقديرين فينبغي للخطباء أن يستعملوها تأسيا واتباعا أه ملخصا ولم يجد البخاري في صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة حديثا على شرطه فاقتصر على ذكر الثناء واللفظ الذي وضع للفصل بينه وبين ما بعده من موعظة ونحوها قال سيبويه أما بعد معناها مهما يكن من شئ بعد وقال أبو إسحاق هو الزجاج إذا كان الرجل في حديث فأراد أن يأتي بغيره قال أما بعد وهو مبنى على الضم لأنه من الظروف المقطوعة عن الإضافة وقيل التقدير أما الثناء على الله فهو كذا وأما بعد فكذا ولا يلزم في قسمه أن يصرح بلفظ بل يكفي ما يقوم مقامه واختلف في أول من قالها فقيل داود عليه السلام رواه الطبراني مرفوعا من حديث أبي موسى الأشعري وفي إسناده ضعف وروى عبد بن حميد والطبراني عن الشعبي موقوفا أنها فصل الخطاب الذي أعطيه داود وأخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي فزاد فيه عن زياد بن سمية وقيل أول من قالها يعقوب رواه الدارقطني بسند واه في غرائب مالك وقيل أول من قالها يعرب بن قحطان وقيل كعب بن لؤي أخرجه القاضي أبو أحمد الغساني من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بسند ضعيف وقيل سحبان بن وائل وقيل قس بن ساعدة والأول أشبه ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة إلى الاولية المحضة والبقية بالنسبة إلى العرب خاصة ثم يجمع بينها بالنسبة إلى القبائل قوله رواه عكرمة عن بن عباس
[ 335 ]
سيأتي موصولا آخر الباب ثم أورد في الباب أيضا ستة أحاديث طاهرة المناسبة لما ترجم له أولها حديث أسماء بنت أبي بكر في كسوف الشمس وفيه فحمد الله بما هو أهله ثم قال أما بعد ثم ذكر قصة فتنة القبر وسيأتي الكلام عليه في الكسوف وذكره هنا عن محمود وهو بن غيلان أحد شيوخه بصيغة قال محمود وكلام أبي نعيم في المستخرج يشعر بأنه قال حدثنا محمود ثانيها حديث عمرو بن تغلب وهو بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة وفيه فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال أما بعد وسيأتي الكلام عليه في كتاب الخمس ووقع هنا في بعض النسخ تابعه يونس وهو بن عبيد وقد وصله أبو نعيم في مسند يونس بن عبيد له شوال عنه عن الحسن عن عمرو ثالثها حديث عائشة في قصة صلاة الليل وفيه فتشهد ثم قال أما بعد وسيأتي الكلام عليه في أبواب التطوع قوله تابعه يونس هو بن يزيد وقد وصله مسلم من طريقه بتمامه وكلام المزي في الأطراف يدل على أن يونس إنما تابع شعيبا في أما بعد فقط وليس كذلك رابعها حديث أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد هكذا أورده مختصرا بتمامه بهذا الإسناد في الأيمان والنذور وفيه قصة بن اللتبية ويأتي الكلام عليه تاما في الزكاة قوله تابعه أبو معاوية وأبو أسامة عن هشام يعني بن عروة عن أبيه عن أبي حميد وقد وصله مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة وأبي معاوية وغيرهما مفرقا وأورده الاسماعيلي من طريق يوسف بن موسى حدثنا جرير ووكيع وأبو أسامة وأبو معاوية قالوا حدثنا هشام بن عروة به وقد وصل المصنف رواية أبي أسامة في الزكاة أيضا باختصار قوله وتابعه العدني عن سفيان يحتمل أن يكون العدني هو عبد الله بن الوليد وسفيان هو الثوري ومن هذا الوجه وصله الاسماعيلي وفيقوله أما بعد ويحتمل أن يكون العدني هو محمد بن يحيى بن أبي عمر وسفيان هو بن عيينة وقد وصله مسلم عنه وأحال به على رواية أبي كريب عن أبي أسامة وقد تبين أفيها قوله أما بعد وهو المقصود هنا ولم أره مع ذلك في مسند بن أبي عمر خامسها حديث المسور بن مخرمة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد يقول أما بعد وهذا طرف من حديثه في قصة خطبة على بن أبي طالب بنت أبي جهل وسيأتي بتمامه في المناقب ويأتي الكلام عليه ثم قوله تابعه الزبيدي وصله الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه عن الزهري بتمامه سادسها حديث بن عباس قال صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر وكان أي صعوده آخر مجلس جلسه الحديث وفيه فحمد الله وأثنى عليه وفيه ثم قال أما بعد وسيأتي في فضائل الأنصار بتمامه ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى وفي الباب مما لم يذكره عن عائشة في قصة الإفك وعن أبي سفيان في الكتاب إلى هرقل متفق عليهما وعن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته الحديث وفيه فيقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله أخرجه مسلم وفي رواية له عنه كان خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته فذكر الحديث وفيه يقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وهذا أليق بمراد المصنف للتنصيص فيه على الجمعة لكنه ليس على شرطه كما قدمناه ويستفاد من هذه الأحاديث أن أما بعد لا تختص بالخطب بل تقال أيضا في صدور الرسائل والمصنفات ولا اقتصار عليها في إرادة الفصل بين الكلامين بل ورد في القرآن في
[ 336 ]
ذلك لفظ هذا وأن وقد كثر استعمال المصنفين لها بلفظ وبعد ومنهم من صدر بها كلامه فيقول في أول الكتاب أما بعد حمدالله فإن الأمر كذا ابن $ حجر في ذلك وقد تتبع طرق الآحاديث التي وقع فيها أما بعد الحافظ عبد القادر الرهاوي في خطبة الأربعين المتباينة له فأخرجه عن اثنين وثلاثين صحابيا منها ما أخرجه من طريق بن جريج عن محمد بن سيرين عن المسور بن مخرمة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب خطبة قال أما بعد ورجاله ثقات وظاهره المواظبة على ذلك قوله باب القعدة بين الخطبتين قال الزين بن المنير لم يصرح بحكم الترجمة لأن مستند ذلك الفعل ولا عموم له أه ولا اختصاص بذلك لهذه الترجمة فإنه لم يصرح بحكم غيرها من أحكام الجمعة وظاهر صنيعه أنه يقول بوجوبها كما يقول به في أصل الخطبة قوله يخطب خطبتين يقعد بينهما مقتضاه أنه كان يخطبها قائما وصرح به في رواية خالد بن الحارث المتقدمة قبل ببابين ولفظه كان يخطب قائما ثم يقعد ثم يقوم وللنسائي والدارقطني من هذا الوجه كان يخطب خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس وغفل صاحب العمدة فعزا هذا اللفظ للصحيحين ورواه أبو داود بلفظ كان يخطب خطبتين كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخط ب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب واستفيد من هذا أن حال الجلوس بين الخطبتين كلام فيه لكن ليس فيه نفى أن يذكر الله أو يدعوه سرا واستدل به الشافعي في إيجاب الجلوس بين الخطبتين لمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك مع قوله صلواكما رأيتموني أصلى قال بن دقيق العيد يتوقف ذلك على ثبوت أن إقامة الخطبتين انظر تحت كيفية الصلاة وإلا فهو استدلال بمجرد الفعل وزعم الطحاوي أن الشافعي تفرد بذلك وتعقب بأنه محكى عن مالك أيضا في رواية وهو المشهور عن أحمد نقله شيخنا في شرح الترمذي وحكى بن المنذر أن بعض العلماء عارض الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم واظب على الجلوس قبل الخطبة الأولى فإن كانت مواظبته دليلا على شرطية الجلسة الوسطى فلتكن دليلا على شرطية الجلسة الأولى وهذا متعقب بان جل الروايات عن بن عمر ليست فيها هذه الجلسة الأولى وهي من رواية عبد الله العمري المضعف فلم تثبت المواظبة عليها بخلاف التي بين الخطبتين وقال صاحب المغني لم يوجبها أكثر أهل العلم لأنها جلسة ليس فيها ذكر مشروع فلم تجب وقدرها من قا بوجوبها بقدر جلسة الاستراحة وبقدر ما يقرأ سورة الإخلاص واختلف في حكمتها فقيل للفصل بين الخطبتين وقيل للراحة وعلى الأول وهو الأظهر يكفي السكوت بقدرها ويظهر أثر الخلاف أيضا فيمن خطب قاعدا لعجزه عن القيام وقد ألزم الطحاوي من قال بوجوب الجلوس بين الخطبتين أن يوجب القيام في الخطبتين لأن كلا منهما اقتصر على فعل شئ واحد وتعقبه الزين بن المنير وبالله التوفيق قوله باب الاستماع أي الإصغاء للسماع فكل مستمع سامع من غير عكس وأورد المصنف فيه حديث كتابة الملائكة من يبكر يوم الجمعة وفيه فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب فضل الجمعة وفيه إشارة إلى أن منع الكلام من ابتداء الإمام في الخطبة لأن الاستماع لا يتجه إلا إذا تكلم وقالت الحنفية يحرم الكلام من ابتداء خروج الإمام وورد فيه حديث ضعيف سنذكره في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى قوله باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين أي إذا كان لم يصلهما قبل أن يراه قوله عن جابر بن عبد اللصرح في الباب الذي يليه بسماع عمرو له من جابر قوله جاء رجل هو
[ 337 ]
سليك بمهملة مصغرا بن هدية وقيل بن عمرو الغطفاني بفتح المعجمة ثم المهملة بعدها فاء من غطفان بن سعيد بن قيس عيلان ووقع مسمى في هذه القصة عند مسلم من رواية الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بلفظ جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له أصليت ركعتين فقال لا فقال قم فاركعهما ومن طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر نحوه وفيه فقال له يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما هكذا رواه حفاظ أصحاب الأعمش عنه ووافقه الوليد أبو بشر عن أبي سفيان عند أبي داود والدارقطني وشذ منصور بن أبي الأسود عن الأعمش بهذا الإسناد فقال جاء النعمان بن نوفل فذكر الحديث أخرجه الطبراني قال أبو حاتم الرازي وهم فيه منصور يعني في تسمية الآتي وقد رواه الطحاوي من طريق حفص بن الصالح عن الأعمش قال سمعت أبا صالح يحدث بحديث سليك الغطفاني ثم سمعت أبا سفيان يحدث به عن جابر فتحرر أن هذه القصة لسليك وروى الطبراني أيضا من طريق أبي صالح عن أبي ذر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال لأبي ذر صليت ركعتين قال لا الحديث وفي إسناده بن لهيعة وشذ بقوله وهو يخطب فإن الحديث مشهور عن أبي ذر أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد أخرجه بن حبان وغيره وأما ما رواه الدارقطني من حديث أنس قال دخل رجل من قيس المسجد فذكر نحو قصة سليك فلا يخالف كونه سليكا فإن غطفان من قيس كما تقدم وان كان بعض شيوخنا غاير بينهما وجوز أن تكون الواقعة تعددت فإنه لم يتبين لي ذلك واختلف فيه على الأعمش اختلافا آخر رواه الثوري عنه عن أبي سفيان عن جابر عن سليك فجعل الحديث من مسندسليك قال بن عدي لا أعلم أحدا قاله عن الثوري هكذا غير الفريابي وإبراهيم بن خالد أه وقد قاله عنه أيضا عبد الرزاق أخرجه هكذا في مصنفه وأحمد عنه وأبو عوان والدارقطني من طريقه ونقل بن عدي عن النسائي أنه قال هذا خطأ أه والذي يظهر لانه ما عنى أن جابرا حمل القصة عن سليك وإنما معناه أن جابرا حدثهم عن قصة سليك ولهذا وكما سأذكره في حديث أبي مسعود في قصة أبي شعيب اللحام في كتا ب البيوع إن شاء الله تعالى ومن المستغربات ما حكاه بن بشكوال في المبهمات أن الداخل المذكور يقال له أبو هدية فإن كان محفوظا فلعلها كنية سليك صادفت اسم أبيه قوله فقال صليت كذا للأكثر بحذف همزة الاستفهام وثبت في رواية الأصيلي قوله قم فاركع زاد المستملى والأصيلي ركعتين وكذا في رواية سفيان في الباب الذي بعده فصل ركعتين واستدل به على أن الخطبة لا تمنع الداخل من صلاة تحية المسجد وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم لها فيحتمل اختصاصها بسليك ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد الذي أخرجه أصحاب السنن وغيرهم جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب والرجل في هيئة بذة فقال له أصليت قال لا قال صل ركعتين وحض الناس على الصدقة الحديث فأمره أن يصلي ليراه بعض الناس وهو قائم فيتصدق عليه ويؤيده أن في هذا الحديث عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن هذا الرجل دخل المسجد في هيئة بذة فأمرته أن يصلي ركعتين وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه وعرف بهذه الرواية الرد على من طعن في هذا التأويل فقال لو كان كذلك لقال لهم إذا رأيتم ذا بذة فتصدقوا عليه أو إذا كان أحد ذا بذة فليقم فليركع حتى يتصدق الناس
[ 338 ]
عليه والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتنى في مثل هذا بالإجمال دون التفصيل كما كان يصنع عند المعاتبة ومما يضعف الاستدلال به أيضا على جواز التحية في تلك الحال أنهم أطلقوا أن التحية تفوت بالجلوس وورد أيضا ما يؤكد الخصوصية وهو قوله صلى الله عليه وسلم لسليك في آخر الحديث لا تعودن لمثل هذا أخرجه بن حبان انتهى ما اعتل به من طعن في الاستدلال بهذه القصة على جواز التحية وكله مردود لأن الأصل عدم الخصوصية والتعليل بكونه صلى الله عليه وسلم قصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية فإن المانعين منها لا يجيزون التطوع لعلة التصدق قال بن المنير في الحاشية لو ساغ ذلك لساغ مثله في التطوع عند طلوع الشمس وسائر الأوقات المكروهة ولا قائل به ومما يدل على أن أمره بالصلاة لم ينحصر في قصد التصدق معاودته صلى الله عليه وسلم بأمره بالصلاة أيضا في الجمعة الثانية بعد أن حصل له في الجمعة الأولى ثوبين فدخل بهما في الثانية فتصدق بأحدهما فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أخرجه النسائي وابن خزيمة من حديث أبي سعيد أيضا ولأحمد وابن حبان أنه كرر أمره بالصلاة ثلاث مرات في ثلاث جمع فدل على أن قصد التصدق عليه جزء علة لا علة كاملة وأما إطلاق من أطلق أن التحية تفوت بالجلوس فقد حكى النووي في شرح مسلم عن المحققين أن ذلك في حق العامد العالم أما الجاهل أو الناسي فلا وحال هذا الداخل محمولة في الأولى على أحدهما وفي المرتين الأخريين على النسيان والحامل للمانعين على التأويل المذكور أنهم زعموا أن ظاهره معارض للأمر بالإنصات والاستما للخطبة قال بن العربي عارض قصة سليك ما هو أقوى منها كقوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وقوله صلى الله عليه وسلم إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت متفق عليه قال فإذا أمتنع الأمر بالمعروف وهو أمر اللاغى بالإنصات مع قصر زمنه فمنع التشاغل بالتحية مع المريض زمانها أولى وعارضوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الذي دخل يتخطى رقاب الناس اجلس فقد آذيت أخرجه أبو داود والنسائي وصحح حه بن خزيمة وغيره من حديث عبد الله بن بشر قالوا فأمره بالجلوس ولم يأمره بالتحية وروى الطبراني من حديث بن عمر رفعه إذا دخل أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام والجواب عن ذلك كله أن المعارضة التي تئول إلى إسقاط أحد الدليلين إنما يعمل بها عند تعذر الجمع والجمع هنا ممكن أما الآية فليست الخطبة كلها قرآنا وأماما فيها من القرآن فالجواب عنه كالجواب عن الحديث وهو تخصيص عمومه بالداخل وأيضا فمصلى التحية يجوز أن يطلق عليه أنه منصت فقد تقدم في افتتاح الصلاة من حديث أبي هريرة أنه قال يا رسول الله سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه فأطلق على القول سرا السكوت وأما حديث بن بشر فهو أيضا واقعة عين لا عموم فيها فيحتمل أن يكون ترك أمره بالتحية قبل مشروعيتها وقد عارض بعضهم في قصة سليك بمثل ذلك ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون قوله له اجلس أي بشرطه وقد عرف قوله للداخل فلا تجلس حتى تصلى ركعتين فمعنى قوله اجلس أي لا تتخط أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز فإنها ليست واجبة أو لكون دخوله وقع في أواخر الخطبة بحيث ضاق الوقت عن التحية وقد اتفقوا على استثناء هذه الصورة ويحتمل أن يكون صلى التحية في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة فوقع منه التخطي فأنكر عليه
[ 339 ]
والجواب عن حديث بن عمر بأنه ضعيف فيه أيوب بن نهيك وهو منكر الحديث قاله أبو زرعة وأبو حاتم والأحاديث الصحيحة لا تعارض بمثله وأما قصة سليك فقد ذكر الترمذي أنها أصح شئ روى في هذا الباب وأقوى وأجاب المانعون أيضا بأجوبة غير ما تقدم اجتمع لنا منها زيادة على عشرة أوردتها ملخصة مع الجواب عنها لتستفاد الأول قالوا إنه صلى الله عليه وسلم لما خاطب سليكا سكت عن خطبته حتى فرغ سليك من صلاته فعلى هذا فقد جمع سليك بين سماع الخطبة وصلاة التحية فليس فيه حجة لمن أجاز التحية والخطيب يخطب والجواب أن الدارقطني الذي أخرجه من حديث أنس قد ضعفه وقال إن الصواب أنه من رواية سليمان التيمي مرسلا أو معضلا وقد تعقبه بن المنير في الحاشية بأنه لو ثبت لم يسغ على قاعدتهم لأنه يستلزم جواز قطع الخطبة لأجل الداخل والعمل عندهم لا يجوز قطعه بعد الشروع فيه لا سيما إذا كان واجبا الثاني قيل لما تشاغل النبي صلى الله عليه وسلم بمخاطبة سليك سقط فرض الاستماع عنه إذ لم يكن منه حينئذ خطبة لأجل تلك المخاطبة قاله بن العربي وادعى أنه أقوى الأجوبة وتعقب بأنه من أضعفها لأن المخاطبة لما انقضت رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خطبته وتشاغل سليك بامتثال ما أمره به من الصلاة فصح أنه صلى في حال الخطبة الثالث قيل كانت هذه القصة قبل شروعه صلى الله عليه وسلم في الخطبة ويدل عليه قوله في رواية الليث عند مسلم والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر وأجيب بأن القعود على المنبر لا يختص بالابتداء بل يحتمل أن يكون بين الخطبتين أيضا فيكون كلمه بذلك وهو قاعد فلما قام ليصلى قام النبي صلى الله عليه وسلم للخطبة لأن زمن القعود بين الخطبتين لا يطول ويحتمل أيضا أن يكون الراوي تجوز في قوله قاعد لأن الروايات الصحيحة كلها مطبقة على أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الرابع قيل كانت هذه القصة قبل تحريم الكلام في الصلاة وتعقب بأن سليكا متأخر الإسلام جدا وتحريم الكلام متقدم جدا كما سيأتي في موضعه في أواخر الصلاة فكيف يدعي نسخ المتأخر بالمتقدم مع أن النسخ لا يثبت بالاحتمال وقيل كانت قبل الأمر بالإنصات وقد تقدم الجواب عنه وعورض هذا الاحتمال بمثله في الحديث الذي استدلوا به وهو ما أخرجه الطبراني عن بن عمر إذ خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام لاحتمال أن يكون ذلك قبل الأمر بصلاة التحية والأولى في هذا أن يقال على تقدير تسليم ثبوت رفعه يخص عمومه بحديث الأمر بالتحية خاصة كما تقدم الخامس قيل اتفقوا على أن منع الصلاة في الأوقات المكروهة يستوي فيه من كان انظر المسجد أو خارجه وقد اتفقوا على أن من كان انظر المسجد يمتنع عليه التنفل حال الخطبة فليكن الآتي كذلك قاله الطحاوي وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد وما نقله من الاتفاق وافقه عليه الماوردي وغيره وقد شذ بعض الشافعية فقال ينبنى على وجوب الإنصات فإن قلنا به أمتنع التنفل وإلا فلا السادس قيل اتفقوا على أن الداخل والإمام في الصلاة تسقط عنه التحية ولا شك أن الخطبة صلاة فتسقط عنه فيها أيضا وتعقب بأن الخطبة ليست صلاة من كل وجه والفرق بينهما ظاهر من وجوه كثيرة والداخل في حال الخطبة مأمور بشغل البقعة بالصلاة قبل جلوسه بخلاف الداخل في حال الصلاة فإن إتيانه بالصلاة التي أقيمت يحصل المقصود هذا مع تفريق الفاء بينهما فقال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وقد وقع في بعض طرقه فلا
[ 340 ]
صلاة إلا التي أقيمت ولم يقل ذلك في حال الخطبة بل أمرهم فيها بالصلاة السابع قيل اتفقوا على سقوط التحية عن الإمام مع كونه يجلس على المنبر مع أن له ابتداء الكلام في الخطبة دون المأموم فيكون ترك المأموم التحية بطريق الأولى وتعقب بأنه أيضا قياس في مقابلة النص فهو فاسد ولأن الأمر وقع مقيدا بحال الخطبة فلم يتناول الخطيب وقال الزين بن المنير منع الكلام إنما هو لمن شهد الخطبة لا لمن خطب فكذلك الأمر بالإنصات واستماع الخطبة الثامن قيل لا نسلم أالمراد بالركعتين المأمور بهما تحية المسجد بل يحتمل أن تكون صلاة فائته كالصبح مثلا قاله بعض الحنفية وقواه بن المنير في الحاشية وقال لعله صلى الله عليه وسلم كان كشف له عن ذلك وإنما استفهمه ملاطفة له في الخطاب قال ولو كان المراد بالصلاة التحية لم يحتج إلى استفهامه لأنه قد رآه لما دخل وقد تولى رده بن حبان في صحيحه فقال لو كان كذلك لم يتكرر أمره له بذلك مرة بعد أخرى ومن هذه المادة قولهم إنما أمره بسنة الجمعة التي قبلها ومستندهم قوله في قصة سليك عند بن ماجة أصليت قبل أن تجئ لأن ظاهره قبل أن تجئ من البيت ولهذا قال الأوزاعي إن كاصلى في البيت قبل أن يجئ فلا يصلي إذا دخل المسجد وتعقب بأن المانع من صلاة التحية لا يجيز التنفل حال الخطبة مطلقا ويحتمل أن يكون معنى قبل أن تجئ أي إلى الموضع الذي أنت به الآن وفائدة الاستفهام احتمال أن يكون صلاها في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة كما تقدم في قصة الذي تخطى ويؤكده أن في رواية لمسلم أصليت الركعتين بالألف واللام وهو للعهد ولا عهد هناك أقرب من تحية المسجد وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شئ كما سيأتي في بابه التاسع قيل لا نسلم أن الخطبة المذكورة كانت للجمعة ويدل على أنها كانت لغيرها قوله للداخل أصليت لأن وقت الصلاة لم يكن دخل أه وهذا ينبنى على أن الاستفهام وقع عن صلاة الفرض فيحتاج إلى ثبوت ذلك وقد وقع في حديث الباب وفي الذي بعده أن ذلك كان يوم الجمعة فهو ظاهر في أن الخطبة كانت لصلاة الجمعة العاشر قال جماعة منهم القرطبي أقوى ما اعتمده المالكية في هذه المسألة عمل أهل المدينة خلفا عن سلف من لدن الصحابة إلى عهد مالك أن التنفل في حال الخطبة ممنوع مطلقا وتعقب بمنع اتفاق أهل المدينة على ذلك فقد ثبت فعل التحية عن أبي سعيد الخدري وهو من فقهاء الصحابة من أهل المدينة وحمله عنه أصحابه من أهل المدينة أيضا فروى الترمذي وابن خزيمة وصححاه عن عياض بن أبي سرح أن أبا سعيد الخدري دخل ومروان يخطب فصلى الركعتين فأراد حرس مروان أن يمنعوه فأبى حتى صلاهما ثم قال ما كنت لأدعهما بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بهما انتهى ولم يثبت عن أحد من الصحابة صريحا ما يخالف ذلك وأما ما نقله بن بطال عن عمر وعثمان وغير واحد من الصحابة من المنع مطلقا فاعتماده في ذلك على روايات عنهم فيها احتمال كقول ثعلبة بن أبي مالك أدركت عمر وعثمان وكان الإمام إذا خرج تركنا الصلاة ووجه الاحتمال أن يكون ثعلبة عنى بذلك من كان انظر المسجد خاصة قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي كل من نقل عنه يعني من الصحابة منع الصلاة والإمام يخطب أمرهم على من كان انظر المسجد لأنه لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحية وقد ورد فيها حديث يخصها فلا تترك بالاحتمال انتهى ولم أقف على ذلك صريحا عن أحد من الصحابة وأما ما رواه الطحاوي عن عبد الله بن صفوان أنه دخل
[ 341 ]
المسجد وابن الزبير يخطب فاستلم الركن ثم سلم عليه ثم جلس ولم يركع وعبد الله بن صفوان وعبد الله بن الزبير صحابيان صغيران فقد استدل به الطحاوي فقال لما لم فقلنا بن الزبير على بن صفوان ولا من حضرهما من الصحابة ترك التحية دل على صحة ما قلناه وتعقب بان تركهم النكير لا يدل على تحريمها بل يدل على عدم وجوبها ولم يقل به مخالفوهم وسيأتي في أواخر الكلام على هذا الحديث البحث في أن صلاة التحية هل تعم كل مسجد أو يستثنى المسجد الحرام لأن تحية الطواف فلعل بن صفوان كان يرى أن تحيته استلام الركن فقط وهذه الأجوبة التي قدمناها تندفع من أصلها بعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين متفق عليه وقد تقدم الكلام عليه وورد أخص منه في حال الخطبة ففي رواية شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج فليصل ركعتين متفق عليه أيضا ولمسلم من طريق أبي سفيان عن جابر أنه قال ذلك في قصة سليك ولفظه بعد قوله فاركعهما وتجوز فيهما ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما قال النووي هذا نص لا يتطرق إليه التأويل ان أظن عالما يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحا فيخالفه وقي أبو محمد بن أبي جمرة هذا الذي أخرجه مسلم نص في الباب لا يحتمل التأويل وحكى بن دقيق العيد أن بعضهم تأول هذا العموم بتأويل مستكره وكأنه يشير إلى بعض متقدم من ادعاء النسخ أو التخصيص وقد عارض بعض الحنفية الشافعية بأنهم لا حجة لهم في قصة سليك لأن التحية عندهم تسقط بالجلوس وقد تقدم جوابه وعارض بعضهم بحديث أبي سعيد رفعه لا تصلوا والإمام يخطب وتعقب بأنه لا يثبت وعلى تقدير ثبوته فيخص عمومه بالأمر بصلاة التحية وبعضهم بأن عمر لم يأمر عثمان بصلاة التحية مع أنه أنكر عليه الاقتصار على الوضوء وأجيب باحتمال أن يكون صلاهما وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز صلاة التحية في الأوقات المكروهة لأنها إذا لم تسقط في الخطبة مع الأمر بالإنصات لها فغيرها أولى وفيه أن التحية لا تفوت بالقعود لكن قيده بعضهم بالجاهل أو الناسي كما تقدم وأن للخطيب أن يأمر في خطبته وينهى ويبين الأحكام المحتاج إليها ولا يقطع ذلك التوالى المشترط فيها بل لقائل أن يقول كل ذلك يعد من الخطبة واستدل به على أن المسجد شرط للجمعة للاتفاق على أنه لا تشرع التحية لغير المسجد وفيه نظر واستدل به على جواز رد السلام وتشميت العاطس في حال الخطبة لأن أمرهما أخف وزمنهما أقصر ولا سيما رد السلام فإنه واجب وسيأتي البحث في ذلك بعد ثلاثة أبواب فائدة قيل يخص عموم حديث الباب بالداخل في آخر الخطبة كما تقدم قال الشافعي أرى للإمام أن يأمر الآتي بالركعتين ويزيد في كلامه ما يمكنه الإتيان بهما قبل إقامة الصلاة فإن لم يفعل كرهت ذلك وحكى النووي عن المحققين أن المختار إن لم يفعل أن يقف حتى تقام الصلاة لئلا يكون جالسا بغير تحية أو متنقلا حال إقامة الصلاة واستثنى المحاملي المسجد الحرام لأن تحيته الطواف وفيه نظر لطول زمن الطواف بالنسبة إلى الركعتين والذي يظهر من قولهم إن تحية المسجد الحرام الطواف إنما هو في حق القادم ليكون أول شئ بالصلاة الطواف وأما المقيم فحكم المسجد الحرام وغيره في ذلك سواء ولعل قول من أطلق أنه يبدأ في المسجد
[ 342 ]
الحرام بالطواف لكون الطوا ف يعقبه صلاة الركعتين فيحصل شغل البقعة بالصلاة غالبا وهو المقصود ويختص المسجد الحرام بزيادة الطواف والله أعلم قوله باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين قال الاسماعيلي لم يقع في الحديث الذي ذكره التقييد بكونهما خفيفتين قلت هو كما قال إلا أن المصنف جرى على عادته في الإشارة إلى ما في بعض طرق الحديث وهو كذلك وقد أخرجه أبو قرة في السنن عن الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بلفظ قم فاركع ركعتين خفيفتين وقد تقدم أنه عند مسلم بلفظ وتجوز فيهما وقال الزين بن المنير ما ملخصه في الترجمة الأولى أن الأمر بالركعتين يتقيد برؤية الإمام الداخل في حال الخطبة بعد أن يستفسره هل صلى أم لا وذلك كله خاص بالخطيب وأما حكم الداخل فلا يتقيد بشئ من ذلك بل يستحب له أن يصلي تحية المسجد فأشار المصنف إلى ذلك كله بالترجمة الثانية بعد الأولى مع أن الحديث فيهما واحد قوله عن عمرو هو بن دينار ووقع التصريح بسماع سفيان منه في هذا الحديث في مسند القدرة وهو عند أبي نعيم في المستخرج قوله صليت كذا للأكثر أيضا بحذف الهمزة وثبتت لكريمة وللمستملى قوله قال فصل زاد في رواية أبي ذر قال قم فصل قوله باب رفع اليدين في الخطبة أورد فيه طرفا من حديث أنس في قصة الاستسقاء وقد ساقه المصنف بتمامه في علامات النبوة من هذا الوجه وهو مطابق للترجمة وفيه إشارة إلى أن حديث عمارة بن رويبة الذي أخرجه مسلم في إنكار ذلك ليس على إطلاقه لكن قيد مالك الجواز بدعاء الاستستقاء كما في هذا الحديث قوله وعن يونس عن ثابت يونس هو بن عبيد وهو معطوف على الإسناد المذكور والتقدير وحدثنا مسدد أيضا عن حماد بن زيد عن يونس وقد أخرجه أبو داود عن مسدد أيضا بالاسنادين معا وأخرجه البزار أيضا من طريق مسدد وقال تفرد به حماد بن زيد عن يونس بن عبيد والرجال من الطريقين كلهم بصريون قوله فمد يديه ودعا في الحديث الذي بعده فرفع يديه كلفظ الترجمة وكأنه أراد أن يبين أن المراد بالرفع هنا المد لا كالرفع الذي في الصلاة وسيأتي في كتاب الدعوات صفة رفع اليدين في الدعاء فإن في رفعهما في دعاء الاستسقاء صفة زائدة على رفعهما في غيره وعلى ذلك يحمل حديث أنس لم يكن يرفع يديه في شئ من دعائه إلا في الاستسقاء وأنه أراد الصفة الخاصة بالاستسقاء ويأتي شئ من ذلك في الاستسقاء أيضا إن شاء الله تعالى قوله باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة أورد فيه الحديث المذكور مطولا من وجه آخر عن أنس وهو مطابق للترجمة أيضا وفيه الاكتفاء في الاستسقاء بخطبة الجمعة وصلاتها ويأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الاستسقاء إن شاء الله تعالى واستدل به على جواز الكلام في الخطبة كما سيأتي في الباب الذي بعده قوله باب الانصات يوم الجمعة والإمام يخطب أشار بهذا إلى الرد على من جعل وجوب الانصات من خروج الإمام لأن قوله في الحديث والإمام يخطب جملة حالية
[ 343 ]
يخرج ما قبل خطبته من حين خروجه وما بعده إلى أن يشرع في الخطبة نعم الأولى أن ينصت كما تقدم الترغيب فيه في باب فضل الغسل للجمعة وأما حال الجلوس بين الخطبتين فحكى صاحب المغني عن العلماء فيه قولين بناء على أنه غير خاطب أو أن زمن سكوته قليل فأشبه السكوت للتنفس قوله وإذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا هو كلفظ حديث الباب في بعض طرقه وهي رواية النسائي عن قتيبة عن الليث بالإسناد المذكور ولفظه من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغا والمراد بالصاحب من يخاطبه بذلك مطلقا وإنما ذكر الصاحب لكونه الغالب قوله وقال سلمان هو طرف من حديثه المتقدم في باب الدهن للجمعة وقوله ينصت بضم الأولى على الأفصح ويجوز الفتح قال الأزهري يقال أنصت ونصت وانتصت قال بن خزيمة المراد بالإنصات السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر الله وتعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة فالظاهر أن المراد السكوت مطلقا ومن فرق احتاج إلى دليل ولا يلزم من تجويز التحية لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقا قوله أخبرني بن شهاب هكذا رواه يحيى بن بكير عن الليث ورواه شعيب بن الليث عن أبيه فقال عن عقيل عن بن شهاب عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ عن أبي هريرة أخرجه مسلم والنسائي والطريقان معا صحيحان وقد رواه أبو صالح عن الليث بالاسنادين معا أخرجه الطحاوي وكذا رواه بن جريج وغيره عن الزهري بهما أخرجه عبد الرزاق وغيره ورواه مالك عند أبي داود وابن أبي ذئب عند بن ماجة كلاهما عن الزهري بالإسناد الأول قوله يوم الجمعة مفهومه أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك وفيه بحث قوله فقد لغوت قال الأخفش اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه وقال بن عرفة اللغو السقط من القول وقيل الميل عن الصواب وقيل اللغو الإثم كقوله تعالى وإذا مروا باللغو مروا كراما وقال الزين بن المنير اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال معنى لغاتكلم كذا أطلق والصواب التقييد وقال النضر بن شميل معنى لغوت خبت من الأجر وقيل بطلت فضيلة جمعتك وقيل صارت جمعتك ظهرا قلت أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى ويشهد للقول الأخير ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا قال بن وهب أحد رواته معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة ولأحمد من حديث على مرفوعا من قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له ولأبي داود نحوه ولأحمد والبزار من حديث بن عباس مرفوعا من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليست له جمعة وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن بن عمر موقوفا قال العلماء معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه وحكى بن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله فقد لغوت أي أمر ت بالإنصات من لا يجب عليه وهو جمود شديد لأن الانصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيا بل النهى عن الكلام مأخوذ من حديث البا ب بدلالة الموافقة لأنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرا بمعروف لغوا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوا وقد وقع عند أحمد من رواية الأعرج عن
[ 344 ]
أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله فقد لغوت عليك بنفسك واستدل به على منع جميع الكلام حال الخطبة وبه قال الجمهور في حق من سمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر قالوا وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة وأغرب بن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين ولفظه لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها في الجمعة وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب أنصت ونحوها أخذا بهذا الحديث وروى عن الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة قال وفعلهم في ذلك مردود عند أهل العلم وأحسن أحوالهم أن يقال إنه لم يبلغهم الحديث قلت للشافعي في المسألة قولان مشهوران وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا فعلى الأول يحرم لا على الثاني والثاني هو الأصح عندهم فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليهم من شنع من المخالفين وعن أحمد أيضا روايتان وعنهما أيضا التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها ولبعض الشافعية التفرقة بين من تنعقد بهم الجمعة فيجب عليهم الإنصات دون من زاد فجعله شبيها بفروض الكفاية واختلف السلف إذا خطب بما لا ينبغي من القول وعلى ذلك يحمل ما نقل عن السلف من الكلا حال الخطبة والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة بخلاف غيره ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث على المشار إليه آنفا ومن دنا فلم ينصت كان عليه كفلان من الوزر لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحا ولو كان مكروها كراهة تنزيه وأما ما استدل به من أجاز مطلقا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه ففيه نظر لأنه استدلال بالاخص على الأعم فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة كما خص بعضهم منه رد السلام لوجوبه ونقل صاحب المغني الاتفاق على أن الكلام الذي يجوز في الصلاة يجوز في الخطبة كتحذير الضرير من البئر بحال الشافعي وإذا خاف على أحد لم أر بأسا إذا لم يفهم عنه بالإيماء أن يتكلم وقد استثنى من الانصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع مثل الدعاء للسلطان مثلا بل جزم صاحب التهذيب بان الدعاء للسلطان مكروه وقال النووي محله ما إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوب أه ومحل الترك إذا لم يخف كلاهما وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه والله أعلم قوله باب الساعة التي في يوم الجمعة أي التي يجاب فيها الدعاء قوله عن أبي الزناد كذا رواه أصحاب مالك في الموطأ ولهم فيه إسناد آخر إلى أبي هريرة وفيه قصة له مع عبد الله بن سلام قوله فيه ساعة كذا فيه مبهمة وعينت في أحاديث أخر كما سيأتي قوله لا يوافقها أي يصادفها وهو أعم من أن يقصد لها أو يتفق له وقوع الدعاء فيها قوله وهو قائم يصلي يسأل الله هي صفات لمسلم أعربت حالا ويحتمل أن يكون يصلي حالا منه لاتصافه بقائم ويسأل حال مترادفة أو متداخلة وأفاد بن عبد البر أن قوله وهو قائم سقط من رواية أبي مصعب وابن أبي أويس ومطرف والتنيسى وقتيبة وأثبتها الباقون قال وهي زيادة محفوظة عن أبي الزناد من رواية مالك وورقاء وغيرهما عنه وحكى أبو محمد بن السيد عن محمد بن وضاح أنه كان يأمر بحذفها من الحديث وكان السبب في ذلك أنه يشكل على أصح
[ 345 ]
الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة وهما حديثان أحدهما أنها من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة والثاني أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس وقد احتج أبو هريرة على عبد الله بن سلام لما ذكر له القول الثاني بأنها ليست ساعة صلاة وقد ورد النص بالصلاة فأجابه بالنص الآخر أن منتظر الصلاة في حكم المصلي فلو كان قوله وهو قائم عند أبي هريرة ثابتا لاحتج عليه بها لكنه سلم له الجواب وارتضاه وأفتى به بعده وأما اشكاله على الحديث الأول فمن جهة أنه يتناول حال الخطبة كله وليست صلاة على الحقيقة وقد أجيب عن هذا الاشكال بحمل الصلاة على الدعاء أو الانتظار ويحمل القيام على الملازمة والمواظبة ويؤيد ذلك أن حال القيام في الصلاة غير حال السجود والركوع والتشهد مع أن السجود مظنة أجابة الدعاء فلو كان المراد بالقيام حقيقته لاخرجه فدل على أن المراد مجاز القيام وهو المواظبة ونحوها ومنه قوله تعالى إلا ما دمت عليه قائما فعلى هذا يكون التعبير عن المصلي بالقائم من باب التعبير عن الكل بالجزء والنكتة فيه أنه أشهر أحوال الصلاة قوله شيئا أي مما يليق أن يدعو به المسلم ويسأل ربه تعالى وفي رواية سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عند المصنف في الطلاق يسأل الله خيرا ولمسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة مثله وفي حديث أبي لبابة عند بن ماجة ما لم يسأل حراما وفي حديث سعد بن عبادة عند أحمد ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم وهو نحو الأول وقطيعة الرحم من جملة الإثم فهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به قوله وأشار بيده كذا هنا بإبهام الفاعل وفي رواية أبي مصعب عن مالك وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية سلمة بن علقمة التي أشر ت إليها ووضع أنملته على بطن الوسطى أو الخنصر قلنا يزهدها وبين أبو مسلم الكجي أالذي وضع هو بشر بن المفضل رواية عن سلمة بن علقمة وكأنه فسر الإشارة بذلك وأنها ساعة لطيفة تتنقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره وبهذا يحصل الجمع بينه وبين قوله يزهدها أي يقللها ولمسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة وهي ساعة خفيفة وللطبراني في الأوسط في حديث أنس وهي قدر هذا يعني قبضة قال الزين بن المنير الإشارة لتقليلها هو للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها وقد اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في هذه الساعة هل هي باقية أو رفعت وعلى البقاء هل هي في كل جمعة أو في جمعة واحدة من كل سنة وعلى الأول هل هي وقت من اليوم معين أو مبهم وعلى التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما انتهاؤه وعلى كل ذلك هل تستمر أو تنتقل وعلى الانتقال هل تستغرق اليوم أو بعضه وها أنا أذكر تلخيص ما اتصل إلى من الأقوال مع أدلتها ثم أعود إلى الجمع بينها والترجيح فالأول أنها رفعت حكاه بن عبد البر قوم وزيفه وقال عياض رده السلف على قائله وروى عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن عبس مولى معاوية قال قلت لأبي هريرة إنهم زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة يستجاب فيها الدعاء رفعت فقال كذب من قال ذلك قلت فهي في كل جمعة قال نعم إسناده قوي وقال صاحب الهدى إن أراد قائله أنها كانت معلومة فرفع علمها عن الأمة فصارت مبهمة احتمل وإن أراد حقيقتها فهو مردود على قائله القول الثاني أنها موجودة لكن في جمعة واحدة من كل سنة قاله كعب الأحبار لأبي هريرة فرد عليه فرجع إليه رواه مالك
[ 346 ]
في الموطأ وأصحاب السنن الثالث أنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليلة القدر في العشر روى بن خزيمة والحاكم من طريق سعيد بن الحارث عن أبي سلمة سألت أبا سعيد عن ساعة الجمعة فقال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال قد اعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري فقال لم أسمع فيها بشئ إلا أن كعبا كان يقول لو أن إنسانا قسم جمعة في جمع لأتى على تلك الساعة قال بن المنذر معناه أنه يبدأ فيدعو في جمعة من الجمع من أول النهار إلى وقت معلوم ثم في جمعة أخرى يبتدئ من ذلك الوقت إلى وقت آخر حتى يأتي على آخر النهار قال وكعب هذا هو كعب الأحبار قال وروينا عن بن عمر أنه قال إن طلب حاجة في يوم ليسير قال معناه أنه ينبغي المداومة على الدعاء يوم الجمعة كله ليمرت بالوقت الذي يستجاب فيه الدعاء انتهى والذي قاله بن عمر يصلح لمن يقوى على ذلك وإلا فالذي قاله كعب سهل على كل أحد وقضية ذلك أنهما كانا يريان أنها غيمعينة وهو قضية كلام جمع من العلماء كالرافعي المنكر المغني وغيرهما حيث قالوا يستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة ومن حجة هذا القول تشبيهها بليلة القدر والاسم الأعظم في الأسماء الحسنى والحكمة في ذلك العباد على الاجتهاد في الطب واستيعاب الوقت بالعبادة بخلاف ما لو تحقق الأمر في شئ من ذلك لكان مقتضيا للاقتصار عليه وإهمال ما عداه الرابع أنها تنتقل في يوم الجمعة ولا تلزم ساعة معينة لا ظاهرة ولا مخفية قال الغزالي هذا أشبه الأقوال وذكره الأثرم احتمالا وجزم به بن عساكر وغيره وقال المحب الطبري إنه الأظهر وعلى هذا لا يتأتى ما قاله كعب في الجزم بتحصيلها الخامس إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة ذكره شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وشيخنا سراج الدين بن الملقن فشرحه على البخاري تشبههم لتخريج بن أبي شيبة عن عائشة وقد رواه الروياني في مسنده عنها فاطلق الصلاة ولم يقيدها ورواه بن المنذر فقيدها بصلاة الجمعة والله أعلم السادس من طلوع الفجر الفجر إلى طلوع الشمس رواه بن عساكر من طريق أبي جعفر الرازي عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة وحكاه القاضي أبو الطيب الطبري وأبو نصر بن الصباغ وعياض والقرطبى وغيرهم بحال بعضهم ما بين طلوع الفجوطلوع الشمس السابع مثله وزاد ومن العصر إلى الغروب رواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة وتابعه فضيل بن عياض عن ليث عند بن المنذر وليث ضعيف وقد اختلف عليه فيه كما ترى الثامن مثله وزاد وما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر رواه حميد بن زنجويه في الترغيب له من طريق عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة قال التمسوا الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة في هذه الأوقات الثلاثة فذكرها التاسع أنها أول ساعة بعد طلوع الشمس حكاه الجيلي في شرح التنبيه وتبعه المحب الطبري في شرحه العاشر عند طلوع الشمس حكاه الغزالي في الإحياء وعبر عنه الزين بن المنير في شرحه بقوله هي ما بين أن ترتفع الشمس شبرا إلى ذراع وعزاه لأبي ذرالحادي عشر أنها في آخر الساعة الثالثة من النهار حكاه صاحب المغني وهو في مسند الإمام أحمد من طريق على بن أبي طلحة عن أبي هريرة مرفوعا يوم الجمعة فيه طبعت طينة آدم وفي آخر ثلاث ساعات منه ساعة من دعا الله فيها استجيب له وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف وعلى لم يسمع من أبي هريرة
[ 347 ]
قال المحب الطبري قوله في آخر ثلاث ساعات يحتمل أمرين أحدهما أن يكون المراد الساعة الأخيرة من الثلاث الأول ثانيهما أن يكون المراد أن في آخر كل ساعة من الثلاث ساعة إجابة فيكون فيه تجوز لإطلاق الساعة على بعض الساعة الثاني عشر من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع حكاه المحب الطبري في الأحكام وقبله الزكي المنذري الثالث عشر مثله لكن قال إلى أن يصير الظل ذراعا حكاه عياض والقرطبى والنووي الرابع عشر بعد زوال الشمس بشبر إلى ذراع رواه بن المنذر وابن عبد البر بإسناد قوي إلى الحارث بن يزيد الحضرمي عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي ذر أن امرأته سألته عنها فقال ذلك ولعله مأخذ القولين اللذين قبله الخامس عشر إذا زالت الشمس حكاه بن المنذر عن أبي العالية وورد نحوه في أثناء حديث عن على وروى عبد الرزاق من طريق الحسن أنه كان يتحراها عند زوال الشمس بسبب قصة وقعت لبعض أصحابه في ذلك وروى بن سعد في الطبقات عن عبيد الله بن نوفل نحو القصة وروى بن عساكر من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس وكأن مأخذهم في ذلك أنها وقت اجتماع الملائكة وابتداء دخول وقت الجمعة وابتداء الأذان ونحو ذلك السادس عشر إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة رواه بن المنذر عن عائشة قالت يوم الجمعة مثل يوم عرفة تفتح فيه أبواب السماء وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه قيل أية ساعة قالت إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة وهذا يغاير الذي قبله من حيث أن الأذان قد يتأخر عن الزوال قال الزين بن المنير ويتعين حمله على الأذان الذي بين يدي الخطيب السابع عشر من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة ذكره بن المنذر عن أبي السوار العدوي وحكاه بن الصباغ بلفظ إلى أن يدخل الإمام الثامن عشر من الزوال إلى خروج الإمام حكاه القاضي أبو الطيب الطبري التاسع عشر من الزوال إلى غروب الشمس حكاه أبو العباس أحمد بن على بن كشاسب الدزماري وهو بزاى ساكنة وقبل ياء النسب راء الركعة في نكتة على التنبيه عن الحسن ونقله عنه شيخنا سراج الدين بن الملقن في شرح البخاري وكان الدزماري المذكور في عصر بن الصلاح العشرون ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة رواه بن المنذر عن الحسن وروى أبو بكر المروزي في كتاب الجمعة بإسناد صحيح إلى الشعبي عن عوف بن حصيرة رجل من أهل الشام مثله الحادي والعشرون عند خروج الإمام رواه حميد بن زنجويه في كتاب الترغيب عن الحسن أن رجلا مرت به وهو ينعس في ذلك الوقت الثاني والعشرون ما بين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة رواه بن جرير من طريق إسماعيل بن سالم عن الشعبي قوله ومن طريق معاوية بن قرة عن أبي بردة عن أبي موسى قوله وفيه أن بن عمر استصوب ذلك الثالث والعشرون ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل رواه سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قوله أيضا قال الزين بن المنير ووجهه أنه أخص أحكام الجمعة لأن العقد باطل عند الأكثر فلو اتفق ذلك في غير هذه الساعة بحيث ضاق الوقت فتشاغل اثنان بعقد البيع فخرج وفاتت تلك الصلاة لأثما ولم يبطل البيع الرابع والعشرون ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة رواه حميد بن زنجويه عن بن عباس وحكاه البغوي في شرح السنة عنه الخامس والعشرون ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة رواه مسلم وأبو داود من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة
[ 348 ]
ابن أبي موسى أن بن عمر سأله عما سمع من أبيه في ساعة الجمعة فقال سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وهذا القول يمكن أن يتخذ من اللذين قبله السادس والعشرون عند التأذين وعند تذكير الإمام وعند اشتراط رواه حميد بن زنجويه من طريق سليم بن عامر عن عوف بن مالك الأشجعي الصحابي السابع والعشرون مثله لكن قال إذا أذن وإذا رقي المنبر وإذا أقيمت الصلاة رواه بن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي قوله قال الزين بن المنير ما ورد عند الأذان من إجابة الدعاء فيتأكد يوم الجمعة وكذلك اشتراط وأما زمان جلوس الإمام على المنبر فلأنه وقت استماع الذكر والابتداء في المقصود من الجمعة الثامن والعشرون من حين يفتتح الإمام الخطبة حتى يفرغ رواه بن عبد البر من طريق محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن بن عمر مرفوعا وإسناده ضعيف التاسع والعشرون إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة حكاه الغزالي في الإحياء الثلاثون عند الجلوس بين الخطبتين حكاه الطيبي عن بعض شراح المصابيح الحادي والثلاثون أنها عند نزول الإمام من المنبر رواه بن أبي شيبة وحميد بن زنجويه وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق عن أبي بردة قوله وحكاه الغزالي قولا بلفظ إذا قام الناس إلى الصلاة الثاني والثلاثون حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه حكاه بن المنذر عن الحسن أيضا وروى الطبراني من حديث ميمونة بنت سعد نحوه مرفوعا بإسناد ضعيف الثالث والثلاثون من إقامة الصف إلى تمام الصلاة رواه الترمذي وابن ماجة من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا وفيه قالوا أية ساعة يا رسول الله قال حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها وقد ضعف كثير رواية كثير ورواه البيهقي في الشعب من هذا الوجه بلفظ ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة ورواه بن أبي شيبة من طريق عن واصل الأحدب عن أبي بردة قوله وإسناده قوي إليه وفيه أن بن عمر استحسن ذلك منه وبرك عليه ومسح على رأسه وروى بن جرير وسعيد بن منصور عن بن سيرين نحوه الرابعة والثلاثون هي الساعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة رواه بن عساكر بإسناد صحيح عن بن سيرين وهذا يغاير الذي قبله من جهة إطلاق ذاك وتقييد هذا وكأنه أخذه من جهة أن صلاة الجمعة أفضل صلوات ذلك اليوم وأن الوقت الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأوقات وأن جميع ما تقدم من الأذان والخطبة وغيرهما وسائل وصلاة الجمعة هي المقصودة بالذات ويؤيده ورود الأمر في القرآن بتكثير الذكر حال الصلاة كما ورد الأمر بتكثير الذكر حال القتال وذلك في قوله تعالى إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وفي قوله إذا نودي الولاء من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله إلى أن ختم الآية بقول واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وليس المراد إيقاع الذكر بعد الانتشار وإن عط ف عليه وإنما المراد تكثير الذكر المشار إليه أول الآية والله أعلم الخامس والثلاثون من صلاة العصر إلى غروب الشمس رواه بن جرير من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس موقوفا ومن طريق صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ فالتمسوها بعد العصر وذكر بن عبد البر أن قوله فالتمسوها الخ مدرج في الخبر من قول أبي سلمة ورواه بن منده من هذا الوجه وزاد أغفل ما يكون الناس ورواه أبو
[ 349 ]
نعيم في الحلية من طريق الشيباني عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أخيه عبيد الله كقول بن عباس ورواه الترمذي من طريق موسى بن وردان عن أنس مرفوعا بلفظ بعد العصر إلى غيبوبة الشمس وإسناده ضعيف السادس والثلاثون في صلاة العصر رواه عبد الرزاق عن عمر بن ذر عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وفيه قصة السابع والثلاثون بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار حكاه الغزالي في الإحياء الثامن والثلاثون بعد العصر كما تقدم عن أبي سعيد مطلقا ورواه بن عساكر من طريق محمد بن سلمة الأنصاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعا بلفظ وهي بعد العصر ورواه بن المنذر عن مجاهد مثله ورواه بن جريج من طريق إبراهيم بن ميسرة عن رجل أرسله عمرو بن أويس إلى أبي هريرة فذكر مثله قال وسمعته عن الحكم عن بن عباس مثله ورواه أبو بكر المروذي من طريق الثوري وشعبة جميعا عن يونس بن خباب قال الثوري عن عطاء وقال شعبة عن أبيه عن أبي هريرة مثله وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه أنه كان يتحراها بعد العصر وعن بن جريج عن بعض أهل العلم قال لا أعلمه إلا عن بن عباس مثله فقيل له لاصلاة بعد العصر قال بلى لكن من كان في مصلاه لم يقم منه فهو في صلاة التاسع والثلاثون من وسط النهار إلى قرب آخر النهار كما تقدم أول الباب عن سلمة بن علقمة الأربعون من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن إسماعيل بن جلس عن طاوس قوله وهو قريب من الذي بعده الحادي والأربعون آخر ساعة بعد العصر رواه أبو داود والنسائي والحاكم بإسناد حسن عن أبي سلمة عن جابر مرفوعا وفي أوله أن النهار اثنتا عشرة ساعة ورواه مالك وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله بن سلام قوله وفيه مناظرة أبي هريرة له في ذلك واحتجاج عبد الله بن سلام بأن منتظر الصلاة في صلاة وروى بن جرير من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا مثله ولم يذكر عبد الله بن سلام قوله ولا القصة ومن طريق بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن كعب الأحبار قوله وقال عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني موسى بن عقبة أنه سمع أبا سلمة يقول حدثنا عبد الله بن عامر فذكر مثله وروى البزار وابن جرير من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله بن سلام مثله وروى بن أبي خيثمة من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي سعيد فذكر الحديث وفيه قال أبو سلمة فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له ذلك فلم يعرض بذكر النبي صلى الله عليه وسلم بل قا النهار اثنتا عشرة ساعة وإنها لفي آخر ساعة من النهار ولابن خزيمة من طريق أبي النضر عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إنا لنجد في كتاب الله أن في الجمعة ساعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض ساعة قلت نعم أو بعض ساعة الحديث وفيه قلت أي ساعة فذكره وهذا يحتمل أن يكون القائل قلت عبد الله بن سلام فيكون مرفوعا ويحتمل أن يكون أبا سلمة فيكون موقوفا وهو الارجح لتصريحه في رواية يحيى بن أبي كثير بأن عبد الله بن سلام لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الجواب الثاني والأربعون من حيث يغيب نصف قرص الشمس أو من حين تدلى الشمس
[ 350 ]
للغروب إلى أن يتكامل غروبها رواه الطبراني في الأوسط والدارقطني في العلل والبيهقي في الشعب وفضائل الأوقات من طريق زيد بن على بن الحسين بن على حدثتني مرجانة مولاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت حدثتني فاطمة عليها السلام عن أبيها فذكر الحديث وفيه قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أي ساعة هي قال إذا تدلى نصف الشمس للغروب فكانت فاطمة إذا كان يوم الجمعة أرسلت غلاما لها يقال لزيد ينظر لها الشمس فإذا أخبرها أنها تدلت للغروب أقبلت على الدعاء إلى أن تغيب في إسناده اختلاف على زيد بن على وفي بعض رواته من لا يعرف حاله وقد أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق سعيد بن راشد عن زيد بن على عن فاطمة لم يذكر مرجانة وقال فيه إذا تدلت الشمس للغروب وقال فيه تقول لغلام يقال له أريد اصعد على الظراب فإذا تدلت الشمس للغروب فأخبرني والباقي نحوه وفي أخره ثم تصليعني المغرب فهذا جميع ما اتصل إلى من الأقوال في ساعة الجمعة مع ذكر ادلتها وبيان حالها في الصحة والضعف والرفع والوقف والإشارة إلى مأخذ بعضها وليست كلها متغايرة من كل جهة بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره ثم ظفرت بعد كتابة هذا بقول زائد على ما تقدم وهو غير منقول استنبطه صاحبنا العلامة الحافظ شمس الدين الجزري وأذن لي في روايته عنه في كتابه المسمى الحصن الحصين في الأدعية لما ذكر الاختلاف في ساعة الجمعة واقتصر على ثمانية أقوال مما تقدم ثم قال ما نصه والذي أعتقده أنها وقت قراءة الإمام الفاتحة في صلاة الجمعة إلى أن يقول آمين جمعا بين الأحاديث التي صحت كذا قال ويخدش فيه أنه يفوت على الداعي حينئذ الإنصات لقراءة الإمام فليتأمل قال الزين بن المنير يحسن جمع الأقوال وكان قد ذكر مما تقدم عشرة أقوال تبعا لابن بطال قال فتكون ساعة الإجابة واحدة منها لا بعينها فيصادفها من اجتهد في الدعاء في جميعها والله المستعان وليس المراد من أكثرها أنه يستوعب جميع الوقت الذي عين بل المعنى أنها تكون في أثنائه لقوله فيما مضى يقللها وقوله وهي ساعة خفيفة وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلا وانتهاؤه انتهاء الصلاة وكأن كثيرا من القائلين عين ما اتفق له وقوعها فيه من ساعة في أثناء وقت من الأوقات المذكورة فبهذا التقرير يقل الانتشار جدا ولا شك أن أرجح الأقوال المذكورة حديث أبي موسى وحديث عبد الله بن سلام كما تقدم قال المحب الطبري أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام أه وما عداهما إما موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف ولا يعارضهما حديث أبي سعيد في كونه صلى الله عليه وسلم أنسيها بعد أن علمها لاحتمال أن يكونا سمعا ذلك منه قبل أن أنسى أشار إلى ذلك البيهقي وغيره وقد اختلف السلف في أيهما أرجح فروى البيهقي من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمة النيسابوري أن مسلما قال حديث أبي موسى أجود شئ في هذا الباب وأصحه وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة وقال القرطبي هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره وقال النووي هو الصحيح بل الصواب وجزم في الروضة بأنه الصواب ورجحه أيضا بكونه مرفوعا صريحا وفي أحد الصحيحين وذهب آخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال أكثر الأحاديث على ذلك وقال بن عبد البر أنه أثبت
[ 351 ]
شئفي هذا الباب وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن أناسا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة ورجحه كثير من الأئمة أيضا كاحمد وإسحاق ومن المالكية الطرطوشي وحكى العلائي أن شيخه بن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص الشافعي وأجابوا عن كونه ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ كحديث أبي موسى هذا فإنه أعلى بالانقطاع والاضطراب أما الانقطاع فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه وكذا قال سعيد بن أبي مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة وزاد إنما هي كتب كانت عندنا وقال على بن المديني لم أسمع أحدا من أهل المدينة يقول عن مخرمة إنه قال في شئ من حديثه سمعت أبي ولا يقال مسلم يكتفى في المعنعن بامكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك هنا لأنا نقول وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني وهم عدد وهو واحد وأيضا فلو كان عند أبي بردة مرفوعا لم يفت فيه برأيه بخلاف المرفوع ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب وسلك صاحب الهدى مسلكا آخر فاختار أن ساعة الأجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر وهذا كقول بن عبد البر الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد وهو أولى في طريق الجمع وقال بن المنير في الحاشية إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء ولو بين لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الأجابة وفي مسلم أنه خير يوم طلعت عليه الشمس وفيه فضل الدعاء واستحباب الإكثار منه واستدل به على بقاء الإجمال بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتعقب بان الاختلاف في بقاء الإجمال في الأحكام الشرعية لا في الأمور الوجودية كوقت الساعة فهذا الاختلاف في إجماله والحكم الشرعي المتعلق بساعة الجمعة وليلة القدر وهو تحصيل الأفضلية يمكن الوصول إليه والعمل بمقتضاه باستيعاب اليوم أو الليلة فلم يبق في الحكم الشرعي إجمال والله أعلم فإن قيل ظاهر الحديث حصول الإجابة لكل داع بالشرط المتقدم مع أن الزمان يختلف باختلاف البلاد والمصلى فيتقدم بعض على بعض وساعة الإجابة متعلقة بالوقت فكيف تتفق مع الاختلاف أجيب باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصل كما قيل نظيره في ساعة الكراهة ولعل هذا فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها وان كانت هي خفيفة ويحتمل أن يكون عبر عن الوقت بالفعل فيكون التقدير وقت جواز الخطبة أو الصلاة ونحو ذلك والله أعلم قوله باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة الخ ظاهر الترجمة أن استمرار الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة إلى تمامها ليس بشرط في صحتها بل الشرط أن تبقى منهم بقية ما ولم يتعرض البخاري لعدد من تقوم بهم الجمعة لأنه لم يثبت منه شئ على
[ 352 ]
شرطه وجملة ما للعلماء فيه خمسة عشر قولا أحدها تصح من الواحد نقله بن حزم الثاني اثنان كالجماعة وهو قول النخعي وأهل الظاهر والحسن بن حي الثالث اثنان مع الإمام عند أبي يوسف ومحمد الرابع ثلاثة معه عند أبي حنيفة الخامس سبعة عند عكرمة السادس تسعة عند ربيعة السابع اثنا عشر عنه في رواية الثامن مثله غير الإمام عند إسحاق التاسع عشرون في رواية بن حبيب عن مالك العاشر ثلاثون كذلك الحادي عشر أربعون بالامام عند الشافعي الثاني عشر غير الإمام عنه وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفة الثالث عشر خمسون عن أحمد في رواية وحكى عن عمر بن عبد العزيز الرابع عشر ثمانون حكاه المازري الخامس عشر جمع كثير بغير قيد ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل ويمكن أن يزداد العدد باعتبار زيادة شرط كالذكورة والحرية والبلوغ والإقامة والاستيطان فيكمل بذلك عشرين قولا قوله جائزة في رواية الأصيلي تامة قوله عن حصين هو بن عبد الرحمن الواسطي ومدار هذا الحديث في الصحيحين عليه وقد رواه تارة عن سالم بن أبي الجعد وحده كما هنا وهي رواية أكثر أصحابه وتارة عن أبي سفيان طلحة بن نافع وحده وهي رواية قيس بن الربيع وإسرائيل عند بن مردويه وتارة جمع بينهما عن جابر وهي رواية خالد بن عبد الله عند المصنف في التفسير وعند مسلم وكذا رواية هشيم عنده أيضا قوله بينما نحن نصلي في رواية خالد المذكورة عند أبي نعيم في المستخرج بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وهذا ظاهر في أن انفضاضهم وقع بعد دخولهم في الصلاة لكن وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن إدريس عن حصين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وله في رواية هشيم بينا النبي صلى الله عليه وسلم قائم زاد أبو عوانة في صحيحه والترمذ والدارقطني من طريقه يخطب ومثله لأبي عوانة من طريق عباد بن العوام ولعبد بن حميد من طريق سليمان بن كثير كلاهما عن حصين وكذا وقع في رواية قيس بن الربيع وإسرائيل ومثله في حديث بن عباس عند البزار وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط وفي مرسل قتادة عند الطبراني وغيره فعلى هذا فقوله نصلي أي ينتظر الصلاة وقوله في الصلاة أي في الخطبة مثلا وهو من تسمية الشئ بما قاربه فبهذا يجمع بين ويؤيده استدلال بن مسعود على القيام في الخطبة بالآية المذكورة كما أخرجه بن ماجة بإسناد صحيح وكذا استدل به كعب بن عجرة في صحيح مسلم وحمل بن الجوزي قوله يخطب قائما على أنه خبر آخر غير خبر كونهم كانوا معه في الصلاة فقال التقدير صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يخطب قائما الحديث ولا يخفى تكلفه قوله إذ أقبلت عير بكسر المهملة هي الإبل التي تحمل التجارة طعاما كانت أو غيره وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها ونقل بن عبد الحق في جمعه أن البخاري لم يخرج قوله إذ أقبلت عير تحمل طعاما وهو ذهول منه نعم سقط ذلك في التفسير وثبت هنا وفي أوائل البيوع وزاد فيه أنها أقبلت من الشام ومثله لمسلم من طريق جرير عن حصين ووقع عند الطبري من طريق السدي عن أبي مالك ومرة فرقهما أن الذي قدم بها من الشام دحية بن خليفة الكلبي ونحوه في حديث بن عباس عند البزار ولابن مردويه من طريق الضحاك عن بن عباس جاءت عير لعبد الرحمن بن عوف وجمع بين هاتين بأن التجارة كانت لعبد الرحمن بن عوف وكان دحية السفير فيها أو كان مقارضا ووقع في رواية بن وهب عن الليث أنها كانت لوبرة الكلبي ويجمع بأنه كان رفيق دحية قوله فالتفتوا إليها
[ 353 ]
في رواية بن فضيل في البيوع فانفض الناس وهو موافق للفظ القرآن ودال على أن المراد بالالتفات الانصراف وفيه رد على من حمل الالتفات على ظاهره فقال لا يفهم من هذا الانصراف عن الصلاة وقطعها وإنما يفهم منه التفاتهم بوجوههم أو بقلوبهم وأما هيئة الصلاة المجزئة فباقية ثم هو مبنى على أن الانفضاض وقع في الصلاة وقد ترجح فيما مضى أنه إنما كان في الخطبة فلو كان كما قيل لما وقع هذا الإنكار الشديد فإن الالتفات فيها لا ينافي الاستماع وقد غفل قائله عن بقية ألفاظ الخبر وفي قوله فالتفتوا الحديث التفات لأن السياق يقتضى أن يقول فالتفتنا وكأن الحكمة في عدول جابر عن ذلك أنه هو لم يكن ممن التفت كما سيأتي قوله الا انثي عشر قال الكرماني ليس هذا الاستثناء مفرغا فيجب رفعه بل هو من ضمير بقي الذي يعود إلى المصلي فيجوز فيه الرفع والنصب قال وقد ثبت الرفع في بعض الروايات أه ووقع في تفسير الطبري وابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى أبي قتادة قال قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أنتم فعدوا أنفسهم فإذا هم اثنا عشر رجلا وامرأة وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي وامرأتان ولابن مردويه من حديث بن عباس وسبع نسوة لكن إسناده ضعيف واتفقت هذه الروايات كلها على اثنى عشر رجلا إلا ما رواه على بن عاصم عن حصين بالإسناد المذكور فقال إلا أربعين رجلا أخرجه الدارقطني وقال تفرد به على بن عاصم وهو ضعيف الحفظ وخالفه أصحاب حصين كلهم وأما تسميتهم فوقع في رواية خالد الطحان عند مسلم أن جابرا قال أنا فيهم وله في رواية هشيم فيهم أبو بكر وعمر وفي الترمذي أن هذه الزيادة في رواية حصين عن أبي سفيان دون سالم وله شاهد عند عبد بن حميد عن الحسن مرسلا ورجال إسناده ثقات وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أن سالما مولى أبي حذيفة منهم وروى العقيلي عن بن عباس أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسا من الأنصار وحكى السهيلي أن أسد بن عمرو روى بسند منقطع أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة وبلال وابن مسعود قال وفي رواية عمار بدل بن مسعود أه ورواية العقيلي أقوى وأشبه بالصواب ثم وجدت رواية أسد بن عمرو عند العقيلي بسند متصل لا كما قال السهيلي انه منقطع أخرجه من رواية أسد عن حصين عن سالم قوله فنزلت هذه الآية ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القادمين وما معهم ووقع عند الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وكانت لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والسمن فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه وكان لهم لهو يضربونه فنزلت ووصله أبو عوانة في صحيحه والطبري بذكر جابر فيه إنهم كانوا إذا نكحوا تضرب الجواري بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فنزلت هذه الآية وفي مرسل مجاهد عن عبد بن حميد كان رجال يقومون إلى أسرائهم وإلى السفر يقدمون يبتغون التجارة واللهو فنزلت ولا بعد في أن تنزل في الأمرين معا وأكثر وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى مع تفسير الآية المذكورة في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى والنكتة في قوله انفضوا إليها دون قوله إليهما أو إليه أن اللهو لم يكن مقصودا لذاته وإنما كان تبعا للتجارة أو حذف
[ 354 ]
لدلالة أحدهما على الآخر وقال الزجاج أعيد الضمير إلى المعنى أي انفضوا إلى الرؤية أي ليروا ما سمعوه فائدة ذكر القدرة في الجمع أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في آخر هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لو يضعانه حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا قال وهذا لم أجده في الكتابين ولا في مستخرجي الاسماعيلي والبرقاني قال وهي فائدة من أبي مسعود ولعلنا نجدها بالأسناد فيما بعد انتهى ولم أر هذه الزيادة في الأطراف لأبي مسعود ولا هي في شئ من طرق حديث جابر المذكورة وإنما وقعت في مرسلي الحسن وقتادة المتقدم ذكرهما وكذا في حديث بن عباس عند بن مردويه وفي حديث أنس عند إسماعيل بن أبي زياد وسنده ساقط وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الخطبة تكون عن قيام كما تقدم وأنها مشترطة في الجمعة حكاه القرطبي واستبعده وأن البيع وقت الجمعة ينعقد ترجم عليه سعيد بن منصور وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بفسخ ما تبايعوا فيه من العير المذكورة ولا يخفى ما فيه وفيه كراهية ترك سماع الخطبة بعد الشروع فيها واستدل به على جواز انعقاد الجمعة باثني عشر نفسا وهو قول ربيعة ويجئ أيضا على قول مالك ووجه الدلالة منه أن العدد المعتبر في الابتداء يعتبر في الدوام فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على الاثني عشر دل على أنه كاف وتعقب بأنه يحتمل أنه تمادى حتى عادوا أو عاد من تجزئ بهم إذ لم يرد في الخبر أنه أتم الصلاة ويحتمل أيضا أن يكون أتمها ظهرا وأيضا فقد فرق كثير من العلماء بين الابتداء والدوام في هذا فقيل إذا انعقدت لم يضر ما طرأ بعد ذلك ولو بقي الإمام وحده وقيل يشترط بقاء واحد معه وقيل اثنين وقيل يفرق بين ما إذا انفضوا بعد تمام الركعة الأولى فلا يضر بخلاف ما قبل ذلك وإلى ظاهر هذا الحديث صار إسحاق بن راهويه فقال إذا تفرقوا بعد الانعقاد فيشترط بقاء انثي عشر رجلا وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم فيها وقد تقدم أن ظاهر ترجمة البخاري تقتضي أن لا يتقيد الجمع الذي يبقى مع الإمام بعدد معين وتقدم ترجيح كون الانفضاض وقع في الخطبة لا في الصلاة وهو اللائق بالصحابة تحسينا للظن بهم وعلى تقدير أن يكون في الصلاة حمل على أن ذلك وقع قبل النهى كآية لا تبطلوا أعمالكم وقبل النهى عن الفعل الكثير في الصلاة وقول المصنف في الترجمة فصلاة الإمام ومن بقي جائزة يؤخذ منه أنه يرى أن الجميع لو انفضوا في الركعة الأولى ولم يبق إلا الإمام وحده أنه لا تصح له الجمعة وهو كذلك عند الجمهور كما تقدم قريبا وقيل تصح إن بقي واحد وقيل إن بقي اثنان وقيل ثلاثة وقيل إن كان صلى بهم الركعة الأولى صحت لمن بقي وقيل يتمها ظهرا مطلقا وهذا الخلاف كله أقوال مخرجة في مذهب الشافعي إلا الأخير فهو قوله في الجديد وان ثبت قول مقاتل بن حيان الذي أخرجه أبو داود في المراسيل أن الصلاة كانت حينئذ قبل الخطبة زال الاشكال لكنه مع شذوذه معضل وقد استشكل الأصيلي حديث الباب فقال إن الله تعالى قد وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ثم أجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث كان قبل نزول الآية انتهى وهذا الذي يتعين المصير إليه مع أنه ليس في آية النور التصريح بنزولها في الصحابة وعلى تقدير ذلك فلم يكن تقدم لهم نهى عن ذلك فلما نزلت آية الجمعة وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه فوصفوا بعد ذلك بما في آية النور والله أعلم قوله باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها أورد فيه حديث بن عمر في
[ 355 ]
التطوع بالرواتب وفيه وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين ولم يذكر شيئا في الصلاة قبلها قال بن المنير في الحاشية كأنه يقول الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل على خلافه لأن الجمعة بدل الظهر قال وكانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر ولذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد انتهى ووجه العناية المذكورة ورود الخبر في البعد صريحا دون القبل وقال بن بطال إنما أعاد بن عمر ذكر الجمعة بعد الظهر من أجل أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي سنة الجمعة في بيته بخلاف الظهر قال والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على ركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي حذفت انتهى وعلى هذا فينبغي أن لا يتنفل قبلها ركعتين متصلتين بها في المسجد لهذا المعنى وقال بن التين لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث فلعل البخاري أراد إثباتها قياسا على الظهر انتهى وقواه الزين بن المنير بأنه قصد التسوية بين الجمعة والظهر في حكم التنفل كما قصد التسوية بين الإمام والمأموم في الحكم وذلك يقتضى أن النافلة لهما سواء انتهى والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب وهو ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أيوب عن نافع قال كان بن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك احتج به النووي في الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التى قبلها وتعقب بان قوله وكان يفعل ذلك عائد على قوله ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك أخرجه مسلم وأما قوله كان يطيل الصلاة قبل الجمعة فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم في حديث سلمان وغيره حيث قال فيه ثم صلى ما كتب له وورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها عن أبي هريرة رواه البزار بلفظ كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعا وفي إسناده ضعف وعن على مثله رواه الأثرم والطبراني في الأوسط بلفظ كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي وهو ضعيف عند البخاري وغيره وقال الأثرم إنه حديث واه ومنها عن بن عباس مثله وزاد لا يفصل في شئ منهن أخرجه بن ماجة بسند واه قال النووي في الخلاصة إنه حديث باطل وعن بن مسعود عند الطبراني أيضا مثله وفي إسناده ضعف وانقطاع ورواه عبد الرزاق عن بن مسعود موقوفا وهو الصواب وروى بن سعد عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم موقوفا نحو حديث أبى هريرة وقد تقدم في أثناء الكلام على حديث جابر في قصة سليك قبل سبعة أبواب قول من قال أن المراد بالركعتين اللتين أمره بهما النبي صلى الله عليه وسلم سنة الجمعة والجواب عنه وقد تقدم نقل المذاهب في كراهة التطوع نصف النهار ومن استثنى يوم الجمعة دون بقية الأيام في باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر في أواخر المواقيت وأقوى ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه بن حبان من حديث عبد الله بن
[ 356 ]
الزبير مرفوعا ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان ومثله حديث عبد الله بن مغفل الماضي في وقت المغرب بين كل أذانين صلاة وسيأتي الكلام على بقية حديث بن عمر في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى قوله باب قول الله عز وجل فإذا قضيت الصلاة الآية أورد فيه حديث سهل بن سعد في قصة المرأة التي كانت وكالصائم بعد الجمعة فقيل أراد بذلك بيان أن الأمر في قوله فانتشروا وابتغوا للإباحة لا للوجوب لأن انصرافهم إنما كان للغداء ثم للقائلة عوضا مما فاتهم من ذلك في وقته المعتاد لاشتغالهم بالتأهب للجمعة ثم بحضورها ووهم من زعم أن الصارف للأمر عن الوجوب هنا كونه ورد بعد الحظر لأن ذلك لا يستلزم عدم الوجوب بل الإجماع هو الدال على أن الأمر المذكور للإباحة وقد جنح الداودي إلى أنه على الوجوب في حق من يقدر على الكسب وهو قول شاذ نقل عن بعض الطاهرية وقيل هو في حق من لا شئ عنده ذلك اليوم فأمر بالطلب بأي صورة اتفقت ليفرح عياله ذلك اليوم لأنه يوم عيد والذي يترجح أن في قوله انتشروا وابتغوا إشارة إلى استدراك ما فاتكم من الذي انفضضتم إليه فتنحل إلى أنها قضية شرطية أي من وقع له في حال خطبة الجمعة وصلاتها زمان يحصل فيه ما يحتاج إليه من أمر دنياه ومعاشه فلا يقطع العبادة لأجله بل يفرغ منها ويذهب حينئذ لتحصيل حاجته وبالله التوفيق قوله حدثنا أبو غسان هو محمد بن مطرف المدني وأبو حازم هو سلمة بن دينار ووهم من زعم أنه سلمان مولى عزة صاحب أبي هريرة قوله كانت فينا امرأة أقف على اسمها قوله تجعل في رواية الكشميهني تحقل بمهملة بعدها قاف أي تزرع والأربعاء جمع ربيع صريرا ونصيب والربيع الجدول وقيل الصغير وقيل الساقية الصغيرة وقيل حافات الأحواض والمزرعة بفتح الراء وحكى بن مالك جواز تثليثها والسلق بكسر المهملة معروف وحكم الكرماني أنه وقع هنا سلق بالرفع وتكلف في توجيهه قوله تطحنها في رواية المستملى تطبخها بتقديم الموحدة بعدها غدا وكلاهما صحيح قوله فتكون أصول السلق عرقه بفتح المهملة وسكون الراء بعدها قاف ثم هاء ضمير أي عرق الطعام والعرق اللحم الذي على العظم والمراد أن السلق يقوم مقامه عندهم وسيأتي في الأطعمة من وجه آخر في آخر الحديث والله ما فيه شحم ولا ودك وفي رواية الكشميهني غرقة بفتح المعجمة وكسر الراء وبعد القاف هاء التأنيث والمراد أن السلق يغرق في المرقة لشدة نضجه وفي هذا الحديث جواز السلام على النسوة الأجانب واستحباب التقرب بالخير ولو بالشئ الحقير وبيان ما كان الصحابة عليه من القناعة وشدة العيش والمبادرة إلى الطاعة رضي الله عنهم قوله بهذا أي بالحديث الذي قبله وظاهره أن أبا غسان وعبد العزيز بن أبي حازم اشتركا في رواية هذا الحديث عن أبي حازم وزاد عبد العزيز الزيادة المذكورة وهي قوله ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة وقد رواها أبو غسان مفردة كما في الباب الذي بعده لكن ليس فيه ذكر الغداء وبين رواية أبي غسان وعبد العزيز تفاوت يأتي بيانه في باب تسليم الرجال على النساء من كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى واستدل بهذا الحديث لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وترجم عليه بن أبي شيبة باب من كان يقول الجمعة أول النهار وأورد فيه حديث سهل هذا وحديث أنس الذي بعده وعن بن عمر مثله وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود مثله من قولهم وتعقب بأنه لا دلالة
[ 357 ]
فيه على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء والقائلة بالتهيؤ للجمعة ثم بالصلاة ثم ينصرفون فيتداركون ذلك بل ادعى الزين بن المنير أنه يؤخذ منه أن الجمعة تكون بعد الزوال لأن العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال فأخبر الصحابي أنهم كانوا يشتغلو بالتهيؤ للجمعة عن القائلة ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة قوله باب القائلة بعد الجمعة أورد فيه حديث أنس وقد تقدم في باب وقت الجمعة وحديث سهل وقد تقدم في الباب الذي قبله والله الموفق خاتمة اشتمل كتاب الجمعة من الأحاديث المرفوعة على تسعة وسبعين حديثا الموصول منها أربعة وستون حديثا والمعلق والمتابعة خمسة عشر حديثا المكرر منها فيها وفيما مضى ستة وثلاثون حديثا والخالص ثلاثة وأربعون حديثا كلها موصولة وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث سلمان في الاغتسال والدهن والطيب وحديث عمر وامرأة عمر في النهى عن منع النساء المساجد وحديث أنس في صلاة الجمعة حين تميل الشمس وحديثه في القائلة بعد هو حديثه كان إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وحديث أبي عبس من اغبرت قدماه وحديث السائب بن يزيد في النداء يوم الجمعة وحديث أنس في الجذع وحديث عمربن تغلب إني أكل أقواما وحديث بن عباس في الوصية بالإنصات وحديث سهل بن سعد الأخير في قصة المرأة والقائلة بعد الجمعة وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين أربعة عشر أثرا بسم الله الرحمن الرحيم قوله أبواب صلاة الخوف ثبت لفظ أبواب للمستملي وأبي الوقت وفي رواية الأصيلي وكريمة باب بالافراد وسقط للباقين قوله وقول الله عز وجل وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ثبت سياق الآيتين بلفظهما إلى قوله مهينا في رواية كريمة واقتصر في رواية الأصيلي على ما هنا وقال إلى قوله عذابا مهينا وأما أبو ذر فساق الأولى بتمامها ومن الثانية إلى قوله معك ثم قال إلى قوله عذابا مهينا قال الزين بن المنير ذكر صلاة الخوف أثر صلاة الجمعة لأنهما من جملة الخمس لكن خرج كل منهما عن قياس حكم باقي الصلوات ولما كان خروج الجمعة أخف قدمه تلو الصلوات الخمس وعقبه بصلاة الخوف لكثرة المخالفة ولا سيما عند شدة الخوف وساق الآيتين في هذه الترجمة مشيرا إلى أن خروج صلاة الخوف عن هيئة بقية الصلوات ثبت بالكتاب قولا وبالسنة فعلا انتهى ملخصا ولما كانت الآيتان قد اشتملتا على مشروعية القصر في صلاة الخوف وعلى كيفيتها ساقهما معا وآثر تخريج حديث بن عمر لقوة شبة الكيفية التي ذكرها فيه بالآية ومعنى قوله تعالى وإذا ضربتم أي سافرتم ومفهمومه أن القصر مختص بالسفر وهو كذلك وأما قوله باب إن خفتم فمفهومه اختصاص القصر بالخوف أيضا وقد سأل يعلى بن أمية الصحابي عمر بن الخطاب عن ذلك فذكر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته أخرجه مسلم فثبت القصر في الأمن ببيان السنة واختلف في صلاة الخوف في الحضر فمنعه بن الماجشون أخذا بالمفهوم أيضا وأجازه الباقون وأما قوله وإذا كنت فيهم فقد أخذ بمفهومه أبو يوسف في إحدى الكلب عنه والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه وإبراهيم بن علية وحكى عن المزني صاحب الشافعي واحتج عليهم بإجماع الصحابة على فعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلى فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم وقال بن العربي وغيره شرط كونه
[ 358 ]
صلى الله عليه وسلم فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده والتقدير بين لهم بفعلك لكونه أوضح من القول ثم إن الأصل أن كل عذر طرأ على العبادة فهو على التساوى كالقصر والكيفية وردت لبيان الحذر من العدو وذلك لا يقتضى التخصيص بقوم دون قوم وقال الزين بن المنير الشرط إذا خرج مخرج التعليم لا يكون له مفهوم كالخوف في قوله تعالى أن تقصروا من الصلاة إن خفتم وقال الطحاوي كان أبو يوسف قد قال مرة لا تصلي صلاة الخوف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أن الناس إنما صلوها معه لفضل الصلاة معه صلى الله عليه وسلم قال وهذا القول عندنا ليس بشئ وقد كان محمد بن شجاع يعيبه ويقول إن الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأن كانت أفضل من الصلاة مع الناس جميعا إلا أنه يقطعها ما يقطع الصلاة خلف غيره انتهى وسيأتي سبب النزول وبيان أول صلاة صليت في الخوف في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى قوله عن الزهري سألته القائل هو شعيب والمسئول هو الزهري وهو القائل أخبرني سالم أي بن عبد الله بن عمر ووقع بخط بعض من نسخ الحديث عن الزهري قال سألته فاثبت قال ظنا أنها حذفت خطأ على العادة وهو محتمل ويكون حذف فاعل قال لا أن الزهري هو الذي قال والمتجه حذفها وتكون الجملة حالية أي أخبرني الزهري حال سؤالي إياه وقد رواه النسائي من طريق بقية عن شعيب حدثني الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه وأخرجه السراج عن محمد بن يحيى عن أبي شيخ البخاري فيه فزاد فيه ولفظه سألته هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف أم لا وكيف صلاها إن كان صلاها وفي أي مغازية كان ذلك فافاد بيان المسئول عنه وهو صلاة الخوف قوله غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة نجد ونجد كل ما ارتفع من بلاد العرب وسيأتي بيان هذه الغزو في الكلام على غزوة ذات الرقاع من المغازي قوله فوازينا بالزاى أي قابلنا قال صاحب الصحاح يقال آزيت يعني بهمزة ممدودة لا بالواو والذي يظهر أن أصله الهمزة فقلبت واوا قوله فصاففناهم في رواية المستملى والسرخسي فصاففنا لهم وقوله فصلى لنا أي لأجلنا أو بنا قوله ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل أي فقاموا في مكانهم وصرح به في رواية بقية المذكورة ولمالك في الموطأ عن نافع عن بن عمر ثم استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون وسيأتي عند المصنف في التفسير قوله ركعة وسجد سجدتين زاد عبد الرزاق عن بن جريج عن الزهري مثل نصف صلاة الصبح وفي قوله مثل نصف صلاة الصبح إشارة إلى أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح فعلى هذا فهي رباعية وسيأتي في المغازي ما يدل على أنها كانت العصر وفيه دليل على أن الركعة المقضية لابد فيها من القراءة لكل من الطائفتين خلافا لمن أجاز للثانية ترك القراءة قوله فقام كل واحد منهم فركع لنفسه لم تختلف الطرق عن بن عمر في هذا وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث بن مسعود ولفظه ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا أه وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها ووقع في الرافعي تبعا لغيره من كتب الفقه أن في حديث بن عمر هذا
[ 359 ]
أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا ولم نقف على ذلك في شئ من الطرق وبهذه الكيفية أخذ الحنفية واختار الكيفية التي في حديث بن مسعود أشهب والأوزاعي وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد واستدل بقوله طائفة على أنه لا يشترط استواء الفريقين في العدد لكن لا بد أن تكون التي تحرس يحصل الثقة بها في ذلك والطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على الواحد فلو كانوا ثلاثة ووقع له الخوف جاز لأحدهم أن يصلي بواحد ويحرس واحدثم يصلي الآخر وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأقل الجماعة مطلقا لكن قال الشافعي أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع بقوله أسلحتهم ذكره النووي في شرح مسلم وغيره واستدل به على عظم أمر الجماعة بل على ترجيح القول بوجوبها لارتكاب أمور كثيرة لا تغتفر في غيرها ولو صلى كل امرئ منفردا لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك وقد ورد في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة ورجح بن عبد البر هذا الكيفية الواردة في حديث بن عمر على غيرها لقوة الإسناد لموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه وعن أحمد قال ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز ومال إلى ترجيح حديث سهل بن أبي حثمة الآتي في المغازي وكذا رجحه الشافعي ولم يختر إسحاق شيئا على شئ وبه قال الطبري وغير واحد منهم بن المنذر وسرد ثمانية أوجه وكذا بن حبان في صحيحه وزاد تاسعا وقال بن حزم صح فيها أربعة عشر وجها وبينها في جزء مفرد وقال بن العربي في القبس جاء فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة ولم يبينها وقال النووي نحوه في شرح مسلم ولم يبينها أيضا وقد بينها شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وزاد وجها آخر فصارت سبعة عشر وجها لكن يمكن أن تتداخل قال صاحب الهدى أصولها ست صفات وبلغها بعضهم أكثر وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هومن اختلاف الرواة أه وهذا هو المعتمد واليه أشار شيخنا بقوله يمكن تداخلها وحكى بن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها عشر مرات وقال بن العربصلاها أربعا وعشرين مرة وقال الخطابي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيامختلفة بأشكال متباينة يتحرى فيها ما هو الأحوط الولاء والأبلغ للحراسة فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى أه وفي كتب الفقه تفاصيل لها كثيرة وفروع لا يتحمل هذا الشرح بسطها والله المستعان قوله باب صلاة الخوف رجالا وركبانا قيل مقصوده أن الصلاة لا تسقط عند العجز عن النزول عن الدابة ولا تؤخر عن وقتها بل تصلي على أي وجه حصلت القدرة عليه بدليل الآية قوله راجل قائم يريد أن قوله رجالا جمع راجل والمراد به هنا القائم ويطلق على الماشي أيضا وهو المراد في سورة الحج بقوله تعالى يأتوك رجالا أي مشاة وفي تفسير الطبري بسند صحيح عن مجاهد فإن خفتم فرجالا أو ركبانا إذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا قوله عن نافع عن بن عمر نحوا من قول مجاهد إذا اختلطوا قياما وزاد بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قياما وركبانا هكذا أورده البخاري مختصرا أو أحال على قول مجاهد ولم يذكره هنا ولا في موضع
[ 360 ]
آخر من كتابه فأشكل الأمر فيه فقال الكرماني معناه أن نافعا روى عن بن عمر نحوا مما رو مجاهد عن بن عمر المروي المشترك بينهما هو ما إذا اختلطوا قياما وزيادة نافع على مجاهد قوله وأن كانوا أكثر من ذلك الخ قال ومفهوم كلام بن بطال أن بن عمر قال مثل قول مجاهد وأن قولهما مثلا في الصورتين أي في الاختلاط وفي الاكثرية وأن الذي زاد هو بن عمر لا نافع أه وما نسبه لابن بطال بين في كلامه إلا المثلية في الأكثرية فهي مختصة بابن عمر وكلام بن بطال هو الصواب وأن كان لم يذكر دليله والحاصل أنهما حديثان مرفوع وموقوف فالمرفوع من رواية بن عمر وقد يروي كله أو بعضه موقوفا عليه أيضا والموقوف من قول مجاهد لم يروه عن بن عمر ولا غيره ولم أعرف من أين وقع للكرماني أن مجاهدا روى هذا الحديث عن بن عمر فإنه لا وجود لذلك في شئ من الطرق وقد رواه الطبري عن سعيد بن يحيى شيخ البخاري فيه شوال المذكور عن بن عمر قال إذا اختلطوا يعني في القتال فإنما هو الذكر وإشارة الرأس قال بن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن كانوا أكثر من ذلك فيصلون قياما وركبانا هكذا اقتصر على حديث بن عمر وأخرجه الاسماعيلي عن الهيثم بن خلف عسعيد المذكور مثل ما ساقه البخاري سواء وزاد بعد قوله اختلطوا فإنما هو الذكر وإشارة الرأس أه وتبين من هذا أن قوله في البخاري قياما الأولى تصحيف من قوله فانما وقد ساقه الاسماعيلي من طريق أخرى بين لفظ مجاهد وبين فيها الواسطة بين بن جريج وبينه فأخرجه من رواية حجاج بن محمد عن بن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال إذا اختلطوا فإنما هو الإشارة بالرأس قال بن جريج حدثني موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر بمثل قول مجاهد إذا اختلطوا فإنما هو الذكر وإشارة الرأس وزاد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن كثروا فليصلوا ركبانا أو قياما على أقدامهم فتبين من هذا سبب التعبير بقوله نحو قول مجاهد لأن بين يسير وبين لفظ بن عمر مغايرة وتبين أيضا أن مجاهدا إنما قاله برأيه لا من روايته عن بن عمر والله أعلم وقد أخرج مسلم حديث بن عمر من طريق سفيان الثوري عن موسى بن عقبة فذكر صلاة الخوف نحو سياق الزهري عن سالم وقال في آخره قال بن عمر فإذا كان خوف أكثر من ذلك فليصل راكبا أو قائما يومئ إيماء ورواه بن المنذر من طريق داود بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة موقوفا كله لكن قال في آخره وأخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر كان يخبر بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فاقتضى ذلك رفعه كله وروى مالك في الموطأ عن نافع كذلك لكن قال في آخره قال نافع لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد في آخره مستقبلي لقبلة أوغير مستقبليها وقد أخرجه المصنف من هذا الوجه في تفسير سورة البقرة ورواه عبيدالله بن عمر عن نافع عن بن عمر مرفوعا كله بغير شك أخرجه بن ماجة ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف أن يكون الإمام يصلي بطائفة فذكر نحو سياق سالم عن أبيه وقال في آخره فإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا وركبانا وإسناده جيد والحاصل أنه اختلف في قوله فإن كان خوف أشد من ذلك هل هو مرفوع أو موقوف على بن عمر والراجح رفعه والله أعلم قوله وأن كانوا أكثر من ذلك أي إن كان العدو والمعنى أن الخوف إذا أشتد والعدو إذا كثر فخيف من الانقسام لذلك جازت الصلاة حينئذ بحسب الإمكان وجاز ترك مراعاة ما لا يقدر عليه من الأركان فينتقل عن القيام إلى الركوع وعن الركوع
[ 361 ]
والسجود إلى الإيماء إلى غيرذلك وبهذا قال الجمهور ولكن قال المالكية لا يصنعون ذلك حتى يخشى فوات الوقت وسيأتي مذهب الأوزاعي في ذلك بعد باب تنبيه بن جريج سمع الكثير من نافع وقد أدخل في هذا الحديث بينه وبين نافع موسى بن عقبة ففي هذا التقوية لمن قال إنه أثبت الناس في نافع ولابن جريج فيه إسناد آخر أخرجه عبد الرزاق عنه عن الزهري عن سالم عن أبيه قوله باب يحرس بعضهم بعضا في الخوف قال بن بطال محل هذه الصورة إذا كان العدو في جهة القبلة فلا يفترقون والحالة هذه بخلاف الصورة الماضية في حديث بن عمر وقال الطحاوي ليس هذا بخلاف القرآن لجواز أن يكون قوله تعالى ولتأت طائفة أخرى إذا كان العدو في غير القبلة وذلك ببيانه صلى الله عليه وسلم ثم بين كيفية الصلاة إذا كان العدو في جهة القبلة والله أعلم قوله عن الزبيدي في رواية الاسماعيلي حدثنا الزبيدي ولم أره من حديثه إلا من رواية محمد بن حرب عنه وافقه عليه النعمان بن راشد عن الزهري أخرجه البزار وقال لا نعلم رواه عن الزهري إلا النعمان ابن $ عنه إلا وهيب يعني بن خالد أه ورواية الزبيدي ترد عليه قوله وركع ناس منهم زاد الكشميهني معه قوله ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا معه في رواية النسائي والاسماعيلي ثم قام إلى الركعة الثانية فتأخر الذين سجدوا معه قوله فركعوا وسجدوا في روايتهما أيضا فركعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم قوله في صلاة زاد الاسماعيلي يكبرون ولم يقع في رواية الزهري هذه هل أكملوا الركعة الثانية أم لا وقد رواه النسائي من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فزاد في آخره ولم يقضوا وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة وفي الباب عن حذيفة وعن زيد بن ثابت عند أبي داود والنسائي وابن حبان وعن جابر عند النسائي ويشهد له ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق مجاهد عن بن عباس قال فرض الله الصلاة على اختلفوا نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وبالاقتصار في الخوف على ركعة واحد يقول إسحاق والثوري ومن تبعهما وقال به أبو هريرة وأبو موسى الأشعري وغير واحد من التابعين ومنهم من قيد ذلك بشدة الخوف وسيأتي عن بعضهم في شدة الخوف أسهل من ذلك وقال الجمهور قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد وتأولوا رواية مجاهد هذه على أن المراد به ركعة مع الإمام وليس فيه نفى الثانية وقالوا يحتمل أن يكون قوله في الحديث السابق لم يقضوا أي لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن والله أعلم فائدة لم يقع في شئ من الأحاديث المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية صلاة المغرب وقد اجمعوا على أنه لا يدخلها قصر واختلفوا هل الأولى أن يصلي بالأولى ثنتين والثانية واحدة أو العكس قوله باب الصلاة عند مناهضة الحصون أي عند إمكان فتحها وغلبة الظن على القدرة على ذلك قوله ولقاء العدو وهو من عطف الأعم على الأخص قال الزين بن المنير كأن المصنف خص هذه الصورة لاجتماع الرجاء والخوف في تلك الحالة فإن الخوف يقتضى مشروعية صلاة الخوف والرجاء بحصول الظفر يقتضى اغتفار التأخير لأجل استكمال مصلحة الفتح فلهذا خالف الحكم في هذه الصورة الحكم في غيرها عند من قال به قوله وقال الأوزاعي الخ كذا ذكره الوليد بن مسلم عنه في كتاب السير قوله ان كان تهيأ الفتح أي تمكن وفي رواية القابسي ان كان بها
[ 362 ]
الفتح بموحدة وهاء الضمير وهو تصحيف قوله فإن لم يقدروا على الإيماء قيل فيه إشكال لأن العجز عن الإيماء لا يتعذر مع حصول العقل إلا أن أنكر دهشة فيعزب استحضاره ذلك وتعقب قال بن رشيد من باشر الحرب واشتغال القلب والجوارح إذا اشتغلت عرف كيف يتعذر الإيماء وأشار بن بطال إلى أن عدم القدرة على ذلك يتصور بالعجز عن الوضوء أو التيمم للاشتغال بالقتال ويحتمل أن الأوزاعي كان يرى استقبال القبلة شرطا في الإيماء فيتصور العجز عن الإيماء إليها حينئذ قوله فلا يجزيهم التكبير فيه إشارة إلى خلاف من قال يجزئ كالثوري وروى بن أبي شيبة من طريق عطاء وسعيد بن جبير وأبي البختري في آخرين قالوا إذا التقى الزحفان وحضرت الصلاة فقولوا سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر فتلك صلاتهم بلا إعادة وعن مجاهد والحكم إذا كان عند الطراد والمسابقة يجزئ أن تكون صلاة الرجل تكبيرا فإن لم يكن إلا تكبيرة واحدة أجزأته أين كان وجهه وقال إسحاق بن راهويه يجزئ عند المسابقة ركعة واحدة يومئ بها إيماء فإن لم يقدر فسجدة فان لم يقدر فتكبيرة قوله وبه قال تثبت قال الكرماني يحتمل أن يكون بقية من كلام الأوزاعي ويحتمل أن يكون من تعليق البخاري انتهى وقد وصله عبد بن حميد في تفسيره عنه من غير طريق الأوزاعي بلفظ إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهر الدواب ركعتين فإن لم يقدروا فركعة وسجدتين فإن لم يقدروا أخروا الصلاة حتى يأمنوا فيصلوا بالأرض تنبيه ذكر بن رشيد أن سياق البخاري لكلام الأوزاعي مشوش وذك أنه جعل الأيماء مشروطا بتعذر القدرة والتأخير مشروطا بتعذر الإيماء وجعل غاية التأخير انكشاف القتال ثم قال أو يأمنوا فيصلوا ركعتين فجعل الأمن قسيم الانكشاف يحصل الأمن فكيف يكون قسيمه وأجاب الكرماني عن هذا بأن الانكشاف قد يحصل ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة كما أن الأمن يحصل بزيادة القوة واتصال المدد بغير انكشاف فعلى هذا فالأمن قسيم الانكشاف أيهما حصل اقتضى صلاة ركعتين وأما قوله فإن لم يقدروا فمعناه على صلاة ركعتين بالفعل أو بالإيماء فواحدة وهذا يؤخذ من كلامه الأول قال فإن لم يقدروا عليها أخروا أي حتى يحصل الأمن التام والله أعلم قوله وقال أنس وصله بن سعد وابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه وذكره خليفة في تاريخه وعمر بن شبة في أخبار البصرة من وجهين آخرين عن قتادة ولفظ عمر سئل قتادة عن الصلاة إذا حضر القتال فقال حدثني أنس بن مالك أنهم فتحوا تستر وهو يومئذ على مقدمة الناس وعبد الله بن قيس يعني أبا موسى الأشعري أميرهم قوله تستر بضم المثناة الفوقانية وسكون المهملة وفتح المثناة أيضا بلد معروف من بلاد الأهواز وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خلافة عمر وسيأتي الإشارة إلى كيفيته في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى قوله اشتعال القتال بالعين المهملة قوله فلم يقدوا على الصلاة يحتمل أن يكون العجز عن النزول ويحتمل أن يكون للعجز عن الإيماء أيضا فيوافق ما تقدم عن الأوزاعي وجزم الأصيلي بأن سببه أنهم لم يجدوا إلى الوضوء سبيلا من شدة القتال قوله إلا بعد ارتفاع النهار في رواية عمربن شبة حتى انتصف النهار قوله ما يسرني بتلك الصلاة أي بدل تلك الصلاة وفي رواية الكشميهني من تلك الصلاة قوله الدنيا وما فيها في رواية خليفة الدنيا كلها والذي يتبادر إلى الذهن من هذا أن مراده
[ 363 ]
الاغتباط بما وقع فالمراد بالصلاة على هذا هي المقضية التي وقعت ووجه اغتباطه كونهم لم يشتغلوا عن العبادة إلا بعبادة أهم منها عندهم ثم تداركوا ما فاتهم منها فقضوه وهو كقول أبي بكر الصديق لو طلعت لم تجدنا غافلين وقيل مراد أنس الأسف على التفويت الذي وقع لهم والمرا بالصلاة على هذه الفائتة ومعناه لو كانت في وقتها كانت أحب إلى فالله أعلم وممن جزم بهذا الزين بن المنير فقال إيثار أنس الصلاة على الدنيا وما فيها يشعر بمخالفته لأبي موسى في اجتهاده المذكور وأن أنسا كان يرى أن يصلي للوقت وإن فات الفتح وقوله هذا موافق لحديث ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها انتهى وكأنه أراد الموافقة في اللفظ وإلا فقصة أنس في المفروضة والحديث في النافلة ويخدش فيما ذكره عن أنس من مخالفة اجتهاد أبي موسى أنه لو كان كذلك لصلى أنس وحده ولو بالإيماء لكنه وافق أبا موسى ومن معه فكيف يعد مخالفا والله أعلم قوله حدثنا يحيى حدثنا وكيع كذا في معظم الروايات ووقع في رواية أبي ذر في نسخة يحيى بن موسى وفي أخرى يحيى بن جعفر وهذا المعتمد وهي نسخة صحيحة بعلامة المتسملى وفي بعض النسخ يحيى بن موسى بن جعفر وهو غلط ولعله كان فيه يحيى بن موسى وفي الحاشية بن جعفر على أنها نسخة فجمع بينهما بعض من نسخ الكتاب واسم جد يحيى بن موسى عبد ربه بن سالم وهو الملقب خت بفتح المعجمة بعدها مثناة فوقانية ثقيلة واسم جد يحيى بن جعفر أعين وكلاهما من شيوخ البخاري وكلاهما من أصحاب وكيع قوله عن جابر تقدم الكلام على حديثه في أواخر المواقيت ونقل الاختلاف في سبب تأخير الصلاة يوم الخندق هل كان نسيانا أو عمدا وعلى الثاني هل كان الشغل بالقتال أو لتعذر الطهارة أو قبل نزول آية الخوف وإلى الأول وهو الشغل جنح البخاري في هذا الموضع ونزل عليه الآثار التي ترجم لها بالشروط المذكورة ولا يرده ما تقدم من ترجيح كون آية الخوف نزلت قبل الخندق لأن وجهه أنه أقر على ذلك وآية الخوف التي في البقرة لا تخالفة لأن التأخير مشروط بعدم القدرة على الصلاة مطلقا وإلى الثاني جنح المالكية والحنابلة لأن الصلاة لا تبطل عندهم بالشغل الكثير في الحرب إذا احتيج إليه وإلى الثالث جنح الشافعية كما تقدم في الموضع المذكور وعكس بعضهم فادعى أن تأخيره صلى الله عليه وسلم الولاء يوم الخندق دال على نسخ صلاة الخوف قال بن القصار وهو قول من لا يعرف السنن لأن صلاة الخوف أنزلت بعد الخندق فكيف ينسخ الأول الآخر فالله المستعان قوله باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء كذا للأكثر وفي رواية الحموي من الطريقين إليه وقائما قال بن المنذر كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول إن المطلوب يصلي على دابته يومئ أيماء وإن كان طالبا نزل فصلى على الأرض قال الشافعي إلا أن ينقطع عن أصحابه فيخاف عود المطلوب عليه فيجزئه ذلك وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل بخلاف المطلوب ووجه الفرق أن شدة الخوف في المطلوب ظاهرة لتحقق السبب المقتضى لها وأما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه وإنما يخاف أن يفوته العدو وما نقله بن المنذر متعقب بكلام الأوزاعي فإنه قيده بخوف الفوت ولم يستثن طالبا من مطلوب وبه قال بن حبيب من المالكية وذكر أبو إسحاق ها في كتاب السير له عن الأوزاعي قال إذا خاف الطالبون إن نزلوا بالأرض فوت العدو صلوا حيث وجهوا على كل حال لأن الحديث جاء إن النصر لا يرفع ما دام الطلب قوله وقال الوليد كذا
[ 364 ]
ذكره في كتاب السير ورواه الطبري وابن عبد البر من وجه آخر عن الأوزاعي قال قال شرحبيل بن السمط لأصحابه لا تصلوا الصبح إلا على ظهر فنزل الأشتيعني النخعي فصل على الأرض فقال شرحبيل مخالف خالف الله به وأخرجه بن أبي شيبة من طريق رجاء بن حيوة قال كان ثابت بن السمط في خوف فحضرت الصلاة فصلوا ركبانا فنزل الأشتر يعني النخعي فقال مخالف خولف به فلعل ثابتا كان مع أخي شرحبيل في ذلك الوجه وشرحبيل المذكور بضم المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة بعدها موحدة مكسورة ثم ياء تحتانية ساكنة كندي هو الذي افتتح حمص ثم ولي امرتها وقد اختلف في صحبته وليس له في البخاري غير هذا الموضع قوله إذا تخوف الفوت زاد المستملى في الوقت قوله واحتج الوليد معناه أن الوليد قوي مذهب الأوزاعي في مسألة الطالب بهذه القصة قال بن بطال لو وجد في بعض طرق الحديث أن الذين صلوا في الطريق حلوا ركبانا لكان بينا في الاستدلال فإن لم يوجد ذلك فذكر ما حاصله أن وجه الاستدلال يكون بالقياس فكما ساغ لأولئك أن يؤخروا الصلاة عن وقتها المفترض كذلك يسوغ للطالب ترك إتمام الأركان والانتقال إلى الإيماء قال بن المنير والأبين عندي أن وجه الاستدلال من جهة أن الاستعجال المأمور به يقتضى ترك الصلاة أصلا كما جرى لبعضهم أو الصلاة على الدواب كما وقع للآخرين لأن النزول ينافي مقصود الجد في الوصول فالأولون بنوا على أن النزول معصية لمعارضته للأمر الخاص بالإسراع وكأن تأخيرهم لها لوجود المعارض والآخرون جمعوا بين دليلى وجوب الإسراع ووجوب الصلاة في وقتها فصلوا ركبانا فلو فرضنا أنهم نزلوا لكان ذلك مضادا للأمر بالإسراع وهو لا يظن بهم لما فيه من المخالفة انتهى وهذا الذي حاوله بن المنير قد أشار إليه بن بطال بقوله لو وجد في بعض طرق الحديث الخ فلم يستحسن الجزم في النقل بالاحتمال وأما قوله لا يظن بهم المخالفة فمعترض بمثله بان يقال لا يظن بهم المخالفة بتغيير هيئة الصلاة بغير توقيف والأولى في هذا ما قاله بن المرابط ووافقه الزين بن المنير أن وجه الاستدلال منه بطريق الأولوية لأن الذين أخروا الصلاة حتى وصلوا إلى بني قريظة لم يعنفوا مع كونهم فوتوا الوقت فصلاة من لا يفوت الوقت بالإيماء أو كيف ما يمكن أولى من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها والله أعلم قوله حدثنا جويرية هو بالجيم تصغير جارية وهو عم عبد الله الراوي عنه قوله العصر في رواية مسلم عن عبد الله بن محمد باأسماء شيخ البخاري في هذا الحديث الظهر وسيأتي بيان الصواب من ذلك في كتاب المغازي مع بقية الكلام على هذا الحديث إن شاء الله تعالى فائدة أخرج أبو داود في صلاة الطالب حديث عبيد الله بن أنيس إذ لا يصلين أحد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى سفيان الهذلي قال فرأيته وحضرت العصر فخشيت فوتها فانطلقت أمشي وأنا أصلى أومئ إيماء وإسناده حسن قوله باب التكبير كذا للأكثر وللكشميهني من الطريقين التبكير بتقديم الموحدة وهو أوجه قوله والصلاة عند الإغارة بكسر الهمزة بعدها غدا وهي متعلقة بالصلاة وبالتكبير أيضا أورد فيه حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس ثم ركب وقد تقدم في أوائل الصلاة في باب ما يذكر في الفخذ من طريق أخرى عن أنس وأوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلى عندها صلاة الغداة الحديث بطوله وهو أتم سياقا مما هنا وقوله ويقولون محمد والخميس فيه حمل لرواية
[ 365 ]
عبد العزيز بن صهيب على رواية ثابت فقد تقدم في الباب المذكور أن عبد العزيز لم يسمع من أنس قوله والخميس وأنها في رواية ثابت عند مسلم قوله فصارت صفية لدحية الكلبي وصارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهره أنها صارت لهما معا وليس كذلك بل صارت لدحية أو ثم صارت بعده لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم إيضاحه في الباب المذكور وسيأتي بقية الكلام عليه في المغازي وفي النكاح إن شاء الله تعالى ووجه دخول هذه الترجمة في أبواب صلاة الخوف للإشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها التأخير إلى آخر الوقت كما شرطه من شرطه في صلاة شدة الخوف عند التحام المقاتلة أشار إلى ذلك الزين بن المنير ويحتمل أن يكون للإشارة إلى تعين المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها قبل الدخول في الحرب والاشتغال بأمر العدو وأما التكبير فلأنه ذكر مأثور عند كل أمر مهول وعند كل حادث سرور شكرا لله تعالى وتبرئة له من كل ما نسب إليه أعداؤه ولا سيما اليهود قبحهم الله تعالى خاتمة اشتملت أبواب صلاة الخوف على ستة أحاديث مرفوعه موصولة تكرر منها فيما مضى حديثان والأربعة خالصة وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث بن عباس وفيها من الآثار عن الصحابة والتابعين ستة آثار منها واحد موصول وهو أثر مجاهد والله أعلم قوله كباب في العيدين والتجمل فيه كذا في رواية أبي على بن شبويه ونحوه لابن عساكر وسقطت البسملة لأبي ذر وله في رواية المستملى أبواب بدل كتاب واقتصر في رواية الأصيلي والباقين على قوله باب الخ والضمير في فيه راجع إلى جنس العيد وفي رواية الكشميهني فيهما قوله أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا للأكثر أخذ بهمزة وخاء وذال معجمتين في الموضعين وفي بعض النسخ وجد بواو وجيم في الأول وهو أوجه وكذا أخرجه الاسماعيلي والطبراني في مسند الشاميين وغير واحد من طرق إلى أبي وابنه شيخ البخاري فيه ووجه الكرماني الأول بأنه أراد ملزوم الأخذ وهو الشراء وفيه نظر لأنه لم يقع منه ذلك فلعله أراد السوم قوله ابتع هذه تجمل بها كذا للأكثر بصيغة الأمر مجزوما وكذا جوابه ووقع في رواية أبي ذر عن المستملى والسرخسي ابتاع هذه تجمل وضبط في نسخ معتمدة بهمزة استفهام ممدودة ومقصورة وضم لام تجمل على أن أصله تتجمل فحذفت إحدى التاءين كأن عمر استأذن أن يبتاعها ليتجمل بها النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون بعض الرواة أشبع فتحة التاء فظنت ألفا وقال الكرماني قوله هذه إشارة إلى نوع الجبة كذا قال والذي يظهر إشارة إلى عينها ويلتحق بها جنسها وقد تقدم في كتاب الجمعة توجيه الترجمة وأنها مأخوذة من تقريره صلى الله عليه وسلم على أصل التجمل وإنما زجره عن الجبة لكونها كانت حريرا قوله للعيد والوقود تقدم في كتاب الجمعة بلفظ للجمعة بدل للعيد وهي رواية نافع وهذه رواية سالم وكلاهم صحيح وكأن بن عمر ذكرهما معا فاقتصر كل راو على أحدهما قوله تبيعها وتصيب بها حاجتك في رواية
[ 366 ]
الكشميهني أو تصيب ومعنى الأول وتصيب بثمنها والثاني يحتمل أن أو بمعنى الواو فهو كالأول أو التقسيم والمراد المقايضة أو أعم من ذلك والله أعلم وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى فائدة روى بن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى بن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين قوله باب الحراب والدرق يوم العيد الحراب بكسر المهملة جمع حربة والدرق جمع درقة وهي الترس قال بن بطال حمل السلاح في العيد لا مدخل له في سنة العيد ولا في صفة الخروج إليه ويمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم كان محاربا خائفا فرأى الاستظهار بالسلاح لكن ليس في حديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم خرج بأصحاب الحراب معه يوم العيد ولا أمر أصحابه بالتأهب بالسلاح يعني فلا يطابق الحديث الترجمة وأجاب بن المنير في الحاشية بأن مراد البخاري الاستدلال على أن العيد يغتفر فيه من الانبساط ما لا يغتفر في غيره أه وليس في الترجمة أيضا تقييده بحال الخروج إلى العيد بل الظاهر أن لعب الحبشة إنما كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من المصلى لأنه كان يخرج أول النهار فيصلى ثم يرجع قوله حدثنا أحمد كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية أبي ذر وابن عساكر حدثنا أحمد بن عيسى وبه جزم أبو نعيم في المستخرج ووقع في رواية أبي على بن شبويه حدثنا أحمد بن صالح وهو مقتضى إطلاق أبي على بن السكن حيث قال كل ما في البخاري حدثنا أحمد غير منسوب فهو بن صالح قوله أخبرنا عمرو هو بن الحارث المصري وشطر هذا الإسناد الأول مصريون والثاني مدنيون قوله دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد في رواية الزهري عن عروة في أيام منى وسيأتي بعد ثلاثة وعشرين بابا قوله جاريتان زاد في الباب الذي بعده من جواري الأنصار وللطبراني من حديث أم سلمه أن إحداهما كانت لحسان بن ثابت وفي الأربعين للسلمى أنهما كانتا لعبد الله بسلام وفي العيدين لابن أبي الدنيا من طريق فليح عن هشام بن عروة وحمامة وصاحبتها تغنيان وإسناده صحيح ولم أقف على تسمية الأخرى لكن يحتمل أن يكون اسم الثانية زينب وقد ذكره في كتاب النكاح ولم يذكر حمامة الذين صنفوا في الصحابة وهي على شرطهم قوله تغنيان زاد في رواية الزهري تدففان بفاءين أي تضربان بالدف ولمسلم في رواية هشام أيضا تغنيان بدف وللنسائي بدفين والدف بضم الدال على الأشهر وقد تفتح ويقال له أيضا الكربال بكسر الكاف وهو الذي لا جلاجل فيه فإن كانت فيه فهو المزهر وفي حديث الباب الذي بعده بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء وللمصنف في الهجرة بما تعازفت بمهملة وزاى وفاء من العزف وهو الصوت الذي له دوى وفي رواية تقاذفت بقاف بدل العين وذال غدا بدل الزاي وهو من القذف وهو هجاء بعضهم لبعض ولأحمد من رواية حماد بن سلمة عن هشام يذكر أن يوم بعاث يوم قتل فيه صناديد الأوس والخرزج أه وبعاث بضم الموحدة وبعدها الركعة وآخره مثلثة قال عياض ومن تبعه أعجمها أبو عبيدة وحده وقال بن الأثير في الكامل أعجمها صاحب العين يعني الخليل وحده وكذا حكى أبو عبيد البكري في معجم البلدان عن الخليل وجزم أبو موسى في ذيل الغريب بأنه تصحيف وتبعه صاحب النهاية قال البكري هو موضع من المدينة على ليلتين وقال أبو موسى النهاية هو اسم حصن للأوس وفي كتاب أبي الفرج الأصفهاني في ترجمة أبي قيس بن
[ 367 ]
الأسلت هو موضع في دار بني قريظة فيه أموال لهم وكان موضع الوقعة في مزرعة لهم هناك ولا منافاة بين القولين وقال صاحب المطالع الأشهر فيه ترك الصرف قال الخطابي يوم بعاث يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخرزج وبقيت الحرب قائمة مائة وعشرين سنة إلى الإسلام على ما ذكر بن إسحاق وغيره قلت تبعه على هذا جماعة من شراح الصحيحين وفيه نظر لأنه يوهم أن الحرب التي وقعت يوم بعاث دامت هذه المدة وليس كذلك فسيأتي في أوائل الهجرة قول عائشة كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله فقدم المدينة وقد افترق ملؤهم وقتلت سراتهم وكذا ذكره بن إسحاق والواقدي وغيرهما من أصحاب الأخبار وقد روى بن سعد بأسانيده أن النفر الستة أو الثمانية الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم بمنى أول من لقيه من الأنصار وكانوا قد قدموا إلى مكة ليحالفوا قريشا كان في جملة ما قالوه له لما دعاهم إلى الإسلام والنصر له وأعلم أنما كانت وقعة بعاث عام الأول فموعدك الموسم القابل فقدموا في السنة التي تليها فبايعوه وهي البيعة الأولى ثم قدموا الثانية فبايعوه وهم سبعون نفسا وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل التي تليها فدل ذلك على أن وقعة بعاث كانت قبل الهجرة بثلاث سنين وهو المعتمد وهو أصح من قول بن عبد البر في ترجمة زيد بن ثابت من الاستيعاب إنه كان يوم بعاث بن ست سنين وحيث قدم النبي صلى الله عليه وسلم كان بن إحدى عشرة فيكون يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنين نعم دامت الحرب بين الحيين الأوس والخزرج المدة التي ذكرها في أيام كثيرة شهيرة وكان أولها فيما ذكر بن إسحاق وهشام بن الكلبي وغيرهما أن الأوس والخرزج لما نزلوا المدينة وجدوا اليهود مستوطنين بها بالأجداد وكانوا تحت قهرهم ثم غلبوا على اليهود في قصة طويلة بمساعدة أبي جبلة ملك غسان فلم يزالوا على اتفاق بينهم حتى كانت أول حرب وقعت بينهم حرب سمير بالمهملة مصغرا بسبب رجل يقال له كعب من بني ثعلبة نزل على مالك بن عجلان الخزرجي فحالفه فقتله رجل من الأوس يقال له سمير فكان ذلك سبب الحرب بين الحيين ثم كانت بينهم وقائع من أشهرها يوم السرارة بمهملات ويوم فارع بفاء ومهملة ويوم الفجار الأول والثاني وحرب حصين بن الأسلت وحرب حاطب بن قيس إلى أن كان آخر ذلك يوم بعاث وكان رئيس الأوس فيه حضير والد أسيد وكان يقال له حضير الكتائب وجرح يومئذ ثم مات بعد مدة من جراحته وكان رئيس الخزرج عمرو بن النعمان وجاءه سهم في القتال فصرعه فهزموا بعد أن كانوا قد استظهروا ولحسان وغيره من الخزرج وكذا لقيس بن الحطيم وغيره من الأوس في ذلك أشعار كثيرة مشهورة في دواوينهم قوله فاضطجع على الفراش في رواية الزهري المذكورة أنه تغشى بثوبه وفي رواية لمسلم تسجى أي التف بثوبه قوله وجاء أبو بكر في رواية هشام بن عروة في الباب الذي بعده دخل على أبو بكر وكأنه جاء زائرا لها بعد أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته قوله فانتهرني في رواية الزهري فانتهرهما أي الجاريتين ويجمع بأنه شرك بينهن في الانتهار والزجر أما عائشة فلتقريرها وأما الجاريتان فلفعلهما قوله مزمارة الشيطان بكسر الميم يعني الغناء أو الدف لأن المزمارة أو المزمار مشتق من الزمير وهو الصوت الذي له الصفير ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء وسميت به الالة المعروفة التي يزمر بها وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها تلهى فقد تشغل القلب عن الذكر وفي رواية
[ 368 ]
حماد بن سلمة عند أحمد فقال يا عباد الله أبمزمور الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القرطبي المزمور الصوت ونسبته إلى الشيطان ذم على ما ظهر لأبي بكر وضبطه عياض بضم الميم وحكى فتحها قوله فأقبل عليه في رواية الزهري فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه وفي رواية فليح فكشف رأسه وقد تقدم أنه كان ملتفا قوله دعهما زاد في رواية هشام يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا ففيه تعليل الأمر بتركهما وإيضاح خلاف ما ظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه صلى الله عليه وسلم لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه فظنه نائما فتوجه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه مستصحبا لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو فبادر إلى إنكار ذلك قياما عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مستندا إلى ما ظهر له فأوضح له النبي صلى الله عليه وسلم الحال وعرفه الحكم مقرونا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد أي يوم سرور شرعى فلا فقلنا فيه مثل هذا كما لا فقلنا في الاعراس وبهذا يرتفع الإشكال عمن قال كيف ساغ للصديق إنكار شئ أقره النبي صلى الله عليه وسلم وتكلف جوابا لا يخفى تعسفه وفي قوله لكل قوم أي من الطوائف وقوله عيد أي كالنيروز والمهرجان وفي النسائي وابن حبان بإسناد صحيح عن أنس قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما يوم الفطر والأضحى واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى واستنبط من تسمية أيام منى بأنها أيام عيد مشروعية قضاء صلاة العيد فيها لمن فاتته كما سيأتي بعد واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة ويكفى في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها وليستا بمغنيتين فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة وعلى الحداء ولا يسمى فاعله مغنيا وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح قال القرطبي قولها ليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه قال وأما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن معي ما لا يختلف في تحريمه لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال وأن ذلك يثمر سني الأحوال وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل المخرقة والله المستعان أه وينبغى أن يعكس مرادهم ويقرأ سئ عوض النون الخفيفة المكسورة بغير همز بمثناة تحتانية ثقيلة مهموزا وأما الالات فسيأتي الكلام على اختلاف العلماء فيها عند الكلام على حديث المعازف في كتاب الأشربة وقد حكى قوم الإجماع على تحريمها وحكى بعضهم عكسه وسنذكر بيان شبهة الفريقين إن شاء الله تعالى ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحة
[ 369 ]
غيره من الالات كالعود ونحوه كما سنذكر ذلك في وليمة العرس إن شاء الله تعالى وأما التفاف صلى الله عليه وسلم بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضى أن يرتفع عن الاصغاء إلى ذلك لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الاعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة وأن الإعراض عن ذلك أولى وفيه أن إظهار السرور في الاعياد من شعار الدين وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وهي عند زوجها إذا كان له بذلك عادة وتأديب الأب بحضرة الزوج وإن تركه الزوج إذ التأديب وظيفة الأباء والعطف مشروع من الأزواج للنساء وفيه الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها وأن مواضع أهم الخير تنزه عن اللهو واللغو وإن لم يكن فيه إثم إلا بأذنهم وفيه أن التلميذ إذا رأى عند شيخه ما يستكره مثله بادر إلى أنكاره ولا يكون في ذلك افتئات على شيخه بل هو أدب منه ورعاية لحرمته وإجلال لمنصبه وفيه فتوى التلميذ بحضرة شيخه بما يعرف من طريقته ويحتمل أن يكون أبو بكر ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نام فخشي أن يستيقظ فيغضب على ابنته فبادر إلى سد هذه الذريعة وفي قول عائشة في آخر هذا الحديث فلما غفل غمزتهما فخرجتا دلالة على أنها مع ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لها في ذلك راعت خاطر أبيها وخشيت غضبه عليها فاخرجتهما واقتناعها في ذلك بالإشارة فيما يظهر للحياء من الكلام بحضرة من هو أكبر منها والله أعلم واستدل به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء ولو لم تكن مملوكه لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر سماعه بل أنكر إنكاره واستمرتا إلى أن أشارت إليهما عائشة بالخروج ولا يخفى أن محل الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك والله أعلم قوله وكان يوم عيد هذا حديث آخر وقد جمعهما بعض الرواة وأفردهما بعضهم وقد تقدم هذا الحديث الثاني من وجه آخر عن الزهري عن عروة في أبواب المساجد ووقع عند الجوزقي في حديث الباب هنا وقالت أي عائشة كان يوم عيد فتبين بهذا أنه موصول كالأول قوله يلعب فيه السودان في رواية الزهري المذكورة والحبشة يلعبون في المسجد وزاد في رواية معلقة ووصلها مسلم بحرابهم ولمسلم من رواية هشام عن أبيه جاء حبش يلعبون في المسجد قال المحب الطبري هذا السياق يشعر بأن عادتهم ذلك في كل عيد ووقع في رواية بن حبان لما قدم وفد الحبشة قاموا يلعبون في المسجد وهذا يشعر بان الترخيص لهم في ذلك بحال القدوم ولا تنافى بينهما لاحتمال أن يكون قدومهم صادف يوم عيد وكان من عادتهم اللعب في الاعياد ففعلوا ذلك كعادتهم ثم صاروا يلعبون يوم كل عيد ويؤيده ما رواه أبو داود عن أنس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة فرحا بذلك لعبوا بحرابهم ولا شك أن يوم قدومه صلى الله عليه وسلم كان عندهم أعظم من يوم العيد قال الزين بن المنير سماه لعبا وإن كان أصله التدريب على الحرب وهو من الجد لما فيه من شبة اللعب لكونه يقصد إلى الطعن ابن $ بالصلاة ويوهم بذلك قرنه ولو كان أباه أو ابنه قوله فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال تشتهين تنظرين هذا تردد منها فيما كان وقع له هل كان أذن لها في ذلك ابتداء منه أو عن سؤال منها وهذا بناء على أن سألت بسكون اللام على أنه كلامها ويحتمل أن
[ 370 ]
يكون بفتح اللام فيكون كلام الراوي فلا ينافي مع ذلك قوله وإما قال تشتهين تنظرين وقد اختلفت الروايات عنها في ذلك ففي رواية النسائي من طريق يزيد بن رومان عنها سمعت لغطا وصوت صبيان فقام النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن أي ترقص والصبيان حولها فقال يا عائشة تعالى فانظري ففي هذا أنه ابتدأها وفي رواية عبيد بن عمير عنها عند مسلم أنها قالت للعابين وددت أني أراهم ففي هذا أنهسألت ويجمع بينهما بأنها التمست منه ذلك فأذن لها وفي رواية النسائي من طريق أبي سلمة عنها دخل الحبشة يلعبون فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم فقلت نعم إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا وفي رواية أبي سلمة هذه من الزيادة عنها قالت ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيبا كذا فيه بالنصب وهو حكاية قول الحبشة ولأحمد والسراج وابن حبان من حديث أنس أن الحبشة كانت تزفن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ويتكلمون بكلام لهم فقال ما يقولون قال يقولون محمد عبد صالح قوله فأقامني وراءه خدي على خده أي متلاصقين وهي جملة حالية بدون واو كما قيل في قوله تعالى اهبطوا بعضكم لبعض عدو وفي رواية هشام عن أبيه عند مسلم فوضعت رأسي على منكبه وفي رواية أبي سلمة المذكورة فوضعت ذقنى على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده وفي رواية عبيد بن عمير عنها أنظر بين أذنيه وعاتقه ومعانيها متقاربة ورواية أبي سلمة أبينها وفي رواية الزهري الآتية بعد عن عروة فيسترنى وأنا أنظر وقد تقدم في أبواب المساجد بلفظ يسترنى بردائه ويتعقب به على الزين بن المنير في استنباطه من لفظ حديث الباب جواز اكتفاء المرأة بالتستر بالقيام خلف من تستر به من زوج أو ذي محرم إذا قام ذلك مقام الرداء لأن القصة واحدة وقد وقع فيها التنصيص على وجود التستر بالرداء قوله وهو يقول دونكم بالنصب على الظرفية بمعنى الإغراء والمغرى به محذوف وهو لعبهم بالحراب وفيه إذن وتنهيض لهم وتنشيط قوله يا بني أرفدة بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء وقد تفتح قيل هو لقب للحبشة وقيل هو اسم جنس لهم وقيل اسم جدهم الأكبر وقيل المعنى يا بني الإماء زاد في رواية الزهري عن عروة فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمنا بني أرفدة وبين الزهري أيضا عن سعيد عن أبي هريرة وجه الزجر حيث قال فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم يا عمر وسيأتي في الجهاد وزاد أبو عوانة في صحيحه فإنهم بنو أرفدة كأنه يعني أن هذا شأنهم وطريقتهم وهو من الأمور المباحة فلا إنكار عليهم قال المحب الطبري فيه تنبيه على أنه يغتفر لهم ما لا يغتفر لغيرهم لأن الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص انتهى وروى السراج من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال يومئذ لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني بعثت بحنيفية سمحة وهذا يشعر بعدم التخصيص وكأن عمر بنى على الأصل في تنزيه المساجد فبين له النبي صلى الله عليه وسلم وجه الجواز فيما كان هذا سبيله كما سيأتي تقريره أو لعله لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراهم قوله حتى إذا مللت بكسر اللام الأولى وفي رواية الزهري حتى أكون أنا الذي أسأم ولمسلم من طريقه ثم يقوم من أجلى حتى أكون أنا الذي أنصرف وفي رواية يزيد بن رومان عند النسائي أما شبعت أما شبعت قالت فجعلت أقول لا لأنظر منزلتي عنده وله من رواية أبي سلمة عنها قلت يا رسول الله لا تعجل فقام لي ثم قال حسبك قلت لا تعجل
[ 371 ]
قالت وما بي حب النظر إليهم ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه وزاد في النكاح في رواية الزهري فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو وقولها اقدروا بضم الدال من التقدير ويجوز كسرها وأشارت بذلك إلى أنها كانت حينئذ شابة وقد تمسك به من ادعى نسخ هذا الحكم وأنه كان في أول الإسلام كما تقدمت حكايته في أبواب المساجد ورد بأن قولها يسترنى بردائه دال على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب وكذا قولها أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي مشعر بأن ذلك وقع بعد أن صارت لها ضرائر أرادت الفخر عليهن فالظاهر أن ذلك وقع بعد بلوغها وقد تقدم من رواية بن حبان أن ذلك وقع لما قدم وفد الحبشة وكان قدومهم سنة سبع فيكون عمرها حينئذ خمس عشرة سنة وقد تقدم في أبواب المساجد شئ نحو هذا والجواب عنه واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه واستنبط منه جواز المثاقفة لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب قال عياض وفيه جواز نظر النساء إلى فعل الرجال الأجانب لأنه إنما يكره لهن النظر إلى المحاسن والاستلذاذ بذلك ومن تراجم البخاري عليه باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة وقال النووي أما النظر بشهوة وعند خشية الفتنة فحرام اتفاقا وأما بغير شهوة فالاصح أنه محرم وأجاب عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل بلوغ عائشة وهذا قد تقدمت الإشارة إلى ما فيه قال أو كانت تنظر إلى لعبهم بحرابهم لا إلى وجوههم وأبدانهم وإن وقع بلا قصد أمكن أن تصرفه في الحال انتهى وقد تقدمت بقية فوائدة في أبواب المساجد وسيأتي بعد ستة أبواب وجه الجمع بين ترجمة البخاري هذا الباب والباب الاتى هناك حيث قال باب ما يكره من حمل السلاح في العيد إن شاء الله تعالى قوله باب سنة العيدين لأهل الإسلام كذا للأكثر وقد اقتصر عليه الاسماعيلي في المستخرج وأبو نعيم وزاد أبو ذر عن الحموي في أول الترجمة الدعاء في العيد قال بن رشيد أراه تصحيفا وكأنه كان فيه اللعب في العيد يعني فيناسب حديث عائشة وهو الثاني من حديثي الباب ويحتمل أن يوجه بان الدعاء بعد صلاة العيد يؤخذ حكمه من جاز اللعب بعدها بطريق الأولى وقد روى بن عدي من حديث واثلة أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فقال تقبل الله منا ومنك فقال نعم تقبل الله منا ومنك وفي إسناده محمد بن إبراهيم الشامي وهو ضعيف وقد تفرد به مرفوعا وخولف فيه فروى البيهقي من حديث عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ذلك فعل أهل الكتابين وإسناده ضعيف أيضا وكأنه أراد أنه لم يصح فيه شئ وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك وأما مناسبة حديث عائشة للترجمة التي اقتصر عليها الأكثر فقد قيل إنها من قوله وهذا عيدنا لإشعاره بالندب إلى ذلك وفيه نظر لأن اللعب لا يوصف بالندبية لكن يقربه أن المباح قد يرتفع بالنية إلى درجة ما يثاب عليه ويحتمل أن يكون المراد أن تقديم العبادة على اللعب سنة أهل الإسلام أو تحمل السنة في الترجمة على المعنى اللغوي وأما حديث البراء فهو طرف من حديث سيأتي بتمامه بعد باب وحجاج المذكور في الإسناد هو بن منهال واستشكل الزين بن المنير مناسبته للترجمة من حيث أنه قال فيها العيدين بالتثنية مع أنها لا تتعلق إلا بعيد النحر
[ 372 ]
وأجاب بأن في قوله إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي إشعارا بان الصلاة ذلك اليوم هي الأمر المهم وأن ما سواها من الخطبة والنحر والذكر وغير ذلك من أعمال البر يوم النحر فبطريق التبع وهذا القدر مشترك بين العيدين فحسن أن لا تفرد الترجمة بعيد النحر انتهى وقد تقدم الكلام على حديث عائشة مستوفى في الباب الذي قبله قوله باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج أي إلى صلاة العيد قوله أخبرنا عبيد الله هو بالتصغير وفي نسخ الصغاني حدثنا عبيد الله بن أنس بحذف أبي بكر هكذا رواه سعيد بن سليمان عن هشيم وتابعه أبو الربيع الزهراني عند الاسماعيلي وجبارة بن المغلس عند بن ماجة ورواه عن هشيم قتيبة عند الترمذي وأحمد بن منيع عند بن خزيمة وأبو بكر بن أبي شيبة عند بن حبان والاسماعيلي وعمرو بن عون عند الحاكم فقالوا كلهم عن هشيم عن محمد بن إسحاق عن حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس قال الترمذي صحيح غريب وأعله الاسماعيلي بان هشيما مدلس وقد اختلف عليه فيه وابن إسحاق ليس من شرط البخاري قلت وهي علة غير قادحة لأن هشيما قد صرح فيه بالإخبار فأمن تدليسه ولهذا نزل فيه البخاري درجة لأن سعيد بن سليمان من شيوخه وقد أخرج هذا الحديث عنه بواسطة لكونه لم يسمعه منه ولم يلق من أصحاب هشيم مع كثرة من لقيه منهم من يحدث به مصرحا عنه فيه بالأخبار وقد جزم أبو مسعود الدمشقي بأنه كان عند هشيم على الوجهين وأن أصحاب هشيم القدماء كانوا يروونه عنه على الوجه الأول فلا تضر طريق بن إسحاق المذكورة قال البيهقي ويؤكد ذلك أن سعيد بن سليمان قد رواه عن هشيم على الوجهين ثم ساقه من رواية معاذ بن المثنى عنه عن هشيم بالاسنادين المذكورين فرجح صنيع البخاري ويؤيد ذلك متابعة مرجي بن رجاء لهشيم على روايته له عن عبيد الله بن أبي بكر وقد علقها البخاري هنا وأفادت ثلاث فوائد الأولى هذه والثانية تصريح عبيد الله فيه بالأخبار عن أنس والثالثة تقييد الأكل بكونه وترا وقد وصلها بن خزيمة والاسماعيلي وغيرهما من طريق أبي النضر عن مرجي بلفظ يخرج بدل يغدو والباقي مثل لفظ هشيم وفيه الزيادة وكذا وصله أبو ذر في زياداته في الصحيح عن أبي حامد بن نعيم عن الحسين بن محمد بن مصعب عن أبي داود السنجي عن أبي النضر وأخرجه الإمام أحمد عن حرمي بن عمارة عن مرجي بلفظ ويأكلهن أفرادا ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في تاريخه وله راو ثالث عن عبيد الله بن أبي بكر أخرجه الاسماعيلي أيضا وابن حبان والحاكم من رواية عتبة بن حميد عنه بلفظ ما خرج يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل من ذلك أو أكثر وترا وهي أصرح في المداومة على ذلك قال المهلب الحكمة في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد فكأنه أراد سد هذه الذريعة وقال غير لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع وأشار إلى ذلك بن أبي جمرة وقال بعض المالكية لما كان المعتكف لا يتم اعتكافه حتى يغدو إلى المصلى قبل انصرافه إلى بيته خشي أن يعتمد في هذا الجزء من النهار باعتبار استصحاب الصائم ما يعتمد من استصحاب الاعتكاف ففرق بينهما بمشروعية الأكل قبل الغدو وقيل لأن الشيطان الذي يحبس في رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد فاستحب تعجيل الفطر بدارا إلى السلامة من وسوسته
[ 373 ]
وسيأتي توجيه آخر لابن المنير في الباب الذي بعده وقال بن قدامة لا نعلم في استحباب تعجيل الأكل يوم الفطر اختلافا انتهى وقد روى بن أبي شيبة عن بن مسعود التخيير فيه وعن النخعي أيضا مثله والحكمة في استحباب التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم ولأن الحلو مما يوافق الإيمان ويعبر به المنام ويرق به القلب وهو أيسر من غيره ومن ثم استحب بعض التابعين أنه يفطر على الحلو مطلقا كالعسل رواه بن أبي شيبة عن معاوية بن قرة وابن سيرين وغيرهما وروى فيه معنى آخر عن بن عون أنه سئل عن ذلك فقال انه يحبس البول هذا كله في حق من يقدر على ذلك وإلا فينبغي أن يفطر ولو على الماء ليحصل له العطار ما من الأتباع أشار إليه بن أبي جمرة وأما جعلهن وترا فقال المهلب وللإشارة إلى وحدانية الله تعالى وكذلك كان صلى الله عليه وسلم بالصلاة في جميع أموره تبركا بذلك تنبيه مرجي بوزن معلى وأبوه بلفظ رجاء ضد الخوف بصري مختلف في الاحتجاج به وليس له في البخاري غير هذا الموضع الواحد قوله باب الأكل يوم النحر قال الزين بن المنير ما محصله لم يقيد المصنف الأكل يوم النحر بوقت معين كما قيده في الفطر ووجه ذلك من حديث أنس قول الرجل هذا يوم يشتهى فيه اللحم وقوله في حديث البراء وإن اليوم يوم أكل وشرب ولم يقيد ذلك بوقت انتهى ولعل المصنف أراد الإشارة إلى تضعيف ما ورد في بعض طرق الحديث الذي قبله من مغايرة يوم الفطر ليوم النحر من استحباب البداءة بالصلاة يوم النحر قبل الأكل لأن في حديث البراء أن أبا بردة أكل قبل الصلاة يوم النحر فبين له صلى الله عليه وسلم أن التي ذبحها لا تجزئ عن الأضحية وأقره على الأكل منها وأما ما ورد في الترمذي والحاكم من حديث بريدة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي ونحوه عند البزار عن جابر بن سمرة وروى الطبراني والدارقطني من حديث بن عباس قال من السنة أن لا يخرج يوم الفطر حتى يخرج الصدقة ويطعم شيئا قبل أن يخرج وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال وقد أخذ أكثر الفقهاء بما دلت عليه قال الزين بن المنير وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى واخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها فاجتمعا من جهة وافترقا من جهة أخرى واختار بعضه تفصيلا آخر فقال من كان له ذبح استحب له أن يبدأ بالأكل يوم النحر منه ومن لم يكن له ذبح تخير وسيأتي الكلام على حديثي أنس والبراء المذكورين في هذا الباب في كتاب الأضاحي أن شاء الله تعالى وقوله في حديث البراء ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له كذا في الأصول بإثبات الواو وحذفها النسائي وهو أوجه ويمكن توجيه إثباتها بتقدير لا يجزئ ولا نسك له وهو قريب من حديث فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله وقد أخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة هذا وإسحاق بن إبراهيم جميعا عن جرير بلفظه وأخرجه الاسماعيلي من طريق أبي خيثمة ويوسف بن موسى وعثمان هذا ثلاثتهم عن جرير بلفظ ومن نسك قبل الصلاة فشاته شاة لحم وذكر أن معناهم واحد وقد أخرجه أبو يعلى عن أبي خيثمة بهذا اللفظ وأظن التصرف فيه من عثمان رواه بالمعنى والله أعلم وفي حديثي أنس والبراء من الفوائد تأكيد أمر الأضحية وأن المقصود منها طيب اللحم وإيثار الجار على غيره وأن المفتى إذا ظهرت له من المستفتي أمارة الصدق كان له أن يسهل عليه حتى
[ 374 ]
لو استفتاه اثنان في قضية واحدة جاز أن يفتي كلا منها بما يناسب حاله وجواز إخبار المرء عن نفسه بما يستحق الثناء به عليه بقدر الحاجة قوله باب الخروج إلى المصلي بغير منبر يشير إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي سعيد الذي ساقه في هذا الباب وهو ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة من طريق الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال أخرج مروان المنبر يوم عيد وبدأ بالخطبة قبل الصلاة فقام إليه رجل فقال يا مروان خالفت السنة الحديث قوله حدثنا محمد بن جعفر أي بن أبي كثير المدني وعياض بن عبد الله أي بن سعد بن أبي سرح القرشي المدني ورجاله كلهم مدنيون قوله عن أبي سعيد في رواية عبد الرزاق عن داود بن قيس عن عياض قال سمعت أبا سعيد وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق بن وهب عن داود قوله إلى المصلى هو موضع بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع قاله عمر بن شبة في أخبار المدينة عن أبي غسان الكناني صاحب مالك قوله ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس في رواية بن حبان من طريق داود بن قيس عن عياض فينصرف إلى الناس قائما في مصلاه ولابن خزيمة في رواية مختصرة خطب يوم عيد على رجليه وهذا مشعر بأنه لم يكن بالمصلى في زمانه صلى الله عليه وسلم منبر ويدل على ذلك قول أبي سعيد فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان ومقتضى ذلك أن أول من اتخذه مروان وقد وقع في المدونة لمالك ورواه عمر بن شبة عن أبي غسان عنه قال أول من خطب الناس في المصلى على المنبر عثمان بن عفان كلمهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت وهذا معضل وما في الصحيحين أصح فقد رواه مسلم من طريق داود بن قيس عن عياض نحو رواية البخاري ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان ولم يطلع على ذلك أبو سعيد وإنما اختص كثير بن الصلت ببناء المنبر بالمصلى لأن داره كانت مجاوره للمصلى كما سيأتي في حديث بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أتى في يوم العيد إلى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت قال بن سعد كانت دار كثير بن الصلت قبلة المصلي في العيدين وهي تطل على بطن بطحان الوادي الذي في وسط المدينة انتهى وإنما بني كثير بن الصلت داره بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة لكنها لما صارت شهيرة في تلك البقعة وصف المصلي بمجاورتها وكثير المذكور هو بن الصلت بن معاوية الكندي تابعي كبير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ربع المدينة هو واخويه بعده فسكنها وحالف بني جمح وروى بن سعد بإسناد صحيح إلى نافع قال كان اسم كثير بن الصلت قليلا فسماه عمر كثيرا ورواه أبو عوانة فوصله بذكر بن عمر ورفعه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم والأول أصح وقد صح سماع كثير من عمر فمن بعده وكان له شرف وذكر وهو بن أخي جمد بفتح الجيم وسكون الميم أو فتحها أحد ملوك كندة الذين قتلوا في الردة وقد ذكر أبوه في الصحابة لابن منده وفي صحة ذلك نظر قوله فإن كان يريد أن يقطع بعثا أي يخرج طائفة من الجيش إلى جهة من الجهات قوله خرجت مع مروان زاد عبد الرزاق عن داود بن قيس وهو بيني وبين أبي مسعود يعني عقبة بن عمرو الأنصاري قوله فجبذته بثوبه أي ليبدأ بالصلاة قبل الخطبة على العادة وقوله فقلت له غيرتم والله صريح في أن أبا سعيد هو الذي أنكر ووقع عند مسلم من طريق طارق بن شهاب قال أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال الصلاة قبل الخطبة فقال قد ترك ما هنالك فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه وهذا ظاهر في أنه غير أبي سعيد وكذا
[ 375 ]
في رواية رجاء عن أبي سعيد التي تقدمت في أول البا ب فيحتمل أن يكون هو أبا مسعود الذي وقع في رواية عبد الرزاق أنه كان معهما ويحتمل أن تكون القصة تعددت ويدل على ذلك المغايرة الواقعة بين روايتي عياض ورجا ففي رواية عياض أن المنبر بني بالمصلى وفي رواية رجاء أن مروان أخرج المنبر معه فلعل مروان لما أنكروا عليه إخراج المنبر ترك إخراجه بعد وأمر ببنائه من لبن وطين بالمصلى ابن $ بعد في أن ينكر عليه تقديم الخطبة على الصلاة مرة بعد أخرى ويدل على التغاير أيضا أن إنكار أبي سعيد وقع بينه وبينه وانكار الآخر وقع في رؤوس الناس قوله أن الناس لم الريح يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها أي الخطبة قبل الصلاة وهذا يشعر بأن مروان فعل ذلك باجتهاد منه وسيأتي في الباب الذي بعده أن عثمان فعل ذلك أيضا لكن لعلة أخرى وفي هذا الحديث من الفوائد بنيان المنبر قال الزين بن المنير وإنما اختاروا أن يكون باللبن لامن الخشب لكونه يترك بالصحراء في غير حرز فيؤمن عليه النقل بخلاف خشب منبر الجامع وفيه أن الخطبة على الأرض عن قيام في المصلى أولى من القيام على المنبر والفرق بينه وبين المسجد أن المصلى يكون بمكان فيه فضاء فيتمكن من رؤيته كل من حضر بخلاف المسجد فإنه يكون في مكان محصور فقد لا يراه بعضهم وفيه الخروج إلى المصلى في العيد وأن صلاتها في المسجد لا تكون الا عن ضرورة وفيه إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة وفيه حلف العالم على صدق ما يخبر به والمباحثة في الأحكام وجواز عمل العالم بخلاف الأولى إذا لم يوافقه الحاكم على الأولى لأن أبا سعيد حضر الخطبة ولم ينصرف فيستدل به على أن البداءة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها والله أعلم قال بن المنير في الحاشية حمل أبو سعيد فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على التعيين وحمله مروان على الأولوية واعتذر عن ترك الأولى بما ذكر من تغير حال الناس فرأى أن المحافظة على أصل السنة وهو إسماع الخطبة أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها والله أعلم واستدل به على استحباب الخروج إلى الصحراء لصلاة العيد وأن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع فضل مسجده وقال الشافعي في الأم بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين إلى المصلي بالمدينة وكذا من بعده الا من عذر مطر ونحوه وكذلك عامة أهل البلدان الا أهل مكة ثم أشار إلى أن سبب ذلك سعة المسجد وضيق أطراف مكة قال فلو عمر بلد فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أن يخرجوا منه فإن كان لا يسعهم كرهت الصلاة فيه ولا إعادة ومقتضى هذا أن العلة تدور على الضيق والسعة لا لذات الخروج إلى الصحراء لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع فإذا حصل في المسجد مع أفضليته كان أولى قوله باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة وبغير أذان ولا إقامة في هذه الترجمة ثلاثة أحكام صفة التوجه وتأخير الخطبة عن الصلاة وترك النداء فيها فأما الأول فقد اعترض عليه بن التين فقال ليس فيما ذكره من الأحاديث ما يدل على مشى ولا ركوب وأجاب الزين بن المنير بأن عدم ذلك مشعر بتسويغ كل منهما وألا مزية لأحدهما على الآخر ولعله أشار بذلك إلى تضعيف ما ورد في الندب إلى المشي ففي الترمذي عن على قال من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا وفي بن ماجة عن سعد القرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي العيد ماشيا وفيه عن أبي رافع نحوه وأسانيد الثلاثة ضعاف وقال الشافعي
[ 376 ]
في الأم بلغنا عن الزهري قال ما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيد ولا جنازة قط ويحتمل أن يكون البخاري استنبط من قوله في حديث جابر وهو يتوكأ على يد بلال مشروعية الركوب لمن أحتاج إليه وكأنه يقول الأولى المشي حتى يحتاج إلى الركوب كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم قائما على رجليه فلما تعب من الوقوف توكأ على بلال والجامع بين الركوب والتوكؤ الارتفاق بكل منهما أشار إلى ذلك بن المرابط وأما الحكم الثاني فظاهر من أحاديث الباب وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده واختلف في أول من غير ذلك فرواية طارق بن شهاب عن أبي سعيد عند مسلم صريحة في أنه مروان كما تقدم في الباب قبله وقيل بل سبقه إلى ذلك عثمان وروى بن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال أول من خطب قبل الصلاة عثمان صلى بالناس ثم خطبهم يعن على العادة فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك أي صارح يخطب قبل الصلاة وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة لكن قيل إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح بعض الناس فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانا بخلاف مروان فواظب عليه فلذلك نسب إليه وقد روى عن عمر مثل فعل عثمان قال عياض ومن تبعه لا يصح عنه وفيما قالوه نظر لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعا عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام وهذا إسناد صحيح لكن يعارضه حديث بن عباس المذكور في الباب الذي بعده وكذا حديث بن عمر فإن جمع بوقوع ذلك منه نادرا وإلا فما في الصحيحين أصح وقد أخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث بن عباس وزاد حتى قدم معاوية فقدم الخطبة فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعا لمعاوية لأنه كان أمير المدينة من جهته وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن الزهري قال أول من حالا الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية وروى بن المنذر عن بن سيرين أن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة قال عياض ولا مخالفة بين هذين الاثرين وأثر مروان لأن كلا من مروان وزياد كان عاملا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله والله أعلم وأما الحكم الثالث فليس في أحاديث الباب ما يدل عليه إلا حديث بن عباس في ترك الأذان وكذا أحد طريقي جابر وقد وجهه بعضهم بأنه يؤخذ من كون الصلاة قبل الخطبة بخلاف الجمعة فتخالفها أيضا في الأذان والإقامة ولا يخفى بعده والذي يظهر أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الأحاديث التي ذكرها أما حديث بن عمر ففي رواية النسائي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فصلى بغير أذان ولا إقامة الحديث وأما حديث بن عباس وجابر ففي رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر عند مسلم فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وعنده من طريق عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء عن جابر قال لا أذان الولاء يوم العيد ولا إقامة ولا شئ وفي رواية يحيى القطان عن بن جريج عن عطاء أن بن عباس قال لابن الزبير لا تؤذن لها ولا تقم أخرجه بن أبي شيبة عنه ولأبي داود من طريق طاوس عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة إسناده صحيح وفي الحديث عن جابر بن سمرة
[ 377 ]
عند مسلم وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار وعن البراء عند الطبراني في الأوسط وقال مالك في الموطأ سمعت غير واحد من علمائنا يقول لم يكن في الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا وعرف بهذا توجيه أحاديث الباب ومطابقتها للترجمة واستدل بقول جابر ولا إقامة ولا شئ على أنه لا يقال أمام صلاتها شئ من الكلام لكن روى الشافعي عن الثقة عن الزهري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن في العيدين أن يقول الصلاة جامعة وهذا مرسل يعضده القياس على صلاة الكسوف لثبوت ذلك فيها كما سيأتي قال الشافعي أحب أن يقول الصلاة أو الصلاة جامعة فإن قال هلموا إلى الصلاة لم أكرهه فإن قال حي على الصلاة أو غيرها من ألفاظ الأذان أو غيرها كرهت له ذلك واختلف في أول من حالا الأذان فيها أيضا فروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه معاوية وروى الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله وزاد فأخذ به الحجاج حين أمر على المدينة وروى بن المنذر عن حصين بن عبد الرحمن قال أول من أحدثه زياد بالبصرة وقال الداودي أول من أحدثه مروان وكل هذا لا ينافي أن معاوية أحدثه كما تقدم في البداءة بالخطبة وقال بن حبيب أول من أحدثه هشام وروى بن المنذر عن أبي قلابة قال أول من أحدثه عبد الله بن الزبير وقد وقع في حديث الباب أن بن عباس أخبره أنه لم يكن يؤذن لها لكن في رواية يحيى القطان أنه لما ساء ما بينهما أذن يعني بن الزبير وأقام وقوله يؤذن بفتح الذال على البناء للمجهول والضمير ضمير الشأن وهشام المذكور في الإسناد الثاني هو بن يوسف الصغاني قوله قال وأخبرني عطاء القائل هو بن جريج في الموضعين وهو معطوف على الإسناد المذكور وكذا قوله وعن جابر بن عبد الله معطوف أيضا والمراد بقوله لم يكن يؤذن أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مصير من البخاري إلى أن لهذه الصيغة حكم الرفع قوله أول ما بويع له أي لابن الزبير بالخلافة وكان ذلك في سنة أربع وستين عقب موت يزيد بن معاوية وقوله وإنما الخطبة بعد الصلاة كذا للأكثر وهو الصواب وفي رواية المستملى وأما بدل وإنما وهو تصحيف وسيأتي الكلام على بقية فوائد حديث جابر بعد عشرة أبواب أن شاء الله تعالى قوله باب الخطبة بعد العيد أي بعد صلاة العيد وهذا مما يرجح رواية الذين أسقطوا قوله والصلاة قبل الخطبة من الترجمة التي قبل هذه وهم الأكثر وقال بن رشيد أعاد هذه الترجمة لأنه أراد أن يخص هذا
[ 378 ]
الحكم بترجمة اعتناء به لكونه وقع في التي قبلها بطريق التبع أه وحديث بن عباس صريح فيما ترجم له وسيأتي في أواخر العيدين أتم مما هنا وحديث بن عمر أيضا صريح فيه وأما حديث بن عباس الثاني فمن جهة أن أمره للنساء بالصدقة كان من تتمة الخطبة كما يرشد إلى ذلك حديث جابر الذي في الباب قبله ويحتمل أن يكون ذكره لتعلقه بصلاة العيدين في الجملة فهو كالتتمة للفائدة وقوله فيه خرصها بضم المعجمة وحكى كسرها وسكون الراء بعدها صاد الركعة هو الحلقه من الذهب أو الفضة وقيل هو القرط إذا كان بحبة واحدة وقوله وسخابها بكسر المهملة ثم غدا ثم موحدة هو قلادة من عنبر أو قرنفل أو غيره ولا يكون فيه خرز وقيل هو خيط فيه خرز وسمي سخابا لصوت خرزه عند الحركة مأخوذ من السخب وهو اختلاط الأصوات يقال بالصاد والسين وسيأتي الكلام على بقية فوائده عند الكلام على حديث جابر بعد عشرة أبواب ويأتي الكلام على التنفل يوم العيد بعد ذلك بستة أبواب وأما حديث البراء فظاهره يخالف الترجمة لأن قوله أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر مشعر بأن هذا الكلام وقع قبل إيقاع الصلاة فيستلزم تقديم الخطبة على الصلاة بناء على أن هذا الكلام من الخطبة ولأنه عقب الصلاة بالنحر والجواب أن المراد أنه صلى الله عليه وسلم صلى العيد ثم خطب فقال هذا الكلام وأراد بقوله أن أول ما نبدأ به أي في يوم العيد تقديم الصلاة في أي عيد كان والتعقيب بثم لا يستلزم عدم تخلل أمر آخر بين الأمرين قال بن بطال غلط النسائي فترجم بحديث البراء فقال باب الخطبة قبل الصلاة قال وخفي عليه أن العرب قد تضع الفعل المستقبل مكان الماضي وكأنه قال عليه الصلاة والسلام أول ما يكون به الابتداء في هذا اليوم الصلاة التي قدمنا فعلها قال وهو مثل قوله تعالى وما نقموا منهم ألا أن يؤمنوا أي الإيمان المتقدم منهم أه والمعتمد في صحة ما تأولناه رواية محمد بن طلحة عن زبيد الأتية بعد ثمانية أبواب في هذا الحديث بعينه بلفظ خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أضحى إلى البقيع فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وقال أن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر الحديث فتبين أن ذلك الكلام وقع منه بعد الصلاة وقال الكرماني المستفاد من حديث البراء أن الخطبة مقدمة على الصلاة ثم قال في موضع آخر فإن قلت فما دلالته على الترجمة قلت لو قدم الخطبة على الصلاة لم تكن الصلاة أول ما بدئ به ولا يلزم من كون هذا الكلام وقع قبل الصلاة أن تكون الخطبة وقعت قبلها أه وحاصله أنه يجعل الكلام المذكور سابقا على الصلاة ويمنع كونه من الخطبة لكن قد بينت رواية محمد بن طلحة عن زبيد المذكور أن الصلاة لم يتقدمها شئ لأنه عقب الخروج إليها بالفاء وصرح منصور في روايته عن الشعبي في هذا الحديث بان الكلام المذكور وقع في الخطبة ولفظه عن البراء بن عازب قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة فقال فذكر الحديث وقد تقدم قبل بابين ويأتي أيضا في أواخر العيد فيتعين التأويل الذي قدمناه والله أعلم قوله باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم هذه الترجمة تخالف في الظاهر الترجمة المتقدمة وهي باب الحراب والدرق يوم العيد لأن تلك دائرة بين الإباحة والندب على ما دل عليه حديثها وهذه دائرة بين الكراهة والتحريم لقول بن عمر في يوم لا يحل فيه حمل السلاح ويجمع بينهما بحمل الحالة الأولى على وقوعها ممن
[ 379 ]
حملها بالدربة وعهدت منه السلامة من إيذاء أحد من الناس بها وحمل الحالة الثانية على وقوعها ممن حملها بطرا وأشرا أو لم يتحفظ حال حملها وتجريدها من إصابتها أحدا من الناس ولا سيما عند المزاحمة وفي المسالك الضيقة قوله وقال الحسن أي البصري نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدوا لم أقف عليه موصولا إلا أن بن المنذر قد ذكر نحوه عن الحسن وفيه تقييد لإطلاق قول بن عمر أنه لا يحل وقد ورد مثله مرفوعا مقيدا وغير مقيد فروى عبد الرزاق بإسناد مرسل قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج بالسلاح يوم العيد وروى بن ماجة بإسناد ضعيف عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس السلاح في بلاد الإسلام في العيدين إلا أن الريح بحضرة العدو وهذا كله في العيد وأما في الحرم فروى مسلم من طريق معقل بن عبيد عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمل السلاح بمكة قوله أبو السكين بالمهملة والكاف مصغرا والمحاربي هو عبد الرحمن بن محمد لا ابنه عبد الرحيم ومحمد بن سوقة بضم السين المهملة وبالقاف تابعي صغير من أجلاء الناس قوله أخمص قدمه الأخمص بإسكان الخاء المعجمة وفتح الميم بعدها الركعة باطن القدم وما رق من أسفلها وقيل هو خصر باطنها الذي لا يصيب الأرض عند المشي قولة بالركاب أي وهي في راحلته قوله فنزعتها ذكر الضمير مؤنثا مع أنه أعاده على السنان وهو مذكر لأنه أراد الحديدة ويحتمل أنه أراد القدم قوله فبلغ الحجاج أي بن يوسف الثقفي وكان إذ ذاك أميرا على الحجاز وذلك بعد قتل عبد الله بن الزبير قوله فجعل يعوده في رواية المستملى فجاء ويؤيده رواية الاسماعيلي فأتاه قوله لو نعلم من أصابك في رواية أبي ذر عن الحموي المستملى ما أصابك وحذف الجواب لدلالة السياق عليه أو هي للتمني فلا محذوف ويرجح الأول أن بن سعد أخرجه عن أبي نعيم عن إسحاق بن سعيد فقال فيه لو نعلم من أصابك عاقبناه وهو يرجح رواية الأكثر أيضا وله من وجه آخر قال لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه قوله أنت أصبتني فيه نسبة الفعل إلى الآمر بشئ يتسبب منه ذلك الفعل وان لم يعن الآمر ذلك لكن حكى الزبير في الأنساب أن عبد الملك لما كتب إلى الحجاج أن لا يخالف بن عمر شق عليه فأمر رجلا معه حربة يقال إنها كانت مسمومة فلصق ذلك الرجل به فأمر الحربة على قدمه فمرض منها أياما ثم مات وذلك في سنة أربع وسبعين فعلى هذا ففيه نسبة الفعل إلى الآمر به فقط وهو كثير وفي هذه القصه تعقب على المهلب حيث استدل به على سد الذرائع لأن ذلك مبنى على أن الحجاج لم يقصد ذلك قوله حملت السلاح أي فتبعك أصحابك في حمله أو المراد بقوله حملت أمرت بحمله قوله في يوم لم يكن يحمل فيه هذا موضع الترجمة وهو مصير من البخاري إلى أن قول الصحابي كان يفعل كذا على البناء لما لم يسم فاعله يحكم برفعه قوله أصابني من أمر هذا فيه تعريض بالحجاج ورواية سعيد بن جبير التي قبلها مصرحة بأنه الذي فعل ذلك ويجمع بينهما بتعدد الواقعة أو السؤال فلعله عرض به أولا فلما أعاد عليه السؤال صرح وقد روى بن سعد من وجه آخر رجاله لا بأس بهم أن الحجاج دخل على بن عمر يعوده لما أصيبت رجله فقال له يا أبا عبد الرحمن هل تدري من أصاب رجلك قال لا قال أما والله لو علمت من أصابك لقتلته قال فأطرق بن عمر فجعل لا يكلمه ولا يلتفت إليه فوثب كالمغضب وهذا أمرهم على أمر ثالث كأنه عرض به ثم عاوده
[ 380 ]
فصرح ثم عاوده فأعرض عنه قوله يعني الحجاج بالنصب على المفعولية وفاعله القائل وهو بن عمر زاد الاسماعيلي في هذه الطريق قال لو عرفناه لعاقبناه قال وذلك لأن الناس نفروا عشية ورجل من أصحاب الحجاج عارض حربته فضرب ظهر قدم بن عمر فأصبح وهنا منها حتى مات تنبيه وقع في الأطراف للمزى في ترجمة سعيد بن جبير عن بن عمر في هذا الحديث البخاري عن أحمد بن يعقوب عن إسحاق بن سعيد وعن أبي السكين عن المحاربي كلاهما عن محمد بن سوقة عنه به ووهم في ذلك فإن إسحاق بن سعيد إنما رواه عن أبيه عن بن عمر لا عن محمد بن سوقة وقد ذكر هو بعد ذلك في ترجمة سعيد عن بن عمر على الصواب قوله باب التبكير للعيد كذا للأكثر بتقديم الموحدة من البكور وعلى ذلك جرى شارحوه ومن استخرج عليه ووقع للمستملي التكبير بتقديم الكاف وهو تحريف قوله وقال عبد الله بن بسر يعني المازني الصحابي بن الصحابي وأبوه بضم الموحدة وسكون المهملة قوله إن كنا فرغنا في هذه الساعة إن هي المخففة من الثقيلة وهذا التعليق وصله أحمد وصرح برفعه وسياقه ثم أخرجه من طريق يزيد بن خمير وهو بالمعجمة مصغر قال خرج عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال إن كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد فرغنا ساعتنا هذه وكذا رواه أبو داود عن أحمد والحاكم من طريق أحمد أيضا وصححه قوله وذلك حين التسبيح أي وقت صلاة السبحة وهي النافلة وذلك إذا مضى وقت الكراهة وفي رواية صحيحة للطبراني وذلك حين تسبيح الضحى قال بن بطال أجمع الفقهاء على أن العيد لا تصلى قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها وإنما تجوز عند جواز النافلة ويعكر عليه إطلاق من أطلق أن أول وقتها عند طلوع الشمس واختلفوا هل يمتد وقتها إلى الزوال أو لا واستدل بن بطال على المنع بحديث عبد الله بن بسر هذا وليس دلالته على ذلك بظاهرة ثم أورد المصنف حديث البراء إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي وهو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشئ غير التأهب الولاء والخروج إليها ومن لازمه أن لا يفعل قبلها شئ غيرها فاقتضى ذلك التبكير إليها قوله باب فضل العمل في أيام التشريق مقتضى كلام أهل اللغة والفقه أن أيام التشريق ما بعد يوم النحر على اختلافهم هل هي ثلاثة أو يومان لكن ما ذكروه من سبب تسميتها بذلك يقتضى دخول يوم العيد فيها وقد حكى أبو عبيد أن فيه قولين أحدهما لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي أي يقد دونها ويبرزونها للشمس ثانيهما لأنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر فصارت تبعا ليوم النحر قال وهذا أعجب القولين إلى وأظنه أراد ما حكاه غيره أن أيام التشريق سميت بذلك لأن صلاة العيد إنما تصلى بعد أن تشرق الشمس وعن بن الغلام قال سميت بذلك لأن الهدايا والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس وعن يعقوب بن السكيت قال هو من قول الجاهلية أشرق ثبيركما نغير أي ندفع لننحر انتهى وأظنهم أخرجوا يوم العيد منها لشهرته بلقب يخصه وهو يوم العيد وإلا فهي في الحقيقة تبع له في التسمية كما تبين من كلامهم ومن ذلك حديث على لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح إليه موقوفا ومعناه لا صلاة جمعة ولا صلاة عيد قال وكان أبو حنفية يذهب بالتشريق في هذا إلى التكبير في دبر الصلاة يقول لا تكبير إلا على أهل الأمصار قال وهذا لم نجد أحدا يعرفه ولا وافقه عليه صاحباه ولا غيرهما انتهى ومن ذلك حديث من ذبح قبل التشريق
[ 381 ]
أي قبل صلاة العيد فليعد رواه أبو عبيد من مرسل الشعبي ورجاله ثقات وهذا كله يدل على أن يوم العيد من أيام التشريق والله أعلم قوله وقال بن عباس ويذكروا است الله في أيام معلومات كذا لأبي ذر عن الكشميهني وفي رواية كريمة وابن شبويه وقال بن عباس واذكروا الله الخ وللحموي والمستملي ويذكروا الله في أيام معدودات واعترض عليه بأن التلاوة ويذكروا اسم الله في أيام معلومات أو واذكروا الله في أيام معدودات وأجيب بأنه لم يقصد التلاوة وإنما حكى كلام بن عباس وابن عباس أراد تفسير المعدودات والمعلومات وقد وصله عبد بن حميد من طريق عمرو بن دينار عنه وفيه الأيام المعدودات أيام التشريق والأيام المعلومات أيام العشر وروى بن مردويه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة والمعدودات أيام التشريق إسناده صحيح وظاهره إدخال يوم العيد في أيام التشريق وقد روى بن أبي شيبة من وجه آخر عن بن عباس أن المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ورجح الطحاوي هذا لقوله تعالى ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإنه مشعر بأن المراد أيام النحر انتهى وهذا لا يمنع تسمية أيام العشر معلومات ولا أيام التشريق معدودات بل تسمية أيام التشريق معدودات متفق عليه لقوله تعالى واذكروا الله في أيام معدودات الآية وقد قيل إنها إنما سميت معدودات لأنها إذا زيد عليها شئ عد ذلك حصرا أي في حكم حصر العدد والله أعلم قوله وكان بن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر الخ لم أره موصولا عنهما وقد ذكره البيهقي أيضا معلقا عنهما وكذا البغوي وقال الطحاوي كان مشايخنا يقولون بذلك أي بالتكبير في أيام العشر وقد اعترض على البخاري في ذكر هذا الأثر في ترجمة العمل في أيام التشريق وأجاب الكرماني بأن عادته أن يضيف إلى الترجمة ما له بها أدنى ملابسة استطرادا انتهى والذي يظهر أنه أراد تساوى أيام التشريق بأيام العشر لجامع ما بينهما مما يقع فيهما من أعمال الحج ويدل على ذلك أن أثر أبي هريرة وابن عمر صريح في أيام العشر والاثر الذي بعده في أيام التشريق وسيأتي مزيد بيان لذلك بعد قليل قوله وكبر محمد بن على خلف النافلة هو أبو جعفر الباقر وقد وصله الدارقطني في المؤتلف من طريق معن بن عيسى القزاز قال حدثنا أبو وهنة رزيق المدني قال رأيت أبا جعفر محمد بن على يكبر بمنى في أيام التشريق خلف النوافل وأبو وهنة بفتح الواو وسكون الهاء بعدها نون ورزيق بتقديم الراء مصغرا وفي سياق هذا الأثر تعقب على الكرماني حيث جعله يتعلق بتكبير أيام العشر كالذي قبله قال بن التين لم يتابع محمدا على هذا أحد كذا قال والخلاف ثابت عند المالكية والشافعية هل يختص التكبير الذي بعد الصلاة في العيد بالفرائض أو يعم واختلف الترجيح عند الشافعية والراجح عند المالكية الاختصاص قوله عن سليمان هو الأعمش ومسلم هو البطين بفتح الموحدة لقب بذلك لعظم بطنه وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فصرح بسماع الأعمش له منه ولفظه عن الأعمش قال سمعت مسلما وهكذا رواه الثوري وأبو معاوية وغيرهما من الحفاظ عن الأعمش وأخرجه أبو داود من رواية وكيع عن الأعمش فقال عن مسلم ومجاهد وأبي صالح عن بن عباس فأما طريق مجاهد فقد رواه أبو عوانة من طريق موسى بن أبي عائشة
[ 382 ]
عن مجاهد فقال عن بن عمر بدل بن عباس وأما طريق أبي صالح فقد رواه أبو عوانة أيضا من طريق موسى بن أعين عن الأعمش فقال عن أبي صالح عن أبي هريرة والمحفوظ في هذا حديث بن عباس وفيه اختلاف آخر عن الأعمش رواه أبو إسحاق ها عن الأعمش فقال عن أبي وائل عن بن مسعود أخرجه الطبراني وقد وافق الأعمش على روايته له عن مسلم البطين سلمة بن كهيل عند أبي عوانة أيضا ورواه عن سعيد بن جبير أيضا القاسم بن أبي أيوب عند الدارمي وأبو عوانة وأبو جرير السختياني عند أبي عوانة وعدي بن ثابت عند البيهقي وسنذكر ما في رواياتهم من الفوائد والزوائد إن شاء الله تعالى قوله ما العمل في أيام أفضل منها في هذه كذا لأكثر الرواة بالإبهام ووقع في رواية كريمة عن الكشميهني ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه وهذا يقتضى نفى أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في هذه الأيام إن فسرت بأنها أيام التشريق وعلى ذلك جرى بعض شراح البخاري وحمله على ذلك ترجمة البخاري المذكورة فزعم أن البخاري فسر الأيام المبهمة في هذا الحديث بأنها أيام التشريق وفسر العمل بالتكبير لكونه أورد الآثار المذكورة المتعلقة بالتكبير فقط وقال بن أبي جمرة الحديث دال على أن العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيره قال ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد كما تقدم من حديث عائشة ولا ما صح من قوله عليه الصلاة والسلام أنها أيام أكل وشرب كما رواه مسلم لأن ذلك لا يمنع العمل فيها بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى ولم يمنع فيها منها إلا الصيام قال وسر كون العبادة فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام وفي أفضلية أيام التشريق نكتة أخرى وهي أنها وقعت فيها محنة الخليل بولده ثم من عليه بالفداء فثبت لها الفضل بذلك أه وهو توجيه حسن إلا أن المنقول يعارضه والسياق الذي وقع في رواية كريمة شاذ مخالف لما رواه أبو ذر وهو من الحفاظ عن الكشميهني شيخ كريمة بلفظ ما العمل في أيام أفضل منها في هذا العشر وكذا أخرجه أحمد وغيره عن غندر عن شعبة بالإسناد المذكور ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فقال في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة وكذا رواه الدارمي عن سعيد بن الربيع عن شعبة ووقع في رواية وكيع المقدم ذكرها ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر وكذا رواه بن ماجة من طريق أبي معاوية عن الأعمش ورواه الترمذي من رواية أبي معاوية فقال من هذه الأيام العشر بدون يعني وقد ظن بعض الناس أن قوله يعني أيام العشر تفسير من بعض رواته لكن ما ذكرناه من رواية الطيالسي وغيره ظاهر في أنه من نفس الخبر وكذا وقع في رواية القاسم بن أبي أيوب بلفظ ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة وابن حبان ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة فظهر أن المراد بالأيام في حديث الباب أيام عشر الحجة لكنه مشكل على ترجمة البخاري بأيام التشريق ويجاب بأجوبة أحدها أن الشئ يشرف بمجاورته للشئ الشريف وأيام التشريق أنكر تلو أيام العشر وقد ثبتت الفضيلة لأيام العشر بهذا الحديث فثبتت بذلك الفضيلة لأيام التشريق ثانيها أن عشر ذي الحجة إنما
[ 383 ]
شرف لوقوع أعمال الحج فيه وبقيه أعمال الحج أنكر في أيام التشريق كالرمي والطواف وغير ذلك من تتماته فصارت مشتركة معها في أصل الفضول ذلك اشتركت معها في مشروعية التكبير في كل منها وبهذا تظهر مناسبة إيراد الآثار المذكورة في صدر الترجمة لحديث بن عباس كما تقدمت الإشارة إليها ثالثها أن بعض أيام التشريق هو بعض أيام العشر وهو يوم العيد وكما أنه خاتمة أيام العشر فهو مفتتح أيام التشريق فمهما ثبت لأيام العشر من الفضل شاركتها فيها أيام التشريق لأن يوم العيد بعض كل منها بل هو رأس كل منها وشريفه وعظيمه وهو يوم الحج الأكبر كما سيأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله قالوا ولا الجهاد في رواية سلمة بن كهيل المذكورة فقال رجل ولم أر في شئ من طرق هذا الحديث تعيين هذا السائل وفي رواية غندر عند الاسماعيلي قال ولا الجهاد في سبيل الله مرتين وفي رواية سلمة بن كهيل أيضا حتى أعادها ثلاثا ودل سؤالهم هذا على تقرر أفضلية الجهاد عندهم وكأنهم استفادوه من قوله صلى الله عليه وسلم في جواب من سأله عن عمل يعدل الجهاد فقال لا أجده الحديث وسيأتي في أوائل كتاب الجهاد من حديث أبي هريرة ونذكر هناك وجه الجمع بينه وبين هذا الحديث إن شاء الله تعالى قوله إلا رجل خرج كذا للأكثر والتقدير إلا عمل رجل وللمستملى إلا من خرج قوله يخاطر أي يقصد قهر عدوه ولو أدى ذلك إلى قتل نفسه قوله فلم يرجع بشئ أي فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساويا له قال بن بطال هذا اللفظ يحتمل أمرين أن لا يرجع بشئ من ماله وإن رجع هو وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن يرزقه الله الشهادة وتعقبه الزين بن المنير بأن قوله فلم يرجع بشئ يستلزم أنه يرجع بنفسه ولا بد أه وهو تعقب مردود فإن قوله فلم يرجع بشئ نكرة في سياق النفي فتعم ما ذكر وقد وقع في رواية الطيالسي وغندر وغيرهما عن شعبة وكذا في أكثر الروايات التي ذكرناها فلم يرجع من ذلك بشئ والحاصل أن نفى الرجوع بالشئ لا يستلزم إثبات الرجوع بغير شئ بل هو على الاحتمال كما قال بن بطال ويدل على الثاني وروده بلفظ يقتضيه فعند أبي عوانة من طريق إبراهيم بن حميد عن شعبة بلفظ إلا من عقر جواده واهريق دمه وعنده في رواية القاسم بن أبي أيوب إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله وفي طريق سلمة بن كهيل فقال لا إلا أن لا يرجع وفي حديث جابر إلا من عفر وجهه في التراب فظهر بهذه الطرق ترجيح ما رده والله أعلم وفي الحديث تعظيم قدر الجهاد وتفاوت درجاته وأن الغاية القصوى فيه بذلك النفس لله وفيه تفضيل بعض الأزمنة على بعض كالأمكنة وفضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر الصيام أو علق وأشار من الأعمال بأفضل الأيام فلو أفرد يوما منها تعين يوم عرفة لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكور فإن أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة جمعا بين حديث الباب وبين حديث أبي هريرة مرفوعا خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة رواه مسلم أشار إلى ذلك كله النووي في شرحه وقال الداودي لم يرد عليه الصلاة والسلام أن هذه الأيام خير من يوم الجمعة لأنه قد يكون فيها يوم الجمعة يعني فيلزم تفضيل الشئ على نفسه وتعقب بأن المراد أن كل يوم من أيام العشر أفضل من غيره من أيام السنة سواء كان يوم الجمعة أم لا ويوم الجمعة فيه أفضل في غيره لاجتماع الفضلين فيه واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل
[ 384 ]
واستشكل بتحريم الصوم يوم العيد وأجيب بأنه أمرهم على الغالب ولا يرد على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته كما رواه الصحيحان من حديث عائشة أيضا والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم فيه احتمال وقال بن بطال وغيره المراد بالعمل في أيام التشريق التكبير فقط لأنه ثبت أنها أيام أكل وشرب وبعال وثبت تحريم صومها وورد فيه إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك فدل على تفريغها لذلك مع الحض على الذكر المشروع منه فيها التكبير فقط ومن ثم اقتصر المصنف على إيراد الآثار المتعلقة بالتكبير وتعقبه الزين بن المنير بأن العمل إنما يفهم منه عند إطلاقه العبادة وهي لا تنافى استيفاء حظ النفس من الأكل وسائر ما ذكر فإن ذلك لا يستغرق اليوم والليلة وقال الكرماني الحث على العمل في أيام التشريق لا ينحصر في التكبير بل المتبادر إلى الذهن منه أنه المناسك من الرمي وغيره الذي يجتمع مع الأكل والشرب قال مع أنه لو حمل على التكبير وحده لم يبق لقول المصنف بعده باب التكبير أيام منى معنى ويكون تكرارا محضا أه والذي يجتمع مع الأكل والشرب لكل أحد من العبادة هو الذكر المأمور به وقد فسر بالتكبير كما قال بن بطال وأما المناسك فمختصة بالحاج وجزمه بأنه تكرار متعقب أن الترجمة الأولى لفضل التكبير والثانية لمشروعيته وصفته أو أراد تفسير العمل المجمل في الأولى بالتكبير المصرح به في الثانية فلا تكرار وقد وقع في رواية بن عمر من الزيادة في آخره فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتكبير وللبيهقي في الشعب من طريق عدي بن ثابت في حديث بن عباس فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير وهذا يؤيد ما ذهب إليه بن بطال وفي رواية عدي من الزيادة وأن صيام يوم منها يعدل صيام سنة والعمل بسبعمائة ضعف وللترمذي من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يعدل صيام كل يوم منه بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر لكن إسناده ضعيف وكذا الإسناد إلى عدي بن ثابت والله أعلم قوله باب التكبير أيام منى أي يوم العيد والثلاثة بعده وقوله وإذا غدا إلى عرفة أي صبح يوم التاسع قال الخطابي حكمة التكبير في هذه الأيام أن الجاهلية كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له وعلى اسمه عز وجل قوله وكان عمر يكبر في قبته بمنى الخ وصله سعيد بن منصور من رواية عبيد بن عمير قال كان عمر يكبر في قبته بمنى ويكبر أهل المسجد ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيرا ووصله أبو عبيد من وجه آخر بلفظ التعليق ومن طريقه البيهقي وقوله ترتج بتثقيل الجيم أي تضطرب وتتحرك وهي مبالغة في اجتماع رفع الأصوات قوله وكان بن عمر الخ وصله بن المنذر والفاكهي في أخبار مكة من طريق بن جريج أخبرني نافع أن بن عمر فذكره سواء والفسطاط بضم الفاء ويجوز كسرها ويجوز مع ذلك بالمثناة بدل الطاء وبادغامها في السين فتلك ست لغات وقوله فيه وتلك الأيام جميعا أراد بذلك التأكيد ووقع في رواية أبي ذر بدون واو على أنها ظرف لما تقدم ذكره قوله وكانت ميمونة أي بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولم
[ 385 ]
أقف على أثرها هذا موصولا قوله وكان النساء في رواية غير أبي ذر وكن النساء وهي على اللغة القليلة وأبان المذكور هو بن عثمان بن عفان وكان أميرا على المدينة في زمن بن عم أبيه عبد الملك بن مروان وقد وصل هذا الأثر أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب العيدين وحديث أم عطية في الباب سلفهن في ذلك وقد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقب الصلوات وغير ذلك من الأحوال وفيه اختلاف بين العلماء في مواضع فمنهم من قصر التكبير على أعقاب الصلوات ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل ومنهم من خصه بالرجال دون النساء وبالجماعة دون المنفرد وبالمؤداة دون المقضية وبالمقيم دون المسافر وبساكن المصر دون القرية وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع والآثار التي ذكرها تساعده وللعلماء اختلاف أيضا في ابتدائه وانتهائه فقيل من صبح يوم عرفة وقيل من ظهره وقيل من عصره وقيل من صبح يوم النحر وقيل من ظهره وقيل في الانتهاء إلى ظهر يوم النحر وقيل إلى عصره وقيل إلى ظهر ثانيه وقيل إلى صبح آخر أيام التشريق وقيل إلى ظهره وقيل إلى عصره حكى هذه الأقوال كلها النووي إلا الثاني من الانتهاء وقد رواه البيهقي عن أصحاب بن مسعود ولم يثبت في شئ من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول على وابن مسعود إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى أخرجه بن المنذر وغيره والله أعلم وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال كبروا الله الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي في كتاب العيدين من طريق يزيد بن أبي زياد عنهم وهو قول الشافعي وزاد ولله الحمد وقيل يكبر ثلاثا ويزيد لا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ وقيل يكبر ثنتين بعدهما لا إله الا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد جاء ذلك عن عمر وعن بن مسعود نحوه وبه قال أحمد وإسحاق وقد حالا في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها قوله سألت أنسا في رواية أبي ذر سألت أنس بن مالك قول ويكبر المكبر فلا ينكر عليه هذا موضع الترجمة وهو متعلق بقوله فيها وإذا غدا إلى عرفة وظاهره أن أنسا احتج به على جواز التكبير في موضع التلبية ويحتمل أن يكون من كبر أضاف التكبير إلى التلبية وسيأتي بسط الكلام عليه في كتاب الحج إن شاالله تعالى قوله حدثنا محمد حدثنا عمر بن حفص كذا في بعض النسخ عن أبي ذر وكذلكريمة وأبي الوقت حدثنا محمد غير منسوب وسقط من رواية بن شبويه وابن السكوأبي زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني ووقع في رواية الأصيلي عن بعض مشايخه حدثنا محمد البخاري فعلى هذا لا واسطة بين البخاري وبين عمر بن حفص فيه وقد حدث البخاري عنه بالكثير بغير واسطة وربما أدخل بينه وبينه الواسطة أحيا الراجح سقوط الواسطة بينهما في هذا الإسناد وبذلك جزم أبو نعيم في المستخر ووقع في حاشية بعض النسخ لأبي ذر محمد هذا يشبه أن يكون هو الذهلي فالله أعلم وعاصم المذكور في الإسناد هو بن سليمان وحفصة هي بنت سيرين وسيأتي الكلام على المتن بعد سبعة أبواب وسبق بعضه في كتاب الحيض وموضع الترجمة منه قوله ويكبرن بتكبيرهم لأن ذلك في يوم العيد وهو من أيام منى ويلتحق به بقية الأيام لجامع ما بينهما من كونهن أياما معدودات وقد ورد الأمر بالذكر فيهن قوله كنا نؤمر كذا فهذه وسيأتي قريبا بلفظ أمرنا نبينا قوله حتى تخرج بضم النون وحتى للغاية والتي بعدها للمبالغة قوله من خدرها بكسر المعجمة
[ 386 ]
أي سترها وفي رواية الكشميهني من خدرتها بالتأنيث وقوله في آخره وطهرته بضم الطاء المهملة وسكون الهاء لغة في الطهارة والمراد بها التطهر من الذنوب قوله فيكبرن بتكبيرهم ذكر التكبير في حديث أم عطية من هذا الوجه من غرائب الصحيح وقد أخرجه مسلم أيضا قوله باب الصلاة إلى الحربة زاد الكشميهني يوم العيد وقد تقدمت هذه الترجمة بهذا الحديث دون زيادة الكشميهني في أبواب السترة وعبد الوهاب المذكور هنا هو بن عبد المجيد الثقفي قوله باب حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام أورد فيه حديث بن عمر المذكور من وجه آخر وكأنه أفرد له ترجمة ليشعر بمغايرة الحكم لأن الأولى تبين أن سترة المصلي لا يشترط فيها أن توارى جسده والثانية تثبت مشروعية المشي بين يدي الإمام بآلة من السلاح ولا يعارض ذلك ما تقدم من النهى عن حمل السلاح يوم العيد لأن ذلك إنما هو عند خشية التأذى كما تقدم قريبا والوليد المذكور هنا هو بن مسلم وقد صرح بتحديث الأوزاعي له وبتحديث نافع للأوزاعي فأمن تدليس الوليد وتسويته وليس للأوزاعي عن نافع اعن بن عمر موصولا في الصحيح غير هذا الحديث أشار إلى ذلك القدرة وقد تقدم الكلام على المتن في باب سترة الإمام مستوفى بحمد الله تعالى قوله باب خروج النساء والحيض إلى المصلى أي يوم العيد قوله حدثنا حماد كذا لكريمة ونسبه الباقون بن زيد قوله أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم كذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي وللباقين أمرنا بضم الهمزة وحذف لفظ نبينا ووقع لمسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد قالت أمرنا تعني النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية سليمان بن حرب عن حماد عند الاسماعيلي قالت أمرنا بأبا بكسر الموحدة بعدها همزة مفتوحة ثم موحدة ممالة وعلى هذا فكأنه كان في رواية الحجي كذلك لكن بإبدال الهمزة ياء تحتانية فتصير صورتها وتأوى فكأنها تصحفت فصارت نبينا وأضاف إليها بعض الكتاب الصلاة بعد التصحيف وأما رواية مسلم فكأنها كانت أمرنا على البناء كما وقع عند الكشميهني وغيره فأفصح بعض الرواة بتسمية الأمر والله أعلم وإنما قلت ذلك لأن سليمان بن حرب أثبت الناس في حماد بن زيد وقد تقدم معنى قول أم عطية معبد في كتاب الحيض قوله وعن أيوب هو معطوف على الإسناد المذكور والحاصل أن أيوب حدث به حمادا عن محمد عن أم عطية وعن حفصة عن أم عطية أيضا وقد وقع ذلك صريحا في رواية سليمان بن حر ب المذكورة ورواه أبو داود عن محمد بن عبد الله وأبو يعلى عن أبي الربيع كلاهما عن حماد عن أيوب عن محمد عن أم عطية وعن أيوب عن حفصة عن امرأة تحدث عن امرأة أخرى وزاد أبو الربيع في رواية حفصة ذكر الجلباب وتبين بذلك أن سياق محمد بن سيرين مغاير لسياق حفصة إسنادا أو متنا ولم يصب من حمل إحدى الكلب على الأخرى وسيأتي الكلام على الجلباب وعلى بقية فوائد هذا الحديث بعد أربعة أبواب إن شاء الله تعالى قوله باب خروج الصبيان إلى المصلى أي في الأعياد وإن لم يصلوا قال الزين بن المنير آثر المصنف في الترجمة قوله إلى المصلى على قوله صلاة العيد ليعم من يتأتى منه الصلاة ومن لا يتأتى قوله عن عبد الرحمن بن عابس بموحدة مكسورة ثم الركعة وصرح يحيى القطان عن الثوري بأن عبد الرحمن المذكور حدثه كما سيأتي بعد باب قوله خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى ليس في هذا السياق
[ 387 ]
بيان كونه كان صبيا حينئذ ليطابق الترجمة لكن جرى المصنف على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده فسيأتي بعد باب بلفظ ولولا مكاني من الصغر ما شهدته ويأتي بقية الكلام عليه في الباب المذكور إن شاء الله تعالى وقوله يوم فطر أو أضحى شك من الراوي عن بن عباس وسيأتي بعد بابين من وجه آخر عن بن عباس الجزم بأنه يوم الفطر قوله باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد قال الزين بن المنير ما حاصله إن إعادة هذه الترجمة بعد أن تقدم نظيرها في الجمعة لرفع احتمال من يتوهم أن العيد يخالف الجمعة في ذلك وأن استقبال الإمام في الجمعة يكون ضروريا لكونه يخطب على منبر بخلاف العيد فإنه يخطب فيه على رجليه كما تقدم في باب خطبة العيد فأراد أن يبين أن الاستقبال سنة على كل حال قوله قال أبو سعيد قام النبي صلى الله عليه وسلم مقابل الناس هو طرف من حديث وصله المصنف في باب الخروج إلى المصلى وقد تقدم قبل عشرة أبواب بلفظ ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس وفي رواية مسلم قال فأقبل على الناس الحديث قوله في حديث البراء فإنه شئ عجله لأهله في رواية المستملى فإنما هو شئ وقوله فيه ولا تفى عن أحد بعدك كذا للمستملي والحموي بفاء وللكشميهني والباقين ولا تغنى بالغين المعجمة والنون وضم أوله والمعنى متقارب وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى وموضع الترجمة منه قوله ثم أقبل علينا بوجهه قوله باب العلم الذي بالمصلى تقدم في باب الخروج إلى المصلى بغير منبر التعريف بمكان المصلى وأن تعريفه بكونه عند دار كثير بن الصلت على سبيل التقريب للسامع وإلا فدار كثير بن الصلت محدثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وظهر من هذا الحديث أنهم جعلوا لمصلاه شيئا يعرف به وهو المراد بالعلم وهو بفتحتين الشئ الشاخص قوله ولولا مكاني من الصغر ما شهدته أي حضرته وهذا مفسر للمراد من قوله في باب وضوء الصبيان ولولا مكاني منه ما شهدته فدل هذا على أن الضمير في قوله منه يعود على غير مذكور وهو الصغر ومشى بعضهم على ظاهر ذلك السياق فقال إن الضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى ولولا منزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم ما شهدت معه العيد وهو متجه لكن هذا السياق يخالفه وفيه نظر لأن الغالب أن الصغر في مثل هذا يكون مانعا لا مقتضيا فلعل فيه تقديما وتأخيرا ويكون قوله من الصغر متعلقا بما بعده فيكون المعنى لولا منزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم ما حضرت لأجل صغرى ويمكن حمله على ظاهره وأراد بشهود ما وقع من وعظه للنساء لأن الصغر يقتضى أن يغتفر له الحضور معهن بخلاف الكبر قال بن بطال خروج الصبيان للمصلى إنما هو إذا كان الصبي ممن يضبط نفسه عن اللعب ويعقل الصلاة ويتحفظ مما يفسدها ألا ترى إلى ضبط بن عباس القصة أه وفيه نظر لأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك وإظهار شعار الإسلام بكثرة من يحضر منهم ولذلك شرع للحيض كما سيأتي فهو شامل لمن أنكر منهم الصلاة أو لا وعلى هذا إنما يحتاج أن يكون مع الصبيان من يضبطهم عما ذكر من اللعب ونحوه سواء صلوا أم لا وأما ضبط بن عباس القصة فلعله كان لفرط ذكائه والله أعلم قوله حتى أتى العلم كذا وقع في هذه الرواية ذكر الغاية بغير ابتداء والمعنى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شهدت الخروج معه حتى أتى وكأنه حذف لدلالة السياق عليه قوله ثم أتى النساء
[ 388 ]
يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم قوله ومعه بلال فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلامن تدعو الحاجة إليه من شاهد ونحوه لأن بلالا كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم ومتولي قبض الصدقة وأما بن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره قوله يهوين بضم أوله أي يلقين وقوله يقذفنه أي يلقين الذي يهوين به وقد فسره في الباب الذي يليه من طريق أخرى من حديث بن عباس أيضا وسياقه أتم تنبيه وقع في رواية أبي على الكشاني عقب هذا الحديث قال محمد بن كثير العلم انتهى وقد وصل المؤلف طريق بن كثير هذا في كتاب الاعتصام فقال حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان فذكره ولما أخرج البيهقي طريق بن كثير هذا من العيدين قال أخرجه البخاري فقال وقال بن كثير فكأنه أشار إلى هذه الرواية ولم يستحضر الطريق التي في الاعتصام قوله باب موعظة الإمام النساء يوم العيد أي إذا لم يسمعن الخطبة مع الرجال قوله حدثني إسحاق بن إبراهيم بن نصر نسب في رواية الأصيلي إلى جده فقال إسحاق بن نصر قوله ثم خطب فلما فرغ نزل فيه إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على مكان مرتفع لما يقتضيه قوله نزل وقد تقدم في باب الخروج إلى المصلى أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب في المصلى على الأرض فلعل الراوي ضمن النزول معنى الانتقال وزعم عياض أن وعظه للنساء كان في أثناء الخطبة وأن ذلك كان في أول الإسلام وأنه خاص به صلى الله عليه وسلم وتعقبه النووي بهذه الرواية المصرحة بأن ذلك كان بعد الخطبة وهو قوله فلما فرغ نزل فأتى النساء والخصائص لا تثبت بالاحتمال قوله قلت لعطاء القائل هو بن جريج وهو موصول بالإسناد المذكور وقد تقدم الحديث من وجه آخر عن بن جريج في باب المشي بدون هذه الزيادة ودل هذا السؤال على أن بن جريج فهم من قوله الصدقة أنها صدقة الفطر بقرينة كونها يوم الفطر وأخذ من قوله وبلال باسط ثوبه لأنه يشعر بأن الذي يلقى فيه شئ يحتاج إلى ضم فهو لائق بصدقة الفطر المقدرة بالكيل لكن بين له عطاء أنها كانت صدقة تطوع وأنها كانت مما لا يجزئ في صدقة الفطر من خاتم ونحوه قوله تلقى أي المرأة والمراد جنس النساء ولذلك عطف عليه بصيغة الجمع فقال ويلقين أو المعنى تلقى الواحدة وكذلك الباقيات يلقين قوله فتخها بفتح الفاء والمثناة من فوق وبالخاء المعجمة كذا للأكثر وللمستملى والحموي فتختها بالتأنيث وسيأتي تفسيره قريبا وحذف مفعول يلقين اكتفاء وكرر الفعل المذكور في رواية مسلم إشارة إلى التنويع وسيأتي في حديث بن عباس بلفظ فيلقين الفتخ والخواتم قوله قلت القائل أيضا بن جريج والمسئول عطاء وقوله إنه لحق عليهم ظاهره أن عطاء كان يرى وجوب ذلك ولهذا قال عياض لم يقل بذلك غيره وأما النووي فحمله على الاستحباب وقال لا مانع من القول به إذا لم يترتب على ذلك مفسدة قوله قال بن جريج وأخبرني الحسن بن مسلم هو معطوف على الإسناد الأول وقد أفرد مسلم الحديث من طريق عبد الرزاق وساق الثاني قبل الأول فقدم حديث بن عباس على حديث جابر وقد تقدم من وجه آخر عن بن جريج مختصرا في باب الخطبة قوله خرج النبي صلى الله عليه وسلم كذا فيه بغير أداة عطف وسيأتي في باب تفسير الممتحنة من وجه آخر عن بن جريج بلفط فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم وكذا لمسلم من طريق عبد الرزاق هذه وقوله
[ 389 ]
ثم يخطب بضم أوله على البناء للمجهول قوله حين يجلس بتشديد اللام المكسورة وحذف مفعوله وهوثابت في رواية مسلم بلفظ يجلس الرجال بيده وكأنهم لما انتقل عن مكان خطبته أرادوا الانصراف فأمرهم بالجلوس حتى يفرغ من حاجته ثم ينصرفوا جميعا أو لعلهم أرادوا أن يتبعوه فمنعهم فيقوى البحث الماضي في آخر الباب الذي قبله قوله فقالت امرأة واحدة منهن لم يجبه غيرها نعم زاد مسلم يا نبي الله وفيه دلالة على الاكتفاء في الجواب بنعم وتنزيلها منزلة الإقرار وأن جواب الواحد عن الجماعة كاف إذا لم ينكروا ولم يمنع مانع من انكارهم قوله لا يدري حسن من هي حسن هو الراوي له عن طاوس ووقع في مسلم وحده لا يدري حينئذ وجزم جمع من الحفاظ بأنه تصحيف ووجهه النووي بأمر محتمل لكن اتحاد المخرج دال على ترجيح رواية الجماعة ولا سيما وجود هذا الموضع في مصنف عبد الرزاق الذي أخرجناه من طريقه كما في البخاري موافقا لرواية الجماعة والفرق بين الكلب أن في رواية الجماعة تعيين الذي لم يدر من المرأة بخلاف رواية مسلم ولم أقف على تسمية هذه المرأة إلا أنه يختلج في خاطري أنها أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة النساء فإنها روت أصل هذه القصة في حديث أخرجه البيهقي والطبراني وغيرهما من طريق شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى النساء وأنا معهن فقال يا معشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم فناديت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت عليه فهلكنا لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير الحديث فلا يبعد أن تكون هي التي أجابته أولا بنعم فإن القصة واحدة فلعل بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر كما في نظائره والله أعلم وقد روى الطبراني من وجه آخر عن أم سلمة الأنصارية وهي أسماء المذكورة أنها كانت في النسوة اللاتي أخذ عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ الحديث ولابن سعد من حديثها أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق الآية قوله قال فتصدقن هو فعل أمر لهن بالصدقة والفاء سببية أو داخلة على جواب شرط محذوف تقديره إن كنتن على ذلك فتصدقن ومناسبته للاية من فقوله ولا يعصينك في معروف فإن ذلك من جملة المعروف الذي أمرن به قوله ثم قال هلم القائل هو بلال وهو على اللغة الفصحى في التعبير بها للمفرد والجمع قوله لكن بضم الكاف وتشديد النون وقوله فدا بكسر الفاء والقصر قوله قال عبد الرازق الفتخ الخواتيم العظام كانت في الجاهلية لم يذكر عبد الرزاق في أي شئ كانت تلبس وقد ذكر ثعلب أنهن كن يلبسنها في أصابع الأرجل أه ولهذا عطف عليها الخواتيم لأنها عند الإطلاق تنصرف إلى ما يلبس في الأيدي وقد وقع في بعض طرقه عند مسلم هنذكر الخلاخيل وحكى عن الأصمعي أن الفتخ الخواتيم التي لا فصوص لها فعلى هذا هو من عطف الأعم على الاخص وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن ويستحب حثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد ومحل ذلك كله إذا أمن الفتنة والمفسدة وفيه خروج النساء إلى المصلى كما سيأتي في الباب الذي بعده وفيه جواز التفدية بالأب والأم وملاطفة العامل على الصدقة بمن يدفعها إليه واستدل به على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث خلافا لبعض المالكية
[ 390 ]
ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله قال القرطبي ولا يقال في هذا إن أزواجهن كانوا حضورا لأن ذلك لم ينقل ولو نقل فليس فيه تسليم أزواجهن لهن ذلك لأن من ثبت له الحق فالأصل بقاؤه حتى يصرح بإسقاطه ولم ينقل أن القوم صرحوا بذلك أه وأما كونه من الثلث فما دونه ثبت أنهن لا يجوز لهن التصرف فيما زاد على الثلث لم يكن في هذه القصة ما يدل على جواز الزيادة وفيه أن الصدقة من دانه العذاب لأنه أمرهن بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك كما تقدم في كتاب الحيض من حديث أبي سعيد ووقع نحوه عند مسلم من وجه آخر في حديث جابر وعند البيهقي من حديث أسماء بنت يزيد كما تقدمت الإشارة إليه وفيه بذل النصيحة والإغلاظ بها لمن احتيج في حقه إلى ذلك والعناية بذكر ما يحتاج إليه لتلاوة آية الممتحنة لكونها خاصة بالنساء وفيه جواز طلب الصدقة من الأغنياء للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج وأخذ منه الصوفية جواز ما اصطلحوا عليه من الطلب ولا يخفى ما يشترط فيه من أن المطلوب له أيكون غير قادر على التكسب مطلقا أو لما لا بد له منه وفي مبادرة تلك النسوة إلى الصدقة بما يعز عليهن من حليهن مع ضيق الحال في ذلك الوقت دلالة على رفيع مقامهن في الدين وحرصهن على امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن وقد تقدمت بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الحيض قوله باب إذا لم يكن لها جلباب بكسر الجيم وسكون اللام وموحدتين تقدم تفسيره في كتاب الحيض في باب شهود الحائض العيدين قال الزين بن المنير لم يذكر جواب الشرط في الترجمة حوالة على ما ورد في الخبر أه والذي يظهر لي أنه حذفه لما فيه من الاحتمال فقد تقدم في الباب المذكور أنه يحتمل أن يكون للجنس أي تعيرها من جنس ثيابها ويؤيده رواية بن خزيمة من تنهره وللترمذي والوابل أختها من تنهره والمراد بالاخت الصاحبة ويحتمل أن يكون المراد تشركها معها في ثوبها ويؤيده رواية أبي داود تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها يعني إذا كان واسعا ويحتمل أن يكون المراد بقوله ثوبها جنس الثياب فيرجع للأول ويؤخذ منه جواز اشتمال المرأتين في ثوب واحد عند التستر وقيل أنه ذكر على سبيل المبالغة أي يخرجن على كل حال ولو اثنتين في جلباب قوله قالت نعم بأبا بموحدتين بينهما همزة مفتوحة والثانية خفيفة وفي رواية كريمة وأبي الوقت معبد بكسر الثانية على الأصل أي أفديه معبد وقد تقدم في الباب المذكور بلفظ بيبى بإبدال الهمزة ياء تحتانية ووقع عند أحمد من طريق حفصة عن أم عطية قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معبد وأمي قوله لتخرج العواتق ذوات الخدور كذا للأكثر على أنه صفته وللكشميهني أو قال العواتق وذوات الخدور شك أيوب يعني هل هو بواو العطف أولا وقد تقدم نحوه في الباب المذكور قوله فقلت لها القائلة المرأة والمقول لها أم عطية ويحتمل أن تكون القائلة حفصة والمقول لها المرأة وهي أخت أم عطية والأول أرجح والله أعلم قوله باب اعتزال الحيض المصلى مضمون هذه الترجمة بعض ما تضمنه الحديث الذي في الباب الماضي وكأنه أعاد هذا الحكم للاهتمام به وقد تقدم مضموما إلى الباب المذكور في كتاب الحيض قوله عن بن عون هو عبد الله ومحمد هو بن سيرين وقد
[ 391 ]
شك بن عون في العواتق كما شك أيوب في الذي قبله ووقفي رواية منصور بن زاذان عن بن سيرين عند الترمذي تخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور وفي هذا الحديث من الفوائد جواز مداواة المرأة للرجال الأجانب إذا كانت بإحضار الدواء مثلا والمعالجة بغير مباشرة إلا إن احتيج إليها عند أمن الفتنة وفيه أن من شأن العواتق والمخدرات عدم البروز إلا فيما أذن لهن فيه وفيه استحباب إعداد الجلباب للمرأة ومشروعية عارية الثياب واستدل به على وجوب صلاة العيد وفيه نظر لأن من جملة من أمر بذلك من ليس بمكلف فظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع ولتعم الجميع البركة والله أعلم وفيه استحباب خروج النساء إلى شهود العيدين سواء كن شواب أم لا وذوات هيآت أم لا وقد اختلف فيه السلف ونقل عياض وجوبه عن أبي بكر وعلى وابن عمر والذي وقع لنا عن أبي بكر وعلى ما أخرجه بن أبي شيبة وغيره عنهما سوة على كل ذات نطاق الخرو إلى العيدين وقد ورد هذا مرفوعا بإسناد لا بأس به أخرجه أحمد وأبو يعلى وابن المنذر من طريق امرأة من عبد القيس عن أخت عبد الله بن رواحة به والمرأة لم تسم والأخت اسمها عمرة صحابية وقوله حق يحتمل الوجوب ويحتمل تأكد الاستحباب روى بن أبي شيبة أيضا عن بن عمر أنه كان يخرج إلى العيدين من استطاع من أهله وهذا ليس صريحا في الوجوب أيضا بل قد روى عن بن عمر المنع فيحتمل أن يحمل على حالين ومنهم من حمله على الندب وجزم بذلك الجرجاني من الشافعية وابن حامد من الحنابلة ولكن نص الشافعي في الأم يقتضى استثناء ذوات الهيآت قال وأحب شهود العجائز وغير ذوات الهيئة الصلاة وإنا لشهودهن الأعياد أشد استحبابا وقد سقطت واو العطف من رواية المزني في المختصر فصارت غير ذوات الهيئة صفة مشى على ذلك صاحب النهاية ومن تبعه وفيه ما فيه بل قد روى البيهقي في المعرفة عن الربيع قال قال الشافعي قد روى حديث فيه أن النساء يتركن إلى العيدين فإن كان ثابتا قلت به قال البيهقي قد ثبت وأخرجه الشيخان يعني حديث أم عطية هذا فيلزم الشافعية القول به ونقله بن الرفعة عن البندنيجي وقال إنه ظاهر كلام التنبيه وقد ادعى بعضهم النسخ فيه قال الطحاوي وأمره عليه السلام بخروج الحيض وذوات الخدور إلى العيد يحتمل أن يكون في أول الإسلام والمسلمون قليل فأريد التكثير بحضورهن إرهابا للعدو وأما اليوم فلا يحتاج إلى ذلك وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال قال الكرماني تاريخ الوقت لا يعرف قلت بل هو معروف بدلالة حديث بن عباس أنه شهده وهو صغير وكان ذلك بعد فتح مكة فلم يتم مراد الطحاوي وقد صرح في حديث أم عطية بعلة الحكم وهو شهودهن الخير ودعوة المسلمين ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته وقد أفتت به أم عطية بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة كما في هذا الحديث ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها في ذلك وأما قول عائشة لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما حالا النساء لمنعهن المساجد فلا يعارض ذلك لندوره إن سلمنا أن فيه دلالة على أنها أفتت بخلافه مع أن الدلالة منه بأن عائشة أفتت بالمنع ليست صريحة وفي قوله ارهابا للعدو نظر لأن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحرب دال على الضعف والأولى أن يخص ذلك بمن يؤمن عليها وبها الفتنة ولا يترتب على حضورها محذور
[ 392 ]
ولا تزاحم الرجال في الطرق ولا في المجامعة وقد تقدمت بقية فوائد هذا الحديث في الباب المشار إليه من كتاب الحيض قوله باب النحر والذبح بالمصلى يوم النحر أورد فيه حديث بن عمر في ذلك قال الزين بن المنير عطف الذبح على النحر في الترجمة وان كان حديث الباب ورد بأو المقتضية للتردد إشارة إلى أنه لا يمتنع أن يجمع يوم النحر بين نسكين أحدهما مما ينحر والأخر مما يذبح وليفهم اشتراكهما في الحكم انتهى ويحتمل أن يكون أشار إلى أنه ورد في بعض طرقه بواو الجمع كما سيأتي في كتاب الأضاحي ويأتي الكلام هناك على فوائده ان شاء الله تعالى قوله باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد وإذا سئل الإمام عن شئ وهو يخطب في هذه الترجمة حكمان وظن بعضهم أن فيها تكرارا وليس كذلك بل الأول أعم من الثاني ولم يذكر المصنف الجواب استغناء بما في الحديث ووجهه من حديث البراء أن المراجعة الصادرة بين أبي بردة وبين النبي صلى الله عليه وسلم دالة على الحكم الأول وسؤال أبي بردة عن حكم العناق دال على الحكم الثاني قوله عن الأسود هو بن قيس لا بن يزيد لأن شعبة لم يلحق بن يزيد وجندب هو بن عبد الله الأسماء قوله وقال من ذبح هو من جملة الخطبة وليس معطوفا على قوله ثم ذبح لئلا يلزم تخلل الذبح بين الخطبة وهذا القول وليس الواقع ذلك على ما بينه حديث البراء الذي قبله وسيأتي الكلام عليهما في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى قوله باب من خالف الطريق أي التي توجه منها إلى المصلى قوله حدثنا محمد كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية أبي على بن السكن حدثنا محمد بن سلام وكذا للحفصى وجزم به الكلاباذى وغيره وفي نسخة من أطراف خلف أنوجد في حاشية أنه محمد بن مقاتل انتهى وكذا هو في رواية أبي على بن شبويه والأو هو المعتمد وقد رواه عن أبي تميلة أيضا ممن اسمه محمد محمد بن حميد الرازي لكنه خالف في اسم صحابية كما سيأتي وليس هو ممن خرج عنهم البخاري في صحيحه وأبو تميلة بالمثناة مصغرا مروزي قيل إن البخاري ذكره في الضعفاء لكن لم يوجد ذلك في التصنيف المذكور قاله الذهبي ثم إنه لم ينفرد به كما سيأتي نعم تفرد به شيخه فليح وهو مضعف عند بن معين والنسائي وأبي داود ووثقه آخرون فحديثه من معي الحسن لكن له شواهد من حديث بن عمر وسعد القرظ وأبي رافع وعثمان بن عبيد الله التيمي وغيرهم يعضد بعضها بعضا فعلى هذا هو من القسم الثاني من قسمي الصحيح قوله عن سعيد بن الحارث هو بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري قوله إذا كان يوم عيد خالف الطريق كان تامة أي إذا وقع وفي رواية الاسماعيلي كان إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه قال الترمذي
[ 393 ]
أخذ بهذا بعض أهل العلم فأستحبه للأمام وبه يقول الشافعي انتهى والذي في الأم أنه يستحب للإمام والمأموم وبه قال أكثر الشافعية وقال الرافعي لم يتعرض في الوجيز إلا للأمام أه وبالتعميم قال أكثر أهل العلم ومنهم من قال إن علم المعنى وبقيت العلة بقي الحكم وإلا انتفى بانتفائها وإن لم يعلم المعنى بقي الاقتداء وقال الأكثر يبقى الحكم ولو انتفت العلة للاقتداء كما في الرملي وغيره وقد اختلف في معنى ذلك على أقوال كثيرة اجتمع لي منها أكثر من عشرين وقد لخصتها وبينت الواهي منها قال القاضي عبد الوهاب المالكي ذكر في ذلك فوائد بعضها قريب وأكثرها دعاوى فارغ انتهى فمن ذلك أنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان وقيل سكانهما من الجن والأنس وقيل ليسوى بينهما في مزية الفضل بمروره أو في التبرك به أو ليشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها لأنه كان معروفا بذلك وقيل لأن طريقه للمصلى كانت على اليمين فلو رجع منها لرجع على جهة الشمال فرجع من غيرها وهذا يحتاج إلى دليل وقيل لإظهار شعار الإسلام فيهما وقيل لإظهار ذكر الله وقيل ليغيظ المنافقين أو اليهود وقيل ليرهبهم بكثرة من معه ورجحه بن بطال وقيل حذرا من كيد الطائفتين أو إحداهما وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يكرره قال بن التين وتعقب بأنه لا يلزم من مواظبته على مخالفة الطريق المواظبة على طريق منها معين لكن في رواية الشافعي من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم ويرجع من الطريق الأخرى وهذا لو ثبت لقوى بحث بن التين وقيل فعل ذلك ليعمهم في السرور به أو التبرك بمروره وبرؤيته والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء أو التعلم والاقتداء والاسترشاد أو الصدقة أو السلام عليهم وغير ذلك وقيل ليزور أقاربه الأحياء والأموات وقيل ليصل رحمه وقيل ليتفاءل بتغير الحال إلى المغفرة والرضا وقيل كان في ذهابه يتصدق فإذا رجع لم يبق معه شئ فيرجع في طريق أخرى لئلا يرد من يسأله وهذا ضعيف جدا مع احتياجه إلى دليل وقيل فعل ذلك لتخفيف الزحام وهذا رجحه الشيخ أبو حامد وأيده المحب الطبري بما رواه البيهقي في حديث بن عمر فقال فيه ليسع الناس وتعقب بأنه ضعيف وبأن قوله ليسع الناس يحتمل أن يفسر ببركته وفضله وهذا الذي رجحه بن التين وقيل كان طريقه التي يتوجه منها أبعد من التي فيها فأراد تكثير الأجر بتكثير الخطا في الذهاب وأما في الرجوع فليسرع إلى منزله وهذا اختيار الرافعي وتعقب بأنه يحتاج إلى دليل وبأن أجر الخطا يكتب في الرجوع أيضا كما ثبت في حديث أبي بن كعب عند الترمذي وغيره فلو عكس ما قال لكان له اتجاه ويكون سلوك الطريق القريب للمبادرة إلى فعل الطاعة وإدراك فضيلة أول الوقت وقيل لأن الملائكة تقف في الطرقات فأراد أن يشهد له فريقان منهم وقال بن أبي جمرة هو في معنى قول يعقوب لبنيه لا تدخلوا من باب واحد فأشار إلى أنه فعل ذلك حذر إصابة العين وأشار صاحب الهدى إلى أنه فعل ذلك لجميع ما ذكر من الأشياء المحتملة القريبة والله أعلم قوله تابعه يونس بن محمد عن فليح وحديث جابر أصح كذا عند جمهور رواة البخاري من طريق الفربري وهو مشكل لأن قوله أصح يباين قوله تابعه إذ لو تابعه لساواه فكيف تتجه الأصحية الدالة على عدم المساواة وذكر أبو على الجياني أنه سقط قوله وحديث جابر أصح من رواية إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري فلا إشكال فيها قال ووقع في رواية بن السكن تابعه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة وفي هذا توجيه قوله أصح ويبقى الاشكال في قوله تابعه فإنه
[ 394 ]
لم يتابعه بل خالفه وقد أزال هذا الاشكال أبو نعيم في المستخرج فقال أخرجه البخاري عن محمد عن أبي تميلة وقال تابعه يونس بن محمد عن فليح وقال محمد بن الصلت عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة وحديث جابر أصح وبهذا جزم أبو مسعود في الأطراف وكذا أشار إليه البرقاني وقال البيهقي إنه وقع كذلك في بعض النسخ وكأنها رواية حماد بن شاكر عن الب ثم راجعت رواية النسفي فلم يذكر قوله وحديث جابر أصح فسلم من الإشكال وهو مقتضى قول الترمذي رواه أبو تميلة ويونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن جابر فعلى هذا يكون سقط من رواية الفربري قوله وقال محمد بن الصلت عن فليح فقط وبقي ما عدا ذلك هذا على رواية أبي على بن السكن وقد وقع كذلك في نسختي من رواية أبي ذر عن مشايخه وأما على رواية الباقين فيكون سقط إسناد محمد بن الصلت كله وقال أبو على الصدفي في حاشية نسخته التي بخطه من البخاري لا يظهر معناه من ظاهر الكتاب وإنما هي إشارة إلى أن أبا تميلة ويونس المتابع له خولفا في سند الحديث وروايتهما أصح ومخالفهما وهو محمد بن الصلت رواه عن فليح شيخهما فخالفهما في صحابيه فقال عن أبي هريرة قلت فيكون معنى قوله وحديث جابر أصح أي من حديث من قال فيه عن أبي هريرة وقد اعترض أبو مسعود في الأطراف على قوله تابعه يونس اعتراضا آخر فقال إنما رواه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة لا جابر وأجيب بمنع الحصر فإنه ثابت عن يونس بن محمد كما قال البخاري أخرجه الاسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي بكربن أبي شيبة عن يونس وكذا هو في مسنده ومصنفه نعم رواه بن خزيمة والحاكم والبيهقي من طريق أخرى عن يونس بن محمد كما قال أبو مسعود وكأنه اختلف عليه فيه وكذا اختلف فيه على أبي تميلة فأخرجه البيهقي من وجه آخر عنه فقال عنه أبي هريرة وأما رواية محمد بن الصلت المشار إليها فوصلها الدارمي وسمويه كلاهما عنه والترمذي وابن السكن والعقيلي كلهم من طريقه بلفظ كان إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره وذكر أبو مسعود أن الهيثم بن جميل رواه عن فليح كما قال بن الصلت عن أبي هريرة والذي يغلب على الظن أن الاختلاف فيه من فليح فلعل شيخه سمعه من جابر ومن أبي هريرة ويقوى ذلك اختلاف اللفظين وقد رجح البخاري أنه عن جابر وخالفه أبو مسعود والبيهقي فرجحا أنه عن أبي هريرة ولم يظهر لي في ذلك ترجيح والله أعلم قوله باب إذا فاته العيد أي مع الإمام يصلي ركعتين في هذه الترجمة حكمان مشروعية استدراك صلاة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار وكونها تقضى ركعتين كأصلها وخالف في الأول جماعة منهم المزني فقال لا تقضى وفى الثاني الثوري وأحمد قالا إن صلاها وحده صلى أربعا ولهما في ذلك سلف قال بن مسعود من فاته العيد مع الإمام فليصل أربعا أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح وقال إسحاق إن صلاها في الجماعة فركعتين وإلا فأربعا قال الزين بن المنير كأنهم قاسوها على الجمعة لكن الفرق ظاهر لأن من فاتته الجمعة يعود لفرضه من الظهر بخلاف العيد انتهى وقال أبو حنيفة يتخير بين القضاء والترك وبين الثنتين والأربع وأورد البخاري في هذا الباب حديث عائشة في قصة الجاريتين المغنيتين وأشكلت مطابقته للترجمة على جماعة وأجاب بن المنير بأن ذلك يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم إنها أيام عيد فأضاف نسبة العيد إلى اليوم فيستوي في إقامتها الفذ والجماعة والنساء والرجال قال بن رشيد وتتمته أن
[ 395 ]
يقال إنها أيام عيد أي لأهل الإسلام بدليل قوله في الحديث الأخر عيدنا أهل الإسلام ولهذا ذكره البخاري في صدر الباب وأهل الإسلام شامل لجميعهم أفرادا وجمعا وهذا يستفاد منه الحكم الثاني لا مشروعية القضاء قال والذي يظهر لي أنه أخذ مشروعية القضاء من قوله فإنها أيام عيد أي أيام منى فلما سماها أيام عيد كانت محلا لأداء هذه الصلاة لأنها شرعت ليوم العيد فيستفاد من ذلك أنها أنكر أداء وأن لوقت الأداء آخرا وهو آخر أيام منى قال ووجدت بخط أبي القاسم بن الورد لما سوغ صلى الله عليه وسلم للنساء راحة العيد المباحة كان آكد أن يندبهن إلى صلاته في بيوتهن قوله في الترجمة وكذلك النساء مع قوله في الحديث دعهما فإنها أيام عيد قوله ومن كان في البيوت والقرى يشير إلى مخالفة ما روى عن على لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع وقد تقدم في باب فضل العمل في أيام التشريق عن الزهري ليس على المسافر صلاة عيد ووجه مخالفته كون عموم الحديث المذكور يخالف ذلك قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا عيدنا أهل الإسلام هذا الحديث لم أره هكذا وإنما أوله في حديث عائشة في قصة المغنيتين وقد تقدم في ثالث الترجمة من كتاب العيدين بلفظ ان لكل قوم عيدا وهذا عيدنا وأما باقيه فلعله مأخوذ من حديث عقبة بن عامر مرفوعا أيام منى عيدنا أهل الإسلام وهو في السنن وصححه بن خزيمة وقوله أهل الإسلام بالنصب على أنه منادى مضاف حذف منه حرف النداء أو بإضمار حنث أو أخص وجوز فيه أبو البقاء في اعراب المسند الجر على أنه بدل من الضمير في قوله عيدنا قوله وأمر أنس بن مالك مولاه في رواية المستملى مولاهم قوله بن أبي غنية كذا لأبي ذر بالمعجمة والنون بعدها تحتانية مثقلة وللاكثر بضم المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة وهو الراجح قوله بالزاوية بالزاى موضع على فرسخين من البصرة كان به لأنس قصر وأرض وكان يقيم هناك كثيرا وكانت بالزاوية وقعة وبالتحتية بين الحجاج وابن الأشعث وهذا الأثر وصله بن أبي شيبة عن بن علية عن يونس هو بن عبيد حدثني بعض آل أنس أن أنسا كان ربما جمع أهله وحشمه يوم العيد فيصلى بهم عبد الله بن أبي عتبة مولاه ركعتين والمراد بالبعض المذكور عبد الله بن أبي بكبن أنس روى البيهقي من طريقه قال كان أنس إذا فاته العيد مع الإمام جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد قوله وقال عكرمة وصله بن أبي شيبة من طريق قتادة عنه قال في القوم يكونون في السواد وفي السفر في يوم عيد فطر أو أضحى قال يجتمعون ويؤمهم أحدهم قوله وقال عطاء في رواية الكشميهني وكان عطاء والأول أصح فقد رواه الفريابي في مصنفه عن الثوري عن بن جريج عن عطاء قال من فاته العيد فليصل ركعتين وأخرجه بن أبي شيبة من وجه آخر عن بن جريج وزاد ويكبوهذه الزيادة تشير إلى أنها تقضى كهيئتها لا أن الركعتين مطلق نفل وأما حديث عائشة فتقدم الكلام عليه مستوفى في أوائل كتاب العيدين وقوله فيه وقالت عائشة معطوف على الإسناد المذكور كما تقدم بيانه وقوله فزجرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم كذا في الأصول بحذف فاعل زجرهم ووقع في رواية كريمة فزجرهم عمر كذا هنا وسيأتي بهذا الإسناد في أوائل المناقب بحذفه أيضا للجميع وضبب النسفي بين زجرهم وبين فقال إشارة إلى الحذف وقد ثبت بلفظ عمر في طرق أخرى كما تقدم في أوائل العيدين وقوله فيه أمنا بسكون الميم يعني من الأمن يشير إلى أن المعنى اتركهم من
[ 396 ]
جهة أنا آمناهم أمنا أو أراد أنه مشتق من الأمن لا من الأمان الذي للكفار والله أعلم قوله باب الصلاة قبل العيد وبعدها أورد فيه أثر بن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد وحديثه المرفوع في ترك الصلاة قبلها وبعدها ولم يجزم بحكم ذلك لأن الأثر يحتمل أن يراد به منع التنفل أو نفى الراتبة وعلى المنع فهل هو لكونه وقت كراهة أو لا أعم من ذلك ويؤيد الأول الاقتصار على القبل وأما الحديث فليس فيه ما يدل على المواظبة فيحتمل اختصاصه بالإمام دون المأموم أو بالمصلى دون البيت وقد اختلف السلف في جميع ذلك فذكر بن المنذر عن أحمد أنه قال الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها والبصريون يصلون قبلها لا بعدها والمدنيون لا قبلها ولا بعدها وبالأول قال الأوزاعي والثوري والحنفية وبالثانى قال الحسن البصري وجماعة وبالثالث قال الزهري وابن جريج وأحمد وأما مالك فمنعه في المصلى وعنه في المسجد روايتان وقال الشافعي في الأم ونقله البيهقي عنه في المعرفة بعد أن روى حديث بن عباس حديث الباب ما نصه وهكذا يجب للإمام أن لا يتنفل قبلها ولا بعدها وأما المأموم فمخالف له في ذلك ثم بسط الكلام في ذلك وقال الرافعي يكر للأمام التنفل قبل العيد وبعدها وقيده في البويطي بالمصلى وجرى على ذلك الصيمري فقال لا بأس بالنافلة قبلها وبعدها مطلقا إلا للإمام في موضع الصلاة وأما النووي في شرح مسلم فقال قال الشافعي وجماعة من السلف لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها فإن حمل كلامه على المأموم وإلا فهو مخالف لنص الشافعي المذكور ويؤيد ما في البويطي حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين أخرجه بن ماجة بإسناد حسن وقد صححه الحاكم وبهذا قال إسحاق ونقل بعض المالكية الإجماع على أن الإمام لا يتنفل في المصلى وقال بن العربي التنفل في المصلى لو فعل لنقل ومن أجازه رأى أنه وقت مطلق الولاء ومن تركه رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ومن اقتدى فقد اهتدى انتهى والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافا لمن قاسها على الجمعة وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام والله أعلم قوله وقال أبو المعلى بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة اسمه يحيى بن ميمون العطار الكوفي وليس له عند البخاري سوى هذا الموضع ولم أقف على أثره هذا موصولا وقد تقدم حديث بن عباس المرفوع بأتم من هذا السياق في باب الخطبة بعد العيد خاتمة اشتمل كتاب العيدين من الأحاديث المرفوعة على خمسة وأربعين حديثا المعلق منها أربعة والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ستة قرة والبقية خالصة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أنس في أكل التمر قبل صلاة عيد الفطر وحديث بن عمر في قصته مع الحجاج وحديث بن عباس في العمل في ذي الحجة وحديث بن عمر في الذبح بالمصلى وحديث جابر في مخالفة الطريق وأما حديث عقبة بن عامر المشار إليه في الباب الماضي فإن كان مرادا زادت العدة واحدا معلقا وليس هو في مسلم وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ثلاثة قرة أثرا معلقة إلا أثر أبي بكر وعمر وعثمان في الصلاة قبل الخطبة فإنها موصولة في حديث بن عباس والله الهادي إلى الصواب
[ 397 ]
أبواب الوتر كذا عند المستملي وعند الباقين باب ما جاء في الوتر وسقطت البسملة عند بن شبويه والأصيلي وكريمة والوتر بالكسر الفرد وبالفتح للثأر وفي لغة مترادفان ولم يتعرض البخاري لحكمه لكن إفراده بترجمة عن أبواب التهجد والتطوع يقتضى أنه غير ملحق بها عنده ولولا أنه أورد الحديث الذي فيه إيقاعه على الدابة إلا المكتوبة لكان في ذلك إشارة إلى أنه يقول بوجوبه أورد البخاري فيه ثلاثة أحاديث مرفوعة حديث بن عمر من وجهين وحديث بن عباس وحديث عائشة فأما حديث بن عمر فأخرجه من الموطأ ولم يختلف على مالك في إسناده إلا أن في رواية مكي بن إبراهيم عن مالك أن نافعا وعبد الله بن دينار أخبراه كذا في الموطآت للدارقطني وأورده الباقون بالعنعنة فائدة قال بن التين اختلف في الوتر في سبعة أشياء في وجوبه وعدده واشتراط النية فيه واختصاصه بقراءة واشتراط شفع قبله وفي آخر وقته وصلاته في السفر على الدابة قلت وفي قضائه والقنوت فيه وفي محل القنوت منه وفيما يقال فيه وفي فصله ووصله وهل تسن ركعتان بعده وفي صلاته من قعود لكن هذا الأخير ينبنى على كونه مندوبا أو لا وقد اختلفوا في أول وقته أيضا وفي كونه أفضل صلاة التطوع أو الرواتب أفضل منه أو خصوص ركعتي الفجر وقد ترجم البخاري لبعض ما ذكرناه ويأتي الكلام على ما لم يترجم له أثناء الكلام على أحاديث الباب وما بعدها قوله أن رجلا لم أقف على اسمه ووقع في المعجم الصغير للطبراني أن السائل هو بن عمر لكن يعكر عليه رواية عبد الله بن شقيق عن بن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بينه وبين السائل فذكر الحديث وفيه ثم سأله رجل على رأس الحول وأنا بذلك المكان منه قال فما أدرى أهو ذلك الرجل أو غيره وعند النسائس من هذا الوجه أن السائل المذكور من أهل البادية وعند محمد بن نصر في كتاب أحكام الوتر وهو كتاب نفيس في في مجلده من رواية عطية عن بن عمر أن أعرابيا سأفيحتمل أن يجمع بتعدد من سأل وقد سبق في باب الحلق في المسجد أن السؤال المذكو وقع في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر قوله عن صلاة الليل في رواية أيوب عن نافع في باب الحلق في المسجد أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال كيف صلاة الليل ونحوه في رواية سالم عن أبيه في أبواب التطوع وقد تبين من الجواب أن السؤال وقع عن عددها أو عن الفصل والوصل وفي رواية محمد بن نصر من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر قال قال رجل يا رسول الله كيف تأمرني أن نصلي من الليل وأما قول بن بزيزة جوابه بقوله مثنى يدل على أنه فهم من السائل طلب كيفية العدد لا مطلق الكيفية ففيه نظر وأولى ما فسر به الحديث من الحديث واستدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعا وهو عن الحنفية وإسحاق وتعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة على الراجح وعلى تقدير الأخذ به فليس بمنحصر في أربع وبأنه خرج جوابا للسؤال عن صلاة الليل فقيد الجواب بذلك مطابقة للسؤال وبأنه قد تبين من رواية أخرى أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به ففي السنن وصححه بن خزيمة وغيره من طريق على الأزدي عن بن عمر مرفوعا صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد تعقب هذا
[ 398 ]
الأخير بأن أكثر كثرة الحديث أعلو هذه الزيادة وهي قوله والنهار بأن الحفاظ من أصحاب بن عمر لم يذكروها عنه وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها وقال يحيى بن معين من على الأزدي حتى أقبل منه وادعى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع أن بن عمر كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن ولو كان حديث الأزدي صحيحا لما خالفه بن عمر يعني مع شدة اتباعه رواه عنه محمد بن نصر في سؤالاته لكن روى بن وهب بإسناد قوي عن بن عمر قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى موقوف أخرجه بن عبد البر من طريقه فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا وقد روى بن أبي شيبة من وجه آخر عن بن عمر أنه كان يصلي بالنهار أربعا أربعا وهذا موافق لما نقله بن معين قوله مثنى مثنى أي اثنين اثنين وهو غير منصرف لتكرار العدل فيه قاله صاحب الكشاف وقال آخرون للعدل والوصف وأما إعادة مثنى فللمبالغة في التأكيد وقد فسره بن عمر راوي الحديث فعند مسلم من طريق عقبة بن حريث قال قلت لابن عمر ما معنى مثنى مثنى قال تسلم من كل ركعتين وفيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى مثنى أن يتشهد بين كل ركعتين لأن راوي الحديث أعلم بالمراد به وما فسره به هو المتبادر إلى الفهم لأنه لا يقال في الرباعية مثلا إنها مثنى واستدل بهذا على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل قال بن دقيق العيد وهو ظاهر السياق لحصر المبتدأ في الخبر وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه ولم يتعين أيضا كونه لذلك بل يحتمل أن يكون للارشاد إلى الأخف إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها لما فيه من الراحة غالبا وقضاء ما يعرض من أمر مهم ولو كان الوصل لبيان الجواز فقط لم يواظب عليه صلى الله عليه وسلم ومن ادعى اختصاصه به فعليه البيان وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الفصل كما صح عنه الوصل فعند أبي داود ومحمد بن نصر من طريقي الأوزاعي وابن أبي ذئب كلاهما عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين وإسنادهما على شرط الشيخين واستدل به أيضا على عدم النقصان عن ركعتين في النافلة ما عدا الوتر قال بن دقيق العيد والاستدلال به أقوى من الاستدلال بامتناع قصر الصبح في السفر إلى ركعة يشير بذلك إلى الطحاوي فإنه استدل على منع التنفل بركعة بذلك واستدل بعض الشافعية للجواز بعموم قوله صلى الله عليه وسلم الصلاة خير موضوع فمن شاء استكثر ومن شاء استقل صححه بن حبان وقد اختلف السلف في الفصل والوصل في صلاة الليل أيهما أفضل وقال الأثرم عن أحمد الذي اختاره في صلاة الليل مثنى مثنى فإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس وقال محمد بن نصر نحوه في صلاة الليل قال وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرها إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على الوصل إلا إنا نختار أن يسلم من كل ركعتين لكونه أجاب به السائل ولكون أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقا وقد تضمن كلامه الرد على الداودي الشارح ومن تبعه في دعواهم أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى النافلة أكثر من ركعتين ركعتين قوله فإذا خشي أحدكم الصبح استدل به على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر وأصرح منه ما رواه أبو داود والنسائي وصححه أو عوانة وغيره من طريق
[ 399 ]
سليمان بن موسى عن نافع أنه حدثه أن بن عمر كان يقول من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترافإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك فإذا كان الفجر فقذهب كل صلاة الليل والوتر وفي صحيح بن خزيمة من طريق قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له وهذا أمرهم على التعمد أو على أنه لا يقع أداء لما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد أيضا مرفوعا من نسي الوتر أو نام عنه فليصله إذا ذكره وقيل معنى قوله إذا خشي أحدكم الصبح أي وهو في شفع فلينصرف على وتر وهذا ينبنى على أن الوتر لا يفتقر إلى نية وحكى بن المنذر عن جماعة من السلف أن الذي يخرج بالفجر وقته الاختياري ويبقى وقت الضرورة إلى قيام صلاة الصبح وحكاه القرطبي عن مالك والشافعي وأحمد وإنما قاله الشافعي في القديم وقال بن قدامة لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح واختلف السلف في مشروعية قضائه فنفاه الأكثر وفي مسلم وغيره عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نام من الليل من وجع أو غيره فلم يقم من الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة وقال محمد بن نصر لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من الأخبار أنه قضى الوتر ولا أمر بقضائه ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر فلم يصب وعن عطاء والأوزاعي يقضي ولو طلعت الشمس وهو وجه عند الشافعية حكاه النووي في شرح مسلم وعن سعيد بن جبير يقضي من القابلة وعن الشافعية يقضي مطلقا ويستدل لهم بحديث أبي سعيد المتقدم والله أعلم فائدة يؤخذ من سياق هذا الحديث أن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من النهار شرعا وقد روى بن دريد في أماليه بسند جيد أن الخليل بن أحمد سئل عن حد النهار فقال من الفجر المستطير إلى بداءة الشفق وحكى عن الشعبي أنه وقت منفرد لا من الليل ولا من النهار قوله صلى ركعة واحدة في رواية الشافعي وعبد الله بن وهب ومكي بن إبراهيم ثلاثتهم عن مالك فليصل ركعة أخرجه الدارقطني في الموطآت هكذا بصيغة الأمر وسيأتي بصيغة الأمر أيضا من طريق بن عمر الثانية في هذا الباب ولمسلم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا نحوه واستدل بهذا على أنه لا صلاة بعد الوتر وقد اختلف السلف في ذلك في موضعين أحدهما في مشروعية ركعتين بعد الوتر عن جلوس والثاني فيمن أوتر ثم أراد أن يتنفل في الليل هل يكتفى بوتره الأول وليتنفل ما شاء أو يشفع وتره بركعة ثم يتنفل ثم إذا فعل ذلك هل يحتاج إلى وتر آخر أولا فأما الأول فوقع عند مسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس وقد ذهب إليه بعض أهل العلم وجعلوا الأمر في قوله اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترا مختصا بمن أوتر آخر الليل وأجاب من لم يقل بذلك بأن الركعتين المذكورتين هما ركعتا الفجر وحمله النووي على أنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان جواز التنفل بعد الوتر وجواز التنفل جالسا وأما الثاني فذهب الأكثر إلى أنه يصلي شفعا ما أراد ولا ينقض وتره وأشار بقوله صلى الله عليه وسلم لا وتران في ليلة وهو حديث حسن أخرجه النسائي وابن خزيمة وغيرهما من حديث طلق بن على وإنما يصح نقض الوتر عند من يقول بمشروعية التنفل بركعة واحدة غير الوتر وقد تقدم ما فيه وروى محمد بن نصر من طريق سعيد بن الحارث أنه سأل بن عمر عن ذلك فقال إذا كنت لا تخاف الصبح ولا النوم فاشفع ثم صل ما بدا لك ثم أوتر وإلا
[ 400 ]
فصل وترك على الذي كنت أوتر ت ومن طريق أخرى عن بن عمر أنه سئل عن ذلك فقال أما أنا فأصلي مثنى فإذا انصرف ركعت ركعة واحدة فقيل أرأيت ان أوترت قبل أن أنام ثم قمت من الليل فشفعت حتى مطرف قال ليس بذلك بأس واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم صل ركعة واحدة على أن فصل الوتر أفضل من وصله وتعقب بأنه ليس صريحا في الفصل فيحتمل أن يريد بقوله صل ركعة واحدة أي مضافة إلى ركعتين مما مضى واحتج بعض الحنفية لما ذهب إليه من تعيين الوصل والاقتصار على ثلاث بأن الصحابة أجمعوا على أن الوتر بثلاث موصولة حسن جائز واختلفوا فيما عداه قال فأخذنا بما أجمعوا عليه وتركنا ما اختلفوا فيه وتعقبه محمد بن نصر المروزي بما رواه من طريق عراك بن مالك عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب وقد صححه الحاكم من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة والأعرج عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وإسناده على شرط الشيخين وقد صححه بن حبان والحاكم ومن طريق مقسم عن بن عباس وعائشة كراهية الوتر بثلاث وأخرجه النسائي أيضا وعن سليمان بن يسار أنه كره الثلاث في الوتر وقال لا يشبه التطوع الفريضة فهذه الآثار تقدح في الإجماع الذي نقله وأما قول محمد بن نصر لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا ثابتا صريحا أنه أوتر بثلاث موصولة نعم ثبت عنه أنه أوتر بثلاث لكن لم يبين الراوي هل هي موصولة أو مفصولة انتهى فيرد عليه ما رواه الحاكم من حديث عائشة أنه كان صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن وروى النسائي من حديث أبي بن كعب نحوه ولفظه يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ولا يسلم إلا في آخرهن وبين في عدة طرق أن السور الثلاث بثلاث ركعات ويجاب عنه باحتما أنهما لم يثبتا عنده والجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهي عن التشبه بصلاة المغرب أن يحمل النهي على صلاة الثلاث بتشهدين وقد فعله السلف أيضا فروى محمبن نصر من طريق الحسن أن عمر كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير ومن طريق المسور بن مخرمة أن عمر أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن ومن طريق بن طاوس عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد بينهن ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد عن أيوب مثله وروى محمد بن نصر عن بن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاث كالمغرب وكأنهم لم يبلغهم النهى المذكور وسيأتي في هذا الباب قول القاسم بن محمد في تجويز الثلاث ولكن النزاع في تعين ذلك فإن الأخبار الصحيحة تأباه قوله توتر له ما قد صلى استدل به على أن الركعة الأخيرة هي الوتر وأن كل ما تقدمها شفع وادعى بعض الحنفية أن هذا إنما يشرع لمن طرقه الفجر قبل أن يوتر فيكتفى بواحدة لقوله فإذا خشي الصبح فيحتاج إلى دليل تعين الثلاث وسنذكر ما فيه من رواية القاسم الآتية واستدل به على تعين الشفع قبل الوتر وهو عن المالكية بناء على أن قوله ما قد صلى أي من النفل وحمله من لا يشترط سبق الشفع على ما هو أعم من النفل والفرض وقالوا إن سبق الشفع شرط في دابة لا في الصحة ويؤيده حديث أبي أيوب مرفوعا الوتر حق فمن شاء أوتر بخمس ومن شاء بثلاث ومن شاء بواحدة أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان والحاكم وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة من غير تقدم نفل قبلها ففي كتاب محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان
[ 401 ]
قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل غيرها وسيأتي في المغازي حديث عبد الله بن ثعلبة أن سعدا أوتر بركعة وسيأتي في المناقب عن معاوية أنه أوتر بركعة وأن بن عباس استصوبه وفي كل ذلك رد على بن التين في قوله إن الفقهاء لم يأخذوا بعمل معاوية في ذلك وكأنه أراد فقهاءهم قوله وعن نافع هو معطوف على الإسناد الأول وهو في الموطآ كذلك إلا أنه ليس مقرونا في سياق واحد بل بين المرفوع والموقوف عدة أحاديث ولهذا فصله البخاري عنه قوله أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته ظاهره أنه كان يصلي الوتر موصولا فإن عرضت له حاجة فصل ثم بنى على ما مضى وفي هذا دفع لقول من قال لا يصح الوتر إلا مفصولا وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال صلى بن عمر ركعتين ثم قال يا غلام أرحل لنا ثم قام فأوتر بركعة وروى الطحاوي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالصلاة وإسناده قوي ولم يعتذر الطحاوي عنه إلا باحتمال أن يكون المراد بقوله بتسليمة أي التسليمة التي في المنكدر ولا يخفى بعد هذا التأويل والله أعلم وأما حديث بن عباس فقد تقدم في عدة مواضع في العلم والطهارة والمساجد والإمامة وأحلت بشرحه على ما هنا وقد رواه عن بن عباس جماعة منهم كريب وسعيد بن جبير وعلى بن عبد الله بن عباس وعطاء وطاوس والشعبي وطلحة بن نافع ويحي بن الجزار وأبو جمرة وغيرهم مطولا ومختصرا وسأذكر ما في طرقه من الفوائد ناسبا كل رواية إلى مخرجها إن شاء الله تعالى قوله أنه بات عند ميمونة زاد شريك بن أبي نمر عن كريب عند مسلم فرقبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي زاد أبو عوانة في صحيحه من هذا الوجه صارت ولمسلم من طريق عطاء عن بن عباس قال بعثني العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم زاد النسائي من طريق حبيب بن أبي ثابت عن كريب في إبل أعطاه إياها من الصدقة ولأبي عوانة من طريق على بن عبد الله بن عباس عن أبيه أن العباس بعثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة قال فوجدته جالسا في المسجد فلم استطع أن أكلمه فلما صلى المغرب قام فركع حتى أذن بصلاة العشاء ولابن خزيمة من طريق طلحة بن نافع عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد العباس ذودا من الإبل فبعثني إليه بعد العشاء وكان في بيت ميمونة وهذا يخالف ما قبله ويجمع بأنه لما لم يكلمه في المسجد أعاده إليه بعد العشاء إلى بيت ميمونة ولمحمد بن نصر في كتاب قيام الليل من طريق محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب من الزيادة فقال لي يا بني بت الليلة عندنا وفي رواية حبيب المذكورة فقلت لا أنام حتى أنظر ما يصنع في صلاة الليل وفي رواية مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن مخرمة فقلت لميمونة إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني وكان عزم في نفسه على السهر ليطلع على الكيفية التي أرادها ثم خشي أن يغلبه النوم فوصى ميمونة أن توقظه قوله في عرض وسادة في رواية محمد بن الوليد المذكورة وسادة من أدم حشوها ليف وفي رواية طلحة بن نافع المذكورة ثم دخل مع امرأته في فراشها وزاد أنها كانت ليلتئذ حائضا وفي رواية شريك بن أبي نمرعن كريب في التفسير فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة وقد سبقت الإشارة إليه في كتاب العلم وتقدم الكلام على الاضطجاع والعرض ومسح النوم والعشر الآيات في باب قراءة القرآن بعد الحدث
[ 402 ]
وكذا على الشن قوله حتى انتصف الليل أو قريبا منه جزم شريك بن أبي نمر في روايته المذكورة بثلث الليل الأخير ويجمع بينهما بأن الاستيقاظ وقع مرتين ففي الأولى نظر إلى السماء ثم تلا الآيات ثم عاد لمضجعه فنام وفي الثانية أعاد ذلك ثم توضأ وصلى وقد بين ذلك محمد بن الوليد في روايته المذكورة وفي رواية الثوري عن سلمة بن كهيل عن كريب في الصحيحين فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأتى حاجته ثم غسل وجهه ويديه ثم نام ثم قام فأتى القربة الحديث وفي رواية سعيد بن مسروق عن سلمة عند مسلم ثم قام قومه أخرى وعنده من رواية شعبة عن سلمة فبال بدل فأتى حاجته قوله ثم قام إلى شن زاد محمد بن الوليد ثم استفرغ من الشن في إناء ثم توضأ قوله فأحسن الوضوء في رواية محمد بن الوليد وطلحة بن نافع جميعا فأسبغ الوضوء وفي رواية عمرو بن دينار عن كريب فتوضأ وضوءا خفيفا وقد تقدمت في باب تخفيف الوضوء ويجمع بين هاتين الكلب برواية الثوري فإن يسير فتوضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ ولمسلم من طريق عياض عن مخرمة فأسبغ الوضوء ولم يمس من الماء إلا قليلا وزاد فيها فتسوك وكذا لشريك عن كريب فاستن كما تقدمت الإشارة إليه معي كتاب الغسل قوله ثم قام يصلي في رواية محمد بن الوليد ثم أخذا بردا له حضرميا فتوشحه ثم دخل البيت فقام يصلي قوله فصنعت مثله يقتضى أنه صنع جميع ما ذكر من القول والنظر والوضوء والسواك والتوشح ويحتمل أن يحمل على الأغلب وزاد سلمة عن كريب في الدعوات في أوله فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أرقبه وكأنه خشي أن يترك بعض عمله لما جرى من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك بعض العمل خشية أن يفرض على أمته قوله وقمت إلى جنبه تقدم الكلام عليه في أبواب الإمامة مستوفى قوله وأخذ بأذني زاد محمد بن الوليد في روايته فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليؤنسني بيده في طلمة الليل وفي رواية الضحاك بن عثمان فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني وفي هذا رد على من زعم أن أخذ الأذن إنما كان في حالة إدارته له من اليسار إلى اليمن متمسكا برواية سلمة بن كهيل الآتية في التفسير حيث قال فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه لكن لا يلزم من إدارته على هذه الصفة أن لا يعود إلى مسك أذنه لما ذكره من تأنيسه وإيقاظه لأن حاله كانت تقتضي ذلك لصغر سنة قوله فصلى ركعتين ثم ركعتين كذا في هذه الرواية وظاهره أنه فصل بين كل ركعتين ووقع التصريح بذلك في رواية طلحة بن نافع حيث قال فيها يسلم من كل ركعتين ولمسلم من رواية على بن عبد الله بن عباس التصريح بالفصل أيضا وأنه استاك بين كل ركعتين إلى غير ذلك ثم إن رواية الباب فيها التصريح بذكر الركعتين ست مرات ثم قال ثم أوتر ومقتضاه أنه صلى ثلاث عشرة ركعة وصرح بذلك في رواية سلمة الآتية في الدعوات حيث قال فتنامت ولمسلم فتكاملت صلاته ثلاث عشرة ركعة وفي رواية عبد ربه بن سعيد الماضية في الإمامة عن كريب فصلى ثلاث عشرة ركعة وفي رواية محمد بن الوليد المذكورة مثله وزاد وركعتين بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح وهي موافقة لرواية الباب لأنه قال بعد قوله ثم أوتر فقام فصلى ركعتين فاتفق هؤلاء على الثلاث عشرة وصرح بعضهم بأن ركعتي الفجر من غيرها لكن رواية شريك بن أبي نمر الآتية في التفسير عن كريب تخالف ذلك ولفظه فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصى ركعتين ثم خرج فهذا ما في رواية كريب من الاختلاف وقد عرف أن الأكثر خالفوا
[ 403 ]
شريكا فيها وروايتهم مقدمة على روايته لما معهم من الزيادة ولكونهم أحفظ منه وقد حمل بعضهم هذه الزيادة على سنة العشاء ولا يخفى بعده ولا سيما في رواية مخرمة في حديث الباب إلا إن حمل على أنه أختر سن العشاء حتى استيقظ لكن يعكر عليه رواية المنهال الآتية قريبا وقد اختلف على سعيد بن جبير أيضا ففي التفسير من طريق شعبة عن الحكم عنه فصلى أربع ركعات ثم نام ثم صلى خمس ركعات وقد حمل محمد بن نصر هذه الأربع على أنها سنة العشاء لكونها وقعت قبل النوم لكن يعكر عليه ما رواه هو من طريق المنهال بن عمرو عن على بن عبد الله بن عباس فإن فيه فصلى العشاء ثم صلى أربع ركعات بعدها حتى لم يبق في المسجد غيره ثم انصرف فإنه يقتضى أن يكون صلى الأربع في المسجد لافى البيت ورواية سعيد بن جبير أيضا تقتضي الاقتصار على خمس ركعات بعد النوم وفيه نظر وقد رواها أبو داود من وجه آخر عن الحكم وفيه فصلى سبعا أو خمسا أوتر بهن لم يسلم إلا في آخرهن وقد ظهر لي من رواية أخرى عن سعيد بن جبير ما يرفع هذا الاشكال ويوضح أن رواية الحكم وقع فيها تقصير فعند النسائي من طريق يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثمان ركعات ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن فبهذا يجمع بين رواية سعيد ورواية كريب وأما ما وقع في رواية عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عند أبي داود فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر فهو وكما ما تقدم من الاختلاف في رواية كريب وأما ما في روايتهما من الفصل والوصل فرواية سعيد صريحة في الوصل ورواية كريب محتملة فتحمل على رواية سعيد وأما قوله في رواية طلحة بن نافع يسلم من كل ركعتين فيحتمل تخصيصه بالثمان فيوافق رواية سعيد ويؤيده رواية يحيى بن الجزار الآتية ولم أر في شئ من طرق حديث بن عباس مايخالف ذلك لأن أكثر الرواة عنه لم يذكروا عددا ومن ذكر العدد منهم لم يزد على ثلاث عشرة ولم ينقص عن إحدى عشرة إلا أن في رواية علي بن عبد الله بن عباس عند مسلم ما يخالفهم فإن فيه فصلى ركعتين أطال فيهما ثم انصرف فنام حتى نفخ ففعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات يعني آخر آل عمران ثم أوتر بثلاث فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة انتهى فزاد على الرواة تكرار الوضوء وما معه أو نقص عنه ركعتين أو أربعا ولم يذكر ركعتي الفجر أيضا وأظن ذلك من الراوي عنه حبيب بن أبي ثابت فإن فيه مقالا وقد اختلف عليه فيه في إسناده ومتنه اختلافا تقدم ذكر بعضه ويحتمل أن يكون لم يذكر الأربع الأول كما لم يذكر الحكم الثمان كما تقدم وأما سنة الفجر فقد ثبت ذكرها في طريق أخرى عن على بن عبد الله عند أبي داود والحاصل أن قصة مبيت بن عباس يغلب على الظن عدم تعددها فلهذا ينبغي الاعتناء بالجمع بين مختلف الروايات فيها ولا شك أن الأخذ بما اتفق عليه الأكثر والأحفظ أولى مما خالفهم فيه من هو دونهم ولا سيما أن زاد أو نقص والمحقق من عدد صلاته في تلك الليلة إحدى عشرة وأما رواية ثلاث عشرة فيحتمل أن يكون منها سنة العشاء ويوافق ذلك رواية أبي جمرة عن بن عباس الآتية في صلاة الليل بلفظ كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة يعني صارت ولم يبين هل سنة الفجر منها أو لا وبينها يحيى بن الجزار عن بن عباس عند النسائي بلفظ كان يصلى ثمان ركعات ويوتر بثلاث ويصلي ركعتين قبل صلاة الصبح ولا يعكر على هذا الجمع إلا ظاهر سياق الباب فيمكن أن يحمل قوله صلى ركعتين ثم ركعتين
[ 404 ]
أي قبل أن ينام ويكون منها سنة العشاء وقوله ثم ركعتين الخ أي بعد أن قام وسيأتي نحو هذا الجمع في حديث عائشة في أبواب صلاة الليل إن شاء الله تعالى وجمع الكرماني بين ما اختلف من روايات قصة بن عباس هذه باحتمال أن يكون بعض رواته ذكر القدر الذي اقتدى بن عباس به فيه وفصله عما لم يقتد به فيه وبعضهم ذكر الجميع مجملا والله أعلم قوله ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين تقدمت تسمية المؤذن قريبا وسيأتي بيان الاختلاف في الاضطجاع هل كان قبل ركعتي الفجر أو بعدهما في أوائل أبواب التطوع قوله ثم خرج أي إلى المسجد فصلى الصبح أي بالجماعة وزاد سلمة بن كهيل عن كريب هنا كما سيأتي في الدعوات وكان من دعائه اللهم اجعل في قلبي نورا الحديث وسيأتي الكلام عليه في أول أبواب صلاة الليل إن شاء الله تعالى وفي حديث بن عباس من الفوائد غير ما تقدم جواز إعطاء بني هاشم من الصدقة وهو أمرهم على التطوع ويحتمل أن يكون إعطاؤه العباس ليتولى صرفه في مصالح غيره ممن يحل له أخذ ذلك وفيه جواز تقاضى الوعد وإن كان من وعد به مقطوعا بوفائه وفيه الملاطفة بالصغير والقريب والضيف وحسن المعاشرة للاهل والرد على من يؤثر دوام الانقباض وفيه مبيت الصغير عند محرمه وان كان زوجها عندها وجواز الاضطجاع مع المرأة الحائض وترك الاحتشام في ذلك بحضرة الصغير وان كان مميزا بل مراهقا وفيه صحة صلاة الصبي وجواز فتل أذنه لتأنيسه وايقاظه وقد قيل إن المتعلم إذا تعوهد بفتل أذانه كان أذكى لفهمه وفيه حمل أفعاله صلى الله عليه وسلم على الاقتداء به ومشروعية التنفل بين المغرب والعشاء وفضل صلاة الليل ولا سيما في النصف الثاني والبداءة بالسواك واستحبابه عند كل وضوء وعند كل صلاة وتلاوة آخر آل عمران عند القيام إلى صلاة الليل واستحباب غسل الوجه واليدين لمن أراد النوم وهو محدث ولعله المراد بالوضوء للجنب وفيه جواز الاغتراف من الماء القليل لأن الإناء المذكور كان قصعة أو صحفة واستحباب التقليل من الماء في التطهير مع حصول الإسباغ وجواز التصغير والذكر بالصفة كما تقدم في باب السمر في العلم حيث قال نام الغليم وبيان فضل بن عباس وقوة فهمه وحرصه على تعلم أمر الدين وحسن تأتيه في ذلك وفيه اتخاذ مؤذن راتب للمسجد وإعلام المؤذن الإمام بحضور وقت الصلاة واستدعاؤه لها والاستعانة باليد في الصلاة وتكرار ذلك كما سيأتي البحث فيه في أواخر كتاب الصلاة وفيه مشروعية الجماعة في النافلة والائتمام بمن لم ينو الإمامة وبيان موقف الإمام والمأموم وقد تقدم كل ذلك في أبواب الإمامة والله المستعان واستدل به على أن الأحاديث الواردة في كراهية القرآن على غير وضوء ليست على العموم في جميع الأحوال وأجيب بأن نومه كان لا ينقض وضوئه فلا يتم الاستدلال به إلا أن يثبت أنه قرأ الآيات بين قضاء الحاجة والوضوء والله أعلم انتهى الكلام على حديث بن عباس وأما طريق بن عمر الثانية فالقاسم المذكور في إسناده هو بن محمد بن أبي بكر الصديق وقوله فيه فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعفيه دفع لقول من ادعى أن الوتر بواحدة مختص بمن خشي طلوع الفجر لأنه علقه بإرادة الانصراف وهو أعم من أن يكون لخشية طلوع الفجر أو غير ذلك وقوله فيه قال القاسم هو بالإسناد المذكور كذلك أخرجه أبو نعيم في مستخرجه ووهم من زعم أنه معلق وقوله فيه منذ أدركنا أي بلغنا الحلم أو عقلنا وقوله يوترون بثلاث وأن كلالواسع يقتضى أن القاسم فهم من قوله فاركع
[ 405 ]
ركعة أي منفردة منفصلة ودل ذلك على أنه لا فرق عنده بين الوصل والفصل في الوتر والله أعلم وأما حديث عائشة فقد أعاده المصنف إسنادا ومتنا في كتاب صلاة الليل ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى وكأنه أراد بإيراده هنا أن لا معارضة بينه وبين حديث بن عباس إذا ظاهر حديث بن عباس فصل الوتر وهذا محتمل الأمرين وقد بين القاسم أن كلا من الأمرين واسع فشمل الفصل والوصل والاقتصار على واحدة وأكثر قال الكرماني قوله وان كلا أي وان كل واحدة من الركعة والثلاث والخمس والسبع وغيرها جائز وأما تعيين الثلاث موصولة ومفصولة فلم يشمله كلامه لأن المخالف من الحنفية يحمل كل ما ورد من الثلاث على الوصل مع أن كثيرا من الأحاديث ظاهر في الفصل كحديث عائشة يسلم من كل ركعتين فإنه يدخل فيه الركعتان اللتان قبل الأخيرة فهو كالنص في موضع النزاع وحمل الطحاوي هذا ومثله على أن الركعة مضمومة إلى الركعتين قبلها ولم يتمسك في دعوى ذلك إلا بالنهي عن البتيراء مع احتمال أن يكون المراد بالبتيراء أن يوتر بواحدة فردة ليس قبلها شئ وهو أعم من أن يكون مع الوصل أو الفصل وصرح كثير منهم أن الفصل يقطعهما عن أن يكونا من جملة الوتر ومن خالفهم يقول إنهما منه بالنية وبالله التوفيق والله أعلم قوله باب ساعات الوتر أي أوقاته ومحصل ما ذكره أن الليل كله وقت للوتر لكن أجمعوا على أن ابتداءه مغيب الشفق بعد صلاة العشاء كذا نقله بن المنذر لكن أطلق بعضهم أنه يدخل بدخول العشاء قالوا ويظهر أثر الخلاف فيمن صلى العشاء وبان أنه كان بغير طهارة ثم صلى الوتر متطهرا أو ظن أنه صلى العشاء فصلى الوتر فإنه يجزئ على هذا القول دون الأول ولا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم وبين قول عائشة وانتهى وتره إلى السحر لأن الأول لإرادة الاحتياط والآخر لمن علم من نفسه قوة كما ورد في حديث جابر عند مسلم ولفظه من طمع منكم أن يقوم آخر الليل فليوتر من آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل ومن خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله قوله وقال أبو هريرة هو طرف من حديث أورده المصنف من طريق أبي عثمان عن أبي هريرة بلفظ وأن أوتر قبل أن أنام وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده من هذا الوجه بلفظ التعليق وكذا أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي هريرة قوله أرأيت أي أخبرني قوله نطيل كذا للأكثر بنون الجمع وللكشميهني أطيل بالإفراد وجوز الكرماني في أطيل أن يكون بلفظ مجهول الماضي ومعروف المضارع وفي الأول بعد قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى استدل به على فضل الفصل لكونه أمر بذلك وفعله وأما الوصل فورد من فعله فقط قوله ويوتر بركعة لم يعين وقتها وبينت عائشة أنه فعل ذلك في جميع أجزاء الليل والسبب في ذلك ما سنذكر في الباب الذي بعده قوله وكأن بتشديد النون قوله بأذنيه أي لقرب صلاته من الأذان والمراد به هنا اشتراط فالمعنى أنه كان يسرع بركعتي الفجر إسراع من يسمع إقامة الصلاة خشية فوات أول الوقت ومقتضى ذلك تخفيف القراءة فيهما فيحصل به الجواب عن سؤال أنس بن سيرين عن قدر القراءة فيهما ووقع في رواية مسلم أن أنسا قال لابن عمر إني لست عن هذا أسألك قال إنك لضخم ألا تدعني أستقرئ لك الحديث ويستفاد من هذا جواب السائل بأكثر مما سأل عنه إذا كان مما يحتاج إليه ومن قوله
[ 406 ]
انك لضخم أن السمين في الغالب يكون قليل الفهم قوله قال حماد أي بن زيد الراوي وهو بالإسناد المذكور قوله بسرعة كذا لأبي ذر وأبي الوقت وابن شبويه ولغيرهم سرعة بغير موحدة وهو تفسير من الراوي لقوله كان الأذان بأذنيه وهو موافق لما تقدم قوله حدثنا أبي هو حفص بن الصالح ومسلم هو أبو الضحى لا بن جلس قوله كل الليل بنصب كل على الظرفية وبالرفع على أنه مبتدأ والجملة خبره والتقدير أوتر فيه ولمسلم من طريق يحيى بن وثاب عن مسروق من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر والمراد بأوله بعد صلاة العشاء كما تقدم قوله إلى السحر زاد أبو داود والترمذي حين مات ويحتمل أن يكون اختلاف وقت الوتر باختلاف الأحوال فحيث أوتر في أوله لعله كان وجعا وحيث أوتر وسطه لعله كان مسافرا وأما وتره في آخره فكأنه كان غالب أحواله لما عرف من مواظبته على الصلاة في أكثر الليل والله أعلم والسحر معي الصبح وحكى الماوردي أنه السدس الأخير وقيل أوله الفجر الأول وفي رواية طلحة بن نافع عن بن عباس عند بن خزيمة فلما انفجر الفجر قام فأوتر بركعة قال بن خزيمة المراد به الفجر الأول وروى أحمد من حديث معاذ مرفوعا زادني ربي صلاة وهي الوتر وقتها من العشاء إلى طلوع الفجر وفي إسناده ضعف وكذا في حديث خارجة بن حذافة في السنن وهو الذي احتج به من قال بوجوب الوتر وليس صريحا في الوجوب والله أعلم وأما حديث بريدة رفعه الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا وأعاد ذلك ثلاثا ففي سنده أبو المنيب وفيه ضعف وعلى تقدير قبوله فيحتاج من احتج به إلى أن يثبت أن لفظ حق بمعنى واجب في عرف الفاء وأن لفظ واجب بمعنى ما ثبت من طريق الاحاد قوله باب أيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم أهله بالوتر في رواية الكشميهني للوتر قوله حدثنا يحيى هو القطان وهشام هو بن عروة قوله وأنا راقدة معترضة تقدم الكلام عليه في سترة المصلي قوله أيقظني فأوترت أي فقمت فتوضأت فأوترت واستدل به على استحباب جعل الوتر آخر الليل سواء المتهجد وغيره ومحله إذا وثق أن يستيقظ بنفسه أو بأيقاظ غيره واستدل به على وجوب الوتر لكونه صلى الله عليه وسلم سلك به مسلك الواجب حيث لم يدعها نائمة للوتر وأبقاها للتهجد وتعقب بأنه لا يلزم من ذلك الوجوب نعم يدل على تأكد أمر الوتر وأنه فوق غيره من النوافل الليلية وفيه استحباب إيقاظ النائم لادراك الصلاة ولا يختص ذلك بالمفروضة ولا بخشية خروج الوقت بل يشرع ذلك لإدراك الجماعة وإدراك أول الوقت وغير ذلك من المندوبات قال القرطبي ولا يبعد أن يقال إنه واجب في الواجب مندوب في المندوب لأن النائم وإن لم يكن مكلفا لكن مانعه سريع الزوال فهو كالغافل وتنبيه الغافل واجب قوله باب ليجعل آخر صلاته وترا أي صارت وقد تقدم الكلام على حديث الباب في اثناء الحديث الأول وقد استدل به بعض من قال بوجوبه وتعقب بأن صلاة الليل ليست واجبة فكذا آخره وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليله قوله باب الوتر على الدابة لما كان حديث عائشة في إيقاظها للوتر وحديث بن عمر في الأمر بالوتر آخر الليل قد تمسك بهما بعض من ادعى وجوب الوتر عقبهما المصنف بحديث بن عمر الدال على أنه ليس بواجب فذكره في ترجمتين إحداهما أخذت على كونه نفلا والثانية أخذت على أنه آكد من غيره قوله عن أبي بكر بن عمر
[ 407 ]
لا يعرف اسمه وهو ثقة ليس له في الصحيحين غير هذا الحديث الواحد قوله أما لك في رسول الله أسوة فيه إرشاد العالم لرفيقه ما قد يخفى عليه من السنن قوله بلى والله فيه الحلف على الأمر الذي يراد تأكيده قوله كان يوتر على البعير قال الزين بن المنير ترجم بالدابة تنبيها على أن لا فرق بينها وبين البعير في الحكم والجامع بينهما أن الفرض لا يجزئ على واحدة منهما انتهى ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقة فسيأتي في أبواب تقصير الصلاة من طريق سالم عن أبيه أنه كان يصلي من الليل علدابته وهو مسافر وروى محمد بن نصر من طريق بن جريج قال حدثنا نافع أن بن عمر كايوتر على دابته قال بن جريج وأخبرني موسى بن عقبة عن نافع أن بن عمر كان يخبر أالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك فائدة قال الطحاوي ذكر عن الكوفيين أن الوتر لا يصلي على الراحلة وهو خلاف السنة الثابتة واستدل بعضهم برواية مجاهد أنه رأى بن عمر نزل فأوتر وليس ذلك بمعارض لكونه أوتر على الراحلة لأنه لا نزاع أصلاته على الأرض أفضل وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن بن عمر أنه كان يوتر على راحلته وربما نزل فأوتر بالأرض قوله باب الوتر في السفر أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال إنه لا يسن في السفر وهو منقول عن الضحاك وأما قول بن عمر لو كنت مسبحا في السفر لأتممت كما أخرجه مسلم وأبو داود من طريق حفص بن عاصم عنه فإنما أراد به راتبه المكتوبة لا النافلة المقصودة كالوتر وذلك بين من سياق الحديث المذكور فقد رواه الترمذي من وجه آخر بلفظ سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين لا يصلون قبلها ولا بعدها فلو كنت مصليا قبلها أو بعدها لاتممت ويحتمل أن تكون التفرقة بين نوافل النهار ونوافل الليل فإن بن عمر كان يتنفل على راحلته وعلى دابته في الليل وهو مسافر وقد قال مع ذلك ما قال قوله إلا الفرائض أي لكن الفرائض بخلاف ذلك فكان لا يصليها على الراحلة واستدل به على أن الوتر ليس بفرض وعلى أنه ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الوتر عليه لكونه أوقعه على الراحلة وأما قول بعضهم إنه كان من خصائصه أيضا أن يوقعه على الراحلة مع كونه واجبا عليه فهي دعوى لا دليل عليها لأنه لم يثبت دليل وجوبه عليه حتى يحتاج إلى تكلف هذا الجمع واستدل به على أن الفريضة لا تصلي على الراحلة قال بن دقيق العيد وليس ذلك بقوي لأن الترك لا يدل على المنع إلا أن يقال إن دخول وقت الفريضة مما يكثر على المسافر فترك الصلاة لها على الراحلة دائما يشعر بالفرق بينها وبين النافلة في الجواز وعدمه وأجاب من ادعى وجوب الوتر من الحنفية بأن الفرض عندهم غير الواجب فلا يلزم من نفى الفرض نفى الواجب وهذا يتوقف على أن بن عمر كان يفرق بين الفرض والواجب وقد بالغ الشيخ أبو حامد فادعى أن أبا حنيفة انفرد بوجوب الوتر ولم يوافقه صاحباه مع أن بن أبي شيبة أخرج عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود والضحاك ما يدل على وجوبه عندهم وعنده عن مجاهد الوتر واجب ولم يثبت ونقله بن العربي عن أصبغ من المالكية ووافقه سحنون وكأنه أخذه من قول مالك من تركه أدب وكان جرحة في شهادته قوله باب القنوت قبل الركوع وبعده القنوت يطلق على معان والمراد به هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام قال الزين بن المنير أثبت بهذه الترجمة مشروعية
[ 408 ]
القنوت إشارة إلى الرد على من روى عنه أنه بدعة كابن عمر وفي الموطأ عنه أنه كان لا يقنت في شئ من الصلوات ووجه الرد عليه ثبوته من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرتفع عن درجة المباح قال ولم يقيده في الترجمة بصبح ولا غيره مع كونه مقيدا في بعض الأحاديث بالصبح وأوردها في أبواب الوتر أخذا من إطلاق أنس في بعض الأحاديث كذا قال ويظهر لي أنه أشار بذلك إلى قوله في الطريق الرابعة كان القنوت في الفجر والمغرب لأنه ثبت أن المغرب وتر النهار فإذا ثبت القنوت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية مع أنه قد ورد الأمر به صريحا في الوتر فروى أصحاب السنن من حديث الحسن بن على قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر اللهم أهدني فيمن هديت الحديث وقد صححه الترمذي وغيره لكن ليس على شرط البخاري قوله سئل أنس في رواية إسماعيل عن أيوب عند مسلم قلت لأنس فعرف بذلك أنه أبها نفسه قوله فقيل أوقنت في رواية الكشميهني بغير واو وللاسماعيلي هل قنت قوله قبل الركوع زاد الاسماعيلي أو بعد الركوع قوله بعد الركوع يسيرا قد بين عاصم في روايته مقدار هذا اليسير حيث قال فيها إنما قنت بعد الركوع شهرا وفي صحيح بن خزيمة من وجه آخر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم وكأنه أمرهم على ما بعد الركوع بناء على أن المراد بالحصر في قوله إنما قنت شهرا أي متواليا قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد وعاصم هو بن سليمان الأحول قوله قد كان القنوت فيه اثبات مشروعيته في الجملة كما تقدم قوله قال فإن فلانا أخبرني عنك إنك قلت بعد الركوع فقال كذب لم أقف على تسمية هذا الرجل صريحا ويحتمل أن يكون محمد بن سيرين بدليل روايته المتقدمة فإن مفهوم قوله بعد الركوع يسيرا يحتمل أن يكون وقبل الركوع كثيرا ويحتمل أن يكون لا قنوت قبله أصلا ومعنى قوله كذب أي أخطأ وهو لغة أهل الحجاز يطلقون الكذب على ما هو أعم من العمد والخطأ ويحتمل أن يكون أراد بقوله كذب أي إن كان حكى أن القنوت دائما بعد الركوع وهذا يرجح الاحتمال الأول ويبينه ما أخرجه بن ماجة من رواية حميد عن أنس أنه سئل عن القنوت فقال قبل الركوع وبعده إسناده قوي وروى بن المنذر من طريق أخرى عن حميد عن أنس أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قنتوا في صلاة الفجر قبل الركوع وبعضهم بعد الركوع وروى محمد بن نصر من طريق أخرى عن حميد عن أنس أن أول من جعل القنوت قبل الركوع أي دائما عثمان لكيدرك الناس الركعة وقد وافق عاصما على روايته هذه عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي في المغازي بلفظ سأل رجل أنسا عن القنوت بعد الركوع أو عند الفراغ من القراءة قال لا بل عند الفراغ من القراءة ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك والظاهر أنه من الاختلاف المباح قول كان بعث قوما يقال لهم القراء سيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب المغازي وكذا على رواية أبي مجلز والتيمي الراوي عنه هو سليمان وهو يروي عن أنس نفسه ويروعنه أيضا بواسطة كما في هذا الحديث قوله حدثنا إسماعيل هو بن علية وخالد هو الحذاء قوله كان القنوت في المغرب والفجر قد تقدم توجيه إيراد هذه الرواية في أول هذا الباب وتقدم الكلام على بعضها
[ 409 ]
في أثناء صفة الصلاة وقد روى مسلم من حديث البراء نحو حديث أنس هذا وتمسك به الطحاوي في ترك القنوت في الصبح قا لأنهم أجمعوا على نسخه في المغرب فيكون في الصبح كذلك انتهى ولا يخفى ما فيه وقد عارضه بعضهم فقال أجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح ثم اختلفوا هل ترك فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة كما ثبت أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين ومن ثم اتفقوا على أن يجهر به بخلاف القنوت في الصبح فاختلف في محله وفي الجهر تكملة ذكر بن العربي أن القنوت ورد لعشرة معان فنظمها شيخنا الحافظ زين الدين العراقي فيما أنشدنا لنفسه إجازة غير مرة ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد مزيدا على عشر معاني مرضيه دعاء خشوع والعبادة طاعة إقامتها إقراره بالعبودية سكوت صلاة والقيام وطوله كذاك دوام الطاعة الرابح القنيه خاتمة اشتملت أبواب الوتر من الأحاديث المرفوعة على خمسة عشر حديثا منها واحد معلق المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية أحاديث والخالص سبعة وافقه مسلم على تخريجها وفيه من الآثار ثلاثة موصولة والله أعلم أبواب الإستسقاء باب الإستسقاء وخروج النبي صلى الله عليه وسلم كذا للمستملي دون البسملة وسقط ما قبل باب من رواية الحموي والكشميهني وللاصيلى كتاب الاستسقاء فقط وثبتت البسملة في رواية بن شبويه والاستسقاء لغة طلب سقى الماء من الغير للنفس أو الغير وشرعا طلبه من الله عند حصول الجدب على وجه مخصوص قوله عن عبد الله بن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم قاضي المدينة وسيأتي في باب تحويل الرداء التصريح بسماع عبد الله له من عباد قوله عن عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم كما سيأتي صريحا في الباب المذكور وسياقه أتم قوله خرج النبي صلى الله عليه وسلم أي إلى المصلى كما سيأتي التصريح به أيضا فيه ويأتي الكلام فيه على كيفية تحويل الرداء وزاد فيه وصلى ركعتين وقد اتفق فقهاء الأمصار على مشروعية صلاة الاستسقاء وأنها ركعتان إلا ما روى عن أبي حنيفة أنه قال يبرزون للدعاء والتضرع وان خطب لهم فحسن ولم يعرف الصلاة هذا هو المشهور عنه ونقل أبو بكر الرازي عنه التخيير بين الفعل والترك وحكى بن عبد البر الإجماع على استحباب الخروج إلى الاستسقاء والبروز إلى ظاهر المصر لكن حكى القرطبي عن أبي حنيفة أيضا أنه لا يستحب الخروج وكأنه اشتبه عليه بقوله في الصلاة قوله باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اجعلها سنين كسني يوسف أورد فيه حديث أبي هريرة في الدعاء في القنوت للمؤمنين والدعاء على الكافرين وفيه معنى الترجمة ووجه إدخاله في أبواب
[ 410 ]
الاستسقاء التنبيه على أنه كما شرع الدعاء بالاستسقاء للمؤمنين كذلك شرع الدعاء بالقحط على الكافرين لما فيه من نفع الفريقين باضعاف عدو المؤمنين ورقة قلوبهم ليذلوا للمؤمنين وقد ظهر من ثمر ذلك التجاؤهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم برفع القحط كما في الحديث الثاني ويمكن أن يقال إن المراد أن مشروعية الدعاء على الكافرين في الصلاة تقتضي مشروعية الدعاء للمؤمنين فيها فثبت بذلك صلاة الاستسقاء خلافا لمن أنكرها والمراد بسنى يوسف ما وقع في زمانه عليه السلام من القحط في السنين السبع كما وقع في التنزيل وقد بين ذلك في الحديث الثاني حيث قال سبعا كسبع يوسف وأضيفت إليه لكونه الذي أنذر بها أو لكونه الذي قام بأمور الناس فيها قوله حدثنا اني بن عبد الرحمن هو الحزامي بالمهملة والزاي لا المخزوى وهما مدنيان مطبقة واحدة لكن الحزامي معروف بالرواية عن أبي الزناد دون المخزومي وقد بينه بن معين والنسائي لكنه لم ينفرد بهذا الحديث فسيأتي في الجهاد من رواية الثوري وفد أحاديث الأنبياء من رواية شعيب وأخرجه الاسماعيلي من رواية موسى بن عقبة كلهم عن أبي الزناد قوله اللهم اجعلها سنين في الرواية الماضية في باب يهوى با لتكبير من صفة الصلاة اللهم اجعلها عليهم والضمير في قوله اجعلها يعود على المدة التي أنكر فيها الشدة المعبر عنها بالوطأة وزاد بعد قوله فيها كسني يوسف وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في تفسير آل عمران إن شاء الله تعالى قوله وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال غفار ورجاله الله لها الخ هذا حديث آخر وهو عند المصنف بالإسناد المذكور وكأنه سمعه هكذا فأورده كما سمعه وقد أخرجه أحمد عن قتيبة كما أخرجه البخاري ويحتمل أن يكون له تعلق بالترجمة من جهة أن الدعاء على المشركين بالقحط ينبغي أن يخص بمن كان محاربا دون من كان مسالما قوله غفار ورجاله الله لها فيه الدعاء بما يشتق من الاسم كأن يقول لأحمد أحمد الله عاقبتك ولعلى أعلاك الله وهو من جناس الاشتقاق ولا يختص بالدعاء بل يأتي مثله في الخبر ومنه قوله تعالى وأسلمت مع سليمان وسيأتي في المغازي حديث عصية عصت الله ورسوله وإنما اختصت القبيلتان بهذا الدعاء لأن غفارا أسلموا قديما وأسلم سالموا النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى قوله قال بن أبي الزناد عن أبيه هذا كله في الصبح يعني أن عبد الرحمن بن أبي الزناد روى هذا الحديث عن أبيه بهذه الإسناد فبين أن الدعاء المذكور كان في الصبح وقد تقدم بعض بيان الاختلاف في ذلك في أثناء صفة الصلاة قوله كنا عند عبد الله يعني بن مسعود وسيأتي في تفسير الدخان سبب تحديث عبد الله بن مسعود بهذا الحديث قوله لما رأى من الناس إدبارا أي عن الإسلام وسيأتي في تفسير الدخان أن قريشا لما أبطئوا عن الإسلام قوله فأخذتهم سنة بفتح المهملة بعدها نون خفيفة أي أصابهم القحط وقوله حصت بفتح الحاء والصاد المهملتين أي استأصلت النبات حتى خلت الأرض منه قوله حتى أكلنا في رواية المستملى والحموي حتى أكلوا وهو الوجه وكذا قوله ينظر أحدكم عند الأكثر ينظر أحدهم وهو الصواب وسيأتي بقية الكلام عليه بعد تسعة أبواب قوله باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا قال بن رشيد لو أدخل تحت هذه الترجمة حديث بن مسعود الذي قبله لكان أوضح مما ذكر انتهى ويظهر لي أنه لما كان
[ 411 ]
من سأل قد يكون مسلما وقد يكون مشركا وقد يكون من الفريقين وكان في حديث بن مسعود المذكور أن الذي سأل كان مشركا ناسب أن يذكر في الذي بعده ما يدل على ما إذا كان الطلب من الفريقين كما سأبينه ولذلك ذكر لفظ الترجمة عاما لقوله سؤال الناس وذلك أن المصنف أورد في هذا الباب تمثل بن عمر بشعر أبي طالب وقول أنس إن عمر كان إذا قحطوا استسقى بالعباس وقد اعترضه الاسماعيلي فقال حديث بن عمر خارج عن الترجمة إذ ليس فيه أن أحدا سأله أن يستسقى له ولا في قصة العباس التي أوردها أيضا وأجاب بن المنير عن حديث بن عمر بان المناسبة تؤخذ من قوله فيه يستسقى الغمام لأن فاعله محذوف وهم الناس وعن حديث أنس بأن في قول عمر كنا نتوسل إليك بنبيك دلالة على أن للأمام مدخلا في الاستسقاء وتعقب بأنه لا يلزم من كون فاعل يستسقى هو الناس أن الريح سألوا الإمام بأن يستسقى لهم كما في الترجمة وكذا ليس في قول عمر أنهم كانوا يتوسلون به دلالة على أنهم سألوه أن يستسقى لهم إذ يحتمل أن الريح في الحالين طلبوا السقيا من الله مستشفعين به صلى الله عليه وسلم وقال بن رشيد يحتمل أن يكون أراد بالترجمة الاستدلال بطريق الأولى لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرى أن يقدموه للسؤال انتهى هو حسن ويمكن أن يكون أراد من حديث بن عمر سياق الطريق الثانية عنه وأن يبين أن الطريق الأولى مختصرة منها وذلك أن لفظ الثانية ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى فدل ذلك على أنه هو الذي باشر الطلب صلى الله عليه وسلم وأن بن عمر أشار إلى قصة وقعت في الإسلام حضرها هو لا مجرد ما دل عليه شعر أبي طالب وقد علم من بقية الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم إنما استسقى إجابة لسؤال من سأله في ذلك كما في حديث بن مسعود الماضي وفي حديث أنس الاتى وغيرهما من الأحاديث وأوضح من ذلك ما أخرجه البيهقي في الدلائل من رواية مسلم الملائي عن أنس قال جاء رجل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أتيناك وما لنا بعير يئط ولا صبي يغط ثم أنشده شعرا يقول فيه وليس لنا إلا إليك فرارنا وأين فرار الناس إلا إلى الرسل فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر فقال اللهم اسقنا الحديث وفيه ثم قال صلى الله عليه وسلم لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله فقام على فقال يا رسول الله كأنك أردت قوله وأبيض يستسقى الغمام بوجهه الأبيات فظهرت بذلك مناسبة حديث بن عمر للترجمة وإسناد حديث أنس وان كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة وقد ذكره بن هشام في زوائده في السيرة تعليقا عمن يثق به وقوله يئط بفتح أوله وكسر الهمزة وكذا يغط بالمعجمة والأطيط صوت البعير المثقل والغطيط صوت النائم كذلك وكنى بذلك عن شدة الجوع لأنهما إنما يقعان غالبا عند الشبع وأما حديث أنس عن عمر فأشار به أيضا إلى ما ورد في بعض طرقه وهو عند الاسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن الأنصاري بإسناد البخاري إلى أنس قال كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به فيستسقى لهم فيسقون فلما كان في إمارة عمر فذكر الحديث وقد أشار إلى ذلك الاسماعيلي فقال هذا الذي رويته يحتمل المعنى الذي ترجمه بخلاف ما أورده هو قلت وليس ذلك بمبتدع لما عرف بالاستقراء من عادته من الاكتفاء بالإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده وقد روى عبد الرزاق من حديث بن عباس
[ 412 ]
أن عمر استسقى بالمصلى فقال للعباس قم فاستسق فقام العباس فذكر الحديث فتبين بهذا أن في القصة المذكورة أن العباس كان مسئولا وأنه ينزل منزلة الإمام إذا أمره الإمام بذلك وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري وكان خازن عمر قال أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال العلامة بن باز حفظه الله هذا الأثر على فرض صحته كما قال الشارح ليس بحجة على جواز الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لأن السائل مجهول ولأن عمل الصحابة رضي الله عنهم على خلافه وهم أعلم الناس ولم يأت أحد منهم إلى قبره يسأله السقيا ولا غيرها بل عدل عمر عنه لما وقع في الجدب إلى الاستسقاء بالعباس ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة فعلم أن ذلك هو الحق وأن ما فعله هذا الرجل منكر ووسيلة إلى الشرك بل قد جعله بعض أهل العلم من يجري الشرك وأما تسمية السائل في رواية سيف المذكورة بلالا بن الحارث ففي صحة ذلك نظر لم يذكر الشارح سند سيف في ذلك وعلى تقدير صحته عنه لا حجة فيه لأن عمل كبار الصحابة يخالفه وهم أعلم بالرسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته من غيرهم والله أعلم فقال يا رسول الله استسق لامتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له ائت عمر الحديث وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة وظهر بهذا كله مناسبة الترجمة لأصل هذه القصة أيضا والله الموفق قوله يتمثل أي ينشد شعر غيره قوله وأبيض بفتح الضاد وهو مجرور برب مقدرة أو منصوب بإضمار أعنى أو أخص والراجح أنه بالنصب عطفا على قوله سيدا في البيت الذي قبله قوله ثمال بكسر المثلثة وتخفيف الميم هو العماد والملجأ والمطعم والمغيث والمعين والكافي قد أطلق على كل من ذلك وقوله عصمة للأرامل أي يمنعهم مما يضرهم والأرامل جمع أرملة وهي الفقيرة التي لا زوج لها وقد يستعمل في الرجل أيضا مجازا ومن ثم لو أوصى للأرامل خص النساء دون الرجال وهذا البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب ذكرها بن إسحاق في السيرة بطولها وهي أكثر من ثمانين بيتا قالها لما تمالأت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم ونفروا عنه من يريد الإسلام أولها ولما رأيت القوم لا ود فيهم وقد قطعوا كل العرا والوسائل وقد جاهرونا بالعداوة والأذى وقد طاوعوا أمر العدو المزايل يقول فيها أعبد مناف أنتم خير قومكم فلا تشركوا في أمركم كل واغل فقدخفت إن لم يصلح الله أمركم تكونوا كما كانت أحاديث وائل يقول فيها أعوذ برب الناس من كل طاعن علينا بسوء أو ملح بباطل وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه وراق لبفي حراء ونازل وبالبيت حق البيت من بطن مكة وبالله أن الله ليس بغافل يقول فيها كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ولما نطاعن حوله ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل يقول فيها وما ترك قوم لا أبا لك سيدا يحوط الذمار بين بكر بن وائل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل قال السهيلي فإن قيل كيف قال أبو طالب يستسقى الغمام بوجهه ولم يره قط استسقى إنما كان ذلك منه بعد الهجرة وأجاب بما حاصله أن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وسلم معه غلام انتهى ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه وإن لم يشاهد وقوعه وسيأتي في الكلام على حديث بن مسعود ما يشعر بأن سؤال أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء وقع بمكة وذكر بن التين أن في شعر أبي طالب هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرا أو غيره من شأنه وفيه نظر لما تقدم عن بن إسحاق أن إنشاء أبي طالب لهذا الشعر كان بعد
[ 413 ]
المبعث ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير من الأخبار وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلما ورأيت لعلي بن حمزة البصري جزءا جمع فيه شعر أبي طالب وزعم في أوله أنه كان مسلما وأنه مات على الإسلام وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر وأنهم لذلك يستجيزون لعنه ثم بالغ في سبهم والرد عليهم واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه وقد بينت فساد ذلك كله في ترجمة أبى طالب من كتاب الإصابة وسيأتي بعضه في ترجمة أبي طالب من كتاب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قوله وقال عمر بن حمزة أي بن عبد الله بن عمر وسالم شيخه هو عمه وعمر مختلف في الاحتجاج به وكذلك عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المذكور في الطريق الموصولة فاعتضدت إحدى الطريقين بالأخرى وهو من أمثلة أحد قسمي الصحيح كما تقررفي علوم الحديث وطريق عمر المعلقة وصلها أحمد وابن ماجة والاسماعيلي من روايه أبي عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي عنه وعقيل فيهما بفتح العين قوله يستسقى بفتح أوله زاد بن ماجة في روايته على المنبر وفي روايته أيضا في المدينة قوله يجيش بفتح أوله وكسر الجيم وآخره غدا يقال جاش الوادي إذا زخر بالماء وجاشت القدر إذا غلت وجاش الشئ إذا تحرك وهو كناية عن كثرة المطر قوله كل ميزاب بكسر الميم وبالزاى معروف وهو ما يسيل منه الماء من موضع عال ووقع في رواية الحموي حتى يجيش لك بتقديم اللام على الكاف وهو تصحيف قوله حدثني الحسن بن محمد هو الزعفراني والأنصاري شيخه يروي عنه البخاري كثيرا وربما أدخل بينهما واسطة كهذا الموضع ووهم من زعم أن البخاري أخرج هذا الحديث عن الأنصاري نفسه قوله أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا بضم القاف وكسر المهملة أي أصابهم القحط وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذا الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس وأخرج أيضا من طريق داود عن عطاء عن زيد بن أسلم عن بن عمر قال استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فذكر الحديث وفيه فخطب الناس عمر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله وفيه فما برحوا حتى سقاهم الله وأخرجه البلاذري من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فقال عن أبيه بدل ابن عمر فيحتمل أن يكون لزيد فيه شيخان وذكر بن سعد وغيره أن عام الرمادة كان سنثمان عشرة وكان ابتداؤه الحدود الحاج منها ودام تسعة أشهر والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فاغبرت الأرض جدا من عدم المطر وقد تقدم من رواية الاسماعيلي رفع حديث أنس المذكور في قصة عمر والعباس وكذلك أخرجه بن حبان في صحيحه من طريق محمد بن المثنى بالإسناد المذكور ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه قوله باب تحويل الرداء في الاستسقاء ترجم لمشروعيته خلافا لمن نفاه ثم ترجم بعد ذلك لكيفيته كما سيأتي قوله حدثنا إسحاق هو بن
[ 414 ]
راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وأخرجه من طريقه قوله عن محمد بن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم وهو أخو عبد الله بن أبي بكر المذكور في الطريق الثانية من هذا الباب وقد حدث به عن عباد أبوهما أبو بكر بن محمد بن عمرو كما سيأتي بعد خمسة عشر بابا قوله استسقى فقلب رداءه ذكر الواقدي أن المريض ردائه صلى الله عليه وسلم كان ستة أذرع في ثلاثة أذرع وطول إزاره أربعة أذرع وشبرين في ذراعين وشبر كان يلبسهما في الجمعة والعيدين ووقع في شرح الأحكام لابن بزيزة ذرع الرداء كالذي ذكره الواقدي في ذرع الإزار والأول أولى قال الزين بن المنير ترجم بلفظ التحويل والذي وقع في الطريقين اللذين ساقهما لفظ القلب وكأنه أراد أنهما بمعنى واحد انتهى ولم تتفق الرواة في الطريق الثانية على لفظ القلب فإن رواية أبي ذر حول وكذا هو في أول حديث في الاستسقاء وكذلك أخرجه مسلم من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر وقد وقع بيان المراد من ذلك في باب الاستسقاء بالمصلى في زيادة سفيان عن المسعودي عن أبي بكر بن محمد ولفظه قلب رداءه جعل اليمين على الشمال وزاد فيه بن ماجة وابن خزيمة من هذا الوجه والشمال على اليمين والمسعودي ليس من شرط الكتاب وإنما ذكر زيادته استطرادا وسيأتي بيان كون زيادته موصولة أو معلقة في الباب المذكور إن شاء الله تعالى وله شاهد أخرجه أبو داود من طريق الزبيدي عن الزهري عن عباد بلفظ فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وعطافه الأيسر على عاتقة الأيمن وله من طريق عمارة بن غزية عن عباد استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه وقد استحب الشافعي في الجديد فعل ما هم به صلى الله عليه وسلم من تنكيس الرداء مع التحويل الموصوف وزعم القرطبي كغيره أن الشافعي اختار في الجديد تنكيس الرداء لا تحويله والذي في الأم ما ذكرته والجمهور على استحباب التحويل فقط ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط وعن أبي حنيفة وبعض المالكية لا يستحب شئ من ذلك واستحب الجمهور أيضا أن يحول الناس بتحويل الإمام ويشهد له ما رواه أحمد من طريق أخرى عن عباد في هذا الحديث بلفظ وحول الناس معه وقال الليث وأبو يوسف يحول الإمام وحده واستثنى بن الماجشون النساء فقال لا يستحب في حقهن ثم أن ظاهر قوله فقلب رداءه أن التحويل وقع بعد فراغ الاستسقاء وليس كذلك بل المعنى فقلب رداءه في أثناء الاستسقاء وقد بينه مالك في روايته المذكورة ولفظه حول رداءه حين استقبل القبلة ولمسلم من رواية يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد وإنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه وأصله للمصنف كما سيأتي بعد أبواب وله من رواية الزهري عن عباد فقام فدعا الله قائما ثم توجه قبل القبلة وحول رداءه فعرف بذك أن التحويل وقع في أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء واختلف في حكمة هذا التحويل فجزم المهلب بأنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه وتعقبه بن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه قال وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه قيل له حول رداءك ليتحول حالك وتعقب بان الذي جزم به يحتاج إلى نقل والذي رده ورد فيه حديث رجاله ثقات أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد بن على عن أبيه عن جابر ورجح الدارقطني إرساله وعلى كل حال فهو أولى من القول بالظن وقال بعضهم إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء فلا يكون سنة في كل حال
[ 415 ]
وأجيب بأن التحويل من جهة إلى جهة لا يقتضى الثبوت على العاتق فالحمل على المعنى الأول أولى فإن الأتباع أولى من تركه لمجرد احتمال الخصوص والله أعلم قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة قوله قال عبد الله بن أبي بكر أي قال قال ويجوز أن يكون بن عيينة حذف الصيغة مرة وجرت عادتهم بحذف إحداهما من الخط وفي حذفها من اللفظ بحث ووقع عند الحموي والمستملي بلفظ عن عبد الله وصرح بن خزيمة في روايته بتحديث عبد الله به لابن عيينة قوله أنه سمع عباد بن تميم يحدث أباه الضمير في قوله أباه يعود على عبد الله بن أبي بكر لا على عباد وضبطه الكرماني بضم الهمزة وراء بدل الموحدة أي أظنه ولم أر ذلك في شئ من الروايات التي اتصلت لنا ومقتضاه أن الراوي لم يجزم بأن رواية عباد له عن عمه ووقع في بعض النسخ من بن ماجة عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن أبيه عن عبد الله بن زيد وقوله عن أبيه زيادة وهي وهم والصواب ما وقع في النسخ المعتمدة من بن ماجة عن محمد بن الصباح وكذا لابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء كلاهما عن سفيان قال حدثنا المسعودي ويحيى هو بن سعيد عن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم قال سفيان فقلت لعبد الله أي بن أبي بكر حديث حدثناه يحيى والمسعودي عن أبيك عن عباد بن تميم فقال عبد الله بن أبي بكر سمعته أنا من عباد يحدث أبي عن عبد الله بن زيد بن أبي بكر فذكر الحديث قوله خرج إلى المصلى فاستسقى في رواية الزهري المذكورة بالناس يستسقى ولم أقف في شئ من طرق حديث عبد الله بن زيد على سبب ذلك ولا صفته صلى الله عليه وسلم حال الذهاب إلى المصلى وعلى وقت ذهابه وقد وقع ذلك في حديث عائشة عند أبي داود وابن حبان قالت شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر الحديث وفي حديث بن عباس عند أحمد وأصحاب السنن خرج النبي صلى الله عليه وسلم متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر وفي حديث أبي الدرداء عند البزار والطبراني قحط المطر فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يستسقى لنا فغدا نبي الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقد حكى بن المنذر الاختلاف في وقتها والراجح أنه لا وقت لها معين وإن كان أكثر أحكامها كالعيد لكنها تخالفه بأنها لا تختص بيوم معين وهل تصنع صارت استنبط بعضهم من كونه صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة فيها بالنهار أنها نهارية كالعيد وإلا فلو كانت تصلي صارت لأسر فيها بالنهار وجهر صارت كمطلق النوافل ونقل بن قدامة الإجماع على أنها لا تصلي في وقت الكراهة وأفاد بن حبان أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المصلى للاستسقاء كان في شهر رمضان سنة ست من الهجرة قوله فاستقبل القبلة وحول رداءه تقدم ما فيه قريبا قوله وصلى ركعتين في رواية يحيى بن سعيد المذكورة عند بن خزيمة وصلى بالناس ركعتين وفي رواية الزهر الآتية في باب كيف حول ظهره ثم صلى الناس ركعتين واستدل به على أن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة وهو مقتضى حديث عائشة وابن عباس المذكورين لكن وقع عند أحمد في حديث عبد الله بن زيد التصريح بأنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة وكذا في حديث أبي هريرة عند بن ماجة حيث قال فصلى بنا ركعتين بغير أذان ولا إقاموا لمرجح عند الشافعية والمالكية الثاني وعن أحمد رواية كذلك ورواية يخير ولم يقع في شئ من طرق حديث عبد الله بن زيد صفة الصلاة
[ 416 ]
مذكورة ولا ما يقرأ فيها وقد أخرج الدارقطني من حديث بن عباس أنه يكبر فيهما سبعا وخمسا كالعيد وأنه يقرأ فيهما بسبح وهل أتاك وفي إسناده مقال لكن أصله في السنن بلفظ ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد فأخذ بظاهره الشافعي فقال يكبر فيهما ونقل الفاكهي شيخ شيوخنا عن الشافعي استحباب التكبير حال الخروج إليها كما في العيد وهو غلط منه عليه ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب فاقتصر بعض الرواة على شئ وبعضهم على شئ وعبر بعضهم عن الدعاء بالخطبة وقع الاختلاف وأما قول بن بطال إن رواية أبي بكر بن محمد دالة على تقديم الصلاة على الخطبة وهو أضبط من ولديه عبد الله ومحمد فليس ذلك بالبين مسياق البخاري ولا مسلم والله أعلم وقال القرطبي يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة لمشابهتها بالعيد وكذا ما تقرر من تقديم الصلاة أمام الحاجة وقد ترجم المصنف لهذا الحديث أيضا الدعاء في الاستسقاء قائما واستقبال القبلة فيه وحمله بن العربي على حال الصلاة ثم قال يحتمل أن يكون ذلك خاصا بدعاء الاستسقاء ولا يخفى ما فيه وقد ترجم له المصنف في الدعوات بالدعاء مستقبل القبلة من غير قيد بالاستسقاء وكأنه ألحقه به لأن الأصل عدم الاختصاص وترجم أيضا لكونها ركعتين وهو إجماع عند من قال بها ولكونها في المصلى وقد استثنى الخفاف من الشافعية مسجد مكة كالعيد وبالجهر بالقراءة في الاستسقاء وبتحويل الظهر إلى الناس عند الدعاء وهو من السري استقبال القبلة قوله قال أبو عبد الله هو المصنف وقوله كان بن عيينة الخ يحتمل أن يكون تعليقا ويحتمل أن يكون سمع ذلك من شيخه على بن عبد الله المذكور ويرجح الثاني أن الاسماعيلي أخرجه عن جعفر الفريابي عن على بن عبد الله بهذا الإسناد فقال عن عبد الله بن زيد الذي أرى النداء وكذا أخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان وتعقبه بأن بن عيينة غلط فيه قوله لأن هذا يعني راوي حديث الاستسقاء عبد الله أي هو عبد الله بن زيد بن عاصم فالتقدير لأن هذا أي عبد الله بن زيد هو عبد الله بن زيد بن عاصم قوله مازن الأنصار احتراز عن مازن تميوهو مازن بن مالك بن عمرو بن تميم أو مازن قيس وهو مازن بن منصور بن الحار ث بن خصفة بمعجمة ثم الركعة مفتوحتين بن قيس بن عيلان ومازن بن صعصعة بن معاوية ببكر بن هوازن ومازن ضبة وهو مازن بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة ومازن شيبان وهو مازن بن ذهل بن ثعلبة بن شيبان وغيرهم قال الرشاطي مازن في القبائل كثير والمازن في اللغة بيض النمل وقد حذف البخاري مقابله والتقدير وذاك أي عبد الله بن زيد رائي الأذان عبد الله بن زيد بن عبد ربه وقد اتفقا في الاسم واسم الأب والنسبة إلى الأنصاري ثم إلى الخزرج والصحبة والرواية وافترقا في الجد والبطن الذي من الخزرج لأن حفيد عاصم من مازن وحفيد عبد ربه من بلحارث بن الخزرج والله أعلم قوله باب انتقام الرب عز وجل من خلقه بالقحط إذا انتهكت محارمه هكذا وقعت هذه الترجمة في رواية الحموي وحدث خالية من حديث ومن أثر قال بن رشيد كأنها كانت في رقعة مفردة فاهملها الباقون وكأنه وضعها ليدخل تحتها حديث وأليق شئ بها حديث عبد الله بن مسعود يعنى المذكور في ثاني باب من الاستسقاء وأخر ذلك ليقع له التغيير في بعض سنده كما جرت به عادته غالبا فعاقه عن ذلك عائق والله أعلم قوله باب انتقام الرب عز وجل من خلقه بالقحط إذا انتهكت محارمه هكذا وقعت هذه الترجمة في رواية الحموي وحده خالية من حديث ومن أثر قال بن رشيد كأنها كانت في رقعة مفردة فاهملها الباقون وكأنه وضعها ليدخل تحتها حديثا وأليق شئ بها حديث عبد الله بن مسعود يعني المذكور في ثاني باب من الاستسقاء وأخر ذلك ليقع له التغيير في بعض سنده كما جرت به عادته غالبا فعاقه عن ذلك عائق والله أعلم قوله باب
[ 417 ]
الاستسقاء في المسجد الجامع أشار بهذه الترجمة إلى أن الخروج إلى المصلى ليس بشرط في الاستسقاء لأن الملحوظ في الخروج المبالغة في اجتماع الناس وذلك حاصل في المسجد الأعظم بناء على المعهود في ذلك الزمان من عدم تعدد الجامع بخلاف ما حدث في هذه الإعصار في بلاد مصر والشام والله المستعان وقد ترجم له المصنف بعد ذلك من اكتفى بصلاة الجمعة في خطبة الاستسقاء وترجم له أيضا الاستسقاء في خطبة فأشاربذك إلى أنه إن اتفق وقوع ذلك يوم الجمعة اندرجت خطبة الاستسقاء وصلاتها في الجمعة ومدار الطرق الثلاثة على شريك فالأولى عن أبي ضمرة والثانية عن مالك والثالثة عن إسماعيل بن جعفر ثلاثتهم عن شريك وأخرجه أيضا من طرق أخرى عن أنس سنشير إليها عند النقل لزوائدها إن شاء الله تعالى قوله أن رجلا لم أقف على تسميته في حديث أنس وروى الإمام أحمد من حديث كعب بن مرة ما يمكن أن يفسر هذا المبهم بأنه كعب المذكور وسأذكر بعض سياقه بعد قليل وروى البيهقي في الدلائل من طريق مرسلة ما يمكن أن يفسر بأنه خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر ها ولكن رواه بن ماجة من طريق شرحبيل بن السمط أنه قال لكعب بن مرة يا كعب حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحذر قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق الله عز وجل فرفع يديه فقال اللهم اسقنا الحديث ففي هذا أنه غير كعب وسيأتي بعد أبواب في هذه القصة فأتاه أبو سفيان ومن ثم زعم بعضهم أنه أبو سفيان بن حرب وهو وهم لأنه جاء في واقعة أخرى كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين وقد تقدم في الجمعة من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أصاب الناس سنة أي جدب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قام أعرابي وسيأتي من رواية يحيى بن سعيد عن أنس أتى رجل أعرابي من أهل البدو وأما قوله في رواية ثابت الآتية في باب الدعاء إذا كثر المطر عن أنس فقام الناس فصاحوا فيعارض ذلك لأنه يحتمل أن الريح سألوه بعد أن سأل ويحتمل أنه نسب ذلك إليهم لموافقة سؤال السائل ما كانوا يريدونه من طلب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم وقد وقع في رواية ثابت أيضا عند أحمد إذ قال بعض أهل المسجد وهي ترجح الاحتمال الأول قوله من باب كان وجاه المنبر بكسر واو وجاه ويجوز ضمها أي مواجهة ووقع في شرح بن التين أن معناه مستدبر القبلة وهو وهم وكأنه ظن أن الباب المذكور كان مقابل ظهر المنبر وليس الأمر كذلك ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر من باب كان نحو دار القضاء وفسر بعضهم دار القضاء بأنها دار الإمارة وليس كذلك وإنما هي دار عمر بن الخطاب وسميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دينه فكان يقال لها دار قضاء دين عمر ثم طال ذلك فقيل لها دار القضاء ذكره الزبير بن بكار بسنده إلى بن عمر وذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة عن أبي غسان المدني سمعت بن أبي فديك عن عمه كانت دار القضاء لعمر فأمر عبد الله وحفصة أن يبيعاها عند وفاته في دين كان عليه فباعوها من معاوية وكانت تسمى دار القضاء قال بن أبي فديك سمعت عمي يقول إن كانت لتسمى دار قضاء الدين قال وأخبرني عمي أن الخوخة الشارعة في دار القضاء غربي المسجد هي خوخة أبي بكر الصديق التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبقى في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر وقد صارت بعد ذلك إلى مروان
[ 418 ]
وهو أمير المدينة فلعلها شبهة من قال إنها دار الإمارة فلا يكون غلطا كما قال صاحب المطالع وغيره وجاء في تسميتها دار القضاء قول آخر روا عمر بن شبة في أخبار المدينة عن أبي غسان المدني أيضا عن عبد العزيز بن عمران عن راشد بن حفص عن أم الحكم بنت عبد الله عن عمتها سهلة بنت عاصم قالت كانت دار القضاء لعبد الرحمن بن عوف وإنما سميت دار القضاء لأن عبد الرحمن بن عوف اعتزل فيها ليالي الشورى حتى قضى الأمر فيها فباعها بنو عبد الرحمن من معاوية بن أبي سفيان قال عبد العزيز فكانت فيها الدواوين وبيت المال ثم صيرها السفاح رحبة للمسجد وزاد أحمد في رواية ثابت عن أنس إني لقائم عند المنبر فأفاد بذلك قوة بذلك قوة ضبطه للقصة لقربه ومن ثم لم يرد هذا الحديث بهذا السياق كله إلا من روايته قوله قائم يخطب زاد في رواية قتادة في الأدب بالمدينة قوله فقال يا رسول الله هذا يدل على أن السائل كان مسلما فانتفى أن يكون أبا سفيان فإنه حين سؤاله لذلك كان لم يسلم كما سيأتي في حديث عبد الله بن مسعود قريبا قوله هلكا ت الأموال في رواية كريمة وأبي ذر جميعا عن الكشميهني المواشي وهو المراد بالأموا هنا لا الصامت وقد تقدم في كتاب الجمعة بلفظ هلك الكراع وهو بضم الكاف يطلق على الخيل وغيرها وفي رواية يحيى بن سعيد الآتية هلكت الماشية هلك العيال هلك الناس وهو من ذكر العام بعد الخاص والمراد بهلاكهم عدم وجود ما يعيشون به من الأقوات المفقودة بحبس المطر قوله وانقطعت السبل في رواية الأصيلي وتقطعت بمثناة وتشديد الطاء والمراد بذلك أن الإبل ضعفت لقله القوت عن السفر أو لكونها لا تجد في طريقها من الكلأ ما يقيم أودها وقيل المراد نفاد ما عند الناس من الطعام أو قلته فلا يجدون ما يحملونه يجلبونه إلى الأسواق ووقع في رواية قتادة الآتية عن أنس قحط المطر أي قل وهو بفتح القاف والطاء وحكي بضم ثم كسر وزاد في رواية ثابت الآتية عن أنس واحمرت الشجر واحمرارها كناية عن يبس ورقها لعدم شربها الماء أو لانتثاره فتصير الشجر أعوادا بغير ورق ووقع لأحمد في رواية قتادة وأمحلت الأرض وهذه الألفاظ يحتمل أن يكون الرجل قال كلها ويحتمل أن يكون بعض الرواة روى شيئا مما قاله بالمعنى لأنها متقاربة فلا تكون غلطا كما قال صاحب المطالع وغيره قوله فادع الله يغيثنا أي فهو يغيثنا وهذه رواية الأكثر ولأبي ذر أن يغيثنا وفي رواية إسماعيل بن جعفر الآتية للكشميهنى يخضعوا بالجزم ويجوز الضم في يغيثنا على أنه من الإغاثه وبالفتح على أنه من الغيث ويرجح الأول قوله في رواية إسماعيل بن جعفر فقال اللهم أغثنا ووقع في رواية قتادة فادع الله أن يسقينا وله في الأدب فاستسق ربك قال قاسم بن ثابت رواه لنا موسى بن هارون اللهم أغثنا وجائز أن يكون من الغوث أو من الغيث والمعروف في كلام العرب غثنا لأنه من الغوث وقال بن القطاع غاث الله عباده غيثا وغياثا سقاهم المطر وأغاثهم أجاب دعاءهم ويقال غاث واغاث بمعنى والرباعى أعلى وقال بن دريد الأصل غاثه الله يغوثه غوثا فأغيث واستعمل أغاثه ومن فتح أوله فمن الغيث ويحتمل أن يكون معنى أغثنا أعطنا غوثا وغيثا قوله فرفع يديه زاد النسائي في رواية سعيد عن يحيى بن سعيد ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون وزاد في رواية شريك حذاء وجهه ولابن خزيمة من رواية حميد عن أنس حتى رأيت بياض إبطيه وتقدم في الجمعة بلفظ فمد يديه ودعا زاد في رواية قتادة في الأدب فنظر إلى السماء
[ 419 ]
قوله فقال اللهم اسقنا أعاده ثلاثا في هذه الرواية ووقع في رواية ثابت الآتية عن أنس اللهم اسقنا مرتين والأخذ بالزيادة أولى كالغرماء ما تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا دعا ثلاثا قوله لا والله كذا للأكثر بالواو ولأبي ذر بالفاء وفي رواية ثابت المذكورة وأيم الله قوله من سحاب أي مجتمع ابن قزعة بفتح القاف والزاي بعدها الركعة أي سحاب متفرق قال بن سيده القزع قطع من السحاب رقاق زاد أبو عبيد وأكثر ما يجئ في الخريف قوله ولا شيئا بالنصب عطفا على موضع الجار والمجرور أي ما نرى شيئا والمراد نفى علامات المطر من ريح وغيره قوله وما بيننا وبين سلع بفتح المهملة وسكون اللام جبل معروف بالمدينة وقد حكى أنه بفتح اللام قوله من بيت ولا دار أي يحجبنا عن رؤيته وأشار بذلك إلى أن السحاب كان مفقودا لا مستترا ببيت ولا غيره ووقع في رواية ثابت في علامات النبوة قال قال أنس وإن السماء لفي مثل الزجاجة أي لشدة صفائها وذلك مشعر بعدم السحاب أيضا قوله فطلعت أي ظهرت من ورائه أي سلع وكأنها نشأت من جهة البحر لأن وضع سلع يقتضى ذلك قوله مثل الترس أي مستديرة ولم يرد أنها مثله في القدر لأن في رواية حفص بن عبيد الله عند أبي عوانة فنشأت سحابة مثل رجل الطائر وأنا أنظر إليها فهذا يشعر بأنها كانت صغيرة وفي رواية ثابت المذكورة فهاجت ريح أنشأت سحابا ثم اجتمع وفي رواية قتادة في الأدب فنشأ السحاب بعضه إلى بعض وفي رواية إسحاق الآتية حتى ثار السحاب أمثال الجبال أي لكثرته وفيه ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته وهذا يدل على أن السقف وكف لكونه كان من جريد النخل قوله فلما توسطت السماء انتشرت هذا يشعر بأنها استمرت مستديرة حتى انتهت إلى الأفق فانبسطت حينئذ وكأن فائدته تعميم الأرض بالمطر قوله ما رأينا الشمس سبتا كناية عن استمرار الغيم وساوسهم وهذا في الغالب وإلا فقد يستمر المطر والشمس بادية وقد تحجب الشمس بغير مطر وأصرح من ذلك رواية إسحاق الآتية بلفظ فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وأما قوله سبتا فوقع للأكثر بلفظ السبت يعني أحد الأيام والمراد به الأسبوع وهو من تسمية الشئ باسم بعضه كما يقال جمعة قاله صاحب النهاية قال ويقال أراد قطعة من الزمان وقال الزين بن المنير قوله سبتا أي من السبت إلى السبت أي جمعة وقال المحب الطبري مثله وزاد أن فيه تجوزا لأن السبت لم يكن مبدأ ولا الثاني منتهى وإنما عبر أنس بذلك لأنه كان من الأنصار وكانوا قد جاوروا اليهود فأخذوا بكثير من اصطلاحهم وإنما سموا الأسبوع سبتا لأنه أعظم الأيام عند اليهود كما أن الجمعة عند المسلمين كذلك وحكى النووي تبعا لغيره كثابت في الدلائل أن المراد بقوله سبتا قطعة من الزمان ولفظ ثابت الناس يقولون معناه من سبت إلى سبت وإنما السبت قطعة من الزمان وأن الداودي رواه بلفظ ستا وهو تصحيف وتعقب بأن الداودي لم ينفرد بذلك فقد وقع في رواية الحموي والمستملي هنا ستا وكذا رواه سعيد بن منصور عن الدراوردي عن شريك ووافقه أحمد من رواية ثابت عن أنس وكأن من ادعى أنه تصحيف استبعد اجتماع قوله ستا مع قوله في رواية إسماعيل بن جعفر الآتية سبعا وليس بمستبعد لأن من قال ستا أراد ستة أيام تامة ومن قال سبعا أضاف أيضا يوما ملفقا من الجمعتين وقد وقع في رواية مالك عن شريك فمطرنا من جمعة إلى جمعة وفي رواية للنسفى فدامت جمعة وفي رواية
[ 420 ]
عبدوس والقابسي فيما حكاه عياض سبتنا كما يقال جمعتنا ووهم من عزا هذه الرواية لأبي ذر وفي رواية قتادة الآتية فمطرنا فما كدنا نصل إلى منازلنا أي من كثرة المطر وقد تقدم للمصنف في الجمعة من وجه آخر بلفظ فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا ولمسلم في رواية ثابت فأمطرنا حتى رأيت الرجل تهمه نفسه أن يأتي أهله ولأبن خزيمة في رواية حميد حتى أهم الشاب القريب الدار الرجوع إلى أهله وللمصنف في الأدب من طريق قتادة حتى سألت مثاعب المدينة ومثاعب جمع مثعب بالمثلثة وآخره موحدة مسيل الماء قوله ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ظاهره أنه غير الأول لأن النكرة إذا تكررت دلت على التعدد وقد قال شريك في آخر هذا الحديث هنا سألت أنسا أهو الرجل الأول قال لا أدرى وهذا يقتضى أنه لم يجزم بالتغاير فالظاهر أن القاعدة المذكورة محمولة على الغالب لأن أنسا من أهل اللسان وقد تعددت وسيأتي في رواية إسحاق عن أنس فقام ذلك الرجل أو غيره وكذا لقتادة في الأدب وتقدم في الجمعة من وجه آخر كذلك وهذا يقتضى أنه كان يشك فيه وسيأتي من رواية يحيى بن سعيد فأتى الرجل فقال يا رسول الله ومثله لأبي عوانة من طريق حفص عن أنس بلفظ فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك الا عربي في الجمعة الأخرى وأصله في مسلم وهذا يقتضى الجزم بكونه واحدا فلعل أنسا تذكره بعد أن نسيه أو نسيه بعد أن كان تذكره ويؤيد ذلك رواية البيهقى في الدلائل من طريق يزيد أن عبيدا السلمي قال لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة وفيه خارجة بن حصن أخو عيينة قدموا على إبل عجاف فقالوا يا رسول الله أدع لنا ربك أن يغيثنا فذكر الحديث وفيه فقال اللهم أسق بلدك وبهيمك وانشر بركتك اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء وفيه قال فلا والله ما نرى في السماء من قزعة ولا سحاب وما بيد المسجد وسلع من بناء فذكر نحو حديث أنس بتمامه وفيه قال الرجل يعني الذي سأله أن يستسقى لهم هكلت الأموال الحديث كذا في الأصل والظاهر أن السائل هو خارجة المذكور لكونه كان كبير الوفد ولذلك سمي من بينهم والله أعلم وأفادت هذه الرواية صفة الدعاء المذكور والوقت الذي وقع فيه قوله هلكت الأموال وانقطعت السبل أي بسبب غير السبب الأول والمراد أن كثرة الماء انقطع المرعى بسببها فهلكت المواشي من عدم الرعى أو لعدم ما يكنها من المطر ويدل على ذلك قوله في رواية سعيد عن شريك عند النسائي من كثرة الماء وأما انقطاع السبل فلتعذر سلوك الطرق من كثرة الماء وفي رواية حميد عند بن خزيمة واحتبس الركبان وفي رواية مالك عن شريك تهدمت البيوت وفي رواية إسحاق الآتية هدم البناء وغرق المال قوله فادع الله يمسكها يجوز في يمكسها الضم والسكون وللكشميهني هنا أن يمسكها والضمير يعود على الأمطار أو على السحاب أو على السماء والعرب تطلق على المطر سماء ووقع في رواية سعيد عن شريك أن يمسك عنا الماء وفي رواية أحمد من طريق ثابت أن يرفعها عنا وفي رواية قتادة في الأدب فادع ربك أن يحبسها عنا فضحك وفي رواية ثابت فتبسم زاد في رواية حميد لسرعة ملال بن آدم قوله فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه تقدم الكلام عليه قريبا قوله اللهم حوالينا بفتح اللام وفيه حذف تقديره اجعل أو أمطر والمراد به صرف المطر عن الأبنية والدور قوله
[ 421 ]
ولا علينا فيه بيان للمراد بقوله حوالينا لأنها تشمل الطرق التي حولهم فاراد إخراجها بقوله ولا علينا قال الطيبي في إدخال الواو هنا معنى لطيف وذلك أنه لو أسقطها لكان مستسقيا للآكام وما معها فقط ودخول الواو يقتضى أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه ولكن ليكون وقاية من أذى المطر فليست الواو مخلصة للعطف ولكنها للتعليل وهو كقولهم تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها فإن الجوع ليس مقصودا لعينه ولكن لكونه مانعا عن الرضاع بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك أنفا أه قوله اللهم على الآكام فيه بيان للمراد بقوله حوالينا والإكام بكسر الهمزة وقد تفتح وتمد جمع أكمة بفتحات قال بن البرقي هو التراب المجتمع وقال الداودي هي أكبر من الكدية وقال القزاز هي التي من حجر واحد وهو قول الخليل وقال الخطابي هي الهضبة الضخمة وقيل الجبل الصغير وقيل ما ارتفع من الأرض وقال الثعالبي الأكمة أعلى من الرابية وقيل دونها قوله والظراب بكسر المعجمة وآخره موحدة جمع ظرب بكسر الراء وقد تسكن وقال القزاز هو الجبل المنبسط ليس بالعالى وقال الجوهري الرابية الصغيرة قوله والأودية في رواية مالك بطون الأودية والمراد بها ما يتحصل فيه الماء لينتفع به قالوا ولم تسمع أفعلة جمع فاعل إلا الأودية جمع واد وفيه نظر وزاد مالك في روايته ورؤوس الجبال قوله فانقطعت أي السماء أو السحابة الماطرة والمعنى أنها أمسكت عن المطر على المدينة وفي رواية مالك فانجابت عن المدينة أنجياب الثوب أي خرجت عنها كما يخرج الثوب عن لابسه وفي رواية سعيد عن شريك فما هو إلا أن تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك تمزق السحاب حتى ما نرى منه شيئا والمراد بقوله ما نرى منه شيئا أي في المدينة ولمسلم في رواية حفص فلقد رأيت السحاب يتمزق كأنه الملاحين تطوى والملا بضم الميم والقصر وقد يمد جمع ملاءة وهو ثوب معروف وفي رواية قتادة عند المصنف فلقد رأيت السحاب ينقطع يمينا وشمالا يمطرون أي أهل النواحى ولا يمطر أهل المدينة وله في الأدب فجعل السحاب يتصدع عن المدينة وزاد فيه يريهم الله كرامة نبيه وإجابة دعوته وله في رواية ثابت عن أنس فتكشطت أي تكشفت فجعلت تمطر حول المدينة ولا تمطر بالمدينة قطرة فنظرت إلى المدينة وأنها لمثل الإكليل ولأحمد من هذا الوجه فتقور ما فوق رؤوسنا من السحاب حتى كأنا في إكليل والإكليل بكسر الهمزة وسكون الكاف كل شئ دار من جوانبه واشتهر لما يوضع على الرأس فيحيط به وهو من ملابس الملوك كالتاج وفي رواية أسحق عن أنس فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة والجوبة بفتح الجيم الموحدة وهي الحفرة المستديرة الواسعة والمراد بها هنا الفرجة في السحاب وقال الخطابي المراد بالجوبة هنا الترس وضبطها الزين بن المنير تبعا لغيره بنون بدل الموحدة ثم فسره بالشمس إذا ظهرت في خلال السحاب لكن جزم عياض بأن من قاله بالنون فقد صحف وفي رواية إسحاق من الزيادة أيضا وسال الوادي وادي قناة شهراوقناة بفتح القاف والنون الخفيفة علم على أرض ذات مزارع بناحية أحد وواديها أحد أودية المدينة المشهورة قاله الحازمي وذكر محمد بن الحسن المخزومي في أخبار المدينة بإسناد له أن أول من سماه وادي قناة تبع اليماني لما قدم يثرب قبل الإسلام وفي رواية له أن تبعا بعث رائدا ينظر إلى مزارع المدينة فقال نظرت فإذا قناة حب ولاتبن والجرف حب وتبن والحرار يعني جمع حرة بمهملتين لا حب ولا تبن أه وتقدم في الجمعة من هذا الوجه وسال الوادي قناة وأعرب بالضم على البدل على أن قناة اسم الوادي ولعله من
[ 422 ]
تسمية الشئ باسم ما جاوره وقرأت بخط الرضي الشاطبي قال الفقهاء تقوله بالنصب والتنوين يتوهمونه قناة من القنوات وليس كذلك أه وهذا الذي ذكره قد جزم به بعض الشراح وقال هو على التشبيه أي سأل مثل القناة وقوله في الرواية المذكورة الا حدث بالجود هو بفتح الجيم المطر الغزير وهذا يدل على أن المطر استمر فيما سوى المدينة فقد يشكل بأنه يستلزم أن قول السائل هلكت الأموال وانقطعت السبل لم يرتفع الاهلاك ولا القطع وهو خلاف مطلوبه ويمكن الجواب بأن المراد أن المطر استمر حول المدينة من الإكام والظراب وبطون الأودية لا في الطرق المسلوكة ووقوع المطر في بقعة دون بقعة كثير ولو كانت تجاورها وإذا جاز ذلك جاز أن يوجد للماشية أماكن تكنها وترعى فيها بحيث لا يضرها ذلك المطر فيزول الإشكال وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة وفيه القيام في الخطبة وأنها لا تنقطع بالكلام ولا تنقطع بالمطر وفيه قيام الواحد بأمر الجماعة وإنما لم يباشر ذلك بعض أكابر الصحابة لأنهم كانوا يسلكون الأدب بالتسليم وترك الابتداء بالسؤال ومنه قول أنس كان يعجبنا أن يجئ الرجل من البادية فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤال الدعاء من أهل الخير ومن يرجى منه القبول واجابتهم لذلك ومن أدبه بث الحال لهم قبل الطلب لتحصيل الرقة المقتضية لصحة التوجه فترجى الإجابة عنده وفيه تكرار الدعاء ثلاثا وإدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر ولا تحويل فيه ولا استقبال والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء وليس في السياق ما يدل على أنه نواها مع الجمعة وفيه علم من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقبه أو معه ابتداء في الاستسقاء وانتهاء في الاستصحاء وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشارة وفيه الأدب في الدعاء حيث لم يدع برفع المطر مطلقا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره فاحترز فيه بما يقتضي رفع كلاهما وإبقاء النفع ويستنبط منه أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يتسخطها لعارض يعرض فيها بل يسأل الله رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة وفيه أن الدعاء برفع كلاهما لا ينافي التوكل وإن كان مقام الأفضل التفويض قال العلامة بن باز حفظه الله في هذا نظر والصواب أن الأخذ بالأسباب والبدار بالدعاء والاستغانة عند الحاجة أولى وأفضل من التفويض وسيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضي الله عنهم أخذت على ذلك ولعله إنما أخر الدعاء لأسباب اقتضت ذلك غير التفويض فلما سأله هذا السائل بادر بإجابته وذلك عن إذن الله سبحانه وتشريعه لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى والله أعلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بما وقع لهم من الجدب وأخر السؤال في ذلك تفويضا لربه ثم أجابهم إلى الدعاء لما سألوه في ذلك بيانا للجواز وتقرير السنة في هذه العبادة الخاصة أشار إلى ذلك بن أبي جمرة نفع الله به وفيه جواز تبسم الخطيب على المنبر تعجبا من أحوال الناس وجواز الصياح في المسجد بسبب الحاجة المقتضية لذلك وفيه اليمين لتأكيد الكلام ويحتمل أن يكون ذلك جرى على اختلفوا أنس بغير قصد اليمين واستدل به على جواز الاستسقاء بغير صلاة مخصوصة وعلى أن الاستسقاء لا تشرع فيه صلاة فأما الأول فقال به الشافعي وكرهه سفيان الثوري وأما الثاني فقال به أبو حنيفة كما تقدم وتعقب بأن الذي وقع في هذه القصة مجرد دعاء لا ينافي مشروعية الصلاة لها وقد بينت في واقعة أخرى كما تقدم واستدل به على الاكتفاء بدعاء الإمام في الاستسقاء قاله بن بطال وتعقب بما سيأتي في رواية يحيى بن سعيد ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون وقد استدل به المصنف في الدعوات على رفع اليدين في كل دعاء وفي الباب عدة أحاديث جمعها المنذري في جزء مفرد وأورد منها النووي في صفة الصلاة في شرح المهذب قدر ثلاثين حديثا وسنذكر وجه الجمع بينها وبين قول أنس كان لا يرفع يديه إلا في الاستسقاء بعد
[ 423 ]
أربعة عشر بابا إن شاء الله تعالى وفيه جواز الدعاء بالاستصحاء للحاجة وقد ترجم له البخاري بعد ذلك قوله باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة أورد فيه حديث أنس المذكور من طريق إسماعيل بن جعفر عن شريك المذكور وقد تقدمت فوائده في الذي قبله وقوله فيه يوم الجمعة في رواية كريمة يوم جمعة بالتنكير قوله باب الاستسقاء على المنبر أورد فيه الحديث المذكور أيضا من رواية قتادة عن أنس وقد تقدمت فوائده أيضا قوله باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء أورد فيه الحديث المذكور أيضا من طريق مالك عن شريك وقد تقدم ما فيه أيضا وقوله فيه فدعا فمطرنا في رواية الأصيلي فادع الله بدل فدعا وكل من اللفظين مقدر فيما لم يذكر فيه وفيه تعقب على من استدل به لمن يقول لا تشرع الصلاة للاستسقاء لأن الظاهر ما تضمنته الترجمة قوله باب الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر أورد فيه الحديث المذكور أيضا من طريق أخرى عن مالك وقد تقدم ما فيه ومراده بقوله من كثرة المطر أي وسائر ما ذ كر في الحديث مما يشرع الاستصحاء عند الجوزي وظاهره أن الدعاء بذلك متوقف على سبق السقيا وكلام الشافعي في الأم يوافقه وزاد أنه لا يسن الخروج للاستصحاء ولا الصلاة ولا تحويل الرداء بل يدعى بذلك في خطبة الجمعة أو في أعقاب الصلاة وفي هذا تعقب على من قال من الشافعية إنه ليس قول الدعاء المذكور في أثناء خطبة الاستسقاء لأنه لم ترد به السنة قوله باب ما قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحول رداءه الخ إنما عبر عنه
[ 424 ]
بلفظ قيل مع صحة الخبر لأن الذي قال في الحديث ولم يذكر أنه حول رداءه يحتمل أن يكون هو الراوي عن أنس أو من دونه فلأجل هذا التردد لم يجزم بالحكم وأيضا فسكوت الراوي عن ذلك لا يقتضى نفى الوقوع وأما تقييده بقوله يوم الجمعة فليبين أن قوله فيما مضى باب تحويل الرداء في الاستسقاء أي الذي يقام في المصلى وهذا السياق الذي أورده المصنف لهذا الحديث في هذا الباب مختصر جدا وسيأتي مطولا من الوجه المذكور بعد أثنى عشر بابا وفيه يخطب على المنبر يوم الجمعة قوله باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقى لهم لم يردهم أورد فيه الحديث المذكور من وجه آخر عن مالك أيضا قال الزين بن المنير تقدم له باب سؤال الناس الإمام إذا قحطوا والفرق بين الترجمتين أن الأولى لبيان ما على الناس أن يفعلوه إذا احتاجوا إلى الاستسقاء والثانية لبيان ما على الإمام من إجابة سؤالهم قوله باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط قال الزين بن المنير ظاهر هذه الترجمة منع أهل الذمة من الاستبداد بالاستسقاء كذا قال ولا يظهر وجه المنع من هذا اللفظ واستشكل بعض شيوخنا مطابقة حديث بن مسعود للترجمة لأن الاستشفاع إنما وقع عقب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بالقحط ثم سئل أن يدعو برفع ذلك ففعل فنظيره أن يكون إمام المسلمين هو الذي دعا على الكفار بالجدب فأجيب فجاءه الكفار يسألونه الدعاء بالسقيا انتهى ومحصله أن الترجمة أعم من الحديث ويمكن أن يقال هي مطابقة لما وردت فيه ويلحق بها بقية الصور إذ لا يظهر الفرق بين ما إذا استشفعوا بسبب دعائه أو بابتلاء الله لهم بذلك فإن الجامع بينهما ظهور الخضوع منهم والذلة للمؤمنين في التماسهم منهم الدعاء لهم وذلك من مطالب الشرع ويحتمل أن يكون ما ذكره شيخنا هو السبب في حذف المصنف جواب إذا من الترجمة ويكون التقدير في الجواب مثلا أجابهم مطلقا أو أجابهم بشرط أن يكون هو الذي دعا عليهم أو لم يجبهم إلى ذلك أصلا ولا دلالة فيما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة على مشروعية ذلك لغيره إذ الظاهر أن ذلك من خصائصه لاطلاعه على المصلحة في ذلك بخلاف من بعده من الأئمة ولعله حذف جواب إذ الوجود هذه الاحتمالات ويمكن أن يقال إذا رجا إمام المسلمين رجوعهم عن الباطل أو وجود نفع عام للمسلمين شرع دعاؤه لهم والله أعلم قوله عن مسروق قال أتيت بن مسعود سيأتي في تفسير الروم بالإسناد المذكور في أوله بينما رجل يحدث في كندة فقال يجئ دخان يوم القيامة فذكر القصة وفيها ففزعنا فأتيت بن مسعود الحديث قوله فقال إن قريشا أبطئوا سيأتي في الطريق المذكورة إنكار بن مسعود لما قاله القاص المذكور وسنذكر في تفسير سورة الدخان ما وقع لنا في تسمية القاص المذكور وأقوال العلماء في المراد بقوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين مع بقية شرح هذا الحديث ونقتصر في هذا الباب على ما يتعلق بالاستسقاء ابتداء وانتهاء قوله فدعا عليهم تقدم في أوائل الاستسقاء صفة ما دعا به عليهم وهو قوله اللهم سبعا كسبع يوسف وهو منصوب بفعل تقديره أسألك أو سلط عليهم وسيأتي في تفسير سورة يوسف بلفظ اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف وفي سورة الدخان اللهم أعنى عليهم الخ وأفاد الدمياطي أن ابتداء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بذلك كان عقب فتأسف على ظهره سلى الجزور الذي تقدمت قصته في الطهارة وكان ذلك بمكة قبل الهجرة وقد دعا النبي صلى
[ 425 ]
الله عليه وسلم عليهم بذلك بعدها بالمدينة في القنوت كما تقدم أوائل الاستسقاء من حديث أبي هرير ولا يلزم من ذلك اتحاد هذا القصص إذ لا مانع أن يدعو بذلك عليهم مرارا والله أعلم قوله فجاءه أبو سفيان يعني الأموي والد معاوية والظاهر أن مجيئه كان قبل الهجرة لقول بن مسعود ثم عادوا فذلك قوله يوم نبطش البطشة الكبرى يوم بدر ولينقل أن أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو طالب كان حاضرا ذلك فلذلك قال وأبيض يستسقى الغمام بوجهه البيت لكن سيأتي بعد هذا بقليل ما يدل على أن القصة المذكورة وقعت بالمدينة فإن لم يحمل على التعدد وإلا فهو مشكل جدا والله المستعان قوله جئت تأمر بصلة الرحم يعني والذين هلكوا بدعائك من ذوي رحمك فينبغي أن تصل رحمك بالدعاء لهم ولم يقع في هذا السياق التصريح بأنه دعا لهم وسيأتي هذا الحديث في تفسير سورة ص بلفظ فكشف عنهم ثم عادوا وفي سورة الدخان من وجه آخر بلفظ فاستسقى لهم فسقوا ونحوه في رواية أسباط المعلقة قوله بدخان مبين الآية سقط قوله الآية لغير أبي ذر وسيأتي ذكر بقية اختلاف الرواية في تفسير سورة الدخان قوله يوم نبطش البطشة الكبرى زاد الأصيلي بقية الآية قوله وزاد أسباط هو بن نصر ووهم من زعم أنه أسباط بن محمد قوله عن منصور يعني شوال المذكور قبله إلى بن مسعود وقد وصله الجوزقي والبيهقي من رواية على بن ثابت عن أسباط بن نصر عن منصور وهو بن المعتمر عن أبي الضحى عن مسروق عن بن مسعود قال لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس إدبارا فذكر نحو الذي قبله وزاد فجاءه أبو سفيان وناس من أهل مكة فقالوا يا محمد إنك تزعم إنك بعثت رحمة وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث الحديث وقد أشاروا بقولهم بعثت رحمة إلى قوله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين قوله فسقوا الناس حولهم كذا في جميع الروايات في الصحيح بضم السين والقاف وهو على لغة بني الحارث وفي رواية البيهقي المذكورة فأسقى الناس حولهم وزاد بعد هذا فقال يعني بن مسعود لقد مرت آية الدخان وهو الجوع الخ وقد تعقب الداودي وغيره هذه الزيادة ونسبوا أسباط بن نصر إلى الغلط في قوله وشكا الناس كثرة المطر الخ وزعموا أنه أدخل حديثا في حديث وأن الحديث الذي فيه شكوى كثرة المطر وقوله اللهم حوالينا لا علينا لم يكن في قصة قريش وإنما هو في القصة التي رواها أنس وليس هذا التعقب عندي بجيد إذ لا مانع أن يقع ذلك مرتيا والدليل على أن أسباط بن نصر لم يغلط ما سيأتي في تفسير الدخان من رواية أبي معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى في هذا الحديث فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت قال لمضر إنك لجرئ فاستسقى فسقوا أه والقائل فقيل يظهر لي أنه أبو سفيان لما ثبت في كثير من طرق هذا الحديث في الصحيحين فجاءه أبو سفيان ثم وجدت في الدلائل للبيهقي من طريق شبابة عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم على أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط عن كعب بن مرة أو مرة بن كعب قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فأتاه أبو سفيان فقال أدع الله لقومك فإنهم قد هلكوا ورواه أحمد وابن ماجة من رواية الأعمش عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد عن كعب بن مرة ولم يشك فأبهم أبا سفيان قال جاءه رجل فقال استسق الله لمضر فقال انك لجرئ المضر قال يا رسول الله استنصرت الله فنصرك
[ 426 ]
ودعوت الله فأجابك فرفع يديه فقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار قال فأجيبوا فما لبثوا أن أتوه فشكوا إليه كثرة المطر فقالوا قد تهدمت البيوت فرفع يديه وقال اللهم حوالينا لا علينا فجعل السحاب يتقطع يمينا وشمالا فظهر بذلك أن هذا الرجل المبهم المقول له إنك لجرئ هو أبو سفيان لكن يظهر لي أن فاعل قال يا رسول الله استنصرت الله الخ هو كعب بن مرة راوي هذا الخبر لما أخرجه أحمد أيضا والحاكم من طريق شعبة أيضا عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد إلى كعب قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فأتيته فقلت يارسول الله إن الله قد نصرك وأعطاك واستجاب لك وإن قومك قد هلكوا الحديث فعلى هذا كأن أبا سفيان وكعبا حضرا جميعا فكلمه أبو سفيان بشئ وكعب بشئ فدل ذلك على اتحاد قصتهما وقد ثبت في هذه ما ثبت في تلك من قوله انك لجرئ ومن قوله فقال اللهم حوالينا لا علينا وغير ذلك وظهر بذلك أن أسباط بن نصر لم يغلط في الزيادة المذكورة ولم ينتقل من حديث إلى حديث وسياق كعب بن مرة يشعر بأن ذلك وقع في المدينة بقوله استنصرت الله فنصرك لأن كلا منهما كان بالمدينة بعد الهجرة لكن لا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصة مع قصة أنس بل قصة أنس واقعة أخرى لأن في رواية أنس فلم يزل على المنبر حتى مطروا وفي هذه فما كان الا جمعة أو نحوها حتى مطروا والسائل في هذه القصة غير السائل في تلك فهما قصتان وقع في كل منهما طلب الدعاء بالاستسقاء ثم طلب الدعاء بالاستصحاء وإن ثبت أن كعب بن مرة أسلم قبل الهجرة حمل قوله استنصرت الله فنصرك على النصر بإجابة دعائه عليهم وزال الاشكال المتقدم والله أعلم وإني ليكثر تعجبي من كثرة إقدام الدمياطي على تغليط ما في الصحيح بمجرد التوهم مع إمكان التصويب بمزيد التأمل والتنقيب عن الطرق وجميع ما ورد في الباب من اختلاف الألفاظ فلله الحمد على ما علم وأنعم قوله باب الدعاء إذا كثر المطر حوالينا لا علينا كان التقدير أن يقول حوالينا وتكلف له الكرماني إعرابا آخر وأورد فيه حديث أنس من طريق ثابت عنه وقد تقدم الكلام عليه مستوفى وإنما أختار لهذه الترجمة رواية ثابت لقوله فيها وما تمطر بالمدينة قطرة لأن ذلك أبلغ في انكشاف المطر وهذه اللفظة لم أنكر إلا في هذه الرواية وقوله فيها وانكشطت كذا للأكثر ولكريمة فكشطت على البناء للمجهول قوله باب الدعاء في الاستسقاء قائما أي في الخطبة وغيرها قال بن بطال الحكمة فيه كونه حال خشوع وإنابة فيناسبه القيام وقال غيره القيام شعار الاعتناء والاهتمام والدعاء أهم أعمال الاستسقاء فناسبه القيام ويحتمل أن يكون قام ليراه الناس فيقتدوا بما يصنع قوله وقال لنا أبو نعيم قال الكرماني تبعا لغيره الفرق بين قال لنا وحدثنا أن القول يستعمل فيما يسمع من الشيخ في مقام المذاكرة والتحديث فيما يسمع في مقام التحمل أه لكن ليس استعمال البخاري لذلك منحصرا في المذاكرة فإنه يستعمله فيما يكون ظاهره الوقف وفيما يصلح للمتابعات لتخلص صيغة التحديث لما وضع الكتاب لأجله من الأصول المرفوعة والدليل على ذلك وجود كثير من الأحاديث التي عبر فيها في الجامع بصيغة القول معبرا فيها بصيغة التحديث في تصانيفه الخارجة عن الجامع قوله عن زهير هو بن معاوية أبو خيثمة الجعفي وأبو إسحاق هو السبيعي قوله خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري يعني إلى الصحراء يستسقى وذلك حيث كان
[ 427 ]
أميرا على الكوفة من جهة عبد الله بن الزبير في سنة أربع وستين قبل غلبة المختار بن أبي عبيد عليها ذكر ذلك بن سعد وغيره وقد روى هذا الحديث قبيصة عن الثوري عن أبي أسحق قال بعث بن الزبير إلى عبد الله بن يزيد الخطمي أن استسق بالناس فخرج وخرج الناس معه وفيهم زيد بن أرقم والبراء بن عازب أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه وخالفه عبد الرزاق عن الثوري فقال فيه أن بن الزبير خرج يستسقى بالناس الحديث وقوله إن بن الزبير هو الذي فعل ذلك وهم وإنما الذي فعله هو عبد الله بن يزيد بأمر بن الزبير وقد وافق قبيصة عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري على ذلك قوله فقام بهم في رواية أبي الوقت وأبي ذر لهم قوله فاستسقى في رواية أبي الوقت فاستغفر فائدة أورد القدرة في الجمع هذا الحديث فيما انفرد به البخاري ووهم في ذلك وسببه أن رواية مسلم وقعت في المغازي ضمن حديث لزيد بن أرقم قوله ثم صلى ركعتين ظاهره أنه أخر الصلاة عن الخطبة وصرح بذلك الثوري في رواية وخالفه شعبة فقال في روايته عن أبى إسحاق ان عبد الله بن يزيد خرج يستسقى بالناس فصلى ركعتين ثم استسقى أخرجه مسلم وقد تقدم في أوائل الاستسقاء ذكر الاختلاف في ذلك وأن الجمهور ذهبوا إلى تقديم الصلاة وممن أختار تقديم الخطبة بن المنذر وصرح الشيخ أبو حامد وغيره بأن هذا الخلاف في الاستحباب لا في الجواز قوله ولم يؤذن ولم يقم قال بن بطال اجمعوا على أن لا أذان ولا إقامة للاستسقاء والله أعلم قوله قال أبو إسحاق ورأى عبد الله بن يزيد النبي صلى الله عليه وسلم كذا للأكثر وللحموي وحده وروى عبد الله بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدته كذلك في نسخة الصغاني فإن كانت روايته محفوظة احتمل أن يكون المراد أنه روى هذا الحديث بعينه والأظهر أن مراده أنه روي في الجملة فيوافق قوله رأى لأن كلا منهما يثبت له الصحبة أما سماع هذا الحديث فلا وقوله قال أبو إسحاق هو موصول وقد رواه الاسماعيلي من رواية أحمد بن يونس وعلى بن الجعدي عن زهير وصرحا باتصاله إلى أبي إسحاق وكأن السر في إيراد هذا الموقوف هنا كونه يفسر المراد بقوله في الرواية المرفوعة بعده فدعا الله قائما أي كان على رجليه لا على المنبر والله أعلم قوله باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء أي في صلاتها ونقل بن بطال أيضا الإجماع عليه قوله ثم صلى ركعتين يجهر في رواية كريمة والأصيلي جهر بلفظ الماضي قوله باب كيف حول النبي صلى الله عليه وسلم ظهره إلى الناس أورد فيه الحديث المذكور وفيه فحول إلى الناس ظهره وقد استشكل لأن الترجمة لكيفية التحويل والحديث دال على وقوع التحويل فقط وأجاب الكرماني بأن معناه حوله حال كونه داعيا وحمل الزين بن المنير قوله كيف على الاستفهام فقال لما كان التحويل المذكور لم يتبين كونه من ناحية اليمين أو اليسار أحتاج إلى الاستفهام عنه أه والظاهر أنه لما لم يتبين من الخبر ذلك كأنه يقول هو على التخيير لكن المستفاد من خارج أنه ألتفت بجانبه الأيمن لما ثبت أنه كان يعجبه التيمن في شأنه كله ثم إن محل هذا التحويل بعد فراغ الموعظة وإرادة الدعاء قوله ثم حول رداءه ظاهره أن الاستقبال وقع سابقا لتحويل الرداء وهو ظاهر كلام الشافعي ووقع في كلام كثير من الشافعية أنه يحوله حال الاستقبال والفرق بين تحويل الظهر والاستقبال أنه في ابتداء التحويل وأوسطه يكون منحرفا حتى يبلغ الانحراف غايته فيصير مستقبلا قوله
[ 428 ]
باب صلاة الاستسقاء ركعتين هو مجرور على البدل من صلاة المجرور بالإضافة والتقدير صلاة ركعتين في الاستسقاء أو هو عطف بيان أو منصوب بمقدر وقد تقدم حديث الباب في باب تحويل الرداء وقوله فيه عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أبي الوقت سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله باب الاستسقاء في المصلى هذه الترجمة أخص من الترجمة المتقدمة أول الأبواب وهي باب الخروج إلى الاستسقاء لأنه أعم من أن يكون إلى المصلى ووقع في رواية هذا الباب تعيين الخروج إلى الاستسقاء إلى المصلى بخلاف تلك فناسب كل رواية ترجمتها قوله قال سفيان هو بن عيينة وهو متصل بالإسناد الأول ووهم من زعم أنه معلق كالمزى حيث علم على المسعودي في التهذيب علامة التعليق فإنه عند بن ماجة من وجه آخر عن سفيان عن المسعودي وكذا قول بن القطان لا ندري عمن أخذه البخاري قال ولهذا لا يعد أحد المسعودي في رجاله وقد تعقبة بن المواق بأن الظاهر أنه أخذه عن عبد الله بن محمد شيخه فيه ولا يلزم من كونهم لم يعدوا المسعودي في رجاله أن لا يكون وصل هذا الموضع عنه لأنه لم يقصد الرواية عنه وإنما ذكر الزيادة التي زادها استطرادا وهو كما قال قوله عن أبي بكر يعني بن محمد بن عمرو بن حزم شوال وهو عن عباد بن تميم عن عمه وزعم بن القطان أيضا أنه لا يدري عمن أخذ أبو بكر هذه الزيادة أه وقد بيذلك ما أخرجه بن ماجة وابن خزيمة من طريق سفيان بن عيينة وفيه بيان كون أبي بكرواها عن عباد بن تميم عن عمه وكذا أخرجه القدرة في مسنده عن سفيان بن عيينة مبينا قال بن بطال حديث أبي بكر يدل على أن الصلاة قبل الخطبة لأنه ذكر أنه صلى قبل قلب ردائه قال وهو أضبط للقصة من ولده عبد الله بن أبي بكر حيث ذكر الخطبة قبل الصلاة قوله باب استقبال القبلة في الاستسقاء أي في أثناء الخطبة التي أنكر من أجله في المصلى قوله حدثنا محمد بين أبو ذر في روايته أنه بن سلام قولحدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي قوله خرج إلى المصلى يصلي في رواية المستملى يدعو قوله وأنه لما دعا أو أراد أن يدعو الشك من الراوي ويحتمل أنه يحيى بن سعيد فقد رواه السراج من طريق يحيى بن أيوب عنه بالشك أيضا ورواه مسلم من رواية سليمان بن بلال عنه فلم يشك كما تقدم في باب تحويل الردا وكأنه كان يشك فيه تارة ويجزم به أخرى وتقدم الكلام على بقية فوائده هناك قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله عبد الله بن زيد هذا مازني يعني راوي حديث الاستسقاء والأول كوفي وهو بن يزيد كذا وقعت هذه الزيادة في رواية الكشميهني وحده هنا وأليق المواضع بها باب الدعاء في الاستسقاء قائما فإن فيه عن عبد الله بن يزيد حديثا وعن عبد الله بن زيد حديثا فيحسن بيان تغايرهما حيث ذكرا جميعا وأما هذا الباب فليس فيه لعبد الله بن يزيد ذكر ولعل هذا من يطلق الكشميهني وكأنه رآه في ورقة مفردة فكتبه في هذا الموضع احتياطا ويمكن أن يكون قوله والأول أي الذي مضى في باب الدعاء في الاستسقاء هو بن يزيد بزيادة الياء في أول اسلم أبيه قوله باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء تضمنت هذه الترجمة الرد على من زعم أنه يكتفى بدعاء الإمام في الاستسقاء وقد أشرنا إليه قريبا قوله وقال أيوب بن سليمان
[ 429 ]
أي بن بلال وهو من شيوخ البخاري إلا أنه ذكر هذه الطريق عنه بصيغة التعليق وقد وصلها الاسماعيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق أبي إسماعيل الترمذي عن أيوب وقد تقدم الكلام على بقية المتن في باب تحويل الرداء قوله فأتى الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بشق المسافر كذا للأكثر بفتح الموحدة وكسر المعجمة بعدها قاف واختلف في معناه فوقع في البخار بشق أي مل وحكى الخطابي أنه وقع فيه بشق اشتد أي اشتد عليه كلاهما وقال الخطابي بشق ليس بشئ وإنما هو لثق يعني بلام ومثلثة بدل الموحدة والشين يقال لثق الطريق أي صار ذا وحل ولثق الثوب إذا أصابه ندى المطر قلت وهو رواية أبي إسماعيل التي ذكرناها قال الخطابي ويحتمل أن يكون مشق بالميم بدل الموحدة أي صارت الطريق دماءها ومنه مشق الخط والميم والباء متقاربتان وقال بن بطال لم أجد لبشق في اللغة معنى وفي نوادر اللحيانى نشق بالنون أي نشب انتهى وفي النون والقاف من مجمل اللغة لابن فارس وكذا في الصحاح نشق الظبي في الحبالة أي علق فيها ورجل نشا إذا كان ممن يدخل في أمور لا يتخلص منها ومقتضى كلام هؤلاء أن الذي وقع في رواية البخاري تصحيف وليس كذلك بل له وجه في اللغة لا كما قالوا ففي المنضد لكراع بشق بفتح الموحدة تأخر ولم يتقدم فعلى هذا فمعنى بشق هنا ضعف عن السفر وعجز عنه كضعف الباشق وعجزه عن الصيد لأنه ينفر الصيد ولا يصيد وقال أبو موسى في ذيل الغريبين الباشق طائر معروف فلو اشتق منه فعل فقيل بشق لما أمتنع قال ويقال بشق الثوب وبشكه قطعه في خفة فعلى هذا يكون معنى بشق أي قطع به من السير انتهى كلامه وأما ما وقع في بعض الروايات بثق بموحدة ومثلثة فلم أره في شئ مما اتصل بنا وهو تصحيف فإن البثق الانفجار ولا معنى له هنا قوله وقال الأويسي هو عبد العزيز بن عبد الله ومحمد بن جعفر هو بن أبي كثير المدني أخو إسماعيل وهذا التعليق ثبت هنا للمستملي وثبت لأبي الوقت وكريمة في آخر الباب الذي بعده وسقط للباقين رأسا لأنه مذكور عند الجميع في كتاب الدعوات وقد وصله أبو نعيم في المستخرج كما سيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى قوله باب رفع الإمام يده في الاستسقاء ثبتت هذه الترجمة في رواية الحموي والمستملي قال بن رشيد مقصوده بتكرير رفع الإمام يده وإن كانت الترجمة التي قبلها تضمنته لتفيد فائدة زائدة وهي أنه لم يكن يفعل ذلك إلا في الاستسقاء قال ويحتمل أن يكون قصد التنصيص بالقصد الأول على رفع الإمام يده كما قصد التنصيص في الترجمة الأولى بالقصد الأول على رفع الناس وإن اندرج معه رفع الإمام قال ويجوز أن يكون قصد بهذه كيفية رفع الإمام يده لقوله حتى يرى بياض إبطيه انتهى وقال الزين بن المنير ما محصله لا تكرار في هاتين الترجمتين لأن الأولى لبيان اتباع المأمومين الإمام في رفع اليدين والثانية لإثبات رفع اليدين للأمام في الاستسقاء قوله عن سعيد هو بن أبي عروبة قوله عن قتادة عن أنس في رواية يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة أن أنسا حدثهم كما سيأتي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قوله إلا في الاستسقاء ظاهره نفى الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء وقد تقدم أنها كثيرة وقد أفردها المصنف بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أولى وحمل حديث أنس على نفى رؤيته وذلك لا يستلزم نفى رؤية غيره وذهب آخرون إلى
[ 430 ]
تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة إما الرفع البليغ فيدل عليه قوله حتى يرى بياض إبطيه ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به الفساد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه وأما صفة اليدين في ذلك فلما رواه مسلم من رواية ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء ولأبي داود من حديث أنس أيضا كان يستسقى هكذا ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه قال النووي قال العلماء السنة في كل دعاء لرفع البلاء أن يرفع يديه جاعلا ظهور كفيه إلى السماء وإذا دعا بسؤال شئ وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء انتهى وقال غيره الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب الحال ظهرا لبطن كما قيل في تحويل الرداء أو هو إشارة إلى صفة المسئول وهو نزول السحاب إلى الأرض قوله باب ما يقال يحتمل أن تكون ما موصولة أو موصوفة أو استفهامية قوله إذا مطرت كذا لأبي ذر من الثلاثي وللباقين أمطرت من الرباعي وهما بمعنى عند الجمهور وقيل يقال مطر في الخير وأمطر في الشر قوله وقال بن عباس كصيب المطر وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عنه بذلك وهو قول الجمهور وقال بعضهم الصيب السحاب ولعله أطلق ذلك مجازا قال بن المنير مناسبة أثر بن عباس لحديث عائشة لما وقع في حديث الباب المرفوع قوله صيبا قدم المصنف تفسيره في الترجمة وهذا يقع له كثيرا وقال أخوه الزين وجه المناسبة أن الصيب لما جرى ذكره في القرآن قرن بأحوال مكروهة ولما ذكر في الحديث وصف بالنفع فأراد أن يبين بقول بن عباس أنه المطر وأنه ينقسم إلى نافع وضار قوله وقال غيره صاب وأصاب يصوب كذا وقع في جميع الروايات وقد استشكل من حيث أن يصوب مضارع صاب وأما أصاب فمضارعه يصيب قال أبو عبيدة الصيب تقديره من الفعل سيد وهو من صاب يصوب فلعله كان في الأصل وانصاب كما حكاه صاحب المحكم فسقطت النون كما سقطت ينصاب بعد يصوب أو المراد ما حكاه صاحب الأفعال صاب المطر يصوب إذا نزل فأصاب الأرض فوقع فيه تقديم وتأخير قوله حدثنا محمد هو بن مقاتل وعبد الله هو بن المبارك وعبيد الله هو بن عمر العمري ونافع مولى بن عمر والقاسم بن محمد أي بن أبي بكر الصديق وقد سمع نافع من عائشة ونزل في هذه الرواية عنها وكذا سمع عبيد الله من القاسم ونزل في هذه الرواية عنه مع أن معمرا قد رواه عن عبيد الله بن عمر عن القاسم نفسه بإسقاط نافع من السند أخرجه عبد الرزاق عنه قوله اللهم صيبا نافعا كذا في رواية المستملى وسقط اللهم لغيرهما وصيبا منصوب بفعل مقدر أي اجعله ونافعا صفة للصيب وكأنه احترز بها عن الصيب الضار وهذا الحديث من هذا الوجه مختصر وقد أخرجه مسلم من رواية عطاء عن عائشة تاما ولفظه كان إذا كان يوم ريح عرف ذلك في وجهه ويقول إذا رأى المطر رحمة وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق شريح بن هانئ عن عائشة أوضح منه ولفظه كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل فإن كشف حمد الله فإن أمطرت قال اللهم صيبا نافعا وسيأتي للمصنف في أوائل بدء الخلق من رواية عطاء أيضا عن عائشة مقتصرا على معنى الشق الأول وفيه أقبل وأدبر وتغير وجهه وفيه وما أدري لعله كما قال قوم عاد هذا عارض
[ 431 ]
الآية وعرف برواية شريح أن الدعاء المذكور يستحب بعد نزول المطر للازدياد من الخير والبركة مقيدا بدفع ما يحذر من ضرر قوله تابعه القاسم بن يحيى أي بن عطاء بن مقدم المقدمي عن عبيد الله بن عمر المذكور شوال ولم أقف على هذه الرواية موصولة وقد أخرج البخاري في التوحيد عن مقدم بن محمد عن عمه القاسم بن يحيى بهذا الإسناد حديثا غير هذا وزعم مغلطاي أن الدارقطني وصل هذه المتابعة في غرائب الأفراد من رواية يحيى عن عبيد الله قلت ليس ذلك مطابقا إلا إن كان نسخته سقط منها من متن البخاري لفظ القاسم بن يحيى قوله ورواه الأوزاعي وعقيل عن نافع يعني كذلك فأما رواية الأوزاعي فأخرجها النسائي في عمل يوم وليلة عن محمود بن خالد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بهذا ولفظه هنيئا بدل نافعا ورويناها في الغيلانيات من طريق دحيم عن الوليد وشعيب هو بن إسحاق قالا حدثنا الأوزاعي حدثني نافع فذكره وكذلك وقع في رواية بن أبي العشرين عن الأوزاعي حدثني نافع أخرجه بن ماجة وزال بهذا ماكان يخشى من تدليس الوليد وتسويته وقد اختلف فيه على الأوزاعي اختلافا كثيرا ذكره الدارقطني في العلل وأرجحها هذه الرواية ويستفاد من رواية دحيم صحة سماع الأوزاعي عن نافع خلافا لمن نفاه وأما رواية عقيل فذكرها الدارقطني أيضا قال الكرماني قال أولا تابعه القاسم ثم قال ورواه الأوزاعي فكان تغير الاسلوب لإفادة العموم في الثاني لأن الرواية أعم من أن تكون على سبيل المتابعة أم لا فيحتمل أن يكونا روياه عن نافع كما رواه عبيد الله ويحتمل أن يكونا روياه على صفة أخرى انتهى وما أدرى لم ترك احتمال أنه صنع ذلك للتفنن في العبارة مع أنه الواقع في نفس الأمر لما بينا من أن رواية الجميع متفقة لأن الخلاف الذي ذكره الدارقطني إنما يرجع إلى إدخال واسطة بين الأوزاعي ونافع أو لا والبخاري قد قيد رواية الأوزاعي بكونها عن نافع والرواة لم يختلفوا في أن نافعا رواه عن القاسم عن عائشة فظهر بهذا كونها متابعة لا مخالفة وكذلك رواية عقيل لكن لما كانت متابعة القاسم أقرب من متابعتهما لأنه تابع في عبيد الله وهما تابعا في شيخه حسن أن يفردها منهما ولما أفردها تفنن في العبارة قوله باب من تمطر بتشديد الطاء أي تعرض لوقوع المطر وتفعل يأتي لمعان أليقها هنا أنه بمعنى مواصلة العمل في الركعة نحو تفكر ولعله أشار إلى ما أخرجه مسلم من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال حسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر وقال لأنه حديث عهد بربه قال العلماء معناه قريب العهد بتكوين ربه وكأن المصنف أراد أن يبين أن تحادر المطر على لحيته صلى الله عليه وسلم لم يكن اتفاقا وإنما كان قصدا فلذلك ترجم بقوله من تمطر أي قصد نزول المطر عليه لأنه لو لم يكن باختياره لنزل عن المنبر أول ما وكف السقف لكنه تمادى في خطبته حتى كثر نزوله بحيث تحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم وقد مضى الكلام على حديث أنس مستوفى في باب تحويل الرداء قوله باب إذا هبت الريح أي ما يصنع من قول أو فعل قيل وجه دخول هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء أن المطلوب بالاستسقاء نزول المطر والريح في الغالب تعقبه وقد سبق قريبا التنبيه على أيضاح ما يصنع عند هبوبها ووقع في حديث عائشة الآتي في بدء الخلق ووقع عند أبي يعلى بإسناد صحيح عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
[ 432 ]
هاجت ريح شديدة قال اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به وأعوذ بك من شر ما أمرت به وهذه زيادة على رواية حميد يجب قبولها لثقة رواتها وفي الباب عن عائشة عند الترمذي وعن أبي هرير عند أبي داود والنسائي وعن بن عباس عند الطبراني وعن غيرهم والتعبير في هذه الرواية في وصف الريح بالشديدة يخرج الريح الخفيفة والله أعلم وفيه الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا قال الزين بن المنير في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص حديث أنس الذي قبله بما سوى الصبا من جميع يجري الريح لأن قضية نصرها له أن يكون مما يسر بها دون غيرها ويحتمل أن يكون حديث أنس على عمومه إما بأن يكون نصرها له متأخرا عن ذلك لأن ذلك وقع في غزوة الأحزاب وهو المراد بقوله تعالى فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها كما جزم به مجاهد وغيره وإما بأن يكون نصرها له بسبب إهلاك أعدائه فيخشى من هبوبها أن تهلك أحدا من عصاة أمته وهو كان بهم رؤوفا رحيما صلى الله عليه وسلم وأيضا فالصبا تؤلف للسحاب وتجمعه فالمطر في الغالب يقع حينئذ وقد وقع في الخبر الماضي أنه كان إذا أمطرت سري عنه وذلك يقتضى أن تكون الصبا أيضا مما يقع التخوف عند هبوبها فيعكر ذلك على التخصيص المذكور والله أعلم قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم قوله بالصبا بفتح المهملة بعدها موحدة مقصورة يقال لها القبول بفتح القاف لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس وضدها الدبور وهي التي أهلكت بها قوم عاد ومن لطيف المناسبة كون القبول نصرت أهل القبول وكون الدبور أهلكت أهل الإدبار وأن الدبور أشد من الصبا لما سنذكره في قصة عاد أنها لم يخرج منها إلا قدر يسير ومع ذلك استأصلتهم قال الله تعالى فهل ترى لهم من باقية ولما علم الله رأفة نبيه صلى الله عليه وسلم بقومه رجاء أن يسلموا سلط عليهم الصبا فكانت سبب رحيلهم عن المسلمين لما أصابهم بسببها من الشدة ومع ذلك فلم تهلك منهم أحدا ولم تستأصلهم ومن الرياح أيضا الجنوب والشمال فهذه الأربع تهب من الجهات الأربع وأي ريح هبت من بين جهتين منها يقال لها النكباء بفتح النون وسكون الكاف بعدها موحدة ومد وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في بدء الخلق إن شاء الله تعالى قوله باب ما قيل في الزلازل والآيات قيل لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخوف المفضى إلى الخشوع والإنابة كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك لا سيما وقد نص في الخبر على أن أكثر الزلازل من أشراط الساعة وقال الزين بن المنير وجه إدخال هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء أن وجود الزلزلة ونحوها يقع غالبا مع نزول المطر وقد تقدم لنزول المطر دعاء يخصه فأراد المصنف أن يبين أنه لم يثبت على شرطه في القول عند الزلازل ونحوها شئ وهل يصلي عند وجودها حكى بن المنذر فيه الاختلاف وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث عن على وصح ذلك عن بن عباس أخرجه عبد الرزاق وغيره وروى بن حبان في صحيحه من طريق عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعا صلاة الآيات ست ركعات وأربع سجدات ثم أورد المصنف في هذا الباب حديثين أحدهما حديث أبي هريرة من طريق أبي الزناد عن عبد الرحمن وهو بن هرمز الأعرج عنه مرفوعا لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الفتن فإنه أخرج
[ 433 ]
هذا الحديث هناك مطولا وذكر منه قطعا هنا وفي الزكاة وفي الرقاق واختلف في قوله يتقارب الزمان فقيل على ظاهره فلا يظهر التفاوت في الليل والنهار بالقصر والطول وقيل المراد قرب يوم القيامة وقيل تذهب البركة فيذهب اليوم والليلة بسرعة وقيل المراد يتقارب أهل ذلك الزمان في الشر وعدم الخير وقيل تتقارب صدور الدول وتطول مدة أحد لكثرة الفتن وقال النووي في شرح قوله حتى يقترب الزمان معناه حتى تقرب القيامة ووهاه الكرماني وقال هو من تحصيل الحاصل وليس كما قال بل معناه قرب الزمان العام من الزمان الخاص وهو يوم القيامة وعند قربه يقع ما ذكر من الأمور المنكرة الحديث الثاني حديث بن عمر اللهم بارك لنا في شامنا الحديث وفيه قالوا وفي نجدنا قال هناك الزلازل والفتن هكذا وقع في هذه الروايات التي اتصلت لنا بصورة الموقوف عن بن عمر قال اللهم بارك لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وقال القابسي سقط ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من النسخة ولا بد منه لأن مثله لا يقال بالرأي انتهى وهو من رواية الحسين بن الحسن البصري من آل مالك بن يسار عن عبد الله بن عون عن نافع ورواه أزهر السمان عن بن عون مصرحا فيه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في كتاب الفتن ويأتي الكلام عليه أيضا هناك ونذكر فيه من وافق أزهر على التصريح برفعه إن شاء الله تعالى وقوله فيه قالوا وفي نجدنا قائل ذلك بعض من حضر من الصحابة كما في الحديث الآخر عند الدعاء للمحلقين قالوا والمقصرين قوله باب قوله الله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال بن عباس شكركم يحتمل أن يكون مراده أن بن عباس قرأها كذلك ويشهد له ما رواه سعيد بن منصور عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس أنه كان يقرأ وتجعلون شكركم أنكم تكذبون وهذا إسناد صحيح ومن هذا الوجه أخرجه بن مردويه في التفسير المسند وروى مسلم من طريق أبي زميل عن بن عباس قال مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حديث زيد بن خالد في الباب وفي آخره فأنزلت هذه الآية فلا أقسم بمواقع النجوم إلى قوله تكذبون وعرف بهذا مناسبة الترجمة وأثر بن عباس لحديث زيد بن خالد وقد روى نحو أثر بن عباس المعلق مرفوعا من حديث على لكن سياقه يدل على القراءة أخرجه عبد بن حميد من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن على مرفوعا وتجعلون رزقكم قال تجعلون شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا وقد قيل في القراءة المشهورة حذف تقديره وتجعلون شكر رزقكم وقال الطبري المعنى وتجعلون الرزق الذي وجب عليكم به الشكر تكذيبكم به وقيل بل الرزق بمعنى الشكر في لغة أزد شنوءة نقله الطبري عن الهيثم بن عدي قوله عن زيد بن خالد الجهني هكذا يقول صالح بن جلس لم يختلف عليه في ذلك وخالفه الزهري فرواه عن شيخهما عبيدلله فقال عن أبي هريرة أخرجه مسلم عقب رواية صالح فصحح الطريقين لأن عبيد الله سمع من زيد بن خالد وأبي هريرة جميعا عدة أحاديث منها حديث العسيف وحديث الأمة إذا زنت فلعله سمع هذا منهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وإنما لم يجمعهما لاختلاف لفظهما كما سنشير إليه وقد صرح صالح بسماعه له من عبيد الله عن أبي عوانة وروى صالح عن عبيد الله بواسطة الزهري عدة أحاديث منها حديث بن عباس في شاة ميمونة كما تقدم في الطهارة وحديثه عنه في قصة هرقل كما تقدم في بدء الوحي قوله صلى لنا أي لأجلنا أو اللام بمعنى
[ 434 ]
الباء أي صلى بنا وفيه جواز إطلاق ذلك مجازا وإنما الصلاة لله تعالى قوله بالحديبية بالمهملة والتصغير وتخفف للإستشهاد وتثقل يقال سميت بشجرة حدباء هناك قوله على إثر بكسر الهمزة وسكون المثلثة على المشهور وهو ما يعقب الشئ قوله سماء أي مطر وأطلق عليه سماء لكونه ينزل من جهة السماء وكل جهة علو تسمى سماء قوله كانت من الليل كذا للأكثر وللمستملى والحموي من الليلة بالإفراد قوله فلما انصرف أي من صلاته أو من مكانه قوله هل تدرون لفظ استفهام معناه التنبيه ووقع في رواية سفيان عن صالح عند النسائي ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة وهذا من الأحاديث الإلهية وهي تحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله بلا واسطة أو بواسطة قوله مطرف من عبادي هذه إضافة عموم بدليل التقسيم إلى مؤمن وكافر بخلاف مثل قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان فإنها إضافة تشريف قوله مؤمن بي وكافر يحتمل أن يكون المراد بالكفر هنا كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان ولأحمد من رواية نصر بن عاصم المؤذن عن معاوية المؤذن مرفوعا يكون الناس مجدبين فينزل الله عليهم رزقا من السماء من رزقه فيصبحون مشركين يقولون مطرنا بنوء كذا ويحتمل أن يكون المراد به كفر النعمة ويرشد إليه قوله في رواية معمر عن صالح عن سفيان فأما من حمدني على سقياى وأثنى على فذلك آمن بي وفي رواية سفيان عند النسائي والاسماعيلي نحوه وقال في آخره وكفر بي أو قال كفر نعمتي وفي رواية أبي هريرة عند مسلم قال الله ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا مطرف فريق منهم كافرين بها وله في حديث بن عباس مطرف من الناس شاكر ومنهم كافر وعلى الأول حملكثير من أهل العلم وأعلى ما وقفت عليه من ذلك كلام الشافعي قال في الأم من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا ومن قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرا وغيره من الكلام أحب إلى منه يعني حسما للمادة وعلى ذلك يحمل إطلاق الحديث وحكى بن قتيبة في كتاب الأنواء أن العرب كانت في ذلك على مذهبين على نحو ما ذكره الشافعي قال ومعنى النوء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر قال وهو مأخوذ من ناء إذا سقط وقال آخرون بل النوء طلوع نجم منها وهو مأخوذ من ناء إذا نهض ولا تخالف بين القولين في الوقت لأن كل نجم منها إذا طلع في المشرق وقع حال طلوعه آخر في المغرب لا يزال ذلك مستمرا إلى أن تنتهي الثمانية والعشرون بانتهاء السنة فإن لكل واحد منها ثلاثة عشر يوما تقريبا قال وكانوا في الجاهلية يظنون أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم وإما بعلامته فأبطل الشرع قولهم وجعله كفرا فإن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعا في ذلك فكفره كفر تشريك وإن اعتقد أن ذلك من معي التجربة فليس بشرك لكن يجوز إطلاق الكفر عليه وإرادة كفر النعمة لأنه لم يقع في شئ من طرق الحديث بين الكفر والشرك واسطة فيحمل الكفر فيه على المعنيين لتناول الأمرين والله أعلم ولا يرد الساكت لأن المعتقد قد يشكر بقلبه أو يكفر وعلى هذا فالقول في قوله فأما من قال لما هو أعم من النطق والاعتقاد كما أن الكفر فيه لما هو أعم من كفر الشرك وكفر النعمة والله أعلم بالصواب قوله مطرنا بنوء كذا وكذا في
[ 435 ]
حديث أبي سعيد عند النسائي مطرنا بنوء المجدح بكسر الميم وسكون الجيم وفتح الدال بعدها الركعة ويقال بضم أوله هو الدبران بفتح مهملة والموحدة بعدها وقيل سمي بذلك لاستدباره الثريا وهو نجم أحمر صغير منير قال بن قتيبة كل النجوم المذكورة له نوء غير أن بعضها أحمر وأغزر من بعض ونوء الدبران غير محمود عندهم انتهى وكأن ذلك ورد في الحديث تنبيها على مبالغتهم في نسبة المطر إلى النوء ولو لم يكن محمودا أو اتفق وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت إن كانت القصة واحدة وفي مغازي الواقدي أن الذي قال في ذلك الوقت مطرنا بنوء الشعرى هو عبد الله بن أبي المعروف بابن سلول أخرجه من حديث أبي قتادة وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم طرح الإمام المسألة على أصحابه وإن كانت لا تدرك إلا بدقة النظر ويستنبط منه أن للولي المتمكن من النظر في الإشارة أن يأخذ منها عبارات ينسبها إلى الله تعالى كذا قرأت بخط بعض شيوخنا وكأنه أخذه من استنطاق النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عما قال ربهم وحمل الاستفهام فيه على الحقيقة لكنهم رضي الله عنهم فهموا خلاف ذلك ولهذا لم يجيبوا إلا بتفويض الأمر إلى الله ورسوله قوله باب لا يدري متى يجئ المطر إلا الله تعالى عقب الترجمة الماضية بهذه لأن تلك تضمنت أن المطر إنما ينزل بقضاء الله وأنه لا تأثير للكواكب في نزوله وقضية ذلك أنه لا يعلم أحد متى يجئ إلا هو قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم خمس لا يعلمهن إلا الله هذا طرف من حديث وصله المؤلف في الإيمان وفي تفسير لقمان من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام لكن يسير في خمس لا يعلمهن إلا الله ووقع في بعض الروايات في التفسير بلفظ وخمس وروى بن مردويه في التفسير من طريق يحيى بن أيوب الأسماء عن جده عن أبي زرعة عن أبي هريرة رفعه خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله إن الله عنده علم الساعة الآية قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري قوله مفتاح في رواية الكشميهني مفاتح قوله وما يدري أحد متى يجئ المطر زاد الاسماعيلي إلا الله أخرجه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري وفيه رد على من زعم أن لنزول المطر وقتا معينا لا يتخلف عنه وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في تفسير لقمان إن شاء الله تعالى خاتمة اشتملت أبواب الاستسقاء من الأحاديث المرفوعة على أربعين حديثا المعلق منها تسعة والبقية موصولة المكرر فيها وفيما مضى سبعة قرة حديثا والخالص ثلاثة عشر وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث بن عمر الذي فيه شعر أبي طالب وحديث أنس عن عمر في الاستسقاء بالعباس وحديث عبد الله بن زيد في الاستسقاء على رجليه وحديث عبد الله بن زيد في صفة تحويل الرداء وإن كان أخرج أصله وحديث عائشة في قوله صيبا نافعا وأصله أيضا فيه وحديث أنس كان إذا هبت الريح الشديدة وسيأتي بيان ما انفرد به من حديث أبي هريرة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وفه من الآثار عن الصحابة وغيرهم أثران والله أعلم بسم الله الرحمن الرحيم أبواب الكسوف ثبتت البسملة في رواية كريمة والترجمة في رواية المستملى وفي بعض النسخ كتاب بدل أبواب
[ 436 ]
والكسوف لغة التغير إلى سواد ومنه كسف وجهه وحاله وكسفت الشمس اسودت وذهب شعاعها واختلف في الكسوف هل هما مترادفان أو لا كما سيأتي قريبا قوله باب الصلاة في كسوف الشمس أي مشروعيتها وهو أمر متفق عليه لكن اختلف في الحكم وفي الصفة فالجمهور على أنها سنة مؤكدة وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها ولم أره لغيره إلا ما حكى عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها وكذا نقل بعض مصطفى الحنفية أنها واجبة وسيأتي الكلام على الصفة قريبا قوله حدثنا خالد هو بن عبد الله الطحان ويونس هو بن عبيد والإسناد كله بصريون وترجمة الحسن عن أبي بكرة متصلة عند البخاري منقطعة عند أبي حاتم والدارقطني وسيأتى التصريح بالأخبار فيه بعد أربعة أبواب وهو يؤيد صنيع البخاري قوله فانكسفت يقال كسفت الشمس بفتح الكاف جفال بمعنى وأنكر القزاز انكسفت وكذا الجوهري حيث نسبه للعامة والحديث يرد عليه وحكى كسفت بضم الكاف وهو نادر قوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه زاد في اللباس من وجه آخر عن يونس مستعجلا وللنسائي من رواية يزيد بن زريع عن يونس من العجلة ولمسلم من حديث أسماء كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع فأخطأ بدرع حتى أدرك بردائه يعني أنه أراد لبس ردائه فلبس الدرع من شغل خاطره بذلك واستدل به على أن جر الثوب لا يذم إلا ممن قصد به الخيلاء ووقع في حديث أبي موسى بيان السبب في الفزع كما سيأتي قوله فصلى بنا ركعتين زاد النسائي كما تصلون واستدل به من قال أن صلاة الكسوف كصلاة النافلة وحمله بن حبان والبيهقي على أن المعنى كما تصلون في الكسوف لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة وقد كان بن عباس علمهم أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان كما روى ذلك الشافعي وابن أبي شيبة وغيرهما ويؤيد ذلك أن في رواية عبد الوارث عن يونس الآتية في أواخر الكسوف أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله وقال فيه ان في كل ركعة ركوعين فدل ذلك على اتحاد القصة وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة وفي رواية جابر زيادة بيان في صفة الركوع والأخذ بها أولى ووقع في أكثر الطرق عن عائشة أيضا أن في كل ركعة ركوعين وعند بن خزيمة من حديثها أيضا أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام قوله حتى انجلت استدل به على إطالة الصلاة حتى يقع الانجلاء وأجاب الطحاوي بأنه قال فيه فصلوا وادعوا فدل على أنه إن سلم من الصلاة قبل الانجلاء يتشاغل بالدعاء حتى تنجلي وقرره بن دقيق العيد بأنه جعل الغاية لمجموع الأمرين ولا يلزم من ذلك أن يكون غاية لكل منهما على انفراده فجاز أن يكون الدعاء ممتدا إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة فيصير غاية للمجموع ولا يلزم منه تطويل الصلاة ولا تكريرها وأما ما وقع عند النسائي من حديث النعمان بن بشير قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت فإن كان محفوظا احتمل أن يكون معنى قوله ركعتين أي ركوعين وقد وقع التعبير عن الركوع بالركعة في حديث الحسن خسف القمر وابن عباس بالبصرة فصلى ركعتين في كل ركعة ركعتان الحديث أخرجه الشافعي وأن يكون السؤال وقع بالإشارة فلا يلزم التكرار وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي قلابة أنه صلى الله عليه وسلم كان
[ 437 ]
كلما ركع ركعة أرسل رجلا ينظر هل انجلت فتعين الاحتمال المذكور وإن ثبت تعدد القصة زال الإشكال أصلا قوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الشمس زاد في رواية بن خزيمة فلما كشف عنا خطبنا فقال واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة كما سيأتي قوله لموت أحد في رواية عبد الوارث الآتية بيان سبب هذا القول ولفظه وذلك أن أبنا للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له إبراهيم مات فقال الناس في ذلك وفي رواية مبارك بن فضالة عند بن حبان فقال الناس إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم ولأحمد وللنسائي وابن ماجة وصححه بن خزيمة وابن حبان من رواية أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا يجر ثوبه حتى أتى المسجد فلم يزل يصلي حتى انجلت فلما انجلت قال إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء وليس كذلك الحديث وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض وهو نحو قوله في الحديث الماضي في الاستسقاء يقولون مطرنا بنوء كذا قال الخطابي كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته وشدة الخوف من ربه وسيأتي لذلك مزيد بيان قوله فإذا رأيتموها في رواية كريمة رأيتموهما بالتثنية وسيأتي القول فيه إن شاء الله تعالى قوله حدثنا شهاب بن عباد هو العبدي الكوفي من شيوخ البخاري ومسلم ولهم شيخ آخر يقال له شهاب بن عباد العبدي لكنه بصري وهو أقدم من الكوفي يكون في طبقة شيوخ شيوخه أخرج له البخاري وحده في الأدب المفرد وإبراهيم بن حميد شيخه هو بن عبد الرحمن الرؤاسي بضم الراء بعدها همزة خفيفة وفي طبقته إبراهيم بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ولم يخرجوا له وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وهذا الإسناد كله كوفيون قوله آيتان أي علامتان من آيات الله أي الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته ويؤيده قوله تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا وسيأتي قوله صلى الله عليه وسلم يخوف الله بهما عباده في باب مفرد قوله فإذا رأيتموها أي الآية وللكشميهني رأيتموهما بالتثنية وكذا في رواية الاسماعيلي والمعنى إذا رأيتم كسوف كل منهما لاستحالة وقوع ذلك فيهما معا في حالة واحدة عادة وإن كان ذلك جائزا في القدرة الإلهية واستدل به على مشروعية الصلاة في كسوف القمر وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد إن شاء الله تعالى ووقع في رواية بن المنذر حتى ينجلي كسوف أيهما انكسف وهو أصرح في المراد وأفاد أبو عوانة أن في بعض الطرق أن ذلك كان يوم مات إبراهيم وهو كذلك في مسند الشافعي وهو يؤيد ما قدمناه من اتحاد القصة قوله فقوموا فصلوا استدل به على أنه لا وقت لصلاة الكسوف معين لأن الصلاة علقت برؤيته وهي ممكنة في كل وقت من النهار وبهذا قال الشافعي ومن تبعه واستثنى الحنفية أوقات الكراهة وهو مشهور مذهب أحمد وعن المالكية وقتها من وقت حل النافلة إلى الزوال وفي رواية إلى صلاة العصر ورجح الأول بأن المقصود إيقاع هذه العبادة قبل الانجلاء وقد اتفقوا على
[ 438 ]
أنها لا تقضى بعد الانجلاء فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله فيفوت المقصود ولم أقف في شئ من الطرق مع كثرتها على أنه صلى الله عليه وسلم صلاها الأضحى لكن ذلك وقع اتفاقا ولا يدل على منع ما عداه واتفقت الطرق على أنه بادر إليها قوله أخبرني عمرو هو بن الحارث المصري وعبد الرحمن بن القاسم هو بن أبي بكر الصديق ونصف رجال هذا الإسناد الأعلى مدنيون ونصفه الأدنى مصريون قوله لا يخسفان بفتح أوله ويجوز الضم وحكى بن الصلاح منه وروى بن خزيمة والبزار من طريق نافع عن بن عمر قال خسفت الشمس يوم مات إبراهيم الحديث وفيه فافزعوا إلى الصلاة وإلى ذكر الله وادعوا وتصدقوا قوله ولا لحياته استشكلت هذه الزيادة لأن السياق إنما ورد في حق من ظن أن ذلك لموت إبراهيم ولم يذكروا الحياة والجواب أن فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول لا يلزم من نفى كونه سببا وطبقاتها أن لا يكون سببا للايجاد فعمم الفاء النفي لدفع هذا التوهم قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو المسندي وهاشم هو أبو النضر وشيبان هو النحوي قوله يوم مات إبراهيم يعني بن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر جمهور أهل السير أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة فقيل في ربيع الأول وقيل في رمضان وقيل في ذي الحجة والأكثر على أنها وقعت في عاشر الشهر وقيل في رابعه وقيل في رابع عشره ولا يصح شئ منها على قول ذي الحجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذ ذاك بمكة في الحج وقد ثبت أنه شهد وفاته وكانت بالمدينة بلا خلاف نعم قيل إنه مات سنة تسع فإن ثبت يصح وجزم النووي بأنها كانت سنة الحديبية ويجاب بأنه كان يومئذ بالحديبية ورجع منها في آخر الشهر وفيه رد على أهل الهيئة لأنهم يزعمون أنه لا يقع في الأوقات المذكورة وقد فرض الشافعي وقوع العيد والكسوف معا واعترضه بعض من اعتمد على قول أهل الهيئة وانتدب أصحاب الشافعي لدفع قول المعترض فأصابوا قوله فإذا رأيتم أي شيئا من ذلك وفي رواية الاسماعيلي فإذا رأيتم ذلك وسيأتي من وجه آخر بعد أبواب فإذا رأيتموها تنبيه ابتدأ البخاري أبواب الكسوف بالأحاديث المطلقة في الصلاة بغير تقييد بصفة إشارة منه إلى أن ذلك يعطي أصل الامتثال وإن كان إيقاعها على الصفة المخصوصة عنده أفضل وبهذا قال أكثر العلماء ووقع لبعض الشافعية كالبندنيجى أن صلاتها ركعتين كالنافلة لا يجزئ والله أعلم قوله باب الصدقة في الكسوف أورد فيه حديث عائشة من رواية هشام بن عروة عن أبيه أثم عنها ورده بعد باب من رواية بن شهاب عن عروة ثم بعد بابين من رواية عمرة عن عائشة وعند كل منهم ما ليس عند الآخر وورد الأمر في الأحاديث التي أوردها في الكسوف بالصلاة والصدقة والذكر والدعاء وغير ذلك وقد قدم منها الأهم فالأهم ووقع الأمر بالصدقة في رواية هشام دون غيرها فناسب أن يترجم بها ولأن الصدقة تالية الولاء فلذلك جعلها تلو ترجمة الصلاة في الكسوف قوله خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى استدل به على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على الوضوء فلهذا لم يحتج إلى الوضوء في تلك الحال وفيه نظر لأن في السياق حذفا سيأتي في رواية بن شهاب خسفت الشمس فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه وفي رواية عمرة فخسفت فرجع ضحى فمر بين الحجر ثم قام يصلي وإذا ثبتت هذه الأفعال جاز أن يكون حذف أيضا فتوضأ ثم قام يصلي فلا يكون نصا في أنه كان على
[ 439 ]
وضوء قوله فأطال القيام في رواية بن شهاب فاقترأ قراءة طويلة وفي أواخر الصلاة من وجه آخر عنه فقرأ بسورة طويلة وفي حديث بن عباس بعد أربعة أبواب فقرأ نحوا من سورة البقرة في الركعة الأولى ونحوه لأبي داود من طريق سليمان بن يسار عن عروة وزاد فيه أنه قرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحوا من آل عمران قوله ثم قام فأطال القيام في رواية بن شهاب ثم قال سمع الله لمن حمده وزاد من وجه آخر عنه في أواخر الكسوف ربنا ولك الحمد واستدل به على استحباب الذكر المشروع في الاعتدال في أول القيام الثاني من الركعة الأولى واستشكله بعض متأخرى الشافعية من جهة كونه قيام قراءة لا قيام اعتدال بدليل اتفاق العلماء ممن قال بزيادة الركوع في كل ركعة على قراءة الفاتحة فيه وإن كان محمد بن مسلمة المالكي خالف فيه والجواب أن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة فلا مدخل للقياس فيها بل كل ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعله فيها كان مشروعا لأنها أصل برأسه وبهذا المعنى رد الجمهور على من قاسها على صلاة النافلة حتى منع من زيادة الركوع فيها وقد أشار الطحاوي إلى أن قول أصحابه جرى على القياس في صلاة النوافل لكن اعترض بأن القياس مع وجود النص يضحل وبأن صلاة الكسوف أشبه بصلاة العيد ونحوها مما يجمع فيه من مطلق النوافل فامتازت صلاة الجنازة بترك الركوع والسجود وصلاة العيدين بزيادة التكبيرات وصلاة الخوف بزيادة الأفعال الكثيرة واستدبار القبلة فكذلك اختصت صلاة الكسوف بزيادة الركوع فالأخذ به جامع بين العمل بالنص والقياس بخلاف من لم يعمل به قوله فأطال الركوع لم أر في شئ من الطرق بيان ما قال فيه إلا أن العلماء اتفقوا على أنه لا قراءة فيه وإنما فيه الذكر من تسبيح وتكبير ونحوهما ولم يقع في هذه الرواية ذكر تطويل الاعتدال الذي يقع فيه السجود بعده ولا تطويل الجلوس بين السجدتين وسيأتي البحث فيه في باب المريض السجود قوله ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى وقع ذلك مفسرا في رواية عمرة الآتية قوله ثم انصرف أي من الصلاة وقد تجلت الشمس في رواية بن شهاب انجلت الشمس قبل أن ينصرف وللنسائي ثم تشهد وسلم قوله فخطب الناس فيه مشروعية الخطبة للكسوف والعجب أن مالكا روى حديث هشام هذا وفيه التصريح بالخطبة ولم يقل به أصحابه وسيأتي البحث فيه بعد باب واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة بخلاف ما لو انجلت قبل أن يشرع في الصلاة فإنه يسقط الصلاة والخطبة فلو انجلت في أثناء الصلاة أتمها على الهيئة المذكورة عند من قال بها وسيأتي ذكر دليله وعن أصبغ يتمها على هيئة النوافل المعتادة قوله فحمد الله وأثنى عليه زاد النسائي في حديث سمرة وشهد أنه عبد الله ورسوله قوله فاذكروا الله في رواية الكشميهني فادعوا الله قوله والله ما من أحد فيه القسم لتأكيد الخبر وإن كان الثاني غير شاك فيه قوله ما من أحد أغير بالنصب على أنه الخبر وعلى أن من زائدة ويجوز فيه الرفع على لغة تميم أو أغير مخفوض صفة لأحد والخبر محذوف تقديره موجود قوله أغير أفعل تفضيل من الغيرة بفتح الغين المعجمة وهي في اللغة تغير يحصل من الحمية والأنفة وأصلها في الزوجين والأهلين وكل ذلك محال على الله تعالى قال العلامة بن باز حفظه الله المحال عليه سبحانه وتعالى وصفه بالغيرة المشابهة لغيرة المخلوق وأما الغيرة اللائقة بجلاله سبحانه وتعالى فلا يستحيل وصفه بها كما دل عليه هذا الحديث وما جاء في معناه فهو سبحانه يوصف بالغيرة عند أهل السنة على وجه لا يماثل فيه صفة المخلوقين ولا يعلم كنهها وكيفيتها إلا هو سبحانه كالقول في الاستواء والنزول والرضا والغضب وغير ذلك من صفاته سبحانه والله أعلم لأنه منزه عن كل تغير ونقص فيتعين حمله على المجاز فقيل لما كانت ثمرة الغيرة صون الحريم ومنعهم وزجر من يقصد إليهم أطلق عليه ذلك
[ 440 ]
لكونه منع من فعل ذلك وزجر فاعله وتوعده فهو من باب تسمية الشئ بما يترتب عليه وقال بن فورك المعنى ما أحد أكثر زجرا عن الفواحش من الله وقال غيرة الله ما يغير من حال العاصي بانتقامه منه في الدنيا والآخرة أو في إحداهما ومنه قوله تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وقال بن دقيق العيد أهل التنزيه في مثل هذا على قولين إما ساكت وإما مؤول على أن المراد بالغيرة شدة المنع والحماية فهو من مجاز الملازمة وقال الطيبي وغيره وجه أتصال هذا المعنى بما قبله من قوله فاذكروا الله الخ من جهة أنهم لما أمروا باستدفاع البلاء بالذكر والدعاء والصلاة والصدقة ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء وخص منها الزنا لأنه أعظمها في ذلك وقيل لما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرا في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة رب الغيرة وخالقها سبحانه وتعالى وقوله يا أمة محمد فيه معنى الإشفاق كما يخاطب الوالد ولده إذا أشفق عليه بقوله يا بني كذا قيل وكان قضية ذلك أن يقول يا أمتي لكن لعدوله عن المضمر إلى المظهر حكمة وكأنه بسبب كون المقام مقام تحذير وتخويف لما في الإضافة إلى الضمير من الإشعار خبيثين ومثله يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا الحديث وصدر صلى الله عليه وسلم كلامه باليمين لإرادة التأكيد للخبر وإن كان لا يرتاب في صدقه ولعل تخصيص العيد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب مع الله تعالى لتنزهه عن الزوجة والأهل ممن يتعلق بهم الغيرة غالبا ويؤخذ من قوله يا أمة محمد أن الواعظ ينبغي له حال وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تفخيم لنفسه بل يبالغ في التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع من يسمعه قوله لو تعلمون ما أعلم أي من عظيم قدرة الله وانتقامه من أهل الاجرام وقيل معناه لو دام علمكم كما دام علمي لأن علمه متواصل بخلاف غيره وقيل معناه لو علمتم من سعة رحمة الله وحلمه وغير ذلك ما أعلم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك قوله لضحكتم قليلا قيل معنى القلة هنا العدم والتقدير لتركتم الضحك ولم يقع منكم إلا نادرا لغلبة الخوف واستيلاء الحزن وحكى بن بطال عن المهلب أن سبب ذلك ما كان عليه الأنصار من محبة اللهو والغناء وأطال في تقرير ذلك بما لا طائل فيه ولا دليل عليه ومن أين له أن المخاطب بذلك الأنصار دون غيرهم والقصة كانت في أواخر زمنه صلى الله عليه وسلم حيث امتلأت المدينة بأهل مكة ووفود العرب وقد بالغ الزين بن المنير في الرد عليه والتشنيع بما يستغنى عن حكايته وفي الحديث ترجيح التخويف في الخطبة على التوسع في الترخيص لما في ذكر الرخص من ملاءمة النفوس لما جبلت عليه من الشهوة والطبيب الحاذق يقابل العلة بما يضادها لا بما يزيدها واستدل به على أن لصلاة الكسوف هيئة تخصها من التطويل الزائد على العادة في القيام وغيره ومن زيادة ركوع في كل ركعة وقد وافق عائشة على رواية ذلك عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو متفق عليهما ومثله عن أسماء بنت أبي بكر كما تقدم في صفة الصلاة وعن جابر عند مسلم وعن على عند أحمد وعن أبي هريرة عند النسائي وعن بن عمر عند البزار وعن أم سفيان عند الطبراني وفي رواياتهم زيادة رواها الحفاظ الثقات فالأخذ بها أولى من إلغائها وبذلك قال جمهور أهل العلم من أهل الفتيا وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق أخرى فعند مسلم من وجه آخر عن عائشة وآخر عن جابر أن في كل ركعة ثلاث ركوعات وعنده من وجه آخر
[ 441 ]
عن بن عباس أن في كل ركعة أربع ركوعات ولأبي داود من حديث أبي بن كعب والبزار من حديث على أن في كل ركعة خمس ركوعات ابن $ غلام إسناد منها عن علة وقد أوضح ذلك البيهقي وابن عبد البر ونقل صاحب الهدى عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح وجمع بعضهم بين هذه الأحاديث بتعدد الواقعة وأن الكسوف وقع مرارا فيكون كل من هذه الأوجه جائزا وإلى ذلك نحا إسحاق لكن لم تثبت عنده الزيادة على أربع ركوعات وقال بن خزيمة وابن المنذر والخطابى وغيرهم من الشافعية يجوز العمل بجميع ما ثبت من ذلك وهو من الاختلاف المباح وقواه النووي في شرح مسلم وأبدى بعضهم أن حكمة الزيادة في الركوع والنقص كان بحسب سرعة الانجلاء وبطئه فحين وقع الانجلاء في أول ركوع اقتصر على مثل النافلة وحيث أبطأ زاد ركوعا وحين زاد في نكحني زاد ثالثا وهكذا إلى غاية ما ورد في ذلك وتعقبه النووي وغيره بأن إبطاء الانجلاء وعدمه لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء وهذا يدل على أنه مقصود فنفسه منوى من أول الحال وأجيب باحتمال أن يكون الاعتماد على الركعة الأولى وأما الثانية فهي تبع لها فمهما اتفق وقوعه في الأولى بسبب بطء الانجلاء يقع مثله في الثانية ليساوي بينهما ومن ثم قال أصبغ كما تقدم إذا وقع الانجلاء في أثنائها يصلي الثانية كالعادة وعلى هذا فيدخل المصلي فيها على نية مطلق الصلاة ويزيد في الركوع بحسب الكسوف ولا مانع من ذلك وأجاب بعض الحنفية عن زيادة الركوع بحمله على رفع الرأس لرؤية الشمس هل انجلت أم لا فإذا لم يرها انجلت رجع إلى ركوعه ففعل ذلك مرة أو مرارا فظن بعض من رآه يفعل ذلك ركوعا زائدا وتعقب بالأحاديث الصحيحة الصريحة في أنه أطال القيام بين الركوعين ولو كان الرفع لرؤية الشمس فقط لم يحتج إلى تطويل ولا سيما الأخبار الصريحة بأنه ذكر ذلك الاعتدال ثم شرع في القراءة فكل ذلك يرد هذا الحمل ولو كان كما زعم هذا القائل لكان فيه إخراج لفعل الرسول عن العبادة المشروعة أو لزم منه اثبات هيئة في الصلاة لا عهد بها وهو ما فر منه وفي حديث عائشة من الفوائد غير ما تقدم المبادرة بالصلاة وسائر ما ذكر عند الكسوف والزجر عن كثرة الضحك والحث على كثرة البكاء والتحقق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء والاعتبار بآيات الله وفيه الرد على من زعم أن للكواكب تأثيرا في الأرض لانتفاء ذلك عن الشمس والقمر فكيف بما دونهما وفيه تقديم الإمام في الموقف وتعديل الصفوف والتكبير بعد الوقوف في موضع الصلاة وبيان ما يخشى اعتقاده على غير الصواب واهتمام الصحابة بنقل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليقتدى به فيها ومن حكمة وقوع الكسوف تبيين أنموذج ما سيقع في القيامة وصورة عقاب من لم يذنب والتنبيه على سلوك طريق الخوف مع الرجاء لوقوع الكسوف بالكوكب ثم كشف ذلك عنه ليكون المؤمن من ربه على خوف ورجاء وفي الكسوف إشارة إلى تقبيح رأى من يعبد الشمس أو القمر وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن على صلاة الكسوف لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتهما لما يظهر فيهما من التغيير
[ 442 ]
والنقص المنزه عنه المعبود جل وعلا سبحانه وتعالى قوله باب النداء بالصلاة جامعة هو بالنصب فيهما على الحكاية ونصب الصلاة في الأصل على الإغراء وجامعة على الحال أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة وقيل برفعهما على أن الصلاة مبتدأ وجامعة خبره ومعناه ذات جماعة وقيل جامعة صفة والخبر محذوف تقديره فاحضروها قوله حدثني إسحاق هو بن منصور على رأى الجياني أو بن راهويه على رأى أبي نعيم ويحيى بن صالح من شيوخ البخاري وربما أخرج عنه بواسطة كهذا قوله الحبشي بفتح المهملة والموحدة بعدها غدا ووهم من ضبطه بضم أوله وسكون ثانيه قوله أخبرني أبو سلمة عن عبد الله في رواية حجاج الصواف عن يحيى حدثنا أبو سلمة حدثني عبد الله أخرجه بن خزيمة قوله نودي كذا فيه بلفظ البناء للمفعول وصرح الشيخان في حديث عائشة بان النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا فنادى بذلك قال بن دقيق العيد هذا الحديث حجة لمن استحب ذلك وقد اتفقوا على أنه لا يؤذن لها ولا يقام قوله أن الصلاة بفتح الهمزة وتخفيف النون وهي المفسرة وروى بتشديد النون والخبر محذوف تقديره أن الصلاة ذات جماعة حاضرة ويروي برفع جامعة على أنه الخبر وفي رواية الكشميهني نودي بالصلاة جامعة وفيه ما تقدم في لفظ الترجمة وعن بعض العلماء يجوز في الصلاة جامعة النصب فيهما والرفع فيهما ويجوز رفع الأول ونصب الثاني وبالعكس قوله باب خطبة الإمام في الكسوف اختلف في الخطبة فيه فاستحبها الشافعي وإسحاق وأكثر أصحاب الحديث قال بن قدامة لم يبلغنا عن أحمد ذلك وقال صاحب الهداية من الحنفية ليس في الكسوف خطبة لأنه لم ينقل وتعقب بأن الأحاديث ثبتت فيه وهي ذات كثرة والمشهور عند المالكية أن لا خطبة لها مع أن مالكا روى الحديث وفيه ذكر الخطبة وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد لها خطبة بخصوصها وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس وتعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف والأصل مشروعية الاتباع والخصائص لا تثبت إلا بدليل وقد استضعف بن دقيق العيد التأويل المذكور وقال إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شئ معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره هو من مقاصد خطبة الكسوف فينبغي التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيذكر الإمام ذلك في خطبة الكسوف نعم نازع بن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبتي الجمعة والعيدين إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضى ذلك وإلى ذلك نحا بن المنير في حاشيته ورد على من أنكر أصل الخطبة لثبوت ذلك صريحا في الأحاديث وذكر أن بعض أصحابهم احتج على ترك الخطبة بأنه لم ينقل في الحديث أنه صعد المنبر ثم زيفه بأن المنبر ليس شرطا ثم لا يلزم من أنه لم يذكر أنه لم يقع قوله وقالت عائشة وأسماء خطب النبي صلى الله عليه وسلم أما حديث عائشة فقد مضى قبل بباب في رواية هشام صريحا وأورد المصنف في هذا الباب حديثها من طريق بن شهاب وليس فيه التصريح بالخطبة لكنه أراد أن يبين أن الحديث واحد وأن الثناء المذكور في طريق بن شهاب كان في الخطبة وأما حديث أسماء وهي بنت أبي بكر أخت عائشة لأبيها فسيأتي الكلام
[ 443 ]
عليه بعد أحد عشر باباقوله فصف الناس بالرفع أي اصطفوا يقال صف القوم إذا صاروا صفا ويجوز النصبو الفاعل محذوف والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم قوله ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك فيه إطلاق القول على الفعل فقد ذكره من هذا الوجه في الباب الذي يليه بلفظ ثم فعل قوله فافزعوا بفتح الزاي أي التجئوا وتوجهوا وفيه إشارة إلى المبادرة إلى المأمور به وأن الالتجاء إلى الله عند المخاوف بالدعاء والاستغفار سبب لمحو ما فرط من العصيان يرجى به زوال المخاوف وأن الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة والآجلة نسأل الله تعالى رحمته وعفوه وغفرانه قوله إلى الصلاة أي المعهودة الخاصة وهي التي تقدم فعلها منه صلى الله عليه وسلم قبل الخطبة ولم يصب من استدل به على مطلق الصلاة ويستنبط منه أن الجماعة ليست شرطا في صحتها لأن فيه إشعارا بالمبادرة إلى الصلاة والمسارعة إليها وانتظار الجماعة قد يؤدي إلى فواتها وإلى إخلاء بعض الوقت من الصلاة قوله وكان يحدث كثير بن عباس هو بتقديم الخبر على الاسم وقد وقع في مسلم من طريق الزبيدي عن الزهري بلفظ وأخبرني كثير بن العباس صرح برفعه وأخرجه مسلم أيضا والنسائي من طريق عبد الرحمن بن نمرعن الزهري كذلك وساق المتن بلفظ صلى يوم كسفت الشمس أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات وطوله الاسماعيلي من هذا الوجه قوله فقلت لعروة هو مقول الزهري أيضا قوله أن أخاك يعني عبد الله بن الزبير وصرح به المصنف من وجه آخر كما سيأتي في أواخر الكسوف وللاسماعيلي فقلت لعروة والله ما فعل ذلك أخوك عبد الله بن الزبير انخسفت الشمس وهو بالمدينة زمن أراد أن يسير إلى الشام فما صلى إلا مثل الصبح قوله قال أجل لأنه أخطأ السنة في رواية بن حبان فقال أجل كذلك صنع وأخطأ السنة واستدل به على أن السنة أن يصلي صلاة الكسوف في كل ركعة ركوعان وتعقب بأن عروة تابعي وعبد الله صحابي فالأخذ بفعله أولى وأجيب بأن قول عروة وهو تابعي السنة كذا وان قلنا أنه مرسل على الصحيح لكن قد ذكر عروة مستنده في ذلك وهو خبر عائشة المرفوع فانتفى عنه احتمال كونه موقوفا أو منقطعا فيرجح المرفوع على الموقوف فلذلك حكم على صنيع أخيه بالخطأ وهو أمر نسبي وإلا فما صنعه عبد الله يتأدى به أصل السنة وان كان فيه تقصير بالنسبة إلى كمال السنة ويحتمل أن يكون عبد الله أخطأ السنة عن غير قصد لأنها لم تبلغه والله أعلم قوله باب هل يقول كسفت الشمس أو خسفت قال الزين بن المنير أتى بلفظ الاستفهام إشعارا منه بأنه لم يترجح عنده في ذلك شئ قلت ولعله أشار إلى ما رواه بن عيينة عن الزهري عن عروة قال لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا خسفت وهذا موقوف صحيح رواه سعيد بن منصور عنه وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عنه لكن الأحاديث الصحيحة تخالفه لثبوتها بلفظ الكسوف في الشمس من طرق كثيرة والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر واختاره ثعلب وذكر الجوهري أنه أفصح وقيل يتعين ذلك وحكى عياض عن بعضهم عكسه وغلطه لثبوته بالخاء في القمر في القرآن وكأن هذا هو السر في استشهاد المؤلف به في الترجمة وقيل يقال بهما في كل منهما وبه جاءت الأحاديث ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف لأن الكسوف التغير إلى سواد والخسوف النقصان أو الذل فإذا قيل في الشمس كسفت أو خسفت لأنه تتغير
[ 444 ]
ويلحقها النقص ساغ وكذلك القمر ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان وقيل بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء وقيل بالكاف لذهاب جميع الضوء وبالخاء لبعضه وقيل بالخاء لذهاب كل اللون وبالكاف لتغيره قوله وقال الله عز وجل وخسف القمر في إيراده لهذه الآية احتمالان أحدهما أن يكون أراد أن يقال خسف القمر كما جاء في القرآن ولا يقال كسف وإذا اختص القمر بالخسوف أشعر باختصاص الشمس بالكسوف والثاني أن يكون أراد أن الذي يتفق للشمس كالذي يتفق للقمر وقد سمي في القرآن بالخاء في القمر فليكن الذي للشمس كذلك ثم ساق المؤلف حديث بن شهاب عن عروة عن عائشة بلفظ خسفت الشمس وهذا موافق لما قال عروة لكن روايات غيره بلفظ كسفت كثيرة جدا قوله فيه ثم سجد سجودا طويلا فيه رد على من زعم أنه لا يسن تطويل السجود في الكسوف وسيأتذكره في باب مفرد قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يخوف الله عباده بالكسوف قاله أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي حديثه موصولا بعد سبعة أبواب ثم أورد المصنف حديث أبي بكرة من رواية حماد بن زيد عن يونس وفيه ولكن يخوف الله بهما عباده وفي رواية الكشميهني ولكن الله يخوف وقد تقدم الكلام عليه في أول الكسوف قوله لم يذكر عبد الوارث وشعبة وخالد بن عبد الله وحماد بن سلمة عن يونس يخوف الله بهما عباده أما رواية عبد الوارث فأوردها المصنف بعد عشرة أبواب عن أبي معمر عنه وليس فيها ذلك لكنه ثبت من رواية عبد الوارث من وجه آخر أخرجه النسائي عن عمران بن موسى عن عبد الوارث وذكر فيه يخوف الله بهما عباده وقال البيهقي لم يذكره أبو معمر وذكره غيره عن عبد الوارث وأما رواية شعبة فوصلها المصنف في الباب المذكور وليس فيها ذلك وأما رواية خالد بن عبد الله فسبقت في أول الكسوف وما رواية حماد بن سلمة فوصلها الطبراني من رواية حجاج بن منهال عنه بلفظ رواية خالد ومعناه وقال فيه فإذا كسف واحد منهما فصلوا وادعوا قوله وتابعه أشعث يعني بن عبد الملك الحمراني عن الحسن يعني في حذف قوله يخوف الله بهما عباده وقد وصل النسائي هذه الطريق وابن حبان وغيرهما من طرق عن أشعث عن الحسن وليس فيها ذلك قوله وتابعه موسى عن مبارك عن الحسن قال أخبرني أبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يخوف الله بهما عباده في رواية غير أبي ذر أن الله تعالى وموسى هو بن إسماعيل التبوذكي كما جزم به المزي وقال الدمياطي ومن تبعه هو بن داود الضبي والأول أرجح لأن بن إسماعيل معروف في رجال البخاري دون بن داود ولم أنكر لي هذه الرواية إلى الآن من طريق واحد منهما وقد أخرجه الطبراني من رواية أبى الوليد وابن حبان من رواية هدبة وقاسم بن أصبغ من رواية سليمان بن حرب كلهم عن مبارك وساق الحديث بتمامه إلا أن رواية هدبة ليسفيها يخوف الله بهما عباده تنبيه وقع قوله تابعه أشعث في رواية كريمة عقب متابعة موسى والصواب تقديمه لما بيناه من خلو رواية أشعث من قوله يخوف الله بهما عباده قوله يخوف فيه رد على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادى لا يتأخر ولا يتقدم إذ لو كان
[ 445 ]
كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف ويصير بمنزلة الجزر والمد في البحر وقد رد ذلك عليهم بن العربي وغير واحد من أهل العلم بما في حديث أبي موسى الآتي حيث قال فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة قالوا فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة والذكر معنى فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف وأن كل ما ذكر من الطاعة يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف ومما نقض بن العربي وغيره أنهم يزعمون أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة وإنما يحول القمر بينها وبين أهل الأرض عند اجتماعهما في العقدتين فقال هم يزعمون أن الشمس أضعاف القمر في الجرم فكيف يحجب الصغير الكبير إذا قابله أم كيف يظلم الكثير بالقليل ولا سيما وهو من جنسه وكيف تحجب الأرض نور الشمس وهي في زاوية منها لأنهم يزعمون أن الشمس أكبر من الأرض بتسعين ضعفا وقد وقع في حديث ث النعمان بن بشير وغيره للكسوف سبب آخر غير ما يزعمه أهل الهيئة وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وصححه بن خزيمة والحاكم بلفظ أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله وان الله إذا تجلى لشئ من خلقه خشع له وقد استشكل الغزالي هذه الزيادة وقال أنها لم تثبت فيجب تكذيب ناقلها قال ولو صحت لكان تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعية لا تصادم أصلا من أصول خالف قال بن بزيزة هذا عجب منه كيف يسلم دعوى الفلاسفة ويزعم أنها لا تصادم خالف مع أنها مبنية على أن العالم كرى الشكل وظاهر الشرع يعطي خلاف ذلك ك والثابت من قواعد خالف أن الكسوف أثر الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار فيخلق في هذين الجرمين النور متى شاء والظلمة متى شاء من غير توقف على سبب أو ربط باقتراب والحديث الذي رده الغزالي قد أثبته غير واحد من أهل العلم وهو ثابت من حيث المعنى أيضا لأن النورية والاضاءة من عالم الجمال الحسى فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته ويؤيده قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا الله ويؤيد هذا الحديث ما رويناه عن طاوس أنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت فبكى حتى كاد أن يموت وقال هي أخوف لله منا وقال بن دقيق العيد ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله يخوف الله بهما عباده وليس بشئ لأن لله أفعالا على حسب العادة وأفعالا خارجة عن ذلك وقدرته حاكمة على كل سبب فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شئ غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب إن كان حقا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوفا لعباد الله تعالى قوله باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف قال بن المنير في الحاشية مناسبة التعوذ عند الكسوف أن ظلمة النهار بالكسوف تشابه ظلمة القبر وإن كان نهارا والشئ بالشئ يذكر فيخاف من هذا كما يخاف من هذا فيحصل الاتعاظ بهذا في التمسك بما ينجى من غائلة الآخرة ثم ساق المصنف حديث عائشة من رواية عمرة عنها وإسناده كله مدنيون قوله عائذا بالله من ذلك قال بن السيد هو منصوب على المصدر الذي يجئ على مثال فاعل كقولهم عوفي عافية أو على الحال المؤكدة
[ 446 ]
النائبة مناب المصدر والعامل فيه محذوف كأنه قال أعوذ بالله عائذا ولم يذكر الفعل لأن الحال نائبة عنه وروى بالرفع أي أنا عائذ وكأن ذلك كان قبل أن يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على عذاب القبر كما سيأتي البحث فيه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قوله بين ظهراني بفتح الظاء المعجمة والنون على التثنية والحجر بضم المهملة وفتح الجيم جمع حجرة بسكون الجيم قيل المراد بين ظهر الحجر والنون والياء زائدتان وقيل بل الكلمة كلها زائدة والمراد بالحجر بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قوله وانصرف فقال ما شاء الله أن يقول تقدم بيانه في رواية عروة وأنه خطب وأمر بالصلاة والصدقة والذكر وغير ذلك قوله باب المريض السجود في الكسوف أشار بهذه الترجمة إلى الرد على ما أنكره واستدل بعض المالكية على ترك إطالته بان الذي شرع فيه الطويل شرع تكراره كالقيام والركوع ولم تشرع الزيادة في السجود فلا يشرع تطويله وهو قياس في مقابلة النص كما سيأتي بيانه فهو فاسد الاعتبار وأبدى بعضهم في مناسبة التطويل في القيام والركوع دون السجود أن القائم والراكع يمكنه رؤية الانجلاء بخلاف الساجد فإن الآية علوية فناسب المريض القيام لها بخلاف السجود ولأن في تطويل السجود استرخاء الأعضاء فقد يفضى إلى النوم وكل هذا مردود بثبوت الأحاديث الصحيحة في تطويله ثم أورد المصنف حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه وقد تقدم من وجه آخر مختصرا ووقع في رواية الكشميهني عبد الله بن عمر بضم أوله وفتح الميم بلا واو وهو وهم قوله ركعتين في سجدة المراد بالسجدة هنا الركعة بتمامها وبالركعتين الركوعان وهو موافق لروايتي عائشة وابن عباس المتقدمتين في أن في كل ركعة ركوعين وسجودين ولو ترك على ظاهره لاستلزم تثنية الركوع وإفراد السجود ولم يصر إليه أحد فتعين تأويله قوله ثم جلس ثم جلى عن الشمس أي بين جلوسه في المنكدر والسلام فتبين قوله في حديث عائشة ثم انصرف وقد تجلت الشمس قوله قال وقالت عائشة القائل هو أبو سلمة في نقدي ويحتمل أن يكون عبد الله بن عمر فيكون من رواية صحابي عن صحابية ووهم من زعم أنه معلق فقد أخرجه مسلم وابن خزيمة وغيرهما من رواية أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو وفيه قول عائشة هذا قوله ما سجدت سجودا قط كان أطول منها كذا فيه وفي رواية غيره منه أي من السجود المذكور زاد مسلم فيه ولا ركعت ركوعا قط كان أطول منه وتقدم في رواية عروة عن عائشة بلفظ ثم سجد فأطال السجود وفي أوائل صفة الصلاة من حديث أسماء بنت أبي بكر مثله وللنسائي من وجه آخر عن عبيد الله بن عمرو بلفظ ثم رفع رأسه فسجد وأطال السجود ونحوه عنده عن أبي هريرة وللشيخين من حديث أبي موسى بأطول قيام وركووسجود رأيته قط ولأبي داود والنسائي من حديث سمرة كأطول ما سجد بنا في صلاة قوكل هذه الأحاديث ظاهرة في أن السجود في الكسوف يطول كما يطول القيام والركوع وأبدى بعض المالكية فيه بحثا فقال لا يلزم من كونه أطال أن يكون بلغ به حد الاطالة في الركوع وكأنه غفل عما رواه مسلم في حديث جابر بلفظ وسجوده نحو من ركوعه وهذا مذهب أحمد وإسحاق وأحد قولي الشافعي وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه واختاره بن سريج ثم النووي وتعقبه صاحب المهذب بأنه لم ينقل في خبر ولم يقل به الشافعي اه ورد عليه في الأمرين معا فإن الشافعي نص عليه في
[ 447 ]
البويطي ولفظه ثم يسجد سجدتين طويلتين يقيم في كل سجدة نحوا مما قام في ركوعه تنبيه وقع في حديث جابر الذي أشرت إليه عند مسلم تطويل الاعتدال الذي يليه السجود ولفظه ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم سجد وقال النووي هي رواية شاذة مخالفة فلا يعمل بها أو المراد زيادة الطمأنينة في الاعتدال لا إطالته نحو الركوع وتعقب بما رواه النسائي وابن خزيمة وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو أيضا ففيه ثم ركع فأطال حتى قيل لا يرفع ثم رفع فأطال حتى قيل لا يسجد ثم سجد فأطال حتى قيل لا يرفع ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل لا يسجد ثم سجد لفظ بن خزيمة من طريق الثوري عن عطاء بن السائب عن أبيه عنه والثوري سمع من عطاء قبل الاختلاط فالحديث صحيح ولم أقف في شئ من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام وإلا فهو محجوج بهذه الرواية قوله باب صلاة الكسوف جماعة أي وإن لم يحضر الإمام الراتب فيؤم لهم بعضهم وبه قال الجمهور وعن الثوري إن لم يحضر الإمام صلوا فرادى قوله وصلى لهم بن عباس في صفة زمزم وصله الشافعي وسعيد بن منصور جميعا عن سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول سمعت طاوسا يقول كسفت الشمس فصلى بنا بن عباس في صفة زمزم ست ركعات في أربع سجدات وهذا موقوف صحيح إلا أن بن عيينة خولف فيه رواه بن جريج عن سليمان فقال ركعتين في كل ركعة أربع ركعات أخرجه عبد الرزاق عنه وكذا أخرجه بن أبي شيبة عن غندر عن بن جريج لكن قال سجدات بدل ركعات وهو وهم من غندر وروى عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال رأيت بن عباس صلى على ظهر زمزم في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعتين قوله في صفة زمزم كذا للأكثر بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء وهي معروفة وقال الأزهري الصفة موضع بهو مظلل وفي نسخة الصغاني بضاد غدا مفتوحة ومكسورة وهي جانب النهر ولا معنى لها هنا إلا بطريق التجوز قوله وجمع على بن عبد الله بن عباس لم أقف على أثره هذا موصولا قوله وصلى بن عمر يحتمل أن يكون بقية أثر على المذكور وقد أخرج بن أبي شيبة معناه عن بن عمر قوله عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس كذا في الموطآ وفي جميع من أخرجه من طريق مالك ووقع في رواية اللؤلؤي في سنن أبي داود عن أبي هريرة بدل بن عباس وهو غلط قوله ثم سجد أي سجدتين قوله ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول فيه أن الركعة الثانية أقصر من الأولى وسيأتي ذلك في باب مفرد قوله قالوا يا رسول الله في حديث جابر عند أحمد بإسناد حسن فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب شيئا صنعته في الصلاة لم تكن تصنعه فذكر نحو حديث بن عباس إلا أن في حديث جابر أن ذلك كان في الظهر أو العصر فإن كان محفوظا فهي قصة أخرى ولعلها القصة التي حكاها أنس وذكر أنها وقعت في صلاة الظهر وقد تقدم سياقه في باب وقت الظهر إذا زالت الشمس من كتاب المواقيت لكن فيه عرضت على الجنة والنار في عرض هذا الحائط حسب وأما حديث جابر فهو شبيه بسياق بن عباس في ذكر العنقود وذكر النساء والله أعلم قوله رأيناك تناولت كذا للأكثر بصيغة الماضي وفي رواية الكشميهني تناول بصيغة المضارع بضم اللام وبحذف إحدى التاءين وأصله تتناول قوله ثم رأيناك
[ 448 ]
كعكعت في رواية الكشميهني تكعكعت بزيادة تاء في أوله ومعناه تأخرت يقال كع الرجل إذا نكص على عقبيه قال الخطابي أصله تكععت فاستثقلوا اجتماع ثلاث عينات فأبدلوا من إحدها حرفا مكررا ووقع في رواية مسلم ثم رأيناك كففت بفاءين خفيفتين قوله أني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ظاهره أنها رؤية عين فمنهم من حمله على أن الحجب كشفت له دونها فرآها على حقيقتها وطويت المسافة بينهما حتى أمكنه أن يتناول منها وهذا أشبه بظاهر هذا الخبر ويؤيده حديث أسماء الماضي في أوائل صفة الصلاة بلفظ دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطف من قطافها ومنهم من حمله على أنها مثلت له في الحائط كما تنطبع الصورة في المرآة فرأى جميع ما فيها ويؤيده حديث أنس الاتى في التوحيد لقد عرضت على الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلى وفي رواية لقد مثلت ولمسلم لقد صورت ولا يرد على هذا أن الانطباع إنما هو في الأجسام الثقيلة لأنا نقول هو شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة خصوصا للنبي صلى الله عليه وسلم لكن هذه قصة أخرى وقعت في صلاة الظهر ولا مانع أن يرى الجنة والنار مرتين بل مرارا على صور مختلفة وأبعد من قال إن المراد بالرؤية رؤية العلم قال القرطبي لا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا فيرجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى الله عليه وسلم إدراكا خاصا به أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما قوله ولو أصبته في رواية مسلم ولو أخذته واستشكل مع قوله تناولت وأجيب بحمل التناول على تكلف الأخذ لا حقيقة الأخذ وقيل المراد تناولت لنفسي ولو أخذته لكم حكاه الكرماني وليس بجيد وقيل المراد بقوله تناولت أي وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرا على تحويله لكن لم يقدر لي قطفه ولو أصبته أي لو تمكنت من قطفه ويدل عليه قوله في حديث عقبة بن عامر عند بن خزيمة أهوى بيده ليتناول شيئا وللمصنف في حديث أسماء في أوائل الصلاة حتى لو اجترأت عليها وكأنه لم يؤذن له في ذلك فلم يجترئ عليه وقيل الإرادة مقدرة أي أردت أن اتناول ثم لم أفعل ويؤيده حديث جابر عند مسلم ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل ومثله للمصنف من حديث عائشة كما سيأتي في آخر الصلاة بلفظ حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت ت أتقدم ولعبد الرزاق من طريق مرسلة أردت أن آخذ منها قطفا لاريكموه فلم يقدر ولأحمد من حديث جابر فحيل بيني وبينه قال بن بطال لم يأخذ العنقود لأنه من طعام الجنة وهو لا يفنى والدنيا فانية لا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى وقيل لأنه لو رآه الناس لكان من إيمانهم بالشهادة لا بالغيب فيخشى أن يقع رفع التوبة فلا ينفع نفسا إيمانها وقيل لأن الجنة جزاء الأعمال والجزاء بها لا يقع إلا في الآخرة وحكى بن العربي في قانون التأويل عن بعض شيوخه أنه قال معنى قوله لأكلتم منه الخ أن يخلق في نفس الآكل مثل الذي أكل دائما بحيث لا يغيب عن ذوقه وتعقب بأنه أجرة فلسفي مبنى على أن دار الآخرة لا حقائق لها وإنما هي أمثال والحق أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة وإذا قطعت خلقت في الحال فلا مانع أن يخلق الله مثل ذلك في الدنيا إذا شاء والفرق بين الدارين في وجوب الدوام وجوازه فائدة بين سعيد بن منصور في روايته من وجه آخر عن زيد بن أسلم أن التناول المذكور كان حين قيامه الثاني من الركعة الثانية قوله وأريت
[ 449 ]
النار في رواية غير أبي ذر ورأيت ووقع في رواية عبد الرزاق المذكورة أن رؤيته النار كانت قبل رؤيته الجنة وذلك أنه قال فيه عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم النار فتأخر عن مصلاه حتى أن الناس ليركب بعضهم بعضا وإذا رجع عرضت عليه الجنة فذهب يمشي حتى وقف في مصلاه ولمسلم من حديث جابر لقد جئ بالنار حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها وفيه ثم جئ بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت فمقامي وزاد فيه ما من شئ توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه وفي حديث سمرة عند بن خزيمة لقد رأيت منذ قمت أصلى ما أنتم لاقون في دنياكم وآخرتكم قوله فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع المراد باليوم الوقت الذي هو فيه أي لم أر منظرا مثل منظر رأيته اليوم فحذف المرئى وأدخل التشبيه على اليوم لبشاعة ما رأى فيه وبعده عى المنظر المألوف وقيل الكاف اسم والتقدير ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرا ووقع في رواية المستملى والحموي فلم أنظر كاليوم قط أفظع قوله ورأيت أكثر أهلها النساء هذا يفسر وقت الرؤية في قوله لهن في خطبة العيد تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار وقد مضى ذلك في حديث أبي سعيد في كتاب الحيض وقد تقدم في العيد الإلمام بتسمية القائل أيكفرن قوله يكفرن بالله قال يكفرن العشير كذا للجمهور عن مالك وكذا أخرجه مسلم من رواية حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم ووقع في موطآ يحيى بن يحيى الأندلسي قال ويكفرون العشير بزيادة واو واتفقوا على أن زيادة الواو غلطمنه فإن كان المراد من تغليطه كونه خالف غيره من الرواة فهو كذلك وأطلق على الشذوذ غلطا وإن كان المراد من تغليطه فساد المعنى فليس كذلك لأن الجواب طابق السؤال وزاد وذلك أنه أطلق لفظ النساء فعم المؤمنة منهن والكافرة فلما قيل يكفرن بالله فأجاب ويكفرن العشير الخ وكأنه قال نعم يقع منهن الكفر بالله وغيره لأن منهن من يكفر بالله ومنهن من يكفر الإحسان وقال بن عبد البر وجه رواية يحيى أن يكون الجواب لم يقع على وفق سؤال السائل لإحاطة العلم بأن من النساء من يكفر بالله فلم يحتج إلى جوابه لأن المقصود في الحديث خلافه قوله يكفرن العشير قال الكرماني لم يعد كفر العشير بالباء كما عدي الكفر بالله لأن كفر العشير لا يتضممعنى الاعتراف قوله ويكفرن الإحسان كأنه بيان لقوله يكفرن العشير لأن المقصود كفر أحسان العشير لا كفر ذاته وتقدم تفسير العشير في كتاب الإيمان والمراد بكفر الإحسان تغطيته أو جحده ويدل عليه آخر الحديث قوله لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله بيان للتغطية المذكورة ولو هنا شرطية لا امتناعية قال الكرماني ويحتمل أن تكون امتناعية بأن يكون الحكم ثابتا على النقيضين والطرف المسكوت عنه أولى من المذكور والدهر منصوب على الظرفية والمراد منه مدة عمر الرجل أو الزمان كله مبالغة في كفرانهن وليس المراد بقوله أحسنت مخاطبة رجل بعينه بل كل من يتأتى منه أن يكون مخاطبا فهو خاص لفظا عام معنى قوله شيئا التنوين فيه للتقليل أي شيئا قليلا لا يوافق غرضها من أي نوع كان ووقع في حديث جابر ما يدل على أن المرئي في النار من النساء من اتصف بصفات ذميمة ذكرت ولفظه وأكثر من رأيت فيها من النساء اللاتي إن ائتمن أفشين وإن صفوانة بخلن وإن سألن ألحفن وإن أعطين لم يشكرن الحديث وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم المبادرة إلى الطاعة عند رؤية ما يحذر منه البرقى البلاء بذكر الله وأنواع طاعته ومعجزة
[ 450 ]
ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من نصح أمته وتعليمهم ما ينفعهم وتحذيرهم مما يضرهم ومراجعة المتعلم للعالم فيما لا يدركه فهمه وجواز الاستفهام عن علة الحكم وبيان العالم ما يحتاج إليه تلميذه وتحريم كفران الحقوق ووجوب شكر المنعم وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم وجواز إطلاق الكفر على ما لا يخرج من الملة وتعذيب أهل التوحيد على المعاصي وجواز العمل في الصلاة إذا لم يكثر قوله باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال يصلين فرادى وهو منقول عن الثوري وبعض الكوفيين وفي المدونة تصلي المرأة في بيتها وتخرج المتجالة وعن الشافعي يخرج الجميع إلا من كانت بارعة الجمال وقال القرطبي روى عن مالك أن الكسوف إنما يخاطب به من يخاطب بالجمعة والمشهور عنه خلاف ذلك وهو إلحاق المصلي في حقهن بحكم المسجد قوله عن أسماء بنت أبي بكر هي جدة فاطمة وهشام لأبويهما قوله فأشارت أي نعم وفي رواية الكشميهني أن نعم بنون بدل التحتانية وقد تقدمت فوائده في باب من أجاب الفتيا بالإشارة من كتاب العلم وفي باب من لم يتوضأ الا من الغشى المثقل من كتاب الطهارة ويأتي الكلام على ما يتعلق بالقبر في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قال الزين بن المنير استدل به بن بطال على جواز خروج النساء إلى المسجد لصلاة الكسوف وفيه نظر لأن أسماء إنما صلت في حجرة عائشة لكن يمكنه أن يتمسك بما ورد في بعض طرقه أن نساء غير أسماء كن بعيدات عنها فعلى هذا فقد كن في مؤخر المسجد كما جرت عادتهن في سائر الصلوات قوله باب من أحب العتاقة بفتح العين المهملة في كسوف الشمس قيده أتباعا للسبب الذي ورد فيه لأن أسماء إنما روت قصة كسوف الشمس وهذا طرف منه إما أن يكون هشام حدث به هكذا فسمعه منه زائدة أو يكون زائدة اختصره والأول أرجح فسيأتي في كتاب العتق من طريق عثام بن على عن هشام بلفظ كنا نؤمر عند الخسوف بالعتاقة قوله لقد أمر في رواية معاوية بن عمرو عن زائدة عند الاسماعيلي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم قوله باب صلاة الكسوف في المسجد أورد فيه حديث عائشة من رواية عمرة عنها وقد تقدم قبل أربعة أبواب
[ 451 ]
من هذا الوجه ولم يقع فيه التصريح بكونها في المسجد لكنه يؤخذ من قولها فيه فمر بين ظهراني الحجر لأن الحجر بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لاصقة بالمسجد وقد وقع التصريح بذلك في رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عند مسلم ولفظه فخرجت في نسوة بين ظهراني الحجر في المسجفأتى النبي صلى الله عليه وسلم من مركبه حتى أتى إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه الحديث والمركب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه بسبب موت ابنه إبراهيم كما تقدم في الباب الأول فلما رجع صلى الله عليه وسلم أتى المسجد ولم يصلها ظاهرا وصح أن السنة في صلاة الكسوف أن تصلى في المسجد ولولا ذلك لكانت صلاتها في الصحراء أجدر برؤية الإنجلاء والله أعلم قوله باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في الباب الأول قوله رواه أبو بكرة والمغيرة تقدم حديثهما فيه قوله وأبو موسى سيأتي حديثه في الباب الذي يليه قوله وابن عباس تقدم حديثه قبل ثلاثة أبواب قوله وابن عمر تقدم حديثه في الباب الأول وقد ذكر المصنف في الباب أيضا حديث بن مسعود وفيه ذلك وقد تقدم في الباب الأول أيضا من وجه آخر وكذا حديث عائشة وفي الباب ما لم يذكره عن جابر عند مسلم وعن عبد الله بن عمرو والنعمان بن بشير وقبيصة وأبي هريرة كلها عند النسائي وغيره وعن بن مسعود وسمرة بن جندب ومحمود بن لبيد كلها عند أحمد وغيره وعن عقبة بن عامر وبلال عند الطبراني وغيره فهذه عدة طرق غالبها على شرط الصحة وهي تفيد القطع عند من اطلع عليها من أهل الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيجب تكذيب من زعم أن الكسوف علامة على موت أحد أو حياة أحد قوله معمر عن الزهري وهشام ساقه على لفظ الزهري وقد تقدمت رواية هشام مفردة في الباب الثاني وتقدم الكلام عليه هناك وبين عبد الرزاق عن معمر أن في رواية هشام من الزيادة فتصدقوا وقد تقدم ذلك أيضا قوله باب الذكر في الكسوف رواه بن عباس أي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم حديثه بلفظ فاذكروا الله قوله فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا بكسر الزاي صفة مشبهة ويجوز الفتح على أنه الحدود بمعنى الصفة قوله يخشى أن تكون الساعة بالضم على أن كان تامة أي يخشى أن تحضر الساعة أو ناقصة والساعة اسمها والخبر محذوف أو العكس قيل وفيه جواز الإخبار بما يوجبه الظن من شاهد الحال لأن سبب الفزع يخفى عن المشاهد لصورة الفزع فيحتمل أن يكون الفزع لغير ما ذكر فعلى هذا فيشكل هذا الحديث من حيث أن للساعة مقدمات كثيرة لم تكن وقعت كفتح البلاد واستخلاف الخلفاء وخروج الخوارج ثم الأشراط كطلوع الشمس من مغربها والدابة والدجال والدخان وغير ذلك ويجاب عن هذا باحتمال أن تكون قصة الكسوف وقعت قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات أو لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك وكانت لغيره كعقوبة تحدث كما كان يخشى عند هبوب الريح هذا حاصل ما ذكره النووي تبعا لغيره وزاد بعضهم أن المراد بالساعة غير يوم القيامة أي الساعة التي جعلت علامة على أمر من الأمور
[ 452 ]
كموته صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك وفي الأول نظر لأن قصة الكسوف متأخرة جدا فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في العاشرة كما اتفق عليه أهل الأخبار وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك وأما الثالث فتحسين الظن بالصحابى يقتضي أنه لا يجز بذلك إلا بتوقيف وأما الرابع فلا يخفى بعده واقربها الثاني فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع المذكور أشياء مما ذكر وتقع متتالية بعضها إثر بعض مع استحضا قوله تعالى وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ثم ظهر لي أنه يحتمل أن يخرج على مسألة دخول النسخ في الأخبار فإذا قيل بجواز ذلك زال الإشكال وقيل لعله قدر وقوع الممكن لولا ما أعلمه الله تعالى بأنه لا يقع قبل الأشراط تعظيما منه لأمر الكسوف ليتبين لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثرها وقيل لعل حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة بشرط لم يتقدم ذكره فيقع المخوف بغير أشراط لفقد الشرط والله سبحانه وتعالى أعلم قوله هذه الآيات التي يرسل الله ثم قال ولكن يخوف الله بها عباده موافق لقوله تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا وموافق لما تقدم تقريره في الباب الأول واستدل بذلك على أن الأمر بالمبادرة إلى الذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك لا يختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من ذلك وقد تقدم القول في ذلك في أواخر الاستسقاء ولم يقع في الرواية ذكر الصلاة فلا حجة فيه لمن استحبها عند كل آية قوله إلى ذكر الله في رواية الكشميهني إلى ذكره والضمير يعود على الله في قوله يخوف الله بها عباده وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع به البلاء قوله باب الدعاء في الكسوف في رواية كريمة وأبي الوقت في الخسوف قوله قاله أبو موسى وعائشة يشير إلى حديث أبي موسى الذي قبله وأما حديث عائشة فوقع الأمر فيه بالدعاء من طريق هشام عن أبيه وهو في الباب الثاني وورد الأمر بالدعاء أيضا من حديث أبي بكرة وغيره ومنهم من حمل الذكر والدعاء على الصلاة لكونهما من أجزائها والأول أولى لأنه جمع بينهما في حديث أبي بكرة حيث قال فصلوا وادعوا ووقع في حديث بن عباس عند سعيد بن منصور فاذكروا الله وكبروه وسبحوه وهللوه وهو من عطف الخاص على العام وقد تقدم الكلام على حديث المغيرة في الباب الأول قوله باب قول الإمام في خطبة الكسوف أما بعد ذكر فيه حديث أسماء مختصرا معلقا فقال وقال أبو أسامة وقد تقدم مطولا من هذا الوجه في كتاب الجمعة ووقع فيه هنا في رواية أبي على بن السكن وهم نبه عليه أبو على الجياني وذلك أنه أدخل بين هشام وفاطمة بنت المنذر عروة بن الزبير والصواب حذفه قلت لعله كان عنده هشام بن عروة بن الزبير فتصحفت بن فصارت عن وذلك من الناسخ وإلا فابن السكن من الحفاظ الكبار وفيه تأييد لمن استحب لصلاة الكسوف خطبة كما تقدم في بابه قوله باب الصلاة في كسوف القمر أورد فيه حديث أبي بكرة من وجهين مختصرا ومطولا واعترض عليه بأن المختصر ليس
[ 453 ]
فيه ذكر القمر لا بالتنصيص ولا بالاحتمال والجواب أنه أراد أن يبين أن المختصر بعض الحديث المطول وأما المطول فيؤخذ المقصود من قوله وإذا كان ذلك فصلوا بعد قوله أن الشمس والقمر وقد وقع في بعض طرقه ما هو أصرح من ذلك فعند بن حبان من طريق نوح بن قيس عن يونس بن عبيد في هذا الحديث فإذا رأيتم شيئا من ذلك وعنده في حديث عبد الله بن عمرو فإذا انكسف أحدهما وقد تقدم حديث أبي مسعود بلفظ كسوف أيهما انكسف وفي ذلك رد على من قال لا تندب الجماعة في كسوف القمر وفرق بوجود المشقة في الليل غالبا دون النهار ووقع عند بن حبان من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف القمر ولفظه من طريق النضر بن شميل عن أشعث شوال في هذا الحديث صلى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم وأخرجه الدارقطني أيضا وفي هذا رد على من أطلق كابن رشيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه ومنهم من أول قوله صلى أي أمر بالصلاة جمعا بين الكلب وقال صاحب الهدى لم ينقل أنه صلى في كسوف القمر في جماعة لكن حكى بن حبان في السيرة له أن القمر خسف في السنة الخامسة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف وكانت أول صلاة كسوف في الإسلام وهذا إن ثبت انتفى التأويل المذكور وقد جزم به مغلطاي في سيرته المختصرة وتبعه شيخنا في نظمها تنبيه حكى بن التين أنه وقع في رواية الأصيلي في حديث أبي بكرة هذا انكسف القمر بدل الشمس وهذا تغيير لا معنى له وكأنه عسرت عليه مطابقة الحديث للترجمة فظن أن يسير مغير فغيره هو إلى ما ظنه صوابا وليس كذلك قوله باب الركعة الأولى في الكسوف أطول كذا وقع هنا للحموى وللكشميهني ووقع بدله للمستملي باب صب المرأة على رأسها الماء إذا أطال الإمام القيام في الركعة الأولى قال بن رشيد وقع في هذا الموضع تخليط من الرواة وحديث عائشة المذكور مطابق للترجمة الأولى قطعا وأما الثانية فحقها أن تذكر في موضع آخر وكأن المصنف ترجم بها وأخلى بياضا ليذكر لها حديثا أو طريقا كما جرت عادته فلم يحصل غرضه فضم بعض الكتابة إلى بعض فنشأ هذا والأليق بها حديث أسماء المذكور قبل سبعة أبواب فهو نص فيه انتهى ويؤيد ما ذكره ما وقع في رواية أبي على بن شبويه عن الفربري فإنه ذكر باب صب المرأة أولا وقال في الحاشية ليس فيه حديث ثم ذكر باب الركعة الأولى أطول وأورد فيه حديث عائشة وكذا صنع الاسماعيلي في مستخرج فعلى هذا فالذي وقع من صنيع شيوخ أبي ذر من اقتصار بعضهم على إحدى الترجمتين ليس بجيد أما من اقتصر على الأولى وهو المستملى فخطأ محض إذ لا تعلق لها بحديث ث عائشة وأما الآخران فمن حيث أنهما حذفا الترجمة أصلا وكانهما استشكلاها فحذفاها ولهذا حذفت من رواية كريمة أيضا عن الكشميهني وكذا من رواية الأكثر قوله حدثنا أبو أحمد هو الزبيري وسفيان هو الثوري وهذا المتن طرف من الحديث الطويل الماضي في باب صلاة الكسوف في المسجد وكأنه مختصر منه بالمعنى فإنه قال فيه ثم قاقياما طويلا وهو دون القيام الأول وقال في هذا أربع ركعات في سجدتين الأولى أطووقد رواه الاسماعيلي بلفظ الأولى فالأولى أطول وفيه دليل لمن قال أن القيام الأول من الركعة الثانية يكون دون القيام الثاني من الركعة الأولى وقد قال بن بطال إنه لا خلاف أن الركعة الأولى بقيامها وركوعيها تكون أطول من الركعة الثانية
[ 454 ]
بقيامها وركوعيها وقال النووي اتفقوا على أن القيام الثاني وركوعه فيهما أقصر من القيام الأول وركوعه فيهما واختلفوا في القيام الأول من الثانية وركوعه هل هما أقصر من القيام الثاني من الأولى وركوعه أو يكونان سواء قيل وسبب هذا الخلاف فهم معنى قوله وهو دون القيام الأول هل المراد به الأول من الثانية أو يرجع إلى الجميع فيكون كل قيام دون الذي قبله ورواية الاسماعيلي تعين هذا الثاني ويرجحه أيضا أنه لو كان المراد من قوله القيام الأول أول قيام من الأولى فقط لكان القيام الثاني والثالث مسكوتا عن مقدارهما فالأول أكثر فائدة والله أعلم قوله باب الجهر بالقراءة في الكسوف أي سواء كان للشمس أو للقمر قوله أخبرنا بن نمر بفتح النون وكسر الميم اسمه عبد الرحمن وهو دمشقي وثقه دحيم والذهلي وابن البرقي وآخرون وضعفه بن معين لأنه لم يرو عنه غير الوليد وليس له في الصحيحين غير هذا الحديث وقد تابعه عليه الأوزاعي وغيره قوله جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته استدل به على الجهر فيها بالنهار وحمله جماعة ممن لم ير بذلك على كسوف القمر وليس بجيد لأن الاسماعيل روى هذا الحديث من وجه آخر عن الوليد بلفظ كسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وكذا رواية الأوزاعي التي بعده صريحة في الشمس قوله وقال الأوزاعي وغيره سمعت الزهري الخ وصله مسلم عن محمد بن مهران عن الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي وغيره فذكره وأعاد الإسناد إلى الوليد قال أخبرنا عبد الرحمن بن نمر فذكره وزاد فيه مسلم طريق كثير بن عباس عن أخيه ولم يذكر قصة عبد الله بن الزبير واستدل بعضهم على ضعف رواية عبد الرحمن بن نمر في الجهر بأن الأوزاعي لم يذكر في روايته الجهر وهذا ضعيف لأن من ذكر حجة على من لم يذكر لا سيما والذى لم يذكره لم يتعرض لنفيه وقد ثبت الجهر في رواية الأوزاعي عند أبي داود والحاكم من طريق الوليد بن مزيد عنه ووافقه سليمان بن كثير وغيره كما ترى قوله قال أجل أي نعم وزنا ومعنى وفي رواية الكشميهني من أجل بسكون الجيم وعلى الأول فقوله أنه أخطأ بكسر همزة إنه وعلى الثاني بفتحها قوله تابعه سليمان بن كثير وسفيان بن حسين عن الزهري في الجهر يعني بإسناد المذكور ورواية سليمان وصلها أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عنه بلفظ خسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكبر ثم كبر الناس ثم قرأ فجهر بالقراءة الحديث ورويناه في مسند أبي داود الطيالسي عن سليمان بن كثير بهذا الإسناد مختصرا أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف وأما رواية سفيان بن حسين فوصلها الترمذي والطحاوي بلفظ صلى صلاة الكسوف وجهر بالقراءة فيها وقد تابعهم على ذكر الجهر عن الزهري عقيل عند الطحاوي وإسحاق بن راشد عند الدارقطني وهذه طرق يعضد بعضها بعضا يفيد مجموعها الجزم بذلك فلا معنى لتعليل من أعله بتضعيف سفيان بن حسين وغيره فلو لم يرد في ذلك إلا رواية الأوزاعي لكانت كافية وقد ورد الجهر فيها عن على مرفوعا وموقوفا أخرجه بن خزيمة وغيره وقال به صاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحاق بن خزيمة وابن المنذر وغيرهما محدثي الشافعية وابن العربي من المالكية وقال الطبري يخير بين الجهر والاسرار وقال الأئمة الثلاثة يسر في الشمس ويجهر في القمر واحتج الشافعي بقول بن عباس قرأ نحوا من سورة
[ 455 ]
البقرة لأنه لو جهر لم يحتج إلى تقدير وتعقب باحتمال أن يكون بعيدا منه لكن ذكر الشافعي تعليقا عن بن عباس أنه صلى بجنب النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف فلم يسمع منه حرفا ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية وعلى تقدير صحتها فمثبت الجهر معه قدر زائد فالأخذ به أولى وأن ثبت التعدد فيكون فعل ذلك لبيان الجواز وهكذا الجواب عن حديث سمرة عند بن خزيمة والترمذي لم يسمع له صوتا وأنه إن ثبت لا يدل على نفى الجهر قال بن العربي الجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادى لها ويخطب فأشبهت العيد والاستسقاء والله أعلم خاتمة اشتملت أبواب الكسوف على أربعين حديثا نصفها موصول ونصفها معلق المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون والخالص ثمانية وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي بكرة وحديث أسماء في العتاقة ورواية عمرة عن عائشة الأولى أطول لكنه أخرج أصله وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة آثار فيها أثر عبد الله بن الزبير وفيها أثر عروة في تخطئته هما موصولان قوله أبواب سجود القرآن كذا للمستملي ولغيره باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها أي سنة سجود التلاوة وللاصيلى وسنته وسيأتي ذكر من قال بوجوبها في آخر الأبواب وسقطت البسملة لأبي ذر وقد أجمع العلماء على أنه يسجد وفي عشرة مواضع وهي متوالية إلا ثانية الحج وص وأضاف مالك ص فقط والشافعي في القديم ثانية الحج فقط وفي الجديد هي وما في المفصل وهو قول عطاء وعن أحمد مثله في رواية وفي أخرى مشهورة زيادة ص وهو قول الليث وإسحاق وابن وهب وابن حبيب من المالكية وابن المنذر وابن سريج من الشافعية وعن أبي حنيفة مثله لكن نفى ثانية الحج وهو قول داود ووراء ذلك أقوال أخرى منها عن عطاء الخراساني الجميع إلا ثانية الحج والانشقاق وقيل باسقاطهما وإسقاط ص أيضا وقيل الجميع مشروع ولكن العزائم الأعراف وسبحان وثلا ث المفصل روى عن بن مسعود وعن بن عباس ألم تنزيل وحم تنزيل والنجم وأقرأ وعن سعيبن جبير مثله بإسقاط اقرأ وعن عبيد بن عمير مثله لكن بإسقاط النجم وإثبات الأعراف وسبحان وعن على ما ورد الأمر فيه بالسجود عزيمة وقيل يشرع السجود عند كل لفظ وقع فيه الأمر بالسجود أو الحث عليه والثناء على فاعله أو سيق مساق المدح وهذا يبلغ عددا كثيرا وقد أشار إليه أبو محمد بن الخشاب في قصيدته الالغازية قوله سمعت الأسود هو بن يزيد وعبد الله هو بن مسعود قوله وسجد من معه غير شيخ سماه في تفسير سورة النجم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق أمية بن خلف ووقع في سيرة بن إسحاق أنه الوليد بن المغيرة وفيه نظر لأنه لم يقتل وفي تفسير سنيد الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة بالشك وفيه نظر لما أخرجه الطبراني من حديث مخرمة بن نوفل قال لما أظهر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام أسلم أهل مكحتى أنه كان ليقرأ السجدة فيسجدون فلا يقدر بعضهم أن يسجد من الزحام حتى قدم رؤساء قريش الوليد بن المغيرة وأبو جهل وغيرهما وكانوا بالطائف فرجعوا وقالوا تدعون دين آبائكم لكن في ثبوت هذا نظر لقول
[ 456 ]
أبي سفيان في الحديث الطويل إنه لم يرتد أحد ممن أسلم ويمكن أن يجمع بان النفي مقيد بمن ارتد سخطا لا بسبب مراعاة خاطر رؤسائه وروى الطبري من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير أن الذي رفع التراب فسجد عليه هو سعيد بن العاص بن أمية أبو أحيحة وتبعه النحاس وذكر أبو حيان شيخ شيوخنا في تفسيره أنه أبو لهب ولم يذكر مستنده وفي مصنف بن أبي شيبة عن أبي هريرة سجدوا في النجم إلا رجلين من قريش أرادا بذلك الشهرة وللنسائي من حديث المطلب بن أبي وداعة قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم فسجد وسجد من معه فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد ولم يكن المطلب يومئذ أسلم ومهما ثبت من ذلك فلعل بن مسعود لم يره أو خص واحدا بذكره لاختصاصه بأخذالكف من التراب دون غيره وأفاد المصنف في رواية إسرائيل أن النجم أول سورة أنزلت فيها سجدة وهذا هو السر في بداءة المصنف في هذه الأبواب بهذا الحديث واستشكل بأن اقرأ باسم ربك أول السور نزولا وفيها أيضا سجدة فهي سابقة على النجم وأجيب بأن السابق من اقرأ أوائلها وأما بقيتها فنزل بعد ذلك بدليل قصة أبي جهل في نهيه للنبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة أو الأولية مقيدة بشئ محذوف بينته رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عند بن مردويه بلفظ أن أول سورة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم وله من رواية عبد الكبير بن دينار عن أبي إسحاق أول سورة تلاها على المشركين فذكره فيجمع بين الروايات الثلاث بأن المراد أول سورة فيها سجدة تلاها جهرا على المشركين وسيأتي بقية الكلام عليه في تفسير سورة النجم إن شاء الله تعالى قوله باب سجدة تنزيل السجدة قال بن بطال اجمعوا على السجود فيها وإنما اختلفوا في السجود بها في الصلاة انتهى وقد تقدم الكلام على ذلك وعلى حديث أبي هريرة المذكور في الباب في كتاب الجمعة مستوفى قوله باب سجدة ص أورد فيه حديث بن عباس ص ليس من عزائم السجود يعني السجود في ص إلى آخره والمراد بالعزائم ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثبناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب وقد روى بن المنذر وغيره عن على بن أبي طالب بإسناد حسن أن العزائم حم والنجم وأقرأ وألم تنزيل وكذا ثبت عن بن عباس في الثلاثة الأخر وقيل الأعراف وسبحان وحم وألم أخرجه بن أبي شيبة قوله وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها وقع في تفسير ص عند المصنف من طريق مجاهد قال سألت بن عباس من أين سجدت في ص ولابن خزيمة من هذا الوجه من أين أخذت سجدة ص ثم اتفقا فقال ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله فبهداهم اقتده ففي هذا أنه استنبط مشروعية السجود فيها من الآية وفي الأول أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يكون استفاده من الطريقين وقد وقع في أحاديث الأنبياء من طريق مجاهد في آخره فقال بن عباس نبيكم ممن أمر أن يقتدى بهم فاستنبط وجه سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها من الآية وسبب ذلك كون السجدة التي في ص إنما وردت بلفظ الركوع فلولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة وفي النسائي من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس مرفوعا سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا فاستدل الشافعي بقوله شكرا على أنه لا يسجد فيها في الصلاة لأن سجود الشاكر لا يشرع الصلاة ولأبي داود وابن خزيمة والحاكم من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم
[ 457 ]
قرأ وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه ثم قرأها في يوم آخرد فتهيب الناس للسجود فقال إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تهيأتم فنزل وسجد وسجدوا معه فهذا السياق يشعر بأن السجود فيها لم يؤكد كما أكد في غيرها واستدل بعض الحنفية من مشروعية السجود عند قوله وخر راكعا وأناب بأن الركوع عندها ينوب عن السجود فإن شاء المصلي ركع بها وإن شاء سجد ثم طرده في جميع سجدات التلاوة وبه قال بن مسعود قوله باب سجدة النجم قاله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي موصولا في الذي يليه والكلام على حديث بن مسعود يأتي في التفسير إن شاء الله تعالى واستدل به على أن من وضع جبهته على كفه ونحوه لا يعد ساجدا حتى يضعها بالأرض وفيه نظر قوله باب سجود المسلمين مع المشركين والمشرك نجس ليس له وضوء قال بن التين روينا قوله نجس بفتح النون والجيم ويجوز كسرها وقال الفراء تسكن الجيم إذا ذكرت اتباعا في قولهم رجس نجس قوله وكان بن عمر يسجد على غير وضوء كذا للأكثر وفي رواية الأصيلي بحذف غير والأول أولى فقد روى بن أبي شيبة من طريق عبيد بن الحسن عن رجل زعم أنه كنفسه عن سعيد بن جبير قال كان بن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء ثم يركب فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ وأما ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن الليث عن نافع عن بن عمر قال لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر فيجمع بينهما بأنه أراد بقوله طاهر الطهارة الكبرى أو الثاني علحالة الاختيار والأول على الضرورة وقد اعترض بن بطال على هذه الترجمة فقال إن أراد البخاري الاحتجاج لابن عمر بسجود المشركين فلا حجة فيه لأن سجودهم لم يكن على وجه العبادة وإنما كان لما ألقى الشيطان إلى آخر كلامه قال وإن أراد الرد على بن عمر بقوله والمشرك نجس فهو أشبه بالصواب وأجاب بن رشيد بأن مقصود البخاري تأكيد مشروعية السجود لأن المشرك قد أقر على السجود وسمى الصحابي فعله سجودا مع عدم أهليته فالمتأهل لذلك أحرى بأن يسجد على كل حالة ويؤيده أن في حديث بن مسعود أن الذي ما سجد عوقب بأن قتل كافرا فلعل جميع من وفق للسجود يومئذ ختم له بالحسنى فأسلم لبركة السجود قال ويحتمل أن يجمع بين الترجمة وأثر بن عمر بأنه يبعد في العادة أن يكون جميع من حضر من المسلمين كانوا عند قراءة الآية على وضوء لأنهم لم يتأهبوا لذلك وإذا كان كذلك فمن بادر منهم إلى السجود خوف الفوات بلا وضوء وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك استدل بذلك على جواز السجود بلا وضوء عند وجود المشقة بالوضوء ويؤيده أن لفظ المتن وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس فسوى بن عباس في نسبة السجود بين الجميع وفيهم من لا يصح منه الوضوء فيلزم أن يصح السجود ممن كان بوضوء وممن لم يكن بوضوء والله أعلم والقصة التي أشار إليها سيحصل لنا إلمام بشئ منها في تفسير سورة الحج إن شاء الله تعالى فائدة لم يوافق بن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي أخرجبن أبي شيبة عنه بسند صحيح وأخرجه أيضا بسند حسن عن أبي عبد الرحمن السلمي أنكان يقرأ السجدة ثم يسلم وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ أيماء قوله سجد بالنجم زاد الطبراني في الأوسط من هذا الوجه بمكة فأفاد اتحاد قصة بن عباس وابن مسعود قوله والجن كأن بن عباس استند في ذلك إلى إخبار
[ 458 ]
النبي صلى الله عليه وسلم إما مشافهة له وإما بواسطة لأنه لم يحضر القصة لصغره وأيضا فهو من الأمور التي لا يطلع الإنسان عليها إلا بتوقيف وتجويز أنه كشف له عن ذلك بعيد لأنه لم يحضرها قطعا قوله ورواه إبراهيم بن طهمان عن أيوب يأتي الكلام عليه في تفسير سورة النجم قوله باب من قرأ السجدة ولم يسجد يشير بذلك إلى الرد على من احتج بحديث الباب على أن المفصل لا سجود فيه كالمالكية أو أن النجم بخصوصها لا سجود فيها كأبي ثور لأن ترك السجود فيها في هذه الحالة لا يدل على تركه مطلقا لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء أو لكون الوقت كان وقت كراهة أو لكون القارئ كان لم يسجد كما سيأتي تقريره بعد باب أو ترك حينئذ لبيان الجواز وهذا أرجح الاحتمالات وبه جزم الشافعي لأنه لو كان واجبا لأمره بالسجود ولو بعد ذلك وأما ما رواه أبو داود وغيره من طريق مطر الوراق عن عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة فقد ضعفه أهل العلم بالحديث لضعف في بعض رواته واختلاف في إسناده وعلى تقدير ثبوته فرواية من أثبت ذلك أرجح إذ المثبت مقدم على النافي فسيأتي في الباب الذي يليه ثبوت السجود في إذا السماء انشقت وروى البزار والدارقطني من طريق هشام بن حسان عن بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه الحديث رجاله ثقات وروى بن مردويه في التفسير بإسناد حسن عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه رأى أبا هريرة سجد في خاتمة النجم فسأله فقال إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن الأسود بن يزيد عن عمر أنه سجد في إذا السماء انشقت ومن طريق نافع عن بن عمر أنه سجد فيها وفي هذا رد على من زعم أن عمل أهل المدينة استمر على ترك السجود في المفصل ويحتمل أن يكون المنفى المواظبة على ذلك لأن المفصل تكثر قراءته في الصلاة فترك السجود فيه كثيرا لئلا تختلط الصلاة على من لم يفقه أشار إلى هذه العلة مالك في قوله بترك السجود في المفصل أصلا وقال بن القصار الأمر بالسجود في النجم ينصرف إلى الصلاة ورد بفعله صلى الله عليه وسلم كما تقدم قبل وزعم بعضهم أن عمل أهل المدينة استمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على ترك السجود فيها وفيه نظر لما رواه الطبري بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبزي عن عمه أنه قرأ النجم في الصلاة فسجد فيها ثم قام فقرأ إذا زلزلت ومن طريق إسحاق بن سويد عن نافع عن بن عمر أنه سجد في النجم قوله حدثنا يزيد بن خصيفة بالخاء المعجمة والصاد المهملة مصغر وهو يزيد بن عبد الله بن خصيفة نسب إلى جده وشيخه بن قسيط هو يزيد بن عبد الله بن قسيط المذكور في الإسناد الثاني ورجال الإسنادين معا مدنيون غير شيخي البخاري قوله أنه سأل زيد بن ثابت فزعم حذف المسئول عنه وظاهر السياق يوهم أن المسئول عنه السجود في النجم وليس كذلك وقد بينه مسلم عن على بن حجر وغيره عن إسماعيل بن جعفر بهذا الإسناد قال سألت زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام فقال لا قراءة مع الإمام في شئ وزعم أنه قرأ النجم الحديث فحذف المصنف الموقوف لأنه ليس من غرضه في هذا المكان ولأنه يخالف زيد بن ثابت في ترك القراءة خلف الإمام وفاقا لمن أوجبها من كبار الصحابة تبعا للحديث الصحيح الدال على ذلك كما تقدم في صفة الصلاة قوله فزعم
[ 459 ]
أراد أخبر والزعم يطلق على المحقق قليلا كهذا وعلى المشكوك كثيرا وقد تكرر ذلك ومن شواهده قول الشاعر على الله أرزاق العباد كما زعم ويحتمل أن يكون زعم في هذا الشعر بمعنى ضمن ومنه الزعيم غارم أي الضامن واستنبط بعضهم من حديث زيد بن ثابت أن القارئ إذا تلا على الشيخ لا يندب له سجود التلاوة ما لم يسجد الشيخ أدبا مع الشيخ وفهي نظر فائدة اتفق بن أبي ذئب ويزيد بن خصيفة على هذا الإسناد على بن قسيه وخالفهما أبو صخر فرواه عن بن قسيط عن خارجة بن زيد عن أبيه أخرجه أبو داود والطبراني فإن كان محفوظا حمل على أن لابن قسيط فيه شيخين وزاد أبو صخر في روايته وصليت خلف عمر بن عبد العزيز وأبي بكر بن حزم فلم يسجدا فيها قوله باب سجدة إذا السماء انشقت أورد فيه حديث أبي هريرة في السجود فيها وهشام هو بن أبي عبد الله الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير وقوله فسجد بها في رواية الكشميهنى فيها والباء للظرف وقول أبي سلمة لم أرك تسجد قيل هو استفهام إنكار من أبي سلمة يشعر بأن العمل استمر على خلاف ذلك ولذلك أنكره أبو رافع كما سيأتي بعد ثلاثة أبواب وهذا فيه نظر وعلى التنزيل فيمكن أن يتمسك به من لا يرى السجود بها في الصلاة أما تركها مطلقا فلا ويدل على بطلان المدعى أن أبا سلمة وأبا رافع لم ينازعا أبا هريرة بعد أن أعلمهما بالسنة في هذه المسألة ولا احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك قال بن عبد البر وأي عمل يدعى مع مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده قوله باب من سجد لسجود القارئ قال بن بطال أجمعوا علان القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد كذا أطلق وسيأتي بعد باب قول من جعل ذلك مشروطا بقصد الاستماع وفي الترجمة إشارة إلى أن القارئ إذا لم يسجد لم يسجد السامع ويتأيد بما سأذكره قوله وقال بن مسعود لتميم بن حذلم بفتح المهملة واللام بينهما غدا ساكنة قوله إمامنا زاد الحموي فيها وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور من رواية اني عن إبراهيم قال قال تميم بن حذلم قرأت القرآن على عبد الله وأنا غلام فمررت بسجدة فقال عبد الله أنت إمامنا فيها وقد روى مرفوعا أخرجه بن أبي شيبمن رواية بن عجلان عن زيد بن أسلم أن غلاما قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد فلما لم يسجد قال يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود قال بلى ولكنك كنت إمامنا فيها ولو سجدت لسجدنا رجاله ثقات إلا أنه مرسل وقد روى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال بلغني فذكر نحوه أخرجه البيهقي من رواية بن وهب عن هشام بن سعد وحفص بن ميسرة معا عن زيد بن أسلم به وجوز الشافعي أن يكون القارئ المذكور هو زيد بن ثابت لأنه يحكي أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد ولأن عطاء بن يسار روى الحديثين المذكورين انتهى قوله حدثنا يحيى هو القطان وسيأتي الكلام على المتن في الباب الأخير قوله باب ازدحام الناس إذا قرأ الإمام السجدة أي لضيق المكان وكثرة الساجدين قوله حدثنا بشر بن آدم هو الضرير البغدادي بصري الأصل ليس له في البخاري إلا هذا الموضع الواحد وفي طبقته بشر بن آدم بن يزيد بصري أيضا وهو بن بنت أزهر السمان وفي كل منهما مقال ورجح بن عدي أن شيخ البخاري هنا هو بن بنت أزهر وعلى كل تقدير فلم يخرج له إلا في المتابعات فسيأتي من طريق أخرى بعد
[ 460 ]
باب ويأتي الكلام عليه ثم وافقه على هذه الرواية عن على بن مسهر سويبن سعيد أخرجه الاسماعيلي قوله باب من رأى أن الله لم يوجب السجود أي وحمل الأمر في قوله اسجدوا على الندب أو على أن المراد به سجود الصلاة أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب وفي سجود التلاوة على الندب على قاعدة الشافعي ومن تابعه في حمل المشترك على معنييه ومن الأدلة على أن سجود التلاوة ليس بواجب ما أشار إليه الطحاوي من أن الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر ومنها ما هو بصيغة الأمر وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر هل فيها سجود أو لا وهي ثانية الحج وخاتمة النجم وأقرأ فلو كان سجود التلاوة واجبا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر قوله وقيل لعمران بن حصين وصله بن أبي شيبة بمعناه من طريق مطرف قال سألت عمران بن حصين عن الرجل لا يدري أسمع السجدة أو لا فقال وسمعها أو لا فما ذا وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن مطرف أن عمران مر بقاص فقرأ القاص السجدة فمضى عمران ولم يسجد معه إسنادهما صحيح قوله وقال سلمان هو الفارسي قوله ما لهذا غدونا هو طرف من أثر وصله عبد الرزاق من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال مر سلمان على قوم قعود فقرؤوا السجدة فسجدوا فقيل له فقال ليس لهذا غدونا وإسناده صحيح قوله وقال عثمان إنما السجدة على من استمعها وصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن بن المسيب أن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فقال عثمان إنما السجود على من استمع ثم مضى ولم يسجد ورواه بن وهب عن يونس عن بن شهاب بلفظ إنما السجدة على من سمعها مختصرا وروى بن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب قال قال عثمان إنما السجدة على من جلس لها واستمع والطريقان صحيحان قوله وقال الزهري الخ وصله عبد الله بن وهب عن يونس عنه بتمامه وقوله فيه لا يسجد إلا أن يكون طاهرا قيل ليس بدال على عدم الوجوب لأن المدعى يقول علق فعل السجود من القارئ والسامع على شرط وهو وجود الطهارة فحيث وجد الشرط لزم لكن موضع الترجمة من هذا الأثر قوله فإن كنت راكبا فلا عليك حيث كان وجهك لأن هذا دليل النفل والواجب لا يؤدي على الدابة في الأمن قوله وكان السائب بن يزيد لا يسجد لسجود القاص بالصاد المهملة الثقيلة الذي يقص على الناس الأخبار والمواعظ ولم أقف على هذا الأثر موصولا ومناسبة هذه الآثار للترجمة ظاهرة لأن الذين يزعمون أن سجود التلاوة واجب لم يفرقوا بين قارئ ومستمع قال صاحب الهداية من الحنفية السجدة في هذه المواضع أي مواضع سجود التلاوة سوى ثانية الحج واجبة على التالى والسامع سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد أه وفرق بعض العلماء بين السامع والمستمع بما دلت عليه هذه الآثار وقال الشافعي في البويطي لا أؤكده على السامع كما أؤكده على المستمع وأقوى الأدلة على نفى الوجوب حديث عمر المذكور في هذا الباب قوله أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة هو أخو محمد وعثمان بن عبد الرحمن التيمي وثقه أبو حاتم وليس له في البخاري غير هذا الحديث ولأبيه صحبة ورواية وهو بن عثمان بن عبيد الله بن أخى طلحة بن عبيد الله أحد العشرة وربيعة بن عبد الله بن الهدير هو عم أبي بكر بن المنذر بن عبد الله بن الهدير الراوي عنه الاكتواء بلفظ التصغير ذكر بن سعد أن ربيعة ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له
[ 461 ]
أيضا في البخاري غير هذا الحديث الواحد قوله عما حضر ربيعة من عمر متعلق بقوله أخبرني أي أخبرني راويا عن عثمان عن ربيعة عن قصة حضوره مجلس عمر ووقع عند الاسماعيلي من طريق حجاج عن بن جريج أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخبره عن ربيعة بن عبد الله أنه حضر عمر فذكره أه وقوله عبد الرحمن بن عثمان مقلوب والصواب ما تقدم وكذا أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج قوله قرأ أي أنه قرأ يوم الجمعة قوله أنا نمر بالسجود في رواية الكشميهني إنما قوله ومن لم يسجد فلا أثم عليه ظاهر في عدم الوجوب قوله ولم يسجد عمر فيه توكيد لبيان جواز ترك السجود بغير ضرورة قوله وزاد نافع هو مقول بن جريج والخبر متصل بالإسناد الأول وقد بين ذلك عبد الرزاق في مصنفه عن بن جريج أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة فذكره وقال في آخره قال بن جريج وزادني نافع عن بن عمر أنه قال لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء وكذلك رواه الاسماعيلي والبيهقي وغيرهما من طريق حجاج بن محمد عن بن جريج فذكر الإسناد الأول قال وقال حجاج قال بن جريج وزاد نافع فذكره وفي هذا رد على القدرة في زعمه أن هذا معلق وكذا علم عليه المزي علامة التعليق وهو وهم وله شاهد من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عمر لكنه منقطع بين عروة وعمر تنبيه قوله في رواية عبد الرزاق أنه قال الضمير يعود على عمر أشار إلى ذلك الترمذي في جامعه حيث نسب ذلك إلى عمر في هذه القصة بصيغة الجزم واستدل بقوله لم يفرض على عدم وجوب سجود التلاوة وأجاب بعض الحنفية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفى الفر ض لا يستلزم نفى الوجوب وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث وما كان الصحابة يفرقون بينهما ويغنى عن هذا قول عمر ومن لم يسجد فلا أثم عليه كما سيأتي تقريره واستدل بقوله إلا أن نشاء على أن المرء مخير في السجود فيكون ليس بواجب وأجاب من أوجبه بان المعنى إلى أن نشاء قراءتها فيجب ولا يخفى بعده ويرده تصريح عمر بقوله ومن لم يسجد فلا إثم عليه فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارا يدل على عدم وجوبه واستدل به على أن من شرع في السجود وجب عليه إتمامه وأجيب بأنه استثناء منقطع والمعنى لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل إطلاقه ومن لم يسجد فلا إثم عليه وفي الحديث من الفوائد أن للخطيب أن يقرأ القرآن في الخطبة وأنه إذا مر بآية سجدة ينزل إلى الأرض ليسجد بها إذا لم يتمكن من السجود فوق المنبر وأن ذلك لا يقطع الخطبة ووجه ذلك فعل عمر مع حضور الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم وعن مالك يمر في خطبته ولا يسجد وهذا الأثر وارد عليه قوله باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها أشار بهذه الترجمة إلى من كره قراءة السجدة في الصلاة المفروضة وهو منقول عن مالك وعنه كراهته في السرية دون الجهرية وهو قول بعض الحنفية أيضا وغيرهم وحديث أبي هريرة المحتج به في الباب تقدم الكلام عليه في باب الجهر في العشاء وبينا فيه أن في رواية أبي الأشعث عن معمر التصريح بأن سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها كان انظر الصلاة وكذا في رواية يزيد بن هارون عن سليمان التيمي في صحيح أبي عوانة وغيره وفيه حجة على من كره ذلك وقد تقدم النقل عمن زعم أنه لا سجود في إذا السماء انشقت ولا غيرها من المفصل وأن العمل استمر عليه بدليل إنكار أبي رافع وكذا أنكره أبو سلمة وبينا أن النقل عن علماء المدينة بخلاف ذلك كعمر وابن عمر وغيرهما من الصحابة والتابعين
[ 462 ]
قوله حدثني بكر هو بن عبد الله المزني قوله باب من لم يجد موضعا للسجود مع الإمام من الزحام أي ماذا يفعل قال بن بطال لم أجد هذه المسألة إلا في سجود الفريضة واختلف السلف فقال عمر يسجد على ظهر أخيه وبه قال الكوفيون وأحمد وإسحاق وقال عطاء والزهري يؤخر حتى يرفعوا وبه قال مالك والجمهور وإذا كان هذا في سجود الفريضة فيجرى مثله في سجود التلاوة وظاهر صنيع البخاري أنه يذهب إلى أنه يسجد بقدر استطاعته ولو على ظهر أخيه قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة زاد على بن مسهر في روايته عن عبيد الله ونحن عنده وقد مضى قبل بباب قوله فيسجد فنسجد زاد الكشميهني معه قوله لموضع جبهته يعني من الزحام زاد مسلم في رواية له في غير وقت صلاة ولم يذكر بن عمر ما كانوا يصنعون حينئذ ولذلك وقع الاختلاف كما مضى ووقع في الطبراني من طريق مصعب بن ثابت عن نافع في هذا الحديث أن ذلك كان بمكة لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم وزاد فيه حتى سجد الرجل على ظهر الرجل وهو يؤيد ما فهمناه عن المصنف والذي يظهر أن هذا الكلام وقع من بن عمر على سبيل المبالغة في أنه لم يبق أحد إلا سجد وسيا حديث الباب مشعر بأن ذلك وقع مرارا فيحتمل أن تكون رواية الطبراني بينت مبدأ ذلك ويؤيد ما رواه الطبراني أيضا من رواية المسور بن مخرمة عن أبيه قال أظهر أهل مكة الإسلام يعني في أول الأمر حتى أن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقرأ السجدة فيسجد وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام حتى قدم رؤساء أهل مكة وكانوا بالطائف فرجعوهم عن الإسلام واستدل به البخاري على السجود لسجود القارئ كما مضى وعلى الازدحام على ذلك خاتمة اشتملت أبواب السجود على خمسة عشر حديثا اثنان منها معلقان المكرر منها فيه وفيما مضى تسعة أحاديث والخالص ستة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديثي بن عباس في ص وفي النجم وحديث عمر في التخيير في السجود وفيه من الآثار عن الصحابة وغيرهم سبعة آثار والله أعلم بالصواب بسم الله الرحمن الرحيم قوله أبواب التقصير ثبتت هذه الترجمة للمستملي وفي رواية أبي الوقت أبواب تقصير الصلاة وثبتت البسملة في رواية كريمة والأصيلي قوله باب ما جاء في التقصير تقول قصرت الصلاة بفتحتين مخففا قصرا وقصرته بالتشديد تقصيرا وأقصرتها إقصارا والأول أشهر في الاستعمال والمراد به تخفيف الرباعية إلى ركعتين ونقل بن المنذر وغيره الإجماع على أن لا تقصير في صلاة الصبح ولا في صلاة المغرب وقال النووي ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح وذهب بعض السلف إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد وبعضهم كونه سفر طاعة وعن أبي حنيفة والثوري في كل سفر سواء كان طاعة أو معصية قوله وكم يقيم حتى يقصر في هذه الترجمة إشكال لأن اشتراط ليست سببا للقصر ولا القصر غاية للاقامة قاله الكرماني وأجاب بأن عدد الأيام المذكور سبب لمعرفة جواز القصر فيها
[ 463 ]
ومنع الزيادة عليها وأجاب غيره بأن المعنى وكم إقامته المغياة بالقصر وحاصلة كم يقيم مقصر وقيل المراد كم يقصر حتى يقيم أي حتى يسمى مقيما فانقلب اللفظ أو حتى هنا بمعنى حين أي كم يقيم حين يقصر وقيل فاعل يقيم هو المسافر والمراد إقامته في بلد ما غايتها التي إذا حصلت يقصر قوله على بن عاصم هو بن سليمان وحصين بالضم هو بن عبد الرحمن قوله تسعة عشر أي يوما بليلته زاد في المغازي من وجه آخر عن عاصم وحده بمكة وكذا رواه بن المنذر من طريق عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة وأخرجه أبو داود من هذا الوجه بلفظ سبعة عشر بتقديم السين وكذا أخرجه من طريق حفص بن الصالح عن عاصم قال وقال عباد بن منصور عن عكرمة تسع عشرة كذا ذكرها معلقة وقد وصلها البيهقي ولأبي داود أيضا من حديث عمران بن حصين غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين وله من طريق بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن بن عباس أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمسة عشر يقصر الصلاة وجمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة عد يومى الدخول والخروج ومن قال سبع عشرة حذفهما ومن قال ثماني عشر عد أحدهما وأما رواية خمسة عشر فضعفها النووي في الخلاصة وليس بجيد لأن رواتها ثقات ولم ينفرد بها بن أسحق فقد أخرجها النسائي من رواية عراك بن مالك عن عبيد الله كذلك وإذا ثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر فحذف منها يومى الدخول والخروج فذكر أنها خمسة عشر واقتضى ذلك أن رواية تسعة عشر أرجح الروايات وبهذا أخذ أسحق بن راهويه كالغرماء أيضا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة وأخذ الثوري وأهل الكوفة برواية خمسة عشر لكونها أقل ما ورد فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقا وأخذ الشافعي بحديث عمران بن حصين لكن محله عنده فيمن لم يزمع اشتراط فإنه إذا مضت عليه المدة المذكورة وجب عليه الإتمام فإن أزمع اشتراط في أول الحال على أربعة أيام أتم على خلاف بين أصحابه في دخول يومى الدخول والخروج فيها أولا وحجته حديث أنس الذي يليه قوله فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرن وإن زدنا أتممنا ظاهره أن السفر إذا زاد على تسعة عشر لزم الاتمام وليس ذلك المراد وقد صرح أبو يعلى عن شيبان عن أبي عوانة في هذا الحديث بالمراد ولفظه إذا سافرنا فأقمنا في موضع تسعة عشر ويؤيده صدر الحديث وهو قوله أقام وللترمذي من وجه آخر عن عاصم فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعا قوله في حديث أنس خرجنا من المدينة في رواية شعبة عن يحيى بن أبي إسحاق عند مسلم إلى الحج قوله فكان يصلي ركعتين ركعتين في رواية البيهقي من طريق على بن عاصم عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس إلا في المغرب قوله أقمنا بها عشرا لا يعارض ذلك حديث بن عباس المذكور لأن حديث بن عباس كان في فتح مكة وحديث أنس في حجة الوداع وسيأتي بعد باب من حديث بن عباس قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة الحديث ولا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة اشتراط بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء لأنه خرج منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى ومن ثم قال الشافعي إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة أيام وقال أحمد إحدى وعشرين صلاة وأما قول بن رشيد أراد البخاري أن يبين أن حديث
[ 464 ]
أنس انظر في حديث بن عباس لأن إقامة عشرانظر في إقامة تسع عشرة فأشار بذلك إلى أن الأخذ بالزائد متعين ففيه نظر لأن ذلك إنما يجئ على اتحاد القصتين والحق أنهما مختلفان فالمدة التي في حديث بن عباس يسوغ الاستدلال بها على من لم ينو اشتراط بل كان مترددا متى يتهيا له فراغ حاجته يرحل والمدة التي في حديث أنس يستدل بها على من نوى اشتراط لأنه صلى الله عليه وسلم في أيام الحج كان جازما بالإقامة تلك المدة ووجه الدلالة من حديث بن عباس لما كان الأصل في المقيم الإتمام فلما لم يجئ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام في حال السفر أكثر من تلك المدة جعلها غاية للقصر وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال كثيرة كما سيأتي وفيه أن اشتراط في أثناء السفر تسمى إقامة وإطلاق اسم البلد على ما جاورها وقرب منها لأن منى وعرفة ليسا من مكة أما عرفة فلأنها خارج الحرم فليست من مكة قطعا وأما منى ففيها احتمال والظاهر أنها ليست من مكة إلا إن قلنا إن اسم مكة يشمل جميع الحرم قال أحمد بن حنبل ليس لحديث أنس وجه إلا أنه حسب أيام إقامته صلى الله عليه وسلم في حجته منذ دخل مكة إلى أن خرج منها لا وجه له إلا هذا وقال المحب الطبري أطلق على ذلك إقامة بمكة لأن هذه المواضع مواضع النسك وهي في حكم التابع لمكة لأنها المقصود بالأصالة لا يتجه سوى ذلك كما قال الإمام أحمد والله أعلم وزعم الطحاوي أن الشافعي لم يسبق إلى أن المسافر يصير بنية إقامته أربعة أيام مقيما وقد قال أحمد نحو ما قال الشافعي وهي رواية عن مالك قوله باب الصلاة بمنى أي في أيام الرمي ولم يذكر المصنف حكم المسألة لقوة الخلاف فيها وخص منى بالذكر لأنها المحل الذي وقع فيها ذلك قديما واختلف السلف في المقيم بمنى هل يقصر أو يتم بناء على أن القصر بها للسفر أو للنسك واختار الثاني مالك وتعقبه الطحاوي بأنه لو كان كذلك لكان أهل منى يتمون ولا قائل بذلك وقال بعض المالكية لو لم يجلأهل مكة القصر بمنى لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتموا وليس بين مكة ومنى مسافة القصر فدل على أنهم قصروا للنسك وأجيب بأن الترمذي روى من حديث عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة ركعتين ويقول يا أهل مكة أتموا فأنا قوم سفر وكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة قلت وهذا ضعيف لأن الحديث من رواية على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ولو صح فالقصة كانت في الفتح وقصه منى في حجة الوداع وكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد ولا يخفى أن أصل البحث مبنى على تسليم أن المسافة التي بين مكة ومنى لا يقصر فيها وهو من محال الخلاف كما سيأتي بعد باب قوله بمنى زاد مسلم في رواية سالم عن أبيه بمنى وغيره قوله ثم أتمها في رواية أبي أسامة عن عبيد الله عند مسلم ثم إن عثمان صلى أربعا فكان بن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا وإذا صلى وحده صلى ركعتين وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بمنى في باب يقصر إذا خرج من موضعه قوله أنبأنا أبو إسحاق كذا هو بلفظ الإنباء وهو في عرف المتقدمين بمعنى الإخبار والتحديث وهذا منه قوله سمعت حارثة بن وهب زاد البرقاني في مستخرجه رجلا من خزاعة أخرجه من طريق أبي الوليد شيخ البخاري فيه قوله آمن أفعل تفضيل من الأمن قوله ما كان في رواية الكشميهني والحموي كانت أي حالة كونها آمن أوقاته وفي رواية مسلم والناس أكثر ما كانوا وله شاهد من حديث بن عباس عند الترمذي وصححه النسائي
[ 465 ]
بلفظ خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله يصلي ركعتين قال الطيبي ما مصدرية ومعناه الجمع لأن ما أضيف إليه أفعل يكون جمعا والمعنى صلى بنا والحال أنا أكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنا وسيأتي في باب الصلاة بمنى من كتاب الحج عن آدم عن شعبة بلفظ عن أبي إسحاق وقال في روايته ونحن أكثر ماكنا قط وآمنه وكلمة قط متعلقة بمحذوف تقديره ونحن ما كنا أكثر منا في ذلك الوقت ولا أكثر أمنا وهذا يستدرك به على بن مالك حيث قال استعمال قط غير مسبوقة بالنفى مما يخفى على كثير من النحويين وقد جاء في هذا الحديث بدون النفي وقال الكرماني قوله وآمنه بالرفع ويجوز النصب بأن يكون فعلا ماضيا وفاعله الله وضمير المفعول النبي صلى الله عليه وسلم والتقدير وآمن الله نبيه حينئذ ولا يخفى بعد هذا الأعراب وفيه رد على من زعم أن القصر مختص بالخوف والذي قال ذلك تمسك بقوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إخفتم أن يفتنكم الذين كفروا ولم يأخذ الجمهور بهذا المفهوم فقيل لأن شرط مفهوم المخالفة أن لا يكون خرج مخرج الغالب وقيل هو من الأشياء التي شرع الحكم فيها بسبب ثم زال السبب وبقي الحكم كالرمل وقيل المراد بالقصر في الآية قصر الصلاة في الخوف إلى ركعة وفيه نظر لما رواه مسلم من طريق يعلى بن أمية وله صحبة أنه سأل عمر عن قصر الصلاة في السفر فقال إنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فهذا ظاهر في أن الصحابة فهموا من ذلك قصر الصلاة في السفر مطلقا لا قصرها في الخوف خاصة وفي جواب عمر إشارة إلى القول الثاني وروى السراج من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة وهو الحذاء لا يعرف اسمه قال سألت بن عمر عن الصلاة في السفر فقال ركعتان فقلت إن الله عز وجل قال إن خفتم ونحن آمنون فقال سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يرجح القول الثاني أيضا قوله حدثنا إبراهيم هو النخعي لا التيمي قوله صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات كان ذلك بعد رجوعه من أعمال الحج في حال إقامته بمنى للرمي كما سيأتي ذلك في رواية عباد بن عبد الله بن الزبير في قصة معاوية بعد بابين قوله فقيل ذلك في رواية أبي ذر والأصيلي فقيل في ذلك قوله فاسترجع أي فقال انا لله وإنا إليه راجعون قوله ومع عمر ركعتين زاد الثوري عن الأعمش ثم تفرقت بكم الطرق أخرجه المصنف في الحج من طريقه قوله فليت حظى من أربع ركعات ركعتان لم يقل الأصيلي ركعات ومن للبدلية مثل قوله تعالى أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة وهذا يدل على أنه كان يرى الإتمام جائزا وإلا لما كان له حظ من الأربع ولا من غيرها فإنها كانت تكون فاسدة كلها وإنما استرجع بن مسعود لما وقع عنده من مخالفة الأولى ويؤيده ما روى أبو داود أن بن مسعود صلى أربعا فقيل له عبت على عثمان ثم صليت أربعا فقال الخلاف شر وفي رواية البيهقي إني لأكره الخلاف ولأحمد من حديث أبي ذر مثل الأول وهذا يدل على أنه لم يكن يعتقد أن القصر واجب كما قال الحنفية ووافقهم القاضي إسماعيل من المالكية وهي رواية عن مالك وعن أحمد قال بن قدامة المشهور عن أحمد أنه على الاختيار والقصر عنده أفضل وهو قول جمهور الصحابة والتابعين واحتج الشافعي على عدم الوجوب بأن المسافر إذ دخل في صلاة المقيم صلى أربعا باتفاقهم ولو كان فرضه القصر لم يأتم مسافر بمقيم وقال الطحاوي لما كان الفرض لا بد لمن
[ 466 ]
هو عليه أن يأتي به ولا يتخير في الإتيان ببعضه وكان التخيير مختصا بالتطوع دل على أن المصلي لا يتخير في الاثنتين والأربع وتعقبه بن بطال بأنا وجدنا واجبا يتخير بين الإتيان بجميعه أو ببعضه وهو اشتراط بمنى أه ونقل الداودي عن بن مسعود أنه كان يرى القصر فرضا وفيه نظر لما ذكرته ولو كان كذلك لما تعمد ترك الفرض حيث صلى أربعا وقال أن الخلاف شر ويظهر أثر الخلاف فيما إذا قام إلى الثالثة عمدا فصلاته عند الجمهور صحيحة وعند الحنفية فاسدة ما لم يكن جلس للتشهد وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بعد بابين إن شاء الله تعالى قوله باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته أي من يوم قدومه إلى أن خرج منها وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على حديث أنس في الباب الذي قبله والمقصود بهذه الترجمة بيان ما تقدم من أن المحقق فيه نية اشتراط هي مدة المقام بمكة قبل الخروج إلى منى ثم إلى عرفة وهي أربعة أيام ملفقة لأنه قدم في الرابع وخرج في الثامن فصلى بها إحدى وعشرين صلاة من أول ظهر الرابع إلى آخر ظهر الثامن وقيل أراد مدة إقامته إلى أن توجه إلى المدينة وهي عشرة كما في حديث أنس وان كان لم يصرح في حديث بن عباس بغايتها فإنها تعرف من الواقع فإن بين دخوله وخروجه يوم النفر الثاني من منى إلى الأبطح عشرة أيام سواء قوله عن أبي العالية البراء هو بتشديد الراء كان يبري النبل واسمه زياد وقيل غير ذلك وهو غير أبي العالية الرياحي وقد اشتركا في الرواية عن بن عباس وسيأتي الكلام على هذا الحديث وعلى متابعة عطاء عن جابر في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله باب في كم يقصر الصلاة يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر ولا يسوغ له في أقل منها وهي من المواضع التي انتشر فيها الخلاف جدا فحكى بن المنذر وغيره فيها نحوا من عشرين قولا فأقل ما قيل في ذلك يوم وليلة وأكثره ما دام غائبا عن بلده وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام وأورد ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة قوله وسمى النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا في رواية أبي ذر السفر يوما وليلة وفي كل منهما تجوز والمعنى سمى مدة اليوم والليلة سفرا وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب وقد تعقب بأن في بعض طرقه ثلاثة أيام كما أورده هو من حديث بن عمر وفي بعضها يوم وليلة وفي بعضها يوم وفي بعضها ليلة وفي بعضها بريد فإن حمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل أي يوم بليلته أو ليلة بيومها قل الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقل المسافة يوما وليلة لكن يعكر عليه رواية بريد ويجاب عنه بما سيأتي قريبا قوله وكان بن عمر وابن عباس الخ وصله بن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح أن بن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك وروى السراج من طريق عمرو بن دينار عن بن عمر نحوه وروى الشافعي عن مالك عن بن شهاب عن سالم أن بن عمر كب إلى ذات النصب فقصر الصلاة قال مالك وبينها وبين المدينة أربعة برد ورواعبد الرزاق عن مالك هذا فقال بين المدينة وذات النصب ثمانية عشر ميلا وفي الموطأ عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقصر في مسيرة اليوم التام ومن طريق عطاء أن بن عباس سئل أنقصر الصلاة إلى عرفة قال لا ولكن إلى عسفان أو إلى جدة أو الطائف وقد روى عن بن عباس مرفوعا أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه وعطاء عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 467 ]
قال يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الوهاب وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس قال لا تقصروا الصلاة إلى في اليوم ولا تقصر فيما دون اليوم ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة أربعة برد يمكن سيرها في يوم وليلة وأما حديث بن عمر الدال على اعتبار الثلاث فأما أن يجمع بينه وبين اختياره بأن المسافة واحدة ولكن السير يختلف أو أن الحديث المرفوع ما سيق لأجل بيان مسافة القصر بل لنهى المرأة عن الخروج وحدها ولذلك اختلفت الألفاظ في ذلك ويؤيد ذلك أن الحكم في نهى المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلا في يوم تام لتعلق بها النهى بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلا في يومين ليقصر فافترقا والله أعلم وأقل ما ورد في ذلك لفظ بريد ان كانت محفوظة وسنذكرها في آخر هذا الباب وعلى هذا ففي تمسك الحنفية بحديث بن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال ولا سيما على قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى فلو كان الحديث عنده لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسيرة اليوم التام وقد اختلف عن بن عمر في تحديد ذلك اختلافا غير ما ذكر فروى عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني نافع أن بن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر وبين المدينة وخيبر ستة وتسعون ميلا وروى وكيع من وجه آخر عن بن عمر أنه قال يقصر من المدينة إلى السويداء وبينهما اثنان وسبعون ميلا وروى عبد الرزاق عن مالك عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه سافر إلى ريم فقصر الصلاة قال عبد الرزاق وهي على ثلاثين ميلا من المدينة وروى بن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر عن محارب سمعت بن عمر يقول إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر وقال الثوري سمعت جبلة بن سحيم سمعت بن عمر يقول لو خرجت ميلا قصرت الصلاة إسناد كل منهما صحيح وهذه أقوال متغايرة جدا فالله أعلم قوله وهي أي الأربعة برد ستة عشر فرسخا ذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب وهو ثلاثة أميال والميل من الأرض منتهى الفساد البصر لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه وبذلك جزم الجوهري وقيل حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أهو رجل أو امرأة أو هو ذاهب أو آت قال النووي الميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة قرة إصبعا معترضة معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة أه وهذا الذي قاله هو الأشهر ومنهم من عبر عن ذلك باثني عشرألف قدم يقدم الإنسان وقيل وهو أربعة آلاف ذراع وقيل بل ثلاثة آلاف ذراع نقله صاحب البيان وقيل وخمسمائة صححه بن عبد البر وقيل هو ألفا ذراع ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل ثم إن الذراع الذي ذكر النووي تحديده قد حرره غيره بذراع الحديد المستعمل الآن في مصر والحجاز في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا وهذا فائدة نفيسة قل من نبه عليها وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود من حديث أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر
[ 468 ]
ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس فذكر الحديث فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه ثم ان الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها ورده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ فإن الثلاثة أميال مدرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطا وقد روى بن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال قلت لسعيد بن المسيب أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة قال نعم والله أعلم تنبيه اختلف في معنى الفرسخ فقيل السكون ذكره بن سيده وقيل السعة وقيل المكان الذي لا فرجة فيه وقيل الشئ الطويل قوله حدثنا إسحاق قال أبو على الجياني حيث قال البخاري حدثنا إسحاق فهو إما بن راهويه وإما بنصر السعدي وإما بن منصور الكوسج لأن الثلاثة أخرج عنهم عن أبي أسامة قلت لكن إسحاق هنا هو بن راهويه لأنه ساق هذا الحديث في مسنده بهذه الألفاظ سندا ومتنا ومن عادته الإتيان بهذه العبارة دون الأخيرين قوله حدثكم عبيد الله هو بن عمر العمري واستدل به على أنه لا يشترط في صحة التحمل قول الشيخ نعم في جواب من قال له حدثكم فلان بكذا وفيه نظر لأن في مسند إسحاق في آخره فأقر به أبو أسامة وقال نعم قوله لا تسافر المرأة ثلاثة أيام في رواية مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع مسيرة ثلاثة ليال والجمع بينهما أن المراد ثلاثة أيام بلياليها أو ثلاث ليال بأيامها قوله إلا مع ذي محرم في رواية أبي ذر والأصيلي إلا معها ذو محرم والمحرم بفتح الميم الحرام والمراد به من لا يحل له نكاحها ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم وأبي داود إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها أخرجاه من طريق الأعمش عن أبي صالح عنه قوله تابعه أحمد هو بن محمد المروزي أحد شيوخ البخاري ووهم من زعم أنه أحمد بن حنبل لأنه لم يسمع من عبد الله بن المبارك ونقل الدارقطني في العلل عن يحيى القطان قال ما أنكرت على عبيد الله بن عمر إلا هذا الحديث ورواه أخوه عبد الله موقوفا قلت وعبد الله ضعيف وقد تابع عبيد الله الضحاك كما تقدم فاعتمد البخاري لذلك قوله لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر مفهمومه أن النهى المذكور يختص بالمؤمنات فتخرج الكافرات كتابية كانت أو حربية وقد قال به بعض أهل العلم وأجيب بأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الفاء فينتفع به وينقاد له فلذلك قيد به أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم ولم يقصد به إخراج ما سواه والله أعلم قوله مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة أي محرم واستدل به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم وهو إجماع في غير الحج والعمرة والخروج من دار الشرك ومنهم من جعل ذلك من شرائط الحج كما سيأتي البحث فيه في موضعه إن شاء الله تعالى تنبيه قال شيخنا بن الملقن تبعا لشيخه مغلطاي الهاء في قوله مسيرة يوم وليلة للمرة الواحدة والتقدير أن تسافر مرة واحدة مخصوصة بيوم وليلة ولا سلف له في هذا الإعراب ومسيرة إنما هي الحدود سار كقوله سيرا مثل عاش معيشة وعيشا قوله تابعه يحيى بن أبى كثير وسهيل ومالك عن المقبري يعني سعيدا عن أبي هريرة يعني لم يقولوا عن أبيه فعلى
[ 469 ]
هذا فهي متابعة في المتن لا في الإسناد على أنه قد اختلف على سهيل وعلى مالك فيه وكأن الرواية التي جزم بها المصنف أرجح عنده عنهم ورجح الدارقطني أنه عن سعيد عن أبي هريرة ليس فيه عن أبيه كما رواه معظم رواه الموطأ لكن الزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا وقد وافق بن أبي ذئب على قوله عن أبيه الليث بن سعد عند أبي داود والليث وابن أبي ذئب من أثبت الناس في سعيد فأما رواية يحيى فأخرجها أحمد عن الحسن بن موسى عن شيبان النحوي عنه ولم أجد عنه فيه اختلافا إلا أن لفظة أن تسافر يوما إلا مع ذي محرم ويحمل قوله يوما على أن المراد به اليوم بليلته فيوافق رواية بن أبي ذئب وأما رواية سهيل فذكر بن عبد البر أنه اضطرب في إسنادها مكنني وأخرجه بن خزيمة من طريق خالد الواسطي وحماد بن سلمة وأخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم من طريق جرير كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد عن أبي هريرة كما علقه البخاري إلا أن جريرا قال في روايته بريدا بدل يوما وقال بشر بن المفضل عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أبدل سعيدا معبد صالح وخالف في اللفظ أيضا فقال تسافر ثلاثا أخرجه مسلم ويحتمل أن يكون الحديثان معا عند سهيل ومن ثم صحح أبن حبان الطريقين عنه لكن المحفوظ عن أبي صالح عن أبي سعيد كما تقدمت الإشارة إليه وأما رواية مالك فهي في الموطأ كما قال البخاري وأخرجها مسلم وأبو داود وغيرهما وهو المشهور عنه ورواها بشر بن عمر الزهراني عنه فقال عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه أبو داود والترمذي وأبو عوانة وابن خزيمة من طريقه وقال بن خزيمة إنه تفرد به عن مالك وفيه نظر لأن الدارقطني أخرجه في الغرائب من رواية إسحاق بن محمد الفروي عن مالك كذلك وأخرجه الاسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن مالك والمحفوظ عن مالك ليس فيه قوله عن أبيه والله أعلم قوله باب يقصر إذا خرج من موضعه يعني إذا قصد سفرا تقصر في مثله الصلاة وهي من المسائل المختلف فيها أيضا قال بن المنذر أجمعوا على أن لمن يريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت فذهب الجمهور إلى أنه لا بد من مفارقة جميع البيوت وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله ومنهم من قال إذا ركب قصر إن شاء ورجح بن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت واختلفوا فيما قبل ذلك فعليه الاتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر قال ولا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شئ من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة قوله وخرج على فقصر وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له هذه الكوفة قال لا حتى ندخل وصله الحاكم من رواية الثوري عن وقاء بن إياس وهو بكسر الواو بعدها قاف ثم مدة عن على بن ربيعة قال خرجنا مع على بن أبي طالب فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت ثم رجعنا فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت وأخرجه البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن وقاء بن إياس بلفظ خرجنا مع على متوجهين ههنا وأشار بيده إلى الشام فصلى ركعتين ركعتين حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة حضرت الصلاة قالوا يا أمير المؤمنين هذه الكوفة أتم الصلاة قال لا حتى ندخلها وفهم بن بطال من قوله في التعليق لا حتى ندخلها أنه أمتنع من الصلاة حتى يدخل الكوفة قال لأنه لو صلى فقصر ساغ له ذلك لكنه أختار أن يتم لاتساع الوقت أه وقد تبين من سياق أثر على أن الأمر على
[ 470 ]
خلاف ما فهمه بن بطال وأن المراد بقولهم هذه الكوفة أي فأتم الصلاة فقال لا حتى ندخلها أي لا نزال نقصر حتى ندخلها في حكم المسافرين قوله في حديث أنس صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين في رواية الكشميهني والعصر بذي الحليفة ركعتين وهي ثابتة في رواية مسلم وكذا في رواية أبي قلابة عن أنس عند المصنف في الحج واستدل به على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال وتعقب بأن ذا الحليفة لم تكن منتهى السفر وإنما خرج إليها حيث كان قاصدا إلى مكة فاتفق نزوله بها وكانت أول صلاة حضرت بها العصر فقصرها واستمر يقصر إلى أن رجع ومناسبة أثر على لحديث أنس ثم لحديث عائشة أن حديث على دال على أن القصر يشرع بفراق الحضر وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقصر حتى رأى ذا الحليفة إنما هو لكونه أول منزل نزله ولم يحضر قبله وقت صلاة ويؤيده حديث عائشة ففيه تعليق الحكم بالسفر والحضر فحيث وجد السفر شرع القصر وحيث وجد الحضر شرع الإتمام واستدل به على أن من أراد السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد خلافا لمن قال من السلف يقصر ولو في بيته وفيه حجة على مجاهد في قوله لا يقصر حتى يدخل الليل قوله في حديث عائشة الصلاة أول ما فرضت في رواية الكشميهني الصلوات بصيغة الجمع وأول بالرفع على أنه بدل من الصلاة أو مبتدأ ثان ويجوز النصب على أنه ظرف أي في أول قوله ركعتين في رواية كريمة ركعتين ركعتين قوله فأقرت صلاة السفر تقدم الكلام عليه في أول الصلاة واستدل بقوله فرضت ركعتين على أن صلاة المسافر لا تجوز إلا مقصورة ورد بأنه معارض بقوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ولأنه دال على أن الأصل الإتمام ومنهم من حمل قوله عائشة فرضت أي قدرت وقال الطبري معناه أن المسافر إذا اختار القصر فهو فرضه ومن أدل دليل على تعين تأويل حديث عائشة هذا كونها كانت تتم في السفر ولذلك أورده الزهري عن عروة قوله تأولت ما تأول عثمان هذا فيه رد على من زعم أن عثمان إنما أتم لكونه تأهل بمكة أو لأنه أمير المؤمنين وكل موضع له دار أو لأنه عزم على اشتراط بمكة أو لأنه استجد له أرضا بمنى أو لأنه كان يسبق الناس إلى مكة لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها ويرد الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك والثالث أن اشتراط بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي تقريره في الكلام على حديث العلاء بن الحضرمي في كتاب المغازي والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي التخرص في ذلك والأول وإن كان نقل وأخرجه أحمد والبيهقي من حديث عثمان وأنه لما صلى بمنى أربع ركعات أنكر الناس عليه فقال إني تأهلت بمكة لما قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تأهل ببلدة فإنه يصلي صلاة مقيم فهذا الحديث لا يصح لأنه منقطع وفي رواته من لا يحتج به ويرده قول عروة إن عائشة تأولت ما تأول عثمان ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلا فدل على وهن ذلك الخبر ثظهر لي أنه يمكن أن يكون مراد عروة بقوله كما تأول عثمان التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأويل عثمان فتكاثرت بخلاف تأويل عائشة وقد أخرج بن جرير في تفسير سورة النساء إن عائشة كانت تصلي في السفر
[ 471 ]
أربعا فإذا احتجوا عليها تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حرب وكان يخاف فهل تخافون أنتم وقد قيل في تأويل عائشة إنما أتمت ت في سفرها إلى البصرة إلى قتال على والقصر عندها إنما يكون في سفر طاعة وهذان القولان باطلان لا سيما الثاني ولعل قول عائشة هذا هو السبب في حديث حارثة بن وهب الماضي قبل ببابين والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال لما قدم علينا معاوية حاجا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة ثم انصرف إلى دار الندوة فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا لقد عبت أمر بن عمك أنه كان قد أتم الصلاة قال وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعا أربعا ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة وقال بن بطال الوجه الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة كان يريان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أمته فأخذا لأنفسهما بالشدة أه وهذا رجحه جماعة من آخرهم القرطبي لكن الوجه الذي قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب وأما ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عثمان إنما أتم الصلاة لأنه نوى اشتراط بعد الحج فهو مرسل وفيه نظر لأن اشتراط بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي في الكلام على حديث العلاء بن الحضرمي في المغازي وصح عن عثمان أنه كان لا يودع النساء إلا على ظهر راحلته ويسرع الخروج خشية أن يرجع في هجرته وثبت عن عثمان أنه قال لما حاصروه وقال له المغيرة اركب رواحلك إلى مكقال لن أفارق دار هجرتي ومع هذا النظر في رواية معمر عن الزهري فقد روى أيوب على الزهري ما يخالفه فروى الطحاوي وغيره من هذا الوجه عن الزهري قال إنما صلى عثمان بمنى أربعا لأن الأعراب كانوا كثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع وروى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال ان القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولكنه حدث طغام يعني بفتح الطاء والمعجمة فخفت أن يستنوا وعن بن جريج أن أعرابيا ناداه في منى يا أمير المؤمنين ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين وهذه طرق يقوي بعضها بعضا ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام وليس بمعارض للوجه الذي اخترته بل يقويه من حيث أن حالة اشتراط في أثناء السفر أقرب إلى قياس اشتراط المطلقة عليها بخلاف السائر وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان وأما عائشة فقد جاء عنها سبب الإتمام صريحا وهو فيما أخرجه البيهقي من طريق هشام بن عروة عن أبيه أنها كانت تصلي في السفر أربعا فقلت لها لو صليت ركعتين فقالت يا بن أختي إنه لا يشق على إسناده صحيح وهو دال على أنها تأولت أن القصر رخصة وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل ويدل على اختيار الجمهور ما رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد عن أبي هريرة أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر فكلهم كان يصلي ركعتين من حين يخرج من المدينة إلى مكة حتى يرجع إلى المدينة في السير وفي المقام بمكة قال الكرماني ما ملخصه تمسك الحنفية بحديث عائشة في أن الفرض في السفر أن يصلي الرباعية ركعتين وتعقب بأنه لو كان على ظاهره لما أتمت عائشة وعندهم العبرة بما رأى الراوي
[ 472 ]
إذا عارض ما روى ثم ظاهر الحديث مخالف لظاهر القرآن لأنه يدل على أنها فرضت في الأصل ركعتين واستمرت في السفر وظاهر القراآن أنها كانت أربعا فنقصت ثم إن قولها الصلاة تعم الخمس وهو مخصوص بخروج المغرب مطلقا والصبح بعدم الزيادة فيها في الحضر قال والعام إذا خص ضعفت دلالته حتى اختلف في بقاء الاحتجاج به قوله باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر أي ولا يدخل القصر فيها ونقل بن المنذر وغيره فيه الإجماع وأراد المصنف أن الأحاديث المطلقة في قول الراوي كان يصلي في السفر ركعتين محمولة على المقيدة بأن المغرب بخلاف ذلك وروى أحمد من طريق ثمامة بن شرحبيل قال خرجت إلى بن عمر فقلت ما صلاة المسافر قال ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثا قوله إذا أعجله السير في السفر يخرج ما إذا أعجله السير في الحضر كأن يكون خارج البلد في بستان مثلا قوله وزاد الليث حدثني يونس وصله الاسماعيلي بطوله عن القاسم بن زكريا عن بن زنجويه عن إبراهيم بن هانئ عن الرمادي كلاهما عن أبي صالح عن الليث به قوله وأخر بن عمر المغرب وكان استصرخ على صفية بنت أبي عبيد هي أخت المختار الثقفي وقوله استصرخ بالضم أي استغيث بصوت مرتفع وهو من الصراخ بالخاء المعجمة والمصرخ المغيث قال الله تعالى ما أنا بمصرخكم قوله فقلت له الصلاة بالنصب على الإغراء قوله فقلت له الصلاة فيه ما كانوا عليه من مراعاة أوقات العبادة وفي قوله سر جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب تنبيه ظاهر سياق المؤلف أن جميع ما بعد قوله زاد الليث ليس داخلا في رواية شعيب وليس كذلك فإنه أخرج رواية شعيب بعد ثمانية أبواب وفيها أكثر من ذلك وإنما الزيادة في قصة صفية وصنيع بن عمر خاصة وفي التصريح بقوله قال عبد الله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط قوله حتى سار ميلين أو ثلاثة أخرجه المصنف في باب السرعة في السير من كتاب الجهاد من رواية أسلم مولى عمر قال كنت مع عبد الله بن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة وجع فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعتمة جمع بينهما فأفادت هذه الرواية تعيين السفر المذكور ووقت انتهاء السير والتصريح بالجمع بين الصلاتين وأفاد النسائي في رواية أنها كتبت إليه تعلمه بذلك ولمسلم نحوه من رواية نافع عن بن عمر وفي رواية لأبي داود من هذا الوجه فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جميعا وللنسائي من هذا الوجه حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق فصلى بنا فهذا أمرهم على أنها قصة أخرى ويدل عليه أن في أوله خرجت مع بن عمر في سفر يريد أرضا لوفي الأول أن ذلك كان بعد رجوعه من مكة فدل على التعدد قوله وقال عبد الله أي بن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير يؤخذ منه تقييد جواز التأخير بمن كان على ظهر سير وسيأتي الكلام عليه بعد ستة أبواب قوله يقيم المغرب كذا للحموى والأكثر بالقاف وهي موافقة للرواية الآتية وللمستملى والكشميهني يعتم بعين مهلمة ساكنة بعدها مثناة فوقانية مكسورة أي يدخل في العتمة ولكريمة يؤخر وفي الباب عن عمران بن حصين قال ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صلى ركعتين إلا المغرب صححه الترمذي وعن على صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة السفر ركعتين إلا المغرب ثلاثا
[ 473 ]
أخرجه البزار وفيه أيضا عن خزيمة بن ثابت وجابر وغيرهما وعن عائشة كما تقدم في أول الصلاة قوله باب صلاة التطوع على الدابة في رواية كريمة وأبي الوقت على الدواب بصيغة الجمع قال بن رشيد أورد فيه الصلاة على الراحلة فيمكن أن يكون ترجم بأعم ليلحق الحكم بالقياس ويمكن أن يستفاد ذلك من أطلاق حديث جابر المذكور في الباب أه وقد تقدم في أبواب الوتر قول الزين بن المنير أنه ترجم بالدابة تنبيها على أن لا فرق بينها وبين البعير في الحكم إلى آخر كلامه وأشرنا هناك إلى ما ورد هنا بعد باب بلفظ الدابة قوله حدثنا عبد الأعلى هو بن عبد الأعلى قوله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه هو العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاى حليف آل الخطاب كان من المهاجرين الأولين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجنائز وآخر علقه في الصيام وفي رواية عقيل عن بن شهاب الآتية بعد باب أن عامر بن ربيعة أخبره قوله يصلي على راحلته بين في رواية عقيل أن ذلك في غير المكتوبة وسيأتي بعد باب وكذالمسلم من رواية يونس عن بن شهاب بلفظ السبحة قوله حيث توجهت به هو أعم من قول جابر في غير القبلة قال بن التين قوله حيث توجهت به مفهومه أنه يجلس عليها على هيئته التي يركبها عليها ويستقبل بوجهه ما استقبلته الراحلة فتقديره يصلي على راحلته التي له حيث توجهت به فعلى هذا يتعلق قوله توجهت به بقوله يصلي ويحتمل أن يتعلق بقوله على راحلته لكن يؤيد الأول الرواية الآتية يعني رواية عقيل عن بن شهاب بلفظ وهو على الراحلة يسبح قبل أي وجه توجهت قوله حدثنا شيبان هو النحوي ويحيى هو بن أبي كثير ومحمد بن عبد الرحمن هو بن ثوبان كما سنبينه بعد باب قوله وهو راكب في الرواية الآتية على راحلته نحو المشرق وزاد وإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة وبين في المغازي من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر أن ذلك كان في غزوة أنمار وكانت أرضهم قبل المشرق لمن يخرج من المدينة فتكون القبلة على يسار القاصد إليهم وزاد الترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض من الركوع قوله كان بن عمر يصلي على راحلته يعني في السفر وصرح به في حديث الباب الذي بعده قوله ويوتر عليها لا يعارض ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير أن بن عمر كان يصلي على الراحلة تطوعا فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض لأنه أمرهم على أنه فعل كلا من الأمرين ويؤيد رواية الباب ما تقدم في أبواب الوتر أنه أنكر على سعيد بن يسار نزوله الأرض ليوتر وإنما أنكر عليه مع كونه كان بالصلاة لأنه أراد أن يبين له أن النزول ليس بحتم ويحتمل أن يتنزل فعل بن عمر على حالين فحيث أوتر على الراحلة كان مجدا في السير وحيث نزل فأوتر على الأرض كان بخلاف ذلك قوله باب الإيماء على الدابة أي للركوع والسجود لمن لم يتمكن من ذلك وبهذا قال الجمهور وروى أشهب عن مالك أن الذي يصلي على الدابة لا يسجد بل يومئ قوله حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد العزيز تقدم هذا الحديث في أبواب الوتر في باب الوتر في السفر عن موسى هذا عن جويرية بن أسماء فكأن لموسى فيه شيخين فإن الراوي عن بن عمر في ذلك مغاير لهذا وزاد في رواية جويرية يومئ إيماء إلا الفرائض قال بن دقيق العيد الحديث يدل على الإيماء مطلقا في الركوع والسجود معا والفقهاء قالوا يكون الإيماء في السجود أخفض من
[ 474 ]
الركوع ليكون البدل على وفق الأصل وليس في لفظ الحديث ما يثبته ولا ينفيه قلت إلا أنه وقع في حديث جابر عند الترمذي كما تقدم قوله باب ينزل للمكتوبة أي لاجلها قال بن بطال أجمع العلماء على اشتراط ذلك وأنه لا يجوز لأحد أن يصلي الفريضة على الدابة من غير عذر حاشا ما ذكر في صلاة شدة الخوف وذكر فيه حديث عامر بن ربيعة وقد تقدم قريبا قوله يسبح أي يصلي النافلة وقد تكرر في الحديث كثيرا وسيأتي قريبا حديث عائشة سبحة الضحى والتسبيح حقيقة في قول سبحان الله فإذا أطلق على الصلاة فهو من باب إطلاق اسم البعض على الكل أو لأن المصلي منزه لله سبحانه وتعالى بإخلاص العبادة والتسبيح التنزيه فيكون من باب الملازمة وأما اختصاص ذلك بالنافلة فهو عرف شرعى والله أعلم قوله وقال الليث وصله الاسماعيلي بالاسنادين المذكورين قيل ببابين قوله حدثنا هشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قال المهلب هذه الأحاديث تخص قوله تعالى وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وتبين أن قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله في النافلة وقد أخذ بمضمون هذه الأحاديث فقهاء الأمصار إلا أن أحمد وأبا ثور كانا يستحبان ان يستقل القبلة بالتكبير حال ابتداء الصلاة والحجة لذلك حديث الجارود بن أبي سبرة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يتطوع في السفر استقبل بناقته القبلة ثم صلى حيث وجهت ركابه أخرجه أبو داود وأحمد والدارقطني واختلفوا في الصلاة على الدواب في السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة فذهب الجمهور إلى جواز ذلك في كل سفر غير مالك فخصه بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة قال الطبري لا أعلم أحدا وافقه على ذلك قلت ولم يتفق على ذلك عنه وحجت أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه أنه سافر قصيرا فصنع ذلك وحجة الجمهور مطلق الأخبار في ذلك واحتج الطبري للجمهور من طريق النظر أن الله تعالى جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر وقد أجمعوا على أن من كان خارج المصر على ميل أو أقل ونيته العود إلى منزله لا إلى السفر آخر ولم يجد ماء أنه يجوز له التيمم وقال فكما جاز له التيمم في هذا القدر جاز له التنفل على الدابة لاشتراكهما في الرخصة أه وكأن السر فيما ذكر تيسير تحصيل النوافل على العباد وتكثيرها تعظيما لأجورهم رحمة من الله بهم وقد طرد أبو يوسف ومن وافقه التوسعة في ذلك فجوزه في الحضر أيضا وقال به من الشافعية أبو سعيد الإصطخري واستدل بقوله حيث كان وجهه على أن جهة الطريق تكون بدلا عن القبلة حتى لا يجوز الانحراف عنها عامدا قاصدا لغير حاجة المسير إلا إن كان سائرا في غير جهه القبلة فانحرف الى جهة القبلة فإن ذلك لا يضره على الصحيح واستدل به على أن الوتر غير واجب عليه صلى الله عليه وسلم لايقاعه إياه على الراحلة كما تقدم البحث فيه في باب الوتر في السفر من أبواب الوتر واستنبط من دليل التنفل للراكب جواز التنفل للماشي ومنعه مالك مع أنه أجازه لراكب السفينة قوله باب صلاة التطوع على الحمار قال بن رشيد مقصوده أنه لا يشترط في التطوع على الدابة أن تكون الدابة طاهرة الفضلات بل الباب في المركوبات واحد بشرط أن لا يماس النجاسة وقال بن دقيق العيد يؤخذ من هذا الحديث طهارة عرق الحمار لأن ملابسته مع التحرز منه متعذر لا سيما إذا طال الزمان في ركوبه واحتمل العرق قوله حدثنا حبان بفتح المهملة وبالموحدة هو بن هلال قوله استقبلنا أنس بن مالك بسكون اللام قوله
[ 475 ]
حين قدم من الشام كان أنس قد توجه إلى الشام يشكو من الحجاج وقد ذكرت طرفا من ذلك في أوائل كتاب الصلاة ووقع في رواية مسلم حين قدم الشام وغلطوه لأن أنس بسيرين إنما تلقاه لما رجع من الشام فخرج بن سيرين من البصرة ليتلقاه ويمكن توجيهه بأن يكون المراد بقوله حين قدم الشام مجرد ذكر الوقت الذي وقع له فيذلك كما تقول فعلت كذا لما حججت قال النووي رواية مسلم صحيحة ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام قوله فلقيناه بعين التمر هو موضع بطريق العراق مما يلي الشام وكانت به وقعة شهيرة في آخر خلافة أبي بكر بين خالد بن الوليد والأعاجم ووجد بها غلمانا من العرب كانوا رهنا تحت يد كسرى منهم جد الكلبي المفسر وحمران مولى عثمان وسيرين مولى أنس قوله رأيتك تصلي لغير القبلة فيه إشعار بأنه لم فقلنا الصلاة على الحمار ولا غير ذلك من هيئة أنس في ذلك وإنما أنكر عدم استقبال القبلة فقط وفي قول أنس لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة يعني ترك استقبال القبلة للمتنفل على الدابة وهل يؤخذ منه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمار فيه احتمال وقد نازع في ذلك الاسماعيلي فقال خبر أنس إنما هو في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم راكبا تطوعا لغير القبلة فافراد الترجمة في الحمار من جهة السنة لا وجه له عندي أه وقد روى السراج من طريق يحيى بن سعيد عن أنس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو ذاهب إلى خيبر إسناده حسن وله شاهد عند مسلم من طريق عمرو بن يحيى المازني عن سعيد بن يسار عن بن عمر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر فهذا يرجح الاحتمال الذي أشار إليه البخاري فائدة لم يبين في هذه الرواية كيفية صلاة أنس وذكره في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال رأيت أنسا وهو يصلي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع جبهته على شئ قوله ورواه إبراهيم بن طهمان عن حجاج يعني بن حجاج الباهلي ولم يسق المصنف المتن ولا وقفنا عليه موصولا من طريق إبراهيم نعم وقع عند السراج من طريق عمرو بن عامر عن الحجاج بن الحجاج بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على ناقته حيث توجهت به فعلى هذا كأن أنسا قاس الصلاة على الراحلة بالصلاة على الحمار وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى أن من صلى على موضع فيه نجاسة لا يباشرها بشئ منه أن صلاته صحيحة لأن الدابة لا تخلو من نجاسة ولو على منفذها وفيه الرجوع إلى أفعاله كالرجوع إلى أقواله من غير عرضة للاعتراض عليه وفيه تلقى المسافر وسؤال التلميذ شيخه عن مستند فعله والجواب بالدليل وفيه التلطف في السؤال والعمل بالإشارة لقوله من ذا الجانب قوله باب من لم يتطوع في السفر الصلاة زاد الحموي في روايته وقبلها والارجح رواية الأكثر لما سيأتي في الباب الذي بعده وقد تقدم شئ من مباحث هذا الباب في أبواب الوتر والمقصود هنا بيان أن مطلق قول بن عمر صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر أي يتنفل الرواتب التي قبل الفريضة وبعدها وذلك مستفاد من قوله في الرواية الثانية وكان لا يزيد في السفر على ركعتين قال بن دقيق العيد وهذا اللفظ يحتمل أن يريد أن لا يزيد في عدد ركعات الفرض فيكون كناية عن نفى الإتمام والمراد به الإخبار عن المداومة على القصر ويحتمل أن يريد لا يزيد نفلا ويمكن أن يريد ما هو أعم من ذلك قلت ويدل على هذا الثاني رواية مسلم من الوجه
[ 476 ]
الثاني الذي أخرجه المصنف ولفظه صحبت بن عمر في طريق مكة فصلى لنا الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلسنا معه فحانت منه التفاتة فرأى ناسا قياما فقال ما يصنع هؤلاء قلت يسبحون قال لو كنت مسبحا لاتممت فذكر المرفوع كما ساقه المصنف قال النووي أجابوا عن قول بن عمر هذا بأن الفريضة محتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها وأما النافلة فهي إلى خيرة المصلى فطريق الرفق به أن تكون مشروعة ويخير فيها أه وتعقب بأن مراد بن عمر بقوله لو كنت مسبحا لاتممت يعني أنه لو كان مخيرا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه لكنه فهم من القصر التخفيف فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم قوله حدثني عمر بن محمد هو بن زيد بن عبد الله بن عمر وحفص هو بن عاصم أي بن عمر بن الخطاب ويحيى شيخ مسدد هو القطان قوله وأبا بكر معطوف على قوله صحبت رسول الله قوله وعمر وعثمان أي أنه كذلك صحبهم وكانوا لا يزيدون في السفر على ركعتين وفي ذكر عثمان إشكال لأنه كان في آخر أمره يتم الصلاة كما تقدم قريبا فيحمل على الغالب أو المراد به أنه كان لا يتنفل في أول أمره ولا في آخره وأنه إنما كان يتم إذا كان نازلا وأما إذا كان سائرا فيقصر فلذلك قيده في هذه الرواية بالسفر وهذا أولى لما تقدم تقريره في الكلام على تأويل عثمان قوله باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلاة هذا مشعر بأن نفى التطوع في السفر أمرهم على ما بعد الصلاة خاصة فلا يتناول ما قبلها ولا ما لا تعلق له بها من النوافل المطلقة كالتهجد والوتر والضحى وغير ذلك والفرق بين ما قبلها وما بعدها أن التطوع قبلها لا يظن أنه منها لأنه ينفصل عنها بالإقامة وانتظار الإمام غالبا ونحو ذلك بخلاف ما بعدها فإنه في الغالب يتصل بها فقد يظن أنه منها فائدة نقل النووي تبعا لغيره أن العلماء اختلفوا في التنفل في السفر على ثلاثة أقوال المنع مطلقا والجواز مطلقا والفرق بين الرواتب والمطلقة وهو مذهب بن عمر كما أخرجه بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مجاهد قال صحبت بن عمر من المدينة إلى مكة وكان يصلي تطوعا على دابته حيثما توجهت به فإذا كانت الفريضة نزل فصلى وأغفلوا قولا رابعا وهو الفرق بين الليل والنهار في المطلقة وخامسا وهو ما فرغنا من تقريره قوله وركع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتي الفجر قلت ورد ذلك في حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن صلاة الصبح ففيه ثم صلى ركعتين قبل الصبح ثم صلى الصبح كما كان يصلي وله من حديث أبي هريرة في هذه القصة أيضا ثم دعا بماء فتوضأ ثم صلى سجدتين أي ركعتين ثم أقيمت الصلاة فصلى صلاة الغداة الحديث ولابن خزيمة والدارقطني من طريق سعيد بن المسيب عن بلال في هذه القصة فأمر بلالا فأذن ثم توضأ فصلوا ركعتين ثم صلوا الغداة ونحوه للدارقطني من طريق الحسن عن عمران بن حصين قال صاحب الهدى لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر إلا ما كان من سنة الفجر قلت ويرد على إطلاقه ما رواه أبو داود والترمذي من حديث ث البراء بن عازب قال سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرا فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر وكأنه لم يثبت عنده لكن الترمذي استغربه ونقل عن البخاري أنه رآه حسنا وقد حمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على الراتبة قبل الظهر والله أعلم قوله ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى غير
[ 477 ]
أم هانئ هذا لا يدل على نفى الوقوع لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنما نفى ذلك عن نفسه وأما قول بن بطال لا حجة في قول بن أبي ليلى وتر عليه الأحاديث الواردة في أنه صلى الضحى وأمر بها ثم ذكر منها جملة فلا يرد علبن أبي ليلى شئ منها وسيأتي الكلام على صلاة الضحى في باب مفرد في أبواب التطوع والمقصود هنا أنه صلى الله عليه وسلم صلاها يوم فتح مكة وقد تقدم في حديث عباس أنه كان حينئذ يقصر الصلاة المكتوبة وكان حكمه حكم المسافر قوله وقال الليث حدثني يونس قد تقدم قبل ببابين موصولا من رواية الليث عن عقيل ولكن لفظ الكلب مختلف ورواية يونس هذه وصلها الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عنه قوله يومئ برأسه هو تفسير لقوله يسبح أي يصلي إيماء وقد تقدم في باب الإيماء على الدابة من وجه آخر عن بن عمر لكن هناك ذكره موقوفا ثم عقبه بالمرفوع وهذا ذكر مرفوعا ثم عقبه بالموقوف وفائدة ذلك مع أن الحجة قائمة بالمرفوع أن يبين أن العمل استمر على ذلك ولم يتطرق إليه نسخ ولا معارض ولا راجح وقد اشتملت أحاديث الباب على يجري ما يتطوع به سوى الراتبة التي بعد المكتوبة فالأول لما قبل المكتوبة والثاني لما له وقت مخصوص من النوافل كالضحى والثالث لصلاة الليل والرابع لمطلق النوافل وقد جمع بن بطال بين ما أختلف عن بن عمر في ذلك بأنكان يمنع التنفل على الأرض ويقول به على الدابة وقال النووي تبعا لغيره لعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه بن عمر أو لعله تركها في بعض الأوقات لبيان الجواز أه وما جمعنا به تبعا للبخاري فيما يظهر أظهر والله أعلم قوله باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء أورد فيه ثلاثة أحاديث حديث بن عمر وهو مقيد بما إذا جد السير وحديث بن عباس وهو مقيد بما إذا كان سائرا وحديث أنس وهو مطلق واستعمل المصنف الترجمة مطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق لأن المقيد فرد من أفراده وكأنه رأى جواز الجمع بالسفر سواء كان سائرا أم لا وسواء كان سيره مجدا أم لا وهذا مما وقع فيه الاختلاف بين أهل العلم فقال بالإطلاق كثير من الصحابة والتابعين ومن الفقهاء الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأشهب وقال قوم لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة ومزدلفة وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه ووقع عند النووي أن الصاحبين خالفا شيخهما ورد عليه السروجي في شرح الهداية وهو أعرف بمذهبه وسيأتي الكلام على الجمع بعرفة فكتاب الحج إن شاء الله تعالى وأجابوا عما ورد من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري وهو أنه أخر المغرب مثلا إلى آخر وقتها وعجل العشاء في أول وقتها وتعقبه الخطابي وغيره بأن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن فضالة ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول بن عباس أراد أن لا يحرج أمته أخرجه مسلم وأيضا فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين كما سيأتي في الباب الذي يليه وذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع ومما يرد الحمل على الجمع الصوري جمع التقديم الآتي ذكره بعد باب وقيل يختص الجمع بمن يجد في السير قاله الليث وهو القول المشهور عن مالك وقيل يختص بالمسافر دون النازل وهو قول بن حبيب وقيل يختص بمن له عذر حكى عن الأوزاعي وقيل يجوز جمع التأخير دون التقديم وهو مروي عن مالك وأحمد واختاره بن حزم تنبيه أورد المصنف ف في أبواب التقصير أبواب
[ 478 ]
الجمع لأنه تقصير بالنسبة إلى الزمان ثم أبواب صلاة المعذور قاعدا لأنه تقصير بالنسبة إلى بعض صور الأفعال ويجمع الجميع الرخصة للمعذور قوله في حديث بن عمر جد به السير أي اشتد قاله صاحب المحكم وقال عياض جد به السير أسرع كذا قال وكأنه نسب الإسراع إلى السير توسعا قوله وقال إبراهيم بن طهمان وصله البيهقي من طريق محمد بن عبدوس عن أحمد بن حفص النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم المذكور بسنده المذكور إلى بن عباس بلفظه قوله على ظهر سير كذا للأكثر بالإضافة وفي رواية الكشميهني على ظهر بالتنوين يسير بلفظ المضارع بتحتانية مفتوحة في أوله قال الطيبي الظهر في قوله ظهر سير للتأكيد كقوله الصدقة عن ظهر غنى ولفظ الظهر يقع في مثل هذا اتساعا للكلام كأن السير كان مستندا إلى ظهر قوي من المطى مثل وقال غيره جعل للسير ظهر لأن الراكب ما دام سائرا فكأنه راكب ظهر قلت وفيه جناس التحريف بين الظهر والظهر واستدل به على جواز جمع التأخير وأما جمع التقديم فسيأتي الكلام عليه بعد باب قوله وعن حسين هو معطوف على الذي قبله والتقدير وقال إبراهيم بن طهمان عن حسين عن يحيى عن حفص وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج ويحتمل أن يكون علقه عن حسين لا بقيد كونه من رواية إبراهيم بن طهمان عنه قوله تابعه على بن المبارك وحرب أي بن شداد عن يحيى هو بن أبي كثير عن حفص أي تابعا حسينا فأما متابعة حرب فوصلها المصنف في آخر الباب الذي بعده وقد تابعهم معمر عند أحمد وأبان بن يزيد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير قوله باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء قال بن رشيد ليس في حديثي الباب تنصيص على الأذان لكن في حديث بن عمر منهما يقيم المغرب فيصليها ولم يرد بالإقامة نفس الأذان وإنما أراد يقيم للمغرب فعلى هذا فكأن مراده بالترجمة هل يؤذن أو يقتصر على اشتراط وجعل حديث أنس مفسرا بحديث بن عمر لأن في حديث بن عمر حكما زائدا أه ه ولعل المصنف أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق حديث بن عمر ففي الدارقطني من طريق عمر بن محمد بن زيد عن نافع عن بن عمر في قصة جمعه بين المغرب والعشاء فنزل فأقام الصلاة وكان لا ينادي بشئ من الصلاة في السفر فقام فجمع بين المغرب والعشاء ثم رفع الحديث وقال الكرماني لعل الراوي لما أطلق لفظ الصلاة استفيد منه أن المراد بها التامة بأركانها وشرائطها وسننها ومن جملتها الأذان والإقامة وسبقه بن بطال إلى نحو ذلك قوله يؤخر صلاة المغرب لم يعين غاية التأخير وبينه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر بأنه بعد أن يغيب الشفق وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وموسى بن عقبة عن نافع فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل وللمصنف في الجهاد من طريق أسلم مولى عمر عن بن عمر في هذه القصة حتى كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء جمعا بينهما ولأبي داود من طريق ربيعة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر في هذه القصة فصار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جمعا وجاءت عن بن عمر روايات أخرى أنه صلى المغرب في آخر الشفق ثم أقام الصلاة وقد توارى الشفق فصلى العشاء أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن نافع ولا تعارض
[ 479 ]
بينه وبين ما سبق لأنه كان في واقعة أخرى قوله ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء فيه اثبات للبث قليل وذلك على نحو ما وقع في الجمع بمزدلفة من إناخة الرواحل ويدل عليه ما تقد من الطرق التي فيها جمع بينهما وصلاهما جميعا وفيه حجة على من حمل أحاديث الجمع على الجمع الصوري قال إمام الحرمين ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل ودليله من حيث المعنى الاستنباط من الجمع بعرفة ومزدلفة فإن سببه احتياج الحاج إليه لاشتغالهم بمناسكهم وهذا المعنى موجود في كل الأسفار ولم تتقيد الرخص كالقصر والفطر بالنسك إلى أن قال ولا يخفى على منصف أن الجمع أرفق من القصر فإن القائم إلى الصلاة لا يشق عليه ركعتان يضمهما إلى ركعتيه ورفق الجمع واضح لمشقة النزول على المسافر واحتج به من قال باختصاص الجمع لمن جد به السير وسيأتي ذلك في الباب الذي بعده قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج ومال أبو على الجياني إلى أنه إسحاق بن منصور وقد تقدم الكلام على حديث أنس في الباب الذي قبله قوله باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا أرتحل قبل أن تزيغ الشمس في هذا إشارة إلى أن جمع التأخير عند المصنف يختص بمن ارتحل قبل أن يدخل وقت الظهر قوله فيه بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديثه الماضي قبل باب فإنه قيد الجمع فيه بما إذا كان على ظهر السير ولا قائل بأنه يصليهما وهو راكب فتعين أن المراد به جمع التأخير ويؤيده رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده من طريق مقسم عن بن عباس ففيها التصريح بذلك وإن كان في إسناده مقال لكنه يصلح للمتابعة قوله حدثنا حسان الواسطي هو بن عبد الله بن سهل الكندي المصري كان أبوه واسطيا فقدم مصر فولد بها حسان المذكور واستمر بها إلى أن مات قوله حدثنا المفضل بن فضالة بفتح الفاء بعدها غدا خفيفة من ثقات المصريين وفي الرواة حسان الواسطي آخر لكنه حسان بن حسان يروي عن شعبة وغيره ضعفه الدارقطني ووهم بعض الناس فزعم أنه شيخ البخاري هنا وليس كذلك فإنه ليست له رواية عن المصريين قوله تزيغ بزاى ومعجمة أي تميل وزاغت مالت وذلك إذا قام الفئ قوله ثم يجمع بينهما أي في وقت العصر وفي رواية قتيبة عن المفضل في الباب الذي بعده ثم نزل فجمع بينهما ولمسلم من رواية جابر بن إسماعيل عن عقيل يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق وله من رواية شبابة عن عقيل حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما قوله وإذا زاغت أي قبل أن يرتحل كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده قوله باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب أورد فيه حديث أنس المذكور قبله وفيه فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب كذا فيه الظهر فقط وهو المحفوظ عن عقيل في الكتب المشهورة ومقتضاه أنه كان لا يجمع بين الصلاتين إلا في وقت الثانية منهما وبه احتج من أبى جمع التقديم كما تقدم ولكن روى إسحاق بن راهويه هذا الحديث عن شبابة فقال كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم أرتحل أخرجه الإسماعيلي وأعل بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق وليس ذلك بقادح فإنهما إمامان حافظان وقد وقع نظيره في الأربعين للحاكم قال حدثنا محمد بن يعقوب هو الأصم حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني هو أحد
[ 480 ]
شيوخ مسلم قال حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي فذكر الحديث وفيه فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب قال الحافظ صلاح الدين العلائي هكذا وجدته بعد التتبع في نسخ كثيرة من الأربعين بزيادة العصر وسند هذه الزيادة جيد انتهى قلت وهي متابعة قوية لرواية إسحاق بن راهويه إن كانت ثابتة لكن في ثبوتها نظر لأن البيهقي أخرج هذا الحديث عن الحاكم بهذا الإسناد مقرونا برواية أبي داود عن قتيبة وقال إن لفظهما سواء إلا أن في رواية قتيبة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية حسان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشهور في جمع التقديم ما أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل وقد أعله جماعة من كثرة الحديث بتفرد قتيبة عن الليث وأشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة حكاه الحاكم في علوم الحديث وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل وهشام مختلف فيه وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبي الزبير كمالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم وورد في جمع التقديم حديث آخر عن بن عباس أخرجه أحمد وذكره أبو داود تعليقا والترمذي في بعض الروايات عنه وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف لكن له شواهد من طريق حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن بن عباس لا أعلمه إلا مرفوعا أنه كان إذا نزل منزلا في السفر فأعجبه أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ثم يرتحل فإذا لم يتهيأ له المنزل الفساد في السير فسار حتى ينزل فيجمع بين الظهر والعصر أخرجه البيهقي ورجاله ثقات إلا أنه مشكوك في رفعه والمحفوظ أنه موقوف وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزوما بوقفه على بن عباس ولفظه إذا كنتم سائرين فذكر نحوه وفي حديث أنس استحباب التفرقة في حال الجمع بين ما إذا كان سائرا أو نازلا وقد استدل به على اختصاص الجمع بمن جد به السير لكن وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل في الموطأ ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جمعا قال الشافعي في الأم قوله دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل فينبسط أن يجمع نازلا ومسافرا وقال بن عبد البر في هذا أوضح دليل على الرد على من قال لا يجمع إلا من جد به السير وهو قاطع للالتباس انتهى وحكى عياض أن بعضهم أول قوله ثم دخل أي في الطريق مسافرا ثم خرج أي عن الطريق الولاء ثم أستبعده ولا شك في بعده وكأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر عادته ما دل عليه حديث أنس والله أعلم ومن ثم قال الشافعية ترك الجمع أفضل وعن مالك رواية أنه مكروه وفي هذه الأحاديث تخصيص لحديث الأوقات التي بينها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وبينها النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حيث قال في آخرها الوقت ما بين هذين وقد تقدمت الإشارة إليه في المواقيت تنبيه تقدم الكلام على الجمع بين الصلاتين بعذر المطر أو المرض أو الحاجة في الحضر في المواقيت في باب وقت الظهر وفي باب وقت المغرب قوله باب صلاة القاعد قال بن رشيد أطلق الترجمة فيحتمل أن يريد صلاة القاعد للعذر إماما كان أو مأموما أو منفردا ويؤيده أن أحاديث الباب دالة على التقييد بالعذر ويحتمل أن يريد مطلقا
[ 481 ]
لعذر ولغير عذر ليبين أن ذلك جائز إلا ما دل الإجماع على منعه وهو صلاة الفريضة للصحيح قاعدا أه قوله وهو شاك بالتنوين مخففا من الشكاية وقد تقدم الكلام عليه موضحا في أبواب الإمامة وكذا على حديث أنس وفيه بيان سبب الشكاية وهما في صلاة الفرض بلا خلاف وأما حديث عمران ففيه احتمال سنذكره قوله أخبرنا حسين هو المعلم كما صرح به في الباب الذي بعده قوله وأخبرنا اسحق) في رواية الكشميهنى وزاد اسحق والمراد به على الحالين اسحق بن منصور شيخه في الاسناد الذى قبله قوله عن عمران بن حصين في رواية عفان عن عبد الوارث حدثنا عمران أخرجه الاسماعيلي وفيه غنية عن تكلف بن حبان إقامة الدليل على أن بن بريدة عاصر عمران قوله سمعت أبي هو عبد الوارث بن سعيد التنوري وهذه الطريق أنزل من التي قبلها وكذا من التي بعدها بدرجة لكن استفيد منها تصريح بن بريدة بقوله حدثني عمران قوله وكان مبسورا بسكون الموحدة بعدها الركعة أي كانت به بواسير كما صرح به بعد باب والبواسير جمع باسور يقال بالموحدة وبالنون أو الذي بالموحدة ورم في باطن المقعدة والذي بالنون قرحة فاسدة لا تقبل البرء ما دام فيها ذلك الفساد قوله عن صلاة الرجل قاعدا قال الخطابي كنت تأولت هذا الحديث على أن المراد به صلاة التطوع يعني للقادر لكن قوله من صلى نائما يفسده لأن المضطجع لا يصلي التطوع كما يفعل القاعد لأني لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في ذلك قال فإن صحت هذه اللفظة ولم يكن بعض الرواة أدرجها قياسا منه للمضطجع على القاعد كما يتطوع المسافر على راحلته فالتطوع للقادر على القعود مضطجعا جائز بهذا الحديث قال وفي القياس المتقدم نظر لأن القعود شكل من أشكال الصلاة بخلاف الاضطجاع قال وقد رأيت الآن أن المراد بحديث عمران المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيبا له في القيام مع جواز قعوده انتهى وهو حمل متجه ويؤيده صنيع البخاري حيث أدخل في الباب حديثي عائشة وأنس وهما في صلاة المفترض قطعا وكأنه أراد أن تكون الترجمة شاملة لأحكام المصلي قاعدا ويتلقى ذلك من الأحاديث التي أوردها في الباب فمن صلى فرضا قاعدا وكان يشق عليه القيام أجزأه وكان هو ومن صلى قائما سواء كما دل عليه حديث أنس وعائشة فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك وكما أجره على أصل الصلاة فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم ومن صلى النفل قاعدا مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال وأما قول الباجي إن الحديث في المفترض والمتنقل معا فإن أراد بالمفترض ما قررناه فذاك وإلا فقد أبى ذلك أكثر العلماء وحكى بن التين وغيره عن أبي عبيد وابن الماجشون وإسماعيل القاضي وابن شعبان والاسماعيلي والداودى وغيرهم أنهم حملوا حديث عمران على المتنفل وكذا نقله الترمذي عن الثوري قال وأما المعذور إذا صلى جالسا فله مثل أجر القائم ثم قال وفي هذا الحديث ما يشهد له يشير إلى ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي موسى رفعه إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل وهو
[ 482 ]
صحيح مقيم ولهذا الحديث شواهد كثيرة سيأتي ذكرها في الكلام عليه إن شاء الله تعالى ويؤيد ذلك قاعدة تغليب فضل الله تعالى وقبول عذر من له عذر والله أعلم ولا يلزم من اقتصار العلماء المذكورين في حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا ترد الصورة التي ذكرها الخطابي وقد ورد في الحديث ما يشهد لها فعند أحمد من طريق بن جريج عن بن شهاب عن أنس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة فحمى الناس فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون من قعود فقال صلاة القاعد نصف صلاة القائم رجاله ثقات وعند النسائي متابع له من وجه آخر وهو وارد في المعذور فيحمل على من تكلف القيام مع مشقته عليه كما بحثه الخطابي وأما نفى الخطابي جواز التنفل مضطجعا فقد تبعه بن بطال على ذلك وزاد لكن الخلاف ثابت فقد نقله الترمذي شوال إلى الحسن البصري قال إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا وقال به جماعة من أهل العلم وأحد الوجهين للشافعية وصححه المتأخرون وحكاه عياض وجها عند المالكية أيضا وهو اختيار الأبهري منهم واحتج بهذا الحديث تنبيه سؤال عمران عن الرجل خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له بل الرجل والمرأة في ذلك سواء قوله ومن صلى قاعدا يستثنى من عمومه النبي صلى الله عليه وسلم فان صلاته قاعدا لا ينقص أجرها عن صلاته قائما لحديث عبد الله بن عمرو قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة فأتيته فوجدته يصلى جالسا فوضعت يدي على رأسي فقال مالك يا عبد الله فأخبرته فقال أجل ولكني لست كأحد منكم أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وهذا ينبني على أن المتكلم انظر في عموم خطابه وهو الصحيح وقد عد الشافعية في خصائصه صلى الله عليه وسلم هذه المسألة وقال عياض في الكلام على تنفله صلى الله عليه وسلم قاعدا قد علله في حديث عبد الله بن عمرو بقوله لست كأحد منكم فيكون هذا مما خص به قال ولعله أشار بذلك إلى من لا عذر له فكأنه قال إني ذو عذر وقد رد النووي هذا الاحتمال قال وهو ضعيف أو باطل فائدة لم يبين كيفية القعود فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلى وهو قضية كلام الشافعي في البويطي وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعا وقيل يجلس مفترشا وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني وصححه الرافعي ومن تبعه وقيل متوركا وفي كل منها أحاديث وسيأتي الكلام على قوله نائما في الباب الذي يليه قوله باب صلاة القاعد بالإيماء أورد فيه حديث عمران بن حصين أيضا وليس فيه ذكر الإيماء وإنما فيه مثل ما في الذي قبله ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد قال بن رشيد مطابقة الحديث للترجمة من جهة أن من صلى على جنب فقد أحتاج إلى الإيماء انتهى وليس ذلك بلازم نعم يمكن أن يكون البخاري يختار جواز ذلك ومستنده ترك التفصيل فيه من الشارع وهو أحد الوجهين للشافعية وعليه شرح الكرماني والأصح عند المتأخرين أنه لا يجوز للقادر الإيماء للركوع والسجود وإن جاز التنفل مضطجعا بل لا بد من الإتيان بالركوع والسجود حقيقة وقد اعترضه الاسماعيلي فقال ترجم بالإيماء ولم يقع في الحديث إلا ذكر النوم
[ 483 ]
فكأنه صحف قوله نائما يعنى بنون على اسم الفاعل من النوم فظنه بايماء يعنى بموحدة مصدرها أومأ فلهذا ترجم بذلك انتهى ولم يصب في ظنه أن البخاري صحفه فقد وقع في رواية كريمة وغيرها عقب حديث الباب قال أبو عبد الله يعنى البخاري قوله نائما عندي أي مضطجعا فكأن البخاري كوشف بذلك وهذا التفسير قد وقع مثله في رواية عفان عن عبد الوارث في هذا الحديث قال عبد الوارث النائم المضطجع أخرجه الاسماعيلي قال الاسماعيلي معنى قوله نائما أي على جنب أه وقد وقع في رواية الأصيلي على التصحيف أيضا حكاه بن رشيد ووجهه بأن معناه من صلى قاعدا أومأ الركوع والسجود وهذا موافق للمشهور عند المالكية أنه يجوز له الإيماء إذا صلى نفلا قاعدا مع القدرة على الركوع والسجود وهو الذي يتبين من اختيار البخاري وعلى رواية الأصيلي شرح بن بطال وأنكر على النسائي ترجمته على هذا الحديث فضل صلاة القاعد على النائم وادعى أن النسائي صحفه قال وغلطه فيه ظاهر لأنه ثبت الأمر للمصلي إذا وقع عليه النوم أن يقطع الصلاة وعلل ذلك بأنه لعله يستغفر فيسب نفسه قال فكيف يأمره بقطع الصلاة ثم يثبت أن له عليها نصف أجر القاعد أه وما تقدم من التعقب على الاسماعيلي يرد عليه قال شيخنا في شرح الترمذي بعد أن حكى كلام بن بطال لعله هو الذي صحف وإنما ألجأه إلى ذلك حمل قوله نائما على النوم الحقيقي الذي أمر المصلي إذا وجده بقطع الصلاة وليس ذلك المراد هنا إنما المراد الاضطجاع كما تقدم تقريره وقد ترجم النسائي فضل صلاة القاعد على النائم والصواب من الرواية نائما بالنون على اسم الفاعل من النوم والمراد به الاضطجاع كما تقدم ومن قال غير ذلك فهو الذي صحف والذي غرهم ترجمة البخاري وعسر توجيهها عليهم ولله الحمد على ما وهب قوله باب إذا لم يطق أي الإنسان الصلاة في حال القعود صلى على جنبه قوله وقال عطاء إذا لم يقدر في رواية الكشميهني إن لم يقدر الخ وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء بمعناه ومطابقته للترجمة من جهة أن الجامع بينهما أن العاجز عن أداء فرض ينتقل إلى فرض دونه ولا يترك وهو حجة على من زعم أن العاجز عن القعود في الصلاة تسقط عنه الصلاة وقد حكاه الغزالي عن أبي حنيفة وتعقب بأنه لا يوجد في كتب الحنفية قوله عن عبد الله هو بن المبارك وسقط ذكره من رواية أبي زيد المروزي ولا بد منه فإن عبدان لم يسمع من إبراهيم بن طهمان والحسين المكتب هو بن ذكوان المعلم الذي سبق في الباب قبله قال الترمذي لا نعلم أحدا روى هذا عن حسين إلا إبراهيم وروى أبو أسامة وعيسى بن يونس وغيرهما عن حسين على اللفظ السابق أه ولا يؤخذ من ذلك تضعيف رواية إبراهيم كما فهمه بن العربي تبعا لابن بطال ورد على الترمذي بأن رواية إبراهيم توافق الأصول ورواية غيره تخالفها فتكون رواية إبراهيم أرجح لأن ذلك راجع إلى الترجيح من حيث المعنى لا من حيث الإسناد وإلا فاتفاق الأكثر على شئ يقتضى أن رواية من خالفهم تكون شاذة والحق أن الكلب صحيحتان كما صنع البخاري وكل منهما مشتملة على حكم غير الحكم الذي اشتملت عليه الأخرى والله أعلم قوله عن الصلاة المراد عن صلاة المريض بدليل قوله في أوله كانت بي بواسير وفي رواية وكيع عن إبراهيم بن طهمان سألت عن صلاة المريض
[ 484 ]
أخرجه الترمذي وغيره تنبيه قال الخطابي لعل هذا الكلام كان جواب فتيا استفتاها عمران وإلا فليست علة البواسير بمانعة من القيام في الصلاة على ما فيها من الأذى أه ولا مانع من أن يسأل عن حكم ما لم يعلمه لاحتمال أن يحتاج إليه فيما بعد قوله فإن لم تستطع استدل به من قال لا ينتقل المريض إلى القعود إلا بعد عدم القدرة على القيام وقد حكاه عياض عن الشافعي وعن مالك وأحمد وإسحاق لا يشترط العدم بل وجود المشقة والمعروف عند الشافعية أن المراد بنفى الاستطاعة وجود المشقة الشديدة بالقيام أو خوف زيادة المرض أو الهلاك ولا يكتفى بأدنى مشقة ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب السفينة وخوف الغرق لو صلى قائما فيها وهل يعد في عدم الاستطاعة من كان كامنا في الجهاد ولو صلى قائما لرآه العدو فتجوز له الصلاة قاعدا أو لا فيه وجهان للشافعية الأصح الجواز لكن يقضي لكونه عذرا نادرا واستدل به على تساوى عدم الاستطاعة في القيام والقعود في الانتقال خلافا لمن فرق بينهما كإمام الحرمين ويدل للجمهور أيضا حديث بن عباس عند الطبراني بلفظ يصلي قائما فإن نالته مشقة فجالسا فإن نالته مشقة صلى نائما الحديث فاعتبر في الحالين وجود المشقة ولم يفرق قوله فعلى جنب في حديث على عند الدارقطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه وهو حجة للجمهور في الانتفال من القعود إلى الصلاة على الجنب وعن الحنفية وبعض الشافعية يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة ووقع في حديث على أن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة الاضطجاع واستدل به من قال لا ينتفل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى كالاشارة بالرأس ثم الإيماء بالطرف ثم إجراء القرآن والذكر على اللسان ثم على القلب لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية وقال بعض الشافعية بالترتيب المذكور وجعلوا مناط الصلاة حصول العقل فحيث كان حاضرا العقل لا يسقط عنه التكليف بها فيأتي بما يستطيعه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم هكذا استدل به الغزالي وتعقبه الرافعي بأن الخبر أمر بالإتيان بما يشتمل عليه المأمور والقعود لا يشتمل على القيام وكذا ما بعده إلى آخر ما ذكر وأجاب عنه بن الصلاح بأنا لا نقول إن الآتي بالقعود آت بما استطاعته من القيام مثلا ولكنا نقول يكون آتيا بما استطاعه من الصلاة لأن المذكورات يجري لجنس الصلاة بعضها أدنى من بعض فإذا عجز عن الأعلى وآتى بالأدنى كان آتيا بما استطاع من الصلاة وتعقب بأن كون هذه المذكورات من الصلاة فرع لمشروعية الصلاة بها وهو محل النزاع فائدة قال بن المنير في الحاشية اتفق لبعض شيوخنا فرع غريب في النقل كثير في الوقوع وهو أن يعجز المريض عن التذكر ويقدر على الفعل فألهمه الله أن يتخذ من يلقنه فكان يقول أحرم بالصلاة قل الله أكبر أقرا الفاتحة قل الله أكبر للركوع إلى آخر الصلاة يلقنه ذلك تلقينا وهو يفعل جميع ما يقول له بالنطق أو بالإيماء رحمه الله قوله باب إذا صلى قاعدا ثم صح أو وجد خفه تمم ما بقي في رواية الكشميهني أتم ما بقي أي لا يستأنف بل يبني عليه إتيانا بالوجه الأتم من القيام ونحوه وفي هذه الترجمة إشارة إلى الرد على من قال من افتتح الفريضة قاعدا لعجزه عن
[ 485 ]
القيام ثم أطلق القيام وجب عليه الاستئناف وهو محكى عن محمد بن الحسن وخفي ذلك على بن المنير حتى قال أراد البخاري بهذه الترجمة رفع خيال من تخيل أن الصلاة لا تتبعض فيجب الاستئناف على من صلى قاعدا ثم استطاع القيام قوله وقال الحسن إن شاء المريض أي في الفريضة صلى ركعتين قائما وهذا الأثر وصله بن أبي شيبة بمعناه ووصله الترمذي أيضا بلفظ آخر وتعقبه بن التين بأنه لا وجه للمشيئة هنا لأن القيام لا يسقط عمن قدر عليه إلا إن كان يريد بقوله إن شاء أي بكلفة كثيرة أه ويظهر أن مراده أن من افتتح الصلاة قاعدا ثم استطاع القيام كان له إتمامها قائما إن شاء بأن يبني على ما صلى وإن شاء استأنفها فاقتضى ذلك جواز البناء وهو قول الجمهور ثم أورد المصنف حديث عائشة من رواية مالك بإسنادين له أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قاعدا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثلاثين أو أربعين آية قائما ثم ركع وزاد في الطريق الثانية منهما أنه كان يفعل ذلك في الركعة الثانية وفي الأولى منهما تقييد ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الليل قاعدا إلا بعد أن أسن وسيأتي في اثناء صلاة الليل من هذا الوجه بلفظ حتى إذا كبر وفي رواية عثمان بن أبي سليمان عن أبي سلمة عن عائشة لم يمت حتى كان أكثر صلاته جالسا وفي حديث حفصة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته جالسا حتى إذا كان قبل موته بعام وكان يصلي في سبحته جالسا الحديث أخرجهما مسلم قال بن التين قيدت عائشة ذلك بصلاة الليل لتخرج الفريضة وبقولها حتى أسن لتعلم أنه إنما فعل ذلك إبقاء على نفسه ليستديم الصلاة وأفادت أنه كان يديم القيام وأنه كان لا يجلس عما يطيقه من ذلك وقال بن بطال هذه الترجمة تتعلق بالفريضة وحديث عائشة يتعلق بالنافلة ووجه استنباطه أنه لما جاز في النافلة القعود لغير علة مانعة من القيام وكان عليه الصلاة والسلام يقوم فيها قبل الركوع كانت الفريضة التي لا يجوز القعود فيها إلا بعدم القدرة على القيام أولى أه والذي يظهر لي أن الترجمة ليست مختصة بالفريضة بل قوله ثم صح يتعلق بالفريض وقوله أو وجد خفة يتعلق بالنافلة وهذا الشق مطابق للحديث ويؤخذ ما يتعلق بالشق الآخر بالقياس عليه والجامع بينهما جواز إيقاع بعض الصلاة قاعدا وبعضها قائما ودل حديث عائشة على جواز القعود في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائما كما يباح له أن يفتتحها قاعدا ثم يقوم إذ لا فرق بين الحالتين ولا سيما مع وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية خلافا لمن أبى ذلك واستدل به على أن من افتتح صلاته مضطجعا ثم استطاع الجلوس أو القيام أتمها على ما أدت إليه حاله قوله فإذا بقي من قراءته فيه إشارة إلى أن الذي كان يقرؤه قبل أن يقوم أكثر لأن البقية تطلق في الغالب على الأقل وفي هذا الحديث أنه لا يشترط لمن افتتح النافلة قاعدا أن يركع قاعدا أو قائما يركع قائما وسيأتي البحث في ذلك في باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم صارت من أبواب التهجد قوله فإذا قضى صلاته نظر الخ يأتي الكلام عليه في أبواب التطوع في الكلام على ركعتي الفجر إن شاء الله تعالى خاتمة اشتملت أبواب التقصير وما معه من الأحاديث المرفوعة على اثنين وخمسين حديثا المعلق منها ستة عشر حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون والبقية موصولة وافقه مسلم على تخرجيها سوى
[ 486 ]
كانت الفريضة التي لا يجوز القعود فيها إلا بعدم القدرة على القيام أولى أه والذي يظهر لي أن الترجمة ليست مختصة بالفريضة بل قوله ثم صح يتعلق بالفريض وقوله أو وجد خفة يتعلق بالنافلة وهذا الشق مطابق للحديث ويؤخذ ما يتعلق بالشق الآخر بالقياس عليه والجامع بينهما جواز إيقاع بعض الصلاة قاعدا وبعضها قائما ودل حديث عائشة على جواز القعود في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائما كما يباح له أن يفتتحها قاعدا ثم يقوم إذ لا فرق بين الحالتين ولا سيما مع وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية خلافا لمن أبى ذلك واستدل به على أن من افتتح صلاته مضطجعا ثم استطاع الجلوس أو القيام أتمها على ما أدت إليه حاله قوله فإذا بقي من قراءته فيه إشارة إلى أن الذي كان يقرؤه قبل أن يقوم أكثر لأن البقية تطلق في الغالب على الأقل وفي هذا الحديث أنه لا يشترط لمن افتتح النافلة قاعدا أن يركع قاعدا أو قائما يركع قائما وسيأتي البحث في ذلك في باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم صارت من أبواب التهجد قوله فإذا قضى صلاته نظر الخ يأتي الكلام عليه في أبواب التطوع في الكلام على ركعتي الفجر إن شاء الله تعالى خاتمة اشتملت أبواب التقصير وما معه من الأحاديث المرفوعة على اثنين وخمسين حديثا المعلق منها ستة عشر حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون والبقية موصولة وافقه مسلم على تخرجيها سوى
[ 486 ]
حديث بن عباس في قدر اشتراط بمكة وحديث جابر في التطوع راكبا إلى غير القبلة وحديث أنس في الجمع بين المغرب والعشاء وحديث عمران في صلاة القاعد وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة فمن بعدهم ستة آثار والله أعلم * (تم الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث وأوله باب التهجد) *