فتح الباري
ابن حجر ج 1

[ 1 ]
فتح الباري شرح صحيح البخاري للامام الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى الجزء الاول دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان الطبعة الثانية أعيد طبعه بالاوفست (الجزء الاول) من فتح الباري بشرح صحيح الامام أبي عبد الله محمد بن اسمعيل البخاري لشيخ الاسلام قاضي القضاة الحافظ أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني الشافعي نزيل القاهرة المحروسة نفعنا الله بعلومه آمين (وبهامشه متن الجامع الصحيح للامام البخاري * (الطبعة الاولى) * (بالمطبعة الكبرى الميرية ببولاق مصر المحمية (سنة 1300 هجريه) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي شرح صدور أهل الاسلام بالهدى ونكت في قلوب أهل الطغيان فلا تعى الحكمة أبدا وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له الها أحدا فردا صمدا وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ما أكرمه عبدا وسيدا وأعظمه أصلا ومحتدا وأطهره مضجعا ومولدا وأبهره صدرا وموردا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه غيوث الندى وليوث العدا صلاة وسلاما دائمين من اليوم الى أن يبعث الناس غدا * (أما بعد) * فقد آن الشروع فيما قصدت له من شرح الجامع الصحيح على ما وعدت به في أول المقدمة وكنت عزمت على ان أسوق حديث الباب بلفظه قبل شرحه ثم رأيت ذلك مما يطول به الكتاب جدا فسلكت الآن فيه طريقا وسطى أرجو نفعها كافلة بما اطلعت عليه من ذلك إذ لا يكلف الله نفسا الا وسعها وربما أعدت شيا مما تقدم في المقدمة لمعنى يقتضيه اما لبعد العهد به أو لغير ذلك ولكن اعتمادي غالبا على الحوالة عليها (وسميته فتح الباري بشرح البخاري) وقد رأيت ان أبدأ الشرح باسانيدي الى الاصل بالسماع أو بالاجازة وان أسوقها على نمط مخترع فاني سمعت بعض الفضلاء يقول الاسانيد انساب الكتب فاحببت ان أسوق هذه الاسانيد مساق الانساب (فأقول) وبالله التوفيق اتصلت لنا رواية البخاري عنه من طريق أبي عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري وكانت وفاته في سنة عشرين وثلثمائة وكان سماعه للصحيح مرتين مرة بفربر سنة ثمان وأربعين ومرة ببخارى سنة اثنتين وخمسين ومائتين ومن طريق ابراهيم بن معقل بن الحجاج النسفي وكان من الحفاظ وله تصانيف وكانت وفاته سنة أربع وتسعين ومائتين وكان ترجمة مؤلف هذا الشرح الجليل وهو الحافظ الامام العلامة أبو الفضل بن حجر العسقلاني تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أفضل الانبياء والمرسلين وأشرف الملائكة أجمعين وأكرم الاولين والآخرين وعلى آله وأصحابه الكرام الطاهرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرلين والحمد لله رب العالمين قال شيخ الاسلام المحقق الهمام الحافظ أبو الخير السخاوي في كتابه المسمى التبر المسبوك في ذيل السلوك في ترجمة الحافظ بن حجر مؤلف فتح الباري ما نص المراد منه أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن أحمد شيخي الاستاذ حافظ العصر علامة الدهر شيخ مشايخ الاسلام حامل لواء سنة سيد الانام قاضي القضاة أوحد الحفاظ والرواة شهاب الدين أبو الفضل الكناني العسقلاني الاصل المصري الشافعي عرف بابن حجر ولد في شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بمصر ونشأ بها فحفظ القرآن والحاوي ومختصر ابن الحاجب وغيرها وسافر صحبة أحد أوصيائه الى مكة المشرفة فسمع بها ثم حبب إليه الحديث فسمع الكثير بقراءته وقراءة غيره بالبلاد الشامية والمصرية والحجازية وأكثر جدا من السماع والشيوخ وأتقن علم الحديث عند العراقي وتفقه بالبلقيني وابن الملقن والابنلسي وغيرهم وأذنوا له بالتدريس والافتاء وأخذ الاصلين وغيرهما عن العز بن جماعة واللغة عن المجد الفيروزآبادي والعربية عن العماري والادب والعروض عن البدر البشتكي والكتابة عن جماعة وجد في الفنون حتى بلغ الغاية القصوى وقرأ بعض القران بالسبع على التنوخي وتصدى لنشر الحديث وعكف عليه مطالعة وقراءة واقرء وتصنيفا وافتاء وباشر القضاء بالديار المصرية استقلالا مدة تزيد على احدى وعشرين سنة باشهر مخللها ولاية جماعة والتدريس بعدة أماكن في التفسير والحديث والفقه والوعظ وكذا خطب بجامعي عمرو رضى الله تعالى عنه والازهر وغيرهما وأملي ما ينيف على ألف مجلس من حفظه وزادت تصانيفه على مائة وخمسين واشتهر ذكره وبعد صيته وارتحل الائمة إليه وتبجح الفضلاء بالوفود عليه وكثرت طلبته حتى كان رؤس العلماء في كل مذهب وبكل قطر من تلامذته وقهرهم بذكائه وشفوف نظره وسرعة ادراكه ووفور أدبه وانتشرت جملة من تصانيفه في حيائه وأقرأ الكثير منها وتهادتها الملوك وكتبها الاكابر ولو لم يكن له الا شرح البخاري لكان كافيا في علو مقداره ولو وقف عليه ابن خلدون القائل بأن شرح البخاري الى الآن دين على هذه الامة لقرت عينه بالوفاء والاستيفاء وحدث باكثر مروياته ك ذلك مع تواضعه وحلمه واحتماله وصبره وبهائه وظرفه وصيامه وقيامه واحتياطه وورعه وميله الى النكت اللطيفة والنوادر الظريفة ومزيد أدبه مع الائمة المتقدمين والمتأخرين بل ومع كل من يجالسه من كبير وصغير ومحبته في أهل الفضل والتنويه بذكرهم وعدم اطراء نفسه وركونه الى هضمها وبذله وكرمه وخصائله التي لم تجتمع لاحد من أهل عصره وقد شهد له القدماء بالحفظ والمعرفة التامة والذهن الوقاد والذكاء المفرط وسعة العلم في فنون شتى وشهد له شيخه الحافظ العراقي بانه أعلم أصحابه بالحديث وقال كل من التقى الفاسى والبرهان الحلبي ما رأينا مثله وسأله الامير تغرى برمش الفقيه أرأيت مثل نفسك فقال قال الله
[ 3 ]
فاته من الجامع أوراق رواها بالاجازة عن البخاري نبه على ذلك أبو علي الجياني في تقييد المهمل ومن طريق حماد بن شاكر النسوي وأظنه مات في حدود التسعين وله فيه فوت أيضا ومن رواية أبي طلحة منصور بن محمد بن علي بن قرينة بقاف ونون بوزن يسيرة البزدوي بفتح الموحدة وسكون الزاي وكانت وفاته سنة تسع وعشرون وثلثمائة وهو آخر من حدث عن البخاري بصحيحه كما جزم به ابن ماكولا وغيره وقد عاش بعده ممن سمع من البخاري القاضي الحسين بن اسمعيل المحاملي ببغداد ولكن لم يكن عنده الجامع الصحيح وانما سمع منه مجالس أملاها ببغداد في اخر قدمة قدمها البخاري وقد غلط من روى الصحيح من طريق المحاملي المذكور غلطا فاحشا فاما رواية الفربري فاتصلت الينا عنه من طريق الحافظ أبي علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن والحافظ أبي اسحق ابراهيم بن أحمد المستملي وأبي نصر أحمد بن محمد بن أحمد الاخبسيكتي والفقيه أبي زيد محمد بن أحمد المروزي وأبي علي محمد بن عمر بن شبويه وأبي أحمد محمد بن محمد الجرجاني وأبي محمد عبد الله بن أحمد السرخسي وأبي الهيثم محمد بن مكي الكشميهني وأبي علي اسمعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكشاني وهو آخر من حدث بالصحيح عن الفربري فاما رواية ابن السكن فرواها عنه عبد الله بن محمد بن اسد الجهني وأما رواية المستملي فرواها عنه الحافظ أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي وعبد الرحمن بن عبد الله الهمداني وأما رواية الاخسيكتي فرواها عنه اسمعيل بن اسحق بن اسمعيل الصفار الزاهد وأما رواية أبي زيد فرواها عنه الحافظ أبو نعيم الاصبهاني والحافظ أبو محمد عبد الله بن ابراهيم الاصيلي والامام أبو الحسن علي بن محمد القابسي وأما رواية أبي على الشبوي فرواها عنه سعيد بن أحمد بن محمد الصيرفي العيار وعبد الرحمن بن عبد الله الهمداني أيضا وأما رواية أبي أحمد الجرجاني فرواها عنه أبو نعيم والقابسي أيضا وأما رواية السرخسي فرواها عنه أبو ذر أيضا وأبو الحسن عبد الرحمن ابن محمد بين المظفر الداودي وأما رواية الكشميهني فرواها عنه أبو ذرز أيضا وأبو سهل محمد بن أحمد الحفصي وكريمة بنت أحمد المروزية وأما رواية الكشاني فرواها عنه أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري * (فصل) فاما رواية الجهني عن ابن السكن فاخبرنا بها أبو علي محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز مشافهة عن يحيى بن محمد بن سعد وآخرين عن جعفر بن علي الهمداني عن عبد الله ابن عبالرحمن الديباجي عن عبيدالله محمد بن محمد بن علي الباهلي قال حدثنا الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الجياني في كتاب تقييد المهمل له قال أخبرني بصحيح البخاري القاضي أبو عمر أحمد بن محمد بن يحيى بن الحذاء بقراءتي عليه وأبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر الحافظ اجازة قالا حدثنا أبو محمد الجهني وكان ثقة ضابط بسنده وأما رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة فقرئ على أبي محمد عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان المكي بها وأنا أسمع وأجاز لي ما فاتني منه قال أنبأنا امام المقام أبو أحمد ابراهيم بن محمد بن أبي بكر الطبري أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي حرمي المكي سماعا عليه بجميعه سوى من قوله باب والى مدين أخاهم شعيبا الى قوله باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فاجازة أنبأنا أبو الحسن علي بن حميد بن عمار الطرابلسي أنبأنا أبو مكتوم عيسى ابن الحافظ أبي ذر عبد الله بن أحمد الهروي أنبأنا أبي وأما رواية عبد الرحمن الهمداني عن شيخه فاخبرنا بها أبو حيان محمد بن حيان ابن العلامة أبي حيان أذنا مشافهة عن جده
[ 4 ]
أبي حيان عن أبي علي بن أبي الاحوص عن أبي القاسم بن بقي عن شريح بن علي بن أحمد بن سعيد عن عبد الرحمن وأما رواية اسمعيل فبهذا السند الى أبي حيان أنبأنا أبو جعفر أحمد بن يوسف الطحالي يوسف بن ابرهيم بن أبي ريحانة المالقي اجازة منهما كلاهما عن القاضي أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الانصاري بن الهيثم أنبأنا القاضي أبو سليمان داود بن الحسن الخالدي عنه وأما رواية أبي نعيم عن شيخه فاخبرنا بها علي بن محمد بن محمد الدمشقي مشافهة عن سليمان بن حمزة ابن أبي عمر عن محمد بن عبد الهادي المقدسي عن الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر الدملي أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد أنبأنا أبو نعيم وأما رواية الاصلي والقابسي فبالاسناد الماضي الى أبي علي الجباني أنبأنا أبو شاكر عبد الواحد بن محمد بن وهب وغيره عن الاصلي وحاتم بن محمد الطرابلسي عن القابسي وبالاسناد الماضي الى جعفر بن علي كتب الى الحافظ أبي القاسم خلف بن بشكوال أنبأنا عبد الرحمن بن محمد بن غياث عن حاتم وأما رواية سعيد العيار فاخبرنا بها محمد بن علي بن محمد الدمشقي مشافهة عن محمد بن يوسف بن الهتان عن العلامة تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري أنبأنا منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الرازي أنبأنا محمد بن اسمعيل الفارسي سماعا وجد أبي محمد بن الفضل مشافهة أنبأنا سعيد وأما رواية الداودي فهي أعلى الروايات لنا من حيث العدد أخبرنا بها المشايخ أو محمد عبد الرحيم ابن عبد الكريم بن عبد الوهاب الحموي وإبو علي محمد بن محمد بن علي الجيزي وأبو اسحق ابراهيم ابن أحمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد المؤمن التعلي وأبو الحسن علي بن محمد بن محمد الجوزي قال الا ولان أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن أبي النعم نعمة بن الحسن بن علي بن بيان الصالحي وست الوزراء وزيرة بنت محمد بن عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية وقال أبو اسحق أنبأنا أحمد بن أبي طالب بن نعمة وقال علي قرئ على ست الوزراء وأنا أسمع وكتب الى سليمان بن حمزة ابن أبي عمر وعيسى بن عبد الرحمن بن معالي وأبو بكر بن أحمد بن عبد الدايم قال الخمسة أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى الزبيدي سماعا وقالوا سوى المرأة كتب الينا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر القطيعي وأبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبه القلانسي زاد سليمان ومحمد بن زهير شعرانة وثابت بن محمد الخجندي ومحمد بن عبد الواحد المديني قالوا أنبأنا أبو الوقت عبد الاول بن عيسى بن شعيب الهروي عنه وأما رواية الحفصي فبالاسناد الماضي الى منصور أنبأنا أبو بكر وجيه بن طاهر وعبد الوهاب بن شاه الشاذياخي سماعا وجد أبي محمد بن الفضل الصاعدي اجازة قالوا أنبأنا الحفصي وأما رواية كريمة فأخبرنا بها الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم ابن الحسين العراقي سماعا عليه لبعضه واجازة لسائره أنبأنا أبو علي عبد الرحيم بن عبد الله الانصاري أنبأنا المعين أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي واسمعيل بن عبدالقوى بن عزون وعثمان ابن عبد الرحمن بن رشيق سماعا عليهم سوى من باب المسافر إذا جذبه السير في أواخر كتاب الحج الى آخر كتاب الحج ومن باب ما يجوز من الشروط في المكاتب الى باب الشروط في الكتابة ومن باب غزو المرأة في البحر من كتاب الجهاد الى باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الى الاسلام منه فأجازة منهم ومن الحافظ رشيد الدين أبي الحسين يحيى بن علي العطار لجميعه قالوا أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود البوصيري أنبأنا أبو عبد الله محمد بن بركات النحوي السعدي
[ 5 ]
عنه واما رواية المستغفري فبالاسناد الماضي الى أبي موسى أنبأنا أبي أنبأنا الحسن بن أحمد عنه * د (فصل) * واما رواية ابراهيم بن معقل فبالاسناد الى أبي علي الجياني أنبأنا الحكم بن محمد أنبأنا أبو الفضل عيسى بن أبي عمران الهروي سماعا لبعضه واجازة لباقيه أنبأنا أبو صالح خلف بن محمد بن اسمعيل البخاري عنه وأما رواية حماد بن شاكر فأخبرنا بها أحمد بن أبي بكر بن عبد الحميد في كتابه عن أبي الربيع بن أبي طاهر بن قوامة عن الحسن بن السيد العلوي عن أبي الفضل بن ناصر الحافظ عن أبي بكر أحمد بن علي بن خلف عن الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ عن أحمد بن محمد بن رميح النسوي عنه واما رواية أبي طلحة البزدوي فبالسند الى المستغفري أنبأنا أحمد بن عبد العزيز عنه وقد انتهى الغرض الذي أردته من التوصيل الذي أوردته فليقع الشروع في الشرح والاقتصار على أتقن الروايات عندنا وهي رواية أبي ذر عن مشايخه الثلاثة لضبطه لها وتمييزه لاختلاف سياقها مع التنبيه الى ما يحتاج إليه مما يخالفها وبالله تعالى التوفيق وهو المسؤل ان يعينني على السير في أقوم طريق * قال البخاري رحمه الله تعالى ورضي الله عنه بسم الله الرحمن الرحيم كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا في رواية أبي ذر والأصيلي بغير باب وثبت في رواية غيرهما فحكى عياض ومن تبعه فيه التنوين وتركه وقال الكرماني يجوز فيه الإسكان على سبيل التعداد للأبواب فلا يكون له اعراب وقد اعترض على المصنف لكونه لم يفتتح الكتاب بخطبة تنبئ عن مقصوده مفتتحة بالحمد والشهادة امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع وقوله كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء أخرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة والجواب عن الأول أن الخطبة لا يتحتم فيها سياق واحد يمتنع العدول عنه بل الغرض منها الافتتاح بما يدل على المقصود وقد صدر الكتاب بترجمة بدء الوحي وبالحديث الدال على مقصوده المشتمل على أن العمل دائر مع النية فكأنه يقول قصدت جمع وحي السنة المتلقى عن خير البرية على وجه سيظهر حسن عملي فيه من قصدي وإنما لكل امرئ ما نوى فاكتفى بالتلويح عن التصريح وقد سلك هذه الطريقة في معظم تراجم هذا الكتاب على ما سيظهر بالاستقراء والجواب عن الثاني أن الحديثين ليسا على شرطه بل في كل منهما مقال سلمنا صلاحيتهما للحجة لكن ليس فيهما أن ذلك يتعين بالنطق والكتابة معا فلعله حمد وتشهد نطقا عند وضع الكتاب ولم يكتب ذلك اقتصارا على البسملة لأن القدر الذي يجمع الأمور الثلاثة ذكر الله وقد حصل بها ويؤيده أن أول شئ نزل من القرآن أقرأ باسم ربك فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة والاقتصار عليها لا سيما وحكاية ذلك من جملة ما تضمنه هذا الباب الأول بل هو المقصود بالذات من أحاديثه ويؤيده أيضا وقوع كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وكتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون حمدلة وغيرها كما سيأتي في حديث أبي سفيان في قصة هرقل في هذا الباب وكما سيأتي في حديث البراء في قصة سهيل بن عمرو في صلح الحديبية وغير ذلك من الأحاديث وهذا يشعر بأن لفظ الحمد والشهادة إنما يحتاج إليه في الخطب دون الرسائل والوثائق فكأن المصنف لما لم يفتتح كتابه بخطبة أجراه مجرى الرسائل إلى أهل العلم لينتفعوا بما فيه تعلما وتعليما وقد أجاب من شرح هذا الكتاب بأجوبة أخر فيها نظر منها أنه تعارض عنده الابتداء بالتسمية والحمدلة فلو ابتدأ بالحمدلة لخالف العادة
[ 6 ]
أو بالتسمية لم يعد مبتدئا بالحمدلة فاكتفى بالتسمية وتعقب بأنه لو جمع بينهما لكان مبتدئا بالحمدلة بالنسبة إلى ما بعد التسمية وهذه هي النكتة في حذف العاطف فيكون أولى لموافقته الكتاب العزيز فإن الصحابة افتتحوا كتابة الإمام الكبير بالتسمية والحمدلة وتلوها وتبعهم جميع من كتب المصحف بعدهم في جميع الأمصار من يقول بأن البسملة آية من أول الفاتحة ومن لا يقول ذلك ومنها أنه راعى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله فلم يقدم على كلام الله ورسوله شيئا واكتفى بها عن كلام نفسه وتعقب بأنه كان يمكنه أن يأتي بلفظ الحمد من كلام الله تعالى وأيضا فقد قدم الترجمة وهي من كلامه على الآية وكذا ساق السند قبل لفظ الحديث والجواب عن ذلك بأن الترجمة والسند وإن كانا متقدمين لفظا لكنهما واستأجروا تقديرا فيه نظر وأبعد من ذلك كله قول من ادعى أنه ابتدأ بخطبة فيها حمد وشهادة فحذفها بعض من حمل عنه الكتاب وكأن قائل هذا ما رأى تصانيف الأئمة من شيوخ البخاري وشيوخ شيوخه وأهل عصره كمالك في الموطأ وعبد الرزاق في المصنف وأحمد في المسند وأبي داود في السنن إلى ما لا يحصى ممن لم يقدم في ابتداء تصنيفه خطبة ولم يزد على التسمية وهم الأكثر والقليل منهم من افتتح كتابه بخطبة أفيقال في كل من هؤلاء أن الرواة عنه حذفوا ذلك كلا بل يحمل ذلك من صنيعهم على أنهم حمدوا لفظا ويؤيده ما رواه الخطيب في الجامع عن أحمد أنه كان يتلفظ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتب الحديث ولا يكتبها والحامل له على ذلك اسراع أو غيره أو يحمل على أنهم رأوا ذلك مختصا بالخطب دون الكتب كما تقدم ولهذا من افتتح كتابه منهم بخطبة حمد وتشهد كما صنع مسلم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالبسملة وكذا معظم كتب الرسائل واختلف القدماء فيما إذا كان الكتاب كله شعرا فجاء عن الشعبي منع ذلك وعن الزهري قال مضت السنة أن لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم وعن سعيد بن جبير جواز ذلك وتابعه على ذلك الجمهور وقال الخطيب هو المختار قوله بدء الوحي قال عياض روى بالهمز مع سكون الدال من الابتداء وبغير همز مع ضم الدال وتشديد الواو من الظهور قلت ولم أره مضبوطا في شئ من الروايات التي اتصلت لنا الا أنه وقع في بعضها كيف كان ابتداء الوحي فهذا يرجح الأول وهو الذي سمعناه من أفواه المشايخ وقد استعمل المصنف هذه العبارة كثيرا كبدء الحيض وبدء الأذان وبدء الخلق والوحي لغة الاعلام في خفاء والوحي أيضا الكتابة والمكتوب والبعث والالهام والأمر والايماء والإشارة والتصويت شيئا بعد شئ وقيل أصله التفهيم وكل ما دللت به من كلام أو كتابة أو إشارة فهو وحي وشرعا الاعلام بالشرع وقد يطلق الوحي ويراد به اسم المفعول منه أي الموحي وهو كلام الله المنزل على النبي صعلم وقد اعترض محمد بن إسماعيل التيمي على هذه الترجمة فقال لو قال كيف كان الوحي لكان أحسن لأنه تعرض فيه لبيان كيفية الوحي لا لبيان كيفية بدء الوحي فقط وتعقب بأن المراد من بدء الوحي حاله مع كل ما يتعلق بشأنه أي تعلق كان والله أعلم قوله وقول الله هو بالرفع على حذف الباب عطفا على الجملة لأنها في محل رفع وكذا على تنوين باب وبالجر عطفا على كيف وأثبات باب بغير تنوين والتقدير باب معنى قول الله كذا أو الاحتجاج بقول الله كذا ولا يصح تقدير كيفية قول الله لأن كلام الله لا يكيف قاله عياض ويجوز رفع وقول الله على القطع وغيره
[ 7 ]
قوله إنا أوحينا إليك الآية قيل قدم ذكر نوح فيها لأنه أول نبي أرسل أو أول نبي عوقب قومه فلا يرد كون آدم أول الأنبياء مطلقا كما سيأتي بسط القول في ذلك في الكلام على حديث الشفاعة ومناسبة الآية للترجمة واضح من جهة أن صفة الوحي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم توافق صفة الوحي إلى من تقدمه من النبيين ومن جهة أن أول أحوال النبيين في الوحي بالرؤيا كما رواه أبو نعيم في الدلائل بإسناد حسن عن علقمة بن قيس صاحب بن مسعود قال إن أول ما يؤتى به الأنبياء في المنام حتى تهدا قلوبهم ثم ينزل الوحي بعد في اليقظه قوله حدثنا القدرة هو أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى حميد بن أسامة بطن من بني أسد بن عبد العزى بن قصي رهط خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع معها في أسد ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وهو إمام كبير مصنف رافق الشافعي في الطلب عن بن عيينة وطبقته وأخذ عنه الفقه ورحل معه إلى مصر ورجع بعد وفاته إلى مكة إلى أن مات بها سنة تسع عشرة ومائتين فكأن البخاري امتثل قوله صلى الله عليه وسلم قدموا قريشا فافتتح كتابه بالرواية عن القدرة لكونه أفقه قرشي أخذ عنه وله مناسبة أخرى لأنه مكي كشيخه فناسب أن يذكر في أول ترجمة بدء الوحي لأن ابتداءه كان بمكة ومن ثم ثنى بالرواية عن مالك لأنه شيخ أهل المدينة وهي تالية لمكة في نزول الوحي وفي جميع الفضل ومالك وابن عيينة قرينان قال الشافعي لولاهما لذهب العلم من الحجاز قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة بن أبي عمران الهلالي أبو محمد المكي أصله ومولده الكوفة وقد شارك مالكا في كثير من شيوخه وعاش بعده عشرين سنة وكان يذكر أنه سمع من سبعين من التابعين قوله عن يحيى بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري اسم جده قيس بن عمرو وهو صحابي ويحيى من صغار التابعين وشيخه محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي من أوساط التابعين وشيخ محمد علقمة بن وقاص المؤذن من كبارهم ففي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وفي المعرفة لابن منده ما ظاهره أن علقمة صحابي فلو ثبت لكان فيه تابعيان وصحابيان يكون قد اجتمع في هذا الإسناد أكثر الصيغ التي يستعملها المحدثون وهي التحديث والاخبار والسماع والعنعنة والله أعلم وقد اعترض على المصنف في إدخاله حديث الأعمال هذا في ترجمة بدء الوحي وأنه لا تعلق له به أصلا بحيث أن الخطابي في شرحه والاسماعيلي في مستخرجه أخرجاه قبل الترجمة لاعتقادهما أنه إنما أورده للتبرك به فقط واستصوب أبو القاسم بن منده صنيع الاسماعيلي في ذلك وقال بن رشيد لم يقصد البخاري بإيراده سوى بيان حسن نيته فيه في هذا التأليف وقد تكلفت مناسبته للترجمة فقال كل بحسب ما ظهر له انتهى وقد قيل إنه أراد أن يقيمه مقام الخطبة للكتاب لأن في سياقه أن عمر قاله على المنبر بمحضر الصحابة فإذا صلح أن يكون في خطبة المنبر صلح أن يكون في خطبة الكتاب وحكى الملهب أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب به حين قدم المدينة مهاجرا فناسب إيراده في بدء الوحي لأن الأحوال التي كانت قبل الهجرة كانت كالمقدمة لها لأن بالهجرة افتتح يأمر في قتال المشركين ويعقبه النصر والظفر والفتح انتهى وهذا وجه حسن إلا أنني لم أر ما ذكره من كونه صلى الله عليه وسلم خطب به أول ما هاجر منقولا وقد وقع في باب ترك الحيل بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية الحديث ففي هذا إيماء إلى أنه كان في حال الخطبة أما كونه كان في ابتداء قدومه
[ 8 ]
إلى المدينة فلم أر ما يدل عليه ولعل قائله استند إلى ما روى في قصة مهاجر أم قيس قال بن دقيق العيد نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوي به انتهى وهذا لو صح لم يستلزم البداءة بذكره أول الهجرة النبويه وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور قال أخبرنا أبو معاوية عن الآعمش عن شقيق عن عبد الله هو بن مسعود قال من هاجر يبتغي شيئا فإنما له ذلك هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قبس ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك ولم أر في شئ من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك وأيضا فلو أراد البخاري إقامته مقام الخطبة فقط إذ الابتداء به تيمنا وترغيبا في الإخلاص لكان سياقه قبل الترجمة كما قال الاسماعيلي وغيره ونقل بن بطال عن أبي عبد الله بن ماتت قال التبويب يتعلق بالآية والحديث معا لأن الله تعالى أوحى إلى الأنبياء ثم إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن الأعمال بالنيات لقوله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقال أبو العالية في قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا قال وصاهم بالإخلاص في عبادته وعن أبي عبد الملك البوني قال مناسبة الحديث للترجمة أن بدء الوحي كان بالنية لأن الله تعالى فطر محمدا على التوحيد وبغض إليه الأوثان ووهب له أول أسباب النبوة وهي الرؤيا الصالحة فلما رأى ذلك أخلص إلى الله في ذلك فكان يتعبد بغار حراء فقبل الله عمله وأتم له النعمة وقال الملهب ما محصله قصد البخاري الأخبار عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في حال منشئه أن الله بغض إليه الأوثان وحبب إليه خلال الخير ولزوم الوحدة فرارا من قرناء السوء فلما لزم ذلك أعطاه الله على قدر نيته ووهب له النبوة كما يقال الفواتح عنوان الخواتم ولخصه بنحو من هذا القاضي أبو بكر بن العربي وقال بن المنير في أول التراجم كان مقدمة النبوة في حق النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى الله تعالى بالخلوة في غار حراء فناسب الافتتاح بحديث الهجرة ومن المناسبات البديعة الوجيزة ما تقدمت الإشارة إليه أن الكتاب لما كان موضوعا لجمع وحي السنة صدره ببدء الوحي ولما كان الوحي لبيان الأعمال الشرعية صدره بحديث الأعمال ومع هذه المناسبات لا يليق الجزم بأنه لا تعلق له بالترجمة أصلا والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث قال أبو عبد الله ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شئ أجمع وأغنى وأكثر فائده من هذا الحديث واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني على أنه ثلث الإسلام ومنهم من قال ربعه واختلفوا في تعيين الباقي وقال بن مهدي أيضا يدخل في ثلاثين بابا من العلم وقال الشافعي يدخل في سبعين بابا ويحتمل أن يريد بهذا العدد المبالغة وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضا ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب ووجه البيهقي كونه ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه فالنية أحد اقسامها الثلاثة وارجحها لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها ومن ثم ورد نية المؤمن خير من عمله فإذا نظرت
[ 9 ]
إليها كانت خير الامرين وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده وهي هذا ومن عمل وأشار ليس عليه أمرنا فهو رد والحلال بين الحرام بين الحديث ثم أن هذا الحديث متفق على صحته أخرجه الأئمة المشهورون الا الموطأ ووهم من زعم أنه في الموطأ مغترا بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق مالك وقال أبو جعفر الطبري قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردودا لكونه فردا لأنه لا يروي عن عمر الا من رواية علقمة ولا عن علقمة الا من رواية محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من رواية يحيى بن سعيد وهو كما قال فأنه إنما اشتهر عن يحيى بن سعيد وتفرد به من فوقه وبذلك جزم الترمذي والنسائي والبزار وابن السكن وحمزة بن محمد الكناني وأطلق الخطابي نفى الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف الا بهذا الإسناد وهو كما قال لكن بقيدين أحدهما الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدار قطني وأبو القاسم بن منده وغيرهما ثانيهما السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية كحديث عائشة وأم سلمة عند مسلم يبعثون على نياتهم وحديث بن عباس ولكن جهاد ونية وحديث أبي موسى من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله متفق عليهما وحديث بن مسعود رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته أخرجه أحمد وحديث عبادة من غزا وهو لا ينوي الا عقالا فله ما نوى أخرجه النسائي إلى غير ذلك مما يتعسر حصره وعرف بهذا التقرير غلط من زعم أن حديث عمر متواتر الا أن حمل على التواتر المعنوي فيحتمل نعم قد تواتر عن يحيى بن سعيد فحكى محمد بن علي بن سعيد النقاش الحافظ أنه رواه عن يحيى مائتان وخمسون نفسا وسرد أسماؤهم أبو القاسم بن منده فجاوز الثلثمائة وروى أبو موسى المديني عن بعض مشايخه مذاكرة عن الحافظ أبي إسماعيل الأنصاري الهروي قال كتبته من حديث سبعمائة من أصحاب يحيى قلت وأنا استبعد صحة هذا فقد تتبعت طرقه من الروايات المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبت الحديث إلى وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائه وقد تتبعت طرق غيره فزادت على ما نقل عمن تقدم كما سيأتي مثال لذلك في الكلام على حديث بن عمر في غسل الجمعة إن شاء الله تعالى قوله على المنبر بكسر الميم واللام للعهد أي منبر المسجد النبوي ووقع في رواية حماد بن زيد عن يحيى في ترك الحيل سمعت عمر يخطب قوله إنما الأعمال بالنيات كذا أورد هنا وهو من مقابلة الجمع بالجمع أي كل عمل بنيته وقال الخوبي كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال كمن قصد بعمله وجه الله أو تحصيل موعوده أو اتقاء لوعيده ووقع في معظم الروايات بإفراد النية ووجهه أن محل النية القلب وهو متحد فناسب افرادها بخلاف الأعمال فأنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها ولأن النية ترجع إلى الإخلاص وهو واحد للواحد الذي لا شريك له ووقع في صحيح بن حبان بلفظ الأعمال بالنيات بحذف إنما وجمع الأعمال والنيات وهي ما وقع في كتاب الشهاب للقضاعي ووصله في مسنده كذلك وأنكره أبو موسى المديني كما نقله النووي وأقره وهو متعقب برواية بن حبان بل وقع في رواية مالك عن يحيى عند البخاري في كتاب الإيمان بلفظ الأعمال بالنية وكذا في العتق من رواية الثوري وفي الهجرة من رواية حماد بن زيد ووقع عنده في النكاح بلفظ العمل بالنية بإفراد كل
[ 10 ]
منهما والنية بكسر النون وتشديد التحتانية على المشهور وفي بعض اللغات بتخفيفها قال الكرماني قوله إنما الأعمال بالنيات هذا التركيب يفيد الحصر عند المحققين واختلف في وجه افادته فقيل لأن الأعمال جمع محلى بالألف واللام مفيد للاستغراق وهو مستلزم للقصر لأن معناه كل عمل بنية فلا عمل الا بنية وقيل لأن إنما للحصر وهل إفادتها له بالمنطوق أو بالمفهوم أو تفيد الحصر بالوضع أو العرف أو تفيده بالحقيقة أو بالمجاز ومقتضى كلام الإمام وأتباعه أنها تفيده بالمنطوق وضعا حقيقيا بل نقله شيخنا شيخ الإسلام عن جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة الا اليسير بالاهتمام وعلى العكس من ذلك أهل العربيه واحتج بعضهم بأنها لو كانت للحصر لما حسن إنما قام زيد في جواب هل قام عمرو أجيب بأنه يصح أنه يقع في مثل هذا الجواب ما قام إلا زيد وهي للحصر اتفاقا وقيل لو كانت للحصر لاستوى إنما قام زيد مع ما قام إلا زيد ولا تردد في أن الثاني أقوى من الأول وأجيب بأنه لا يلزم من هذه القوة نفى الحصر فقد يكون أحد اللفظين أقوى من الآخر مع اشتراكهما في أصل الوضع كسوف والسين وقد وقع استعمال إنما موضع استعمال النفي والاستثناء كقوله تعالى إنما تجزون ما كنتم تعملون وكقوله وما تجزون إلا ما كنتم تعملون وقوله انما على رسولنا البلاغ المبين وقوله ما على الرسول الا البلاغ ومن شواهده قول الأعشى ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر يعني ما ثبتت العزة إلا لمن كان أكثر حصى واختلفوا هل هي بسيطه أو مركبة فرجحوا الأول وقد يرجح الثاني ويجاب عما أورد عليه من قولهم إن للإثبات وما للنفي فيستلزم اجتماع المتضادين على صدد واحد بأن يقال مثلا أصلهما كان للاثبات والنفي لكنهما بعد التركيب لم يبقيا على أصلهما بل أفادا شيئا آخر أشار إلى ذلك الكرماني قال وأما قول من قال إفادة هذا السياق للحصر من جهة أن فيه تأكيدا بعد تأكيد وهو المستفاد من إنما ومن الجمع فمتعقب بأنه من باب إيهام العكس لأن قائله لما رأى أن الحصر فيه تأكيد على تأكيد ظن أن كل ما وقع كذلك يفيد الحصر وقال بن دقيق العيد استدل على إفادة إنما للحصر بأن بن عباس استدل على أن الربا لا يكون الا في النسيئة بحديث إنما الربا في النسيئة وعارضه جماعة من الصحابة في الحكم ولم يخالفوه في فهمه فكان كالاتفاق منهم على أنها تفيد الحصر وتعقب باحتمال أن الريح تركوا المعارضة بذلك تنزلا وأما من قال يحتمل أن يكون اعتمادهم على قوله لا ربا إلا في النسيئة لورود ذلك في بعض طرق الحديث المذكور فلا يفيد ذلك في رد إفادة الحصر بل يقويه ويشعر بأن مفاد الصيغتين عندهم واحد وإلا لما استعملوا هذه موضع هذه وأوضح من هذا حديث إنما الماء من الماء فإن الصحابة الذين ذهبوا إليه لم يعارضهم الجمهور في فهم الحصر منه وإنما عارضهم في الحكم من أدلة أخرى كحديث إذا التقي الختانان وقال بن عطيه إنما لفظ لا يفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع ويصلح مع ذلك للحصر إن دخل في قصة ساعدت عليه فجعل وروده للحصر مجازا يحتاج إلى قرينه وكلام غيره على العكس من ذلك وأن أصل ورودها للحصر لكن قد يكون في شئ مخصوص كقوله تعالى إنما الله إله واحد فأنه سيق باعتبار منكري الوحدانية وإلا فلله سبحانه صفات أخرى كالعلم والقدرة وكقوله تعالى إنما أنت منذر فأنه سيق باعتبار منكري الرسالة وإلا فله صلى
[ 11 ]
الله عليه وسلم صفات أخرى لججت إلى غير ذلك من الأمثله وهي فيما يقال السبب في قول من منع إفادتها للحصر مطلقا تكميل الأعمال تقتضي عاملين والتقدير الأعمال الصادرة من المكلفين وعلى هذا هل تخرج أعمال الكفار الظاهر الإخراج لأن المراد بالأعمال أعمال العبادة وهي لا تصح من الكافر وإن كان مخاطبا بها معاقبا على تركها ولا يرد العتق والصدقه لأنهما بدليل آخر قوله بالنيات الباء للمصاحبه ويحتمل أن تكون للسببية بمعنى أنها مقومة للعمل فكأنها سبب في ايجاده وعلى الأول فهي من نفس العمل فيشترط أن لا تتخلف عن أوله قال النووي النية القصد وهي عزيمة القلب وتعقبه الكرماني بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد واختلف الفقهاء هل هي ركن أو شرط والمرجح أن ايجادها ذكرا في أول العمل ركن واستصحابها حكما بمعنى أن لا يأتي بمناف شرعا شرط ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور فقيل تعتبر وقيل تكمل وقيل تصح وقبل تحصل وقيل تستقر قال الطبي كلام الفاء أمرهم على بيان الشرع لأن المخاطبين بذلك هم أهل اللسان فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم إلا من قبل الفاء فيتعين الحمل على ما يفيد الحكم الشرعي وقال البيضاوي النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا والشرع خصصه بالارادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وامتثال حكمه والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر فأنه تفصيل لما أجمل والحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية إذ التقدير لا عمل الا بالنية فليس المراد نفى ذات العمل لأنه قد يوجد بغير نية بل المراد نفى احكامها كالصحة والكمال لكن الحمل على نفى الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشئ نفسه ولأن اللفظ دل على نفي الذات بالتصريح وعلى نفي الصفات بالتبع فلما منع الدليل نفى الذات بقيت دلالته على نفي الصفات مستمرة وقال شيخنا شيخ الإسلام الأحسن تقدير ما يقتضي أن الأعمال تتبع النية لقوله في الحديث فمن كانت هجرته إلى آخره وعلى هذا يقدر المحذوف كونا مطلقا من أسم فاعل أو فعل ثم لفظ العمل بتناول فعل الجوارح حتى اللسان فتدخل الأقوال قال بن دقيق العيد وأخرج بعضهم الأقوال وهو بعيد ولا تردد عندي في أن الحديث يتناولها وأما التروك فهي وأن كانت فعل كف لكن لا يطلق عليها لفظ العمل وقد تعقب على من يسمى القول وأشار لكونه عمل اللسان بأن من حلف لا يعمل وأشار فقال قولا لا يحنث وأجيب بأن مرجع اليمين إلى العرف والقول لا يسمى وأشار في العرف ولهذا يعطف عليه والتحقيق أن القول لا يدخل في العمل حقيقة ويدخل مجازا وكذا الفعل لقوله تعالى ولو شاء ربك ما فعلوه بعد قوله زخرف القول وأما عمل القلب كالنية فلا يتناولها الحديث لئلا يلزم التسلسل والمعرفة وفي تناولها نظر قال بعضهم هو محال لأن النية قصد المنوي وإنما يقصد المرء ما يعرف فيلزم أن يكون عارفا قبل المعرفة وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني بما حاصله إن كان المراد بالمعرفة مطلق الشعور فمسلم وإن كان المراد النظر في الدليل فلا لأن كل ذي عقل يشعر مثلا بأن له من يدبره فإذا أخذ في النظر في الدليل عليه ليتحققه لم تكن النية حينئذ محالا وقال بن دقيق العيد الذين اشترطوا النية قدروا صحة الأعمال والذين لم يشترطوها قدروا كمال الأعمال ورجح الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقه من دابة فالحمل عليها أولى وفي
[ 12 ]
هذا الكلام إيهام أن بعض العلماء لا يرى باشتراط النية وليس الخلاف بينهم في ذلك إلا في الرسائل وأما المقاصد فلا اختلاف بينهم في اشتراط النية لها ومن ثم خالف الحنفية في اشتراطها للوضوء وخالف الأوزاعي في اشتراطها في التيمم أيضا نعم بين العلماء اختلاف في اقتران النية بأول العمل كما هو معروف في مبسوطات الفقه تكميل الظاهر أن الألف واللام في النيات معاقبة للضمير والتقدير الأعمال بنياتها وعلى هذا فيدل على اعتبار نية العمل من كونه مثلا صلاة أو غيرها ومن كونها فرضا أو نفلا ظهرا مثلا أو عصرا مقصورة أو غير مقصورة وهل يحتاج في مثل هذا إلى تعيين العدد فيه بحث والراجح الاكتفاء بتعيين العبادة التي لا تنفك عن العدد المعين كالمسافر مثلا ليس له أن يقصر الا بنية القصر لكن لا يحتاج إلى نية ركعتين لأن ذلك هو مقتضى القصر والله أعلم قوله وإنما لكل امرئ ما نوى قال القرطبي فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال فجنح إلى أنها مؤكدة وقال غيره بل تفيد غير ما أفادته الأولى لأن الأولى نبهت على أن العمل يتبع النية ويصاحبها فيترتب الحكم على ذلك والثانية أفادت أن العامل لا يحصل له الا ما نواه وقال بن دقيق العيد الجملة الثانية تقتضي أن من نوى شيئا يحصل له يعني إذا عمله بشرائطه أو حال دون عمله له ما يعذر شرعا بعدم عمله وكل ما لم ينوه لم يحصل له ومراده بقوله ما لم ينوه أي لا خصوصا ولا عموما أما إذا لم ينو شيئا مخصوصا لكن كانت هناك نية عامة تشمله فهذا مما اختلفت فيه أنظار العلماء ويتخرج عليه من المسائل ما لا يحصى وقد يحصل غير المنوي لمدرك آخر كمن دخل المسجد فصلى الفرض أو الراتبة قبل أن يقعد فأنه يحصل له تحية المسجد نواها أو لم ينوها لأن القصد بالتحية شغل البقعة وقد حصل وهذا بخلاف من اغتسل يوم الجمعة عن الجنابة فأنه لا يحصل له غسل الجمعة على الراجح لأن غسل الجمعة ينظر فيه إلى التعبد لا إلى محض التنظيف فلا بد فيه من القصد إليه بخلاف تحية المسجد والله أعلم وقال النووي أفادت الجملة الثانية اشتراط تعيين المنوي كمن عليه صلاة فائتة لا يكفيه أن ينوي الفائتة فقط حتى يعينها ظهرا مثلا أو عصرا ولا يخفى أن محله ما إذا لم تنحصر الفائتة وقال بن السمعاني في أماليه أفادت أن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد النصارى إلا إذا نوى بها فاعلها القربة كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة وقال غيره أفادت أن النيابة لا الخطبة في النية فإن ذلك هو الأصل فلا يرد مثل نية الولي عن الصبي ونظائره فإنها على خلاف الأصل وقال بن عبد السلام الجملة الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال والثانية لبيان ما يترتب عليها وأفاد أن النية إنما تشترط في العبادة التي لا تتميز بنفسها وأما ما يتميز بنفسه فأنه ينصرف بصورته إلى ما وضع له كالأذكار والادعية والتلاوة لأنها لا تتردد بين العبادة والعادة ولا يخفى أن ذلك إنما هو بالنظر إلى أصل الوضع أما ما حدث فيه عرف كالتسبيح للتعجب فلا ومع ذلك فلو قصد بالذكر القربة إلى الله تعالى لكان أكثر ثوابا ومن ثم قال الغزالي حركة اللسان بالذكر مع الغفلة عنه تحصل النصارى لأنه خير من حركة اللسان بالغيبة بل هو خير من السكوت مطلقا أي المجرد عن التفكر قال وإنما هو ناقص بالنسبة إلى عمل القلب انتهى ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بضع أحدكم صدقة ثم قال في الجواب عن قولهم أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر أرأيت لو وضعها في حرام وأورد على إطلاق الغزالي أنه يلزم منه أن المرء يثاب على فعل مباح لأنه خير من فعل الحرام وليس ذلك مراده وخص
[ 13 ]
من عموم الحديث ما يقصد حصوله في الجملة فأنه لا يحتاج إلى نية تخصه كتحية المسجد كما تقدم وكمن مات زوجها فلم يبلغها الخبر إلا بعد مدة العدة فإن عدتها تنقضي لأن المقصود حصول براءة الرحم وقد وجدت ومن ثم لم يحتج المتروك إلى نية ونازع الكرماني في إطلاق الشيخ يحيى الدين كون المتروك لا يحتاج إلى نية بأن الترك فعل وهو كف النفس وبأن التروك إذا أريد بها تحصيل النصارى بامتثال أمر الفاء فلا بد فيها من قصد الترك وتعقب بأن قوله الترك فعل مختلف فيه ومن حق المستدل على المانع أن يأتي بأمر متفق عليه وأما استدلاله الثاني فلا يطابق المورد لأن المبحوث فيه هل تلزم النية في التروك بحيث يقع العقاب بتركها والذي أورده هل يحصل النصارى بدونها والتفاوت بين المقامين ظاهر والتحقيق أن الترك المجرد لا ثواب فيه وانما يحصل النصارى بالكف الذي هو فعل النفس فمن لم تخطر المعصية بباله أصلا ليس كمن خطرت فكف نفسه عنها خوفا من الله تعالى فرجع الحال إلى أن الذي يحتاج إلى النية هو العمل بجميع وجوهه لا الترك المجرد والله أعلم تنبيه قال الكرماني إذا قلنا إن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد القصر ففي قوله وإنما لكل امرئ ما نوى نوعان من الحصر قصر المسند على المسند إليه إذ المراد إنما لكل امرئ ما نواه والتقديم المذكور قوله فمن كانت هجرته إلى دنيا كذا وقع في جميع الأصول التي اتصلت لنا عن البخاري بحذف أحد وجهي التقسيم وهو قوله فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله الخ قال الخطابي وقع هذا الحديث في روايتنا وجميع نسخ أصحابنا مخروما قد ذهب شطره ولست أدرى كيف وقع هذا الاغفال ومن جهة من عرض من رواته فقد ذكره البخاري من غير طريق القدرة مستوفى وقد رواه لنا الاثبات من طريق القدرة تاما ونقل بن التين كلام الخطابي مختصرا وفهم من قوله مخروما أنه قد يريد أن في السند انقطاعا فقال من قبل نفسه لأن البخاري لم يلق القدرة وهو مما يتعجب من إطلاقه مع قول البخاري حدثنا القدرة وتكرار ذلك منه في هذا الكتاب وجزم كل من ترجمة بأن القدرة من شيوخه في الفقه والحديث وقال بن العربي في مشيخته لا عذر للبخاري في اسقاطه لأن القدرة شيخه فيه قد رواه في مسنده على التمام قال وذكر قوم أنه لعله استملاه من حفظ القدرة فحدثه هكذا عنه كما سمع أو حدثه به تاما فسقط من حفظ البخاري قال وهو أمر مستبعد جدا عند من اطلع على أحوال القوم وقال الداودي الشارح الاسقاط فيه من البخاري فوجوده في رواية شيخه وشيخ شيخه يدل على ذلك انتهى وقد رويناه من طريق بشر بن موسى وأبي إسماعيل الترمذي وغير واحد عن القدرة تاما وهو في مصنف قاسم بن أصبغ ومستخرجي أبي نعيم وصحيح أبي عوانة من طريق القدرة فإن كان الاسقاط من غير البخاري فقد يقال لم أختار الابتداء بهذا السياق الناقص والجواب قد تقدمت الإشارة إليه وأنه أختار القدرة لكونه أجل مشايخه المكيين إلى آخر ما تقدم في ذلك من المناسبة وإن كان الاسقاط منه فالجواب ما قاله أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ في أجوبة له على البخاري إن أحسن ما يجاب به هنا أن يقال لعل البخاري قصد أن يجعل لكتابه صدرا يستفتح به على ما ذهب إليه كثير من الناس من استفتاح كتبهم بالخطب المتضمنة لمعاني ما ذهبوا إليه من التأليف فكأنه ابتدأ كتابه بنية رد علمها إلى الله فإن علم منه أنه أراد الدنيا أو عرض إلى شئ من معانيها فسيجزيه بنيته ونكب عن أحد
[ 14 ]
وجهي التقسيم مجانبة للتزكية التي لا يناسب ذكرها في ذلك المقام انتهى ملخصا وحاصله أن الجملة المحذوفة تشعر بالقربة المحضة والجملة المبقاة تحتمل التردد بين أن يكون ما قصده يحصل القربة أولا فلما كان المصنف كالمخبر عن حال نفسه في تصنيفه هذا بعبارة هذا الحديث حذف الجملة المشعرة بالقربة المحضة فرارا من التزكية وبقي الجملة المترددة المحتملة تفويضا للأمر إلى ربه المطلع على سريرته المجازى له بمقتضى نيته ولما كانت عادة المصنفين أن يضمنوا الخطب اصطلاحهم في مذاهبهم واختياراتهم وكان من أجرة المصنف جواز اختصار الحديث والرواية بالمعنى والتدقيق في الاستنباط وإيثار الاغمض على الاجلى وترجيح الإسناد الوارد بالصيغ المصرحة بالسماع على غيره استعمل جميع ذلك في هذا الموضع بعبارة هذا الحديث متنا واسنادا وقد وقع في رواية حماد بن زيد في باب الهجرة تأخر قوله فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله عن قوله فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فيحتمل أن تكون رواية القدرة وقعت عند البخاري كذلك فتكون الجملة المحذوفة هي الأخيرة كما جرت به عادة من يقتصر على بعض الحديث وعلى تقدير أن لا يكون ذلك فهو مصير من البخاري إلى جواز الاختصار في الحديث ولو من اثنائه وهذا هو الراجح والله أعلم وقال الكرماني في غير هذا الموضع إن كان الحديث عند البخاري تاما لم خرمه في صدر الكتاب مع أن الخرم مختلف في جوازه قلت لا جزم بالخرم لأن المقامات مختلفة فلعله في مقام بيان أن الإيمان بالنية واعتقاد القلب سمع الحديث تاما وفي مقام أن الشروع في الأعمال إنما يصح بالنية سمع ذلك القدر الذي روى ثم الخرم يحتمل أن يكون من بعض شيوخ البخاري لا منه ثم أن كان منه فخرمه ثم لأن المقصود يتم بذلك المقدار فإن قلت فكان المناسب أن يذكر عند الخرم الشق الذي يتعلق بمقصوده وهو أن النية ينبغي أن تكون لله ورسوله قلت لعله نظر إلى ما هو الغالب الكثير بين الناس انتهى وهو كلام من لم يطلع على شئ من أقوال من قدمت ذكره من الأئمة على هذا الحديث ولا سيما كلام بن العربي وقال في موضع آخر إن إيراد الحديث تاما تارة وغير تام تارة إنما هو من اختلاف الرواة فكل منهم قد روى ما سمعه فلا خرم من أحد ولكن البخاري يذكرها في المواضع التي يناسب كلا منها بحسب الباب الذي يضعه ترجمة له انتهى وكأنه لم يطلع على حديث أخرجه البخاري بسند واحد من ابتدائه إلى انتهائه فساقه في موضع تاما وفي موضع مقتصرا على بعضه وهو كثير جدا في الجامع الصحيح فلا يرتاب من يكون الحديث صناعته أن ذلك من تصرفه لأنه عرف بالاستقراء من صنيعه أنه لا يذكر الحديث الواحد في موضعين على وجهين بل إن كان له أكثر من سند على شرطه ذكره في الموضع الثاني بالسند الثاني وهكذا ما بعده وما لم يكن على شرطه يعلقه في الموضع الآخر تارة بالجزم إن كان صحيحا وتارة بغيره إن كان فيه شئ وما ليس له إلا سند واحد يتصرف في متنه بالاقتصار على بعضه بحسب ما يتفق ولا يوجد فيه حديث واحد مذكور بتمامه سندا ومتنا في موضعين أو أكثر الا نادرا فقد عنى بعض من لقيته بتتبع ذلك فحصل منه نحو عشرين موضعا قوله هجرته الهجرة الترك والهجرة إلى الشئ الانتقال إليه عن غيره وفي الشرع ترك ما نهى الله عنه وقد وقعت في الإسلام على وجهين الأول الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن كما في هجرتي الحبشه وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة الثاني الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله
[ 15 ]
عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا فإن قيل الأصل تغاير الشرط والجزاء فلا يقال مثلا من أطاع أطاع وإنما يقال مثلا من أطاع نجا وقد وقعا في هذا الحديث متحدين فالجواب أن التغاير يقع تارة باللفظ وهو الأكثر وتارة بالمعنى ويفهم ذلك من السياق ومن أمثلته قوله تعالى ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا وهو مؤول على إرادة المعهود المستقر في النفس كقولهم أنت أنت أي الصديق الخالص وقولهم هم هم أي الذين لا يقدر قدرهم وقول الشاعر أنا أبو النجم وشعري شعري أو هو مؤول على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار السبب وقال بن مالس قد يقصد بالخبر المفرد بيان الشهرة وعدم التغير فيتحد بالمبتدأ لفظا كقول الشاعر خليلي خليلي دون ريب وربما ألان أمرؤ قولا فظن خليلا وقد يفعل مثل هذا بجواب الشرط كقولك من قصدني فقد قصدني أي فقد قصد من عرف بانجاح قاصده وقال غيره إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر والشرط والجزاء علم منهما المبالغة إما في التعظيم وإما في التحقير قوله إلى دنيا بضم الدال وحكى بن قتيبة كسرها وهي فعلى من الدنو أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى وقيل سميت دنيا لدنوها إلى الزوال واختلف في حقيقتها فقيل ما على الأرض من الهواء والجو وقيل كل المخلوقات من الجواهر والاعراض والأول أولى لكن يزاد فيه مما قبل قيام الساعة ويطلق على كل جزء منها مجازا ثم إن لفظها مقصور غير منون وحكى تنوينها وعزاه بن دحية إلى رواية أبي الهيثم الكشميهني وضعفها وحكى عن بن مغور أن أبا ذر الهروي في آخر أمره كان يحذف كثيرا من رواية أبي الهيثم حيث ينفرد لأنه لم يكن من أهل العلم قلت وهذا ليس على إطلاقه فإن في رواية أبي الهيثم مواضع كثيرة أصوب من رواية غيره كما سيأتي مبينا في مواضعه وقال التيمي في شرحه قوله دنيا هو تأنيث الأدنى ليس بمصروف لاجتماع الوصفية ولزوم حرف التأنيب وتعقب بأن لزوم التأنيث للألف المقصورة كاف في عدم الصرف وأما الوصفية فقال بن مالك استعمال دنيا منكرا فيه إشكال لأنها أفعل التفضيل فكان من حقها أن تستعمل باللام كالكبرى والحسنى قال إلا أنها خلعت عنها الوصفية وأجريت مجرى ما لم يكن وصفا قط ومثله قول الشاعر إن دعوت إلى جلى ومكرمة يوما سراة كرام الناس فادعينا وقال الكرماني قوله إلى يتعلق بالهجرة إن كان لفظ كانت تامة أو هو خبر لكانت إن كانت ناقصة ثم أورد ما محصله أن لفظ كان إن كان للآمر الماضي فلا يعلم ما الحكم بعد صدور هذا القول في ذلك وأجاب بأنه يجوز أن يراد بلفظ كان الوجود من غير تقييد بزمان أو يقاس المستقبل على الماضي أو من جهة أن حكم المكلفين سواء قوله يصيبها أي يحصلها لأن تحصيلها كاصابة الغرض بالسهم بجامع حصول المقصود قوله أو امرأة قيل التنصيص عليها من الخاص بعد العام للاهتمام به وتعقبه النووي بأن لفظ دنيا نكرة وهي لا تعم في الاثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها وتعقب بكونها في سياق الشرط فتعم ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير لأن الافتتان بها
[ 16 ]
أشد وقد تقدم النقل عمن حكى أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس ولم تقف على تسميته ونقل بن دحية أن اسمها قيلة بقاف مفتوحه ثم تحتانية ساكنه وحكى بن بطال عن بن سراج أن السبب في تخصيص المرأة بالذكر أن العرب كانوا لا يزوجون المولى العربية ويراعون الكفاءة في النسب فلما جاء الإسلام سوى بين المسلمين في مناكحتهم فهاجر كثير من الناس إلى المدينة ليتزوج بها من كان لا يصل إليها قبل ذلك انتهى ويحتاج إلى نقل ثابت أن هذا المهاجر كان مولى وكانت المرأة عربيه وليس ما نفاه عن العرب على إطلاقه بل قد زوج خلق كثير منهم جماعة من مواليهم وحلفائهم قبل الإسلام وإطلاقه أن الإسلام أبطل الكفاءة في مقام المنع قوله فهجرته إلى ما هاجر إليه يحتمل أن يكون ذكره بالضمير ليتناول ما ذكر من المرأة وغيرها وإنما ابرز الضمير في الجملة التي قبلها وهي المحذوفة لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله وعظم شأنهما بخلاف الدنيا والمرأة فإن السياق يشعر بالحث على الإعراض عنهما وقال الكرماني يحتمل أن يكون قوله إلى ما هاجر إليه متعلقا بالهجرة فيكون الخبر محذوفا والتقدير قبيحة أو غير صحيحة مثلا ويحتمل أن يكون خبر فهجرته والجملة خبر المبتدأ الذي هو من كانت انتهى وهذا الثاني هو الراجح لأن الأول يقتضى أن تلك الهجرة مذمومة مطلقا وليس كذلك إلا أن حمل على تقدير شئ يقتضى التردد أو القصور عن الهجرة الخالصة كمن نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معا فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة وإنما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يثاب على قصد الهجرة لكن دون ثواب من أخلص وكذا من طلب التزويج فقط لا على صورة الهجرة إلى الله لأنه من الأمر المباح الذي قد يثاب فاعله إذا قصد به القربة كالاعفاف ومن أمثلة ذلك ما وقع في قصة إسلام أبي طلحة فيما رواه النسائي عن أنس قال تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت إني قد أسلمت فإن أسلمت تزوجتك فأسلم فتزوجته وهو أمرهم على أنه رغب في الإسلام ودخله من وجهة وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية أو بطوافه العبادة وملازمة الغريم واختار الغزالي فيما يتعلق بالثواب أنه إن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر أو الديني أجر بقدره وإن تساويا فتردد القصد بين الشيئين فلا أجر وأما إذا نوى العبادة وخالطها شئ مما يغاير الإخلاص فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن جمهور السلف أن الاعتبار بالابتداء فإن كان ابتداؤه لله خالصا لم يضره ما عرض له بعد ذلك من إعجاب وغيره والله أعلم واستدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز الإقدام على العمل قبل معرفة الحكم لأن فيه أن العمل يكون منتفيا إذا خلا عن النية ولا يصح نية فعل الشئ إلا بعد معرفة حكمه وعلى أن الغافل لا تكليف عليه لأن القصد يستلزم العلم بالمقصود والغافل غير قاصد وعلى أن من صام تطوعا بنية قبل الزوال أن لا يحسب له إلا من وقت النية وهو مقتضى الحديث لكن تمسك من قال بانعطافها بدليل آخر ونظيره حديث من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها أي أدرك فضيلة الجماعة أو الوقت وذلك بالانعطاف الذي اقتضاه فضل الله تعالى وعلى أن الواحد الثقة إذا كان في مجلس جماعة ثم ذكر عن ذلك المجلس شيئا لا يمكن غفلتهم عنه ولم
[ 17 ]
يذكره غيره أن ذلك لا يقدح في صدقه خلافا لمن أعل بذلك لأن علقمة ذكر أن عمر خطب به على المنبر ثم لم يصح من جهة أحد عنه غير علقمة واستدل بمفهومه على أن ما ليس بعمل لا تشترط النية فيه ومن أمثلة ذلك جمع التقديم فإن الراجح من حيث النظر أنه لا يشترط له نية بخلاف ما رجحه كثير من الشافعية وخالفهم شيخنا شيخ الإسلام وقال الجمع ليس بعمل وإنما العمل الصلاة ويقوى ذلك أنه عليه الصلاة والسلام جمع في غزوة تبوك ولم يذكر ذلك للمأمومين الذين معه ولو كان شرطا لأعلمهم به واستدل به على أن العمل إذا كان مضافا إلى سبب ويجمع متعدده جنس أن نية الجنس تكفى كمن أعتق عن كفارة ولم يعين كونها عن ظهار أو غيره لأن معنى الحديث أن الأعمال بنياتها والعمل هنا القيام بالذي يخرج عن الكفارة اللازمة وهو غير محوج إلى تعيين سبب وعلى هذا لو كانت عليه كفارة وشك في سببها أجزأه إخراجها بغير تعيين وفيه زيادة النص على السبب لأن الحديث سيق في قصة المهاجر لتزويج المرأة فذكر الدنيا مع القصة زيادة في التحذير والتنفير وقال شيخنا شيخ الإسلام فيه إطلاق العام وإن كان سببه خاصا فيستنبظ منه الإشارة إلى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وسيأتي ذكر كثير من فوائد هذا الحديث في كتاب الإيمان حيث قال المصنف في الترجمة فدخل فيه العبادات والأحكام إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق الحديث الثاني من أحاديث بدء الوحي قوله حدثنا عبد الله بن يوسف هو التنيسي كان نزل تنيس من عمل مصر وأصله دمشق وهو من أتقن الناس في الموطأ كذا وصفه يحيى بن معين قوله أم المؤمنين هو مأخوذ من قوله أم المؤمنين هو مأخوذ من قوله تعالى وأزواجه أمهاتهم أي في الاحترام وتحريم نكاحهن لا في غير ذلك مما اختلف فيه على الراجح وإنما قيل للواحدة منهن أم المؤمنين للتغليب وإلا فلا مانع من أن يقال لها أم المؤمنات على الراجح قوله ان الحارث بن هشام هو المخزومي أخو أبي جهل شقيقه أسلم يوم الفتح وكان من فضلاء الصحابة واستشهد في فتوح الشام قوله سأل هكذا رواه أكثر الرواة عن هشام بن عروة فيحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك وعلى هذا اعتمد أصحاب الأطراف فأخرجوه في مسند عائشة ويحتمل أن يكون الحارث أخبرها بذلك بعد فيكون من مرسل الصحابة وهو محكوم بوصله عند الجمهور وقد جاء ما يؤيد الثاني ففي مسند أحمد ومعجم البغوي وغيرهما من طريق عامر بن صالح الزبيري عن هشام عن أبيه عن عائشة عن الحارث بن هشام قال سألت وعامر فيه ضعف لكن وجدت له متابعا عند بن منده والمشهور الأول قوله كيف يأتيك الوحي يحتمل أن يكون المسئول عنه صفة الوحي نفسه ويحتمل أن يكون صفة حامله أو ما هو أعم من ذلك وعلى كل تقدير فاسناد الإتيان إلى الوحي مجاز لأن الإتيان حقيقة من وصف حامله واعترض الاسماعيلي فقال هذا الحديث لا يصلح لهذه الترجمة وإنما المناسب لكيف بدء الوحي الحديث الذي بعده وأما هذا فهو لكيفية إتيان الوحي لا لبدء الوحي أه قال الكرماني لعل المراد منه السؤال عن كيفية ابتداء الوحي أو عن كيفية ظهور الوحي فيوافق ترجمة الباب قلت سياقه يشعر بخلاف ذلك لاتيانه بصيغة المستقبل دون الماضي لكن يمكن أن يقال أن المناسبة تظهر من الجواب لأن فيه إشارة إلى انحصار صفة الوحي أو صفة حامله في الامرين فيشمل حالة الابتداء وأيضا فلا أثر للتقديم والتأخير هنا ولو لم تظهر المناسبة فضلا عن أنا قدمنا أنه أراد البداءة بالتحديث عن إمامي
[ 18 ]
الحجاز فبدأ بمكة ثم ثنى بالمدينة وأيضا فلا يلزم أن تتعلق جميع أحاديث الباب ببدء الوحي بل يكفي أن يتعلق بذلك وبما يتعلق به وبما يتعلق بالآية أيضا وذلك أن أحاديث الباب تتعلق بلفظ الترجمة وبما اشتملت عليه ولما كان في الآية أن الوحي إليه وكما الوحي إلى الأنبياء قبله ناسب تقديم ما يتعلق بها وهو صفة الوحي وصفة حامله إشارة إلى أن الوحي إلى الأنبياء لا تباين فيه فحسن إيراد هذا الحديث عقب حديث الأعمال الذي تقدم التقدير بأن تعلقه بالآية الكريمة أقوى تعلق والله سبحانه وتعالى أعلم قوله أحيانا جمع حين يطلق على كثير الوقت وقليله والمراد به هنا مجرد الوقت فكأنه قال أوقاتا يأتيني وانتصب على الظرفيه وعامله يأتيني مؤخر عنه وللمصنف من وجه آخر عن هشام في بدء الخلق قال كل ذلك يأتي الملك أي كل ذلك حالتان فذكرهما وروى بن سعد من طريق أبي سلمة الماجشون أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول كان الوحي يأتيني على نحوين يأتيني به جبريل فيلقيه علي كما يلقى الرجل على الرجل فذاك ينفلت مني ويأتيني في بيتي مثل صوت الجرس حتى يخالط قلبي فذاك الذي لا ينفلت مني وهذا مرسل مع ثقة رجاله فإن صح فهو أمرهم على ما كان قبل نزول قوله تعالى لا تحرك به لسانك كما سيأتي فإن الملك قد تمثل رجلا في صور كثيرة ولم ينفلت منه ما أتاه به كما في قصة مجيئه في صورة دحية وفي صورة أعرابي وغير ذلك وكلها في الصحيح وأورد على ما اقتضاه الحديث وهو أن الوحي منحصر في الحالتين حالات أخرى إما من صفة الوحي كمجيئه كدوي النحل والنفث في الروع والالهام والرؤيا الصالحة والتكليم ليلة الإسراء بلا واسطة وإما من صفة حامل الوحي كمجيئه في صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح ورؤيته على كرسي بين السماء والأرض وقد سد الأفق والجواب منع الحصر في الحالتين المقدم ذكرهما وحملهما على الغالب أو حمل ما يغايرهما على أنه وقع بعد السؤال أو لم يتعرض لصفتي الملك المذكورتين لندورهما فقد ثبت عن عائشة أنه لم يره كذلك إلا مرتين أو لم يأته في تلك الحالة بوحي أو أتاه به فكان على مثل صلصلة الجرس فأنه بين بها صفة الوحي تركوهما حامله وأما فنون الوحي فدوي النحل لا يعارض صلصلة الجرس لأن سماع الدوى بالنسبة إلى الحاضرين كما في حديث عمر يسمع عنده كدوي النحل والصلصلة بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشبهه عمر بدوى النحل بالنسبة إلى السامعين وشبهه هو صلى الله عليه وسلم بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه وأما النفث في الروع فيحتمل أن يرجع إلى إحدى الحالتين فإذا أتاه الملك في مثل صلصلة الجرس نفث حينئذ في روعه وأما الالهام فلم يقع السؤال عنه لأن السؤال وقع عن صفة الوحي الذي يأتي بحامل وكذا التكليم ليلة الإسراء وأما الرؤيا الصالحة فقال بن بطال لا ترد لأن السؤال وقع عما ينفرد به عن الناس لأن الرؤيا قد يشركه فيها غيره اه والرؤيا الصادقه وأن كانت جزءا من النبوة فهي باعتبار صدقها لا غير وإلا لساغ لصاحبها أن يسمى نبيا وليس كذلك ويحتمل أن يكون السؤال وقع عما في اليقظة أو لكون حال المنام لا يخفى على السائل فاقتصر على ما يخفى عليه أو كان ظهور ذلك له صلى الله عليه وسلم في المنام أيضا على الوجهين المذكورين لاغير قاله الكرماني وفيه نظر وقد ذكر الحليمي أن الوحي كان يأتيه على ستة وأربعين نوعا فذكرها وغالبا من صفات حامل الوحي ومجموعها يدخل فيما ذكر وحديث أن روح القدس نفث في روعي أخرجه بن أبي الدنيا في القناعة وصححه الحاكم من طريق بن
[ 19 ]
مسعود قوله مثل صلصلة الجرس في رواية مسلم في مثل صلصلة الجرس والصلصلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين وقيل هو صوت متدارك لا يدرك في أول وهلة والجرس الجلجل الذي يعلق في رءوس الدواب واشتقاقه من الجرس بإسكان الراء وهو الحس وقال الكرماني الجرس ناقوس صغير أو سطل في داخله قطعة نحاس يعلق منكوسا على البعير فإذا تحرك تحركت النحاسة فأصابت السطل فحصلت الصلصلة اه وهو تطويل للتعريف بما لا طائل تحته وقوله قطعة نحاس معترض لا يختص به وكذا البعير وكذا قوله منكوسا لأن تعليقه على تلك الصورة هو وضعه المستقيم له فإن قيل المحمود لا يشبه بالمذموم إذ حقيقة التشبيه الحاق ناقص بكامل والمشبه الوحي وهو محمود والمشبه به صوت الجرس وهو مذموم لصحة النهي عنه والتنفير من مرافقة ما هو معلق فيه والاعلام بأنه لا تصحبهم الملائكة كما أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما فكيف يشبه ما فعله الملك بأمر تنفر من الملائكة والجواب أنه لا يلزم في التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في الصفات كلها بل ولا في أخص وصف له بل يكفي اشتراكهما في صفة ما فالمقصود هنا بيان الجنس فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبا لأفهامهم والحاصل أن الصوت له جهتان جهة قوة وجهة طنين فمن حيث القوة وقع التشبيه به ومن حيث الطرب وقع التنفير عنه وعلل بكونه مزمار الشيطان ويحتمل أن يكون النهي عنه وقع بعد السؤال المذكور وفيه نظر قيل والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي قال الخطابي يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أو ما يسمعه حتى يفهمه بعد وقيل بل هو صوت حفيف أجنحة الملك والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه مكان لغيره ولما كان الجرس لا تحصل صلصلته الا متداركة وقع التشبيه به دون غيره من الآلات وسيأتي كلام بن بطال في هذا المقام في الكلام على حديث بن عباس إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها الحديث عند تفسير قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم في تفسير سورة سبأ إن شاء الله تعالى قوله وهو أشده على يفهم منه أن الوحي كله شديد ولكن هذه الصفة أشدها وهو واضح لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود والحكمة فيه أن العادة جرت بالمناسبه بين القائل والسامع وهي هنا إما بانصاف السامع بوصف القائل بغلبة الروحانية وهو النوع الأول وإما بانصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني والأول أشد بلا شك وقال شيخنا شيخ الإسلام البلقيني سبب ذلك أن الكلام العظيم له مقدمات تؤذن بتعظيمه للاهتمام به كما سيأتي في حديث بن عباس كان يعالج من التنزيل شدة قال وقال بعضهم وإنما كان وعطاء عليه ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع أه وقيل إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد وهذا فيه نظر والظاهر أه لا يختص بالقرآن كما سيأتي بيانه في حديث يعلى بن أمية في قصة لابس الجبة المتضمخ بالطيب في الحج فإن فيه أنه رآه صلى الله عليه وسلم حال نزول الوحي عليه وإنه ليغط وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات قوله فيفصم بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة أي يقلع ويتجلي ما يغشاني ويروى بضم أوله من الرباعي وفي رواية لأبي ذر بضم أوله وفتح الصاد على البناء للمجهول وأصل الفصم القطع ومنه
[ 20 ]
قوله تعالى لا انفصام لها وقيل الفصم بالفاء القطع بلا إبانة وبالقاف القطع بإبانة فذكر بالفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود والجامع بينهما بقاء العلقة قوله وقد وعيت عنه ما قال إي القول الذي جاء به وفيه إسناد الوحي إلى قول الملك ولا معارضة بينه وبين قوله تعالى حكاية عمن قال من الكفار إن هذا الا قول البشر لأنهم كانوا ينكرون الوحي وينكرون مجئ الملك به قوله يتمثل لي الملك رجلا التمثل مشتق من المثل أي يتصور واللام في الملك للعهد وهو جبريل وقد وقع التصريح به في رواية بن سعد المقدم ذكرها وفيه دليل على أن الملك يتشكل بشكل البشر قال المتكلمون الملائكة اجسام علويه لطيفة ولأنثى أي شكل أرادوا وزعم بعض الفلاسفة أنها جواهر روحانية ورجلا منصوب بالمصدرية أي يتمثل مثل رجل أو بالتمييز أو بالحال والتقدير هيئة رجل قال إمام الحرمين تمثل جبريل معناه أن الله أفنى الزائد من خلقه أو أزاله عنه ثم يعيده إليه بعد وجزم بن عبد السلام بالازالة دون الفناء وقرر ذلك بأنه لا يلزم أن يكون انتقالها موجبا لموته بل يجوز أن يبقى الجسد حيا لأن موت الجسد بمفارقة الروح ليس بواجب عقلا بل بعادة أجراها الله تعالى في بعض خلقه ونظيره انتقال أرواح الشهداء إلى اجواف طيور خضر تسرح في الجنة وقال شيخنا شيخ الإسلام ما ذكره إمام الحرمين لا ينحصر الحال فيه بل يجوز أن يكون الاتي هو جبريل بشكله الاصلي إلا أنه انضم فصار على قدر هيئة الرجل وإذا ترك ذلك عاد إلى هيئته ومثال ذلك القطن إذا جمع بعد أن كان منتفشا فأنه بالنفش يحصل له صورة كبيرة وذاته لم تتغير وهذا على سبيل التقريب والحق أن تمثل الملك رجلا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلا بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه والظاهر أيضا أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط والله أعلم قوله فيكلمني كذا للأكثر ووقع في رواية البيهقي من طريق القعنبي عن مالك فيعلمني بالعين بدل الكاف والظاهر أنه تصحيف فقد وقع في الموطأ رواية القعنبي بالكاف وكذا للدارقطني في حديث مالك من طريق القعنبي وغيره قوله فأعي ما يقول زاد أبو عوانة في صحيحه وهو أهونه على وقد وقع التغاير في الحالتين حيث قال في الأول وقد وعيت بلفظ الماضي وهنا فأعي بلفظ الاستقبال لأن الوعي حصل في الأول قبل الفصم وفي الثاني حصل حال المكالمة أو أنه كان في الأول قد تلبس بالصفات الملكية فإذا عاد إلى حالته الجبلية كان حافظا لما قيل له فعبر عن بالماضي بخلاف الثاني فأنه على حاله المعهودة قوله قالت عائشة هو بالإسناد الذي قبله وأن كان بغير حرف العطف كما يستعمل المصنف وغيره كثيرا وحيث يريد التعليق يأتي بحرف العطف وقد أخرجه الدار قطني في حديث مالك من طريق عتيق بن يعقوب عن مالك مفصولا عن الحديث الأول وكذا فصلهما مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام ونكتة هذا الاقتطاع هنا اختلاف التحمل لأنها في الأول أخبرت عن مسألة الحارث وفي الثاني أخبرت عما شاهدت تأييدا للخبر الأول قوله ليتفصد بالفاء وتشديد المهملة مأخوذ من الفصد وهو قطع العرق لإسالة الدم العطار جبينه بالعرق المفصود مبالغة في كثرة العرق وفي قولها في اليوم الشديد البرد دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي لما فيه من مخالفة العاده وهو كثرة العرق في شدة البرد فإنه يشعر بوجود أمر طارئ زائد على الطباع البشرية وقوله عرقا بالنصب على التمييز زاد بن أبي الزناد عن هشام بهذا
[ 21 ]
الإسناد عند البيهقي في الدلائل وإن كان ليوحى إليه وهو على ناقته فيضرب حزامها من ثقل ما يوحى إليه تنبيه حكى العسكري في التصحيف عن بعض شيوخه أنه قرأ ليتقصد بالقاف ثم قال العسكري إن ثبت فهو من قولهم تقصد الشئ إذا تكسر وتقطع ولا يخفى بعده انتهى وقد وقع في هذا التصحيف أبو الفضل بن طاهر فرده عليه المؤتمن الساجي بالفاء قال فأصر على القاف وذكر الذهبي في ترجمة بن طاهر عن بن ناصر أنه رد على بن طاهر لما قرأها بالقاف قال فكابرني قلت ولعل بن طاهر وجهها بما أشار إليه العسكري والله أعلم وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم أن السؤال عن الكيفية لطلب الطمأنينة لا يقدح في اليقين وجواز السؤال عن أحوال الأنبياء من الوحي وغيره وأن المسئول عنه إذا كان ذا أقسام يذكر المجيب في أول جوابه ما يقتضى التفصيل والله أعلم الحديث الثالث قوله حدثنا يحيى بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير نسبه إلى جده لشهرته بذلك وهو من كبار حفاظ المصريين وأثبت الناس في الليث بن سعد الفهمي فقيه المصريين وعقيل بالضم على التصغير وهو من أثبت الرواة عن بن شهاب وهو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة الفقيه نسب إلى جد جده لشهرته الزهري نسب إلى جده الأعلى زهرة بن كلاب وهو من رهط آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم اتفقوا على إتقانه وإمامته قوله من الوحي يحتمل أن تكون من تبعيضية أي من أقسام الوحي ويحتمل أن تكون بيانية ورجحه القزاز والرؤيا الصالحة وقع في رواية معمر ويونس عند المصنف في التفسير الصادقه وهي التي ليس فيها ضغث وبدئ بذلك ليكون تمهيدا وتوطئة لليقظة ثم مهد له في اليقظة أيضا رؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر قوله في النوم لزيادة الإيضاح أو ليخرج رؤيا العين في اليقظة لجواز إطلاقها مجازا قوله مثل فلق الصبح بنصب مثل على الحال أي مشبهة ضياء الصبح أو على أنه صفة لمحذوف أي جاءت مجيئا مثل فلق الصبح والمراد بفلق الصبح ضياؤه وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه قوله حبب لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك وأن كان كل من عند الله أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر أو يكون ذلك من وحي الإلهام والخلاء بالمد الخلوة والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له وحراء بالمد وكسر أوله كذا في الرواية وهو صحيح وفي رواية الأصيلي بالفتح والقصر وقد حكى أيضا وحكى فيه غير ذلك جوازا لا رواية هو جبل معروف بمكة والغار نقب في الجبل وجمعه غيران قوله فيتحنث هي بمعنى يتحنف أي يتبع الحنيفية وهي دين إبراهيم والفاء تبدل ثاء في كثير من كلامهم وقد وقع في رواية بن هشام في السيرة يتحنف بالفاء أو التحنث إلقاء الحنث وهو الإثم كما قيل يتأثم ويتحرج ونحوهما قوله وهو التعبد هذا مدرج في الخبر وهو من تفسير الزهري كما جزم به الطيبي ولم يذكر دليله نعم في رواية المؤلف من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الادراج قوله الليالي ذوات العدد يتعلق بقوله يتحنث وإبهام العدد لاختلافه كذا قيل وهو بالنسبة إلى المدد التي يتخللها مجيئه إلى أهله وإلا فأصل الخلوة قد عرفت مدتها وهي شهر وذلك الشهر كان رمضان رواه بن إسحاق والليالي منصوبة على الظرف وذوات منصوبة أيضا وعلامة النصب فيه كسر التاء وينزع بكسر الزاي أي يرجع وزنا ومعنى ورواه المؤلف بلفظه في التفسير قوله لمثلها أي الليالي والتزود استصحاب الزاد
[ 22 ]
ويتزود معطوف على يتحنث وخديجة هي أم المؤمنين بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي تأتي اخبارها في مناقبها قوله حتى جاءه الحق أي الأمر الحق وفي التفسير حتى فجئه الحق بكسر الجيم أي بغته وإن ثبت من مرسل عبيد بن عمير أنه أوحى إليه بذلك في المنام أو لا قبل اليقظة أمكن أن يكون مجئ الملك في اليقظة عقب ما تقدم في المنام وسمي حقا لأنه وحي من الله تعالى وقد وقع في رواية أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول شأنه يرى في المنام وكان أول ما رأى جبريل بأجياد صرخ جبريل يا محمد فنظر يمينا وشمالا فلم ير شيئا فرفع بصره فإذا هو على أفق السماء فقال يا محمد جبريل جبريل فهرب فدخل في الناس فلم ير شيئا ثم خرج عنهم فناداه فهرب ثم استعلن له جبريل من قبل حراء فذكر قصة اقرائه اقرأ باسم ربك ورأى حينئذ جبريل له جناحان من ياقوت يختطفان البصر وهذا من رواية بن لهيعة عن أبي الأسود وابن لهيعة ضعيف وقد ثبت في صحيح مسلم من وجه آخر عن عائشة مرفوعا لم أره يعني جبريل على صورته التي خلق عليها الا مرتين وبين أحمد في حديث بن مسعود أن الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خلق عليها والثانية عند المعراج وللترمذي من طريق مسروق عن عائشة لم ير محمد جبريل في صورته إلا مرتين مرة عند سدرة المنتهى ومرة في أجياد وهذا يقوي رواية بن لهيعة وتكون هذه المرة غير المرتين المذكورتين وإنما لم يضمها إليهما لاحتمال أن لا يكون رآه فيها على تمام صورته والعلم عند الله ووقع في السيرة التي جمعها سليمان التيمي فرواها محمد بن عبد الأعلى عن ولده معتمر بن سليمان عن أبيه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في حراء وأقرأه أقرأ باسم ربك ثم انصرف فبقي مترددا فأتاه من أمامه في صورته فرأى أمرا عظيما قوله فجاءه هذه الفاء تسمى التفسيرية وليست أحرقتها لأن مجئ الملك ليس بعد مجئ الوحي حتى تعقب به بل هو نفسه ولا يلزم من هذا التقرير أن يكون من باب تفسير الشئ بنفسه بل التفسير عين المفسر به من جهة الإجمال وغيره من جهة التفصيل قوله ما أنا بقارئ ثلاثا ما نافية إذ لو كانت استفهامية لم يصلح دخول الباء وأن حكى عن الأخفش جوازه فهو شاذ والباء زائدة لتأكيد النفي أي ما أحسن القراءة فلما قال ذلك ثلاثا قيل له أقرأ بأسم ربك أي لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك لكن يحول ربك وإعانته فهو يعلمك كما خلقك وكما نزع عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر بعدم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية ذكره السهيلي وقال غيره أن هذا التركيب وهو قوله ما أنا بقارئ يفيد الاختصاص ورده الطيبي بأنه إنما يفيد التقوية والتأكيد والتقدير لست بقارئ البتة فإن قيل لم كرر ذلك ثلاثا أجاب أبو شامة بأن يحمل قوله أو لا ما أنا بقارئ على الامتناع وثانيا على الأخبار بالنفي المحض وثالثا على الاستفهام ويؤيده أن في رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة أنه قال كيف أقرأ وفي رواية عبيد بن عمير عن بن إسحاق ماذا اقرأ وفي مرسل الزهري في دلائل البيهقي كيف أقرأ وكل ذلك يؤيد أنها استفهامية والله أعلم قوله فغطنى بغين غدا وطاء الركعة وفي رواية الطبري بتاء مثناة من فوق كأنه أراد ضمنى وعصرني والغط حبس النفس ومنه غطة في الماء أو أراد عمني ومنه الخنق ولأبي داود الطيالسي في مسنده بسند حسن فأخذ بحلقى قوله حتى بلغ من الجهد روى بالفتح والنصب أي بلغ الغط مني غاية وسعى وروى
[ 23 ]
بالضم والرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه وقوله أرسلني أي أطلقني ولم يذكر الجهد هنا في المرة الثالثة وهو ثابت عند المؤلف في التفسير قوله فرجع بها أي بالآيات أو بالقصة قوله فزملوه أي لفوه والروع بالفتح الفزع قوله لقد خشيت على نفسي دل هذا مع قوله يرجف فؤاده على انفعال حصل له من مجئ الملك ومن ثم قال زملوني والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها على اثني عشر قولا أولها الجنون وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة جاء مصرحا به في عدة طرق وأبطله أبو بكر بن العربي وحق له أن يبطل لكن حمله الاسماعيلي على أن ذلك حصل له قبل حصول العلم الضرورى له أن الذي جاءه ملك وأنه من عند الله تعالى ثانيها الهاجس وهو باطل أيضا لأنه لا يستقر وهذا استقر وحصلت بينهما المراجعة ثالثها الموت من شدة الرعب رابعها المرض وقد جزم به بن أبي جمرة خامسها دوام المرض سادسها العجز عن حمل اعباء النبوة سابعها العجز عن النظر إلى الملك من الرعب ثامنها عدم الصبر على أذى قومه تاسعها أن يقتلوه عاشرها مفارقة الوطن حادى عشرها تكذيبهم إياه ثاني عشرها تعييرهم إياه وأولى هذه الأقوال بالصواب وأسلمها من الارتياب الثالث واللذان بعده وما عداها فهو معترض والله الموفق قوله فقالت خديجة كلا معناها النفي والأبعاد ويحزنك بفتح أوله والحاء المهملة والزاي المضمومة والنون من الحزن ولغير أبي ذر بضم أوله والخاء المعجمة والزاي المكسورة ثم الياء الساكنة من الخزى ثم استدلت على ما أقسمت عليه من نفى ذلك أبدا بأمر استقرائي وصفته بأصول مكارم الأخلاق لأن الإحسان إما إلى الاقارب أو إلى الاجانب وإما بالبدن أو بالمال وإما على من يستقل بأمره أو من لا يستقل وذلك كله مجموع فيما وصفته به والكل بفتح الكاف هو من لا يستقل بأمره كما قال الله تعالى وهو كل على مولاه وقوله وقولها وتكسب المعدوم في رواية الكشميهني وتكسب بضم أوله وعليها قال الخطابي الصواب المعدم بلا واو أي الفقير لأن المعدوم لا يكسب قلت ولا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لكونه كالمعدوم الميت الذي لاتصرف له والكسب هو الاستفادة فكأنها قالت إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودا رغبت أنت أن تستفيد رجلا عاجزا فتعاونه وقال قاسم بن ثابت في الدلائل قوله يكسب معناه ما يعدمه غيره ويعجز عنه يصيبه هو ويكسبه قال أعرابي يمدح إنسانا كان أكسبهم لمعدوم واعطاهم لمحروم وأنشد في وصف ذئب كسوب كذا المعدوم من كسب واحد أي مما يكسبه وحده انتهى ولغير الكشميهني وتكسب بفتح أوله قال عياض وهذه الرواية أصح قلت قد وجهنا الأولى وهذه الراجحة ومعناها تعطى الناس ما لا يجدونه عند غيرك فحذف أحد المفعولين ويقال كسبت الرجل مالا وأكسبته بمعنى وقيل معناه تكسب المال المعدوم وتصيب منه مالا يصيب غيرك وكانت العرب تتمادح بكسب المال لا سيما قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة محظوظا في التجارة وإنما يصح هذا المعنى إذا ضم إليه ما يليق به من أنه كان مع إفادته للمال يجود به في الوجوه التي ذكرت في المكرمات وقولها وتعين على نوائب الحق كلمة جامعة لافراد ما تقدم ولما لم يتقدم وفي رواية المصنف في التفسير من طريق يونس عن الزهري من الزيادة وتصديق الحديث وهي من أشرف الخصال وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذه
[ 24 ]
القصة وتؤدي الأمانة وفي هذه القصة من الفوائد استحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه وتهوينه لديه وأن من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه قوله فانطلقت به أي مضت معه فالباء للمصاحبة وورقة بفتح الراء وقوله بن عم خديجة هو بنصب بن ويكتب بالألف وهو بدل من ورقة أو صفة أو بيان ولا يجوز جره فأنه يصير صفة لعبد العزي وليس كذلك ولا كتبه بغير ألف لأنه لم يقع بين علمين قوله تنصر أي صار نصرانيا وكان قد خرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصر وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل ولهذا أخبر بشأن النبي صلى الله عليه وسلم والبشارة به إلى غير ذلك مما أفسده أهل التبديل وأما زيد بن عمرو فسيأتي خبره في المناقب إن شاء الله تعالى قوله فكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية وفي رواية يونس ومعمر ويكتب من الإنجيل بالعربية ولمسلم فكان يكتب الكتاب العربي والجميع صحيح لأن ورقة تعلم اللسان العبراني والكتابة العبرانية فكان يكتب الكتاب العبراني كما كان يكتب الكتاب العربي لتمكنه من الكتابين واللسانين ووقع لبعض الشراح هنا خبط فلا يعرج عليه وإنما وصفته بكتابة الإنجيل دون حفظه لأن حفظ التوراة والإنجيل لم يكن متيسرا كتيسر حفظ القرآن الذي خصت به هذه الأمة فلهذا جاء في صفتها أناجيلها صدورها قولها يا بن عم هذا النداء على حقيقته ووقع في مسلم يا عم وهو وهم لأنه وأن كان صحيحا لجواز إرادة التوقير لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين فتعين الحمل على الحقيقة وإنما جوزنا ذلك فيما مضى في العبراني والعربي لأنه من كلام الراوي في وصف ورقة واختلفت المخارج فأمكن التعداد وهذا الحكم بطرد في جميع ما أشبهه وقالت في حق النبي صلى الله عليه وسلم أسمع من بن أخيك لأن والده عبد الله بن عبد المطلب وورقة في عدد النسب إلى قصي بن كلاب الذي يجتمعان فيه سواء فكان من هذه الحيثية في درجة إخوته أو قالته على سبيل التوقير لسنه وفيه إرشاد إلى أن صاحب الحاجة يقدم بين يديه من يعرف بقدره ممن يكون أقرب منه إلى المسئول وذلك مستفاد من قول خديجة لورقة أسمع من بن أخيك أرادت بذلك أن يتأهب لسماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أبلغ في التعليم قوله ماذا ترى فيه حذف يدل عليه سياق الكلام وقد صرح به في دلائل النبوة لأبي نعيم بسند حسن إلى عبد الله بن شداد في هذه القصة قال فأتت به ورقة بن عمها فأخبرته بالذي رأى قوله هذا الناموس الذي نزل الله على موسى والكشميهني انزل الله وفي التفسير أنزل على البناء للمفعول وأشار بقوله هذا إلى الملك الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في خبره ونزله منزلة القريب لقرب ذكره والناموس صاحب السر كما جزم به المؤلف في أحاديث الأنبياء وزعم بن ظفر أن الناموس صاحب سر الحيز والجاسوس صاحب سر الشر والأول الصحيح الذي عليه الجمهور وقد سوى بينهما رؤبة بن العجاج أحد فصحاء العرب والمراد بالناموس هنا جبريل عليه السلام وقوله على موسى ولم يقل على عيسى مع كونه نصرانيا لأن كتاب موسى عليه السلام مشتمل على أكثر الأحكام بخلاف عيسى وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو لأن موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه بخلاف عيسى كذلك وقعت النقمة على يد النبي صلى الله عليه
[ 25 ]
وسلم بفرعون هذه الأمة وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر أو قاله تحقيقا للرسالة لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتاب بخلاف عيسى فإن كثيرا من اليهود ينكرون نبوته وأما ما تمحل له السهيلي من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى ودعواهم أنه أحد الاقانيم فهو محال لا يعرج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في التبديل ولم يأخذ عمن بدل على أنه قد ورد عند الزبير بن بكار من طريق عبد الله بن معاذ الزهري في هذه القصة أن ورقة قال ناموس عيسى والأصح ما تقدم وعبد الله بن معاذ ضعيف نعم في دلائل النبوة لأبي نعيم بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن ابيه في هذه القصة أن خديجة أولا أتت بن عمها ورقة فأخبرته الخبر فقال أداء كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبناءهم فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة ناموس عيسى وتارة ناموس موسى فعند أخبار خديجة له بالقصة قال لها ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية وعند أخبار النبي صلى الله عليه وسلم له قال له ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها وكل صحيح والله سبحانه وتعالى أعلم قوله يا ليتني فيها جذع كذا في رواية الأصيلي وعند الباقين يا ليتني فيها جذعا بالنصب على أنه خبر كان المقدرة قاله الخطابي وهو مذهب الكوفيين في قوله تعالى انتهوا خيرا لكم وقال بن برى التقدير يا ليتني جعلت فيه جذعا وقيل النصب على الحال إذا جعلت فيها خبر ليت والعامل في الحال ما يتعلق به الخبر من معنى الاستقرار قاله السهيلي وضمير فيها يعود على أيام الدعوة والجذع بفتح الجيم والذال المعجمة هو الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا ليكون أمكن لنصره وبهذا يتبين سر وصفه بكونه كان كبيرا أعمى قوله إذ يخرجك قال بن مالك فيه استعمال إذ في المستقبل كاذا وهو صحيح وغفل عنه أكثر النحاة وهو كقوله تعالى وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر هكذا ذكره بن مالك وأقره عليه غير واحد وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام بأن النحاة لم يغفلوه بل منعوا وروده وأولوا ما ظاهره ذلك وقالوا في مثل هذا استعمل الصيغة الدالة على المضى لتحقق وقوعه فأنزلوه منزلته ويقوى ذلك هنا أن في رواية البخاري في التعبير حين يخرجك قومك وعند التحقيق ما ادعاه بن مالك فيه ارتكاب مجاز وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز ومجازهم أولى لما ينبنى عليه من أن إيقاع المستقبل في صورة المضى تحقيقا لوقوعه أو استحضارا للصورة الآتية في هذه دون تلك مع الجوزي في أفصح الكلام وكأنه أراد بمنع الورود ورودا محمولا على حقيقة الحال لا على تأويل الاستقبال وفيه دليل على جواز تمنى المستحيل إذا كان في فعل خير لأن ورقة تمنى أن يعود شابا وهو مستحيل عادة ويظهر لي أن التمنى ليس مقصودا على بابه بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبره به والتنويه بقوة تصديقه فيما يجئ به قوله أو مخرجي هم بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها جمع مخرج فهم مبتدأ مؤخر ومخرجي خبر مقدم قاله بن مالك واستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوه لأنه لم يكن فيه سبب يقتضى الإخراج لما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق التي تقدم من خديجة وصفها وقد استدل بن الدغنة بمثل تلك الأوصاف على أن أبا بكر لا يخرج قوله إلا عودي وفي رواية يونس في التفسير إلا أوذي فذكر ورقة أن العلة في ذلك مجيئه له بالانتقال عن مألوفهم ولأنه علم من الكتب أنهم لا يجيبونه إلى ذلك وأنه يلزمه لذلك منابذتهم ومعاندتهم
[ 26 ]
فتنشأ العداوة من ثم وفيه دليل على أن المجيب يقيم الدليل على ما يجيب به إذا اقتضاه قوله إن يدركني يومك إن شرطية والذي بعدها مجزوم زاد في رواية يونس في التفسير حيا ولابن إسحاق أن أدركت ذلك اليوم يعني يوم الإخراج قوله مؤزرا بهمزة أي قويا مأخوذ من الأزر وهو القوة وأنكر القزاز أن يكون في اللغة مؤزر من الازر وقال أبو شامة يحتمل أن يكون من الإزار أشار بذلك إلى تشميره في نصرته قال الأخطل قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم البيت قوله ثم لم ينشب بفتح الشين المعجمة أي لم يلبث وأصل النشوب التعلق أي لم يتعلق بشئ من الأمور حتى مات وهذا بخلاف ما في السيرة لابن إسحاق أن ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب وذلك يقتضى أنه تأخر إلى زمن الدعوة وإلى أن دخل بعض الناس في الإسلام فإن تمسكنا بالترجيح فما في الصحيح أصح وأن لحظنا الجمع أمكن أن يقال الواو في قوله وفتر الوحي ليست للترتيب فلعل الراوي لم يحفظ لورقة ذكرا بعد ذلك في أمر من الأمور فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى علمه لا إلى ما هو الواقع وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع وليحصل له التشوف إلى العود فقد روى المؤلف في التعبير من طريق معمر ما يدل على ذلك فائده وقع في تاريخ أحمد بن حنبل عن الشعبي أن مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين وبه جزم بن إسحاق وحكى البيهقي أن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو ربيع الأول بعد إكماله أربعين سنة وابتداء وحي اليقظة وقع في رمضان وليس المراد بفترة الوحي المقدرة بثلاث سنين وهي ما بين نزول أقرأ ويا أيها المدثر عدم مجئ جبريل إليه بل تأخر نزول القرآن فقط ثم راجعت المنقول عن الشعبي من تاريخ الإمام أحمد ولفظه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي أنزلت عليه النبوة وهو بن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشئ ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة وأخرجه بن أبي خيثمة من وجه آخر مختصرا عن داود بلفظ بعث لأربعين ووكل به اسرافيل ثلاث سنين ثم وكل به جبريل فعلى هذا فيحسن بهذا المرسل أن ثبت الجمع بين القولين في قدر إقامته بمكة بعد البعثة فقد قيل ثلاث عشرة وقيل عشر وأنكر الواقدي هذه الرواية المرسلة وقال لم يقرن به من الملائكة الا جبريل انتهى ولا يخفى ما فيه فإن المثبت مقدم على النافي إلا أن صحب النافي دليل نفيه فيقدم والله أعلم وأخذ السهيلي هذه الرواية فجمع بها المختلف في مكثه صلى الله عليه وسلم بمكة فإنه قال جاء في بعض الروايات المسندة أن مدة الفتره سنتان ونصف وفي رواية أخرى أن مدة الرؤيا ستة أشهر فمن قال مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة ومن قال ثلاث عشرة الحروث وهذا الذي اعتمده السهيلي من الاحتجاج بمرسل الشعبي لا يثبت وقد عارضه ما جاء عن بن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أياما وسيأتي مزيد لذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى قوله قال بن شهاب وأخبرني أبو سلمة إنما أتى بحرف العطف ليعلم أنه معطوف على ما سبق كأنه قال أخبرنا عروة بكذا وأخبرني أبو سلمة بكذا وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف وأخطأ من زعم أن هذا معلق وإن كانت صورته صورة التعليق ولو لم يكن في ذلك
[ 27 ]
إلا ثبوت الواو العاطفة فأنها دالة على تقدم شئ عطفته وقد تقدم قوله عن بن شهاب عن عروة فساق الحديث إلى آخره ثم قال قال بن شهاب أي بالسند المذكور وأخبرني أبو سلمة بخبر آخر وهو كذا ودل قوله عن فترة الوحي وقوله الملك الذي جاءني بحراء على تأخر نزول سورة المدثر عن أقرأ ولما خلت رواية يحيى بن أبي كثير الآتية في التفسير عن أبي سلمة عن جابر عن هاتين الجملتين أشكل الأمر فجزم من جزم بأن يا أيها المدثر أول ما نزل ورواية الزهري هذه الصحيحة ترفع هذا الاشكال وسياق بسط القول في ذلك في تفسير سورة أقرأ قوله فرعبت منه بضم الراء وكسر العين وللأصيلي بفتح الراء وضم العين أي فزعت دل على بقية بقيت معه من الفزع الأول ثم زالت بالتدريج قوله فقلت زملوني زملوني وفي رواية الأصيلي وكريمة زملوني مرة واحدة وفي رواية يونس في التفسير فقلت دثروني فنزلت يا أيها المدثر قم فأنذر أي حذر من العذاب من لم يؤمن بك وربك فكبر أي عظم وثيابك فطهر أي من النجاسة وقيل الثياب النفس وتطهيرها اجتناب النقائص والرجز هنا الأوثان كما سيأتي من تفسير الراوي عند المؤلف في التفسير والرجز في اللغة العذاب وسمي الأوثان هنا رجز لأنها سببه قوله فحمى الوحي أي جاء كثيرا وفيه مطابقة لتعبيره عن تأخره بالفتور إذ لم ينته إلى انقطاع كلي فيوصف بالضد وهو البرد قوله وتتابع تأكيد معنوي ويحتمل أن يراد بحمى قوي وتتابع تكاثر وقد وقع في رواية الكشميهني وأبي الوقت وتواتر والتواتر مجئ الشئ يتلو بعضه بعضا من غير تخلل تنبيه خرج المصنف بالإسناد في التاريخ حديث الباب عن عائشة ثم عن جابر بالإسناد المذكور هنا فزاد فيه بعد قوله تتابع قال عروة يعني بالسند المذكور إليه وماتت خديجة قبل أن تفرض الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت لخديجة بيتا من قصب لا صخب فيه ولا نصب قال البخاري يعني قصب اللؤلؤ قلت وسيأتي مزيد لهذا في مناقب خديجة إن شاء الله تعالى قوله تابعه الضمير يعود على يحيى بن بكير ومتابعة عبد الله بن يوسف عن الليث هذه عند المؤلف في قصة موسى وفيه من اللطائف قوله عن الزهري سمعت عروة قوله وأبو صالح هو عبد الله بن صالح غالبا الليث وقد أكثر البخاري عنه من المعلقات وعلق عن الليث جملة كثيرة من أفراد أبي صالح عنه ورواية عبد الله بن صالح عن الليث لهذا االحديث أخرجها يعقوب بن سفيان في تاريخه عنه مقرونا بيحيى بن بكير ووهم من زعم كالدمياطي أنه أبو صالح عبد الغفار بن داود الحراني فإنه لم يذكر من أسنده عن عبد الغفار وقد وجد في مسنده عن غالبا الليث قوله وتابعه هلال بن رداد بدالين مهملتين الأولى مثقلة وحديثه في الزهريات للذهلى قوله وقال يونس يعني بن يزيد الأيلي ومعمر هو بن راشد بوادره يعني أن يونس ومعمرا رويا هذا الحديث عن الزهري فوافقا عقيلا عليه الا إنهما قالا بدل قوله يرجف فؤاده ترجف بوادره والبوادر جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع الإنسان فالروايتان مستويتان في أصل المعنى لأن كلا منهما دال على الفزع وقد بينا ما في رواية يونس ومعمر من المخالفة لرواية عقيل غير هذا في أثناء السياق والله الموفق وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في تفسير سورة أقرأ باسم ربك إن شاء الله تعالى قوله حدثنا موسى بن إسماعيل هو أبو سلمة التبوذكي وكان من حفاظ المصريين قوله حدثنا أبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله
[ 28 ]
اليشكري مولاهم البصري كان كتابه في غاية الإتقان وموسى بن أبي عائشة لا يعرف اسم أبيه وقد تابعه على بعضه عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير قوله كان مما يعالج المعالجة محاولة الشئ بمشقة أي كان العلاج ناشئا من تحريك الشفتين أي مبدأ العلاج منه أو ما موصوله وأطلقت على من يعقل مجازا هكذا قرره الكرماني وفيه نظر لأن الشدة حاصلة له قبل التحرك والصواب ما قاله ثابت السرقسطي أن المراد كان كثيرا ما يفعل ذلك وورودهما في هذا كثير ومنه حديث الرؤيا كان مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا ومنه قول الشاعر وأنا لمما نضرب الكبش ضربة على وجهه يلقى اللسان من الفم قلت ويؤيده أن رواية المصنف في التفسير من طريق جرير عن موسى بن أبي عائشة ولفظها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي فكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فأتى بهذا اللفظ مجردا عن تقدم العلاج الذي قدره الكرماني فظهر ما قال ثابت ووجه ما قال غيره إن من إذا وقع بعدها ما كانت بمعنى ربما وهي تطلق على القليل والكثير وفي كلام سيبويه مواضع من هذا منها قوله أعلم أهم مما يحذفون كذا والله أعلم ومنه حديث البراء كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم مما نحب أن نكون عن يمينه الحديث ومن حديث سمرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا قوله فقال بن عباس فأنا احركهما جملة معترضة بالفاء وفائدة هذا زيادة البيان في الوصف على القول وعبر في الأول بقوله كان يحركهما وفي الثاني برأيت لأن بن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لأن سورة القيامة مكية باتفاق بل الظاهر أن نزول هذه الآيات كان في أول الأمر وإلى هذا جنح البخاري في إيراده هذا الحديث في بدء الوحي ولم يكن بن عباس إذ ذاك ولد لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين لكن يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك بعد أو بعض الصحابة أخبره أنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم والأول هو الصواب فقد ثبت ذلك صريحا في مسند أبي داود الطيالسي قال حدثنا أبو عوانة بسنده وأما سعيد بن جبير فرأى ذلك من بن عباس بلا نزاع قوله فحرك شفتيه وقوله فأنزل الله لا تحرك به لسانك لا تنافى بينهما لأن تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلا اللسان يلزم منه تحريك اللسان أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه لأنه الأصل في النطق إذ الأصل حركة الفم وكل من الحركتين ناشئ عن ذلك وقد مضى أن في رواية جرير في التفسير يحرك به لسانه وشفتيه فجمع بينهما وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ لئلا ينفلت منه شئ قاله الحسن وغيره ووقع في رواية للترمذي يحرك به لسانه يريد أن يحفظه وللنسائي يعجل بقراءته ليحفظه ولابن أبي حاتم يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره وفي رواية الطبري يتبعونه عن الشعبي عجل يتكلم به من حبه إياه وكلا الأمرين مراد ولا تنافى بين محبته إياه والشدة التي تلحقه في ذلك فأمر بأن ينصت حتى يقضي إليه وحيه ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره ونحوه قوله تعالى ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه أي بالقراءة قوله جمعه لك صدرك كذا في أكثر الروايات وفيه إسناد الجمع إلى الصدر بالمجاز كقوله أنبت الربيع البقل أي أنبت الله في الربيع البقل واللام في لك للتبيين
[ 29 ]
أو للتعليل وفي رواية كريمة والحموي جمعه لك في صدرك وهو توضيح للأول وهذا من تفسير بن عباس وقال في تفسير فاتبع أي فاستمع وأنصت وفي تفسير بيانه أي علينا أن تقرأه ويحتمل أن يراد بالبيان بيان مجملاته وتوضيح مشكلاته فيستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب كما هو الصحيح في الأصول والكلام في تفسير الآيات المذكورة أخرته إلى كتاب التفسير فهو موضعه والله أعلم قوله حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان المروزي أخبرنا عبد الله هو بن المبارك أخبرنا يونس هو بن يزيد الأبلي قوله أخبرنا يونس ومعمر نحوه أي أن عبد الله بن المبارك حدث به عبدان عن يونس وحده وحدث به بشر بن محمد عن يونس ومعمر معا أما باللفظ فعن يونس وأما بالمعنى فعن معمر قوله عبيد الله هو بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الآتي في الحديث الذي بعده قوله أجود الناس بنصب أجود لأنها خبر كان ربع بن عباس هذه الجملة على ما بعدها وإن كانت لا تتعلق بالقرآن على سبيل الاحتراس من مفهوم ما بعدها ومعنى أجود الناس أكثر الناس جودا والجود الكرم وهو من الصفات المحمودة وقد أخرج الترمذي من حديث سعد رفعه إن الله جواد يحب الجود الحديث وله في حديث أنس رفعه أنا أجود ولد آدم وأجودهم بعدي رجل علم علما فنشر علمه ورجل جاد بنفسه في سبيل الله وفي سنده مقال وسيأتي في الصحيح من وجه آخر عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأجود الناس الحديث قوله وكان أجود ما يكون هو برفع أجود هكذا في أكثر الروايات وأجود أسم كان وخبره محذوف وهو نحو أخطب ما يكون الأمير في يوم الجمعة أو هو مرفوع على أنه مبتدأ مضاف إلى المصدر وهو ما يكون وما مصدرية وخبره في رمضان والتقدير أجود اكوان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وإلى هذا جنح البخاري في تبويبه في كتاب الصيام إذ قال باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان وفي رواية الأصيلي أجود بالنصب على أنه خبر كان وتعقب بأنه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها وأجيب بجعل اسم كان ضمير النبي صلى الله عليه وسلم وأجود خبرها والتقدير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة كونه في رمضان أجود منه في غيره قال النووي الرفع أشهر والنصب جائز وذكر أنه سأل بن مالك عنه فخرج الرفع من ثلاثة أوجه والنصب من وجهين وذكر بن الحاجب في اماليه للرفع خمسة أوجه توارد مع بن مالك منها في وجهين وزاد ثلاثة ولم يعرج على النصب قلت ويرجح الرفع وروده بدون كان عند المؤلف في الصوم قوله فيدارسه القرآن قيل الحكمة فيه أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس والغنى سبب الجود والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة وأيضا فرمضان موسم الخيرات لأن نعم الله على عباده فيه زائدة على غيره فكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر متابعة سنة الله في عباده فبمجموع ما ذكر من الوقت والمنزول به والنازل والمذاكرة حصل المزيد في الجود والعلم عن الله تعالى قوله فلرسول الله صلى الله عليه وسلم الفاء للسببيه واللام للابتداء وزيدت على المبتدأ تأكيدا أو هي جواب قسم مقدر والمرسلة أي المطلقة يعني أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة وإلى عموم النفع بجودة كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه ووقع عند أحمد في آخر هذا الحديث لا يسأل شيئا إلا أعطاه وثبتت هذه الزيادة في الصحيح من حديث
[ 30 ]
جابر ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقال لا وقال النووي في الحديث فوائد منها الحث على الجود في كل وقت ومنها الزيادة في رمضان وعند الاجتماع بأهل الصلاح وفيه زيارة الصلحاء وأهل الخير وتكرار ذلك إذا كان المزور لا يكرهه واستحباب الأكثار من القراءة في رمضان وكونها أفضل من سائر الأذكار إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويا لفعلا فإن قيل المقصود تجويد الحفظ قلنا الحفظ كان حاصلا والزيادة فيه تحصل ببعض المجالس وأنه يجوز أن يقال رمضان من غير إضافة وغير ذلك مما يظهر بالتأمل قلت وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت من حديث بن عباس فكان جبريل يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين كما ثبت في الصحيح عن فاطمة رضي الله عنها وبهذا يجاب من سأل عن مناسبة إيراد هذا الحديث في هذا الباب والله أعلم بالصواب قوله قال حدثنا أبو وابنه في رواية الأصيلي وكريمة حدثنا الحكم بن نافع وهو هو أخبرنا شعيب ه هو بن أبي حمزة دينار الحمصي وهو من أثبات أصحاب الزهري قوله أن أبا سفيان هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف قوله هرقل هو ملك الروم وهرقل اسمه وهو بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف ولقبه قيصر كما يلقب ملك الفرس كسرى ونحوه قوله في ركب جمع راكب كصحب المنكر وهم أولو الإبل العشرة فما فوقها والمعنى أرسل إلى أبي سفيان حال كونه في جملة الركب وذاك لأنه كان كبيرهم فلهذا خصه وكان عدد الركب ثلاثين رجلا رواه الحاكم في الإكليل ولابن السكن نحو من عشرين وسمي منهم المغيرة بن شعبة في مصنف بن أبي شيبة بسند مرسل وفيه نظر لأنه كان إذ ذاك مسلما ويحتمل أن يكون رجع حينئذ إلى قيصر ثم قدم المدينة مسلما وقد ذكره أيضا في أثر آخر في كتاب السير لأبي إسحاق ها وكتاب الأموال لأبي عبيد من طريق سعيد بن المسيب كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر الحديث وفيه فلما قرأ قيصر الكتاب قال هذا كتاب لم أسمع بمثله ودعا أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة وكان تاجرين هناك فسأل عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وكانوا تجارا بضم التاء وتشديد الجيم أو كسرها والتخفيف جمع تاجر قوله في المدة يعني مدة الصلح بالحديبية وسيأتي شرحها في المغازي وكانت في سنة ست وكانت مدتها عشر سنين كما في السيرة وأخرجه أبو داود من حديث بن عمر ولأبي نعيم في مسند عبد الله بن دينار كانت أربع سنين وكذا أخرجه الحاكم في البيوع من المستدرك والأول أشهر لكنهم نقضوا فغزاهم سنة ثمان وفتح مكة وكفار قريش بالنصب مفعول معه قوله فأتوه تقديره أرسل إليهم في طلب إتيان الركب فجاء الرسول يطلب اتيانهم فأتوه كقوله تعالى فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت أي فضرب فانفجرت ووقع عند المؤلف في الجهاد أن الرسول وجدهم ببعض الشام وفي رواية لأبي نعيم في الدلائل تعيين الموضع وهو غزة قال وكانت وجه متجرهم وكذا رواه بن إسحاق في المغازي عن الزهري وزاد في أوله عن أبي سفيان قال كنا قوما تجارا وكانت الحرب قد حصبتنا فلما كانت الهدنة خرجت تاجرا إلى الشام مع رهط من قريش فوالله ما علمت بمكة امرأة ولا رجلا الا وقد حملني بضاعة فذكره وفيه فقال هرقل لصاحب شرطته قلب الشام ظهرا لبطن حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه فوالله إني وأصحابي بغزة إذ هجم
[ 31 ]
علينا فساقنا جميعا قوله بإيلياء بهمزة مكسورة بعدها ياء أخيرة ساكنة ثم لام مكسورة ثم ياء أخيرة ثم ألف مهموزة وحكى البكري فيها القصر ويقال لها أيضا إليا بحذف الياء الأولى وسكون اللام حكاه البكري وحكى النووي مثله لكن بتقديم الياء على اللام واستغربه قيل معناه بيت الله وفي الجهاد عند المؤلف أن هرقل لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لله زاد بن إسحاق عن الزهري أنه كان تبسط له البسط وتوضع عليها الرياحين فيمشي عليها ونحوه لأحمد من حديث بن أخي الزهري عن عمه وكان سبب ذلك ما رواه الطبري وابن عبد الحكم من طرق متعاضدة ملخصها أن كسرى أغزى جيشه بلاد هرقل فأهمل كثيرا من بلاده ثم استبطأ كسرى أميره فأراد قتله وتولية غيره فأطلع أميره على ذلك فباطن هرقل واصطلح معه على كسرى وانهزم عنه بجنود فارس فمشى هرقل إلى بيت المقدس شكرا لله تعالى على ذلك واسم الأمير المذكور شهر براز واسم الغير الذي أراد كسرى تأميره فرحان قوله فدعاهم في مجلسه أي في حال كونه في مجلسه وللمصنف في الجهاد فأدخلنا عليه فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج قوله وحوله بالنصب لأنه ظرف مكان قوله عظماء جمع عظيم ولابن السكن فأدخلنا عليه وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان والروم من ولد عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام على الصحيح ودخل فيهم طوائف من العرب من تنوخ وبهراء وسليح وغيرهم من غسان كانوا سكانا بالشام فلما أجلاهم المسلمون عنها دخلوا بلاد الروم فاستوطنوها فاختلطت أنسابهم قوله ثم دعاهم ودعا ترجمانه وللمستملى بالترجمان مقتضاه أنه أمر بإحضارهم فلما حضروا استدناهم لأنه ذكر أنه دعاهم ثم دعاهم فينزل على هذا ولم يقع تكرار ذلك الا في هذه الرواية والترجمان بفتح التاء المثناة وضم الجيم ورجحه النووي في شرح مسلم ويجوز ضم التاء اتباعا ويجوز فتح الجيم مع فتح أوله حكاه الجوهري ولم يصرحوا بالرابعة وهي ضم أوله وفتح الجيم وفي رواية الأصيلي وغيره بترجمانه يعني أرسل إليه رسولا أحضره صحبته والترجمان المعبر عن لغة بلغة وهو معرب وقيل عربي قوله فقال أيكم أقرب نسبا أي قال الترجمان على اختلفوا هرقل قوله بهذا الرجل زاد بن السكن الذي خرج بأرض العرب يزعم أنه نبي قوله قلت أنا أقربهم نسبا في رواية بن السكن فقالوا هذا أقربنا به نسبا هو بن عمه أخي أبيه وإنما كان أبو سفيان أقرب لأنه من بني عبد مناف وقد أوضح ذلك المصنف في الجهاد بقوله قال ما قرابتك منه قلت هو بن عمي قال أبو سفيان ولم يكن في الركب من بني عبد مناف غيري اه وعبد مناف الأب الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم وكذا لأبي سفيان وأطلق عليه بن عم لأنه نزل كلا منهما منزلة جده فعبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن عم أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وعلى هذا ففيما أطلق في رواية بن السكن تجوز وإنما خص هرقل الأقرب لأنه أحرى بالاطلاع على أموره ظاهرا وباطنا أكثر من غيره ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب وظهر ذلك في سؤاله بعد ذلك كيف نسبه فيكم وقوله بهذا الرجل ضمن أقرب معنى أوصل فعداه بالباء ووقع في رواية مسلم من هذا الرجل وهو على الأصل وقوله الذي يزعم في رواية بن إسحاق عن الزهري يدعى وزعم قال الجوهري بمعنى قال وحكاه أيضا ثعلب وجماعة كما سيأتي في قصة ضمام في كتاب العلم قلت وهو كثير ويأتي موضع الشك غالبا قوله فاجعلوهم عند ظهره أي لئلا يستحيوا أن يواجهوه
[ 32 ]
بالتكذيب إن كذب وقد صرح بذلك الواقدي وقوله إن كذبني بتخفيف الذال أي إن نقل إلى الكذب قوله قال أي أبو سفيان وسقط لفظ قال من رواية كريمة وأبي الوقت فأشكل ظاهره وبإثباتها يزول الإشكال قوله فوالله لولا الحياء من أن يأثروا أي ينقلوا على الكذب لكذبت عليه وللأصيلي عنه أي عن الأخبار بحاله وفيه دليل على أنهم كانوا يستقبحون الكذب إما بالأخذ عن الشرع السابق أو بالعرف وفي قوله يؤثروا دون قوله يكذبوا دليل على أنه كان واثقا منهم بعدم التكذيب أن لو كذب لاشتراكهم معه في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ترك ذلك استحياء وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد أن يرجعوا فيصير عند سامعي ذلك كذابا وفي رواية بن إسحاق التصريح بذلك ولفظه فوالله لو قد كذبت ما ردوا على ولكني كنت امرءا سيدا أتكرم عن الكذب وعلمت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك عنى ثم يتحدثوا به فلم أكذبه وزاد بن إسحاق في روايته قال أبو سفيان فوالله ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف يعني هرقل قوله كان أول هو بالنصب على الخبر وبه جاءت الرواية ويجوز رفعه على الاسمية قوله كيف نسبه فيكم أي ما حال نسبه فيكم أهو من أشرافكم أم لا فقال هو فينا ذو نسب فالتنوين فيه للتعظيم وأشكل هذا على بعض الشارحين وهذا وجهه قوله فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله وللكشميهني والأصيلي بدل قبله مثله فقوله منكم أي من قومكم يعني قريشا أو العرب ويستفاد منه أن الشفاهى يعم لأنه لم يرد المخاطبين فقط وكذا قوله فهل قاتلتموه وقوله بماذا يأمركم واستعمل قط بغير أداة النفي وهو نادر ومنه قول عمر صلينا أكثر ما كنا قط وآمنه ركعتين ويحتمل أن يقال إن النفي مضمن فيه كأنه قال هل قال هذا القول أحد أو لم يقله أحد قط قوله فهل كان من آبائه ملك ولكريمة والأصيلي وأبي الوقت بزيادة من الجارة ولابن عساكر بفتح من وملك فعل ماض والجارة أرجح لسقوطها من رواية أبي ذر والمعنى في الثلاثة واحد قوله فأشراف الناس اتبعوه فيه إسقاط همزة الاستفهام وهو قليل وقد ثبت للمصنف في التفسير ولفظة أيتبعه أشراف الناس والمراد بالأشراف هنا أهل النخوة والتكبر منهم لا كل شريف حتى لا يرد مثل أبي بكر وعمر وأمثالهما ممن أسلم قبل هذا السؤال ووقع في رواية بن إسحاق تبعه منا الضعفاء والمساكين فأما ذوو الأنساب والشرف فما تبعه منهم أحد وهو أمرهم على الأكثر الأغلب قوله سخطة بضم أوله وفتحه وأخرج بهذا من ارتد مكرها أولا لسخط لدين الإسلام بل لرغبة في غيره كحظ نفساني كما وقع لعبيد الله بن جحش قوله هل كنتم تتهمونه بالكذب أي على الناس وإنما عدل إلى السؤال عن التهمة عن السؤال عن نفس الكذب تقريرا لهم على صدقه لأن التهمة إذا انتفت انتفى سببها ولهذا عقبه بالسؤال عن الغدر قوله ولم تمكني كلمة ادخل فيها شيئا أي انتقصه به على أن التنقيص هنا أمر نسبي وذلك أن من يقطع بعدم غدره أرفع رتبة ممن يجوز وقوع ذلك منه في الجملة وقد كان معروفا عندهم بالاستقراء من عادته أنه لا يغدر ولما كان الأمر مغيبا لأنه مستقبل أمن أبو سفيان أن ينسب في ذلك إلى الكذب ولهذا أورده بالتردد ومن ثم لم يعرج هرقل على هذا القدر منه وقد صرح بن إسحاق في روايته عن الزهري بذلك بقوله قال فوالله ما ألتفت إليها مني ووقع في رواية أبي الأسود عن عروة مرسلا خرج أبو سفيان إلى الشام فذكر الحديث إلى أن قال فقال
[ 33 ]
أبو سفيان هو ساحر كذاب فقال هرقل أني لا أريد شتمه ولكن كيف نسبه إلى أن قال فهل يغدر إذا عاهد قال لا إلا أن يغدر في هدنته هذه فقال وما يخاف من هذه فقال أن قومي أمدوا حلفاءهم على حلفائه قال إن كنتم بدأتم فأنتم أغدر قوله سجال بكسر أوله أي نوب والسجل الدلو والحرب اسم جنس ولهذا جعل خبره اسم جمع وينال أي يصيب فكأنه العطار المحاربين بالمستقيين يستقى هذا دلوا وهذا دلوا وأشار أبو سفيان بذلك إلى ما وقع بينهم في غزوة بدر وغزوة أحد وقد صرح بذلك أبو سفيان يوم أحد في قوله يوم بيوم بدر والحرب سجال ولم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بل نطق النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث أوس بن حذيفة الثقفي لما كان يحدث وفد ثقيف أخرجه بن ماجة وغيره ووقع في مرسل عروة قال أبو سفيان غلبنا مرة يوم بدر وأنا غائب ثم غزوتهم في بيوتهم ببقر البطون وجدع الآذان وأشار بذلك إلى يوم أحد قوله بما ذا يأمركم يدل على أن الرسول من شأنه أن يأمر قومه قوله يقول اعبدوا الله وحده فيه أن للأمر صيغة معروفة لأنه أتى بقوله اعبدوا الله في جواب ما يأمركم وهو من أحسن الأدلة في هذه المسألة لأن أبا سفيان من أهل اللسان وكذلك الراوي عنه بن عباس بل هو من أفصحهم وقد رواه عنه مقرا له قوله ولا تشركوا به شيئا وسقط من رواية المستملى الواو فيكون تأكيدا لقوله وحده قوله واتركوا ما يقول آباؤكم هي كلمة جامعة لترك ما كانوا عليه في الجاهلية وإنما ذكر الآباء تنبيها على عذرهم في مخالفتهم له لأن الآباء قدوة عند الفريقين أي عبدة الأوثان والنصارى قوله ويأمرنا بالصلاة والصدق وللمصنف في رواية الصدقة بدل الصدق ورجحها شيخنا شيخ الإسلام ويقويها رواية المؤلف في التفسير الزكاة واقتران الصلاة بالزكاة معتاد في الشرع كالغرماء أيضا ما تقدم من أنهم كانوا يستقبحون الكذب فذكر ما لم يألفوه أولى قلت وفي الجملة ليس الأمر بذلك ممتنعا كما في أمرهم بوفاء العهد وأداء الأمانة وقد كانا من مألوف عقلائهم وقد ثبتا عند المؤلف في الجهاد من رواية أبي ذر عن شيخه الكشميهني والسرخسي قال بالصلاة والصدق والصدقة وفي قوله يأمرنا بعد قوله يقول اعبدوا الله إشارة إلى أن المغايرة بين الأمرين لما يترتب على مخالفهما إذ مخالف الأول كافر والثاني ممن قبل الأول عاص قوله فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها الظاهر أن أخبار هرقل بذلك بالجزم كان عن العلم المقرر عنده في الكتب السالفة قوله لقلت رجل تأسى بقول كذا للكشميهنى ولغيره يتأسى بتقديم الياء المثناة من تحت وإنما لم يقل هرقل فقلت إلا في هذا وفي قوله هل كان من آبائه من ملك لأن هذين المقامين مقام فكر ونظر بخلاف غيرهما من الأسئلة فأنها مقام نقل قوله فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه هو بمعنى قول أبي سفيان ضعفاؤهم ومثل ذلك يتسامح به لاتحاد المعنى وقول هرقل وهم أتباع الرسل معناه أن أتباع الرسل في الغالب أهل الاستكانة لا أهل الاستكبار الذين استحاضت على الشقاق بغيا وحسدا كأبي جهل وأشياعه إلى أن أهلكهم الله تعالى وأنقذ بعد حين من أراد سعادته منهم قوله وكذلك الإيمان أي أمر الإيمان لأنه يظهر نورا ثم لا يزال في زيادة حتى يتم بالأمور المعتبرة فيه من صلاة وزكاة وصيام وغيرها ولهذا نزلت في آخر سني النبي صلى الله عليه وسلم اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ومنه ويأبى الله الا أن يتم نوره وكذا جرى لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم لم يزالوا في زيادة حتى كمل بهم ما أراد الله من إظهار
[ 34 ]
دينه وتمام نعمته فله الحمد والمنة قوله حين يخالط بشاشة القلوب كذا روى بالنصب على المفعولية والقلوب مضافا إليه أي يخالط الإيمان انشراح الصدور وروى بشاشة القلوب بالضم والقلوب مفعول أي يخالط بشاشة الإيمان وهو شرحه القلوب التي يدخل فيها زاد المصنف في الإيمان لا يسخطه أحد كما تقدم وزاد بن السكن في روايته في معجم الصحابة يزداد به عجبا وفرحا وفي رواية بن إسحاق وكذلك حلاوة الإيمان لا الخطبة قلبا فتخرج منه قوله وكذلك الرسل لا تغدر لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة ولم يعرج هرقل على الدسيسة التي دسها أبو سفيان كما تقدم وسقط من هذه الرواية إيراد تقرير السؤال العاشر والذي بعده وجوابه وقد ثبت الجميع في رواية المؤلف التي في الجهاد وسيأتي الكلام عليه ثم إن شاء الله تعالى فائدة قال المازني هذه الأشياء التي سأل عنها هرقل ليست قاطعة على النبوة الا أنه يحتمل أنها كانت عنده علامات على هذا النبي بعينه لأنه قال بعد ذلك قد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم وما أورده احتمالا جزم به بن بطال وهو ظاهر قوله فذكرت أنه يأمركم ذكر ذلك بالاقتضاء لأنه ليس في كلام أبي سفيان ذكر الأمر بل صيغته وقوله وينهاكم عن عبادة الأوثان مستفاد من قوله ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم لأن مقولهم الأمر بعبادة الأوثان قوله أخلص بضم اللام أي أصل يقال خلص إلى كذا أي وصل قوله لتجشمت بالجيم والشين المعجمة أي تكلفت الوصول إليه وهذا يدل على أنه كان يتحقق أنه لا يسلم من القتل أن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستفاد ذلك بالتجربة كما في قصة ضغاطر الذي أظهر لهم إسلامه فقتلوه وللطبراني من طريق ضعيف عن عبد الله بن شداد عن دحية في هذه القصة مختصرا فقال قيصر أعرف أنه كذلك ولكن لا أستطيع أن أفعل إن فعلت ذهب ملكي واقتدار الروم وفي مرسل بن إسحاق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال ويحك والله إني لأعلم أنه نبي مرسل ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لاتبعته لكن لو تفطن هرقل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي أرسل إليه أسلم تسلم وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والأخرى لسلم لو أسلم من كل ما يخافه ولكن التوفيق بيد الله تعالى وقوله لغسلت عن قدميه مبالغة في العبودية له والخدمة زاد عبد الله بن شداد عن أبي سفيان لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قديمه وهي أخذت على أنه كان بقي عنده بعض شك وزاد فيها ولقد رأيت جبهته تتحادر عرقا من كرب الصحيفة يعني لما قرئ عليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه إذا وصل إليه سالما لا ولاية ولا منصبا وإنما يطلب ما تحصل له به البركة وقوله وليبلغن ملكه ما تحت قدمي أي بيت المقدس وكنى بذلك لأنه موضع استقراره أو أراد الشام كله لأن دار مملكته كانت حمص ومما يقوي أن هرقل آثر ملكه على الإيمان واستمر على الضلال أنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة بدون السنتين ففي مغازي بن إسحاق وبلغ المسلمين لما نزلوا معان من أرض الشام أن هرقل نزل في مائة ألف من المشركين فحكي كيفية الوقعة وكذا روى بن حبان في صحيحه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أيضا من تبوك يدعوه وأنه قارب الإجابة ولم يجب فدل ظاهر ذلك على استمراره على الكفر لكن يحتمل مع ذلك أنه كان ضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لملكه وخوفا من أن يقتله
[ 35 ]
قومه الا أن في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذب بل هو على نصرانيته وفي كتاب الأموال لأبي عبيد بسند صحيح من مرسل بكر بن عبد الله المزني نحوه ولفظه فقال كذب عدو الله ليس بمسلم فعلى هذا إطلاق صاحب الاستيعاب أنه آمن أي أظهر التصديق لكنه لم يستمر عليه ويعمل بمقتضاه بل شح بملكه وآثر الفانية على الباقية والله الموفق قوله ثم دعا أي من وكل ذلك إليه ولهذا عدى إلى الكتاب بالباء والله أعلم قوله دحية بكسر الدال وحكى فتحها لغتان ويقال أنه الرئيس بلغة أهل اليمن وهو بن خليفة الكلبي صحابي جليل كان أحسن الناس وجها وأسلم قديما وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر سنة ست بعد أن رجع من الحديبية بكتابه إلى هرقل وكان وصوله إلى هرقل في المحرم سنة سبع قاله الواقدي ووقع في تاريخ خليفة أن إرسال الكتاب إلى هرقل كان سنة خمس والأول أثبت بل هذا غلط لتصريح أبي سفيان بأن ذلك كان في مدة الهدنة والهدنة كانت في آخر سنة ست اتفاقا ومات دحية في خلافة معاوية وبصرى بضم أوله والقصر مدينة بين المدينة ودمشق وقيل هي حوران فالمرتضعة هو الحارث بن أبي شمر الغساني وفي الصحابة لابن السكن أنه أرسل بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل مع عدي بن حاتم وكان عدي إذ ذاك نصرانيا فوصل به هو ودحية معا وكانت وفاة الحارث المذكور عام الفتح قوله من محمد فيه أن السنة أن يبدأ الكتاب بنفسه وهو قول الجمهور بل حكى في النحاس إجماع الصحابة والحق اثبات الخلاف وفيه أن من التي لابتداء الغاية تأتي من غير الزمان والمكان كذا قاله أبو حيان والظاهر أنها هنا أيضا لم تخرج عن ذلك لكن بارتكاب مجاز زاد في حديث دحية وعنده بن أخ له أحمر أزرق سبط الرأس وفيه لما قرأ الكتاب سخر فقال لا تقرأه إنه بدأ بنفسه فقال قيصر لتقرأنه فقرأه وقد ذكر البزار في مسنده عن دحية الكلبي أنه هو ناول الكتاب لقيصر ولفظه بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى قيصر فأعطيته الكتاب قوله عظيم الروم فيه عدول عن ذكره بالملك أو الآمرة لأنه معزول بحكم الإسلام لكنه لم يخله من إكرام لمصلحة التآلف وفي حديث دحية أن بن أخي قيصر أنكر أيضا كونه لم يقل ملك الروم قوله سلام على من أتبع الهدى في رواية المصنف في الاستئذان السلام بالتعريف وقد ذكرت في قصة موسى وهارون مع فرعون وظاهر السياق يدل على أنه من جملة ما أمرا به أن يقولاه فإن قيل كيف يبدأ الكافر بالسلام فالجواب أن المفسرين قالوا ليس المراد من هذا التحية إنما معناه سلم من عذاب الله من أسلم ولهذا جاء بعده أن العذاب على من كذب وتولى وكذا جاء في بقية هذا الكتاب بالسلام قصدا وأن كان اللفظ يشعر به لكنه لم يدخل في المراد لأنه ليس ممن أتبع الهدى فلم يسلم عليه قوله أما بعد في قوله أما معنى الشرط وتستعمل لتفصيل ما يذكر بعدها غالبا وقد ترد مستأنفه لا لتفصيل كالتي هنا وللتفصيل والتقرير وقال الكرماني هي هنا للتفصيل وتقديره أما الابتداء فهو اسم الله وأما المكتوب فهو من محمد رسول الله الخ كذا قال ولفظه بعد مبنية على الضم وكان الأصل أن تفتح لو استمرت على الإضافة لكنها قطعت عن الإضافة فبينت على الضم وسيأتي مزيد في الكلام عليها في كتاب الجمعة قوله بدعاية الإسلام بكسر الدال من قولك دعا يدعو دعاية نحو شكا يشكو شكاية ولمسلم بداعية الإسلام أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام وهي شهادة أن لا إله الا الله وأن محمدا
[ 36 ]
رسول الله والباء موضع إلى وقوله أسلم تسلم غاية في البلاغ وفيه نوع من البديع وهو الجناس الاشتقاقي قوله يؤتك جواب ثان للأمر وفي الجهاد للمؤلف أسلم أسلم يؤتك بتكرار أسلم فيحتمل التأكيد ويحتمل أن يكون الأمر الأول للدخول في الإسلام والثاني للدوام عليه كما في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله الآية وهو موافق لقوله تعالى أولئك يؤتون أجرهم مرتين الآية وإعطاؤه الأجر مرتين لكونه كان مؤمنا بنبيه ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر له من جهة إسلامه ومن جهة أن إسلامه يكون سببا لدخول أتباعه وسيأتي التصريح بذلك في موضعه من حديث الشعبي من كتاب العلم إن شاء الله تعالى واستنبط منه شيخنا شيخ الإسلام أن كل من دان بدين أهل الكتاب كان في حكمهم في المناكحة والذبائح لأن هرقل هو وقومه ليسوا من بني إسرائيل وهم ممن دخل في النصرانية بعد التبديل وقد قال له ولقومه يا أهل الكتاب فدل على أن لهم حكم أهل الكتاب خلافا لمن خص ذلك الاسرائيلين أو بمن علم أن سلفه ممن دخل في اليهودية أو النصرانية قبل التبديل والله أعلم قوله فإن توليت أي اعرضت عن الإجابة إلى الدخول في الإسلام وحقيق التولى إنما هو بالوجه ثم استعمل مجازا في الأعراض عن الشئ وهي استعارة تبعية قوله الاريسيين هو جمع اريسي وهو منسوب إلى أريس بوزن فعيل وقد تقلب همزته ياء كما جاءت به رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما هنا قال بن سيده الايس الاكار أي الفلاح عند ثعلب وعند كراع الاريس هو الأمير وقال الجوهري هي لغة شامية وأنكر بن فارس أن تكون عربية وقيل في تفسيره غير ذلك لكن هذا هو الصحيح هنا فقد جاء مصرحا به في رواية بن إسحاق عن الزهري بلفظ فإن عليك إثم الأكارين زاد البرقاني في روايته يعني الحراثين ويؤيده أيضا ما في رواية المدائني من طريق مرسلة فإن عليك إثم الفلاحين وكذا عند أبي عبيد في كتاب الأموال من مرسل عبد الله بن شداد وأن لم الخطبة في الإسلام فلا تحل بين الفلاحين وبين الإسلام قال أبو عبيد المراد بالفلاحين أهل مملكته لأن كل من كان يزرع فهو عند العرب فلاح سواء كان يلي ذلك بنفسه أو بغيره وقال الخطابي أراد إن عليك إثم الضعفاء والاتباع إذا لم يسلموا تقليدا له لأن الاصاغر أتباع الأكابر قلت وفي الكلام حذف دل المعنى عليه وهو فإن عليك مع اثمك إثم الاريسين لأنه إذا كان عليه إثم الأتباع بسبب أنهم تبعوه على استمرار الكفر فلأن يكون عليه إثم نفسه أولى وهذا يعد من مفهوم الموافقة ولا يعارض بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى لأن وزر الإثم لا يتحمله غيره ولكن الفاعل المتسبب والمتلبس بالسيئات يتحمل من جهتين جهة فعله وجهة تسببه وقد ورد تفسير الاريسيين بمعنى آخر فقال الليث بن سعد عن يونس فيما رواه الطبراني في الكبير من طريقه الاريسيون المشارون يعني أهل المكس والأول أظهر وهذا إن صح أنه المراد فالمعنى المبالغة في الإثم ففي الصحيح في المرأة التي اعترفت بالزنا لقد تابت توبة لو تأبها صاحب مكس لقبلت قوله ويا أهل الكتاب الخ هكذا وقع بإثبات الواو في أوله وذكر القاضي عياض أن الواو ساقطة من رواية الأصيلي وأبي ذر وعلى ثبوتها فهي داخلة على مقدر معطوف على قوله أدعوك فالتقدير أدعوك بدعاية الإسلام وأقول لك ولاتباعك امتثالا لقول الله تعالى يا أهل الكتاب ويحتمل أن تكون من كلام أبي سفيان لأنه لم يحفظ جميع ألفاظ الكتاب فاستحضر منها أول
[ 37 ]
الكتاب فذكره وكذا الآية وكأنه قال فيه كان فيه كذا وكان فيه يا أهل الكتاب فالواو من كلامه لا من نفس الكتاب وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ذلك قبل نزول الآية فوافق يسير لفظها لما نزلت والسبب في هذا أن هذه الآية نزلت في قصة وفد نجران وكانت قصتهم سنة الوفود سنة تسع وقصة أبي سفيان كانت قبل ذلك سنة ست وسيأتي ذلك واضحا في المغازي وقيل بل نزلت سابقة في أوائل الهجرة واليه يومئ كلام بن إسحاق وقيل نزلت في اليهود وجوز بعضهم نزولها مرتين وهو بعيد فائده قيل في هذا دليل على جواز قراءة الجنب للآية أو الآيتين وبارسال بعض القرآن إلى أرض العدو وكذا بالسفر به وأغرب بن بطال فادعى أن ذلك نسخ بالنهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو ويحتاج إلى اثبات التاريخ بذلك ويحتمل أن يقال أن المراد بالقرآن في حديث النهى عن السفر به أي المصحف وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه وأما الجنب فيحتمل أن يقال إذا لم يقصد التلاوة جاز على أن في الاستدلال بذلك من هذه القصه نظرا فأنها واقعة عين لا عموم فيها فيقيد الجواز على ما إذا وقع احتياج إلى ذلك كالابلاغ والانذار كما في هذه القصة وأما الجواز مطلقا حيث لاضرورة فلا يتجه وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الطهارة إن شاء الله تعالى وقد اشتملت هذه الجمل القليلة التي تضمنها هذا الكتاب على الأمر بقوله أسلم والترغيب بقوله تسلم ويؤتك والزجر بقوله فإن توليت والترهيب بقوله فإن عليك والدلالة بقوله يا أهل الكتاب وفي ذلك من البلاغة ما لا يخفى وكيف لا وهو كلام من أوتى جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم قوله فلما قال ما قال يحتمل أن يشير بذلك إلى الأسئلة والأجوبة ويحتمل أن يشير بذلك إلى القصة التي ذكرها بن الناطور بعد والضمائر كلها تعود على هرقل والصخب اللفظ وهو اختلاط الأصوات في المخاصمة زاد في الجهاد فلا أدرى ما قالوا قوله فقلت لأصحابي زاد في الجهاد حين خلوت بهم قوله أمر هو بفتح الهمزة وكسر الميم أي عظم وسيأتي في تفسير سبحان وابن أبي كبشة أراد به النبي صلى الله عليه وسلم لأن أبا كبشة أحد أجداده وعادة العرب إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض قال أبو الحسن النسابة الجرجاني هو جد وهب جد النبي صلى الله عليه وسلم لأمه وهذا فيه نظر لأن وهبا جد النبي صلى الله عليه وسلم اسم أمه عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال ولم يقل أحد من أهل النسب أن الأوقص يكنى أبا كبشة وقيل هو جد عبد المطلب لأمه وفيه نظر أيضا لأن أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد الخزرجي ولم يقل أحد من أهل النسب إن عمرو بن زيد يكنى أبا كبشة ولكن ذكر بن حبيب في المجتبى جماعة من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أبيه ومن قبل أمه كل واحد منهم يكنى أبا كبشة وقيل هو أبوه من الرضاعة واسمه الحارث بن عبد العزي قاله أبو الفتح الأزدي وابن ماكولا وذكر يونس بن بكير عن بن إسحاق عن أبيه عن رجال من قومه أنه أسلم وكانت له بنت تسمى كبشة يكنى بها وقال بن قتيبة والخطابي والدارقطني هو رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان فعبد الشعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة وكذا قاله الزبير قال واسمه رجز بن عامر بن غالب قوله أنه يخافه هو بكسر الهمزة استئنافا تعليليا لا بفتحها ولثبوت اللام في ليخافه في رواية أخرى قوله ملك بني الأصفر هم الروم ويقال إن جدهم روم بن عيص تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل له الأصفر حكاه بن الأنباري وقال بن هشام في التيجان
[ 38 ]
إنما لقب الأصفر لأن جدته سارة زوج إبراهيم حلته بالذهب قوله فما زلت موقنا زاد في حديث عبد الله بن شداد عن أبي سفيان فما زلت مرعوبا من محمد حتى أسلمت أخرجه الطبراني قوله حتى ادخل الله على الإسلام أي فاظهرت ذلك اليقين وليس المراد أن ذلك اليقين ارتفع قوله وكان بن الناطور هو بالطاء المهملة وفي رواية الحموي بالظاء المعجمة وهو بالعربية حارس البستان ووقع في رواية الليث عن يونس بن توقات بزيادة ألف في آخره فعلى هذا هو اسم اعجمي تنبيه الواو في قوله وكان عاطفة والتقدير عن الزهري أخبرني عبيد الله فذكر الحديث ثم قال الزهري وكان بن الناطور يحدث فذكر هذه القصة فهي موصولة إلى بن الناطور لا معلقة كما زعم بعض من لا عناية له بهذا الشأن وكذلك أغرب بعض المغاربة فزعم أن قصة بن الناطور مروية بالإسناد المذكور عن أبي سفيان عنه لأنه لما رآها لا تصريح فيها بالسماع حملها على ذلك وقد بين أبو نعيم في دلائل النبوة أن الزهري قال لقيته بدمشق في زمن عبد الملك بن مروان وأظنه لم يتحمل عنه ذلك الا بعد أن أسلم وإنما وصفه بكونه كان سقفا لينبه على أنه كان مطلعا على اسرارهم عالما بحقائق أخبارهم وكأن الذي جزم بأنه من رواية الزهري عن عبيد الله اعتمد على ما وقع في سيرة بن إسحاق فإنه قدم قصة بن الناطور هذه على حديث أبي سفيان فعنده عن عبيد الله عن بن عباس أن هرقل مطرف خبيث النفس فذكر نحوه وجزم الحفاظ بما ذكرته أولا وهذا مما ينبغي أن يعد فيما وقع من الادراج أول الخبر والله أعلم قوله صاحب ايلياء أي أميرها هو منصوب على الاختصاص أو الحال أو مرفوع على الصفة وهي رواية أبي ذر والإضافة التي فيه تقوم مقام التعريف وقول من زعم أنها في تقدير الانفصال في مقام المنع وهرقل معطوف على إيلياء وأطلق عليه الصحبة له إما بمعنى التبع وأما بمعنى الصداقة وفيه استعمال صاحب في معنيين مجازي وحقيقي لأنه بالنسبة إلى إيلياء أمير وذاك مجاز وبالنسبة إلى هرقل تابع وذلك حقيقة قال الكرماني وإرادة المعنيين الحقيقي والمجازي من لفظ واحد جائز عند الشافعي وعند غيره أمرهم على إرادة معنى شامل لهما وهذا يسمى عموم المجاز وقوله سقفا بضم السين والقاف كذا في رواية غير أبي ذر وهو منصوب على أنه خبر كان ويحدث خبر بعد خبر وفي رواية الكشميهني سقف بكسر القاف على ما لم يسم فاعله وفي رواية المستملى والسرخسي مثله لكن بزيادة ألف في أوله والاسقف والسقف لفظ أعجمى ومعناه رئيس دين النصارى وقيل عربي وهو الطويل في انحناء وقيل ذلك للرئيس لأنه يتخاشع وقال بعضهم لا وكما له في وزنه الا الأسرب وهو الرصاص لكن حكى بن سيده ثالثا وهو الاسكف للصانع ولا يرد الأترج لأنه جمع والكلام إنما هو في المفرد وعلى رواية أبي ذر يكون الخبر الجملة التي هي يحدث أن هرقل فالواو في قوله وكان عاطفة والتقدير عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله فذكر حديث أبي سفيان بطوله ثم قال الزهري وكان بن الناطور يحدث وهذا صورة الإرسال قوله حين قدم إيلياء يعني في هذه الأيام وهي عند غلبة جنوده على جنود فارس وإخراجهم وكان ذلك في السنة التي اعتمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية وبلغ المسلمين نصرة الروم على فارس ففرحوا وقد ذكر الترمذي وغيره القصة مستوفاة في تفسير قوله تعالى ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله وفي أول الحديث في الجهاد عند المؤلف الإشارة إلى ذلك قوله خبيث النفس أي ردئ النفس غير طيبها أي مهموما وقد تستعمل في كسل النفس وفي الصحيح لا يقولن أحدكم خبثت نفسي كأنه كره اللفظ والمراد بالخطاب المسلمون وأما في حق
[ 39 ]
هرقل فغير ممتنع وصرح في رواية بن إسحاق بقولهم له لقد أصبحت مهموما والبطارقة جمع بطريق بكسر أوله وهم خواص دولة الروم قوله جزاء بالمهملة وتشديد الزاي آخره همزة منونة أي كاهنا يقال حزا بالتخفيف يحزو حزوا أي تكهن وقوله ينظر في النجوم إن جعلتها خبرا ثانيا صح لأنه كان ينظر في الامرين وإن جعلتها تفسيرا للأول فالكهانة تارة تستند إلى إلقاء الشياطين وتارة تستفاد من أحكام النجوم وكان كل من الامرين في الجاهلية شائعا بحينه إلى أن أظهر الله الإسلام فانكسرت شوكتهم وأنكر الشرع الاعتماد عليهم وكان ما اطلع عليه هرقل من ذلك بمقتضى حساب المنجمين أنهم زعموا أن المولد النبوي كان بقران العلويين ببرج العقرب وهما يقترنان في كل عشرين سنة مرة إلى أن تستوفى المثلثة بروجها في ستين سنة فكان ابتداء العشرين الأولى المولد النبوي في القران المذكور وعند تمام العشرين الثانية مجئ جبريل بالوحي وعند تمام الثالثة فتح خبير وعمرة القضية التي جرت فتح مكة وظهور الإسلام وفي تلك الأيام رأى هرقل ما رأى ومن جملة ما ذكروه أيضا أن برج العقرب مائي وهو دليل ملك القوم الذين يختتنون فكان ذلك دليلا على انتقال الملك إلى العرب وأما اليهود فليسوا مرادا هنا لأن هذا لمن ينقل إليه الملك لا لمن انقضى ملكه فإن قيل كيف ساغ للبخاري إيراد هذا الخبر المشعر بتقوية أمر المنجمين والاعتماد على ما أخذت عليه احكامهم فالجواب أنه لم يقصد ذلك بل قصد أن يبين أن الإشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم جاءت من كل طريق وعلى اختلفوا كل فريق من كاهن أو منجم محق أو مبطل أنسى أو جنى وهذا من أبدع ما يشير إليه عالم أو يجنح إليه محتج وقد قيل إن الحزاء هو الذي ينظر في الأعضاء وفي خيلان الوجه فيحكم على المؤلف بطريق الفراسة وهذا إن ثبت فلا يلزم منه حصره في ذلك بل اللائق بالسياق في حق هرقل ما تقدم قوله ملك الختان بضم الميم واسكان اللام وللكشميهني بفتح الميم وكسر اللام قوله قد ظهر أي غلب يعني دله نظره في حكم النجوم على أن ملك الختان قد غلب وهو كما قال لأن في تلك الأيام كان ابتداء ظهور النبي صلى الله عليه وسلم إذ صالح كفار مكة بالحديبية وأنزل الله تعالى عليه إنا فتحنا لك فتحا بينا إذ فتح مكة كان سببه نقض قريش العهد الذي كان بينهم بالحديبية ومقدمة الظهور ظهور قوله من هذه الأمة أي من أهل هذا العصر وإطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه تجوز وهذا بخلاف قوله بعد هذا ملك هذه الأمة قد ظهر فإن مراده به العرب خاصة والحصر في قولهم إلا اليهود هو بمقتضى علمهم لأن اليهود كانوا بإيلياء وهي بيت المقدس كثيرين تحت الذلة مع الروم بخلاف العرب فأنهم وإن كان منهم من هو تحت طاعة ملك الروم كآل غسان لكنهم كانوا ملوكا برأسهم قوله فلا يهمنك بضم أوله من أهم أثار الهم وقوله شأنهم أي أمرهم ومدائن جمع مدينة قال أبو على الفارسي من جعله فعيلة من قولك مدن بالمكان أي أقام به همزة كقبائل ومن جعله مفعلة من قولك دين أي ملك لم يهمز كمعايش انتهى وما ذكره في معايش هو المشهور وقد روى خارجة عن نافع القارئ الهمز في معايش وقال القزاز من همزها توهمها من فعيلة لشبهها بها في اللفظ انتهى قوله فبينما هم على أمرهم أي في هذه المشورة قوله أتى هرقل برجل لم يذكر من أحضره وملك غسان هو صاحب بصري الذي قدمنا ذكره وأشرنا إلى أن بن السكن روى أنه أرسل من عنده عدي بن حاتم فيحتمل أن يكون هو المذكور والله
[ 40 ]
أعلم قوله عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر ذلك بن إسحاق في روايته فقال خرج من بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي فقد اتبعه ناس وخالفه ناس فكانت بينهم ملاحم في مواطن فتركتهم وهم على ذلك فبين ما أجمل في حديث الباب لأنه يوهم أن ذلك كان في أوائل ما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وفي روايته أنه قال جردوه فإذا هو مختتن فقال هذا والله الذي رأيته أعطه ثوبه قوله هم يختتنون في رواية الأصيلي هم مختتنون بالميم والأول أفيد وأشمل قوله هذا ملك هذه الأمة قد ظهر كذا لأكثر الرواة بالضم ثم السكون وللقابسي بالفتح ثم الكسر ولأبي ذر عن الكشميهني وحده يملك فعل مضارع قال القاضي أظنها ضمة الميم اتصلت بها فتصحفت ووجهه السهيلي في أماليه بأنه مبتدأ وخبر أي هذا المذكور يملك هذه الأمة وقيل يجوز أن يكون يملك نعتا أي هذا رجل يملك هذه الأمة وقال شيخنا يجوز أن يكون المحذوف هو الموصول على رأى الكوفيين أي هذا الذي يملك وهو وكما قوله وهذا تحملين طليق على أن الكوفيين يجوزون استعمال اسم الإشارة بمعنى الاسم الموصول فيكون التقدير الذي يملك من غير حذف قلت لكن اتفاق الرواة على حذف الياء في أوله دال على ما قال القاضي فيكون شاذا على أنني رأيت في أصل معتمد وعليه علامة السرخسي بباء موحدة في أوله وتوجيهها أقرب من توجيه الأول لأنه حينئذ تكون الإشارة بهذا إلى ما ذكره من نظره في حكم النجوم والباء متعلقة بظهر أي هذا الحكم ظهر بملك هذه الأمة التي تختتن قوله برومية بالتخفيف وهي مدينة معروفة للروم وحمص مجرور بالفتحة منع صرفة للعلمية والتأنيث ويحتمل أن يجوز صرفه قوله فلم يرم بفتح أوله وكسر الراء أي لم يبرح من مكانه هذا هو المعروف وقال الداودي لم يصل إلى حمص وزيفوه قوله حتى أتاه كتاب من صاحبه وفي حديث دحية الذي أشرت إليه قال فلما خرجوا أدخلني عليه وأرسل إلى الأسقف وهو صاحب أمرهم فقال هذا الذي كنا ننتظر وبشرنا به عيسى أما أنا فمصدقه ومتبعه فقال له قيصر أما أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي فذكر القصة وفي آخره فقال لي الأسقف خذ هذا الكتاب وأذهب إلى صاحبك فأقرئ عليه السلام وأخبره أني أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله وأني قد آمنت به وصدقته وأنهم قد أنكروا على ذلك ثم خرج إليهم فقتلوه وفي رواية بن إسحاق أن هرقل أرسل دحية إلى ضغاطر الرومي وقال إنه في الروم اجوز قولا مني وأن ضغاطر المذكور أظهر إسلامه وألقى ثيابه التي كانت عليه ولبس ثيابا بيضا وخرج على الروم فدعاهم إلى الإسلام وشهد شهادة الحق فقاموا إليه فضربوه حتى قتلوه قال فلما رجع دحية إلى هرقل قال له قد قلت لك إنا نخافهم على أنفسنا فضغاطر كان أعظم عندهم مني قلت فيحتمل أن يكون هو صاحب رومية الذي أبهم هنا لكن يعكر عليه ما قيل إن دحية لم يقدم على هرقل بهذا الكتاب المكتوب في سنة الحديبية وإنما قدم عليه بالكتاب المكتوب في غزوة تبوك فالراجح أن دحية قدم على هرقل أيضا في الأولى فعلى هذا يحتمل أن تكون وقعت لكل من الأسقف ومن ضغاطر قصة قتل كل منهما بسببها أو وقعت لضغاطر قصتان إحداهما التي ذكرها بن الناطور وليس فيها أنه أسلم ولا أنه قتل والثانية التي ذكرها بن إسحاق فإن فيها قصته مع دحية وأنه أسلم وقتل والله أعلم قوله وسار هرقل إلى حمص لأنها كانت دار ملكه كما قدمناه وكانت في زمانهم أعظم من دمشق وكان فتحها
[ 41 ]
على يد أبي عبيدة بن الجراح سنة ست عشرة بعد هذه القصة بعشر سنين قوله وأنه نبي يدل على أن هرقل وصاحبه أقرا بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم لكن هرقل كما ذكرنا لم يستمر على ذلك بخلاف صاحبه قوله فأذن هي بالقصر من يأمر وفي رواية المستملى وغيره بالمدينة ومعناه أعلم والدسكرة بسكون السين المهملة القصر الذي حوله بيوت وكأنه دخل القصر ثم اغلقه وفتح أبواب البيوت التي حوله وأذن للروم في دخولها ثم يسجنني ثم اطلع عليهم فخاطبهم وإنما فعل ذلك خشية أن يثبوا به كما وثبوا بضغاطر قوله والرشد بفتحتتين وأن يثبت ملككم لأنهم إن تمادوا على الكفر كان سببا لذهاب ملكهم كما عرف هو ذلك من الأخبار السابقة قوله فتبايعوا بمثناة ثم موحدة وللكشميهني بمثناتين وموحدة وللأصيلي فتبايع بنون وموحدة لهذا النبي كذا لأبي ذر وللباقين بحذف اللام قوله فحاصوا بمهملتين أي نفروا وشبههم بالوحوش لأن نفرتها أشد من نفرة البهائم الانسية وشبههم بالحمر دون غيرها من الوحوش لمناسبة الجهل وعدم الفطنة بل هم اضل قوله وايس في رواية الكشميهني والأصيلي ويئس بيائين تحتانيتين وهما بمعنى قنط والأول مقلوب من الثاني قوله من الأيمان أي من إيمانهم لما اظهروه ومن إيمانه لأنه شح بملكه كما قدمنا وكان يحب أن يطيعوه فيستمر ملكه ويسلم ويسلموا بإسلامهم فما أيس من الإيمان الا بالشرط الذي أراده وإلا فقد كان قادرا على أن يفر عنهم ويترك ملكه رغبة فيما عند الله والله الموفق قوله انفا أي قريبا وهو منصوب على الحال قوله فقد رأيت زاد في التفسير فقد رأيت منكم الذي أحببت قوله فكان ذلك آخر شأن هرقل أي فيما يتعلق بهذه القصة المتعلقة بدعائه إلى الإيمان خاصة لا أنه انقضى أمره حينئذ ومات أو أنه أطلق الاخرية بالنسبة إلى ما في علمه وهذا أوجه لأن هرقل وقعت له قصص أخرى بعد ذلك منها ما أشرنا إليه من تجهيزه الجيوش إلى مؤتة ومن تجهيزه الجيوش أيضا إلى تبوك ومكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم له ثانيا وارساله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهب فقسمه بين أصحابه كما في رواية بن حيان التي أشرنا إليها قبل وأبي عبيد وفي المسند من طريق سعيد بن أبي راشد التنوخي رسول هرقل قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك عروبة دحية إلى هرقل فلما جاءه الكتاب دعا قسيسى الروم وبطارقتها فذكر الحديث قال فتحيروا حتى أن بعضهم خرج من برنسه فقال اسكتوا فإنما أردت أن أعلم تمسككم بدينكم وروى بن إسحاق عن خالد بن بشار عن رجل من قدماء الشام أن هرقل لما أراد الخروج من الشام إلى القسطنطينية عرض على الروم أمورا إما الإسلام وإما الجزية وإما أن يصالح النبي صلى الله عليه وسلم ويبقى لهم ما دون الدرب فأبوا وأنه انطلق حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشام ثم قال السلام عليك أرض سورية يعني الشام تسليم المودع ثم ركض حتى دخل القسطنطينية واختلف الاخباريون هل هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبي بكر وعمر أو ابنه والأظهر أنه هو والله أعلم تنبيه لما كان أمر هرقل في الإيمان عند كثير من الناس مستبهما لأنه يحتمل أن يكون عدم تصريحه بالإيمان للخوف على نفسه من القتل ويحتمل أن يكون استمر على الشك حتى مات كافرا وقال الراوي في آخر القصة فكان ذلك آخر شأن هرقل ختم به البخاري هذا الباب الذي استفتحه بحديث الأعمال بالنيات كأنه قال إن صدقت نيته انتفع بها في الجملة
[ 42 ]
وإلا فقد خاب وخسر فظهرت مناسبة إيراد قصة بن الناطور في بدء الوحي لمناسبتها حديث الأعمال المصدر الباب به ويؤخذ للمصنف من آخر لفظ في القصة براعة الاختتام وهو واضح مما قررناه فإن قيل ما مناسبة حديث أبي سفيان في قصة هرقل ببدء الوحي فالجواب أنها تضمنت كيفية حال الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الابتداء ولأن الآية المكتوبة إلى هرقل للدعاء إلى الإسلام ويشاوره مع الآية التي في الترجمة وهي قوله تعالى إنا اوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح الآية وقال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا الآية فبان أنه أوحى إليهم كلهم ان اقيموا الدين وهو معنى قوله تعالى سواء بيننا وبينكم الآية تكميل ذكر السهيلي أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليلطة ثم كان عند سبطه فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب فلما رآه استعبر وسأل أن يمكنه من تقبيله فامتنع قلت وأنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي قال حدثني سيف الدين فليح المنصوري قال أرسلني الملك المنصور قلاوون إلى ملك الغرب بهدية فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها وعرض علي اشتراط عنده فامتنعت فقال لي لأتحفنك بتحفة سنية فأخرج لي صندوقا مصفحا بذهب فأخرج منه مقلمة ذهب فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير فقال هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه إلى الآن وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا انتهى ويؤيد هذا ما وقع في حديث سعيد بن أبي راشد الذي أشرت إليه آنفا أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على التنوخي رسول هرقل الإسلام فامتنع فقال له يا أخا تنوخ أني كتبت إلى ملكك بصحيفة فأمسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير وكذلك أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من مرسل عمير بن إسحاق قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هؤلاء فيمزقون وأما هؤلاء فستكون لهم بقية ويؤيده ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جواب كسرى قال مزق الله ملكه ولما جاءه جواب هرقل قال ثبت الله ملكه والله أعلم قوله رواه صالح بن جلس ويونس ومعمر عن الزهري قال الكرماني يحتمل ذلك وجهين أن يروي البخاري عن الثلاثة بالإسناد المذكور كأنه قال أخبرنا أبو وابنه أخبرنا هؤلاء الثلاثة عن الزهري وأن يروي عنهم بطريق آخر كما أن الزهري يحتمل أيضا في رواية الثلاثة أن يروي له عن عبيد الله عن بن عباس وأن يروي لهم عن غيره هذا ما يحتمل اللفظ وإن كان الظاهر الاتحاد قلت هذا الظاهر كاف لمن شم أدنى رائحة من علم الإسناد والاحتمالات العقليه المجردة لا مدخل لها في هذا الفن وأما الاحتمال الأول فاشد بعدا لأن أبا وابنه لم يلحق صالح بن جلس ولا سمع من يونس وهذا أمر يتعلق بالنقل المحض فلا يلتفت إلى ما عداه ولو كان من أهل النقل لاطلع على كيفية رواية الثلاثه لهذا الحديث بخصوصه فاستراح من هذا التردد وقد أوضحت ذلك في كتابي تغليق التعليق واشير هنا إليه إشارة مفهمه فرواية صالح وهو بن جلس أخرجها المؤلف في كتاب الجهاد بتمامها من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح بن جلس عن
[ 43 ]
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس وفيها من الفوائد الزوائد ما أشرت إليه في اثناء الكلام على هذا الحديث من قبل ولكنه انتهى حديثه عند قول أبي سفيان حتى ادخل الله علي الإسلام زاد هنا وأنا كاره ولم يذكر قصة بن الناطور وكذا أخرجه مسلم بدونها من حديث إبراهيم المذكور ورواية يونس أيضا عن الزهري بهذا الإسناد أخرجها المؤلف في الجهاد مختصره من طريق الليث وفي الاستئذان مختصره أيضا من طريق بن المبارك كلاهما عن يونس عن الزهري بسنده بعينه ولم يسقه بتمامه وقد ساقه الطبراني من طريق عبد الله بن صالح عن الليث وذكر فيه قصة بن الناطور ورواية معمر عن الزهري كذلك ساقها المؤلف بتمامها في التفسير وقد اشرنا إلى بعض فوائد زائدة فيما مضى أيضا وذكر فيه من قصة بن الناطور قطعه مختصره عن الزهري مرسلة فقد ظهر لك أن أبا وابنه ما روى هذا الحديث عن واحد من الثلاثه وأن الزهري إنما رواه لأصحابه بسند واحد عن شيخ واحد وهو عبيد الله وأن أحاديث الثلاثه عند المصنف عن غير أبي وابنه ولو احتمل أن يرويه لهم أو لبعضهم عن شيخ آخر لكان ذلك اختلافا قد يفضى إلى الاضطرا ب الموجب للضعف فلاح فساد ذلك الاحتمال والله سبحانه وتعالى الموفق والهادي إلى الصواب لا إله الا هو * (كتاب الايمان) * قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الإيمان هو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا كتاب الإيمان وكتاب الحدود يقال كتب يكتب كتابة وكتابا ومادة كتب دالة على الجمع والضم ومنها الكتيبة والكتابة استعملوا ذلك فيما يجمع أشياء من الأبواب والفصول الجامعة للمسائل والضم فيه بالنسبه إلى المكتوب من الحروف حقيقة وبالنسبة إلى المعاني المرادة منها مجاز والباب موضوعه المدخل فاستعماله في المعاني مجاز والإيمان لغة التصديق وشرعا تصديق الرسول فيما جاء به عن ربه وهذا القدر متفق عليه ثم وقع الاختلاف هل يشترط مع ذلك مزيد أمر من جهة ابداء هذا التصديق باللسان المعبر عما في القلب إذ التصديق من افعال القلوب أو من جهة العمل بما صدق به من ذلك كفعل المأمورات وترك المنتهيات كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى والإيمان فيما قيل مشتق من الأمن وفيه نظر لتباين مدلولي الأمن والتصديق الا أن لوحظ فيه معنى مجازي فيقال أمنة إذا صدقه أي أمنة التكذيب ولم يستفتح المصنف بدء الوحي بكتاب لأن المقدمة لا تستفتح بما يستفتح به غيرها لأنها تنطوي على ما يتعلق بما بعدها واختلفت الروايات في تقديم البسمله على كتاب أو تأخيرها ولكل وجه الأول ظاهر ووجه الثاني وعليه أكثر الروايات أنه جعل الترجمة قائمه مقام تسمية السورة والأحاديث المذكورة بعد البسملة كالآيات مستفتحة بالبسملة قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس سقط لفظ باب من رواية الأصيلي وقد وصل الحديث بعد تاما واقتصاره على طرفه فيه تسمية الشئ باسم بعضه والمراد باب هذا الحديث قوله وهو أي الإيمان قول وفعل ويزيد وينقص وفي رواية الكشميهني قول وعمل وهو اللفظ الوارد عن السلف الذين اطلقوا ذلك ووهم بن التين فظن أن قوله وهو إلى آخره مرفوع لما رآه معطوفا وليس ذلك مراد المصنف وأن كان ذلك ورد بإسناد ضعيف والكلام هنا في مقامين أحدهما كونه قولا ووأشار والثاني كونه يزيد وينقص فأما القول فالمراد به النطق بالشهادتين
[ 44 ]
وأما العمل فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح ليدخل الاعتقاد والعبادات ومراد من ادخل ذلك في تعريف الإيمان ومن نفاه إنما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى فالسلف قالوا هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله ومن هنا نشا لهم القول بالزيادة والنقص كما سيأتي والمرجئة قالوا هو اعتقاد ونطق فقط والكراميه قالوا هو نطق فقط والمعتزلة قالوا هو العمل والنطق والاعتقاد والفارق بينهم وبين السلف انهم جعلوا الأعمال شرطا في صحته والسلف جعلوها شرطا في كماله وهذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما عند الله تعالى أما بالنظر إلى ما عندنا فالإيمان هو الإقرار فقط فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر الا أن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم فإن كان الفعل لا يدل على الكفر كالفسق فمن أطلق عليه الإيمان فبالنظر إلى إقراره ومن نفى عنه الإيمان فبالنظر إلى كماله ومن أطلق عليه الكفر فبالنظر إلى أنه فعل فعل الكافر ومن نفاه عنه فبالنظر إلى حقيقته واثبتت المعتزلة الواسطة فقالوا الفاسق لا مؤمن ولا كافر وأما المقام الثاني فذهب السلف إلى أن الإيمان يزيد وينقص وأنكر ذلك أكثر المتكلمين وقالوا متى قبل ذلك كان شكا قال الشيخ محيي الدين وإلا ظهر المختار أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الادله ولهذا كان إيمان الصديق أقوى من إيمان غيره بحيث لا يعتريه الشبهه ويؤيده أن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى أنه يكون في بعض الاحيان الإيمان أعظم يقينا واخلاصا وتوكلا منه في بعضها وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها وقد نقل محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة عن جماعة من الأئمة نحو ذلك وما نقل عن السلف صرح به عبد الرزاق في مصنفه عن سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وابن جريج ومعمر وغيرهم وهؤلاء فقهاء الأمصار في عصرهم وكذا نقله أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة عن الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وغيرهم من الأئمة وروى بسنده الصحيح عن البخاري قال لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص وأطنب بن أبي حاتم واللالكائي في نقل ذلك بالأسانيد عن جمع كثير من الصحابة والتابعين وكل من يدور عليه الإجماع من الصحابة والتابعين وحكاه فضيل بن عياض ووكيع عن أهل السنة والجماعة وقال الحاكم في مناقب الشافعي حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال سمعت الشافعي يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص أخرجه أبو نعيم في ترجمة الشافعي من الحليه من وجه آخر عن الربيع وزاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ثم تلا ويزداد الذين آمنوا ايمانا الآية ثم شرع المصنف يستدل لذلك بايات من القرآن مصرحه بالزيادة وبثبوتها يثبت المقابل فإن كل قابل للزيادة قابل للنقصان ضرورة قوله والحب في الله والبغض في الله من الإيمان هو لفظ حديث أخرجه أبو داود من حديث أبي أمامة ومن حديث أبي ذر ولفظه أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله ولفظ أبي أمامة من أحب لله وابغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان وللترمذي من حديث معاذ بن أنس نحو حديث أبي إمامة وزاد أحمد فيه ونصح لله وزاد في أخرى ويعمل لسانه في ذكر الله وله عن عمرو بن الجموح بلفظ لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله ولفظ البزار رفعه أوثق عرا الإيمان الحب في الله والبغض في الله وسيأتي عند المصنف آية الإيمان حب الأنصار واستدل بذلك على أن
[ 45 ]
الإيمان يزيد وينقص لأن الحب والبغض يتفاوتان قوله وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدى أي بن عميره الكندي وهو تابعي من أولاد الصحابة وكان عامل عمر بن عبد العزيز على الجزيره فلذلك كتب إليه والتعليق المذكور وصله أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبه في كتاب الإيمان لهما من طريق عيسى بن عاصم قال حدثني عدي بن عدي قال كتب إلي عمر بن عبد العزيز أما بعد فإن للإيمان فرائض وشرائع الخ قوله ان للإيمان فرائض كذا ثبت في معظم الروايات باللام وفرائض بالنصب على أنها اسم أن وفي رواية بن عساكر فإن الإيمان فرائض على أن الإيمان اسم أن وفرائض خبرها وبالاول جاء الموصول الذي اشرنا إليه قوله فرائض أي أعمالا مفروضه وشرائع أي عقائد دينيه وحدودا أي الكتبى ممنوعة وسننا أي مندوبات قوله فان أعش فسأبينها أي أبين تفاريعها لا اصولها لأن اصولها كانت معلومة لهم مجمله على تجويز تأخير البيان عن وقت الخطاب إذ الحاجة هنا لم تتحق والغرض من هذا الأثر أن عمر بن عبد العزيز كان ممن يقول بان الإيمان يزيد وينقص حيث قال استكمل ولم يستكمل قال الكرماني وهذا على إحدى الكلب وأما على الرواية الأخرى فقد يمنع ذلك لأنه جعل الإيمان غير الفرائض قلت لكن آخر كلامه يشعر بذلك وهو قوله فمن استكملها أي الفرائض وما معها فقد استكمل الإيمان وبهذا تتفق الروايتان فالمراد أنها من المكملات لأن الفاء أطلق على مكملات الإيمان إيمانا قوله وقال إبراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي أشار إلى تفسير سعيد بن جبير ومجاهد وغيرهما لهذه الآية فروى بن جرير بسنده الصحيح إلى سعيد قال قوله ليطمئن قلبي أي يزداد يقيني وعن مجاهد قال لازداد إيمانا إلى ايماني وإذا ثبت ذلك عن إبراهيم عليه السلام مع أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد أمر باتباع ملته كان كأنه ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك وإنما فصل المصنف بين هذه الآية وبين الآيات التي قبلها لأن الدليل يؤخذ من تلك بالنص ومن هذه بالإشارة والله أعلم قوله وقال معاذ هو بن جبل وصرح بذلك الاصيل والتعليق المذكور وصله أحمد وأبو بكر أيضا بسند صحيح إلى الأسود بن هلال قال قال لي معاذ بن جبل أجلس بنا نؤمن ساعة وفي رواية لهما كان معاذ بن جبل يقول للرجل من إخوانه أجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيذكران الله تعالى ويحمدانه وعرف من الرواية الأولى أن الأسود أيهم نفسه ويحتمل أن يكون معاذ قال ذلك له ولغيره ووجه الدلاله منه ظاهرة لأنه لا يحمل على أصل الإيمان لكونه كان مؤمنا وأي مؤمن وإنما يحمل على إرادة أنه يريد أن يزداد إيمانا بذكر الله تعالى وقال القاضي أبو بكر بن العربي لا تعلق فيه للزيادة لأن معاذ إنما أراد تجديد الإيمان لأن العبد يؤمن في أول مرة فرضا ثم يكون أبدا مجددا كلما نظر أو فكر وما نفاه أولا أثبته آخرا لأن تجديد الإيمان إيمان قوله وقال بن مسعود اليقين الإيمان كله هذا التعليق طرف من أثر وصله الطبراني بسند صحيح وبقيته والصبر نصف الإيمان أخرجه أبو نعيم في الحلية والبهيقي في الزهد من حديثه مرفوعا ولا يثبت رفعه وجرى المصنف على عادته في الاقتصار على ما يدل بالاشاره وحذف ما يدل بالصراحة إذ لفظ النصف صريح في التجزئه وفي الإيمان لأحمد من طريق عبد الله بن عكيم عن بن مسعود أنه كان يقول اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها وإسناده صحيح وهذا أصرح في المقصود ولم يذكره المصنف لما أشرت إليه تنبيه تعلق بهذا الأثر من يقول أن الإيمان هو مجرد التصديق وأجيب
[ 46 ]
بان مراد بن مسعود أن اليقين هو أصل الإيمان فإذا ايقن القلب انبعثت الجوارح كلها للقاء الله بالأعمال الصالحه حتى قال سفيان الثوري لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطار اشتياقا إلى الجنة وهربا من النار قوله وقال بن عمر الخ المراد بالتقوى وقاية النفس عن الشرك والأعمال السيئه والمواظبه على الأعمال الصالحه وبهذا التقرير يصح استدلال المصنف وقوله حاك بالمهملة والكاف الخفيفه أي تردد ففيه إشارة إلى أن بعض المؤمنين بلغ كنه الإيمان بوحقيقته وبعضهم لم يبلغ وقد ورد معنى قول بن عمر عند مسلم من حديث النواس مرفوعا وعند أحمد من حديث وابصة وحسن الترمذي من حديث عطية السعدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس وليس فيها شئ على شرط المصنف فلهذا اقتصر على أثر بن عمر ولم أره إلى الآن موصولا وقد أخرج بن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن أبي الدرداء قال تمام التقوى أن تتقي الله حتى تترك ما ترى أنه حلال خشية أن يكون حراما قوله وقال مجاهد وصل هذا التعليق عبد بن حميد في تفسيره والمراد أن الذي تظاهرت عليه الادله من الكتاب والسنة هو شرع الأنبياء كلهم تنبيه قال شيخ الإسلام البلقيني وقع في أصل الصحيح في جميع الروايات في أثر مجاهد هذا تصحيف قل من تعرض لبيانه وذلك أن يسير وقال مجاهد شرع لكم اوصيناك يا محمد وإياه دينا واحدا والصواب اوصاك يا محمد وانبياءه كذا أخرجه عبد بن حميد والفريابي والطبري وابن المنذر في تفاسيرهم وبه يستقيم الكلام وكيف يفرد مجاهد الضمير لنوح وحده مع أن في السياق ذكر جماعة انتهى ولا مانع من الأفراد في التفسير وأن كان لفظ الآية بالجمع على إرادة المخاطب والباقون تبع وأفراد الضمير لا يمتنع لأن نوحا أفرد في الآية فلم يتعين التصحيف وغاية ما ذكر من مجئ التفاسير بخلاف يسير أن يكون مذكورا عند المصنف بالمعنى والله أعلم وقد استدل الشافعي وأحمد وغيرهما على أن الأعمال الخطبة في الإيمان بهذه الآية وما أمروا الا ليعبدوا الله إلى قوله دين القيمة قال الشافعي ليس عليهم أحج من هذه الآية أخرجه أسمع في كتاب السنة قوله وقال بن عباس وصل هذا التعليق عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح والمنهاج السبيل أي الطريق الواضح والشرعة والشريعة بمعنى وقد شرع أي سن فعلى هذا فيه لف ونشر غير مرتب فإن قيل هذا يدل على الاختلا ف والذي قبله على الاتحاد أجيب بان ذلك في أصول الدين وليس بين الأنبياء فيه اختلاف وهذا في الفروع وهو الذي يدخله النسخ قوله دعاؤكم ايمانكم قال النووي يقع في كثير من النسخ هنا باب وهو غلط فاحش وصوابه بحذفه ولا يصح إدخال باب هنا إذ لا تعلق له هنا قلت ثبت باب في كثير من الروايات المتصله منها رواية أبي ذر ويمكن توجيهه لكن قال الكرماني أنه وقف على نسخة مسموعة على الفربري بحذفه وعلى هذا فقوله دعاؤكم أيمانكم من قول بن عباس وعطفه على ما قبله كعادته في حذف أداة العطف حيث ينقل التفسير وقد وصله بن جرير من قول بن عباس قال قوله تعالى قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم قال يقول لولا أيمانكم اخبر الله الكفار أنه لا يعبأ بهم ولولا إيمان المؤمنين لم يعبأ بهم أيضا ووجه الدلالة للمصنف أن الدعاء عمل وقد أطلقه على الإيمان فيصح إطلاق أن الإيمان عمل وهذا على تفسير بن عباس وقال غيره الدعاء هنا الحدود مضاف إلى المفعول والمراد دعاء الرسل الخلق إلى الإيمان فالمعنى ليس لكم عند الله عذر الا أن يدعوكم
[ 47 ]
الرسول فيؤمن من آمن ويكفر من كفر فقد كذبتم أنتم فسوف يكون العذاب لازما لكم وقيل معنى الدعاء هنا الطاعه ويؤيده حديث النعمان بن بشير أن الدعاء هو العبادة أخرجه أصحاب السنن بسند جيد قوله حنظلة بن أبي سفيان هو قرشي مكي من ذرية صفوان بن أمية الجمحي وعكرمة بن خالد هو بن سعيد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي وهو ثقة متفق عليه وفي طبقته عكرمة بن خالد بن سلمة بن هشام بن المغيرة المخزومي وهو ضعيف ولم يخرج له البخاري نبهت عليه لشدة التباسه ويفترقان بشيوخهما ولو يرو الضعيف عن بن عمر زاد مسلم في روايته عن حنظلة قال سمعت عكرمة بن خالد يحدث طاوسا أن رجلا قال لعبد الله بن عمر الا تغزو فقال إني سمعت فذكر الحديث فائدة اسم الرجل السائل حكيم ذكره البيهقي قوله على خمس أي دعائم وصرح به عبد الرزاق في روايته وفي رواية لمسلم على خمسة أي أركان فإن قيل الاربعة المذكورة مبنية على الشهادة إذ لا يصح شئ منها الا بعد وجودها فكيف يضم مبنى إلى مبنى عليه في مسمى واحد أجيب بجواز ابتناء أمر على أمر ينبني على الامرين أمر آخر فإن قيل المبنى لا بد أن يكون غير المبنى عليه أجيب بان المجموع غير من حيث الانفراد عين من حيث الجمع ومثاله البيت من الشعر يجعل على خمسة أعمدة أحدها أوسط والبقية أركان فما دام الأوسط قائما فمسمى البيت موجود ولو سقط مهما سقط من الأركان فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت فالبيت بالنظر إلى مجموعه شئ واحد وبالنظر إلى افراده أشياء وأيضا فبالنظر إلى أسه وأركانه الاس أصل والاركان تبع وتكملة تنبيهات أحدهما لم يذكر الجهاد لأنه فرض كفاية ولا يتعين الا في بعض الأحوال ولهذا جعله بن عمر جواب السائل وزاد في رواية عبد الرزاق في آخره وأن الجهاد من العمل الحسن وأغرب بن بطال فزعم أن هذا الحديث كان أول الإسلام قبل فرض الجهاد وفيه نظر بل هو خطا لأن فرض الجهاد كان قبل وقعة بدر وبدر كانت في رمضان في السنة الثانية وفيها فرض الصيام والزكاة بعد ذلك والحج بعد ذلك على الصحيح ثانيها قوله شهادة أن لا إله الا الله وما بعدها مخفوض على البدل من خمس ويجوز الرفع على حذف الخبر والتقدير منها شهادة أن لا إله الا الله أو على حذف المبتدأ والتقدير أحدها شهادة أن لا إله الا الله فإن قيل لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وغير ذلك مما تضمنه سؤال جبريل عليه السلام أجيب بان المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به فيستلزم جميع ما ذكر من المعتقدات وقال الاسماعيلي ما محصله هو من باب تسمية الشئ ببعضه كما تقول قرأت الحمد وتريد جميع الفاتحة وكذا نقول مثلا شهدت برسالة محمد وتريد جميع ما ذكر والله أعلم ثالثها المراد باقام الصلاة المداومة عليها أو مطلق الإتيان بها والمراد كجدتين الزكاة إخراج جزء من المال على وجه مخصوص رابعها اشترط الباقلاني في صحة الإسلام تقدم الإقرار بالتوحيد على الرسالة ولم يتابع مع أنه إذا دقق فيه بان وجهه ويزداد اتجاها إذا فرقهما فليتأمل خامسها يستفاد منه تخصيص عموم مفهوم السنة بخصوص منطوق القرآن لأن عموم الحديث يقتضي صحة إسلام من باشر ما ذكر ومفهومه أن من لم يباشره لا يصح منه وهذا العموم مخصوص بقوله تعالى والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم على ما تقرر في موضعه سادسها وقع هنا تقديم الحج على الصوم وعليه بني البخاري ترتيبه لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن
[ 48 ]
عبيدة عن بن عمر بتقديم الصوم على الحج قال فقال رجل والحج وصيام رمضان فقال بن عمر لا صيام رمضان والحج هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ففي هذا اشعار بان رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى أما لأنه لم يسمع رد بن عمر على الرجل لتعدد المجلس أو حضر ذلك ثم نسيه ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون بن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم على الوجهين ونسي أحدهما عند رده على الرجل ووجه بعده أن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولي من تطرقه إلى الصحابي وكيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج ولأبي عوانة من وجه آخر عن حنظلة أنه جعل صوم رمضان قبل فتنويعه دال على أنه روى بالمعنى ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة افيقال أن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه هذا مستبعد والله أعلم فائدة اسم الرجل المذكور يزيد بن بشر السكسكي ذكره الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى قوله باب أمور الإيمان وللكشميهني أمر الإيمان بالافراد على إرادة الجنس والمراد بيان الأمور التي هي الإيمان والأمور التي للإيمان قوله وقول الله تعالى بالخفض ووجه الاستدلال بهذه الآية ومناسبتها لحديث الباب تظهر من الحديث الذي رواه عبد الرزاق وغيره من طريق مجاهد أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فتلا عليه ليس البر إلى آخرها ورجاله ثقات وإنما لم يسقه المؤلف لأنه ليس على شرطه ووجهه أن الآية حصرت التقوى على أصحاب هذه الصفات والمراد المتقون من الشرك والأعمال السيئه فإذا فعلوا وتركوا فهم المؤمنون الكاملون والجامع بين الآية والحديث أن الأعمال مع انضمامها إلى التصديق داخلة في مسمى البر كما هي داخلة في مسمى الإيمان فإن قيل ليس في المتن ذكر التصديق أجيب بأنه ثابت في أصل هذا الحديث كما أخرجه مسلم وغيره والمصنف يكثر الاستدلال بما اشتمل عليه المتن الذي يذكر أصله ولم يسقه تاما قوله قد أفلح المؤمنون ذكره بلا أداة عطف والحذف جائز والتقدير وقول الله قد أفلح المؤمنون وثبت المحذوف في رواية الأصيلي ويحتمل أن يكون ذكر ذلك تفسيرا لقوله المتقون أي المتقون هم الموصوفون بقوله قد أفلح إلى آخرها وكان المؤلف أشار إلى إمكان عد الشعب من هاتين الآيتين وشبههما ومن ثم ذكر بن حيان أنه عد كل طاعة عدها الله تعالى في كتابه من الإيمان وكل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان وحذف المكرر فبلغت سبعا وسبعين قوله عن أبي هريرة هذا أول حديث وقع ذكره فيه ومجموع ما أخرجه له البخاري من المتون المستقلة أربعمائة حديث وستة وأربعون حديثا على التحرير وقد اختلف في اسمه اختلافا كثيرا قال بن عبد البر لم يختلف في اسم في الجاهلية والإسلام مثل ما اختلف في اسمه اختلف فيه على عشرين قولا قلت وسرد بن الجوزي في التلقيح منها ثمانية عشر وقال النووي تبلغ أكثر من ثلاثين قولا قلت وقد جمعتها في ترجمته في تهذيب التهذيب فلم تبلغ ذلك ولكن كلام الشيخ أمرهم على الاختلاف في اسمه وفي اسم أبيه معا قوله بضع بكسر أوله وحكى الفتح لغة وهو عدد مبهم مقيد بما بين الثلاث إلى التسع كما جزم به القزاز وقال بن سيده إلى العشر وقيل من واحد إلى تسعة وقيل من اثنين إلى عشرة وقيل من أربعة إلى تسعة وعن الخليل البضع السبع ويرجح ما قاله
[ 49 ]
القزاز ما اتفق عليه المفسرون في قوله تعالى فلبث في السجن بضع سنين وما رواه الترمذي بسند صحيح أن قريشا قالوا ذلك لأبي بكر وكذا رواه الطبري مرفوعا ونقل الصغاني في العباب أنه خاص بما دون العشرة وبما دون العشرين فإذا جاوز العشرين أمتنع قال وأجازه أبو زيد فقال يقال بضعة قرة رجلا وبضع قرة امرأة وقال الفراء وهو خاص بالعشرات إلى التسعين ولا يقال بضع ومائة ولا بضع وألف ووقع في بعض الروايات بضعة بتاء التأنيث ويحتاج إلى تأويله قوله وستون لم تختلف الطرق عن أبي عامر شيخ شيخ المؤلف في ذلك وتابعه يحيى الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم عن سليمان بن بلال أخرجه أبو عوانة من طريق بشر بن عمرو وعن سليمان بن بلال فقال بضع وستون أو بضع وسبعون وكذا وقع التردد في رواية مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار ورواه أصحاب السنن الثلاثة من طريقه فقالوا بضع وسبعون من غير شك ولأبي عوانة في صحيحه من طريق ست وسبعون أو سبع وسبعون ورجح البيهقي رواية البخاري لأن سليمان لم يشك وفيه نظر لما ذكرنا من رواية بشر بن عمرو عنه فتردد أيضا لكن يرجح بأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه وأما رواية الترمذي بلفظ أربع وستون فمعلولة وعلى صحتها لا تخالف رواية البخاري وترجيح رواية بضع وسبعون لكونها زيادة ثقة كما ذكره الحليمي ثم عياض لا يستقيم إذ الذي زادها لم يستمر على الجزم بها لا سيما مع اتحاد المخرج وبهذا يتبين بلقان نظر البخاري وقد رجح بن الصلاح الأقل لكونه المتيقن قوله شعبة بالضم أي قطعة والمراد الخصلة أو الجزء قوله والحياء هو بالمد وهو في اللغة تغير وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب به وقد يطلق على مجرد ترك الشئ بسبب والترك إنما هو من لوازمه وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ولهذا جاء في الحديث الآخر الحياء خير كله فإن قيل الحياء من الغرائز فكيف جعل شعبة من الإيمان أجيب بأنه قد يكون غريزة وقد يكون تخلقا ولكن استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب بعدم ونية فهو من الإيمان لهذا ولكونه باعثا على فعل الطاعة وحاجزا عن فعل المعصية ولا يقال رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير لأن ذاك ليس شرعيا فإن قيل لم أفرده بالذكر هنا أجيب بأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذ الحي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر والله الموفق وسيأتي مزيد في الكلام عن الحياء في باب الحياء من الإيمان بعد ثلاثة عشر بابا فائدة قال القاضي عياض تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في الإيمان أه ولم يتفق من عد الشعب على نمط واحد واقربها إلى الصواب طريقة بن حبان لكن لم نقف على بيانها من كلامه وقد لخصت مما اوردوه ما أذكره وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب واعمال اللسان واعمال البدن فاعمال القلب فيه المعتقدات والنيات وتشتمل على أربع وعشرين خصلة الإيمان بالله ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شئ واعتقاد حدو ث ما دونه والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره والإيمان باليوم الآخر ويدخل فيه المسألة في القبر والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنة والنار ومحبة الله والحب والبغض فيه ومحبة
[ 50 ]
النبي صلى الله عليه وسلم واعتقاد تعظيمه ويدخل فيه الصلاة عليه واتباع سنته والإخلاص ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق والتوبة والخوف والرجاء والشكر والوفاء والصبر والرضا بالقضاء والتوكل والرحمة والتواضع ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة الصغير وترك الكبر والعجب وترك الحسد وترك الحقد وترك الغضب واعمال اللسان وتشتمل على سبع خصال التلفظ بالتوحيد وتلاوة القرآن وتعلم العلم وتعليمه والدعاء والذكر ويدخل فيه الاستغفار واجتناب اللغو واعمال البدن وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة منها ما يختص بالأعيان وهي خمس عشرة خصلة التطهير حسا وحكما ويدخل فيه اجتناب النجاسات وستر العورة والصلاة فرضا ونفلا والزكاة كذلك وفك الرقاب والجود ويدخل فيه إطعام الطعام واكرام الضيف والصيام فرضا ونفلا والحج والعمرة كذلك والطواف والاعتكاف والتماس ليلة القدر والفرار بالدين ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك والوفاء بالنذر والتحرى في الإيمان وأداء الكفارات ومنها ما يتعلق بالاتباع وهي ست خصال التعفف بالنكاح والقيام بحقوق العيال وبر الوالدين وفيه اجتناب العقوق وتربية الأولاد وصلة الرحم وطاعة السادة أو الرفق بالعبيد ومنها ما يتعلق بالعامة وهي سبع عشرة خصلة القيام بالامرة مع العدل ومتابعة الجماعة وطاعة أولي الأمر والإصلاح بين الناس ويدخل فيه قتال الخوارج والبغاة والمعاونة على البر ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود والجهاد ومنه المرابطة وأداء الأمانة ومنه أداء الخمس والقرض مع وفائه واكرام الجار وحسن المعاملة وفيه جمع المال من حله وانفاق المال في حقه ومنه ترك التبذير والاسراف ورد السلام وتشميت العاطس وكف الأذى عن الناس واجتناب اللهو واماطة الأذى عن الطريق فهذه تسع وستون خصلة ويمكن عدها تسعا وسبعين خصلة باعتبار افراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر والله أعلم فائدة في رواية مسلم من الزيادة أعلاها لا إله الا الله وادناها إماطة الاذي عن الطريق وفي هذا إشارة إلى أن مراتبها متفاوتة تنبيه في الإسناد المذكور رواية الأقران وهي عبد الله بن دينار عن أبي صالح لأنهما تابعيان فإن وجدت رواية أبي صالح عنه صار من المدبج ورجاله من سليمان إلى منتهاه من أهل المدينة وقد دخلها الباقون قوله باب سقط من رواية الأصيلي وكذا أكثر الأبواب وهو منون ويجوز فيه الإضافة إلى جملة الحديث لكن لم تات به الرواية قوله المسلم استعمل لفظ الحديث ترجمة من غير يطلق فيه قوله أبي إياس اسمه ناهية بالنون وبين الهاءين ياء اخيرة وقيل اسمه عبد الرحمن قوله أبي السفر اسمه سعيد بن يحمد كما تقدم وإسماعيل مجرور بالفتحة عطفا عليه والتقدير كلاهما عن الشعبي وعبد الله بن عمرو هو بن العاص صحابي بن صحابي قوله المسلم قيل الألف واللام فيه للكمال نحو زيد الرجل أي الكامل في الرجولية وتعقب بأنه يستلزم أن من اتصف بهذا خاصة كان كاملا ويجاب بان المراد بذلك مع مراعاة باقي الأركان قال الخطابي المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله تعالى أداء حقوق المسلمين انتهى وإثبات اسم الشئ على معنى اثبات دابة له مستفيض في كلامهم ويحتمل أن يكون المراد بذلك أن يبين علامة المسلم التي يستدل بها على إسلامه وهي سلامة المسلمين من لسانه ويده كما ذكر مثله
[ 51 ]
في علامة المنافق ويحتمل أن يكون المراد بذلك الإشارة إلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فاولى أن يحسن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى تنبيه ذكر المسلمين هنا خرج مخرج الغالب لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تأكيدا ولان الكفار بصدد أن يقاتلوا وأن كان فيهم من يجب الكف عنه والاتيان بجمع التذكير للتغليب فإن المسلمات يدخلن في ذلك وخص اللسان بالذكر لأنه المعبر عما في النفس وهكذا اليد لأن أكثر الأفعال بها والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد لأن اللسان يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد بخلاف اليد نعم يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة وأن أثرها في ذلك لعظيم ويستثنى من ذلك شرعا تعاطي الضرب باليد في إقامة الحدود والتعازير على المسلم المستحق لذلك وفي التعبير باللسان دون القول نكتة فيدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة فيدخل فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حق فائدة فيه من يجري البديع تجنيس الاشتقاق وهو كثير قوله والمهاجر هو بمعنى الهاجر وأن كان لفظ المفاعل يقتضي وقوع فعل من اثنين ولكنه هنا للواحد كالمسافر ويحتمل أن يكون على بابه لأن من السري كونه هاجرا وطنه مثلا أنه مهجور من وطنه وهذه الهجرة ضربان ظاهرة وباطنه فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الامارة بالسوء والشيطان والظاهرة الفرار بالدين من الفتن وكأن المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتكلوا على مجرد التحول من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه ويحتمل أن يكون ذلك قيل بعد انقطاع الهجرة لما فتحت مكة تطييبا لقلوب من لم يدرك ذلك بل حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه فاشتملت هاتان الجملتان على جوامع من معاني الحكم والأحكام تنبيه هذا الحديث من افراد البخاري عن مسلم بخلاف جميع ما تقدم من الأحاديث المرفوعة على أن مسلما أخرج معناه من وجه آخر وزاد بن حبان والحاكم في المستدرك من حديث أنس صحيحا والمؤمن من أمنة الناس وكأنه اختصره هنا لتضمنه لمعناه والله أعلم قوله وقال معاوية حدثنا داود هو بن أبي هند وكذا في رواية بن عساكر عن عامر وهو الشعبي المذكور في الإسناد الموصول وأراد بهذا التعليق بيان سماعه له من الصحابي والنكتة فيه رواية وهيب بن خالد له عن داود عن الشعبي عن رجل عن عبد الله بن عمرو حكاه بن منده فعلى هذا لعل الشعبي بلغه ذلك عن عبد الله ثم لقيه فسمعه منه ونبه بالتعليق الآخر على أن عبد الله الذي اهمل في روايته هو عبد الله بن عمرو الذي بين في رواية رفيقه والتعليق عن أبي معاوية وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عنه وأخرجه بن حبان في صحيحه من طريقه ولفظه سمعت عبد الله بن عمرو يقول ورب هذه البنية لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المهاجر من هجر السيئات والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده فعلم أنه ما أراد الا أصل الحديث والمراد بالناس هنا المسلمون كما في الحديث الموصول فهم الناس حقيقة عند الإطلاق لأن الإطلاق يحمل على الكامل ابن كمال في غير المسلمين ويمكن حمله على عمومه على إرادة شرط وهو الا بحق مع أن إرادة هذا الشرط متعينه على كل حال لما قدمته من استثناء إقامة الحدود على المسلم والله سبحانه وتعالى أعلم قوله باب هو منون وفيه ما في الذي قبله قوله حدثنا أبو بردة هو بريد
[ 52 ]
بالموحدة والراء مصغرا وشيخه جده وافقه في كنيته لا في اسمه وأبو موسى هو الأشعري قوله قالوا رواه مسلم والحسن بن سفيان وأبو يعلى في مسنديهما عن سعيد بن يحيى بن سعيد شيخ البخاري شوال هذا بلفظ قلنا ورواه بن منده من طريق حسين بن محمد الغساني أحد الحفاظ عن سعيد بن يحيى اه بلفظ قلت فتعين أن السائل أبو موسى ولا تخالف بين الروايات لأنه في هذه صرح وفي رواية مسلم أراد نفسه ومن معه من الصحابة إذ الراضي بالسؤال في حكم السائل وفي رواية البخاري أراد أنه وإياهم وقد سأل هذا السؤال أيضا أبو ذر رواه بن حبان وعمير بن قتادة رواه الطبراني قوله أي الإسلام إن قيل الإسلام مفرد وشرط أي الخطبة على متعدد أجيب بأن فيه حذفا تقديره أي ذوي الإسلام أفضل ويؤيده رواية مسلم أي المسلمين أفضل والجامع بين اللفظين أن أفضلية المسلم حاصلة بهذه الخصلة وهذا التقدير أولي من تقدير بعض الشراح هنا أي خصال الإسلام وإنما قلت أنه أولي لأنه يلزم عليه سؤال آخر بأن يقال سئل عن الخصال فأجاب بصاحب الخصلة فما الحكمه في ذلك وقد يجاب بأنه يتأنى نحو قوله تعالى يسالونك ماذا ينفقون قل ما انفقتم من خير فللوالدين والأقربين الآية والتقدير بأي ذوي الإسلام يقع الجواب مطابقا له بغير تأويل وإذا ثبت أن بعض خصال المسلمين المتعلقه بالإسلام أفضل من بعض حصل مراد المصنف بقبول الزيادة والنقصان فتظهر مناسبة هذا الحديث والذي قبله لما قبلهما من تعداد أمور الإيمان إذ الإيمان والإسلام عنده مترادفان والله أعلم فإن قيل لم جرد أفعل هنا عن العمل أجيب بان الحذف عند العلم به جائز والتقدير أفضل من غيره تنبيه هذا الإسناد كله كوفيون ويحي بن سعيد المذكور اسم جده أبان بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي ونسبه المصنف قرشيا بالنسبة الأعمية يكنى أبا أيوب وفي طبقته يحيى بن سعيد القطان وحديثه في هذا الكتاب أكثر من حديث الأموي وليس له بن يروي عنه يسمى سعيدا فافترقا وفي الكتاب ممن يقال له يحيى بن سعيد اثنان أيضا لكن من طبقة فوق طبقة هذين وهما يحيى بن سعيد الأنصاري السابق في حديث الأعمال أول الكتاب ويحيى بن سعيد التميمي أبو حيان ويمتاز عن الأنصاري بالكنيه والله الموفق قوله باب هو منون وفيه ما في الذي قبله قوله من الإسلام للاصيلي من الإيمان أي من خصال الإيمان ولما استدل المصنف على زيادة الإيمان ونقصانه بحديث الشعب تتبع ما ورد في القرآن والسنن الصحيحة من بيانها النمص في هذه الأبواب تصريحا وتلويحا وترجم هنا بقوله إطعام الطعام ولم يقل أي الإسلام خير كما في الذي قبله أشعارا باختلاف المقامين وتعدد السؤالين كما سنقرره قوله حدثنا عمرو بن خالد هو الحرابي وهو بفتح العين وصحف من ضمنها قوله الليث هو بن سعد فقيه أهل مصر عن يزيد هو بن أبي حبيب الفقيه أيضا قوله ان رجلا لم أعرف اسمه وقيل أنه أبو ذر وفي بن حبان أنه هانئ بن يزيد والد شريح سأل عن معنى ذلك فأجيب بنحو ذلك قوله أي الإسلام خير فيه ما في الذي قبله من السؤال والتقدير أي خصال الإسلام وإنما لم اختر تقدير خصال في الأول فرارا من كثرة الحذف وأيضا فتنويع التقدير يتضمن جواب من سأل فقال السؤالان بمعنى واحد والجواب يختلف فيقال له إذا لاحظت هذين التقديرين بان الفرق ويمكن التوفيق بأنهما متلازمان إذ الإطعام مستلزم لسلامة اليد والسلام لسلامة
[ 53 ]
اللسان قاله الكرماني وكأنه أراد في الغالب ويحتمل أن يكون الجواب اختلف لاختلاف السؤال عن الأفضلية أن لوحظ بين لفظ أفضل ولفظ خير فرق وقال الكرماني الفضل بمعنى كثرة النصارى في مقابلة القلة والخير بمعنى النفع في مقابلة الشر فالأول من الكمية والثاني من الكيفية فافترقا واعترض بان الفرق لا يتم الا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة أما إذا كان كل منهما يعقل تأتيه في الأخرى فلا وكأنه بني على أن لفظ خير اسم لا أفعل تفضيل وعلى تقدير اتحاد السؤالين جواب مشهور وهو الحمل على اختلاف حال السائلين أو السامعين فيمكن أن يراد في الجواب الأول تحذير من خشي منه الايذاء بيد أو اختلفوا فارشد إلى الكف وفي الثاني ترغيب من رجى فيه النفع العام بالفعل والقول فارشد إلى ذلك وخص هاتين الخصلتين بالذكر لمسيس الحاجة إليهما في ذلك الوقت لما كانوا فيه من الجهد ولمصلحة التاليف ويدل على ذلك أنه عليه الصلاة والسلام حث عليهما أول ما دخل المدينة كما رواه الترمذي وغيره مصححا من حديث عبد الله بن سلام قوله تطعم هو في تقدير المصدر أي أن تطعم ومثله تسمع بالمعيدي وذكر الإطعام ليدخل فيه الضيافة وغيرها قوله وتقرأ بلفظ مضارع القراءة بمعنى تقول قال أبو حاتم السجستاني نقول أقرأ عليه السلام ولا تقول أقرئه السلام فإذا كان مكتوبا قلت أقرئه السلام أي اجعله يقرأه قوله ومن لم تعرف أي لا تخص به أحدا تكبرا أو تصنعا بل تعظيما لشعار الإسلام ومراعاة لاخوة المسلم فإن قيل اللفظ عام فيدخل الكافر والمنافق والفاسق أجيب بأنه خص بأدلة أخرى أو أن النهى متاخر وكان هذا عاما لمصلحة التاليف وأما من شك فيه فالاصل البقاء على العموم حتى يثبت الخصوص تنبيهان الأول أخرج مسلم من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب هذا الإسناد وكما هذا السؤال لكن جعل الجواب كالذي في حديث أبي موسى فادعى بن منده فيه الاضطراب وأجيب بأنهما حديثان اتحد اسنادهما وافق أحدهما حديث أبي موسى ولثانيهما شاهد من حديث عبد الله بن سلام كما تقدم الثاني هذا الإسناد كله مصريون والذي قبله كما ذكرنا كوفيون والذي بعده من طريقيه بصريون فوقع له التسلسل في الأبواب الثلاثة على الولاء وهو من الطائف باب من الإيمان قال الكرماني قدم لفظ الإيمان بخلاف أخواته حيث قال إطعام الطعام من الإيمان أما للاهتمام بذكره أو للحصر كأنه قال المحبة المذكورة ليست الا من الإيمان قلت وهو توجيه حسن الا أنه يرد عليه أن الذي بعده أليق بالاهتمام والحصر معا وهو قوله باب حب الرسول من الإيمان فالظاهر أنه أراد التنويع في العبارة ويمكن أنه اهتم بذكر حب الرسول فقدمه والله أعلم قوله يحيى هو بن سعيد القطان قوله وعن حسين المعلم هو بن ذكوان وهو معطوف على شعبة فالتقدير عن شعبة وحسين كلاهما عن قتادة وإنما لم يجمعهما لأن شيخه افردهما النمص المصنف معطوفا اختصارا ولان شعبة قال عن قتادة وقال حسين حدثنا قتادة وأغرب بعض المتأخرين فزعم أن طريق حسين معلقة وهو غلط فقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم الحربي عن مسدد شيخ المصنف عن يحيى القطان عن حسين المعلم وأبدى الكرماني كعادته بحسب التجويز العقلي أن يكون تعليقا أو معطوفا على قتادة فيكون شعبة رواه عن حسين عن قتادة إلى غير ذلك مما ينفر عنه من مارس شيئا من علم الإسناد والله
[ 54 ]
المستعان تنبيه المتن المساق هنا لفظ شعبة وأما لفظ حسين من رواية مسدد التي ذكرناها فهو لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ولجاره وللاسماعيلي من طريق روح عن حسين حتى يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير فبين المراد بالأخوة وعين جهة الحب وزاد مسلم في أوله عن أبي خيثمة عن يحيى القطان والذي نفسي بيده وأما طريق شعبة فصرح أحمد والنسائي في روايتهما بسماع قتادة له من أنس فانتفت تهمة تدليسه قوله لا يؤمن أي من يدعي الإيمان وللمستملي أحدكم وللأصيلي أحد ولابن عساكر عبد وكذا لمسلم عن أبي خيثمة والمراد بالنفي كمال الإيمان ونفى اسم الشئ على معنى نفي دابة عنه مستفيض في كلامهم كقولهم فلان ليس بإنسان فإن قيل فيلزم أن يكون من حصلت له هذه الخصله مؤمنا كاملا وإن لم يأت ببقية الأركان أجيب بان هذا ورد مورد المبالغة أو يستفاد من قوله لأخيه المسلم ملاحظة بقية صفات المسلم وقد صرح بن حبان من رواية بن أبي عدي عن حسين المعلم بالمراد ولفظه لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان ومعنى الحقيقة هنا دابة ضرورة أن من لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافرا وبهذا يتم استدلال المصنف على أنه يتفاوت وأن هذه الخصلة من شعب الإيمان وهي داخلة في التواضع على ما سنقرره قوله حتى يحب بالنصب لأن حتى جارة وأن بعدها مضمرة ولا يجوز الرفع فتكون حتى عاطفة فلا يصح المعنى إذ عدم الإيمان ليس سببا للمحبه قوله ما يحب لنفسه أي من الخير كما تقدم عن الاسماعيلي وكذا هو عند النسائي وكذا عند بن منده من رواية همام عن قتادة أيضا والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والاخروية وتخرج المنهيات لأن اسم الخير لا يتناولها والمحبة إرادة ما يعتقده خيرا قال النووي المحبة الميل إلى ما يوافق المحب وقد تكون بحواسه كحسن الصورة أو بفعله إما لذاته كالفضل والكمال وإما بإحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر انتهى ملخصا والمراد بالميل هنا الاختياري دون الطبيعي والقسري والمراد أيضا أن يحب أن يحصل لأخيه وكما ما يحصل له لاعينه سواء كان في الأمور المحسوسة أو المعنوية وليس المراد أن يحصل لأخيه ما حصل له لا مع سلبه عنه ولا مع بقائه بعينه له إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال وقال أبو الزناد بن سراج ظاهر هذا الحديث طلب المساواة وحقيقته تستلزم التفضيل لأن كل أحد يحب أن يكون أفضل من غيره فإذا أحب لأخيه مثله فقد دخل في جملة المفضولين قلت أقر القاضي عياض هذا وفيه نظر إذ المراد الزجر عن هذه الإرادة لأن المقصود الحث على التواضع فلا يحب أن يكون أفضل من غيره فهو مستلزم للمساواة ويستفاد ذلك من قوله تعالى تلك الدار الآخرة تجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ولا يتم ذلك الا بترك الحسد والغل والحقد والغش وكلها خصال مذمومة فائدة قال الكرماني ومن الإيمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر ولم يذكره لأن حب الشئ مستلزم لبغض نقيضه فترك التنصيص عليه اكتفاء والله أعلم قوله باب حب الرسول اللام فيه للعهد والمراد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرينه قوله حتى أكون أحب وأن كانت محبة جميع الرسل من الإيمان لكن الاحبية مختصة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله شعيب هو بن أبي حمزة الحمصي واسم أبي حمزة دينار وقد أكثر المصنف من تخريج حديثه عن الزهري وأبي الزناد ووقع في غرائب مالك للدار قطني إدخال رجل وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن
[ 55 ]
بين الأعرج وأبي هريرة في هذا الحديث وهي زيادة شاذة فقد رواه الاسماعيلي بدونها من حديث مالك ومن حديث إبراهيم بن طهمان وروى بن منده من طريق أبي حاتم الرازي عن أبي وابنه شيخ البخاري هذا الحديث مصرحا فيه بالتحديث في جميع الإسناد وكذا النسائي من طريق على بن عياش عن شعيب قوله والذي نفسي بيده فيه جواز الحلف على الأمر المهم توكيدا وإن لم يكن هناك مستحلف قوله لا يؤمن أي إيمانا كاملا قوله احب هو أفعل بمعنى المفعول وهو مع كثرته على خلاف القياس وفصل بينه وبين معموله بقوله إليه لأن الممتنع الفصل باجنبي قوله من والده وولده قدم الوالد للاكثريه لأن كل أحد له والد من غير عكس وفي رواية النسائي في حديث أنس تقديم الولد على الوالد وذلك لمزيد من الشفقه ولم تختلف الروايات في ذلك في حديث أبي هريرة هذا وهو من افراد البخاري عن مسلم قوله أخبرنا يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي والتفريق بين حدثنا وأخبرنا لا يقول به المصنف كما يأتي في العلم وقد وقع في غير رواية أبي ذر حدثنا يعقوب قوله وحدثنا ادم عطف الإسناد الثاني على الأول قبل أن يسوق المتن فاوهم استواءهما فإن لفظ قتادة مثل لفظ حديث أبي هريرة لكن زاد فيه والناس أجمعين ولفظ عبد العزيز مثله الا أنه قال كما رواه بن خزيمة في صحيحه عن يعقوب شيخ البخاري بهذا الإسناد من أهله وماله بدل من والده وولده وكذا لمسلم من طريق بن علية وكذا للاسماعيلي من طريق عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز ولفظه لا يؤمن الرجل وهو اشمل من جهة واحدكم اشمل من جهة واشمل منها رواية الأصيلي لا يؤمن أحد فإن قيل فسياق عبد العزيز مغاير لسياق قتادة وصنيع البخاري يوهم اتحادهما في المعنى وليس كذلك فالجواب أن البخاري يصنع مثل هذا نظرا إلى أصل الحديث لا إلى خصوص ألفاظه واقتصر على سياق قتادة لموافقته لسياق حديث أبي هريرة ورواية شعبة عن قتادة مأمون فيها من تدليس قتادة لأنه كان لا يسمع منه الا ما سمعه وقد وقع التصريح به في هذا الحديث في رواية النسائي وذكر الولد والوالد أدخل في المعنى لأنهما أعز على العاقل من الأهل والمال بل ربما يكونان أعز من نفسه ولهذا لم يذكر النفس أيضا في حديث أبي هريرة وهل الخطبة الأم في لفظ الوالد أن أريد به من له الولد فيعم أو يقال اكتفى بذكر أحدهما كما يكتفي عن أحد الضدين بالاخر ويكون ما ذكر على سبيل التمثيل والمراد الاعزة كأنه قال أحب إليه من اعزته وذكر الناس بعد الوالد والولد من عطف العام على الخاص وهو كثير ربع الوالد على الولد في رواية لتقدمه بالزمان والإجلال ومقدم الولد في أخرى لمزيد الشفقه وهل الخطبة النفس في عموم قوله والناس أجمعين الظاهر دخوله وقيل إضافة المحبة إليه تقتضي خروجه منهم وهو بعيد وقد وقع التنصيص بذكر النفس في حديث عبد الله بن هشام كما سيأتي والمراد بالمحبة هنا حب الاختيار لا حب الطبع قاله الخطابي وقال النووي فيه تلميح إلى قضية النفس الامارة والمطمئنة فإن من رجح جانب المطمئنة كان حبه للنبي صلى الله عليه وسلم راجحا ومن رجح جانب الامارة كان حكمة بالعكس وفي كلام القاضي عياض أن ذلك شرط في صحة الإيمان لأنه حمل المحبة على معنى التعظيم والإجلال وتعقبه صاحب المفهم بأن ذلك ليس مرادا هنا لأن اعتقاد الأعظمية ليس مستلزما للمحبة إذ قد يجد الإنسان اعظام شئ مع خلوه من محبته قال فعلى هذا من لم يجد من نفسه ذلك الميل لم يكمل ايمانه وإلى هذا يومئ قول عمر الذي رواه المصنف في الإيمان
[ 56 ]
والنذور من حديث عبد الله بن هشام أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم لانت يا رسول الله أحب إلى من كل شئ الا من نفسي فقال لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر فإنك الآن والله أحب إلى من نفسي فقال الآن يا عمر انتهى فهذه المحبة ليست باعتقاد الاعظميه فقط فإنها كانت حاصلة لعمر قبل ذلك قطعا ومن علامة الحب المذكور أن يعرض على المرء أن لو خير بين فقد غرض من اغراضه أو فقد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كانت ممكنه فإن كان فقدها أن لو كانت ممكنة أشد عليه من فقد شئ من اغراضه فقد اتصف بالاحبية المذكورة ومن لا فلا وليس ذلك محصورا في الوجود والفقد بل يأتي مثله في نصرة سنته والذب عن شريعته وقمع مخالفيها ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة التفكر فإن الاحبية المذكورة تعرف به وذلك أن محبوب الإنسان أما نفسه وأما غيرها أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الافات وهذا هو حقيقة المطلوب وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفه حالا ومالا فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب علم أنه بسبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي بعدم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته اوفر من غيره لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم لأن هذا ثمرة المعرفة وهم بها أعلم والله الموفق وقال القرطبي كل من أمن بالنبي صلى الله عليه وسلم إيمانا صحيحا لا غلام عن وجدان شئ من تلك المحبة الراجحة غير إنهم متفاوتون فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الاوفى ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى كمن كان مستغرقا في الشهوات محجوبا في الغفلات في أكثر الأوقات لكن الكثير منهم إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أشتاق إلى رؤيته بحيث يؤثرها على أهله وولده وماله ووالده ويبذل نفسه في الأمور الخطيرة ويجد مخبر ذلك من نفسه وجدانا لاتردد فيه وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع اثاره على جميع ما ذكر لما وقر في قلوبهم من محبته غير أن ذلك سريع الزوال بتوالي الغفلات والله المستعان انتهى ملخصا قوله باب حلاوة الإيمان مقصود الصنف أن الحلاوة من ثمرات الإيمان ولما قدم أن محبة الرسول من الإيمان أردفه بما يوجد حلاوة ذلك قوله حدثنا محمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي بفتح النون بعدها زاي قال حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد حدثنا أيوب هو بن أبي تميمه السختياني بفتح السين المهملة على الصحيح وحكى ضمها وكسرها عن أبي قلابة بكسر القاف وبباء موحدة قوله ثلاث هو مبتدأ والجملة الخبر وجاز الابتداء بالنكرة لأن التنوين عوض المضاف إليه فالتقدير ثلاث خصال ويحتمل في اعرابه غير ذلك قوله كن أي حصلن فهي تامة وفي قوله حلاوة الإيمان استعارة تخييلية العطار رغبة المؤمن في الإيمان بشئ حلو وأثبت له السري ذلك الشئ واضافه إليه وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح لأن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مرا والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه وكلما نقصت الصحة شيئا ما نقص ذوقه بقدر ذلك فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوي استدلال المصنف على الزيادة
[ 57 ]
والنقص قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة إنما عبر بالحلاوة لأن الله شبة الإيمان بالشجرة في قوله تعالى مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة فالكلمة هي كلمة الإخلاص والشجرة أصل الإيمان واغصانها أتباع الأمر واجتناب النهي وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير وثمرها عمل الطاعات وحلاوة الثمر جني الثمرة وغاية كماله تناهى نضج الثمرة وبه تظهر حلاوتها قوله احب إليه منصوب لأنه خبر يكون قال البيضاوي المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله فإذا تأمل المرء أن الفاء لا يأمر ولا ينهى الا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك تمرن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعا له ويلتذ بذلك التذاذا عقليا إذ الالتذاذ العقلي إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك وعبر الفاء عن هذه الحالة بالحلاوة لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة قال وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانا لكمال الإيمان لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه وأن ما عداه وسائط وأن الرسول هو الذي يبين له مراد ربه اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه فلا يحب الا ما يحب ولا يحب من يحب الا من أجلة وأن يتقين أن جملة ما وعد وأوعد حق يقينا ويخيل إليه الموعود كالواقع فيحسب أن مجالس الذكر رياض الجنة وأن العود إلى الكفر إلقاء في النار انتهى ملخصا وشاهد الحديث من القرآن قوله تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم إلى أن قال أحب إليكم من الله ورسوله ثم هدد على ذلك وتوعد بقوله فتربصوا فائدة فيه إشارة إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل فالأول من الأول والاخير من الثاني وقال غيره محبة الله على قسمين فرض وندب فالفرض المحبة التي تبعث على امتثال اوامره والانتهاء عن معاصيه والرضا بما يقدره فمن وقع في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره في محبة الله حيث قدم هوى نفسه والتقصير تارة يكون مع الاسترسال في المباحات والاستكثار منها فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء فيقدم على المعصية أو تستمر الغفلة فيقع وهذا الثاني يسرع إلى الاقلاع مع الندم وإلى الثاني يشير حديث لا يزني الزاني وهو مؤمن والندب أن يواظب على النوافل ويتجنب الوقوع في الشبهات والمتصف عموما بذلك نادر قال وكذلك محبة الرسول على قسمين كما تقدم ويزاد أن لا يتلقى شيئا من المأمورات والمنهيات الا من مشكاته ولا يسلك الا طريقته ويرضى بما شرعه حتى لا يجد في نفسه حرجا بما قضاه ويتخلق باخلاقه في الجود والايثار والحلم والتواضع وغيرها فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان وتتفاوت مراتب المؤمنين بحسب ذلك وقال الشيخ محيي الدين هذا حديث عظيم أصل من أصول الدين ومعنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في الدين وايثار ذلك على أعراض الدنيا ومحبة العبد لله تحصل بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك الرسول وإنما قال مما سواهما ولم يقل ممن ليعم من يعقل ومن لا يعقل قال وفيه دليل على أنه لا بأس بهذه التثنية وأما قوله للذي خطب فقال ومن يعصمهما بئس الخطيب أنت فليس من هذا لأن المراد في الخطب الإيضاح وأما هنا فالمراد الإيجاز في اللفظ ليحفظ ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال في موضع آخر قال ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه واعترض بان هذا الحديث أنما ورد أيضا في حديث خطبة النكاح
[ 58 ]
وأجيب بأن المقصود في خطبة النكاح أيضا الإيجاز فلا نقض وثم أجوبة أخرى منها دعوى الترجيح فيكون حيز المنع أولي لأنه عام والآخر يحتمل الخصوصية ولأنه ناقل والآخر مبنى على الأصل ولأنه قول والآخر فعل وورد بان احتمال التخصيص في القول أيضا حاصل بكل قول ليس فيه صيغة عموم أصلا ومنها دعوى أنه من الخصائص فيمتنع من غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمتنع منه لأن غيره إذا جمع أوهم اطلاقة التسوية بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك وإلى هذا مال بن عبد السلام ومنها دعوى التفرقة بوجه آخر وهو أن كلامه صلى الله عليه وسلم هنا جملة واحدة فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مكان المضمر وكلام الذي خطب جملتان لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر وتعقب هذا بأنه لا يلزم من كونه لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر أن يكره إقامة المضمر فيهما مقام الظاهر فما وجه الرد على الخطيب مع أنه هو صلى الله عليه وسلم جمع كما تقدم ويجاب بأن قصة الخطيب كما قلنا ليس فيها صيغة عموم بل هي واقعة عين فيحتمل أن يكون في ذلك المجلس من يخشى عليه توهم التسوية كما تقدم ومن محاسن الأجوبة في الجمع بين حديث الباب وقصة الخطيب أن تثنية الضمير هنا للايماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من محرمتان لا كل واحدة منهما فإنها وحدها لاغية إذا لم ترتبط بالأخرى فمن يدعي حب الله مثلا ولا يحب رسوله لا ينفعه ذلك ويشير إليه قوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فأوقع متابعته مكتنفة بين قطري محبة العباد ومحبة الله تعالى للعباد وأما أمر الخطيب بالافراد فلأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية إذ العطف في تقدير التكرير والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم ويشير إليه قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فأعاد اطيعوا في الرسول ولم يعده في أولي الأمر لأنهم لا استقلال لهم في الطاعة كاستقلال الرسول انتهى ملخصا من كلام البيضاوي والطيبي ومنها أجوبة أخرى فيها تكلم منها أن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه ومنها أن له أن يجمع بخلاف غيره قوله وأن يحب المرء قال يحيى بن معاذ حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء قوله وان يكره أن يعود في الكفر زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق الحسن بن سفيان عن محمد بن المثنى شيخ المصنف بعد إذ انقذه الله منه وكذا هو في طريق أخرى للمصنف والانقاذ أعم من أن يكون بالعصمة منه ابتداء بان يولد على الإسلام ويستمر أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان كما وقع لكثير من الصحابة وعلى الأول فيحمل قوله يعود على معنى الصيرورة بخلاف الثاني فإن العود فيه على ظاهره فإن قيل فلم عدى العود بفي ولم يعده بإلى فالجواب أنه ضمنه معنى الاستقرار وكأنه قال يستقر فيه ومثله قوله تعالى وما كان لنا أن نعود فيها تنبيه هذا الإسناد كله بصريون أخرجه المصنف بعد ثلاثة أبواب من طريق شعبة عن قتادة عن أنس واستدل به على فضل من أكره على الكفر فترك البتة إلى قتل أخرجه من هذا الوجه في الأدب في فضل الحب في الله ولفظه في هذه الرواية وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ انقذه الله منه وهي أبلغ من لفظ حديث الباب لأنه سوى فيه بين الامرين وهنا جعل الوقوع في نار الدنيا أولي من الكفر الذي انقذه الله بالخروج منه من نار الأخرى وكذا رواه مسلم من هذا الوجه وصرح النسائي في روايته والاسماعيلي بسماع قتادة له من أنس والله الموفق وأخرجه
[ 59 ]
النسائي من طريق طلق بن حبيب عن أنس وزاد في الخصلة الثانية ذكر البغض في الله ولفظه وأن يحب في الله ويبغض في الله وقد تقدم للمصنف في ترجمته والحب في الله والبغض في الله من الإيمان وكأنه أشار بذلك إلى هذه الرواية والله أعلم قوله باب هو منون ولما ذكر في الحديث السابق أنه لا يحبه الا الله عقبه بما يشير إليه من أن حب الأنصار كذلك لأن محبة من يحبهم من حيث هذا الوصف وهو النصرة إنما هو لله تعالى فهم وأن دخلوا في عموم قوله لا يحبه الا لله لكن التنصيص بالتخصيص دليل العناية قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي قوله جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة وهو بن عتيك الأنصاري وهذا الراوي ممن وافق اسمه اسم أبيه قوله آية الإيمان هو بهمزة ممدودة وياء تحتانية مفتوحة وهاء تأنيث والإيمان مجرور بالإضافة هذا هو المعتمد في ضبط هذه الكلمه في جميع الروايات في الصحيحين والسنن والمستخرجات والمسانيد والآية العلامة كما ترجم به المصنف ووقع في اعراب الحديث لأبي البقاء العكبري أنه الإيمان بهمزة مكسورة ونون مشددة وهاء والإيمان مرفوع وأعربه فقال أن للتأكيد والهاء ضمير الشأن والإيمان مبتدأ وما بعده خبر ويكون التقدير أن الشأن الإيمان حب الأنصار وهذا تصحيف منه ثم فيه نظر من جهة المعنى لأنه يقتضي حصر الإيمان في حب الأنصار وليس كذلك فإن قيل واللفظ المشهور أيضا يقتضي الحصر وكذا ما أورده المصنف في فضائل الأنصار من حديث البراء بن عازب الأنصار لا يحبهم الا مؤمن فالجواب عن الأول أن العلامة كالخاصة تطرد ولا تنعكس فإن أخذ من طريق المفهوم فهو مفهوم لقب لا عبرة به سلمنا الحصر لكنه ليس حقيقيا بل ادعائيا للمبالغه أو هو حقيقي لكنه خاص بمن أبغضهم من حيث النصرة والجواب عن الثاني أن غايته أن لا يقع حب الأنصار الا لمؤمن وليس فيه نفي الإيمان عمن لم يقع منه ذلك بل فيه أن غير المؤمن لا يحبهم فإن قيل فعلى الشق الثاني هل يكون من أبغضهم منافقا وإن صدق وأقر فالجواب أن ظاهر اللفظ يقتضيه لكنه غير مراد فيحمل على تقييد البغض بالجهة فمن أبغضهم من جهة هذه الصفة وهي كونهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر ذلك في تصديقه فيصح أنه منافق ويقرب هذا الحمل زيادة أبي نعيم في المستخرج في حديث البراء بن عازب من أحب الأنصار فبحبي أحبهم ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم ويأتي مثل هذا في الحب كما سبق وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد رفعه لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر ولأحمد من حديثه حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق ويحتمل أن يقال أن اللفظ خرج من معنى التحذير فلا يراد ظاهره ومن ثم لم يقابل الإيمان بالكفر الذي هو ضده بل قابله بالنفاق إشارة إلى أن الترغيب والترهيب إنما خوطب به من يظهر الإيمان أما من يظهر الكفر فلا لأنه مرتكب ما هو أشد من ذلك قوله الأنصار هو جمع ناصر كاصحاب المنكر أو جمع نصير كاشراف وشريف واللام فيه للعهد أي أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد الأوس والخزرج وكانوا قبل ذلك يعرفون ببني قيلة بقاف مفتوحة وياء تحتانية ساكنة وهي الأم التي تجمع القبيلتين فسماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فصار ذلك علما عليهم وأطلق أيضا على أولادهم وحلفائهم ومواليهم وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من ايواء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه والقيام بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم وايثارهم
[ 60 ]
إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم فكان صنيعهم لذلك موجبا لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين من عرب وعجم والعداوة تجر البغض ثم كان ما اختصوا به مما ذكر موجبا للحسد والحسد يجر البعض فلهذا جاء التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق تنويها بعظيم فضلهم وتنبيها على كريم فعلهم وأن كان من شاركهم في معنى ذلك مشاركا لهم في الفضل المذكور كل بقسطه وقد ثبت في صحيح مسلم عن على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الاكرام لما لهم من حسن الغناء في الدين قال صاحب المفهم وأما الحروب الواقعة بينهم فإن وقع من بعضهم بغض فذاك من غير هذه الجهة بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد والله أعلم قوله باب كذا هو في روايتنا بلا ترجمة وسقط من رواية الأصيلي أصلا فحديثه عنده من جملة الترجمة التي قبله وعلى روايتنا فهو متعلق بها أيضا لأن الباب إذا لم تذكر له ترجمة خاصه يكون بمنزلة الفصل مما قبله مع تعلقه به كصنيع مصنفي الفقهاء ووجه التعليق أنه لما ذكر الأنصار في الحديث الأول أشار في هذا إلى ابتداء السبب في تلقيبهم بالأنصار لأن أول ذلك كان ليلة العقبة لما توافقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم عند عقبة مني في الموسم كما سيأتي شرح ذلك إن شاء الله تعالى في السيرة النبويه من هذا الكتاب وقد أخرج المصنف حديث هذا الباب في مواضع أخر في باب من شهد بدرا لقوله فيه كان شهد بدرا وفي باب وفود الأنصار لقوله فيه وهو أحد النقباء وأورده هنا لتعلقه بما قبله كما بيناه ثم إن في متنه ما يتعلق بمباحث الإيمان من وجهين آخرين أحدهما أن اجتناب المناهي من الإيمان كامتثال الأوامر وثانيهما أنه تضمن الرد على من يقول أن مرتكب الكبيرة كافر أو مخلد في النار كما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى قوله عائذ الله هو اسم علم أي ذو عياذة الله وأبوه عبد الله بن عمرو الخولاني صحابي وهو من حيث الرواية تابعي كبير وقد ذكر في الصحابة لأن له رؤية وكان مولده عام حنين والإسناد كله شاميون قوله وكان شهد بدرا يعني حضر الوقعة المشهورة الكائنة بالمكان المعروف ببدر وهي أول وقعة قاتل النبي صلى الله عليه وسلم فيها المشركين وسيأتي ذكرها في المغازي ويحتمل أن يكون قائل ذلك أبو إدريس فيكون متصلا إذا حمل على أنه سمع ذلك من عبادة أو الزهري فيكون منقطعا وكذا قوله وهو أحد النقباء قوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط قبلها من أصل الرواية لفظ قال وهو خبر أن لأن قوله وكان وما بعدها معترض وقد جرت عادة كثير من أهل الحديث بحذف قال خطا لكن حيث يتكرر في مثل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بد عندهم مع ذلك من النطق بها وقد ثبتت في رواية المصنف لهذا الحديث شوال هذا في باب من شهد بدرا فلعلها سقطت هنا ممن بعده ولأحمد عن أبي وابنه بهذا الإسناد أن عبادة حدثه قوله وحوله بفتح اللام على الظرفيه والعصابة بكسر العين الجماعة من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها وقد جمعت على عصائب وعصب قوله بايعوني زاد في باب وفود الأنصار تعالوا بايعوني والمبايعة عبارة عن المعاهدة سميت بذلك تشبيها بالمعاوضة المالية كما في قوله تعالى ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم
[ 61 ]
الجنة قوله ولا تقتلوا أولادكم قال محمد بن إسماعيل التميمي وغيره خص القتل بالاولاد لأنه قتل وقطيعة رحم فالعناية بالنهي عنه آكد ولأنه كان شائعا فيهم وهو وأد البنات وقتل البنين خشية الاملاق أو خصهم بالذكر لأنهم بصدد أن لا يدفعوا عن أنفسهم قوله ولا تأتوا ببهتان البهتان الكذب الذي يبهت سامعه وخص الأيدي والارجل بالافتراء لأن معظم الأفعال أنكر بهما إذ كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي وكذا يسمون الصنائع الأيادي وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال هذا بما كسبت يداك ويحتمل أن يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحا وبعضكم يشاهد بعضا كما يقال قلت كذا بين يدي فلان قاله الخطابي وفيه نظر لذكر الأرجل وأجاب الكرماني بأن المراد الأيدي وذكر الأرجل تأكيدا ومحصله أن ذكر الأرجل أن لم يكن مقتضيا فليس بمانع ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأيدي والارجل القلب لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه فلذلك نسب إليه الافتراء كان المعنى لا ترموا أحدا بكذب تزورونه في أنفسكم ثم تبهتون صاحبه بألسنتكم وقال أبو محمد بن أبي جمرة يحتمل أن يكون قوله بين أيديكم أي في الحال وقوله وأرجلكم أي في المستقبل لأن السعي من افعال الأرجل وقال غيره أصل هذا كان في بيعة النساء وكنى كذلك كما قال الهروي في الغريبين عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به أو تلتقطه إلى زوجها ثم لما استعمل هذا اللفظ في بيعة الرجال احتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أو لا والله أعلم قوله ولا تعصوا للاسماعيلي في باب وفود الأنصار ولا تعصوني وهو مطابق للآية والمعروف ما عرف من الفاء حسنه نهيا وأمرا قوله في معروف قال النووي يحتمل أن يكون المعنى ولا تعصوني ولا أحد أولي الأمر عليكم في المعروف فيكون التقييد بالمعروف متعلقا بشئ بعده وقال غيره نبه بذلك على أن طاعة المخلوق إنما تجب فيما كان غير معصية لله فهي جديرة بالتوقي في معصية الله قوله فمن وفى منكم أي ثبت على العهد ووفى بالتخفيف وفي رواية بالتشديد وهما بمعنى قوله فاجره على الله أطلق هذا على سبيل التفخيم لأنه لما أن ذكر المبايعة المقتضية لوجود العوضين أثبت ذكر الأجر في موضع أحدهما وافصح في رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث في الصحيحين بتعيين العوض فقال بالجنة وعبر هنا بلفظ على للمبالغة في تحقق وقوعه كالواجبات ويتعين حمله على غير ظاهره للادلة القائمة على أنه لا يجب على الله شئ وسيأتي في حديث معاذ في تفسير حق الله على العباد تقرير هذا فإن قيل لم اقتصر على المنهيات ولم يذكر المأمورات فالجواب أنه لم يهملها بل ذكرها على طريق الإجمال في قوله ولا تعصوا إذ العصيان مخالفة الأمر والحكمة في التنصيص على كثير من المنهيات دون المأمورات أن الكف أيسر من إن شاء الفعل لأن اجتناب المفاسد مقدم على اجتلاب المصالح والتخلي عن الرذائل قبل التحلى بالفضائل قوله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب زاد أحمد في روايته به قوله فهو أي العقاب كفارة زاد أحمد له وكذا هو للمصنف من وجه آخر في باب المشيئة من كتاب التوحيد وزاد وطهور قال النووي عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة قلت وهذا بناء على أن قوله من ذلك شيئا يتناول جميع ما ذكر وهو ظاهر وقد قيل يحتمل أن يكون المراد ما ذكر بعد الشرك بقرينة أن المخاطب بذلك المسلمون فلا يدخل حتى يحتاج إلى إخراجه ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي
[ 62 ]
الأشعث عن عبادة في هذا الحديث ومن أتى منكم حدا إذ القتل على الشرك لا يسمى حدا لكن يعكر على هذا القائل أن الفاء في قوله فمن لترتب ما بعدها على ما قبلها وخطاب المسلمين بذلك لا يمنع التحذير من الإشراك وما ذكر في الحد عرفي حادث فالصواب ما قاله النووي وقال الطيبي الحق أن المراد بالشرك الشرك الأصغر وهو الرياء ويدل عليه تنكير شيئا أي شركا أيا ما كان وتعقب بان عرف الفاء إذا أطلق الشرك أنما يريد به ما يقابل التوحيد وقد تكرر هذا اللفظ في الكتاب والأحاديث حيث لا يراد به الا ذلك ويجاب بان طلب الجمع يقتضي ارتكاب المجاز فما قاله محتمل وأن كان ضعيفا ولكن يعكر عليه أيضا أنه عقب الإصابة بالعقوبة في الدنيا والرياء لا عقوبة فيه فوضح أن المراد الشرك وأنه مخصوص وقال القاضي عياض ذهب أكثر العلماء أن الحدود كفارات واستدلوا بهذا الحديث ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا لكن حديث عبادة أصح إسنادا ويمكن يعني على طريق الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولا قبل أن يعلمه الله ثم أعلمه بعد ذلك قلت حديث أبي هريرة أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار من رواية معمر عن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وهو صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر وذكر الدارقطني أن عبد الرزاق تفرد بوصله وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله قلت وقد وصله آدم بن أبي إياس عن بن أبي ذئب أخرجه الحاكم أيضا فقويت رواية معمر وإذا كان صحيحا فالجمع الذي جمع به القاضي حسن لكن القاضي ومن تبعه جازمون بان حديث عبادة هذا كان بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة الأولى بمنى وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر فكيف يكون حديثه متقدما وقالوا في الجواب عنه يمكن أن يكون أبو هريرة ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قديما ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن الحدود كفارة كما سمعه عبادة وفي هذا تعسف ويبطله أن أبا هريرة صرح بسماعه وأن الحدود لم تكن نزلت إذ ذاك والحق عندي أن حديث أبي هريرة صحيح وهو ما تقدم على حديث عبادة والمبايعة المذكورة في حديث عبادة على الصفة المذكورة لم أنكر ليلة العقبة وإنما كان ليلة العقبة ما ذكر بن إسحاق وغيره من أهل المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن حضر من الأنصار أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وابنائكم فبايعوه على ذلك وعلى أن يرحل إليهم هو وأصحابه وسيأتي في هذا الكتاب في كتاب الفتن وغيره من حديث عبادة أيضا قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره الحديث وأصرح من ذلك في هذا المراد ما أخرجه أحمد والطبراني من وجه آخر عن عبادة أنه جرت له قصة مع أبي هريرة عند معاوية بالشام فقال يا أبا هريرة انك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بايعناه عليها فذكر بقية الحديث وعند الطبراني له طريق أخرى وألفاظ قريبة من هذه وقد وضح
[ 63 ]
أن هذا هو الذي وقع في البيعة الأولى ثم صدرت مبايعات أخرى ستذكر في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى منها هذه البيعة التي في حديث الباب في الزجر عن الفواحش المذكورة والذي يقوي أنها وقعت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التي في الممتحنة وهي قوله تعالى يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ونزول هذه الآية متأخر بعد قصة الحديبية بلا خلاف والدليل على ذلك ما عند البخاري في كتاب الحدود من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري في حديث عبادة هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايعهم قرأ الآية كلها وعنده في تفسير الممتحنة من هذا الوجه قال قرأ آية النساء ولمسلم من طريق معمر عن الزهري قال فتلا علينا آية النساء قال أن لا تشركن بالله شيئا وللنسائي من طريق الحارث بن فضيل عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا تبايعونني على ما بايع عليه النساء أن لا تشركوا بالله شيئا الحديث وللطبراني من وجه آخر عن الزهري بهذا السند بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بايع عليه النساء يوم فتح مكة ولمسلم من طريق أبي الأشعث عن عبادة في هذا الحديث أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء فهذه أدلة ظاهرة في أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية بل بعد صدور البيعة بل بعد فتح مكة وذلك بعد إسلام أبي هريرة بمدة ويؤيد هذا ما رواه بن أبي خيثمة في تاريخه عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن أيوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا فذكر نحو حديث عبادة ورجاله ثقات وقد قال إسحاق بن راهويه إذا صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب فهو كأيوب عن نافع عن بن عمر أه وإذا كان عبد الله بن عمرو أحد من حضر هذه البيعة وليس هو من الأنصار ولا ممن حضر بيعتهم وإنما كان إسلامه قرب إسلام أبي هريرة وضح تغاير البيعتين بيعة الأنصار ليلة العقبة وهي قبل الهجرة إلى المدينة وبيعة أخرى وقعت بعد فتح مكة وشهدها عبد الله بن عمرو وكان إسلامه بعد الهجرة بمدة طويله ومثل ذلك ما رواه الطبراني من حديث جرير قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ما بايع عليه النساء فذكر الحديث وكان إسلام جرير متاخرا عن إسلام أبي هريرة على الصواب وإنما حصل الالتباس من جهة أن عبادة بن الصامت حضر البيعتين معا وكانت بيعة العقبة من أجل ما يتمدح به فكان يذكرها إذا حدث تنويها بسابقيته فلما ذكر هذه البيعة التي صدرت على مثل بيعة النساء عقب ذلك توهم من لم يقف على حقيقة الحال أن البيعة الأولى وقعت على ذلك ونظيره ما أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصمت عن أبيه عن جده وكان أحد النقباء قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب وكان عبادة من الإثني عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى على بيعة النساء وعلى السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا الحديث فإنه ظاهر في اتحاد البيعتين ولكن الحديث في الصحيحين كما سيأتي في الأحكام ليس فيه هذه الزيادة وهو من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبادة بن الوليد والصواب أن بيعة الحرب بعد بيعة العقبة لأن الحرب إنما شرع بعد الهجرة ويمكن تأويل رواية بن إسحاق وردها إلى ما تقدم وقد اشتملت روايته على ثلاث بيعات بيعة العقبة وقد صرح أنها كانت قبل أن يفرض الحرب في رواية الصنابحي عن عبادة عند أحمد والثانية بيعة الحرب وسيأتي في
[ 64 ]
الجهاد أنها كانت على عدم الفرار والثالثة بيعة النساء أي التي وقعت على وكما بيعة النساء والراجح أن التصريح بذلك وهم من بعض الرواة والله أعلم ويعكر على ذلك التصريح في رواية بن إسحاق من طريق الصنابحي عن عبادة أن بيعة ليلة العقبة كانت على مثل بيعة النساء واتفق وقوع ذلك قبل أن تنزل الآية وإنما اضيفت إلى النساء تشاغلهم بالقرآن ونظيره ما وقع في الصحيحين أيضا من طريق الصنابحي عن عبادة قال إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا الحديث فظاهر هذا اتحاد البيعتين ولكن المراد ما قررته أن قوله إني من النقباء الذين بايعوا أي ليلة العقبة على أغبياء والنصر وما يتعلق بذلك ثم قال بايعناه الخ أي من وقت آخر ويشير إلى هذا الإتيان بالواو العاطفة في قوله وقال بايعناه وعليك برد ما أتى من الروايات موهما بأن هذه البيعة كانت ليلة العقبة إلى هذا التأويل الذي نهجت إليه فيرتفع بذلك الاشكال ولا يبقى بين حديثي أبي هريرة وعبادة تعارض ولا وجه بعد ذلك للتوقف في كون الحدود كفارة وأعلم أن عبادة بن الصامت لم ينفرد برواية هذا المعنى بل روى ذلك على بن أبي طالب وهو في الترمذي وصححه الحاكم وفيه من أصاب ذنبا فعوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة وهو عند الطبراني بإسناد حسن من حديث أبي تميمة الهجيمي ولأحمد من حديث خزيمة بن ثابت بإسناد حسن ولفظه من أصاب ذنبا أقيم عليه ذلك الذنب فهو كفارة له وللطبراني عن بن عمرو مرفوعا ما عوقب رجل على ذنب الا جعله الله كفارة لما أصاب من ذلك الذنب وإنما أطلت في هذا الموضع لأنني لم أر من أزال اللبس فيه على الوجه المرضي والله الهادي قوله فعوقب به قال بن التين يريد به القطع في السرقة والجلد أو الرجم في الزنا قال وأما قتل الولد فليس له عقوبة معلومة الا أن يريد قتل النفس فكنى عنه قلت وفي رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ولكن قوله في حديث الباب فعوقب به أعم من أن تكون العقوبة حدا أو تعزيرا قال بن التين وحكى عن القاضي إسماعيل وغيره أن قتل القاتل إنما هو رادع لغيره وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حق قلت بل وصل إليه حق وأي حق فإن المقتول ظلما تكفر عنه ذنوبه بالقتل كما ورد في الخبر الذي صححه بن حبان وغيره أن السيف محاء للخطايا وعن بن مسعود قال إذا جاء القتل محا كل شئ رواه الطبراني وله عن الحسن بن على نحوه وللبزار عن عائشة مرفوعا لا يمر القتل بذنب الا محاه فلولا القتل ما كفرت ذنوبه وأي حق يصل إليه أعظم من هذا ولو كان حذ القتل إنما شرع للردع فقط لم يشرع العفو عن القاتل وهل الخطبة في العقوبة المذكورة المصائب الدنيوية من الآلام والأسقام وغيرها فيه نظر ويدل للمنع قوله ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فإن هذه المصائب لا تنافي الستر ولكن بينت الأحاديث الكثيره أن المصائب تكفر الذنوب فيحتمل أن يراد أنها تكفر ما لا حد فيه والله أعلم ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور وقيل لا بد من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين وهو قول للمعتزلة ورافقهم بن حزم ومن المفسرين البغوي وطائفة يسيرة واستدلوا باستثناء من تاب في قوله تعالى الا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم والجواب في ذلك أنه في عقوبة الدنيا ولذلك قيدت بالقدرة
[ 65 ]
عليه قوله ثم ستره الله زاد في رواية كريمة عليه قوله فهو إلى الله قال المازني فيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة ولم يقل لا بد أن يعذبه وقال الطيبي فيه إشارة إلى الكف عن الشهادة بالنار على أحد أو بالجنة لأحد الا من ورد النص فيه بعينه قلت أما الشق الأول فواضح وأما الثاني فالاشارة إليه إنما تستفاد من الحمل على غير ظاهر الحديث وهو متعين قوله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب وقال بذلك طائفة وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة ومع ذلك فلا يأمن مكر الله لأنه لا اطلاع له هل قبلت توبته أو لا وقيل يفرق بين ما يجب وما لا يجب واختلف فيمن أتى ما يوجب الحد فقيل يجوز أن يتوب سرا ويكفيه ذلك وقيل بل الأفضل أن يأتي الإمام ويعترف به ويسأله أن يقيم عليه الحد كما وقع لماعز والغامدية وفصل بعض العلماء بين أن يكون معلنا بالفجور فيستحب أن يعلن بتوبته وإلا فلا تنبيه زاد في رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث ولا ينتهب وهو ما يتمسك به في أن البيعة متاخرة لأن الجهاد عند بيعة العقبة لم يكن فرض والمراد بالانتهاب ما يقع بعد القتال في الغنائم وزاد في روايته أيضا ولا يعصي بالجنة أن فعلنا ذلك فإن غشينا من ذلك ما كان قضاء ذلك إلى الله أخرجه المصنف في باب وفود الأنصار عن قتيبة عن الليث ووقع عنده ولا يقضي بقاف وضاد معجمه وهو تصحيف وقد تكلف بعض الناس في تخريجه وقال أنه نهاكم عن ولاية القضاء ويبطله أن عبادة رضي الله عنه ولي قضاء فلسطين في زمن عمر رضي الله عنهما وقيل أن قوله بالجنة متعلق بيقضى أي لا يقضي بالجنة لأحد معين قلت لكن يبقى قوله أن فعلنا ذلك بلا جواب ويكفي في ثبوت دعوى التصحيف فيه رواية مسلم عن قتيبة بالعين والصاد المهملتين وكذا الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان ولأبي نعيم من طريق موسى بن هارون كلاهما عن قتيبة وكذا هو عند البخاري أيضا في هذا الحديث في الديات عن عبد الله بن يوسف عن الليث في معظم الروايات لكن عند الكشميهني بالقاف والضاد أيضا وهو تصحيف كما بيناه وقوله بالجنة إنما هو متعلق بقوله في أوله بايعناه والله أعلم قوله باب من الدين الفرار من الفتن عدل المصنف عن الترجمة بالإيمان مع كونه ترجم لأبواب الإيمان مراعاة اللفظ الحديث ولما كان الإيمان والإسلام مترادفين في عرف الشرع وقال الله تعالى إن الدين عند الله الإسلام صح إطلاق الدين في موضع الإيمان قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي أحد رواة الموطأ نسب إلى جده قعنب وهو بصري أقام بالمدينة مدة قوله عن أبيه هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي صعصعه فسقط الحارث من الرواية واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري ثم المازني هلك في الجاهلية وشهد ابنه الحارث أحدا واستشهد باليمامة قوله عن أبي سعيد اسمه سعد على الصحيح وقيل سنان بن مالك بن سنان استشهد أبوه بأحد وكان هو من المكثرين وهذا الإسناد كله مدنيون وهو من أفراد البخاري عن مسلم نعم أخرج مسلم في الجهاد وهو عند المصنف أيضا من وجه آخر عن أبي سعيد حديث الغلام الذي سأل أي الناس خير قال مؤمن مجاهد في سبيل الله بنفسه وما له قال ثم من قال مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره وليس فيه ذكر الفتن وهي زيادة
[ 66 ]
من حافظ فيقيد بها المطلق غنم شاهد من حديث أبي هريرة عند الحاكم ومن حديث أم مالك البهزيه عند الترمذي ويؤيده ما ورد من النهي عن سكنى البوادي والسياحة والعزلة وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن قوله يوشك بكسر الشين المعجمه أي يقرب قوله خير بالنصب على الخبر وغنم الاسم وللأصيلي برفع خير ونصب غنما على الخيرية ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر ويقدر في يكون ضمير الشان قاله بن مالك لكن لم نجئ به الرواية قوله يتبع بتشديد التاء ويجوز اسكانها وشعف بفتح المعجمه والعين المهملة جمع شعفه كأكم وأكمة وهي رؤوس الجبال قوله ومواقع القطر بالنصب عطفا على شعف أي بطون الأودية وخصهما بالذكر لأنهما مظان المرعي قوله يفر بدينه أي بسبب دينه ومن ابتدائية قال الشيخ النووي في الاستدلال بهذا الحديث للترجمة نظر لأنه لا يلزم من لفظ الحديث عد الفرار دينا وإنما هو صيانة للدين قال فلعله لما رآه صيانة للدين أطلق عليه اسم الدين وقال غيره أن أريد بمن كونها جنسية أو تبعيضية فالنظر متجه وأن أريد كونها ابتدائية أي الفرار من الفتنة منشؤه الدين فلا يتجه النظر وهذا الحديث قد ساقه المصنف أيضا في كتاب الفتن وهو أليق المواضع به والكلام عليه يستوفي هناك إن شاء الله تعالى قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم هو مضاف بلا تردد قوله أنا اعلمكم كذا في رواية أبي ذر وهو لفظ الحديث الذي أورده في جميع طرقه وفي رواية الأصيلي أعرفكم وكأنه مذكور بالمعنى حملا على ترادفها هنا وهو ظاهر هنا وعليه عمل المصنف قوله وان المعرفة بفتح أن والتقدير باب بيان أن المعرفة وورد بكسرها وتوجيهه ظاهر وقال الكرماني هو خلاف الرواية والدراية قوله لقوله تعالى مراده الاستدلال بهذه الآية على أن الإيمان بالقول وحده لا يتم الا بانضمام الاعتقاد إليه والاعتقاد فعل القلب وقوله بما كسبت قلوبكم أي بما استقر فيها والاية وأن وردت في الإيمان بالفتح فالاستدلال بها في الإيمان بالكسر واضح للاشتراك في المعنى إذ مدار الحقيقة فيهما على عمل القلب وكأن المصنف لمح بتفسير زيد بن أسلم فإنه قال في قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم قال هو كقول الرجل أن فعلت كذا فأنا كافر قال لا يؤاخذه الله بذلك حتى يعقد به قلبه فظهرت المناسبة بين الآية والحديث وظهر وجه دخولهما في مباحث الإيمان فإن فيه دليلا على بطلان قول الكرامية أن الإيمان قول فقط ودليلا على زيادة الإيمان ونقصانه لأن قوله صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بالله ظاهر في أن العلم بالله درجات وأن بعض الناس فيه أفضل من بعض وأن النبي صلى الله عليه وسلم منه في أعلى الدرجات والعلم بالله يتناول ما بصفاته وما بأحكامه وما يتعلق بذلك فهذا هو الإيمان حقا فائدة قال إمام الحرمين أجمع العلماء على وجوب معرفة الله تعالى واختلفوا في أول واجب فقيل المعرفة وقيل النظر وقال المقترح لا اختلاف فان أول واجب خطابا ومقصودا المعرفة وأول واجب اشتغالا وأداء القصد إلى النظر وفي نقل الإجماع نظر كبير ومنازعة طويلة حتى نقل جماعة الإجماع في نقيضه واستدلوا باطباق أهل العصر الأول على قبول الإسلام ممن دخل فيه من غير تنقيب والآثار في ذلك كثيرة جدا وأجاب الأولون عن ذلك بان الكفار كانوا يذبون عن دينهم ويقاتلون عليه فرجوعهم عنه دليل على ظهور الحق لهم ومقتضى هذا أن المعرفة المذكورة يكتفى فيها بأدنى نظر لخلاف ما قرروه ومع ذلك فقول الله تعالى فاقم وجهك
[ 67 ]
للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها وحديث كل مولود يولد على الفطرة ظاهر أن في دفع هذه المسألة من أصلها وسيأتي مزيد بيان لهذا في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى وقد نقل القدوة أبو محمد بن أبي جمرة عن أبي الوليد الباجي عن أبي جعفر السمناني وهو من كبار الاشاعرة أنه سمعه يقول أن هذه المسألة من مسائل المعتزلة بقيت في المذهب والله المستعان وقال النووي في الآية دليل على المذهب الصحيح أن افعال القلوب يؤاخذ بها أن استقرت وأما قوله صلى الله عليه وسلم أن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل فمحمول على ما إذا لم تستقر قلت ويمكن أن يستدل لذلك من عموم قوله أو تعمل لأن الاعتقاد هو عمل القلب ولهذه المسأله تكملة تذكر في كتاب الرقاق قوله حدثنا محمد بن سلام هو بتخفيف اللام على الصحيح وقال صاحب المطالع هو بتشديدها عند الأكثر وتعقب النووي بأن أكثر العلماء على أنه بالتخفيف وقد روى ذلك عنه نفسه وهو أخبر بأبيه فلعله أراد بالأكثر مشايخ بلده وقد صنف المنذري جزءا في ترجيح التشديد ولكن المعتمد خلافه قوله أخبرنا عبدة هو بن سليمان الكوفي وفي رواية الأصيلي حدثنا قوله عن هشام هو بن عروة بن الزبير بن العوام قوله إذا أمرهم أمرهم كذا في معظم الروايات ووقع في بعضها أمرهم مرة واحدة وعليه شرح القاضي أبو بكر بن العربي وهو الذي وقع في طرق هذا الحديث التي وقفت عليها من طريق عبدة وكذا من طريق بن نمير وغيره عن هشام عند أحمد وكذا ذكره الاسماعيلي من رواية أبي أسامة عن هشام ولفظه كان إذا أمر الناس بالشئ قالوا والمعنى كان إذا أمرهم بما يسهل عليهم دون ما يشق خشية أن يعجزوا عن الدوام عليه وعمل هو بنظير ما يأمرهم به من التخفيف طلبوا منه التكليف بما يشق لاعتقادهم احتياجهم إلى المبالغة في العمل لرفع الدرجات دونه فيقولون لسنا كهيئتك فيغضب من جهة أن حصول الدرجات لا يوجب التقصير في العمل بل يوجب الازدياد شكرا للمنعم الوهاب كما قال في الحديث الآخر أفلا أكون عبدا شكورا وإنما أمرهم بما يسهل عليهم ليداوموا عليه كما قال في الحديث الآخر أحب العمل إلى الله أدومه وعلى مقتضى ما وقع في هذه الرواية من تكرير أمرهم يكون المعنى كان إذا أمرهم بعمل من الأعمال أمرهم بما يطيقون الدوام عليه فأمرهم الثانية جواب الشرط وقالوا جواب ثان قوله كهيئتك أي ليس حالنا كحالك وعبر بالهيئة تأكيدا وفي هذا الحديث فوائد الأولى أن الأعمال الصالحة ترقى المؤلف إلى المراتب السنيه من رفع الدرجات ومحو الخطيات لأنه صلى الله عليه وسلم لم فقلنا عليهم استدلالهم ولا تعليلهم من هذه إدلاء بل من إدلاء الأخرى الثانية أن العبد إذا بلغ الغاية في العبادة وثمراتها كان ذلك ادعى له إلى المواظبة عليها استبقاء للنعمة واستزادة لها بالشكر عليها الثالثة الوقوف عند ما حد الفاء من عزيمة ورخصة واعتقاد أن الأخذ بالارفق للشرع أولي من الاشق المخالف له الرابعة أن الأولى في العبادة القصد والملازمة لا المبالغة المفضية إلى الترك كما جاء في الحديث الآخر المنبت أي المجد في السير لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى الخامسة التنبيه على شدة رغبة الصحابة في العبادة وطلبهم الازدياد من الخير السادسة مشروعية الغضب عند مخالفة الأمر الشرعي والانكار على الحاذق المتأهل لفهم المعنى إذا قصر في الفهم تحريضا له على التيقظ السابعة جواز تحدث المرء بما فيه من فضل بحسب الحاجة لذلك
[ 68 ]
عند الأمن من المباهاة والتعاظم الثامنة بيان أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم رتبة دابة الإنساني لأنه منحصر في الحكمتين العلمية والعملية وقد أشار إلى الأولى بقوله أعلمكم وإلى الثانية بقوله أتقاكم ووقع عند أبي نعيم وأعلمكم بالله لأنا بزيادة لام التأكيد وفي رواية أبي أسامة عند الاسماعيلي والله أن ابركم واتقاكم أنا ويستفاد منه إقامة الضمير المنفصل مقام المتصل وهو ممنوع عند أكثر النحاة الا للضرورة وأولوا قول الشاعر وإنما يدافع عن أحسابهم أنا ومثلي بان الاستثناء فيه مقدر أي وما يدافع عن احسابهم الا أنا قال بعض الشراح والذي وقع في هذا الحديث يشهد للجواز بلا ضرورة وهذا الحديث من افراد البخاري عن مسلم وهو من غرائب الصحيح لا أعرفه الا من هذا الوجه فهو مشهور عن هشام فرد مطلق من حديثه عن أبيه عن عائشة والله أعلم وقد أشرت إلى ما ورد في معناه من وجه آخر عن عائشة في باب من لم يواجه من كتاب الأدب وذكرت فيه ما يؤخذ منه تعيين المأمور به ولله الحمد قوله باب من كره يجوز فيه التنوين والإضافة وعلى الأول من مبتدأ ومن الإيمان خبره وقد تقدم الكلام على حديث الباب ومطابقة الترجمة له ظاهرة مما تقدم وإسناده كله بصريون وجرى المصنف على عادته في التبويب على ما استفاد من المتن مع أنه غاير الإسناد هنا الى أنس ومن في المواضع الثلاثة موصولة بخلاف التي بعد ثلاث فانها شريطة قوله باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال في ظرفية ويحتمل أن تكون سببية أي التفاضل الحاصل بسبب الأعمال قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي المدني بن أخت مالك وقد وافقه على رواية هذا الحديث عبد الله بن وهب ومعن بن عيسى عن مالك وليس هو في الموطأ قال الدارقطني هو غريب صحيح قوله يدخل للدارقطني من طريق إسماعيل وغيره يدخل الله وزاد من طريق معن يدخل من يشاء برحمته وكذا له وللاسماعيلي من طريق بن وهب قوله مثقال حبة بفتح الحاء هو إشارة إلى ما لا أقل منه قال الخطابي هو مثل ليكون عيارا في المعرفة لا في الوزن لأن ما يشكل في المعقول يرد إلى المحسوس ليفهم وقال إمام الحرمين الوزن للصحف المشتملة على الأعمال ويقع وزنها على قدر أجور الأعمال وقال غيره يجوز أن تجسد الأعراض فتوزن وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقل فيه والمراد بحجة الخردل هنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد لقوله في الرواية الأخرى اخرجوا من قال لا إله إلا الله وعمل من الخير ما يزن ذرة ومحل بسط هذا يقع في الكلام على حديث الشفاعة حيث ذكره المصنف في كتاب الرقاق قوله في نهر الحياء كذا في هذه الرواية بالمدينة ولكريمة وغيرها بالقصر وبه جزم الخطابي وعليه المعنى لأن المراد كل ما تحصل به الحياة والحيا بالقصر هو المطر وبه تحصل حياة النبات فهو أليق بمعنى الحياة من الحياء الممدود الذي هو بمعنى الخجل قوله الحبة بكسر أوله قال أبو حنيفة الدينوري الحبة جمع بزور النبات واحدتها حبة بالفتح وأما الحب فهو الحنطة والشعير واحدتها حبة بالفتح أيضا وإنما افترقا في الجمع وقال أبو المعالي في المنتهى الحبة بالكسر بزور الصحراء مما ليس بقوت قوله قال وهيب أي بن خالد حدثنا عمرو أي بن يحيى المازني المذكور قوله الحياة بالخفض على الحكاية ومراده أن وهيبا وافق مالكا في روايته لهذا الحديث عن عمرو بن يحيى بسنده وجزم بقوله في نهر الحياة ولم يشك كما شك مالك فائدة أخرج
[ 69 ]
مسلم هذا الحديث من رواية مالك فابهم الشاك وقد يفسر هنا قوله وقال خردل من خير هو على الحكاية أيضا أي وقال وهيب في روايته مثقال حبة من خردل من خير فخالف مالكا أيضا في هذه الكلمة وقد ساق المؤلف حديث وهيب هذا في كتاب الرقاق عن موسى بن إسماعيل عن وهيب وسياقه أتم من سياق مالك لكنه قال من خردل من إيمان كرواية مالك فاعترض على المصنف بهذا ولا اعتراض عليه فإن أبا بكر بن أبي شيبة أخرج هذا الحديث في مسنده عن عفان بن مسلم عن وهيب فقال من خردل من خير كما علقه المصنف فتبين أنه مراده لا لفظ موسى وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر هذا لكن لم يسق يسير ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهر وأراد بإيراده الرد على المرجئة لما فيه من بيان ضرر المعاصي مع الإيمان وعلى المعتزلة في أن المعاصي موجبة للخلود قوله حدثنا محمد بن عبيد الله هو أبو ثابت المدني وأبوه بالتصغير قوله عن صالح هو بن جلس تابعي جليل قوله عن أبي أمامة بن سهل هو بن حنيف كما ثبت في رواية الأصيلي وأبو أمامة مختلف في صحبته ولم يصح له سماع وإنما ذكر في الصحابة لشرف الرؤية ومن حيث الرواية يكون في الإسناد ثلاثة من التابعين أو وتابعيان وصحابيان ورجاله كلهم مدنيون كالذي قبله والكلام على المتن يأتي في كتاب التعبير ومطابقته للترجمة ظاهرة من جهة تأويل القمص بالدين وقد ذكر إنهم متفاضلون في لبسها فدل على أنهم متفاضلون في الإيمان قوله بينا أنا نائم رأيت الناس أصل بينا بين ثم اشبعت الفتحة وفيه استعمال بينا بدون إذا وبدون إذ وهو فصيح عند الأصمعي ومن تبعه وأن كان الأكثر على خلافه فإن في هذا الحديث حجة وقوله الثدي بضم المثلثه وكسر الدال المهملة وتشديد الياء التحتانيه جمع ثدي بفتح أوله واسكان ثانيه والتخفيف وهو مذكر عند معظم أهل اللغه وحكى أنه مؤنث والمشهور أنه يطلق في الرجل والمرأة وقيل يختص بالمرأة وهذا الحديث يرده ولعل قائل هذا يدعي أنه أطلق في الحديث مجازا والله أعلم قوله باب هو منون ووجه كون الحياء من الإيمان تقدم مع بقية مباحثه في باب أمور الإيمان وفائدة اعادته هنا أنه ذكر هناك بالتبعية وهنا بالقصد مع فائدة مغايرة الطريق قوله حدثنا عبد الله بن يوسف هو التنيسي نزيل دمشق ورجال الإسناد سواه من أهل المدينة قوله أخبرنا وللأصيلي حدثنا مالك ولكريمة بن أنس والحديث في الموطأ قوله عن أبيه هو عبد الله بن عمر بن الخطاب قوله مر على رجل لمسلم من طريق معمر مر برجل ومر بمعنى اجتاز يعدى بعلي وبالباء ولم أعرف اسم هذين الرجلين الواعظ وأخيه وقوله يعظ أي ينصح أو يخوف أو يذكر كذا شرحوه والأولى أن يشرح بما جاء عند المصنف في الأدب من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن أبي شهاب ولفظه يعاتب أخاه في الحياء يقول انك لتستحي حتى كأنه يقول قد اضربك انتهى ويحتمل أن يكون جمع له العتاب والوعظ فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الآخر لكن المخرج متحد فالظاهر أنه من يطلق الراوي بحسب ما اعتقد أن كل لفظ منهما يقوم مقام الآخر وفي سببية فكان الرجل كان كثير الحياء فكان ذلك يمنعه من استيفاء حقوقه فعاتبه أخوه على ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم دعه أي اتركه على هذا الخلق السني ثم زاده في ذلك ترغيبا لحكمه بأنه من الإيمان وإذا كان الحياء يمنع صاحبه من استيفاء حق نفسه جر له ذلك تحصيل أجر ذلك الحق لا سيما إذا كان المتروك له مستحقا وقال
[ 70 ]
بن قتيبة معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان فسمى إيمانا كما يسمى الشئ باسم ما قام مقامه وحاصله أن إطلاق كونه من الإيمان مجاز والظاهر أن الناهي ما كان يعرف أن الحياء من مكملات الإيمان فلهذا وقع التأكيد وقد يكون التأكيد من جهة أن القضية في نفسها مما يهتم به وأن لم يكن هناك منكر قال الرغاب الحياء انقباض النفس عن القبيح وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة وهو مركب من جبن وعفة فلذلك لا يكون المستحى فاسقا وقلما يكون الشجاع مستحيا وقد يكون لمطلق الانقباض كما في بعض الصبيان انتهى ملخصا وقال غيره هو انقباض النفس خشية ارتكاب ما يكره أعم من أن يكون شرعيا أو عقليا أو عرفيا ومقابل الأول فاسق والثاني مجنون والثالث إبله قال وقوله صلى الله عليه وسلم الحياء شعبة من الإيمان أي أثر من آثار الإيمان وقال الحليمي حقيقة الحياء خوف الذم بنسبه الشر إليه وقال غيره إن كان في محرم فهو واجب وإن كان في مكروه فهو مندوب وأن كان في مباح فهو العرفي وهو المراد بقوله الحياء لا يأتي الا بخير ويجمع كل ذلك أن المباح أنما هو ما يقع على وفق الشرع اثباتا ونفيا وحكى عن بعض السلف رأيت المعاصي مذلة فتركتها مروأة فصارت ديانه وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته وقد قال بعض السلف خف الله على قدر قدرته عليك واستحي منه على قدر قريه منك والله أعلم قوله باب هو منون في الرواية والتقدير هذا باب في تفسير قوله تعالى فان تابوا وتجوز الاضافة أي باب تفسير قوله وإنما جعل الحديث تفسيرا للايه لأن المراد بالتوبة في الآية الرجوع عن الكفر إلى التوحيد ففسره قوله صلى الله عليه وسلم حتى يشهدوا أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله وبين الآية والحديث مناسبة أخرى لأن التخلية في الآية والعصمة في الحديث بمعنى واحد ومناسبة الحديث لأبواب الإيمان من جهة أخرى وهي الرد على المرجئه حيث زعموا أن الإيمان لا يحتاج إلى الأعمال قوله حدثنا عبد الله بن محمد زاد بن عساكر المسندي وهو بفتح النون كما مضى قال حدثنا أبو روح هو بفتح الراء قوله الحرمي هو بفتح المهملتين وللأصيلي حرمي وهو اسم بلفظ النسب تثبت فيه الألف واللام وتحذف مثل مكي بن إبراهيم الاتي بعد وقال الكرماني أبو روح كنيته واسمه ثابت والحرمي نسبته كذا قال وهو خطا من وجهين أحدهما في جعله اسمه نسبته والثاني في جعله اسم جده اسمه وذلك أنه حرمي بن عمارة بن أبي حفصة واسم أبي حفصة نابت وكأنه رأى في كلام بعضهم واسمه نابت فظن أن الضمير يعود على حرمي لأنه المتحدث عنه وليس كذلك بل الضمير يعود على أبي حفصة لأنه الأقرب واكد ذلك عنده وروده في هذا السند الحرمي بالألف واللام وليس هو منسوبا إلى الحرم بحال لأنه بصري الأصل والمولد والمنشا والمسكن والوفاة ولم يضبط نابتا كعادته وكأنه ظنه بالمثلثة كالجادة والصحيح أن أوله نون قوله عن وافد بن محمد زاد الأصيلي يعني بن زيد بن عبد الله بن عمر فهو من رواية الأبناء عن الآباء وهو كثير لكن رواية الشخص عن أبيه عن جده أقل وواقد هنا روى عن أبيه عن جد أبيه وهذا الحديث غريب الإسناد تفرد بروايته شعبة عن حكى قاله بن حبان وهو عن شعبة عزيز تفرد بروايته عنه حرمي هذا وعبد الملك بن الصباح وهو عزيز عن حرمي تفرد به عنه المسندي وإبراهيم بن محمد
[ 71 ]
بن عرعرة ومن جهة إبراهيم أخرجه أبو عوانة وابن حبان والاسماعيلي وغيرهم وهو غريب عن عبد الملك تفرد به عنه أبو غسان مالك بن عبد الواحد شيخ مسلم فاتفق الشيخان على الحكم بصحته مع غرابته وليس هو في مسند أحمد على سعته وقد استبعد قوم صحته بان الحديث لو كان عند بن عمر لما ترك أباه ينازع أبا بكر في قتال مانعي الزكاة ولو كانوا يعرفونه لما كان أبو بكر يقر عمر على الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الا الله وينتقل عن الاستدلال بهذا النص إلى القياس إذ قال لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاه لأنها قرينتها في كتاب الله والجواب أنه لا يلزم من كون الحديث المذكور عند بن عمر أن يكون استحضره في تلك الحاله ولو كان مستحضرا له فقد يحتمل أن لا يكون حضر المناظرة المذكورة ولا يمتنع أن يكون ذكره لهما بعد ولم يستدل أبو بكر في قتال مانعي الزكاة بالقياس فقط بل أخذه أيضا من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه إلا بحق الإسلام قال أبو بكر والزكاه حق الإسلام ولم ينفرد بن عمر بالحديث المذكور بل رواه أبو هريرة أيضا بزيادة الصلاة والزكاة فيه كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في كتاب الزكاة وفي القصة دليل على أن السنة قد تخفي على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها آحادهم ولهذا لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها ولا يقال كيف خفي ذا على فلان والله الموفق قوله أمرت أي أمرني الله لأنه لا آمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم الا الله وقياسه في الصحابي إذا قال أمرت فالمعنى أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحتمل أن يريد أمرني صحابي آخر لأنهم من حيث إنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر وإذا قاله التابعي احتمل والحاصل أن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم منه أن الآمر له هو ذلك الرئيس قوله أن أقاتل أي بان أقاتل وحذف الجار من أن كثير قوله حتى يشهدوا جعلت غاية المقاتلة وجود ما ذكر فمقتضاه أن من شهد وأقام وأتى وعصم دمه ولو جحد باقي الأحكام والجواب أن الشهادة بالرسالة تتضمن التصديق بما جاء به مع أن نص الحديث وهو قوله الا بحق الإسلام يدخل فيه جميع ذلك فإن قيل فلم لم يكتف به ونص على الصلاة والزكاة فالجواب أن ذلك ويترحمون والاهتمام بامرهما لأنهما أما العبادات البدنيه والمالية قوله ويقيموا الصلاة أي يداوموا على الإتيان بها بشروطها من قامت السوق إذا نفقت وقامت الحرب إذا أشتد القتال أو المراد بالقيام الأداء تعبيرا عن الكل بالجزء إذ القيام بعض أركانها والمراد بالصلاة المفروض منها لا جنسها فلا الخطبة سجدة التلاوه مثلا وأن صدق اسم الصلاة عليها وقال الشيخ محيي الدين النووي في هذا الحديث أن من ترك الصلاة عمدا يقتل ثم ذكر اختلاف المذاهب في ذلك وسئل الكرماني هنا عن حكم تارك الزكاة وأجاب بان حكمهما واحد لاشتراكهما في الغاية وكأنه أراد في المقاتلة أما في القتل فلا والفرق أن الممتنع من ايتاء الزكاة يمكن أن تؤخذ منه قهرا بخلاف الصلاة فإن انتهى إلى نصب القتال ليمنع الزكاة قوتل وبهذه الصورة قاتل الصديق مانعي الزكاة ولم ينقل أنه قتل أحدا منهم صبرا وعلى هذا ففي الاستدلال بهذا الحديث على قتل تارك الصلاة نظر للفرق بين صيغة أقاتل واقتل والله أعلم وقد أطنب بن دقيق العيد في شرح العمدة في الإنكار على من استدل بهذا الحديث على ذلك وقال لا يلزم من إباحة المقاتلة إباحة
[ 72 ]
القتل لأن المقاتلة مفاعله تستلزم وقع القتال من الجانبين ولا كذلك القتل وحكى البيهقي عن الشافعي أنه قال ليس القتال من القتل بسبيل فقد يحل قتال الرجل ولا يحل قتله قوله فإذا فعلوا ذلك فيه التعبير بالفعل عما بعضه قول أما على سبيل التغليب وأما على إرادة المعنى الأعم إذ القول فعل اللسان قوله عصموا أي منعوا واصل العصمة من العصام وهو الخيط الذي يشد به فم القربة ليمنع سيلان الماء قوله وحسابهم على الله أي في أمر سرائرهم ولفظة على مشعرة بالإيجاب وظاهرها غير مراد فأما أن تكون بمعنى اللام أو على سبيل التشبيه أي هو كالواجب على الله في تحقق الوقوع وفيه دليل على قبول الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر والاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم خلافا لمن أوجب تعلم الادله وقد تقدم ما فيه ويؤخذ منه ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد الملتزمين للشرائع وقبول توبة الكافر من كفره من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن فإن قيل مقتضى الحديث قتال كل من أمتنع من التوحيد فكيف ترك قتال مؤدي الجزيه والمعاهد فالجواب من أوجه أحدها دعوى النسخ بان يكون يأمر بأخذ الجزية والمعاهدة متأخرا عن هذه الأحاديث بدليل أنه متاخر عن قوله تعالى اقتلوا المشركين ثانيها أن يكون من العام الذي خص منه البعض لأن المقصود من الأمر حصول المطلوب فإذا تخلف البعض لدليل لم يقدح في العموم ثالثها أن يكون من العام الذي أريد به الخاص فيكون المراد بالناس في قوله أقاتل الناس أي المشركين من غير أهل الكتاب ويدل عليه رواية النسائي بلفظ أمرت أن أقاتل المشركين فإن قيل إذا تم هذا في أهل الجزية لم يتم في المعاهدين ولا فيمن منع الجزية أجيب بان الممتنع في ترك المقاتلة رفعها لا تأخيرها مدة كما في الهدنه ومقاتلة من أمتنع من أداء الجزيه بدليل الآية رابعها أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها التعبير عن اعلاء كلمة الله وإذعان المخالفين فيحصل في بعض بالقتل وفي بعض بالجزية وفي بعض بالمعاهدة خامسها أن يكون المراد بالقتال هو أو ما يقوم مقامه من جزية أو غيرها سادسها أن يقال الغرض من ضرب الجزيه اضطرارهم إلى الإسلام وسبب السبب سبب فكأنه قال حتى يسلموا أو يلتزموا مما يؤديهم إلى الإسلام وهذا أحسن ويأتي فيه ما في الثالث وهو آخر الاجوبة والله أعلم قوله باب من قال هو مضاف حتما قوله ان الإيمان هو العمل مطابقة الآيات والحديث لما ترجم له بالاستدلال بالمجموع على المجموع لأن كل واحد منها دال بمفرده على بعض الدعوى فقوله بما كنتم تعملون عام في الأعمال وقد نقل جماعة من المفسرين أن قوله هنا تعملون معناه تؤمنون فيكون خاصا وقوله عما كانوا يعملون خاص بعمل اللسان على ما نقل المؤلف وقوله فليعمل العاملون عام أيضا وقوله في الحديث إيمان بالله في جواب أي العمل أفضل دال على أن الاعتقاد والنطق من جملة الأعمال فإن قيل الحديث يدل على أن الجهاد والحج ليسا من الإيمان لما تقتضيه ثم من المغايرة والترتيب فالجواب أن المراد بالإيمان هنا التصديق هذه حقيقته والإيمان كما تقدم يطلق على الأعمال البدنيه لأنها من مكملاته قوله اورثتموها أي صيرت لكم ارثا وأطلق الإرث مجازا عن الإعطاء لتحقق الاستحقاق وما في قوله بما أما مصدريه أي بعملكم وأما موصوله أي بالذي كنتم تعملون والباء للملابسة أو للمقابلة فإن قيل كيف الجمع بين
[ 73 ]
هذه الآية وحديث لن يدخل أحدكم الجنة بعمله فالجواب أن المنفي في الحديث دخولها بالعمل المجرد عن القبول والمثبت في الآية دخولها بالعمل المتقبل والقبول إنما يحصل برحمة الله فلم يحصل الدخول الا برحمة الله وقيل في الجواب غير ذلك كما سيأتي عند إيراد الحديث المذكور تنبيه اختلف الجواب عن هذا السؤال وأجيب بأن لفظ من مراد في كل منهما وقيل وقع باختلاف الأحوال والاشخاص فأجيب كل سائل بالحال اللائق به وهذا اختيار الحليمي ونقله عن القفال قوله وقال عدة أي جماعة من أهل العلم منهم أنس بن مالك روينا حديثه مرفوعا في الترمذي وغيره وفي إسناده ضعف ومنهم بن عمر روينا حديثه في التفسير للطبري والدعاء للطبراني ومنهم مجاهد رويناه عنه في تفسير عبد الرزاق وغيره قوله لنسألهم الخ قال النووي معناه عن أعمالهم كلها أي التي يتعلق بها التكليف وتخصيص ذلك بالتوحيد دعوى بلا دليل قلت لتخصيصهم وجه من جهة التعميم في قوله أجمعين بعد أن تقدم ذكر الكفار إلى قوله ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين فيدخل فيه المسلم والكافر فإن الكافر مخاطب بالتوحيد بلا خلاف بخلاف باقي الأعمال ففيها الخلاف فمن قال إنهم مخاطبون يقول إنهم مسئولون عن الأعمال كلها ومن قال إنهم غير مخاطبين يقول إنما يسالون عن التوحيد فقط فالسؤال عن التوحيد متفق عليه فهذا هو دليل التخصيص فحمل الآية عليه أولي بخلاف الحمل على جميع الأعمال لما فيه من الاختلاف والله أعلم قوله وقال أي الله عز وجل لمثل هذا أي الفوز العظيم فليعمل العاملون أي في الدنيا والظاهر أن المصنف تأولها بما تأول به الآيتين المتقدمتين أي فليؤمن المؤمنون أو يحمل العمل على عمومه لأن من آمن لا بد أن يقبل ومن قبل فمن حقه أن يعمل ومن عمل لا بد أن ينال فإذا وصل قال لمثل هذا فليعمل العاملون تنبيه يحتمل أن يكون قائل ذلك المؤمن الذي رأى قرينه ويحتمل أن يكون كلامه انقضى عند قوله الفوز العظيم والذي بعده ابتداءا من قول الله عز وجل أو بعض الملائكة لا حكاية عن قول المؤمن والاحتمالات الثلاثه مذكوره في التفسير ولعل هذا هو السر في إبهام المصنف القائل والله أعلم قوله حدثنا أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي نسب إلى جده قوله سئل أبهم السائل وهو أبو ذر الغفاري وحديثه في العتق قوله قيل ثم ماذا قال الجهاد وقع في مسند الحارث بن أبي أسامة عن إبراهيم بن سعد ثم جهاد فواخى بين الثلاثة في التنكير بخلاف ما عند المصنف وقال الكرماني الإيمان لا يتكرر كالحج والجهاد قد يتكرر فالتنوين للافراد الشخصي والتعريف للكمال إذ الجهاد لو أتى به مرة مع الاحتياج إلى التكرار لما كان أفضل وتعقب عليه بان التنكير من جملة وجوهه التعظيم وهو يعطي دابة وبأن التعريف من جملة وجوهه العهد وهو يعطي الأفراد الشخصي فلا يسلم الفرق قلت وقد ظهر من رواية الحارث التي ذكرتها أن التنكير والتعريف فيه من يطلق الرواة لأن مخرجه واحد فالاطاله في طلب الفرق في مثل هذا غير طائله والله الموفق قوله حج مبرور أي مقبول ومنه بر حجك وقيل المبرور الذي لا يخالطه إثم وقيل الذي لا رياء فيه فائده قال النووي ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان وفي حديث أبي ذكر لم يذكر الحج وذكر العتق وفي حديث بن مسعود بدا بالصلاة ثم البر ثم الجهاد
[ 74 ]
وفي الحديث المتقدم ذكر السلامه من اليد واللسان قال العلماء اختلاف الاجوبة في ذلك باختلاف الأحوال واحتياج المخاطبين وذكر ما لم يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه ويمكن أن يقال أن لفظة من مرادة كما يقال فلان أعقل الناس والمراد من اعقلهم ومنه حديث خيركم خيركم لأهله ومن المعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس فإن قيل لم قدم الجهاد وليس بركن على الحج وهو ركن فالجواب أن نفع الحج قاصر غالبا ونفع الجهاد متعد غالبا أو كان ذلك حيث كان الجهاد فرض عين ووقوعه فرض عين إذ ذاك متكرر فكان أهم منه فقدم والله أعلم قوله باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة حذف جواب قوله إذا للعلم به كأنه يقول إذا كان الإسلام كذلك لم ينتفع به في الاخرة ومحصل ما ذكره واستدل به أن الإسلام يطلق ويراد به الحقيقة الشرعية وهو الذي يرادف الإيمان وينفع عند الله وعليه قوله تعالى ان الدين عند الله الإسلام وقوله تعالى فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ويطلق ويراد به الحقيقة اللغويه وهو مجرد الانقياد والاستسلام فالحقيقه في كلام المصنف هنا هي الشرعية ومناسبة الحديث للترجمة ظاهرة من حيث أن المسلم يطلق على من أظهر الإسلام وأن لم يعلم باطنه فلا يكون مؤمنا لأنه من لم تصدق عليه الحقيقة الشرعية وأما اللغويه فحاصله قوله عن سعد هو بن أبي وقاص كما صرح الاسماعيلي في روايته وهو والد عامر الراوي عنه كما وقع في الزكاة عند المصنف من رواية صالح بن جلس قال فيها عن عامر بن سعد عن أبيه واسم أبي وقاص مالك وسيأتي تمام نسبه في مناقب سعد إن شاء الله تعالى قوله أعطى رهطا الرهط عدد من الرجال من ثلاثة إلى عشرة قال القزاز وربما جاوزوا ذلك قليلا ولا واحد له من يسير ورهط الرجل بنو أبيه الأدنى وقيل قبيلته وللاسماعيلي من طريق أين أبي ذئب أنه جاءه رهط فسألوه فأعطاهم فترك رجلا منهم قوله وسعد جالس فيه تجريد وقوله اعجبهم إلى فيه التفات ولفظه في الزكاة أعطى رهطا وأنا جالس فساقه بلا تجريد ولا التفات وزاد فيه فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته وغفل بعضهم فعزا هذه الزيادة إلى مسلم فقط والرجل المتروك اسمه جعيل بن سراقة الضمري سماه الواقدي في المغازي قوله مالك عن فلان يعني أي سبب لعدولك عنه إلى غيره ولفظ فلان كناية عن اسم أبهم بعد أن ذكر قوله فوالله فيه القسم في الأخبار على سبيل التأكيد قوله لأراه وقع في روايتنا من طريق أبي ذر وغيره بضم الهمزه هنا وفي الزكاة وكذا هو في رواية الاسماعيلي وغيره وقال الشيخ محيي الدين رحمه الله بل هو بفتحها أي اعمله ولا يجوز ضمها فيصير بمعنى أظنه لأنه قال بعد ذلك غلبني ما أعلم منه أه ولا دلالة فيما ذكر على تعين الفتح لجواز إطلاق العلم على الظن الغالب ومنه قوله تعالى فإن علمتوهن مؤمنات سلمنا لكن لا يلزم من إطلاق العلم أن لا تكون مقدماته ظنيه فيكون نظريا لا يقينيا وهو الممكن هنا وبهذا جزم صاحب المفهم في شرح مسلم فقال الرواية بضم الهمزه واستنبط منه جواز الحلف على غلبة الظن لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما نهاه عن الحلف كذا قال وفيه نظر لا يخفي لأنه أقسم على وجدان الظن وهو كذلك ولم يقسم على الأمر المظنون كما ظن قوله فقال أو مسلما هو بإسكان الواو لا بفتحها فقيل هي للتنويع وقال بعضهم هي للتشريك وأنه أمره أن يقولهما معا لأنه احوط ويرد هذا رواية بن الغلام في معجمه في هذا الحديث فقال لا تقل مؤمن بل مسلم
[ 75 ]
فوضح أنها للاضراب وليس معناه الإنكار بل المعنى أن إطلاق المسلم على من لم يختبر حاله الخبرة الباطنه أولي من إطلاق المؤمن لأن الإسلام معلوم بحكم الظاهر قاله الشيخ محيي الدين ملخصا وتعقبه الكرماني بأنه يلزم منه أن لا يكون الحديث دالا على ما عقد له الباب ولا يكون لرد الرسول صلى الله عليه وسلم على سعد فائدة وهو تعقب مردود وقد بينا وجه المطابقة بين الحديث والترجمه قبل ومحصل القصه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوسع العطاء لمن أظهر الإسلام تالفا فلما أعطى الرهط وهم من المؤلفة وترك جعيلا وهو من المهاجرين مع أن الجميع سألوه خاطبه سعد في أمره لأنه كان يرى أن جعيلا أحق منهم لما اختبره منه دونهم ولهذا راجع فيه أكثر من مرة فارشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمرين أحدهما إعلامه بالحكمة في إعطاء أولئك وحرمان جعيل مع كونه أحب إليه ممن أعطى لأنه لو ترك إعطاء المؤلف لم يؤمن ارتداده فيكون من أهل النار ثانيهما ارشاده إلى التوقف عن الثناء بالأمر الباطن دون الثناء بالأمر الظاهر فوضح بهذا فائده رد الرسول صلى الله عليه وسلم على سعد وأنه لا يستلزم محض الإنكار عليه بل كان أحد الجوابين على طريق المشورة بالأولى والآخر على طريق الاعتذار فإن قيل كيف لم تقبل شهادة سعد لجعيل بالإيمان ولو شهد له بالعداله لقبل منه وهي تستلزم الإيمان فالجواب أن كلام سعد لم يخرج مخرج الشهادة وإنما خرج مخرج المدح له والتوسل في الطلب لأجله فلهذا نوقش في يسير 0 تى ولو كان بلفظ الشهادة لما استلزمت المشوره عليه الأمر الأولى رد شهادته بل السياق يرشد إلى أنه قبل قوله فيه بدليل أنه اعتذر إليه وروينا في مسند محمد بن هارون الروياني وغيره بإسناد صحيح إلى أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له كيف ترى جعيلا قال قلت كشكله من الناس يعني المهاجرين قال فكيف ترى فلانا قال قلت سيد من سادات الناس قال فجعيل خير من ملء الأرض من فلان قال قلت ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع قال إنه رأس قومه فأنا اتالفهم به فهذه منزله جعيل المذكور عند النبي صلى الله عليه وسلم كما ترى فظهرت بهذا الحكمه في حرمانه وإعطاء غيره وأن ذلك لمصلحة التأليف كما قررناه وفي حديث الباب من الفوائد المتفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام وترك القطع بالإيمان الكامل لمن لم ينص عليه وأما منع القطع بالجنة فلا يؤخذ من هذا صريحا وأن تعرض له بعض الشارحين نعم هو كذلك فيمن لم يثبت فيه النص وفيه الرد على غلاة المرجئه في اكتفائهم في الإيمان بنطق اللسان وفيه جواز يطلق الإمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم وأن خفي وجه ذلك على بعض الرعيه وفيه جواز الشفاعة عند الإمام فيما يعتقد الشافع جوازه وتنبيه الصغير للكبير على ما يظن أنه ذهل عنه ومراجعة المشفوع إليه في الأمر إذا لم يؤد إلى مفسدة وأن الاسرار بالنصيحة أولى من الاعلان كما ستأتي الإشارة إليه في كتاب الزكاة فقمت إليه فساررته وقد يتعين إذا جر الاعلان إلى مفسدة وفيه أن من اشير عليه بما يعتقده المشير مصلحه لا ينكر عليه بل يبين له وجه الصواب وفيه الأعتذار إلى الشافع إذا كانت المصلحة في ترك اجابته وأن لا شئ على الشافع إذا ردت شفاعته لذلك وفيه استحباب ترك الالحاح في السؤال كما استنبطه المؤلف منه في الزكاة وسيأتي تقريره هناك إن شاء الله تعالى قوله اني لأعطي الرجل حذف المفعول الثاني للتعميم أي أي عطاء كان قوله اعجب الى في رواية الكشمهيني أحب وكذا لأكثر الرواة ووقع عند
[ 76 ]
الاسماعيلي بعد قوله أحب إلى منه وما أعطيه الا مخافة أن يكبه الله الخ ولأبي داود من طريق معمر إني أعطي رجالا وادع من هو أحب إلى منهم لا أعطيه شيئا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم قوله ان يكبه هو بفتح أوله وضم الكاف يقال أكب الرجل إذا أطرق وكبه غيره إذا قلبه وهذا على خلاف القياس لأن الفعل اللازم يتعدى بالهمزة وهذا زيدت عليه الهمزه فقصر وقد ذكر المؤلف هذا في كتاب الزكاة فقال يقال أكب الرجل إذا كان فعله غير واقع على أحد فإذا وقع الفعل قلت كبه وكببته وجاء وكما هذا في أحرف يسيره منها أنسل ريش الطائر ونسلته وأنزفت البئر ونزفتها وحكى بن الغلام في المتعدي كبه واكبه معا تنبيه ليس فيه إعادة السؤال ثانيا ولا الجواب عنه وقد روى عن بن وهب ورشدين بن سعد جميعا عن يونس عن الزهري بسند آخر قال عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أخرجه بن أبي حاتم ونقل عن أبيه أنه خطأ من رواية وهو الوليد بن مسلم عنهما قوله ورواه يونس يعني بن يزيد الأيلي وحديثه موصول في كتاب الإيمان لعبد الرحمن بن عمر الزهري الملقب رستة بضم الراء واسكان السين المهملتين وقبل الهاء مثناة من فوق مفتوحه ولفظه قريب من سياق الكشمهيني ليس فيه إعادة السؤال ثانيا ولا الجواب عنه قوله وصالح يعني بن جلس وحديثه موصول عند المؤلف في كتاب الزكاة وفيه من اللطائف رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض وهم الصالح والزهري وعامر قوله ومعمر يعني بن راشد وحديثه عند أحمد بن حنبل والحميدي وغيرهما عن عبد الرزاق عنه وقال عنه وقال فيه أنه أعاد السؤال ثلاثا ورواه مسلم عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري بزيادة معمر بينهما وكذا حدث به بن أبي عمر شيخ مسلم في مسنده عن أبي عيينة وكذا أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريقه وزعم أبو مسعود في الأطراف أن الوهم من بن أبي عمر وهو محتمل لأن يكون الوهم صدر منه لما حدث به مسلما لكن ما يتعين في جهته وحمله الشيخ محيي الدين على أن بن عيينة حدث به مرة بإسقاط معمر ومره بإثباته وفيه بعد لأن الروايات قد تضافرت عن بن عيينة بإثبات معمر ولم يوجد بإسقاطه الا عند مسلم والموجود في مسند شيخه بلا إسقاط كما قدمناه وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب تغليق التعليق وفي رواية عبد الرزاق عن معمر من الزيادة قال الزهري فترى أن الإسلام الكلمه والإيمان العمل وقد استشكل هذا بالنظر إلى حديث سؤال جبريل فإن ظاهره يخالفه ويمكن أن يكون مراد الزهري أن المرء يحكم بإسلامه ويسمى مسلما إذا تلفظ بالكلمه أي كلمه الشهادة وأنه لا يسمى مؤمنا الا بالعمل والعمل يشمل عمل القلب والجوارح وعمل الجوارح يدل على صدقه وأما الإسلام المذكور في حديث جبريل فهو الشرعي الكامل المراد بقوله تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه قوله وابن أخي الزهري عن الزهري يعني أن الاربعة المذكورين رووا هذا الحديث عن الزهري شوال كما رواه شعيب عنه وحديث بن أخي الزهري موصول عند مسلم وساق فيه السؤال والجواب ثلاث مرات وقال في آخره خشية أن يكب على البناء للمفعول وفي رواية بن أخي الزهري لطيفة وهي رواية أربعة من بني زهره على الولاء هو وعمه وعامر وأبوه قوله باب مولى منون
[ 77 ]
وقوله السلام من الإسلام زاد في رواية كريمه افشاء السلام والمراد بافشائه نشره سرا أو جهرا وهو مطابق للمرفوع في قوله على من عرفت ومن لم تعرف وبيان كونه من الإسلام تقدم في باب إطعام الطعام مع بقية فوائده وغاير المصنف بين شيخيه اللذين حدثاه عن الليث مراعاة للاتيان بالفائدة الاسناديه وهي تكثير الطرق حيث يحتاج إلى إعادة المتن فإنه لا يعيد الحديث الواحد في موضعين على صوره واحدة فإن قيل كان يمكنه أن يجمع الحكمين في ترجمه واحدة ويخرج الحديث عن شيخيه معا أجاب الكرماني باحتمال أن يكون كل من شيخيه أورده في معرض غير المعرض الآخر وهذا ليس بطائل لأنه متوقف على ثبوت وجود تصنيف مبوب لكل من شيخيه والأصل عدمه ولان من اعتنى بترجمة كل من قتيبة وعمرو بن خالد لم يذكر أن لواحد منهما تصنيفا على الأبواب ولأنه لزم منه أن البخاري يقلد في التراجم والمعروف الشائع عنه أنه هو الذي يستنبط الأحكام في الأحاديث ويترجم لها ويتفنن في ذلك بما لا يدركه فيه غيره ولأنه يبقى السؤال بحاله إذ لا يمتنع معه أن يجمعهما المصنف ولو كان سمعهما مفترقين والظاهر من صنيع البخاري أنه يقصد تعديد شعب الإيمان كما قدمناه فخص كل شعبة بباب تنويها بذكرها وقصد التنويه يحتاج إلى التأكيد فلذلك غاير بين الترجمتين قوله وقال عمار هو بن ياسر أحد السابقين الأولين وأثره هذا أخرجه أحمد بن حنبل في كتاب الإيمان من طريق سفيان الثوري ورواه يعقوب بن شيبه في مسنده من طريق شعبة وزهير بن معاوية وغيرهما كلهم عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة بن زفر عن عمار ولفظ شعبة ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان وهو بالمعنى وهكذا رويناه في جامع معمر عن أبي إسحاق وكذا حدث به عبد الرزاق في مصنفه عن معمر وحدث به عبد الرزاق بأخرة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذا أخرجه البزار في مسنده وابن أبي حاتم في العلل كلاهما عن الحسن بن عبد الله الكوفي وكذا رواه البغوي في شرح السنة من طريق أحمد بن كعب الواسطي وكذا أخرجه بن الغلام في معجمه عن محمد بن الصباح الصنعاني ثلاثتهم عن عبد الرزاق مرفوعا واستغربه البزار وقال أبو زرعة هو خطا قلت وهو معلول من حيث صناعة الإسناد لأن عبد الرزاق تغير بآخرة وسماع هؤلاء منه في حال تغيره الا أن مثله لا يقال بالراي فهو في حكم المرفوع وقد رويناه مرفوعا من وجه آخر عن عمار أخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده ضعف وله شواهد أخرى بينتها في تغليق التعليق قوله ثلاث أي ثلاث خصال واعرابه وكما ما مر في قوله ثلاث من كن فيه والعالم بفتح اللام والمراد به هنا جميع الناس والاقتار القله وقيل الافتقار وعلى الثاني فمن في قوله من الاقتار بمعنى مع أو بمعنى عند قال أبو الزناد بن سراج وغيره إنما كان من جمع الثلاث مستكملا للإيمان لأن مداره عليها لأن العبد إذا اتصف بالإنصاف لم يترك لمولاه حقا واجبا عليه الا أداه ولم يترك شيئا مما نهاه عنه الا اجتنبه وهذا يجمع أركان الإيمان وبذل السلام يتضمن مكارم الأخلاق والتواضع وعدم الاحتقار ويحصل به التالف والتحابب والإنفاق من الاقتار يتضمن غاية الكرم لأنه إذا أنفق مع الاحتياج كان مع التوسع أكثر انفاقا والنفقه أعم من أن تكون على العيال واجبه ومندوبه أو على الضيف والزائر وكونه من الاقتار يستلزم الوثوق بالله والزهد في الدنيا وقصر الأمل وغير ذلك من مهمات الآخرة وهذا التقرير يقوي أن يكون
[ 78 ]
الحديث مرفوعا لأنه يشبه أن يكون كلام من أوتي جوامع الكلم والله أعلم قوله باب كفران العشير وكفر دون كفر قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه مراد المصنف أن يبين أن الطاعات كما تسمى إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد به الكفر المخرج من الملة قال وخص كفران العشير من بين يجري الذنوب لدقيقة بديعة وهي قوله صلى الله عليه وسلم لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها فقرن حق الزوج على الزوجه بحق الله فإذا كفرت المرأه حق زوجها وقد بلغ من حقه عليها هذه الغاية كان ذلك دليلا على تهاونها بحق الله فلذلك يطلق عليها الكفر لكنه كفر لا يخرج عن المله ويؤخذ من كلامه مناسبة هذه الترجمة لامور الإيمان من جهة كون الكفر ضد الإيمان وأما قول المصنف وكفر دون كفر فأشار إلى أثر رواه أحمد في كتاب الإيمان من طريق عطاء بن أبي رباح وغيره وقوله فيه أبو سعيد أي يدخل في الباب حديث رواه أبو سعيد وفي رواية كريمه فيه عن أبي سعيد أي مروي عن أبي سعيد وفائدة هذا الإشارة إلى أن للحديث طريقا غير الطريق المساقه وحديث أبي سعيد أخرجه المؤلف في الحيض وغيره من طريق عياض بن عبد الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم للنساء تصدقن فإني رايتكن أكثر أهل النار فقلن ولم يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير الحديث ويحتمل أن يريد بذلك حديث أبي سعيد أيضا لا يشكر الله من لا يشكر الناس قاله القاضي أبو بكر المذكور والأول أظهر وأجرى على مألوف المصنف ويعضده إيراده لحديث بن عباس بلفظ وتكفرن العشير والعشير الزوج قيل له عشير بمعنى معاشر مثل أكيل بمعنى مؤاكل وحديث بن عباس المذكور طرف من حديث طويل أورده المصنف في باب صلاة الكسوف بهذا الإسناد تاما وسيأتي الكلام عليه ثم وننبه هنا على فائدتين إحداهما أن البخاري يذهب إلى جواز تقطيع الحديث إذا كان ما يفصله منه لا يتعلق بما قبله ولا بما بعده تعلقا يفضي إلى فساد المعنى فصنيعه كذلك يوهم من لا يحفظ الحديث أن المختصر غير التام لا سيما إذا كان ابتداء المختصر من اثناء التام كما وقع في هذا الحديث فإن أوله هنا قوله صلى الله عليه وسلم أرأيت النار إلى آخر ما ذكر منه وأول التام عن بن عباس قال خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر قصة صلاة الخسوف ثم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها القدر المذكور هنا فمن أراد عد الأحاديث التي اشتمل عليها الكاتب يظن أن هذا الحديث حديثان أو أكثر لاختلاف الابتداء وقد وقع في ذلك من حكى أن عدته بغير تكرار أربعة آلاف أو نحوها كابن الصلاح والشيخ محي الدين ومن بعدهما وليس الأمر كذلك بل عدته على التحرير ألفا حديث وخمسمائة حديث وثلاثة عشر حديثا كما بينت ذلك مفصلا في المقدمة الفائدة الثانية تقرر أن البخاري لا يعيد الحديث الا لفائده لكن تارة تكون في المتن وتارة في الإسناد وتارة فيهما وحيث تكون في المتن خاصة لا يعيده بصورته بل يتصرف فيه فإن كثرت طرقه أورد لكل باب طريقا وأن قلت اختصر المتن أو الإسناد وقد صنع ذلك في هذا الحديث فإنه أورده هنا عن عبد الله بن مسلمة وهو القعنبي مختصرا مقتصرا على مقصود الترجمة كما تقدمت الإشارة إليه من أن الكفر يطلق على بعض المعاصي ثم أورده في الصلاة في باب من صلى وقدامه نار بهذا الإسناد بعينه لكنه لما لم يغاير اقتصر على مقصود الترجمة منه فقط
[ 79 ]
ثم أورده في صلاة الكسوف بهذا الإسناد فساقه تاما ثم أورده في بدء الخلق في ذكر الشمس والقمر عن شيخ غير القعنبي مقتصرا على موضع الحاجة ثم أورده في عشرة النساء عن شيخ غيرهما عن مالك أيضا وعلى هذه الطريقة يجمل جميع تصرفه فلا يوجد في كتابه حديث على صوره واحدة في موضعين فصاعدا الا نادرا والله الموفق وسيأتي الكلام على ما تضمنه حديث الباب من الفوائد حيث ذكره تاما إن شاء الله تعالى قوله باب هو منون وقوله المعاصي مبتدأ ومن أمر الجاهلية خيره والجاهليه ما قبل الإسلام وقد يطلق في شخص معين أي في حال جاهليته وقوله ولا يكفر بتشديد الفاء ويوهمون وفي رواية أبي الوقت بفتح أوله واسكان الكاف وقوله الا بالشرك أي أن كل معصيه تؤخذ من ترك واجب أو فعل محرم فهي من أخلاق الجاهلية والشرك أكبر المعاصي ولهذا استثناه ومحصل الترجمة أنه لما قدم أن المعاصي يطلق عليها الكفر مجازا على إرادة كفر النعمة لا كفر الجحد أراد أن يبين أنه كفر لا يخرج عن الملة خلافا للخوارج الذين يكفرون بالذنوب ونص القرآن يرد عليهم وهو قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فصير ما دون الشرك تحت إمكان المغفره والمراد بالشرك في هذه الآية الكفر لأن من جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مثلا كان كافرا ولو لم يجعل مع الله إلها آخر والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف وقد يرد الشرك ويراد به ما هو أخص من الكفر كما في قوله تعالى لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين قال بن بطال غرض البخاري الرد على من يكفر بالذنوب كالخوارج ويقول أن من مات على ذلك يخلد في النار والايه ترد عليهم لأن المراد بقوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من مات على كل ذنب سوى الشرك وقال الكرماني في استدلاله بقول أبي ذر عيرته بأمه نظر لأن التعيير ليس كبيرة وهم لا يكفرون بالصغائر قلت استدلاله عليهم من الآية ظاهر ولذلك اقتصر عليه بن بطال وأما قصة أبي ذر فإنما ذكرت ليستدل بها على أن من بقيت فيه خصلة من خصال الجاهلية سوى الشرك لا يخرج عن الإيمان بها سواء كانت من الصغائر أم الكبائر وهو واضح واستدل المؤلف أيضا على أن المؤمن إذا أرتكب معصية لا يكفر بان الله تعالى أبقى عليه اسم المؤمن فقال وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ثم قال انما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين اخويكم واستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم إذا التقي المسلمان بسيفيهما فسماهما مسلمين مع التوعد بالنار والمراد هنا إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ واستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر فيك جاهلية أي خصلة جاهلية مع أن منزلة أبي ذر من الإيمان في الذروة العالية وإنما وبخه بذلك على عظيم منزلته عنده تحذيرا له عن معاودة مثل ذلك لأنه وأن كان معذورا بوجه من وجوه العذر لكن وقوع ذلك من مثله يستعظم أكثر ممن هو دونه وقد وضح بهذا وجه دخول الحديثين تحت الترجمة وهذا على مقتضى هذه الرواية رواية أبي ذر عن مشايخه لكن سقط حديث أبي بكرة من رواية المستملي وأما رواية الأصيلي وغيره فأفرد فيها حديث أبي بكرة بترجمة وان طائفتان من المؤمنين وكل من الكلب جمعا وتفريقا حسن والطائفه القطعيه من الشئ ويطلق على الواحد فما فوقه عند الجمهور وأما اشتراط حضور أربعة في رجم الزاني مع قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين فالايه وارده في الجلد ولا اشتراط فيه والاشتراط في الرجم بدليل آخر وأما اشتراط ثلاثة في صلاة الخوف مع قوله تعالى فلتقم طائفة منهم معك
[ 80 ]
فذاك لقوله تعالى ولياخذوا اسلحتهم فذكره بلفظ الجمع واقله ثلاثة على الصحيح قوله حدثنا أيوب هو السختياني ويونس هو بن عبيد والحسن هو بن أبي الحسن البصري والأحنف بن قيس مخضرم وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم لكل قبل إسلامه وكان رئيس بني تميم في الإسلام وبه يضرب المثل في الحلم وقوله ذهبت لأنصر هذا الرجل يعني عليا كذا هو في مسلم من هذا الوجه وقد أشار إليه المؤلف في الفتن ولفظه أريد نصرة بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الاسماعيلي في روايته يعني عليا وأبو بكرة بإسكان الكاف هو الصحابي المشهور وكان الأحنف أراد أن يخرج بقومه إلى علي بن أبي طالب ليقاتل معه يوم الجمل فنهاه أبو بكرة فرجع وحمل أبو بكرة الحديث على عمومه في كل مسلمين التقيا بسيفهما حسما للماده وإلا فالحق أنه أمرهم على ما إذا كان القتال منهما بغير تأويل سائغ كما قدمناه ويخص ذلك من عموم الحديث المتقدم بدليله الخاص في قتال أهل البغي وقد رجع الأحنف عن أجرة أبي بكرة في ذلك وشهد مع علي باقي حروبه وسيأتي الكلام على حديث أبي بكرة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى ورجال إسناده كلهم بصريون وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهم أيوب والحسن والأحنف قوله عن واصل هو بن حيان وللأصيلي هو الأحدب وللمصنف في العتق حدثنا واصل الأحدب قوله عن المعرور وفي العتق سمعت المعرور بن سويد وهو بمهملات ساكن العين قوله بالربذة هو بفتح الراء والموحدة والمعجمة موضع بالبادية بينه وبين المدينة ثلاث مراحل قوله وعليه حلة وعلى غلامه حلة هكذا رواه أصحاب شعبة عنه لكن في رواية الاسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة أتيت أبا ذر فإذا حلة عليه منها ثوب وعلى عبدة منها ثوب وهذا يوافق ما في اللغه أن الحلة ثوبان من جنس واحد ويؤيده ما في رواية الأعمش عن المعرور عند المؤلف في الأدب بلفظ رأيت عليه بردا وعلى غلامه بردا فقلت لو أخذت هذا فلبسته كانت حلة وفي رواية مسلم فقلنا يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة ولأبي داود فقال القوم يا أبا ذر لو أخذت الذي على غلامك فجعلته مع الذي عليك لكانت حلة فهذا موافق لقول أهل اللغه لأنه ذكر أن الثوبين يصيران بالجمع بينهما حلة ولو كان كما في الأصل على كل واحد منهما حلة لكان إذا جمعهما يصير عليه حلتان ويمكن الجمع بين الكلب بأنه كان عليه برد جيد تحته ثوب خلق من جنسه وعلى غلامه كذلك وكأنه قيل له لو أخذت البرد الجيد فأضفته إلى البرد الجيد الذي عليك وأعطيت الغلام البرد الخلق بدله لكانت حله جيده فتلتئم بذلك الروايتان ويحمل قوله في حديث الأعمش لكانت حله أي كاملة الجوده فالتنكير فيه للتعظيم والله أعلم وقد نقل بعض أهل اللغه أن الحلة لا تكون الا ثوبين جديدين يحلهما من طيهما فافاد أصل تسمية الحلة وغلام أبي ذر المذكور لم يسم ويحتمل أن يكون أبا مراوح مولى أبي ذر وحديثه عنه في الصحيحين وذكر مسلم في الكني أن اسمه سعد قوله فسألته أي عن السبب في الباسه غلامه وكما لبسه لأنه على خلاف المألوف فأجابه بحكاية القصة التي كانت سببا لذلك قوله ساببت في رواية الاسماعيلي شاتمت وفي الأدب للمؤلف كان بيني وبين رجل كلام وزاد مسلم من إخواني وقيل أن الرجل المذكور هو بلال المؤذن مولى أبي بكر وروى ذلك الوليد بن مسلم منقطعا ومعنى ساببت وقع بيني وبينه سباب بالتخفيف
[ 81 ]
وهو من السب بالتشديد وأصله القطع وقيل ماخوذ من السبه وهي حلقة الدبر سمي الفاحش من القول بالفاحش من الجسد فعلى الأول المراد قطع المسبوب وعلى الثاني المراد كشف عورته لأن من شان الساب ابداء عورة المسبوب قوله فعيرته بامه أي نسبته إلى العار زاد في الأدب وكانت أمه اعجمية فنلت منها وفي رواية قلت له يا بن السوداء والاعجمي من لا يفصح باللسان العربي سواء كان عربيا أو عجميا والفاء في فعيرته قيل هي تفسيريه كأنه بين أن التعيير هو السب والظاهر أنه وقع بينهما سباب وزاد عليه التعيير فتكون عاطفة ويدل عليه رواية مسلم قال اعيرته بأمه فقلت من سب الرجال سبوا أباه وأمه قال انك امرؤ فيك جاهلية أي خصلة من خصال الجاهلية ويظهر لي أن ذلك كان من أبي ذر قبل أن يعرف تحريمه فكانت تلك الخصله من خصال الجاهلية باقية عنده فلهذا قال كما عند المؤلف في الأدب قلت على ساعتي هذه من كبر السن قال نعم كأنه تعجب من خفاء ذلك عليه ومع كبر سنة فبين له كون هذه الخصله مذمومه شرعا وكان بعد ذلك يساوي غلامه في الملبوس وغيره أخذا بالاحوط وإن كان لفظ الحديث يقتضي اشتراط المواساة لا المساواة وسنذكر ما يتعلق ببقية ذلك في كتاب العتق حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى وفي السياق دلاله على جواز تعدية عيرته بالباء وقد أنكره بن قتيبة وتبعه بعضهم وأثبت آخرون أنها لغه وقد جاء في سبب إلباس أبي ذر غلامه مثل لبسه أثر مرفوع أصرح من هذا واخص أخرجه الطبراني من طريق أبي غالب عن أبي إمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا ذر عبدا فقال أطعمه مما تأكل والبسه مما تلبس وكان لأبي ذر ثوب فشقه نصفين فأعطى الغلام نصفه فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال قلت يا رسول الله أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون قال نعم قوله باب ظلم دون ظلم دون يحتمل أن تكون بمعنى غير أي يجري الظلم متغايره أو بمعنى الأدنى أي بعضها أخف من بعض وهو أظهر في مقصود المصنف وهذه الجملة لفظ حديث رواه أحمد في كتاب الإيمان من حديث عطاء ورواه أيضا من طريق طاوس عن بن عباس بمعناه وهو في معنى قوله تعالى ومن لم يحكم بما انزل الله الآية فاستعمله المؤلف ترجمة واستدل له بالحديث المرفوع ووجه الدلاله منه أن الصحابة فهموا من قوله بظلم عموم يجري المعاصي ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وإنما بين لهم أن المراد أعظم يجري الظلم وهو الشرك على ما سنوضحه فدل على أن للظلم مراتب متفاوته ومناسبة إيراد هذا عقب ما تقدم من أن المعاصي غير الشرك لا ينسب المؤلف إلى الكفر المخرج عن الملة على هذا التقرير ظاهرة قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي قوله وحدثني بشر هو في الروايات المصححه بواو العطف وفي بعض النسخ قبلها صورة ح فإن كانت من أصل التصنيف فهي الركعة مأخوذه من التحويل على المختار وإن كانت مزيدة من بعض الرواة فيحتمل أن تكون الركعة كذلك أو غدا مأخوذه من البخاري لأنها رمزه أي قال البخاري وحدثني بشر وهو بن خالد العسكري وشيخه محمد هو بن جعفر المعروف بغندر وهو أثبت الناس في شعبة ولهذا أخرج المؤلف روايته مع كونه أخرج الحديث عاليا عن أبي الوليد واللفظ المساق هنا لفظ بشر وكذلك أخرج النسائي عنه وتابعه بن أبي عدي عن شعبة وهو عند المؤلف في تفسير الأنعام وأما لفظ أبي الوليد فساقه المؤلف في قصة لقمان بلفظ أينا لم يلبس ايمانه بظلم وزاد فيه
[ 82 ]
أبو نعيم في مستخرجه من طريق سليمان بن حرب عن شعبة بعد قوله إن الشرك لظلم عظيم فطابت أنفسنا واقتضت رواية شعبة هذه أن هذا السؤال سبب نزول الآية الأخرى التي في لقمان لكن رواه البخاري ومسلم من طريق أخرى عن الأعمش وهو سليمان المذكور في حديث الباب ففي رواية جرير عنه فقالوا أينا لم يلبس ايمانه بظلم فقال ليس بذلك الا تسمعون إلى قول لقمان وفي رواية وكيع عنه فقال ليس كما تظنون وفي رواية عيسى بن يونس أنما هو الشرك ألم تسمعوا إلى ما قال لقمان وظاهر هذا أن الآية التي في لقمان كانت معلومة عندهم ولذلك نبههم عليها ويحتمل أن يكون نزولها وقع في الحال فتلاها عليهم ثم نبههم فتلتئم الروايتان قال الخطابي كان الشرك عند الصحابة أكبر من أن يلقب بالظلم فحملوا الظلم في الآية على ما عداه يعني من المعاصي فسألوا عن ذلك فنزلت هذه الآية كذا قال وفيه نظر والذي يظهر لي إنهم حملوا الظلم على عمومه الشرك فما دونه وهو الذي يقتضيه صنيع المؤلف وإنما حملوه على العموم لأن قوله ظلم نكره في سياق النفي لكن عمومها هنا بحسب الظاهر قال المحققون أن دخل على النكرة في سياق النفي ما يؤكد العموم ويقويه نحو من في قوله ما جاءني من رجل أفاد تنصيص العموم وإلا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر كما فهمه الصحابة من هذه الآية وبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ظاهرها غير مراد بل هو من العام الذي أريد به الخاص فالمراد بالظلم أعلى انواعه وهو الشرك فإن قيل من أين يلزم أن من لبس الإيمان بظلم لا يكون آمنا ولا مهتديا حتى شق عليهم والسياق إنما يقتضي أن من لم يوجد منه الظلم فهو آمن ومهتد فما الذي دل على نفي ذلك عمن وجد منه الظلم فالجواب أن ذلك مستفاد من المفهوم وهو مفهوم الصفة أو مستفاد من الاختصاص المستفاد من تقديم لهم على الأمن أي لهم الأمن لا لغيرهم كذا قال الزمخشري في قوله تعالى إياك نعبد وقال في قوله تعالى كلا أنها كلمة هو قائلها تقديم هو على قائلها يفيد الاختصاص أي هو قائلها لا غيره فإن قيل لا يلزم من قوله إن الشرك لظلم عظيم أن غير الشرك لا يكون ظلما فالجواب أن التنوين في قوله لظلم عظيم وقد بين ذلك استدلال الفاء بالايه الثانية فالتقدير لم يلبسوا إيمانهم بظلم عظيم أي بشرك إذ لا ظلم أعظم منه وقد ورد ذلك صريحا عند المؤلف في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام من طريق حفص بن الصالح عن الأعمش ولفظه قلنا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه قال ليس كما تقولون لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك أو لم تسمعوا إلى قول لقمان فذكر الآية واستنبط منه المازري جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ونازعه القاضي عياض فقال ليس في هذه القصه تكليف عمل بل تكليف اعتقاد بتصديق الخبر واعتقاد التصديق السري لأول وروده فما هي الحاجة ويمكن أن يقال المعتقدات أيضا تحتاج إلى البيان فلما أجمل الظلم حتى تناول إطلاقه جميع المعاصي شق عليهم حتى ورد البيان فما انتفت الحاجة والحق أن في القصه تأخير البيان عن وقت الخطاب لأنهم حيث احتاجوا إليه لم يتأخر قوله ولم يلبسوا أي لم يخلطوا تقول لبست الأمر بالتخفيف البسه بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل أي خلطته وتقول لبست الثوب البسه بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل وقال محمد بن إسماعيل التميمي في شرحه خلط الإيمان بالشرك لا يتصور فالمراد إنهم لم تحصل لهم الصفتان كفر متأخر عن إيمان متقدم أي لم يرتدوا ويحتمل أن يراد إنهم لم يجمعوا بينهما ظاهرا وباطنا أي لم ينافقوا وهذا أوجه
[ 83 ]
ولهذا عقبه المصنف بباب علامات المنافق وهذا من بديع ترتيبه ثم في هذا الإسناد رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض وهم الأعمش عن شيخه إبراهيم بن يزيد النخعي عن خاله علقمة بن قيس النخعي والثلاثة كوفيون فقهاء وعبد الله الصحابي هو بن مسعود وهذه الترجمة أحد ما قيل فيه أنه أصح الأسانيد والأعمش موصوف بالتدليس ولكن في رواية حفص بن الصالح التي تقدمت الإشارة إليها عند المؤلف عنه حدثنا إبراهيم ولم أر التصريح بذلك في جميع طرقه عند الشيخين وغيرهما الا في هذا الطريق وفي المتن من الفوائد الحمل على العموم حتى يرد دليل الخصوص وأن النكرة في سياق النفي تعم وأن الخاص يقضي على العام والمبين على المجمل وأن اللفظ يحمل على خلاف ظاهره لمصلحة دفع التعارض وأن درجات الظلم تتفاوت كما ترجم له وأن المعاصي لا تسمى شركا وأن من لم يشرك بالله شيئا فله الأمن وهو مهتد فإن قيل فالعاصي قد يعذب فما هو الأمن والاهتداء الذي حصل له فالجواب أنه أمن من التخليد في النار مهتد إلى طريق الجنة والله أعلم قوله باب علامات المنافق لما قدم أن مراتب الكفر متفاوته وكذلك الظلم اتبعه بان النفاق كذلك وقال الشيخ محيي الدين مراد البخاري بهذه الترجمة أن المعاصي تنقص الإيمان كما أن الطاعة تزيده وقال الكرماني مناسبة هذا الباب لكتاب الإيمان أن النفاق علامة عدم الإيمان أو ليعلم منه أن بعض النفاق كفر دون بعض والنفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر وإلا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه قوله حدثنا سليمان أبو الربيع هو الزهراني بصري نزل بغداد ومن شيخه فصاعدا مدنيون نافع بن مالك هو عم مالك بن أنس الإمام قوله آية المنافق ثلاث الآية العلامه وأفراد الآية أما على إرادة الجنس أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث والأول أليق بصنيع المؤلف ولهذا ترجم بالجمع وعقب بالمتن الشاهد لذلك وقد رواه أبو عوانة في صحيحه بلفظ علامات المنافق فإن قيل ظاهره الحصر في الثلاث فكيف جاء في الحديث الآخر بلفظ أربع من كن فيه الحديث أجاب القرطبي باحتمال أنه استجد له صلى الله عليه وسلم من العلم بحالهم ما لم يكن عنده وأقول ليس بين الحديثين تعارض لأنه لا يلزم من عد الخصلة المذمومة الدالة على كمال النفاق كونها علامه على النفاق لاحتمال أن تكون العلامات دالات على أصل النفاق والخصله الزائدة إذا اضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق على أن في رواية مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ما يدل على إرادة عد الحصر فإن يسير من علامة المنافق ثلاث وكذا أخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد الخدري وإذا حمل اللفظ الأول على هذا لم يرد السؤال فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت وببعضها في وقت آخر وقال القرطبي أيضا والنووي حصل من مجموع الكلب خمس خصال لأنهما تواردتا على الكذب في الحديث والخيانه في الامانه وزاد الأول الخلف في الوعد والثاني الغدر في المعاهدة والفجور في الخصومه قلت وفي رواية مسلم الثاني بدل الغدر في المعاهدة الخلف في الوعد كما في الأول فكأن بعض الرواة يطلق في يسير لأن معناهما قد يتحد وعلى هذا فالمزيد خصلة واحدة وهي الفجور في الخصومة والفجور الميل عن الحق والاحتيال في رده وهذا قد يندرج في الخصلة الأولى وهي الكذب في الحديث ووجه الاقتصار على هذه العلامات
[ 84 ]
الثلاث أنها منبه على ما عداها إذ أصل الديانه منحصر في ثلاث القول والفعل والنيه فنبه على فساد القول بالكذب وعلى فساد الفعل بالخيانة وعلى فساد النية بالخلف لأن خلف الوعد لا يقدح الا إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد أما لو كان عازما ثم عرض له مانع أو بدا له أجرة فهذا لم توجد منه صورة النفاق قاله الغزالي في الأحياء وفي الطبراني في حديث طويل ما يشهد له ففيه من حديث سلمان إذا وعد وهو يحدث نفسه أنه يخلف وكذا قال في باقي الخصال وإسناده لا بأس به ليس فيهم من أجمع على تركه وهو عند أبي داود والترمذي من حديث زيد بن أرقم مختصر بلفظ إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف فلا إثم عليه قوله إذا وعد قال صاحب المحكم يقال وعدته خيرا ووعدته شرا فإذا أسقطوا الفعل قالوا في الخير وعدته وفي الشر اوعدته وحكى بن الغلام في نوادره أوعدته خيرا بالهمزة فالمراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير وأما الشر فيستحب الأروقة وقد يجب ما لم يترتب على ترك انفاذه مفسدة وأما الكذب في الحديث فحكى بن التين عن مالك أنه سئل عمن جرب عليه كذب فقال أي نوع من الكذب لعله حدث عن عيش له سلف فبالغ في وصفه فهذا لا يضر وإنما يضر من حدث عن الأشياء بخلاف ما هي عليه قاصدا الكذب انتهى وقال النووي هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث أن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره قال وليس فيه اشكال بل معناه صحيح والذي قاله المحققون أن معناه أن هذه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق باخلاقهم قلت ومحصل هذا الجواب الحمل في التسميه على المجاز أي صاحب هذه الخصال كالمنافق وهو بناء على المراد بالنفاق نفاق الكفر وقد قيل في الجواب عنه أن المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له بقول عمر لحذيفة هل تعلم في شيئا من النفاق فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر وإنما أراد نفاق العمل ويؤيده وصفه بالخالص في الحديث الثاني بقوله كان منافقا خالصا وقيل المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال وأن الظاهر غير مراد وهذا ارتضاه الخطابي وذكر أيضا أنه يحتمل أن المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له دينا قال ويدل عليه التعبير بإذا فإنها أخذت على تكرر الفعل كذا قال والأولى ما قال الكرماني أن حذف المفعول من حدث يدل على العموم أي إذا حدث في كل شئ كذب فيه أو يصير قاصرا أي إذا وجد ماهية التحدث كذب وقيل هو أمرهم على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون بها واستخف بأمرها فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالبا وهذه الاجوبة كلها مبنيه على أن اللام في المنافق للجنس ومنهم من ادعى أنها للعهد فقال أنه ورد في حق شخص معين أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفه جاءت في ذلك لو ثبت شئ منها لتعين المصير إليه وأحسن الاجوبة ما ارتضاه القرطبي والله أعلم قوله تابعه شعبة وصل المؤلف هذه المتابعة في كتاب المظالم ورواية قبيصة عن سفيان وهو الثوري ضعفها يحيى بن معين وقال الشيخ محيي الدين إنما أوردها البخاري على طريق المتابعة لا الاصالة وتعقبه الكرماني بأنها مخالفه في اللفظ والمعنى من عدة جهات فكيف تكون متابعه وجوابه أن المراد بالمتابعه هنا كون الحديث مخرجا في صحيح مسلم وغيره من طرق أخرى عن الثوري وعند المؤلف من طرق أخرى عن الأعمش منها
[ 85 ]
رواية شعبة المشار إليها وهذا هو السر في ذكرها هنا وكأنه فهم أن المراد بالمتابعه حديث أبي هريرة المذكور في الباب وليس كذلك إذ لو أراده لسماك شاهدا وأما دعواه أن بينهما مخالفة في المعنى فليس بمسلم لما قررناه آنفا وغايته أن يكون في أحدهما زيادة وهي مقبولة لأنها من ثقة متقن والله أعلم فائده رجال الإسناد الثاني كلهم كوفيون الا الصحابي وقد دخل الكوفة أيضا والله أعلم قوله باب ليلة القدر من الإيمان لما بين علامات النفاق وقبحها رجع إلى ذكر علامات الإيمان وحسنها لأن الكلام على متعلقات الإيمان هو المقصود بالاصاله وإنما يذكر متعلقات غيره استطرادا ثم رجع فذكر أن قيام ليلة القدر وقيام رمضان وصيام رمضان من الإيمان وأورد الثلاثة من حديث أبي هريرة متحدات الباعث والجزاء وعبر في ليلة القدر بالمضارع في الشرط وبالماضي في جوابه بخلاف الآخرين فبالماضي فيهما وأبدى الكرماني لذلك نكتة لطيفة قال لأن قيام رمضان محقق الوقوع وكذا صيامه بخلاف قيام ليلة القدر فإنه غير متيقن فلهذا ذكره بلفظ المستقبل انتهى كلامه وفيه شئ ستأتي الإشارة إليه وقال غيره استعمل لفظ الماضي في الجزاء إشارة إلى تحقق وقوعه فهو وكما اتى أمر الله وفي استعمال الشرط مضارعا والجواب ماضيا نزاع بين النجاة فمنعه الأكثر وأجازه آخرون لكن بقلة استدلوا بقوله تعالى ان نشا ننزل عليهم من السماء آية فظلت لأن قوله فظلت بلفظ الماضي وهو تابع للجواب وتابع الجواب جواب واستدلوا أيضا بهذا الحديث وعندي في الاستدلال به نظر لانني أظنه من يطلق الرواة لأن الروايات فيه مشهورة عن أبي هريرة بلفظ المضارع في الشرط والجزاء وقد رواه النسائي عن محمد بن علي بن ميمون عن أبي وابنه شيخ البخاري فيه فلم يغاير بين الشرط والجزاء بل قال من يقم ليلة القدر يغفر له ورواه أبو نعيم في المستخرج عن سليمان وهو الطبراني عن أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة عن أبي وابنه ولفظه زائد على الكلب فقال لا يقوم أحدكم ليلة القدر فيوافقهما إيمانا واحتسابا الا ورجاله الله له ما تقدم من ذنبه وقوله في هذه الرواية فيوافقها زيادة بيان وإلا فالجزاء مرتب على قيام ليلة القدر ولا يصدق قيام ليلة القدر الا على من وافقها والحصر المستفاد من النفي والاثبات مستفاد من الشرط والجزاء فوضح أن ذلك من يطلق الرواة بالمعنى لأن مخرج الحديث واحد وسيأتي الكلام على ليلة القدر وعلى صيام رمضان وقيامه إن شاء الله تعالى في كتاب الصيام قوله باب الجهاد من الإيمان أورد هذا الباب بين قيام ليلة القدر وبين قيام رمضان وصيامه فأما مناسبة إيراده معها في الجملة فواضح لاشتراكها في كونها من خصال الإيمان وأما إيراده بين هذين البابين مع أن تعلق أحدهما بالاخر ظاهر فلنكتة لم أر من تعرض لها بل قال الكرماني صنيعه هذا دال على أن النظر مقطوع من غير هذه المناسبة يعني اشتراكها في كونها من خصال الإيمان وأقول بل قيام ليلة القدر وأن كان ظاهر المناسبة لقيام رمضان لكن للحديث الذي أورده في باب الجهاد مناسبة بالتماس ليلة القدر حسنة جدا لأن التماس ليلة القدر يستدعي محافظة زائدة ومجاهدة تامه ومع ذلك فقد يوافقها أو لا وكذلك المجاهد يلتمس الشهادة ويقصد اعلاء كلمة الله وقد يحصل له ذلك أو لا فتناسبا في أن كل منهما مجاهده وفي أن كلا منهما قد يحصل المقصود الاصلي لصاحبه أولا فالقائم لالتماس ليلة القدر مأجور فإن وافقها كان أعظم أجرا والمجاهد لالتماس الشهادة
[ 86 ]
مأجور فإن وافقها كان أعظم أجرا ويشير إلى ذلك تمنيه صلى الله عليه وسلم الشهادة بقوله ولوددت إني أقتل في سبيل الله فذكر المؤلف فضل الجهاد لذلك استطرادا ثم عاد إلى ذكر قيام رمضان وهو بالنسبة لقيام ليلة القدر عام بعد خاص ثم ذكر بعده باب الصيام لأن الصيام من التروك فاخره عن القيام لأنه من الأفعال ولان الليل قبل النهار ولعله أشار إلى أن القيام مشروع في أول ليلة من الشهر خلافا لبعضهم قوله حدثنا حرمى هو اسم بلفظ النسبة وهو بصري يكنى أبا علي قال حدثنا عبد الواحد هو بن زياد البصري العبدي ويقال له الثقفي وهو ثقة متقن قال بن القطان لم يعتل عليه بقادح وفي طبقته عبد الواحد بن زيد بصري أيضا لكنه ضعيف ولم يخرج عنه في الصحيحين شئ قوله حدثنا عمارة هو بن القعقاع بن شبرمة الضبي قوله انتدب الله هو بالنون أي سارع بثوابه وحسن جزائه وقيل بمعنى أجاب إلى المراد ففي الصحاح ندبت فلانا لكذا فانتدب أي أجاب إليه وقيل معناه تكفل بالمطلوب ويدل عليه رواية المؤلف في أواخر الجهاد لهذا الحديث من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ تكفل الله وله في أوائل الجهاد من طريق سعيد بن المسيب عنه بلفظ توكل الله وسيأتي الكلام عليها وعلى رواية مسلم هناك إن شاء الله تعالى ووقع في رواية الأصيلي هنا ايتدب بياء تحتانيه مهموزه ببدل النون من المأدبة وهو تصحيف وقد وجهوه بتكلف لكن أطباق الرواة على خلافه مع اتحاد المخرج كاف في تخطئته قوله لا يخرجه الا إيمان بي كذا هو بالرفع على أنه فاعل يخرج والاستثناء مفرغ وفي رواية مسلم والاسماعيلي الا إيمانا بالنصب قال النووي هو مفعول له وتقديره لا يخرجه المخرج الا الإيمان والتصديق قوله وتصديق برسلي ذكره الكرماني بلفظ أو تصديق ثم استشكله وتكلف الجواب عنه والصواب أسهل من ذلك لأنه لم يثبت في شئ من الروايات بلفظ أو وقوله بن فيه عدول من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلم فهو التفات وقال بن مالك كان اللائق في الظاهر هنا إيمان به ولكنه على تقدير اسم فاعل من القول منصوب على الحال أي انتدب الله لمن خرج في سبيله قائلا لا يخرجه الا إيمان بي ولا يخرجه مقول القول لأن صاحب الحال على هذا التقدير هو الله وتعقبه شهاب الدين بن المرحل بان حذف الحال لا يجوز وأن التعبير باللائق هنا غير لائق فالأولى أنه من باب الالتفات وهو متجه وسيأتي في اثناء فرض الخمس من طريق الأعرج بلفظ لا يخرجه الا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته تنبيه جاء هذا الحديث من طريق أبي زرعة هذه مشتملا على أمور ثلاثة وقد اختصر المؤلف من سياقه أكثر الأمر الثاني وساقه الاسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق عبد الواحد بن زياد المذكور بتمامه وكذا هو عند مسلم في هذا الحديث من وجه آخر عن عمارة بن القعقاع وجاء الحديث مفرقا من رواية الأعرج وغيره عن أبي هريرة كما سيأتي عند المؤلف في كتاب الجهاد وهناك يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى وقد تقدمت الإشارة إلى أن الكلام على قيام رمضان وباب صيام رمضان يأتي في كتاب الصيام قوله باب الدين يسر أي دين الإسلام ذو يسر أو سمي الدين يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم ومن أوضح الامثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم قوله احب الدين أي خصال الدين لأن خصال الدين كلها محبوبة لكن ما كان منها
[ 87 ]
سمحا أي سهلا فهو أحب إلى الله ويدل عليه ما أخرجه أحمد بسند صحيح من حديث أعرابي لم يسمه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير دينكم أيسره أو الدين جنس أي أحب الأديان إلى الله الحنيفية والمراد بالاديان الشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ والحنيفية ملة إبراهيم والحنيف في اللغة من كان على ملة إبراهيم وسمي إبراهيم حنيفا لميله عن الباطل إلى الحق لأن أصل الحنيف الميل والسمحة السهلة أي أنها مبنيه على السهولة لقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم وهذا الحديث المعلق لم يسنده المؤلف في هذا الكتاب لأنه ليس على شرطه نعم وصله في كتاب الأدب المفرد وكذا وصله أحمد بن حنبل وغيره من طريق محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس وإسناده حسن استعمله المؤلف في الترجمة لكونه متقاصرا عن شرطه وقواه بما دل على معناه لتناسب السهولة واليسر قوله حدثنا عبد السلام بن مطهر أي بن حسام البصري وكنيته أبو ظفر بالمعجمة والفاء المفتوحتين قوله حدثنا عمر بن علي هو المقدمي بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة وهو بصري ثقة لكنه مدلس شديد التدليس وصفه بذلك بن سعد وغيره وهذا الحديث من افراد البخاري عن مسلم وصححه وأن كان من رواية مدلس بالعنعنه لتصريحه فيه بالسماع من طريق أخرى فقد رواه بن حبان في صحيحه من طريق أحمد بن المقدام أحد شيوخ البخاري عن عمر بن على المذكور قال سمعت معن بن محمد فذكره وهو من افراد معن بن محمد وهو مدني ثقة قليل الحديث لكن تابعه على شقه الثاني بن أبي ذئب عن سعيد أخرجه المصنف في كتاب الرقاق بمعناه ولفظه سددوا وقربوا وزاد في آخره والقصد القصد تبلغوا ولم يذكر شقه الأول وقد اشرنا إلى بعض شواهده ومنها حديث عروة الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن دين الله يسر ومنها حديث بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم هديا قاصدا فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه رواهما أحمد وإسناد كل منهما حسن قوله ولن يشاد الدين الا غلبة هكذا في روايتنا بإضمار الفاعل وثبت في رواية بن السكن وفي بعض الروايات عن الأصيلي بلفظ ولن يشاد الدين أحد الا غلبه وكذا هو في طرق هذا الحديث عند الاسماعيلي وأبي نعيم وابن حبان وغيرهم والدين منصوب على المفعوليه وكذا في روايتنا أيضا واضمر الفاعل للعلم به وحكى صاحب المطالع أن أكثر الروايات برفع الدين على أن يشاد مبني لما لم يسم فاعله وعارضه النووي بان أكثر الروايات بالنصب ويجمع بين كلاميهما بأنه بالنسبة إلى روايات المغاربة والمشارقة ويؤيد النصب لفظ حديث بريدة عند أحمد أنه من شاد هذا الدين يغلبه ذكره في حديث آخر يصلح أن يكون هو سبب حديث الباب والمشادة بالتشديد المغالبة يقال شاده يشاده مشادة إذا قاواه والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينيه ويترك الرفق الا عجز وانقطع فيغلب قال بن المنير في هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع وليس المراد منع طلب الاكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة بل منع الافراط المؤدي إلى الملال أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة أو إلى أن خرج الوقت المختار أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة وفي حديث
[ 88 ]
محجن بن الا ردع عند أحمد إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة وخير دينكم اليسرة وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول كلاهما قوله فسددوا أي الزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط قال أهل اللغه السداد التوسط في العمل قوله وقاربوا أي أن لم تستطيعوا الأخذ بالاكمل فاعملوا بما يقرب منه قوله وأبشروا أي بالثواب على العمل الدائم وأن قل والمراد تبشير من عجز عن العمل بالاكمل بان العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره وأبهم المبشر به تعظيما له وتفخيما قوله واستعينوا بالغدوة أي استعينوا على مداومة العبادة بايقاعها في الأوقات المنشطة والغدوة بالفتح سير أول النهار وقال الجوهري ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس والروحة بالفتح السير بعد الزوال والدلجة بضم أوله وفتحه واسكان اللام سير آخر الليل وقيل سير الليل كله ولهذا عبر فيه بالتبعيض ولان عمل الليل أشق من عمل النهار وهذه الأوقات أطيب أوقات المسافر وكأنه صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا إلى مقصد فنبهه على أوقات نشاطه لأن المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعا عجز وانقطع وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة امكنته المداومة من غير مشقة وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى الاخرة وأن هذه الأوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة وقوله في رواية بن أبي ذئب القصد القصد بالنصب فيهما على الإغراء والقصد الأخذ بالأمر الأوسط ومناسبة إيراد المصنف لهذا الحديث عقب الأحاديث التي قبله ظاهرة من حيث أنها تضمنت الترغيب في القيام والصيام والجهاد فأراد أن يبين أن الأولى للعامل بذلك أن لا يجهد نفسه بحيث يعجز وينقطع بل يعمل بتلطف وتدرج ليدوم عمله ولا ينقطع ثم عاد إلى سياق الأحاديث الدالة على أن الأعمال الصالحة معدودة من الإيمان فقال باب الصلاة من الإيمان قوله باب هو مرفوع بتنوين وبغير تنوين والصلاة مرفوع على التنوين فقوله وقول الله مرفوع عطفا على الصلاة وعلى عدمه مجرور مضاف قوله يعني صلاتكم وقع التنصيص على هذا التفسير من الوجه الذي أخرج منه المصنف حديث الباب فروى الطيالسي والنسائي من طريق شريك وغيره عن أبي إسحاق عن البراء في الحديث المذكور فانزل الله وما كان الله ليضيع أيمانكم صلاتكم إلى بيت المقدس وعلى هذا فقول المصنف عند البيت مشكل مع أنه ثابت عنه في جميع الروايات ولا اختصاص لذلك بكونه عند البيت وقد قيل أن فيه تصحيفا والصواب يعني صلاتكم لغير البيت وعندي أنه لا تصحيف فيه بل هو صواب ومقاصد البخاري في هذه الأمور دقيقه وبيان ذلك أن العلماء اختلفوا في إدلاء التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها للصلاه وهو بمكة فقال بن عباس وغيره كان يصلي إلى بيت المقدس لكنه لا يستدير الكعبة بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس وأطلق آخرون أنه كان يصلي إلى بيت المقدس وقال آخرون كان يصلي إلى الكعبة فلما تحول إلى المدينة استقبل بيت المقدس وهذا ضعيف ويلزم منه دعوى النسخ مرتين والأول أصح لأنه يجمع بين القولين وقد صححه الحاكم وغيره من حديث بن عباس وكان البخاري أراد الإشارة إلى الجزم بالأصح من أن الصلاة لما كانت عند البيت كانت إلى بيت المقدس واقتصر على ذلك اكتفاء
[ 89 ]
بالأولوية لأن صلاتهم إلى غير جهة البيت وهم عند البيت إذا كانت لا تضيع فأحرى أن لا تضيع إذا بعدوا عنه فتقدير الكلام يعني صلاتكم التي صليتموها عند البيت إلى بيت المقدس قوله حدثنا عمرو بن خالد هو بفتح العين وسكون الميم وهو أبو الحسن الحراني نزيل مصر أحد الثقات الاثبات ووقع في رواية القابسي عن عبدوس كلاهما عن أبي زيد المروزي وفي رواية أبي ذر عن الكشمهيني عمر بن خالد بضم العين وفتح الميم وهو تصحيف نبه عليه من القدماء أبو على الغساني وليس في شيوخ البخاري من اسمه عمر بن خالد ولا في جميع رجاله بل ولا في أحد من رجال الكتب الستة قوله حدثنا زهير هو بن معاوية أبو خيثمة الجعفي الكوفي نزيل الجزيره وبها سمع منه عمرو بن خالد قوله حدثنا أبو إسحاق هو السبيعي وسماع زهير منه فيما قال أحمد بعد أن بدا تغيره لكن تابعه عليه عند المصنف إسرائيل بن يونس حفيده وغيره قوله عن البراء هو بن عازب الأنصاري صحابي بن صحابي وللمصنف في التفسير من طريق الثوري عن أبي إسحاق سمعت البراء فأمن ما يخشى من تدليس أبي إسحاق قوله أول بالنصب أي في أول زمن قدومه وما مصدريه قوله أو قال أخواله الشك من أبي إسحاق وفي إطلاق أجداده أو أخواله مجاز لأن الأنصار أقاربه من جهة الامومه لأن أم جده عبد المطلب بن هاشم منهم وهي سلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن ماتت وإنما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة على اخوتهم بني مالك بن ماتت ففيه على هذا مجاز ثان قوله قبل بيت المقدس بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى جهة بيت المقدس قوله ستة عشر شهرا أو سبعة عشر كذا وقع الشك في رواية زهير هذه هنا وفي الصلاة أيضا عن أبي نعيم عنه وكذا في رواية الثوري عنده وفي رواية إسرائيل عند المصنف وعند الترمذي أيضا ورواه أبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء وغيره عن أبي نعيم فقال ستة عشر من غير شك وكذا لمسلم من رواية أبي الأحوص وللنسائي من رواية زكريا بن أبي زائدة وشريك ولأبي عوانة أيضا من رواية عمار بن زريق بتقديم الراء مصغرا كلهم عن أبي إسحاق وكذا لأحمد بسند صحيح عن بن عباس وللبزار والطبراني من حديث عمرو بن عوف سبعة عشر وكذا للطبراني عن بن عباس والجمع بين الكلب سهل بان يكون من جزم بستة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرا والغى الزائد ومن جزم بسبعة عشر عدهما معا ومن شك تردد في ذلك وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه جزم الجمهور ورواه الحاكم بسند صحيح عن بن عباس وقال بن حبان سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام وهو مبنى على أن القدوم كان في ثاني عشر شهر ربيع الأول وشذت أقوال أخرى ففي بن ماجة من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق في هذا الحديث ثمانية عشر شهرا وأبو بكر سئ الحفظ وقد اضطرب فيه فعند بن جرير من طريقه في رواية سبعة عشر وفي رواية ستة عشر وخرجه بعضهم على قول محمد بن حبيب أن التحويل كان في نصف شعبان وهو الذي ذكره النووي في الروضة وأقره مع كونه رجح في شرحه لمسلم رواية ستة عشر شهرا لكونها مجزوما بها عند مسلم ولا يستقيم أن يكون ذلك في شعبان الا أن الغي شهري القدوم والتحويل وقد جزم موسى بن عقبة بان التحويل كان في جمادى الاخرة ومن الشذوذ أيضا رواية ثلاثة عشر شهرا ورواية تسعة أشهر أو عشرة
[ 90 ]
أشهر ورواية شهرين ورواية سنتين وهذه الاخيرة يمكن حملها على الصواب واسانيد الجميع ضعيفه والاعتماد على القول الأول فجملة ما حكاه تسعة روايات قوله وانه صلى أول بالنصب لأنه مفعول صلى والعصر كذلك على البدليه واعربه بن مالك بالرفع وفي الكلام مقدر لم يذكر لوضوحه أي أول صلاة صلاها متوجها إلى الكعبة صلاة العصر وعند بن سعد حولت القبلة في صلاة الظهر أو العصر على التردد وساق ذلك من حديث عمارة بن أوس قال صلينا أحد صلاتي العشاءين والتحقيق أن أول صلاة صلاة صلاها في بني سلمة لما مات بشر بن البراء بن معرور الظهر وأول صلاة صلاها بالمسجد النبوي العصر وأما الصبح فهو من حديث بن عمر بأهل قباء وهل كان ذلك في جمادى الآخرة أو رجب أو شعبان أقوال قوله فخرج رجل هو عباد بن بشر بن قيظي كما رواه بن منده من حديث طويلة بنت أسلم وقيل هو عباد بن نهيك بفتح النون وكسر الهاء وأهل المسجد الذين مر بهم قيل هم من بني سلمة وقيل هو عباد بن بشر الذي أخبر أهل قباء في صلاة الصبح كما سيأتي بيان ذلك في حديث بن عمر حيث ذكره المصنف في كتاب الصلاة ونذكر هناك تقرير الجمع بين هذين الحديثين وغيرهما مع التنبيه على ما فيهما من الفوائد إن شاء الله تعالى قوله اشهد بالله أي احلف قال الجوهري يقال أشهد بكذا أي احلف به قوله قبل مكة أي قبل البيت الذي في مكة ولهذا قال فداروا كما هم قبل البيت وما موصولة والكاف للمبادرة وقال الكرماني للمقارنه وهم مبتدأ وخبره محذوف قوله قد اعجبهم أي النبي صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب هو بالرفع عطفا على اليهود من عطف العام على الخاص وقيل المراد النصارى لأنهم من أهل الكتاب وفيه نظر لأن النصارى لا يصلون لبيت المقدس فكيف يعجبهم وقال الكرماني كان اعجابهم بطريق التبعيه لليهود قلت وفيه بعد لأنهم أشد الناس عداوة لليهود ويحتمل أن يكون بالنصب والواو بمعنى مع أي يصلي مع أهل الكتاب إلى بيت المقدس واختلف في صلاته إلى بيت المقدس وهو بمكة فروى بن ماجة من طريق أبي بكر بن عياش المذكورة صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرا وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخول المدينة بشهرين وظاهره أنه كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس محضا وحكى الزهري خلافا في أنه هل كان يجعل الكعبة خلف ظهره أو يجعلها بينه وبين بيت المقدس قلت وعلى الأول فكان يجعل الميزاب خلفه وعلى الثاني كان يصلي بين الركنين اليمانيين وزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبه بمكة فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ثم نسخ وحمل بن عبد البر هذا على القول الثاني ويؤيد حمله على ظاهره إمامة جبريل ففي بعض طرقه أن ذلك كان عند باب البيت قوله أنكروا ذلك يعني اليهود فنزلت سيقول السفهاء من الناس الآية وقد صرح المصنف بذلك في روايته من طريق إسرائيل قوله قال زهير يعني بن معاوية بالإسناد المذكور بحذف أداة العطف كعادته ووهم من قال أنه معلق وقد ساقه المصنف في التفسير مع جملة الحديث عن أبي نعيم عن زهير سياقا واحدا قوله انه مات على القبلة أي قبلة بيت المقدس قبل أن تحول رجال وقتلوا ذكر القتل لم أره الا في رواية زهير وباقي الروايات إنما فيها ذكر الموت فقط وكذلك روى أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم صحيحا عن بن عباس والذين ماتوا بعد فرض الصلاة وقبل تحويل القبلة من
[ 91 ]
المسلمين عشرة أنفس فبمكة من قريش عبد الله بن شهاب والمطلب بن أزهر الزهريان والسكران بن عمرو العامري وبارض الحبشة منهم حطاب بالمهملة بن الحارث الجمحي وعمرو بن أمية الأسدي وعبد الله بن الحارث السهمي وعروة بن عبد العزي وعدي بن نضلة العدويان ومن الأنصار بالمدينة البراء بن معرور بمهملات واسعد بن زرارة فهؤلاء العشرة متفق عليهم ومات في المدة أيضا إياس بن معاذ الأشهلي لكنه مختلف في إسلامه ولم أجد في شئ من الأخبار أن أحدا من المسلمين قتل فبل تحويل القبلة لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فتحمل على أن بعض المسلمين ممن لم يشتهر قتل في تلك المدة من غير جهاد ولم يضبط اسمه لقلة الاعتناء بالتاريخ إذ ذاك ثم وجدت في المغازي ذكر رجل اختلف في إسلامه وهو سويد بن الصامت فقد ذكر بن إسحاق أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تلقاه الأنصار في العقبة فعرض عليه الإسلام فقال أن هذا القول حسن وانصرف إلى المدينة مولاه بها في وقعة بعاث بضم الموحدة واهمال العين وآخره مثلثة وكانت قبل الهجرة قال فكان قومه يقولون لقد قتل وهو مسلم فيحتمل أن يكون هو المراد وذكر لي بعض الفضلاء أنه يجوز أن يراد من قتل بمكة من المستضعفين كأبوي عمار قلت يحتاج إلى ثبوت أن قتلهما بعد الإسراء تنبيه في هذا الحديث من الفوائد الرد على المرجئة في انكارهم تسمية أعمال الدين إيمانا وفيه أن تمنى تغيير بعض الأحكام جائز إذا ظهرت المصلحة في ذلك وفيه بيان شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم وكرامته على ربه لاعطائه له ما أحب من غير تصريح بالسؤال وفيه بيان ما كان في الصحابة من الحرص على دينهم والشفقة على إخوانهم وقد وقع لهم وكما هذه المسألة لما نزل تحريم الخمر كما صح من حديث البراء أيضا فنزل ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إلى قوله والله يحب المحسنين وقوله تعالى انا لا نضيع أجرا من أحسن وأشار ولملاحظة هذا المعنى عقب المصنف هذا الباب بقوله باب حسن إسلام المرء فذكر الدليل على أن المسلم إذا فعل الحسنة أثيب عليها قوله قال مالك هكذا ذكره معلقا ولم يوصله في موضع آخر من هذا الكتاب وقد وصله أبو ذر الهروي في روايته للصحيح فقال عقبة أخبرناه النضروي هو العباس بن الفضل قال حدثنا الحسن بن إدريس قال حدثنا هشام بن خالد حدثنا الوليد بن مسلم عن مالك به وكذا وصله النسائي من رواية الوليد بن مسلم حدثنا مالك فذكره أتم مما هنا كما سيأتي وكذا وصله الحسن بن سفيان من طريق عبد الله بن نافع والبزار من طريق إسحاق الفروي والاسماعيلي من طريق عبد الله بن وهب والبهيقي في الشعب من طريق إسماعيل بن أبي أويس كلهم عن مالك أخرجه الدارقطني من طرق أخرى عن مالك وذكر أن معن بن عيسى رواه عن مالك فقال عن أبي هريرة بدل أبي سعيد وروايته شاذة ورواه سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن عطاء مرسلا ورويناه في الخلعيات وقد حفظ مالك الوصل فيه وهو أتقن لحديث أهل المدينة من غيره وقال الخطيب هو حديث ثابت وذكر البزار أن مالكا تفرد بوصله قوله إذا أسلم العبد هذا الحكم يشترك فيه الرجال والنساء وذكره بلفظ المذكر تغليبا قوله فحسن إسلامه أي صار إسلامه حسنا باعتقاده وإخلاصه ودخوله فيه بالباطن والظاهر وأن يستحضر عند عمله قرب ربه منه واطلاعه عليه كما دل عليه تفسير الإحسان في حديث سؤال جبريل كما سيأتي قوله يكفر الله
[ 92 ]
هو بضم الراء لأن إذا وأن كانت من ادوات الشرط لكنها لا تجزم واستعمل الجواب مضارعا وأن كان الشرط بلفظ الماضي لكنه بمعنى المستقبل وفي رواية البزار كفر الله فواخى بينهما قوله كان ازلفها كذا لأبي ذر ولغيره زلفها وهي بتخفيف اللام كما ضبطه صاحب المشارق وقال النووي بالتشديد ورواه الدارقطني من طريق طلحة بن يحيى عن مالك بلفظ ما من عبد يسلم فيحسن إسلامه الا كتب الله كل حسنة زلفها ومحا عنه كل خطيئة زلفها بالتخفيف فيهما والنسائي نحوه لكن قال ازلفها وزلف بالتشديد وازلف بمعنى واحد أي اسلف ربع له الخطابي وقال في المحكم ازلف الشئ قربه وزلفه مخففا ومثقلا قدمه وفي الجامع الزلفة تكون في الخير والشر وقال في المشارق زلف بالتخفيف أي جمع وكسب وهذا يشمل الامرين وأما القربة فلا تكون الا في الخير فعلى هذا تترجح رواية غير أبي ذر لكن منقول الخطابي يساعدها وقد ثبت في جميع الروايات ما سقط من رواية البخاري وهو كتابة الحسنات المتقدمه قبل الإسلام وقوله كتب الله أي أمر أن يكتب والدارقطني من طريق زيد بن شعيب عن مالك بلفظ يقول الله لملائكته اكتبوا فقيل أن المصنف اسقط ما رواه غيره عمدا لأنه مشكل على القواعد وقال المازري الكافر لا يصح منه التقرب فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه في شركه لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفا لمن يتقرب إليه والكافر ليس كذلك وتابعه القاضي عياض على تقرير هذا الاشكال واستضعف ذلك النووي فقال الصواب الذي عليه المحققون بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل افعالا جميلة كالصدقة وصلة الرحم ثم أسلم ومات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له وأما دعوى أنه مخالف للقواعد فغير مسلم لأنه قد يعتد ببعض افعال الكافر في الدنيا ككفارة الظهار فإنه لا يلزمه اعادتها إذا أسلم وتجزئه انتهى والحق أنه لا يلزم من كتابة النصارى للمسلم في حال إسلامه تفضلا من الله واحسانا أن يكون ذلك لكون عمله الصادر منه في الكفر مقبولا والحديث إنما تضمن كتابة النصارى ولم يتعرض للقبول ويحتمل أن يكون القبول يصير معلقا على إسلامه فيقبل ويثاب أن أسلم وإلا فلا وهذا قوي وقد جزم بما جزم به النووي إبراهيم الحربي وابن بطال وغيرهما من القدماء والقرطبي والمنير من المتأخرين قال بن المنير المخالف للقواعد دعوى أن يكتب له ذلك في حال كفره وأما أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيرا فلا مانع منه كما لو تفضل عليه ابتداء من غير عمل وكما يتفضل على العاجز بثواب ما كان يعمل هو قادر فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل البتة جاز أن يكتب له ثواب ما عمله غير موفى الشروط وقال بن بطال لله أن يتفضل على عباده بما شاء ولا اعتراض لاحد عليه واستدل غيره بأن من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين كما دل عليه القرآن والحديث الصحيح وهو لو مات على إيمانه الأول لم ينفعه شئ من عمله الصالح بل يكون هباء منثورا فدل على أن ثواب عمله الأول يكتب له مضافا إلى عمله الثاني وبقوله صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة عن بن جدعان وما يصنعه من الخير هل ينفعه فقال أنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين فدل على أنه لو قالها بعد أن أسلم نفعه ما عمله في الكفر قوله وكان بعد ذلك القصاص أي كتابة المجازاة في الدنيا وهو مرفوع بأنه اسم كان ويجوز أن تكون كان تامة وعبر بالماضي لتحقق الوقوع فكأنه وقع كقوله تعالى ونادى أصحاب الجنة وقوله الحسنة مبتدأ
[ 93 ]
كلجة الخبر والجملة استئنافية وقوله إلى سبعمائة متعلق بمقدر أي منتهية وحكى الماوردي أن بعض العلماء أخذ بظاهر هذه الغاية فزعم أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة ورد عليه بقوله تعالى والله يضاعف لمن يشاء والآية محتملة للأمرين فيحتمل أن يكون المراد أنه يضاعف تلك المضاعفة بأن يجعلها سبعمائة ويحتمل أنه يضاعف السبعمائة بأن يزيد عليها والمصرح بالرد عليه حديث بن عباس المخرج عند المصنف في الرقاق ولفظه كتب الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة قوله إلا أن يتجاوز الله عنها زاد سمويه في فوائده إلا أن يغفر الله وهو الغفور وفيه دليل على الخوارج وغيرهم من المكفرين بالذنوب والموجبين لخلود المذنبين في النار فأول الحديث يرد على من أنكر الزيادة والنقص في الإيمان لأن الحسن تتفاوت درجاته وآخره يرد على الخوارج والمعتزلة قوله عن همام هو بن منبه وهذا الحديث من نسخته المشهورة المروية بإسناد واحد عن عبد الرزاق عن معمر عنه وقد اختلف العلماء في افراد حديث من نسخة هل يساق باسنادها ولو لم يكن مبتدأ به أولا فالجمهور على الجواز ومنهم البخاري وقيل يمتنع وقيل يبدأ بأول حديث ويذكر بعده ما أراد وتوسط مسلم فأتى بلفظ يشعر بأن المفرد من جملة النسخة فيقول في مثل هذا إذا انتهى الإسناد فذكر أحاديث منها كذا ثم يذكر أي حديث أراد منها قوله إذا أحسن أحدكم إسلامه كذا له ولمسلم وغيرهما ولإسحق بن راهويه في مسنده عن عبد الرزاق إذا حسن إسلام أحدكم وكأنه رواه بالمعنى لأنه من لازمه ورواه الاسماعيلي من طريق بن المبارك عن معمر كالأول والخطاب بأحدكم بحسب اللفظ للحاضرين لكن الحكم عام لهم ولغيرهم باتفاق وإن حصل التنازع في كيفية التناول أهي بالحقيقة اللغوية أو الشرعية أو بالمجاز قوله فكل حسنة ينبئ أن اللام في قوله في الحديث الذي قبلت الحسنة بعشر أمثالها للاستغراق قوله بمثلها زاد مسلم وإسحاق والاسماعيلي في روايتهم حتى يلقى الله عز وجل قوله باب أحب الدين إلى الله أدومه مراد المصنف الاستدلال على أن الإيمان يطلق على الأعمال لأن المراد بالدين هنا العمل والدين الحقيقي هو الإسلام والإسلام الحقيقي مرادف للإيمان فيصح بهذا مقصوده ومناسبته لما قبله من قوله عليكم بما تطيقون لأنه لما قدم أن الإسلام يحسن بالأعمال الصالحه أراد أن ينبه على أن جهاد النفس في ذلك إلى حد المغالبة غير مطلوب وقد تقدم بعض هذا المعنى في باب الدين يسر وفي هذا ما ليس في ذاك على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان عن هشام هو بن عروة بن الزبير قوله فقال من هذه للاصيلي قال من هذه بغير فاء ويوجه على أنه جواب سؤال مقدر كأن قائلا قال ماذا قال حين دخل قالت قال من هذه قوله قلت فلانة هذه اللفظة كناية عن كل علم مؤنث فلا ينصرف زاد عبد الرزاق عن معمر عن هشام في هذا الحديث حسنة الهيئة قوله تذكر بفتح التاء الفوقانية والفاعل عائشة وروى بضم الياء التحتانية على البناء لما لم يسم فاعله أي يذكرون أن صلاتها كثيرة ولأحمد عن يحيى القطان لا تنام تصلي وللمصنف في كتاب صلاة الليل معلقا عن القعني عن مالك عن هشام وهو موصول في الموطأ للقعنبي وحده في آخره لا تنام صارت وهذه المرأة وقع في رواية مالك المذكورة أنها من بني أسد ولمسلم من رواية الزهري عن عروة في هذا الحديث أنها الحولاء بالمهملة والمد وهو اسمها بنت تويت بمثناتين مصغرا بن حبيب بفتح المهملة
[ 94 ]
بن أسد بن عبد العزي من رهط خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها وفي روايته أيضا وزعموا أنها لا تنام الليل وهذا يؤيد الرواية الثانية في أنها نقلت عن غيرها فإن قيل وقع في حديث الباب حديث هشام دخل عليها وهي عندها وفي رواية الزهري أن الحولاء مرت بها فظاهره التغاير فيحتمل أن تكون المارة امرأة غيرها من بن أسد أيضا أو أن قصتها تعددت والجواب أن القصة واحدة ويبين ذلك رواية محمد بن إسحاق عن هشام في هذا الحديث ولفظه مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم الحولاء بنت تويت أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل له فحمل على أنها كانت أو لا عند عائشة فلما دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة قامت المرأة كما في رواية حماد بن سلمة الآتية فلما قامت لتخرج مرت به في خلال ذهابها فسأل عنها وبهذا تجتمع الروايات تنبيه قال بن التين لعلها أمنت عليها الفتنة فلذلك مدحتها في وجهها قلت لكن رواية حماد بن سلمة عن هشام في هذا الحديث أخذت على أنها ما ذكرت ذلك إلا بعد أن خرجت المرأة أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده من طريقه ولفظه كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه يا عائشة قلت يا رسول الله هذه فلانة وهي أعبد أهل المدينة فذكر الحديث قوله مه قال الجوهري هي كلمة مبنية على السكون وهي اسم سمي به الفعل والمعنى اكفف يقال مهمهته إذا زجرته فإن وصلت نونت فقلت مه وقال الداودي أصل هذه الكلمة ما هذا كالانكار فطرحوا بعض اللفظة فقالوا مه فصيروا الكلمتين كلمة وهذا الزجر يحتمل أن يكون لعائشة والمراد نهيها عن مدح المرأة بما ذكرت ويحتمل أن يكون المراد النهي عن ذلك الفعل وقد أخذ بذلك جماعة من الأئمة فقالوا يكره صلاة جميع الليل كما سيأتي في مكانه قوله عليكم بما تطيقون أي اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه فمنطوقه يقتضى الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه يقتضى النهي عن تكلف ما لا يطاق وقال القاضي عياض يحتمل أن يكون هذا خاصا بصلاة الليل ويحتمل أن يكون عاما في الأعمال الشرعية قلت سبب وروده خاص بالصلاة ولكن اللفظ عام وهو المعتبر وقد عبر بقوله عليكم مع أن المخاطب النساء طلبا لتعميم الحكم فغلبت الذكور على الإناث قوله فوالله فيه جواز الحلف من غير استحلاف وقد يستحب إذا كان في تفخيم أمر من أمور الدين أو حث عليه أو تنفير من محذور قوله لا يمل الله حتى تملوا هو بفتح الميم في الموضعين والملال استثقال الشئ ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق قال الاسماعيلي وجماعة من المحققين إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وانظاره قال القرطبي وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشئ باسم سببه وقال الهروي معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه وقال غيره معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض الفار أو حتى يشيب الغراب ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب
[ 95 ]
ليس ممكنا عادة بخلاف الملل من العابد وقال المازري قيل إن حتى هنا بمعنى الواو فيكون التقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم قال وقيل حتى بمعنى حين والأول أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية ويؤيده ما وقع في بعض طرق حديث عائشة بلفظ اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل من النصارى حتى تملوا من العمل لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وقال بن حيان في صحيحه هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد بما يخاطب به الا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه قوله أحب قال القاضي أبو بكر بن العربي معنى المحبة من الله تعلق الإرادة بالثواب أي أكثر الأعمال ثوابا أدومها قوله إليه في رواية المستملى وحده إلى الله وكذا في رواية عبدة عن هشام عند إسحاق بن راهويه في مسنده وكذا للمصنف ومسلم من طريق أبي سلمة ولمسلم عن القاسم كلاهما وهذا موافق لترجمة الباب وقال باقي الرواة عن هشام وكان أحب الدين إليه أي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح به المصنف في الرقاق في رواية مالك عن هشام وليس بين الكلب تخالف لأن ما كان أحب إلى الله كان أحب إلى رسوله قال النووي بدوام القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله بخلاف الكثير الشاق حتى ينمو القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع اضعافا كثيرة وقال بن الجوزي إنما أحب الدائم لمعنيين أحدهما أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل فهو متعرض للذم ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آية ثم نسيها وأن كان قبل حفظها لا يتعين عليه ثانيهما أن مداوم الخير ملازم للخدمة ليس من السري الباب في كل يوم وقتا ما كمن السري يوما كاملا ثم انقطع وزاد المصنف ومسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل قوله باب زيادة الإيمان ونقصانه تقدم له قبل بستة عشر بابا باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال وأورد فيه حديث أبي سعيد الخدري بمعنى حديث أنس الذي أورده هنا فتعقب عليه بأنه تكرار وأجيب عنه بأن الحديث لما كانت الزيادة والنقصان في باعتبار الأعمال أو باعتبار التصديق ترجم لكل من الاحتمالين وخص حديث أبي سعيد بالأعمال لأن سياقه ليس فيه تفاوت بين الموزونات بخلاف حديث أنس ففيه التفاوت في الإيمان القائم بالقلب من وزن الشعيرة والبرة والذرة قال بن بطال التفاوت في التصديق على قدر العلم والجهل فمن قل علمه كان تصديقه مثلا بمقدار ذرة والذي فوقه في العلم تصديقه بمقدار برة أو شعيرة إلا أن أصل التصديق الحاصل في قلب كل أحد منهم لا يجوز عليه النقصان ويجوز عليه الزيادة بزيادة العلم والمعاينة انتهى وقد تقدم كلام النووي في أول الكتاب بما يشير إلى هذا المعنى ووقع الاستدلال في هذه الآية بنظير ما أشار إليه البخاري لسفيان بن عيينة أخرجه أبو نعيم في ترجمته من الحلية من طريق عمرو بن عثمان الرقي قال قيل لابن عيينة إن قوما يقولون الإيمان كلام فقال كان هذا قبل أن تنزل الأحكام فأمر الناس أن يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا دماءهم وأموالهم فلما علم الله صدقهم أمرهم بالصلاة ففعلوا ولو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار فذكر الأركان إلى أن قال فلما علم الله ما تتابع عليهم من الفرائض وقبولهم قال اليوم أكملت لكم دينكم الآية فمن ترك شيئا من ذلك كسلا أو مجونا أدبناه عليه وكان ناقص الإيمان ومن تركها
[ 96 ]
جاحدا كان كافرا انتهى ملخصا وتبعه أبو عبيد في كتاب الإيمان له فذكر نحوه وزاد أن بعض المخالفين لما ألزم بذلك أجاب بأن الإيمان ليس هو مجموع الدين إنما الدين ثلاثة أجزاء الإيمان جزء والأعمال جزآن لأنها فرائض ونوافل وتعقبه أبو عبيد بأنه خلاف ظاهر القرآن وقد قال الله تعالى إن الدين عند الله الإسلام والإسلام حيث أطلق مفردا دخل فيه الإيمان كما تقدم تقريره فإن قيل فلم أعاد في هذا الباب الآيتين المذكورتين فيه وقد تقدمن في أول كتاب الإيمان فالجواب أنه أعادهما ليوطئ بهما معنى دابة المذكور في الآية الثالثة لأن الاستدلال بهما نص في الزيادة وهو يستلزم النقص وأما دابة فليس نصا في الزيادة بل هو مستلزم للنقص فقط واستلزامه للنقص يستدعي قبوله الزيادة ومن ثم قال المصنف فإذا ترك شيئا من دابة فهو ناقص ولهذه النكتة عدل في التعبير للآية الثالثة عن أسلوب الآيتين حيث قال أولا وقول الله وقال ثانيا وقال وبهذا التقرير يندفع اعتراض من اعترض عليه بأن آية اكملت لكم لا دليل فيها على مراده لأن الإكمال إن كان بمعنى إظهار الحجة على المخالفين أو بمعنى إظهار أهل الدين على المشركين فلا حاجة للمصنف فيه وإن كان بمعنى إكمال الفرائض لزم عليه أنه كان قبل ذلك ناقصا وأن من مات من الصحابة قبل نزول الآية كان إيمان ناقصا وليس الأمر كذلك لأن الإيمان لم يزل تاما ويوضح دفع هذا الاعتراض جواب القاضي أبي بكر بن العربي بان النقص أمر نسبي لكن منه ما يترتب عليه الذم ومنه ما لا يترتب فالأول ما نقصه بالاختيار كمن علم وظائف الدين ثم تركها عمدا والثاني ما نقصه بغير اختيار كمن لم يعلم أو لم يكلف فهذا لا يذم بل يحمد من جهة أنه كان قبله مطمئنا بأنه لو زيد لقبل ولو كلف لعمل وهذا شأن الصحابة الذين ماتوا قبل نزول الفرائض ومحصله أن النقص بالنسبة إليهم صوري نسبي ولهم فيه رتبة دابة من حيث المعنى وهذا وكما قول من يقول إن شرع محمد أكمل من شرع موسى وعيسى لاشتماله من الأحكام على ما لم يقع في الكتب التي قبله ومع هذا فشرع موسى في زمانه كان كاملا وتجدد في شرع عيسى بعده ما تجدد فالأكملية أمر نسبي كما تقرر والله أعلم قوله هشام هو بن أبي عبد الله الدستوائي يكنى أبا بكر وفي طبقته هشام بن حسان لكنه لم يرو هذا الحديث قوله يخرج بفتح أوله وضم الراء ويروي بالعكس ويؤيده قوله في الرواية الأخرى أخرجوا قوله من قال لا إله الا الله وفي قلبه فيه دليل على اشتراط النطق بالتوحيد أو المراد بالقول هنا القول النفسي فالمعنى من أقر بالتوحيد وصدق فالإقرار لا بد منه فلهذا أعاده في كل مرة والتفاوت يحصل في التصديق على الوجه المتقدم فإن قيل فكيف لم يذكر الرسالة فالجواب أن المراد المجموع وصار الجزء الأول علما عليه كما تقول قرأت قل هو الله أحد أي السورة كلها قوله برة بضم الموحدة وتشديد الراء المفتوحة وهي القمحة ومقتضاه أن وزن البرة دون وزن الشعيرة لأنه قدم الشعيرة وتلاها بالبرة ثم الذرة وكذلك هو في بعض البلاد قان قيل أن السياق بالواو وهي لا ترتب فالجواب أن رواية مسلم من هذا الوجه بلفظ ثم وهي للترتيب قوله ذرة بفتح المعجمة وتشديد الراء المفتوحة وصحفها شعبة فيما رواه مسلم من طريق يزيد بن زريع عنه فقال ذرة بالضم وتخفيف الراء وكأن الحامل له على ذلك كونها من الحبوب فناسبت الشعيرة والبرة قال مسلم في روايته قال يزيد صحف فيها أبو بسطام يعني شعبة ومعنى الذرة قيل هي أقل الأشياء الموزونة وقيل هي الهباء الذي يظهر في شعاع
[ 97 ]
الشمس مثل رؤوس الأبر وقيل هي النملة الصغيرة ويروى عن بن عباس أنه قال إذا وضعت كفك في التراب ثم نفضتها فالساقط هو الذر ويقال أن أربع ذرات وزن خردلة وللمصنف في أواخر التوحيد من طريق حميد عن أنس مرفوعا ادخل الجنة من كان في قلبه خردلة ثم من كان في قلبه أدنى شئ وهذا معنى الذرة قوله قال أبان هو بن يزيد العطار وهذا التعليق وصله الحاكم في كتاب الأربعين له من طريق أبي سلمة قال حدثنا أبان بن يزيد فذكر الحديث وفائدة إيراد المصنف له من جهتين إحداهما تصريح قتادة فيه بالتحديث عن أنس ثانيتهما تعبيره في المتن بقوله من إيمان بدل قوله من خير فبين أن المراد بالخير هنا الإيمان فإن قيل على الأولى لم لم يكتف بطريق أبان السالمة من التدليس ويسوقها موصولة فالجواب أن أبان وإن كان مقبولا لكن هشام أتقن منه وأضبط فجمع المصنف بين المصلحتين والله الموفق وسيأتي الكلام على بقية هذا المتن في كتاب التوحيد حيث ذكر المصنف حديث الشفاعة الطويل من هذا الوجه ورجال هذا الحديث موصولا ومعلقا كلهم بصريون قوله حدثنا الحسن بن الصباح سمع جعفر بن عون مراده أنه سمع وجرت عادتهم بحذف أنه في مثل هذا خطأ لا نطقا كقال قوله أن رجلا من اليهود هذا الرجل هو كعب الأحبار بين ذلك مسدد في مسنده والطبري في تفسيره والطبراني في الأوسط كلهم من طريق رجاء بن أبي سلمة عن عبادة بن نسي بضم النون وفتح المهملة عن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب عن كعب وللمصنف في المغازي من طريق الثوري عن قيس بن مسلم أن ناسا من اليهود وله في التفسير من هذا الوجه بلفظ قالت اليهود فيحمل على أنهم كانوا حين سؤال كعب عن ذلك جماعة وتكلم كعب على لسانهم قوله لاتخذنا الخ أي لعظمناه وجعلناه عيدا لنا في كل سنة لعظم ما حصل فيه من إكمال الدين والعيد فعل من العود وإنما سمي به لأنه يعود في كل عام قوله نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم زاد مسلم عن عبد بن حميد عن جعفر بن عون في هذا الحديث ولفظه إني لأعلم اليوم الذي أنزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه وزاد عن جعفر بن عون والساعة التي نزلت فيها على النبي صلى الله عليه وسلم فإن قيل كيف طابق الجواب السؤال لأنه قال لاتخذناه عيدا وأجاب عمر رضي الله عنه بمعرفة الوقت والمكان ولم يقل جعلناه عيدا والجواب عن هذا أنها نزلت في أخريات نهار عرفة ويوم العيد إنما يتحقق بأوله وقد قال الفقهاء أن رؤية الهلال بعد الزوال للقابلة قاله هكذا بعض من تقدم وعندي أن هذه الرواية اكتفى فيها بالإشارة وإلا فراوية إسحاق عن قبيصة التي قدمناها قد نصت على المراد ولفظه نزلت يوم جمعة يوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد لفظ الطبري والطبراني وهما لنا عيدان وكذا عند الترمذي من حديث بن عباس أن يهوديا سأله عن ذلك فقال نزلت في يوم عيدين يوم جمعة ويوم عرفة فظهر أن الجواب تضمن أنهم اتخذوا ذلك اليوم عيدا وهو يوم الجمعة واتخذوا يوم عرفة عيدا لأنه ليلة العيد وهكذا كما جاء في الحديث الآتي في الصيام شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة فسمى رمضان عيدا لأنه يعقبه العيد فإن قيل كيف دلت هذه القصة على ترجمة الباب أجيب من جهة أنها بينت أن نزولها كان بعرفة وكان ذلك في حجة الوداع التي هي آخر عهد البعثة حين تمت خالف وأركانها والله أعلم وقد جزم السدي بأنه لم ينزل بعد هذه الآية شئ من الحلال والحرام قوله باب الزكاة من الإسلام وما أمروا كذا لأبي
[ 98 ]
ذر ولغيره قول الله وما أمروا ويأتي فيه ما مضى في باب الصلاة من الإيمان والآية دالة على ما ترجم له لأن المراد بقوله دين القيمة دين الإسلام والقيمة المستقيمة وقد جاء قام بمعنى استقام في قوله تعالى أمة قائمة أي مستقيمة وإنما خص الزكاة بالترجمة لأن باقي ما ذكر في الآية والحديث قد أفرده بتراجم أخرى ورجال إسناد هذا الحديث كلهم مدنيون ومالك والد أبي سهيل هو بن أبي عامر الأصبحي حليف طلحة بن عبيد الله وإسماعيل هو بن أبي أويس بن أخت الإمام مالك فهو من رواية إسماعيل عن خاله عن عمه عن أبيه عن حليفه فهو مسلسل بالاقارب كما هو مسلسل بالبلد قوله جاء رجل زاد أبو ذر من أهل نجد وكذا هو في الموطأ ومسلم قوله ثائر الرأس هو مرفوع على الصفة ويجوز نصبه على الحال والمراد أن شعره متفرق من ترك الرفاهية ففيه إشارة إلى قرب عهده بالوفادة وأوقع أسم الرأس على الشعر إما مبالغة أو لأن الشعر منه ينبت قوله يسمع بضم الياء على البناء للمفعول أو بالنون ويوهمون للجمع وكذا في يفقه قوله دوى بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء كذا في روايتنا وقال القاضي عياض جاء عندنا في البخاري بضم الدال قال والصواب الفتح وقال الخطابي الدوى صوت مرتفع متكرر ولا يفهم وإنما كان كذلك لأنه نادى من بعد وهذا الرجل جزم بن بطال وآخرون بأنه ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر والحامل لهم على ذلك إيراد مسلم لقصته عقب حديث طلحة ولأن في كل منهما أنه بدوي وأن كلا منهما قال في آخر حديثه لا أزيد على هذا ولا انقص لكن تعقبه القرطبي بأن سياقهما مختلف واسئلتهما متباينة قال ودعوى أنهما قصة واحدة دعوى فرط وتكلف شطط من غير ضرورة والله أعلم وقواه بعضهم بأن بن سعد وابن عبد البر وجماعة لم يذكروا لضمام الا الأول وهذا غير السري قوله فإذا هو يسأل عن الإسلام أي عن شرائع الإسلام ويحتمل أنه سأل عن حقيقة الإسلام وإنما لم يذكر له الشهادة لأنه علم أنه يعلمها أو علم أنه إنما يسأل عن الشرائع الفعلية أو ذكرها ولم ينقلها الراوي لشهرتها وإنما لم يذكر الحج إما لأنه لم يكن فرض بعد أو الراوي اختصره ويؤيد هذا الثاني ما أخرجه المصنف في الصيام من طريق إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل في هذا الحديث قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فدخل فيه باقي المفروضات بل والمندوبات قوله خمس صلوات في رواية إسماعيل بن جعفر المذكورة أنه قال في سؤاله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة فقال الصلوات الخمس فتبين بهذا مطابقة الجواب للسؤال ويستفاد من سياق مالك أنه لا يجب شئ من الصلوات في كل يوم وليلة غير الخمس خلافا لمن أوجب الوتر أو ركعتي الفجر أو صلاة الضحى أو صلاة العيد أو الركعتين بعد المغرب قوله هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع تطوع بتشديد الطاء والواو وأصله تتطوع بتاءين فأدغمت إحداهما ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما واستدل بهذا على أن الشروع في التطوع يوجب إتمامه تمسكا بأن الاستثناء فيه متصل قال القرطبي لأنه نفى وجوب شئ آخر إلا ما تطوع به والاستثناء من النفي إثبات ولا قائل بوجوب التطوع فيتعين أن يكون المراد إلا أن تشرع في تطوع فيلزمك إتمامه وتعقبه الطيبي بأن ما تمسك به مغالطة أن الاستثناء هنا من غير الجنس لأن التطوع لا يقال فيه عليك فكأنه قال لا يجب عليك شئ إلا أن أردت أن تطوع فذلك لك وقد علم أن التطوع ليس بواجب فلا يجب شئ آخر أصلا كذا قال وحرف المسألة
[ 99 ]
دائر على الاستثناء فمن قال إنه متصل تمسك بالأصل ومن قال أنه منقطع أحتاج إلى دليل والدليل عليه ما روى النسائي وغيره إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانا ينوي صوم التطوع ثم يفطر وفي البخاري أنه أمر جويرية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه فدل على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام إذا كانت نافلة بهذا النص في الصوم وبالقياس في الباقي فإن قيل يرد الحج قلنا لا لأنه امتاز عن غيره بلزوم المضى في فاسده فكيف في صحيحه وكذلك امتاز بلزوم الكفارة في نفله كفرضه والله أعلم على أن في استدلال الحنفية نظرا لأنهم لا يقولون بفرضية الاتمام بل بوجوبه واستثناء الواجب من الفرض منقطع لتباينهما وأيضا فإن الاستثناء من النفي عندهم ليس للإثبات بل مسكوت عنه وقوله إلا أن تطوع استثناء من قوله لا أي لا فرض عليك غيرها قوله وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في رواية إسماعيل بن جعفر قال أخبرني بما فرض الله على من الزكاة قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فتضمنت هذه الرواية أن في القصة أشياء أجملت منها بيان نصب الزكاة فأنها لم تفسر في الكلب وكذا أسماء الصلوات وكأن السبب فيه شهرة ذلك عندهم أو القصد من القصة بيان أن المتمسك بالفرائض ناج وأن لم يفعل النوافل قوله والله في رواية إسماعيل بن جعفر فقال والذي أكرمك وفيه جواز الحلف في الأمر المهم وقد تقدم قوله أفلح إن صدق وقع عند مسلم من رواية إسماعيل بن جعفر المذكورة أفلح وأبيه أن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق ولأبي داود مثله لكن بحذف أو فإن قيل ما الجامع بين هذا وبين النهى عن الحلف بالآباء أجيب بأن ذلك كان قبل النهي أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرى على لسانهم عقرى حلقي وما أشبه ذلك أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال ورب أبيه وقيل هو خاص ويحتاج إلى دليل وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال هو تصحيف وإنما كان والله فقصرت اللامان واستنكر القرطبي هذا وقال إنه يجزم الثقة بالروايات الصحيحة وغفل القرافي فادعى أن الرواية بلفظ وأبيه لم تصح لأنها ليست في الموطأ وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه وأقوى الأجوبة الأولان وقال بن بطال دل قوله أفلح إن صدق على أنه إن لم يصدق فيما التزم لا يفلح وهذا بخلاف قول المرجئة فإن قيل كيف أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر مع أنه لم يذكر المنهيات أجاب بن بطال باحتمال أن يكون ذلك وقع قبل ورود فرائض النهي وهو عجيب منه لأنه جزم بأن السائل ضمام وأقدم ما قيل فيه أنه وفد سنة خمس وقيل بعد ذلك وقد كان أكثر المنهيات واقعا قبل ذلك والصواب أن ذلك انظر في عموم قوله فأخبره بشرائع الإسلام كما أشرنا إليه فإن قيل أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح وأما بان لا يزيد فكيف يصح أجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحا لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الواجب أولى فإن قيل فكيف أقره على حلفه وقد ورد النكير على من حلف أن لا يفعل خيرا أجيب بأن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والاشخاص وهذا جار على الأصل بأنه لا إثم على غير تارك الفرائض فهو مفلح وإن كان غيره أكثر فلاحا منه وقال الطيبي يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر منه على طريق المبالغة في التصديق والقبول أي قبلت كلامك قبولا لا مزيد عليه من جهة السؤال ولا نقصان
[ 100 ]
فيه من طريق القبول وقال بن المنير يحتمل أن تكون الزيادة والنقص تتعلق بالابلاغ لأنه كان وافد قومه ليتعلم ويعلمهم قلت والاحتمالان مردودان برواية إسماعيل بن جعفر فإن نصها لا اتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله على شيئا وقيل مراده بقوله لا ازيد ولا انقص أي لا أغير صفة الفرض كمن ينقص الظهر مثلا ركعة أو يزيد المغرب قلت ويعكر عليه أيضا لفظ التطوع في رواية إسماعيل بن جعفر والله أعلم قوله باب أتباع الجنائز من الإيمان ختم المصنف معظم التراجم التى وقعت له من شعب الإيمان بهذه الترجمة لأن ذلك آخر أحوال الدنيا وإنما أخر ترجمة أداء الخمس من الإيمان لمعنى سنذكره هناك ووجه الدلالة من الحديث للترجمة قد نبهنا عليه في نظائره قبل قوله المنجوفي هو بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم وبعد الواو الساكنة فاء نسبة إلى جد جده منجوف السدوسي وهو بصري وكذا باقي رجال الإسناد غير الصحابي وروح بفتح الراء وهو بن عبادة القيسي وعوف هو بن أبي جميلة بفتح الجيم الغلام بفتح الهمزة وإنما قيل له ذلك لفصاحته وكنيته أبو سهل واسم أبيه بندويه بموحدة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم دال الركعة بوزن راهويه والحسن هو بن أبي الحسن البصري ومحمد هو بن سيرين وهو مجرور بالعطف على الحسن فالحسن وابن سيرين حدثا به عوفا عن أبي هريرة أما مجتمعين وأما متفرقين فأما بن سيرين فسماعه عن أبي هريرة صحيح وأما الحسن فمختلف في سماعه منه والأكثر على نفيه وتوهيم من أثبته وهو مع ذلك كثير الإرسال فلا تحمل عنعنته على السماع وإنما أورده المصنف كما سمع وقد وقع له وكما هذا في قصة موسى فأنه أخرج فيها حديثا من طريق روح بن عبادة بهذا الإسناد وأخرج أيضا في بدء الخلق من طريق عوف عنهما عن أبي هريرة حديثا آخر واعتماده في كل ذلك على محمد بن سيرين والله أعلم قوله من اتبع هو بالتشديد وللأصيلي تبع بحذف الألف وكسر الموحدة وقد تمسك بهذا اللفظ من زعم أن المشي خلفها أفضل ولا حجة فيه لأنه يقال تبعه إذا مشى خلفه أو إذا مر به فمشى معه وكذلك اتبعه بالتشديد وهو افتعل منه فإذا هو مقول بالاشتراك وقد بين المراد الحديث الآخر المصحح عند بن حبان وغيره من حديث بن عمر في المشي أمامها وأما اتبعه بالإسكان فهو بمعنى لحق إذا كان سبقه ولم تأت به الرواية هنا قوله وكان معه أي مع المسلم وللكشميهني معها أي مع الجنازة قوله حتى يصلى بكسر اللام ويروي بفتحها فعلى الأول لا يحصل الموعود به إلا لمن توجد منه الصلاة وعلى الثاني قد يقال يحصل له ذلك ولو لم يصل أما إذا قصد الصلاة وحال دونه مانع فالظاهر حصول النصارى له مطلقا والله أعلم قوله ويفرغ بضم أوله وفتح الراء ويروي بالعكس وقد اثبتت هذه الرواية أن القيراطين إنما يحصلان بمجموع الصلاة والدفن وأن الصلاة دون الدفن يحصل بها قيراط واحد وهذا هو المعتمد خلافا لمن تمسك بظاهر بعض الروايات فزعم أنه يحصل بالمجموع ثلاث قراريط وسنذكر بقية مباحثه وفوائده في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قوله تابعه أي روح بن عبادة وعثمان هو بن الهيثم وهو من شيوخ البخاري فإن كان سمع هذا الحديث منه فهو له أعلى بدرجة لكنه ذكر الموصول عن روح لكونه أشد اتقانا منه ونبه برواية عثمان على أن الاعتماد في هذا السند على محمد بن سيرين فقط لأنه لم يذكر الحسن فكأن عوفا كان ربما ذكره وربما حذفه وقد حدث به المنجوفى شيخ البخاري مرة بإسقاط الحسن أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه ومتابعة عثمان هذه
[ 101 ]
وصلها أبو نعيم في المستخرج قال حدثنا أبو إسحاق بن حمزة حدثنا أبو طالب بن أبي عوانة حدثنا سليمان بن سيف حدثنا عثمان بن الهيثم فذكر الحديث ولفظه موافق لرواية روح إلا في قوله وكان معها فإنه قال بدله افلزمها وفي قوله ويفرغ من دفنها فإنه قال بدلها وتدفن وقال في آخره فله قيراط بدل قوله فإنه يرجع بقيراط والباقي سواء ولهذا الاختلاف في اللفظ قال المصنف نحوه وهو بفتح الواو أي بمعناه قوله باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر هذا الباب معقود للرد على المرجئة خاصة وأن كان أكثر ما مضى من الأبواب قد تضمن الرد عليهم لكن قد يشركهم غيرهم من أهل البدع في شئ منها بخلاف هذا والمرجئة بضم الميم وكسر الجيم بعدها ياء مهموزة ويجوز تشديدها بلا همز نسبوا إلى الإرجاء وهو التأخير لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان فقالوا الإيمان هو التصديق بالقلب فقط ولم يشترط جمهورهم النطق وجعلوا للعصاة أسم الإيمان على دابة وقالوا لا يضر مع الإيمان ذنب أصلا ومقالاتهم مشهورة في كتب الأصول ومناسبة إيراد هذه الترجمة عقب التي قبلها من جهة أن أتباع الجنازة مظنة لأن يقصد بها مراعاة أهلها أو مجموع الامرين وسياق الحديث يقتضى أن الأجر الموعود به إنما يحصل لمن صنع ذلك احتسابا أي خالصا فعقبه بما يشير إلى أنه قد يعرض للمرء ما يعكر على قصده الخالص فيحرم به النصارى الموعود وهو لا يشعر فقوله أن يحبط عمله أي يحرم ثواب عمله لأنه لا يثاب الا على ما أخلص فيه وبهذا التقرير يندفع اعتراض من اعترض عليه بأنه يقوي مذهب الاحباطيه الذين يقولون إن السيئات يبطلن الحسنات وقال القاضي أبو بكر بن العربي في الرد عليهم القول الفصل في هذا أن الاحباط احباطان أحدهما إبطال الشئ للشئ واذهابه جملة كاحباط الإيمان للكفر والكفر للإيمان وذلك في الجهتين إذهاب حقيقي ثانيهما إحباط الموازنة إذا جعلت الحسنات في كفة والسيئات في كفة فمن رجحت حسناته نجا ومن رجحت سيئاته وقف في المشيئة إما أن يفغر له وإما أن يعذب فالتوقيف إبطال ما لأن توقيف المنفعة في وقت الحاجة إليها إبطال لها والتعذيب إبطال أشد منه إلى حين الخروج من النار ففي كل منهما إبطال نسبي أطلق عليه اسم الاحباط مجازا وليس هو إحباط حقيقة لأنه إذا أخرج من النار وأدخل الجنة عاد إليه ثواب عمله وهذا بخلاف قول الاحباطية الذين سووا بين الاحباطين وحكموا على العاصي بحكم الكافر وهم معظم القدرية والله الموفق قوله وقال إبراهيم التميمي هو من فقهاء التابعين وعبادهم وقوله مكذبا يروي بفتح الذال يعني خشيت أن يكذبني من رأى عملي مخالفا لقولي فيقول لو كنت صادقا ما فعلت خلاف ما تقول وإنما قال ذلك لأنه كان يعظ الناس ويروى بكسر الذال وهي رواية الأكثر ومعناه أنه مع وعظه الناس لم يبلغ غاية العمل وقد ذم الله من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وقصر في العمل فقال كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون فخشي أن يكون مكذبا أي مشابها للمكذبين وهذا التعليق وصله المصنف في تاريخه عن أبي نعيم وأحمد بن حنبل في الزهد عن أبي مهدي كلاهما عن سفيان الثوري عن أبي حيان التيمي عن إبراهيم المذكور قوله وقال بن أبي مليكة الخ هذا التعليق وصله بن أبي خيثمة في تاريخه لكن أبهم العدد وكذا أخرجه محمد بن نصر المروزي مطولا في كتاب الإيمان له وعينه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه من وجه آخر مختصرا كما هنا والصحابة الذين أدركهم بن أبي مليكة من أجلهم عائشة وأختها
[ 102 ]
أسماء وأم سلمة والعبادلة الأربعة وأبو هريرة وعقبة بن الحارث والمسور بن مخرمة فهؤلاء ممن سمع منهم وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء كعلى بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك فكأنه إجماع وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنهم وقال بن بطال إنما خافوا لأنهم طالت أعمارهم حتى رأوا من التغير ما لم يعهدوه ولم يقدروا على إنكاره فخافوا أن الريح داهنوا بالسكوت قوله ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل أي لا يجزم أحد منهم بعدم عروض النفاق لهم كما يجزم بذلك في إيمان جبريل وفي هذا إشارة إلى أن المذكورين كانوا قائلين بتفاوت درجات المؤمنين في الإيمان خلافا للمرجئة القائلين بأن إيمان الصديقين وغيرهم بمنزلة واحدة وقد روى في معنى أثر بن أبي مليكة حديث عن عائشة مرفوع رواه الطبراني في الأوسط لكن إسناده ضعيف قوله ويذكر عن الحسن هذا التعليق وصله جعفر الفريابي في كتاب صفة المنافق له من طرق متعددة بألفاظ مختلفة وقد يستشكل ترك البخاري الجزم به مع صحته عنه وذلك أمرهم على قاعدة ذكرها لي شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله وهي إن البخاري لا يخص صيغة التمريض بضعف الإسناد بل إذا ذكر المتن بالمعنى أو اختصره أتى بها أيضا لما علم من الخلاف في ذلك فهنا كذلك وقد أوقع اختصاره له لبعضهم الاضطراب في فهمه فقال النووي ما خافه الا مؤمن ولا أمنه الا منافق يعني الله تعالى قال الله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان وقال فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون وكذا شرحه بن التين وجماعة من المتأخرين وقرره الكرماني هكذا فقال ما خافه أي ما خاف من الله فحذف الجار وأوصل الفعل إليه قلت وهذا الكلام وإن كان صحيحا لكنه خلاف مراد المصنف ومن نقل عنه والذي أوقعهم في هذا هو الاختصار وإلا فسياق كلام الحسن البصري يبين أنه إنما أراد النفاق فلنذكره قال جعفر الفريابي حدثنا قتيبة حدثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق مشفق ولا مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن وكان يقول من لم يخف النفاق فهو منافق وقال أحمد بن حنبل في كتاب الإيمان حدثنا روح بن عبادة حدثنا هشام سمعت الحسن يقول والله ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق وما أمنه إلا منافق انتهى وهذا موافق لأثر بن أبي مليكة الذي قبله وهو قوله كلهم يخاف النفاق على نفسه والخوف من الله وإن كان مطلوبا محمودا لكن سياق الباب في أمر آخر والله أعلم قوله وما يحذر هو بضم أوله وتشديد الذال المعجمة ويروى بتخفيفها وما مصدرية والجملة في محل جر لأنها معطوفة على خوف أي باب ما يحذر وفصل بين الترجمتين بالآثار التي ذكرها لتعلقها بالأولى فقط وأما الحديثان فالأول منهما تعلق بالثانية والثاني يتعلق بالأولى على ما سنوضحه ففيه لف ونشر غير مرتب على حد قوله يوم تبيض وجوه الآية ومراده أيضا الرد على المرجئة حيث قالوا لا حذر من المعاصي مع حصول الإيمان ومفهوم الآية التي ذكرها يرد عليهم لأنه تعالى مدح من استغفر لذنبه ولم يصر عليه فمفهومه ذم من لم يفعل ذلك ومما يدخل في معنى الترجمة قول الله تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم وقوله ونقلب افئدتهم
[ 103 ]
وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة وقوله تعالى لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وهذه الآية أدل على المراد مما قبلها فمن أصر على نفاق المعصية خشي عليه أن يفضى به إلى نفاق الكفر وكأن المصنف لمح بحديث عبد الله بن عمرو المخرج عند أحمد مرفوعا قال ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون أي يعلمون أن من تاب تاب الله عليه ثم لا يستغفرون قاله مجاهد وغيره وللترمذي عن أبي بكر الصديق مرفوعا ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة إسناد كل منهما حسن قوله على التقاتل كذا في أكثر الروايات وهو المناسب لحديث الباب وفي بعضها على النفاق ومعناه صحيح وإن لم تثبت به الرواية قوله زبيد تقدم أنه بالزاى والموحدة مصغرا وهو بن الحارث اليامي بياء تحتانية وميم خفيفة يكنى أبا عبد الرحمن وقد روى هذا الحديث شعبة أيضا عن منصور بن المعتمر وهو عند المصنف في الأدب وعن الأعمش وهو عند مسلم ورواه بن حبان من طريق سليمان بن حرب عن شعبة عن الثلاثة جميعا عن أبي وائل وقال بن منده لم يختلف في رفعه عن زبيد واختلف على الآخرين ورواه عن زبيد غير شعبة أيضا عند مسلم وغيره قوله سألت أبا وائل عن المرجئة أي عن مقالة المرجئة ولأبي داود الطيالسي عن شعبة عن زبيد قال لما ظهرت المرجئة أتيت أبا وائل فذكرت ذلك له فظهر من هذا أن سؤاله كان عن معتقدهم وأن ذلك كان حين ظهورهم وكانت وفاة أبي وائل سنة تسع وتسعين وقيل سنة اثنتين وثمانين ففي ذلك دليل على أن بدعة الإرجاء قديمة وقد تابع أبا وائل في رواية هذا الحديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أخرجه الترمذي مصححا ولفظه قتال المسلم أخاه كفر وسبابه فسوق ورواه جماعة عن عبد الله بن مسعود موقوفا ومرفوعا ورواه النسائي من حديث سعد بن أبي وقاص أيضا مرفوعا فانتفت بذلك دعوى من زعم أن أبا وائل تفرد به قوله سباب هو بكسر السين وتخفيف الموحدة وهو الحدود يقال سب يسب سبا وسبابا وقال إبراهيم الحربي السباب أشد من السب وهو أن يقول الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه وقال غيره السباب هنا مثل القتال فيقتضى المفاعلة وقد تقدم بأوضح من هذا في باب المعاصي من أمر الجاهلية قوله المسلم كذا في معظم الروايات ولأحمد عن غندر عن شعبة المؤمن فكأنه رواه بالمعنى قوله فسوق الفسق في اللغة الخروج وفي الشرع الخروج عن طاعة الله ورسوله وهو في عرف الشرع أشد من العصيان قال الله تعالى وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ففي الحديث تعظيم حق المسلم والحكم على من سبه بغير حق بالفسق ومقتضاه الرد على المرجئة وعرف من هذا مطابقة جواب أبي وائل للسؤال عنهم كأنه قال كيف تكون مقالتهم حقا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا قوله وقتاله كفر إن قيل هذا وأن تضمن الرد على المرجئة لكن ظاهره يقوي مذهب الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي فالجواب إن المبالغة في الرد على المبتدع اقتضت ذلك ولا متمسك للخوارج فيه لأن ظاهره غير مراد لكن لما كان القتال أشد من السباب لأنه مفض إلى ازهاق الروح عبر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسق وهو الكفر ولم يرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير معتمدا على ما تقرر من القواعد أن مثل ذلك لا يخرج عن الملة مثل حديث الشفاعة ومثل قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقد
[ 104 ]
أشرنا إلى ذلك في باب المعاصي من أمر الجاهلية أو أطلق عليه الكفر لشبهه به لأن قتال المؤمن من شأن الكافر وقيل المراد هنا الكفر اللغوي وهو التغطية لأن حق المسلم على المسلم أن يعينه وينصره ويكف عنه أذاه فلما قاتله كان كأنه غطى على هذا الحق والأولان أليق بمراد المصنف وأولى بالمقصود من التحذير من فعل ذلك والزجر عنه بخلاف الثالث وقيل أراد بقوله كفر أي قد يؤل هذا الفعل بشؤمه إلى الكفر وهذا بعيد وأبعد منه حمله على المستحل لذلك لأنه لا يطابق الترجمة ولو كان مرادا لم يحصل التفريق بين السباب والقتال فإن مستحل لعن المسلم بغير تأويل يكفر أيضا ثم ذلك أمرهم على من فعله بغير تأويل وقد بوب عليه المصنف في كتاب المحاربين كما سيأتي إن شاء الله تعالى ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ففيه هذه الأجوبة وسيأتي في كتاب الفتن ونظيره قوله تعالى أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض بعد قوله ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم الآية فدل على أن بعض الأعمال يطلق عليه الكفر تغليظا وأما قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم لعن المسلم كقتله فلا يخالف هذا الحديث لأن المشبه به فوق المشبه والقدر الذي اشتركا فيه بلوغ الغاية في التأثير هذا في العرض وهذا في النفس والله أعلم وقد ورد لهذا المتن سبب ذكرته في أول كتاب الفتن في أواخر الصحيح قوله عن حميد هو الطويل عن أنس وللأصيلي حدثناه أنس بن مالك فأمنا تدليس حميد وهو من رواية صحابي عن صحابي أنس عن عبادة بن الصامت قوله خرج يخبر بليلة القدر أي بتعيين ليلة القدر قوله فتلاحى بفتح الحاء المهملة مشتق من التلاحي بكسرها وهو التنازع والمخاصمة والرجلان أفاد بن دحية أنهما عبد الله بن أبي حدرد بحاء مفتوحة ودال ساكنة مهملتين ثم راء مفتوحة ودال الركعة أيضا وكعب بن مالك وقوله فرفعت أي فرفع تعيينها عن ذكري هذا هو المعتمد هنا والسبب فيه ما أوضحه مسلم من حديث أبي سعيد في هذه القصة قال فجاء رجلان يحتقان بتشديد القاف أي يدعي كل منهما أنه المحق معهما الشيطان فنسيتها قال القاضى عياض فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة وأنها سبب في العقوبة المعنوية أي الحرمان وفيه أن المكان الذي يحضره الشيطان ترفع منه البركة والخير فإن قيل كيف تكون المخاصمة في طلب الحق مذمومة قلت إنما كانت كذلك لوقوعها في المسجد وهو محل الذكر لا اللغو ثم في الوقت المخصوص أيضا بالذكر لا اللغو وهو شهر رمضان فالذم لما عرض فيه لا لذاتها ثم أنها مستلزمة لرفع الصوت ورفعه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه لقوله تعالى لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي إلى قوله تعالى أن تحبط أعمالكم التجارة لا تشعرون ومن هنا يتضح مناسبة هذا الحديث للترجمة ومطابقتها له وقد خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب فإن قيل قوله التجارة لا تشعرون يقتضي المؤاخذة بالعمل الذي لا قصد فيه فالجواب أن المراد التجارة لا تشعرون بالاحباط لاعتقادكم صغر الذنب فقد يعلم المرء الذنب ولكن لا يعلم أنه كبيرة كما قيل في قوله أنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أي عندهما ثم قال وإنه لكبير أي في نفس الأمر وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأن المؤاخذة تحصل بما لم يقصد في الثاني إذا قصد في الأول لأن مراعاة القصد إنما هو في الأول ثم يسترسل حكم النية الأولى على مؤتنف العمل وإن عازب القصد خيرا كان أو شرا والله أعلم قوله وعسى أن يكون خيرا أي وإن كان عدم الرفع أزيد خيرا
[ 105 ]
وأولى منه لأنه متحقق فيه لكن في الرفع خير مرجو لاستلزامه مزيد النصارى لكونه سببا لزيادة الاجتهاد في التماسها وإنما حصل ذلك ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم قوله في السبع والتسع كذا في معظم الروايات بتقديم السبع التي أولها السين على التسع ففيه إشارة إلى أن رجاءها في السبع أقوى للاهتمام بتقديمه ووقع عند بن نعيم في المستخرج بتقديم التسع على ترتيب التدلى واختلف في المراد بالتسع وغيرها فقيل لتسع يمضين من العشر وقيل لتسع يبقين من الشهر وسنذكر بسط هذا في محله حيث ذكره المصنف في كتاب الاعتكاف إن شاء الله تعالى قوله باب سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام الخ تقدم أن المصنف يرى أن الإيمان والإسلام عبارة عن معنى واحد فلما كان ظاهر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام وجوابه يقتضى تغايرهما وأن الإيمان تصديق بأمور مخصوصة والإسلام إظهار أعمال مخصوصة أراد أن يرد ذلك بالتأويل إلى طريقته قوله وبيان أي مع بيان أن الاعتقاد والعمل دين وقوله وما بين أي مع ما بين للوفد أن الإيمان هو الإسلام حيث فسره في قصتهم بما فسر به الإسلام هنا وقوله وقول الله أي مع مادلت عليه الآية أن الإسلام هو الدين ودل عليه خبر أبي سفيان أن الإيمان هو الدين فاقتضى ذلك أن الإسلام والإيمان أمر واحد هذا محصل كلامه وقد نقل أبو عوانة الاسفرايني في صحيحه عن المزني صاحب الشافعي الجزم بأنهما عبارة عن معنى واحد وأنه سمع ذلك منه وعن الإمام أحمد الجزم بتغايرهما ولكل من القولين أدلة متعارضة وقال الخطابي صنف في المسألة إمامان كبيران وأكثرا من الأدلة للقولين وتباينا في ذلك والحق أن بينهما عموما وخصوصا فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا انتهى كلامه ملخصا ومقتضاه أن الإسلام لا يطلق على الاعتقاد والعمل معا بخلاف الإيمان فإنه يطلق عليهما معا ويرد عليه قوله تعالى ورضيت لكم الإسلام دينا فإن الإسلام هنا يتناول العمل والاعتقاد معا لأن العامل غير المعتقد ليس بذي دين مرضى وبهذا استدل المزني وأبو محمد البغوي فقال في الكلام على حديث جبريل هذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام هنا أسما لما ظهر من الأعمال والإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد وليس ذاك لأن الأعمال ليست من الإيمان ولا لأن التصديق ليس من الإسلام بل ذاك تفصيل لجملة كلها شئ واحد وجماعها الدين ولهذا قال صلى الله عليه وسلم أتاكم يعلمكم دينكم وقال سبحانه وتعالى ورضيت لكم الإسلام دينا وقال ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ولا يكون الدين في محل الرضا والقبول الا بانضمام التصديق انتهى كلامه الذي يظهر من مجموع الأدلة أن لكل منهما حقيقة شرعية كما أن لكل منهما حقيقة لغوية لكن كل منهما مستلزم للآخر بمعنى التكميل له فكما أن العامل لا يكون مسلما كاملا إلا إذا اعتقد فكذلك المعتقد لا يكون مؤمنا كاملا إلا إذا عمل وحيث يطلق الإيمان في موضع الإسلام أو العكس أو يطلق أحدهما على إرادتهما معا فهو على سبيل المجاز ويتبين المراد بالسياق فإن وردا معا في مقام السؤال حملا على الحقيقة وإن لم يردا معا أو لم يكن في مقام سؤال أمكن الحمل على الحقيقة أو المجاز بحسب ما يظهر من القرائن وقد حكى ذلك الاسماعيلي عن أهل السنة والجماعة قالوا إنهما تختلف دلالتهما بالاقتران فإن أفرد أحدهما دخل الآخر فيه وعلى ذلك يحمل ما حكاه محمد بن نصر وتبعه بن عبد البر عن الأكثر أنهم سووا بينهما على ما في حديث
[ 106 ]
عبد القيس وما حكاه اللالكائي وابن السمعاني عن أهل السنة أنهم فرقوا بينهما على ما في حديث جبريل والله الموفق قوله بعدم الساعة تفسير منه للمراد بقول جبريل في السؤال متى الساعة أي متى علم الساعة ولا بد من تقدير محذوف آخر أي متى علم وقت الساعة قوله وبيان النبي صلى الله عليه وسلم هو مجرور لأنه معطوف على علم المعطوف على سؤال المجرور بالإضافة فإن قيل لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم وقت الساعة فكيف قال وبيان النبي صلى الله عليه وسلم له فالجواب أن المراد بالبيان بيان أكثر المسئول عنه فأطلقه لأن حكم معظم الشئ حكم كله أو جعل الحكم في علم الساعة بأنه لا يعلمه الا الله بيانا له قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم هو البصري المعروف بابن علية قال أخبرنا أبو حيان التميمي وأورده المصنف في تفسير سورة لقمان من حديث جرير بن عبد الحميد عن أبي حيان المذكور ورواه مسلم من وجه آخر عن جرير أيضا عن عمارة بن القعقاع ورواه أبو داود والنسائي من حديث جرير أيضا عن أبي فروة ثلاثتهم عن أبي زرعة عن أبي هريرة زاد أبو فروة وعن أبي ذر أيضا وساق حديثه عنهما جميعا وفيه فوائد زوائد سنشير إليها إن شاء الله تعالى ولم أر هذا الحديث من رواية أبي هريرة الا عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير هذا عنه ولم يخرجه البخاري الا من طريق أبي حيان عنه وقد أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب وفي سياقه فوائد زوائد أيضا وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف فيه على بعض رواته فمشهوره رواية كهمس بسين الركعة قبلها ميم مفتوحة بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر بفتح الميم أوله ياء تحتانية مفتوحة عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رواه عن كهمس جماعة من الحفاظ وتابعه مطر الوراق عن عبد الله بن بريدة وتابعه سليمان التيمي عن يحيى بن يعمر وكذا رواه عثمان بن الصالح عن عبد الله بن بريدة لكنه قال عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن معا عن بن عمر عن عمر زاد فيه حميدا وحميد له في الرواية المشهورة ذكر لا رواية وأخرج مسلم هذه الطرق ولم يسق منها الا متن الطريق الأولى وأحال الباقي عليها وبينها اختلاف كثير سنشير إلى بعضه فأما رواية مطر فأخرجها أبو عوانة في صحيحه وغيره وأما رواية سليمان التيمي فأخرجها بن خزيمة في صحيحه وغيره وأما رواية عثمان بن الصالح فأخرجها أحمد في مسنده وقد خالفهم سليمان بن بريدة أخو عبد الله فرواه عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن عمر قال بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعله من مسند بن عمر لا من روايته عن أبيه أخرجه أحمد أيضا وكذا رواه أبو نعيم في الحلية من طريق عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر وكذا روى من طريق عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر أخرجه الطبراني وفي الباب عن أنس أخرجه البزار والبخاري في خلق أفعال العباد وإسناده حسن وعن جرير الأسماء أخرجه أبو عوانة في صحيحه وفي إسناده خالد بن يزيد وهو العمري ولا يصلح للصحيح وعن بن عباس وأبي عامر الأشعري أخرجهما أحمد واسنادهما حسن وفي كل من هذه الطرق فوائده سنذكرها إن شاء الله تعالى في اثناء الكلام على حديث الباب وإنما جمعت طرقها هنا وعزوتها إلى مخرجيها لتسهيل الحوالة عليها فرارا من التكرار المباين لطريق الاختصار والله الموفق قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس أي ظاهرا لهم غير محتجب عنهم ولا ملتبس بغيره والبروز الظهور وقد وقع في رواية أبي فروة التي أشرنا إليها بيان ذلك فإن أوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين
[ 107 ]
أصحابه فيجئ الغريب فلا يدري أيهم هو فطلبنا إليه أن يجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه قال فبينا له دكانا من طين كان يجلس عليه انتهى واستنبط منه القرطبي استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا أحتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه قوله فأتاه رجل أي ملك في صورة رجل وفي التفسير للمصنف إذ أتاه رجل يمشي ولأبي فروة فإنا الجلوس عنده إذ أقبل رجل أحسن الناس وجها وأطيب الناس ريحا كأن ثيابه لم يمسها دنس ولمسلم من طريق كهمس في حديث عمر بينما نحن ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر وفي رواية بن حبان سواد اللحية لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخديه وفي رواية لسليمان التيمي ليس عليه سحناء السفر وليس من البلد فتخطى حتى برك بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في حديث بن عباس وأبي عامر الأشعري ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم فأفادت هذه الرواية أن الضمير في قوله على فخذيه يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وبه جزم البغوي وإسماعيل التيمي لهذه الرواية ورجحه الطيبي بحثا لأنه نسق الكلام خلافا لما جزم به النووي ووافقه التوربشتى لأنه حمله على أنه جلس كهيئة المتعلم بين يدي من يتعلم منه وهذا وان كان ظاهرا من السياق لكن وضعه يديه على فخذ النبي صلى الله عليه وسلم منبه للاصغاء إليه وفيه إشارة لما ينبغي للمسئول من التواضع والصفح عما يبدو من جفاء السائل والظاهر أنه أراد بذلك المبالغة في تعمية أمره ليقوى الظن بأنه من جفاة الأعراب ولهذا تخطى الناس حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ولهذا استغرب الصحابة صنيعه ولأنه ليس من أهل البلد وجاء ماشيا ليس عليه أثر سفر فإن قيل كيف عرف عمر أنه لم يعرفه أحد منهم أجيب بأنه يحتمل أن يكون استند في ذلك إلى ظنه أو إلى صريح قول الحاضرين قلت وهذا الثاني أولي فقد جاء كذلك في رواية عثمان بن الصالح فإن فيها فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا ما نعرف هذا وأفاد مسلم في رواية عمارة بن القعقاع سبب ورود هذا الحديث فعنده في أوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوني فهابوا أن يسألوه قال فجاء رجل ووقع في رواية بن منده من طريق يزيد بن زريع عن كهمس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاءه رجل فكأن أمره لهم بسؤاله وقع في خطبته وظاهره أن مجئ الرجل كان في حال الخطبة فإما أن يكون وافق انقضاءها أو كان ذكر ذلك القدر جالسا وعبر عنه الراوي بالخطبة وقوله فقال زاد المصنف في التفسير يا رسول الله ما الإيمان فان قيل فكيف بدأ بالسؤال قبل السلام أجيب بأنه يحتمل أن يكون ذلك مبالغة في التعمية لأمره أو ليبين أن ذلك غير واجب أو سلم فلم ينقله الراوي قلت وهذا الثالث هو المعتمد فقد ثبت في رواية أبي فروة ففيها بعد قوله كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف البساط فقال السلام عليك يا محمد فرد عليه السلام قال أدنو يا محمد قال ادن فما زال يقول أدنو مرارا ويقول له ادن ونحوه في رواية عطاء عن بن عمر لكن قال السلام عليك يا رسول الله وفي رواية مطر الوراق فقال يا رسول الله أدنو منك قال ادن ولم يذكر السلام فاختلفت الروايات هل قال له يا محمد أو يا رسول الله هل سلم أولا فأما السلام فمن ذكره مقدم على من سكت عنه
[ 108 ]
وقال القرطبي بناء على أنه لم يسلم وقال يا محمد إنه أراد بذلك التعمية فصنع صنيع الأعراب قلت ويجمع بين الكلب بأنه بد أولا بندائه باسمه لهذا المعنى ثم خاطبه بقوله يا رسول الله ووقع عند القرطبي أنه قال السلام عليكم يا محمد فاستنبط منه أنه يستحب للداخل أن يعمم بالسلام ثم يخصص من يريد تخصيصه انتهى والذي وقفت عليه من الروايات إنما فيه الأفراد وهو قوله السلام عليك يا محمد قوله ما الإيمان قيل قدم السؤال عن الإيمان لأنه الأصل وثنى بالإسلام لأنه يظهر مصداق الدعوى وثلث بالإحسان لأنه متعلق بهما وفي رواية عمارة بن القعقاع بدأ بالإسلام لأنه بالأمر الظاهر وثنى بالإيمان لأنه بالأمر الباطن ورجح هذا الطيبي لما فيه من الترقي ولا شك أن القصة واحدة اختلف الرواة في تأديتها وليس في السياق ترتيب ويدل عليه رواية مطر الوراق فإنه بدأ بالإسلام وثنى بالإحسان وثلث بالإيمان فالحق أن الواقع أمر واحد والتقديم والتأخير وقع من الرواة والله أعلم قوله قال الإيمان أن تؤمن بالله الخ دل الجواب أنه علم أنه سأله عن متعلقاته لا عن معنى يسير وإلا لكان الجواب الإيمان التصديق وقال الطيبي هذا يوهم التكرار وليس كذلك فإن قوله أن تؤمن بالله مضمن معنى أن تعترف به ولهذا عداه بالباء أي أن تصدق معترفا بكذا قلت والتصديق أيضا يعدى بالباء فلا يحتاج إلى دعوى التضمين وقال الكرماني ليس هو تعريفا للشئ بنفسه بل المراد من المحدود الإيمان الشرعي ومن الحد الإيمان اللغوي قلت والذي يظهر أنه إنما أعاد لفظ الإيمان للاعتناء بشأنه تفخيما لأمره ومنه قوله تعالى قل يحييها الذي أنشأها أول مرة في جواب من يحيى العظام وهي رميم يعني أن قوله أن تؤمن ينحل منه الإيمان فكأنه قال الإيمان الشرعي تصديق مخصوص وإلا لكان الجواب الإيمان التصديق والإيمان بالله هو التصديق بوجوده وأنه متصف بصفات دابة منزه عن صفات النقص قوله وملائكته الإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم وأنهم كما وصفهم الله تعالى عباد مكرمون ربع الملائكة على الكتب والرسل نظرا للترتيب الواقع لأنه سبحانه وتعالى أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسول قوله وكتبه هذه عند الأصيلي هنا واتفق الرواة على ذكرها في التفسير والإيمان بكتب الله التصديق بأنها كلام الله وأن ما تضمنته حق قوله وبلقائه كذا وقعت هنا بين الكتب والرسل وكذا لمسلم من الطريقين ولم أنكر في بقية الروايات وقد قيل إنها مكررة لأنها داخلة في الإيمان بالبعث والحق أنها غير مكررة فقيل المراد بالبعث القيام من القبور والمراد باللقاء ما بعد ذلك وقيل اللقاء يحصل بالانتقال من دار الدنيا والبعث بعد ذلك ويدل على هذا رواية مطر الوراق فإن فيها وبالموت وبالبعث بعد الموت كذا في حديث أنس وابن عباس وقيل المراد باللقاء رؤية الله ذكره الخطابي وتعقبه النووي بأن أحدا لا يقطع لنفسه برؤية الله فأنه مختصة بمن مات مؤمنا والمرء لا يدري بم يختم له فكيف يكون ذلك من شروط الإيمان وأجيب بأن المراد الإيمان بأن ذلك حق في نفس الأمر وهذا من الأدلة القوية لأهل السنة في اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة إذ جعلت من قواعد الإيمان قوله ورسله وللأصيلي وبرسله ووقع في حديث أنس وابن عباس والملائكة والكتاب والنبيين وكل من السياقين في القرآن في البقرة والتعبير بالنبيين يشمل الرسل من غير عكس والإيمان بالرسل التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله ودل الإجمال في الملائكة والكتب والرسل على
[ 109 ]
الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم من غير تفصيل الا من ثبت تسميته فيجب الإيمان به على التعيين وهذا التريب مطابق للآية آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ومناسبة الترتيب المذكور وإن كانت الواو لا ترتب بل المراد من التقديم أن الخير والرحمة من الله ومن أعظم رحمته أن أنزل كتبه الى عباده والمتلقى لذلك منهم الأنبياء والواسطة بين الله وبينهم الملائكة قوله وتؤمن بالبعث زاد في التفسير الآخر ولمسلم في حديث عمرو اليوم الآخر فأما البعث الآخر فقيل ذكر الآخر تأكيدا كقولهم أمس الذاهب وقيل لأن البعث وقع مرتين الأولى الإخراج من العدم إلى الوجود أو من بطون الأمهات بعد النطفة والعلقة إلى الحياة الدنيا والثانية البعث من بطون القبور إلى محل الاستقرار وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة المحدودة والمراد بالإيمان به والتصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار وقد وقع التصريح بذكر الأربعة بعد ذكر البعث في رواية سليمان التيمي وفي حديث بن عباس أيضا فائدة زاد الاسماعيلي في مستخرجه هنا وتؤمن بالقدر وهي في رواية أبي فروة أيضا وكذا لمسلم من رواية عمارة بن القعقاع وأكده بقوله كله وفي رواية كهمس وسليمان التيمي وتؤمن بالقدر خيره وشره وكذا في حديث بن عباس وهو في رواية عطاء عن بن عمر بزيادة وحلوه ومر من الله وكأن الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر البعث الإشارة إلى أنه نوع آخر مما يؤمن به لأن البعث سيوجد بعد وما ذكر قبله موجود الآن وللتنويه بذكره لكثرة من كان ينكره من الكفار ولهذا كثر تكراره في القرآن وهكذا الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر القدر كأنها أشارة الى ما يقع فيه من الاختلاف فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن ثم قرره بالابدال بقوله خيره وشره وحلوه ومره ثم زاده تأكيدا بقوله في الرواية الأخيرة من الله والقدر الحدود تقول قدرت الشئ بتخفيف الدال وفتحها أقدره بالكسر والفتح قدرا وقدرا إذا احطت بمقداره والمراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وازمانها قبل ايجادها ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وارادته هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة وقد روى مسلم القصة في ذلك من طريق كهمس عن بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني قال فانطلقت أنا وحميد الحميري فذكر اجتماعهما بعبد الله بن عمر وأنه سأله عن ذلك فأخبره بأنه برئ ممن يقول ذلك وأن الله لا يقبل ممن لم يؤمن بالقدر وأشار وقد حكى المصنفون في المقالات عن طوائف من القدرية إنكار كون البارئ عالما بشئ من أعمال العباد قبل وقوعها منهم وإنما يعلمها بعد كونها قال القرطبي وغيره قد انقرض هذا المذهب ولا نعرف أحدا ينسب إليه من المتأخرين قال والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن افعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال وهو مع كونه مذهبا باطلا أخف من المذهب الأول وأما المتأخرون منهم فأنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فرارا من تعلق القديم بالمحدث وهم مخصومون بما قال الشافعي إن سلم القدري العلم خصم يعني يقال له ايجوز أن يقع في الوجود خلاف ما تضمنه العلم فإن منع وافق قول أهل السنة وإن أجاز لزمه نسبة الجهل تعالى الله عن ذلك تنبيه ظاهر السياق يقتضى أن الإيمان لا يطلق إلا على
[ 110 ]
من صدق بجميع ما ذكر وقد اكتفى الفقهاء بإطلاق الإيمان على من آمن بالله ورسوله ولا اختلاف أن الإيمان برسول الله المراد به الإيمان بوجوده وبما جاء به عن ربه فيدخل جميع ما ذكر تحت ذلك والله أعلم قوله أن تعبد الله قال النووي يحتمل أن يكون المراد بالعبادة معرفة الله فيكون عطف الصلاة وغيرها عليها لادخالها في الإسلام ويحتمل أن يكون المراد بالعبادة الطاعة مطلقا فيدخل فيه جميع الوظائف فعلى هذا يكون عطف الصلاة وغيرها من عطف الخاص على العام قلت أما الاحتمال الأول فبعيد لأن المعرفة من متعلقات الإيمان وأما الإسلام فهو أعمال قولية وبدنية وقد عبر في حديث عمر هنا بقوله أن تشهد أن لا إله الا الله وأن محمد رسول الله فدل على أن المراد بالعبادة في حديث الباب النطق بالشهادتين وبهذا تبين دفع الاحتمال الثاني ولما عبر الراوي بالعبادة أحتاج أن يوضحها بقوله ولا تشرك به شيئا ولم يحتج إليها في رواية عمر لاستلزامها ذلك فإن قيل السؤال عام لأنه سأل عن ماهية الإسلام والجواب خاص لقوله أن تعبد أو تشهد وكذا قال في الإيمان أن تؤمن وفي الإحسان أن تعبد والجواب أن ذلك لنكتة الفرق بين المصدر وبين أن والفعل لأن أن تفعل أخذت على الاستقبال والمصدر لا يدل على زمان على أن بعض الرواة أورده هنا بصيغة المصدر ففي رواية عثمان بن الصالح قال شهادة أن لا إله الا الله وكذا في حديث أنس وليس المراد بمخاطبته بالافراد اختصاصه بذلك بل المراد تعليم السامعين الحكم في حقهم وحق من أشبههم من المكلفين وقد تبين ذلك بقوله في آخره يعلم الناس دينهم فإن قيل لم لم يذكر الحج أجاب بعضهم باحتمال أنه لم يكن فرض وهو مردود بما رواه بن منده في كتاب الإيمان شوال الذي على شرط مسلم من طريق سليمان التيمي في حديث عمر أوله أن رجلا في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله وآخر عمره يحتمل أن يكون بعد حجة الوداع فأنها آخر سفراته ثم بعد قدومه بقليل دون ثلاثة أشهر مات وكأنه إنما جاء بعد إنزال جميع الأحكام لتقرير أمور الدين التي بلغها متفرقة في مجلس واحد لتنضبط ويستنبط منه جواز سؤال العالم ما لا يجهله السائل ليعلمه السامع وأما الحج فقد ذكر لكن بعض الرواة إما ذهل عنه وإما نسيه والدليل على ذلك اختلافهم في ذكر بعض الأعمال دون بعض ففي رواية كهمس وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا وكذا في حديث أنس وفي رواية عطاء الخراساني لم يذكر الصوم وفي حديث أبي عامر ذكر الصلاة والزكاة حسب ولم يذكر في حديث بن عباس مزيدا على الشهادتين وذكر سليمان التيمي في روايته الجميع وزاد بعد قوله وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتمم الوضوء وقال مطر الوراق في روايته وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة قال فذكر عرى الإسلام فتبين ما قلناه إن بعض الرواة ضبط ما لم يضبطه غيره قوله وتقيم الصلاة زاد مسلم المكتوبة أي المفروضة وإنما عبر بالمكتوبة للتفنن في العبارة فإنه عبر في الزكاة بالمفروضة ولا تباع قوله تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قوله وتصوم رمضان استدل به على قول رمضان من غير إضافة شهر إليه وستأتي المسألة في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى قوله الإحسان هو الحدود تقول أحسن يحسن إحسانا ويتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا إذا اتقنته واحسنت إلى فلان إذا اوصلت إليه النفع والأول هو المراد لأن المقصود إتقان العبادة وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا
[ 111 ]
محسن باخلاصه إلى نفسه وإحسان العبادة الإخلاص فيها والخشوغ وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود وأشار في الجواب إلى حالتين أرفعهما أن يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حتى أنه يراه بعينه وهو قوله كأنك تراه أي وهو يراك والثانية أن يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل وهو قوله فإنه يراك وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته وقد عبر في رواية عمارة بن القعقاع بقوله أن تخشى الله كأنك تراه وكذا في حديث أنس وقال النووي معناه إنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك لكونه يراك لا لكونك تراه فهو دائما يراك فأحسن عبادته وإن لم تره فتقدير الحديث فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك قال وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين وهو من جوامع الكلم التي اوتيها صلى الله عليه وسلم وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من التلبس بشئ من النقائص احتراما واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سره وعلانيته انتهى وقد سبق إلى أصل هذا القاضي عياض وغيره وسيأتي مزيد لهذا في تفسير لقمان إن شاء الله تعالى تنبيه دل سياق الحديث على أن رؤية الله في الدنيا بالأبصار غير واقعة وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فذاك لدليل آخر وقد صرح مسلم في روايته من حديث أبي إمامة بقوله صلى الله عليه وسلم واعلموا إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وأقدم بعض غلاة الصوفية على تأويل الحديث بغير علم فقال فيه إشارة الى مقام المحو والفناء وتقديره فإن لم تكن أي فإن لم تصر شيئا وفنيت عن نفسك حتى كأنك ليس بموجود فأنك حينئذ تراه وغفل قائل هذا للجهل بالعربية عن أنه لو كان المراد ما زعم لكان قوله تراه محذوف الألف لأنه يصير مجزوما لكونه على زعمه جواب الشرط ولم يرد في شئ من طرق هذا الحديث بحذف الألف ومن ادعى أن إثباتها في الفعل المجزوم على خلاف القياس فلا يصار إليه إذ لاضرورة هنا وأيضا فلو كان ما ادعاه صحيحا لكان قوله فإنه يراك ضائعا لأنه لا ارتباط له بما قبله ومما يفسد تأويله رواية كهمس فإن لفظها فإنك إن لا تراه فأنه يراك وكذلك في رواية سليمان التيمي فسلط النفي على الرؤية لا على الكون الذي حمل على ارتكاب التأويل المذكور وفي رواية أبي فروة فان لم تره فإنه يراك ونحوه في حديث أنس وابن عباس وكل هذا يبطل التأويل المتقدم والله أعلم فائدة زاد مسلم في رواية عمارة بن القعقاع قول السائل صدقت عقب كل جواب من الأجوبة الثلاثة وزاد أبو فروة في روايته فلما سمعنا قول الرجل صدقت أنكرناه وفي رواية كهمس فعجبنا له يسأله ويصدقه وفي رواية مطر انظروا إليه كيف يسأله وانظروا إليه كيف يصدقه وفي حديث أنس انظروا وهو يسأله وهو يصدقه كأنه أعلم منه وفي رواية سليمان بن بريدة قال القوم ما رأينا رجل مثل هذا كأنه يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له صدقت صدقت قال القرطبي إنما عجبوا من ذلك لأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف الا من جهته وليس هذا السائل ممن عرف بلقاء النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالسماع منه ثم هو يسأل سؤال عارف بما يسأل عنه لأنه يخبره بأنه صادق فيه فتعجبوا من ذلك تعجب المستبعد لذلك والله أعلم قوله متى الساعة أي متى تقوم الساعة وصرح به في رواية عمارة بن القعقاع واللام للعهد والمراد يوم القيامة قوله ما المسئول
[ 112 ]
عنها ما نافية وزاد في رواية أبي فروة فنكس فلم يجبه ثم أعاد فلم يجبه ثلاثا ثم رفع رأسه فقال ما المسئول قوله بأعلم الباء زائدة لتأكيد النفي وهذا وإن كان مشعرا بالتساوى في العلم لكن المراد التساوى في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها لقوله بعد خمس لا يعلمها إلا الله وسيأتي وكما هذا التركيب في أواخر الكلام على هذا الحديث في قوله ما كنت بأعلم به من رجل منكم فإن المراد أيضا التساوى في عدم العلم به وفي حديث بن عباس هنا فقال سبحان الله خمس من الغيب لا يعلمهن الا الله ثم تلا الآية قال النووي يستنبط منه أن العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه لا يعلمه ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه وقال القرطبي مقصود هذا السؤال كف السامعين عن السؤال عن وقت الساعة لأنهم قد أكثروا السؤال عنها كما ورد في كثير من الآيات والأحاديث فلما حصل الجواب بما ذكر هنا حصل اليأس من معرفتها بخلاف الأسئلة الماضية فإن المراد بها استخراج الأجوبة ليتعلمها السامعون ويعملوا بها ونبه بهذه الأسئلة على تفصيل ما يمكن معرفته مما لا يمكن قوله من السائل عدل عن قوله لست بأعلم بها منك إلى لفظ يشعر بالتعميم تعريضا للسامعين أي أن كل مسئول وكل سائل فهو كذلك فائدة هذا السؤال والجواب وقع بين عيسى بن مريم وجبريل لكن كان عيسى سائلا وجبريل مسؤلا قال القدرة في نوادره حدثنا سفيان حدثنا مالك بن مغول عن إسماعيل بن رجاء الشعبي قال سأل عيسى بن مريم جبريل عن الساعة قال فانتفض بأجنحته وقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قوله وسأخبرك عن اشراطها وفي التفسير ولكن سأحدثك وفي رواية أبي فروة ولكن لها علامات تعرف بها وفي رواية كهمس قال فأخبرني عن إمارتها فأخبره بها فترددنا فحصل التردد هل ابتداء بذكر الامارات أو السائل سأله عن الامارات ويجمع بينهما بأنه ابتدأ بقوله وسأخبرك فقال له اسائل فأخبرني ويدل على ذلك رواية سليمان التيمي ولفظها ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها قال أجل ونحوه في حديث بن عباس وزاد فحدثني وقد حصل تفصيل الاشراط من الرواية الأخرى وأنها العلامات وهي بفتح الهمزة جمع شرط بفتحتين كقلم وأقلام ويستفاد من اختلاف الروايات أن التحديث والاخبار والانباء بمعنى واحد وإنما غاير بينها أهل الحديث اصطلاحا قال القرطبي علامات الساعة على قسمين ما يكون من نوع المعتاد أو غيره والمذكور هنا الأول وأما الغير مثل طلوع الشمس من مغريها فتلك مقارنة لها أو مضايقة والمراد هنا العلامات السابقة على ذلك والله أعلم قوله إذا ولدت التعبير بإذا للاشعار بتحقق الوقوع ووقعت هذه الجملة بيانا للاشراط نظر إلى المعنى والتقدير ولادة الأمة وتطاول الرعاة فإن قيل الاشراط جمع وأقله ثلاثة على الأصح والمذكور هنا اثنان أجاب الكرماني بأنه قد تستفرض القلة للكثرة وبالعكس أو لأن الفرق بالقلة والكثرة إنما هو في النكرات لا في المعارف أو لفقد جمع الكثرة للفظ الشرط وفي جميع هذه الأجوبة نظر ولو أجيب بأن هذا دليل القول الصائر إلى أن أقل الجمع اثنان لما بعد عن الصواب والجواب المرضى أن المذكور من الاشراط ثلاثة وإنما بعض الرواة اقتصر على اثنين منها لأنه هنا ذكر الولادة والتطاول وفي التفسير ذكر الولادة وترؤس الحفاة وفي رواية محمد بن بشر التي أخرج مسلم إسنادها وساق بن خزيمة لفظها عن أبي حيان ذكر الثلاثة وكذا في مستخرج الاسماعيلي من طريق بن علية وكذا ذكرها عمارة بن القعقاع ووقع
[ 113 ]
مثل ذلك في حديث عمر ففي رواية كهمس ذكر الولادة والتطاول فقط ووافقه عثمان بن الصالح وفي رواية سليمان التيمي ذكر الثلاثة ووافقه عطاء الخراساني وكذا ذكرت في حديث بن عباس وأبي عامر قوله إذا ولدت الأمة ربها وفي التفسير ربتها بتاء التأنيث وكذا في حديث عمر ولمحمد بن بشر مثله وزاد يعني السرارى وفي رواية عمارة بن القعقاع إذا رأيت المرأة تلد ربها ونحوه لأبي فروة وفي رواية عثمان بن الصالح الإماء أربابهن بلفظ الجمع والمراد بالرب المالك أو السيد وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في معنى ذلك قال بن التين اختلف فيه على سبعة أوجه فذكرها لكنها متداخلة وقد لخصتها بلا تداخل فإذا هي أربعة أقوال الأول قال الخطابي معناه اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبى ذراريهم فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها لأنه ولد سيدها قال النووي وغيره إنه قول الأكثرين قلت لكن في كونه المراد نظر لأن استيلاد الاماء كان موجودا حين المقالة والاستيلاء على بلاد الشرك وسبى ذراريهم واتخاذهم سرارى وقع أكثره في صدر الإسلام وسياق الكلام يقتضى الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة وقد فسره وكيع في رواية بن ماجة باخص من الأول قال أن تلد العجم العرب ووجهه بعضهم بأن الاماء يلدن الملوك فتصير الأم من جملة الرعية والملك سيد رعيته وهذا لإبراهيم الحربي وقربه بان الرؤساء في الصدر الأول كانوا يستنكفون غالبا من وطء الاماء ويتنافسون في الحرائر ثم انعكس الأمر ولا سيما في اثناء دولة بني العباس ولكن رواية ربتها بتاء التأنيث قد لا تساعد على ذلك ووجهه بعضهم بان إطلاق ربتها على ولدها مجاز لأنه لما كان سببا في عتقها بموت أبيه أطلق عليه ذلك وخصه بعضهم بأن السبي إذا كثر فقد يسبى الولد أولا وهو صغير ثم يعتق ويكبر ويصير رئيسا بل ملكا ثم تسبى أمه فيما بعد فيشتريها عارفا بها أو وهو لا يشعر أنها أمه فيستخدمها أو يتخذها موطوءة أو يعتقها ويتزوجها وقد جاء في بعض الروايات أن تلد الأمة بعلها وهي عند مسلم فحمل على هذه الصورة وقيل المراد ينوم المالك وهو أولى لتتفق الروايات الثاني أن تبيع السادة أمهات أولادهم ويكثر ذلك فيتداول الملاك المستولدة حتى يشتريها ولدها ولا يشعر بذلك وعلى هذا فالذي يكون من الاشراط غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد أو الاستهانة بالأحكام الشرعية فإن قيل هذه المسألة مختلف فيها فلا يصلح الحمل عليها لأنه لا جهل ولا استهانة عند القائل بالجواز قلنا يصلح أن يحمل على صورة اتفاقية كبيعها في حال حملها فإنه حرام بالإجماع الثالث وهو من نمط الذي قبله قال النووي لا يختص شراء الولد أمه بامهات الأولاد بل يتصور في غيرهن بأن تلد الأمة حرا من غير سيدها بوطء شبهة أو رقيقا بنكاح أو زنا ثم تباع الأمة في الصورة بيعا صحيحا وتدور في الأيدي حتى يشتريها ابنها أو ابنتها ولا يعكر على هذا تفسير محمد بن بشر بأن المراد السرارى لأنه تخصيص بغير دليل الرابع أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الاهانة بالسب والضرب والاستخدام فأطلق عليه ربها مجازا لذلك أو المراد بالرب المربي فيكون حقيقة وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها أخذت على فساد الأحوال مستغربة ومحصلة الآشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور بحيث يصير المربي مربيا والسافل عاليا وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى أن
[ 114 ]
تصير الحفاة ملوك الأرض تنبيهان أحدهما قال النووي ليس فيه دليل على تحريم بيع أمهات الأولاد ولا على جوازه وقد غلط من استدل به لكل من الامرين لأن الشئ إذا جعل علامة على شئ آخر لا يدل على حظر ولا إباحة الثاني يجمع بين ما في هذا الحديث من إطلاق الرب على السيد المالك في قوله ربها وبين ما في الحديث الآخر وهو في الصحيح لا يقل أحدكم أطعم ربك وضئ ربك أسق ربك وليقل سيدي ومولاي بأن اللفظ هنا خرج على سبيل المبالغة أو المراد بالرب هنا المربي وفي المنهي عنه السيد أو أن النهي عنه متأخر أو مختص بغير الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تطاول أي تفاخروا في تطويل البنيان وتكاثروا به قوله رعاة الإبل هو بضم الراء جمع راع كقضاة وقاض ورقيبا بضم الموحدة ووقع في رواية الأصيلي بفتحها ولا يتجه مع ذكر الإبل وإنما يتجه مع ذكر الشياه أو مع عدم الإضافة كما في رواية مسلم رعاء البهم وميم البهم في رواية البخاري يجوز ضمها على أنه صفة الرعاة ويجوز الكسر على أنها صفة الإبل يعني الإبل السود وقيل أنها شر الالوان عندهم وخيرها لاحمر التي ضرب بها المثل فقيل خير من حمر النعم ووصف الرعاة بالبهم إما لأنهم مجهولو الأنساب ومنه أبهم الأمر فهو مبهم إذا لم تعرف حقيقته وقال القرطبي الآولى أن يحمل على أنهم سود الالوان لأن الادمة غالب ألوانهم وقيل معناه أنهم لا شئ لهم كقوله صلى الله عليه وسلم يحشر الناس حفاة عراة بهما قال وفيه نظر لأنه قد نسب له الإبل ز فكيف يقال لا شئ لهم قلت يحمل على أنها إضافة اختصاص لا ملك وهذا هو الغالب أن الراعي يرعى لغيره بالأجرة وأما المالك فقل أن يباشر الرعي بنفسه قوله في التفسير وإذا كان الحفاة العراة زاد الاسماعيلي في روايته الصم البكم وقيل لهم ذلك مبالغة في وصفهم بالجهل أي لم يستعملوا أسماعهم ولا أبصارهم في الشئ من أمر دينهم وأن كانت حواسهم سليمة قوله رؤوس الناس أي ملوك الأرض وصرح به الاسماعيلي وفي رواية أبي فروة مثله والمراد بهم أهل البادية كما صرح به في رواية سليمان التيمي وغيره قال ما الحفاة العراة قال العرب وهو بالعين المهملة على التصغير وفي الطبراني من طريق أبي حمزة عن بن عباس مرفوعا من انقلاب الدين تفصح النبط واتخاذهم القصور في الأمصار قال القرطبي المقصود الإخبار عن تبدل الحال بأن يستولى أهل البادية على الأمر ويتملكوا البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم إلى تشييد البنيان والتفاخر به وقد شاهدنا ذلك في هذا الزمان ومنه الحديث الآخر لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع ومنه إذا وسد الأمر أي أسند إلى غير أهله فانتظروا الساعة وكلاهما في الصحيح قوله في خمس أي علم وقت الساعة انظر في جملة خمس وحذف متعلق الجار سائغ كما في قوله تعالى في تسع آيات أي أذهب إلى فرعون بهذه الآية في جملة تسع آيات وفي رواية عطاء الخراساني قال فمتى الساعة قال هي في خمس من الغيب لا يعلمها الا الله قال القرطبي لا مطمع لأحد في علم شئ من هذه الأمور الخمسة لهذا الحديث وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو بهذه الخمس وهو في الصحيح قال فمن ادعى علم شئ منها غير مسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كاذبا في دعواه قال وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا كان عن أمر عادي وليس ذلك بعلم وقد نقل بن عبد البر الإجماع على تحريم أخذ الأجرة والجعل واعطائها في ذلك وجاء عن بن مسعود قال أوتي
[ 115 ]
نبيكم صلى الله عليه وسلم علم كل شئ سوى هذه الخمس وعن بن عمر مرفوعا نحوه أخرجهما أحمد وأخرج حميد بن زنجويه عن بعض الصحابة أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل طهوره فأنكر عليه فقال إنما الغيب خمس وتلا هذه الآية وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم تنبيه تضمن الجواب زيادة على السؤال للاهتمام بذلك ارشادا للأمة لما يترتب على معرفة ذلك من المصلحة فإن قيل ليس في الآية أداة حصر كما في الحديث أجاب الطيبي بأن الفعل إذا كان عظيم الخطر وما ينبنى عليه الفعل رفيع الشأن فهم منه الحصر على سبيل الكناية ولا سيما إذا لوحظ ما ذكر في أسباب النزول من أن العرب كانوا يدعون علم نزول الغيث فيشعر بأن المراد من الآية نفى علمهم بذلك واختصاصه بالله سبحانه وتعالى فائدة النكتة في العدول عن الاثبات إلى النفي في قوله تعالى وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وكذا التعبير بالدراية دون العلم للمبالغة والتعميم إذ الدراية اكتساب علم الشئ بحيله فإذا انتفى ذلك عن كل نفس مع كونه من مختصاتها ولم أنكر منه على علم كان عدم اطلاعها على علم غير ذلك من باب أولى اه ملخصا من كلام الطيبي قوله الآية أي تلا الآية إلى آخر السورة وصرح بذلك الاسماعيلي وكذا في رواية عمارة ولمسلم إلى قوله خبير وكذا في رواية أبي فروة وأما ما وقع عند المؤلف في التفسير من قوله إلى الأرحام فهو تقصير من بعض الرواة والسياق يرشد إلى أنه تلا الآية كلها قوله ثم أدبر فقال ردوه زاد في التفسير فأخذوا ليردوه فلم يروه شيئا فيه أن الملك يجوز أن يتمثل لغير النبي صلى الله عليه وسلم فيراه ويتكلم بحضرته وهو يسمع وقد ثبت عن عمران بن حصين أنه كان يسمع كلام الملائكة والله أعلم قوله جاء يعلم الناس في التفسير ليعلم وللاسماعيلي أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا ومثله لعمارة وفي رواية أبي فروة والذي بعث محمدا بالحق ما كنت بأعلم به من رجل منكم وأنه لجبريل وفي حديث أبي عامر ثم ولي فلما لم نر طريقه قال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم والذي نفس محمد بيده ما جاءني قط الا وأنا أعرفه إلا أن تكون هذه المرة وفي رواية التيمي ثم نهض فولى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بالرجل فطلبناه كل مطلب فلم نقدر عليه فقال هل تدرون من هذا هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم خذوا عنه فوالذي نفسي بيده ما العطار على منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولي قال بن حبان تفرد سليمان التيمي بقوله خذوا عنه قلت وهو من الثقات الاثبات وفي قوله جاء ليعلم الناس دينهم إشارة إلى هذه الزيادة فما تفرد الا بالتصريح وإسناد التعليم إلى جبريل مجازى لأنه كان السبب في الجواب فلذلك أمر بالأخذ عنه واتفقت هذه الروايات على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة بشأنه بعد أن التمسوه فلم يجدوه وأما ما وقع عند مسلم وغيره من حديث عمر في رواية كهميس ثم انطلق قال عمر فلبثت ثم قال يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فأنه جبريل فقد جمع بين الكلب بعض الشراح بأن قوله فلبثت مليا أي زمانا بعد انصرافه فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمهم بذلك بعد مضى وقت ولكنه في ذلك المجلس لكن يعكر على هذا الجمع قوله في رواية النسائي والترمذي فلبثت ثلاثا لكن ادعى بعضهم فيها التصحيف وأن مليا صغرت ميمها فاشبهت ثلاثا لأنها تكتب بلا ألف وهذه الدعوى مردودة فإن في رواية أبي عوانة فلبثنا ليالي فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث ولابن حبان بعد ثالثة ولابن منده بعد
[ 116 ]
ثلاثة أيام وجمع النووي بين الحديثين بأن عمر لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس بل كان ممن قام إما مع الذين توجهوا في طلب الرجل أو لشغل آخر ولم يرجع مع من رجع لعارض عرض له فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال ولم يتفق الإخبار لعمر الا بعد ثلاثة أيام ويدل عليه قوله فلقيني وقوله فقال لي يا عمر فوجه الخطاب له وحده بخلاف إخباره الأول وهو جمع حسن تنبيهات الأول دلت الروايات التي ذكرناها على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما عرف أنه جبريل الا في آخر الحال وأن جبريل أتاه في صورة رجل حسن الهيئة لكنه غير معروف لديهم وأما ما وقع في رواية النسائي من طريق أبي فروة في آخر الحديث وإنه لجبريل نزل في صورة دحية الكلبي فإن قوله نزل في صورة دحية الكلبي وهو لأن دحية معروف عندهم وقد قال عمر ما يعرفه منا أحد وقد أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الإيمان له من الوجه الذي أخرجه منه النسائي فقال في آخره فأنه جبريل جاء ليعلكم دينكم حسب وهذه الرواية هي المحفوظة لموافقتها باقي الروايات الثاني قال بن المنير في قوله يعلمكم دينكم دلالة على أن السؤال الحسن يسمى علما وتعليما لأن جبريل لم يصدر منه سوى السؤال ومع ذلك فقد سماه معلما وقد اشتهر قولهم حسن السؤال نصف العلم ويمكن أن يؤخذ من هذا الحديث لأن الفائدة فيه انبنت على السؤال والجواب معا الثالث قال القرطبي هذا الحديث يصلح أن يقال له أم السنة لما تضمنه من جمل علم السنة وقال الطيبي لهذه النكتة استفتح به البغوي كتابيه المصابيح الحربي السنة اقتداء بالقرآن في افتتاحه بالفاتحة لأنها تضمنت علوم القرآن إجمالا وقال القاضي عياض اشتمل هذا الحديث على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداء وحالا ومآلا ومن أعمال الجوارح ومن إخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى أن علوم خالف كلها راجعة إليه ومتشعبة منه قلت ولهذا اشبعت القول في الكلام عليه مع أن الذي ذكرته وإن كان كثيرا لكنه بالنسبة لما يتضمنه قليل فلم أخالف طريق الاختصار والله الموفق قوله قال أبو عبد الله يعني المؤلف جعل ذلك كله من الإيمان أي الإيمان الكامل المشتمل على هذه الأمور كلها قوله باب كذا هو بلا ترجمة في رواية كريمة وأبي الوقت وسقط من رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما ورجح النووي الأول قال لأن الترجمة يعني سؤال جبريل عن الإيمان لا يتعلق بها هذا الحديث فلا يصح إدخاله فيه قلت نفى التعلق لا يتم هنا على الحالتين لأنه إن ثبت لفظ باب بلا ترجمة فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله فلا بد له من تعلق به وإن لم يثبت فتعلقه به متعين لكنه يتعلق بقوله في الترجمة جعل ذلك كله دينا ووجه التعلق أنه سمي الدين إيمانا في حديث هرقل فيتم مراد المؤلف يكون الدين هو الإيمان فإن قيل لا حجة له فيه لأنه منقول عن هرقل فالجواب أنه ما قاله من قبل اجتهاده وإنما أخبر به عن استقرائه من كتب الأنبياء كما قررناه فيما مضى وأيضا فهرقل قاله بلسانه الرومي وأبو سفيان عبر عنه بلسانه العربي وألقاه إلى بن عباس وهو من علماء اللسان فرواه عنه ولم ينكره فدل على أنه صحيح لفظا ومعنى وقد اقتصر المؤلف من حديث أبي سفيان الطويل الذي تكلمنا عليه في بدء الوحي على هذه القطعة لتعلقها بغرضه هنا وساقه في كتاب الجهاد تاما بهذا الإسناد الذي أورده هنا والله أعلم قوله باب فضل من استبرأ لدينه كأنه أراد أن يبين أن الورع من مكملات الإيمان فلهذا
[ 117 ]
أورد حديث الباب في أبواب الإيمان قوله حدثنا زكريا هو بن أبي زائدة واسم أبي زائدة خالد بن ميمون الوداعي قوله عن عامر هو الشعبي الفقيه المشهور ورجال الإسناد كوفيون وقد دخل النعمان الكوفة وولي إمرتها ولأبي عوانة في صحيحه من طريق أبي حريز وهو بفتح الحاء المهملة وآخره زاي عن الشعبي أن النعمان بن بشير خطب به بكار وفي رواية لمسلم أنه خطب به بحمص ويجمع بينهما بأنه سمع منه مرتين فإنه ولي إمرة البلدين واحدة بعد أخرى وزاد مسلم والاسماعيلي من طريق زكريا فيه وأهوى النعمان بأصبعه إلى أذنيه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وفي هذا رد لقول الواقدي ومن تبعه أن النعمان لا يصح سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على صحة تحمل الصبي المميز لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات وللنعمان ثمان سنين وزكرياء موصوف بالتدليس ولم أره في الصحيحين وغيرهما من روايته عن الشعبي الا معنعنا ثم وجدته في فوائد بن أبي الهيثم من طريق يزيد بن هارون عن زكريا حدثنا الشعبي فحصل الأمن من تدليسه فائدة ادعى أبو عمرو الداني أن هذا الحديث لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير النعمان بن بشير فإن أراد من وجه صحيح فمسلم وإلا فقد رويناه من حديث بن عمر وعمار في الأوسط للطبراني ومن حديث بن عباس في الكبير له ومن حديث وائلة في الترغيب للاصبهاني وفي أسانيدها مقال وادعى أيضا أنه لم يروه عن النعمان غير الشعبي وليس كما قال فقد رواه عن النعمان أيضا خيثمة بن عبد الرحمن عند أحمد وغيره وعبد الملك بن عمير عند أبي عوانة وغيره وسماك بن حرب عند الطبراني لكنه مشهور عن الشعبي رواه عنه جمع جم من الكوفيين ورواه عنه من البصريين عبد الله بن عون وقد ساق البخاري إسناده في البيوع ولم يسق يسير وساقه أبو داود وسنشير إلى ما فيه من فائدة إن شاء الله تعالى قوله الحلال بين والحرام بين أي في عينهما ووصفهما بأدلتهما الظاهرة قوله وبينهما مشبهات بوزن مفعلات بتشديد العين المفتوحة وهي في رواية مسلم أي شبهت بغيرها مما لم يتبين به حكمها على التعيين وفي رواية الاصيلى مشتبهات بوزن مفتعلات بتاء مفتوحة وعين خفيفة مكسورة وهي رواية بن ماجة وهو لفظ بن عون والمعنى أنها موحدة اكتسبت الشبه من وجهين متعارضين ورواه الدارمي عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ وبينهما متشابهات قوله لا يعلمها كثير من الناس أي لا يعلم حكمها وجاء واضحا في رواية الترمذي بلفظ لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام ومفهوم قوله كثير أن معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من الناس وهم المجتهدون فالشبهات على هذا في حق غيرهم وقد أنكر له حيث لا يظهر له ترجيح أحد الدليلين قوله فمن اتقى المشبهات أي حذر منها والاختلاف في لفظها بين الرواة وكما التي قبلها لكن عند مسلم والاسماعيلي الشبهات بالضم جمع شبهة قوله استبرأ بالهمز بوزن استفعل من البراءة أي برأ دينه من النقص وعرضه من الطعن فيه لأن من لم يعرف باجتناب الشبهات لم يسلم لقول من يطعن فيه وفيه دليل على أن من لم يتوق الشبهة في كسبه ومعاشه فقد عرض نفسه للطعن فيه وفي هذا إشارة إلى المحافظة أمور الدين ومراعاة المروءة قوله ومن وقع في الشبهات فيها أيضا ما تقدم من اختلاف الرواة واختلف في حكم الشبهات فقيل التحريم وهو مردود وقيل الكراهة وقيل الوقف وهو
[ 118 ]
كالخلاف فيما قبل الشرع وحاصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء أحدها تعارض الأدلة كما تقدم ثانيها اختلاف العلماء وهي منتزعة من الأولى ثالثها أن المراد بها مسمى المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك رابعها أن المراد بها المباح ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى بأن يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته راجح الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج ونقل بن المنير في مناقب شيخه القبارى عنه أنه كان يقول المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام والمباح عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه وهو منزع حسن ويؤيده رواية بن حبان من طريق ذكر مسلم إسنادها ولم يسق لفظها فيها من الزيادة اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه ومن وذمتهم فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه والمعنى أن الحلال حيث يخشى أن يؤل فعله مطلقا إلى مكروه أو محرم ينبغي اجتنابه كالاكثار مثلا من الطيبات فأنه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق أو يفضى إلى بطر النفس وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول على ما سأذكره ولا يبعد أن يكون كل من الأوجه مرادا ويختلف ذلك باختلاف الناس فالعالم الفطن لا يخفى عليه تمييز الحكم فلا يقع له ذلك الا في الاستكثار من المباح أن المكروه كما تقرر قبل ودونه أنكر له الشبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال ولا يخفى أن المستكثر من المكروه تصير فيه جرأة على ارتكاب المنهي في الجملة أو يحمله اعتياده ارتكاب المنهي غير المحرم على ارتكاب المنهي المحرم إذا كان من جنسه أو يكون ذلك لشبهة فيه وهو أن من تعاطى ما نهى عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع في الحرام ولو لم يختر الوقوع فيه ووقع عند المصنف في البيوع من رواية أبي فروة عن الشعبي في هذا الحدود فمن تر ك ما العطار عليه من الإثم كان لما استبان له أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان وهذا يرجح الوجه الأول كما أشرت إليه تنبيه استدل به بن المنير على جواز بقاء المجمل بعد النبي صلى الله عليه وسلم وفي الاستدلال بذلك نظر الا إن أراد به أنه مجمل في حق بعض دون بعض أو أراد الرد على منكري القياس فيحتمل ما قال والله أعلم قوله كراع يرعى هكذا في جميع نسخ البخاري محذوف جواب الشرط إن اعربت من شرطية وقد ثبت المحذوف في رواية الدارمي عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فقال ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى ويمكن اعراب من في سياق البخاري موصولة فلا يكون فيه حذف إذ التقدير والذي وقع في الشبهات مثل راع يرعى والأولى أولى لثبوت المحذوف في صحيح مسلم وغيره من طريق زكريا التي أخرجه منها المؤلف وعلى هذا فقوله كراع يرعى جملة مستأنفة وردت على سبيل التمثيل للتنبيه بالشاهد على الغائب والحمى المحمي أطلق المصدر على اسم المفعول وفي اختصاص التمثيل بذلك نكتة وهي أن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة فمثل لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم فلينتظرها من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن أنكر مواشيه في شئ منه فبعده أسلم له ولو أشتد حذره
[ 119 ]
وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن تنفرد الفاذة فتقع فيه بغير اختياره أو يمحل المكان الذي هو فيه ويقع الخصب في الحمى فلا يملك نفسه أن يقع فيه فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقا وحماه محارمه تنبيه ادعى بعضهم أن التمثيل من كلام الشعبي وأنه مدرج في الحديث حكى ذلك أبو عمرو الداني ولم أقف على دليله الا ما وقع عند بن الجارود والاسماعيلي من رواية بن عون عن الشعبي قال بن عون في آخر الحديث لا أدري المثل من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول الشعبي قلت وتردد بن عون في رفعه لا يستلزم كونه مدرجا لأن الاثبات قد جزموا باتصاله ورفعه فلا يقدح شك بعضهم فيه وكذلك سقوط المثل من رواية بعض الرواة كأبي فروة عن الشعبي لا يقدح فيمن أثبته لأنهم حفاظ ولعل هذا هو السر في حذف البخاري قوله وقع في الحرام ليصير ما قبل المثل مرتبطا به فيسلم من دعوى الادراج ومما يقوي عدم الادراج رواية بن حبان الماضية وكذا ثبوت المثل مرفوعا في رواية بن عباس وعمار بن ياسر أيضا قوله ألا إن حمى الله في أرضه محارمه سقط في أرضه من رواية المستملى وثبتت الواو في قوله ألا وأن حمى الله في رواية غير أبي ذر والمراد بالمحارم فعل المنهي المحرم أو ترك المأمور الواجب ولهذا وقع في رواية أبي فروة التعبير بالمعاصي بدل المحارم وقوله الا للتنبيه على صحة ما بعدها وفي اعادتها وتكريرها دليل على عظم شأن مدلولها قوله مضغة أي قدر ما يمضع وعبر بها هنا عن مقدار القلب في الرؤية وسمي القلب قلبا لتقلبه في الأمور أو لأنه خالص ما في البدن وخالص كل شئ قلبه أو لأنه وضع في الجسد مقلوبا وقوله إذا صلحت وإذا فسدت هو بفتح عينهما وتضم في المضارع وحكى الفراء الضم في ماضي صلح وهو يضم وفاقا إذا صار له الصلاح هيئة لازمة لشرف ونحوه والتعبير بإذا لتحقق الوقوع غالبا وقد تأتي بمعنى إن كما هنا وخص القلب بذلك لأنه أمير البدن وبصلاح الأمير تصلح الرعية وبفساده تفسد وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على صلاحه والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرا فيه والمراد المتعلق به من الفهم الذي ركبه الله فيه ويستدل به على أن العقل في القلب ومنه قوله تعالى فتكون لهم قلوب يعقلون بها وقوله تعالى إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب قال المفسرون أي عقل وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره فائدة لم أنكر هذه الزيادة التي أولها الا وأن في الجسد مضغة الا في رواية الشعبي ولا هي في أكثر الروايات عن الشعبي إنما تفرد بها في الصحيحين زكريا المذكور عنه وتابعه مجاهد عند أحمد ومغيرة وغيره عند الطبراني وعبر في بعض رواياته عن الصلاح والفساد بالصحة والسقم ومناسبتها لما قبلها بالنظر إلى أن الأصل في الاتقاء والوقوع هو ما كان بالقلب لأنه عماد البدن وقد عظم العلماء أمر هذا الحديث فعدوه رابع أربعة تدور عليها الأحكام كما نقل عن أبي داود وفيه البيتان المشهوران وهما عمدة الدين عندنا كلمات مسندات من قول خير البرية أترك المشبهات وازهد ودع ما ليس يعينك واعملن بنيه والمعروف عن أبي داود عد ما نهيتكم عنه فاجتنبوه الحديث بدل أزهد فيما في أيدي الناس وجعله بعضهم ثالث ثلاثة حذف الثاني وأشار بن العربي إلى أنه يمكن أن ينتزع منه وحده جميع الأحكام قال القرطبي لأنه أشتمل على التفصيل بين الحلال وغيره وعلى تعلق جميع
[ 120 ]
الأعمال بالقلب فمن هنا يمكن أن ترد جميع الأحكام إليه والله المستعان قوله باب أداء الخمس من الإيمان هو بضم الخاء المعجمة وهو المراد بقوله تعالى واعلموا أن ما غنمتم من شئ فإن لله خمسة الآية وقيل إنه روى هنا بفتح الخاء والمراد قواعد الإسلام الخمس المذكورة في حديث بني الإسلام على خمس وفيه بعد لأن الحج لم يذكر هنا ولأن غيره من القواعد قد تقدم ولم يرد هنا إلا ذكر خمس الغنيمة فتعين أن يكون المراد إفراده بالذكر وسنذكر وجه كونه من الإيمان قريبا قوله عن أبي جمرة هو بالجيم والراء كما تقدم واسمه نصر بن عمران بن نوح بن مخلد الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة من بني ضبيعة بضم أوله مصغرا وهم بطن من عبد القيس كما جزم به الرشاطي وفي بكر بن وائل بطن يقال لهم بنو ضبيعة أيضا وقد وهم من نسب أبا جمرة إليهم من شراح البخاري فقد روى الطبراني وابن منده في ترجمة نوح بن مخلد جد أبي جمرة أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ممن أنت قال من ضبيعة ربيعة فقال خير ربيعة عبد القيس ثم الحي الذين أنت منهم قوله كنت أقعد مع بن عباس بين المصنف في العلم من رواية غندر عن شعبة السبب في إكرام بن عباس له ولفظه كنت اترجم بين بن عباس وبين الناس قال بن الصلاح أصل الترجمة التعبير عن لغة بلغة وهو عندي هنا أعم من ذلك وأنه كان يبلغ كلام بن عباس إلى من خفي عليه ويبلغه كلامهم إما لزحام أو لقصور فهم قلت الثاني أظهر لأنه كان جالسا معه على سريره فلا فرق في الزحام بينهما الا أن يحمل على أن بن عباس كان في صدر السرير وكان أبو جمرة في طرفه الذي يلي من يترجم عنهم وقيل إن أبا جمرة كان يعرف الفارسية فكان يترجم لابن عباس بها قال القرطبي فيه دليل على أن بن عباس كان يكتفى في الترجمة بواحد قلت وقد بوب عليه البخاري في أواخر كتاب الأحكام كما سيأتي واستنبط منه بن التين جواز أخذ الأجرة على التعليم لقوله حتى أجعل لك سهما من مالكا وفيه نظر لاحتمال أن يكون اعطاؤه ذلك كان بسبب الرؤيا التي رآها في العمرة قبل الحج كما سيأتي عند المصنف صريحا في الحج وقال غيره هو أصل في اتخاذ المحدث المستملى قوله ثم قال إن وقد عبد القيس بين مسلم من طريق غندر عن شعبة السبب في تحديث بن عباس لأبي جمرة بهذا الحديث فقال بعد قوله وبين الناس فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر فنهى عنه فقلت يا بن عباس إني أنتبذ في جرة خضراء نبيذا حلوا فأشرب منه فتقرقر بطني قال لا تشرب منه وإن كان أحلى من العسل وللمصنف في أواخر المغازي من طريق قرة عن أبي جمرة قال قلت لابن عباس إن لي جرة أنتبذ فيها فأشربه حلوا إن أكثرت منه فجالست القوم فأطلت الجلوس خشيت أن افتضح فقال قدم وقد عبد القيس فلما كان أبو جمرة من عبد القيس وكان حديثهم يشتمل على النهى عن الانتباذ في الجرار ناسب أن يذكره له وفي هذا دليل على أن بن عباس لم يبلغه نسخ تحريم الانتباذ في الجرار وهو ثابت من حديث بريدة بن الحصيب عند مسلم وغيره قال القرطبي فيه دليل على أن للمفتي أن يذكر الدليل مستغنيا به عن التنصيص على جواب الفتيا إذا كان السائل بصيرا بموضع الحجة قوله لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال من القوم أو من الوفد الشك من أحد الرواة إما أبو جمرة أو من دونه وأظنه شعبة فأنه في رواية قرة وغيره بغير شك وأغرب الكرماني فقال الشك من بن عباس قال النووي الوفد الجماعة المختارة للتقدم في لقي العظماء واحدهم وافد قال ووفد عبد القيس المذكورون
[ 121 ]
كانوا أربعة عشر راكبا كبيرهم الأشج ذكره صاحب التحرير في شرح مسلم وسمي منهم المنذر بن عائذ وهو الأشج المذكور ومنقذ بن حبان ومزيدة بن مالك وعمرو بن مرحوم والحارث بن شعيب وعبيدة بن همام والحارث بن جندب وصحار بن العباس وهو بصاد مضمومة وحاء مهملتين قال ولم نعثر بعد المريض التتبع على أسماء الباقين قلت قد ذكر بن سعد منهم عقبة بن جروة وفي سنن أبي داود قيس بن النعمان العبدي وذكره الخطيب أيضا في المبهمات وفي مسند البزار وتاريخ بن أبي خيثمة الجهم بن قثم ووقع ذكره في صحيح مسلم أيضا لكن لم يسمه وفي مسندي أحمد وابن أبي شيبة الرستم العبدي وفي المعرفة لأبي نعيم جويرية العبدي وفي الأدب للبخاري الزارع بن عامر العبدي فهؤلاء الستة الباقون من العدد وما ذكر من أن الوفد كانوا أربعة عشر راكبا لم يذكر دليله وفي المعرفة لابن منده من طريق هود العصري وهو بعين وصاد مهملتين مفتوحتين نسبة آل عصر بطن من عبد القيس عن جده لأمه مزيدة قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ قال لهم سيطلع لكم من هذا الوجه ركب هم خير أهل المشرق فقام عمر فلقى ثلاثة عشر راكبا فرحب وقرب وقال من القوم قالوا وفد عبد القيس فيمكن أن يكون أحد المذكورين كان غير راكب أو مرتدفا وأما ما رواه الدولابي وغيره من طريق أبي خيرة بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتانية وبعد الراء هاء الصباحي وهو بضم الصاد المهملة بعدها موحدة خفيفة وبعد الألف حاء الركعة نسبة إلى صباح بطن من عبد القيس قال كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وفد عبد القيس وكنا أربعين رجلا فنهانا عن الدباء والنقير الحديث فيمكن أن يجمع بينه وبين الرواية الأخرى بأن الثلاثة عشر كانوا رؤوس الوفد ولهذا كانوا ركبانا وكان الباقون أتباعا وقد وقع في جملة الأخبار ذكر جماعة من عبد القيس زيادة على من سميته هنا منهم أخو الزارع واسمه مطر وابن أخته ولم يسم وروى ذلك البغوي في معجمه ومنهم مشمرج السعدي روى حديثه بن السكن وأنه قدم مع وفد عبد القيس ومنهم جابر بن الحارث وخزيمة بن عبد بن عمرو وهمام بن ربيعة وجارية أوله جيم بن جابر ذكرهم بن شاهين في معجمه ومنهم نوح بن مخلد جد أبي جمرة وكذا أبو خيرة الصباحي كما تقدم وإنما أطلت في هذا الفصل لقول صاحب التحرير إنه لم يظفر بعد المريض التتبع إلا بما ذكرهم قال بن أبي جمرة في قوله من القوم دليل على استحباب سؤال القاصد عن نفسه ليعرف فينزل منزلته قوله قالوا ربيعة فيه التعبير عن البعض بالكل لأنهم بعض ربيعة وهذا من بعض الرواة فإن عند المصنف في الصلاة من طريق عباد عن أبي جمرة فقالوا إن هذا الحي من ربيعة قال بن الصلاح الحي منصوب على الاختصاص والمعنى إنا هذا الحي حي من ربيعة قال والحى هو اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض قوله مرحبا هو منصوب بفعل مضمر أي صادفت رحبا بضم الراء أي سعة والرحب بالفتح الشئ الواسع وقد يزيدون معها أهلا أي وجدت أهلا فأستأنس وأفاد العسكري أن أول من قال مرحبا سيف بن ذي يزن وفيه دليل على استحباب تأنيس القادم وقد تكرر ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ففي حديث أم هانئ مرحبا بأم هانئ وفي قصة عكرمة بن أبي جهل مرحبا بالراكب المهاجر وفي قصة فاطمة مرحبا بابنتي وكلها صحيحة وأخرج
[ 122 ]
النسائي من حديث عاصم بن بشير الحارثي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما دخل فسلم عليه مرحبا وعليك السلام قوله غير خزايا بنصب غير على الحال وروى بالكسر على الصفة والمعروف الأول قاله النووي ويؤيده رواية المصنف في الأدب من طريق أبي التياح عن أبي جمرة مرحبا بالوفد الذين جاءوا غير خزايا ولا ندامى وخزايا جمع خزيان وهو الذي أصابه خزي والمعنى أنهم أسلموا طوعا من غير حرب أو سبي يخزيهم ويفضحهم قوله ولا ندامى قال الخطابي كان أصله نادمين جمع نادم لأن ندامى إنما هو جمع ندمان أي المنادم في اللهو وقال الشاعر فإن كنت ندماني فبالاكبر اسقني لكنه هنا خرج على الأتباع كما قالوا العشايا والغدايا وغداة جمعها الغدوات لكنه أتبع انتهى وقد حكى القزاز والجوهري وغيرهما من أهل اللغة أنه يقال نادم وندمان في الندامة بمعنى فعلى هذا فهو على الأصل ولا أتباع فيه والله أعلم ووقع في رواية النسائي من طريق قرة فقال مرحبا بالوفد ليس الخزايا ولا النادمين وهي للطبراني من طريق شعبة أيضا قال بن أبي جمرة بشرهم بالخير عاجلا وآجلا لأن الندامة إنما تكون في العاقبة فإذا انتفت ثبت ضدها وفيه دليل على جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الفتنة قوله فقالوا يا رسول الله فيه دليل على أنهم كانوا حين المقابلة مسلمين وكذا في قولهم كفار مضر وفي قولهم الله ورسوله أعلم قوله الا في الشهر الحرام وللأصيلي وكريمة الا في شهر الحرام وهي رواية مسلم وهي من إضافة الشئ إلى نفسه كمسجد الجامع ونساء المؤمنات والمراد بالشهر الحرام الجنس فيشمل الأربعة الحرم ويؤيده رواية قرة عند المؤلف في المغازي بلفظ الا في أشهر الحرم ورواية حماد بن زيد عنده في المناقب بلفظ إلا في كل شهر حرام وقيل اللازم للعهد والمراد شهر رجب وفي رواية للبيهقي التصريح به وكانت مضر تبالغ في تعظيم شهر رجب فلهذا أضيف إليهم في حديث أبي بكرة حيث قال رجب مضر كما سيأتي والظاهر أنهم كانوا يخصونه بمزيد التعظيم مع تحريمهم القتال في الأشهر الثلاثة الأخرى إلا أنهم ربما أنسأوها بخلافه وفيها دليل على تقدم إسلام عبد القيس على قبائل مضر الذين كانوا بينهم وبين المدينة وكانت مساكن عبد القيس بالبحرين وما والاها من أطراف العراق ولهذا قالوا كما في رواية شعبة عند المؤلف في العلم وإنا نأتيك من شقة بعيدة قال بن قتيبة الشقة السفر وقال الزجاج هي الغاية التي تقصد ويدل على سبقهم إلى الإسلام أيضا ما رواه المصنف في الجمعة من طريق أبي جمرة أيضا عن بن عباس قال أن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين وجواثى بضم الجيم وبعد الألف مثلثة مفتوحة وهي قرية شهيرة لهم وإنما جمعوا بعد رجوع وفدهم إليهم فدل على أنهم سبقوا جميع القرى إلى الإسلام قوله بأمر فصل بالتنوين فيهما لا بالإضافة والأمر واحد الاوامر أي مرنا بعمل بواسطة افعلوا ولهذا قال الراوي أمرهم وفي رواية حماد بن زيد وغيره عند المؤلف قال النبي صلى الله عليه وسلم آمركم وله عن أبي التياح بصيغة افعلوا والفصل بمعنى الفاصل كالعدل بمعنى العادل أي يفصل بين الحق والباطل أو بمعنى المفصل أي المبين المكشوف حكاه الطيبي وقال الخطابي الفصل أبين وقيل المحكم قوله نخبر به بالرفع على الصفة لأمر وكذا قوله وندخل ويروي بالجزم فيهما على أنه جواب الأمر وسقطت
[ 123 ]
الواو من وندخل في بععض الروايات فيرفع تخبر ويجزم الخطبة قال بن أبي جمرة فيه دليل على ابداء العذر عند العجز عن توفية الحق واجبا أو مندوبا وعلى أنه يبدأ بالسؤال عن الأهم وعلى أن الأعمال الصالحة الخطبة الجنة إذا قبلت وقبولها يقع برحمة الله كما تقدم قوله فأمرهم بأربع أي خصال أو جمل لقولهم حدثنا بجمل من الأمر وهي رواية قرة عند المؤلف في المغازي قال القرطبي قيل إن أول الأربع المأمور بها أقام الصلاة وإنما ذكر الشهادتين تبركا بهما كما قيل في قوله تعالى واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وإلى هذا نحا الطيبي فقال عادة البلغاء أن الكلام إذا كان منصوبا لغرض جعلوا سياقه له وطرحوا ما عداه وهنا لم يكن الغرض في الإيراد ذكر الشهادتين لأن القوم كانوا مؤمنين مقرين بكلمتي الشهادة ولكن ربما كانوا يظنون أن الإيمان مقصور عليهما كما كان الأمر في صدر الإسلام قال فلهذا لم يعد الشهادتين في الأوامر قيل ولا يرد على هذا الإتيان بحرف العطف فيحتاج إلى تقدير وقال القاضي أبو بكر بن العربي لولا وجود حرف العطف لقلنا إن ذكر الشهادتين ورد على سبيل التصدير لكن يمكن أن يقرأ قوله وإقام الصلاة بالخفض فيكون عطفا على قوله أمرهم بالإيمان والتقدير أمرهم بالإيمان مصدرا به وبشرطه من الشهادتين وأمرهم بإقام الصلاة الخ قال ويؤيد هذا حذفهما في رواية المصنف في الأدب من طريق أبي التياح عن أبي جمرة ولفظه أربع وأربع أقيموا الصلاة الخ فإن قيل ظاهر ما ترجم به المصنف من أن أداء الخمس من الإيمان يقتضى إدخاله مع باقي الخصال في تفسير الإيمان والتقدير المذكور يخالفه آداب بن رشيد بأن المطابقة تحصل من جهة أخرى وهي أنهم سألوا عن الأعمال التي يدخلون بها الجنة واجيبوا بأشياء منها أداء الخمس والأعمال التي الخطبة الجنة هي أعمال الإيمان فيكون أداء الخمس من الإيمان بذا التقرير فإن قيل فكيف قال في رواية حماد بن زيد عن أبي جمرة آمركم بأربع الإيمان بالله وشهادة أن لا إله الا الله وعقد واحدة كذا للمؤلف في المغازي وله في فرض الخمس وعقد بيده فدل على أن الشهادة إحدى الأربع وأما ما وقع عنده في الزكاة من هذا الوجه من زيادة الواو في قوله وشهادة أن لا إله الا الله فهي زيادة شاذة لم يتابع عليها حجاج بن منهال أحد والمراد بقوله شهادة أن لا إله الا الله أي وأن محمد رسول الله كما صرح به في رواية عباد بن عباد في أوائل المواقيت ولفظه آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله ثم فسرها له شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الحديث والاقتصار على شهادة أن لا إله الا الله على إرادة الشهادتين معا لكونها صارت علما على ذلك كما تقدم تقريره في باب زيادة الإيمان وهذا أيضا يدل على أنه عد الشهادتين من الأربع لأنه أعاد الضمير في قوله ثم فسره مؤنثا فيعود على الأربع ولو أراد تفسير الإيمان لأعادة مذكرا وعلى هذا فيقال كيف قال أربع والمذكورات خمس وقد أجاب عنه القاضي عياض تبعا لابن بطال بأن الأربع ما عدا أداء الخمس قال كأنه أراد اعلامهم بقواعد الإيمان وفروض الأعيان ثم أعلمهم بما يلزمهم إخراجه إذا وقع له جهاد لأنهم كانوا بصدد محاربة كفار مضر ولم يقصد ذكرها بعينها لأنها مسببة عن الجهاد ولم يكن الجهاد إذ ذاك فرض عين قال وكذلك لم يذكر الحج لأنه لم يكن فرض وقال غيره قوله وأن تعطوا معطوف على قوله بأربع أي آمركم بأربع وبأن تعطوا ويدل عليه العدول عن سياق الأربع والاتيان بأن والفعل مع توجه
[ 124 ]
الخطاب إليهم قال بن التين لا يمتنع الزيادة إذا حصل الوفاء بوعد الأربع قلت ويدل على ذلك لفظ رواية مسلم من حديث أبي سعيد الخدري في هذه القصة آمركم بأربع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا الخمس من الغنائم وقال القاضي أبو بكر بن العربي ويحتمل أن يقال إنه عد الصلاة والزكاة واحدة لأنها قرينتها في كتاب الله وتكون الرابعة أداء الخمس أو أنه لم يعد أداء الخمس لأنه انظر في عموم ايتاء الزكاة والجامع بينهما أنهما إخراج مال معين في حال دون حال وقال البضاوى الظاهر أن الأمور الخمسة المذكورة هنا تفسير للإيمان وهو أحد الأربعة الموعود بذكرها والثلاثة الأخر حذفها الراوي اختصارا أو نسيانا كذا قال وما ذكر أنه الظاهر لعله بحسب ما ظهر له وإلا فالظاهر من السياق أن الشهادة أحد الأربع لقوله وعقد واحدة وكأن القاضي أراد أن يرفع الاشكال من كون الإيمان واحدا والموعود بذكره أربعا وقد أجيب عن ذلك بأنه باعتبار اجزائه المفصلة أربع وهو في حد ذاته واحد والمعنى أنه اسم جامع للخصال الأربع التي ذكر أنه يأمرهم بها ثم فسرها فهو واحد بالنوع متعدد بحسب وظائفه كما أن المنهي عنه وهو الانتباذ فيما يسرع إليه الإسكار واحد بالنوع متعدد بحسب أوعيته والحكمة في الإجمال بالعدد قبل التفسير أن تتشوف النفس إلى التفصيل ثم تسكن إليه وأن يحصل حفظها للسامع فإذا نسي شيئا من تفاصيلها طالب نفسه بالعدد فإذا لم يستوف العدد الذي في حفظه علم أنه قد فاته بعض ما سمع وما ذكره القاضي عياض من أن السبب في كونه لم يذكر الحد في الحديث لأنه لم يكن فرض هو المعتمد وقد قدمنا الدليل على قدم اسلامهم لكن جزم القاضي بأن قدومهم كان في سنة ثمان قبل فتح مكة تبع فيه الواقدي وليس بجيد لأن فرض الحج كان سنة ست على الأصح كما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى ولكن القاضي يختار أن فرض الحج كان سنة تسع حتى لايرد على مذهبه أنه على الفور اه وقد احتج الشافعي لكونه على التراخي بأن فرض الحج كان بعد الهجرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قادرا على الحج في سنة ثمان وفي سنة تسع ولم يحج الا في سنة عشر وأما قول من قال إنه ترك ذكر الحج لكونه على التراخي فليس بجيد لأن كونه على التراخي لا يمنع من الأمر به وكذا قول من قال إنما تركه لشهرته عندهم ليس بقوي لأنه عند غيرهم ممن ذكره لهم أشهر منه عندهم وكذا قول من قال إن ترك ذكره لأنهم لم يكن لهم إليه سبيل من أجل كفار مضر ليس بمستقيم لأنه لا يلزم من عدم الاستطاعة في الحال ترك الأخبار به ليعمل به عند الإمكان كما في الآية بل دعوى أنهم كانوا لا سبيل لهم إلى الحج ممنوعة لأن الحج يقع في الأشهر الحرم وقد ذكروا أنهم كانوا يأمنون فيها لكن يمكن أن يقال إنه إنما أخبرهم ببعض الاوامر لكونهم سألوه أن يخبرهم بما يدخلون بفعله الجنة فاقتصر لهم على ما يمكنهم فعله في الحال ولم يقصد إعلامهم بجميع الأحكام التي تجب عليهم فعلا وتركا ويدل على ذلك اقتصاره في المناهى على الانتباذ في الأوعية مع أن في المناهي ما هو أشد في التحريم من الانتباذ لكن اقتصر عليها لكثرة تعاطيهم لها وأما ما وقع في كتاب الصيام من السنن الكبرى للبيهقي من طريق أبي قلابة الرقاشي عن أبي زيد الهروي عن قرة في هذا الحديث من زيادة ذكر الحج ولفظه وتحجوا البيت الحرام ولم يتعرض لعدد فهي رواية شاذة وقد أخرجه الشيخان ومن أستخرج عليهما والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من طريق قرة لم يذكر أحد منهم
[ 125 ]
الحج وأبو قلابة تغير حفظه في آخر أمره فلعل هذا مما حدث به في التغير وهذا بالنسبة لرواية أبي جمرة وقد ورد ذكر الحج أيضا في مسند الإمام أحمد من رواية أبان العطار عن قتادة عن سعيد بن المسيب وعن عكرمة عن أبي عباس في قصة وفد عبد القيس وعلى تقدير أن يكون ذكر الحج فيه محفوظا فيجمع في الجواب عنه بين الجوابين المتقدمين فيقال المراد بالاربع ما عدا الشهادتين وأداء الخمس والله أعلم قوله ونهاهم عن أربع عن الحنتم الخ في جواب قوله وسألوه عن الأشربة هو من إطلاق المحل وإرادة الحال أي ما في الحنتم ونحوه وصرح بالمراد في رواية النسائي من طريق قرة فقال وأنهاكم عن أربع ما ينتبذ في الحنتم الحديث والحنتم بفتح المهملة وسكون النون وفتح المثناة من فوق هي الجرة كذا فسرها بن عمر في صحيح مسلم وله عن أبي هريرة الحنتم الجرار الخضر وروى الحربي في الغريب عن عطاء أنها جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم والدباء بضم المهملة وتشديد الموحدة والمد هو القرع قال النووي والمراد اليابس منه وحكى القزاز فيه القصر والنقير بفتح النون وكسر القاف أصل النخلة ينقر فيتخذ منه وعاء والمزفت بالزاى والفاء ما طلى بالزفت والمقير بالقاف والياء الأخير ما طلى بالقار ويقال له القير وهو نبت يحرق إذا يبس تطلى به السفن وغيرها كما تطلى بالزفت قاله صاحب المحكم وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي بكرة قال أما الدباء فإن أهل الطائف كانوا يأخذون القرع فيخرطون فيه العنب ثم يدفنونه حتى يهدر ثم يموت وأما النقير فإن أهل اليمامة كانوا ينقرون أصل النخلة ثم ينبذون الرطب والبسر ثم يدعونه حتى يهدر ثم يموت واما الحنتم فجرار كانت تحمل إلينا فيها الخمر وأما المزفت فهذه الأوعية التي فيها الزفت انتهى وإسناده حسن وتفسير الصحابي أولى أن يعتمد عليه من غيره لأنه أعلم بالمراد ومعنى النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها لأنه يسرع فيها الإسكار فربما شرب منها من لا يشعر بذلك ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهى عن شرب كل مسكر كما سيأتي في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى قوله وأخبروا بهن من وراءكم بفتح من وهي موصولة ووراءكم يشمل من جاءوا من عندهم وهذا باعتبار المكان ويشمل من يحدث لهم من الأولاد وغيرهم وهذا باعتبار الزمان فيحتمل إعمالها في المعنيين معا حقيقة ومجازا واستنبط منه المصنف الاعتماد على أخبار الاحاد على ما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى قوله باب ما جاء أي باب بيان ما ورد دالا على أن الأعمال الشرعية معتبرة بالنية والحسبة والمراد بالحسبة طلب النصارى ولم يأت بحديث يسير الأعمال بالنية والحسبة وإنما استدل بحديث عمر على أن الأعمال بالنية وبحديث أبي مسعود على أن الأعمال بالحسبة وقوله ولكل أمرئ ما نوى هو بعض حديث الأعمال بالنية وإنما أدخل قوله والحسبة بين الجملتين للإشارة إلى أن الثانية تفيد مالا تفيد الأولى قوله فدخل فيه هو من مقول المصنف وليس بقية مما ورد وقد أفصح بن عساكر في روايته بذلك فقال قال أبو عبد الله يعني المصنف والضمير في فيه يعود على الكلام المتقدم وتوجيه دخول النية في الإيمان على طريقة المصنف أن الإيمان عمل كما تقدم شرحه وأما الإيمان بمعنى التصديق فلا يحتاج إلى نية كسائر أعمال القلوب من خشية الله وعظمته ومحبته والتقرب إليه لأنها متميزة لله تعالى فلا تحتاج لنية تميزها لأن النية إنما تميز العمل لله عن العمل لغيره رياء وتميز مراتب الأعمال كالفرض
[ 126 ]
عن الندب وتميز العبادة عن العادة كالصوم عن الحمية قوله والوضوء أشار به إلى خلاف من لم يشترط في النية كما نقل عن الأوزاعي وأبي حنيفة وغيرهما وحجتهم أنه ليس عبادة مستقله بل وسيله إلى عبادة كالصلاة ونوقضوا بالتيممم فإنه وسيلة وقد اشترط الحنفية فيه النية واستدل الجمهور على اشتراط النية في الوضوء بالأدلة الصحيحة المصرحة بوعد النصارى عليه فلا بد من قصد يميزه عن غيره ليحصل النصارى الموعود وأما الصلاة فلم يختلف في اشتراط النية فيها وأما الزكاة فإنما تسقط بأخذ السلطان ولو لم ينو صاحب المال لأن السلطان قائم مقامه وأما الحج فإنما ينصرف إلى فرض من حج عن غيره لدليل خاص وهو حديث بن عباس في قصة شبرمة وأما الصوم فأشار به إلى خلاف من زعم أن صيام رمضان لا يحتاج الى نية لأنه متميز بنفسه كما نقل عن زفر ربع المصنف الحج على الصوم تمسكا مما ورد عنده في حديث بني الإسلام وقد تقدم قوله والاحكام أي المعاملات التي يدخل فيها الاحتياج إلى المحاكمات فيشمل البيوع والانكحة والاقارير وغيرها وكل صورة لم يشترط فيها النية فذاك لدليل خاص وقد ذكر بن المنير ضابطا لما يشترط فيه النية مما لا يشترط فقال كل عمل لا تظهر له فائدة عاجلة بل المقصود به طلب النصارى فالنية مشترطة فيه وكل عمل ظهرت فائدته ناجزة وتعاطته الطبيعة قبل خالف لملائمة بينهما فلا تشترط النية فيه إلا لمن قصد بفعله معنى آخر يترتب عليه النصارى قال وإنما اختلف العلماء في بعض الصور من جهة تحقيق مناط التفرقة قال وأما ما كان من المعاني المحضة كالخوف والرجاء فهذا لا يقال باشتراط النية فيه لأنه لا يمكن أن يقع الا منويا ومتى فرضت النية مفقودة فيه استحالت حقيقته فالنية فيه شرط عقلي ولذلك لا تشترط النية للنية فرارا من التسلسل وأما الأقوال فتحتاج إلى النية في ثلاثة مواطن أحدها التقرب إلى الله فرارا من الرياء والثاني التمييز بين الألفاظ المحتملة لغير المقصود والثالث قصد الإنشاء ليخرج سبق اللسان قوله وقال الله قال الكرماني الظاهر أنها جملة حالية لا عطف أي والحال أن الله قال ويحتمل أن تكون للمصاحبة أي مع أن الله قال قوله على نيته تفسير منه لقوله على شاكلته بحذف أداة التفسير وتفسير الشاكلة بالنية صح عن الحسن البصري ومعاوية بن قرة المزني وقتادة أخرجه عبد بن حميد والطبري عنهم وعن مجاهد قال الشاكلة الطريقة أو الناحية وهذا قول الأكثر وقيل الدين وكلها متقاربة قوله ولكن جهاد ونية هو طرف من حديث لابن عباس أوله لا هجرة بعد الفتح وقد وصله المؤلف في الجهاد وغيره من طريق طاوس عنه وسيأتي قوله الأعمال بالنية كذا أورده من رواية مالك بحذف إنما من أوله وقد رواه مسلم عن القعنبي وهو عبد الله بن مسلمة المذكور هنا بإثباتها وتقدم الكلام على نكت من هذا الحديث أو الكتاب قوله عبد الله بن يزيد هو الخطمي بفتح المعجمة وسكون الطاء المهملة وهو صحابي أنصاري روى عن صحابي أنصاري وسيأتي ذكر أبي مسعود المذكور في باب من شهد بدرا من المغازي ويأتي الكلام على حديثه في كتاب النفقات إن شاء الله تعالى والمقصود منه في هذا الباب قوله يحتسبها قال القرطبي أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت واجبة أو مباحة وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة لأنها معقولة المعنى وأطلق الصدقة على النفقة مجازا والمراد بها الأجر
[ 127 ]
والقرينة الصارفة عن الحقيقة الإجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي حرمت عليها الصدقة قوله انك الخطاب لسعد والمراد هو ومن يصح منه الإنفاق قوله وجه الله أي ما عند الله من النصارى قوله الا أجرت يحتاج إلى تقدير لأن الفعل لا يقع استثناء قوله حتى هي عاطفة وما بعدها منصوب المحل وما موصولة والعائد محذوف قوله في فم امرأتك وللكشميهني في في امرأتك وهي الرواية الأكثر قال القاضي عياض هي أصوب لأن الأصل حذف الميم بدليل جمعه على أفواه وتصغيره على فويه قال وإنما يحسن اثبات الميم عند الأفراد وأما عند الإضافة فلا الا في لغة قليلة اه وهذا طرف من حديث سعد بن أبي وقاص في مرضه بمكة وعيادة النبي صلى الله عليه وسلم له وقوله أوصى بشطر مالكا الحديث وسيأتي الكلام عليه في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى والمراد منه هنا قوله تبتغى أي تطلب بها وجه الله واستنبط منه النووي أن الحظ إذا وافق الحق لا يقدح في ثوابه لأن وضع اللقمة في في الزوجة يقع غالبا في حالة المداعبة ولشهوة النفس في ذلك مدخل ظاهر ومع ذلك إذا وجه القصد في تلك الحالة إلى ابتغاء النصارى حصل له بفضل الله قلت وجاء ما هو أصرح في هذا المراد من وضع اللقمة وهو ما أخرجه مسلم عن أبي ذر فذكر حديثا فيه وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله ايأتي أحدنا شهوته ويؤجر قال نعم أرأيتم لو وضعها في حرام الحديث قال وإذا كان هذا بهذا المحل مع ما فيه من حظ النفس فما الظن بغيره مما لاحظ للنفس فيه قال وتمثيله باللقمة مبالغة في تحقيق هذه القاعدة لأنه إذا ثبت الأجر في لقمة واحدة لزوجة غير مضطرة فما الظن بمن أطعم لقما لمحتاج أو عمل من الطاعات ما مشقته فوق مشقة ثمن اللقمة الذي هو من الحقارة بالمحل الأدنى أه وتمام هذا أن يقال وإذا كان هذا في حق الزوجة مع مشاركة الزوج لها في النفع بما يطعمها لأن ذلك يؤثر في حسن بدنها وهو ينتفع منها بذلك وأيضا فالاغلب أن الإنفاق على الزوجة يقع بداعية النفس بخلاف غيرها فأنه يحتاج إلى مجاهدتها والله أعلم قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة هذا الحديث أورده المصنف هنا ترجمة باب ولم يخرجه مسندا في هذا الكتاب لكونه على غير شرطه ونبه بإيراده على صلاحيته في الجملة وما أورده من الآية وحديث جرير يشتمل على ما تضمنه وقد أخرجه مسلم حدثنا محمد بن عباد حدثنا سفيان قال قلت لسهيل بن أبي صالح إن عمرا حدثنا عن القعقاع عن أبيك بحديث ورجوت أن تسقط عني رجلا أي فتحدثني به عن أبيك قال فقال سمعته من الذي سمعه منه أبي كان صديقا له بالشام وهو عطاء بن يزيد عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة قلنا لمن قال لله عز وجل الحديث رواه مسلم أيضا من طريق روح بن القاسم قال حدثنا سهيل عن عطاء بن يزيد أنه سمعه وهو يحدث أبا صالح فذكره ورواه بن خزيمة من حديث جرير عن سهيل أن أباه حدث عن أبي هريرة بحديث إن الله يرضى لكم ثلاثا الحديث قال فقال عطاء بن يزيد سمعت تميما الداري يقول فذكر حديث النصيحة وقد روى حديث النصيحة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وهو وهم من سهيل أو ممن روى عنه لما بيناه قال البخاري في تاريخه لا يصح الا عن تميم ولهذا الاختلاف على سهيل لم يخرجه في صحيحه بل لم يحتج فيه بسهيل أصلا وللحديث طرق دون هذه في القوة منها ما أخرجه أبو يعلى من حديث بن عباس والبزار من حديث بن عمر وقد بينت
[ 128 ]
جميع ذلك في تعليق التعليق قوله الدين النصيحة يحتمل أن يحمل على المبالغة أي معظم الدين النصيحة كما قيل في حديث الحج عرفة ويحتمل أن يحمل على ظاهره لأن كل عمل لم يرد به عامله الإخلاص فليس من الدين وقال المازري النصيحة مشتقة من نصحت العسل إذا صفيته يقال نصح الشئ إذا خلص ونصح له القول إذا اخلصه له أو مشتقة من النصح وهي الخياطة المنصحة وهي الابرة والمعنى أنه يلم شعث اخية بالنصح كما تلم المنصحة ومنه التوبة النصوح كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه قال الخطابي النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للنصوح له وهي من وجيز الكلام بل ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة وهذا الحديث من الأحاديث التي قيل فيها أنها أحد ارباع الدين وممن عده فيها الإمام محمد بن أسلم الطوسي وقال النووي بل هو وحده محصل لغرض الدين كله لأنه منحصر في الأمور التي ذكرها فالنصيحة لله وصفه بما هو له أهل والخضوع له ظاهرا وباطنا والرغبة في محابه بفعل طاعته والرهبة من مساخطه بترك معصيته والجهاد في رد العاصين إليه وروى الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة صاحب على قال قال الحواريون لعيسى عليه السلام يا روح الله من الناصح لله قال الذي يقدم حق الله على حق الناس والنصيحة لكتاب الله تعلمه وتعليمه وإقامة حروفه في التلاوة وتحريرها في الكتابة وتفهم معانيه وحفظ حدوده والعمل بما فيه وذب تحريف المبطلين عنه والنصيحة لرسوله تعظيمه ونصره حيا وميتا واحياء سنته بتعلمها وتعليمها والاقتداء به في أقواله وافعاله ومحبته ومحبة أتباعه والنصيحة لائمة المسلمين اعانتهم على ما حملوا القيام به وتنبيههم عند الغفلة وسد خلتهم عند الهفوة وجمع الكلمة عليهم ورد القلوب النافرة إليهم ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن ومن جملة كثرة المسلمين كثرة الاجتهاد وتقع النصيحة لهم ببث علومهم ونشر مناقبهم وتحسين الظن بهم والنصيحة لعامة المسلمين الشفقة عليهم والسعي فيما يعود نفعه عليهم وتعليمهم ما ينفعهم وكف وجوه الأذى عنهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وفي الحديث فوائد أخرى منها أن الدين يطلق على العمل لكونه سمي النصيحة دينا وعلى هذا المعنى بني المصنف أكثر كتاب الإيمان ومنها جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب من قوله قلنا لمن ومنها رغبة السلف في طلب علو الإسناد وهو مستفاد من قصة سفيان مع سهيل قوله عن جرير بن عبد الله هو الأسماء بفتح الجيم وقيس الراوي عنه وإسماعيل الراوي عن قيس بجليان أيضا وكل منهم يكنى أبا عبد الله وكلهم كوفيون قوله بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القاضي عياض اقتصر على الصلاة والزكاة لشهرتهما ولم يذكر الصوم وغيره لدخول ذلك في السمع والطاعة قلت زيادة السمع والطاعة وقعت عند المصنف في البيوع من طريق سفيان عن إسماعيل المذكور وله في الأحكام ولمسلم من طريق الشعبي عن جرير قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فلقنني فيما استطعت والنصح لكل مسلم ورواه بن حبان من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده وزاد فيه فكان جرير إذا اشترى شيئا أو باع يقول لصاحبه أعلم أن ما أخذنا منك أحب إلينا مما اعطيناكه فاختر وروى الطبراني في ترجمته أن غلامه اشترى له فرسا بثلثمائة فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال أن فرسك خير من ثلاثمائة فلم يزل
[ 129 ]
يزيده حتى أعطاه ثمانمائة قال القرطبي كانت مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بحسب ما يحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر فلذلك اختلفت ألفاظهم وقوله فيما استطعت رويناه بفتح التاء وضمها وتوجيههما واضح والمقصود بهذا التنبيه على أن اللازم من الأمور المبايع عليها هو ما يطاق كما هو المشترط في أصل التكليف ويشعر الأمر بقول ذلك اللفظ حال المبايعة بالعفو عن الهفوة وما يقع عن خطأ وسهو والله أعلم قوله سمعت جرير بن عبد الله المسموع من جرير حمد الله والثناء عليه فالتقدير سمعت جريرا حمد الله والباقي شرح للكيفية قوله يوم مات المغيرة بن شعبة كان المغيرة واليا على الكوفة في خلافة معاوية وكانت وفاته سنة خمسين من الهجرة واستناب عند موته ابنه عروة وقيل استناب جرير المذكور ولهذا خطب الخطبة المذكورة حكى ذلك العلائي في أخبار زياد والوقار بالفتح الرزانة والسكينة السكون وإنما أمرهم بذلك مقدما لتقوى الله لأن الغالب أن وفاة الأمراء تؤدى إلى الاضطراب والفتنة ولا سيما ما كان عليه أهل الكوفة إذ ذاك من مخالفة ولاة الأمور قوله حتى يأتيكم أمير أي بدل الأمير الذي مات ومفهوم الغاية هنا وهو أن المأمور به ينتهى بمجئ مفهوم الموافقة قوله الآن أراد به تقريب المدة تسهيلا عليهم وكان كذلك لأن معاوية لما بلغه موت المغيرة كتب إلى نائبه على البصرة وهو زياد أن يسير إلى الكوفة أميرا عليها قوله استعفوا لاميركم أي اطلبوا له العفو من الله كذا في معظم الروايات بالعين المهملة وفي رواية بن عساكر استغفروا بغين غدا وزيادة رآه وهي رواية الاسماعيلي في المستخرج قوله فأنه كان يحب العفو فيه إشارة إلى أن الجزاء يقع من جنس العمل قوله قلت أبايعك ترك أداة العطف أما لأنه بدل من أتيت أو استئناف قوله والنصح بالخفض عطفا على الإسلام ويجوز نصبه عطفا على مقدر أي شرط على الإسلام والنصيحة وفيه دليل على كمال شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم قوله على هذا أي على ما ذكر قوله ورب هذا المسجد مشعر بأن خطبته كانت في المسجد ويجوز أن يكون أشار إلى جهة المسجد الحرام ويدل عليه رواية الطبراني بلفظ ورب الكعبة وذكر ذلك للتثنية على شرف المقسم به ليكون ادعى للقبول قوله لناصح إشارة الى أنه وفى بما بايع عليه الرسول وأن كلامه خالص عن الغرض قوله ونزل مشعر بأنه خطب على المنبر أو المراد قعد لأنه في مقابلة قوله قام فحمد الله تعالى فائدة التقييد بالمسلم للاغلب وإلا فالنصح للكافر معتبر بأن يدعني إلى الإسلام وشار عليه بالصواب إذا استشار واختلف العلماء في البيع على بيعه ونحو ذلك فجزم أحمد أن ذلك يختص بالمسلمين واحتج بهذا الحديث فائدة أخرى ختم البخاري كتاب الإيمان بباب النصيحة مشيرا إلى أنه عمل بمقتضاه في الإرشاد إلى العمل بالحديث الصحيح دون السقيم ثم ختمه بخطبة جرير المتضمنة لشرح حاله في تصنيفه فأومأ بقوله فإنما يأتيكم الآن إلى وجوب التمسك بالشرائع حتى يأتي من يقيمها إذ لا تزال طائفة منصورة وهم فقهاء أصحاب الحديث وبقوله استفوا لأميركم إلى طلب الدعاء له لعمله الفاضل ثم ختم بقول استغفر ونزل فأشعر بختم الباب ثم عقبة بكتاب العلم لما دل عليه حديث النصيحة أن معظمها يقع بالتعلم والتعليم خاتمة اشتمل كتاب الإيمان ومقدمته من بدء الوحي من
[ 130 ]
الأحاديث المرفوعة على أحد وثمانين حديثا بالمكرر منها في بدء الوحي خمسة عشر وفي الإيمان ستة وستون المكرر منها ثلاثة وثلاثون منها في المتابعات بصيغة المتابعة أو التعليق اثنان قرة في بدء الوحي ثمانية وفي الإيمان أربعة عشر ومن الموصول المكرر ثمانية ومن التعليق الذي لم يوصل في مكان آخر ثلاثة بن وبقية ذلك وهي ثمانية وأربعون حديثا موصولة بغير تكرير وقد وافقه مسلم على تخريجها الا سبعة وهي الشعبي عن عبد الله بن عمرو في المسلم والمهاجر والأعرج عن أبي هريرة في حب الرسول صلى الله عليه وسلم وابن أبي صعصعة عن أبي سعيد في الفرار من الفتن وأنس عن عبادة في ليلة القدر وسعيد عن أبي هريرة في الدين يسر والأحنف عن أبي بكرة في القاتل والمقتول وهشام عن أبيه عن عائشة في أنا أعلمكم بالله وجميع ما فيه من الموقوفات على الصحابة والتابعين ثلاثة عشر أثرا معلقة غير أثر بن الناطور فهو موصول وكذا خطبة جرير التي ختم بها كتاب الإيمان والله أعلم قوله كتاب العلم بسم الله الرحمن الرحيم باب فضل العلم هكذا في رواية الأصيلي وكريمة وغيرهما وفي رواية أبي ذر تقديم البسملة وقد قدمنا توجيه ذلك في كتاب الإيمان وليس في رواية المستملى لفظ باب ولا في رواية رفيقه لفظ كتاب العلم فائدة قال القاضي أبو بكر بن العربي بدأ المصنف بالنظر في فضل العلم قبل النظر في حقيقته وذلك لاعتقاده أنه في نهاية الوضوح فلا يحتاج إلى تعريف أو لأن النظر في حقائق الأشياء ليس من فن الكتاب وكل من القدرين ظاهر لأن البخاري لم يضع كتابه لحدود الحقائق وتصورها بل هو جار على اساليب العرب القديمة فأنهم يبدؤون بفضيلة المطلوب للتشويق إليه إذا كانت حقيقته مكشوفة معلومة وقد أنكر بن العربي في شرح الترمذي على من تصدى لتعريف العلم وقال هو أبين من أن يبين قلت وهذه طريقة الغزالي وشيخه الإمام أن العلم لا يحد لوضوحه أو لعسره قوله وقول الله عز وجل ضبطناه في الأصول بالرفع عطفا على كتاب أو على الاستئناف قوله يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات قيل في تفسيرها يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم ورفعة الدرجات أخذت على الفضل إذ المراد به كثرة النصارى وبها الجنة وفي صحيح مسلم عن نافع بن عبد الحارث الهدي وكان عامل عمر على مكة أنه لقيه بعسفان فقال له من استخلفت فقال استخلفت بن أبزى مولى لنا فقال عمر استخلفت مولى قال إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض فقال عمر أما إن نبيكم قد قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى نرفع درجات من نشاء قال بالعلم قوله وقوله عز وجل رب زدني علما واضح الدلالة في فضل العلم لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شئ الا من العلم والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه وقد ضرب هذا الجامع
[ 131 ]
الصحيح في كل من الأنواع الثلاثة بنصيب فرضي الله عن مصنفه وأعاننا على ما تصدينا له من توضيحه بمنه وكرمه فإن قيل لم لم يورد المصنف في هذا الباب شيئا من الحديث فالجواب أنه إما أن يكون اكتفى بالايتين الكريمتين وإما بيض له ليلحق فيه ما يناسبه فلم يتيسر وإما أورد فيه حديث بن عمر الآتي بعد باب رفع العلم ويكون وضعه هناك من يطلق بعض الرواة وفيه نظر على ما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى ونقل الكرماني عن بعض أهل الشام أن البخاري بوب الأبواب وترجم التراجم وكتب الأحاديث وربما بيض لبعضها ليلحقه وعن بعض أهل العراق أنه تعمد بعد الترجمة عدم إيراد الحديث إشارة إلى أنه لم يثبت فيه شئ عنده على شرطه قلت والذي يظهر لي أن هذا محله حيث لا يورد فيه آية أو أثرا أما إذا أورد آية أو أثرا فهو إشارة منه إلى ما ورد في تفسير تلك الآية وأنه لم يثبت فيه شئ على شرطه وما دلت عليه الآية كاف في الباب وإلى أن الأثر الوارد في ذلك يقوي به طريق المرفوع وأن لم يصل في القوة إلى شرطه والأحاديث في فضل العلم كثيرة صحح مسلم منها حديث أبي هريرة رفعه من التمس طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ولم يخرجه البخاري لأنه اختلف فيه على الأعمش والراجح أنه بينه وبين أبي صالح فيه واسطة والله أعلم قوله باب من سئل علما وهو مشتغل محصله التنبيه على أدب العالم والمتعلم أما العالم فلما تضمنه من ترك زجر السائل بل أدبه بالاعراض عنه أو لا حتى استوفى ما كان فيه ثم رجع إلى جوابه فرفق به لأنه من الأعراب وهم جفاة وفيه العناية بجواب سؤال السائل ولو لم يكن السؤال متعينا ولا الجواب وأما المتعلم فلما تضمنه من أدب السائل أن لا يسأل العلم وهو مشتغل بغيره لأن حق الأول مقدم ويؤخذ منه أخذ الدروس على السبق وكذلك الفتاوى والحكومات ونحوها وفيه مراجعة العالم إذا لم يفهم ما يجيب به حتى يتضح لقول كيف اضاعتها وبوب عليه بن حبان إباحة اعفاء المسئول عن الإجابة على الفور ولكن سياق القصة يدل على أن ذلك ليس على الإطلاق وفيه إشارة إلى أن العلم سؤال وجواب ومن ثم قيل حسن السؤال نصف العلم وقد أخذ بظاهر هذه القصة مالك وأحمد وغيرهما في الخطبة فقالوا لا نقطع الخطبة لسؤال سائل بل إذا فرغ نجيبه وفصل الجمهور بين أن يقع ذلك في أثناء واجباتها فيؤخر الجواب أو في غير الواجبات فيجيب والأولى حينئذ التفصيل فإن كان مما يهتم به في أمر الدين ولا سيما إن اختص بالسائل فيستحب اجابته ثم يتم الخطبة وكذا بين الخطبة والصلاة وإن كان بخلاف ذلك فيؤخر وكذا قد يقع في أثناء الواجب ما يقتضى تقديم الجواب لكن إذا أجاب استأنف على الأصح ويؤخذ ذلك كله من اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك فإن كان السؤال من الأمور التي ليست معرفتها على الفور مهمة فيؤخر كما في هذا الحديث ولا سيما أن كان ترك السؤال عن ذلك أولي وقد وقع نظيره في الذي سأل عن الساعة وأقيمت الصلاة فلما فرغ من الصلاة قال أين السائل فأجابه أخرجاه وأن كان السائل به ضرورة ناجزة فتقدم اجابته كما في حديث أبي رفاعة عند مسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب رجل غريب لا يدري دينه جاء يسأل عن دينه فترك خطبته وأتى بكرسي فقعد عليه فجعل يعلمه ثم أتى خطبته فأتم آخرها وكما في حديث سمرة عند أحمد أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب كل وكما في الصحيحين في قصة سالم لما دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له أصليت ركعتين الحديث وسيأتي في الجمعة
[ 132 ]
وفي حديث أنس كانت الصلاة تقام فيعرض الرجل فيحدث النبي صلى الله عليه وسلم حتى ربما نعس بعض القوم ثم يدخل في الصلاة وفي بعض طرقه وقوع ذلك بين الخطبة والصلاة قوله فليح بصيغة التصغير هو بن سليمان أبو يحيى المدني من طبقة مالك وهو صدوق تكلم بعض الأئمة في حفظه ولم يخرج البخاري من حديثه في الأحكام الا ما توبع عليه وأخرج له في المواعظ والآداب وما شاكلها طائفة من افراده وهذا منها وإنما أورده عاليا عن فليح بواسطة محمد بن سنان فقط ثم أورده نازلا بواسطة محمد بن فليح وإبراهيم بن المنذر عن محمد لأنه أورده في كتاب الرقاق عن محمد بن سنان فقط فأراد أن يعيد هنا طريقا أخرى ولاجل نزولها قرنها بالرواية الأخرى وهلال بن علي يقال له هلال بن أبي ميمونة وهلال بن أبي هلال فقد يظن ثلاثة وهو واحد وهو من صغار التابعين شيخه في هذا الحديث من اوساطهم قوله يحدث هو خبر المبتدأ وحذف مفعوله الثاني لدلالة السياق عليه والقوم الرجال وقد يدخل فيه النساء تبعا قوله جاء أعرابي لم اقف على تسميته قوله فمضى أي استمر يحدثه كذا في رواية المستملى والحموي بزيادة هاء وليست في رواية الباقين وإن ثبتت فالمعنى يحدث القوم الحديث الذي كان فيه وليس الضمير عائدا على الاعرابي قوله فقال بعض القوم سمع ما قال إنما حصل لهم التردد في ذلك لما ظهر من عدم التفات النبي صلى الله عليه وسلم إلى سؤاله واصغائه نحوه ولكونه كان يكره السؤال عن هذه المسألة بخصوصها وقد تبين عدم انحصار ترك الجواب في الامرين المذكورين بل احتمل كما تقدم أن يكون آخره ليكمل الحديث الذي هو فيه أو آخر جوابه ليوحى إليه به قوله قال أين أراه السائل بالرفع على الحكاية واراه بالضم أي أظنه والشك من محمد بن فليح رواه الحسن بن سفيان وغيره عن عثمان بن أبي شيبة عن يونس بن محمد عن فليح ولفظه أين السائل ولم يشك قوله إذا وسد أي أسند وأصله من الوسادة وكان من شأن الأمير عندهم إذا جلس أن تثنى تحته وسادة فقوله وسد أي جعل له غير أهله وسادا فتكون إلى بمعنى اللام وأتى بها ليدل على تضمين معنى أسند ولفظ محمد بن سنان في الرقاق إذا أسند وكذا رواه يونس بن محمد وغيره عن فليح ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم وذلك من جملة الاشراط ومقتضاه أن العلم ما دام قائما ففي الأمر فسحة وكأن المصنف أشار إلى أن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر تلميحا لما روى عن أبي أمية الجمحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الاصاغر وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في الرقاق إن شاء الله تعالى قوله باب من رفع صوته بالعلم حدثنا أبو النعمان زاد الكشميهني في رواية كريمة عنه عارم بن الفضل وعارم لقب واسمه محمد كما تقدم في المقدمة قوله ماهك بفتح الهاء وحكى كسرها وهو غير متصرف عند الأكثرين للعلمية والعجمة ورواه الأصيلي منصرفا فكأنه لحظ فيه الوصف واستدل المصنف على جواز رفع الصوت بالعلم بقوله فنادى بأعلى صوته وإنما يتم الاستدلال بذلك حيث تدعو الحاجة إليه لبعد أو كثرة جمع أو غير ذلك ويلحق بذلك ما إذا كان في موعظة كما ثبت ذلك في حديث جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة أشتد غضبه وعلا صوته الحديث أخرجه مسلم ولأحمد من حديث النعمان في معناه وزاد حتى
[ 133 ]
لو أن رجلا بالسوق لسمعة واستدل به أيضا على مشروعية إعادة الحديث ليفهم وسيأتي الكلام على مباحث المتن في كتاب الوضوء إن شاء الله تعالى قال بن رشيد في هذا التبويب رمز من المصنف إلى أنه يريد أن يبلغ الغاية في تدوين هذا الكتاب بأن يستفرغ وسعه في حسن ترتيبه وكذلك فعل رحمه الله تعالى قوله باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا قال بن رشيد أشار بهذه الترجمة الى انه بنى كتابه على المسندات المرويات عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت ومراده هل هذه الألفاظ بمعنى واحد أم لا وايراده قول بن عيينة دون غيره دال على أنه مختاره قوله وقال القدرة في رواية كريمة والأصيلي وقال لنا القدرة وكذا ذكره أبو نعيم في المستخرج فهو متصل وسقط من رواية كريمة قوله وأنبأنا ومن رواية الأصيلي قوله أخبرنا وثبت الجميع في رواية أبي ذر قوله وقال بن مسعود هذا التعليق طرف من الحديث المشهور في خلق الجنين وقد وصله المصنف في كتاب القدر ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى قوله وقال شقيق هو أبو وائل عن عبد الله هو بن مسعود سيأتي موصولا أيضا حيث ذكره المصنف في كتاب الجنائز ويأتي أيضا حديث حذيفة في كتاب الرقاق ومراده من هذه التعاليق أن الصحابي قال تارة حدثنا وتارة سمعت فدل على إنهم لم يفرقوا بين الصيغ وأما أحاديث بن عباس وأنس وأبي هريرة في رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه فقد وصلها في كتاب التوحيد وأراد بذكرها هنا التنبيه على العنعنة وأن حكمها الوصل عند ثبوت اللقى وأشار على ما ذكره بن رشيد إلى أن رواية النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي عن ربه سواء صرح الصحابي بذلك أم لا ويدل له حديث بن عباس المذكور فإنه لم يقل فيه في بعض المواضع عن ربه ولكنه اختصار فيحتاج إلى التقدير قلت ويستفاد من الحكم بصحة ما كان ذلك سبيله صحة الاحتجاج بمراسيل الصحابة لأن الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ربه فيما لم يكلمه به مثل ليلة الإسراء جبريل وهو مقبول قطعا والواسطة بين الصحابي وبين النبي صلى الله عليه وسلم مقبول اتفاقا وهو صحابي آخر وهذا في احدايث الأحكام دون غيرها فإن بعض الصحابة ربما حملها عن بعض التابعين مثل كعب الأحبار تنبيه أبو العالية المذكور هنا هو الرياحي بالياء الأخيرة واسمه رفيع بضم الراء ومن زعم أنه البراء بالراء الثقيلة فقد وهم فإن الحديث المذكور معروف برواية الرياحي دونه فإن قيل فمن أين تظهر مناسبة حديث بن عمر للترجمة ومحصل الترجمة التسوية بين صيغ الأداء الصريحة وليس ذلك بظاهر في الحديث المذكور فالجواب أن ذلك يستفاد من اختلاف ألفاظ الحديث المذكور ويظهر ذلك إذا اجتمعت طرقه فإن لفظ رواية عبد الله بن دينار المذكور في الباب فحدثوني ما هي وفي رواية نافع عند المؤلف في التفسير اخبروني وفي رواية عند الاسماعيلي انبئوني وفي رواية مالك عند المصنف في باب الحياء في العلم حدثوني ما هي وقال فيها فقالوا أخبرنا بها فدل ذلك على أن التحديث والاخبار والانباء عندهم سواء وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم بالنسبة إلى اللغة ومن أصرح الأدلة فيه قوله تعالى يومئذ تحدث اخبارها وقوله تعالى ولا ينبئك مثل خبير وأما بالنسبة إلى الاصطلاح ففيه الخلاف فمنهم من استمر على أصل اللغة وهذا رأى الزهري ومالك وابن عيينة ويحيى القطان وأكثر الحجازيين والكوفيين وعليه استمر عمل المغاربة ورجحه بن الحاجب في مختصره ونقل عن
[ 134 ]
الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة ومنهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من يسير وتقييده حيث يقرأ عليه وهو مذهب إسحاق بن راهويه والنسائي وابن حبان وابن منده وغيرهم ومنهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل فيخصون التحديث بما يلفظ به الشيخ والاخبار بما يقرأ عليه وهذا مذهب بن جريج والأوزاعي والشافعي وابن وهب وجمهور أهل المشرق ثم حالا أتباعهم تفصيلا آخر فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال حدثني ومن سمع مع غيره جمع ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال أخبرني ومن سمع بقرأة غيره جمع وكذا خصصوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب فتكلفوا في الاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور لئلا يختلط لأنه صار حقيقة عرفية عندهم فمن تجوز عنها أحتاج إلى الإتيان بقرينة أخذت على مراده وإلا فلا يؤمن اختلاط المسموع بالمجاز بعد تقرير الاصطلاح فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمين على محمل واحد بخلاف المتأخرين قوله إن من الشجر شجرة زاد في رواية مجاهد عند المصنف في باب الفهم في العلم قال صحبت بن عمر إلى المدينة فقال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمار وقال أن من الشجر وله عنه في البيوع كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جمارا قوله لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم كذا في رواي أبي ذر بكسر ميم مثل واسكان المثلثة وفي رواية الأصيلي وكريمة بفتحهما وهما بمعنى قال الجوهري مثله ومثله كلمة تسوية كما يقال شبهه وشبهه بمعنى قال والمثل بالتحريك أيضا ما يضرب من الأمثال انتهى ووجه الشبه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق ما رواه الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن بن عمر ولفظه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها انملة أتدرون ما هي قالوا لا قال هي النخلة لا تسقط لها انملة ولا تسقط لمؤمن دعوة ووقع عند المصنف في الأطعمة من طريق الأعمش قال حدثني مجاهد عن بن عمر قال بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بحمار فقال إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم وهذا أعم من الذي قبله وبركة النخلة موجودة في جميع اجزائها مستمرة في جميع احوالها فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل انواعا ثم بعد ذلك ينتفع بجميع اجزائها حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك مما لا يخفى وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته ووقع عند المصنف في التفسير من طريق نافع عن بن عمر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا كذا ذكر النفي ثلاث مرات على طريق الاكتفاء فقيل في تفسيره ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيؤها ولا يبطل نفعها ووقع في رواية مسلم ذكر النفي مرة واحدة فظن إبراهيم بن سفيان الراوي عنه أنه متعلق بما بعده وهو قوله تؤتى أكلها فاستشكله وقال لعل لا زائدة ولعله وتؤتى أكلها وليس كما ظن بل معمول النفي محذوف على سبيل الاكتفاء كما بيناه وقوله تؤتى ابتداء كلام على سبيل التفسير لما تقدم ووقع عند الاسماعيلي بتقديم تؤتى أكلها كل حين عل قوله لا يتحات ورقها فسلم من الاشكال قوله فوقع الناس أي ذهبت افكارهم في اشجار
[ 135 ]
البادية فجعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع وذهلوا عن النخلة يقال وقع الطائر على الشجرة إذا نزل عليها قوله قال عبد الله هو بن عمر الراوي قوله ووقع في نفسي بين أبو عوانة في صحيحه من طريق مجاهد عن بن عمر وجه ذلك قال فظننت أنها النخلة من أجل الجمار الذي أتى به وفيه إشارة إلى أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال وأن الملغز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز بابا يدخل منه بل كلما قربه كان أوقع في نفس سامعه قوله فاستحييت زاد في رواية مجاهد في باب الفهم في العلم فأردت أن أقول هي النخلة فإذا انا أصغر القوم وله في الأطعمة فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم وفي رواية نافع ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه وفي رواية مالك عن عبد الله بن دينار عند المؤلف في باب الحياء في العلم قال عبد الله فحدثت أبي بما وقع في نفسي فقال لأن تكون قلتها أحب إلى من أن يكون لي كذا وكذا زاد بن حبان في صحيحه أحسبه قال حمر النعم وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم امتحان العالم اذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الاغلوطات قال الأوزاعي أحد رواته هي صعاب المسائل فإن ذلك أمرهم على ما لا نفع فيه أو ما خرج على سبيل تعنت المسئول أو تعجيزه وفيه التحريض على الفهم في العلم وقد بوب عليه المؤلف باب الفهم في العلم وفيه استحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة ولهذا تمنى عمر أن يكون ابنه لم يسكت وقد بوب عليها المؤلف في العلم وفي الله الأدب وفيه دليل على بركة النخله وما تثمره وقد بوب عليه المصنف أيضا وفيه دليل على أن بيع الجمار جائز لأن كل ما جاز أكله جاز بيعه ولهذا بوب عليه المؤلف في البيوع وتعقبه بن بطال لكونه من المجمع عليه وأجيب بان ذلك لا يمنع من التنبيه عليه لأنه أورده عقب حديث النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فكأنه يقول لعل فافزع يتخيل أن هذا من ذاك وليس كذلك وفيه دليل على جواز تجمير النخل وقد بوب عليه في الأطعمة لئلا يظن أن ذلك من باب إضاعة المال وأورده في تفسير قوله تعالى ضرب الله مثلا كلمة طيبة إشارة منه إلى أن المراد بالشجرة النخلة وقد ورد صريحا فيما رواه البزار من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذه الآية فقال أتدرون ما هي قال بن عمر لم يخف على أنها النخلة فمنعني أن أتكلم مكان سني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النخلة ويجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالجمار فشرع في أكله تاليا للآية قائلا أن من الشجر شجرة إلى آخره ووقع عند بن حبان من رواية عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يخبرني عن شجرة مثلها مثل المؤمن أصلها ثابت وفرعها في السماء فذكر الحديث وهو يؤيد رواية البزار قال القرطبي فوقع التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب وأنه لا يزال مستورا بدينه وأنه ينتفع بكل ما يصدر عنه حيا وميتا انتهى وقال غيره والمراد بكون فرع المؤمن في السماء رفع عمله وقبوله وروى البزار أيضا من طريق سفيان بن حسين عن أبي بشر عن مجاهد عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن مثل النخلة ما أتاك منها نفعك هكذا أورده مختصرا وإسناده صحيح وقد أفصح
[ 136 ]
بالمقصود بأوجز عبارة وأما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت أو لأنها لا تحمل حتى تلقح أو لأنها تموت إذا غرقت أو لأن لطلعها رائحة من الأدمي أو لأنها تعشق أو لأنها تشرب من أعلاها فكلها أوجه ضعيفة لأن جميع ذلك من المشابهات مشترك في الآدميين لا يختص بالمسلم وأضعف من ذلك قول من زعم أن ذلك لكونها خلقت من فضله طين آدم فإن الحديث في ذلك لم يثبت والله أعلم وفيه ضرب الأمثال والاشياء لزيادة الإفهام وتصوير المعاني لترسخ في الذهن ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة وفيه إشارة إلى أن تشبيه الشئ بالشئ لا يلزم أن يكون نظيره من جميع وجوهه فإن المؤمن لا يماثله شئ من الجمادات ولا يعادله وفيه توقير الكبير وتقديم الصغير إياه في القول وأه لا يبادره بما فهمه وأن ظن أنه الصواب وفيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه لأن العلم مواهب والله يؤتى فضله من يشاء واستدل به مالك على أن الخواطر التي أنكر في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها وإذا كان أصلها لله وذلك مستفاد من تمنى عمر المذكور ووجه تمنى عمر رضي الله عنه ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده ولتظهر فضيل الولد في الفهم من صغره وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النعم مع عظم مقدارها وغلاء ثمنها فائدة قال البزار في مسنده ولم يرو هذا الحديث عن الني صلى الله عليه وسلم بهذا السياق الا بن عمر وحده ولما ذكره الترمذي قال وفي الباب عن أبي هريرة وأشار بذلك إلى حديث مختصر لأبي هريرة أورده عبد بن حميد في تفسيره لفظة مثل المؤمن مثل النخلة وعند الترمذي أيضا والنسائي وابن حبان من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة قال هي النخلة تفرد برفعه حماد بن سلمة وقد تقدم أن في رواية مجاهد عن بن عمر أنه كان عاشر عشرة فاستفدنا من مجموع ما ذكرناه أن منهم أبا بكر وعمر وابن عمر وأبا هريرة وأنس بن مالك إن كانا سمعا ما روياه من هذا الحديث في ذلك المجلس والله تعالى أعلم قوله باب طرح الإمام المسألة أورد فيه حديث بن عمر المذكور بلفظ قريب من لفظ الذي قبله وإنما أورده بإسناد آخر ايثارا لابتداء فائدة تدفع اعتراض من يدعي عليه التكرار بلا فائدة وأما دعوى الكرماني أنه لمراعاة صنيع مشايخه في تراجم مصنفاتهم وأن رواية قتيبة هنا كانت في بيان معنى التحديث والاخبار ورواية خالد كانت في بيان طرح الإمام المسألة فذكر الحديث في كل موضع عن شيخه الذي روى له الحديث لذلك الأمر فإنها غير مقبولة ولم تجد عن أحد ممن عرف حال البخاري وسعة علمه وجودة تصرفه حكى أنه كان يقلد في التراجم ولو كان كذلك لم يكن له مزية على غيره وقد توارد النقل عن كثير من الأئمة أن من جملة ما امتاز به كتاب البخاري دقة نظره في تصرفه في تراجم أبوابه والذي ادعاه الكرماني يقتضى أنه لا مزية له في ذلك لأنه مقلد فيه لمشايخه ووراء ذلك أن كلا من قتيبة وخالد بن مخلد لم يذكر لأحد منهما ممن صنف في بيان حالهما أن له تصنيفا على الأبواب فضلا عن التدقيق في التراجم وقد أعاد الكرماني هذا الكلام في شرحه مرارا ولم أجد له سلفا في ذلك والله المستعان وراويه عن عبد الله بن دينار سليمان هو بن بلال المدني الفقيه المشهور ولم أجده من روايته الا عند البخاري ولم يقع لاحد
[ 137 ]
ممن أستخرج عليه حتى أن أبا نعيم إنما أورده في المستخرج من طريق الفربري عن البخاري نفسه وقد وجدته من رواية خالد بن مخلد الراوي عن سليمان المذكور أخرجه أبو عوانة في صحيحه لكنه قال عن مالك بدل سليمان بن بلال فإن كان محفوظا فلخالد فيه شيخان وقد وقع التصريح بسماع عبد الله بن دينار له من عبد الله بن عمر عند مسلم وغيره قوله باب القراءة والعرض على المحدث إنما غاير بينهما بالعطف لما بينهما من العموم والخصوص لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض وغيره ولا يقع العرض الا بالقراءة لأن العرض عبارة عما يعارض به الطالب أصل شيخه معه أو مع غيره بحضرته فهو أخص من القراءة وتوسع فيه بعضهم فأطلقه على ما إذا أحضر الأصل لشيخه فنظر فيه وعرف صحته وأذن له أن يرويه عنه من غير أن يحدثه به أو يقرأه الطالب عليه والحق أن هذا يسمى عرض المناولة بالتقييد لا الإطلاق وقد كان بعض السلف لا يعتدون الا بما سمعوه من ألفاظ المشايخ دون ما يقرأ عليهم ولهذا بوب البخاري على جوازه وأورد فيه قول الحسن وهو البصري فلا بأس بالقراءة على العالم ثم اسنده إليه بعد أن علقه وكذا ذكر عن سفيان الثوري ومالك موصولا أنهما سويا بين السماع من العالم والقراءة عليه وقوله جائزا وقع في رواية أبي ذر جائزة أي القراءة لأن السماع لا نزاع فيه قوله واحتج بعضهم المحتج بذلك هو القدرة شيخ البخاري قاله في كتاب النوادر له كذا قال بعض من أدركته وتبعته في المقدمة ثم ظهر لي خلافه وأن قائل ذلك أبو سعيد الحداد أخرجه البيهقي في المعرفة من طريق بن خزيمة قال سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول قال أبو سعيد الحداد عندي خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة على العالم فقيل له فقال قصة ضمام بن ثعلبة قال آلله أمرك بهذا قال نعم انتهى وليس في المتن الذي ساقه البخاري بعد من حديث أنس في قصة ضمام أن ضماما أخبر قومه بذلك وإنما وقع ذلك من طريق أخرى ذكرها أحمد وغيره من طريق بن إسحاق قال حدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن بن عباس قال بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة فذكر الحديث بطوله وفي آخره أن ضماما قال لقومه عندما رجع إليهم إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه قال فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة الا مسلما فمعنى قول البخاري فأجازوه أي قبلوه منه ولم يقصد الاجازه المصطلحة بين أهل الحديث قوله واحتج مالك بالصك قال الجوهري الصك يعني بالفتح الكتاب فارسي معرب والجمع صكاك وصكوك والمراد هنا المكتوب الذي يكتب فيه إقرار المقر لأنه إذا قرئ عليه فقال نعم ساغت الشهادة عليه به وإن لم يتلفظ هو بما فيه فكذلك إذا قرئ على العالم فاقر به صح أن يروي عنه وأما قياس مالك قراءة الحديث على قراءة القرآن فرواه الخطيب في الكفاية من طريق بن وهب قال سمعت مالكا وسئل عن الكتب التي تعرض عليه أيقول الرجل حدثني قال نعم كذلك القرآن أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول أقرأني فلان وروى الحكم في علوم الحديث من طريق مطرف قال صحبت مالكا سبع عشرة سنة فما رأيته قرأ الموطأ على أحد بل يقرأون عليه قال وسمعته يأبى أشد الآباء على من يقول لا يجزيه الا السماع من لفظ الشيخ ويقول كيف لا يجزيك هذا في الحديث ويجزيك في القرآن والقرآن أعظم قلت وقد انقرض الخلاف في كون القراءة على الشيخ لاتجزى وإنما كان يقوله بعض المتشددين من أهل
[ 138 ]
العراق فروى الخطيب عن إبراهيم بن سعد قال لا تدعون تنطعكم يا أهل العراق العرض مثل السماع وبالغ بعض المدنيين وغيرهم في مخالفتهم فقالوا إن القراءة على الشيخ أرفع من السماع من يسير ونقله الدارقطني في غرائب مالك عنه ونقله الخطيب بأسانيد صحيحة عن شعبة وابن أبي ذئب ويحيى القطان واعتلوا بأن الشيخ لو سها لم يتهيأ للطالب الرد عليه وعن أبي عبيد قال القراءة على أثبت وأفهم لي من أن أتولى القراءة أنا والمعروف عن مالك كما نقله المصنف عنه وعن سفيان وهو الثوري أنهما سواء والمشهور الذي عليه الجمهور أن السماع من لفظ الشيخ أرفع رتبة من القراءة عليه ما لم يعرض عارض يصير القراءة عليه أولى ومن ثم كان السماع من يسير في الإملاء أرفع الدرجات لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب والله أعلم قوله عن الحسن قال لا بأس بالقراءة على العالم هذا الأثر رواه الخطيب أتم سياقا مما هنا فأخرج من طريق أحمد بن حنبل عن محمد بن الحسن الواسطي عن عوف الغلام أن رجلا سأل الحسن فقال يا أبا سعيد منزلي بعيد والاختلاف يشق على فإن لم تكن ترى بالقراءة بأسا قرأت عليك قال ما أبالي قرأت عليك أو قرأت علي قال فأقول حدثني الحسن قال نعم قل حدثني الحسن ورواه أبو الفضل السليماني في كتاب الحث على طلب الحديث من طريق سهل بن المتوكل قال حدثنا محمد بن سلام بلفظ قلنا للحسن هذه الكتب التي تقرأ عليك إيش نقول فيها قال قولوا حدثنا الحسن قوله الليث عن سعيد في رواية الاسماعيلي من طريق يونس بن محمد عن الليث حدثني سعيد وكذا لابن منده من طريق بن وهب عن الليث وفي هذا دليل على أن رواية النسائي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن الليث قال حدثني محمد بن عجلان وغيره عن سعيد موهومة معدودة من المزيد في متصل الأسانيد أو يحمل على أن الليث سمعه عن سعيد بواسطة ثم لقيه فحدثه به وفيه اختلاف آخر أخرجه النسائي والبغوى من طريق الحارث بن عمير عبن عبيد الله بن عمر وذكره بن منده من طريق الضحاك بن عثمان كلاهما عن سعيد عن أبي هريرة ولم يقدح هذا الاختلاف فيه عند البخاري لأن الليث أثبتهم في سعيد المقبري مع احتمال أن يكون لسعيد فيه شيخان لكن تترجح رواية الليث بأن المقبري عن أبي هريرة جادة مألوفة فلا يعدل عنها إلى غيرها الا من كان ضابطا متثبتا ومن ثم قال بن أبي حاتم عن أبيه رواية الضحاك وهم وقال الدارقطني في العلل رواه عبيد الله بن عمر وأخوه عبد الله والضحاك بن عثمان عن المقبري عن أبي هريرة ووهموا فيه والقول قول الليث أما مسلم فلم يخرجه من هذا الوجه بل أخرجه من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وقد أشار إليها المصنف عقب هذه الطريق وما فر منه مسلم وقع في نظيره فإن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت وقد روى هذا الحديث عن ثابت فأرسله ورجح الدارقطني رواية حماد قوله بن أبي نمر هو بفتح النون وكسر الميم لا يعرف اسمه ذكره بن سعد في الصحابة وأخرج له بن السكن حديثا وأغفله بن الأثير تبعا لاصوله قوله في المسجد أي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ فيه جواز اتكاء الإمام بين اتباعه وفيه ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من ترك التكبر لقوله بين ظهرانيهم وهي بفتح النون أي بينهم وزيد لفظ الظهر ليدل على أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فهو محفوف بهم من جانبيه والالف والنون فيه للتأكيد قاله صاحب الفائق
[ 139 ]
ووقع في رواية موسى بن إسماعيل الاتي ذكرها آخر هذا الحديث في أوله عن أنس قال نهينا في القرآن أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل وكأن أنسا أشار إلى آية المائدة وسيأتي بسط القول فيها في التفسير إن شاء الله تعالى قوله دخل زاد الأصيلي قبلها إذ قوله ثم عقله بتخفيف القاف أي شد على ساق الجمل بعد أن ثنى ركبته حبلا قوله في المسجد استنبط منه بن بطال وغيره طهارة أبوال الإبل وأرواثها إذ لا يؤمن ذلك منه مدة كونه في المسجد ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ودلالته غير واضحة وإنما فيه مجرد احتمال ويدفعه رواية أبي نعيم أقبل على بعير له حتى أتى المسجد فأناخه ثم عقله فدخل المسجد فهذا السياق يدل على أنه ما دخل به المسجد وأصرح منه رواية بن عباس عند أحمد والحاكم ولفظها فأناخ بعيره على باب المسجد فعقله ثم دخل فعلى هذا في رواية أنس مجاز الحذف والتقدير فأناخه في ساحة المسجد أو نحو ذلك قوله الأبيض أي المشرب بحمرة كما في رواية الحارث بن عمير الامغر أي بالغين المعجمة قال حمزة بن الحارث هو الأبيض المشرب بحمرة ويؤيده ما يأتي في صفته صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن أبيض ولا آدم أي لم يكن أبيض صرفا قوله اجبتك أي أسمعتك والمراد إن شاء الإجابة أو نزل تقريره للصحابة في الاعلام عنه منزلة النطق وهذا لائق بمراد المصنف وقد قيل إنما لم يقل له نعم لأنه لم يخاطبه بما يليق بمنزلته من التعظيم لا سيما مع قوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا والعذر عنه إن قلنا إنه قدم مسلما أنه لم يبلغه النهى وكانت فيه بقية من جفاء الأعراب وقد ظهرت بعد ذلك في قوله فمشدد عليك في المسألة وفي قوله في رواية ثابت وزعم رسولك إنك تزعم ولهذا وقع في أول رواية ثابت عن أنس كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع زاد أبو عوانة في صحيحه وكانوا أجرا على ذلك منا يعني أن الصحابة واقفون عند النهي واولئك يعذرون بالجهل وتمنوه عاقلا ليكون عارفا بما يسأل عنه وظهر عقل ضمام في تقديمه الاعتذار بين يدي مسألته لظنه أنه لا يصل إلى مقصوده الا بتلك المخاطبة وفي رواية ثابت من الزيادة أنه سأله من رفع السماء وبسط الأرض وغير ذلك من المصنوعات ثم أقسم عليه به أن يصدقه عما يسأل عنه وكرر القسم في كل مسألة تأكيدا وتقريرا للأمر ثم صرح بالتصديق فكل ذلك دليل على حسن تصرفه وتمكن عقله ولهذا قال عمر في رواية أبي هريرة ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا اوجز من ضمام قوله بن عبد المطلب بفتح النون على النداء وفي رواية الكشميهني يا بن بإثبات حرف النداء قوله فلا تجد أي لا تغضب ومادة وجد متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر وبحسب اختلاف المعاني يقال في الغضب موجدة وفي المطلوب وجودا وفي الضالة وجدانا وفي الحب وجدا بالفتح وفي المال وجدا بالضم وفي الغني جدة بكسر الجيم وتخفيف الدال المفتوحة على الأشهر في جميع ذلك وقالوا أيضا في المكتوب وجادة وهي مولدة قوله أنشدك بفتح الهمزة وضم المعجمة وأصله من النشيد وهو رفع الصوت والمعنى سألتك رافعا نشيدتي قاله البغوي في شرح السنة وقال الجوهري نشدتك بالله أي سألتك بالله كأنك ذكرته فنشد أي تذكر قوله الله بالمد في المواضع كلها قوله اللهم نعم الجواب حصل بنعم وإنما ذكر اللهم تبركا بها وكأنه استشهد بالله في ذلك
[ 140 ]
تأكيدا لصدقه ووقع في رواية موسى فقال صدقت قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الأرض والجبال قال الله قال فمن جعل فيها المنافع قال الله قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال وجعل فيها المنافع آلله أرسلك قال نعم وكذا هو في رواية مسلم قوله أن تصلي بتاء المخاطب فيه وفيما بعده ووقع عند الأصيلي بالنون فيها قال القاضي عياض هو أوجه ويؤيده رواية ثابت بلفظ إن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا وساق البقية كذلك وتوجيه الأول أن كل ما وجب عليه وجب على أمته حتى يقوم دليل الاختصاص ووقع في رواية الكشميهني والسرخسي الصلاة الخمس بالافراد على إرادة الجنس قوله أن تأخذ هذه الصدقة قال بن التين فيه دليل على أن المرء لا يفرق صدقته بنفسه قلت وفيه نظر وقوله على فقرائنا خرج مخرج الأغلب لأنهم معظم أهل الصدقة قوله آمنت بما جئت به يحتمل أن يكون اخبارا وهو اختيار البخاري ورجحه القاضي عياض وأنه حضر بعد إسلامه مستثبتا من الرسول صلى الله عليه وسلم ما أخبره به رسوله إليهم لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره فإن رسولك زعم وقال في رواية كريب عن بن عباس عند الطبراني اتتنا كتبك وأتتنا رسلك واستنبط منه الحاكم أصل طلب علو الإسناد لأنه سمع ذلك من الرسول وآمن وصدق ولكنه أراد أن يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة ويحتمل أن يكون قوله آمنت إنشاء ورجحه القرطبي لقوله زعم قال والزعم القول الذي لا يوثق به قاله بن السكيت وغيره قلت وفيه نظر لأن الزعم يطلق على القول المحقق أيضا كما نقله أبو عمر الزاهد في شرح فصيح شيخه ثعلب وأكثر سيبويه من قوله زعم الخليل في مقام الاحتجاج وقد أشرنا إلى ذلك في حديث أبي سفيان في بدء الوحي وأما تبويب أبي داود عليه باب المشرك يدخل المسجد فليس مصيرا منه إلى أن ضماما قدم مشركا بل وجهه أنهم تركوا شخصا قادما يدخل المسجد من غير استفصال ومما يؤيد أن قوله آمنت أخبار أنه لم يسأل عن دليل التوحيد بل عن عموم الرسالة وعن شرائع الإسلام ولو كان إنشاء لكان طلب معجزة توجب له التصديق قاله الكرماني وعكسه القرطبي فاستدل به على صحة إيمان المقلد للرسول ولو لم تظهر له معجزة وكذا أشار إليه بن الصلاح والله أعلم تنبيه لم يذكر الحد في رواية شريك هذه وقد ذكره مسلم وغيره فقال موسى في روايته وأن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال صدق وأخرجه مسلم أيضا وهو في حديث أبي هريرة وابن عباس أيضا وأغرب بن التين فقال إنما لم يذكره لأنه لم يكن فرض وكأن الحامل له على ذلك ما جزم به الواقدي ومحمد بن حبيب أن قدوم ضمام كان سنة خمس فيكون قبل فرض الحج لكنه غلط من أوجه أحدها أن في رواية مسلم أن قدومه كان بعد نزول النهي في القرآن عن سؤال الرسول وآية النهي في المائدة ونزولها متأخر جدا ثانيها أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية ومعظمه بعد فتح مكة ثالثها أن في القصة أن قومه أوفدوه وإنما كان معظم الوفود بعد فتح مكة رابعها في حديث بن عباس أن قومه اطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم ولم يدخل بنو سعد وهو بن بكر بن هوازن في الإسلام الا بعد وقعة حنين وكانت في شوال سنة ثمان كما سيأتي مشروحا في مكانه إن شاء الله تعالى فالصواب أن قدوم ضمام كان في سنة تسع وبه جزم بن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما وغفل البدر الزركشني فقال
[ 141 ]
إنما لم يذكر الحج لأنه كان معلوما عندهم في شريعة إبراهيم انتهى وكأنه لم يراجع صحيح مسلم فضلا عن غيره قوله وأنا رسول من ورائي من موصولة ورسول مضاف إليها ويجوز تنوينه وكسر من لكن لم تأت به الرواية ووقع في رواية كريب عن بن عباس عند الطبراني جاء رجل من بني سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مسترضعا فيهم فقال أنا وافد قومي ورسولهم وعند أحمد والحاكم بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا فذكر الحديث فقول بن عباس فقدم علينا يدل على تأخير وفادته أيضا لأن بن عباس إنما قدم المدينة بعد الفتح وزاد مسلم في آخر الحديث قال والذي بعثك بالحق لا ازيد عليهم ولا انقص فقال النبي صلى الله عليه وسلم أداء صدق ليدخلن الجنة وكذا هي في رواية موسى بن إسماعيل ووقعت هذه الزيادة في حديث بن عباس وهي الحاملة لمن سمي المبهم في حديث طلحة ضمام بن ثعلبة كابن عبد البر وغيره وقد قدمنا هناك أن القرطبي مال إلى أنه غيره ووقع في رواية عبيد الله بن عمر عن المقبري عن أبي هريرة التي أشرت إليها قبل من الزيادة في هذه القصة أن ضماما قال بعد قوله وأنا ضمام بن ثعلبة فأما هذه الهناة فوالله أن كنا لنتنزه عنها في الجاهلية يعني الفواحش فلما أن ولي قال النبي صلى الله عليه وسلم فقه الرجل قال وكان عمر بن الخطاب يقول ما رأيت أحسن مسألة ولا اوجز من ضمام ووقع في آخر حديث بن عباس عند أبي داود فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم العمل بخبر الواحد ولا يقدح فيه مجئ ضمام مستثبتا لأنه قصد اللقاء والمشافهة كما تقدم عن الحاكم وقد رجع ضمام إلى قومه وحده فصدقوه وآمنوا كما وقع في حديث بن عباس وفيه نسبة إلى الشخص إلى جده إذا كان أشهر من أبيه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين أنا بن عبد المطلب وفيه الاستحلاف على الأمر المحقق لزيادة التأكيد وفيه رواية الأقران لأن سعيدا وشريكا تابعيان من درجة واحدة وهما مدنيان قوله رواه موسى هو بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي شيخ البخاري وحديثه موصول عند أبي عوانة في صحيحه وعند بن منده في الإيمان وإنما علقه البخاري لأنه لم يحتج بشيخه سليمان بن المغيرة وقد خولف في وصله فرواه حماد بن سلمة عن ثابت مرسلا ورجحها الدارقطني وزعم بعضهم أنها علة تمنع من تصحيح الحديث وليس كذلك بل هي دالة على أن لحديث شريك أصلا قوله وعلي بن عبد الحميد هو المعني بفتح الميم وكذا أخرجه الدارمي عن علي بن عبد الحميد وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق قوله بهذا أي هذا المعنى وإلا فاللفظ كما بينا مختلف وسقطت هذه اللفظة من رواية أبي الوقت وابن عساكر والله سبحانه وتعالى أعلم تنبيه وقع في النسخة البغدادية التي صححها العلامة أبو محمد بن الصغائي اللغوي بعد أن سمعها من أصحاب أبي الوقت وقابلها على عدة نسخ وجعل لها علامات عقب قوله رواه موسى وعلي بن عبد الحميد عن سليمان بن المغيرة عن ثابت ما نصه حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت عن أنس وساق الحديث تمامه وقال الصغائي في الهامش هذا الحديث ساقط من النسخ كلها الا في النسخة التي قرئت على الفربري صاحب
[ 142 ]
البخاري وعليها خطه قلت وكذا سقطت في جميع النسخ التي وقفت عليها والله تعالى أعلم بالصواب قوله باب ما يذكر في المناولة لما فرغ من تقرير السماع والعرض أردفه ببقية وجوه التحمل المعتبرة عند الجمهور فمنها المناولة وصورتها أن يعطي الشيخ الطالب الكتاب فيقول له هذا سماعي من فلان أو هذا تصنيفي فاروه عني وقد قدمنا صورة عرض المناولة وهي إحضار الطالب الكتاب وقد سوغ الجمهور الرواية بها وردها من رد عرض القراءة من باب الأولى قوله إلى البلدان أي إلى أهل البلدان وكتاب الحدود وهو متعلق إلى وذكر البلدان على سبيل المثال وإلا فالحكم عام في القرى وغيرها والمكاتبة من أقسام التحمل وهي أن يكتب الشيخ حديثه بخطه أو يأذن لمن يثق به بكتبه ويرسله بعد تحريره إلى الطالب ويأذن له في روايته عنه وقد سوى المصنف بينها وبين المناولة ورجح قوم المناولة عليها لحصول المشافهة فيها بالاذن دون المكاتبة وقد جوز جماعة من القدماء إطلاق الأخبار فيهما والأولى ما عليه المحققون من اشتراط بيان ذلك قوله نسخ عثمان المصاحف هو طرف من حديث طويل يأتي الكلام عليه في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى ودلالته على تسويغ الرواية بالمكاتبة واضح فإن عثمان أمرهم بالاعتماد على ما في تلك المصاحف ومخالفة ما عداها والمستفاد من بعثة المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان لا أصل ثبوت القرآن فأنه متواتر عندهم قوله ورأي عبد الله بن عمر كذا في جميع نسخ الجامع عمر بضم العين وكنت أظنه العمري المدني وخرجت الأثر عنه بذلك في تعليق التعليق وكذا جزم به الكرماني ثم ظهر لي من قرينة تقديمه في الذكر على يحيى بن سعيد أنه غير العمري لأن يحيى أكبر منه سنا وقدرا فتتبعت فلم أجده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب صريحا لكن وجدت في كتاب الوصية لأبي القاسم بن منده من طريق البخاري بسند له صحيح إلى عبد الرحمن الحبلي بضم المهملة والموحدة أنه أتى عبد الله بكتاب فيه أحاديث فقال انظر في هذا الكتاب فما عرفت منه اتركه وما لم تعرفه امحه فذكر الخبر وهو أصل في عرض المناولة وعبد الله يحتمل أن يكون هو بن عمر بن الخطاب فإن الحبلي سمع منه ويحتمل أن يكون بن عمرو بن العاصي فإن الحبلي مشهور بالرواية عنه وأما الأثر بذلك عن يحيى بن سعيد ومالك فأخرجه الحاكم في علوم الحديث من طريق إسماعيل بن أبي أويس قال سمعت خالي مالك بن أنس يقول قال لي يحيى بن سعيد الأنصاري لما أراد الخروج إلى العراق التقط لي مائة حديث من حديث بن شهاب حتى أرويها عنك قال مالك فكتبتها ثم بعثتها إليه وروى الرامهرمزى من طريق بن أبي أويس أيضا عن مالك في وجوه التحمل قال قراءتك على العالم ثم قراءته وأنت تسمع ثم أن يدفع إليك كتابه فيقول ارو هذا عني قوله واحتج بعض أهل الحجاز هذا المحتج هو القدرة ذكر ذلك في كتاب النوادر له قوله في المناولة أي في صحة المناولة والحديث الذي أشار إليه لم يورده موصولا في هذا الكتاب وهو صحيح وقد وجدته من طريقين إحداهما مرسلة ذكرها بن إسحاق في المغازي عن يزيد بن رومان وأبو وابنه في نسخته عن شعيب عن الزهري كلاهما عن عروة بن الزبير والأخرى موصولة أخرجها الطبراني من حديث جندب الأسماء بإسناد حسن ثم وجدت له شاهدا من حديث بن عباس عند الطبري في التفسير فبمجموع هذه الطرق يكون صحيحا وأمير السرية اسمه
[ 143 ]
عبد الله بن جحش الأسدي أخو زينب أم المؤمنين وكان تأميره في السنة الثانية قبل وقعة بدر والسرية بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد الياء التحتانية القطعة من الجيش وكانوا أثنى عشر رجلا من المهاجرين قوله حتى تبلغ مكان كذا وكذا هكذا في حديث جندب علي الإبهام وفي رواية عروة أنه قال له إذا سرت يومين فافتح الكتاب قالا ففتحه هناك فإذا فيه أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش ولا تستكرهن أحدا قال في حديث جندب فرجع رجلان ومضى الباقون فلقوا عمرو بن الحضرمي ومعه عير أي تجارة لقريش فقتلوه فكان أول مقتول من الكفار في الإسلام وذلك في أول يوم من رجب وغنموا ما كان معهم فكانت أول غنيمة في الإسلام فعاب عليهم المشركون ذلك فأنزل الله تعالى ويسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه الآية ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة فإنه ناوله الكتاب وأمره أن يقرأه على أصحابه ليعملوا بما فيه ففيه المناولة ومعنى المكاتبة وتعقبه بعضهم بأن الحجة إنما وجبت به لعدم توهم التبديل والتغيير فيه لعدالة الصحابة بخلاف من بعدهم حكاه البيهقي وأقول شرط قيام الحجة بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوما وحامله مؤتمنا والمكتوب إليه يعرف خط الشيخ إلى غير ذلك من الشروط الدافعة لتوهم التغيير والله أعلم قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس وصالح هو بن جلس قوله بعث بكتابه رجلا هو عبد الله بن حذافة السهمي كما سماه المؤلف في هذا الحديث في المغازي وكسرى هو ابرويز بن هرمز بن انوشروان ووهم من قال هو انوشروان وعظيم البحرين هو المنذر بن ساوى بالمهملة وفتح الواو الممالة وسيأتي الكلام على هذا الحديث في المغازي قوله فحسبت القائل هو بن شهاب راوي الحديث فقصة الكتاب عنده موصولة وقصة الدعاء مرسلة ووجه دلالته على المكانية ظاهر ويمكن أن يستدل به على المناولة من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم ناول الكتاب لرسوله وأمره أن يخبر عظيم البحرين بأن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن سمع ما فيه ولا قرأه قوله عبد الله هو بن المبارك قوله كتب أو أراد أن يكتب شك من الراوي ونسبة الكتا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجازية أي كتب الكاتب بأمره قوله لا يقرءون كتابا الا مختوما يعرف من هذا فائدة إيراده هذا الحديث في هذا الباب لينبه على أن شرط العمل بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوما ليحصل الأمن من توهم تغييره لكن قد يستغنى عن ختمه إذا كان الحامل عدلا مؤتمنا قوله فقلت القائل هو شعبة وسيأتي باقي الكلام على هذا الحديث في الجهاد وفي اللباس إن شاء الله تعالى فائدة لم يذكر المصنف من أقسام التحمل الإجازة المجردة عن المناولة أن المكاتبة ولا الوجادة ولا الوصية ولا الاعلام المجردات عن الإجازة وكأنه لا يرى بشئ منها وقد ادعى بن منده أن كل ما يقول البخاري فيه قال لي فهي إجازة وهي دعوى مردودة بدليل إني استقريت كثيرا من المواضع التي يقول فيها في الجامع قال لي فوجدته في غير الجامع يقول فيها حدثنا والبخاري لا يستجيز في الإجازة إطلاق التحديث فدل على أنها عنده من المسموع لكن سبب استعماله لهذه الصيغة ليفرق بين ما يبلغ شرطه وما لا يبلغ والله أعلم قوله باب من قعد حيث ينتهي به المجلس مناسبة هذا لكتاب العلم من جهة أن المراد بالمجلس وبالحلقة حلقة العلم ومجلس العلم فيدخل في أدب الطالب من عدة أوجه كما سنبينه والتراجم الماضية كلها تتعلق بصفات العالم قوله مولى عقيل بفتح العين وقيل لأبي
[ 144 ]
مرة ذلك للزومه إياه وإنما هو مولى أخته أم هاني بنت أبي طالب قوله عن أبي حكى صرح بالتحديث في رواية النسائي من طريق يحيى بن أبي كثير عن إسحاق فقال عن أبي مرة أن أبا حكى حدثه وقد قدمنا أن اسم أبي حكى الحارث بن مالك وقيل بن عوف وقيل عوف بن الحارث وليس له في البخاري غير هذا الحديث ورجال إسناده مدنيون وهو في الموطأ ولم يروه عن أبي حكى الا أبو مرة ولا عنه الا إسحاق وأبو مرة والرواي عنه تابعيان وله شاهد من حديث أنس أخرجه البزار والحاكم قوله ثلاثة نفر النفر بالتحريك للرجال من ثلاثة إلى عشرة والمعنى ثلاثة هم نفر والنفر اسم جمع ولهذا وقع مميزا للجمع كقوله تعالى تسعة رهط قوله فاقبل اثنان بعد قوله أقبل ثلاثة هما إقبالان كأنهم أقبلوا أو لا من الطريق فدخلوا المسجد مارين كما في حديث أنس فإذا ثلاثة نفر يمرون فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل إليه اثنان منهم واستمر الثالث ذاهبا قوله فوقفا زاد أكثر رواة الموطأ فلما وقفا سلما وكذا عند الترمذي والنسائي ولم يذكر المصنف هنا ولا في الصلاة السلام وكذا لم يقع في رواية مسلم ويستفاد منه أن الداخل يبدأ بالسلام وأن القائم يسلم على القاعد وإنما لم يذكر رد السلام عليهما اكتفاء بشهرته أو يستفاد منه أن المستغرق في العبادة يسقط عنه الرد وسيأتي البحث فيه في كتاب الاستئذان ولم يذكر إنهما صليا تحية المسجد أما لكون ذلك كان قبل أن تشرع أو كانا على غير وضوء أو وقع فلم ينقل للاهتمام بغير ذلك من القصة أو كان في غير وقت تنفل قاله القاضي عياض بناء على مذهبه في أنها لا تصلي في الأوقات المكروهة قوله فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على بمعنى عند قوله فرجة بالضم والفتح معا هي الخلل بين الشيئين والحلقة بإسكان اللام كل شئ مستدير خالي الوسط والجمع حلق بفتحتين وحكى فتح اللازم في الواحد وهو نادر وفيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم وفيه أن من سبق إلى موضع منها كان أحق به قوله وأما الاخر بفتح الخاء المعجمة وفيه رد على من زعم أنه يختص بالاخير لاطلاقه هنا على الثاني قوله فأوى إلى الله فآواه الله قال القرطبي الرواية الصحيحية بقصر الأول ومد الثاني وهو المشهور في اللغة وفي القرآن إذ اوى الفتية إلى الكهف بالقصر وآويناهما إلى ربوة بالمد وحكى في اللغة القصر والمد معا فيهما ومعنى أوى إلى الله لجا إلى الله أو على الحذف أي انضم إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى فآواه الله أي جازاه بنظير فعله بان ضمه إلى رحمته ورضوانه فيه استحباب الأدب في مجالس العلم وفضل سد خلل الحلقة كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ فإن خشي استحب الجلوس حيث ينتهى كما فعل الثاني وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير قوله فاستحيا أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء من النبي صلى الله عليه وسلم وممن حضر قاله القاضي عياض وقد بين أنس في روايته سبب استحياء هذا الثاني فلفظه عند الحاكم ومضى الثاني قليلا ثم جاء فجلس فالمعنى أنه استحيا من الذهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثالث قوله فاستحيا الله منه أي رحمه ولم يعاقبه قوله فأعرض الله عنه أي سخط عليه وهو أمرهم على من ذهب معرضا لا لعذر هذا إن كان مسلما ويحتمل أن يكون منافقا واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أمره كما يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم فأعرض الله عنه اخبارا أو دعاء ووقع في حديث أنس فاستغنى فاستغنى الله عنه وهذا
[ 145 ]
يرشح كونه خبرا وإطلاق الأعراض وغيره في حق الله تعالى على سبيل المقابلة والمشاكلة فيحمل كل لفظ منها على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى وفائدة إطلاق ذلك بيان الشئ بطريق واضح وفيه جواز الأخبار عن أهل المعاصي واحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد من الغيبة وفي الحديث فضل ملازمة حلق العلم والذكر وجلوس العالم والذكر في المسجد وفيه الثناء على المستحي والجلوس حيث ينتهي به المجلس ولم أقف في شئ من طرق هذا الحديث على تسمية واحد من الثلاثة المذكورين والله تعالى أعلم قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى من سامع هذا الحديث المعلق أورد المصنف في الباب معناه وأما يسير فهو موصول عنده في باب الخطبة بمنى من كتاب الحج أورد فيه هذا الحديث من طريق قرة بن خالد عن محمد بن سيرين قال أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حميد بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي بكرة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال أتدرون أي يوم هذا وفي آخره هذا اللفظ وغفل القطب الحلبي ومن تبعه من الشراح في عزوهم له إلى تخريج الترمذي من حديث بن مسعود فأبعدوا النجعة وأوهموا عدم تخريج المصنف له والله المستعان ورب للتقليل وقد ترد للتكثير ومبلغ بفتح اللام وأوعى نعت له والذي يتعلق به رب محذوف وتقديره يوجد أو يكون ويجوز على مذهب الكوفيين في أن رب اسم أن تكون هي مبتدأ وأوعى الخبر فلا حذف ولا تقدير والمراد رب مبلغ عني أوعى أي أفهم لما أقول من سامع مني وصرح بذلك أبو القاسم بن منده في روايته من طريق هوذة عن بن عون ولفظه فأنه عسى أن يكون بعض من لم يشهد أوعى لما أقول من بعض من شهد قوله بشر هو بن المفضل ورجال الإسناد كلهم بصريون قوله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بنصب النبي على المفعولية وفي ذكر ضمير يعود على الراوي يعني أن أبا بكرة كان يحدثهم فذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال قعد على بعيره وفي رواية النسائي ما يشعر بذلك ولفظه عن أبي بكرة قال وذكر النبي صلى الله عليه وسلم فالواو أما حالية وأما عاطفة والمعطوف عليه محذوف وقد وقع في رواية بن عساكر عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد ولا اشكال فيه قوله وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه الشك من الراوي والزمام والخطام بمعنى وهو الخيط الذي تشد فيه الحلقة التي تسمى بالبرة بضم الموحدة وتخفيف الراء المفتوحة في انف البعير وهذا الممسك سماه بعض الشراح بلالا واستند إلى ما رواه النسائي من طريق أم الحصين قالت حججت فرأيت بلالا يقود بخطام راحلة النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وقد وقع في السنن من حديث عمرو بن خارجة قال كنت آخذا بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم انتهى فذكر بعض الخطبة فهو أولي أن يفسر به المبهم من بلال لكن الصواب أنه هنا أبو بكرة فقد ثبت ذلك في رواية الاسماعيلي من طريق بن المبارك عن بن عون ولفظه خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته يوم النحر وأمسكت أما قال بخطامها وأما قال بزمامها واستفدنا من هذا أن الشك ممن دون أبي بكرة لا منه وفائدة إمساك الخطام صون البعير عن الاضطراب حتى لا يشوش على راكبه قوله أي يوم هذا سقط من رواية المستملى والحموي السؤال عن الشهر والجواب الذي قبله فصار هكذا أي يوم هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال أليس بذي الحجة وكذا في رواية الأصيلي وتوجيهه
[ 146 ]
ظاهر وهو من إطلاق الكل على البعض ولكن الثابت في الروايات عند مسلم وغيره ما ثبت عند الكشميهني وكريمة وكذلك وقع في رواية مسلم وغيره السؤال عن البلد وهذا كله في رواية بن عون وثبت السؤال عن الثلاثة عند المصنف في الأضاحي من رواية أيوب وفي الحج من رواية قرة كلاهما عن بن سيرين قال القرطبي سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان لاستحضار فهو مهم وليقبلوا عليه بكليتهم وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه ولذلك قال بعد هذا فإن دماءكم الخ مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء انتهى ومناط التشبيه في قوله كحرمة يومكم وما بعده ظهوره عند السامعين لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتا في نفوسهم مقررا عندهم بخلاف الأنفس والأموال والاعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وما له وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع ووقع في الروايات التي اشرنا إليها عند المصنف وغيره أنهم أجابوه عن كل سؤال بقولهم الله ورسوله أعلم وذلك من حسن أدبهم لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب وأنه ليس مراده مطلق الأخبار بما يعرفونه ولهذا قال في رواية الباب حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه فقيه إشارة الى تفويض الأمور الكلية إلى الفاء ويستفاد منه الحجة لمثبتي الحقائق الشرعية قوله فان دماءكم الخ هو على حذف مضاف أي سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب اعراضكم والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه قوله ليبلغ الشاهد أي الحاضر في المجلس الغائب أي الغائب عنه والمراد إما تبليغ القول المذكور أو تبليغ جميع الأحكام وقوله منه صلة لأفعل التفضيل وجاز الفصل بينهما لأن في الظرف سعة وليس الفاصل أيضا أجنبيا فائدة وقع في حديث الباب فسكتنا بعد السؤال وعند المصنف في الحج من حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال أي يوم هذا قالوا يوم حرام وظاهرهما التعارض والجمع بينهما أن الطائفة الذين كان فيهم بن عباس أجابوا والطائفة الذين كان فيهم أبو بكرة لم يجيبوا بل قالوا الله ورسوله أعلم كما أشرنا إليه أو تكون رواية بن عباس بالمعنى لأن في حديث أبي بكرة عند المصنف في الحد وفي الفتن أنه لما قال أليس يوم النحر قالوا بلى بمعنى قولهم يوم حرام بالاستلزام وغايته أن أبا بكرة نقل السياق بتمامه واختصره بن عباس وكأن ذلك كان بسبب قرب أبي بكرة منه لكونه كان آخذا بخطام الناقة وقال بعضهم يحتمل تعدد الخطبة فإن أراد أنه كررها في يوم النحر فيحتاج لدليل فإن في حديث بن عمر عند المصنف في الحج أن ذلك كان يوم النحر بين الجمرات في حجته وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحث على تبليغ العلم وجواز التحمل قبل كمال الأهلية وأن الفهم ليس شرطا في الأداء وأنه قد يأتي في الآخر من يكون أفهم ممن تقدمه لكن بقلة واستنبط بن المنير من تعليل كون المتأخر أرجح نظرا من المتقدم أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره وفيه جواز القعود على ظهر الدواب وهي واقفة إذا احتيج إلى ذلك وحمل النهي الوارد في ذلك على ما إذا كان لغير ضرورة وفيه الخطبة على موضع عال ليكون أبلغ في إسماعه للناس ورؤيتهم إياه قوله باب العلم قبل القول والعمل قال بن المنير أراد به أن
[ 147 ]
العلم شرط في صحة القول والعمل فلا يعتبران الا به فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل فنبه المصنف على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم إن العلم لا ينفع الا بالعمل تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه قوله فبدأ بالعلم أي حيث قال فاعلم أنه لا إله الا الله ثم قال واستغفر لذنبك والخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو متناول لأمته واستدل سفيان بن عيينة بهذه الآية على فضل العلم كما أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمته من طريق الربيع بن نافع عنه أنه تلاها فقال ألم تسمع أنه بدأ به فقال أعلم ثم أمره بالعمل وينتزع منها دليل ما يقوله المتكلمون من وجوب المعرفة لكن النزاع كما قدمناه إنما هو في إيجاب تعلم الأدلة على القوانين المذكورة في كتب الكلام وقد تقدم شئ من هذا في كتاب الإيمان قوله وأن العلماء بفتح أن ويجوز كسرها ومن هنا إلى قوله وافر طرف من حديث أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم مصححا من حديث أبي الدرداء وحسنه حمزة الكناني وضعفه باضطراب في سنده لكن له شواهد يتقوى بها ولم يفصح المصنف بكونه حديثا فلهذا لا يعد في تعاليقه لكن إيراده له في الترجمة يشعر بأن له أصلا وشاهده في القرآن قوله تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ومناسبته للترجمة من جهة أن الوارث قائم مقام الموروث فله حكمة فيما قام مقامه فيه قوله ورثوا بتشديد الراء المفتوة أي الأنبياء ويروي بتخفيفها مع الكسر أي العلماء ويؤيد الأول ما عند الترمذي وغيره فيه وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم قوله بخط أي نصيب وافر أي كامل قوله ومن سلك طريقا هو من جملة الحديث المذكور وقد أخرج هذه الجملة أيضا مسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في حديث غير هذا وأخرجه الترمذي وقال حسن قال ولم يقل له صحيح لأنه يقال إن الأعمش دلس فيه فقال حدثت عن أبي صالح قلت لكن في رواية مسلم عن أبي أسامة عن الأعمش حدثنا أبو صالح فانتفت تهمة تدليسه قوله طريقا نكرها ونكر علما ليتناول يجري الطرق الموصلة إلى تحصيل العلوم الدينية وليندرج فيه القليل والكثير قوله سهل الله له طريقا أي في الآخرة أو في الدنيا بأن يوفقه للاعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة وفيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة قوله وقال أي الله عز وجل وهو معطوف على قوله لقول الله أنما يخشى الله أي يخاف من الله من علم قدرته وسلطانه وهم العلماء قاله بن عباس قوله وما يعقلها أي الأمثال المضروبة قوله لو كنا نسمع أي سمع من يعى ويفهم أو نعقل عقل من يميز وهذه أوصاف أهل العلم فالمعنى لو كنا من أهل العلم لعلمنا ما يجب علينا فعلمنا به فنجونا قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه كذا في رواية الأكثر وفي رواية المستملى يفهمه بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم وقد وصله المؤلف باللفظ الأول بعد هذا ببابين كما سيأتي وأما اللفظ الثاني فأخرجه بن أبي عاصم في كتاب العلم من طريق بن عمر عن عمر مرفوعا وإسناده حسن والفقه هو الفهم قال الله تعالى لا يكادون يفقهون حديثا أي لا يفهمون والمراد الفهم في الأحكام الشرعية قوله وأنما العلم بالتعلم هو حديث مرفوع أيضا أورده بن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية أيضا بلفظ يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين إسناده حسن الا أن فيه مبهما اعتضد
[ 148 ]
بمجيئه من وجه آخر وروى البزار نحوه من حديث بن مسعود موقوفا ورواه أبو نعيم الأصبهاني مرفوعا وفي الباب عن أبي الدرداء وغيره فلا يغتر بقول من جعله من كلام البخاري والمعنى ليس العلم المعتبر الا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم على سبيل التعلم قوله وقال أبو ذر الخ هذا التعليق رويناه موصولا في مسند الدارمي وغيره من طريق الأوزاعي حدثني أبو كثير يعني مالك بن مرثد عن أبيه قال أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه فأتاه رجل فوقف عليه ثم قال ألم تنه عن الفتيا فرفع رأسه إليه فقال أرقيب أنت على لو وضعتم فذكر مثله ورويناه في الحلية من هذا الوجه وبين أن الذي خابه رجل من قريش وأن الذي نهاه عن الفتيا عثمان رضي الله عنه وكان سبب ذلك أنه كان بالشام فاختلف مع معاوية في تأويل قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة فقال معاوية نزلت في أهل الكتاب خاصة وقال أبو ذر نزلت فيهم وفينا فكتب معاوية إلى عثمان فأرسل إلى أبي ذر فحصلت منازعة أدت إلى انتقال أبي ذر عن المدينة فسكن الربذة بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة إلى أن مات رواه النسائي وفيه دليل على أن أبا ذر كان لا يرى بطاعة الإمام إذا نهاه عن الفتيا لأنه كان يرى أن ذلك واجب عليه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه كما تقدم ولعله أيضا سمع الوعيد في حق من كتم علما يعلمه وسيأتي لعلي مع عثمان نحوه والصمصامة بمهملتين الأولى بمفتوحة هو السيف الصارم الذي لا يثني وقيل الذي له حد واحد قوله هذه إشارة إلى القفا وهو يذكر ويؤنث وأنفذ بضم الهمزة وكسر الفاء والذال المعجمة أي أمضى وتجيزوا بضم المثناه وكسر الجيم وبعد الياء زاي أي تكملوا قتلى ونكر كلمة ليشمل القليل والكثير والمراد به يبلغ ما تحمله في كل حال ولا ينتهي عن ذلك ولو أشرف على القتل ولو في كلامه لمجرد الشرط من غير أن يلاحظ الامتناع أو المراد أن الانفاذ حاصل على تقدير وضع الصمصامة وعلى تقدير عدم حصوله أولى فهو مثل قوله لو لم يخف الله لم يعصه وفيه الحث على تعليم العلم واحتمال المشقة فيه والصبر على الأذى طلبا للثواب قوله وقال بن عباس هذا التعليق وصله بن أبي عاصم أيضا بإسناد حسن والخطيب بإسناد آخر حسن وقد فسر بن عباس الرباني بأنه الحكيم الفقيه ووافقه بن مسعود فيما رواه إبراهيم الحربي في غريبه عنه بإسناد صحيح وقال الأصمعي والاسماعيلي الرباني نسبة إلى الرب أي الذي يقصد ما أمره الرب بقصده من العلم والعمل وقال ثعلب قيل للعلماء ربانيون لأنهم يربون العلم أي يقومون به وزيدت الألف والنون للمبالغة والحاصل أنه اختلف في هذه النسبة هل هي نسبة إلى الرب أو إلى التربية والتربية على هذا للعلم وعلى ما حكاه البخاري لتعلمه والمراد بصغار العلم ما وضح من مسائله وبكباره مادق منها وقيل يعلمهم جزئياته قبل كلياته أو فروعه قبل أصوله أو مقدماته قبل مقاصده وقال بن الغلام لا يقال للعالم رباني حتى يكون عالما معلما عاملا فائدة اقتصر المصنف في هذا الباب على ما أورده من غير أن يورد حديثا موصولا على شرطه فأما أن يكون بيض له ليورد فيه ما يثبت على شرطه أو يكون تعمد ذلك اكتفاء بما ذكر والله أعلم قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم هو بالخاء المعجمة أي يتعهدهم والموعظة النصح والتذكير وعطف العلم عليها من باب عطف العام على الخاص لأن العلم يشمل الموعظة وغيرها وإنما عطفه لأنها منصوصة في الحديث وذكر العلم استنباطا
[ 149 ]
قوله لئلا ينفروا استعمل في الترجمة معنى الحديثين اللذين ساقهما وتضمن ذلك تفسير السآمة بالنفور وهما متقاربان ومناسبته لما قبله ظاهرة من جهة ما حكاه أخيرا من تفسير الرباني كمناسبة الذي قبله من تشديد أبي ذر في أمر التبليغ لما قبله من الأمر بالتبليغ وغالب أبواب هذا الكتاب لمن أمعن النظر فيها والتأمل لا غلام عن ذلك قوله سفيان هو الثوري وقد رواه أحمد في مسنده عن بن عيينة ولكن محمد بن يوسف الفريابي وإن كان يروي عن السفيانين فأنه حيث يطلق يريد به الثوري كما أن البخاري حيث يطلق محمد بن يوسف لا يريد به الا الفريابي وإن كان يروي عن محمد بن يوسف البيكندي أيضا وقد وهم من زعم أنه هنا البيكندي قوله عن أبي وائل في رواية أحمد المذكورة سمعت شقيقا وهو أبو وائل وأفاد هذا التصريح رفع ما يتوهم في رواية مسلم التي أخرجها من طريق على بن مسهر عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله فذكر الحديث قال علي بن مسهر قال الأعمش وحدثني عمرو بن مرة عن شقيق عن عبد الله مثله فقد يوهم هذا أن الأعمش دلسه أولا عن شقيق ثم سمى الواسطة بينهما وليس كذلك بل سمعه من أبي وائل بلا واسطة وسمعه عنه بواسطة وأراد بذكر الرواية الثانية وإن كانت نازلة تأكيده أو لينبه على عنايته بالرواية من حيث أنه سمعه نازلا فلم يقنع بذلك حتى سمعه عاليا وكذا صرح الأعمش بالتحديث عند المصنف في الدعوات من رواية حفص بن الصالح عنه قال حدثني شقيق وزاد في أوله أنهم كانوا ينتظرون عبد الله بن مسعود ليخرج إليهم فيذكرهم وأنه لما خرج قال أما أني أخبر بمكانكم ولكنه يمنعني من الخروج إليكم فذكر الحديث قوله كان يتخولنا بالخاء المعجمة وتشديد الواو قال الخطابي الخائل بالمعجمة هو القائم المتعهد للمال يقال خال المال يخوله تخولا إذا تعهده وأصلحه والمعنى كان يراعى الأوقات في تذكيرنا ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل والتخون بالنون أيضا يقال تخون الشئ إذا تعهده وحفظه أي اجتنب الخيانة فيه كما قيل في تحنث وتأثم ونظائرهما وقد قيل أن أبا عمرو بن العلاء سمع الأعمش يحدث هذا الحديث فقال يتخولنا باللام فرده عليه بالنون فلم يرجع لأجل الرواية وكلا اللفظين جائز وحكى أبو عبيد الهروي في الغريبين عن أبي عمرو الشيباني أنه كان يقول الصواب يتحولنا بالحاء المهملة أي يتطلب احوالنا التي تنشط فيها للموعظة قلت والصواب من حيث الرواية الأولى فقد رواه منصور عن أبي وائل كرواية الأعمش وهو في الباب الآتي وإذا ثبتت الرواية وصح المعنى بطل الاعتراض قوله علينا أي السآمة الطارئة علينا أو ضمن السآمة معنى المشقة فعداها بعلي والصلة محذوفة والتقدير من الموعظة ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال وإن كانت المواظبة مطلوبة لكنها على قسمين إما كل يوم مع عدم التكلف وإما يوما بعد يوم فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني بنشاط وإما يوما في الجمعة ويختلف باختلاف الأحوال والاشخاص والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط واحتمل عمل بن مسعود مع استدلاله أن يكون اقتدى بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حتى في اليوم الذي عينه واحتمل أن يكون اقتدى بمجرد التخلل بين العمل والترك الذي عبر عنه بالتخول والثاني أظهر وأخذ بعض العلماء من حديث الباب كراهة تشبيه غير الرواتب بالرواتب بالمواظبة عليها في وقت معين دائما وجاء عن مالك ما يشبه ذلك قوله
[ 150 ]
أبو التياح تقدم أنه بفتح المثناة الفوقانية وتشديد التحتانية وآخره الركعة قوله ولا تعسروا الفائدة فيه التصريح باللازم تأكيدا وقال النووي لو اقتصر على يسروا لصدق على من يسر مرة وعسر كثيرا فقال ولا تعسروا لنفي التعسير في جميع الأحوال وكذا القول في عطفه عليه ولا تنفروا وأيضا فإن المقام مقام الإطناب لا الإيجاز قوله وبشروا بعد قوله يسروا فيه الجناس الخطى ووقع عند المصنف في الأدب عن آدم عن شعبة بدلها وسكنوا وهي التي تقابل ولا تنفروا لأن السكون ضد النفور كما أن ضد البشارة النذارة لكن لما كانت النذارة وهي الأخبار بالشر في ابتداء التعليم توجب النفرة قوبلت البشارة بالتنفير والمراد تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليه في الابتداء وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج لأن الشئ إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى من يدخل فيه وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبا الازدياد بخلاف ضده والله تعالى أعلم قوله باب من جعل لأهل العلم يوما معلوما في رواية كريمة أياما معلومة وللكشميهني معلومات وكأنه أخذ هذا من صنيع بن مسعود في تذكيره كل خميس أو من استنباط عبد الله ذلك من الحديث الذي أورده قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر قوله كان عبد الله هو بن مسعود وكنيته أبو عبد الرحمن قوله فقال له رجل هذا المبهم يشبه أن يكون هو يزيد بن معاوية النخعي وفي سياق المصنف في أواخر الدعوات ما يرشد إليه قوله لوددت اللام جواب قسم محذوف أي والله لوددت وفاعل يمنعني أني أكره بفتح همزة أني وأملكم بضم الهمزة أي اضجركم وإني الثانية بكسر الهمزة وقد تقدم شرح المتن قريبا والإسناد كله كوفيون وحديث أنس الذي قبله بصريون قوله باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ليس في أكثر الروايات في الترجمة قوله في الدين وثبتت للكشميهني قوله حدثنا سعيد بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير نسب إلى جده وهو بالمهملة مصغرا قوله عن بن شهاب قال حميد في الاعتصام للمؤلف من هذا الوجه أخبرني حميد ولمسلم حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف زاد تسمية جده قوله سمعت معاوية هو بن أبي سفيان قوله خطيبا هو حال من المفعول وفي رواية مسلم والاعتصام سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو يخطب وهذا الحديث مشتمل على ثلاثة أحكام أحدها فضل التفقه في الدين وثانيها أن المعطي في الحقيقة هو الله وثالثها أن بعض هذه الأمة يبقى على الحق أبدا فالأول لائق بأبواب العلم والثاني لائق بقسم الصدقات ولهذا أورده مسلم في الزكاة والمؤلف في الخمس والثالث لائق بذكر أشراط الساعة وقد أورده المؤلف في الاعتصام لالتفاته إلى مسألة عدم خلو الزمان عن مجتهد وسيأتي بسط القول فيه هناك وأن المراد بأمر الله هنا الريح التي تقبض روح كل من في قلبه شئ من الإيمان ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة وقد تتعلق الأحاديث الثلاثة بأبواب العلم بل بترجمة هذا الباب خاصة من جهة اثبات الخير لمن تفقه في دين الله وأن ذلك لا يكون بالاكتساب فقط بل لمن يفتح الله عليه به وأن من يفتح الله عليه بذلك لا يزال جنسه موجودا حتى يأتي أمر الله وقد جزم البخاري بأن المراد بهم أهل العلم بالآثار وقال أحمد بن حنبل إن لم الريح أهل الحديث فلا أدري من هم وقال القاضي عياض أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث وقال النووي
[ 151 ]
يحتمل أن تكون هذه الطائفة فرقة من يجري المؤمنين ممن يقيم أمر الله تعالى من مجاهد وفقيه ومحدث وزاهد وآمر بالمعروف وغير ذلك من يجري الخير ولا يلزم اجتماعهم في مكان واحد بل يجوز أن الريح متفرقين قلت وسيأتي بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى قوله يفقهه أي يفهمه كما تقدم وهي ساكنة الهاء لأنها جواب الشرط يقال فقه بالضم إذا صار الفقه له سجية وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم وفقه بالكسر إذا فهم ونكر خيرا ليشمل القليل والكثير والتنكير للتعظيم لأن المقام يقتضيه ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به والمعنى صحيح لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيها ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم وسيأتي بقية الكلام على الحديثين الآخرين في موضعهما من الخمس والاعتصام إن شاء الله تعالى وقوله لن تزال هذه الأمة يعني بعض الأمة كما يجئ مصرحا به في الموضع الذي أشرت إليه إن شاء الله تعالى قوله باب الفهم أي فضل الفهم في العلم أي في العلوم قوله حدثنا على في رواية أبي ذر بن عبد الله وهو المعروف بابن المديني قوله حدثنا سفيان قال قال لي بن أبي نجيح في مسند القدرة عن سفيان حدثني بن أبي نجيح قوله صحبت بن عمر إلى المدينة فيه ما كان بعض الصحابة عليه من توقى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الا عند الحاجة خشية الزيادة والنقصان وهذه كانت طريقة بن عمر ووالده عمر وجماعة وإنما كثرت أحاديث بن عمر مع ذلك لكثرة من كان يسأله ويستفتيه وقد تقدم الكلام على متن حديث الباب في أوائل كتاب العلم ومناسبته للترجمة أن بن عمر لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسألة عند إحضار الجمار إليه فهم أن المسئول عنه النخلة فالفهم فطنة يفهم بها المؤلف من الكلام ما يقترن به من قول أو فعل وقد أخرج أحمد في حديث أبي سعيد الآتي في الوفاة النبوية حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم إن عبدا خيره الله فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا فتعجب الناس وكان أبو بكر فهم من المقام أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المخير فمن ثم قال أبو سعيد فكان أبو بكر أعلمنا به والله الهادي إلى الصواب بسم الله الرحمن الرحيم قوله باب الاغتباط في العلم هو بالغين المعجمة قوله في العلم والحكمة فيه وكما ما ذكرنا في قوله بالموعظة والعلم لكن هذا عكس ذاك أو هو من العطف التفسيرى أن قلنا إنهما مترادفان قوله وقال عمر تفقهوا قبل أن تسودوا هو بضم المثناة وفتح المهملة وتشديد الواو أي تجعلوا سادة زاد الكشميهني في روايته قال أبو عبد الله أي البخاري وبعد أن تسودوا إلى قوله سنهم أما أثر عمر فأخرجه بن أبي شيبة وغيره من طريق محمد بن سيرين عن الأحنف بن قيس قال قال عمر فذكره وإسناده صحيح وإنما عقبه البخاري بقوله وبعد أن تسودوا ليبين أن لا مفهوم له خشية أن يفهم أحد من ذلك أن السيادة مانعة من التفقه وإنما أراد عمر أنها قد تكون سببا للمنع لأن الرئيس قد يمنعه الكبر والاحتشام أن يجلس مجلس المتعلمين ولهذا قال مالك عن شئ القضاء أن القاضي إذا عزل لا يرجع إلى مجلسه الذي كان يتعلم فيه وقال الشافعي
[ 152 ]
إذا تصدر الحدث فإنه علم كثير وقد فسره أبو عبيد في كتابه غريب الحديث فقال معناه تفقهوا التجارة صغار قبل أن تصيروا سادة فتمنعكم الانفة عن الأخذ عمن هو دونكم فتبقوا جهالا وفسره شمر اللغوي بالتزوج فإنه إذا تزوج صار سيد أهله ولا سيما إن ولد له وقيل أراد عمر الكف عن طلب الرياسة لأن الذي يتفقه يعرف ما فيها من الغوائل فيجتذبها وهو حمل بعيد إذ المراد بقوله تسودوا السيادة وهي أعم من التزويج ولا وجه لمن خصصه بذلك لأنها قد تكون به وبغيره من الأشياء الشاغلة لاصحابها عن الاشتغال بالعم وجوز الكرماني أن يكون من السواد في اللحية فيكون أمرا للشاب بالتفقه قبل أن تسود لحيته أو أمر للكهل قبل أن يتحول سواد اللحية إلى الشيب ولا يخفى تكلفه وقال بن المنير مطابقة قول عمر للترجمة أنه جعل السيادة من ثمرات العلم وأوصى الطالب باغتنام الزيادة قبل بلوغ درجة السيادة وذلك يحقق استحقاق العلم بأن يغبط صاحبه فأنه سبب لسيادته كذا قال والذي يظهر لي أن مراد البخاري إن الرياسة وإن كانت مما يغبط بها المؤلف في العادة لكن الحديث دل على أن الغبطة لا تكون الا بأحد أمرين العلم أو الجود ولا يكون الجود محمودا الا إذا كان بعلم فكأنه يقول تعلموا العلم قبل حصول الرياسة لتغبطوا إذا غبطتم بحق ويقول أيضا إن تعجلتم الرياسة التي من عادتها أن تمنع المؤلف من طلب العلم فاتركوا تلك العادة وتعلموا العلم لتحصل لكم الغبطة الحقيقية ومعنى الغبطة تمنى المرء أن يكون له وكما ما للآخر من غير أن يزول عنه وهو المراد بالحسد الذي أطلق في الخبر كما سنبينه قوله حدثنا إسماعيل بن خالد على غير ما حدثناه الزهري يعني أن الزهري حدث سفيان بهذا الحديث بلفظ غير اللفظ الذي حدثه به إسماعيل ورواية سفيان عن الزهري أخرجها المصنف في التوحيد عن علي بن عبد الله عنه قال قال الزهري عن سالم ورواها مسلم عن زهير بن حرب وغيره عن سفيان بن عيينة قال حدثنا الزهري عن سالم عن أبيه ساقه مسلم تاما واختصره البخاري وأخرجه البخاري أيضا تاما في فضائل القرآن من طريق شعيب عن الزهري حدثني سالم بن عبد الله بن عمر فذكره وسنذكر ما تخالفت فيه الروايات بعد إن شاء الله تعالى قوله قال سمعت القائل هو إسماعيل على ما حررناه قوله لا حسد الحسد تمنى زوال النعمة عن المنعم عليه وخصه بعضهم بأن يتمنى ذلك لنفسه والحق أنه أعم وسببه أن الطباع مجبولة على حب الترفع على الجنس فإذا رأى لغيره ما ليس له أحب أن يزول ذلك عنه ليرتفع عليه أو مطلقا ليساويه وصاحبه مذموم إذا عمل بمقتضى ذلك من تصميم أو قول أو فعل وينبغي لمن خطر له ذلك أن يكرهه كما يكره ما وضع في طبعه من حب المنهيات واستثنوا من ذلك ما إذا كانت النعمة لكافر أو فاسق يستعين بها على معاصي الله تعالى فهذا حكم الحسد بحسب حقيقته وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة وأطلق الحسد عليها مجازا وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه والحرص على هذا يسمى منافسة فإن كان في الطاعة فهو محمود ومنه فليتنافس المتنافسون وإن كان في المعصية فهو مذموم ومنه ولا تنافسوا وإن كان في الجائزات فهو مباح فكأنه قال في الحديث لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الامرين ووجه الحصر أن الطاعات أما بدنية أو مالية أو كائنة عنهما وقد أشار إلى البدنية بإتيان الحكمة والقضاء بها وتعليمها ولفظ حديث بن عمر رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار
[ 153 ]
والمراد بالقيام به العمل به مطلقا أعم من تلاوته انظر الصلاة أو خارجها ومن تعليمه والحكم والفتوى بمقتضاه فلا تخالف بين لفظي الحديثين ولأحمد من حديث يزيد بن الأخنس السلمي رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ويتبع ما فيه ويجوز حمل الحسد في الحديث على حقيقته على أن الاستثناء منقطع والتقدير نفى الحسد مطلقا لكن هاتان الخصلتان محمودتان ولا حسد فيهما فلا حسد أصلا قوله الا في اثنتين كذا في معظم الروايات اثنتين بتاء التأنيث أي لا حسد محمود في شئ الا في خصلتين وعلى هذا فقوله رجل بالرفع والتقدير خصلة رجل حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وللمصنف في الاعتصام الا في اثنين وعلى هذا فقوله رجل بالخفض على البدلية أي خصلة رجلين ويجوز النصب بإضمار حنث وهي رواية بن ماجة قوله مالا نكره ليشمل القليل والكثير قوله فسلط كذا لأبي ذر وللباقين فسلطه وعبر بالتسليط لدلالته على قهر النفس المجبولة على الشح قوله هلكته بفتح اللام والكاف أي اهلاكه وعبر بذلك ليدل على أنه لا يبقى منه شيئا وكمله بقوله في الحق أي في الطاعات ليزيل عنه إيهام الإسراف المذموم قوله الحكمة اللام للعهد لأن المراد بها القرآن على ما أشرنا إليه قبل وقيل المراد بالحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح فائدة زاد أبو هريرة في هذا الحديث ما يدل على أن المراد بالحسد المذكور هنا الغبطة كما ذكرناه ولفظه فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل أورده المصنف في فضائل القرآن وعند الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري بفتح الهمزة واسكان النون أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر حديثا طويلا فيه استواء العامل في المال بالحق والمتمني في الأجر ولفظه وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت مثل ما يعمل فلان فاجرهما سواء وذكر في ضدهما أنهما في الوزن سواء وقال فيه حديث حسن صحيح وإطلاق كونهما سواء يرد على الخطابي في جزمه بأن الحديث يدل على أن الغني إذا قام بشروط المال كان أفضل من الفقير نعم يكون أفضل بالنسبة إلى من أعرض ولم يتمن لكن الأفضلية المستفادة منه هي بالنسبة إلى هذه الخصلة فقط لا مطلقا وسيكون لنا عودة إلى البحث في هذه المسألة في حديث الطاعم الشاكر كالصائم الصابر حيث ذكره المؤلف في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى قوله باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر هذا الباب معقود للترغيب في احتمال المشقة في طلب العلم لأن ما يغتبط به تحتمل المشقة فيه ولأن موسى عليه الصلاة والسلام لم يمنعه بلوغه من السيادة المحل الأعلى من طلب العلم وركوب البر والبحر لأجله فظهر بهذا مناسبة هذا الباب لما قبله وظاهر التبويب أن موسى ركب البحر لما توجه في طلب الخضر وفيه نظر لأن الذي ثبت عند الصنف وغيره أنه خرج في البر وسيأتي بلفظ فخرجا يمشيان وفي لفظ لأحمد حتى أتيا الصخرة وإنما ركب البحر في السفينة هو والخضر بعد أن التقيا فيحمل قوله إلى الخضر على أن فيه حذفا أي إلى مقصد الخضر لأن موسى لم يركب البحر لحاجة نفسه وإنما ركبه تبعا للخضر ويحتمل أن يكون التقدير ذهاب موسى في ساحل البحر فيكون فيه حذف ويمكن أن يقال مقصود الذهاب إنما حصل بتمام القصة ومن تمامها أنه ركب معه البحر فأطلق على جميعها ذهابا مجازا إما من إطلاق الكل على البعض أو من تسمية السبب باسم ما تسبب عنه وحمله بن المنير على أن إلى بمعنى مع وقال بن
[ 154 ]
الرشيد يحتمل أن يكون ثبت عند البخاري أن موسى توجه في البحر لما طلب الخضر قلت لعله قوي عنده أحد الاحتمالين في قوله فكان يتبع أثر الحوت في البحر فالظرف يحتمل أن يكون لموسى ويحتمل أن يكون للحوت ويؤيد الأول ما جاء عن أبي العالية وغيره فروى عبد بن حميد عن أبي العالية أن موسى التقي بالخضر في جزيرة من جزائر البحر انتهى والتوصل إلى جزيرة في البحر لا يقع الا بسلوك البحر غالبا وعنده أيضا من طريق البيع بن أنس قال انجاب الماء عن مسلك الحوت فصار طاقة مفتوحة فدخلها موسى على أثر الحوت حتى انتهى إلى الخضر فهذا يوضح أنه ركب البحر إليه وهذان الاثران الموقوفان رجالهما ثقات قوله الآية هو بالنصب بتقدير فذكر وقد ذكر الأصيلي في روايته باقي الآية وهي قوله مما علمت رشدا قوله حدثنا وللأصيلي حدثني بالافراد قوله غرير تقدم في المقدمة أنه بالغين المعجمة مصغرا ومحمد وشيخه وأبوه إبراهيم بن سعد زهريون وكذا بن شهاب شيخ صالح وهو بن جلس قوله حدثه للكشميهني حدث بغير هاء وهو أمرهم على السماع لأن صالحا غير مدلس قوله تمارى أي تجادل قوله والحر هو بضم الحاء وتشديد الراء المهملتين وهو صحابي مشهور ذكره بن السكن وغيره وله ذكر عند المصنف أيضا في قصة له مع عمر قال فيها وكان الحر من النفر الذين يدنيهم عمر يعني لفضلهم قوله قال بن عباس هو خضر لم يذكر ما قال الحر بن قيس ولا وقفت على ذلك في شئ من طرق هذا الحديث وخضر بفتح أوله وكسر ثانيه أو بكسر أوله واسكان ثانيه ثبتت بهما الرواية وباثبات الألف واللام فيه وبحذفهما وهذا التمارى الذي وقع بين بن عباس والحر غير التمارى الذي وقع بين سعيد بن جبير ونوف البكالي فإن هذا في صاحب موسى هل هو الخضر أو غيره وذلك في موسى هل هو موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة أو موسى بن ميشا بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها غدا وسياق سعيد بن جبير للحديث عن بن عباس أتم من سياق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لهذا بشئ كثير وسيأتي ذكر مفصلا في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى ويقال إن اسم الخضر بليا بموحدة ولام ساكنة ثم تحتانية وسيأتي في أحاديث الأنبياء النقل عن سبب تلقيبه بالخضر وسيأتي نقل الخلاف في نسبه وهل هو رسول أو نبي فقط أو ملك بفتح اللام أو ولي فقط وهل هو باق أو مات قوله فدعاه أي ناداه وذكر بن التين أن فيه حذفا والتقدير فقام إليه فسأله لأن المعروف عن بن عباس التأدب مع من يأخذ عنه واخباره في ذلك شهيرة قوله إذ جاء رجل لم اقف على تسميته قوله بلى عبدنا أي هو أعلم وللكشميهني بل بإسكان اللام والتقدير فأوحى الله إليه لا تطلق النفي بل قل خضر وإنما قال عبدنا وإن كان السياق يقتضى أن يقول عبد الله لكونه أورده على طريق الحكاية عن الله سبحانه وتعالى والإضافة فيه للتعظيم قوله يتبع أثر الحوت في البحر في هذا السياق اختصار يأتي بيانه عند شرحه إن شاء الله تعالى قوله ما كنا نبغى أي نطلب لأن فقد الحوت جعل آية أي علامة على الموضع الذي فيه الخضر وفي الحديث جواز التجادل في العلم إذا كان بغير تعنت والرجوع إلى أهل العلم عند التنازع والعمل بخبر الواحد الصدوق وركوب البحر في طلب العلم بل في طلب الاستكثار منه ومشروعية حمل الزاد في السفر ولزوم التواضع في كل حال ولهذا حرص موسى على الالتقاء بالخضر عليهما السلام وطلب التعلم منه تعليما لقومه أن
[ 155 ]
يتأدبوا بأدبه وتنبيها لمن زكى نفسه أن يسلك مسلك التواضع قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم علمه الكتاب استعمل لفظ الحديث ترجمة ممسكا بأن ذلك لا يختص جوازه بابن عباس والضمير على هذا لغير مذكور ويحتمل أن يكون لابن عباس نفسه لتقدم ذكره في الحديث الذي قبله إشارة إلى أن الذي وقع لابن عباس من غلبته للحر بن قيس إنما كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له قوله حدثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المعروف بالمقعد البصري قوله حدثنا خالد هو بن مهران الحذاء قوله ضمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد المصنف في فضل بن عباس عن مسدد عن عبد الوارث إلى صدره وكان بن عباس إذ ذاك غلاما مميزا فيستفاد منه جواز احتضان الصبي القريب على سبيل الشفقة قوله علمه الكتاب بين المصنف في كتاب الطهارة من طريق عبيد الله بن أبي يزيد عن بن عباس سبب هذا الدعاء ولفظه دخل النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضعت له وضوءا زاد مسلم فلما خرج قال من وضع هذا فأخبر ولمسلم قالوا بن عباس ولأحمد وابن حبان من طريق سعيد بن جبير عنه أن ميمونة هي التي أخبرته بذلك وأن ذلك كان في بيتها ليلا ولعل ذلك كان في الليلة التي بات بن عباس فيها عندها ليرى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وقد أخرج أحمد من طريق عمرو بن دينار عن كريب عن بن عباس في قيامه خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل وفيه فقال لي ما بالك اجعلك حذائي فتخلفني فقلت أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله فدعا لي أن يزيدني الله فهما وعلما والمراد بالكتاب القرآن لأن العرف الشرعي عليه والمراد بالتعليم ما هو أعم من حفظه والتفهم فيه ووقع في رواية مسدد الحكمة بدل الكتاب وذكر الاسماعيلي أن ذلك هو الثابت في الطرق كلها عن خالد الحذاء كذا قال وفيه نظر لأن المصنف أخرجه أيضا من حديث وهيب عن خالد بلفظ الكتاب أيضا فيحمل على أن المراد بالحكمة أيضا القرآن فيكون بعضهم رواه بالمعنى وللنسائي والترمذي من طريق عطاء عن بن عباس قال دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتي الحكمة مرتين فيحتمل تعدد الواقعة فيكون المراد بالكتاب القرآن وبالحكمة السنة ويؤيده أن في رواية عبيد الله بن أبي يزيد التي قدمناها عند الشيخين اللهم فقهه في الدين لكن لم يقع عند مسلم في الدين وذكر القدرة في الجمع أن أبا مسعود ذكره في أطراف الصحيحين بلفظ اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل قال القدرة وهذه الزيادة ليست في الصحيحين قلت وهو كما قال نعم هي في رواية سعيد بن جبير التي قدمناها عند أحمد وابن حبان والطبراني ورواها بن سعد من وجه آخر عن عكرمة مرسلا وأخرج البغوي في معجم الصحابة من طريق زيد بن أسلم عن بن عمر كان عمر يدعو بن عباس ويقربه ويقول إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يوما فمسح رأسك وقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ووقع في بعض نسخ بن ماجة من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء في حديث الباب بلفظ اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وهذه الزيادة مستغربة من هذا الوجه فقد رواه الترمذي والاسماعيلي وغيرهما من طريق عبد الوهاب بدونها وقد وجدتها عند بن سعد من وجه آخر عن طاوس عن بن عباس قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وقد رواه أحمد عن
[ 156 ]
هشيم عن خالد في حديث الباب بلغظ مسح على رأسي وهذه الدعوة مما تحقق إجابة النبي صلى الله عليه وسلم فيها لما علم من حال بن عباس في معرفة التفسير والفقه في الدين رضي الله تعالى عنه واختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل القرآن كما تقدم وقيل العمل به وقيل السنة وقيل الإصابة في القول وقيل الخشية وقيل الفهم عن الله وقيل العقل وقيل ما يشهد العقل بصحته وقيل نور يفرق به بين الالهام والوسواس وقيل سرعه الجواب مع الإصابة وبعض هذه الأقوال ذكرها بعض أهل التفسير في تفسير قوله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة والاقرب أن المراد بها في حديث بن عباس الفهم في القرآن وسيأتي مزيد لذلك في المناقب إن شاء الله تعالى قوله باب متى يصح سماع الصغير زاد الكشميهني الصبي الصغير ومقصود الباب الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطا في التحمل وقال الكرماني إن معنى الصحة هنا جواز قبول مسموعه قلت وهذا تفسير لثمرة الصحة لا لنفس الصحة وأشار المصنف بهذا إلى اختلاف وقع بين أحمد بن حنبل ويحي بن معين رواه الخطيب في الكفاية عن عبد الله بن أحمد وغيره أن يحيى قال أقل سن التحمل خمس عشرة سنة لكون بن عمر رد يوم أحد إذ لم يبلغها فبلغ ذلك أحمد فقال بل إذا عقل ما يسمع وإنما قصة بن عمر في القتال ثم أورد الخطيب أشياء مما حفظها جمع من الصحابة ومن بعدهم في الصغر وحدثوا بها بعد ذلك وقبلت عنهم وهذا هو المعتمد وما قاله بن معين إن أراد به تحديد ابتداء الطلب بنفسه فموجه وإن أراد به رد حديث من سمع اتفاقا أو اعتنى به فسمع وهو صغير فلا وقد نقل بن عبد البر الاتفاق على قبول هذا وفيه دليل على أن مراد بن معين الأول وأما احتجاجه بان النبي صلى الله عليه وسلم رد البراء وغيره يوم بدر ممن كان لم يبلغ خمس عشرة فمردود بأن القتال يقصد فيه مزيد القوة والتبصر في الحرب فكانت مظنته التمييز وقد احتج الأوزاعي لذلك بحديث مروهم بالصلاة لسبع قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وقد ثبت ذلك في رواية كريمة قوله على حمار هو اسم جنس يشمل الذكر والأنثى كقولك بعير وقد شذ حمارة في الأنثى حكاه في الصحاح وأتان بفتح الهمزة وشذ كسرها كما حكاه الصغائي هي الأنثى من الحمير وربما قالوا للانثى أتانة حكاه يونس وأنكره غيره فجاء في الرواية على اللغة الفصحى وحمار أتان بالتنوين فيهما على النعت أو البدل وروى بالإضافة وذكر بن الأثير أن فائدة التنصيص على كونها أنثى للاستدلال بطريق الأولى على أن الأنثى من بني آدم لا تقطع الصلاة لأنهن أشرف وهو قياس صحيح من حيث النظر الا أن الخبر الصحيح لا يدفع بمثله كما سيأتي البحث فيه في الصلاة إن شاء الله تعالى قوله ناهزت أي قاربت والمراد بالاحتلام البلوغ الشرعي قوله إلى غير جدار أي إلى غير سترة قاله الشافعي وسياق الكلام يدل على ذلك لأن بن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته ويؤيده رواية البزار بلفظ والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة ليس لشئ يستره قوله بين يدي بعض الصف هو مجاز عن الإمام بفتح الهمزة لأن الصف ليس له يد وبعض الصف يحتمل أن يراد به صف من الصفوف أو بعض من أحد الصفوف قاله الكرماني قوله ترتع بمثناتين مفتوحتين وضم العين أي تأكل ما تشاء وقيل تسرع في المشي وجاء أيضا بكسر العين بوزن يفتعل من الرعى وأصله ترتعي لكن حذفت الياء تخفيفا والأول أصوب ويدل عليه رواية المصنف في الحج نزلت عنها
[ 157 ]
فرتعت قوله ودخلت وللكشميهني فدخلت بالفاء قوله فلم ينكر ذلك على أحد قيل فيه جواز تقديم المصلحة للراجحة على المفسدة الخفيفة لأن المرور مفسدة خفيفة والدخول في الصلاة مصلحة راجحة واستدل بن عباس على الجواز بعدم الإنكار لانتفاء الموانع إذ ذاك ولا يقال منع من الإنكار اشتغالهم بالصلاة لأنه نفى الإنكار مطلقا فتناول ما بعد الصلاة وأيضا فكان الإنكار يمكن بالإشارة وفيه ما ترجم له أن التحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية وإنما يشترط عند الأداء ويلحق بالصبي في ذلك العبد والفاسق والكافر وقامت حكاية بن عباس لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره مقام حكاية قوله إذ لا فرق بين الأمور الثلاثة في شرائط الأداء فإن قيل التقييد بالصبي والصغير في الترجمة لا يطابق حديث بن عباس أجاب الكرماني بان المراد بالصغير غير البالغ وذكر الصبي معه من باب التوضيح ويحتمل أن يكون لفظ الصغير يتعلق بقصة محمود ولفظ الصبي يتعلق بهما معا والله أعلم وسيأتي باقي مباحث هذا الحديث في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى قوله حدثنا محمد بن يوسف هو البيكندي كما جزم به البيهقي وغيره وأما الفريابي فليست له رواية عن أبي مسهر وكان أبو مسهر شيخ الشاميين في زمانه وقد لقيه البخاري وسمع منه شيئا يسيرا وحدث عنه هنا بواسطة وذكر بن المرابط فيما نقله بن رشيد عنه أن أبا مسهر تفرد برواية هذا الحديث عن محمد بن حرب وليس كما قال بن المرابط فإن النسائي رواه في السنن الكبرى عن محمد بن المصفى عن محمد بن حرب وأخرجه البيهقي في المدخل من رواية محمد بن جوصاء وهو بفتح الجيم والصاد المهملة عن سلمة بن الخليل وأبي التقى وهو بفتح المثناة وكسر القاف كلاهما عن محمد بن حرب فهؤلاء ثلاثة غير أبي مسهر رووه عن محمد بن حرب فكأنه المتفرد به عن الزبيدي وهذا الإسناد إلى الزهري شاميون وقد دخلها هو وشيخه محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو الأنصاري الخزرجي وحديثه هذا طرف من حديثه عن عتبان بن مالك الآتي في الصلاة من رواية صالح بن جلس وغيره عن الزهري وفي الرقاق من طريق معمر عن الزهري أخبرني محمود قوله عقلت هو بفتح القاف أي حفظت قوله مجة بفتح الميم وتشديد الجيم والمج هو إرسال الماء من الفم وقيل لا يسمى مجا الا أن كان على بعد وفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع محمود إما مداعبة معه أو ليبارك عليه بها كما كان ذلك من شأنه مع أولاد الصحابة قوله وأنا بن خمس سنين لم أر التقييد بالسن عند تحمله في شئ من طرقه لا في الصحيحين ولا في غيرهما من الجوامع والمسانيد الا في طريق الزبيدي هذه والزبيدي من كبار الحفاظ المتقنين عن الزهري حتى قال الوليد بن مسلم كان الأوزاعي يفضله على جميع من سمع من الزهري وقال أبو داود ليس في حديثه خطأ وقد تابعه عبد الرحمن بن نمر عن الزهري لكن يسير عند الطبراني والخطيب في الكفاية من طريق عبد الرحمن بن نمر وهو بفتح النون وكسر الميم عن الزهري وغيره قال حدثني محمود بن الربيع ضرر النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن خمس سنين فأفادت هذه الرواية أن الواقعة التي ضبطها كانت في آخر سنة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر بن حبان وغيره أنه مات سنة تسع وتسعين وهو بن أربع وتسعين سنة وهو مطابق لهذه الرواية وذكر القاضي عياض في الالماع وغيره إن في بعض الروايات أنه كان بن أربع ولم اقف على هذا صريحا في شئ من الروايات بعد التتبع التام الا إن كان ذلك مأخوذا من قول صاحب الاستيعاب إنه عقل المجة وهو بن أربع سنين أو خمس وكان
[ 158 ]
الحامل له على هذا التردد قول الواقدي إنه كان بن ثلاث وتسعين لما مات والأول أولى بالاعتماد لصحة إسناده على أن قول الواقدي يمكن حمله إن صح على أنه ألغى الكسر وجبره غيره والله أعلم وإذا تحرر هذا فقد اعترض المهلب على البخاري لكونه لم يذكر هنا حديث بن الزبير في رؤيته والده يوم بني قريظة ومراجعته له في ذلك ففيه السماع منه وكان سنة إذ ذاك ثلاث سنين أو أربعا فهو أصغر من محمود وليس في قصة محمود ضبطه لسماع شئ فكان ذكر حديث بن الزبير نقل سنة مقصودة في كون النبي صلى الله عليه وسلم مج مجة في وجهه بل في مجرد رؤيته إياه فائدة شرعية تثبت كونه صحابيا وأما قصة بن الزبير فليس فيها نقل سنة من السنن النبوية حتى الخطبة في هذا الباب ثم أنشد المنكر البيت أدرى بالذي فيه انتهى وهو جواب مسدد وتكملته ما قدمناه قيل أن المقصود بلفظ السماع في الترجمة أو ما ينزل منزلته من نقل الفعل أو التقرير وغفل البدر الزركشي فقال يحتاج المهلب إلى ثبوت أن قصة بن الزبير صحيحه على شرط البخاري انتهى والبخاري قد أخرج قصة بن الزبير المذكورة في مناقب الزبير في الصحيح فالايراد موجه وقد حصل جوابه والعجب من متكلم على كتاب يغفل عما وقع فيه في المواضع الواضحة ويعترضها بما يؤدي إلى نفى ورودها فيه قوله من دلو زاد النسائي معلق ولأبن حبان معلقه والداه يذكر ويؤنث وللمصنف في الرقاق من رواية معمر من دلو كانت في دارهم وله في الطهارة والصلاة وغيرهما من بئر بدل دلو ويجمع بينهما بان الماء أخذ بالدلو من البئر وتناوله النبي صلى الله عليه وسلم من الدلو وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز إحضار الصبيان مجالس الحديث وزيارة الإمام أصحابه في دورهم ومداعبته صبيانهم واستدل به بعضهم على تسميع من يكون بن خمس ومن كان دونها يكتب له حضور وليس في الحديث ولا في تبويب البخاري ما يدل عليه بل الذي ينبغي في ذلك اعتبار الفهم فمن فهم الخطاب سمع وإن كان دون بن خمس وإلا فلا وقال بن رشيد الظاهر أنهم أرادوا بتحديد الخمس أنها مظنة لذلك لا أن بلوغها شرط لا بد من تحققه والله أعلم وقريب منه ضبط الفقهاء سن التمييز بست أو سبع والمرجح أنها مظنة لا تحديد ومن أقوى ما يتمسك به في أن المرد في ذلك إلى الفهم فيختلف باختلاف الأشخاص ما أورده الخطيب من طريق أبي عاصم قال ذهبت بابني وهو بن ثلاث سنين إلى بن جريج فحدثه قال أبو عاصم لابأس بتعليم الصبي الحديث والقرآن وهو في هذا السن يعني إذا كان فهما وقصة أبي بكر بن المقري الحافظ في تسميعه لابن أربع بعد أن امتحنه بحفظ سور من القرآن مشهورة قوله باب الخروج أي المسفر في طلب العلم لم يذكر فيه شيئا مرفوعا صريحا وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة رفعه من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ولم يخرجه المصنف لاختلاف فيه قوله ورحل جابر بن عبد الله هو الأنصاري الصحابي المشهور وعبد الله بن أنيس بضم الهمزة مصغرا هو الجهني حليف الأنصار قوله في حديث واحد هو حديث أخرجه المصنف في الأدب المفرد وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا ثم شددت رحلي فسرت إليه شهرا حتى قدمت الشام فإذا عبد الله بن أنيس
[ 159 ]
فقلت للبواب قل له جابر على الباب فقال بن عبد الله قلت نعم فخرج فاعتقني فقلت حديث بلغني عنك إنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخشيت أن أموت قبل أن أسمعه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الله الناس يوم القيامة عراة فذكر الحديث وله طريق أخرى أخرجها الطبراني في مسند الشاميين وتمام في فوائده من طريق الحجاج بن دينار عن محمد بن المنكدر عن جابر قال كان يبلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في القصاص وكان صاحب الحديث بمصر فاشتريت بعيرا فسرت حتى وردت مصر فقصدت إلى باب الرجل فذكر نحوه وإسناده صالح وله طريق ثالثة أخرجها الخطيب في الرحلة من طريق أبي الجارود العنسي وهو بالنون الساكنة عن جابر قال بلغني حديث في القصاص فذكر الحديث نحوه وفي إسناده ضعف وادعى بعض المتأخرين أن هذا ينقض القاعدة المشهورة أن البخاري حيث يعلق بصيغة الجزم يكون صحيحا وحيث يعلق بصيغة التمريض يكون فيه علة لأنه علقه بالجزم هنا ثم أخرج طرقا من متنه في كتاب التوحيد بصيغة التمريض فقال ويذكر عن جابر عن عبد الله بن أنيس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الله العباد فيناديهم بصوت الحديث وهذه الدعوى مردودة والقاعدة بحمد الله غير منتقصة ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فأنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأن الإسناد حسن وقد اعتضد وحيث ذكر طرقا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل فلا يكفي فيه مجئ الحديث من طريق مختلف فيها ولو اعتضدت ومن هنا يظهر بلقان علمه ودقة نظره وحسن تصرفه رحمه الله تعالى ووهم بن بطال فزعم أن الحديث الذي رحل فيه جابر إلى عبد الله بن أنيس هو حديث الستر على المسلم وهو انتقال من حديث إلى حديث فإن الراحل في حديث الستر هو أبو أيوب الأنصاري رحل فيه إلى عقبة بن عامر الجهني أخرجه أحمد بسند منقطع أخرجه الطبراني من حديث مسلمة بن مخلد قال أتاني جابر فقال لي حديث بلغني إنك ترويه في الستر فذكره وقد وقع ذلك لغير من ذكره فروى أبو داود من طريق عبد الله بن بريدة أن رجلا من الصحابة رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر في حديث وروى الخطيب عن عبيد الله بن عدي قال بلغني حديث عند على فخفت إن مات أن لا أجده عند غيره فرحلت حتى قدمت عليه العراق وتتبع ذلك يكشر وسيأتي قول الشعبي في مسألة إن كان الرجل ليرحل فيما دونها إلى المدينة وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال إن كنت لأرحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد وسيأتي نحو ذلك عن غيره وفي حديث جابر دليل على طلب علو الإسناد لأنه بلغه الحديث عن عبد الله بن أنيس فلم يقنعه حتى رحل فأخذه عنه بلا واسطة وسيأتي عن بن مسعود في كتاب فضائل القرآن قوله لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لرحلت إليه وأخرج الخطيب عن أبي العالية قال كنا نسمع عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم وقيل لأحمد رجل يطلب العلم يلزم رجلا عنده علم كثير أو يرحل قال يرحل يكتب عن علماء الأمصار فيشافه الناس ويتعلم منهم وفيه ما كان عليه الصحابة من الحرص على تحصيل السنن النبوية وفيه جواز اعتناق القادم حيث لا تحصل الريبة قوله خالد بن خلى هو بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الخفيفه بعدها ياء تحتانية مشددة كما تقدم في المقدمة
[ 160 ]
وإنما أعدته لأنه وقع عند الزركشي مضبوطا بلام مشددة وهو سبق قلم أو خطأ من الناسخ قوله قال الأوزاعي في رواية الأصيلي حدثنا الأوزاعي قوله أنه تمارى هو والحر سقطت هو من رواية بن عساكر فعطف على المرفوع المتصل بغير تأكيد ولا فصل وهو جائز عند البعض وقد تقدمت مباحث هذا الحديث قبل ببابين وليس بين الكلب اختلاف الا فيما لا يغير المعنى وهو قليل وفيه فضل الازدياد من العلم ولو مع المشقة والنصب بالسفر وخضوع الكبير لمن يتعلم منه ووجه الدلالة منه قوله تعالى لبنيه عليه الصلاة والسلام أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وموسى عليه السلام منهم فتدخل أمة النبي صلى الله عليه وسلم تحت هذا الأمر الا فيما ثبت نسخه قوله باب فضل من علم بعدم الأولى بكسر اللام الخفيفة أي صار عالما والثانية بفتحها وتشديدها قوله حدثنا محمد بن العلاء هو أبو كريب مشهور بكنيته أكثر من اسمه وكذا شيخه أبو أسامة وبريد بضم الموحدة وأبو بردة جده وهو بن أبي موسى الأشعري وقال في السياق عن أبي موسى ولم يقل عن أبيه تفننا والإسناد كله كوفيون قوله مثل بفتح المثلثة والمراد به الصفة العجيبة لا القول السائر قوله الهدى أي الدلالة الموصلة إلى المطلوب والعلم المراد به معرفة الأدلة الشرعية قوله نقيه كذا عند البخاري في جميع الروايات التي رأيناها بالنون من النقاء وهي صفة لمحذوف لكن وقع عند الخطابي والحميدي وفي حاشية أصل أبي ذر ثغبة بمثلثة مفتوحة وغين غدا مكسورة بعدها موحدة خفيفة مفتوحة قال الخطابي هي مستنقع الماء في الجبال والصخور قال القاضي عياض هذا غلط في الرواية واحالة للمعنى لأن هذا وصف الطائفة الأولى التي تنبت وما ذكره يصلح وصفا للثانية التي تمسك الماء قال وما ضبطناه في البخاري من جميع الطرق الا نقيه بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء التحتانية وهو مثل قوله في مسلم طائفة طيبة قلت وهو في جميع ما وقفت عليه من المسانيد والمستخرجات كما عند مسلم وفي كتاب الزركشي وروى بقعة قلت هو بمعنى طائفة لكن ليس ذلك في شئ من روايات الصحيحين ثم قرأت في شرح بن رجب أن في رواية بالموحدة بدل النون قال والمراد بها القطعة الطيبة كما يقال فلان بقية الناس ومنه فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيه قوله قبلت بفتح القاف وكسر الموحدة من القبول كذا في معظم الروايات ووقع عند الأصيلي قيلت بالتحتانية المشددة وهو تصحيف كما سنذكره بعد قوله الكلا بالهمزة بلا الفساد قوله والعشب هو من ذكر الخاص بعد العام لأن الكلأ يطلق على النبت الرطب واليابس معا والعشب للرطب فقط قوله اخاذات كذا في رواية أبي ذر بكسر الهمزة والخاء والذال المعجمتين وآخره مثناة من فوق قبلها ألف جمع اخاذة وهي الأرض التي تمسك الماء وفي رواية غير أبي ذر وكذا في مسلم وغيره اجادب بالجيم والدال المهملة بعدها موحدة جمع جدب بفتح الدال المهملة على غير قياس وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء وضبطه المازري بالذال المعجمة ووهمه القاضي ورواها الاسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب احارب بحاء وراء مهملتين قال الاسماعيلي لم يضبطه أبو يعلى وقال الخطابي ليست هذه الرواية بشئ قال وقال بعضهم اجارد بجيم وراء ثم دال الركعة جمع جرداء وهي البارزة التي لا تنبت قال الخطابي هو صحيح المعنى إن ساعدته الرواية وأغرب صاحب المطالع فجعل الجميع روايات وليس في الصحيحين
[ 161 ]
سوى روايتين فقط وكذا جزم القاضي قوله فنفع الله بها أي بالاخاذات وللأصيلي به أي بالماء قوله وزرعوا كذا له بزيادة زاي من الزرع ووافقه أبو يعلى ويعقوب بن الأخرم وغيرهما عن أبي كريب ولمسلم والنسائي وغيرهما عن أبي كريب ورعوا بغير زاى من الرعى قال النووي كلاهما صحيح ورجح القاضي رواية مسلم بلا مرجح لأن رواية زرعوا أخذت على مباشرة الزرع لتطابق في التمثيل مباشرة طلب العلم وأن كانت رواية رعوا مطابقة لقوله أنبتت لكن المراد أنها قابلة للإنبات وقيل أنه روى ووعوا بواوين ولا أصل لذلك وقال القاضي قوله ورعوا راجع للأولى لأن الثانية لم يحصل منها نبات انتهى ويمكن أن يرجع إلى الثانية أيضا بمعنى أن الماء الذي استقر بها سقيت منه أرض أخرى فأنبتت قوله فأصاب أي الماء وللأصيلي وكريمة أصابت أي طائفة أخرى ووقع كذلك صريحا عند النسائي والمراد بالطائفة القطعة قوله قيعان بكسر القاف جمع قاع وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت قوله فقه بضم القاف أي صار فقيها وقال بن التين رويناه بكسرها ولا ضم أشبه قال القرطبي وغيره ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلا بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه وكذا كان حال الناس قبل مبعثه فكما أن الغيث يحيى البلد الميت فكذا علوم الدين تحي القلب الميت ثم شبة السامعين له بالأرض المختلف التي ينزل بها الغيث فمنهم العالم العامل المعلم فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وانبتت فنفعت غيرها ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به وهو المشار إليه بقوله نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها والله أعلم ثم ظهر لي أن في كل مثل طائفتين فالأول قد اوضحناه والثاني الأولى منه من دخل في الدين ولم يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه ومثالها من الأرض السباخ وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم من لم يرفع بذلك رأسا أي اعرض عنه فلم ينتفع به ولا نفع والثانية منه من لم يدخل في الدين أصلا بل بلغه فكفر به ومثالها من الأرض الصماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا ينتفع به وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل هدى الله الذي جئت به وقال الطيبي بقي من أقسام الناس قسمان أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه ولم يعلمه غيره والثاني من لم ينتفع به في نفسه وعلمه غيره قلت والأول انظر في الأول لأن النفع حصل في الجملة وإن تفاوتت مراتبه وكذلك ما تثبته الأرض فمنه ما ينتفع الناس به ومنه ما يصير هشيما وأما الثاني فإن كان عمل الفرائض وأهمل النوافل فقد دخل في الثاني كما قررناه وإن ترك الفرائض أيضا فهو فاسق لا يجوز الأخذ عنه ولعله يدخل في عموم من لم يرفع بذلك رأسا والله أعلم قوله قال إسحاق وكان منها طائفة قيلت أي بتشديد الياء التحتانية أي أن إسحاق وهو بن راهويه حيث روى هذا الحديث عن أبي أسامة خالف في هذا الحرف قال الأصيلي هو تصحيف من إسحاق وقال غيره بل هو صواب ومعناه شربت والقيل شرب نصف النهار يقال قيلت الإبل أي شربت في القائلة
[ 162 ]
وتعقبه القرطبي بأن المقصود لا يختص بشرب القائلة وأجيب بان كون هذا أصله لا يمنع استعماله على الإطلاق تجوزا وقال بن دريد قيل الماء في المكان المنخفض إذا اجتمع فيه وتعقبه القرطبي أيضا بأنه يفسد التمثيل لأن اجتماع الماء إنما هو مثال الطائفة الثانية والكلام هنا إنما هو في الأولى التي شربت وأنبتت قال والاظهر أنه تصحيف قوله قاع بعلوه الماء والصفصف المستوى من الأرض هذا ثابت عند المستملى وأراد به أن قيعان المذكورة في الحديث جمع قاع وأنها الأرض التي يعلوها الماء ولا يستقر فيها وإنما ذكر الصفصف معه جريا على عادته في الاعتناء بتفسير ما يقع في الحديث من الألفاظ الواقعة في القرآن وقد يستطرد ووقع في بعض النسخ المصطف بدل الصفصف وهو تصحيف تنبيه وقع في رواية كريمة وقال بن إسحاق وكان شيخنا العراقي يرجحها ولم أسمع ذلك منه وقد وقع في نسخة الصغاني وقال إسحاق عن أبي أسامة وهذا يرجح الأول قوله باب رفع العلم مقصود الباب الحث على تعلم العلم فأنه لا يرفع الا بقبض العلماء كما سيأتي صريحا وما دام من يتعلم العلم موجودا لا يحصل الرفع وقد تبين في حديث الباب أن رفعه من علامات الساعة قوله لكثرة اشتغاله بالاجتهاد ومراد ربيعة أن من كان فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه فيترك الاشتغال لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم أو مراده الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدى إلى رفع العلم أو مراده أن يشهر العالم نفسه ويتصدى للآخذ عنه لئلا يضيع علمه وقيل مراده تعظيم العلم وتوقيره فلا يهين نفسه بأن يجعله عرضا للدنيا وهذا معنى حسن لكن اللائق بتبويب المصنف ما تقدم وقد وصل أثر ربيعة المذكور الخطيب في الجامع والبيهقي في المدخل من طريق عبد العزيز الأويسي عن مالك عن ربيعة قوله حدثنا عمران بن ميسرة في بعضها عمران غير مذكور الأب وقد عرف من الرواية الأخرى أنه بن ميسرة وقد خرجه النسائي عن عمران بن موسى القزاز وليس هو شيخ البخاري فيه قوله عبد الوارث هو بن سعيد عن أبي التياح بمثناه مفتوحة فوقانية بعدها تحتانية ثقيلة وآخره حاء الركعة كما تقدم قوله عن أنس زاد الأصيلي وأبو ذر بن مالك وللنسائي حدثنا أنس ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون وكذا الذي بعده قوله أشراط الساعة أي علاماتها كما تقدم في الإيمان وتقدم أن منها ما يكون من معي المعتاد ومنها ما يكون خارقا للعادة قوله أن يرفع العلم هو في محل نصب لأنه اسم أن وسقطت أن من رواية النسائي حيث أخرجه عن عمران شيخ البخاري فيه فعلى روايته يكون مرفوع المحل والمراد برفعه موت حملته كما تقدم قوله ويثبت هو بفتح أوله وسكون المثلثة وضم الموحدة وفتح المثناة وفي رواية مسلم ويبث بضم أوله وفتح الموحدة بعدها مثلثة أي ينتشر وغفل الكرماني فعزاها للبخاري وإنما حكاها النووي في الشرح لمسلم قال الكرماني وفي رواية وينبت بالنون بدل المثلثة من النبات وحكى بن رجب عن بعضهم وينث بنون ومثلثة من النث وهو الاشاعة قلت وليست هذه في شئ من الصحيحين قوله ويشرب الخمر هو بضم المثناة أوله وفتح الموحدة على العطف والمراد كثرة ذلك واشتهاره وعند المصنف في النكاح من طريق هشام عن قتادة ويكثر شرب الخمر فالعلامة مجموع ما ذكر قوله ويظهر الزنا أي يفشو كما في رواية مسلم قوله حدثنا يحيى
[ 163 ]
هو بن سعيد القطان قوله عن أنس زاد الأصيلي بن مالك قوله لاحدثنكم بفتح اللام وهو جواب قسم محذوف أي والله لأحدثنكم وصرح به أبو عوانة من طريق هشام عن قتادة ولمسلم من رواية غندر عن شعبة الا أحدثكم فيحتمل أن يكون قال لهم أولا ألا أحدثكم فقالوا نعم فقال لأحدثنكم قوله لا يحدثكم أحد بعدي كذا له ولمسلم بحذف المفعول ولابن ماجة من رواية غندر عن شعبة لا يحدثكم به أحد بعدي وللمصنف من طريق هشام لا يحدثكم به غيري ولأبي عوانة من هذا الوجه لا يحدثكم أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدي وعرف أنس أنه لم يبق أحد ممن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره لأنه كان آخر من مات بالبصرة من الصحابة فلعل الخطاب بذلك كان لأهل البصرة أو كان عاما وكان تحدثيه بذلك في آخر عمره لأنه لم يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم الا النادر ممن لم يكن هذا المتن في مرويه وقال بن بطال يحتمل أنه قال ذلك لما رأى من التغيير ونقص العلم يعني فاقتضى ذلك عنده أنه لفساد الحال لا يحدثهم أحد بالحق قلت والأول أولى قوله سمعت هو بيان أو بدل لقوله لأحدثنكم قوله أن يقل العلم هو بكسر القاف من القلة وفي رواية مسلم عن غندر وغيره عن شعبة أن يرفع العلم وكذا في رواية سعيد عند بن أبي شيبة وهمام عند المصنف في الحدود وهشام عنده في النكاح كلهم عن قتادة وهو موافق لرواية أبي التياح وللمصنف أيضا في الأشربة من طريق هشام أن يقل فيحتمل أن يكون المراد بقلته أول العلامة وبرفعه آخرها أو أطلقت القلة وأريد بها العدم كما يطلق العدم ويراد به القلة وهذا أليق لاتحاد المخرج قوله وتكثر النساء قيل سببه أن الفتن تكثر فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل الحرب دون النساء وقال أبو عبد الملك هو إشارة إلى كثرة الفتوح فتكثر السبايا فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوآت قلت وفيه نظر لأنه صرح بالقلة في حديث أبي موسى الآتي في الزكاة عند المصنف فقال من قلة الرجال وكثرة النساء والظاهر أنها علامة محضة لا لسبب آخر بل يقدر الله في آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث وكون كثرة النساء من العلامات مناسبة لظهور الجهل ورفع العلم وقوله لخمسين يحتمل أن يراد به حقيقة هذا العدد أو يكون مجازا عن الكثرة ويؤيد أن في حديث أبي موسى وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة قوله القيم أي من يقوم بأمرهن واللام للعهد أشعارا بما هو معهود من كون الرجال قوامين على النساء وكأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر لكونها مشعرة باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد وهي الدين لأن رفع العلم يخل به والعقل لأن شرب الخمر يخل به والنسب لأن الزنا يخل به والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخل بهما قال الكرماني وإنما كان اختلال هذه الأمور مؤذنا بخراب العالم لأن الخلق لا يتركون هملا ولا نبي بعد نبينا صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين فيتعين ذلك وقال القرطبي في المفهم في هذا الحديث علم من أعلام النبوة إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت خصوصا في هذه الازمان وقال القرطبي في التذكرة يحتمل أن يراد بالقيم من يقوم عليهن سواء كن موطوآت أم لا ويحتمل أن يكون ذلك يقع في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول الله الله فيتزوج الواحد بغير عدد جهلا بالحكم الشرعي قلت وقد وجد ذلك من بعض أمراء التركمان وغيرهم من أهل هذا الزمان مع دعواه الإسلام
[ 164 ]
والله المستعان قوله باب فضل العلم الفضل هنا بمعنى الزيادة أي ما فضل عنه والفضل الذي تقدم في أول كتاب العلم بمعنى الفضيلة فلا يظن أنه كرره قوله حدثنا سعيد بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير المصري نسب إلى جده كما تقدم وعفير بضم المهملة بعدها فاء كما تقدم أيضا قوله حدثنا الليث هو بن سعيد عن عقيل وللأصيلي وكريمة حدثني الليث حدثني عقيل قوله عن حمزة وللمصنف في التعبير أخبرني حمزة قوله بينا أصله بين فأشبعت الفتحة قوله أتيت بضم الهمزة قوله فشربت أي من ذلك اللبن قوله لأرى بفتح الهمزة من الرؤية أو من العلم واللام للتأكيد أو جواب قسم محذوف والرى بكسر الراء في الرواية وحكى الجوهري الفتح وقال غيره بالكسر الفعل وبالفتح المصدر قوله يخرج أي الري وأطلق رؤيته إياه على سبيل الاستعارة قوله في اظفاري في رواية بن عساكر من اظفاري وهو أبلغ وفي التعبير من اطرافي وهو بمعناه قوله قال العلم هو بالنصب والرفع معا في الرواية وتوجيههما ظاهر وتفسير اللبن بالعلم لاشتراكهما في كثرة النفع بهما وسيأتي بقية الكلام عليه في مناقب عمر وفي كتاب التعبير إن شاء الله تعالى قال بن المنير وجه الفضيلة للعلم في الحديث من جهة أنه عبر عن العلم بأنه فضلة النبي صلى الله عليه وسلم ونصيب مما آتاه الله وناهيك بذلك انتهى وهذا قاله بناء على أن المراد بالفضل الفضيلة وغفل عن النكتة المتقدمة قوله باب الفتيا هو بضم الفاء وإن قلت الفتوى فتحتها والمصادر الآتية بوزن فتيا قليلة مثل تقيا ورجعى قوله وهو أي المفتى ومراده أن العالم يجيب سؤال الطالب ولو كان راكبا قوله على الدابة المراد بها في اللغة كل ما مشى على الأرض وفي العرف ما يركب وهو المراد بالترجمة وبعض أهل العرف خصها بالحمار فإن قيل ليس في سياق الحديث ذكر الركوب فالجواب أنه أحال به على الطريق الأخرى التي أوردها في الحج فقال كان على ناقته ترجم له باب الفتيا على الدابة عند الجمرة فأورد الحديث من طريق مالك عن بن شهاب فذكره كالذي هنا ثم من طريق بن جريج نحوه ثم من طريق صالح بن جلس عن بن شهاب بلفظ ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته قال فذكر الحديث ولم يسق يسير وقال بعده تابعه معمر عن الزهري انتهى ورواية معمر وصلها أحمد ومسلم والنسائي وفيها رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى على ناقته قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله حجة الوداع هو بفتح الحاء ويجوز كسرها قوله للناس يسألونه هو إما حال من فاعل وقف أو من الناس أو استئناف بيانا لسبب الوقوف قوله فجاء رجل لم أعرف اسم هذا السائل ولا الذي بعده في قوله فجاء آخر والظاهر أن الصحابي لم يسم أحدا لكثرة من سأل إذ ذاك وسيأتي بسط ذلك في الحج قوله ولا حرج أي لا شئ عليك مطلقا من الإثم لا في الترتيب ولا في ترك الفدية هذا ظاهره وقال بعض الفقهاء المراد نفى الإثم فقط وفيه نظر لأن في بعض الروايات الصحيحة ولم يأمر بكفارة وسيأتي مباحث ذلك في كتاب الحج إن شاء الله تعالى ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون قوله باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد أو الرأس الإشارة باليد مستفادة من الحديثين المذكورين في الباب أولا وهما مرفوعان وبالرأس مستفادة من حديث أسماء فقط وهو من فعل عائشة فيكون موقوفا لكن له حكم المرفوع لأنها كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان في الصلاة يرى من خلفه فيدخل في التقرير قوله وهيب بالتصغير وهو بن خالد من حفاظ
[ 165 ]
البصرة مات سنة خمس وستين وقيل تسع وستين وأرخه الدمياطي في حواشي نسخته سنة ست وخمسين وهو وهم وأيوب هو السختياني وعكرمة هو مولى بن عباس والإسناد كله بصريون قوله سئل هو بضم أوله فقال أي السائل ذبحت قبل أن ارمى أي فهل على شئ قوله فأومأ بيده فقال لا حرج أي عليك وقوله فقال يحتمل أن يكون بيانا لقوله أومأ ويكون من إطلاق القول على الفعل كما في الحديث الذي بعده فقال هكذا بيده ويحتمل أن يكون حالا والتقدير فأومأ بيده قائلا لا حرج فجمع بين الإشارة والنطق والأول أليق بترجمة المصنف قوله وقال حلفت يحتمل أن السائل هو الأول ويحتمل أن يكون غيره ويكون التقدير فقال سائل كذا وقال آخر كذا وهو الأظهر ليوافق الرواية التي قبله حيث قال فجاء آخر قوله فأومأ بيده ولا حرج كذا ثبت الواو في قوله ولا حرج وليست عند أبي ذر في الجواب الأول قال الكرماني لأن الأول كان في ابتداء الحكم والثاني عطف على المذكور أولا انتهى وقد ثبتت الواو في الأول أيضا في رواية الأصيلي وغيره قوله حدثنا المكى هو اسم وليس بنسب وهو من كبار شيوخ البخاري كما سنذكره في باب إثم من كذب قوله أخبرنا حنظلة وهو بن أبي سفيان بن عبد الرحمن الجمحي المدني قوله عن سالم هو بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وفي رواية الاسماعيلي من طريق إسحاق بن سليمان الراوي عن حنظلة قال سمعت سالما وزاد فيه لا أدري كم رأيت أبا هريرة قائما في السوق يقول يقبض العلم فذكره موقوفا لكن ظهر في آخره أنه مرفوع قوله يقبض العلم يفسر المراد بقوله قبل هذا يرفع العلم والقبض يفسره حديث عبد الله بن عمرو الآتي بعد أنه يقع بموت العلماء قوله ويظهر الجهل هو من السري ذلك قوله والفتن في رواية الأصيلي وغيره وتظهر الفتن قوله الهرج هو بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم قوله فقال هكذا بيده هو من إطلاق القول على الفعل قوله فحرفها الفاء فيه تفسيرية كأن الراوي بين أن الإيماء كان محرفا قوله كأنه يريد القتل كأن ذلك فهم من تحريف اليد وحركتها كالضارب لكن هذه الزيادة لم أرها في معظم الروايات وكأنها من تفسير الراوي عن حنظلة فإن أبا عوانة رواه عن عباس الدوري عن أبي عاصم عن حنظلة وقال في آخره وأرانا أبو عاصم كأنه يضرب عنق الإنسان وقال الكرماني الهرج هو الفتنة فارادة القتل من يسير على طريق التجوز إذ هو السري معنى الهرج قال إلا أن يثبت ورود الهرج بمعنى القتل لغة قلت وهي غفلة عما في البخاري في كتاب الفتن والهرج القتل بلسان الحبشة وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث هناك إن شاء الله تعالى قوله هشام هو بن عروة بن الزبير عن فاطمة هي بنت المنذر بن الزبير وهي زوجة هشام وبنت عمه قوله عن أسماء هي بنت أبي بكر الصديق زوج الزبير بن العوام وهي جدة هشام وفاطمة جميعا قوله فقلت ما شأن الناس أي لما رأيت من اضطرابهم قوله فأشارت أي عائشة إلى السماء أي انكسفت الشمس قوله فإذا الناس قيام كأنها التفتت من حجرة عائشة إلى من في المسجد فوجدتهم قياما في صلاة الكسوف ففيه إطلاق الناس على البعض قوله فقالت سبحان الله أي اشارت قائلة سبحان الله قوله قلت آية هو بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذه آية أي علامة ويجوز حذف همزة الاستفهام وإثباتها قوله فقمت أي في الصلاة قوله حتى علاني كذا للأكثر بالعين المهملة وتخفيف اللام وفي رواية كريمة
[ 166 ]
تجلاني بمثناة وجيم ولام مشددة وجلال الشئ ما غطى به والغشى بفتح الغين وإسكان الشين المعجمتين وتخفيف الياء وبكسر الشين وتشديد الياء أيضا هو طرف من الاغماء والمراد به هنا الحالة القريبة منه فأطلقته مجازا ولهذا قالت فجعلت أصب على رأسي الماء أي في تلك الحال ليذهب ووهم من قال بأن صبها كان بعد الافاقة وسيأتي تقرير ذلك في كتاب الطهارة ويأتي الكلام على هذا الحديث أيضا في صلاة الكسوف إن شاء الله تعالى قوله أريته هو بضم الهمزة قوله حتى الجنة والنار رويناه بالحركات الثلاث فيهما قوله مثل أو قريبا كذا هو بترك التنوين في الأول وإثباته في الثاني قال بن مالك توجيهه أن أصله مثل فتنة الدجال أو قريبا من فتنة الدجال فحذف ما أضيف إلى مثل وترك على هيئته قبل الحذف وجاز الحذف لدلالة ما بعده عليه وهذا كقول الشاعر بين ذراعي وجيهة الأسد تقديره بين ذراعي الأسد وجيهة الأسد وقال الآخر أما وخلف المرء من لطف ربه كوالئ عنه ما هو يحذر وفي رواية بترك التنوين في الثاني أيضا وتوجيهه أنه مضاف إلى فتنة أيضا وإظهار حرف الجر بين المضاف والمضاف إليه جائز عند قوم وقوله لا أدري أي ذلك قالت أسماء جملة معترضة بين بها الراوي أن الشك منه هل قالت له أسماء مثل أو قالت قريبا وستأتي مباحث هذا المتن في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى تنبيه وقع في نسخة الصغاني هنا قال بن عباس مرقدنا مخرجنا وفي ثبوت ذلك نظر لأنه لم يقع في الحديث لذلك ذكر وأن كان قد يظهر له مناسبة وقد ذكر ذلك في موضعه من سورة يس قوله باب تحريض هو بالضاد المعجمة ومن قالها بالمهملة هنا فقد صحف قوله وقال مالك بن الحويرث هو بصيغة تصغير الحارث وهذا التعليق طرف من حديث له مشهور يأتي في الصلاة قوله أبي جمرة هو بالجيم والراء كما تقدم قوله من شقة بضم الشين المعجمة وتشديد القاف قوله وتعطوا كذا وقع وهو منصوب بتقدير أن وساغ التقدير لأن المعطوف عليه اسم قاله الكرماني قلت قد رواه أحمد عن غندر فقال وأن تعطوا فكأن حذفها من شيخ البخاري قوله قال شعبة وربما قال النقير أي بالنون المفتوحة وتخفيف القاف المكسورة وربما قال المقير أي بالميم المضمومة وفتح القاف وتشديد الياء المفتوحة وليس المراد أنه كان يتردد في هاتين اللفظتين ليثبت إحداهما دون الأخرى لأنه يلزم من ذكر المقير التكرار لسبق ذكر المزقت لأنه بمعناه بل المراد أنه كان جازما يذكر الثلاثة الأول شاكا في الرابع وهو النقير فكان تارة يذكره وتارة لا يذكره وكان أيضا شاكا في التلفظ بالثالث فكان تارة يقول المزفت وتارة يقول المقير هذا توجيهه فلا يلتفت إلى ما عداه وقد تقدمت مباحث هذا الحديث في أواخر كتاب الإيمان وأخرجه المصنف هناك عاليا عن علي بن الجعد عن شعبة ولم يتردد الا في المزفت والمقير فقط وجزم بالنقير وهو يؤيد ما قلته والله أعلم قوله وأخبروه
[ 167 ]
هو بفتح الهمزة وكسر الباء وللكشميهني واخبروا بحذف الضمير قوله باب الرحلة هو بكسر الراء بمعنى الارتحال وفي روايتنا أيضا بفتح الراء أي الواحدة وأما بضمها فالمراد به الجهة وقد تطلق على من يرتحل إليه وفي رواية كريمة وتعليم أهله بعد قوله في المسألة النازلة والصواب حذفها لأنها تأتي في باب آخر قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله حدثني عبد الله بن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة نسب إلى جده قوله عن عقبة بن الحارث سيأتي تصريحه بالسماع من عقبة في كتاب النكاح خلافا لمن أنكره وسيأتي الخلاف في كنية عقبة في قصة خبيب بن عدي قوله أنه تزوج ابنة اسمها غنية بفتح المعجمة وكسر النون بعدها ياء تحتانية مشددة وكنيتها أم يحيى كما يأتي في الشهادات وهجم الكرماني فقال لا يعرف اسمها وأبو إهاب بكسر الهمزة لا أعرف اسمه وهو مذكور في الصحابة وعزيز بفتح العين المهملة وكسر الزاي وآخره زاى أيضا كما تقدم في المقدمة ومن قاله بضم أوله فقد حرف قوله فأتته امرأة لم اقف على اسمها قوله ولا أخبرتني بكسر المثناة أي قبل بذلك كأنه اتهمها قوله فركب أي من مكة لأنها كانت دار إقامته والفرق بين هذه الترجمة وترجمة باب الخروج في طلب العلم أن هذا أخص وذاك أعم وستأتي مباحث هذا الحديث في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى قوله ونكحت زوجا غيره اسم هذا الزوج ظريب بضم المعجمة المشالة وفتح الراء وآخره موحدة مصغرا قوله باب التناوب هو بالنون وضم الواو من النوبة بفتح النون قوله وقال بن وهب هذا التعليق وصله بن حبان في صحيحه عن بن قتيبة عن حرملة عنه بسنده ليس في روايته قول عمر كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول وهو مقصود هذا الباب وإنما وقع ذلك في رواية شعيب وحده عن الزهري نص على ذلك الذهلي والدارقطني والحاكم وغيرهم وقد ساق المصنف الحديث في كتاب النكاح عن أبي وابنه وحده أتم مما هنا بكثير وإنما ذكر هنا رواية يونس بن يزيد ليوضح أن الحديث كله ليس من افراد شعيب قوله عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور هو مكي نوفلي وقد اشترك معه في اسمه واسم أبيه وفي الرواية عن بن عباس وفي رواية الزهري عنهما عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني الهذلي لكن روايته عن بن عباس كثيرة في الصحيحين وليس لابن أبي ثور عن بن عباس غير هذا الحديث الواحد قوله وجار لي هذا الجار هو عتبان بن مالك أفاده بن القسطلاني لكن لم يذكر دليله قوله في بني أمية أي ناحية بن أمية سميت البقعة باسم من نزلها قوله أثم هو بفتح المثلثة قوله دخلت على حفصة ظاهر سياقه يوهم أنه من كلام الأنصاري وإنما الداخل على حفصة عمر وللكشميهني فدخلت على حفصة أي قال عمر فدخلت على حفصة وإنما جاء هذا من الاختصار وإلا ففي أصل الحديث بعد قوله أمر عظيم طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه قلت قد كنت أظن أن هذا كائن حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة يعني أم المؤمنين بنته وفي هذا الحديث الاعتماد على خبر الواحد والعمل بمراسيل الصحابة وفيه أن الطالب لا يغفل عن النظر في أمر معاشه ليستعين على طلب العلم وغيره مع أخذه الحزم في السؤال عما يفوته يوم غيبته
[ 168 ]
لما علم من حال عمر أنه كان يتعانى التجارة إذ ذاك كما سيأتي في البيوع وفيه أن شرط التواتر أن يكون مستند نقلته الأمر المحسوس لا الاشاعة التي لا يدري من بدأ بها وسيأتي بقية الكلام عليه في النكاح إن شاء الله تعالى قوله باب الغضب في الموعظة حدثنا محمد بن كثير هو العبدي ولم يخرج للصغائي شيئا قوله أخبرني سفيان هو الثوري عن بن أبي خالد هو إسماعيل قوله قال رجل قيل هو حزم بن أبي كعب قوله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطيل قال القاضي عياض ظاهرة مشكل لأن التطويل يقتضى الإدراك لا عدمه قال فكأن الألف زيدت بعد لا وكأن أدرك كانت أترك قلت هو توجيه حسن لو ساعدته الرواية وقال أبو الزناد بن سراج معناه أنه كان به ضعف فكان إذا المريض به الإمام في القيام لا يبلغ الركوع الا وقد ازداد ضعفه فلا يكاد يتم معه الصلاة قلت وهو معنى حسن لكن رواه المصنف عن الفريابي عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ إني لأتأخر عن الصلاة فعلى هذا فمراد بقوله أني لا أكاد أدرك الصلاة أي لا أقرب من الصلاة في الجماعة بل أتأخر عنها أحيانا من أجل التطويل وسيأتي تحرير هذا في موضعه في الصلاة ويأتي الخلاف في اسم الشاكي والمشكو قوله أشد غضبا قيل إنما غضب لتقدم نهيه عن ذلك قوله وذا الحاجة كذا للأكثر وفي رواية القابسي وذو الحاجة وتوجيهه أنه عطف على موضع اسم أن قبل دخولها أو هو استئناف قوله سأله رجل هو عمير والد مالك وقيل غيره كما سيأتي في اللقطة قوله وكاءها هو بكسر الواو ما يربط به والعفاص بكسر العين المهملة هو الوعاء بكسر الواو قوله فغضب إما لأنه كان نهى قبل ذلك عن التقاطها وإما لأن السائل قصر في فهمه فقاس ما يتعين التقاطه على ما لا يتعين قوله سقاؤها هو بكسر أوله والمراد بذلك أجوافها لأنها تشرب فتكتفي به أياما قوله وحذاؤها بكسر المهملة ثم ذال غدا والمراد هنا خفها وستأتي مباحث هذا الحديث في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى قوله حدثنا محمد بن العلاء تقدم هذا الإسناد في باب فضل من علم بعدم قوله سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلك من المسائل كما سيأتي في حديث بن عباس في تفسير المائدة قوله قال رجل هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء القرشي السهمي كما سماه في حديث أنس الاتي قوله فقام آخر هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة سماه بن عبد البر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح منه وأغفله في الاستيعاب ولم يظفر به أحد من الشارحين ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة وهو صحابي بلا مرية لقوله فقال من أبي يا رسول الله ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلا من بني عبد الدار قال من أبي قال سعد نسبه إلى غير أبيه بخلاف بن حذافة وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة قوله فلما رأى عمر هو بن الخطاب ما في وجهه أي من الغضب قال يا رسول الله إنا نتوب إلى الله أي مما يوجب غضبك وفي حديث أنس الاتي بعد أن عمر كبر على ركبتيه فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا والجمع بينهما ظاهر بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة تنبيه قصر المصنف الغضب على الموعظة والتعليم دون الحكم لأن الحاكم مأمور أن
[ 169 ]
لا يقضى وهو غضبان والفرق أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة الغضبان لأن مقامه يقتضى تكلف الانزعاج لأنه في صورة المنذر وكذا المعلم إذا أنكر على من يتعلم منه سوء فهم ونحوه لأنه قد يكون أدعى للقبول منه وليس ذلك لازما في حق كل أحد بل يختلف باختلاف أحوال المتعلمين وأما الحاكم فهو بخلاف ذلك كما يأتي في بابه فإن قيل فقد قضى عليه الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قال أبوك فلان فالجواب أن يقال أولا ليس هذا من باب الحكم وعلى تقديره فيقال هذا من خصوصياته لمحل العصمة فاستوى غضبه ورضاه ومجرد غضبه من الشئ دال على تحريمه أو كراهته بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم قوله باب من برك هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال برك البعير إذا استناخ واستعمل في الأدمي مجازا قوله خرج فقام عبد الله بن حذافة فيه حذف يظهر من الرواية الأخرى والتقدير خرج فسئل فأكثروا عليه فغضب فقال سلوني فقام عبد الله قوله فقال رضينا بالله ربا قال بن بطال فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك فقال رضينا بالله ربا الخ فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فسكت قوله باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم هو بضم الياء وفتح الهاء وفي روايتنا أيضا بكسر الهاء لكن في رواية الأصيلي وكريمة ليفهم عنه وهو بفتح الهاء لاغير قوله فقال الا وقول الزور كذا في رواية أبي ذر وفي رواية غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو طرف معلق من حديث أبي بكرة المذكور في الشهادات وفي الديات الذي أوله الا انبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا فذكر الحديث ففيه معنى الترجمة لكونه قال لهم ذلك ثلاثة قوله فما زال يكررها أي في مجلسه ذلك والضمير يعود على الكلمة الأخيرة وهي قول الزور وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في مكانه قوله وقال بن عمر هو طرف أيضا من حديث مذكور عند المصنف في كتاب الحدود أوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أي شهر هذا فذكر الحديث وفيه هذا القدر المعلق وقوله ثلاثا متعلق بقال لا بقوله بلغت قوله حدثنا عبدة هو بن عبد الله الصفار ولم يخرج البخاري عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي وهو من طبقة عبدة الصفار وفي رواية الأصيلي حدثنا عبدة الصفار قوله حدثنا عبد الصمد هو بن عبد الوارث بن سعيد يكنى أبا سهل والمثنى والد عبد الله هو بضم الميم وفتح المثلثة وتشديد النون المفتوحة وهو بن عبد الله بن أنس بن مالك وثمامة عمه ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أي من عادة النبي صلى الله عليه وسلم والمراد أن أنسا مخبر عما عرفه من شأن النبي صلى الله عليه وسلم وشاهده لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك ويؤيد ذلك أن المصنف أخرجه في كتاب الاستئذان عن إسحاق وهو بن منصور عن عبد الصمد بهذا الإسناد إلى أنس فقال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قوله إذا تكلم قال الكرماني مثل هذا التركيب يشعر بالاستمرار عند الاصوليين قوله بكلمة أي بجملة مفيدة قوله أعادها ثلاثا قد بين المراد بذلك في نفس الحديث بقوله حتى تفهم عنه وللترمذي والحاكم في المستدرك حتى تعقل عنه ووهم الحاكم في استدراكه وفي دعواه أن البخاري لم يخرجه وقال الترمذي حسن صحيح غريب إنما نعرفه من حديث عبد الله بن المثنى انتهى وعبد الله بن المثنى ممن تفرد البخاري بإخراج حديثه دون
[ 170 ]
مسلم وقد وثقه العجلي والترمذي وقال أبو زرعة وأبو حاتم صالح وقال بن أبي خيثمة عن بن معين ليس بشئ وقال النسائي ليس بالقوي قلت لعله أراد في بعض حديثه وقد تقرر أن البخاري حيث يخرج لبعض من فيه مقال لا يخرج شيئا مما أنكر عليه وقول بن معين ليس بشئ أراد به في حديث بعينه سئل عنه وقد قواه في رواية إسحاق بن منصور عنه وفي الجملة فالرجل إذا ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح الا إذا كان مفسرا بأمر قادح وذلك غير موجود في عبد الله بن المثنى هذا وقد قال بن حبان لما ذكره في الثقات ربما أخطأ والذي أنكر عليه إنما هو من روايته عن غير عمه ثمامة والبخاري إنما أخرج له عن عمه هذا الحديث وغيره ولا شك أن الرجل أضبط لحديث آل بيته من غيره وقال بن المنير نبه البخاري بهذه الترجمة على الرد على من كره إعادة الحديث وأنكر على الطالب الاستعادة وعده من البلادة قال والحق أن هذا يختلف باختلاف القرائح فلا شئ على المستفيد الذي لا يحفظ من مرة إذا استعاد ولا عذر للمفيد إذا لم يعد بل الإعادة عليه آكد من الابتداء لأن الشروع ملزم وقال بن التين فيه أن الثلاث غاية ما يقع به الاعتذار والبيان قوله وإذا آتي على قوم أي وكان إذا أتى قوله فسلم عليهم هو من تتمة الشرط وقوله سلم عليهم هو الجواب بن قال الاسماعيلي يشبه أن يكون ذلك كان إذا سلم سلام الاستئذان على ما رواه أبو موسى وغيره وأما أن يمر المار مسلما فالمعروف عدم التكرار قلت وقد فهم المصنف هذا بعينه فأورد هذا الحديث مقرونا بحديث أبي موسى في قصته مع عمر كما سيأتي في الاستئذان لكن يحتمل أن يكو ذلك كان يقع أيضا منه إذا خشي أنه لا يسمع سلامه وما ادعاه الكرماني من أن الصيغة المذكورة تفيد الاستمرار مما ينازع فيه والله أعلم قوله في حديث عبد الله بن عمرو فأدركنا هو بفتح الكاف وقوله ارهقنا بسكون القاف وللأصيلي ارهقتنا وقوله صلاة العصر هو بدل من الصلاة إن رفعا فرفع وإن نصبا فنصب قوله مرتين أو ثلاثا هو شك من الراوي وهو يدل على أن الثلاث ليست شرطا بل المراد التفهيم فإذا حصل بدونها اجزأ وسيأتي الكلام على المتن في الطهارة إن شاء الله تعالى قوله باب تعليم الرجل أمته وأهله مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص وفي الأهل بالقياس إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء قوله حدثنا محمد بن سلام كذا في روايتنا من طريق أبي ذر وفي رواية كريمة حدثنا محمد هو بن سلام وللأصيلي حدثنا محمد حسب واعتمده المزي في الأطراف فقال رواه البخاري عن محمد قيل هو بن سلام قوله أخبرنا في رواية كريمة حدثنا المحاربي وهو عبد الرحمن بن محمد بن زياد وليس له عند البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر في العيدين وذكر أبو علي الجياني أن بعض أهل بلدهم صحف المحاربي فقال البخاري فأخطأ خطأ فاحشا قوله حدثنا صالح بن حيان هو صالح بن صالح بن مسلم بن حيان نسب إلى جد أبيه وهو بفتح المهملة وتشديد الياء التحتانية ولقبه حي وهو أشهر به من اسمه وكذا من ينسب إليه يقال للواحد منهم غالبا فلان بن حي كصالح بن حي هذا وهو ثقة مشهور وفي طبقته راو آخر كوفي أيضا يقال له صالح بن حيان القرظي لكنه ضعيف وقد وهم من زعم أن البخاري أخرج له فأنه إنما أخرج لصالح بن حي وهذا الحديث معروف بروايته عن الشعبي دون القرشي وقد أخرجه البخاري من حديثه من طرق منها في الجهاد من طريق بن عيينة قال حدثنا صالح بن حي أبو
[ 171 ]
حيان قال سمعت الشعبي وأصرح من ذلك أنه أخرج الحديث المذكور في كتاب الأدب المفرد بالإسناد الذي أخرجه هنا فقال صالح بن حي قوله قال عامر أي قال صالح قال عامر وعادتهم حذف قال إذا تكررت خطأ لا نطقا قوله عن أبيه هو أبو موسى الأشعري كما صرح به في العتق وغيره قوله ثلاثة لهم اجران ثلاثة مبتدأ والتقدير ثلاثة رجال أو رجال ثلاثة ولهم أجران خبره قوله رجل هو بدل تفصيل أو بدل كل بالنظر إلى المجموع قوله من أهل الكتاب لفظ الكتاب عام ومعناه خاص أي المنزل من عند الله والمراد به التوراة والإنجيل كما تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة حيث يطلق أهل الكتاب وقيل المراد به هنا الإنجيل خاصة إن قلنا أن النصرانية ناصحة لليهودية كذا قرره جماعة ولا يحتاج إلى اشتراط النسخ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام كان قد أرسل إلى بني إسرائيل بلا خلاف فمن أجابه منهم نسب إليه ومن كذبه منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنا فلا يتناوله الخبر لأن شرطه أن يكون مؤمنا بنبيه نعم من دخل في اليهودية من غير بني إسرائيل أو لم يكن بحضرة عيسى عليه السلام فلم تبلغه دعوته يصدق عليه أنه يهودي مؤمن إذ هو مؤمن بنبيه موسى عليه السلام ولم يكذب نبيا آخر بعده فمن أدرك بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ممن كان بهذه المثابة وآمن به لا يشكل أنه يدخل في الخبر المذكور ومن هذا القبيل العرب الذين كانوا باليمن وغيرها ممن دخل منهم في اليهودية ولم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام لكونه أرسل إلى بني إسرائيل خاصة نعم الاشكال في اليهود الذين كانوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أن الآية الموافقة لهذا الحديث وهي قوله تعالى أولئك يؤتون أجرهم مرتين نزلت في طائفة آمنوا منهم كعبد الله بن سلام وغيره ففي الطبراني من حديث رفاعة القرظي قال خرج عشرة من أهل الكتاب منهم أبي رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به فأوفوا فنزلت الذين أتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون الآيات فهؤلاء من بني إسرائيل ولم يؤمنوا بعيسى بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أنهم يؤتون أجرهم مرتين قال الطيبي فيحتمل إجراء الحديث على عمومه إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم سببا لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة انتهى وسأذكر ما يؤيده بعد ويمكن أن يقال في حق هؤلاء الذين كانوا بالمدينة إنه لم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام لأنها لم تنتشر في أكثر البلاد فاستمروا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى عليه السلام إلى أن جاء الإسلام فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فبهذا يرتفع الاشكال إن شاء الله تعالى فوائد الأولى وقع في شرح بن التين وغيره أن الآية المذكورة نزلت في كعب الأحبار وعبد الله بن سلام وهو صواب في عبد الله خطأ في كعب لأن كعبا ليست له صحبة ولم يسلم الا في عهد عمر بن الخطاب والذي في تفسير الطبري وغيره عن قتادة أنها نزلت في عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وهذا مستقيم لأن عبد الله كان يهوديا فأسلم كما سيأتي في الهجرة وسلمان كان نصرانيا فأسلم كما سيأتي في البيوع وهما صحابيان مشهوران الثانية قال القرطبي الكتابي الذي يضاعف أجره مرتين هو الذي كان على الحق في شرعه عقدا وفعلا إلى أن آمن بنبينا صلى الله عليه وسلم فيؤجر على أتباع الحق الأول والثاني انتهى ويشكل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى
[ 172 ]
هرقل أسلم يؤتك الله أجرك مرتين وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل وقد قدمت بحث شيخ الإسلام في هذا في حديث أبي سفيان في بدء الوحي الثالثة قال أبو عبد الملك البوني وغيره إن الحديث لا يتناول اليهود البتة وليس بمستقيم كما قررناه وقال الداودي ومن تبعه إنه يحتمل أن يتناول جميع الأمم فيما فعلوه من خير كما في حديث حكيم بن حزام الاتي أسلمت على ما أسلفت من خير وهو متعقب لأن الحديث مقيد بأهل الكتاب فلا يتناول غيرهم الا بقياس الخير على الإيمان وأيضا فالنكتة في قوله آمن بنبيه الأشعار بعلية الأجر أي أن سبب الاجرين الإيمان بالنبيين والكفار ليسوا كذلك ويمكن أن يقال الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار أن أهل الكتاب يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فمن آمن به واتبعه منهم كان له فضل على غيره وكذا من كذبه منهم كان وزره أشد من وزر غيره وقد ورد مثل ذلك في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكون الوحي كان ينزل في بيوتهن فإن قيل فلم لم يذكرن في هذا الحديث فيكون العدد أربعة أجاب شيخنا شيخ الإسلام بأن قضيتهن خاصة بهن مقصورة عليهن والثلاثة المذكورة في الحديث مستمرة إلى يوم القيامة وهذا مصير من شيخنا إلى أن قضية مؤمن أهل الكتاب مستمرة وقد ادعى الكرماني اختصاص ذلك بمن آمن في عهد البعثة وعلل ذلك بأن نبيهم بعد البعثة إنما هو محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار عموم بعثته انتهى وقضيته أن ذلك أيضا لا يتم لمن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإن خصه بمن لم تبلغه الدعوة فلا فرق في ذلك بين عهده وبعده فما قاله شيخنا أظهر والمراد بنسبتهم إلى غير نبينا صلى الله عليه وسلم إنما هو باعتبار ما كانوا عليه قبل ذلك وأما ما قوي به الكرماني دعواه بكون السياق مختلفا حيث قيل في مؤمن أهل الكتاب رجل التنكير وفي العبد بالتعريف وحيث زيدت فيه إذا الدالة على معنى الاستقبال فأشعر ذلك بأن الاجرين لمؤمن أهل الكتاب لا يقع في الاستقبال بخلاف العيد انتهى وهو غير مستقيم لأنه مشى فيه مع ظاهر اللفظ وليس متفقا عليه بين الرواة بل هو عند المصنف فقد عبر في ترجمة عيسى بإذا في الثلاثة وعبر في النكاح بقوله أيما رجل في المواضع الثلاثة وهي صريحة في التعميم وأما الاختلاف بالتعريف والتنكير فلا أثر له هنا لأن المعرف بلام الجنس مؤداه مؤدى النكرة والله أعلم الرابعة حكم المرأة الكتابية حكم الرجل كما هو مطرد في جل الأحكام حيث يدخلن مع الرجال بالتبعية الا ما خصه الدليل وستأتي مباحث العبد في العتق ومباحث الأمة في النكاح قوله فله اجران هو تكرير لطول الكلام للاهتمام به قوله ثم قال عامر أي الشعبي أعطيناكها ظاهرة أنه خاطب بذلك صالحا الراوي عنه ولهذا جزم الكرماني بقوله الخطاب لصالح وليس كذلك بل إنما خاطب بذلك رجلا من أهل خراسان سأله عمن يعتق أمته ثم يتزوجها كما سنذكر ذلك في ترجمة عيسى عليه السلام من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى قوله بغير شئ أي من الأمور الدنيوية وإلا فالاجر الاخروي حاصل له قوله يركب فيما دونها أي يرحل لأجل ما هو أهون منها كما عنده في الجهاد والضمير عائد على المسألة قوله الى المدينة أي النبوية وكان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ثم نفرق الصحابة في البلاد بعد فتوح الأمصار وسكنوها فاكتفى أهل كل بلد بعلمائه الا من طلب التوسع في العلم فرحل وقد تقدم حديث جابر في ذلك ولهذا عبر
[ 173 ]
الشعبي مع كونه من كبار التابعين بقوله أن كان واستدلال بن بطال وغيره من المالكية على تخصيص العلم بالمدينة فيه نظرا لما قررناه وإنما قال الشعبي ذلك تحريضا للسامع ليكون ذلك ادعى لحفظه وأجلب لحرصه والله المستعان وقد روى الدارمي بسند صحيح عن بسر بن عبيد الله وهو بضم الموحدة وسكون المهملة قال إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار في الحديث الواحد وعن أبي العالية قال كنا نسمع الحديث عن الصحابة فلا نرضى حتى نركب إليهم فنسمعه منهم قوله باب عظة الإمام النساء نبه بهذه الترجمة على أن ما سبق من الندب إلى تعليم الأهل ليس مختصا بأهلهن بل ذلك مندوب للآمام الأعظم ومن ينوب عنه واستفيد الوعظ بالتصريح من قوله في الحديث فوعظهن وكانت الموعظة بقوله إني رأيتكن أكثر أهل النار لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير واستفيد التعليم من قوله وأمرهن بالصدقة كأنه اعلمهن أن في الصدق تكفيرا لخطاياهن قوله عن أيوب هو السختياني وعطاء هو بن أبي رباح قوله أو قال عطاء اشهد معناه أن الراوي تردد هل لفظ أشهد من قول بن عباس أو من قول عطاء وقد رواه بالشك أيضا حماد بن زيد عن أيوب أخرجه أبو نعيم في المستخرج وأخرجه أحمد بن حنبل عن غندر عن شعبة جازما بلفظ أشهد عن كل منهما وإنما عبر بلفظ الشهادة تأكيدا لتحققه ووثوقا بوقوعه قوله ومعه بلال كذا للكشميهني وسقطت الواو للباقين قوله القرط هو بضم القاف واسكان الراء بعدها طاء الركعة أي الحلقة التي تكون في شحمة يأمر وسيأتي مزيد في هذا المتن في العيدين إن شاء الله تعالى قوله وقال إسماعيل هو المعروف بابن علية وأراد بهذا التعليق أنه جزم عن أيوب بأن لفظ أشهد من كلام بن عباس فقط وكذا جزم به أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة وكذا قال وهيب عن أيوب ذكره الاسماعيلي وأغرب الكرماني فقال يحتمل أن يكون قوله وقال إسماعيل عطفا على حدثنا شعبة فيكون المراد به حدثنا سليمان بن حرب عن إسماعيل فلا يكون تعليقا انتهى وهو مردود بأن سليمان بن حرب لا رواية له عن إسماعيل أصلا لا لهذا الحديث ولا لغيره وقد أخرجه المصنف في كتاب الزكاة موصولا عن مؤمل بن هشام عن إسماعيل كما سيأتي وقد قلنا غير مرة إن الاحتمالات العقلية لا مدخل لها في الأمور النقلية ولو استرسل فيها مسترسل لقال يحتمل أن يكون إسماعيل هنا آخر غير بن علية وأن أيوب آخر غير السختياني وهكذا في أكثر الوراة فيخرج بذلك إلى ما ليس بمرضي وفي هذا الحديث جواز المعاطاة في الصدقة وصدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها وأن الصدقة تمحو كثيرا من الذنوب التي الخطبة النار قوله باب الحرص على الحديث المراد بالحديث ف يعرف الشرع ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه أريد به مقابلة القرآن لأنه قديم قوله حدثنا عبد العزيز هو أبو القاسم الأويسي وسليمان هو بن بلال وعمرو بن أبي عمرو هو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب واسم أبي عمرو ميسرة والإسناد كله مدنيون قوله أنه قال قيل يا رسول الله كذا لأبي ذر وكريمة وسقطت قيل للباقين وهو الصواب ولعلها كانت قلت فتصحفت فقد أخرجه المصنف في الرقاق كذلك وللاسماعيلي أنه سأل ولأبي نعيم أن أبا هريرة قال يا رسول الله قوله أول منك وقع في روايتنا برفع اللام ونصبها فالرفع على الصفة لأحد أو البدل منه والنصب على أنه مفعول ثان لظننت قاله القاضي عياض وقال أبو البقاء على الحال ولا يضر كونه نكرة لأنها
[ 174 ]
في سياق النفي كقولهم ما كان أحد مثلك وما في قوله لما موصولة ومن بيانية أو تبعيضية وفيه فضل أبي هريرة وفضل الحرص على تحصيل العلم قوله من قال لا إله إلا الله احتراز من المشرك والمراد مع قوله محمد رسول الله لكن قد يكتفى بالجزء الأول من كلمتي الشهادة لأنه صار شعارا لمجموعها كما تقدم في الإيمان قوله خالصا احتراز من المنافق ومعنى أفعل في قوله أسعد الفعل لا أنها أفعل التفضيل أي سعيد الناس كقوله تعالى وأحسن مقيلا ويحتمل أن يكون أفعل التفضيل على بابها وأن كل أحد يحصل له سعد بشفاعته لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها فأنه صلى الله عليه وسلم يشفع في الخلق لإراحتهم من هول الموقف ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب كما صح في حق أبي طالب ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها وفي بعضهم بعدم دخولها بعد أن استوجبوا دخولها وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب وفي بعضهم برفع الدرجات فيها فظهر الاشتراك في السعادة بالشفاعة وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص والله أعلم قوله من قلبه أو نفسه شك من الراوي وللمصنف في الرفاق خالصا من قبل نفسه وذكر ذلك على سبيل التأكيد كما في قوله تعالى فأنه آثم قلبه وفي الحديث دليل على اشتراك النطق بكلمتي الشهادة لتعبيره بالقول في قوله من قال قوله باب كيف يقبض العلم أي كيفية قبض العلم قوله إلى أبي بكر بن حزم هو بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري نسب إلى جد أبيه ولجده عمرو صحبة ولأبيه محمد رؤية وأبو بكر تابعي فقيه استعمله عمر بن عبد العزيز على إمرة المدينة وقضائها ولهذا كتب إليه ولا يعرف له اسم سوى أبي بكر وقيل كنيته أبو عبد الملك واسمه أبو بكر وقيل اسمه كنيته قوله انظر ما كان أي أجمع الذي تجد ووقع هنا للكشميهني عندك أي في بلدك قوله فاكتبه يستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ فلما خاف عمر بن عبد العزيز وكان على رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت العلماء رأى أن في تدوينه ضبطا له وابقاء وقد روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه قوله لايقبل هو بضم الياء التحتانية وسكون اللام وبسكونها وكسرها معا في وليفشوا وليجلسوا قوله حتى يعلم هو بضم أوله وتشديد اللام وللكشميهني يعلم بفتح أوله وتخفيف اللام قوله يهلك بفتح أوله وكسر اللام قوله حدثنا العلاء لم يقع وصل هذا التعليق عند الكشميهني ابن كريمة ولا بن عساكر إلى قوله ذهاب العلماء وهو محتمل لأن يكون ما بعده ليس من كلام عمر أو من كلامه ولم يدخل في هذه الرواية والأول أظهر وبه صرح أبو نعيم في المستخرج ولم أجده في مواضع كثيرة الا كذلك وعلى هذا فبقيته من كلام المصنف أورده تلو كلام عمر ثم بين أن ذلك غاية ما انتهى إليه كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى قوله حدثني مالك قال الدارقطني لم يروه في الموطأ الا معن بن عيسى وأراه أصحاب مالك كابن وهب وغيره عن مالك خارج الموطأ وأفاد بن عبد البر أن سليمان بن يزيد رواه أيضا في الموطأ والله أعلم وقد اشتهر هذا الحديث من رواية هشام بن عروة فوقع لنا من رواية اكثر من سبعين نفسا عنه من أهل الحرمين والعراقين والشام وخراسان ومصر وغيره ووافقه على روايته عن أبيه عروة أبو الأسود المدني وحديثه في الحصيحين والزهري وحديثه في النسائي ويحيى بن أبي كثير وحديثه في صحيح
[ 175 ]
أبي عوانة ووافق أباه على روايته عن عبد الله بن عمرو عمر بن الحكم بن ثوبان وحديثه في مسلم قوله لا يقبض العلم انتزاعا أي محوا من الصدور وكان تحديث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حجة الوداع كما رواه أحمد والطبراني من حديث أبي إمامة قال لما كان في حجة الوداع قال النبي صلى الله عليه وسلم خذوا العلم قبل أن يقبض أو يرفع فقال أعرابي كيف يرفع فقال الا أن ذهاب العلم ذهاب حملته ثلاث مرات قال بن المنير محو العلم من الصدور جائز في القدرة الا أن هذا الحديث دل على عدم وقوعه قوله حتى إذا لم يبق عالم هو بفتح الياء والقاف وللأصيلي بضم أوله وكسر القاف وعالما منصوب أي لم يبق الله عالما وفي رواية مسلم حتى إذا لم يترك عالما قوله رؤوسا قال النووي ضبطناه بضم الهمزة والتنوين جمع رأس قلت وفي رواية أبي ذر أيضا بفتح الهمزة وفي آخره همزة أخرى مفتوحة جمع رئيس قوله بغير علم وفي رواية أبي الأسود في الاعتصام عند المصنف فيفتون برأيهم ورواها مسلم كالأولى قوله قال الفربري هذا من زيادات الراوي عن البخاري في بعض الأسانيد وهي قليلة قوله نحوه أي بمعنى حديث مالك ولفظ رواية قتيبة هذه أخرجها مسلم عنه وفي هذا الحديث الحث على حفظ العلم والتحذير من ترئيس الجهلة وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم واستدل به الجمهور على القول غلام الزمان عن مجتهد ولله الأمر يفعل ما يشاء وسيكون لنا في المسألة عود في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى قوله باب هل يجعل أي الإمام وللاصيلى وكريمة يجعل بضم أوله وعندهما يوم بالرفع لأجل ذلك قوله على حدة بكسر المهملة وفتح الدال المهملة المخففة أي ناحية وحدهن والهاء عوض عن الواو المحذوفة كما قالوا في عدة من الوعد قوله حدثنا ادم هو بن أبي إياس قوله قال النساء كذا لأبي ذر وللباقين قالت النساء وكلاهما جائز وغلبنا بفتح الموحدة والرجال بالضم لأنه فاعله قوله فاجعل لنا أي عين لنا وعبر عنه بالجعل لأنه لازمه ومن ابتدائية متعلقة بإجعل والمراد رد ذلك إلى اختياره قوله فوعظهن التقدير فوفى بوعده فلقيهن فوعظهن ووقع في رواية سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحو هذه القصة فقال موعدكن بيت فلانة فأتاهن فحدثهن قوله وآمرهن أي بالصدقة أو حذف المأمورية لإرادة التعميم قوله ما منكن امرأة وللأصيلي ما من امرأة ومن زائدة لفظا وقوله تقدم صفة لامرأة قوله الا كان لها أي التقديم حجابا وللأصيلي حجاب بالرفع وتعرب كان تامة أي حصل لها حجاب وللمصنف في الجنائز الا كن له أي الأنفس التي تقدم وله في الاعتصام الا كانوا أي الأولاد قوله فقالت امرأة هي أم سليم وقيل غيرها كما سنوضحه في الجنائز قوله واثنين ولكريمة واثنتين بزيادة تاء التأنيث وهو منصوب بالعطف على ثلاثة ويسمى العطف التلقينى وكأنها فهمت الحصر وطمعت في الفضل فسألت عن حكم الإثنين هل يلتحق بالثلاثة أو لا وسيأتي في الجنائز الكلام في تقديم الواحد قوله حدثني محمد بن بشار أفاد بهذا الإسناد فائدتين إحداهما تسمية بن الأصبهاني المبهم في الرواية الأولى والثانية زيادة طريق أبي هريرة التي زاد فيها التقييد بعدم بلوغ الحنث أي الإثم والمعنى أنهم ماتوا قبل أن يبلغوا لأن الإثم إنما يكتب بعد البلوغ وكأن السر فيه أنه لا ينسب إليهم إذ ذاك عقوق فيكون الحزن عليهم أشد وفى الحديث ما كان عليه نساء الصحابة من الحرص على تعلم أمور الدين وفيه جواز الوعد وأن
[ 176 ]
أطفال المسلمين في الجنة وأن من مات له ولدان حجباه من النار ولا اختصاص لذلك بالنساء كما سيأتي بالتنصيص عليه في الجنائز تنبيه حديث أبي هريرة مرفوع والواو في قوله وقال للعطف على محذوف تقديره مثله أي مثل حديث أبي سعيد والواو في قوله وعن عبد الرحمن للعطف على قوله أولا عن عبد الرحمن والحاصل أن شعبة يرويه عن عبد الرحمن بإسنادين فهو موصول ووهم من زعم أنه معلق قوله باب من سمع شيئا زاد أبو در فلم يفهمه قوله فراجعه أي راجع الذي سمعه منه وللأصيلي فراجع فيه قوله أن عائشة ظاهر أوله الإرسال لأن بن أبي مليكة تابعي لم يدرك مراجعة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم لكن تبين وصله بعد في قوله قالت عائشة فقلت قوله كانت لا تسمع آتي بالمضارع استحضار للصورة الماضية لقوة تحققها قوله إنما ذلك بكسر الكاف العرض أي عرض الناس على الميزان قوله نوقش بالقاف والمعجمة من المناقشة وأصلها الاستخراج ومنه نقش الشوكة إذا استخرجها والمراد هنا المبالغة في الاستيفاء والمعنى أن تحرير الحساب يفضى إلى استحقاق العذاب لأن حسنات العبد موقوفة على القبول وإن لم أنكر الرحمة المقتضبة للقول لا يحصل النجاة قوله في آخره يهلك بكسر اللام واسكان الكاف وفي الحديث ما كان عند عائشة من الحرص على تفهم معاني الحديث وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتضجر من المراجعة في العلم وفيه جواز المناظرة ومقابلة السنة بالكتاب وتفاوت الناس في الحساب وفيه أن السؤال عن مثل هذا لم يدخل فيما نهى الصحابة عنه في قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء وفي حديث أنس كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ وقد وقع نحو ذلك لغير عائشة ففي حديث حفصة أنها لما سمعت لا يدخل النار أحد ممن شهد بدرا والحديبية قالت أليس الله يقول وإن منكم الا واردها فاجيبت بقوله ثم ننجي الذين اتقوا الآية وسأل الصحابة لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أينا لم يظلم نفسه فأجيبوا بأن المراد بالظلم الشرك والجامع بين هذه المسائل الثلاث ظهور العموم في الحساب والورود والظلم فأوضح لهم أن المراد في كل منها أمر خاص ولم يقع مثل هذا من الصحابة الا قليلا مع توجه السؤال وظهوره وذلك لكمال فهمهم ومعرفتهم باللسان العربي فيحمل ما ورد من ذم من سأل عن المشكلات على من سأل تعنتا كما قال تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وفي حدديث عائشة فإذا رأيتم الذين يسألون عن ذلك فهم الذين سمي الله فاحذروهم ومن ثم أنكر عمر على صنيع لما رآه أكثر من السؤال عن مثل ذلك وعاقبه وسيأتي إيضاح هذا كله في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وسيأتي باقيه في كتاب الرقاق وكذا الكلام على انتقاد الدارقطني لإسناده إن شاء الله تعالى قوله باب ليبلغ العلم بالنصب والشاهد بالرفع والغائب منصوب أيضا والمراد بالشاهد هنا الحاضر أي ليبلغ من حضر من غاب لنه المفعول الأول والعلم المفعول الثاني وإن قدم في الذكر قوله قاله بن عباس أي رواه وليس هو في شئ من طرق حديث بن عباس بهذه الصورة وإنما هو في روايته ورواية غيره بحذف العلم وكأنه أراد بالمعنى لن المأمور بتبليغه هو العلم قوله عن أبي شريح هو الهدي الصحابي المشهور وعمرو بن سعيد هو بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمي القرشى الأموي يعرف بالأشدق وليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان قوله وهو يبعث البعوث أي يرسل الجيوش إلى مكة
[ 177 ]
لقتال عبد الله بن الزبير لكونه أمتنع من مبايعة يزيد بن معاوية واعتصم بالحرم وكان عمرو وإلى يزيد على المدينة والقصة مشهورة وملخصها أن معاوية عهد بالخلافة بعده ليزيد بن معاوية فبايعه الناس الا الحسين بن علي وابن الزبير فأما بن أبي بكر فمات قبل موت معاوية وأما بن عمر فبايع ليزيد عقب موت أبيه وأما الحسين بن على فسار إلى الكوفة لاستدعائهم إياه ليبايعوه فكان ذلك سبب قتله وأما بن الزبير فاعتصم ويسمى عائد البيت وغلب على أمر مكة فكان يزيد بن معاوية بأمر أمراءه على المدينة أن يجهزوا إليه الجيوش فكان آخر ذلك أن أهل المدينة اجتمعوا على خلع يزيد من الخلافه قول ائذن لي فيه حسن التلطف في الإنكار على أمراء الجور ليكون ادعى لقبولهم قوله أحدثك بالجزم لنه جواب الأمر قوله قام صفة للقول والمقول هو حمد الله الخ قوله الغد بالنصب أي أنه خطب في اليوم الثاني من فتح مكة قوله سمعته أذناي الخ أراد أنه بالغ في حفظه والتثبت فيه وأنه لم يأخذه بواسطة وأتى بالتثنية تأكيدا والضمير في قوله تكلم به عائد على قوله قولا قوله ولم يحرمها الناس بالضم أي أن تحريمها كان بوحى من الله لامن اصطلاح الناس قوله يسفك بكسر الفاء وحكى ضمها وهو صب الدم والمراد به القتل قوله بها وللمستملى فيها قوله ولا يعضد بكسر الضاد المعجمة وفتح الدال أي يقطع بالمعضد وهو آلة كالفأس قوله وإنما إذن لي أي آله روى بضم الهمزة وفي قوله لي التفات لأن نسق الكلام وإنما إذن له أي لرسوله قوله ساعة أي مقدارا من الزمان والمراد به يوم الفتح وفي مسند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ذكل كان من طلوع الشمس الى العصر والمأذون له فيه القتال لا قطع الشجر قوله ما قال عمرو أي في جوابك قوله لا نعيذ بضم المثناة أوله وآخره ذال غدا أي مكة لا تعصم العاصي عن إقامة الحد عليه قوله ولا فارا بالفاء والراء المشددة أي هاربا عليه دم يعتصم بمكة كلا يقتص منه قوله بخربة بفتح المعجمة واسكان الراء ثم موحدة يعنى السرقة كذا ثبت تفسيرها في رواية المستملى قال بن بطال الخربة بالضم الفساد وبالفتح السرقة وقد تشدق عمرو في الجواب وآتى بكلام ظاهره حق لكن أراد به الباطل فإن الصحابي أنكر عليه نصب الحرب على مكة فأجابه بأنها لا تمنع من إقامة القصاص وهو صحيح الا أن بن الزبير لم يرتكب أمر يجب عليه فيه شئ من ذلك وسنذكر مباحث هذا الحديث في كتاب الحج وما للعلماء فيه من الاختلاف في القتال في الحرم إن شاء الله تعالى وفي الحديث شرف مكة وتقديم الحمد والثناء على القول المقصود وإثبات خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم واستواء المسلمين معه في الحكم الا ما ثبت تخصيصه ووقوع النسخ وفضل أبي شريح لاتباعه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه وغير ذلك قوله حدثنا حماد هو بن زيد قوله عن محمد هو بن سيرين عن بن أبي بكرة كذا للمستملي والكشميهني وسقط عن بن أبي بكرة للباقين فصار منقطعا لأن محمدا لم يسمع من أبي بكرة وفي رواية عن محمد بن أبي بكرة وهي خطأ وكأن عن سقطت منها وقد تقدم هذا الحديث في أوائل كتاب العلم من طريق أخرى عن محمد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه وهو الصواب وسيأتي بهذا السند في تفسير سورة براءة بإسقاطه عن بعضهم وسأنبه عليه هناك إن شاء الله تعالى وفيه عن بن أبي بكرة عند الجميع ويأتي في بدء الخلق قوله ذكر النبي صلى
[ 178 ]
الله عليه وسلم فيه اختصار وقد قدمنا توجيهه هناك وكأنه حدث بحديث ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من كلامه ومن جملته قوله فإن دماءكم الخ قوله قال محمد هو بن سيرين قوله أحسبه كأنه شك في قوله وأعراضكم أقالها بن أبي بكرة أم لا وقد تقدم في أوائل العلم الجزم بها وهي منصوبة بالعطف قوله الا هل بلغت هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو تكملة الحديث واعترض قوله وكان محمد إلى قوله ذلك في أثناء الحديث هذا هو المعتمد فلا يلتفت إلى ما عداه والعلم عند الله تعالى قوله باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليس في الأحاديث التي في الباب تصريح بالإثم وإنما هو مستفاد من الوعيد بالنار على ذلك لأنه لازمه قوله منصور هو بن المعتمر الكوفي وهو تابعي صغير وربعي بكسر أوله واسكان الموحدة وأبوه حراش بكسر المهملة أوله وهو من كبار التابعين قوله سمعت عليا هو بن أبي طالب رضي الله عنه قوله لا تكذبوا على هو عام في كل كاذب مطلق في كل نوع من الكذب ومعناه لاتنسبوا الكذب إلى ابن مفهوم لقوله على لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا نحن لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته وما دروا أن تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى لأنه اثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب وكذا واستفادوا وهو الحرام والمكروه ولا يعتد بمن يخالف ذلك من الكراميه حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة واحتج بان كذب له لا عليه وهو جهل باللغه العربيه وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت وهي ما أخرجه البزار من حديث بن مسعود بلفظ من كذب على ليضل به الناس الحديث وقد اختلف في وصله وارساله ورجح الدارقطني والحاكم إرساله أخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مرة بسند ضعيف وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس والمعنى أن مال أمره إلى الاضلال أو هو من تخصيص بعض افراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة ولا تقتلوا أولادكم من املاق فإن قتل الأولاد ومضاعفة الربا والاضلال في هذه الآيات إنما هو لتاكيد الأمر فيها لا لاختصاص الحكم قوله فليلج النار جعل الأمر بالولوج مسببا عن الكذب لأن السري الأمر الالزام والالزام بولوج النار سببه الكذب عليه أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر ويؤيده رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ من يكذب على يلج النار ولابن ماجة من طريق شريك عن منصور قال الكذب على يولج أي يدخل النار قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي وجامع بن شداد كوفي تابعي صغير وفي الإسناد لطيفتان إحداهما أنه من رواية تابعي يرويه صحابي عن صحابي ثانيهما أنه من رواية الأبناء عن الآباء بخصوص رواية الأب عن الجد وقد أفردت بالتصنيف قوله قلت للزبير أي بن العوام قوله تحدث حذف مفعولها ليشمل قوله كما يحدث فلان وفلان سمي منهما في رواية بن ماجة عبد الله بن مسعود قوله اما بالميم المخففة وهي من حروف التنبيه واني بكسر الهمزة لم أفارقه أي لم أفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الاسماعيلي منذ أسلمت والمراد في الأغلب وإلا فقد هاجر
[ 179 ]
الزبير إلى الحبشة وكذا لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حال هجرته إلى المدينة وإنما أورد هذا الكلام على سبيل التوجيه للسؤال لأنه السري الملازمه السماع ولازمه إعادة التحديث لكن منعه من ذلك ما خشيه من معنى الحديث الذي ذكره ولهذا أتى بقوله لكن وقد أخرجه الزبير بن بكار في كتاب النسب من وجه آخر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال عناني ذلك يعني قلة رواية الزبير فسألته أي عن ذلك فقال يا بني كان بيني وبينه من القرابة والرحم ما علمت وعمته أمي وزوجته خديجة عمتي وأمه أمنة بنت وهب وجدتي هالة بنت وهيب مشهور وهيب عبد مناف بن زهرة وعندي أمك وأختها عائشة عنده ولكني سمعته يقول قوله من كذب علي كذا رواه البخاري ليس فيه متعمدا وكذا أخرجه الاسماعيلي من طريق غندر عن شعبة وكذا في رواية الزبير بن بكار المذكورة أخرجه بن ماجة من طريقه وزاد فيه متعمدا وكذا للاسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة والاختلاف فيه على شعبة وقد أخرجه الدارمي من طريق أخرى عن عبد الله بن الزبير بلفظ من حدث عني كذبا ولم يذكر العمد وفي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للاصح في أن الكذب هو الأخبار بالشئ على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطا والمخطئ وأن كان غير مأثوم بالإجماع لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطا وهو لا يشعر لأنه وأن لم ياثم بالخطا لكن قد ياثم بالإكثار إذ الإكثار مظنه الخطا والثقه إذا حدث بالخطا فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطا يعمل به على الدوام للوثوق بنقله فيكون سببا للعمل بما لم يقله الفاء فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطا لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث وأما من أكثر منهم فمحمول على إنهم واثقين من أنفسهم بالتثبيت أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان رضي الله عنهم قوله فليتبوأ أي فليتخذ لنفسه منزلا يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنا وهو أمر بمعنى الخبر أيضا أو بمعنى التهديد أو بمعنى التهكم أو دعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك وقال الكرماني يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبوء ويلزم عليه كذا قال واولها اولاها فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن بن عمر بلفظ بني له بيت في النار قال الطيبي فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه أي كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد بجزائه التبوء قوله حدثنا أبو معمر هو البصري المقعد وعبد الوارث هو بن سعيد وعبد العزيز هو بن صهيب والإسناد كله بصريون قوله حدثنا المراد به جنس الحديث ولهذا وصفه بالكثرة قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم هو وما بعده في محل الرفع لأنه فاعل يمنعني وإنما خشي أنس مما خشي منه الزبير ولهذا صرح بلفظ الإكثار لأنه مظنة ومن حام حول الحمى لا يا من وقوعه فيه فكان التقليل منهم للاحتراز ومع ذلك فأنس من المكثرين لأنه تأخرت وفاته فاحتيج إليه كما قدمناه ولم يمكنه الكتمان ويجمع بأنه لو حدث بجميع ما عنده لكان أضعاف ما حدث به ووقع في رواية عتاب بمهملة ومثناة وفوقانية مولى هرمز سمعت أنسا يقول لولا إني أخشى أن اخطئ لحدثتك بأشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه أحمد شوال فأشار إلى أنه لا يحدث الا ما تحققه ويترك ما يشك فيه وحمله بعضهم على أنه كان يحافظ على الرواية
[ 180 ]
باللفظ فأشار إلى ذلك بقوله لولا أن اخطئ وفيه نظر والمعروف عن أنس جواز الرواية بالمعنى كما أخرجه الخطيب عنه صريحا وقد وجد في رواياته ذلك كالحديث في البسملة وفي قصة تكثير الماء عند الوضوء وفي قصة تكثير الطعام قوله كذبا هو نكرة في سياق الشرط فيعم جميع يجري الكذب قوله حدثنا المكي هو اسم وليس بنسب كما تقدم وهو من كبار شيوخ البخاري سمع من سبعة عشر نفسا من التابعين منهم يزيد بن أبي عبيد المذكور هنا وهو مولى سلمة بن الأكوع صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث أول ثلاثي وقع في البخاري وليس فيه أعلى من الثلاثيات وقد أفردت فبلغت أكثر من عشرين حديثا قوله من يقل أصله يقول وإنما جزم بالشرط قوله ما لم أقل أي شيئا لم أقله فحذف العائد وهو جائز وذكر القول لأنه الأكثر وحكم الفعل كذلك لاشتراكهما في علة الامتناع وقد دخل الفعل في عموم حديث الزبير وأنس السابقين لتعبيرهما بلفظ الكذب عليه ومثلهما حديث أبي هريرة الذي ذكره بعد حديث سلمة فلا فرق في ذلك بين أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وفعل كذا إذا لم يكن قاله أو فعله وقد تمسك بظاهر هذا اللفظ من منع الرواية بالمعنى وأجاب المجيزون عنه بان المراد النهي عن الإتيان بلفظ يوجب تغير الحكم مع أن الإتيان باللفظ لا شك في أولويته والله أعلم قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل التبوذكي قال عن أبي حصين وهو بمهملتين مفتوح الأول وأبو صالح هو ذكوان السمان وقد ذكر المؤلف هذا الحديث بتمامه في كتاب الأدب من هذا الوجه ويأتي الكلام عليه فيه إن شاء الله تعالى وقد اقتصر مسلم في روايته له على الجملة الأخيرة وهي مقصود الباب وإنما ساقه المؤلف بتمامه ولم يختصره كعادته لينبه على أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يستوي فيه اليقظة والمنام والله سبحانه وتعالى اعلم فإن قيل الكذب معصية الا ما استثنى في الإصلاح وغيره والمعاصي قد توعد عليها بالنار فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره فالجواب عنه من وجهين أحدهما أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم وهو الشيخ أبو محمد الجويني لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن بعده ومال بن المنير إلى اختياره ووجهه بان الكاذب عليه في تحليل حرام مثلا لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله واستحلال الحرام كفر والحمل على الكفر كفر وفيما قاله نظر لا يختفي والجمهور على أنه لا يكفر الا إذا اعتقد حل ذلك الجواب الثاني أن الكذب عليه كبيرة والكذب على غيره صغيره فافترقا ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحدا أو المريض اقامتهما سواء فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم فليتبوأ على المريض اشتراط فيها بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلا غيره الا أن الأدلة القطعيه قامت على أن خلود التأبيد مختص بالكافرين وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره كما سيأتي في الجنائز في حديث المغيرة حيث يقول أن كذبا على ليس كمكذب على أحد وسنذكر مباحثه هناك إن شاء الله تعالى ونذكر فيه الاختلاف في توبة من تعمد الكذب عليه هل تقبل أو لا تنبيه رتب المصنف أحاديث الباب ترتيبا حسنا لأنه بدا بحديث على وفيه مقصود الباب وثني بحديث الزبير الدال عللى توقي الصحابة وتحرزهم من الكذب عليه وثلث بحديث أنس الدال على أن امتناعهم إنما كان من الإكثار
[ 181 ]
المفضي إلى الخطا لا عن أصل التحديث لأنهم مأمورون بالتبليغ وختم بحديث أبي هريرة الذي فيه الإشارة إلى استواء تحريم الكذب عليه سواء كانت دعوى السماع منه في اليقظه أو في المنام وقد أخرج البخاري حديث من كذب على أيضا من حديث المغيرة وهو في الجنائز ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في أخبار بني إسرائيل ومن حديث وائلة بن الأسقع وهو في مناقب قريش لكن ليس هو بلفظ الوعيد بالنار صريحا واتفق مسلم معه على تخريج حديث على وأنس وأبي هريرة والمغيرة أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أيضا وصح أيضا في غير الصحيحين من حديث عثمان بن عفان وابن مسعود وابن عمرو أبي قتادة وجابر وزيد بن أرقم وورد بأسانيد حسان من حديث طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر وعمران بن حصين وابن عباس وسلمان الفارسي ومعاوية بن أبي سفيان ورافع بن خديج وطارق الأشجعي والسائب بن يزيد وخالد بن عرفطة وأبي امامه وأبي قرصافه وأبي موسى الغافقي وعائشة فهؤلاء ثلاثة وثلاثون نفسا من الصحابة وورد أيضا عن نحو من خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة وعن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطه وقد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه فأول من وقفت على كلامه في ذلك على بن المديني وتبعه يعقوب بن شيبة فقال روى هذا الحديث من عشرين وجها عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم ثم إبراهيم الحربي وأبو بكر البزار فقال كل منهما أنه ورد من حديث أربعين من الصحابة وجمع طرقه في ذلك العصر وأبو محمد يحيى بن محمد صاعد فزاد قليلا وقال أبو بكر الصيرفي شارح رسالة الشافعي رواه ستون نفسا من الصحابة وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلا وقال أبو القاسم بن منده رواه أكثر من ثمانين نفسا وقد خرجها بعض النيسابوريين فزادت قليلا وقد جمع طرقه بن الجوزي في مقدمة كتاب الموضوعات فجاوز التسعين وبذلك جزم بن دحية وقال أبو موسى المديني يرويه نحو مائة من الصحابة وقد جمعها بعده الحافظان يوسف بن خليل وأبو علي البكري وهما متعاصران فوقع لكل منهما ما ليس عند الآخر وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة على ما فصلته من صحيح وحسن وضعيف وساقط مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا الوعيد الخاص ونقل النووي أنه جاء عن مائتين من الصحابة ولاجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة أنه متواتر ونازع بعض مشايخنا في ذلك قال لأن شرط التواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة وليست موجوده في كل طريق منها بمفردها وأجيب بان المراد بإطلاق كونه متواترا رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر وهذا كاف في إفادة العلم وأيضا فطريق أنس وحدها قد رواها عنه العدد الكثير وتواترت عنهم نعم وحديث على رواه عنه ستة من مشاهير التابعين وثقاتهم وكذا حديث بن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو فلو قيل في كل منها أنه متواتر عن صحابية لكان صحيحا فإن العدد المعين لا يشترط في المتواتر بل ما أفاد العلم كفى والصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه كما قررته في نكت علوم الحديث وفي شرح نجبة الفكر وبينت هناك الرد على من ادعى أن مثال المتواتر لا يوجد الا في هذا الحديث وبينت أن امثلته كثيرة منها حديث من بني الله مسجدا والمسح على الخفين ورفع اليدين والشفاعة والحوض ورؤية الله في الاخرة والائمة من قريش وغير ذلك والله المستعان
[ 182 ]
وأما ما نقله البيهقي عن الحاكم ووافقه أنه جاء من رواية العشرة المشهورة قال وليس في الدنيا حديث أجمع العشرة على روايته غيره فقد تعقبه غير واحد لكن الطرق عنهم موجوده فيما جمعه بن الجوزي ومن بعده والثابت منها ما قدمت ذكره فمن الصحاح على والزبير ومن الحسان طلحة وسعد وسعيد وأبو عبيدة ومن الضعيف المتماسك طريق عثمان وبقيتها ضعيف وساقط قوله باب كتابة العلم طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف أن لا يجزم فيها بشئ بل يوردها على الاحتمال وهذه الترجمة من ذلك لأن السلف اختلفوا في ذلك وأشار وتركا وأن كان الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم بل على استحبابه بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه بتبليغ العلم قوله حدثنا بن سلام كذا للاصيلي واسمه محمد وقد صرح به أبو داود وغيره قوله عن سفيان هو الثوري لأن وكيعا مشهور بالرواية عنه وقال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف يقال أنه بن عيينة قلت لو كان بن عيينة لنسبه لأن القاعدة في كل من روى عن متفقي الاسم أن يحمل من اهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من اكثار ونحوه كما قدمناه قبل هذا وهكذا نقول هنا لأن وكيعا قليل الرواية عن بن عيينة بخلاف الثوري قوله عن مطرف هو بفتح الطاء المهملة وكسر الراء بن طريف بطاء مهمله أيضا قوله عن الشعبي وللمصنف في الديات سمعت الشعبي قوله عن أبي جحيفة هو وهب السوائي وقد صرح بذلك الاسماعيلي في روايته وللمصنف في الديات سمعت أبا جحيفة والإسناد كله كوفيون الا شيخ البخاري وقد دخل الكوفة وهو من رواية صحابي عن صحابي قوله قلت لعلي هو بن أبي طالب رضي الله عنه قوله هل عندكم الخطاب لعلي والجمع إما أمرع مع بقية أهل البيت أو للتعظيم قوله كتاب أي مكتوب اخذتموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أوحى إليه ويدل على ذلك رواية المصنف في الجهاد هل عندكم شئ من الوحي الا ما في كتاب الله وله في الديات هل عندكم شئ مما ليس في القرآن وفي مسند إسحاق بن راهويه عن جرير عن مطرف هل علمت شيئا من الوحي وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من والرهق كانوا يزعمون أن عند أهل البيت لا سيما عليا أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها وقد سأل عليا عن هذه المسألة أيضا قيس بن عبادة وهو بضم المهملة وتخفيف الموحدة والأشتر النخعي وحديثهما في مسند النسائي قوله قال لا زاد المصنف في الجهاد لا والذي قلق الحبة وبرا النسمة قوله الا كتاب الله هو بالرفع وقال بن المنير فيه دليل على أنه كان عنده أشياء مكتوبة من الفقه المستنبط من كتاب الله وهي المراد بقوله أو فهم أعطيه رجل لأنه ذكره بالرفع فلو كان الاستثناء من غير الجنس لكان منصوبا كذا قال والظاهر أن الاستثناء فيه منقطع والمراد بذكر الفهم اثبات إمكان الزيادة على ما في الكتاب وقد رواه المصنف في الديات بلفظ ما عندنا الا ما في القرآن الا فهما يعطي رجل في الكتاب فالاستثناء الأول مفرغ والثاني منقطع معناه لكن أن أعطى الله رجلا فهما في كتابه فهو يقدر على الاستنباط فتحصل عنده الزيادة بذلك الاعتبار وقد روى أحمد شوال حسن من طريق طارق بن شهاب قال شهدت عليا على المنبر وهو يقول والله ما عندنا كتاب نقرأه عليكم الا كتاب الله وهذه الصحيفة وهو يزيد ما قلناه أنه لم يرد بالفهم شيئا مكتوبا قوله الصحيفة أي الورقة المكتوبة
[ 183 ]
والنسائي من طريق الأشتر فأخرج كتابا من قراب سيفه قوله التعقل أي الدية وإنما سميت به لأنهم كانوا يعطون فيها الإبل ويربطونها بفناء دار المفتول بالعقال وهو الحبل ووقع في رواية بن ماجد بدل العقل الديات والمراد احكامها ومقاديرها واصنافها قوله وفكاك بكسر الفاء وفتحها وقال الفراء الفتح أفصح والمعنى أن فيها حكم تخليص الأسير من يد العدو والترغيب في ذلك قوله ولا يفتل بضم اللام والكشميهني وأن لا يقتل بفتح اللام وعطفت الجملة على المفرد لأن التقدير فيها أي الصحيفة حكم العقل وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر وسيأتي الكلام على مسألة قتل المسلم بالكافر في كتاب القصاص والديات إن شاء الله تعالى ووقع للمصنف ومسلم من طريق يزيد التميمي عن على قال ما عندنا شئ نقرأه الا كتاب الله وهذه الصحيفة فإذا فيها المدينة حرم الحديث ولمسلم عن أبي الطفيل عن عليما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ لم يعم به الناس كافة الا ما في قراب سيفي هذا واخرج صحيفة مكتوبة فيها لعن الله من ذبح لغير الله الحديث وللنسائي من طريق الأشتر وغيره عن علي فإذا فيها المؤمنون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم ادناهم الحديث ولأحمد من طريق طارق بن شهاب فيها فرائض الصدقة والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة وكان جميع ذلك مكتوبا فيها بن فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه والله أعلم وقد بين ذلك قتادة في روايته لهذا الحديث عن أبي حسان عن علي وبين أيضا السبب في سؤالهم لعلي رضي الله عنه عن ذلك أخرجه أحمد والبهيقي في الدلائل من طريق أبي حسان أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال قد فعلناه فيقول صدق الله ورسوله فقال له الأشتر هذا الذي تقول أهو شئ عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون الناس فذكره بطوله قوله حدثنا شيبان هو بن عبد الرحمن يكنى أبا معاوية وهو بفتح الشين المعجمة بعدها تحتانية ثم موحدة وليس في البخاري بهذه الصورة غيره قوله عن يحيى هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة في رواية المصنف في الديات حدثنا أبو سلمة حدثنا أبو هريرة قوله ان خزاعة أي القبيلة المشهورة والمراد أحد منهم فأطلق عليه اسم القبيلة مجازا واسم هذا القاتل خراش بن أمية الهدي والمقتول في الجاهلية منهم اسمه أحمر والمقتول في الإسلام من بني ليث لم يسم قوله حبس أي منع عن مكة القتل أي بالقاف والمثناة من فوق أو الفيل أي بالفاء المكسورة بعدها ياء تحتانيه قوله كذا قال أبو نعيم أراد البخاري أن الشك فيه من شيخه قوله وغيره يقول الفيل أي الفاء ولا يشك والمراد بالغير من رواه عن شيبان رفيقا لأبي نعيم وهو عبيد الله بن موسى ومن رواه عن يحيى رفيقا لشيبان وهو حرب بن شداد كما سيأتي بيانه عند المصنف في الديات والمراد بحبس الفيل أهل الفيل وأشار بذلك إلى القصة المشهورة للحبشة في غزوهم مكة ومعهم الفيل فمنعها الله منهم وسلط عليهم الطير الأبابيل مع كون أهل مكة إذ ذا ك كانوا كفارا فحرمة أهلها بعد الإسلام أكد لكن غزو النبي صلى الله عليه وسلم إياها مخصوص به على الظاهر هذا الحديث وغيره وسيأتي الكلام على المسألة في كتاب الحج مفصلا إن شاء تعالى قوله وسلط عليهم هو بضم أوله ورسول مرفوع والمؤمنون معطوف عليه قوله ولا تحل للكشمهيني ولم تحل وللمصنف في اللقطة من طريق الأوزاعي عن يحيى ولن وهي أليق بالمستقبل قوله لا يختلي بالخاء المعجمة أي لا يحصد يقال اختليته
[ 184 ]
إذا قطعته وذكر الشوك دال على منع قطع غيره من باب أولي وسيأتي ذكر الخلاف فيه في الحج إن شاء الله تعالى قوله الا لمنشد أي معرفة وسيأتي الكلام على هذه المسألة في كتاب اللقطة إن شاء الله تعالى قوله فمن قتل فهو يخير النظرين كذا وقع هنا وفيه حذف وقع بيانه في رواية المصنف في الديات عن أبي نعيم بهذا الإسناد فمن قتل له قتيل قوله واما أن يقاد هو بالقاف أي يقتص ووقع في رواية لمسلم أما أنه يفادى بالفاء وزيادة ياء بعد الدال والصواب أن الرواية على وجهين من قالها بالقاف قال فيما قبلها أما أن يعقل من العقل وهو الدية ومن قالها بالفاء قال فيما قبلها أما أن يقتل بالقاف والمثناة والحاصل تفسير النظرين بالقصاص أو الدية وفي المسألة بحث يأتي في الديات إن شاء الله تعالى قوله فجاء رجل من أهل اليمن هو أبو شاه بهاء منونه وسيأتي في اللقطة مسمى والإشارة إلى من حرفه وهناك من الزيادة عن الوليد بن مسلم قلت للأوزاعي ما قوله اكتبوا لي قال هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وبهذا تظهر مطابقة هذا الحديث للترجمة قوله فقال رجل من قريش هو العباس بن عبد المطلب كما يأتي في اللقطة ووقع في رواية لابن أبي شيبة فقال رجل من قريش يقال له شاه وهو غلط قوله الا الأذخر كذا هو في روايتنا بالنصب ويجوز رفعه على البدل مما قبله قوله الا الأذخر الا الأذخر كذا هو في روايتنا والثانيه على سبيل التأكيد قوله حدثنا عمرو هو بن دينار المكي قوله عن أخيه هو همام بن منبه بتشديد الموحدة المكسورة وكان أكبر منه سنا لكن تأخرت وفاته عن وهب وفي الإسناد ثلاثة من التابعين من طبقة متقاربة أولهم عمرو قوله فإنه كان يكتب ولا اكتب هذا استدلال من أبي هريرة على ما ذكره من اكثرية ما عند عبد الله بن عمرو أي بن العاص على ما عنده ويستفاد من ذلك أن أبا هريرة كان جازما بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم منه الا عبد الله مع أن الموجود المروي عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة باضعاف مضاعفة فإن قلنا الاستثناء منقطع فلا اشكال إذ التقدير لكن الذي كان من عبد الله وهو الكتابة لم يكن مني سواء لزم منه كونه أكثر حديثا لما تقتضيه العادة أم لا وأن قلنا الاستثناء متصل فالسبب فيه من جهات أحدها أن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فقلت الرواية عنه ثانيها أنه كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثمانمائة نفس من التابعين ولم يقع هذا لغيره ثالثها ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له بان لا ينسى ما يحدثه به كما سنذكره قريبا رابعها أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من كثرة التابعين والله أعلم تنبيه قوله ولا اكتب قد يعارضه ما أخرجه بن وهب من طريق الحسن بن عمرو بن أمية قال تحدث عند أبي هريرة بحديث فأخذ بيدي إلى بيته فارانا كتبا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال هذا هو مكتوب عندي قال بن عبد البر حديث همام أصح ويمكن الجمع بأنه لم يكن يكتب في العهد النبوي ثم كتب بعده قلت وأقوى من ذلك أنه لا يلزم من وجود
[ 185 ]
الحديث مكتوبا عنده أن يكون بخطه وقد ثبت أنه لم يكن يكتب فتعين أن المكتوب عنده بغير خطه قوله تابعه معمر أي بن راشد يعني تابع وهب بن منبه في روايته لهذا الحديث عن همام والمتابعة المذكورة أخرجها عبد الرزاق عن معمر وأخرجها أبو بكر بن علي المروزي في كتاب العلم له عن حجاج بن الشاعر عنه وروى أحمد والبهيقي في المدخل من طريق عمرو بن شعيب عن مجاهد والمغيرة بن حكيم قالا سمعنا أبا هريرة يقول ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني الا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب بيده ويعي بقلبه وكنت اعي ولا اكتب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب عنه فأذن له إسناده حسن وله طريق أخرى أخرجها العقيلي في ترجمة عبد الرحمن بن سلمان عن عقيل عن المغيرة بن حكيم سمع أبا هريرة قال ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني الا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له الحديث وعند أحمد وأبي داود من طريق يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو كنت اكتب كل شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهتني قريش الحديث وفيه اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه الا الحق ولهذا طرق أخرى عن عبد الله بن عمرو يقوي بعضها بعضا ولا يلزم منه أن يكونا في الوعي سواء لما قدمناه من اختصاص أبي هريرة بالدعاء بعدم النسيان ويحتمل أن يقال تحمل اكثرية عبد الله بن عمرو على ما فاز به عبد الله من الكتابة قبل الدعاء لأبي هريرة لأنه قال في حديثه فما نسيت شيئا بعد فجاز أن يدخل عليه النسيان فيما سمعه قبل الدعاء بخلاف عبد الله فإن الذي سمعه مضبوط بالكتابة والذي انتشر عن أبي هريرة مع ذلك أضعاف ما انتشر عن عبد الله بن عمرو لتصدي أبي هريرة لذلك ومقامه بالمدينة النبوية بخلاف عبد الله بن عمرو في الأمرين ويستفاد منه ومن الحديث على المتقدم ومن قصة أبي شاه أن النبي صلى الله عليه وسلم إذن في كتابة الحديث عنه وهو يعارض حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن رواه مسلم والجمع بينهما أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره والأذن في غير ذلك أو أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شئ واحد والأذن في تفريقهما أو النهي متقدم والأذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس وهو أقربها مع أنه لا ينافيها وقيل النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ والأذن لمن أمن منه ذلك ومنهم من اعل حديث أبي سعيد وقال الصواب وقفه على أبي سعيد قاله البخاري وغيره قال العلماء كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظا كما أخذوا حفظا لكن لما قصرت الهمم وخشي الأئمة ضياع العلم دونوه وأول من دون الحديث بن شهاب الزهري على رأس المائه بأمر عمر بن عبد العزيز ثم كثر التدوين ثم التصنيف وحصل بذلك خير كثير فلله الحمد قوله أخبرني يونس هو بن يزيد قوله عن عبيد الله بن عبد الله أي بن عتبة بن مسعود قوله لما اشتد أي قوي قوله وجعه أي في مرض موته كما سيأتي وللمصنف في المغازي وللاسماعيلي لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة وللمصنف من حديث سعيد بن جبير أن ذلك كان يوم الخميس وهو قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام قوله بكتاب أي بأدوات الكتاب ففيه مجاز الحذف وقد صرح بذلك في رواية لمسلم قال ائتوني بالكتف والدواة
[ 186 ]
والمراد بالكتف عظم الكتف لأنهم كانوا يكتبون فيها قوله اكتب هو بإسكان الباء جواب الأمر ويجوز الرفع على الاستئناف وفيه مجاز أيضا أي أمر بالكتابة ويجتمل أن يكون على ظاهره كما سيأتي البحث في المسألة في كتاب الصلح إن شاء الله تعالى وفي مسند أحمد من حديث على أنه المأمور بذلك ولفظه أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن اتيه بطبق أي كتف يكتب ما لا تضل أمته من بعده قوله كتابا بعد بكتاب فيه الجناس التام بين الكلمتين وأن كانت إحداهما بالحقيقة والأخرى بالمجاز قوله لا تضلوا هو نفي وحذفت النون في الروايات التي اتصلت لنا لأنه بدل من جواب الأمر وتعدد جواب الأمر من غير حرف العطف جائز قوله غلبه الوجع أي فيشق عليه إملاء الكتاب أو مباشرة الكتابة وكان عمر رضي الله عنه فهم من ذلك أنه يقتضي التطويل قال القرطبي وغيره ائتوني أمر وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال ولكن ظهر لعمر رضي الله عنه طائفة أنه ليس على الوجوب وأنه من باب الإرشاد إلى الاصلح فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شئ وقوله تعالى تبيانا لكل شئ ولهذا قال عمر حسبنا كتاب الله وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره وما يتضمنه من زيادة الإيضاح ودل أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أياما ولم يعاود أمرهم بذلك ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر فإذا عزم امتثلوا وسيأتي بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وقد عد هذا من موافقة عمر رضي الله عنه واختلف في المراد بالكتاب فقيل كان أراد أن يكتب كتابا ينص فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف وقيل بل أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف قاله سفيان بن عيينة ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة ادعى لي أباك وأخاك حتى اكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر أخرجه مسلم وللمصنف معناه ومع ذلك فلم يكتب والأول أظهر لقول عمر كتاب الله حسبنا أي كافينا مع أنه يشمل الوجه الثاني لأنه بعض افراده والله أعلم فائدة قال الخطابي إنما ذهب عمر إلى أنه لو نص بما يزيل الخلاف لبطلت فضيلة العلماء وعدم الاجتهاد وتعقبه بن الجوزي بأنه لو نص على شئ أو أشياء لم يبطل الاجتهاد لأن الحوادث لا يمكن حصرها قال وإنما خاف عمر أن يكون ما يكتبه في حالة غلبة المرض فيجد بذلك المنافقون سبيلا إلى الطعن في ذلك المكتوب وسيأتي ما يؤيده في أواخر المغازي قوله ولا ينبغي عندي التنازع فيه اشعار بان الأولى كان المبادرة إلى امتثال الأمر وأن كان ما اختاره عمر صوابا إذ لم يتدارك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بعد كما قدمناه قال القرطبي واختلافهم في ذلك كاختلافهم في قوله لهم لا يصلين أحد العصر الا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا وتمسك آخرون بظاهر الأمر فلم يصلوا فما عنف أحدا منهم من أجل الاجتهاد المسوغ والمقصد الصالح والله أعلم قوله فخرج بن عباس يقول ظاهره أن بن عباس كان معهم وأنه في تلك الحاله خرج قائلا هذه المقالة وليس الأمر في الواقع على ما يقتضيه هذا الظاهر بل قول بن عباس المذكور إنما كان يقوله عند ما يحدث بهذا الحديث
[ 187 ]
ففي رواية معمر عند المصنف في الاعتصام وغيره قال عبيد الله فكان بن عباس يقول وكذا الاحمد من طريق جرير بن حازم عن يونس بن يزيد وجزم بن تيميه في الرد على الرافضي بما قلته وكل من الأحاديث يأتي بسط القول في مكانه اللائق به الا حديث عبد الله بن عمرو فهو عمدة الباب ووجه رواية حديث الباب أن بن عباس لما حدث عبيد الله بهذا الحديث خرج من المكان الذي كان به وهو يقول ذلك ويدل عليه رواية أبي نعيم في المستخرج قال عبيد الله فسمعت بن عباس يقول الخ وإنما تعين حمله على غير ظاهره لأن عبيد الله تابعي من الطبقة الثانية لم يدرك القصة في وقتها لأنه ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة ثم سمعها من بن عباس بعد ذلك بمدة أخرى والله أعلم قوله الرزيئة هي بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ثم همزة وقد تسهل الهمزة وتشدد الياء ومعناها المصيبة وزاد في رواية معمر لاختلافهم ولغطهم أي أن الاختلاف كان سببا لترك كتابة الكتاب وفي الحديث دليل على جواز كتابة العلم وعلى أن الاختلاف قد يكون سببا في حرمان الخير كما وقع في قصة الرجلين اللذين تخاصما فرفع تعيين ليلة القدر بسبب ذلك وفيه وقوع الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فيما ينزل عليه فيه وسنذكر بقية ما يتعلق به في أو اخر السيرة النبويه من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى تنبيه قدم حديث على أنه كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم ويطرقه احتمال أن يكون إنما كتب ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغه النهي وثني بحديث أبي هريرة وفيه الأمر بالكتابة وهو بعد النهي فيمون ناسخا وثلث بحديث عبد الله بن عمرو وقد بينت أن في بعض طرقه إذن النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك فهو أقوى في الاستدلال للجواز من الأمر أن يكتبوا لأبي شاه لاحتمال اختصاص ذلك بمن يكون أميا أو أعمى وختم بحديث بن عباس الدال على أنه صلى الله عليه وسلم هم أن يكتب لأمته كتابا يحصل معه الأمن من الاختلاف وهو لا يهم الا بحق قوله باب العلم أي تعليم العلم صارت والعظة تقدم أنها الوعظ وأراد المصنف التنبيه على أن النهي عن الحديث بعد العشاء مخصوص بما لا يكون في الخير قوله صدقة هو بن الفضل المروزي قوله عن هند هي بنت الحارث الفراسية بكسر الفاء والسين المهملة وفي رواية الكشمهيني بدلها عن امرأة قوله وعمرو كذا في روايتنا بالرفع ويجوز الكسر والمعنى أن بن عيينة حدثهم عن معمر ثم قال وعمرو هو بن دينار فعلى رواية الكسر يكون معطوفا على معمر وعلى رواية الرفع يكون استئنافا كان بن عيينة حدث بحذف صيغة الأداء وقد جرت عادته بذلك وقد روى القدرة هذا الحديث في مسنده عن بن عيينة قال حدثنا معمر عن الزهري قال وحدثنا عمرو ويحيى بن سعيد عن الزهري فصرح بالتحديث عن الثلاثة قوله ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وأخطأ من قال أنه هو القطان لأنه لم يسمع من الزهري ولا لقيه ووقع في غير رواية عن أبي ذر عن امرأة بدل قوله عن هند في الإسناد الثاني والحاصل أن الزهري كان ربما ابهمها وربما سماها وقد رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سهيد الأنصاري عن الزهري ولم يذكر هندا ولا أم سلمة قوله سبحان الله ماذا ما استفهامية متضمنة لمعنى التعجب والتعظيم وعبر عن الرحمة بالخزائن كقوله تعالى خزائن رحمة ربك وعن العذاب بالفتن لأنها أسبابه قال الكرماني ويحتمل أن تكون ما نكرة موصوفه قوله انزل بضم الهمزة وللكشمهيني انزل
[ 188 ]
الله بإظهار الفاعل والمراد بالإنزال أعلام الملائكة بالأمر المقدور أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحى إليه في نومه ذاك بما سيقع بعده من الفتن فعبر عنه بالإنزال قوله وماذا فتح من الخزائن قال الداودي الثاني هو الأول والشئ قد يعطف على نفسه تأكيدا لأن ما يفتح من الخزائن يكون سببا للفتنة وكأنه فهم أن المراد بالخزائن خزائن فارس والروم وغيرهما مما فتح على الصحابة لكن المغايرة بين الخزائن والفتن أوضح لأنهما غير متلازمتين وكم من نائل من تلك الخزائن سالم من الفتن قوله صواحب الحجز بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة وهي منازل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وإنما خصهن بالايقاظ لانهن الحاضرات حينئذ أو من باب أبدا بنفسك ثم بمن تعول قول فرب كاسية استدل به بن مالك على أن رب في الغالب للتكثير لأن هذا الوصف للنساء وهن أكثر أهل النار انتهى وهذا يدل لورودها في التنكير لا لاكثريتها فيه قوله عارية بتخفيف الياء وهي مجرورة في أكثر الروايات على النعت قال السهيلي أنه الاحسن عند سيبويه لأن رب عنده حرف جر يلزم صدر الكلام قال ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت أي هي عارية والفعل الذي تتعلق به رب محذوف انتهى وأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى موجب استيقاظ أزواجه أي ينبغي لهن أن لا يتغافلن عن العبادة ويعتمدن على كونهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث جواز قول سبحان الله عند التعجب وندبية ذكر الله بعد الاستيقاظ وايقاظ الرجل أهله صارت للعبادة لا سيما عند آية التحديث وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وفي هذا الإسناد رواية الاقران في موضعين أحدهما بن عيينة عن معمر والثاني عمرو ويحيى عن الزهري وفيه رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض في نسق وهند قد قيل أنها صحابية فإن صح فهو من رواية تابعي عن مثله عن صحابية عن مثلها وأم سلمة هي أم المؤمنين وكانت تلك الليلة ليلتها وفي الحديث استحباب الإسراع إلى الصلاة عند خشية الشر كما قال تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وكان صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة وأمر من رأى في منامه ما يكره أن يصلي وسيأتي ذلك في مواضعه وفيه التسبيح عند رؤية الأشياء المهولة وفيه تحذير العالم من يأخذ عنه من كل شئ يتوقع حصوله والارشاد إلى ما يدفع ذلك المحذور والله أعلم قوله باب السمر هو بفتح المهملة والميم وقيل الصواب اسكان الميم لأنه اسم للفعل ومعناه الحديث صارت قبل النمو وبهذا يظهر الفرق بين هذه الترجمة والتي قبلها قوله في العلم كذا في رواية أبي ذر بإضافة الباب إلى السمرقندي وفي رواية غيره باب السمرقندي في العلم بتنوين باب قوله حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن أي أنه حدثه عبد الرحمن وفي رواية غير أبي ذر حدثني عبد الرحمن والليث وعبد الرحمن قرينان قوله عن سالم أي بن عبد الله بن عمر قوله أبي حثمة بفتح المهملة وسكون المثلثة واسم أبي حثمة عبد الله بن حذيفة العدوي وأما أبو بكر الراوي فتابعي مشهور لم يسم وقد قيل أن اسمه كنيته قوله صلى لنا أي إماما وفي رواية بنا بموحدة قوله العشاء أي صلاة العشاء قوله في آخر حياته جاء مقيدا في رواية جابر أن ذلك كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بشهر قوله ارايتكم هو بفتح المثناة لأنها ضمير المخاطب والكاف ضمير ثان لا محل لها من الأعراب والهمزة الأولى للاستفهام والرؤية بمعنى العلم أو البصر والمعنى أعلمتم أو أبصرتم
[ 189 ]
ليلتكم وهي منصوبة على المفعولية والجواب محذوف تقديره قالوا نعم قال فاضبطوها وترد أرأيتكم للاستخبار كما في قوله تعالى قل أرأيتكم أن أتاكم عذاب الله الآية قال الزمخشري المعنى اخبروني ومتعلق الاستخبار محذوف تقديره من تدعون ثم الوحاظى فقال اغير الله تدعون انتهى وإنما اوردت هذا لأن بعض الناس نقل كلام الزمخشري في الآية إلى هذا الحديث وفيه نظر لأنه جعل التقدير اخبروني ليلتكم هذه فاحفظوها وليس ذلك مطابقا لسياق الآية قوله فان راس وللأصيلي فإن على رأس أي عند انتهاء مائة سنة قوله منها فيه دليل على أن من تكون للابتداء لا غاية في الزمان كقول الكوفيين وقد رد ذلك تجاه البصرة واولوا ما ورد من شواهده كقوله تعالى من أول يوم أحق أن تقوم فيه وقول أنس ما زلت أحب الدباء من يومئذ وقوله مطرنا من يوم الجمعة إلى الجمعة قوله لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أي الآن موجودا أحد إذ ذاك وقد ثبت هذا التقدير عند المصنف من رواية شعيب عن الزهري كما سيأتي في الصلاة مع بقية الكلام عليه قال بن بطال إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه المدة تخترم الجيل الذي هم فيه فوعظهم بقصر أعمارهم وأعلمهم أن أعمارهم ليست كاعمار من تقدم من الأمم ليجتهدوا في العبادة وقال النووي المراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعد هذه الليلة أكثر من مائة سنة سواء قل عمره قبل ذلك أم لا وليس فيه نفي حياة أحد يولد بعد تلك الليلة مائة سنة والله أعلم قوله حدثنا الحكم بفتحتين هو بن عتيبة بالمثناة تصغير عتبة وهو تابعي صغير وكان أحد الفقهاء قوله ثم جاء أي من المسجد قوله نام الغليم بضم المعجمة وهو من تصغير الشفقة والمراد به بن عباس ويحتمل أن يكون ذلك اخبارا منه صلى الله عليه وسلم بنومه أو استفهاما بحذف الهمزة وهو الواقع ووقع في بعض النسخ يا أم الغليم بالنداء وهو تصحيف لم تثبت به رواية قوله أو كلمة بالشك من الراوي والمراد بالكلمة الجملة أو المفردة ففي رواية أخرى نام الغلام قوله غطيطة بفتح الغين المعجمة وهو صوت نفس النائم والنخير أقوى منه قوله أو خطيطه بالخاء المعجمة والشك فيه من الراوي وهو بمعنى الأول قاله الداودي وقال بن بطال لم أجده بالخاء المعجمة عند أهل اللغة وتبعه القاضي عياض فقال هو هنا وهم انتهى وقد نقل بن الأثير عن أهل الغريب أنه دون الغطيط قوله ثم صلى ركعتين أي ركعتي الفجر وأغرب الكرماني فقال إنما فصل بينهما وبين الخمس ولم يقل سبع ركعات لأن الخمس اقتدى بن عباس به فيها بخلاف الركعتين أو لأن الخمس بسلام والركعتين بسلام آخر انتهى وكأنه ظن أن الركعتين من جملة صلاة الليل وهو محتمل لكن حملها على سنة الفجر أولي ليحصل الختم بالوتر وسيأتي تفصيل هذه المسألة في كتاب الصلاة في باب الوتر إن شاء الله تعالى ومناسبة حديث بن عمر للترجمة ظاهرة لقوله فيه فقام فقال بعد قوله صلى العشاء وأما حديث بن عباس فقال بن المنير ومن تبعه يحتمل أن يريد أن أصل السمرقندي يثبت بهذه الكلمة وهي قوله نام الغليم ويحتمل أن يريد ارتقاب بن عباس لاحوال النبي صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين التعليم من القول والتعليم من الفعل فقد سمر بن عباس ليلته في طلب العلم زاد الكرماني أو ما يفهم من جعله إياه على يمينه كأنه قال قف عن يميني فقال وقفت أه وكل ما ذكره معترض لأن من يتكلم بكلمة واحدة لا يسمى سامرا وصنيع بن عباس يسمى سهرا لا سمرا إذ السمرقندي لا يكون الا عن تحديث قاله الاسماعيلي
[ 190 ]
وأبعدها الأخير لأن ما يقع بعد الانتباه من النوم لا يسمى سمرا وقال الكرماني تبعا لغيره أيضا يحتمل أن يكون مراد البخاري أن الاقارب إذا اجتمعوا لا بد أن يجري بينهم حديث للمؤانسة وحديثه صلى الله عليه وسلم كله علم وفوائد قلت والأولى من هذا كله أن مناسبة الترجمة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طريق أخرى وهذا يصنعه المصنف كثيرا يريد به تنبيه الناظر في كتابه على الاعتناء بتتبع طرق الحديث والنظر في مواقع ألفاظ الرواة لأن تفسير الحديث بالحديث أولي من الخوض فيه بالظن وإنما أراد البخاري هنا ما وقع في بعض طرق هذا الحديث مما يدل صريحا على حقيقة السمر بعد العشاء وهو ما أخرجه في التفسير وغيره من طريق كريب عن بن عباس قال بت في بيت ميمونة فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد الحديث فصحت الترجمة بحمد الله تعالى من غير حاجة إلى تعسف ولا رجم بالظن فإن قيل هذا إنما يدل على السمر مع الأهل لا في العلم فالجواب أنه يلحق به والجامع تحصيل الفائدة أو هو بدليل الفحوى لأنه إذا شرع في المباح ففي المستحب من طريق الأولى وسنذكر باقي مباحث هذا الحديث حيث ذكره المصنف مطولا في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى ويدخل في هذا الباب حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطيهم بعد العشاء وقد ذكره المصنف كتاب الصلاة ولانس حديث آخر في قصة أسيد بن حضير وقد ذكره المصنف في المناقب وحديث عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين أخرجه الترمذي والنسائي ورجاله ثقات وهو صريح في المقصود الا أن إسناده اختلافا على علقمة فلذلك لم يصح عل شرطه وحديث عبد الله بن عمرو كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح لا يقوم الا إلى عظيم صلاة رواه أبو داود وصححه بن خزيمة وهو من رواية أبي حسان عن عبد الله بن عمرو وليس على شرط البخاري وأما حديث لا سمر الا لمصل أو مسافر فهو عند أحمد بسند فيه أو مجهول وعلى تقدير ثبوته فالسمر في العلم يلحق بالسمر في الصلاة نافلة وقد سمر عمر مع أبي موسى في مذاكرة الفقه فقال أبو موسى الصلاة فقال عمر أنا في صلاة والله أعلم قوله باب حفظ العلم لم يذكر في الباب شيئا عن غير أبي هريرة وذلك لأنه كان أحفظ الصحابة للحديث قال الشافعي رضي الله عنه أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في عصره وقد كان بن عمر يترحم عليه في جنازته ويقول كان يحفظ على المسلمين حديث النبي صلى الله عليه وسلم رواه بن سعد وقد دل الحديث الثالث من الباب على أنه لم يرد يحدث بجميع محفوظه ومع ذلك فالموجود من حديثه أكثر من الموجود من حديث غيره من المكثرين ولا يعارض هذا ما تقدم من تقديمه عبد الله بن عمرو على نفسه في كثرة الحديث لأنا قدمنا الجواب عن ذلك ولان الحديث الثاني من الباب دل على أنه لم ينس شيئا سمعه ولم يثبت مثل ذلك لغيره قوله حدثنا عبد العزيز هو الأويسي المدني والإسناد كله مدنيون قوله أكثر أبو هريرة أي من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صرح به المصنف في البيوع من طريق شعيب عن الزهري وله فيه وفي المزارعة من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري هنا زيادة وهي ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه وبها تبين الحكمة في ذكره المهاجرين والأنصار ووضعه المظهر موضع المضمر على
[ 191 ]
طريق الحكاية حيث قال أكثر أبو هريرة ولم يقل أكثرت قوله ولولا آيتان مقول قال لا مقول يقولون وقوله ثم يتلو مقول الأعرج وذكره بلفظ المضارع استحضارا لصورة التلاوة ومعناه لولا أن الله ذم الكاتمين للعلم ما حدث أصلا لكن لما كان الكتمان حراما وجب الاظهار فلهذا حصلت الكثرة لكثرة ما عنده ثم ذكر سبب الكثرة بقوله أن إخواننا وأراد بصيغة الجمع نفسه وأمثاله والمراد بالأخوة إخوة الإسلام قوله يشغلهم بفتح أوله من الثلاثي وحكى ضمه وهو شاذ قوله الصفق بإسكان الفاء هو ضرب اليد على اليد وجرت بد عادتهم عند عقد البيع قوله في أموالهم أي القيام على مصالح زرعهم ولمسلم كان يشغلهم عمل أرضيهم ولابن سعد كان يشغلهم القيام على أرضيهم قوله وأن أبا هريرة فيه التفات إذ كان نسق الكلام أن يقول وإني قوله لشبع بلام التعليل للأكثر وهو الثابت في غير البخاري أيضا وللأصيلي بشبع بموحدة أوله وزاد المصنف في البيوع وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة قوله ويحضر أي من الأحوال ويحفظ أي من الأقوال وهما معطوفان على قوله يلزم وقد روى البخاري في التاريخ والحاكم في المستدرك من حديث طلحة بن عبيد الله شاهدا لحديث اببي هريرة هذا ولفظه لا أشك أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا نسمع وذلك أنه كان مسكينا لا شئ له ضيفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج البخاري في التاريخ والبهيقي في المدخل من حديث محمد بن عمارة بن حزم أنه قعد في مجلس مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلا فجعل أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث فلا يعرفه بعضهم فيراجعون فيه حتى يعرفوه ثم يحدثهم بالحديث كذلك حتى فع مرارا فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس وأخرج أحمد والترمذي عن بن عمر أنه قال لأبي هريرة كنت أتيتهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفنا بحديثه قال الترمذي حسن واختلف في إسناد هذا الحديث على الزهري فرواه مالك عنه كذا ووافقه إبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة ورواه شعيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة وتابعه يونس بن يزيد والاسنادان جميعا محفوظا صححهما الشيخان وزادوا في روايتهم عن الزهري شيئا سنذكره في هذا الحديث الثاني قوله حدثنا أحمد بن أبي بكر هو الزهري المدني صاحب مالك وسقط قوله أبو مصعب من رواية الأصيلي وأبي ذر وهو بكنيته أشهر والإسناد كله مدنيون أيضا وكذا الذي بعده قوله كثيرا هو صفة لقوله حديثا لأنه اسم جنس قوله فغرف لم يذكر المغروف منه وكأنها كانت إشارة محضة قوله ضم وللكشمهيني والباقين ضمه وهو بفتح الميم ويجوز ضمها وقيل يتعين لأجل ضمه الهاء ويجوز كسرها لكن مع اسكان الهاء وكسرها قوله فما نسيت شيئا بعدهو مقطوع الاضافة مبنى على الضم وتنكير شيئا بعد النفي ظاهر العموم في عدم النسيان منه لكل شئ من الحديث وغيره ووقع في رواية بن عيينة وغيره عن الزهري في الحديث الماضي فو الذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا سمعته منه وفي رواية يونس عند مسلم فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به وهذا يقتضي تخصيص عدم النسيان بالحديث ووقع في رواية شعيب فما نسيت من مقالته تلك من شئ وهذا يقتضي عدم النسيان بتلك وغربان فقط لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه لأن أبا هريرة نبه به على كثرة محفوظة من الحديث فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها
[ 192 ]
ويحتمل أن تكون وقعت له قضيتان فالتي رواها الزهري مختصة بتلك المقالة والقضية التي رواها سعيد المقبري عامة وأما ما أخرجه بن وهب من طريق الحسن بن عمرو بن أمية قال تحدثت عند أبي هريرة بحديث فأنكره فقلت إني سمعت منك فقال أن كنت سمعته مني فهو مكتوب عندي فقد يتمسك به في تخصيص عد النسيان بتلك المقالة لكن سند هذا ضعيف وعلى تقدير ثبوته فهو نادر ويلتحق به حديث أبي سلمة عنه لا عدوي فإنه قال فيه أن أبا هريرة أنكره قال فما رايته نسي شيئا غيره فائدة المقالة المشار إليها في حديث الزهري ابهمت في جميع طرقه وقد وجدتها مصرحا بها في جامع الترمذي وفي الحلية لأبي نعيم من طريق أخرى عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا مما فرض الله فلتعلمهن ويعلمهن الا دخل الجنة فذكر الحديث وفي هذين الحديثين فضيلة ظاهرة لأبي هريرة ومعجزة واضحة من علامات النبوة لأن النسيان من لوازم الإنسان وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يكثر منه ثم تخلف عنه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وفي المستدرك للحاكم من حديث زيد بن ثابت قال كنت أنا وأبو هريرة وأخر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادعوا فدعوت أنا وصاحبي وامن النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا أبو هريرة فقال اللهم إني أسألك مثال ما سألك صاحباي وأسألك علما لا ينسى فأمن النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا ونحن كذلك يا رسول الله فقال سبقكما الغلام الدوسي وفيه الحث على حفظ العلم وفيه أن التقلل من الدنيا أمكن لحفظه وفيه فضيلة التكسب لم له عيال وفيه جواز أخبار المرء بما فيه من فضيلة إذا اضطر إلى ذلك وامن من الإعجاب قوله بن أبي فديك بهذا أشكل قوله بهذا على بعض الشارحين لأن بن أبي فديك لم يتقدم له ذكر وقد ظن بعضهم أنه محمد بن إبراهيم بن دينار المذكور قبل فيكون مراده أن السياقين متحدان الا في اللفظة المبينة فيه وليس كما ظن لأن بن أبي فديك اسمه محمد بن إسماعيل بن مسلم وهو ليثي يكنى أبا إسماعيل وابن دينار جهني يكنى أبا عبد الله لكن اشتركا في الرواية عن أبي ذئب لهذا الحديث ولغيره وفي كونهما مدنيين وجوز بعضهم أن يكون الحديث عند المصنف بإسناد آخر عن أبي ذئب وكل ذلك غفلة عما عند المصنف في علامات النبوة فقد ساقه بالإسناد المذكور والمتن من غير تغيير الا في قوله بيديه فإنه ذكرها بالافراد وقال فيها أيضا فغرف وهي رواية الأكثرين في حديث الباب ووقع في رواية المستملي وحده فحذف بدل فغرف وهو تصحيف لما وضح في سياقه في علامات النبوة وقد رواه بن سعد في الطبقات عن بن أبي فديك فقال فغرف قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس حدثني أخي هو أبو بكر عبد الحميد قوله حفظت عني وفي رواية الكشمهيني من بدل عن وهي أصرح في تلقيه من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة قوله وعاءين أي ظرفين أطلق المحل وأراد به الحال أي نوعين من العلم وبهذا التقرير يندفع إيراد من زعم أن هذا يعارض قوله في الحديث الماضي كنت لا اكتب وإنما مراده أن محفوظه من الحديث لو كتب لملأ الوعاءين ويحتمل أن يكون أبو هريرة أملى حديثه على من يثق به فكتبه له وتركه عنده والأول أولي ووقع في المسند عنه حفظت ثلاثة أجوبه بثثت منها جرابين وليس هذا مخالفا لحديث الباب لأنه يجمل على أن أحد الوعاءين كان أكبر من الآخر بحيث يجئ ما في الكبير في جرابين وما في الصغير في واحد ووقع في المحدث الفاضل للرامهرمزي من طريق منقطعة عن أبي هريرة خمسة اجربة وهو أن ثبت أمرهم
[ 193 ]
على نحو ما تقدم وعرف من هذا أن ما نشره من الحديث أكثر مما لم ينشره قوله بثثته بفتح الموحدة والمثلثة وبعدها مثلثة ساكنة تدغم في المثناة التي بعدها أي اذعته ونشرته زاد الاسماعيلي في الناس قوله قطع هذا البلعوم زاد في رواية المستملي قال أبو عبد الله يعني المصنف البلعوم مجرى الطعام وهو بضم الموحدة وكني بذلك عن القتل وفي رواية الاسماعيلي لقطع هذا يعني رأسه وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء واحوالهم وزمنهم وقد كان أبو هريرة يكنى عن بعضه ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم كقوله أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين من الهجرة واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة وستاتي الإشارة إلى شئ من ذلك أيضا في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى قال بن المنير جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين قال وإنما أراد أبو هريرة بقوله قطع أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتوبة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم وقال غيره يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان فينكر ذلك من لم يالفه ويعترض عليه من لا شعور له لا به قوله باب الانصات للعلماء أي السكوت والاستماع لما يقولونه قوله حدثنا حجاج هو بن منهال قوله عن جرير هو بن عبد الله الأسماء وهو وجد أبي زرعة الراوي عنه هنا قوله قال له في حجة الوداع ادعى بعضهم أن لفظ له زيادة لأن جرير إنما أسلم بعد حجة الوداع بنحو من شهرين فقد جزم بن عبد البر بأنه أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما وما جزم به يعارضه قول البغوي وابن حيان أنه أسلم في رمضان سنة عشر ووقع في رواية المصنف لهذا الحديث في باب حجة الوداع بان النبي صلى الله عليه وسلم قال لجرير وهذا لا يحتمل التأويل فيقوى ما قال البغوي والله أعلم قوله يضرب هو بضم الباء في الروايات والمعنى لا تفعلوا فعل الكفار فتشبهوهم في حالة قتل بعضهم بعضا وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى قال بن بطال فيه أن الانصات للعلماء السري للمتعلمين لأن العلماء ورثة الأنبياء كأنه أراد بهذا مناسبة الترجمة للحديث وذلك أن الخطبة المذكورة كانت في حجة الوداع والجمع كثير جدا وكان اجتماعهم لرمي الجمار وغير ذلك من أمور الحج وقد قال لهم خذوا عني مناسككم كما ثبت في صحيح مسلم فلما خطبهم ليعلمهم ناسب أن يأمرهم بالإنصات وقد وقع التفريق بين الانصات والاستماع في قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا ومعناهما نختلف فالانصات هو السكوت وهو يحصل ممن يستمع وممن لا يستمع كان يكون مفكرا في أمر آخر وكذلك الاستماع قد يكون مع السكوت وقد يكون مع النطق بكلام آخر لا يشتغل الناطق به عن فهم ما يقول الذي يستمع منه وقد قال سفيان الثوري وغيره أول العلم الاستماع ثم الانصات ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر وعن الأصمعي تقديم الانصات على الاستماع وقد ذكر على بن المديني أنه قال لابن عيينة أخبرني معتمر بن سليمان عن كهمس عن مطرف قال الانصات من العينين فقال بن عيينة وما ندري كيف ذلك
[ 194 ]
قال إذا حدثت رجلا فلم ينظر إليك لم يكن منصتا انتهى وهذا أمرهم على الغالب والله أعلم قوله باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم أي من غيره والفاء في قوله فيكل تفسيرية بناء على أن فعل المضارع بتقدير المصدر أي ما يستحب عند السؤال هو الوكول أن يكل وهو أوضح قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي المسندي وسفيان هو بن عيينة وعمرو هو بن دينار ونوف بفتح النون وبالفاء والبكالي ببفتح الموحدة وكسرها وتخفيف الكاف ووهم من شددها منسوب إلى يكال بطن من حمير ووهم من قال أنه منسوب إلى يكيل بكسر الكاف بطن من همدان لأنهما متغايران ونوف المذكور تابعي من أهل دمشق فاضل عالم لا سيما بالاسرائيليات وكان بن امرأة كعب الأحبار وقيل غير ذلك قوله ان موسى أي صاحب الخضر وصرح به المصنف في التفسير قوله انما هو موسى آخر كذا في روايتنا بغير تنوين فيهما وهو علم على شخص معين قالوا أنه موسى بن ميشا بكسر الميم وبالشين المعجمة وجزم بعضهم أنه منون مصروف لأنه نكرة ونقل عن بن مالك أنه جعله مثالا للعلم إذا نكر تخفيفا قال وفيه بحث قوله كذب عدو الله قال بن التين لم يرد بن عباس إخراج نوف عن ولاية الله ولكن قلوب العلماء تنفر إذا سمعت غير الحق فيطلقون أمثال هذا الكلام لقصد الرجز والتحذير منه وحقيقته غير مراده قلت ويجوز أن يكون بن عباس اتهم نوفا في صحة إسلامه فلهذا لم يقل في حق الحر بن قيس هذه المقالة مع تواردهما عليها وأما تكذيبه فيستفاد منه للعالم إذا كان عنده علم بشئ فسمع غيره يذكر فيه شيئا بغير علم أن يكذبه ونظير قوله صلى الله عليه وسلم كذب أبو السنابل أي أخبر بما هو باطل في نفس الأمر قوله حدثني أبي بن كعب في استدلاله بذلك دليل على قوة خبر الواحد المتقن عنده حيث يطلق مثل هذا الكلام في حق من خالفه وفي الإسناد رواية تابعي عن تابعي وهما عمرو وسعيد وصحابي عن صحابي وهما بن عباس وأبي قوله فقال أنا أعلم في جواب أي الناس أعلم قيل أنه مخالف لقوله في الرواية السابقة في باب الخروج في طلب العلم قال هل تعلم أحدا أعلم منك وعندي لا مخالفة بينهما لأن قوله هنا أنا أعلم أي فيما أعلم فيطابق قوله لا في جواب من قاله له هل تعلم أحدا أعلم منك في إسناد ذلك إلى علمه لا إلى ما في نفس الأمر وعند النسائي من طريق عبد الله بن عبيد عن سعيد بن جبير بهذا السند قام موسى خطيبا فعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي بعدم الله بما حدث به نفسه فقال يا موسى أن من عبادي من أتيته من العلم ما لم اوتك وعند عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير فقال ما أجد أحدا أعلم بالله وأمره مني وهو عند مسلم من وجه آخر عن أبي إسحاق بلفظ ما أعلم في الأرض رجلا خيرا أو أعلم مني قال بن المنير ظن بن بطال أن ترك موسى الجواب عن هذه المسألة كان أولي قال عندي أنه ليس كذلك بل رد العلم إلى الله تعالى متعين أجاب أو لم يجب فلو قال موسى عليه السلام أنا والله أعلم لم تحصل المعاتبة وإنما عوتب على اقتصاره على ذلك أي لأن الجزم يوهم أنه كذلك في نفس الأمر وإنما مراده الأخبار بما في علمه كما قدمناه والعتب من الله تعالى أمرهم على ما يليق به لا على معناه العرفي في الادميين كنظائره قوله هو أعلم منك ظاهر في أن الخضر نبي بل بني مرسل إذا لو لم يكن كذلك للزم تفضيل العالي على الأعلى وهو باطل من القول ولهذا أورد الزمخشري سؤالا وهو دلت حاجة موسى إلى التعليم من غيره أنه موسى بن ميشا كما قيل إذ النبي يجب أن يكون أعلم
[ 195 ]
أهل زمانه وأجاب عنه بأنه لا نقص بالنبي في أخذ العلم من نبي مثله قلت وفي الجواب نظر لأنه يستلزم نفي ما أوجب والحق أن المراد بهذا الإطلاق تقييد الاعلمية بأمر مخصوص لقوله بعد ذلك إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه والمراد بكون النبي أعلم أهل زمانه أي ممن أرسل إليه ولم يكن موسى مرسلا إلى الخضر وإذا فلا نقص به إذا كان الخضر أعلم منه أن قلنا أنه نبي مرسل أو أعلم منه في أمر مخصوص أن قلنا أنه نبي أو ولي وينحل بهذا التقرير اشكالات كثيرة ومن أوضح ما يستدل به على نبوة الخضر قوله وما فعلته عن أمري وينبغي اعتقاد كونه نبيا لئلا يتذرع بذلك أهل الباطل في دعواهم أن الوالي أفضل من النبي حاشا وكلا وتعقب بن المنير على بن بطال إيراده في هذا الموقع كثيرا من أقوال السلف في التحذير من الدعوى في العلم والحث على قول العالم لا أدري بان سياق مثل ذلك في هذا الموضع غير لائق وهو كما قال رحمه الله قال وليس قول موسى عليه السلام أنا أعلم كقول احاد الناس مثل ذلك ولا نتيجة قول كنتيجة قولهم فإن نتيجة قولهم العجب والكبر ونتيجة قوله المزيد من العلم والحث على التواضع والحرص على طلب العلم واستدلاله به أيضا على أنه لا يجوز الاعتراض بالعقل على الشرع خطا لأن موسى إنما اعترض بظاهر الشرع لا بالعقل المجرد ففيه حجة على صحة الاعتراض بالشرع على ما لا يسوغ فيه ولو كان مستقيما في باطن الأمر قوله في مكتل بكسر الميم وفتح المثناة من فوق قوله فانطلقا بقية ليلتهما بالجر على الإضافة ويومهما بالنصب على إرادة سير جميعه ونبه بعض الحذاق على أنه مقلوب وأن الصواب بقية يومهما وليلتهما لقوله بعده فلما مطرف لأنه لا يصبح الا عن ليل انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله فلما مطرف أي من الليلة التي تلي اليوم الذي سارا جميعه والله أعلم قوله اني أي كيف بأرضك السلام ويؤيده ما في التفسير هل بأرضي من سلام أو من أين كما في قوله تعالى انى لك هذا والمعنى من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها وكأنها كانت بلاد كفر أو كانت تحيتهم بغير السلام وفه دليل على أن الأنبياء ومن دونهم لا يعلمون من الغيب الا ما علمهم الله إذ لو كان الخضر يعلم كل غيب لعرف موسى قبل أن يسأله قوله فانطلقا يمشيان أي موسى والخضر ولم يذكر فتى موسى وهو يوشع لأنه تابع غير مقصود بالأصالة قوله فكلموهم ضم يوشع معهما في الكلام لأهل السفينة لأن المقام يقتضي كلام التابع قوله فحملوهما يقال فيه ما قيل في يمشيان ويحتمل أن يكون يوشع لم يركب معهما لأنه لم يقع له ذكر بعد ذلك قوله فجاء عصفور بضم أوله قيل هو الصرد بضم المهملة وفتح الراء وفي الرحلة للخطيب أنه الخطاف قوله ما نقص علمي وعلمك من علم الله لفظ النقص ليس على ظاهره لأن علم الله لا يدخله النقص فقيل معناه لم يأخذ وهذا توجيه حسن ويكون التشبيه واقعا على الأخذ لا على المأخوذ منه وأحسن منه أن المراد بالعلم المعلوم بدليل دخول حرف التبعيض لأن العلم القائم بذات الله تعالى صفة قديمة لا تتبعض والمعلوم هو الذي يتبعض وقال الاسماعيلي المراد أن نقص العصفور لا ينقص البحر بهذا المعنى وهو كما قيل ولا شئ فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب أي ليس فيهم شئ وحاصله أن نفي النقص أطلق على سبيل المبالغة وقيل الا بمعنى ابن $ أي ابن $ كنقرة هذا العصفور وقال القرطبي من أطلق اللفظ هنا تجوز لقصده التمسك والتعظيم وإذ
[ 196 ]
لا نقص في علم الله ولا نهاية لمعلوماته وقد وقع في رواية بن جريج بلفظ أحسن سياقا من هذا وأبعد اشكالا فقال ما على وعلمك في جنب علم الله الا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر وهو تفسير اللفظ الذي وقع هنا قال وفي قصة موسى والخضر من الفوائد أن الله يفعل في ملكه ما يريد ويحكم في خلقه بما يشاء مما ينفع أو يضر فلا مدخل للعقل في أفعاله ولا معارضة لاحكامه بل يجب على الخلق الرضا والتسليم فإن إدراك العقول لاسرار الربوبيه قاصر فلا يتوجه على حكمة كم ولا كيف كما لا يتوجه عليه في الجوزي أين وحيث وأن العقل لا يحسن ولا يقبح وأن ذلك راجع إلى الشرع فما حسنه بالثناء عليه فهو حسن وما قبحه بالذم فهو قبيح وان الله تعالى فيما يقضيه حكما واسرارا في مصالح خفية اعتبرها كل ذلك بمشيئته وارادته من غير وجوب عليه ولا حكم عقل يتوجه إليه بل يحسب ما سبق في علمه ونافذ حكمة فما اطلع الخلق عليه من تلك الاسرار عرف وإلا فالعقل عنده واقف فليحذر المرء من الاعتراض فإن مآل ذلك إلى الخيبة قال ولننبه هنا على مغالطتين الأولى وقع لبعض الجهلة أن الخضر أفضل من موسى تمسكا بهذه القصة وبما اشتملت عليه وهذا إنما يصدر ممن قصر نظره على هذه القصة ولم ينظر فيما خص الله به موسى عليه السلام من الرسالة وسماع كلام الله واعطائه التوراة فيها علم كل شئ وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته ومخاطبون بحكم نبوته حتى عيسى وادلة ذلك في القرآن كثيرة ويكفي من ذلك قوله تعالى يا موسى أن اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وسيأتي من أحاديث الأنبياء من فضائل موسى ما فيه كفاية قال والخضر وأن كان نبيا فليس برسول باتفاق والرسول أفضل من نبي ليس برسول ولو تنزلنا على أنه رسول فرسالة موسى أعظم وأمته أكثر فهو أفضل وغاية الخضر أن يكون كواحد من أنبياء بني إسرائيل وموسى أفضلهم وأن قلنا أن الخضر ليس بنبي بل ولي فالنبي أفضل من الولي وهو أمر مقطوع به عقلا ونقلا والصائر إلى خلافه كافر لأنه أمر معلوم من الشرع بالضرورة قال وإنما كانت قصة الخضر مع موسى امتحانا لموسى ليعتبر الثانية ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام خالف فقالوا أنه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية فضالة تختص بالعامة والاغبياء وأما الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم لصفاء قلوبهم عن الاكدار وخلوها عن الاغيار فتنجلي لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانيه فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون الأحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما ينجلي له من تلك العلوم عما كان عند موسى ويؤيده الحديث المشهور استفت قلبك وأن افتوك قال القرطبي وهذا القول زندقة وكفر لأنه إنكار علم من الشرائع فإن الله قد أجرى سنته وانفذ كلمته بان احكامه لا تعلم الا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه المبينين لشرائعه وأحكامه كما قال الله تعالى يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس وقال الله أعلم حيث يجعل رسالاته وأمر بطاعتهم في كل ما جاءوا به وحث على طاعاتهم والتمسك بما أمروا به فإن فيه الهدى وقد حصل العلم اليقين وإجماع السلف على ذلك فمن ادعى أن هناك طريقا أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الطرق التي جاءت بها الرسل يستغني بها عن الرسول فهو كافر يقتل ولا يستتاب قال وهي دعوى
[ 197 ]
تستلزم اثبات نبوة بعد نبينا لأن من قاله أنه يأخذ عن قلبه لأن الذي يقع فيه هو حكم الله وأنه يعمل بمقتضاه من غير حاجة منه إلى كتاب ولا سنة فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم أن روح القدس نفث في روعي قال وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال أنا لا آخذ عن الموتى وإنما آخذ عن الحي الذي لا يموت وكذا قال آخر أنا آخذ عن قلبي عن ربي وكل ذلك كفر باتفاق أهل الشرائع نسأل الله الهداية والتوفيق وقال غيره من استدل بقصة الخضر على أن الولي يجوز أن يطلع من خفايا الأمور على ما يخالف الشريعه ويجوز له فعله فقد ضل وليس ما تمسك به صحيحا فإن الذي فعله الخضر ليس في شئ منه ما يناقض الشرع فإن نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظالم عن غصبها ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعا وعقلا ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظاهر وقد وقع ذلك واضحا في رواية أبي إسحاق التي أخرجها مسلم ولفظه فإذا جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة تجاوزها فأصلحها فيستفاد منه وجوب التأني عن الإنكار في المحتملات وأما قتله الغلام فلعله كان في الك خالف وأما إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان والله أعلم قوله فعمد بفتح المهملة والميم وكذا قوله عمدت ونول بفتح النون أي أجرة قوله فانطلقا أي فخرجا من السفينة فانطلقا كما صرح به أيضا في التفسير قوله قال الخضر بيده هو من إطلاق القول على الفعل وسنذكر باقي مباحث هذا الحديث في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى قوله باب من سأل وهو قائم جملة خاليه عن الفاعل وقوله عالما مفعول وجالسا صفة له والمراد أن العالم الجالس إذا سأله شخص قائم لا يعد من باب من أحب أن يتمثل له الرجال قياما بل هذا جائز بشرط الأمن من الإعجاب قاله بن المنير قوله حدثنا عثمان هم بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وأبو وائل هو شقيق وأبو موسى هو الأشعري وكلهم كوفيون قوله قال وما رفع إليه رأسه ظاهره أن القائل هو أبو موسى ويحتمل أن يكون من دونه فيكون مدرجا في اثناء الخبر قوله من قاتل الخ هو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع الزيادة عليه وفي الحديث شاهد لحديث الأعمال بالنيات وأنه لا بأس بقيام طالب الحاجة عند أمن البكر وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لاعلاء دين الله وفيه استحباب إقبال المسئول على السائل وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى قوله باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار مراده أن اشتغال العالم بالطاعة لا يمنع من سؤاله عن العلم ما لم يكن مستغرقا فيها وأن الكلام في الرمي وغيره من المناسك جائز وقد تقدم هذا الحديث في باب الفتيا على الدابة وأخر الكلام على المتن إلى الحج وعبد العزيز بن أبي سلمة هو بن عبد الله نسب إلى جده أبي سلمة الماجشون بكسر الجيم وبشين غدا وقد اعترض بعضهم على الترجمة بأنه ليس في الخبر أن المسألة وقعت في حال الرمي بل فيه أنه كان واقفا عندها فقط وأجيب بأن المصنف كثيرا ما يتمسك بالعموم فوقوع السؤال عند الجمرة أعم من أن يكون في حال اشتغاله بالرمي أو بعد الفراغ منه واستدل الاسماعيلي بالخبر على أن الترتيب قائم مقام اللفظ أي بأي صيغة ورد ما لم يقم دليل على عدم ارادته والله أعلم وحاصله أنه لو لم يفهموا أن ذلك هو الأصل لما احتاجوا إلى السؤال عن حكم تقديم الأول على الثاني وإذا ورد الأمر لشيئين معطوفا بالواو فيقال الأصل العمل بتقديم ما قدم وتأخير ما أخر حتى
[ 198 ]
يقوم الدليل على التسوية ولمن يقوم بعدم الترتيب أصلا أن يتمسك بهذا الخبر يقول حتى يقوم دليل على وجوب الترتيب واعترض الاسماعيلي أيضا على الترجمة فقال لا فائدة في ذكر المكان الذي وقع السؤال فيه حتى يفرد بباب وعلى تقدير اعتبار مثل ذلك فليترجم بباب السؤال والمسؤول على الراحلة وبباب السؤال يوم النحر قلت أما نفي الفائدة فتقدم الجواب عنه ويراد أن سؤال من لا يعرف الحكم عنه في موضع فعله حسن بل واجب عليه لأن صحة العمل متوقفة على العلم بكيفيته وأن سؤال العالم على قارعة الطريق عما يحتاج إليه السائل لا نقص فيه على العالم إذا أجاب ولا لوم على السائل ويستفاد ممنه أيضا دفع توهم من يظن أن في الاشتغال بالسؤال والجواب عند الجمرة تضييقا على الرامين وهذا وأن كان كذلك يستثنى من المنع ما إذا كان فيما يتعلق بحكم تلك العبادة وأما إلزام الاسماعيلي فجوابه أنه ترجم للأول فيما مضى باب الفتيا وهو واقف على الدابة وأما الثاني فكأنه أراد أن يقابل بالزمان وهو متجه وأن كان معلوما أن السؤال عن العلم لا يتقيد بيوم دون يوم لكن قد يتخيل متخيل من كون يوم العيد يوم لهو وامتناع الس ال عن العلم فيه والله أعلم قوله باب قول الله عز وجل وما أوتيتم من العلم الا قليلا عبد الواحد هو بن زياد البصري وإسناد الأعمش إلى منتهاه مما قيل أنه أصح الأسانيد قوله خرب بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء جمع خربة ويقال بالعكس والخرب ضد العامر ووقع في موضع آخر بفتح المهملة وإسكان الراء بعدها مثلثة قوله عسيب أي عصا من جريد النخل قوله بنفس من اليهود لم أقف على أسمائهم قوله لا تسألوه لا يجئ في روايتنا بالجزم على جواب النهي ويجوز النصب والمعنى لا تسألوه خشية أن يجئ فيه بشئ ويجوز الرفع على الاستئناف قوله لنسألنه جواب القسم المحذوف قوله فقمت أي حتى لا أكون مشوشا عليه أو فقمت قائما حائلا بينه وبينهم قوله فلما انجلى أي الكرب الذي كان يغشاه حال الوحي قوله الروح الأكثر على أنهم سألوه عن حقيقة الروح الذي في الحيوان وقيل عن جبريل وقيل عن عيسى وقيل عن القرآن وقيل عن خلق عظيم روحاني وقيل غير ذلك وسيأتي ذلك في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى ونشير هناك إلى ما قيل في الروح الحيواني وأن الأصح أن حقيقته مما استاثر الله بعمله قوله هي كذا وللكشمهيني هكذا في قراءتنا أي قراءة الأعمش وليست هذه القراءة في السبعة بل ولا في المشهور من غيرها وقد اغفلها أبو عبيد في كتاب القراءات له من قراءة الأعمش والله أعلم قوله باب من ترك بعض الاختيار أي فعل الشئ المختار والاعلام به قوله عن إسرائيل هو بن يونس عن أبي إسحاق هو السبيعي بفتح المهملة وهو جد إسرائيل الراوي عنه والأسود هو بن يزيد النخعي والإسناد إليه كلهم كوفيون قوله قال لي بن الزبير يعني عبد الله الصحابي المشهور قوله كانت عائشة أي أم المؤمنين قوله في الكعبة يعني في شأن الكعبة قوله قلت قالت لي زاد فيه بن أبي شيبة في مسنده عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد قلت لقد حدثني حديثا كثيرا نسيت بعضه وأنا أذكر بعضه قال أي بن الزبير ما نسيت أذكرتك قلت قالت قوله حديث عهدهم بتنوين حديث ورفع عهدهم على إعمال الصفة المشبهة قوله قال وللأصيلي فقال بن الزبير بكفر أي أذكره
[ 199 ]
بن الزبير بقولها بكفر كان الأسود نسيها وأما ما بعدها وهو قوله لنقضت الخ فيحتمل الله شعبة عن أبي أسحق عن الأسود بتمامه الا قوله بكفر فقال بدلها بجاهلية وكذا للمصنف في الحج من طريق أخرى عن الأسود ورواه الاسماعيلي من طريق زهير بن معاوية عن أبي أسحق ولفظه قلت حدثتني حديثا حفظت أوله ونسيت آخره ورجحها الاسماعيلي على رواية إسرائيل وفيما قال نظر لما قدمناه وعلى قوله له يكون في رواية شعبة ادراج والله أعلم قوله بابا بالنصب على البدل كذا لأبي ذر في الموضعين ولغيره بالرفع على الاستئناف قوله ففعله يعني ني الكعبة على ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي ذلك مبسوطا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى وفي الحديث معنى ما ترجم له لأن قريشا كانت تعظم أمر الكعبة جدا فخشي صلى الله عليه وسلم أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غير بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك ويستفاد منه ترك المصلحة لامن الوقوع في المفسدة ومنه إنكار ترك المنكر خشية الوقوع في أنكر منه وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم ولو كان مفضولا ما لم يكن محرما قوله باب من خص بالعلم قوما دون قوم أي سوى قوم لا بمعنى الأدون وكراهية بالإضافة بغير تنوين وهذه الترجمة قريبة من الترجمة التي قبلها ولكن هذه في الأقوال وتلك في الأفعال أو فيهما قوله حدثنا عبيد الله هو بن موسى كما ثبت للباقين قوله عن معروف هو بن خربوذ كما في رواية كريمة وهو تابعي صغير مكي وليس له في البخاري غير هذا الموضع وأبوه بفتح المعجمة وتشديد الراء ويوهمون وضم الموحدة وآخره غدا وهذا الإسناد من عوالي البخاري لأنه يلتحق بالثلاثيات من حيث أن الراوي الثالث منه صحابي وهو أبو الطفيل عامر بن وائلة المؤذن آخر الصحابة موتا وليس له في البخاري غير هذا الموضع قوله حدثوا الناس بما يعرفون كذا وقع في رواية أبي ذر وسقط كله من روايته عن الكشمهيني ولغيره بتقديم المتن ابتدأ به معلقا فقال وقال على الخ ثم عقبة بالإسناد والمراد بقوله بما يعرفون أي يفهمون وزاد آدم بن أبي إياس في كتاب العلم له عن عبد الله بن داود عن معروف في آخره ودعوا ما ينكرون أي يشتبه عليهم فهمه وكذا رواه أبو نعيم في المستخرج وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند فضالة ومثله قول بن مسعود ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان لبعضهم فتنة رواه مسلم وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ومالك في أحاديث الصفات وأبو يوسف في الغرائب ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن ونحوه عن حذيفة وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد فالامساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب والله أعلم قوله حدثني أبي هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي قوله رديفه أي راكب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والجملة حالة والرحل بإسكان الحاء المهملة وأكثر ما يستعمل للبعير لكن معاذ كان في تلك الحالة رديفه صلى الله عليه وسلم على حمار كما يأتي في الجهاد قوله قال يا معاذ بن جبل هو خبر أن المتقدمة وابن جبل بفتح النون وأما معاذ فالبضم لأنه منادى مفرد علم وهذا اختيار بن مالك لعدم
[ 200 ]
احتياجه إلى تقدير واختار بن الحاجب النصب على أنه ما بعده كاسم واحد مركب كأنه أضيف والمنادي المضاف منصوب وقال بن التين يجوز النصب على أن قوله معاذ زائد فالتقدير يا بن جبل وهو يرجع إلى الكلام بن الحاجب بتأويل قوله قال لبيك يا رسول الله وسعديك اللب بفتح اللام معناه هنا الإجابة والسعد المساعدة وكأنه قال لبا لك وإسعادا لك ولكنهما ثنيا على معنى التأكيد والتكثير أي إجابة بعد إجابة وإسعادا بعد إسعاد وقيل في أصل لبيك واشتقاقها غير ذلك وسنوضحه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله ثلاثا أي النداء والاجابة قيلا ثلاثا وصرح بذلك في رواية مسلم ويؤيده الحديث المتقدم في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه قوله صدقا فيه احتراز عن شهادة المنافق وقوله من قلبه يمكن أن يتعلق بصدق أي يشهد بلفظه ويصدق بقلبه ويمكن أن يتعلق بيشهد أي يشهد بقلبه والأول أولى وقال الطيبي قوله صدقا أقيم هنا مقام الاستقامة لأن الصدق يعبر به قولا عن مطابقة القول المخبر عنه ويعبر به فعلا تحري الأخلاق المرضية كقوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أي حقق ما أورده قولا بما تحراه فعلا انتهى وأراد بهذا التقرير رفع الاشكال عن ظاهر الخبر لأنه يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد لكن دلت الأدلة القطعيه عند أهل السنة على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون ثم يخرجون من النار بالشفاعة فعلم أن ظاهرة غير مراد فكأنه قال أن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة قال ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به وقد أجاب العلماء عن الاشكال أيضا بأجوبة أخرى منها أن مطلقة مقيد بمن قالها تائبا ثم مات على ذلك ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض وفيه نظر لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد بإسناد حسن وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبو هريرة ومنها أنه خرج مخرج الغالب إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة ويجتنب المعصية ومنها أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها ومنها أن المراد النار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته لأن النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها وكذا لسانه الناطق بالتوحيد والعلم عند الله تعالى قوله فيستبشرون كذا لأبي ذر أي فهم يستبشرون وللباقين بحذف النون وهو أوجه لوقوع الفاء بعد النفي أو الاستفهام أو العرض وهي تنصب في كل ذلك قوله إذا يتكلوا بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف وهو جواب وجزاء أي أن أخبرتهم يتكلوا وللأصيلي والكشميهني ينكلوا بإسكان النون وضم الكاف أن يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره وروى البزار بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمعاذ في التبشير فلقيه عمر فقال لا تعجل ثم دخل فقال يا نبي الله أنت أفضل رأيا إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها قال فرده وهذا معدود من موافقات عمر وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم واستدل بعض متكلمي الاشاعرة من قوله يتكلوا على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله قوله عند موته أي موت معاذ وأغرب الكرماني فقال يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول
[ 201 ]
الله صلى الله عليه وسلم قلت ويرده ما رواه أحمد بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال أخبرني من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم يمنعني أن أحدثكموه الا مخافة أن تتكلوا فذكره قوله تأثما هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة أي خشية الوقوع في الإثم وقد تقدم توجيهه في حديث بدء الوحي في قوله يتحنث والمراد بالإثم الحاصل من كتمان العلم ودل صنيع معاذ على أنه عرف أن النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم وإلا لما كان يخبر به أصلا أو عرف أن النهي مقيد بالاتكال فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك وإذا زال القيد زال المقيد والأول أوجه لكونه أخر ذلك إلى وقت موته وقال القاضي عياض لعل معاذا لم يفهم النهي لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم قلت والرواية الآتية صريحة في النهي فالأولى ما تقدم وفي الحديث جواز الارداف وبيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة معاذ بن جبل من العلم لأنه خصه بما ذكر وفيه جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه واستئذانه في اشاعة ما يعلم به وحده قوله حدثنا مسدد حدثنا معتمر كذا للجميع وذكر الجياني أن عبدوسا والقابسي روياه عن أبي زيد المروزي بإسقاط مسدد من السند قال وهو وهم ولا يتصل السند الا بذكره انتهى ومعتمر هو بن سليمان التيمي والإسناد كله بصريون الا معاذا وكذا الذي قبله الا إسحاق فهو مروزي وهو الإمام المعروف بابن راهويه قوله ذكر لي هو بالضم على البناء لما لم يسم فاعله ولم يسم أنس من ذكر له ذلك في جميع ما وقفت عليه من الطرق وكذلك جابر بن عبد الله كما قدمناه من عند أحمد لأن معاذا إنما حدث به عند موته بالشام وجابر وأنس إذ ذاك بالمدينة فلم يشهداه وقد حضر ذلك من معاذ عمرو بن ميمون الأودي أحد المخضرمين كما سيأتي عند المصنف في الجهاد ويأتي الكلام على ما سياقه من الزيادة ثم ورواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن سمرة الصحابي المشهور أنه سمع ذلك من معاذ أيضا فيحتمل أن يفسر المبهم بأحدهما والله أعلم تنبيه أورد المزي في الأطراف هذا الحديث في مسند أنس وهو من مراسيل أنس وكان حقه أن يذكره في المبهمات والله الموفق قوله من لقي الله أي من لقي الأجل الذي قدره الله يعني الموت كذا قاله جماعة ويحتمل أن يكون المراد البعث أو رؤية الله تعالى في الآخرة قوله لا يشرك به اقتصر على نفي الإشراك لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء ويستدعي اثبات الرسالة باللزوم إذ من كذب رسول الله فقد كذب الله ومن كذب الله فهو مشرك أو هو مثل قول القائل من توضأ صحت صلاته أي مع سائر الشرائط فالمراد من مات حال كونه مؤمنا بجميع ما يجب الإيمان به وليس في قوله دخل الجنة من الاشكال ما تقدم في السياق الماضي لأنه أعم من أن يكون قبل التعذيب أو بعده قوله فأخبر بها معاذ عند موته تأثما معنى التأثم التحرج من الوقوع في الإثم وهو كالتحنث وإنما خشي معاذ من الإثم المرتب على كتمان العلم وكأنه فهم من منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر بها اخبارا عاما لقوله أفلا أبشر الناس فأخذ هو أولا بعموم المنع فلم يخبر بها أحدا ثم ظهر له أن المنع هو من الأخبار عموما فبادر قبل موته فأخبر بها خاصا من الناس فجمع بين الحكمين ويقوى ذلك أن المنع لو كان على عمومه في الأشخاص لما أخبر هو بذلك وأخذ منه أن من كان في مثل مقامه في الفهم أنه لم يمنع من اخباره وقد تعقب هذا الجواب بما أخرجه أحمد من وجه
[ 202 ]
آخر فيه انقطاع عن معاذ أنه لما حضرته الوفاة قال أدخلوا على الناس فأدخلوا عليه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مات لا يشرك بالله شيئا جعله الله في الجنة وما كنت أحدثكموه الا عند الموت وشاهدي على ذلك أبو الدرداء فقال صديق أخي وما كان يحدثكم به الا عند موته وقد وقع الآبي أيوب مثل ذلك ففي المسند من طريق أبي ظبيان أن أبا أيوب غزا الروم فمرض فلما حضر قال سأحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حالى هذه ما حدثتكموه سمعته يقول من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإذا عورض هذا الجواب فأجيب عن أصل الاشكال بان معاذا اطلع على أنه لم يكن المقصود من المنع التحريم بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا هريرة أن يبشر بذلك الناس فلقيه عمر فدفعه وقال ارجع يا أبا هريرة ودخل على أثره فقال يا رسول الله لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس فخلهم يعملون فقال فخلهم أخرجه مسلم فكأن قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ أخاف أن يتكلوا كان بعد قصة أبي هريرة فكان النهي للمصلحة لا للتحريم فلذلك أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ والله أعلم قوله لا هي للنهي ليست داخلة على أخاف بل المعنى لا تبشر ثم استأنف فقال أخاف وفي رواية كريمة إني أخاف بإثبات التعليل وللحسن بن سفيان في مسنده عن عبيد الله بن معاذ بن معتمر قال لا دعهم فليتنافسوا في الأعمال فإني أخاف أن يتكلوا قوله باب الحياء أي حكم الحياء وقد تقدم أن الحياء من الإيمان وهو الشرعبي الذي يقع على وجه الاجلال والاحترام للأكابر وهو محمود وأما ما يقع سببا لترك أمر شرعي فهو مذموم وليس هو فدحيت شرعي وإنما هو ضعف ومهانة وهو المراد بقول مجاهد لا يتعلم العلم مستحي وهو بإسكان الحاء ولا في كلامه نافية لا ناهية غنم كانت ميم يتعلم مضمونه وكأنه أراد تحريض المتعلمين على ترك العجز والتكبر لما يؤثر كل منهما من النقص في التعليم وقول مجاهد هذا وصله أبو نعيم في الحلية من طريق على بن المديني عن بن عيينة عن منصور عنه وهو إسناد صحيح على شرط المصنف قوله وقالت عائشة هذا التعليق وصله مسلم من طريق إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة في حديث أوله أن أسماء بنت يزيد الأنصاري سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض قوله هشام هو بن عروة بن الزبير وفي الإسناد من اللطائف رواية تابعي عن مثله عن صحابية عن مثلها وفيه رواية الابن عن أبيه والبنت عن أمها وزينب هي بنت أبي سلمة بن عبد الأسد ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم نسبت إلى أمها تشريفا لكونها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قوله جاءت أم سليم هي بنت ملحان والدة أنس بن مالك قوله ان الله لا يستحي من الحق أي لا يأمر بالحياء في الحق وقدمت أم سليم هذا الكلام بسطا لعذرها في ذكر ما تستحى النساء من ذكره بحضرة الرجال ولهذا قالت لها عائشة كما ثبت في صحيح مسلم فضحت النساء قوله إذا هي احتلمت أي رأت في منامها أنها تجامع قوله إذا رأت الماء يدل على تحقق وقوع ذلك وجعل رؤية الماء شرطا للغسل يدل على أنها إذا لم تر الماء لأغسل عليها قوله فغطت أم سلمة في مسلم من حديث أنس أن ذلك وقع لعائشة أيضا ويمكن الجمع بأنهما كانتا حاضرتين قوله تعني وجهها هو بالمثناة من فوق والقائل عروة وفاعل تعني زينب والضمير يعود على أم سلمة قوله وتحتلم بحذف همزة الاستفهام وللكشمهيني أو تحتلم بإثباتها قيل فيه دليل على أن الاحتلام يكون في بعض النساء دون بعض
[ 203 ]
ولذلك أنكرت أم سلمة ذلك لكن الجواب يدل على أنها إنما أنكرت وجود المني من أصله ولهذا أنكر عليها قوله تربت يمينك أي افتقرت وصارت على التراب وهي من الألفاظ التي تطلق عند الزجر ولا يراد بها ظاهرها قوله فبم بموحدة مكسورة وسيأتي الكلام على مباحثه في كتاب الطهارة إن شاء الله تعالى قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وقد تقدم الكلام على حديث بن عمر ها في أوائل كتاب العلم وأورده هنا لقوله بن عمر فاستحييت ولتأسف عمر على كونه لم يقل لك لتظهر فضيلته فاستلزم حياء بن عمر تفويت لك وكان يمكنه إذا استحى إجلالا لمن هو أكبر منه أن يذكر ذلك لغيره سرا ليخبر به عنه فجمع بين المصلحتين ولهذا عقبة المصنف بباب من استحى فأمر غيره بالسؤال وأورد فيه حديث على بن طالب قال كنت رجلا مذاه وهو بتثقيل الذال المعجمه والمد أي كثير المذي وهو بإسكان المعجمة الماء الذي يخرج من الرجل عند الملاعبه وسيأتي الكلام عليه في الطهاره أيضا واستد به بعضهم على جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدره على المقطوع وهو خطا ففي النسائي أن السؤال وقع وعلي حاضر قوله باب ذكر العلم أي إلقاء العلم والفتيا في المسجد وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من توقف فيه لما يقع في المباحثة من رفع الأصوات فنبه على الجواز قوله ان رجلا قام في المسجد لم أقف على اسم هذا الرجل والمراد بالمسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويستفاد منه أن السؤال عن مواقيت الحج كان قبل السفر من المدينة وقرن بإسكان الراء وغلط من فتحها وقول بن عمر ويزعمون الخ يفسر بمن روى الحديث تاما كابن عباس وغيره وفيه دليل على إطلاق الزعم على القول المحقق لابن عمر سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لم يفهمه لقوله لم أفقه هذه أي الجملة الاخيرة فصار يرويها عن غيره وهو دال على شدة تحريه وورعه وسيأتي الكلام على فوائده في الحج إن شاء الله تعالى قوله باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله قال بن المنير موقع هذه الترجمة التنبيه على أن مطابقة الجواب للسؤال غير السري بل إذا كان السبب خاصا والجواب عاما جاز وحمل الحكم على عموم الفظ لا على خصوص السبب لأنه جواب وزيادة فائده ويؤخذ منه أيضا أن المفتي إذا سئل عن واقعة واحتمل عنده أن يكون السائل يتذرع بجوابه إلى أن يعديه إلى غير محل السؤال تعين عليه أن يفصل الجواب ولهذا قال فإن لم يجد نعلين فكأنه سأل عن حالة الاختيار فأجابه عنها وزاده حالة الاضطرار وليست أجنبية عن السؤال لأن حالة السفر تقتضي ذلك وأما ما وقع في كلام كثير من الاصوليين أن الجواب يجب أن يكون مطابقا للسؤال فليس المراد بالمطابقه عدم الزيادة بل المراد أن الجواب يكون مفيدا للحكم المسئول عنه قاله بن دقيق العيد وفي الحديث أيضا العدول عما لا ينحصر إلى ما ينحصر طلبا للايجاز لأن السائل سئل عما يلبس فأجيب بما لا يلبس إذ الأصل الإباحة ولو عدد له ما يلبس لطال به بل كان لا يؤمن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم وأيضا فالمقصود ما يحرم لبسه لا ما يحل له لبسه لأنه لا يجب له لباس مخصوص بل عليه أن يجتنب شيئا مخصوصا قوله وابن أبي ذئب هو بالضم عطفا على قول آدم حدثنا بن أبي ذئب والمراد أن آدم سمعه من بن أبي ذئب بإسنادين وفي رواية غير أبي ذر عن الزهري بالعطف على نافع ولم يعد
[ 204 ]
ذكر بن أبي ذئب قوله ان رجلا لم اقف على اسمه وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الحج أيضا إن شاء الله تعالى خاتمة اشتمل كتاب العلم من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث وحديثين منها في المتابعات بصيغة التعليق وغيرها ثمانية عشر والتعاليق التي لم يوصلها في مكان آخر أربعة هي كتب لأمير السريه ورحل جابر إلى عبد الله بن أنيس وقصة ضمام في رجوعه إلى قومه وحديث إنما للعلم بالتعلم وباقي ذلك وهو ثمانون حديثا كلها موصولة فالمكرر منها ستة عشر حديثا وبغير تكرير أربعة وستون حديثا وقد وافقه مسلم على تخريجها الا ستة عشر حديثا وهي الأربعة المعلقة المذكورة وحديث أبي هريرة إذا وسد الأمر إلى غير أهله وحديث بن عباس اللهم علمه الكتاب وحديثه في الذبح قبل الرمي وحديث عقبة بن الحارث في شهادة المرضعة وحديث أنس في إعادة الكلمه ثلاثا وحديث أبي هريرة أسعد الناس بالشفاعة وحديث الزبير من كذب علي وحديث سلمة من تقول على وحديث على في الصحيفة وحديث أبي هريرة في كونه أكثر الصحابة حديثا وحديث أم سلمة ماذا أنزل الليلة من الفتن وحديث أبي هريرة حفظت وعاءين والمراد بموافقة مسلم موافقته على تخريج أصل الحديث عن صحابية وأن وقعت بعض المخالفة في بعض السياقات وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم اثنان قرة أثرا أربعة منها موصولة والبقيه معلقه قال بن رشيد ختم البخاري كتاب العلم بباب من أجاب السائل بأكثر مما سأل عنه إشارة منه إلى أنه بلغ الغاية في الجواب وأشار بالنصيحة واعتمادا على النية الصحيحة وأشار قبل ذلك بقليل بترجمة من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه إلى أنه ربما صنع ذلك فاتبع الطيب بأبرع سياق وأبدع اتساق رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوضوء باب ما جاء في قول الله عز وجل إذا قمتم إلى الصلاة الآية وفي رواية الأصيلي ما جاء في قول الله دون ما قبله ولكريمة باب في الوضوء وقول الله عز وجل الخ والمراد بالوضوء ذكر احكامه وشرائطه وصفته ومقدماته والوضوء بالضم هو الفعل وبالفتح الماء الذي يتوضأ به على المشهور فيهما وحكى في كل منهما الأمران وهو مشتق من الوضاءة وسمي ذلك لأن المصلي يتنظف به فيصير وضيئا وأشار بقوله ما جاء إلى اختلاف السلف في معنى الآية فقال الأكثرون التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين وقال آخرون بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف الا أنه في حق المحدث على الإيجاب وفي حق غيره على الندب وقال بعضهم كان على الإيجاب ثم نسخ فصار مندوبا ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أسماء بنت زيد بن الخطاب حدثت أباه عبد الله بن عمر عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق عليه وضع عنه الوضوء الا من حديث ولمسلم من حديث بريده كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر انك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته أي لبيان الجواز وسيأتي حديث أنس في ذلك في باب الوضوء من غير حدث واختلف العلماء أيضا في موجب الوضوء فقيل يجب بالحدث وجوبا موسعا وقيل به وبالقيام إلى الصلاة معا ورجحه جماعة من الشافعية وقيل بالقيام إلى الصلاة حسب ويدل له ما رواه أصحاب السنن من حديث بن
[ 205 ]
عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة واستنبط لعض العلماء من قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة إيجاب النية في الوضوء لأن التقدير إذا اردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لاجلها ومثله قولهم إذا رأيت الأمير فقم أي لأجله وتمسك بهذه الآية من قال أن الوضوء أول ما فرض بالمدينة فأما ما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابه إنما فرض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة كما فرضت الصلاة وأنه لم يصل قط الا بوضوء قال وهذا كما لا يجهله عالم وقال الحاكم في المستدرك وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة ثم ساق حديث بن عباس دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقالت هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك فقال ائتوني بوضوء فتوضأ الحديث قلت وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة لا على من أنكر وجوبه حينئذ وقد جزم بن الجهم المالكي بأنه كان قبل الهجرة مندوبا وجزم بن حزم بأنه لم يشرع الا بالمدينة ورد عليهما بما أخرجه بن لهيعة في المغازي التي يرويها عن أبي الأسود يتيم عروة عنه أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحي وهو مرسل ووصله أحمد من طريق بن لهيعة أيضا لكن قال عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه أخرجه بن ماجة من رواية رشد بن سعد عن عقيل عن الزهري نحوه لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا ولو ثبت لكان على شرط الصحيح لكن المعروف رواية بن لهيعة قوله وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فرض الوضوء مرة مرة كذا في روايتنا بالرفع على الخبرية ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق أي فرض الوضوء غسل الأعضاء غسلا مرة مرة أو على الحال الساده مسد الخير أي يفعل مرة أو على لغة من ينصب الجزأين بان وأعاد لفظ مرة لإرادة التفصيل أي الوجه مرة واليد مرة الخ والبيان المذكور يحتمل أن يشير إلى ما رواه بعد من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وهو بيان الفعل لمجمل الآية إذ الأمر يفيد طلب ايجاد الحقيقة ولا يتعين بعدد فبين الفاء أن المرة الواحدة للايجاب وما زاد عليها للاستحباب وستاتي الأحاديث على ذلك فيما بعد وأما حديث أبي كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به ففيه بيان الفعل والقول معا لكنه حديث ضعيف أخرجه بن ماجة وله طرق أخرى كلها ضعيفة قوله وتوضأ أيضا مرتين مرتين كذا في رواية أبي ذر ولغيره مرتين بغير تكرار وسيأتي هذا التعليق موصولا في باب مفرد مع الكلام عليه قوله وثلاثا أي وتوضأ أيضا ثلاثا زاد الأصيلي ثلاثا على نسق ما قبله وسيأتي موصولا أيضا في باب مفرد قوله ولم يزد على ثلاث أي لم يأت في شئ من الأحاديث المرفوعة في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم أنه زاد على ثلاث بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم ذم من زاد عليها وذلك لما رواه أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم إسناده جيد لكن عده مسلم في جملة ما أنكر على عمرو بن شعيب لأن ظاهره ذم النقص من الثلاث وأجيب بأنه أمر سئ والاساءة تتعلق بالنقص والظلم بالزيادة وقيل فيه حذف تقديره من نقص من واحدة ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد من طريق المطلب بن حنطب مرفوعا الوضوء مرة ومرتين
[ 206 ]
وثلاثا فإن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث تقطعا أخطأ وهو مرسل رجاله ثقات وأجيب عن الحديث أيضا بان الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه بل أكثرهم مقتصر على قوله فمن زاد فقط كذا رواه بن خزيمة في صحيحه وغيره ومن الغرائب ما حكاه الشيخ أبو حامد الاسفرايني عن بعض العلماء أنه لا يجوز النقص من الثلاث وكأنه تمسك بظاهر الحديث المذكور وهو محجوج بالإجماع وأما قول مالك في المدونه لا أحب الواحدة الا من العالم فليس فيه إيجاب زيادة عليها والله أعلم قوله وكره أهل العلم الإسراف فيه يشير بذلك إلى ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق هلال بن يساف أحد التابعين قال كان يقال من الوضوء إسراف ولو كنت على شاطئ نهر وأخرج نحوه عن أبي الدرداء وابن مسعود وروى في معناه حديث مرفوع أخرجه أحمد وابن ماجة بإسناد لين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قوله وان يجاوزوا اللخ يشير إلى ما أخرجه بن أبي شيبة أيضا عن بن مسعود قال ليس بعد الثلاث شئ وقال أحمد وإسحاق وغيرهما لا تجوز الزيادة على الثلاث وقال بن المبارك لا آمن أن يأثم وقال الشفعي لا أحب أن يزيد المتوضئ على ثلاث فإن زاد أم أكرهه أي لم أحرمه لأن قوله لا أحب يقتضي الكراهية وهذا الأصح عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه وحكى الدارمي منهم عن قوم أن الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء كالزيادة في الصلاة وهو قياس فاسد ويلزم من القول بتحريم الزيادة على الثلاث أو كراهتها أنه لا يندب تجديد الوضوء على الإطلاق واختلف عند الشافعية في القيد إلي يمتنع منه حكم الزيادة على الثلاث فالاصح أن صلى فرضا أو نفلا وقيل الفرض فقط وقيل مثله حتى سجد التلاوة والشكر ومس المصحف وقيل ما يقصد له الوضوء وهو أعم وثيل إذا وقع الفصل بزمن يحتمل في مثله نقض الوضوء عادة وعند بعض الحنفية أنه راجع إلى الاعتقاد فإن اعتقد أن الزيادة على الثلاث سنة أو خطأ ودخل في الوعيد وإلا فلا يشترط للتحديد شئ بل لو زاد الرابعة وغيرها لا لوم ولا سيما إذا قصد به القربة للحديث الوارد الوضوء على الوضوء نور قلت وهو حديث ضعيف ولعل المصنف أشار إلى هذه الرواية وسيأتي بسط ذلك في أول تفسير المائدة إن شاء الله تعالى ويستثنى من ذلك ما لو علم أنه بقي من العضو شئ لم يصبه الماء في المرات أو بعضها فإنه يغسل موضعه فقط وأما مع الشك الطارئ بعد الفراغ فلا لئلا يؤل به الحال إلى الوسواس المذموم قوله باب لا تقبل صلاة بغير طهور هو بضم الطاء المهملة والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل وهذه الترجمة لفظ حديث رواه مسلم وغيره من حديث بن عمر وأبو داود وغيره من طريق أبي المليح بن أسامة عن أبيه وله طرق كثيرة لكن ليس فيها شئ على شرط البخاري فلهذا اقتصر على ذكره في الترجمة وأورد في الباب ما يقوم مقامه قوله لا تقبل كذا في روايتنا بالضم على البناء لما لم يسم فاعله أخرجه المصنفي في ترك الحيل عن إسحاق بن نصر وأبو داود عن أحمد بن حنبل كلاهما عن عبد الرزاق بلفظ لا يقبل الله والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الأجزاء وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعه بجزئه رافعة لما في الذمة وأما كان الإتيان بشروطها مظنة الأجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم من أتى عرافا لم تقبل له صلاة فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع ولهذا كان بعض السلف يقول لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلى من جميع الدنيا قاله بن عمر قال لأن الله تعالى قال انما يتقبل الله من المتقين
[ 207 ]
قوله حالا أي وجد منه الحديث والمراد به الخارج من أحد السبيلين وإنما فسره أبو هريرة بأخص من ذلك تنبيها بالأخف على الاغلظ ولانهما قد يقعان في اثناء الصلاة أكثر من غيرهما وأما باقي الأحداث المختلف فيها بين العلماء كمس الذكر ولمس المرأة والقئ ملء الفم والحجامة فلعل أبا هريرة كان لا يرى النقض بشئ منها وعليه مشى المصنف كما سيأتي في باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين وقيل أن أبا هريرة اقتصر في الجواب على ما ذكر لعلمه أن السائل كان يعلم ما عدا ذلك وفيه بعد واستدل بالحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أم اضطراريا وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى إلى غاية الوضوء وما بعدها مخالف لما قبلها فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقا قوله يتوضأ أي بالماء أو ما يقوم مقامه وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعا الصعيد الطيب وضوء المسلم فأطلق الفاء على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة والله أعلم قوله باب فضل الوضوء والغر المحجلون كذا في أكثر الروايات بالرفع وهو على سبيل الحكاية لما ورد في بعض طرق الحديث أنتم الغر المحجلون وهو عند مسلم أو الواو استئنافيه والغر المحجلون مبتدأ وخبره محذوف تقديره لهم فضل أو الخبر قوله من آثار الوضوء وفي رواية المستملي والغر المحجلين بالعطف على الوضوء أي فضل الغر المحجلين كما صرح به الأصيلي في روايته قوله عن خالد هو بن يزيد الاسكندراني أحد الفقهاء الثقات وروايته عن سعيد بن أبي هلال من باب رواية الأقران قوله عن نعيم المجمر بضم الميم واسكان الجيم هو بن عبد الله المدني وصف هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخران مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة ووصف ابنه نعيم بذلك مجاز بن وفيه نظر فقد جزم إبراهيم الحربي بان نعيما كان يباشر ذلك ورجال هذا الإسناد نصفهم مصريون وهو الليث وشيخه والراوي عنه والنصف الآخر مدنيون قوله رقيت بفتح الراء وكسر القاف أي صعدت قوله فتوضأ كذا الجمهور الرواة وللكشمهيني يوما بدل قوله فتوضأ وهو تصحيف وقد رواه الاسماعيلي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بلفظ توضأ وزاد الاسماعيلي فيه فغسل وجهه ويديه فرفع في عضديه وغسل رجليه فرفع في ساقيه وكذا لمسلم من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال نحوه ومن طريق عمارة بن غزية عن نعيم وزاد في هذه أن أبا هريرة قال هكذا رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأفاد رفعه وفيه رد على من زعم أن ذلك من رأى أبي هريرة بل من روايته ورأيه معا قوله أمتي أي أمة الاجابة وهم المسلمون وقد تطلق أمة محمد ويراد بها أمة الدعوه وليست مرادة هنا قوله يدعون بضم أوله أي ينادون أو يسمون قوله غزا بضم المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي ذو غرة وأصل الغرة لمعه بيضاء تكون في جبهة الفرس ثم استعملت في الجمال والشهره وطيب الذكر والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم وغرا منصوب على المفعوليه ليدعون أو على الحال أي إنهم إذا دعوا على رؤوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف وكانوا على هذه الصفة قوله محجلين بالمهملة والجيم من التحجيل وهو بياض يكون في ثلاث قوائم من قوائم الفرس وأصله من الحجل بكسر المهملة وهو الخلخال والمراد به هنا أيضا النور واستدل الحليمي بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة وفيه نظر لأنه ثبت عند المصنف في قصة سارة
[ 208 ]
ضي الله عنها مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي وفي قصة جريج الراهب أيضا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة أيضا مرفوعا قال سيما ليست لأحد غيركم وله من حديث حذيفة نحوه وسيما بكسر المهملة واسكان الياء الاخيرة أي علامة وقد اعترض بعضهم على الحليمي بحديث هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي وهو حديث ضعيف كما تقدم لا يصح الاحتجاج به لضعفه ولاحتمال أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون اممهم الا هذه الأمة قوله من آثار الوضوء بضم الواو ويجوز فتحها على أنه الماء قاله بن دقيق العيد قوله فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل أي فليطل الغرة والتحجيل واقتصر على إحداهما لدلالتها على الأخرى نحو سرابيل تقيكم الحر واقتصر على ذكر الغرة وهي مؤنثه دون التحجيل ومو مذكر لأن محل الغرة أشرف أعضاء الوضوء وأول ما يقع عليه النظر من الإنسان على أن في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية ذكر الامرين ولفظه فليطل غرته وتحجيله وقال بن بطال كنى أبو هريرة بالغرة عن التحجيل لأن الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله وفيما قال نظر لأنه يستلزم قلب اللغه وما نفاه ممنوع لأن الاطالة ممكنة في الوجه بان يغسل إلى صفحة العنق مثلا ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تطلق على كل من الغرة والتحجيل ثم أن ظاهره أنه بقية الحديث لكن رواه أحمد من طريق فليح عن نعيم وفي آخره قال نعيم لا أدري قوله من استطاع الخ من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه والله أعلم واختلف العلماء في القدر المستحب من التطويل في التحجيل فقيل إلى المنكب والركبة وقد ثبت عن أبي هريرة رواية ورأيا وعن بن عمر من فعله أخرجه بن أبي شيبة وأبو عبيد بإسناد حسن وقيل المستحب الزيادة إلى نصف العضد والساق وقيل إلى فوق ذلك وقال بن بطال وطائفة من المالكية لا تستحب الزيادة على الكعب والمرفق لقوله صلى الله عليه وسلم من زاد على هذا فقد أساء وظلم وكلامهم معترض من وجوه ورواية مسلم صريحة في الاستحباب فلا تعارض بالاحتمال واما دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك فهي مردودة مما نقلناه عن بن عمر وقد صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية وأما تأويلهم الاطالة المطلوبة بالمداومه على الوضوء فمعترض بان الراوي أدري بمعنى ما روى كيف وقد صرح برفعه إلى الفاء صلى الله عليه وسلم وفي الحديث معنى ما ترجم له من فضل الوضوء لأن الفضل الحاصل بالغره والتحجيل من آثار الزيادة على الواجب فكيف الظن بالواجب وقد وردت فيه أحاديث صحيحه صريحه أخرجها مسلم وغيره وفيه جواز الوضوء على ظهر المسجد لكن إذا لم يحصل منه أذى للمسجد أو لمن فيه والله أعلم قوله باب بالتنوين لا يتوضأ بفتح أوله على البناء للفاعل قوله من الشك أي بسبب الشك قوله حدثنا علي هو بن عبد الله المديني وسفيان هو بن عيينة قوله وعن عباد هو معطوف على قوله عن سعيد بن المسيب وسقطت الواو من رواية كريمة غلطا لأن سعيدا لا رواية له عن عباد أصلا ثم أن شيخ سعيد فيه يحتمل أن يكون عم عباد كأنه قال كلاهما عن عمه أي عم الثاني وهو عباد ويحتمل أن يكون محذوفا ويكون من مراسيل
[ 209 ]
بن المسيب وعلى الأول جرى صاحب الأطراف ويؤيد الثاني رواية معمر لهذا الحديث عن الزهري عن بن المسيب عن أبي سعيد الخدري أخرجه بن ماجة ورواته ثقات لكن سئل أحمد عنه فقال أنه منكر قوله عن عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري سماه مسلم وغيره في روايتهم لهذا الحديث من طريق بن عيينة واختلف هل هو عم عباد لأبيه ولامه قوله انه شكا كذا في روايتنا شكا بألف ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي وصرح بذلك بن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ولفظه عن عمه عبد الله بن زيد قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل ووقع في بعض الروايات شكى بضم أوله على البناء المفعول وعلى هذا فالهاء في أنه ضمير الشأن ووقع في مسلم شكى بالضم أيضا كما ضبطه النووي وقال لم يسم الشاكي قال وجاء في رواية البخاري أنه الراوي قال ولا ينبغي أن يتوهم من هذا أن شكى بالفتح أي في رواية مسلم وإنما نبهت على هذا لأن بعض الناس قال أنه لم يظهر له كلام النووي قوله الرجل بالضم على الحكاية هو وما بعده في موضع النصب قوله يخيل بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد الياء الأخيرة ويوهمون وأصله من الخيال والمعنى يظن والظن هنا أعم من تساوي الاحتمالين أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغه من أن الظن خلاف اليقين قوله يجد الشئ أي الحديث خارجا منه وصرح به الاسماعيلي ولفظه يخيل إليه في صلاته أنه يخرج منه شئ وفيه العدول عن ذكر الشئ المستقذر بخاص اسمه الا الضرورة قوله في الصلاة تمسك بعض المالكية بظاهره فخصوا الحكم بمن كان انظر الصلاة واوجبوا الوضوء على من كان خارجها وفرقوا بالنهي عن إبطال العبادة والنهي عن إبطال العبادة متوقف على صحتها فلا معنى للتفريق بذلك لأن هذا التخيل أن كان ناقضا خارج الصلاة فينبغي أن يكون كذلك فيها كبقية النواقض قوله لا ينفتل بالجزم على النهي ويجوز الرفع على أن لا نافيه قوله اولا ينصرف هو شك من الراوي وكأنه من على لأن الرواة غيره رووه عن سفيان بلفظ لا ينصرف من غير شك قوله صوتا أي من مخرجه قوله أو يجد أو للتنويع وعبر بالوجدان دون الشم ليشمل ما لو لمس المحل ثم شم يده ولا حجة فيه لمن استدل على أن لمس الدبر لا ينقض لأن الصورة تحمل على لمس ما قاربه لا عينه ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدييث وليس المراد تخصيص هذين الامرين باليقين لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى قاله الخطابي وقال النووي هذا الحديث أصل في حكم بقاء الأشياء على اصولها حتى يتقين خلاف ذلك ولا يضر الشك الطارئ عليها وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء وروى عن مالك النقض مطلقا وروى عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها وروى هذا التفصيل عن الحسن البصري والأول مشهور مذهب مالك قاله القرطبي وهو رواية بن القاسم عنه وروى بن نافع عنه لا وضوء عليه مطلقا كقول الجمهور وروى بن وهب عنه أحب إلى أن يتوضأ ورواية التفصيل لم تثبت عنه وإنما هي لأصحابه وحمل بعضهم الحديث على من كان به وسواس وتمسك بان الشكوى لا تكون الا من علة وأجيب بما دل على التعميم وهو حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وقوله فلا يخرجن من المسجد أي من الصلاة وصرح بذلك
[ 210 ]
أبو داود في روايته وقال العراقي ما ذهب إليه مالك راجح لأنه احتاط الولاء وهي مقصد والغى الشك في السبب المبرئ وغيره احتاط للطهارة وهي وسيلة والغى الشك في الحديث الناقض لها والاحتياط للمقاصد أولي من الاحتياط للوسائل وجوابه أن ذلك من حيث النظر قوي لكنه مغاير لمدلول الحديث لأنه أمر بعدم الانصراف إلى أن يتحقق وقال الخطابي يستدل به لمن أوجب الحد على من وجد منه ريح الخمر لأنه اعتبر وجدان الريح ورتب عليه الحكم ويمكن الفرق بان الحدود تدرا بالشبهة والشبهه هنا قائمة بخلاف الأول فإنه متحقق قوله باب التخفيف في الوضوء أي جواز التخفيف قوله سفيان هو بن عيينة وعمرو هم بن دينار المكي لا البصري وكريب بالتصغير من الأسماء المفردة في الصحيحين والإسناد مكيون سوى على وقد أقام بها مدة وفيه رواية التابعي عن تابعي عمرو عن كريب قوله وربما قال اضطجع أي كان سفيان يقول تارة نان وتارة اضطجع وليسا مترادفين بل بينهما عموم وخصوص من وجه لكنه لم يرد إقامة أحدهما مقام الآخر بل كان إذا روى الحديث مطولا قال اضطجع فنام كما سيأتي وإذا اختصره قال نام أي مضطجعا أو اضطجع أي نائما قوله ثم حدثنا يعني أن سفيان كان يحدثهم به مختصرا ثم صار يحدثهم به مطولا قوله ليلة فقام كذا للأكثر ولابن السكن فنام بالنون بدل القاف وصوبها القاضي عياض لأجل قوله بعد ذلك فلما كان في بعض الليالي قام انتهى ولا ينبغي الجزم بخطتها لأن توجهها ظاهر وهو أن الفاء في قوله فلما تفصيلية فالجمله الثانية وأن كان مضمونها مضمون الأولى لكن المغايرة بينهما بالإجمال والتفصيل قوله فلما كان أي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الليل وللكشمهيني من بدل في فيحتمل أن تكون بمعناها ويحتمل أن تكون زائدة وكان تامة أي فلما حصل بعض الليل قوله شن بفتح المعجمة وتشديد النون أي القربة العتيقة قوله معلق ذكر على إرادة الجلد أو الوعاء وقد أخرجه بعد أبواب بلفظ معلقة قوله يخففه عمرو ويقلله أي يصفه بالتخفيف والتقليل وقال بن المنير يخففه أي لا يكثر الدلك ويقلله أي لا يزيد على مرة مرة قال وفيه دليل على ايجاب الدلك لأنه لو كان يمكن اختصاره لاختصره لكنه لم يختصره انتهى وهي دعوى مردوده فإنه ليس في الخبر ما يقتضي ذلك بل الاقتصار على سيلان الماء على العضو أخف من قليل الدلك قوله نحوا مما توضأ قال الكرماني لم يقل مثلا لأن حقيقة مماثلته صلى الله عليه وسلم لا يقدر عليها غيره انتهى وقد ثبت في هذا الحديث كما سيأتي بعد أبواب فقمت فصنعت مثل ما صنع ولا يلزم من إطلاق المثليه المساواة من كل جهة قوله فاذنه بالمدينة أي أعلمه وللمستملي فناداه قوله فصلى ولم يتوضأ فيه دليل على أن النوم ليس حدثا بل مظنة الحدث لأنه صلى الله عليه وسلم كان تنام عينه ولا ينام قلبه فلو حالا لعلم بذلك ولهذا كان ربما توضأ إذا قام من النوم وربما لم يتوضأ قال الخطابي وإنما منع قلبه النوم ليعي الوحي الذي يأتيه في منامه قوله قلنا القائل سفيان والحديث المذكور صحيح كما سيأتي من وجه آخر وعبيد بن عمير من كبار التابعين ولأبيه عمير بن قتادة صحبة وقوله رؤيا الأنبياء وحي رواه مسلم مرفوعا وسيأتي في التوحيد من رواية شريك عن أنس ووجه الاستدلال بما تلاه من جهة أن الرؤيا لو لم تكن وحيا لما جاز لإبراهيم عليه السلام الأقدام على ذبح ولده وأغرب الداودي الشارح فقال قول عبيد بن عمير لا تعلق له بهذا الباب وهذا الزام منه للبخاري بان لا يذكر من
[ 211 ]
الحديث الا ما يتعلق بالترجمة فقط ولم يشترط ذلك أحد وأن أراد أنه لا يتعلق بحديث الباب أصلا فممنوع والله أعلم وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى قوله باب إسباغ الوضوء الاسباغ في اللغه الاتمام ومنه درع سابغ قوله وقال بن عمر هذا التعليق وصله عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح وهو من تفسير السئ بلازمه إذ الاتمام يستلزم الانفاء عادة وقد روى بن المنذر بإسناد صحيح أن بن عمر كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات وكأنه بالغ فيهما دون غيرهما لأنهما محل الاوساخ غالبا لاعتيادهم المشي حفاة والله أعلم قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي والحديث على الموطأ والإسناد كله مدنيون وفيه رواية تابعي عن تابعي موسى عن كريب وأسامة بن زيد أي بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبيه وجده وصحبه وستأتي مناقبه في مكانها إن شاء الله تعالى قوله دفع عن عرفة أي افاض قوله بالشعب بكسر الشين المعجمة هو الطريق في الجبل واللام فيه للعهد قوله ولم يسبغ الوضوء أي خففه ويأتي فيه ما تقدم في توجيه الحديث الماضي قوله فقلت الصلاة هو بالنصب على الإغراء أو على الحذف والتقدير أتريد الصلاة ويؤيد قوله في رواية تأتي فقلت دينهم) يا رسول الله ويجوز الرفع والتقدير حانت الصلاة قوله قال الصلاة هو بالرفع على الابتداء وامامك بفتح الهمزة خبره وفيه دليل على مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بذلك الوضوء شيئا وأما من زعم أن المراد بالوضوء هنا الاستنجاء فباطل لقوله في الرواية الأخرى فجعلت أصب عليه وهو يتوضأ ولقوله هنا ولم يسبغ الوضوء قوله نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بصلاة قاله الخطابي وفيه نظر لاحتمال أن يكون حالا فائده الماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم ليلتئذ كان من ماء زمزم أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات مسند أبيه بإسناد حسن من حديث على بن أبي طالب فيستفاد منه الرد على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحده مراده بهذا التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعا والإشارة إلى تضعيف الحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بيمينه وجمع الحليمي بينهما بان هذا حيث كان يتوضأ من إناء يصب منه بيساره على يمينه والآخر حيث كان يغترف لكن سياق الحديث يأباه لأن فيه بعد أن تناول الماء بإحدى يديه إضافة إلى الأخرى وغسل بهما قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم هو أبي يحيى المعروف بصاعقة وكان أحد الحفاظ وهو من صغار شيوخ البخاري من حيث الإسناد وشيخه منصور كان أحد الحفاظ أيضا وقد أدركه البخاري لكنه لم يلقه وفي الإسناد رواية تابعي عن تابعي زيد عن عطاء قوله انه توضأ زاد أبو داود في أوله من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم اتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فدعا بإناء فيه ماء للنسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد في أول الحديث وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة قوله فغسل وجهه الفاء تفصيليه لأنها داخله بين المجمل والمفصل قوله اخذ غرفة وهو بيان الغسل وظاهره أن المضمضة والاستنشاق من جملة غسل الوجه لكن المراد بالوجه أو لا ما هو أعم من المفروض والمسنون بدليل أنه أعاد ذكره ثانيا
[ 212 ]
بعد ذكر المضمضة والاستنشاق بغرفه مستقله وفيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفه واحدة وغسل الوجه باليدين جميعا إذا كان بغرفة واحدة لأن اليد الواحدة قد لا تستوعبه قوله اضافها بيان لقوله فجعل بها هكذا قوله فغسل بها أي بالغرفة وللأصيلي وكريمة فغسل بهما أي باليدين قوله ثم مسح براسه لم يذكر لها غرفة مستقله فقد يتمسك به من يقول بطهورية الماء المستعمل لكن في رواية أبي داود ثم قبض قبضة من الماء ثم نفض يده ثم مسح رأسه زاد النسائي من طريق عبد العزيز الدراوردي عن زيد وأذنيه مرة واحدة ومن طريق بن عجلان باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه وزاد بن خزيمة من هذا الوجه وادخل أصبعيه فيهما قوله فرش أي سكب الماء قليلا قليلا إلى أن صدق عليه مسمى الغسل قوله حتى غسلها صريح في أنه لم يكتف بالرش وأما ما وقع عند أبي داود والحاكم فرش على رجله اليمني وفيها النعل ثم مسحها بيديه فوق القدم ويد تحت النعل فالمراد بالمسح تسييل الماء حتى يستوعب العضو وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في النعل كما سيأتي عند المصنف من حديث بن عمر وأما قوله تحت النعل فإن لم يحمل على التجوز عن القدم وإلا فهي رواية شاذه وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما تفرد به فكيف إذا خالف قوله فغسل بها رجله يعني اليسرى قائل يعني هو زيد بن أسلم أو من دونه واستدل بن بطال بهذا الحديث على أن الماء المستعمل طهور لأن العضو إذا غسل مرة واحدة فإن الماء الذي يبقى في اليد منها يلاقي ماء العضو الذي يليه وأيضا فالغرفة تلاقي أول جزء من أجزاء كل عضو فيصير مستعملا بالنسبه إليه وأجيب بان الماء ما دام متصلا باليد مثلا لا يسمى مستعملا حتى ينفصل وفي الجواب بحث تنبيه ذكر بن التين أنه رواه بلفظ فعل بها رجله بالعين المهملة واللام المشددة قال فلعله جعل الرجلين بمنزلة العضو الواحد فعد الغسلة الثانية تكريرا لأن العل هو الشرب الثاني انتهى وهو تكلف ظاهر والحق أنها تصحيف قوله باب التسميه على كل حال وعند الوقاع أي الجماع وعطفه عليه من عطف الخاص على العام للاهتمام به وليس العموم ظاهرا من الحديث الذي أورده لكن يستفاد من باب الأولى لأنه إذا شرع في حالة الجماع وهي مما أمر فيه بالصمت فغيره أولي وفيه إشارة إلى تضعيف ما ورد من كراهة ذكر الله في حالين الخلاء والرقاع لكن على تقدير صحته لا ينافي حديث الباب لأنه يحمل على حال إرادة الجماع كما سيأتي في الطريق الأخرى ويقيد ما أطلقه المصنف ما رواه بن أبي شيبة من طريق علقمة عن بن مسعود وكان إذا غشي أهله فانزل قال اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيبا قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر من صغار التابعين وفي الإسناد ثلاثة من التابعين قوله فقضى بينهم كذا للمستملي والحموي وللباقين بينهما وهو أصوب ويجمل الأول على أن أقل الجمع اثنان وسيأتي مباحث هذا الحديث في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى وأفاد الكرماني أنه أجرة في نسخة قرئت على الفربري قبل لأبي عبد الله يعني المصنف من لا يحسن العربيه يقولها بالفارسية قال نعم قوله باب ما يقول عند الخلاء أي عند إرادة الدخول في الخلاء أن كان معدا لذلك وإلا فلا تقدير تنبيه أشكل إدخال هذا الباب والأبواب التي بعده إلى باب الوضوء مرة مرة لأنه شرع في أبواب الوضوء فذكر منها فرضه وشرطه وفضيلته وجواز تخفيفه واستحباب اسباغه ثم غسل الوجه ثم التسميه ولا أثر لتأخيرها عن غسل الوجه لأن محلها مقارنة أول جزء منه فتقديمها في الذكر عنه وتأخيرها سواء لكن ذكر بعدها
[ 213 ]
القول عند الخلاء واستمر في ذكر ما يتعلق بالاستنجاء ثم رجع فذكر الوضوء مرة مرة وقد خفي وجه المناسبة على الكرماني فاستروح قائلا ما وجه الترتيب بين هذه الأبواب مع أن التسمية إنما هي قبل غسل الوجه لا بعده ثم توسيط أبواب الخلاء بين أبواب الوضوء وأجاب بقوله قلت البخاري لا يراعي حسن الترتيب وجملة قصده إنما هو في نقل الحديث وما يتعلق بصحيحه لا غير انتهى وقد أبطل هذا الجواب في كتاب التفسير فقال لما ناقش البخاري في أشياء ذكرها من تفسير بعض الألفاظ بما معناه لو ترك البخاري هذا لكان أولي لأنه ليس من موضوع كتابه وكذلك قال فيي مواضع آخر إذا لم يظهر له توجيه ما يقوله البخاري مع أن البخاري في جميع ما يرده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم وأما المباحث الفقهيه فغالبها مستمدة من الشافعي وأبي عبيد وأمثالهما وأما المسائل الكلامية فأكثرها من الكرابيسي وابن كلاب ونحوهما والعجب من دعوى الكرماني أنه لا يقصد تحسين الترتيب بين الأبواب مع أنه لا يعرف لأحد من المصنفين على الأبواب من اعتنى بذلك غيره حتى قال جمع من الأئمة فقه البخاري في تراجمه وقد ابديت في هذا الشرح من محاسنه وتدقيقه في ذلك ما لا خفاء به وقد امعنت النظر في هذا الموضوع فوجدته في بادئ الرأي يظن الناظر فيه أنه لم يعتن بترتيبه كما قال الكرماني لكنه اعتنى بترتيب كتاب الصلاة اعتناءا تاما كما سأذكره هناك وقد يتلمح أنه ذكر أو لا فرض الوضوء كما ذكرت وأنه شرط لصحة الصلاة ثم فضله وأنه لا يجب الا مع التيقن وأن الزيادة فيه على إيصال الماء إلى العضو ليس بشرط وأن ما زاد على ذلك من الاسباغ فضل ومن ذلك الاكتفاء في غسل بعض الأعضاء بغرفة واحدة وأن التسمية مع أوله مشروعة كما يشرع الذكر عند دخول الخلاء إلحاده من هنا لاداب الاستنجاء وشرائطه ثم رجع لبيان أن واجب الوضوء المرة الواحدة وأن الثنتين والثلاث سنة ثم ذكر سنة الاستنثار إشارة إلى الابتداء بتنظيف البواطن قبل الظواهر وورد الأمر بالاستجمار وترا في حديث الاستنثار فترجم به لأنه من جملة التنظيف ثم رجع إلى حكم التخفيف فترجم بغسل القدمين لا بمسح الخفين إشارة إلى أن التخفيف لا يكفي المسح دون مسمى الغسل ثم رجع إلى المضمضة لأنها أخت الاستنشاق ثم استدل بغسل العقبين لئلا يظن إنهما لا يدخلان في مسمى القدم وذكر غسل الرجلين في النعلين ردا على من قصر في سياق الحديث المذكور فاقتصر على النعلين على ما سأبينه ثم ذكر فضل الابتداء باليمين ومتى يجب طلب الماء للوضوء ثم ذكر حكم الماء الذي يستعمل وما يوجب الوضوء ثم ذكر الاستعانة في الوضوء ثم ما يمتنع على من كان على غير وضوء واستمر على ذلك إذا ذكر شيئا من أعضاء الوضوء استطرد منه إلى ما له به تعلق لمن يمعن التأمل إلى أن أكمل كتاب الوضوء على ذلك وسلك في ترتيب الصلاة أسهل من هذا المسلك فأورد أبوابها ظاهرة التناسب في الترتيب فكأنه تفنن في ذلك والله أعلم قوله الخبث بضم المعجمه والموحدة كذا في الرواية وقال الخطابي أنه لا يجوز غيره وتعقب بأنه يجوز اسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه ككتب وكتب قال النووي وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بان الباء هنا ساكنة منهم أبو عبيدة الا أن يقال أن ترك التخفيف أولي لئلا يشتبه بالمصدر والخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة يريد ذكر أن الشياطين واناثهم قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما ووقع في نسخة
[ 214 ]
بن عساكر قال أبو عبد الله يعني البخاري ويقال الخبث أي بإسكان الموحدة فإن كانت مخففة عن المحركة فقد تقدم توجيهه وأن كانت بمعنى المفرد فمعناه كما قال بن الغلام المكروه قال فإن كان من الكلام فهو الشتم وأن كان من الملل فهو الكفر وان كان من الطعام فهو الحرام وان كان من الشراب فهو الضار وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره أعوذ بالله من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث هكذا على الشك الأول بالإسكان مع الإفراد والثاني بالتحريك مع الجمع أي من الشئ المكروه ومن الشئ المذموم أو من ذكر أن الشياطين واناثهم وكان صلى الله عليه وسلم يستعيد إظهارا للعبودية ويجهر بها للتعليم وقد روى العمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن بن صهيب بلفظ الأمر قال إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث وإسناده على شرط مسلم وفيه زيادة التسميه ولم أرها في غير هذه الرواية قوله تابعه بن عرعره اسمه محمد وحديثه عند المصنف في الدعوات قوله وقال غندر هذا التعليق وصله البزار في مسنده عن محمد بن بشار بندار عن غندر بلفظه ورواه أحمد بن حنبل عن غندر بلفظ إذا دخل قوله وقال موسى هو بن إسماعيل التبوذكي قوله عن حماد هو بن سلمة يعني عن عبد العزيز بن صهيب وطريق موسى هذه وصلها البيهقي باللفظ المذكور قوله وقال سعيد بن زيد هو أخو حماد بن زيد وروايته هذه وصلها المؤلف في الأدب المفرد قال حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا سعيد بن صهيب قال حدثني أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال فذكر مثل حديث الباب وافادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله إذا دخل الخلاء أي كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا بعده والله أعلم وهذا في الامكنه المعدة لذلك بقرينة الدخول ولهذا قال بن بطال رواية إذا أتى أعم لشمولها انتهى والكلام هنا في مقامين أحدهما هل يختص هذا الذكر بالامكنه المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلا في جانب البيت الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة المقام الثاني متى يقول ذلك فمن يكره ذكر الله في تلك الحاله يفصل أما في الامكنه المعدة لذلك فيقوله معي دخولها وأما في غيرها فيقوله فيي أول الشروع كتشمير ثيابه مثلا وهذا مذهب الجمهور وقالوا فيمن نسي يستعيذ بقلبه لا بلسانه ومن يجيز مطلقا كما نقل عن مالك لا يحتاج إلى تفصيل تنبيه سعيد بن زيد الذي أتى بالرواية المبينة صدوق تكلم بعضهم في حفظه وليس له في البخاري غير هذا الموضع المعلق لكن لم ينفرد بهذا اللفظ فقد رواه مسدد عن عبد الوارث عن عبد العزيز مثله أخرجه البيهقي من طريقه وهو على شرط البخاري قوله باب وضع الماء عند الخلاء هو بالمدينة وحقيقته المكان الخالي واستعمل في المكان المعد لقضاء الحاجة مجازا قوله ورقاء هو بن عمر قوله عن عبيد الله بالتصغير بن أبي زيد مكي ثقة لا يعرف اسم أبيه ووقع في رواية الكشمهيني بن أبي زائدة وهو غلط قوله فوضعت له وضوءا بفتح الواو أي ماء ليتوضأ به وقيل يحتمل أن يكون ناوله إياه ليستنجي به وفيه نظر قوله فأخبر تقدم في كتاب العلم أن ميمونة بنت الحارث خالة بن عباس هي المخبرة بذلك قال التيمي فيه استحباب المكافأة بالدعاء وقال بن المنير مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه
[ 215 ]
على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور أما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء أو يضعه على الباب ليتناوله من قرب أو لا يفعل شيئا فرأى الثاني أوفق لأن في الأول تعرضا للاطلاع والثالث يستدعي مشقة في طلب الماء والثاني اسهلها ففعله يدل على ذكائه فناسب أن يدعي له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع وكا كان وقد تقدمت باقي مباحثه في كتاب العلم قوله باب لا تستقبل القبلة في روايتنا بضم المثناة على البناء للمفعول وبرفع القبلة وفي غيرها بفتح الياء التحتانيه على البناء للفاعل ونصب القبلة ولام تستقبل مضمومة على أن لا نافيه ويجوز كسرها على أنها ناهيه قوله الا عند البناء جدار أو نحوه وللكشمهيني أو غيره أي كالاحجار الكبار والسواري والخشب وغيرها من السواتر قال الاسماعيلي ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور وأجيب بثلاثة أجوبه أحدهما أنه تمسك بحقيقة الغائط لأنه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء وهذه حقيقته اللغويه وأن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازا فيختص النهي به إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة وهذا الجواب للاسماعيلي وهو اقواها ثانيها أن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء وأما الجدار والابنيه فإنها إذا استقبلت اضيف إليها الاستقبال عرفا قاله بن المنير ويتقوى بان الامكنه المعدة ليست صالحه لأن يصلي فيها قال يكون فيها قبلة بحال وتعقب بأنه يلزم منه أن لا تصح الصلاة من بينه وبين الكعبة مكان لا يصلح الولاء وهو باطل ثالثها الاستثناء مستفاد من حديث بن عمر المذكور في الباب الذي بعده لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم كله كأنه شئ واحد قاله بن بطال وارتضاه بن التين وغيره لكن مقتضاه أن لا يبقى لتفصيل التراجم معنى فإن قيل لم حملتم الغائط على حقيقته ولم تحملوه على ما هو أعم من ذلك ليتناول الفضاء والبنيان لا سيما والصحابي راوي الحديث قد حمله على العموم فيهما لأنه قال كما سيأتي عند المصنف في باب قبلة أهل المدينة في أوائل الصلاة فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر فالجواب أن أبا أيوب اعمل لفظ الغائط في حقيقته ومجازه وهو المتعمد وكأنه لم يبلغه حديث التخصيص ولولا أن حديث بن عمر دل على تخصيص ذلك بالابنيه لقلنا بالتعميم لكن العمل بالدليلين أولي من الغاء أحدهما وقد جاء عن جابر فيما رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وغيرهم تأييد ذلك ولفظه عند أحمد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا هرقنا الماء قال ثم رايته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة والحق أنه ليس بناسخ لحديث النهي خلافا لمن زعمه بل هو أمرهم على أنه رآه في بناء أو نحوه لأن ذلك هو المعهود من حاله صلى الله عليه وسلم لمبالغته في التستر ورؤية بن عمر له كانت عن غير قصد كما سيأتي فكذا رواية رواية جابر ودعوى خصوصية ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال ودل حديث بن عمر الاتي على جواز استدبار القبلة في الابنيه وحديث جابر على جواز استقبالها ولولا ذلك لكان حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث بن عمر الا جواز الاستدبار فقط ولا يقال يلحق به الاستقبال قياسا لأنه لا يصح الحاقه به لكونه فوقه وقد تمسك به قوم فقالوا بجواز الاستدبار دون الاستقبال حكى عن أبي حنيفة وأحمد بالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقا قال الجمهور وهو مهب مالك والشافعي وإسحاق وهو أعدل الأقوال لاعماله جميع الادله ويؤيده من جهة النظر ما تقدم عن بن المنير أن الاستقبال
[ 216 ]
في البنيان مضاف إلى الجدار عرفا وبأن الامكنه المعدة لذلك ماوى الشياطين فليست صالحه لكونها قبلة بخلاف الصحراء فيهما وقال قوم بالتحريم مطلقا وهو المشهور عن أبي حنيفة وأحمد وقال ربه أبو ثور صاحب الشافعي ورجحه من المالكية بن العربي ومن الظاهرية بن حزم وحجتهم أن النهي مقدم على الاباحه ولم يصححه حديث جابر الذي اشرنا إليه وقال قوم باجواز مطلقا وهو قول عائشة وعروة وربيعة وداود واعتلوا بان الأحاديث تعارضت فليرجع إلى أصل الاباحه فهو المذاهب الاربعة مشهوره عن العلماء ولم يحك النووي في شرح المهذب غيرها وفي المسألة ثلاثة مذاهب أخرى منها جواز الاستدبار في البنيان فقط تمسكا بظاهر حديث بن عمر وهو قول أبي يوسف ومنها التحريم مطلقا حتى في القبلة المنسوخه وهي بيت المقدس وهو محكي عن إبراهيم وابن سيرين وأشار بحديث معقل الأسدي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو بغائط رواه أبو داود وغيره وهو حديث ضعيف لأن فيه راويا مجهول الحال وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة فالعله استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس وقد ادعى الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر في استقبال الكعبة وفيه نظر لما ذكرناه عن إبراهيم وابن سيرين وقد قال به بعض الشافعية أيضا حكاه بن أبي الدم ومنها أن التحريم مختص بأهل المدينة ومن كان على سمتها فأما من كانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقا لعموم قوله شرقوا أو غربوا قاله أبو عوانة صاحب المزني وعكسه البخاري فاستدل به على أنه ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة كما سيأتي في باب قبلة أهل المدينة من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى قوله فلا يستقبل بكسر اللام لأن لا ناهيه واللام في القبلة للعهد أي للكعبه قوله ولا يولها ظهره ولمسلم ولا يستدبرها وزاد ببول أو بغائط والغائط الثاني غير الأول أطلق على الخارج من الدبر مجازا من إطلاق اسم المحل على الحال كراهيه لذكره بصريح اسنه وحصل من ذلك جناس تام والظاهر من قوله ببول اختصاص النهي بخروج الخارج من العورة ويكون مثاره إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة ويؤيده قوله في حديث جابر إذا هرقنا الماء وقيل مثار النهي كشف العورة وعلى هذا فيطرد في كل حالة تكشف فيها العوره كالوطء مثلا وقد نقله بن شاش المالكي قولا في مذهبهم وكان قائلة تمسك برواية في الموطأ لا تستقبلوا القبلة بفروجكم ولكنها محمولة على المعنى الأول أي حال قضاء الحاجة جمعا بين الكلب والله اعلم وسيأتي الكلام على قول أبي أيوب فننحرف ونستغفر حيث أورده المصنف في أوائل الصلاة إن شاء الله تعالى قوله باب من تبرز بوزن تفعل من البراز بفتح الموحدة وهو الفضاء الواسع كنوا به عن الخارج من الدبر كما تقدم في الغائط قوله على لبنتين بفتح اللام وكسر الموحدة وفتح النون تثنية لبنة وهي ما يصنع من الطين أو غيره للبناء قبل أن يحرق قوله يحيى بن سعيد هو الأنصاري المدني التابعي وكذا شيخه وشيخ شيخه في الأوصاف الثلاثه ولكن قيل أن لواسع رؤية فذكر لذلك في الصحابة وأبوه حبان هو بن منقذ بن عمرر له ولأبيه صحبة وقد تقدم في المقدمة أنه بفتح المهملة وبالموحده قوله انه كان يقول أي بن عمر كما صرح به مسلم في روايته وسيأتي يسير قريبا فأما من زعم أن الضمير يعود على واسع فهو وهم منه وليس قوله فقال بن عمر
[ 217 ]
جوابا لواسع بل الفاء في قوله فقال سببية لأن بن عمر أورد القول الأول منكرا له ثم بين سبب إنكاره بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان يمكنه أن يقول فلقد رأيت الخ ولكن الراوي عنه وهو واسع أراد التأكيد بإعادة قوله قال عبد الله بن عمر قوله ان ناسا يشير بذلك إلى من مكان يقول بعموم النهي كما سبق وهو مروي عن أبي أيوب وأبي هريرة ومعقل الأسدي وغيرهم قوله إذا قعدت ذكر العقود لكونه الغالب وإلا فحال القيام كذلك قوله على حاجتك كنى بهذا عن التبرز ونحوه قوله لقد اللام جواب قسم محذوف قوله على ظهر بيت لنا وفي رواية يزيد الآتية على ظهر بيتنا وفي رواية عبيد الله بن عمر الآتية على ظهر بيت حفصة أي أخته كما صرح به في رواية مسلم ولابن خزيمة دخلت على حفصة بنت عمر فصعدت ظهر البيت وطريق الجمع أن يقال اضافته البيت إليه على سبيل المجاز لكونها أخته فله منه سبب وحيث إضافة إلى حفصة كان باعتبار أنه البيت الذي اسكنها النبي صلى الله عليه وسلم فيه واستمر في يدها إلى أن ماتت فورث عنها وسيأتي انتزاع ذلك من هذا الحديث في كتاب الخمس إن شاء الله تعالى وحيث إضافة إلى نفسه كان باعتبار ما آل إليه الحال لأنه ورث حفصة دون إخوته لكونها كانت شقيقته ولم تترك من يحجبه عن الاستيعاب قوله على لبنتين ولابن خزيمة فاشرفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على خلائه وفي رواية له فرأيته يقضي حاجته محجوبا عليه بلبن وللحكيم الترمذي بسند صحيح فرأيته في كنيف وهو بفتح الكاف وكسر النون بعدها ياء تحتانيه ثم فاء وانتفى بهذا إيراد من قال ممن يرى الجواز مطلقا يحتمل أن يكون رآه في الفضاء وكونه رآه على لبنتين لا يدل على البناء لاحتمال أن يكون جلس عليهما ليرتفع بهما عن الأرض ويرد هذا الاحتمال أيضا أن بن عمر كان يرى المنع من الاستقبال في الفضاء الا بساتر كما رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به ولم يقصد بن عمر الأشراف على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحاله وإنما صعد السطح لضرورة له كما في الرواية الآتية فحانت منه التفاتة كما في رواية للبيهقي من طريق نافع عن بن عمر فعم لما اتفقت له رؤيته في تلك الحاله عن غير قصد أحب أن لا يخلي ذلك من فائدة فحفظ هذا الحكم الشرعي وكأنه إنما رآه من جهة ظهره حتى ساغ له تأمل الكيفية المذكورة من غير محذور ودل ذلك على شدة حرص الصحابي على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ليتبعها وكذا كان رضي الله عنه قوله قال أي بن عمر لعلك الخطاب لواسع وغلط من زعم أنه مرفوع وقد فسر مالك المراد بقوله يصلون على اوراكهم أي من يلصق بطنه بوركيه إذا سجد وهو خلاف هيئة السجود المشروعة وهي التجافي والتجنح كما سيأتي بيانه في موضعه وفي النهاية وفسر بأنه يفرج ركبتيه فيصير معتمدا على وركيه وقد استشكلت مناسبة ذكر بن عمر لهذا مع المسألة السابقة فقيل يحتمل أن يكون أراد بذلك أن الذي خاطبه لا يعرف السنة إذ لو كان عارفا بها لعرف الفرق بين الفضاء وغيره أو الفرق بين استقبال الكعبة وبيت المقدس وإنما كنى عمن لا يعرف السنة بالذي يصلي على وركيه لأن من يفعل ذلك لا يكون الا جاهلا بالسنة وهذا الجواب للكرماني ولا يخفي ما فيه من التكلف وليس في السياق أن واسعا سأل بن عمر عن المسألة الأولى حتى ينسيه إلى عدم معرفتها ثم الحصر الأخير مردود لأنه قد يسجد على وركيه من يكون عارفا بسنن الخلاء والذي يظهر في المناسبة ما دل عليه سياق مسلم ففي أوله عنده عن واسع قال
[ 218 ]
كنت أصلي في المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقي فقال عبد الله يقول الناس فذكر الحديث فكأن بن عمر أجرة منه في حال سجوده شيئا لم يتحققه فسأله عنه بالعبارة المذكورة وكأنه بدأ بالقصة الأولى لأنها من روايته المرفوعة المحققه عنده فقدمها على ذلك الأمر المظنون ولا يبعد أن يكون قريب العهد بقول من نقل عنهم ما نقل فأحب أن يعرف الحكم لهذا التابعي لينقله عنه على أنه لا يمتنع ابداء مناسبة بين هاتين المسألتين بخصوصهما وأن لإحداهما بالأخرى تعلقا بان يقال لعل الذي كان يسجد وهو لاصق بطنه بوركيه كان يظن امتناع استقبال القبلة بفرجه في كل حالة كما قدمنا في الكلام على مثار النهي وأحوال الصلاة أربعة قيام وركوع وسجود وقعود وانضمام الفرج فيها بين الوركين ممكن الا إذا جافي في السجود فراي أن في الالصاق ضما للفرج ففعله ابتداعا وتنطعا والسنة بخلاف ذلك والتستر بالثياب كاف في ذلك كما أن الجار كاف في كونه حائلا بين العورة والقبله أن قلنا أن مثار النهي الاستقبال بالعورة فلما حدث بن عمر التابعي بالحكم الأول أشار له إلى الحكم الثاني منبها له على ما ظنه منه في تلك الصلاة التي راها صلاها وأما قول واسع لا أدري فدال على أنه لا شعور عنده بشئ مما ظنه به ولهذا لم يغلظ بن عمر له في الزجر والله أعلم قوله باب خروج النساء إلى البزار أي الفضاء كما تقدم وهو بفتح الموحدة ثم راء وبعد الألف زاي قال الخطابي أكثر الرواة يقولونه بكسر أوله وهو غلط لأن البراز بالكسر هو المبارزه في الحرب قلت بل هو موجه لأنه يطلق بالكسر على نفس الخارج قال الجوهري البراز المبارزه في الحرب والبزار أيضا كناية عن ثقل الغذاء وهو الغائط والبراز بالفتح الفضاء الواسع انتهى فعلى هذا من فتح أراد الفضاء فإن أطلقه على الخارج فهو من إطلاق اسم المحل على الحال كما تقدم مثله في الغائط ومن كسر أراد نفس الخارج قوله حدثنا يحيى بن بكير تقدم هذا الإسناد برمته في بدء الوحي وفيه تابعيان عروة وابن شهاب وقرينان الليث وعقيل قوله المناصع بالنون وكسر الصاد المهملة بعدها عين مهمله جمع منصع بوزن مقعد وهي أماكن معروفه من ناحية البقيع قال الداودي سميت بذلك الإنسان ينصع فيها أي يخلص والظاهر أن التفسير مقول عائشة والأفيح بالحناء المهملة المتسع قوله احجب أي امنعهن من الخروج من بيوتهن بدليل أن عمر بعد نزول آية الحجاب قال لسودة ما قال كما سيأتي قريبا ويحتمل أن يكون أراد أو لا الأمر بستر وجوههن فلما وقع الأمر بوفق ما أراد أحب أيضا أن يحجب اشخاصهن مبالغة في التستر فلم يجب لأجل الضرورة وهذا أظهر الاحتمالين وقد كان عمر يعد نزول آية الحجاب من موافقاته كما سيأتي في تفسير سورة الأحزاب وعلى هذا فقد كان لهن في التستر عند قضاء الحاجة حالات أولها بالظلمة لانهن كن يخرجن صارت دون النهار كما قالت عائشة في هذا الحديث كن يخرجن صارت وسيأتي في حديث عائشة في قصة الإفك فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وهو يعتبر زنا وكنا لا نخرج الا ليلا إلى ليل انتهى ثم نزل الحجاب فتسترن بالثياب لكن كانت اشخاصهن ربما تتميز ولهذا قال عمر لسودة في المرة الثانية بعد نزول الحجاب أما والله ما تخفين علينا ثم اتخذت الكنف في البيوت فتسترن بها كما في حديث عائشة في قصة الإفك أيضا فإن فيها وذلك قبل أن تتخذ الكنف وكان قصة الإفك قبل نزول آية الحجاب كما سيأتي شرحه في موضعه إن شاء الله تعالى قوله فأنزل الله الحجاب وللمستملي آية الحجاب زاد أبو
[ 219 ]
عوانة في صحيحه من طريق الزبيدي عن بن شهاب فانزل الله الحجاب يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية وسيأتي تفسير الأحزاب أن سبب نزولها قصة زينب بنت جحش لما أولم عليها وتأخر النفر الثلاثه في البيت واستحيا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالخروج فنزلت آية الحجاب وسيأتي أيضا حديث عمر قلت يا رسول الله أن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو امرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب وروى بن جرير في تفسيره من طريق مجاهد قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يأكل ومعه بعض أصحابه وعائشة تأكل معهم إذ أصابت يد رجل منهم يدها فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلت آية الحجاب وطريق الجمع بينهما أن أسباب نزول الحجاب تعددت وكانت قصة زينب آخرها للنص على قصتها في الآية والمراد باية الحجاب في بعضها قوله تعالى يدنين عليهن من جلابيبهن قوله حدثنا زكريا هو بن يحيى وسيأتي حديثه هذا في التفسير مطولا ومحصلة أن سودة خرجت بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت عظيمة الجسم فراها عمر بن الخطاب فقال يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين فرجعت فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتعشى فأوحى إليه فقال أنه قد إذن لكن أن تخرجن لحاجتكن قال بن بطال فقه هذا الحديث أنه يجوز للنساء التصرف فيما لهن الحاجة إليه من مصالحهن وفيه مراجعة الأدنى للاعلى فيما يتبين له أنه الصواب وحيث لا يقصد التعنت وفيه منقبة لعمر وفيه جواز كلام الرجال مع النساء في الطرق الضروريه وجواز الاغلاظ في القول لمن يقصد الخير وفيه جواز وعظ الرجل أمة في الدين لأن سودة من أمهات المؤمنين وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوحي في الأمور الشرعية لأنه لم يامرهن بالحجاب مع وضوح الحاجة إليه حتى نزلت الآية وكذا في إذنه لهن بالخروج والله أعلم قوله باب التبرز في البيوت عقب المصنف بهذه الترجمة ليشير إلى أن خروج النساء للبراز لم يستمر بل اتخذت بعد ذلك الاخليه في البيوت فاستغنين عن الخروج الا للضرورة قوله عبيد الله أي بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو تابعي صغير من فقهاء أهل المدينة واثباتهم والإسناد كله مدنيون قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي ويزيد هو بن هارون كما لأبي ذر والأصيلي ويحيى هو بن سعيد الأنصاري الذي روى مالك عنه هذا الحديث كما تقدم ولم يقع في رواية يحيى مستدير القبلة أي الكعبة كما في رواية عبيد الله بن عمر لأن ذلك من السري من استقبل الشام بالمدينة وإنما ذكرت في رواية عبيد الله للتأكيد والتصريح به والتعبير تارة بالشام وتارة ببيت المقدس بالمعنى لأنهما في جهة واحدة قوله باب الاستنجاء بالماء أراد بهذه الترجمة الرد على من كرهه وعلى من نفى وقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى بن أبي شيبة بأسانيد صحيحه عن حذيفة بن وابنه رضي الله عنه أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذا لا يزال في يدي نتن وعن نافع أن بن عمر كان لا يستنجي بالماء وعن بن الزبير قال ما كنا نفعله ونقل بن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء وعن بن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم قوله هشام بن عبد الملك هو الطيالسي والإسناد كله بصريون قوله اجئ أنا وغلام زاد في الرواية الآتية عقبها منا أي من الأنصار وصرح به الاسماعيلي في روايته ولمسلم نحوي أي مقارب لي في السن والغلام هو المترعرع قاله أبو عبيد وقال في المحكم من لدن الفطام إلى سبع سنين وحكى
[ 220 ]
الزمخشري في أساس البلاغه أن الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء فإن قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز قوله اداوة بكسر الهمزه إناء صغير من حلد قوله من ماء أي مملوءه من ماء قوله يعنى يستنجي به قائل يعني هو هشام وقد رواه المصنف بعد هذا عن سليمان بن حرب فلم يذكرها لكنه رواه عقبة من طريق محمد بن جعفر عن شعبة فقال يستنجي بالماء والاسماعيلي من طريق بن الاستثناء عن شعبة فانطلق أنا وغلام من الأنصار معنا إداوة فيها ماء يستنجي منها النبي صلى الله عليه وسلم وللمصنف من طريق روح بن القاسم عن عطاء بن أبي ميمونة إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به ولمسلم من طريق خالد الحذاء عن عطاء عن أنس فخرج علينا وقد استنجى بالماء وقد بان بهذه الروايات أن حكاية الاستنجاء من قول أنس راوي الحديث ففيه الرد على الأصيلي حيث تعقب على البخاري استدلاله بهذا الحديث على الاستنجاء بالماء قال لأن قوله يستنجى به ليس هو من قول أنس إنما هو من قول أبي الوليد أي أحد الرواة عن شعبة قال رواه سليمان بن حرب عن شعبة فلم يذكرها قال فيحتمل أن يكون الماء لوضوئه انتهى وقد انتفى هذا الاحتمال بالروايات التي ذكرناها وكذا فيه الرد على من زعم أن قوله يستنجي بالماء مدرج من قول عطاء الراوي عن أنس فيكون مرسلا فلا حجة فيه كما حكاه بن التين عن أبي عبد الملك البوني فإن رواية خالد التي ذكرناها أخذت على أنه قول أنس حيث قال فخرج علينا ووقع هنا في نكت البدر الزركشي تصحيف فإنه نسب التعقب المذكور إلى الاسماعيلي وإنما هو للاصيلي وأقره فكأنه ارتضاه وليس بمرضي كما اوضحناه وكذا نسبه الكرماني إلى بن بطال وأقره عليه وابن بطال إنما أخذه عن الأصيلي قوله باب من حمل معه الماء لطهوره هو بالضم أي ليتطهر به قوله وقال أبو الدرداء أليس فيكم هذا الخطاب لعلقمه بن قيس والمراد بصاحب النعلين وما ذكر معهما عبد الله بن مسعود لأنه كان يتولى خدمة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المنكر النعلين في الحقيقة هو النبي صلى الله عليه وسلم وقيل لابن مسعود صاحب النعلين مجازا لكونه كان يحملهما سيأتي الحديث المذكور موصولا عند المصنف في المناقب إن شاء الله تعالى وايراد المصنف لحديث أنس مع هذا الطرف من حديث أبي الدرداء يشعر أشعارا قويا بان الغلام المذكور في حديث أنس هو بن مسعود وقد قدمنا أن لفظ الغلام يطلق على غير الصغير مجازا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود بمكة وهو يرعى الغنم انك لغلام معلم وعلى هذا فقول أنس وغلام منا أي من الصحابة أو من خدم النبي صلى الله عليه وسلم وأما رواية الاسماعيلي التي فيها من الأنصار فلعلها من يطلق الراوي حيث أجرة في الرواية منا فحملها على القبيلة فرواها بالمعنى فقال من الأنصار أو إطلاق الأنصار على جميع الصحابة سائغ وأن كان العرف خصه بالاوس والخزرج وروى أبو داود من حديث أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة فاستنجى فيحتمل أن يفسر به الغلام المذكور في حديث أنس ويؤيده ما وأراه المصنف في ذكر الجن من حديث أبي هريرة أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم الاداوه لوضوئه وحاجته وأيضا أن في رواية أخرى لمسلم أن أنسا وصفه بالصغر في ذلك الحديث فيبعد لذلك أن يكون هو بن مسعود والله أعلم ويكون المراد بقوله اصغرنا أي في الحال لقرب عهده بالإسلام وعند مسلم في حديث جابر الطويل الذي في آخر الكتاب أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق لحاجته فاتبعه جابر بأداوة فيحتمل أن
[ 221 ]
يفسر به المبهم لا سيما وهو أنصاري ووقع في رواية الاسماعيلي من طريق عاصم بن على بن شعبة فاتبعه وأنا غلام بتقديم الواو فتكون حاليه لكن تعقبه الاسماعيلي بان الصحيح أنا وغلام أي بواو العطف قوله باب حمل العنزه مع الماء في الاستنجاء العنزه بفتح النون عصا اقصر من الرمح لها سنان وقيل هي الحربه القصيره ووقع في رواية كريمة في آخر حديث هذا الباب العنزه عصا عليها زج أجرة مضمونه ثم جيم مشدده أي سنان وفي الطبقات لابن سعد أن النجاشي كان اهداها للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا يؤكد كونها كانت على صفة الحريه لأنها من الات الحبشه كما سيأتي في العيدين إن شاء الله تعالى قوله سمع أنس بن مالك أي أنه سمع ولفظه أنه تحذف في الخط عرفا قوله يدخل الخلاء المراد به هنا الفضاء لقوله في الرواية الأخرى كان إذا خرج لحاجته ولقرينه جمل العنزة مع الماء فإن الصلاة إليها إنما تكون حيث لا سترة غيرها وأيضا فإن الا خلية التي في البيوت كان خدمته متعلقه باهله وفهم بعضهم من تبويب البخاري أنها كانت تحمل ليستتر بها عند قضاء الحاجة وفيه نظر لأن ضابط السترة في هذا ما يستر الاسافل والعنزة ليست كذلك نعم يحتمل أن يركزها امامه وبضع عليها الثوب الساتر أو يركزها بجنبه لتكون إشارة إلى منع من يروم المرور بقربه أو تحمل لنبش الأرض الصلبه أو لمنع ما يعرض من هوام الأرض لكونه صلى الله عليه وسلم كان يبعد عند قضاء الحاجة أو تحمل لأنه كان إذا استنجى توضأ وإذا توضأ صلى وهذا أظهر الأوجه وسيأتي التبويب على العنزة في سترة المصلي في الصلاة واستدل البخاري بهذا الحديث على غسل البول كما سيأتي وفيه جواز استخدام الأحرار خصوصا إذا ارصدوا لذلك ليحصل لهم التمرن على التواضع وفيه أن في خدمة العالم شرفا للمتعلم لكون أبي الدرداء مدح بن مسعود بذلك وفيه حجة على بن حبيب حيث منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم لأن ماء المدينة كان عذبا واستدل به بعضهم على استحباب التوضؤ من الاواني دون الأنهار والبرك ولا يستقيم الا لو كان النبي صلى الله عليه وسلم وجد الأنهار والبرك فعدل عنها إلى الاواني قوله تابعة النضر أي بن شميل تابع محمد بن جعفر وحديثه موصول عند النسائي قوله وشاذان ايي الأسود بن عامر وحديثه عند المصنف في الصلاة ولفظه ومعنا عكازة أو عصا أو عنزة والظاهر أن أو شك من الراوي لتوفق الروايات على ذكر العنزوة والله أعلم وجميع الرواة المذكورين في هذه الأبواب الثلاثه بصريون قوله باب النهي عن الاستنجاء باليمين أي باليد اليمني وعبر النهي إشارة إلى أنه لم يظهر له هل هو للتحريم أو للتنزيه أو أن القرينة الصارفه للنهي عن التحريم لم تظهر له وهي أن ذلك أدب من الآداب وبكونه للتنزيه قال الجمهور وذهب أهل الظاهر إلى أنه للتحريم وفي كلام جماعة من الشافعة ما يشعر به لكن قال النووي مراده من قال منهم لا يجوز الاستنجاء باليمين أي لا يكون مباحا ما يستوي طرفاه بل هو مكروه راجح الترك ومع القول بالتحريم فمن فعله أساء واجزاه وقال أهل الظاهر وبعض الحنابله لا يجزئ ومحل هذا الاختلاف حيث كانت اليد تباشر ذلك بالة غيرها كالماء وغيره أما بغير آلة فحرام غير مجزئ بلا خلاف واليسرى في ذلك ومناجزة والله أعلم قوله حدثنا معاذ بن فضالة بفتح الفاء والضاد المعجمه وهو بصري من قدماء شيوخ البخاري قوله هو الدستوائي أي بن عبد الله لا بن حسان وهما بصريان ثقتان مشهوران من طبقة واحده قوله عن أبيه أي أبي قتادة الحارث وقيل عمرو
[ 222 ]
وقيل النعمان الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مشاهدة أحد ومات سنة أربع وخمسين على الصحيح فيهما قوله فلا يتنفس بالجزم ولا ناهيه في الثلاثة وروى بالضم فيها على أن لا نافيه قوله في الإناء أي داخله وأما إذا ابانه وتنفس فهي السنة كما سيأتي في حديث أنس في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى وهذا النهي للتأدب لإرادة المبالغة في النظافة إذ قد يخرج مع النفس بصاق أو مخاط أو بخار ردئ فيكسبه رائحة كريهه فيتقذر بها هو أو غيره عن شربه قوله وإذا أتى الخلاء أي فبال كما فسرته الرواية التي بعدها قوله ولا يتمسح بيمينه أي لا يستنج وقد آثار الخطابي هنا بحثا وبالغ في التبجح وحكى عن أبي على بن أبي هريرة أنه ناظر رجلا من الفقهاء الخراسانيين فسأله عن هذه المسألة فأعياه جوابها ثم أجاب الخطابي عنه بجواب فيه نظر ومحصل الإيراد أن المستجمر متى استجمر بيساره استلزم مس ذكره بيمينه ومتى امسكه بيساره استلزم استجماره بيمينه وكلاهما قد شمله النهي ومحصل الجواب أنه يقصد الأشياء الضخمه التي لا تزول بالحركة كالجدار ونحوه من الأشياء البارزه فيستجمر بها بيساره فإن لم يجد فليلصق مقعدته بالأرض ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه أو ابهامي رجليه ويستجمر بيساره فلا يكون متصرفا في شئ من ذلك بيمينه انتهى وهذه هيئه منكرة بل يتعذر فعلها في غالب الأوقات وقد تعقبه الطيبي بان النهي عن الاستجمار باليمين مختص بالدبر والنهي عن المس مختص بالذكر فبطل الإيراد من أصله كذا قال وما ادعاه من تخصيص الاستنجاء بالدبر مردود والمس وأن كان مختصا بالذكر لكن يلحق به الدبر قياسا والتنصيص على الذكر مفهوم له بل فرج المرأة كذلك وإنما خص الذكر بالذكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون والنساء شقائق الرجال في الأحكام الا ما خص والصواب في الصورة التي أوردها الخطابي ما قاله إمام الحرمين ومن بعده كالغزالي في الوسيط والبغوي في التهذيب أنه يمر العضو بيساره على شئ يمسكه بيمينه وهي قارة غير متحركه فلا يعد مستجمرا باليمين ولا ماسا بها ومن ادعى أنه في هذه الحاله يكون مستجمرا بيمينه فقد غلط وإنما هو كمن صب بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء قوله باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله أمرهم على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحا وقال بعض العلماء يكون ممنوعا أيضا من باب الأولى لأنه نهى عن ذلك مظنة الحاجة في تلك الحاله وتعقبه أبو محمد بن أبي جمرة بان مظنة الحاجة لا تختص بحاله الاستنجاء وإنما خص النهي بحالة البول من جهة أن مجاور الشئ يعطي حكمة فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس الته حسما للماده ثم استدل على الاباحه بقوله صلى الله عليه وسلم لطلق بن على حين سأله عن مس ذكره إنما هو بضعة منك فدل على الجواز في كل حال فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح وبقي ما عداها على الإباحة انتهى والحديث الذي أشار إليه صحيح أو حسن وقد يقال حمل المطلق على المقيد غير متقن عليه بين العلماء ومن قال به يشترط فيه شروطا لكن نبه بن دقيق العيد على أن محل الاختلاف إنما هو حيث تتغاير مخارج الحديث بحيث يعد حديثين مختلفين فأما إذا اتحد المخرج وكان الاختلاف فيه من بعض الرواة فينبغي حمل المطلق على المقيد بلا خلاف لأن التقيد حينئذ يكون زيادة من عدل فتقبل قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وقد صرح بن خزيمة في روايته بسماع
[ 223 ]
يحيى له من عبد الله بن أبي قتادة وصرح بن المنذر في الأوسط بالتحديث في جميع الإسناد أورده من طريق بشر بن بكر عن الأوزاعي فحصل الأمن من محذور التدليس قوله فلا يأخذن كذا لأبي ذر بنون التأكيد ولغيره بدونها وهو مطابق لقوله في الترجمة لا يمسك وكذا في مسلم التعبير بالمسك من رواية همام عن يحيى ووقع في رواية الاسماعيلي لا يمس فاعترض على ترجمة البخاري بان المس أعم من المسك يعني فكيف يستدل بالاعم على الاخص ولا إيراد على البخاري من هذه الحيثية لما بيناه واستنبط من بعضهم منع الاستنجاء باليد فيها الخاتم المنقوش فيه اسم الله تعالى لكون النهي عن ذلك لتشريف اليمن فيكون ذلك من باب أولي وما وقع في العتيبيه عن مالك من عدم الكراهة قد أنكره حذاق أصحابه وقيل الحكمه في النهي لكون اليمن معدة للاكل بها فلو تعاطى ذلك بها لامكن أن يتذكره عند الأكل فيتأذى بذلك والله أعلم قوله ولا يتنفس في الإناء جملة خبريه مستقله أن كانت لا نافيه وأن كانت ناهيه فمعطوفه لكن لا يلزم من كون المعطوف عليه مقيدا بقيد أن يكون المعطوف مقيدا به لأن التنفس لا يتعلق بحالة البول وإنما هو حكم مستقل ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكره هنا أن الغالب من أخلاق المؤمنين التأسي بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان إذا بال توضأ وثبت أنه شرب فضل وضوئه فالمؤمن بصدد أن يفعل ذلك فعلمه أدب الشرب مطلقا لاستحضاره بن والتنفس في الإناء مختص بحالة الشرب كما دل عليه سياق الرواية التي قبله وللحاكم من حديث أبي هريرة لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه والله أعلم قوله باب الاستنجاء بالحجارة أراد بهذه الترجمة الرد على من زعم أن الاستنجاء مختص بالماء والدلالة على ذلك من قوله استنفض فإن معناه استنجى كما سيأتي قوله حدثنا أحمد بن محمد المكي هو أبو الوليد الارزقي جد أبي الوليد محمد بن عبد الله صاحب تاريخ مكة وفي طبقته أحمد بن محمد المكي أيضا لكن كنيته أبو محمد واسم جده عون ويعرف بالقواس وقد وهم من زعم أن البخاري روى عنه وإنما روى عن أبي الوليد ووهم أيضا من جعلهما واحدا قوله عن جده يعني سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي وعمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق الذي ولي إمرة المدينة وكان يجهز البعوث إلى مكة كما تقدم في حديث أبي شريح الهدي وكان عمرو هذا قد تغلب على دمشق في زمن عبد الملك بن مروان فقتله عبد الملك وسير أولاده إلى المدينة وسكن ولده مكة لما ظهرت دولة بني العباس فاستمروا بها ففي الإسناد مكيان ومدنيان قوله اتبعت بتشديد التاء المثناة أي سرت وراءه والواو في قوله وخرج حالية وفي قوله وكان استئنافيه وفي رواية أبي ذر فكان بالفاء قوله فدنوت منه زاد الاسماعيلي استأنس واتنحنح فقال من هذا فقلت أبو هريرة قوله الغنى بالوصل من الثلاثي أي أطلب لي يقال بغيتك الشئ أي طلبته لك وفي رواية بالقطع أي حنث على الطلب يقال ابغيتك الشئ أي اعنتك على طلبه والوصل أليق بالسياق ويؤيده رواية الاسماعيلي ائتني قوله استنفض بفاء مكسوره وضاد غدا مجزوم لأنه جواب الأمر ويجوز الرفع على الاستئناف قال القزاز قوله استنفض استفعل من النفض وهو أن تهز الشئ ليطير غباره قال وهذا موضع استنظف أي بتقديم الظاء المالة على الفاء ولكن كذا روى انتهى والذي وقع في الرواية صواب ففي القاموس استنفضه استخرجه وبالحجر استنجى وهو
[ 224 ]
مأخوذ من كلام المطرزي قال الاستنفاض والاستخراج ويكنى به عن الاستنجاء ومن وأراه بالقاف والصاد المهملة فقد صحف انتهى ووقع في رواية الاسماعيلي استنجى بدل استنفض وكأنها المراد بقوله في روايتنا أو نحوه ويكون التردد من بعض رواته قوله ولا تأتني كأنه صلى الله عليه وسلم خشي أن يفهم أبو هريرة من قوله استنجى أن كل ما يزيل الأثر وينقي كاف ولا اختصاص لذلك بالأحجار فنبهه باقتصاره في النهي على العظم والروث على أن ما سواهما يجزئ ولو كان ذلك مختصا بالاحجار كما يقوله بعض الحنابله والظاهرية لم يكن لتخصيص هذين بالنهي معنى وإنما خص الأحجار بالذكر لكثرة وجودها وزاد المصنف في المبعث في هذا الحديث أن أبا هريرة قال له صلى الله عليه وسلم لما فرغ ما بال العظم والروث قال هما من طعام الجن والظاهر من هذا التعليل اختصاص المنع بهما نعم يلتحق بهما جميع المطعومات التي للآدميين قياسا من باب الأولى وكذا المحترمات كأوراق كتب العلم ومن قال علة النهي عن الروث كونه نجسا الحق به كل نجس ومتنجس وعن العظم كونه لزجا فلا يزيل إزالة تامة الحق به ما في معناه كالزجاج الاملس ويؤيده ما وأراه الدارقطني وصححه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجي بروث أو بعظم وقال إنهما لا يطهران وفي هذا رد على من زعم أن الاستنجاء يجزئ وأن كان منهيا عنه وسيأتي في كتاب المبعث بيان قصة وفد الجن وأي وقت كانت إن شاء الله تعالى قوله واعرضت كذا في أكثر الروايات وللكشمهيني واعترضت بزيادة مثناة بعد العين والمعنى متقارب قوله فلما قضى أي حاجته اتبعه بهمزة قطع أي ألحقه وكنى بذلك عن الاستنجاء وفي الحديث جواز أتباع السادات وأن لم يامروا بذلك واستخدام الإمام بعض رعيته والاعراض عن قاضي الحاجة والاعانه على إحضار ما يستنجى به واعداده عنده لئلا يحتاج إلى طلبها بعد الفراغ فلا يا من التلوث والله أعلم قوله باب بالتنوين لا يستنجي بضم أوله قوله زهير هو بن معاوية الجعفي الكوفي والإسناد كله كوفيون وأبو إسحاق هو السبيعي وكذا شيخه عبد الرحمن وأبوه الأسود قوله ليس أبو عبيدة أي بن عبد الله بن مسعود وقوله ذكره أي لي ولكن عبد الرحمن بن الأسود أي هو الذي ذكره لي بدليل قوله في الرواية الآتية المعلقة حدثني عبد الرحمن وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة إلى الرواية عن عبد الرحمن مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له لكون أبي عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح فتكون منقطعه بخلاف رواية عبد الرحمن فإنها موصولة ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق فمراد أبي إسحاق هنا بقوله ليس أبو عبيدة ذكره أي لست ارويه الآن عن أبي عبيدة وإنما ارويه عن عبد الرحمن قوله عن أبيه هو الأسود بن يزيد النخعي صاحب بن مسعود وقال بن التين هو الأسود بن عبد يغوث الزهري وهو غلط فاحش فإن الأسود الزهري للم يسلم فضلا عن أن يعيش حتى يروي عن عبد الله بن مسعود قوله اتى الغائط أي الأرض المطمئنه لقضاء الحاجة قوله فلم أجد وللكشمهيني فلم أجده أي الحجر الثالث قوله بثلاثة أحجار فيه العمل بما دل عليه النهي في حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولا يستنج أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار رواه مسلم وأخذ بهذا الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث فاشترطوا
[ 225 ]
أن لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الانقاء إذا لم يحصل بها فيزداد حتى ينقى ويستحب حينئذ الايتار لقوله ومن استجمر فليوتر وليس بواجب لزيادة في أبي داود حسنة الإسناد قال ومن فلا حرج وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب قال الخطابي لو كان القصد الإبقاء فقط لخلا اشتراط العدد عن الفائدة بن فلما اشترط العدد لفظا بعدم الانقاء فيه معنى دل على إيجاب الامرين ونظيره العدة بالإقراء فإن العدد مشترط ولو تحققت براءة الرحم بقرء واحد قوله فاخذت روثة زاد بن خزيمة في رواية له في هذا الحديث أنها كانت روثة حمار ونقل التيمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير قوله والقى الروثه استدل به الطحاوي على عدم اشتراط الثلاثه قال لأنه لو كان مشترطا لطلب ثالثا كذا قال وغفل رحمه الله عما أخرجه أحمد في مسنده من طريق معمر عن أبي إسحاق عن علقمة عن بن مسعود في هذا الحديث فإن فيه فألقى الروثة وقال أنها ركس ائتني بحجر ورجاله ثقات اثبات وقد تابع عليه معمر أبو شعبة الواسطي وهو ضعيف أخرجه الدارقطني وتابعهما عمار بن رزيق أحد الثقات عن أبي إسحاق وقد قيل أن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة لكن أثبت سماعه لهذا الحديث منه الكرابيسي وعلى تقدير أن يكون أرسله عنه فالمرسل حجة عند المخالفين وعندنا أيضا إذا اعتضد واستدلال الطحاوي فيه نظر بعد ذلك لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثه فلم يجدد الأمر بطلب الثالث أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث لأن المقصود بالثلاثه أن يمسح بها ثلاث مسحات وذلك حاصل ولو بواحد والدليل على صحته أنه لو مسح بطرف واحد ورماه ثم جاء شخص آخر فمسح بطرفه الآخر لاجزاهما بلا خلاف وقال أبو الحسن بن القصار المالكي وروى أنه أتاه بثالث لكن لا يصح ولو صح فالاستدلال به لمن يشترط الثلاثه قائم لأنه اقتصر في الموضعين على ثلاثة فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة انتهى وفيه نظر أيضا لأن الزيادة ثابتة كما قدمناه وكأنه إنما وقف على الطريق التي عند الدارقطني فقط ثم يحتمل أن يكون لم يخرج منه شئ الا من سبيل واحد وعلى تقدير أن يكون خرج منهما فيحتمل أن يكون امتفى للقبل بالمسح في الأرض وللدبر بالثلاثة أو مسح من كل منهما بطرفين وأما استدلالهم على عدم الاشتراط للعدد بالقياس على مسح الرأس ففاسد الاعتبار ى نه في مقابلة النص الصريح كما قدمناه من حديث أبي هريرة وسلمان والله أعلم قوله هذا ركس كذا وقع هنا بكسر الراء واسكان الكاف فقيل هي لغة في رجس بالجيم ويدل عليه رواية بن ماجة وابن خزيمة في هذا الحديث فإنها عندها بالجيم وقيل الركس الرجيع رد من حالة الطهاره إلى حالة النجاسة قاله الخطابي وغيره والأولى أن يقال رد من حالة الطعام إلى حالة الروث وقال بن بطال لم أر هذا الحرف في اللغه يعني الركس بالكاف وتعقبه أبو عبد الملك بان معناه الرد كما قال تعالى اركسوا فيها أي ردوا فكأنه قال هذا رد عليك انتهى ولو ثبت ما قال لكان بفتح الراء يقال ركسه ركسا إذا رده وفي رواية الترمذي هذا ركس يعني نجسا وهذا يؤيد الأول وأغرب النسائي فقال عقب هذا الحديث الركس طعام الجن وهذا أن ثبت في اللغه فهو مريح من الاشكال قوله وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه يعني يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق وهو جده قال حدثني عبد الرحمن يعني بن الأسود بن يزيد بالإسناد المذكور أو لا وأراد البخاري بهذا التعليق الرد على من زعم أن أبا إسحاق
[ 226 ]
دلس هذا الخبر كما حكى ذلك عن سليمان الشاذكوني حيث قال لم يسمع في التدليس باخفى من هذا قال ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن ولم يقل ذكره لي انتهى وقد استدل الاسماعيلي أيضا على صحة سماع أبي إسحاق لهذا الحديث من عبد الرحمن يكون يحيى القطان رواه عن زهير فقال بعد أن أخرجه من طريقه والقطان لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لأبي إسحاق وكأنه عرف ذلك بالاستقراء من صنيع القطان أو بالتصريح من وقلة فانزاحت عن هذه الطريق علة التدليس وقد اعله قوم بالاضطراب وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على أبي إسحاق في كتاب العلل مزارعنا في مقدمة الشرح الكبير لكن رواية زهير هذه ترجحت عند البخاري بمتابعة يوسف حفيد أبي إسحاق وتابعهما شريك القاضي وزكريا بن أبي زائدة وغيرهما وتابع أبا إسحاق على روايته عن عبد الرحمن المذكور ليث بن أبي سليم وحديثه يستشهد به أخرجه بن أبي شيبة ومما يرجحها أيضا استحضار أبي إسحاق لطريق أبي عبيدة وعدوله عنها بخلاف رواية إسرائيل عنه عن أبي عبيدة فإنه لم يتعرض فيها لرواية عبد الرحمن كما أخرجه الترمذي وغيره فلما أختار في رواية زهير طريق عبد الرحمن على طريق أبو عبيدة دل على أنه عارف بالطريقين وأن رواية عبد الرحمن عنده أرجح والله أعلم قوله باب الوضوء مرة مرة أي لكل عضو والحديث المذكور في الباب مجمل وقد تقدم بيانه في باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة وسفيان هو الثوري والراوي عنه الفريابي لا البيكندي وصرح أبو داود الاسماعيلي في روايتهما بسماع سفيان له من زيد بن أسلم قوله باب الوضوء مرتين مرتين أي لكل عضو قوله حدثنا الحسين بن عيسى هو البسطامي بفتح الموحدة ويونس هو المؤدب وفليح ومن فوقه مدنيون وعبد الله بن زيد هو بن عاصم المازني وحديثه هذا مختصر من حديث مشهور في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بعد من حديث مالك وغيره لكن ليس فيه الغسل مرتين الافي اليدين إلى المرفقين نعم روى النسائي من طريق سفيان بن عيينة في حديث عبد الله بن زيد التثنيه في اليدين والرجلين ومسح الرأس وتثليث غسل الوجه لكن في الرواية المذكورة نظر سنشير إليه بعد إن شاء الله تعالى وعلى هذا فحق حديث عبد الله بن زيد أن يبوب له غسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثا وقد روى أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين وهو شاهد قوي لرواية فليح هذه فيحتمل أن يكون حديثه هذا المجمل غير حديث مالك المبين لاختلاف مخرجهما والله أعلم قوله باب الوضوء ثلاثا ثلاثا أي لكل عضو قوله عطاء بن يزيد هو المؤذن المدني والإسناد كله مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين حمران وهو بضم المهملة بن أبان وعطاء وابن شهاب وفي الإسناد الذي يليه أربعة من التابعين حمران وعروة وهما قرينان وابن شهاب وصالح بن جلس وهما قرينان أيضا قوله دعا بانا وفي رواية شعيب الآتية قريبا دعا بوضوء وكذا لمسلم من طريق يونس وهو بفتح الواو اسم للماء المعد للوضوء وبالضم الذي هو الفعل وفيه الاستعانة على إحضار ما يتوضأ قوله فافرغ أي صب قوله على كفيه ثلاث مرار كذا لأبي ذر وأبي الوقت وللأصيلي وكريمة مرات مثناة آخره وفي غسل اليدين قبل ادخالهما الإناء ولو لم يكن عقب نوم احتياطا قوله ثم ادخل يمينه فيه الاغتراف باليمين واستدل به بعضهم على عدم اشتراط نية الاغتراف ولا دلالة له
[ 227 ]
فيه نفيا ولا اثباتا قوله فمضمض واستنثر وللكشميهني واستنشق بدل واستنثر والأول أعم وثبتت الثلاثه في رواية شعيب الآتية في باب المضمضة ولم أر في شئ من طرق هذا الحديث تقييد ذلك بعدد نعم ذكره بن المنذر من طريق يونس عن الزهري وكذا ذكره أبو داود من وجهين آخرين عن عثمان واتفقت الروايات على تقديم المضمضة قوله ثم غسل وجهه فيه تأخيره عن المضمضة والاستنشاق وقد ذكروا أن حكمة ذلك باعتبار أوصاف الماء لأن اللون يدرك بالبصر والطعم يدرك بالفم والريح يدرك بالأنف فقدمت المضمضة والاستنشاق وهما مسنونان قبل الوجه وهو مفروض احتياطا للعبادة وسيأتي ذكر حكمة الاستنثار في الباب الذي يليه قوله ويديه إلى المرفقين أي كل واحدة كما بينه المصنف في رواية معمر عن الزهري في الصوم وكذا لمسلم من طريق يونس وفيها تقديم اليمني على اليسرى والتعبير في كل منهما بثم وكذا القول في الرجلين أيضا قوله ثم مسح براسه هو بحذف الباء في الكلب المذكورتين وليس في شئ من طرقه في الصحيحين ذكر عدد للمسح وبه قال أكثر العلماء وقال الشافعي يستحب التثليث في المسح كما في الغسيل واستدل له بظاهر رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب أو يختص بالمغسول قال أبو داود في السنن أحاديث عثمان الصحاح كلها أخذت على أن مسح الرأس مرة واحدة وكذا قال بن المنذر أن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح مرة واحدة وبأن المسح مبنى على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الاسباغ وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل إذ حقيقة الغسل جريان الماء والدلك ليس بمشترط على الصحيح عند أكثر العلماء وبالغ أبو عبيد فقال لا نعلم أحدا من السلف استحب تثليث مسح الرأس الا إبراهيم التيمي وفيما قال نظر فقد نقله بن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس وعطاء وغيرهما وقد روى أبو داود من وجهين صحح أحدهما بن خزيمة وغيره في حديث عثمان تثليث مسح الرأس والزيادة من الثقة مقبوله قوله نحو وضوئي هذا قال النووي إنما لم يقل مثل لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره قلت لكن ثبت التعبير بها في رواية المصنف في الرقاق من طريق معاذ بن عبد الرحمن عن حمران عن عثمان ولفظه من توضأ مثل هذا الوضوء وله في الصيام من رواية معمر من توضأ وضوئي هذا ولمسلم من طريق زيد بن أسلم عن حمران توضأ مثل وضوئي هذا وعلى هذا فالتعبير بنحو من يطلق الرواة لأنها تطلق على المثلية مجازا ولان مثل وأن كانت تقتضي المساواة ظاهرا لكنها تطلق على الغالب فبهذا تلتئم الروايتان ويكون المتروك بحيث لا يخل بالمقصود والله تعالى أعلم قوله ثم صلى ركعتين فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء ويأتي فيهما ما يأتي في تحية المسجد قوله لا يحدث فيهما نفسه المراد به ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء وتمنعها لأن قوله يحدث يقتضي تكسبا منه فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن المراد من لم يحصل له حديث النفس أصلا وراسا ويشهد له ما أخرجه بن المبارك في الزهد بلفظ لم يسر فيهما ورده النووي فقال الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة نعم من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلا أعلى درجه بلا ريب ثم أن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا والمراد دفعه مطلقا ووقع في
[ 228 ]
رواية للحكيم الترمذي في هذا الحديث لا يحدث نفسه بشئ من الدنيا وهي في الزهد لابن المبارك أيضا والمصنف لابن أبي شيبة ومنها ما يتعلق بالآخرة فإن كان أجنبيا أشبه أحوال الدنيا وأن كان من متعلقات تلط الصلاة فلا وسيأتي بقية مباحث ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى قوله من ذنبه ظاهره يعم الكبائر والصغائر لوروده مقيدا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية وهو في حق من له كبائر وصغائر فمن ليس له الا صغائر كفرت عنه ومن ليس له الا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر ومن ليس له كبائر ولا صغائر يزداد في حسناته بنظير ذلك وفي الحديث التعليم بالفعل لكونه أبلغ واضبط للمتعلم والترتيب في أعضاء الوضوء للاتيان في جميعها بثم والترغيب في الإخلاص وتحذير من لها في صلاته بالتفكير في أمور الدنيا من عدم القبول ولا سيما أن كان في العزم على عمل معصيه فإنه يحضر المرء في حال صلاته ما هو مشغوف به أكثر من خارجة ووقع في رواية المصنف في الرقاق في آخر هذا الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تغتروا أي فتستكثروا من الأعمال السيئه بناء على أن الصلاة تكفرها فإن الصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله وإني للعبد بالاطلاع على ذلك قوله وعن إبراهيم أي بن سعد وهو معطوف على قوله حدثني إبراهيم بن سعد وزعم مغلطاي وغيره أنه معلق وليس كذلك فقد أخرجه مسلم وللاسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بالاسنادين معا وإذا كانا جميعا عند يعقوب فلا مانع أن يكونا عند الأويسي ثم وجدت الحديث الثاني عند أبي عوانة في صحيحه من حديث الأويسي المذكور فصح ما قلته بحمد الله تعالى وقد أوضحت ذلك في تعليق التعليق قوله ولكن عروة يحدث يعني أن شيخي بن شهاب اختلفا في روايتهما له عن حمران عن عثمان فحدثه به عطاء على صفة وعروة على صفة وليس ذلك اختلافا وإنما هما حديثان متغايران وقد رواهما معاذ بن عبد الرحمن فأخرج البخاري من طريقه نحو سياق عطاء ومسلم من طريقه نحو سياق عروة أخرجه أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه قوله لولا اية زاد مسلم في كتاب الله ولاجل هذه الزيادة صحف بعض رواته آية فجعلها أنه بالنون المشددة وبهاء الشان قوله ويصلي الصلاة أي المكتوبة وفي رواية لمسلم فيصلي هذه الصلوات الخمس قوله وبين الصلاة أي التي تليها كما صرح به مسلم في رواية هشام بن عروة قوله حتى يصليها أي يشرع في الصلاة الثانية قوله قال عروة الآية أن الذين يكتمون ما انزلنا يعني الآية التي في البقرة إلى قوله اللاعنون كما صرح به مسلم ومراد عثمان رضي الله عنه أن هذه الآية تحرض على التبليغ وهي وأن نزلت في أهل الكتاب لكن العبرة بعموم اللفظ وقد تقدم نحو ذلك لأبي هريرة في كتاب العلم وإنما كان عثمان يرى ترك تبليغهم ذلك لولا الآية المذكورة خشية عليهم من الاغترار والله أعلم وقد روى مالك هذا الحديث في الموطأ عن هشام بن عروة ولم يقع في روايته تعيين الآية فقال من قبل نفسه أراه يريد واقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل أن الحسنات يذهبن السيآت انتهى وما ذكره عروة راوي الحديث بالجزم أولي والله أعلم قوله باب الاستنثار هو استفعال من النثر بالنون والمثلثة وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضأ أي يجذبه يريح أنفه لتنظيف ما في داخله فيخرج بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا وحكى عن مالك كراهية فعله بغير اليد لكونه يشبه فعل الدابة والمشهور عدم الكراهة وإذا استنثر بيده فالمستحب أن يكون باليسرى بوب عليه النسائي أخرجه مقيدا بها من حديث على قوله ذكره أي روى الاستنثار عثمان
[ 229 ]
وقد تقدم حديثه وعبد الله بن زيد وسيأتي حديثه قوله وابن عباس تقدم حديثه في صفة الوضوء في باب غسل الوجه من غرفة وليس فيه ذكر الاستنثار وكان المصنف أشار بذلك إلى ما رواه أحمد وأبو داود الحاكم من حديثه مرفوعا استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا ولأبي داود الطيالسي إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا وإسناده حسن قوله أبو إدريس هو الخولاني قوله انه سمع أبا هريرة زاد مسلم من طريق بن المبارك وغيره عن يونس أبا سعيد مع أبي هريرة قوله فليستنثر ظاهر الأمر أنه للوجوب فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به كاحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر أن يقول به في الاستنثار وظاهر كلام صاحب المغني يقتضي إنهم يقولون بذلك وأن مشروعية الاستنشاق لا تحصل الا بالاستنثار وصرح بن بطال بان بعض العلماء قال بوجوب الاستنثار وفيه تعقب على من نقل الإجماع على عدم وجوبه واستدل الجمهور على أن الأمر فيه للندب بما حسنة الترمذي وصححه الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي توضأ كما أمرك الله فاحاله على الآية وليس فيها ذكر الاستنشاق وأجيب بأنه يحتمل أن يراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء فقد أمر الله سبحانه باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله أمره ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة وهو يرد على من لم يوجب المضمضة أيضا وقد ثبت الأمر بها أيضا في سنن أبي داود بإسناد صحيح وذكر بن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به الا لكونه لا يعلم خلافا في أن تاركه لا يعيد وهذا دليل قوي فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين الا عن عطاء وثبت عنه أنه رجع عن إيجاب الاعاده ذكره كله بن المنذر ولم يذكر في هذه الرواية عددا وقد ورد في رواية سفيان عن أبي الزناد ولفظه وإذا استنثر فليستنثر وترا أخرجه القدرة في مسنده عنه وأصله لمسلم وفي رواية عيسى بن طلحة عن أبي هريرة عند المصنف في بدء الخلق إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه وعلى هذا فالمراد بالاستنثار في الوضوء التنظيف لما فيه من المعونة على القراءة لأن بتنقية مجرى النفس تصح مخارج الحروف ويزاد للمستيقظ بان ذلك لطرد الشيطان وسنذكر باقي مباحثه في مكانه إن شاء الله تعالى قوله ومن استجمر أي استعمل الجمار وهي الحجارة الصغيرة في الاستنجاء وحمله بعضهم على استعمال البخور فإنه يقال فيه تجمر واستجمر حكاه بن حبيب عن بن عمر ولا يصح عنه وابن عبد البر عن مالك وروى بن خزيمة في صحيحه عنه خلافه وقال عبد الرزاق عن معمر أيضا بموافقة الجمهور وقد تقدم القول على معنى قوله فليوتر في الكلام على حديث بن مسعود واستدل بعض من نفى وجوب الاستنجاء بهذا الحديث للاتيان فيه بحرف الشرط ولا دلالة فيه وإنما مقتضاه التخيير بين الاستنجاء بالماء أو بالأحجار والله أعلم قوله باب الاستجمار وترا استشكل إدخال هذه الترجمة في اثناء أبواب الوضوء والجواب أنه لا اختصاص لها بالاستشكال فإن أبواب الاستطابة لم تتميز في هذا الكتاب عن أبواب صفة الوضوء لتلازمهما ويحتمل أن يكون ذلك ممن دون المصنف على ما اشرنا إليه في المقدمة والله أعلم وقد ذكرت توجيه ذلك في أول كتاب الوضوء قوله إذا توضأ أي إذا شرع في الوضوء قوله فليجعل في أنفه ماء كذا
[ 230 ]
لأبي ذر وسقط قوله ماء لغيره وكذا اختلف رواه الموطأ في اسقاطه وذكره وثبت ذكره لمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد قوله ثم لينتثر كذا لأبي ذر والأصيلي بوزن ليفتعل ولغيرهما ثم لينثر بمثلثة مضمومة بعد النون الساكنه والروايتان لأصحاب الموطأ أيضا قال الفراء يقال نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة وهي طرف الأنف في الطهارة قوله وإذا استيقظ هكذا عطفه المصنف واقتضى سياقه أنه حديث واحد وليس هو كذلك في الموطأ وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من موطأ يحيى رواية عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مفرقا وكذا هو في موطأ يحيى بن بكير وغيره وكذا فرقه الاسماعيلي من حديث مالك وكذا أخرج مسلم الحديث الأول من طريق بن عيينة عن أبي الزناد والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وعلى هذا فكان البخاري كان يرى جواز جمع الحديثين إذا اتحد اسنادهما في سياق واحد كما يرى جواز تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين قوله من نومه أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم وخصه أحمد بنوم الليل لقوله في آخر الحديث باتت يده لأن حقيقة المبيت أن يكون في الليل وفي رواية لأبي داود ساق مسلم إسنادها إذا قام أحدكم من الليل وكذا للترمذي من وجه آخر صحيح ولأبي عوانة في رواية ساق مسلم إسنادها أيضا إذا قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح لكن التعليل يقتضي الحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة قال الرافعي في شرح المسند يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلا أشد منها لمن نام نهارا لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة ثم الأمر عند الجمهور على الندب وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء وقال إسحاق وداود والطبري ينجس واستدل لهم بما ورد من الأمر بإراقته لكنه حديث ضعيف أخرجه بن عدي والقرينة الصارفه للأمر عن الوجوب عند الجمهور التعليل بأمر يقتضي الشك لأن الشك لا يقتضي وجوبا في هذا الحكم استصحابا لاصل الطهاره واستدل أبو عوانة على عدم الوجوب بوضوئه صلى الله عليه وسلم من الشن المعلق بعد قيامه من النوم كما سيأتي في حديث بن عباس وتعقب بان قوله أحدكم يقتضي اختصاصه بغيره ثلعم وأجيب بأنه صح عنه غسل يديه قبل ادخالهما في الإناء حال اليقظه فاستحبابه بعد النوم أولي ويكون تركه لبيان الجواز وأيضا فقد قال في هذا الحديث في روايات لمسلم وأبي داود وغيرهما فليغسلهما ثلاثا وفي رواية ثلاث مرات والتقييد بالعدد في غير النجاسة العينيه يدل على الندبيه ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد فلا يضع يده في الوضوء حتى يغسلها والنهي فيه للتنزيه كما ذكرنا أن فعل استحب وأن ترك كره ولا تزول الكراهة بدون الثلاث نص عليه الشافعي والمراد باليد هنا الكف دون ما زاد عليها اتفاقا وهذا كله في حق من قام من النوم لما دل عليه مفهوم الشرط وهو حجة عند الأكثر أما المستيقظ فيستحب له الفعل لحديث عثمان وعبد الله بن زيد ولا يكره الترك لعدم ورود النهي فيه وقد روى سعيد بن منصور بسند صحيح عن أبي هريرة أنه كان بالصلاة ولا يرى بتركه بأسا وسيأتي عن بن عمر والبراء نحو ذلك قوله قبل أن يدخلها ولمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها وهي أبين في المراد من رواية الادخال لأن مطلق الادخال لا يترتب عليه كراهة كمن
[ 231 ]
ادخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير من غير أن تلامس يده الماء قوله في وضوئه بفتح الواو أي الإناء الذي أعد للوضوء وفي رواية الكشمهيني في الإناء وهي رواية مسلم من طرق أخرى ولابن خزيمة في إنائه أو وضوئه على الشك والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء ويلحق به إناء الغسل لأنه وضوء وزيادة وكذا باقي الانية قياسا لكن في الاستحباب من غير كراهة لعدم ورود النهي فيها عن ذلك والله أعلم وخرج بذكر الإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها النهي والله أعلم قوله فان أحدكم قال البيضاوي فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة لأن الفاء إذا ذكر حكما وعقبة بعله دل على أن ثبوت الحكم لاجلها ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات فإنه يبعث ملبيا بعد نهيهم عن تطييبه فنبه على علة النهي وهي كونه محرما قوله لا يدري فيه أن علة النهي احتمال هل لاقت يده ما يؤثر في الماء أو لا ومقتضاه الحاق من شك في ذلك ولو كان مستيقظا ومفهومه أن من دري أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلا فاستيقظ وهي على حالها أن لا كراهة وأن كان غسلها مستحبا على المختار كما في المستيقظ ومن قال بان الأمر في ذلك للتعبد كمالك لا يفرق بين شاك ومتيقن واستدل بهذا الحديث على التفرقه بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء وهو ظاهر وعلى أن النجاسة تؤثر في الماء وهو صحيح لكن كونها تؤثر التنجيس وأن لم يتغير فيه نظر لأن مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير بالتنجيس فيحتمل أن تكون الكراهة بالمتيقن أشد من الكراهة بالمظنون قاله بن دقيق العيد ومراده أنه ليست فيه دلاله قطعيه على من يقول أن الماء لا ينجس الا بالتغيير قوله أين باتت يده أي من جسده قال الشافعي رحمه الله كانوا يستجمرون وبلادهم حارة فربما عرق أحدهم إذا نام فيحتمل أن تطوف يده على المحل أو على بثرة أو دم حيوان أو قذر غير ذلك وتعقبه أبو الوليد الباجي بان ذلك يستلزم الأمر بغسل ثوب النائم لجواز ذلك عليه وأجيب بأنه أمرهم على ما إذا كان العرق في اليد دون المحل أو أن المستيقظ لا يريد غمس ثوبه في الماء حتى يؤمر بغسله بخلاف اليد فإنه يحتاج إلى غمسها وهذا أقوى الجوابين والدليل على أنه لا اختصاص لذلك بمحل الاستجمار وما رواه بن خزيمة وغيره من طريق محمد بن الوليد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة في هذا الحديث قال في آخره أين باتت يده منه وأصله في مسلم دون قوله منه قال الدارقطني تفرد بها شعبة وقال البيهقي تفرد بها محمد بن الوليد قلت ان أراد عن محمد بن جعفر فسلم وأن أراد مطلقا فلا فقد قال الدارقطني تابعه عبد الصمد عن شعبة أخرجه بن منده من طريقه وفي الحديث الأخذ بالوثيقة والعمل بالاحتياط في العبادة والكناية عما يستحيا منه إذا حصل الإفهام بها واستحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه أمرنا بالتثليث عند توهمها فعند تيقنها أولي واستنبط منه قوم فوائد أخرى فيها بعد منها أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة مع بقاء أثر النجاسة عليه قاله الخطابي ومنها إيجاب الوضوء من النوم قاله بن عبد البر ومنها تقوية من يقول بالوضوء من مس الذكر حكاه أبو عوانة فيي صحيحه عن بن عيينة ومنها أن القليل من الماء لا يصير مستعملا بإدخال اليد فيه لمن أراد الوضوء قاله الخطابي صاحب الخصال من الشافعية قوله باب غسل الرجلين كذا للأكثر وزاد أبو ذر
[ 232 ]
ولا يمسح على القدمين قوله حدثني موسى بن إسماعيل هو التبوذكي قوله عنا في سفرة زاد في رواية كريمه سافرناها وظاهره أن عبد الله بن عمرو كان في تلك السفرة ووقع في رواية لمسلم أنها كانت من مكة إلى المدينة ولم يقع ذلك لعبد الله محققا الا في حجة الوداع أما غزوة الفتح فقد كان فيها لكن ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى المدينة من مكة بل من الجعرانة ويحتمل أن تكون عمرة القضيه فإن هجرة عبد الله بن عمرو كانت في ذلك الوقت أو قريبا منه قوله أرهقنا بفتح الهاء والقاف والعصر مرفوع بالفاعلية كذا لأبي ذر وفي رواية كريمه بإسكان القاف والعصر منصوب بالمفعولية ويقوى الأول رواية الأصيلي ارهقتنا بفتح القاف بعدها مثناة ساكنه ومعنى الارهاق الإدراك والغشيان قال بن بطال كان الصحابة اخروا الصلاة في أول الوقت طمعا أن يلحقهم النبي صلى الله عليه وسلم فيصلوا معه فلما ضاق الوقت بادروا إلى الوضوء ولجعلتهم لم يسبغوه فأدركهم على ذلك فأنكر عليهم قلت ما ذكره من تأخيرهم قاله احتمالا ويحتمل أيضا أن الريح اخروا لكونهم على طهر أو لرجاء الوصول إلى الماء ويدل عليه رواية مسلم حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر أي قرب دخول وقتها فتوضؤوا وهم عجال قوله ونمسح على ارجلنا انتزع منه البخاري أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل فلهذا قال في الترجمة ولا يمسح على القدمين وهذا ظاهر الرواية متفق عليها وفي افراد مسلم فانتهينا إليهم واعقابهم بيض تلوح لم يمسها الماء فتمسك بهذا م يقول بأجزاء المسح ويحمل الإنكار على ترك التعميم لكن الرواية المتفق عليها أرجح فتحمل هذه الرواية عليها بالتأويل فيحتمل أن يكون معنى قوله لم يمسها الماء أي ماء الغسل جمعا بين الكلب وأصرح من ذلك رواية مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لم يغسل عقبة فقال ذلك وأيضا فمن قال بالمسح لم يوجب مسح العقب والحديث حجة عليه وقال الطحاوي لما أمرهم بتعميم غسل الرجلين حتى لا يبقى منهما لمعة دل على أن فرضها الغسل وتعقبه بن المنير بان التعميم لا يستلزم الغسل فالرأس تعم بالمسح وليس فرضها الغسل قوله ارجلنا قابل الجمع بالجمع فالارجل موزعه على الرجال فلا يلزم أن يكون لكل رجل ارجل قوله ويل جاز الابتداء بالنكرة لأنه دعاء واختلف في معناه على أقوال اظهرها ما رواه بن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا ويل واد في جهنم قال بن خزيمة لو كان الماسح مؤديا للفروض لما توعد بالنار وأشار بذلك إلى ما في كتب الخلاف عن الشيعة أن الواجب المسح أخذا بظاهر قراءة وارجلكم بالخفض وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو المبين لأمر الله وقد قال في حديث عمرو بن عبسه الذي رواه بن خزيمة وغيره مطولا في فضل الوضوء ثم ييغسل قدميه كما أمره الله ولم يثبت عنه أحد من الصحابة خلاف ذلك الا عن على وابن عباس وأنس وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك قال عبد الرحمن بن أبي ليلى أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين رواه سعيد بن منصور وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ والله أعلم قوله للاعقاب أي المرئية إذ ذاك فاللام للعهد ويلتحق بها ما يشاركها في ذلك والعقب مؤخر القدم قال البغوي معناه ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها وقيل أراد أن العقب مختص بالعقاب إذا قصر في غسله وفي
[ 233 ]
الحديث تعليم الجاهل ورفع الصوت بالإنكار وتكرار المساله لتفهم كما تقدم في كتاب العلم قوله باب المضمضة في الوضوء أصل المضمضة في اللغه التحريك ومنه مضمض النعاس في عينيه إذا تحركتا بالنعاس ثم اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه وأما معناه في الوضوء الشرعبي فاكمله أن يضع الماء فيي الفم ثم يديره ثم يمجه والمشهور عن الشافعية أنه لا يشترط تحريكه ولا مجه وهو عجيب ولعل المراد أنه لا يتعين المج بل لو ابتلعه أو تركه حتى يسيل اجزأ قوله قاله بن عباس قد تقدم حديثه في أوائل الطهاره قوله وعبد الله بن زيد سيأتي حديثه قريبا قوله ثم غسل كل رجل كذا للاصيلي والكشميهني ولابن عساكر كلتا رجليه وهي التي اعتمدها صاحب العمدة وللمستملي والحموي كل رجله وهي تفيد تعميم كل رجل بالغسل وفي نسخة رجليه بالتثنيه وهي بمعنى الأولى قوله لا يحدث تقدمت مباحثه قريبا وقال بعضهم يحتمل أن يكون المراد بذلك الإخلاص أو ترك العجب بان لا يرى لنفسه مزية خشية أن يتغير فيتكبر فيهلك قوله ورجاله الله له كذا للمستملي ولغيره ورجاله له على البناء للمفعول وقد تقدمت مباحثه الا أن في هذا السياق من الزيادة رفع صفة الوضوء إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم وزاد مسلم في رواية ليونس قال الزهري كان علماؤنا يقولون هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد الولاء وقد تمسك بهذا من لا يرى تثليث مسح الرأس كما سيأتي في باب مسح الرأس مرة إن شاء الله تعالى قوله باب غسل الاعقاب وكان بن سيرين هذا التعليق وصله المصنف في التاريخ عن موسى بن إسماعيل عن مهدي بن ميمون عنه وروى بن أبي شيبة عن هشيم عن خالد عنه أنه كان إذا توضأ حرك خاتمه والاسنادان صحيحان فيحمل على أنه كان واسعا بحيث يصل الماء إلى ما تحته بالتحريك وفي بن ماجة عن أبي رافع مرفوعا نحوه بإسناد ضعيف قوله محمد بن زياد هو الجمحي المدني لا الألهاني الحمصي قوله وكان الواو حاليه من مفعول سمعت والناس يتوضئون حال من فاعل يمر قوله المطهرة بكسر الميم هي الإناء المعد للتطهر منه قوله اسبغوا بفتح الهمزه أي أكملوا وكأنه أجرة منهم تقصيرا وخضي عليهم قوله قال أبا القاسم فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنيته وهو حسن وذكره بوصف الرسالة أحسن وفيه أن العالم يستدل على ما يفي به ليكون أوقع في نفس سامعه وقد تقدم شرح الأعقاب وإنما خصت بالذكر لصورة السبب كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو فيلتحق بها ما في معناها من جميع الأعضاء التي قد يحصل التساهل في اسباغها وفي الحاكم وغيره من حديث عبد الله بن الحارث ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار ولهذا ذكر في الترجمة أثر بن سيرين في غسله موضع الخاتم لأنه قد لا يصل إليه الماء إذا كان ضيقا والله أعلم قوله باب غسل الرجلين في النعلين ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك وإنما هو مأخوذ من قوله يتوضأ فيها لأن الأصل في الوضوء هو الغسل ولان قوله فيها يدل على الغسل ولو أريد المسح لقال عليها قوله ولا يمسح على النعلين أي لا يكتفي بالمسح عليهما كما في الخفين وأشار بذلك إلى ما روى عن علي وغيره من الصحابة بأنهم مسحوا على نعالهم في الوضوء ثم صلوا وروى في ذلك حديث مرفوع أخرجه أبو داود وغيره من حديث المغيرة بن شعبة لكن ضعفه عبد الرحمن بن مهدي وغيره من الأئمة واستدل الطحاوي على عدم الأجزاء بالإجماع على أن الخفين إذا تخرقا حتى تبدو القدمان أن المسح لا يجزئ عليهما
[ 234 ]
قال فكذلك النعلان لأنهما لا يفيدان القدمين انتهى وهو استدلال صحيح لكنه منازع في نقل الإجماع المذكور وليس هذا موضع بسط هذه المسألة ولكن نشير إلى ملخص منها فقد تمسك من اكتفى بالمسح بقوله تعالى وأرجلكم عطفا على وامسحوا برءوسكم فذهب إلى ظاهرها جماعة من الصحابة والتابعين فحكى عن بن عباس في رواية ضعيفة والثابت عنه خلافه وعن عكرمة والشعبي وقتادة وهو قول الشيعة وعن الحسن البصري الواجب الغسل أو المسح وعن بعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما وحجة الجمهور الأحاديث الصحيحة المذكورة وغيرها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه بيان للمراد وأجابوا عن الآية بأجوبة منها أنه قرئ وأرجلكم بالنصب عطفا على أيديكم وقيل معطوف على محل برؤوسكم كقوله يا جبال أوبن معه والطير بالنصب وقيل المسح في الآية أمرهم لمشروعية المسح على الخفين فحملوا قراءة الجر على مسح الخفين وقراءة النصب على غسل الرجلين وقرر ذلك أبو بكر بن العربي تقريرا حسنا فقال ما ملخصه بين القراءتين تعارض ظاهر والحكم فيما ظاهره التعارض أنه أن أمكن العمل بهما وجب وإلا عمل بالقدر الممكن ولا يتأتى الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحد في حالة واحدة لأنه يؤدي إلى تكرار المسح لأن الغسل يتضمن المسح والأمر المطلق لا يقتضي التكرار فبقي أن يعمل بهما في حالين توفيقا بين القراءتين وعملا بالقدر الممكن وقيل إنما عطفت على الرؤوس الممسوحة لأنها مظنة لكثرة صب الماء عليها فلمنع الإسراف عطفت وليس المراد أنها تمسح حقيقة ويدل على هذا المراد قوله الى الكعبين لأن المسح رخصة فلا يقيد بالغاية ولان المسح يطلق على الغسل الخفيف يقال مسح اطرافه لمن توضأ ذكره أبو زيد اللغوي وابن قتيبة وغيرهما قوله عبيد بن جريح هو مدني مولى بني تيم وليس بينه وبين بن جريج الفقيه المكي مولى بني أمية نسب وقد تقدم في المقدمة أن الفقيه هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج فقد يظن أن هذا عمه وليس كذلك وهذا الإسناد كله مدنيون وفيه رواية الأقران لأن عبيدا وسعيدا تابعيان من طبقة واحده قوله أربعا أي أربع خصال قوله لم أر أحدا من أصحابك أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بعضهم والظاهر من السياق انفراد بن عمر بما ذكر دون غيره ممن رآهم عبيد وقال المازري يحتمل أن يكون مراده لا يصنعهن غيرك مجتمعه وأن كان يصنع بعضها قوله الأركان أي أركان الكعبة الأربعة وظاهره أن غير بن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها وقد صح ذلك عن معاوية وابن الزبير وسيأتي الكلام على هذه المسألة في الحج إن شاء الله تعالى قوله السبتيه بكسر المهملة هي التي لا شعر فيها مشتقة من السبت وهو الحلق قاله في التهذيب وقيل السبت جلد البقر المدبوغ بالقرظ وقيل بالسبت بضم أوله وهو نبت يدبغ به قاله صاحب المنتهى وقال الهروي قيل لها سبتيه لأنها انسبتت بالدباغ أي لا نت به يقال رطبه منسبته أي لينه قوله تصبغ بضم الموحدة وحكى فتحها وكسرها وهل المراد صبغ الثوب أو الشعر يأتي الكلام على ذلك حيث ذكره المصنف في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى قوله أهل الناس أي رفعوا أصواتهم بالتلبية من أول ذي الحجة قوله ولم تهل أنت حتى كان ولمسلم حتى يكون يوم الترويه أي الثامن من ذي الحجة ومراده ويترددون أنت حينئذ وتبين من جواب بن عمر أنه كان لا يهل حتى
[ 235 ]
يركب قاصدا إلى مني وسيأتي الكلام على هذه المسألة أيضا في الحج إن شاء الله تعالى قوله قال عبد الله أي بن عمر مجيبا لعبيد وللمصنف في اللباس فقال له عبد الله بن عمر قوله اليمانيين تثنية يمان والمراد بهما الركن الأسود والذي يسامته من مقابلة الصفا وقيل للأسود يمان تغليبا قوله فاني أحب أن اصبغ وللكشميهني والباقين فأنا أحب كالتي قبلها وسيأتي باقي الكلام على هذا الحديث في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى قوله باب التيمن أي الابتداء باليمين قوله إسماعيل هو بن عليه وخالد هو الحذاء والإسناد كله بصريون قوله في غسل أي في صفة غسل ابنته زينب عليها السلام كما سيأتي تحقيقه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى وأورد المصنف من الحديث طرفا ليبين به المراد بقول عائشة يعجبه التيمن إذ هو لفظ مشترك بين الابتداء باليمين وتعاطي الشئ والتبرك وقصد اليمن فبان بحديث أم عطية أن المراد بالطهور الأول قوله سمعت أبي هو سليم بن أسود المحاربي الكوفي أبو الشعثاء مشهور بكنيته أكثر من اسمه وهو من كبار التابعين كشيخه مسروق فهما قرينان كما أن أشعث وشعبة قرينان وهما من كبار أتباع التابعين قوله كان يعجبه التيمن قيل لأنه كان يحب الفال الحسن إذ أصحاب اليمن أهل الجنة وزاد المصنف في الصلاة عن سليمان بن حرب عن شعبة ما استطاع فنبه على المحافظة على ذلك ما لم يمنع مانع قوله في تنعله أي لبس نعله وترجله أي ترجيل شعره وهو تسريحه ودهنه قال في المشارق رجل شعره إذا مشطه بماء أو دهن ليلين ويرسل الثائر ويمد المنقبض زاد أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة وسواكه قوله في شأنه كله كذا للأكثر من الرواة بغير واو وفي رواية أبي الوقت بإثبات الواو وهي التي اعتمدها صاحب العمدة قال الشيخ تقي الدين هو عام مخصوص لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ فيهما باليسار انتهى وتأكيد الشأن بقوله كله يدل على التعميم لأن التأكيد برفع المجاز فيمكن أن يقال حقيقة الشأن ما كان فعلا مقصودا وما يستحب فيه التياسر ليس من الأفعال المقصودة بل هي أما تروك وأما غير مقصوده وهذا كله على تقدير اثبات الواو وأما على اسقاطها فقوله في شأنه كله متعلق بيعجبه لا بالتيمن أي يعجبه في شأنه كله التيمن في تنعله الخ أي لا يترك ذلك سفرا ولا حضرا ولا في فراغه ولا شغله ونحو ذلك وقال الطيبي قوله في شأنه بدل من قوله في تنعله بإعادة العامل قال كأنه ذكر التنعل لتعلقه بالرجل والترجل لتعلقه بالراس والطهور لكونه مقتاح أبواب العبادة فكأنه نبه على جميع الأعضاء فيكون كبدل الكل من الكل قلت ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله في شأنه كله على قوله في تنعله الخ وعليها شرح الطيبي وجميع ما قدمناه مبنى على ظاهر السياق الوارد هنا لكن بين المصنف في الاطعمه من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة أن أشعث شيخه كان يحدث به تارة مقتصرا على قوله في شأنه كله وتارة على قوله في تنعله الخ وزاد الاسماعيلي من طريق غندر عن شعبة أن عائشة أيضا كانت تجملة تاره وتبينه أخرى فعلى هذا يكون أصل الحديث ما ذكر من التنعل وغيره ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأحوص وابن ماجة من طريق عمرو بن عبيد كلاهما عن أشعث بدون قوله في شأنه كله وكان الرواية المقتصرة على في شأنه كله من الرواية بالمعنى ووقع في روايية لمسلم في طهوره ونعله بفتح النون واسكان العين أي هيئة تنعله وفي رواية بن ماهان في مسلم ونعله بفتح العين وفي الحديث
[ 236 ]
استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل والغسل والحلق ولا يقال هو من باب الازالة فيبدأ فيه بالايسر بل هو من باب العبادة والتزيين وقد ثبت الابتداء بالشق الأيمن في الحلق كما سيأتي قريبا وفيه البداءة بالرجل اليمني في التنعل وفي ازالتها باليسرى وفيه البداءة باليد اليمني في الوضوء وكذا الرجل وبالشق الأيمن في الغسل واستدل به على استحباب الصلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد وفي الأكل والشرب باليمين وقد أورده المصنف في هذه المواضع كلها قال النوويي قاعدة الشرع المستمره استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين وما كان بضدهما استحب فيه التياسر قال واجمع العلماء على أن تقديم اليمن في الوضوء سنة من خالفها فإنه الفضل وتم وضوؤه انتهى ومراده بالعلماء أهل السنة وإلا فمذهب الشيعة الوجوب وغلط المرتضى منهم فنسبه للشافعي وكأنه ظن أن ذلك السري من قوله بوجوب الترتيب لكنه لم يقل بذلك في اليدين ولا في الرجلين لأنهما بمنزلة العضو الواحد ولانهما جمعا في لفظ القرآن لكن يشكل على أصحابه حكمهم على الماء بالاستعمال إذا انتقل من يد إلى يد أخرى مع قولهم بان الماء ما دام مترددا على العضو لا يسمى مستعملا وفي استدلالهم على وجوب الترتيب بأنه لم ينقل أحد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ منكسا وكذلك لم ينقل أحد أنه قدم اليسرى على اليمني ووقع في البيان للعمراني والتجريد للبندنيجي نسبة القول بالوجوب إلى الفقهاء السبعة وهو تصحيف من الشيعة وفي كلام الرافعي ما يوهم أن أحمد قال بوجوبه ولا يعرف ذلك عنه بل قال الشيخ الموفق في المغني لا نعلم في عدم الوجوب خلافا قوله باب التماس الوضوء بفتح الواو أي طلب الماء للوضوء إذا حانت بالمهمله أي قربت الصلاة والمراد وقتها الذي توقع فيه قوله وقالت عائشة هذا طرف من حديثها في قصة نزول آية التيمم وسيأتي في كتاب التيمم إن شاء الله تعالى وساقه هنا بلفظ عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها وهو موصول عنده في تفسير المائدة قال بن المنير أراد الاستدلال على أنه لا يحب طلب الماء للتطهير قبل دخول الوقت لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم التأخير فدل على الجواز قوله فالتمس بالضم على البناء للمفعول فالتمسوا قوله وحانت وحانت والواو للحال بتقدير قد قوله الوضوء بفتح الواو أي الماء الذي يتوضأ به قوله فلم يجدوا وللكشميهني فلم يجدوه بزيادة الضمير قوله فأتى بالضم على البناء للمفعول وبين المصنف في رواية قتادة أن ذلك كان بالزوراء وهو سوق بالمدينة قوله بوضوء بالفتح أي بإناء فيه ماء ليتوضأ به ووقع في رواية بن المبارك فجاء رجل بقدح فيه ما يسير فصغر أن يبسط صلى الله عليه وسلم فيه كفه فضم أصابعه ونحوه في رواية حميد الآتية في باب الوضوء من المخضب قوله ينبع بفتح أوله وضم الموحدة ويجوز كسرها وفتحها وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب علامات النبوة مستوعبا أن شاء الله تعالى قوله حتى توضؤوا من عند آخرهم قال الكرماني حتى للتدريج ومن للبيان أي توضأ الناس حتى توضأ الذين عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم قال وعند بمعنى في لأن عند وأن كانت للظرفيه الخاصة لكن المبالغة تقتضي أن تكون لمطلق الظرفيه فكأنه قال الذين هم في آخرهم وقال التيمي المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبه إلى الآخر وقال النووي من هنا بمعنى إلى وهي لغه وتعقبه الكرماني بأنها شاذة قال ثم أن إلى لا يجوز أن الخطبة على عند
[ 237 ]
ويلزم عليه وعلى ما قال التيمي أن لا يدخل الأخير لكن ما قاله الكرماني من أن إلى لا الخطبة على عند ويلزم عليه وعلى ما قال التيمي أن لا يدخل الأخير لكن ما قاله الكرماني من أن إلى لا الخطبة على عند لا يلزم مثله في من إذا وقعت بمعنى إلى وعلى توجيه النوويي يمكن أن يقال عند زائدة وفي الحديث دليل على أن المواساة مشروعة عند الضرورة لمن كان في مائة فضل عن وضوئه وفيه أن اغتراف المتوضئ من الماء القليل لا يصير الماء مستعملا واستدل به الشافعي على أن الأمر بغسل اليد قبل ادخالها الإناء أمر ندب لا حتم تنبيه قال بن بطال هذا الحديث يعني حديث نبع الماء شهده جمع من الصحابة الا أنه لم يرو الا من طريق أنس وذلك لطول عمره ولطلب الناس علو السند كذا قال وقد قال للقاضي عياض هذه القصة رواها العدد الكثير من الثقات عن الجم الغفير عن الكافة متصلا عن جملة من الصحابة بل لم يؤثر عن أحد منهم إنكار ذلك فهو ملتحق بالقطعي من معجزاته انتهى فأنظر كم بين الكلامين من التفاوت وسنحرر هذا الموضع في كتاب علامات النبوة أن شاء الله تعالى قوله باب الماء أي حكم الماء الذي يغسل به شعر الإنسان أشار المصنف إلى أن حكمة الطهاره لأن المغتسل قد يقع في ماء غسله من شعره فلو كان نجسا لتنجس الماء بملاقاته ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تجنب ذلك في اغتساله بل كان يخلل أصول شعره كما سيأتي وذلك يفضي غالبا إلى تناثر بعضه فدل على طهارته وهو قول جمهور العلماء وكذا قاله الشافعي في القديم ونص عليه في الجديد أيضا وصححه جماعة من أصحابه وهي طريقة الخراسانيين وصحح جماعة القول بتنجيسه وهي طريقة العراقيين واستدل المصنف على طهارته بما ذكره من الحديث المرفوع وتعقب بان شعر النبي صلى الله عليه وسلم مكرم لا يقاس عليه غيره ونقضه بن المنذر والخطابي وغيرهما بان الخصوصية لا تثبت الا بدليل والأصل عدمه قالوا ويلزم القائل بذلك أن لا يحتج على طهارة المني بان عائشة كانت تفركه من ثوبه صلى الله عليه وسلم لا مكان أن يقال له منيه طاهر فلا يقاس على غيره والحق أن حكمة حكم جميع المكلفين في الأحكام التكليفيه الا فيما خص بدليل وقد تكاثرت الادله على طهارة فضلاته وعد الأئمة ذلك في خصائصه فلا يلتفت إلى ما وقع في كتب كثير من الشافعية مما يخالف ذلك فقد استقر الأمر بين ائمتهم على القول بالطهارة وهذا كله في شعر الآدمي أما شعر الحيوان غير المأكول المذكي ففيه اختلاف مبنى على أن الشعر هل تحله الحياه فينجس بالموت أو لا فالاصح عند الشافعية أنه ينجس بالموت وذهب جمهور العلماء إلى خلافه واستدل بن المنذر على أنه لا تحله الحياة فلا ينجس بالموت ولا بالانفصال بأنهم اجمعوا على طهارة ما يجز من الشاة وهي حية وعلى نجاسة ما يقطع من أعضائها وهي حية فدل ذلك على التفرقه بين الشعر وغيره من اجزائها وعلى التسويه بين حالتي الموت والانفصال والله اعلم وقال البغوي في شرح السنة في قوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة إنما حرم أكلها يستدل به لمن ذهب إلى أن ما عدا ما يؤكل من أجزاء الميتة لا يحرم الانتفاع به اه وسيأتي الكلام على ريش الميتة وعظمها في باب مفرد من هذا الكتاب أن شاء الله تعالى قوله وكان عطاء هذا التعليق وصله محمد بن إسحاق الفاكهي في أخبار مكة بسند صحيح إلى عطاء وهو بن أبي رباح أنه كان لا يرى بأسا بالانتفاع بشعور الناس التي تحلق بمنى قوله وسؤر الكلاب هو بالجر عطفا على قوله الماء والتقدير وباب سؤر الكلاب أي ما حكمة والسؤر بقية والظاهر من
[ 238 ]
يطلق المصنف أنه يقول بطهارته وفي بعض النسخ بعد قوله في المسجد وأكلها وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل قوله وقال الزهري إذا ولغ الكلب جمع المصنف في هذا الباب بين مسألتين وهما حكم شعر الآدمي وسؤر الكلب فذكر الترجمة الأولى واثرها سمها ثم ثنى بالثانيه واثرها معها ثم رجع إلى دليل الأولى من الحديث المرفوع ثم ثنى بأدلة الثانية وقول الزهري هذا رواه الوليد بن مسلم في مصنفه عن الأوزاعي وغيره عنه ولفظه سمعت الزهري في إناء ولغ فيه كلب فلم يجدوا ماء غيره قال يتوضأ به أخرجه بن عبد البر في التمهيد من طريقه بسند صحيح قوله وقال سفيان المتبادر إلى الذهن أنه بن عيينة لكونه معروفا بالرواية عن الزهري دون الثوري لكن المراد به هنا الثوري فإن الوليد بن مسلم عقب أثر الزهري هذا بقوله فذكرت ذلك لسفيان الثوري فقال والله هذا الفقيه بعينه فذكره وزاد بعد قوله شئ فأرى أن يتوضأ به ويتيمم فسمى الثوري الأخذ بدلالة العموم فقها وهي التي تضمنها قوله تعالى فلم تجدوا ماء لكونها نكره في سياق النفي فتعمم ولا تخص الا بدليل وتنجس الماء بولوغ الكلب فيه غير متفق عليه بين أهل العلم وزاد من راية التيمم احتياطا وتعقبه الاسماعيلي بان اشتراطه جواز التوضؤ به إذا لم يجد غيره يدل على تنجيسه عنده لأن الظاهر يجوز التوضؤ به مع وجود غيره وأجيب بان المراد أن استعمال غيره مما لم يختلف فيه أولي فأما إذا لم يجد غيره فلا يعدل عنه وهو يعتقد طهارته إلى التيمم وأما فتيا سفيان بالتيمم بعد الوضوء به فلانة رأى أنه ماء مشكوك فيه من أجل الاختلاف فاحتاط للعباده وقد تعقب بأنه يلزم من استعماله أن يكون جسده طاهرا بلا شك فيصير باستعماله مشكوكا في طهارته ولهذا قال بعض الأئمة الأولى أن يريق ذلك الماء ثم يتيمم والله اعلم تنبيه وقع في رواية أبي الحسن القابسي عن أبي زيد المروزي في حكاية قول سفيان يقول الله تعالى فإن لم تجدوا ماء وكذا حكاه أبو نعيم في المستخرج على البخاري وفي باقي الروايات فلم تجدوا وهو الموافق للتلاوة وقال القابسي وقد ثبت ذلك في الأحكام لإسماعيل القاضي يعني شوال إلى سفيان قال وما أعرف من قرأ بذلك قلت لعل الثوري حكاه بالمعنى وكان يرى جواز ذلك وكأن هذا هو الذي جر المصنف أن يأتي بمثل هذه العبارة في كتاب التيمم كما سيأتي أن شاء الله تعالى قوله عن عاصم هو بن سليمان وابن سيرين هو محمد وعبيدة هو بن عمرو والسلماني أحد كبار التابعين المخضرمين أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ولم يره قوله من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أي شئ قوله اصبناه أي حصل لنا من جهة أنس بن مالك وأراد المصنف بإيراد هذا الأثر تقرير أن الشعر الذي حصل لأبي طلحة كما في الحديث الذي يليه بقي عند آل بيته اللى أن صار لمواليهم منه لأن سيرين والد محمد كان مولى أنس بن مالك وكان أنس ربيب أبي طلحة ووجه الدلاله منه على الترجمة أن الشعر طاهر وإلا لما حفظوه ولا تمنى عبيدة أن يكون عنده شعرة واحدة منه وإذا كان طاهرا فالماء الذي يغسل به طاهر قوله حدثنا عباد هو بن عباد المهلي وقد نزل البخاري في هذا الإسناد لأنه قد سمع من شيخ شيخه سعيد بن سليمان بل سمع من أبي عاصم وغيره من أصحاب بن عون فيقع بينه وبين بن عون واحد وهنا بينه وبينه ثلاثة أنفس قوله لما حلق أي أمر الحلاق فخلقه فأضاف الفعل إليه مجازا وكان ذلك في حجة الوداع كما سنبينه قوله كان أبو طلحة يعني الأنصاري زوج أم سليم
[ 239 ]
والدة أنس وقد أخرج أبو عوانة في صحيحه هذا الحديث من طريق سعيد بن سليمان المذكور أبين مما ساقه محمد بن عبد الرحيم ولفظه أن رسو الله صلى الله عليه وسلم أمر الحلاق فحلق رأسه ودفع إلى أبي طلحة الشق الأيمن ثم حلق الشق الآخر فأمره أن يقسمه بين الناس ورواه مسلم من طريق بن عيينة عن هشام بن حسان عن بن سيرين بلفظ لما رمى الجمرة ونحر نسكه ناول الخالق شقه الأيمن فخلقه ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فخلقه فأعطاه أبا طلحة فقال اقسمه بين الناس وله من رواية حفص بن الصالح عن هشام أنه قسم الأيمن فيمن يليه وفي لفظ فوزعه بين الناس الشعرة والشعرتين وأعطى الأيسر أم سليم وفي لفظ أبا طلحة ولا تناقض في هذه الروايات بل طريق الجمع بينها أنه ناول أبا طلحة كلا من الشقين فأما الأيمن فوزعه أبو طلحة بأمره وأما الأيسر فأعطاه لام سليم زوجته بأمره صلى الله عليه وسلم أيضا زاد أحمد في رواية له لتجعله في طيبها وعلى هذا فالضمير في قوله يقسمه في رواية أبي عوانة يعود على الشق الأيمن وكذا قوله في روايية بن عيينة فقال اقسمه بين الناس قال النووي فيه استحباب البداءة بالشق الأيمن من رأس المحلوق وهو قول الجمهور خلافا لأبي حنيفة وفيه طهارة شعر الآدمي وبه قال الجمهور وهو الصحيح عندنا وفيه التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وجواز اقتنائه وفيه المواساة بين الأصحاب في العطية والهدية أقول وفيه أن المواساة لا تستلزم المساواة وفيه تنفيل من يتولى التفرقة على غيره قال واختلفوا في اسم الالق فالصحيح أنه معمر بن عبد آله كما ذكر البخاري وقيل هو خراش بن أمية وهو بمعجمتين أخبرنيه والصحيح أن خراشا كان الحالق بالحديبيه والله أعلم وقع هنا في رواية بن عساكر قبل إيراد حديث مالك باب إذا شرب الكلب في الإناء قوله إذا شرب كذا هو في الموطأ والمشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه إذا ولغ وهو المعروف في اللغه يقال ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه أو ادخل لسانه فيه فحركه وقال ثعلب هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه زاد بن درستويه شرب أو لم يشرب وقال بن مكي فإن كان غير مائع يقال لعقه وقال المطرزي فإن كان فارغا يقال لحسه وادعى بن عبد البر أن لفظ شرب لم يروه الا مالك وأن غيره رواه بلفظ ولغ وليس كما ادعى فقد رواه بن خزيمة وابن المنذر من طريقين عن هشام بن حسان عن بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ إذا شرب لكن المشهور عن هشام بن حسان بلفظ إذا ولغ كذا أخرجه مسلم وغيره من طرق عنه وقد رواه عن أبي الزناد شيخ مالك بلفظ إذا شرب ورقاء بن عمر أخرجه الجوزقي وكذا المغيرة بن عبد الرحمن أخرجه أبو يعلى نعم وروى عن مالك بلفظ إذا ولغ أخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور له عن الاسماعيل بن عمر عنه ومن طريقه أورده الاسماعيلي وكذا أخرجه الدارقطني في الموطآت له من طريق أبي علي الحنفي عن مالك وهو في نسخة صحيحه من سنن بن ماجة عن رواية روح بن عبادة عن مالك أيضا وكأن أبا الزناد حدث به اللفظين لتقاربهما في المعنى لكن الشرب كما بينا أخص من الولوغ فلا يقوم مقامه ومفهوم الشرط في قوله إذا ولغ يقتضي قصر الحكم على ذلك لكن إذا قلنا أن الأمر بالغسل للتنجييس يتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلا ويكون ذكر الولوغ للغالب وأما الحاق باقي أعضائه كيده ورجله فالمذهب المنصوص أنه كذلك لأن فمه اشرفها فيكون الباقي من باب الأولى وخصه في القديم بالأولى وقال النووي في الروضة أنه وجه شاذ وفي شرح المهذب
[ 240 ]
أنه القوي من حيث الدليل والاولوية المذكورة قد تمنع لكون فمه محل استعمال النجاسات قوله في إناء أحدكم ظاهره العموم في الانيه ومفهومه يخرج الماء المستنقع مثلا وبه قال الأوزاعي مطلقا لكن إذا قلنا بان الغسل للتنجيس يجري الحكم في القليل من الباب دون الكثير والإضافة التي في إناء أحدكم يلغي اعتبارها هنا لأن الطهارة لا تتوقف على ملكه وكذا قوله فليغسله لا يتوقف على أن يكون هو الغاسل وزاد مسلم والنسائي من طريق على بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين عن أبي هريرة في هذا الحديث فليرقه وهو يقوي القول بان الغسل للتنجيس إذ المراق أعم من أن يكون ماء أو طعاما فلو كان طاهرا لم يؤمر بإراقته للنهي عن إضاعة المال لكن قال النسائي لا أعلم أحدا تابع على بن مسهر على زيادة فليرقه وقال حمزة الكناني أنها غير محفوظه وقال بن عبد البر لم يذكرها الحفاظ من أصحاب الأعمش كأبي معاوية وشعبة وقال بن منده لا تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه الا عن بن مسهر بهذا الإسناد قلت قد ورد الأمر بالإراقة أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه بن عدي لكن في رفعه نظر والصحيح أنه موقوف وكذا ذكر الاراقة حماد بن زيد عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة موقوفا وإسناده صحيح أخرجه الدارقطني وغيره قوله فليغسله يقتضي الفور لكن حمله على الاستحباب الا لمن أراد أن يستعمل ذلك الإناء قوله سبعا أي سبع مرار ولم يقع في رواية مالك التتريب ولم يثبت في شئ من الروايات عن أبي هريرة الا عن بن سيرين على أن بعض اجابه لم يذكره وروى أيضا عن الحسن وأبي رافع عن الدارقطني وعبد الرحمن والد السدى عند البزار واختلف الرواة عن بن سيرين في محل غسلة التتريب فلمسلم وغيره من طريق هشام بن حسان عنه اولاهن وهي رواية الأكثر عن بن سيرين وكذا في رواية أبي رافع المذكورة واختلف عن قتادة عن بن سيرين فقال سعيد بن بشير عنه اولاهن أيضا أخرجه الدارقطني وقال أبان عن قتادة السابعه أخرجه أبو داود وللشافعي عن سفيان عن أيوب عن بن سيرين اولاهن أو إحداهن وفي رواية السدي عن البزار إحداهن وكذا في رواية هشام بن عروة عن أبي الزناد عنه فطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال إحداهن مبهمة واولاهن والسابعة معينة وأو أن كانت في نفس الخبر فهي للتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد أن يحمل على أحدهما لأن فيه زيادة على الرواية المعينه وهو الذي نص عليه الشافعي في الأم والبويطي وصرح به المرعشي وغيره من الأصحاب وذكره بن دقيق العيد والسبكي بحثا وهو منصوص كما ذكرنا وأن كانت أو شكا من الراوي فرواية من عين ولم يشك أولي من رواية من أبهم أو شك فيبقى النظر في الترجيح بين رواية اولاهن ورواية السابعه ورواية اولاهن أرجح من حيث الاكثريه والاحفظيه ومن حيث المعنى أيضا لأن تتريب الاخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسله أخرى الختار وقد نص الشافعي في حرملة على أن الأول أولي والله اعلم وفي الحديث دليل على أن حكم النجاسة يتعدى عن محلها إلى ما يجاورها بشرط كونه مائعا وعلى تنجيس المائعات إذا وقع في جزء منها نجاسه وعلى تنجيس الإناء الذي يتصل بالمائع وعلى أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه وأن لم يتغير لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء الذي في الإناء غالبا وعلى أن ورود الماء على النجاسة يخالف ورودها عليه لأنه أمر بإراقة الماء لما وردت عليه النجاسة وهو حقيقة في اراقة جميعه وأمر بغسله وحقيقته تتأدى بما يسمى
[ 241 ]
غسلا ولو كان ما يغسل به أقل مما أريق فائده خالف ظاهر هذا الحديث المالكية والحنفيه فأما المالكية فلم يقوموا بالتتريب أصلا مع ايجابهم التسبيع على المشهور عندهم لأن التتريب لم يقع في رواية مالك قال القرافي منهم لقد صحت فيه الأحاديث فالعجب منهم كيف لم يقوموا بها وعن مالك رواية أن الأمر بالتسبيع للندب والمعروف عند أصحابه أنه للوجوب لكنه للتعبد لكون الكلب طاهرا عندهم وأبدى بعض متأخريهم له حكمة غير التنجيس كما سيأتي وعن مالك رواية بأنه نجس لكن قاعدته أن الماء لا ينجس الا بالتغير فلا يجب التسبيع للنجاسه بل للتعبد لكن يرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم في أول هذا الحديث فيما رواه مسلم وغيره من طريق محمد بن سيرين وهمام بن منبه عن أبي هريرة طهور إناء أحدكم لأن الطهارة تستعمل أما عن حدث أو خبث ولا حدث على الاماء فتعين الخبث وأجيب بمنع الحصر لأن التيمم لا يرفع الحدث وقد قيل له طهور المسلم ولان الطهاره تطلق على غير ذلك كقوله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وقوله صلى الله عليه وسلم السواك مطهرة للفم والجواب على الأول بان التيمم ناشئ عن حدث فلما قام ما يطهر الحدث سمي طهورا ومن يقول بأنه يرفع الحدث يمنع هذا الإيراد من أصله والجواب على الثاني أن ألفاظ الشرع إذا أرادت بين الحقيقة اللغويه والشرعية حملت على الشرعية الا إذا قام دليل ودعوى بعض المالكية أن المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهي عن اتخاذه دون المأذون فيه يحتاج إلى ثبوت تقدم النهي عن الاتخاذ على الأمر بالغسل وإلى قرينة أخذت على أن المراد ما لم يؤذن في اتخاذه لأن الظاهر من اللام في قوله الكلب أنها للجنس أو لتعريف الماهيه فيحتاج المدعي أنها للعهد إلى دليل ومثله تفرقة بعضهم بين البدوي والحضري ودعوى بعضهم أن ذلك مخصوص بالكلب الكلب وأن الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطب لأن الفاء اعتبر السبع في مواضع منه كقوله صبوا على من سبع قرب وقوله من تصبح بسبع تمرات عجوة وتعقب بان الكلب الكلب لا يقرب الماء فكيف يؤمر بالغسل من ولوغه وأجاب حفيد بن رشيد بأنه لا يقرب الماء بعد استحكام الكلب منه أما في ابتدائه فلا يمتنع وهذا التعليل وأن كان فيه مناسبة لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل والتعليل بالتنجيس أقوى لأنه في معنى المنصوص وقد ثبت عن بن عباس التصريح بان الغسل من ولوغ الكلب بأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه والمشهور عن المالكية أيضا التفرقه بين إناء الماء فيراق ويغسل وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبدا لأن الأمر بالاراقه عام فيخص الطعام منه بالنهي عن إضاعة المال وعورض بان النهي عن الاضاعه مخصوص بالأمر بالاراقه ويترجح هذا الثاني بالإجماع على اراقة ما أنكر فيه النجاسة من قليل المائعات ولو عظم العجلي فثبت أن عموم النهي عن الاضاعه بخلاف الأمر بالاراقه وإذا ثبتت نجاسة سؤره كأن أعم من أن يكون لنجاسة عينه أو النجاسة طارئه كأكل الميتة مثلا لكن الأول أرجح إذ هو الأصل ولأنه يلزم على الثاني مشاركة غيره له في الحكم كالهرة مثلا وإذا ثبت نجاسة سؤره لعينه لم يدل على نجاسة باقيه الا بطريق القياس كان يقال لعابه نجس فمه نجس لأنه متحلب منه واللعاب عرق فمه وفمه أطيب بدنه فيكون عرقه نجسا وإذا كان عرقه نجسا كان بدنه نجسا لأن العرق متحلب من البدن ولكن هل يلتحق باقي أعضائه بلسانه في وجوب السبع والتتريب أم لا تقدمت الإشارة إلى ذلك
[ 242 ]
من كلام النووي وأما الحنفية فلم يقوموا بوجوب السبع ولا التتريب واعتذر الطحاوي وغيره عنهم بأمور منها كون أبي هريرة راوي أفتي بثلاث غسلات فثبت بذلك نسخ السبع وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتي بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو كان نسي ما رواه ومع الاحتمال لا يثبت النسخ وأيضا فقد ثبت أنه أفتي بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر وأما النظر فظاهر وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن بن سيرين عنه وهذا من أصح الأسانيد وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوة بكثير ومنها أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب ولم يقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم وبأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار ومنها دعوى أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر بالغسل وتعقب بان الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدا لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل وقد ذكر بن مغفل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبع كأبي هريرة بل سياق مسلم ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب ومنها الزام الشافعية بايجاب ثمان غسلات وأشار بظاهر حديث عبد الله بن مغفل الذي أخرجه مسلم ولفظه فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنه في التراب وفي رواية أحمد بالتراب وأجيب بأنه لا يلزم من كون الشافعية لا يقولون بظاهر حديث عبد الله بن مغفل أن يتركوا هم العمل بالحديث أصلا ورأسا لأن اعتذار الشافعية عن ذلك أن كان متجها فذاك وإلا فكل من الفريقين ملوم في ترك العمل به قاله بن دقيق الله البصري وبه قال أحمد بن حنبل في رواية حرب الكرماني عنه ونقل عن الشافعي أنه قال هو حديث لم اقف على صحته ولكن هذا لا يثبت العذر لمن وقف على صحته وجنح بعضهم إلى الترجيح لحديث أبي هريرة على حديث بن مغفل والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع والأخذ بحديث بن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس والزياده من الثقة مقبوله ولو سلكنا الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلا لأن رواية مالك بدونه أرجح من رواية من اثبته ومع ذلك فقلنا به أخذا بزيادة الثقة وجمع بعضهم بين الحديثين بضرب من الجاز فقال لما كان التراب جنسا غير الماء جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودا باثنتين وتعقبه بن دقيق العيد بان قوله وعفروه الثامنه بالتراب ظاهر في كونها غسله مستقله لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسله على التتريب مجازا وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى والكلام على هذا الحديث وما يتفرع منه منتشر جدا ويمكن أن يفرد بالتصنيف ولكن هذا القدر كاف في هذا المختصر قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور الكوسج كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وعبد الصمد هو بن عبد الوارث وشيخه عبد الرحمن تكلم فيه بعضهم لكنه صدوق ولم ينفرد بهذا الحديث والإسناد منه فصاعدا مدنيون وأبوه وشيخه أبو صالح السمان تابعيان قوله
[ 243 ]
ان رجلا لم يسم هذا الرجل وهو من بني إسرائيل كما سيأتي قوله يأكل الثرى بالمثلثه أي يعلق التراب الندى وفي المحكم الثرى التراب وقيل التراب الذي إذا بل لم يصر طينا لازبا قوله من العطش أي بسبب العطش قوله يغرف له به استدل به المصنف على طهارة سؤر الكلب لأن ظاهره أنه سقى الكلب فيه وتعقب بان الاستدلال به مبنى على أن شرع من قبلنا شرع لنا وفيه اختلاف ولو قلنا به اسكان محله فيما لم ينسخ ومع ارخاء العنان لا يتم الاستدلال به أيضا لاحتمال أن يكون صبه في شئ فسقاه أو غسل خفه بعد ذلك أو لم يلبسه بعد ذلك قوله فشكر الله له أي أثنى عليه فجزاه على ذلك بان قبل عمله وأدخله الجنة وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في باب فضل سقى الماء من كتاب الشرب أن شاء الله تعالى قوله وقال أحمد بن شبيب بفتح المعجمه وكسر الموحدة قوله حمزة بن عبد الله أي بن عمر بن الخطاب كانت الكلاب زاد أبو نعيم والبهيقي في روايتهما لهذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب المذكور موصولا بصريح التحديث قبل قوله تقبل تبول وبعدها واو العطف وكذا ذكر الأصيلي أنها في رواية إبراهيم بن معقل عن البخاري وكذا أخرجها أبو داود الاسماعيلي من رواية عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد شيخ شبيب بن سعيد المذكور وعلى هذا فلا حجة فيه لمن استدل به على طهارة الكلاب للاتفاق على نجاسة بولها قاله بن المنير وتعقب بأن من يقول أن الكلب يؤكل وأن بول ما يؤكل لحمه طاهر يقدح في نقل الاتفاق لا سيما وقد قال جمع بان أبوال الحيوانات كلها طاهره الا الآدمي وممن قال به بن وهب حكاه الاسماعيلي وغيره عنه وسيأتي في باب غسل البول وقال المنذري المراد أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها ثم تقبل وتدبر في المسجد إذ لم يكن عليه في ذلك الوقت غلق قال ويبعد أن تترك الكلاب تنتاب المسجد حتى تمتهنه بالبول فيه وتعقب بأنه إذا قيل بطهارتها لم يمتنع ذلك كما في الهره والاقرب أن يقال أن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الاباحه ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها ويشير إلى ذلك ما زاده الاسماعيلي في روايته من طريق بن وهب في هذا الحديث عن بن عمر قال كان عمر يقول بأعلى صوته اجتنبوا اللغو في المسجد قال بن عمر وقد كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الكلاب الخ فأشار إلى أن ذلك كان في الابتداء ثم ورد الأمر بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام وبهذا يندفع الاستدلال به على طهارة الكلب وأما قوله في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو وأن كان عاما في جميع الازمنة لأنه اسم مضاف لكنه مخصوص بما قبل ازمن الذي أمر فيه بصيانة المسجد وفي قوله فلم الريح يرشون ومظلمة لدلالته على نفي الغسل من باب الأولى واستدل بذلك بن بطال على طهارة سؤره لأن من شأن الكلاب أن تتبع مواضع المأكول وكان بعض الصحابة لا بيوت لهم الا المسجد فلا غلام أن يصل لعابها إلى بعض أجزاء المسجد وتعقب بان طهارة المسجد متيقنه وما ذكر مشكوك فيه واليقين لا يرفع بالشك ثم ادلالته لا تعارض دلالة منطوق الحديث الوارد في الأمر بالغسل من ولوغه واستدل به أبو داود في السنن على أن الأرض تطهر إذا لاقتها النجاسة بالجفاف يعني أن قوله لم الريح يرشون يدل على نفي صب الماء من باب أولي فلولا أن الجفاف يفيد تطهير الأرض ما تركوا ذلك ولا يخفى ما فيه تنبيه حكى بن التين عن الداودي الشارح أنه أبدل قوله
[ 244 ]
يرشون بلفظ يرتقبون بإسكان الراء ثم مثناة مفتوحه ثم قاف مكسوره ثم موحده وفسره بان معناه لا يخشون فصحف اللفظ وأبعد في التفسير لأن معنى الارتقاب الانتظار وأما نفي الخوف من نفي الارتقاب فهو تفسير ببعض لوازمه والله أعلم قوله بن أبي السفر تقدم في المقدمة أن اسمه عبد الله وأن السفر بفتح الفاء ووهم من سكنها قوله عدي بن حاتم أي الطائي قوله سألت أي عن حكم صيد الكلاب وحذف لفظ السؤال اكتفاء بدلالة الجواب عليه وقد صرح به المصنف من طريق أخرى في الصيدناني كما سيأتي الكلام عليه مستوفي هناك أن شاء الله تعالى وإنما ساق المصنف هذا الحديث هنا ليستدل به لمذهبه في طهارة سؤر الكلب ومطابقته للترجمة من قوله فيها وسؤر الكلاب ووجه الدلاله من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إذن له في أكل ما صاده الكلب ولم يقيد ذلك بغسل موضع فمه ومن ثم قال مالك كيف يؤكل صيده ويكون لعابه نجسا وأجاب الاسماعيلي بان الحديث سيق لتعريف أن قتله ذكاته وليس فيه اثبات نجاسه ولا نفيها ويدل لذلك أنه لم يقل له اغسل الدم إذا خرج من جرح نابه لكنه وكله إلى ما تقرر عنده من وجوب غسل الدم فلعله وكله أيضا إلى ما تقرر عنده من غسل ما يماسه فمه وقال بن المنير عند الشافعية أن السكين إذا سيقت بماء نجس وذبح بها نجست الذبيحة وناب الكلب عندهم نجس العين وقد وافقونا على أن ذكاته شرعيه لا تنجس المذكي وتعقب بأنه لا يلزم من الاتفاق على أن الذبيحة لا تصير نجسه بعض الكلب ثبوت الإجماع على أنها لا تصير متنجسه فما الزمهم به من التناقض ليس بلازم على أن في المسألة عندهم خلافا والمشهور وجوب غسل المعض ولي هذا موضع بسط هذه المسألة قوله باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين الاستثناء مفرغ والمعنى من لم ير الوضوء واجبا من الخروج من شئ من مخارج البدن الا من القبل والدبر وأشار بذلك إلى خلاف من أجرة الوضوء مما يخرج من غيرهما من البدن كالقئ والحجامة وغيرهما ويمكن أن يقال أن نواقض الوضوء المعتبرة ترجع إلى المخرجين فالنوم مظنة خروج الريح ولمس المراه ومس الذكر مظنة خروج المذي قوله لقوله تعالى أو جاء أحد منكم من الغائط فعلق وجوب الوضوء أو التيمم عند فقد الماء على المجئ من الغائط وهو المكان المطمئن من الأرض الذي كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة فهذا دليل الوضوء مما يخرج من المخرجين وقوله أو لامستم النساء دليل الوضوء من ملامسة النساء وفي معناه مس الذكر مع صحة الحديث فيه الا أنه ليس على شرط الشيخين وقد صححه مالك وجميع من أخرج الصحيح غير الشيخين قوله وقال عطاء هو بن أبي رباح وهذا التعليق وصله بن أبي شيبة وغيره بنحوه وإسناده صحيح والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي وقتادة وحما بن أبي سليمان قالوا لا ينقض النادر وهو قول مالك قال الا أن حصل معه تلويث قوله وقال جابر هذا التعليق وصله سعيد بن منصور والدارقطني وغيرهما وهو صحيح من قول جابر أخرجه الدارقطني من طريق أخرى مرفوعا لكن ضعفها والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه قالوا ينقض الضحك إذا وقع انظر الصلاة لا خارجة قال بن المنذر اجمعوا على أنه لا ينقض خارج الصلاة واختلفوا إذا وقع فيها فخالف من قال به القياس الجلي وتمسكوا بحديث لا يصح وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله تعالى خلف رسول الله صلى الله عليه
[ 245 ]
وسلم انتهى على إنهم لم يأخذوا بعموم الخبر المروي في الضحك بل خصوه بالقهقه قوله وقال الحسن أي بن أبي الحسن البصري والتعليق عنه للمسأله الأولى وصله سعيد بن منصور وابن المنذر بإسناد صحيح والمخالف في ذلك مجاهد والحكم بن عتيبة وحماد قالوا من قص أظفاره أو جز شاربه فعليه الوضوء ونقل بن المنذر أن الإجماع استقر على خلاف ذلك وأما التعليق عنه للمسأله الثانية فوصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح ووافقه على ذلك إبراهيم النخعي وطاوس وقتادة وعطاء وبه كان يفتي سليمان بن حرب وداود وخالفهم الجمهور على قولين مرتبين على إيجاب الموالاه وعدمها فمن اوجبها قال يجب استئناف الوضوء إذا طال الفصل ومن لم يوجبها قال يكتفي بغسل رجليه وهو الأظهر من مذهب الشافعي وقال في الموطأ أحب إلى أن يبتدئ الوضوء من أوله وقال بعض العلماء من الشافعية وغيرهم يجب الاستئناف وأن لم تجب الموالاه وعن الليث عكس ذلك قوله وقال أبو هريرة وصله إسماعيل القاضي في الأحكام بإسناد صحيح من طريق مجاهد عنه موقوفا ورواه أحمد وأبو داود والترمذي من طريق شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه مرفوعا وزاد أو ريح قوله ويذكر عن جابر وصله بن إسحاق في المغازي قال حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن أبيه مطولا أخرجه أحمد وداود والدارقطني وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق بن إسحاق وشيخه صدقه ثقة وعقيل بفتح العين لا أعرف راويا عنه غير صدقه ولهذا لم يجزم به المصنف أو لكونه اختصره أو للخلاف في بن إسحاق قوله في غزوة ذات الرقاع سيأتي الكلام عليها في المغازي أن شاء الله تعالى قوله فرمى بضم الراء قوله رجل تبين من سياق المذكورين سبب هذه القصه ومحصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بشعب فقال من يحرسنا الليله فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فباتا بفم الشعب فاقتسما الليل للحراسه فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلي فجاء رجل من العدو فرأى الأنصاري فرماه بسهم فأصابه فنزعه واستمر في صلاته ثم رماه بثان فصنع كذلك ثم رماه بثالث فانتزعه وركع وسجد وقضى صلاته ثم أيقظ رفيقه فلما رأى ما به من الدماء قال له لم لا انبهتني أول ما رمى قال كنت في سورة فأحببت أن لا اقطعها أخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر وسمي الأنصاري المذكور عباد بن بشر والمهاجري عمار بن ياسر والسوره الكهف قوله فنزقه قال بن طريف في الأفعال يقال نزفه الدم وانزقه إذا سأل منه كثيرا حتى يضعفه فهو نزيف ومنزوف وأراد المصنف بهذا الحديث الرد على الحنفية في أن الدم السائل ينقض الوضوء فإن قيل كيف مضى في صلاته مع وجود الدم في بدنه أو ثوبه واجتناب النجاسة فيها واجب أجاب الخطابي بأنه يحتمل أن يكون الدم جرى من الجراح علي سبيل الدفق بحيث لم يصب شيئا من ظاهر بدنه وثيابه وفيه بعد ويحتمل أن يكون الدم أصاب الثوب فقط فنزعه عنه ولم يسل على جسمه الا قدر يسير معفو عنه ثم الحجة قائمه به على كون خروج الدم لا ينقض ولو لم يظهر الجواب عن كون الدم أصابه والظاهر أن البخاري كان يرى أن خروج الدم في الصلاة لا يبطلها بدليل أنه ذكر عقب هذا الحديث أثر الحسن وهو البصري قال ما زال المسلمون يصلون فيي جراحاتهم وقد صح أن عمر صلى وجرحه ينبع دما قوله وقال طاوس هو بن جلس التابعي المشهور وأثره هذا وصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح ولفظه أنه كان لا يرى في الدم وضوءا يغسل عنه الدم ثم حسبه قوله ومحمد بن علي أي
[ 246 ]
بن الحسين بن علي أبو جعفر الباقر وأثره هذا رويناه موصولا في فوائد الحافظ أبي بشر المعروف بسمويه من طريق الأعمش قال سألت أبا جعفر الباقر عن الرعاف فقال لو سأل نهر من دم ما أعدت منه الوضوء وعطاه هو بن أبي رباح وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن بن جريج عنه قوله وأهل الحجاز هو من عطف العام على الخاص لأن الثلاثه المذكورين قبل حجازيون وقد رواه عبد الرزاق من طريق أبي هريرة وسعيد بن جبير أخرجه بن أبي شيبة من طريق بن عمر وسعيد بن المسيب أخرجه إسماعيل القاضي من طريق أبي الزناد عن الفقهاء السبعه من أهل المدينة وهو قول مالك والشافعي قوله وعصر بن عمر وصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح وزاد قبل قوله ولم يتوضأ ثم صلى قوله بثرة بفتح الموحدة وسكون المثلثه ويجوز فتحها وهي خراج صغير يقال بثر وجهه مثلث الثاء المثلثه قوله وبزق بن أبي أوفى هو عبد الله الصحابي بن الصحابي وأثره هذا وصله سفيان الثوري في جامعه عن عطاء بن السائب أنه رآه فعل ذلك وسفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه فالإسناد صحيح قوله وقال بن عمر وصله الشافعي وابن أبي شيبة بلفظ كان إذا احتجم غسل محاجمه قوله والحسن أي البصري وأثره هذا وصله بن أبي شيبة أيضا ولفظه أنه سئل عن الرجل يحتجم ماذا عليه قال يغسل أثر محاجمه تنبيه وقع في رواية الأصيلي وغيره ليس عليه غسل محاجمه بإسقاط أداة الاستثناء وهو الذي ذكره الاسماعيلي وقال بن بطال تثبت الا في رواية المستملي دون رفيقيه انتهى وهي في نسختي ثابتة من رواية أبي ذر عن الثلاثه وتخريج التعليق المذكور يؤيد ثبوتها وقد حكى عن الليث أنه قال يجزئ المحتجم أن يمسح موضع الحجامة ويصلي ولا يغسله قوله بن أبي ذئب تقدم أن اسمه محمد بن عبد الرحمن والإسناد كله مدنيون الا آدم وقد دخلها قوله ما كان في المسجد أي ما دام وهي رواية الكشمهيني والمراد أنه في ثواب الصلاة ما دام ينتظرها وإلا لامتنع عليه الكلام ونحوه وقال الكرماني نكر قوله في الصلاة ليشعر بان المراد نوع صلاته التي ينتظرها وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الصلاة في أبواب صلاة الجماعة أن شاء الله تعالى قوله اعجمي أي غير فصيح بالعربية سواء كان عربي الأصل أم لا ويحتمل أن يكون هذا الأعجمي هو الحضرمي الذي تقدم ذكره في أوائل كتاب الوضوء قوله قال الصوت كذا فسره هنا ويؤيده الزيادة المذكورة قبل في رواية أبي داود وغيره حيث قال لا وضوء الا من صوت أو ريح فكأنه قال لا وضوء الا من ضراط أو فساء وإنما خصهما بالذكر دون ما هو أشد منهما لكونهما لا يخرج من المرء غالبا في المسجد غيرهما فالظاهر أن السؤال وقع عن الحديث الخاص وهو المعهود وقوعه غالبا في الصلاة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الوضوء قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي وأن كان هشام بن عمار يكنى أيضا أبا الوليد ويروى أيضا عن بن عيينة ويروي عنه البخاري قوله عن عمه هو عبد الله بن زيد المازني وتقدم الكلام على حديثه هذا في باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن وأورده هنا لظهور دلالته على حصر النقض بما يخرج من السبيلين وقد قدمنا توجيه الحاق بقية النواقض بهما في أوائل الباب قوله حدثنا جرير هو بن عبد الحميد وسيأتي الكلام على المتن في باب غسل المذي من كتاب الغسل أن شاء الله تعالى وتقدمت له طريق أخرى في أو اخر كتاب العلم وأورده هنا لدلالته على ايجاب الوضوء من المذي وهو خارج من أحد المخرجين قوله ورواه شعبة عن
[ 247 ]
الأعمش أي بالإسناد المذكور وقد وصله أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة كذلك قوله حدثنا سعد بن حفص كذا للجميع الا القابسي فقال سعيد وكذا صنع في حديثه الآخر الاتي في باب فضل النفقة في سبيل الله من كتاب الجهاد نبه عليهما الجياني قوله حدثنا شيبان هو بن عبد الرحمن عن يحيى هو بن أبي كثير عن أبي سلمة أي بن عبد الرحمن بن عوف وفي الإسناد تابعيان كبيران مدنيان يروي أحدهما عن الآخر وصحابيان كذلك ويحيى بن كثير أيضا تابعي صغير ففيه ثلاثة من التابعين في نسق قوله ارايت أي أخبرني قوله إذا جامع أي الرجل فلم يمن بضم التحتانيه وسكون الميم قوله كما يتوضأ الولاء بيان لأن المراد الوضوء الشرعبي لا اللغوي وسيأتي حكم هذه المسألة في آخر كتاب الغسل ونبين هناك أنه منسوخ ولا يقال إذا كان منسوخا كيف يصح الاستدلال به لأنا نقول المنسوخ منه عدم وجوب الغسل وناسخه الأمر بالغسل وأما الأمر بالوضوء فهو باق لأنه مندرج تحت الغسل والحكمة في الأمر بالوضوء قبل أن يجب الغسل أما لكون الجماع مظنة خروج المذي أو لملامسة المراه وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة قوله حدثنا إسحاق كذا في رواية كريمه وغيرها زاد الأصيلي هو بن منصور وفي رواية أبي ذر حدثنا إسحاق بن منصور بن يهرام بفتح الموحدة وهو المعروف بالكوسج كما صرح به أبو نعيم قوله حدثنا النضر هو بن شميل بالمعجمة مصغرا والحكم هو بن عتيبة بمثناة وموحده مصغرا قوله أرسل إلى رجل من الأنصار ولمسلم وغيره مر على رجل فيحمل على أنه أمر به فأرسل إليه وهذا الأنصاري سماه مسلم في روايته من طريق أخرى عن أبي سعيد عتبان وهو بكسر المهملة وسكون المثناه ثم موحده خفيفه ولفظه من رواية شريك بن أبي نمر عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فخرج يجر إزاره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعجلنا الرجل فذكر الحديث بمعناه وعتبان المذكور هو بن مالك الأنصاري كما نسبه بقي بن مخلد في روايته لهذا الحديث من هذا الوجه ووقع في رواية في صحيح أبي عوانة أنه بن عتبان والأول أصح ورواه بن إسحاق في المغازي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده لكنه قال فهتف برجل من أصحابه يقال له صالح فإن حمل على تعدد الواقعة وإلا فطريق مسلم أصح وقد وقعت القصه أيضا لرافع بن خديج وغيره أخرجه أحمد وغيره ولكن الأقرب في تفسير المبهم الذي في البخاري أنه عتبان والله أعلم قوله يقطر أي ينزل منه الماء قطرة قطرة من أثر الغسل قوله لعلنا اعجلناك أي عن فراغ حاجتك من الجماع وفيه جواز الأخذ بالقرائن لأن الصحابي لما أبطأ عن الاجابة مدة الاغتسال خالف المعهود منه وهو سرعة الاجابة للنبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى عليه أثر الغسل دل على أن شغله كان به واحتمل أن يكون قبل الإنزال ليسرع الاجابة أو كان انزل فوقع السؤال عن ذلك وفيه استحباب الدوام على الطهاره لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه تأخير اجابته وكأن ذلك كان قبل ايجابها إذ الواجب لا يؤخر للمستحب وقد كان عتبان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فيصلي في بيته في مكان يتخذه مصلى فأجابه كما سيأتي في موضعه فيحتمل أن تكون هي هذه الواقعة ربع الاغتسال ليكون متأهبا للصلاه معه والله أعلم قوله إذا اعجلت بضم
[ 248 ]
الهمزه وكسر الجيم وفي أصل أبي ذر إذا عجلت بلا همز وقحطت وفي رواية غيره اقحطت بوزن اعجلت وكذا المسلم قال صاحب الأفعال يقال اقحط الرجل إذا جامع ولم يتنزل وحكى بن الجوزي عن بن الخشاب أن المحدثين يقولون قحط بفتح القاف قال والصواب الضم قلت وروايته في امالي أبي على القالي بالوجهين في القاف وبزيادة الهمزه المضمومه يقال قحط الناس وأقحطوا إذا حبس عنهم المطر ومنه استعير ذلك لتأخر الإنزال قال الكرماني ليس قوله أو للشك بل هو لبيان عدم الإنزال سواء كان يحسب أمر من ذات الشخص أم لا وهذا بناء على أن أحدهما بالتعدية وإلا فهي للشك قوله تابعه وهب أي بن جرير بن حازم والضمير يعود على النضر متابعة وهب وصلها أبو العباس السراج في مسنده عن زياد بن أيوب عنه قوله لم يقل غندر ويحيى عن شعبة الوضوء يعني أن غندرا وهو محمد بن جعفر ويحيى هو بن سعيد القطان رويا هذا الحديث عن شعبة بهذا الإسناد والمتن لكن لم يقولا فيه عليك الوضوء فأما يحيى فهو كما قال فقد أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده عنه ولفظه فليس عليك غسل وأما غندر فقد أخرجه أحمد أيضا في مسنده عنه لكنه ذكر الوضوء ولفظه فلا غسل عليك عليك الوضوء وهكذا أخرجه مسلم وابن ماجة والاسماعيلي وأبو نعيم من طرق عنه وكذا ذكره أكثر أصحاب شعبة كأبي داود الطيالسي وغيره عنه فكأن بعض مشايخ البخاري حدثه به عن يحيى وغندر معا فساقه له على لفظ يحيى والله أعلم وقد كان بين الصحابة اختلاف في هذه المساله كما سنذكره في آخر كتاب الغسل أن شاء الله تعالى قوله باب الرجل يوضئ صاحبه أي ما حكمة قوله بن سلام هم محمد كما في رواية كريمه ويحيى هو بن سعيد الأنصاري وفي هذا الإسناد رواية الأقران لأن يحيى وموسى بن عقبة تابعيان صغيران من أهل المدينة وكريب مولى بن عباس من اواسط التابعين ففيه ثلاثة من التابعين في نسق وقد تقدمت الإشارة إلى شئ من مباحث هذا الحديث في باب إسباغ الوضوء ويأتي باقيها في كتاب الحج ووقع في تراجم البخاري لابن المنير في هذا الموضع وهم فإنه قال فيه بن عباس عن أسامة وليس هو من رواية بن عباس وإنما هو من رواية كريب مولى بن عباس قوله اصب بتشديد الموحدة ومفعوله محذوف أي الماء قوله يتوضأ أي وهو يتوضأ واستدل به المصنف على الاستعانة في الوضوء لكن من يدعي أن الكراهية مختصه بغير المشقه أو الاحتياج في الجملة لا يستدل علييه بحديث أسامة لأنه كان في السفر وكذا حديث المغيرة المذكور قال بن المنير قاس البخاري توضئة الرجل غيره عللى صبه عليه لاجتماعهما في معنى الاعانة قلت والفرق بينهما ظاهر ولم يفصح الخاري في المسألة بجواز ولا غيره وهذه عادته في الأمور المحتمله قال النووي الاستعانة ثلاثة أقسام إحضار الماء ولا كراهة فيه أصلا قلت لكن الأفضل خلافه قال الثاني مباشرة الا جنسي الغسل وهذا مكروه الا لحاجه الثالث الصب وففيه وجهان أحدهما يكره والثاني خلاف الأولى وتعقب بأنه إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لا يكون خلاف الأولى وأجيب بأنه قد بالصلاة لبيان الجواز فلا يكون في حقه خلاف الأولى بخلاف غيره وقال الكرماني إذا كان الأولى تركه فكيف ينازع في كراهته وأجيب ببان كل مكروه فعله خلاف الأولى من غير عكس إذ المكروه يطلق على الحرام بخلاف الآخر قوله حدثنا عمرو بن على هو الفلاس أحد الحفاظ البصريين وعبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي ويحيى
[ 249 ]
بن سعيد هو الأنصاري وسعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف وفي الإسناد رواية الأقران في موضعين لأن يحيى وسعدا تابعيان صغيرا ونافع بن جبير وعروة بن المغيرة تابعيان وسطان ففيه أربعة من التابعين في نسق وهو من النوادر قوله انه كان أدى عروة معنى كلام أبيه بعبارة نفسه وإلا فكان السياق يقتضي أن يقول قال إني كنت وكذا قوله وأن المغيرة جعل ويحتمل أن يقال هو التفات على أجرة فيكون عروة أدى لفظ أبيه والضمير في قوله وأنه ذهب وفي قوله له للنبي صلى الله عليه وسلم ومباحث هذا الحديث تأتي في المسح على الخفين أن شاء الله تعالى والمراد منه هنا الاستدلال عللا الاستعانة وقال بن بطال هذا من القربات التي يجوز للرجل أن يعملها من غيره بخلاف الصلاة قال واستدل البخاري من صب الماء عليه عند الوضوء أنه يجوز للرجل أن يوضئه غيره لأنه لما لزم المتوضئ الاغتراف من الماء لاعضائه وجاز له أن يكفيه ذلك غيره بالصب والاغتراف بعض عمل الوضوء كذلك يجوز في بقية اعماله وتعقبه بن المنير بان الاغتراف من الوسائل لا من المقاصد لأنه لو اغترف ثم نوى أن يتوضأ جاز ولو كان الاغتراف وأشار مستقلا لكان قد قدم النية عليه وذلك لا يجوز وحاصله التفرقه بين الاعانة بالصب وبين الاعانة بمباشرة الغير لغسل الأعضاء وهذا هو الفرق الذي اشرنا إليه قبل والحديثان دالان على عدم كراهة الاستعانة بالصب وكذا إحضار الماء من باب أولى وأما المباشرة فلا دلاله فيهما عليها نعم يستحب أن لا يستعين أصلا وأما ما رواه أبو جعفر الطبري عن بن عمر أنه كان يقول ما أبالي من اعانني على طهوري أو على ركوعي وسجودي فمحول على الاعانة بالمباشرة للصب بدليل ما رواه الطبري أيضا وغيره عن مجاهد أنه كان يكسب على بن عمر وهو يغسل رجليه وقد روى الحاكم في المستدرك من حديث الربيع بنت معوذ أنها قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فقال اسكبي فسكبت عليه وهذا أصرح في عدم الكراهة من الحديثين المذكورين لكونه في الحضر ولكونه بصيغة الطلب لكنه ليس على شرط المصنف والله أعلم قوله باب قراءة القرآن بعد الحدث أي الأصغر وغيره أي من مظان الحدث وقال الكرماني الضمير يعود على القرآن والتقدير باب قراءة القرآن وغيره أي الذكر والسلام ونحوهما بعد الحدث ويلزم منه الفصل بين المتعاطفين ولأنه أن جازت القراءة بعد الحدث فجواز غيرها من الأذكار بطريق الأولى فهو مستغنى عن ذكره بخلاف غير الحدث من نواقض الوضوء وقد تقدم بيان المراد بالحدث وهو يؤيد ما قررته قوله وقال منصور أي بن المعتمر عن إبراهيم أي النخعي وأثره هذا وصله سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن منصور مثله وروى عبد الرزاق عن الثوري عن منصور قال سألت إبراهيم عن القراءة في الحمام فقال لم يبن للقراءة فيه قلت وهذا لا يخالف رواية أبي عوانة فإنها تتعلق بمطلق الجواز وقد روى سعيد بن منصور أيضا عن محمد بن أبان عن حماد بن أبي سليمان قال سألت إبراهيم عن القراءة في الحمام فقال يكره ذلك انتهى والإسناد الأول أصح وروى بن المنذر عن على قال بئس البيت الحمام ينزع فيه الحياء ولا يقرأ فيه آية من كتاب الله وهذا لا يدل على كراهة القراءة وإنما هو أخبار بما هو الواقع بان شأن من يكون في الحمام أن يلتهي عن القراءة وحكيت الكراهة عن أبي حنيفة وخالفه صاحبه محمد بن الحسن ومالك فقالا لا تكره لأنه ليس فيد دليل خاص وبه صرح صاحبا العدة والبيان من الشافعية وقال النووي في التبيان عن
[ 250 ]
الأصحاب لا تكره فاطلق لكن في شرح الكفايه للصيمري لا ينبغي أن يقرأ وسوى الحليمي بينه وبين القراءة حال قضاء الحاجة ورجح السبكي الكبير عدم الكراهة واحتج بان القراءة مطلوبه والاستكثار منها مطلوب والحدث يكثر فلو كرهت لفات خير كثير ثم قال حكم القراءة في الحمام أن كان القارئ في مكان نظيف وليس فيه كشف عورة لم يكره وإلا كره قوله ويكتب الرساله كذا في رواية الأكثر بلفظ مضارع كتب وفي رواية كريمه بكتب بموحده مكسوره وكاف مفتوحه عطفا على قوله بالقراءة وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن الثوري أيضا عن منصور قال سألت ابارهيم أأكتب الرسالة على غير وضوء قال نعم وتبين بهذا أن قوله على غير وضوء يتعلق بالكتابة لا بالقراءة في الحمام ولما كان من شأن الرسائل أن تصدر بالبسمله توهم السائل أن ذلك يكره لمن كان على غير وضوء لكن يمكن أن يقال أن غالبا الرسالة لا يقصد القراءة فلا يستوي مع القراءة قوله وقال حماد هو بن أبي سليمان فقيه الكوفة عن إبراهيم أي النخعي ان كان عليهم أي على من في الحمام ازار المراد به الجنس أي على كل منهم إزار وأثره هذا وصله الثوري في جامعه عنه والنهي عن السلام عليهم أما أهانه لهم لكونهم على بدعة وأما لكونه يستدعى منهم الرد والتلفظ بالسلام فيه ذكر الله لأن السلام من أسمائه وأن لفظ سلام عليكم من القرآن والمتعري عن الإزار مشابه لمن هو في الخلاء وبهذا التقرير يتوجه ذكر هذا الأثر في هذه الترجمة قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله مخرمة بفتح الميم واسكان المعجمه والإسناد كلله مدنيون قوله فاضطجعت قائل ذلك هو بن عباس وفيه التفات لأن أسلوب الكلام كان يقتضي أن يقول فاضطجع لأنه قال قبل ذلك أنه بات قوله في عرض بفتح أوله على المشهور وبالضم أيضا وأنكره الباجي من جهة النقل ومن جهة المعنى أيضا قال لأن العرض بالضم هو الجانب وهو لفظ مشترك قلت لكن لما قال في طولها تعين المراد وقد صحت به الرواية فلا وجه للانكار قوله يمسح النوم أي يمسح بيد عينيه من باب إطلاق اسم الحال على المحل أو أثر النوم من باب إطلاق السبب على المسبب قوله ثم قرا العشر الآيات أولها ان في خلق السماوات والأرض إلى آخر السوره قال بن بطال ومن تبعه فيه دليل على رد من كره قراءة القرآن على غير طهاره لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآيات بعد قيامه من النوم قبل أن يتوضأ وتعقبه بن المنير وغيره بان ذلك مفرع على أن النوم في حقه ينقض وليس كذلك لأنه فقال تنام عيناي ولا ينام قلبي وأما كونه توضأ عقب ذلك فلعله جدد الوضوء أو احدث بعد ذلك فتوضأ قلت وهو تعقب جيد بالنسبه إلى قول بن بطال بعد قيامه من النوم لأنه لم يتعين كونه حالا في النوم لكن لما عقب ذلك بالوضوء كان ظاهرا في كونه حالا ولا يلزم من كون نومه لا ينقض وضوئه أن لا يقع مند حدث وهو نائم نعم خصوصيته أنه أن وقع شعر به بخلاف غيره وما ادعوه من التجديد وغيره الأصل عدمه وقد سبق الاسماعيلي إلى معنى ما ذكره بن المنير والاظهر أن مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن مضاجعة الأهل في الفراش لا تخلو من الملامسة ويمكن أن يؤخذ ذلك من قول بن عباس فصنعت مثل ما صنع ولم يرد المصنف أن مجرد نومه صلى الله عليه وسلم ينقض لأن في آخر هذا الحديث عنده في باب التخفيف في الوضوء ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم صلى ثم رأيت في الحلبيات للسبكي الكبير بعد أن ذكر اعتراض الاسماعييلي لعل البخاري احتج بفعل بن
[ 251 ]
عباس بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو اعتبر اضطجاع النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله واللمس ينقض الوضوء قلت ويؤخذ من هذا الحديث توجيه ما قيلت الحديث به في ترجمة الباب وأن المراد به الأصغر إذ لو كان الأكبر لما اقتصر على الوضوء ثم صلى بل كان يغتسل قوله الى شن معلقه قال الخطابي الشن القربة التي تبدت للبلاء ولذلك قال في هذه الرواية معلقه فأنث لإرادة القربة قوله فقمت فصنعت مثل ما صنع تقدمت الإشارة في باب تخفيف الوضوء إلى هذا الموضع فليراجع من ثم وستأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر أن شاء الله تعالى تنبيه روى مسلم من حديث بن عمر كراهة ذكر الله بعد الحدث لكنه على غير شرط المصنف قوله باب من لم يتوضأ أي من الغشي الا من الغشي المثقل فالاستثناء مفرغ والمثقل بضم الميم واسكان المثلثه وكسر القاف ويجوز فتحها وأشار المصنف بذلك إلى الرد على من أوجب الوضوء من الغشي مطلقا والتقدير باب من لم يتوضأ من الغشي الا إذا كان مثقلا قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس أيضا والإسناد كله مدنيون أيضا وفيه رواية الأقران هشام وامرأته فاطمة بنت عمه المنذر قوله فأشارت أن نعم كذا الاكثرهم بالنون ولكريمة أي نعم وهي رواية وهيب المتقدمه في العلم وبين فيها أن هذه الإشارة كانت برأسها قوله تجلائي أي غطاني قال بن طال الغشي مرض يعرض من المريض التعب والوقوف وهو ضرب من الاغماء الا أنه دونه وإنما صبت أسماء الماء على رأسها مدافعه له ولو كان وعطاء لكان الاغماء وهو ينقض الوضوء بالإجماع انتهى وكونها كانت تتولى صب الماء عليها يدل على أن حواسها كانت مدركه وذلك لا ينقض الوضوء ومحل الاستدلال بفعلها من جهة أنها كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرى الذي خلفه وهو في الصلاة ولم ينقل أنه أنكر عليها وقد تقدم شئ من مباحث هذا الحديث في كتاب العلم وتأتي بقية مباحثه في كتاب صلاة الكسوف أن شاء الله تعالى قوله باب مسح الرأس كله كذا الاكثرهم وسقط لفظ كله للمستملي قوله وقال بن المسيب أي سعيد وأثره هذا وصله بن أبي شيبة بلفظ الرجل والمرأه في المسح سواء ونقل عن أحمد أنه قال يكفي المرأة مسح مقدم رأسها قوله وسئل مالك السائل له عن ذلك هو إسحاق بن عيسى بن الطباع بينه بن خزيمة في صحيحه من طريقه ولفظه سألت مالكا عن الرجل يمسح مقدم رأسه في وضوئه أيجزئه ذلك فقال حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد فقال مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وضوئه من ناصيته إلى قفاه ثم رد يديه إلى ناصيته فمسح رأسه كله وهذا السياق أصرح للترجمة من الذي ساقه المصنف قبل وموضع الدلاله من الحديث والايه أن لفظ الآية مجمل لأنه يحتمل أن يراد منها مسح الكل عن الباء زائدة أو مسح البعض على أنها تبعيضيه فتبين بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد الأول ولم ينقل عنه أنه مسح بعض رأسه الا في حديث المغيرة أنه مسح على ناصيته وعمامته فإن ذلك دل على أن التعميم ليس بفرض فعلى هذا فالاجمال في المسند إليه لا في الأصل قوله عن أبيه أي أبي عثمان يحيى بن عمارة أي بن أبي حسن واسمه
[ 252 ]
تميم بن عبد عمرو ولجده أبي حسن صحبه وكذا لعمارة فيما جزم به بن عبد البر وقال أبو نعيم فيه نظر والإسناد كله مدنيون الا عبد الله بن يوسف وقد دخلها قوله ان رجلا هو عمرو بن أبي حسن كما سماه المصنف في الحديث الذي بعد هذا من طريق وهيب عن عمرو بن يحيى وعلى هذا فقوله هنا وهو جد عمرو بن يحيى فيه تجوز لأنه عم أبيه وسماه جدا لكونه في منزلته ووهم من زعم أن المراد بقوله وهو عبد الله بن زيد لأنه ليس جدا لعمرو بنب يحيى لا حقيقة ولا مجازا وأما قول صاحب دابة ومن تبعه في ترجمة عمرو بن يحييى أنه بن بنت عبد الله بن زيد فغلظ توهمه من هذه الرواية وقد ذكر بن سعد أن أم عمرو بن يحيى هي حميده بنت محمد بن إياس بن الكبير وقال غيره هي أم النعمان بنت أبي حية فالله اعلم وقد اختلف رواة الموطأ في تعيين هذا السائل وأكثرهم فأبهمه قال معن بن عيسى في روايته عن عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع أبا حسن وهو جد عمرو بن للتباعد قال لعبد الله بن زيد وكان من الصحابة فذكر الحديث وقال محمد بن الحسن الشيباني عن مالك حدثنا عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع جده أبا حسن يسأل عبد الله بن زيد وكذا ساقه سحنون في المدونه وقال الشافعي في الأم عن مالك عن عمرو عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد ومثله رواية الاسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي عن مالك عن عمرو عن أبيه قال قلت والذي يجمع هذا الاختلاف أن يقال اجتمع عند عبد الله بن زيد أبو حسن الأنصاري وابنه عمرو وابن ابنه يحيى بن عمارة بن أبي حسن فسألوه عن صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وتولى السؤال منهم له عمرو بن أبي حسن فحيث نسب إليه السؤال كان على الحقيقة ويؤيده رواية سليمان بن بلال عند المصنف في باب الوضوء من النور قال حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه قال كان عمي يعني عمرو بن أبي حسن يكثر الوضوء فقال لعبد الله بن زيد أخبرني فذكره وحيث نسب السؤال إلى أبي حسن فعلى المجاز لكونه كان الأكبر وكان حاضرا وحيث نسب السؤال ليحيى بن عمارة فعلى المجاز أيضا لكونه ناقل الحديث وقد حضر السؤال ووقع في رواية مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد الواسطي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد قال قيل له توضأ لنا فذكره مبهما وفي رواية الاسماعييلي من طريق وهب بن بقية عن خالد المذكور بلفظ قلنا له وهذا يؤيد الجمع المتقدم من كونهم اتفقوا على سؤاله لكن متولى السؤال منهم عمرو بن أبي حسن ويزيد ذلك وضوحا رواية الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عمه عمرو بن أبي حسن قال كنت كثير الوضوء فقلت لعبد الله بن زيد فذكر الحديث أخرجه أبو نعيم في المستخرج والله أعلم قوله اتستطيع فيه ملاطفة الطالب للشيخ وكأنه أراد أن يريه بالفعل ليكون أبلغ في التعليم وسبب الاستفهام ما قام عنده من احتمال أن يكون الشيخ نسي ذلك لبعد العهد قوله فدعا بماء وفي رواية وهب في الباب الذي بعده فدعا بتور من ماء والتور بمثناة مفتوحه قال الداودي قدح وقال الجوهري إناء يشرب منه وقيل هو الطست وقيل يشبه الطست وقيل هو من مثل القدر يكون من صفر أو حجاره وفي رواية عبد العزيز بن أبي سلمة عند المصنف في باب الغسل في المخضب في أول هذا الحديث أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر والصفر بضم المهملة واسكان الفاء وقد تكسر صنف من حديد النحاس قيل أنه سمي بذلك لكونه يشبه الذهب ويسمى أيضا الشبه بفتح المعجمه الموحدة والتور
[ 253 ]
المذكور يحتمل أن يكون هو الذي توضأ منه عبد الله بن زيد إذ سئل عن صفة الوضوء فيكون أبلغ في حكاية صورة الحال على وجهها قوله فافرغ وفي رواية موسى عن وهيب فأكفأ بهمزتين وفي رواية سليمان بن حرب في باب مسح الرأس مرة عن وهيب فكفأ بفتح الكاف وهما لغتان بمعنى يقال كفأ الإناء واكفأه إذا آماله وقال الكسائي كفأت الإناء كببته واكفأته املته والمراد في الموضعين افراغ الماء من الإناء على اليد كما صرح به في رواية مالك قوله فغسل يده مرتين كذا في رواية مالك بإفراد يده وفي رواية وهيب وسليمان بن بلال عند المصنف وكذا الداودي عند أبي نعيم فغسل يديه بالتثنيه فيحمل الأفراد في رواية مالك على الجنس وعند مالك مرتين وعند هؤلاء ثلاثا وكذا الخالد بن عبد الله عند مسلم وهؤلاء حفاظ وقد اجتمعوا فزيادتهم مقدمه على الحافظ الوااحد وقد ذكر مسلم من طريق ببهز عن وهيب أنه سمع هذا الحديث مرتين من عمرو بن يحييى إملاء فتأكد ترجيح روايته ولا يقال يحمل على واقعتين لأنا نقول المخرج متحد والأصل عدم التعدد وفيه من الأحكام غسل اليد قبل ادخالها الإناء ولو كان من غير نوم كما تقدم مثله في حديث عثمان والمراد باليدين هنا الكفان لا غير قوله ثم تمضمض واستنثر وللكشميهني مضمض واستنشق والاستنثار يستلزم الاستنشاق بلا عكس وقد ذكر في رواية وهيب الثلاثه وزاد بعد قوله ثلاثا بثلاث غرفات واستدل به على استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غرفه وفي رواية خالد بن عبد الله الآتية بعد قليل مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا وهو صريح في الجمع كل مرة بخلاف رواية وهيب فإنه ويلائمه احتمال التوزيع بلا تسويه كما نبه عليه بن دقيق العيد ووقع في رواية سليمان بن بلال عند المصنف في باب الوضوء من التور فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة واستدل بها على الجمع بغرفة واحدة وفيه نظر لما اشرنا إليه من اتحاد المخرج فتقدم الزيادة ولمسلم من رواية خالد المذكورة ثم ادخل يده فاستخرجها فمضمض فاستدل بها على تقديم المضمضة على الاستنشاق لكونه عطف بالفاء التعقيبيه وفيه بحث قوله ثم غسل وجهه ثلاثا لم تختلف الروايات في ذلك ويلزم من استدل بهذا الحديث على وجوب تعميم الرأس بالمسح أن يستدل به على وجوب الترتيب للاتيان بقوله ثم في الجميع لأن كلا من الحكمين مجمل في الآية بينته السنة بالفعل قوله ثم غسل يديه مرتين مرتين كذا بتكرار مرتين ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل ليدين مرتين لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع عن عبد الله بن زييد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وفيه ويديه اليمني ثلاثا ثم الأخرى ثلاثا فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديثين غير متحد قوله الى المرفقين كذا للمستملي والحموي إلى المرفقين بالافراد على إرادة الجنس وقد اختلف العلماء هل يدخل المرفقان في غسل اليدين أم لا فقال المعظم نعم وخالف زفر وحكاه بعضهم عن مالك واحتج بعضهم للجمهور بان إلى في الآية بمعنى مع كقوله تعالى ولا تأكلوا أمولهم إلى أموالكم وتعقب بأنه خلاف الظاهر وأجيب بان القرينه دلت عليه وهي كون ما بعد إلى من جنس ما قبلها وقال اببن القصار اليد يتناولها الاسم إلى الإبط لحديث عمار أنه تيمم إلى الإبط وهو من أهل اللغه فلما جاء قوله تعالى الى المرافق بقي المرفق مغسولا مع الذراعين بحق الاسم انتهى فعلى هذا فإلى هنا حد للمتروك من غسل اليدين لا للمغسول وفي
[ 254 ]
كون ذلك ظاهرا من السياق نظر والله أعلم وقال الزمخشري لفظ إلى يفيد معنى الغاية مطلقا فأما دخولها في الحكم وخروجها فامر يدور مع الدليل فقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل دليل عدم الدخول النهى عن الوصال وقول القائل حفظت القرآن من أوله إلى آخره دليل الدخول كون الكلام مسوقا لحفظ جميع القرآن وقوله تعالى الى المرافق لا دليل فيه على أحد الامرين قال فاخذ العلماء بالاحتياط ووقف زفر مع المتيقن انتهى ويمكن أن يستدل لدخولهما بفعله صلى الله عليه وسلم ففي الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين وفيه عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ ادار الماء على مرفقيه لكن إسناده ضعيف وفي البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق وفي الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرافقيه فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا قال إسحاق بن راهويه إلى في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وأن تكون بمعنى مع فبينت السنة أنها بمعنى مع انتهى وقد قال الشافعي في الأم لا أعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء فعلى هذا فزفر محجوج بالإجماع قبله وكذا من قال بذلك من أهل الظاهر بعده ولم يثبت ذلك عن مالك صريحا وإنما حكى عنه أشهب كلاما محتملا والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء هو العظم الناتئ في آخر الذراع سمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه قوله ثم مسح رأسه زاد بن الطباع كله كما تقدم عن رواية بن خزيمة وفي رواية خالد بن عبد الله برأسه بزيادة الباء قال القرطبي الباء للتعديه يجوز حذفها واثباتها كقولك مسحت الرأس اليتيم ومسحت برأسه وقيل دخلت الباء لتفيد معنى آخر وهو أن الغسل لغه يقتضي مغسولا به والمسح لغة لا يقتضي ممسوحا به فلو قال وامسحوا رؤوسكم لا جزأ المسح باليد بغير ماء فكأنه قال وامسحوا برؤوسكم الماء فهو على القلب والتقدير امسحوا رؤوسكم الماء وقال الشافعي احتمل قوله تعالى وامسحوا بؤسكم جميع الرأس أو بعضه فدلت السنة على أن بعضه يجزئ والفرق بينه وبين قوله تعالى فامسحوا بوجوهكم في التيمم أن المسح فيه بدل عن الغسل ومسح الرأس أصل فافترقا ولا يرد كون مسح الخف بدلا عن غسل الرجل لأن الرخصة فيه تثبت الإجماع فإن قيل فلعله اقتصر على مسح الناصية لعذر لأنه كان فيي سفر وهو مظنة العذر ولهذا مسح على العمامة بعد مسح الناصية كما هو ظاهر من سياق مسلم في حديث المغيرة بن شعبة قلنا قد روى عنه مسح مقدم الرأس من غير مسح على العمامة ولا تعرض لسفر وهو ما رواه الشافعي من حديث عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه وهو مرسل لكنه اعتضد بمجيئه من وجه آخر موصولا أخرجه أبو داود من حدبث أنس وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله فقد اعتضد كل من المرسل والموصول بالاخر وحصلت القوة من الصورة المجموعة وهذا مثال لما ذكره الشافعي من أن المرسل يعتضد بمرسل آخر أو مسند وظهر بهذا جواب من أورد أن الحجة حينئذ بالمسند فيقع المرسل لغوا وقد قررت جواب ذلك فيما كتبته على علوم الحديث لابن الصلاح وفي الباب أيضا عن عثمان في صفة الوضوء قال ومسح مقدم رأسه أخرجه سعيد بن منصور وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك مختلف فيه وصح عن بن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس
[ 255 ]
قاله بن المنذر وغيره ولم يصح عن أحد من الصحابة إنكار ذلك قاله بن حزم وهذا كله مما يقوي به المرسل المتقدم ذكره والله أعلم قوله بدا بمقدم رأسه الظاهر أنه من الحديث وليس مدرجا من كلام مالك ففيه حجة على من قال السنة أن يبدأ بمؤخر الرأس إلى أن ينتهي إلى مقدمه لظاهر قوله أقبل وأدبر ويرد عليه أن الواو لا تقتضي الترتيب وسيأتي عند المصنف قريبا من رواية سليمان بن بلال فأدبر بيديه وأقبل فلم يكن في ظاهره حجة لأن الإقبال والادبار من الأمور الاضافيه ولم يعين ما قابل إليه ولا ما أدبر عنه ومخرج الطريقين متحد فهما بمعنى واحد وعينت رواية مالك البداءه بالمقدم فيحمل قوله أقبل على أنه من تسمية الفعل بابتدائه أي بدأ بقبل الرأس وقيل في توجيهه غير ذلك والحكمه في هذا الإقبال والادبار استيعاب جهتى الرأس بالمسح فعلى هذا يختص ذلك بمن له شعر والمشهور عمن أوجب التعميم أن الأولى واجبه والثانيه سنة ومن هنا يتبين ضعف الاستدلال بهذا الحديث على وجوب التعميم والله أعلم قوله ثم غسل رجليه زاد في رواية وهيب الآتية إلى الكعبين والبحث فيه كالبحث في قوله إلى المرفقين والمشهور أن الكعب هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم وحكى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه العظم الذي في ظهر القدم عند مقعد الشراك وروى عن بن القاسم عن مالك مثله والأول هو الصحيح الذي يعرفه أهل اللغه وقد أكثر المتقدمون من الرد على من زعم ذلك ومن أوضح الادله فيه حديث النعمان بن بشير الصحيح في صفة الصف في الصلاة فرأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه وقيل إن محمدا إنما رأى ذلك في حديث قطع المحرم الخفين إلى الكعبين إذا لم يجد النعلين وفي هذا الحديث من الفوائد الافراغ على اليدين معا في ابتداء الوضوء وأن الوضوء الواحد يكون بعضه بمرة وبعضه بمرتين وبعضه بثلاث وفيه مجئ الإمام إلى بيت بعض رعيته وابتداؤهم إياه بما يظنون أن له به حاجة وجواز الاستعانة في إحضار الماء من غير كراهه والتعليم بالفعل وأن الاغتراف من الماء القليل للتطهر لا يصير الماء مستعملا لقوله في رواية وهيب وغيره ثم ادخل يده فغسل وجهه الخ وأما اشتراط نية الاغتراف فليس في هذا الحديث ما يثبتها ولا ما ينفيها واستدل به أبو عوانة في صحيحه على جواز التطهر بالماء المستعمل وتوجيهه أن النية لم تذكر فيه وقد ادخل يده للاغتراف بعد غسل الوجه وهو وقت غسلها وقال الغزالي مجرد الاغتراف لا يصير الماء مستعملا لأن الاستعمال إنما يقع من المغترف منه وبهذا قطع البغوي واستدل به المصنف على استيعاب مسح الرأس وقد قدمنا أنه يدل لذلك ندبا لا فرضا وعلى أنه لا يندب تكريره كما سيأتي في باب مفرد وعلى الجمع بين المضمضة والاستنشاق من غرفة كما سيأتي أيضا وعلى جواز التطهر من آنية النحاس وغيره قوله باب غسل الرجلين إلى الكعبين تقدمت مباحثه في الباب الذي قبله وعمرو المذكور هو بن يحيى بن عمارة شيخ مالك المتقدم وعمرو بن أبي حسن عم أبيه كما قدمناه وسماه هناك جده مجازا وأغرب الكرماني تبعا لصاحب دابة فقال عمرو بن أبي حسن جد عمرو بن يحيى من قبل أمه وقد قدمنا أن أم عمرو بن يحيى ليست بنتا لعمرو بن أبي حسن فلم يستقم ما قاله بالاحتمال قوله فتوضأ لهم أي لاجلهم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أي مثل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وأطلق عليه وضوءه مبالغة قوله ثم ادخل يده فغسل وجهه بين في هذه الرواية تجديد الاغتراف لكل عضو وأنه اغترف بإحدى يديه وكذا هو في باقي الروايات
[ 256 ]
وفي مسلم وغيره لكن وقع في رواية بن عساكر وأبي الوقت من طريق سليمان بن بلال الآتية ثم ادخل يديه بالتثنيه وليس ذلك في رواية أبي ذر ولا الأصيلي ولا في شئ من الروايات خارج الصحيح قاله النووي وأظن أن الإناء كان صغيرا فاغترف بإحدى يديه ثم اضافها إلى الأخرى كما تقدم نظيره في حديث بن عباس وإلا فالاغتراف باليدين جميعا أسهل وأقرب تناولا كما قال الشافعي قوله ثم غسل يديه مرتين المراد غسل كل يد مرتين كما تقدم في طريق مالك ثم غسل يديه مرتين مرتين وليس المراد توزيع المرتين على اليدين فكأن يكون لكل يد مرة واحدة قوله باب استعمال فضل وضوء الناس أي في التطهر والمراد بالفضل الماء الذي يبقى في الظرف بعد الفراغ قوله وامر جرير بن عبد الله هذا الأثر وصله بن أبي شيبة والدارقطني وغيرهما من طريق قيس بن أبي حازم عنه وفي بعض طرقه كان جرير يستاك ويغمس رأس سواكه في الماء ثم يقول لأهله توضؤوا بفضله لا يرى به بأسا وهذه الرواية مبنية للمراد وظن بن التين وغيره أن المراد بفضل سواكه الماء الذي ينتفع فيه العود من الأراك وغيره ليلين فقالوا يحمل على أنه لم يغير الماء وإنما أراد البخاري أن صنيعه ذلك لا يغير الماء وكذا مجرد الاستعمال لا يغير الماء فلا يمتنع التطهر به وقد صححه الدارقطني بلفظ كان يقول لأهله توضؤوا من هذا الذي ادخل فيه سواكي وقد روى مرفوعا أخرجه الدارقطني من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بفضل سواكه وسنده ضعيف وذكر أبو طالب في مسائله عن أحمد أنه سأله عن معنى هذا الحديث فقال كان يدخل السواك في الإناء ويستاك فإذا فرغ توضأ من ذلك الماء وقد استشكل إيراد البخاري له في هذا الباب المعقود لطهارة الماء المستعمل وأجيب بأنه ثبت أن السواك مطهر للفم فإذا خالط الماء ثم حصل الوضوء بذلك الماء كان فيه استعمال للمستعمل في الطهاره قوله حدثنا الحكم هو بن عتيبة تصغير عتبة بالمثناة ثم الموحدة كان من الفقهاء الكوفيين وهو تابعي صغير وحديث أبي جحيفة المذكور ستأتي مباحثه في باب الستره في الصلاة وقوله يأخذون من فضل وضوئه كأنهم اقتسموا الماء الذي فضل عنه ويحتمل أن الريح تناولوا ما سأل من أعضاء وضوئه صلى الله عليه وسلم وفيه دلاله بينه على طهارة الماء المستعمل قوله وقال أبو موسى هو الأشعري وهذا الحديث طرف من حديث مطول أخرجه المؤلف في المغازي وأوله أن أبي موسى قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه بلال فأتاه أعرابي فذكر الحديث وعرف منه تفسير المبهمين في قوله اشربا وهما أبو موسى وبلال وقد ذكر المؤلف طرفا منه أيضا شوال في باب الغسل والوضوء في المخضب كما سيأتي بعد قليل قوله ومج فيه أي صب ما تناوله من الماء في الإناء والغرض بذلك ايجاد البركه بريقه المبارك قوله حدثنا على بن عبد الله هو بن المديني وصالح هو بن جلس وقد تقدم الكلام على حديث محمود بن الربيع هذا في باب متى يصح سماع الصغير من كتاب العلم قوله وقال عروه هو بن الزبير عن المسور هو بن مخرمة قوله وغيره هو مروان بن الحكم كما سيأتي موصولا مطولا في كتاب الشروط وقال الكرماني هذه الرواية وأن كانت عن مجهو ل لكنها متابعه ويغتفر فيها مالا يغتفر في الأصول قلت وهذا صحيح الا أنه لا يعتذر به هنا لأن المبهم معروف وإنما لم يسمه اختصارا كما اختصر السند فعلقه وزعم الكرماني أن قوله وقال عروة معطوف على قوله في السند الذي قبله أخبرني محمود فيكون
[ 257 ]
صالح بن جلس روى عن الزهري حديث محمود وعطف عليه حديث عروة فعلى هذا لا يكون حديث عروة معلقا بل يكون موصولا بالسند الذي قبله وصنيع كثرة النقل يخالف ما زعمه واستمر الكرماني على هذا التجويز حتى زعم أن الضمير في قوله يصدق كل واحد منهما صاحبه للمسور ومحمود وليس كما زعم بل هو للمسور ومروان وهو تجويز منه بمجرد العقل والرجوع إلى النقل في باب النقل أولي قوله كانو يقتتلون كذا لأبي ذر وللباقين كادوا بالدال وهو الصواب لأنه لم يقع بينهم قتال وإنما حكى ذلك عروة بن مسعود الثقفي لما رجع إلى قريش ليعلمهم شدة تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أن يكون أطلق القتال ومظلمة باب قوله باب كذا للمستملي كأنه كالفصل من الباب الذي قبله وجعله الباقون منه بلا فصل قوله حدثنا عبد الرحمن بن يونس هو أبو مسلم المستملي أحد الحفاظ قوله عن الجعد كذا هنا وللاكثر الجعيد بالتصغير وهو المشهور والسائب بن يزيد من صغار الصحابة وسيأتي حديثه هذا مبينا في كتاب علامات النبوة إن شاء الله تعالى قوله وقع بكسر القاف والتنوين وللكشميهني وقع بلفظ الماضي وفي رواية كريمة وجع بالجيم والتنوين والوقع وجع في القدمين قوله زر الحجله بكسر الزاي وتشديد والراء والحجله بفتح المهملة والجيم واحدة الحجال وهي بيوت تزين بالثياب والأسرة والستور لها عرى وازرار وقيل المراد بالحجله الطير وهو وألجأ يقال للانثى منه حجله وعلى هذا فالمراد بزرها بيضتها ويؤيده أن في حديث آخر مثل بيضة الحمامه وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى وأراد البخاري الاستدلال بهذه الأحاديث على رد قول من قال بنجاسة الماء المستعمل وهو قول أبي يوسف وحكى الشافعي في الأم عن محمد بن الحسن أن أبا يوسف رجع عنه ثم رجع إليه بعد شهرين وعن أبي حنيفة ثلاث روايات الأولى طاهر لا طهور وهي رواية محمد بن الحسن عنه وهو قوله وقول الشافعي في الجديد وهو المفتى به عند الحنفية الثانية نجس نجاسه خفيفه وهي رواية أبي يوسف عنه الثالثة نجس نجاسة غليظة وهي رواية الحسن اللؤلؤي عنه وهذه الأحاديث ترد عليه لأن النجس لا يتبرك به وحديث المجه وأن لم يكن فيه تصريح بالوضوء لكن توجيهه أن القائل بنجاسة الماء المستعمل إذا علله بأنه ماء مضاف قيل له هو مضاف إلى طاهر لم يتغير به وكذلك الماء الذي خالطه الريق طاهر لحديث المجه وأما من علله منهم بأنه ماء الذنوب فيجب ابعاده محتجا بالاحاديث الواردة في ذلك عند مسلم وغيره فأحاديث الباب أيضا ترد عليه لأن ما يجب ابعاده لا يتبرك به ولا يشرب قال بن المنذر وفي إجماع أهل العلم على أن البلل الباقي على أعضاء المتوضئ وما قطر منه على ثيابه طاهر دليل قوي على طهارة الماء المستعمل وأما كونه غير طهور فسيأتي الكلام عليه في كتاب الغسل أن شاء الله تعالى والله أعلم قوله باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة تقدم الكلام على ذلك قريبا في باب مسح الرأس وتقدمت المسألة أيضا في حديث بن عباس في أوائل الوضوء قوله ثم غسل أي فمه أو مضمض كذا عنده بالشك وأخرجه مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد بسنده هذا من غير شك ولفظه ثم ادخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق أخرجه أيضا الاسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد كذا فالظاهر أن الشك فيه من مسدد شيخ البخاري وأغرب الكرماني فقال الظاهر أن الشك فيه من التابعي قوله من
[ 258 ]
كفة واحده كذا في رواية أبي ذر وفي نسخة من غرفة واحدة وللاكثر من كف بغير هاء قال بن بطال المراد بالكفه الغرفة فاشتق لذلك من اسم الكف عبارة عن ذلك المعنى قال ولا يعرف في كلام العرب الحاق هاء التأنيث في الكف ومحصله أن المراد بقوله كفة فعلة لا أنها تأنيث الكف وقال صاحب المشارق قوله من كفة هي بالضم والفتح كغرفة وعرفة أي ما ملأ كفه من الماء قوله ثم غسل يديه لم يذكر غسل الوجه اختصارا وهو ثابت في رواية مسلم وغيره وبقية مباحث هذا الحديث تقدمت قريبا قوله باب مسح الرأس مرة وللأصيلي مسحة قوله فدعا بتور من ماء كذا للأكثر وللكشميهني فدعا بماء ولم يذكر التور قوله فكفأه أي أماله وللأصيلي فأكفأه وقد تقدم النقل أنهما بمعنى قوله فاقبل بيده كذا هنا بالافراد وللكشميهني بالتثنيه قوله حدثنا وهيب أي شوال المذكور وحديثه وقد تقدمت طريق موسى هذه في باب غسل الرجلين إلى الكعبين وذكر فيها أن مسح الرأس مرة وقد تقدم نقل الخلاف في استحباب العدد في مسح الرأس في باب الوضوء ثلاثا ثلاثا في الكلام على حديث عثمان وذكرنا قول أبي داود إن الروايات الصحيحة عن عثمان ليس فيها عدد لمسح الرأس وأنه أورد العدد من طريقين صحح أحدهما غيره والزياده من الثقة مقبوله فيحمل قول أبي داود على إرادة استثناء الطريقين اللذين ذكرهما فكأنه قال الا هذين الطريقين قال بن السمعاني في الاصطلام اختلاف الرواية يحمل على التعدد فيكون مسح تارة مرة وتارة ثلاثا فليس في رواية مسح مرة حجة على منع التعدد ويحتج للتعدد بالقياس على المغسول لأن الوضوء طهاره حكميه ولا فرق في الطهاره الحكميه بين الغسل والمسح وأجيب بما تقدم من أن المسح مبنى على التخفيف بخلاف الغسل ولو شرع التكرار لصارت صورته صورة المغسول وقد اتفق على كراهة غسل الرأس بدل المسح وأن كان مجزئا وأجاب بان الخفه تقتضي عدم الاستيعاب وهو مشروع بالاتفاق فليكن العدد كذلك وجوابه واضح ومن أقوى الادله على عدم العدد الحديث المشهور الذي صححه بن خزيمة وغيره من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة الوضوء حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من زاد على هذا فقد أساء وظلم فإن في رواية سعيد بن منصور فيه التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة فدل على أن الزيادة في مسح الرأس على المرة غير مستحبه ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح أن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح لا أنها مسحات مستقله لجميع الرأس جمعا بين هذه الادله تنبيه لم يقع في هذه الرواية ذكر غسل الوجه وجوز الكرماني أن يكون هو مفعول غسل الذي وقع فيه الشك من الراوي والتقدير فغسل وجهه أو تمضمض واستنشق قلت ولا يخفى بعده وقد أخرج الحديث المذكور مسلم والاسماعيلي في روايتهما المذكورة وفيها بعد ذكر المضمضة والاستنشاق ثم غسل وجهه ثلاثا فدل على أن الاختصار من مسدد كما تقدم أن الشك منه وقال الكرماني يجوز أن يكون حذف الوجه إذا لم يقع في شئ منه اختلاف وذكر ما عداه لما في المضمضة والاستنشاق من الإفراد والجمع ولما في إدخال المرفقين ولما في مسح جميع الرأس ولما في الرجلين إلى الكعبين انتهى ملخصا ولا يخفى تكلفه قوله باب وضوء الرجل بضم الواو لان القصد به الفعل قوله وفضل وضوء المرأة بفتح الواو لأن المارد به الماء الفاضل في الإناء بعد الفراغ من الوضوء وهو بالخفض
[ 259 ]
عطفا على قوله وضوء الرجل قوله وتوضأ عمر بالحميم أي بالماء المسخن وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد صحيح بلفظ أن عمر كان يتوضأ بالحميم ويغتسل منه ورواه بن أبي شيبة والدارقطني بلفظ كان يسخن له ماء في قمقم ثم يغتسل منه قال الدارقطني إسناده صحيح ومناسبته للترجمة من جهة أن الغالب أن أهل الرجل تبع له فيما يفعل فأشار البخاري إلى الرد على من منع المرأة أن تتطهر بفضل الرجل لأن الظاهر أن امرأة عمر كانت تتوضأ بفضله أو معه فيناسب قوله وضوء الرجل مع امرأته أي من إناء واحد وأما مسألة التطهر بالماء المسخن فاتفقوا على جوازه الا ما نقل عن مجاهد قوله ومن بيت نصرانيه هو معطوف على قوله بالحميم أي وتوضأ عمر من بيت نصرانية وهذا الأثر وصله الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما عن بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه به ولفظ الشافعي توضأ من ماء في جرة نصرانية ولم يسمعه بن عيينة من زيد بن أسلم فقد رواه البيهقي من طريق سعدان بن نصر عنه قال حدثونا عن زيد بن أسلم فذكره مطولا ورواه الاسماعيلي من وجه آخر عنه بإثبات الواسطة فقال عن بن زيد بن أسلم عن أبيه به وأولاد زيد هم عبد الله واسامه وعبد الرحمن وأوثقهم واكبرهم عبد الله وأظنه هو الذي سمع بن عيينة منه ذلك ولهذا جزم به البخاري ووقع في رواية كريمه بحذف الواو من قوله ومن بيت وهذا الذي جرأ الكرماني أن يقول المقصود ذكر استعمال سؤر المرأة وأما الحميم فذكره لبيان الواقع وقد عرفت إنهما اثران متغايران وهذا الثاني مناسب لقوله وفضل وضوء المرأة لأن عمر توضأ بمائها ولم يستفصل مع جواز أن تكون تحت مسلم واغتسلت من حيض ليحل له وطؤها ففضل منه ذلك الماء وهذا وإن لم يقع التصريح به لكنه محتمل وجرت عادة البخاري بالتمسك بمثل ذلك عند عدم الاستفصال وأن كان غيره لا يستدل بذلك ففيه دليل على جواز التطهر بفضل وضوء المرأة المسلمه لأنها لا تكون أسوأ حالا من النصرانية وفيه دليل على جواز استعمال مياه أهل الكتاب من غير استفصال وقال الشافعي في الأم لا بأس بالوضوء من ماء المشرك وبفضل وضوئه ما لم تعلم فيه نجاسه وقال بن المنذر انفرد إبراهيم النخعي بكراهة فضل المرأة إذا كانت جنبا قوله حدثنا عبد الله بن يوسف هو التنيسي أحد رواة الموطأ قوله كان الرجال والنساء ظاهرة التعميم فاللام للجنس لا للاستغراق قوله في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفاد منه أن البخاري يرى أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون حكمه الرفع وهو الصحيح وحكى عن قوم خلافه لاحتمال أنه لم يطلع وهو ضعيف لتوفر دواعي الصحابة على سؤالهم إياه عن الأمور التي أنكر لهم ومنهم ولو لم يسألوه لم يقروا على فعل غير الجائز في زمن التشريع فقد استدل أبو سعيد وجابر على إباحة العزل بكونهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل ولو كان منهيا لنهى عنه القرآن وزاد بن ماجة عن هشام بن عمار عن مالك في هذا الحديث من إناء واحد وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر ندلي فيه أيدينا وفيه دليل على أن الاغتراف من الماء القليل لا يصيره مستعملا لأن اوانيهم كانت صغارا كما صرح به الشافعي في الأم في عدة مواضع وفيه دليل على طهارة الذميه واستعمال فضل طهورها وسؤرها لجواز تزوجهن وعدم التفرقه في الحديث بين المسلمه وغيرها قوله جميعا ظاهره إنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة وحكى بن التين عن قوم أن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون جميعا
[ 260 ]
في موضع واحد هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة والزياده المتقدمه في قوله من إناء واحد ترد عليه وكان هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الاجانب وقد أجاب بن التين عنه بما حكاه عن سحنون أن معناه كان الرجال يتوضؤون ويذهبون ثم تأتي النساء فيتوضأن وهو خلاف الظاهر من قوله جميعا قال أهل اللغة الجميع ضد المفترق وقد وقع مصرحا بوحدة الإناء في صحيح بن خزيمة في هذا الحديث من طريق معتمر عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر منه والأولى في الجواب أن يقال لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم ونقل الطحاوي ثم القرطبي والنووي الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الإناء الواحد وفيه نظر لما حكاه بن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه وكذا حكاه بن عبد البر عن قوم وهذا الحديث حجة عليهم ونقل النووي أيضا الاتفاق على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل دون العكس وفيه نظر أيضا فقد أثبت الخلاف فيه الطحاوي وثبت عن بن عمر والشعبي والأوزاعي المنع لكن مقيدا بما إذا كانت حائضا وأما عكسه فصح عن عبد الله بن سرجس الصحابي وسعيد بن المسيب والحسن البصري أنهم منعوا التطهر بفضل المرأة وبه قال أحمد وإسحاق لكن قيداه بما إذا خلت به لان أحاديث الباب ظاهرة في الجواز إذا اجتمعا ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة قال لكن صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به وعورض بصحة الجواز عن جماعة من الصحابة منهم بن عباس والله أعلم وأشهر الأحاديث في ذلك من الجهتين حديث الحكم بن عمرو الغفاري في المنع وحديث ميمونة في الجواز أما حديث الحكم بن عمرو فأخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه بن حبان وأغرب النووي فقال اتفق الحفاظ على تضعيفه وأما حديث ميمونة فأخرجه مسلم لكن أعله قوم لتردد وقع في رواية عمرو بن دينار حيث قال على والذي يخطر على بالى أن أبا الشعثاء أخبرني فذكر الحديث وقد ورد من طريق أخرى بلا تردد لكن راويها غير ضابط وقد خولف والمحفوظ ما أخرجه الشيخان بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد وفي المنع أيضا ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري قال لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعا رجاله ثقات ولم اقف لمن اعله على حجة قوية ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة لأن إبهام الصحابي لا يضر وقد صرح التابعي بأنه لقيه ودعوى بن حزم أن داود راويه عن حميد بن عبد الرحمن هو بن يزيد الأودي وهو ضعيف مردودة فإنه بن عبد الله الأودي وهو ثقة وقد صرح بأسم أبيه أبو داود وغيره ومن أحاديث الجواز ما أخرجه أصحاب السنن والدارقطني وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث بن عباس عن ميمونة قالت أجنبت فاغتسلت من جفنه ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه فقلت له فقال الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه لفظ الدارقطني وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه الا صحيح حديثهم وقول أحمد أن الأحاديث من الطريقين مضطربة إنما يصار إليه
[ 261 ]
عند تعذر الجمع وهو ممكن بان تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء والجواز على ما بقي من الماء وبذلك جمع الخطابي أو يحمل النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة والله أعلم قوله باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه بفتح الواو لأن المراد به الماء الذي توضأ به والمغمى بضم الميم واسكان المعجمة من أصابه الاغماء قوله يعودني زاد المصنف في الطب ماشيا قوله لا اعقل أي لا أفهم وحذف مفعوله إشارة إلى عظم الحال أي لا أعقل شيئا وصرح به في التفسير وله في الطب فوجدني قد أغمي على وهو المطابق للترجمة قوله من وضوئه يحتمل أن يكون المراد صب على بعض الماء الذي توضأ به أو مما بقي منه والأول المراد فللمصنف في الاعتصام ثم صب وضوءه على ولأبي داود فتوضأ وصبه على قوله لمن يفرق اللام بدل من المضاف إليه كأنه قال ميراثي ويؤيده أن في الاعتصام أنه قال كيف أصنع في مالكا والمراد بآية الفرائض هنا قوله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة كما سيأتي مبينا في التفسير ويذكر هناك بقية مباحثه إن شاء الله تعالى قوله باب الغسل والوضوء في المخضب هو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة بعدها موحدة المشهور أنه الإناء الذي يغسل فيه الثياب من أي جنس كان وقد يطلق على الإناء صغيرا أو كبيرا والقدح أكثر ما يكون من الخشب مع ضيق فمه وعطفه الخشب والحجارة على المخضب والقدح ليس من عطف العام على الخاص فقط بل بين هذين وهذين عموم وخصوص من وجه قوله حدثنا عبد الله بن منير هو بضم الميم وكسر النون بعدها ياء خفيفة كما قدمناه في المقدمة لكن وقع هنا في رواية الأصيلي بن المنير بزيادة الألف واللام فقد يلتبس بابن المنير الذي ننقل عنه في هذا الشرح لكنه بتثقيل الياء ونون مفتوحة وهو متأخر عن هذا الراوي بأكثر من أربعمائة سنة قوله حضرت الصلاة هي العصر قوله إلى أهله أي لإرادة الوضوء وبقى قوم أي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن في قوله من حجارة لبيان الجنس قوله فصغر بفتح الصاد المهملة وضم الغين المعجمة أي لم يسع بسط كفه صلى الله عليه وسلم فيه وللاسماعيلي فلم يستطع أن يبسط كفه من صغر المخضب وهو دال على ما قلناه إن المخضب قد يطلق على الإناء الصغير ومباحث هذا الحديث تقدمت في باب التماس الوضوء وباقي الكلام عليه يأتي في علامات النبوة إن شاء الله تعالى وقد أخرجه المصنف هناك عن عبد الله بن منير أيضا لكنه قال عن يزيد بن هارون بدل عبد الله بن بكر فكأنه سمعه من شيخين حدثه كل منهما به عن حميد قوله عن بريد بالموحدة والراء مصغرا هو بن عبد الله بن أبي بردة والقدر المذكور من المتن تقدم بعضه معلقا في باب استعمال فضل وضوء الناس وسيأتي مطولا في المغازي أن شاء الله تعالى والغرض منه ذكر القدح وقد ذكرنا ما فيه قوله احمد بن يونس هو بن عبد الله بن يونس نسب إلى جده وعبد العزيز شيخه هو بن عبد الله بن أبي سلمة نسب إلى جده أيضا فاتفقا في أن كلا منهما ينسب إلى جده وفي أن كلا منهما اسم أبيه عبد الله وأن كلا منهما يكنى أبا عبد الله وأن كلا مهما ثقة حافظ فقيه قوله آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وللكشميهني وأبي الوقت أتانا قوله فغسل وجهه تفسير لقوله فتوضأ وفيه حذف تقديره فمضمض واستنشق كما دلت عليه باقي الروايات والمخرج متحد وقد تقدمت مباحثه وأن عبد العزيز هذا زاد في روايته أن التور كان
[ 262 ]
من صفر أي نحاس جيد قوله لما ثقل أي في المرض وهو بضم القاف بوزن صغر قاله في الصحاح وفي القاموس لشيخنا ثقل كفرح فهو ثاقل مشتهي أشتد مرضه فلعل في النسخة سقطا والله أعلم قوله في أن يمرض بفتح الراء الثقيلة أي يخدم في مرضه قوله فأزن بكسر المعجمة وتشديد النون الفتوحة أي الأزواج واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه ويحتمل أن يكون فعل ذلك تطييبا لهن قوله قال عبيد الله هو الراوي له عن عائشة وهو بالإسناد المذكور بغير أداة عطف قوله وكانت هو معطوف أيضا بالإسناد المذكور قوله هريقوا كذا للآكثر وللأصيلي أهريقوا بزيادة الهمزه قال بن التين هو بإسكان الهاء ونقل عن سيبويه أنه قال أهراق يهريق أهرياقا مثل اسطاع يسطيع اسطياعا بقطع الألف وفتحها في الماضي وضم الياء في المستقبل وهي لغة في أطاع يطيع فجعلت السين والهاء عوضا من ذهاب حركة عين الفعل وروى بفتح الهاء واستشكله ويوجه بأن الهاء مبدلة من الهمزة لأن أصل هراق اراق ثم اجتلبت الهمزة فتحريك الهاء على إبقاء البدل والمبدل منه وله نظائر وذكر له الجوهري توجيها آخر وأن أصله أريقوا فأبدلت الهمزة الثانية هاء للخفة وجزم ثعلب في الفصيح بان اهريقه بفتح الهاء والله أعلم قوله من سبع قرب قال الخطابي يشبه أن يكون خص السبع تبركا بهذا العدد لأن له دخولا في كثير من أمور خالف وأصل الخلقة وفي رواية للطبراني في هذا الحديث من آبار شتى والظاهر أن ذلك للتداوي لقوله في رواية أخرى في الصحيح لعلي استريح فأعهد أي أوصى قوله وأجلس في مخضب حفصة زاد بن خزيمة من طريق عروة عن عائشة أنه كان من نحاس وفيه إشارة إلى الرد على من كره الاغتسال فيه كما ثبت ذلك عن بن عمر وقال عطاء إنما كره من النحاس ريحه قوله نصب عليه من تلك أي القرب السبع قوله حتى طفق يقال طفق يفعل كذا إذا شرع في فعل واستمر فيه قوله ثم خرج إلى الناس زاد المصنف من طريق عقيل عن الزهري فصلى بهم وخطبهم ثم خرج وهو في باب الوفاة في آخر كتاب المغازي وسيأتي الكلام على بقية مباحثه هناك وعلى ما فيه من أحكام الإمامة في باب حد المريض أن يشهد الجماعة إن شاء الله تعالى قوله باب الوضوء من التور تقدمت مباحث حديث الباب قريبا وأن التور بفتح المثناة العطار الطست وقيل هو الطست ووقع في حديث شريك عن أنس في المعراج فأتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب وظاهره المغايرة بينهما ويحتمل الترادف وكأن الطست أكبر من التور قوله حدثنا سليمان هو بن بلال والإسناد كله مدنيون قوله كان عمى هو عمرو بن أبي حسن كما تقدم وهو عمه على الحقيقة قوله ثم ادخل يده في التور فمضمض فيه حذف تقديره ثم أخرجه فمضمض وقد صرح به مسلم قوله من غرقة واحدة يتعلق بقوله فمضمض واستنثر والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات كل مرة من غرفة ويحتمل أن يتعلق بقوله ثلاث مرات والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات من غرفة واحدة والأول موافق لباقي الروايات فهو أولى قوله فقال أي عبد الله بن زيد هكذا هذه الزيادة صريحة في رفع الحديث وأن كان أول سياق الحديث يدل عليه قوله حدثنا حماد هو بن زيد ولم يسمع مسدد من حماد بن سلمة قوله رحراح
[ 263 ]
بمهملات الأولى مفتوحة بعدها سكون أي متسع الفم وقال الخطابي الرحراح الإناء الواسع الصحن القريب القعر ومثله لا يسع الماء الكثير فهو ادل على عظم المعجزة قلت وهذه الصفة شبيهة بالطست وبهذا يظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة وروى بن خزيمة هذا الحديث عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد فقال بدل رحراح زجاج بزاى مضمومة وجيمين وبوب عليه الوضوء من آنية الزجاج ضد قول من زعم من المتصوفة أن ذلك اسراف لاسراع الكسر إليه قلت وهذه اللفظة تفرد بها أحمد بن عبدة وخالفه أصحاب حماد بن زيد فقالوا رحراح وقال بعضهم واسع الفم وهي رواية الاسماعيلي عن عبد الله بن ناجية عن محمد بن موسى وإسحاق بن أبي إسرائيل وأحمد بن عبدة كلهم عن حماد وكأنه ساقه على لفظ محمد بن موسى وصرح جمع من الحذاق بأن أحمد بن عبدة صحفها ويقوى ذلك أنه آتى في روايته بقوله أحسبه فدل على أنه لم يتقنه فإن كان ضبطه فلا منافاة بين روايته ورواية الجماعة لاحتمال أن الريح وصفوا هيئته وذكر هو جنسه وفي مسند أحمد عن بن عباس أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قدحا من زجاج لكن في إسناده مقال قوله فحزرت بتقديم الزاي أي قدرت وتقدم من رواية حميد أنهم كانوا ثمانين وزيادة وهنا قال ما بين السبعين إلى الثمانين والجمع بينهما أن أنسا لم يكن يضبط العدة بل كان يتحقق أنها تنيف على السبعين ويشك هل بلغت العقد الثامن أو تجاوزته فربما جزم بالمجاوزه حيث يغلب ذلك على ظنه واستدل الشافعي بهذا الحديث على رد قول من قال من أصحاب الرأي إن الوضوء مقدر بقدر من الماء معين ووجه الدلالة أن الصحابة اغترفوا من ذلك القدح من غير تقدير لأن الماء النابع لم يكن قدره معلوما لهم فدل على عدم التقدير وبهذا يظهر مناسبة تعقيب المصنف هذا الحديث بباب الوضوء بالمد والمد إناء يسع رطلا وثلثا بالبغدادي قاله جمهور أهل العلم وخالف بعض الحنفية فقالوا المد رطلان قوله بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة ومن قاله بالتصغير فقد صحف لأن بن جبير وهو سعيد لا رواية له عن أنس في هذا الكتاب والراوي هنا هو عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك الأنصاري وقد رواه الاسماعيلي من طريق أبي نعيم شيخ البخاري قال حدثنا مسعر حدثني شيخ من الأنصار يقال له بن جبر وفي الإسناد كوفيان أبو نعيم وشيخه بصريان أنس والراوي عنه قوله يغسل أي جسده والشك فيه من البخاري أو من أبي نعيم لما حدثه به فقد رواه الاسماعيلي من طريق أبي نعيم فقال يغتسل ولم يشك قوله بالصاع هو إناء يسع خمسة أرطال وثلثا بالبغدادي وقال بعض الحنفية ثمانية قوله إلى خمسة امداد أي كان ربما اقتصر على الصاع وهو أربعة إمداد وربما زاد عليها إلى خمسة فكأن أنسا لم يطلع على أنه استعمل في الغسل أكثر من ذلك لأنه جعلها النهاية وقد روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق قال بن عيينة والشافعي وغيرهما هو ثلاثة اصع وروى مسلم أيضا من حديثها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء يسع ثلاثة إمداد فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة وفيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية وكذا من قال به من الحنفية مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع وحمله الجمهور على الاستحباب لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وسلم من الصحابة قدرهما بذلك ففي مسلم عن سفينة مثله ولأحمد وأبي
[ 264 ]
داود بإسناد صحيح عن جابر مثله وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وغيرهم وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة وهو أيضا في حق من يكون خلقه معتدلا وإلى هذا أشار المصنف في أول كتاب الوضوء بقوله وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم قوله باب المسح على الخفين نقل بن المنذر عن بن المبارك قال ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته وقال بن عبد البر لا أعلم روى عن أحد من فقهاء السلف إنكاره الا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته وقد أشار الشافعي في الأم إلى إنكار ذلك على المالكية والمعروف المستقر عندهم الآن قولان الجواز مطلقا ثانيهما للمسافر دون المقيم وهذا الثاني مقتضى ما في المدونة وبه جزم بن الحاجب وصحح الباجي الأول ونقله عن بن وهب وعن بن نافع في المبسوطة نحوه وأن مالكا إنما كان يتوقف فيه في خاصة نفسه مع افتائه بالجواز وهذا مثل ما صح عن أبي أيوب الصحابي وقال بن المنذر اختلف العلماء أيهما أفضل المسح على الخفين أو نزعهما وغسل القدمين قال والذي اختاره أن المسح أفضل لآجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض قال واحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه أه وقال الشيخ محي الدين وقد صرح جمع من الأصحاب بأن الغسل أفضل بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة كما قالوه في تفضيل القصر على الاتمام وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين ومنهم العشرة وفي بن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين قوله حدثنا اصبغ بفتح الهمزة وكأن البخاري أختار الرواية عنه لهذا الحديث لقوله المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أكابر أصحابه في الحضر أثبت عندنا وأقوى من أن نتبع مالكا على خلافه وعمرو هو بن الحارث وهو ومن دونه ثلاثة مصريون والذين فوقه ثلاثة مدنيون والإسناد رواية تابعي عن تابعي أبو النضر عن أبي سلمة وصحابي عن صحابي قوله وأن عبد الله هو معطوف على قوله عن عبد الله بن عمر فهو موصول إذا حملناه على أن أبا سلمة سمع ذلك من عبد الله وإلا فأبو سلمة لم يدرك القصة وقد أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي النضر عن أبي سلمة عن بن عمر قال رأيت سعد بن أبي وقاص يمسح على خفيه بالعراق حين توضأ فأنكرت ذلك عليه فلما اجتمعنا عند عمر قال لي سعد سل أباك فذكر القصة ورواه بن خزيمة من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر نحوه وفيه أن عمر قال كنا ونحن مع نبينا نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأسا قوله فلا تسأل عنه غيره أي لقوة الوثوق بنقله ففيه دليل على أن الصفات الموجبة للترجيح إذا اجتمعت في الراوي كانت من جملة القرائن التي إذا حفت خبر الواحد قامت مقام الأشخاص المتعددة وقد يفيد العلم عند البعض دون البعض وعلى أن عمر كان يقبل خبر الواحد وما نقل عنه من التوقف إنما كان عند وقوع ريبة له في بعض المواضع واحتج به من قال بتفاوت رتب العدالة ودخول الترجيح في ذلك عند التعارض ويمكن ابداء الفارق في ذلك بين الرواية والشهادة وفيه تعظيم عظيم من عمر لسعد وفيه أن الصحابي القديم الصحبة قد يخفى عليه من الأمور الجليلة في الشرع ما يطلع عليه غيره لأن بن عمر أنكر المسح على الخفين مع قديم صحبته وكثرة روايته وقد روى قصته مالك في الموطأ عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه أن بن عمر قدم الكوفة
[ 265 ]
على سعد وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه فقال له سعد سل أباك فذكر القصة ويحتمل أن يكون بن عمر إنما أنكر المسح في الحضر لا في السفر لظاهر هذه القصة ومع ذلك فالفائدة بحالها والله أعلم قوله وقال موسى بن عقبة هذا التعليق وصله الاسماعيلي وغيره بهذا الإسناد وفيه ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم موسى وموسى وأبو النضر قرينان مدنيان قوله أن سعدا حدثه أي حدث أبا سلمة والمحدث به محذوف تبين من الرواية الموصولة أن يسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين قوله فقال هو معطوف على المقدر قوله نحوه بالنصب لآنه مقول المقول وظهر أن قول عمر في هذه الرواية المعلقة بمعنى الرواية التي وصلها المؤلف لا بلفظها وقد وصله الاسماعيلي أيضا من طريق أخرى عن موسى بن عقبة ولفظه وأن عمر قال لعبد الله أي ابنه كأنه يلومه إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تبتغ وراء حديثه شيئا قوله حدثنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري وقد تقدم هذا الحديث من طريق أخرى عنه في باب الرجل يوضئ صاحبه وأن فيه أربعة من التابعين على الولاء وأخرجه المصنف في المغازي من طريق أخرى عن الليث فقال عن عبد العزيز بن أبي سلمة بدل يحيى بن سعيد وسياقه أتم فكأن لليث فيه شيخين قوله أنه خرج لحاجته في الباب الذي بعد هذا أنه كان في سفر وفي المغازي أنه كان في غزوة تبوك على تردد في ذلك من رواته ولمالك وأحمد وأبي داود من طريق عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة أنه كان في غزوة تبوك بلا تردد وأن ذلك كان عند صلاة الفجر قوله فأتبعه بتشديد المثناة المفتوحة والمصنف من طريق مسروق عن المغيرة في الجهاد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره أن يتبعه بالاداوة وزاد فانطلق حتى توارى عنى فقضى حاجته ثم أقبل فتوضأ وعند أحمد من طريق أخرى عن المغيرة أن الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من قربة كانت جلد ميتة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله سلها فإن كانت دبغتها فهو طهور وأنها قالت أي والله لقد دبغتها قوله فتوضأ زاد في الجهاد وعليه جبة شامية ولأبي داود من صوف من جباب الروم وزاد المصنف في الطريق الذي في باب الرجل يوضئ صاحبه فغسل وجهه ويديه والفاء في فغسل تفصيلية وتبين من ذلك أن المراد بقوله توضأ أي بالكيفية المذكورة لا أنه غسل رجليه واستدل به القرطبي على الاقتصار على فروض الوضوء دون سننه لا سيما في حال مظنة قلة الماء كالسفر قال ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فلم يذكرها المغيرة قال والظاهر خلافه قلت بل فعلها وذكرها المغيرة ففي رواية أحمد من طريق عباد بن زياد المذكورة أنه غسل كفيه وله من وجه آخر قوي فغسلهما فأحسن غسلهما قال وأشك أقال دلكهما بتراب أم لا وللمصنف في الجهاد أنه تمضمض وأستنشق وغسل وجهه زاد أحمد ثلاث مرات فذهب يخرج يديه من كمية فكانا ضيقين فأخرجهما من تحت الجبة ولمسلم من وجه آخر وألقى الجبة على منكبيه ولأحمد فغسل يده اليمني ثلاث مرات ويده اليسرى ثلاث مرات وللمصنف ومسح برأسه وفي رواية لمسلم ومسح بناصيته وعلى عمامته وعلى الخفين وسيأتي قوله أني أدخلتهما طاهرتين في الباب الذي بعد هذا وحديث المغيرة هذا ذكر البزار أنه رواه عنه ستون رجلا وقد لخصت مقاصد طرقه الصحيحة في هذه القطعة وفيه من الفوائد الابعاد عند قضاء الحاجة والتوارى
[ 266 ]
عن الأعين واستحباب الدوام على الطهارة لأمره صلى الله عليه وسلم المغيرة أن يتبعه بالماء مع أنه لم يستنج به وإنما توضأ به حين رجع وفيه جواز الاستعانة كما شرح في بابه وغسل ما يصيب اليد من الأذى عند الاستجمار وأنه لا يكفي إزالته بغير الماء والاستعانة على إزالة الرائحة بالتراب ونحوه وقد يستنبط منه أن ما انتشر عن المعتاد لا يزال الا بالماء وفيه الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت والانتفاع بثياب الكفار حتى تتحقق نجاستها لأنه صلع لبس الجبة الرومية ولم يستفصل واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت لأن الجبة كانت شامية وكانت الشام إذ ذاك دار كفر ومأكول أهلها الميتات كذا قال وفيه الرد على من زعم أن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء التي في المائدة لأنها نزلت في غزوة المريسيع وكانت هذه القصة في غزوة تبوك وهي بعدها باتفاق وسيأتي حديث جرير الأسماء في معنى ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى وفيه التشمير في السفر ولبس الثياب الضيقة فيه لكونها أعون على ذلك وفيه المواظبة على سنن الوضوء حتى في السفر وفيه قبول خبر الواحد في الأحكام ولو كانت امرأة سواء كان ذلك فيما تعم به البلوى أم لأنه صلى الله عليه وسلم قبل خبر الاعرابية كما تقدم وفيه أن الاقتصار على غسل معظم المفروض غسله لا يجزئ لاخراجه صلى الله عليه وسلم يديه من تحت الجبة ولم يكتف فيما بقي منهما بالمسح عليه وقد يستدل به على من ذهب إلى وجوب تعميم مسح الرأس لكونه كمل بالمسح على العمامة ولم يكتف بالمسح على ما بقي من ذراعيه قوله شيبان هو بن عبد الرحمن ويحيى هو بن أبي كثير قوله عن أبي سلمة وللاسماعيلي من طريق الحسن بن موسى عن شيبان عن يحيى حدثني أبو سلمة حدثني جعفر بن عمرو بن أمية وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم يحيى وهو تابعي صغير وأبو سلمة وجفر قرينان قوله وتابعه أي تابع شيبان حرب وهو بن شداد وحديثه موصول عند النسائي والطبراني قوله وأبان هو بن يزيد العطار وهو معطوف على حرب وحديثه موصول عند أحمد والطبراني قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله عن يحيى ولأحمد عن أبي المغيرة عن الأوزاعي حدثني يحيى قوله على عمامته وخفيه هكذا رواه الأوزاعي وهو مشهور عنه وأسقط بعض الرواة عنه جعفرا من الإسناد وهو خطأ قاله أبو حاتم الرازي قوله وتابعه أي تابع الأوزاعي معمر بن راشد في المتن لا في الإسناد وهذا هو السبب في سياق المصنف الإسناد ثانيا ليبين أنه ليس في رواية معمر ذكر جعفر وذكر أبو ذر في روايته لفظ المتن وهو قوله يمسح على عمامته زاد الكشميهني وخفيه وسقط ذكر المتن من سائر الروايات في الصحيح ورواية معمر قد أخرجها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر بدون ذكر العمامة لكن أخرجها بن منده في كتاب الطهارة له من طريق معمر بإثباتها وأغرب الأصيلي فيما حكاه بن بطال فقال ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحدة قال وأما متابعة معمر فليس فيها ذكر العمامة وهي أيضا مرسلة لأن أبا سلمة لم يسمع من عمرو قلت سماع أبي سلمة من عمرو ممكن فإنه مات بالمدينة سنة ستين وأبو سلمة مدني ولم يوصف بتدليس وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو وقد روى بكير بن الأشج عن أبي سلمة أنه أرسل جعفر بن عمرو بن أمية إلى أبيه يسأله عن هذا الحديث فرجع إليه فأخبره به فلا مانع أن يكون أبو سلمة اجتمع بعمرو بعد فسمعه منه ويقويه توفر دواعيهم على
[ 267 ]
الاجتماع في المسجد النبوي وقد ذكرنا أن بن منده أخرجه من طريق معمر بإثبات ذكر العمامة فيه وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته لأنها تكون زيادة من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل ولا تكون شاذة ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية وقد اختلف السلف في معنى المسح على العمامة فقيل إنه كمل عليها بعد مسح الناصية وقد تقدمت رواية مسلم بما يدل على ذلك وإلى عدم الاقتصار على المسح عليها ذهب الجمهور وقال الخطابي فرض الله مسح الرأس والحديث في مسح العمامة محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل قال وقياسه على مسح الخف بعيد لأنه يشق نزعه بخلافها وتعقب بأن الذين اجازوا الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف وطريقه أن تكون محنكة كعمائم العرب وقالوا عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين وقالوا الآية لا تنفى ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل وإلى هذا ذهب الأوزاعي والثوري في رواية عنه وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم وقال بن المنذر ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا والله أعلم قوله باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان هذا لفظ رواية أبي داود من طريق يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي في هذا الحديث وسنبين ما بينها وبين لفظ حديث الباب من التفاوت قوله حدثنا زكريا هو بن أبي زائدة عن عامر هو الشعبي وزكريا مدلس ولم أره من حديثه الا بالعنعنة لكن أخرجه أحمد عن يحيى القطان عن زكريا والقطان لا يحمل من حديث شيوخه المدلسين الا ما كان مسموعا لهم صرح بذلك الاسماعيلي قوله فأهويت أي مددت يدي قال الأصمعي أهويت بالشئ إذا أومأت به وقال غيره أهويت قصدت الهواء من القيام إلى القعود وقيل الأهواء الامالة قال بن بطال فيه خدمة العالم وأن للخادم أن يقصد إلى ما يعرف من عادة مخدومه قبل أن يأمره وفيه الفهم عن الإشارة ورد الجواب عما يفهم عنها لقوله فقال دعمها قوله فانى البدعتين أي القدمين طاهرتين كذا للأكثر وللكشميهني وهما طاهرتان ولأبي داود فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان وللحميدي في مسنده قلت يا رسول الله أيمسح أحدنا على خفيه قال نعم إذا ادخلهما وهما طاهرتان ولابن خزيمة من حديث صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا قال بن خزيمة ذكرته للمزني فقال لي حدث به أصحابنا فإنه أقوى حجة للشافعي انتهى وحديث صفوان وأن كان صحيحا لكنه ليس على شرط البخاري لكن حديث الباب موافق له في الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس وأشار المزني بما قال إلى الخلاف في المسألة ومحصلة أن الشافعي والجمهور حملوا الطهارة على الشرعية في الوضوء وخالفهم داود فقال إذا لم يكن على رجليه نجاسة عند اللبس جاز له المسح ولو تيمم ثم لبسهما لم يبح له عندهم لأن التيمم مبيح لا رافع وخالفهم أصبغ ولو غسل رجليه بنية الوضوء ثم لبسهما ثم أكمل باقي الأعضاء لم يبح المسح عند الشافعي ومن وافقه على إيجاب الترتيب وكذا عند من لا يوجبه بناء على أن الطهارة لا تتبعض لكن قال صاحب الهداية من الحنفية شرط
[ 268 ]
أباحة المسح لبسهما على طهارة كاملة قال والمراد بالكاملة وقت الحدث لا وقت اللبس ففي هذه الصورة إذا كمل الوضوء ثم حالا جاز له المسح لأنه وقت الحدث كان على طهارة كاملة انتهى والحديث حجة عليه لأنه جعل الطهارة قبل لبس الخف شرطا لجواز المسح والمعلق بشرط لا يصح الا بوجود ذلك الشرط وقد سلم أن المراد بالطهارة الكامله ولو توضأ مرتبا وبقي غسل إحدى رجليه فلبس ثم غسل الثانية ولبس لم يبح له المسح عند الأكثر واجازه الثوري والكوفيون والمزنى صاحب الشافعي ومطرف صاحب مالك وابن المنذر وغيرهم لصدق أنه ادخل كلا من رجليه الخفين وهي طاهرة وتعقب بأن الحكم المرتب على التثنية غير الحكم المرتب على الوحدة واستضعفه بن دقيق العيد لأن الاحتمال باق قال لكن إن ضم إليه دليل يدل على أن الطهارة لا تتبعض اتجه فائدة المسح على الخفين خاص بالوضوء لا مدخل للغسل فيه بإجماع فائدة أخرى لو نزع خفيه بعد المسح قبل انقضاء المدة عند من قال بالتوقيت أعاد الوضوء عند أحمد وإسحاق وغيرهما وغسل قدميه عند الكوفيين والمزنى وأبي ثور وكذا قال مالك والليث الا إن تطاول وقال الحسن وابن أبي ليلى وجماعة ليس عليه غسل قدميه وقاسوه على من مسح رأسه ثم حلقه أنه لا يجب عليه إعادة المسح وفيه نظر فائدة أخرى لم يخرج البخاري ما يدل على توقيت المسح وقال به الجمهور وخالف مالك في المشهور عنه فقال يمسح ما لم يخلع وروى مثله عن عمر وأخرج مسلم التوقيت من حديث على كما تقدم من حديث صفوان بن عسال وفي الباب عن أبي بكرة وصححه الشافعي وغيره قوله باب من لم يتوضأ من لحم الشاة نص على لحم الشاة ليندرج ما هو مثلها وما دونها بالأولى وأما ما فوقها فلعله يشير إلى استثناء لحوم الإبل لأن من خصه من عموم الجواز علله بشدة زهومته فلهذا لم يقيده بكونه مطبوخا وفيه حديثان عند مسلم وهو قول أحمد واختاره بن خزيمة وغيره من محدثي الشافعية قوله والسويق قال بن التين ليس في أحاديث الباب ذكر السويق وأجيب بأنه دخل من باب الأولى لأنه إذا لم يتوضأ من اللحم مع دسومته فعدمه من السويق أولى ولعله أشار بذلك إلى حديث الباب الذي بعده قوله وأكل أبو بكر إلخ سقط قوله لحما من رواية أبي ذر الا عن الكشميهني وقد وصله الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن من طريق سليم بن عامر قال رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضؤوا ورويناه من طرق كثيرة عن جابر مرفوعا وموقوفا على الثلاثة مفرقا ومجموعا قوله أكل كتف شاه أي لحمه وللمصنف في الأطعمة تعرق أي أكل ما على العرق بفتح المهملة وسكون الراء وهو العظم ويقال له العراق بالضم أيضا وأفاد القاضي إسماعيل أن ذلك كان في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة كما سيأتي من حديثها وهي خالة بن عباس كما أن ضباعة بنت عمه وبين النسائي من حديث أم سلمة أن الذي دعاه إلى الصلاة هو بلال قوله يحتز بالمهملة والزاي أي يقطع زاد في الأطعمة من طريق معمر عن الزهري يأكل منها وفي الصلاة من طريق صالح عن الزهري يأكل ذراعا يحتز منها قوله فألقى السكين زاد في الأطعمة عن أبي وابنه عن شعيب عن الزهري فألقاها والسكين وزاد البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم عن أبي وابنه في آخر الحديث قال الزهري فذهبت تلك أي القصة في الناس ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صلى الله
[ 269 ]
عليه وسلم ونساء من أزواجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال توضؤوا مما مست النار قال فكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة سابقة واعترض عليه بحديث جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه بن خزيمة وابن حبان وغيرهما لكن قال أبو داود وغيره إن المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهى وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار وأن وضوئه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين وارتضى النووي هذا في شرح المهذب وبهذا تظهر حكمة تصدير البخاري حديث الباب بالأثر المنقول عن الخلفاء الثلاثة قال النووي كان الخلاف فيه معروفا بين الصحابة والتابعين ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار الا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب والله أعلم واستدل البخاري في الصلاة بهذا الحديث على أن الأمر بتقديم العشاء على الصلاة خاص بغير الإمام الراتب وعلى جواز قطع اللحم بالسكين وفي النهى عنه حديث ضعيف في سنن أبي داود فإن ثبت خص بعدم الحاجة الداعية إلى ذلك لما فيه من التشبه بالاعاجم وأهل الترف وفيه أن الشهادة على النفي إذا كان محصورا تقبل فائدة ليس لعمرو بن أمية رواية في البخاري الا هذا الحديث والذي مضى في المسح فقط قوله باب من مضمض من السويق قال الداودي هو دقيق الشعير أو السلت المقلى وقال غيره ويكون من القمح وقد وصفه أعرابي فقال عدة المسافر وطعام العجلان وبلغة المريض قوله عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري والإسناد مدنيون الا شيخ البخاري وبشير بالموحدة والمعجمة مصغرا ويسار بالتحتانية والمهملة قوله بالصهباء بفتح المهملة والمد قوله وهي أدنى خيبر أي طرفها مما يلي المدينة وللمصنف في الأطعمة وهي على روحة من خيبر وقال أبو عبيد البكري في معجم البلدان هي على بريد وبين البخاري في موضع آخر من الأطعمة من حديث بن عيينة أن هذه الزيادة من قول يحيى بن سعيى أدرجت وسيأتي الحديث قريبا بدون الزيادة من طريق سليمان بن بلال عن يحيى قوله ثم دعا بالازواد فيه جمع الرفقاء على الزاد في السفر وأن كان بعضهم أكثر أكلا وفيه حمل الازواد في الأسفار وأن ذلك لا يقدح في التوكل واستنبط منه المهلب أن الإمام يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته ليبيعوه من أهل الحاجة وأن الإمام ينظر لأهل العسكر فيجمع الزاد ليصيب منه من لا زاد معه قوله فثرى بضم المثلثة وتشديد الراء ويجوز تخفيفها أي بل بالماء لما لحقه من اليبس قوله وأكلنا زاد في رواية سليمان وشربنا وفي الجهاد من رواية عبد الوهاب فلكنا وأكلنا وشربنا قوله ثم قام الى المغرب فمضمض أي قبل الدخول في الصلاة وفائدة المضمضة من السويق وأن كان لا دسم له أن تحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله تتبعه عن أحوال الصلاة قوله
[ 270 ]
ولم يتوضأ أي بسبب أكل السويق وقال الخطابي فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار منسوخ لآنه متقدم وخيبر كانت سنة سبع قلت لا دلالة فيه لأن أبا هريرة حضر بعد فتح خيبر وروى الأمر بالوضوء كما في مسلم وكان يفتي به بعد النبي صلى الله عليه وسلم واستدل به البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد وعلى استحباب المضمضة بعد الطعام قوله أخبرني عمرو هو بن الحارث وبكير هو بن عبد الله بن الأشج ومباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله ونصف الإسناد الأول مصريون ونصفه الأعلى مدنيون ولعمرو بن الحارث فيه إسناد آخر إلى ميمونة ذكره الاسماعيلي مقرونا بالإسناد الأول وليس في حديث ميمونة ذكر المضمضة التي ترجم بها فقيل أشار بذلك إلى أنها غير واجبة بدليل تركها في هذا الحديث مع أن المأكول دسم يحتاج إلى المضمضة منه فتركها لبيان الجواز وأفاد الكرماني أن في نسخة الفربري التي بخطه تقديم حديث ميمونة هذا إلى الباب الذي قبله فعلى هذا هو من يطلق النساخ قوله باب هل يمضمض من اللبن وحديث قتيبة هذا أحد الأحاديث التي أخرجها الأئمة الخمسة وهم الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي عن شيخ واحد وهو قتيبة قوله شرب لبنا زاد مسلم ثم دعا بماء قوله إن له دسما قال بن بطال عن المهلب فيه بيان علة الأمر بالوضوء مما مست النار وذلك لأنهم كانوا ألفوا في الجاهلية قلة التنظيف فأمروا بالوضوء مما مست النار فلما تقررت النظافة في الإسلام وشاعت نسخ كذا قال ولا تعلق الحديث الباب بما ذكر إنما في بيان العلة للمضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل شئ دسم ويستنبط منه استحباب غسل اليدين للتنظيف قوله تابعه أي عقيلا يونس أي بن يزيد وحديثه موصول عند مسلم وحديث صالح موصول عند أبي العباس السراج في مسنده وتابعهم أيضا الأوزاعي أخرجه المصنف في الأطعمة عن أبي عاصم عنه بلفظ حديث الباب لكن رواه بن ماجة من طريق الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي فذكره بصيغة الأمر مضمضوا من اللبن الحديث كذا رواه الطبري من طريق أخرى عن الليث بالإسناد المذكور وأخرج بن ماجة من حديث أم سلمة وسهل بن سعد مثله وإسناد كل منهما حسن والدليل على أن الأمر فيه للاستحباب ما رواه الشافعي عن بن عباس راوي الحديث أنه شرب لبنا فمضمض ثم قال لو لم اتمضمض ما باليت وروى أبو داود بإسناد حسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فلم يتضمض ولم يتوضأ وأغرب بن شاهين فجعل حديث أنس ناسخا لحديث بن عباس ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ قوله باب الوضوء من النوم أي هل يجب أو يستحب وظاهر كلامه أن النعاس يسمى نوما والمشهور التفرقة بينهما وإن من قرت حواسه بحيث يسمع كلام جليسه ولا يفهم معناه فهو ناعس وأن زاد على ذلك فهو نائم ومن علامات النوم الرؤيا طالت أو قصرت وفي العين والمحكم النعاس النوم وقيل مقاربته قوله ومن لم ير من النعسة هو قول المعظم ويتخرج من جعل النعاس نوما أن من يقول النوم حدث بنفسه يوجب الوضوء من النعاس وقد روى مسلم في صحيحه في قصة صلاة بن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم صارت قال فجعلت إذا اغفيت أخذ بشحمة أذني فدل على أن الوضوء لا يجب على غير المستغرق وروى بن المنذر عن بن عباس أنه قال وجب الوضوء
[ 271 ]
على كل نائم إلا من خفق خفقة والخفقة بفتح المعجمة واسكان الفاء بعدها قاف قال بن التين هي النعسة وإنما كرر لاختلاف اللفظ كذا قال والظاهر أنه من الخاص بعد العام قال أهل اللغة خفق رأسه إذا حركه وهو ناعس وقال أبو زيد خفق برأسه من النعاس آماله وقال الهروي معنى تخفق رؤوسهم تسقط اذقانهم على صدورهم وأشار بذلك الى حديث أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فينعسون حتى تخفق رؤوسهم ثم يقومون إلى الصلاة رواه محمد بن نصر في قيام الليل وإسناده صحيح وأصله عند مسلم قوله عن هشام زاد الأصيلي بن عروة والإسناد مدنيون الا شيخ البخاري قوله إذا نعس بفتح العين وغلطوا من ضمها قوله فليرقد وللنسائي من طريق أيوب عن هشام فلينصرف والمراد به التسليم من الصلاة وحمله المهلب على ظاهره فقال إنما أمره بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفى عنه قال وقد اجمعوا على أن النوم القليل لا ينقض الوضوء وخالف المزني فقال ينقض قليله وكثيره فخرق الإجماع كذا قال المهلب وتبعه بن بطال وابن التين وغيرهما وقد تحاملوا على المزني في هذه الدعوى فقد نقل بن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتابعين المصير إلى أن النوم حدث ينقض قليله وكثيره وهو قول أبي عبيد وإسحاق بن راهويه قال بن المنذر وبه أقول لعموم حديث صفوان بن عسال يعني الذي صححه بن خزيمة وغيره ففيه الا من غائط أو بول أو نوم فسوى بينهما في الحكم والمراد بقليله وكثيره المريض زمانه وقصره لا مباديه والذين ذهبوا الى أن النوم مظنة الحديث اختلفوا على أقول التفرقة بين قليله وكثيره وهو قول الزهري ومالك وبين المضطجع وغيره وهو قول الثوري وبين المضطجع والمستند وغيرهما وهو قول أصحاب الرأي وبينهما والساجد بشرط قصده النوم وبين غيرهم وهو قول أبي يوسف وقيل لا ينقض نوم غير القاعد مطلقا وهو قول الشافعي في القديم وعنه التفصيل بين خارج الصلاة فينقض أو داخلها فلا وفصل في الجديد بين القاعد المتمكن فلا ينقض وبين غيره فينقض وفي المهذب وأن وجد منه النوم وهو قاعد ومحل الحدث منه متمكن بالرض فالمنصوص أنه لا ينقض وضوؤه وقال في البويطي ينتقض وهو اختيار المزني انتهى وتعقب بان لفظ البويطي ليس صريحا في ذلك فأنه قال ومن نام جالسا أو قائما فرأى رؤيا وجب عليه الوضوء قال النووي هذا قابل للتأويل قوله فان أحدكم قال المهلب فيه إشارة إلى العلة الموجبة لقطع الصلاة فمن صار في مثل هذه الحال فقد انتفض وضوؤه بالإجماع كذا قال وفيه نظر فإن الإشارة إنما هي إلى جواز قطع الصلاة أو الانصراف إذا سلم منها وأما النقض فلا يتبين من سياق الحديث لأن جريان ما ذكر على اللسان ممكن من الناعس وهو القائل إن قليل النوم لا ينقض فكيف بالنعاس وما ادعاه من الإجماع منتقض فقد صح عن أبي موسى الأشعري وابن عمر وسعيد بن المسيب أن النوم لا ينقض مطلقا وفي صحيح مسلم وأبي داود وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فينامون ثم يصلون ولا يتوضئون فحمل على أن ذلك كان وهم قعود لكن في مسند البزار بإسناد صحيح في هذا الحديث فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقومون إلى الصلاة قوله فيسب بالنصب ويجوز الرفع ومعنى يسب يدعو على نفسه وصرح به النسائي في روايته من طريق أيوب عن هشام ويحتمل أن يكون علة النهي خشية أن يوافق
[ 272 ]
ساعة الإجابة قاله بن أبي جمرة وفيه الأخذ بالاحتياط لأنه علل بأمر محتمل والحث على الخشوع وحضور القلب للعبادة واجتناب المكروهات في الطاعات وجواز الدعاء في الصلاة من غير تقييد بشئ معين فائدة هذا الحديث ورد على سبب وهو ما رواه محمد بن نصر من طريق بن إسحاق عن هشام في قصة الحولاء بنت تويت كما تقدم في باب أحب الدين إلى الله أدومه قوله حدثنا أبو معمر هو أبو عبد الله بن عمرو وعبد الوارث هو بن سعيد وأيوب هو السختياني والإسناد كله بصريون قوله إذا نعس زاد الاسماعيلي أحدكم ولمحمد بن نصر من طريق وهيب عن أيوب فلينصرف قوله فلينم قال المهلب إنما هذا في صلاة الليل لأن الفريضة ليست في أوقات النوم ولا فيها من التطويل ما يوجب ذلك انتهى وقد قدمنا أنه جاء على سبب لكن العبرة بعموم اللفظ فيعمل به أيضا في الفرائض إن وقع ما أمن بقاء الوقت تنبيه أشار الاسماعيلي إلى أن في هذا الحديث اضطرابا فقال رواه حماد بن زيد عن أيوب فوقفه وقال فيه عن أيوب قرئ على كتاب عن أبي قلابة فعرفته وأراه عبد الوهاب الثقفي عن أيوب فلم يذكر أنسا انتهى وهذا لا يوجب الاضطراب لأن رواية عبد الوارث أرجح بموافقة وهيب والطفاوى له عن أيوب وقول حماد عنه قرئ على لا يدل على أنه لم يسمعه من أبي قلابة بل يحمل على أنه عرف أنه فيما سمعه من أبي قلابة والله أعلم قوله باب الوضوء من غير حدث أي ما حكمه والمراد تجديد الوضوء وقد ذكرنا اختلاف العلماء في أول كتاب الوضوء عند ذكر قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة وأن كثيرا منهم قالوا التقدير إذا قمتم الى الصلاة محدثين واستدل الدارمي في مسنده على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء إلا من حدث وحكى الشافعي عمن لقيه من أهل العلم أن التقدير إذا قمتم من النوم وتقدم أن من العلماء من حمله على ظاهره وقال كان الوضوء لكل صلاة واجبا ثم اختلفوا هل نسخ أو استمر حكمة ويدل على النسخ ما أخرجه أبو داود وصححه بن خزيمة من حديث عبد الله بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة فلما شق عليه أمر بالسواك وذهب إلى استمرار الوجوب قوم كما جزم به الطحاوي ونقله بن عبد البر عن عكرمة وابن سيرين وغيرهما واستبعده النووي وجنح إلى تأويل ذلك أن ثبت عنهم وجزم بان الإجماع استقر على عدم الوجوب ويمكن حمل الآية على ظاهرها من غير نسخ ويكون الأمر في حق المحدثين على الوجوب وفي حق غيرهم على الندب وحصل بيان ذلك بالسنة كما في حديث الباب قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري قوله وحدثنا مسدد هو تحويل إلى إسناد ثان قبل ذكر المتن وإنما ذكره وإن كان الأول أعلى لتصريح سفيان الثوري فيه بالتحديث وعمرو بن عامر كوفي أنصاري وقيل بجلى وصحح المزي أن الأسماء راو آخر غير هذا الأنصاري وليس لهذا في البخاري غير ثلاثة أحاديث كلها عن أنس وليس للبجلى عنده رواية وقد يلتبس به عمر بن عامر بضم العين راو آخر بصري سلمى أخرج له مسلم وليس له في البخاري شئ قوله عند كل صلاة أي مفروضة زاد الترمذي من طريق حميد عن أنس طاهرا أو غير طاهر وظاهره أن تلك كانت عادته لكن حديث سويد المذكور في الباب يدل على أن المراد الغالب قال الطحاوي يحتمل أن ذلك كان واجبا عليه خاصة ثم نسخ يوم الفتح لحديث بريدة يعني الذي أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد وأن عمر سأله فقال عمدا
[ 273 ]
فعلته وقال يحتمل أنه كان بالصلاة استحبابا ثم خشي أن يظن وجوبه فتركه لبيان الجواز قلت وهذا أقرب وعلى تقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر وهي قبل الفتح بزمان قوله كيف كنتم القائل عمرو بن عامر والمراد الصحابة وللنسائي من طريق شعبة عن عمرو أنه سأل أنسا أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة قال نعم ولابن ماجة وكنا نحن نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد قوله يجزئ بالضم من أجزأ أي يكفي وللاسماعيلي يكفي قوله حدثنا سليمان هو بن بلال ومباحث المتن تقدمت قريبا وافادت هذه الطريق التصريح بالأخيار من يحيى وشيخه وليس لسويد بن النعمان عند البخاري الا هذا الحديث الواحد وقد أخرجه في مواضع كما تقدمت الإشارة إليه وهو أنصاري حارثي شهد بيعة الرضوان كما سيأتي في المغازي إن شاء الله تعالى وذكر بن سعد أنه شهد قبل ذلك أحدا وما بعدها قوله باب بالتنوين من الكبائر أي التي وعد من اجتنبها بالمغفرة قوله حدثنا عثمان هو بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر ومجاهد هو بن جبر صاحب بن عباس وقد سمع الكثير منه واشتهر بالأخذ عنه لكن روى هذا الحديث الأعمش عن مجاهد فأدخل بينه وبين بن عباس طاوسا كما أخرجه المؤلف بعد قليل واخراجه له على الوجهين يقتضى صحتهما عنده فيحمل على أن مجاهدا سمعه من طاوس عن بن عباس ثم سمعه من بن عباس بلا واسطة أو العكس ويؤيده أن في سياقه عن طاوس زيادة على ما في روايته عن بن عباس وصرح بن حبان بصحة الطريقين معا وقال الترمذي رواية الأعمش أصح قوله مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط أي بستان وللمصنف في الأدب خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة فيحمل على أن الحائط الذي خرج منه غير الحائط الذي مر به وفي الأفراد للدارقطني من حديث جابر أن الحائط كان لأم مبشر الأنصارية وهو يقوي رواية الأدب لجزمها بالمدينة من غير شك والشك في قوله أو مكة من جرير قوله فسمع صوت انسانين يعذبان في قبورهما قال بن مالك في قوله صوت انسانين شاهد على جواز افراد المضاف المثنى إذا كان جزء ما اضيف إليه نحو أكلت رأس شاتين وجمعه أجود نحو فقد صغت قلوبكما وقد اجتمع التثنية والجمع في قوله ظهراهما مثل ظهور الترسين فإن لم يكن المضاف جزء ما أضيف إليه فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية فإن أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع وقوله يعذبان في قبورهما شاهد لذلك قوله يعذبان في رواية الأعمش مر بقبرين زاد بن ماجة جديدين فقال إنهما ليعذبان فيحتمل أن يقال أعاد الضمير على غير مذكور لأن سياق الكلام يدل عليه عنه وأن يقال أعاده على القبرين مجازا والمراد من فيهما قوله وما يعذبان في كبير ثم قال بلى أي إنه لكبير وصرح بذلك في الأدب من طريق عبد بن حميد عن منصور فقال وما يعذبان في كبير وإنه لكبير وهذا من زيادات رواية منصور على الأعمش ولم يخرجها مسلم واستدل بن بطال برواية الأعمش على أن التعذيب لا يختص بالكبائر بل قد يقع على الصغائر قال لأن الاحتراز من البول لم يرد فيه وعيد يعني قبل هذه القصة وتعقب بهذه الزيادة وقد ورد مثلها من حديث أبي بكرة عند أحمد والطبراني ولفظه وما يعذبان في كبير بلى وقال بن مالك في قوله في كبير شاهد على ورود في التعليل وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم عذبت امرأة في هرة قال وخفي ذلك
[ 274 ]
على أكثر النحويين مع وروده في القرآن كقوله تعالى لمسكم فيما أخذتم وفي الحديث كما تقدم وفي الشعر فذكر شواهد انتهى وقد اختلف في معنى قوله وإنه لكبير فقال أبو عبد الملك البوني يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن ذلك غير كبير فأوحى إليه في الحال بأنه كبير فاستدرك وتعقب بأنه يستلزم أن يكون نسخا والنسخ لا يدخل الخبر وأجيب بأن الحكم بالخبر يجوز نسخه فقوله وما يعذبان كبير أخبار بالحكم فإذا أوحى إليه أنه كبير فأخبر به كان نسخا لذلك الحكم وقيل يحتمل أن الضمير في قوله وأنه يعود على العذاب لما ورد في صحيح بن حبان من حديث أبي هريرة يعذبان عذابا وعطاء في ذنب هين وقيل الضمير يعود على أحد الذنبين وهو النميمة لأنها من الكبائر بخلاف كشف العورة وهذا مع ضعفه غير مستقيم لأن الاستتار المنفي ليس المراد به كشف العورة فقط كما سيأتي وقال الداودي وابن العربي كبير المنفى بمعنى أكبر والمثبت واحد الكبائر أي ليس ذلك بأكبر الكبائر كالقتل مثلا وأن كان كبيرا في الجملة وقيل المعنى ليس بكبير في الصورة لأن تعاطى ذلك يدل على الدناءة والحقارة وهو كبير الذنب وقيل ليس بكبير في اعتقادهما أو في اعتقاد المخاطبين وهو عند الله كبير كقوله تعالى وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم وقيل ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليهما الاحتراز من ذلك وهذا الأخير جزم به البغوي وغيره ورجحه بن دقيق العيد وجماعة وقيل ليس بكبير بمجرده وإنما صار كبيرا بالمواظبة عليه ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وصف كلا منهما بما يدل على تجدد ذلك منه واستمراره عليه للإتيان بصيغة المضارعة بعد حرف كان والله أعلم قوله لا يستتر كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وفي رواية بن عساكر يستبرئ بموحدة ساكنة من الاستبراء ولمسلم وأبي داود في حديث الأعمش يستنزه بنون ساكنة بعدها زاى ثم هاء فعلى رواية الأكثر معنى الاستتار أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه فتوافق رواية لا يستنزه لأنها من التنزه وهو الابعاد وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش كان لا يتوقى وهي مفسرة للمراد واجراء بعضهم على ظاهرة فقال معناه لا يستر عورته وضعف بان التعذيب لو وقع على كشف العورة لاستقل الكشف بالسببية واطرح اعتبار البول فيترتب العذاب على الكشف سواء وجد البول أم لا ولا يخفى ما فيه وسيأتي كلام بن دقيق العيد قريبا وأما رواية الاستبراء فهي أبلغ في التوقي وتعقب الاسماعيلي رواية الاستتار بما يحصل جوابه بما ذكرنا قال بن دقيق العيد لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية يشير إلى ما صححه بن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا أكثر عذاب القبر من البول أي بسبب ترك التحرز منه قال ويؤيده أن لفظ من في هذا الحديث لما اضيف إلى البول اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب الى البول بمعنى أن ابتداء سبب العذاب من البول فلو حمل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى فتعين الحمل على المجاز لنجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد لأن مخرجه واحد ويؤيده أن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجة أما أحدهما فيعذب في البول ومثله للطبراني عن أنس قوله من بوله يأتي الكلام عليه في الترجمة التي بعد هذه قوله يمشي بالنميمة قال بن دقيق العيد هي نقل
[ 275 ]
كلام الناس والمراد منه هنا ما كان يقصد بالاضرار فأما ما اقتضى فعل مصلحة أو ترك مفسدة فهو مطلوب انتهى وهو تفسير للنميمة وهو تفسير للنميمة بالمعنى الأعم وكلام غيره يخالفه كما سنذكر ذلك مبسوطا في موضعه من كتاب الأدب قال النووي وهي نقل كلام الغير بقصد الاضرار وهي من أقبح القبائح وتعقبه الكرماني فقال هذا لا يصح على قاعدة الفقهاء فإنهم يقولون الكبيرة هي الموجبة للحد ولا حد على المشي بالنميمة الا أن يقال الاستمرار هو المستفاد منه جعله كبيرة لأن الاصرار على الصغيرة حكمة حكم الكبيرة أو أن المراد بالكبيرة معنى غير المعنى الاصطلاحي انتهى وما نقله عن الفقهاء ليس هو قول جميعهم لكن كلام الرافعي بشعر بترجيحه حيث حكى في تعريف الكبيرة وجهين أحدهما هذا والثاني ما فيه وعيد شديد قال وهم إلى الأول أميل والثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر انتهى ولا بد من حمل القول الأول على أن المراد به غير ما نص عليه في الأحاديث الصحيحة وإلا لزم أن لا يعد عقوق الوالدين وشهادة الزور من الكبائر مع أن النبي صلى الله عليه وسلم عدهما من أكبر الكبائر وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستوفى في أول كتاب الحدود وأن شاء الله تعالى وعرف بهذا الجواب عن اعتراض الكرماني بان النميمة قد نص في الصحيح على أنها كبيرة كما تقدم قوله ثم دعا بجريدة وللأعمش فدعا بعسيب رطب والعسيب بمهملتين بوزن فعيل هي الجريدة التي لم ينبت فيها خوص فإن نبت فهي السعفة وقيل أنه خص الجريدة بذلك لأنه بطئ الجفاف وروى النسائي من حديث أبي رافع بسند ضعيف أن الذي أتاه بالجريدة بلال ولفظه كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة إذ سمع شيئا في قبر فقال لبلال ائتني بجريدة خضراء الحديث قوله فكسرها أي فأتى بها فكسرها وفي حديث أبي بكرة عند أحمد والطبراني أنه الذي أتى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما رواه مسلم في حديث جابر الطويل المذكور في أواخر الكتاب أنه الذي قطع الغصنين فهو في قصة أخرى غير هذه بن فالمغايرة بينهما من أوجه منها أن هذه كانت في المدينة وكان معه صلى الله عليه وسلم جماعة وقصة جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده ومنها أن هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في الباب الذي بعد هذا من رواية الأعمش وفي حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر جابر بسقطه غصنين من شجرتين كان النبي صلى الله عليه وسلم استتر بهما عند قضاء حاجته ثم أمر جابرا فألقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وأن جابرا سأله عن ذلك فقال إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين ولم يذكر في قصة جابر أيضا السبب الذي كانا يعذبان به ولا الترجي الاتي في قوله لعله فبان تغاير حديث بن عباس وحديث جابر وانهما كانا في قصتين مختلفتين ولا يبعد تعدد ذلك وقد روى بن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف عليه فقال ائتوني بجريدتين فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه فيحتمل أن تكون هذه قصة ثالثة ويؤيده أن في حديث أبي رافع كما تقدم فسمع شيئا في قبر وفيه فكسرها باثنين ترك نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه وفي قصة الواحد جعل نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه وفي قصة الإثنين جعل على كل قبر جريدة قوله كسرتين بكسر الكاف والكسرة القطعة من الشئ المكسور وقد تبين من رواية الأعمش أنها كانت نصفا
[ 276 ]
وفي رواية جرير عنه باثنتين قال النووي الباء زائدة للتوكيد والنصب على الحال قوله فوضع وفي رواية الأعمش الآتية فغرز وهي أخص من الأولى قوله فوضع على كل قبر منهما كسرة وقع في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش ثم غرز عند رأس كل واحد منهما قطعة قوله فقيل له وللاعمش قالوا أي الصحابة ولم نقف على تعيين السائل منهم قوله لعله قال بن مالك يجوز أن تكون الهاء ضمير الشأن وجاز تفسيره بأن وصلتها لأنها في حكم جملة لاشتمالها على مسند ومسند إليه قال ويحتمل أن تكون أن زائدة مع كونها ناصبة كزيادة الباء مع كونها جارة انتهى وقد ثبت في الرواية الآتية بحذف أن فقوي الاحتمال الثاني وقال الكرماني العطار لعل بعسى فأتى بان في خبره قوله يخفف بالضم وفتح الفاء أي العذاب عن المقبورين قوله ما لم تيبسا كذا في أكثر الروايات بالمثناة الفوقانية أي الكسرتان وللكشميهني الا أن تيبسا بحرف الاستثناء وللمستملى إلى أن ييسا بإلى التي للغاية والياء التحتانية أي العودان قال المازري يحتمل أن يكون أوحى إليه أن العذاب يخفف عنهما هذه المدة انتهى وعلى هذا فلعل هنا للتعليل قال ولا يظهر له وجه غير هذا وتعقبه القرطبي بأنه لو حصل الوحي لما أتى بحرف الترجي كذا قال ولا يرد عليه ذلك إذا حملناها على التعليل قال القرطبي وقيل أنه شفع لهما هذه المدة كما صرح به في حديث جابر لأن الظاهر أن القصة واحدة وكذا رجح النووي كون القصة واحدة وفيه نظر لما اوضحناه من المغايرة بينهما وقال الخطابي هو أمرهم على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النداوة لا أن في الجريدة معنى يخصه ولا أن في الرطب معنى ليس في اليابس قال وقد قيل أن المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطبا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح وعلى هذا فيطرد في كل ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها وكذل فيما فيه بركة كالذكر وتلاوة القرآن من باب الأولى وقال الطيبي الحكمة في كونهما ما دامتا رطبتين تمنعان العذاب يحتمل أن تكون غير معلومة لنا كعدد الزبانية وقد استنكر الخطابي ومن تبعه وضع الناس الجريدة ونحوه في القبر وأشار بهذا الحديث وقال الطرطوشي لأن ذلك خاص ببركة يده وقال القاضي عياض لأنه علل غرزهما على القبر بأمر مغيب وهو قوله ليعذبان قلت لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا أن لا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب كما لا يمنع كوننا لا ندري ارحم أم لا أن لا ندعو له بالرحمة وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة بل يحتمل أن يكون أمر به وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابي بذلك فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان كما سيأتي في الجنائز من هذا الكتاب وهو أولى أن يتبع من غيره تنبيه لم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما وهو عمل مستحسن وينبغى أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به وما حكاه القرطبي في التذكرة وضعفه عن بعضهم أن أحدهما سعد بن معاذ فهو قول باطل لا ينبغي ذكره الا مقورنا ببيانه ومما يدل على بطلان الحكاية المذكورة أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر دفن سعد بن معاذ كما ثبت في الحديث الصحيح وأما قصة المقبورين ففي حديث أبي إمامة عند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم من دفنتم اليوم ههنا فدل على أنه لم يحضرهما وإنما ذكرت هذا ذبا عن هذا السيد الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم سيدا وقال لأصحابه قوموا إلى سيدكم وقال أن حكمه
[ 277 ]
قد وافق حكم الله وقال أن عرش الرحمن اهتز لموته إلى غير ذلك من مناقبه الجليلة خشية أن يغتر ناقص العلم بما ذكره القرطبي فيعتقد صحة ذلك وهو باطل وقد اختلف في المقبورين فقيل كانا كافرين وبه جزم أبو موسى المديني واحتج بما رواه من حديث جابر بسند فيه بن لهيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين من بني ماتت هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول والنميمة قال أبو موسى هذا وأن كان ليس بقوي لكن معناه صحيح لأنهما لو كان مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه فشفع لهما الى المدة المذكورة وجزم بن العطار في شرح العمدة بأنهما كانا مسلمين وقال لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب ولا ترجاه لهما ولو كان ذلك من خصائصه لبينه يعني كما في قصة أبي طالب قلت وما قاله أخيرا هو الجواب وما طالب به من البيان قد حصل ولا يلزم التنصيص على لفظ الخصوصية لكن الحديث الذي احتج به أبو موسى ضعيف كما اعترف به وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم وليس فيه سبب التعذيب فهو من تخليط بن لهيعة وهو مطابق لحديث جابر الطويل الذي قدمنا أن مسلما أخرجه واحتمال كونهما كافرين فيه ظاهر وأما حديث الباب فالظاهر من مجموع طرقه إنهما كانا مسلمين ففي رواية بن ماجة مر بقبرين جديدين فانتفى كونهما في الجاهلية وفي حديث أبي إمامة عند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع فقال من دفنتم اليوم ههنا فهذا يدل على انهما كانا مسلمين لأن البقيع مقبرة المسلمين والخطاب للمسلمين مع جريان العادة بأن كل فريق يتولاه من هو منهم ويقوى كونهما كانا مسلمين رواية أبي بكرة عند أحمد والطبراني بإسناد صحيح يعذبان وما يعذبان في كبير وبلى وما يعذبان الا في الغيبة والبول فهذا الحصر ينفى كونهما كانا كافرين لأن الكافر وأن عذب على ترك أحكام الإسلام فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم اثبات عذاب القبر وسيأتي الكلام عليه في الجنائز أن شاء الله تعالى وفيه التحذير من ملابسة البول ويلتحق به غيره من النجاسات في البدن والثوب ويستدل به على وجوب إزالة النجاسة خلافا لمن خص الوجوب بوقت إرادة الصلاة والله أعلم قوله باب ما جاء في غسل البول وقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب القبر أي عن صاحب القبر وقال الكرماني اللام بمعنى لأجل قوله كان لا يستتر من بوله يشير إلى لفظ الحديث الذي قبله قوله ولم يذكر سوى بول الناس قال بن بطال أراد البخاري أن المراد بقوله في رواية الباب كان لا يستتر من البول بول الناس لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان وكأنه أراد الرد عل الخطابي حيث قال فيه دليل على نجاسة الابوال كلها ومحصل الرد أن العموم في رواية من البول أريد به الخصوص لقوله من بول والالف واللام بدل من الضمير لكن يلتحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق قال وكذا غير المأكول وأما المأكول فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بنجاسة بوله ولمن قال بطهارته حجج أخرى وقال القرطبي قوله من البول اسم مفرد لا يقتضى العموم ولو سلم فهو مخصوص بالأدلة المقتضية لطهارة بول ما يؤكل قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي قال أخبرنا وللاكثر حدثنا إسماعيل بن إبراهيم وهو المعروف بان عليه وليس هو أخا يعقوب وروح بن القاسم بفتح الراء على
[ 278 ]
المشهور ونقل بن التين والقابسي أنه قرئ بضمها وهو شاذ مردود وقد تقدمت مباحث المتن في باب الاستنجاء بالماء والاستدلال به هنا على غسل البول أعم من الاستدلال به على الاستنجاء فلا تكرار فيه قوله فيغتسل به كذا لأبي ذر بوزن يفتعل ولغيره بفتح التحتانية وسكون الغين وكسر السين وحذف مفعوله للعلم به أو للحياء من ذكره باب قوله باب كذا ثبت لأبي ذر وقد قررنا أنه في موضع الفصل من الباب والاستدلال به على غسل البول واضح لكن ثبتت الرخصة في حق المستجمر فيستدل به على وجوب غسل ما انتشر على المحل قوله محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي هو أبو معاوية الضرير قوله فغرز وفي رواية وكيع في الأد ب فغرس وهما بمعنى وأفاد سعد الدين الحارثي أن ذلك كان عند رأس القبر وقال أنه ثبت بإسناد صحيح وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة عند بن حبان وقد قدمنا يسير ثم وجدته في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش في حديث بن عباس صريحا قوله لم فعلت سقط لفظ هذا من رواية المستملى والسرخسى قوله قال بن المثنى وحدثنا وكيع هو معطوف على الأول وثبتت أداة العطف فيه للاصيلي ولهذا ظن بعضهم أنه معلق وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن المثنى هذا عن وكيع وأبي معاوية جميعا عن الأعمش والحكمة في افراد البخاري له أن في رواية وكيع التصريح بسماع الأعمش دون الآخر وباقي مباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله قوله باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الغلام اللام فيه للعهد الذهني وقد تقدم أن الغلام واحد الأعراب وهم من سكن البادية عربا كانوا أو عجما وإنما تركوه يبول في المسجد لأنه كان شرع في المفسدة فلو منع لزادت إذ حصل تلويث جزء من المسجد فلو منع لدار بين أمرين إما أن يقطعه فيتضرر وإما أن لا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من المسجد قوله همام هو بن يحيى وإسحاق هو بن عبد الله بن أبي طلحة قوله عن أنس ولمسلم حدثني أنس قوله رأى اعرابيا حكى أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن نافع المزني أنه الأقرع بن حابس التميمي وقيل غيره كما سيأتي قريبا قوله في المسجد أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قوله فقال دعوه كان هذا الأمر بالترك عقب زجر الناس له كما سيأتي قوله حتى أي فتركوه حتى فرغ من بوله فلما فرغ دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء أي في دلو كبير فصبه أي فأمر بصبه كما سيأتي ذلك كله صريحا وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق فساقه مطولا بنحو مما شرحناه وزاد فيه ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن وسنذكر فوائده في الباب الاتي بعد إن شاء الله تعالى قوله باب صب الماء أخبرني عبيد الله كذا رواه أكثر الرواة عن الزهري ورواه سفيان بن عيينة عنه عن سعيد بن المسيب بدل عبيد الله وتابعه سفيان بن حسين فالظاهر أن الكلب صحيحتان قوله قام أعرابي زاد بن عيينة عند الترمذي وغيره في أوله أنه صلى ثم قال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لقد تحجرت واسعا فلم يلبث أن بال في المسجد وهذه الزيادة ستأتي عند المصنف مفردة في الأدب من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقد روى بن ماجة وابن حبان الحديث تاما من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وكذا رواه بن ماجة أيضا من
[ 279 ]
حديث واثلة بن الأسقع وأخرجه أبو موسى المديني في الصحابة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار قال اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلا جافيا فذكره تاما بمعناه وزيادة وهو مرسل وفي إسناده أيضا مبهم بين محمد بن إسحاق وبين محمد بن عمرو بن عطاء وهو عنده من طريق الأصم عن أبي زرعة الدمشقي عن أحمد بن خالد الذهبي عنه وهو في جمع مسند بن إسحاق لأبي زرعة الدمشقي من طريق الشاميين عنه بهذا السند لكن قال في أوله اطلع ذو الخويصره التميمي وكان جافيا والتميمي هو حرقوص بن زهير الذي صار بعد ذلك من رؤوس الخوارج وقد فرق بعضهم بينه وبين اليماني لكن له أصل أصيل واستفيد منه تسمية الغلام وقد تقدم قول التاريخي إنه الأقرع ونقل عن أبي الحسين بن فارس أنه عيينة بن حصن والعلم عند الله تعالى قوله فتناوله الناس أي بألسنتهم وللمصنف في الأدب فثار إليه الناس وله في رواية عن أنس فقاموا إليه وللاسماعيلي فأراد أصحابه أن يمنعوه وفي رواية أنس هذا الباب فزجره الناس وأخرجه البيهقي من طريق عبدان شيخ المصنف فيه بلفظ فصاح الناس به وكذا للنسائي من طريق بن المبارك فظهر أن تناوله كان بالالسنة لا بالأيدي ولمسلم من طريق إسحاق عن أنس فقال الصحابة مه مه قوله وهريقوا وللمصنف في الأدب وأهريقوا وقد تقدم توجيهها في باب الغسل في المخضب قوله سجلا بفتح المهملة وسكون الجيم قال أبو حاتم السجستاني هو الدلو ملآى ولا يقال لها ذلك وهي فارغة وقال بن دريد السجل دلو واسعة وفي الصحاح الدلو الضخمه قوله أو ذنوبا قال الخليل الدلو ملآى ماء وقال بن فارس الدلو العظيمة وقال بن السكيت فيها ماء قريب من الملك ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب انتهى فعلى الترادف أو للشك من الراوي وإلا فهي للتخيير والأول أظهر فإن رواية أنس لم تختلف في أنها ذنوب وقال في الحديث من ماء مع أن الذنوب من شأنها ذلك لكنه لفظ مشترك بينه وبين الفرس الطويل وغيرهما قوله فإنما بعثتم إسناد البعث إليهم على طريق المجاز لأنه هو المبعوث صلى الله عليه وسلم بما ذكر لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك إذ هم مبعوثون من قبله بذلك أي مأمورون وكان ذلك شأنه صلى الله عليه وسلم في حق كل من بعثه إلى جهة من الجها ت يقول يسروا ولا تعسروا قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك ويحيى بن سعيد الأنصاري قوله وحدثنا خالد سقطت الواو من رواية كريمة والعطف فيه على قوله حدثنا عبدان وسليمان هو بن بلال وبان لي أن المتن على لفظ روايته لأن لفظ عبدان فيه مخالفة لسياقه كما أشرنا إليه أنه عند البيهقي قوله في طائفة المسجد أي ناحيته والطائفة القطعة من الشئ قوله فنهاهم في رواية عبدان فقال اتركوه فتركوه قوله فهريق عليه كذا لأبي ذر وللباقين فاهريق عليه ويجوز اسكان الهاء وفتحها كما تقدم وضبطه بن الأثير في النهاية بفتح الهاء أيضا وفي هذا الحديث من الفوائد أن الاحتراز من النجاسة كان مقررا في نفوس الصحابة ولهذا بادروا إلى الإنكار بحضرته صلى الله عليه وسلم قبل استئذانه ولما تقرر عندهم أيضا من طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستدل به على جواز التمسك بالعموم إلى أن يظهر الخصوص قال بن دقيق العيد والذي يظهر أن التمسك يتحتم عن احتمال التخصيص عند المجتهد ولا يجب التوقف عن العمل بالعموم لذلك لأن علماء الأمصار ما برحوا بفتون بما بلغهم من غير توقف على البحث عن التخصيص ولهذه القصة أيضا إذ لم ينكر النبي صلى
[ 280 ]
الله عليه وسلم على الصحابة ولم يقل لهم لم نهيتم الغلام بل أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة وهو دفع أعظم المفسدتين باحتمال ايسرهما وتحصيل أعظم المصلحتين بترك ايسرهما وفيه المبادرة الى إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمرهم عند فراغه بصب الماء وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة لأن الجفاف بالريح أو الشمس لو كان يكفي لما حصل التكليف بطلب الدلو وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة ويلتحق به غير الواقعة لأن البله الباقية على الأرض غسالة نجاسة فإذا لم يثبت أن التراب نقل وعلمنا أن المقصود التطهير تعين الحكم بطهارة البلة وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضا مثلها لعدم الفارق ويستدل به أيضا على عدم اشتراط نضوب الماء لأنه لو اشترط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف وكذا لا يشترط عصر الثوب إذ لا فارق قال الموفق في المغني بعد أن حكى الخلاف الأولى الحكم بالطهارة مطلقا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط في الصب على بول الغلام شيئا وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا ولا سيما أن كان ممن يحتاج إلى استئلافه وفيه رأفة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه قال بن ماجة وابن حبان في حديث أبي هريرة فقال الغلام بعد أن فقه في الإسلام فقام إلى النبي صلى الله عليه وسلم معبد أنت وأمي فلم يؤنب ولم يسب وفيه تعظيم المسجد وتنزيهه عن الاقذار وظاهر الحصر من سياق مسلم في حديث أنس أنه لا يجوز في المسجد شئ غير ما ذكر من الصلاة والقرآن والذكر لكن الإجماع على أن مفهوم الحصر منه غير معمول به ولا ريب أن فعل غير المذكورات وما في معناها خلاف الأولى والله أعلم وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها وخلافا للحنفية حيث قالوا لا تطهر الا بحفرها كذا أطلق النووي وغيره والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بين ما إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب لأن الماء لم يغمر أعلاها واسفلها واحتجوا فيه بحديث جاء من ثلاث طرق أحدها موصول عن بن مسعود أخرجه الطحاوي لكن إسناده ضعيف قاله أحمد وغيره والاخران مرسلان أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن معقل بن مقرن والآخر من طريق سعيد بن منصور من طريق طاوس ورواتهما ثقات وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقا وكذا من يحتج به إذا اعتضد مطلقا والشافعي إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين وكان من أرسل إذا سمي لا يسمى إلا ثقة وذلك مفقود في المرسلين المذكورين على ما هو ظاهر من سنديهما والله أعلم وسيأتي باقي فوائده في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى قوله باب بول الصبيان بكسر الصاد ويجوز ضمها جمع صبي أي ما حكمه وهل يلتحق به بول الصبايا جمع صبية أم لا وفي الفرق أحاديث ليست على شرط المصنف منها حديث على مرفوعا في بول الرضيع ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية أخرجه أحمد وأصحاب السنن الا النسائي من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه قال قتادة هذا ما لم يطعما الطعام وإسناده صحيح ورواه سعيد عن قتادة فوقفه وليس ذلك بعلة قادحة ومنها حديث لبابة بنت الحارث مرفوع إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر أخرجه أحمد وابن ماجة وصححه بن خزيمة وغيره ومنها حديث أبي السمح نحوه بلفظ يرش رواه أبو داود والنسائي وصححه بن خزيمة أيضا قوله بصبى يظهر لي أن المراد به بن أم قيس المذكور بعده ويحتمل أن يكون
[ 281 ]
الحسن بن علي أو الحسين فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة بإسناد حسن قالت بال الحسن أو الحسين على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه عليه ولأحمد عن أبي ليلى نحوه ورواه الطحاوي من طريقه قال فجئ بالحسن ولم يتردد وكذا للطبراني عن أبي إمامة وإنما رجحت أنه غيره لأن عند المصنف في العقيقة من طريق يحيى القطان عن هشام بن عروة أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه وفي قصته أنه بال على ثوبه وأما في قصة الحسن ففي حديث أبي ليلى وأم سلمة أنه بال على بطنه صلى الله عليه وسلم وفي حديث زينب بنت جحش عند الطبراني أنه جاء وهو يحبو والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فصعد على بطنه ووضع ذكره في سرته فبال فذكر الحديث بتمامة فظهرت التفرقه بينهما قوله فأتبعه بإسكان المثناة أي أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم البول الذي على الثوب الماء يصبه عليه زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام فأتبعه ولم يغسله ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام فصب عليه الماء وللطحاوى من طريق زائدة الثقفي عن هشام فنضحه عليه قوله عن أم قيس قال بن عبد البر اسمها جذامة يعني بالجيم والمعجمة وقال السهيلي اسمها آمنة وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي وكانت من المهاجرات الأول كما عند مسلم من طريق يونس عن بن شهاب في هذا الحديث وليس لها في الصحيحين غيره وغير حديث آخر في الطب وفي كل منهما قصة لابنها ومات ابنها في عهذ النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير كما رواه النسائي ولم أقف على تسميته قوله لم يأكل الطعام المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي يلعقه للمداوة وغيرها فكأن المراد أنه لم يحصل له الاغتداء بغير اللبن على الاستقلال هذا مقتضى كلام النووي في شرح مسلم الحربي المهذب وأطلق في الروضة تبعا لأصلها أنه لم يطعم ولم يشرب غير اللبن وقال في نكت التنبيه المراد أنه لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه وحمل الموفق الحموي في شرح التنبيه قوله لم يأكل على ظاهره فقال معناه لم يستقل بجعل الطعام في فيه والأول أظهر وبه جزم الموفق بن قدامة وغيره وقال بن التين يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه ويؤيد ما تقدم أنه للمصنف في العقيقة قوله فأجلسه أي وضعه إن قلنا إنه كان لما ولد ويحتمل أن يكون الجلوس حصل منه على العادة أن قلنا كان في سن من يحبو كما في قصة الحسن قوله على ثوبه أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم وأغرب بن شعبان من المالكية فقال المراد به ثوب الصبي والصواب الأول قوله فنضحه ولمسلم من طريق الليث عن بن شهاب فلم يزد على أن نضح بالماء وله من طريق بن عيينة عن بن شهاب فرشه زاد أبو عوانة في صحيحه عليه ولا تخالف بين الكلب أي بين نضح ورش لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنقيط الماء وانتهى إلى النضح وهو صب الماء ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام فدعا بماء فصبه عليه ولأبي عوانة فصبه على البول يتبعه إياه قوله ولم يغسله ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام بن شهاب راوي الحديث وأن المرفوع انتهى عند قوله فنضحه قال وكذلك روى معمر عن بن شهاب وكذا أخرجه بن أبي شيبة قال فرشه لم يزد على ذلك انتهى وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الادراج وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق
[ 282 ]
مالك لكنه لم يقل ولم يغسله وقد قالها مع مالك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن بن شهاب أخرجه بن خزيمة والاسماعيلي وغيرهما من طريق بن وهب عنهم وهو لمسلم عن يونس وحده نعم زاد معمر في روايته قال قال بن شهاب فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لامكن دعوى الادراج لكنها غيرها فلا ادراج وأما ما ذكره عن بن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك فإن ذلك لفظ رواية بن عيينة عن بن شهاب وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبينا أنها غير مخالفة لرواية مالك والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد الندب إلى حسن المعاشرة والتواضع والرفق بالصغار وتحنيك المولود والتبرك بأهل الفضل وحمل الاطفال إليهم حال الولادة وبعدها وحكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما وهو مقصود الباب واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية وهو قول على وعطاه والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم ورواه الوليد بن مسلم عن مالك وقال أصحابه هي رواية شاذة والثاني يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي وخصص بن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل اجوافهما شئ أصلا والثالث هما سواء في وجوب الغسل وبه قال الحنفية والمالكية قال بن دقيق العيد اتبعوا في ذلك القياس وقالوا المراد بقولها ولم يغسله أي غسلا مبالغا فيه وهو خلاف الظاهر ويبعده ما ورد في الأحاديث الآخر يعني التي قدمناها من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإنهم لا يفرقون بينهما قال وقد ذكر في التفرقة بينهما أوجه منها ما هو ركيك وأقوى ذلك ما قيل أن النفوس اعلق بالذكور منها بالإناث يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثر المشقة واستدل به بعض المالكية على أن الغسل لا بد فيه من أمر زائد على مجرد إيصال الماء إلى المحل قلت وهو مشكل عليهم لأنهم يدعون أن المراد بالنضح هنا الغسل تنبيه قال الخطابي ليس تجويز من جوز النضح من أجل أن بول الصبي غير نجس ولكنه لتخفيف نجاسته انتهى وأثبت الطحاوي الخلاف فقال قال قوم بطهارة بول الصبي قبل الطعام وكذا جزم به بن عبد البر وابن بطال ومن تبعهما عن الشافعي وأحمد وغيرهما ولم يعرف ذلك الشافعية ولا الحنابلة وقال النووي هذه حكاية باطلة انتهى وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم والله أعلم قوله باب البول قائما وقاعدا قال بن بطال دلالة الحديث على القعود بطريق الأولى لأنه إذا جاز قائما فقاعدا اجوز قلت ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث عبد الرحمن بن حسنة الذي أخرجه النسائي وابن ماجة وغيرهما فإن فيه بال رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فقلنا انظروا إليه يبول كما تبول المرآة وحكى بن ماجة عن بعض مشايخه أنه قال كان من شأن العرب البول قائما ألا تراه يقول في حديث عبد الرحمن بن حسنة قعد يبول كما تبول المرأ وقال في حديث حذيفة فقام كما يقوم أحدكم ودل حديث عبد الرحمن المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم كان يخالفهم في ذلك فيقعد لكونه أستر وأبعد من مماسة البول وهو حديث صحيح صححه الدارقطني وغيره ويدل عليه حديث عائشة قالت ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما منذ أنزل عليه القرآن ورواه أبو عوانة في صحيحه والحاكم قوله عن أبي وائل ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن
[ 283 ]
الأعمش أنه سمع أبا وائل ولأحمد عن يحيى القطان عن الأعمش حدثني أبو وائل قوله سباطة قوم بضم المهملة بعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها لا تخلو عن النجاسة وبهذا يندفع إيراد من استشكله لكون البول يوهى الجدار ففيه اضرار أو نقول إنما بال فوق السباطة لا في أصل الجدار وهو صريح رواية أبي عوانة في صحيحه وقيل يحتمل أن يكون علم إذنهم في ذلك بالتصريح أو غيره أو لكونه مما يتسامح الناس به أو لعلمه بايثارهم إياه بذلك أو لكونه يجوز له التصرف في مال أمته دون غيره لأنه أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم وهذا وأن كان صحيح المعنى لكن لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم اخلاقه صلى الله عليه وسلم قوله ثم دعا بماء زاد مسلم وغيره من طرق عن الأعمش فتنحيت فقال أدنه فدنوت حتى قمت عند عقبيه وفي رواية أحمد عن يحيى القطان أتى سباطه قوم فتباعدت منه فأدناني حتى صرت قريبا من عقبيه فبال قائما ودعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه وكذا زاد مسلم وغيره فيه ذكر المسح على الخفين وهو ثابت أيضا عند الاسماعيلي وغيره من طرق عن شعبة عن الأعمش وزاد عيسى بن يونس فيه عن الأعمش أن ذلك كان بالمدينة أخرجه بن عبد البر في التمهيد بإسناد صحيح وزعم في الاستذكار أن عيسى تفرد به وليس كذلك فقد رواه البيهقي من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن الأعمش كذلك وله شاهد من حديث عصمة بن مالك سنذكر بعد واستدل به على جواز المسح في الحضر وهو ظاهر ولعل البخاري اختصره لتفرد الأعمش به فقد روى بن ماجة من طريق شعبة أن عاصما رواه له عن أبي وائل عن المغيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما قال عاصم وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه يعني أن روايته هي الصواب قال شعبة فسألت عنه منصورا فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة يعني كما قال الأعمش لكن لم يذكر فيه المسح فقد وافق الأعمشي على قوله عن حذيفة دون الزيادة ولم يلتفت مسلم إلى هذه العلة بل ذكرها في حديث الأعمش لأنها زيادة من حافظ وقال الترمذي حديث أبي وائل عن حذيفة أصح يعني من حديثه عن المغيرة وهو كما قال وأن جنح بن خزيمة إلى تصحيح الكلب لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصما على قوله عن المغيرة فجاز أن يكون أبو وائل سمعه منهما فيصح القولان معا لكن من حيث الترجيح رواية الأعمش ومنصور لاتفاقهما أصح من رواية عاصم وحماد لكونهما في حفظهما مقال قوله باب البول عند صاحبه أي صاحب البائل قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور وهو بن المعتمر قوله رأيتني بضم المثناة من فوق قوله فانتبذت بالنون والذال المعجمة أي تنحيت يقال جلس فلان نبذة بفتح النون وضمها أي ناحية قوله فأشار إلى يدل على أنه لم يبعد منه بحيث لا يراه وإنما صنع ذلك ليجمع بين المصلحتين عدم مشاهدته في تلك الحالة وسماع ندائه لو كانت له حاجة أو رؤية إشارته إذا أشار له وهو مستدبره وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول لأن هذه الرواية بينت أن قوله في رواية مسلم أدنه كان بالإشارة لا باللفظ وأما مخالفته صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادته من الابعاد عند قضاء الحاجة عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة فقد قيل فيه إنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بمصالح المسلمين فلعله طال عليه المجلس حتى أحتاج
[ 284 ]
إلى البول فلو أبعد لتضرر واستدنى حذيفة ليستره من خلفه من رؤية من لعله يمر به وكان قدامة مستورى بالحائط أو لعله فعله لبيان الجواز ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف ولما يقترن به من الرائحة والغرض من الابعاد التستر وهو يحصل بارخاء الذيل والدنو من الساتر وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال يا حذيفة استرني فذكر الحديث وظهر منه الحكمة في ادنائه حذيفة في تلك الحالة وكان حذيفة لما وقف خلفه عند عقبة استدبره وظهر أيضا أن ذلك كان في الحضر لا في السفر ويستفاد من هذا الحديث دفع أشد المفسدتين بأخفيهما والاتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا وبيانه أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم فلما حضره البول وهو في بعض تلك الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته لما يترتب على تأخيره من كلاهما فراعى أهم الامرين ربع المصلحة في تقريب حذيفة منه ليستره من المارة على مصلحة تأخيره عنه إذ لم يمكن جمعهما قوله باب البول عند سباطة قوم كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول بين بن المنذر وجه هذا التشديد فأخرج من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أنه سمع أبا موسى ورأى رجلا يبول قائما فقالت ويحك أفلا قاعدا ثم ذكر قصة بني إسرائيل وبهذا يظهر مطابقة حديث حذيفة في تعقبه على أبي موسى قوله ثوب أحدهم وقع في مسلم جلد أحدهم قال القرطبي مراده بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها وحمله بعضهم على ظاهره وزعم أنه من الإصر الذي حملوه ويؤيده رواية أبي داود ففيها كان إذا أصاب جسد أحدهم لكن رواية البخاري صريحة في الثياب فلعل بعضهم رواه بالمعنى قوله قرضه أي قطعه زاد الاسماعيلي بالمقراض وهو يدفع حمل من حمل القرض على الغسل بالماء قوله ليته امسك وللاسماعيلي لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد وإنما احتج حذيفة بهذا الحديث لأن البائل عن قيام قد يتعرض للرشاش ولم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الاحتمال فدل على أن التشديد مخالف للسنة واستدل به لمالك في الرخصة في مثل رؤوس الإبر من البول وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لم يصل إلى بدنه منه شئ وإلى هذا أشار بن حبان في ذكر السبب في قيامه قال لأنه لم يجد مكانا يصلح للقعود فقام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليا فآمن أن يرتد إليه شئ من بوله وقيل لأن السباطة رخوة يتخللها البول فلا يرتد إلى البائل منه شئ وقيل إنما بال قائما لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت ففعل ذلك لكونه قريبا من الديار ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن عمر رضي الله عنه قال البول قائما أحصن للدبر وقيل السبب في ذلك ما روى عن الشافعي وأحمد أن العرب كانت تستشفى لوجع الصلب بذلك فلعله كان به روى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة قال إنما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما لجرح كان في مأبضه والمأبض بهمزة ساكنة بعدها موحدة ثم غدا باطن الركبة فكأنه لم يتمكن لأجله من القعود ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي والاظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر أحواله البول عن قعود والله أعلم وسلك أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديث عائشة الذي قدمناه ما بال قائما منذ انزل عليه
[ 285 ]
القرآن وبحديثها أيضا من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول الا قاعدا والصواب أنه غير منسوخ والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا من الرشاش والله أعلم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شئ كما بينته في أوائل شرح الترمذي والله أعلم قوله باب غسل الدم بفتح الغين ويحيى هو بن سعيد القطان وهشام هو بن عروة وفاطمة هي زوجته بنت عمه المنذر وأسماء هي جدتهما لابويهما بنت أبي بكر الصديق قوله جاءت امرأة وقع في رواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام في هذا الحديث أن أسماء هي السائلة وأغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل وهي صحيحة الإسناد لا علة لها ولا بعد في أن يبهم الراوي اسم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب قوله تحيض في الثوب أي يصل دم الحيض إلى الثوب وللمصنف من طريق مالك عن هشام إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة قوله تحته بالفتح وضم المهملة وتشديد المثناة الفوقانية أي تحكه وكذا رواه بن خزيمة والمراد بذلك إزالة عينه قوله تقرصه بالفتح واسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين كذا في روايتنا وحكى القاضي عياض وغيره فيه الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة أي تدلك موضع الدم بأطراف اصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه قوله وتنضحه بفتح الضاد المعجمة وضم الحاء أي تغسله قاله الخطابي وقال القرطبي المراد به الرش لأن غسل الدم استفيد من قوله تقرصه بالماء وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب قلت فعلى هذا فالضمير في قوله تنضحه يعود على الثوب بخلاف تحته فإنه يعود على الدم فيلزم منه اختلاف الضمائر وهو على خلاف الأصل ثم أن الرش عل المشكوك فيه لا يفيد شيئا لأنه أن كان طاهرا فلا حاجة إليه وأن كان متنجسا لم يطهر بذلك فالاحسن ما قاله الخطابي قال الخطابي في هذا الحديث دليل على أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعا وهو قول الجمهور أي يتعين الماء لإزالة النجاسة وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر ومن حجتهم حديث عائشة ما كان لاحدانا الا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شئ من دم الحيض قالت بريقها فمصعته بظفرها ولأبي داود بلته بريقها وجه الحجة منه أنه لو كان الريق لا يطهر لزاد النجاسة وأجيب باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك كما سيأتي تقريره في كتاب الحيض في باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه فائدة تعقب استدلال من استدل على تعيين إزالة النجاسة بالماء من هذا الحديث بأنه مفهوم لقب وليس بحجة عند الأكثر ولأنه خرج مخرج الغالب في الاستعمال لا الشرط وأجيب بأن الخبر نص على الماء فإلحاق غيره به بالقياس وشرطه أن لا ينقص الفرع عن الأصل في العلة وليس في غير الماء ما في الماء من رقته وسرعة نفوذه فلا يلحق به وسيأتي باقي فوائده في باب غسل دم الحيض إن شاء الله
[ 286 ]
تعالى قوله حدثنا محمد كذا للأكثر غير منسوب وللأصيلي بن سلام ولأبي ذر هو بن سلام وأبو معاوية هو الضرير قوله حدثنا هشام زاد الأصيلي بن عروة قوله فاطمة بنت أبي حبيش بالحاء المهملة والموحدة والشين المعجمة بصيغة التصغير اسمه قيس بن المطلب بن أسد وهي غير فاطمة بنت قيس التي طلقت ثلاث اقوله استحاض بضم الهمزة وفتح المثناة يقال استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد ايامها المعتادة فهي مستحاضة والاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه قوله لا أي لا تدعى الصلاة قوله عرق بكسر العين هو المسمى بالعاذل بالذال المعجمة قوله حيضتك بفتح الحاء ويجوز كسرها والمراد بالاقبال والادبار هنا ابتداء دم الحيض وانقطاعه قوله فدعى الصلاة يتضمن نهى الحائض عن الصلاة وهو للتحريم ويقتضى فساد الصلاة بالإجماع قوله فاغتسلي عنك الدم أي واغتسلي والأمر بالاغتسال مستفاد من أدلة أخرى كما سيأتي بسطها في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى قوله قال أي هشام بن عروة وقال أبي بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة أي عروة بن الزبير وادعى بعضهم أن هذا معلق وليس بصواب بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام وقد بين ذلك الترمذي في روايته وادعى آخر أن قوله ثم توضئ من كلام عروة موقوفا عليه وفيه نظر لأنه لو كان كلامه لقال ثم تتوضأ بصيغة الأخبار فلما آتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع وهو قوله فاغسلي وسنذكر حكم هذه المسألة في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى قوله باب غسل المني وفركه لم يخرج البخاري حديث الفرك بل اكتفى بالإشارة إليه في الترجمة على عادته لأنه ورد من حديث عائشة أيضا كما سنذكره وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطبا والفرك على ما كان يابسا وهذه طريقة الحنفية والطريقة الأولى أرجح لأن فيها العمل بالخبر والقياس معا لأنه لو كان نجسا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفكره كالدم وغيره وهم لا يكتفون فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك ويرد الطريقة الثانية أيضا ما في رواية بن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الأذخر ثم يصلي فيه وتحكه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين وأما مالك فلم يعرف الفرك وقال إن العمل عندهم على جوب الغسل كسائر النجاسات وحديث الفرك حجة عليهم وحمل بعض أصحابه الفرك على الدلك بالماء وهو مردود بما في إحدى روايات مسلم عن عائشة لقد رأيتني وإني لاحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفرى وبما صححه الترمذي من حديث همام بن الحارث أن عائشة أنكرت على ضيفها غسله الثوب فقالت لم أفسد علينا ثوبنا إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه فربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم باصابعى وقال بعضهم الثوب الذي اكتفت فيه بالفرك ثوب النوم والثوب الذي غسلته ثوب الصلاة وهو مردود أيضا بما في إحدى روايات مسلم من حديثها أيضا لقد رأيتني افركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلى فيه وهذا التعقيب بالفاء ينفى احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة وأصرح منه رواية بن
[ 287 ]
خزيمة أنها كانت تحكه من ثوبه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وعلى تقدير عدم ورود شئ من ذلك فليس في حديث الباب ما يدل على نجاسة المني لأن غسلها فعل وهو لا يدل على الوجوب بمجرده والله أعلم وطعن بعضهم في الاستدلال بحديث الفرك على طهارة المني بأن مني النبي صلى الله عليه وسلم طاهر دون غيره كسائر فضلاته والجواب على تقدير صحة كونه من الخصائص أن منيه كان عن جماع فيخالط مني المرأة فلو كان منهيا نجسا لم يكتف فيه بالفرك وبهذا احتج الشيخ الموفق وغيره على طهارة رطوبة فرجها قال ومن قال أن المني لا يسلم من المذي فيتنجس به لم يصب لأن الشهوة إذا اشتدت خرج المني دون المذي والبول كحالة الاحتلام والله أعلم قوله وغسل ما يصيب أي الثوب وغيره من المرأة وفي هذه المسألة حديث صريح ذكره المصنف بعد في آخر كتاب الغسل من حديث عثمان ولم يذكره هنا وكأنه استنبطه مما أشرنا إليه من أن المني الحاصل في الثوب لا غلام غالبا من مخالطة ماء المرأة ورطوبتها قوله عمرو بن ميمون الجزري كذا للجمهور وهو الصواب وهو بفتح الجيم والزاي بعدها راء منسوب إلى الجزيرة وكان ميمون بن مهران والد عمرو نزلها فنسب إليها ولده ووقع في رواية الكشميهني وحده الجوزي بواو ساكنة بعدها زاى وهو غلط منه قوله أغسل الجنابة أي أثر الجنابة فيكون على حذف مضاف أو أطلق اسم الجنابة على المني مجازا قوله بقع بضم الموحدة وفتح القاف جمع بقعة قال أهل اللغة البقع اختلاف اللونين قوله في الإسناد الثاني حدثنا يزيد قال أبو مسعود الدمشقي كذا هو غير منسوب في رواية الفربري وحماد بن شاكر ويقال إنه بن هارون وليس بابن زريع وجميعا قد رويا يعني عن عمرو بن ميمون ووقع في رواية بن السكن أحد الرواة عن الفريري حدثنا يزيد يعني بن زريع وكذا أشار إليه الكلاباذى ورجح القطب الحليمي في شرحه أنه بن هارون قال لأنه وجد من روايته ولم يوجد من رواية بن زريع قلت ولا يلزم من عدم الوجدان عدم الوقوع كيف وقد جزم أبو مسعود بأنه رواه فدل على وجدانه والمثبت مقدم على النافي وقد خرجه الاسماعيلي وغيره من حديث يزيد بن هارون بلفظ مخالف للسياق الذي أورده البخاري وهذا من مرجحات كونه بن زريع وأيضا فقتيبة معروف بالرواية عن يزيد بن زريع دون بن هارون قاله المزي والقاعدة في من أهمل أن يحمل على من للراوى به خصوصية كالاكثار وغيره فترجح أنه بن زريع والله أعلم قوله حدثنا عمرو كذا للأكثر ولأبي ذر يعني بن ميمون وهو بن مهران كما سيأتي في آخر الباب الذي يليه قوله سمعت عائشة وفي الإسناد الذي يليه سألت عائشة فيه رد على البزار حيث زعم أن سليمان بن يسار لم يسمع من عائشة على أن البزار مسبوق بهذه الدعوى فقد حكاه الشافعي في الأم عن غيره وزاد أن الحفاظ قالوا إن عمرو بن ميمون غلط في رفعه وإنما هو في فتوى سليمان انتهى وقد تبين من تصحيح البخاري له وموافقة مسلم له على تصحيحه صحة سماع سليمان منها وأن رفعه صحيح وليس بين فتواه وروايته تناف وكذا لا تأثير للاختلاف في الكلب حيث وقع في إحداهما أن عمرو بن ميمون سأل سليمان وفي الأخرى أن سليمان سأل عائشة لأن كلا منهما سأل شيخه فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض وكلهم ثقات قوله عبد الواحد هو بن زياد البصري وفي طبقته عبد الواحد بن زيد البصري ولم يخرج له البخاري شيئا قوله عن المنى أي عن حكم المني هل يشرع غسله أم لا فحصل الجواب بأنها كانت تغسله
[ 288 ]
وليس في ذلك ما يقتضى ايجابه كما قدمناه قوله فيخرج أي من الحجرة إلى المسجد قوله بقع الماء بضم العين على أنه بدل من قوله أثر الغسل ويجوز النصب على الاختصاص وفي هذه الرواية جواز سؤال النساء عما يستحي منه لمصلحة تعلم الأحكام وفيه خدمة الزوجات للازواج واستدل به المصنف على أن بقاء الأثر بعد زوال العين في إزالة النجاسة وغيرها لا يضر فلهذا ترجم باب غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره وأعاد الضمير مذكرا على المعنى أي فلم يذهب أثر الشئ المغسول ومراده أن ذلك لا يضر وذكر في الباب حديث الجنابة والحق غيرها بها قياسا أو أشار بذلك الى ما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة أن خولة بنت يسار قالت يا رسول الله ليس لي الا ثوب واحد وأنا احيض فكيف أصنع قال إذا طهرت فأغسليه ثم صلى فيه قالت فإن لم يخرج الدم قال يكفيك الماء ولا يضرك أثره وفي إسناده ضعف وله شاهد مرسل ذكره البيهقي والمراد بالأثر ما تعسر إزالته جمعا بين هذا وبين حديث أم قيس حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر أخرجه أبو داود أيضا وإسناده حسن ولما لم يكن هذا الحديث على شرط المصنف استنبط من الحديث الذي على شرطه ما يدل على ذلك المعنى كعادته قوله المنقري بكسر الميم واسكان النون وفتح القاف نسبة إلى بن منقر بطن من تميم وهو أبو سلمة التبوذكي وعبد الواحد هو بن زياد أيضا قوله سمعت سليمان بن يسار في الثوب أي يقول في مسألة الثوب وللكشميهني سألت سليمان بن يسار في الثوب أي قلت له ما تقول في الثوب أو في بمعنى عن قوله أغسله أي اثر الجنابة أو المني قوله وأثر الغسل فيه يحتمل أن يكون الضمير راجعا الى اثر الماء أو إلى الثوب ويكون قوله بقع الماء بدلا من قوله أثر الغسل كما تقدم أو المعنى أثر الجنابة المغسولة بالماء فيه من بقع الماء المذكور وقوله في الرواية الأخرى ثم أراه فيه بعد قوله كانت تغسل المني يرجح هذا الاحتمال الأخير لأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو المني قوله زهير هو بن معاوية الجعفي قوله أنها كانت يحتمل أن يكون مذكورا بالمعنى من لفظها أي قالت كنت اغسل ليشاكل قولها ثم أراه أو حذف لفظ قالت قبل قولها ثم أراه قوله بقعة أو بقعا يحتمل أن يكون من كلامها وينزل على حالتين أو شكا من أحد رواته والله أعلم قوله باب أبوال الإبل والدواب والغنم والمراد بالدواب معناه العرفي وهو ذوات الحافر من الخيل والبغال والحمير ويحتمل أن يكون من عطف العام على الخاص ثم عطف الخاص على العام والأول أوجه ولهذا ساق أثر أبي موسى في صلاته في دار البريد لأنها مأوى الدواب التي تركب وحديث العرنيين ليستدل به على طهارة أبوال الإبل وحديث مرابض الغنم ليستدل به على ذلك أيضا منها قوله ومرابضها جمع مربض بكسر أوله وفتح الموحدة بعدها غدا وهي للغنم كالمعاطن للإبل والضمير يعود على أقرب مذكور وهو الغنم ولم يفصح المصنف بالحكم كعادته في المختلف فيه لكن ظاهر إيراده حديث العرنيين يشعر باختياره الطهارة ويدل على ذلك قوله في حديث صاحب القبر ولم يذكر سوى بول الناس وإلى ذلك ذهب الشعبي وابن علية وداود وغيرهم وهو يرد على من نقل الإجماع على نجاسة بول غير المأكول مطلقا وقد قدمنا ما فيه قوله وصلى أبو موسى هو الأشعري وهذا الأثر وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له قال حدثنا الأعمش عن مالك بن الحارث هو السلمي الكوفي عن أبيه قال صلى بنا أبو موسى في دار البريد وهناك سرقين
[ 289 ]
الدواب والبرية على الباب فقالوا لو صليت على الباب فذكره والسرقين بكسر المهملة واسكان الراء هو الزبل وحكى فيه بن سيده فتح أوله وهو فارسي معرب ويقال له السرجين بالجيم وهو في الأصل حرف بين القاف والجيم يقرب من الكاف والبرية الصحراء منسوبة إلى البر ودار البريد المذكورة موضع بكار كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الخلفاء الى الأمراء وكان أبو موسى أميرا على الكوفة في زمن عمر وفي زمن عثمان وكانت الدار في طرف البلد ولهذا كانت البرية إلى جنبها وقال المطرزى البريد في الأصل الدابة المرتبة في الرباط ثم سمي به الرسول المحمول عليها ثم سميت به المسافة المشهورة فائدة ذكر البخاري في تاريخه همدان بريد عمر وهو يروي عن عمر وله أثر ذكره المصنف تعليقا عن عمير كما سيأتي تخريجه من طريقه قوله سواء يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة وتعقب بأنه ليس فيه دليل على طهارة ارواث الدواب عند أبي موسى لأنه يمكن أن يصلي فيها على ثوب يبسطه وأجيب بأن الأصل عدمه وقد رواه سفيان الثوري في جامعه عن الأعمش بسنده ولفظه صلى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين وهذا ظاهر في أنه بغير حائل وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب وغيره أن الصلاة على الطنفسة محدث وإسناده صحيح والأولى أن يقال أن هذا من فعل أبي موسى وقد خالفه غيره من الصحابة كابن عمر وغيره فلا يكون حجة أو لعل أبا موسى كان لا يرى الطهارة شرطا في صحة الصلاة بل يراها واجبة برأسها وهو مذهب مشهور وقد تقدم مثله في قصة الصحابي الذي صلى بعد أن جرح وظهر عليه الدم الكثير فلا يكون فيه حجة على أن الروث طاهر كما أنه لا حجة في ذاك على أن الدم طاهر وقياس غير المأكول على المأكول غير واضح لأن الفرق بينهما متجه لو ثبت أن روث المأكول طاهر وسنذكر ما فيه قريبا والتمسك بعموم حديث أبي هريرة الذي صححه بن خزيمة وغيره مرفوعا بلفظ استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه أولى لأنه ظاهر في تناول جميع الابوال فيجب اجتنابها لهذا الوعيد والله أعلم قوله عن أيوب عن أبي قلابة كذا رواه البخاري وتابعه أبو داود عن سليمان بن حرب وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن أبي داود السجستاني وأبي داود الحراني وأبو نعيم في المستخرج من طريق يوسف القاضي كلهم عن سليمان وخالفهم مسلم فأخرجه عن هارون بن عبد الله عن سليمان بن حرب وزاد بين أيوب وأبي قلابة أبا رجاء مولى أبي قلابة وكذا أخرجه أبو عوانة عن أبي أمية الطرسوسي عن سليمان وقال الدارقطني وغيره ثبوت أبي رجاء وحذفه في حديث حماد بن زيد عن أيوب صواب لأن أيوب حدث به عن أبي قلابة بقصة العرنيين خاصة وكذا رواه أكثر أصحاب حماد بن زيد عنه مقتصرين عليها وحدث به أيوب أيضا عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة وزاد فيه قصة طويلة لأبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز كما سيأتي ذلك في كتاب الديات ووافقه على ذلك حجاج الصواف عن أبي رجاء فالطريقان جميعا صحيحان والله أعلم قوله عن أنس زاد الأصيلي بن مالك قوله قدم اناس وللأصيلي والكشميهني والسرخسي ناس أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح به المصنف في الديات من طريق أبي رجاء عن أبي قلابة قوله من عكل أو عرينة الشك فيه من حماد وللمصنف في المحاربين عن قتيبة عن حماد أن رهطا من عكل أو قال من عرينة ولا أعلمه الا قال من عكل وله في الجهاد عن وهيب عن أيوب أن رهطا من عكل ولم يشك وكذا في المحاربين عن يحيى بن أبي كثير
[ 290 ]
وفي الديات عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة وله في الزكاة عن شعبة عن قتادة عن أنس أن ناسا من عرينة ولم يشك أيضا وكذا لمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس وفي المغازي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن ناسا من عكل وعرينة بالواو العاطفة وهو الصواب ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل ولا يخالف هذا ما عند المصنف في الجهاد من طريق وهيب عن أيوب وفي الديات من طريق حجاج الصواف عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة عن أنس أن رهطا من عكل ثمانية لاحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم ينسب وغفل من نسب عدتهم ثمانية لرواية أبي يعلى وهي عند البخاري وكذا عند مسلم وزعم بن التين تبعا للداودي أن عرينة هم عكل وهو غلط بل هما قبيلتان متغايرتان عكل من عدنان وعرينة من قحطان وعكل بضم المهملة واسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب وعرينة بالعين والراء بالمهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة والمراد هنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط إنهم من بني فزارة وهو غلط لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا وذكر بن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست وذكرها المصنف بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة منها وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها وتبعه بن سعد وابن حبان وغيرهما والله أعلم وللمصنف في المحاربين من طريق وهيب عن أيوب إنهم كانوا في الصفة قبل أن يطلبوا الخروج إلى الإبل قوله فاجتووا المدينة زاد في رواية يحيى بن أبي كثير قبل هذا فأسلموا وفي رواية أبي رجاء قبل هذا فبايعوه على الإسلام قال بن فارس اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة وقال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها وقال بن العربي الجوي داء يأخذ من الوباء وفي رواية أخرى يعني رواية أبي رجاء المذكورة تقديركم قال وهو بمعناه وقال غيره الجوي داء يصيب الجوف وللمصنف من رواية سعيد عن قتادة في هذه القصة فقالوا يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف وله في الطب من رواية ثابت عن أنس أن ناسا كان بهم سقم قالوا يا رسول الله آونا وأطعمنا فلما صحوا قالوا أن المدينة وخمة والظاهر أنهم قدموا سقاما فلما صحوا من السقم كرهوا اشتراط بالمدينة لوخمها فأما السقم الذي كان يهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع فعند أبي عوانة من رواية غيلان عن أنس كان بهم هزال شديد وعنده من رواية أبي سعد عنه مصفرة ألوانهم وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت اجسامهم فهو من حمى المدينة كما عند أحمد من رواية حميد عن أنس وسيأتي ذكر حمى المدينة من حديث عائشة في الطب وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة ووقع عند مسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس وقع بالمدينة الموم أي بضم الميم وسكون الواو قال وهو البرسام أي بكسر الموحدة سرياني معرب أطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وعلى ورم الصدر والمراد هنا الأخير فعند أبي عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة فعظمت بطونهم قوله فامرهم بلقاح أي فأمرهم أن يلحقوا بها وللمصنف في رواية همام عن قتادة
[ 291 ]
فأمرهم أن يلحقوا براعيه وله عن قتيبة عن حماد فأمر له بلقاح بزيادة اللام فيحتمل أن تكون زائدة أو للتعليل أو لشبه الملك أو للاختصاص وليست للتمليك وعند أبي عوانة من رواية معاوية بن قرة التي آخرج مسلم إسنادها إنهم بدؤوا بطلب الخروج إلى اللقاح فقالوا يا رسول الله قد وقع هذا الوجع فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل وللمصنف من رواية وهيب عن أيوب إنهم قالوا يا رسول الله ابغنا رسلا أي أطلب لنا لبنا قال ما أجد لكم الا أن تلحقوا بالذود وفي رواية أبي رجاء هذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها واللقاح باللام المكسورة والقاف وآخره الركعة النوق ذوات الألبان وأحدها لقحة بكسر اللام واسكان القاف وقال أبو عمرو يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر ثم هي لبون وظاهر ما مضى أن اللقاح كانت للنبي وصرح بذلك في المحاربين عن موسى عن وهيب بسنده فقال الا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وله فيه من رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بسنده فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة وكذا في الزكاة من طريق شعبة عن قتادة والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة وصادف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب البان الإبل فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا وظهر بذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم أن المدينة تنفى خبثها وسيأتي في موضعه وذكر بن سعد أن عدد لقاحه صلى الله عليه وسلم كانت خمس عشرة وإنهم نحروا منها واحدة يقال لها الحناء وهو في ذلك متابع للواقدي وقد ذكره الواقدي في المغازي بإسناد ضعيف مرسل قوله وأن يشربوا أي وأمرهم أن يشربوا وله في رواية أبي رجاء فأخرجوا فاشربوا من ألبانها وأبوالها بصيغة الأمر وفي رواية شعبة عن قتادة فرخص له أن يأتوا الصدقة فيشربوا فأنا شربهم البان الصدقة فلأنهم من أبناء السبيل وأما شربهم لبن لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فبأذنه المذكور وأما شربهم البول فاحتج به من قال بطهارته أما من الإبل فبهذا الحديث وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه وهذا قول مالك وأحمد وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية بن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطخري والروياني وذهب الشافعي والجمهور الى القول بنجاسة الابوال والارواث كلها من مأكول اللحم وغيره واحتج بن المنذر لقوله بأن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة قال ومن زعم أن هذا خاص باولئك الأقوام فلم يصب إذ الخصائص لا تثبت الا بدليل قال وفي ترك أهل العلم بيع الناس ابعار الغنم في اسواقهم واستعمال أبوال الإبل في ادويتهم قديما وحديثا من غير نكير دليل على طهارتها قلت وهو استدلال ضعيف لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره فلا يدل ترك إنكاره على جوازه فضلا عن طهارته وقد دل على نجاسة الابوال كلها حديث أبي هريرة الذي قدمناه قريبا وقال بن العربي تعلق بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل وعورضوا بأنه إذن لهم في شربها للتداوي وتعقب بان التداوى ليس حال ضرورة بدليل أنه لا يجب فكيف يباح الحرام لما لا يجب وأجيب بمنع أنه ليس حال ضرورة بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر والله أعلم وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح الا لأمر واجب غير مسلم فإن الفطر في رمضان حرام ومع
[ 292 ]
ذلك فيباح لأمر جائز كالسفر مثلا وأما قول غيره لو كان نجسا ما جاز التداوى به لقوله صلى الله عليه وسلم إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها رواه أبو داود من حديث أم سلمة وستأتي له طريق أخرى في الأشربة من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير شفاء فجوابه أن الحديث أمرهم على حالة الاختبار وأما في حال الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر أنها ليست بدواء أنها داء في جواب من سأله عن التداوى بها فيما رواه مسلم فإن ذلك خاص بالخمر ويلتحق به غيرها من المسكر والفرق بين المسكر وبين غيره من النجاسات أن الحد يثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره ولأن شربه يجر إلى مفاسد كثيرة ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم قاله الطحاوي بمعناه وأما أبوال الإبل فقد روى بن المنذر عن بن عباس مرفوعا أن في أبوال الإبل شفاء لذرية بطونهم والذرب فساد المعدة فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفى الدواء عنه والله أعلم وبهذه الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها كلها قوله فلما صحوا في السياق حذف تقديره فشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا وقد ثبت ذلك في رواية أبي رجاء وزاد في رواية وهيب وسمنوا وللاسماعيلي من رواية ثابت ورجعت إليهم ألوانهم قوله واستاقوا النعم من السوق وهو السير العنيف قوله فجاء الخبر في رواية وهيب عن أيوب الصريخ بالخاء المعجمة وهو فعيل بمعنى فاعل أي صرخ بالاعلام بما وقع منهم وهذا الصارخ أحد الراعيين كما ثبت في صحيح أبي عوانة من رواية معاوية بن قرة عن أنس وقد أخرج مسلم إسناده ولفظه فقتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل واسم راعي النبي صلى الله عليه وسلم المقتول يسار بياء تحتانية ثم الركعة خفيفة كذا ذكره بن إسحاق في المغازي ورواه الطبراني موصولا من حديث سلمة بن الأكوع بإسناد صالح قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يقال له يسار زاد بن إسحاق أصابه في غزوة بني ثعلبة قال سلمة فرآه يحسن الصلاة فأعتقه وبعثه في لقاح له بالحرة فكان بها فذكر قصة العرنيين وأنهم قتلوه ولم اقف على تسمية الراعي الاتي بالخبر والظاهر أنه راعي إبل الصدقة ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذكره بالافراد وكذا لمسلم لكن عنده من رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم بصيغة الجمع ونحوه لابن حبان من رواية يحيى بن سعيد عن أنس فيحتمل أن إبل الصدقة كان لها رعاة مولاه بعضهم مع راعي اللقاح فاقتصر بعض الرواة على راعي النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعضهم معه غيره ويحتمل أن يكون بعض الرواة ذكره بالمعنى فتجوز في الإتيان بصيغة الجمع وهذا أرجح لأن أصحاب المغازي لم يذكر أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار والله أعلم قوله عروبة في آثارهم زاد في رواية الأوزاعي الطلب وفي حديث سلمة بن الأكوع خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري وكذا ذكره بن إسحاق والاكثرون وهو بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاى وللنسائي من رواية الأوزاعي عروبة في طلبهم قافة أي جمع قائف ولمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس إنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلا وبعث معهم قائفا يقتص اثارهم ولم اقف على اسم هذا القائف ولا على اسم واحد من العشرين لكن في مغازي الواقدي أن السرية كانت عشرين
[ 293 ]
رجلا ولم يقل من الأنصار بل سمي منهم جماعة من المهاجرين منهم بريدة بن الحصيب وسلمة بن الأكوع الاسلميان وجندب ورافع ابنا مكيث الجهنيان وأبو ذر وأبو رهم الغفاريان وبلال بن الحارث وعبد الله بن عمرو بن عوف المزنيان وغيرهم والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف لكن يحتمل أن يكون من لم يسمه الواقدي من الأنصار فأطلق الأنصار تغليبا أو قيل للجميع أنصار بالمعنى الأعم وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد كذا عنده بزيادة ياء والذي ذكره غيره أنه سعد بسكون العين بن زيد الأشهلي وهذا أيضا أنصاري فيحتمل أنه كان رأس الأنصار وكان كرز أمير الجماعة وروى الطبري وغيره من حديث جرير بن عبد الله الأسماء أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم لكن إسناده ضعيف والمعروف أن جريرا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة والله اعلم قوله فلما ارتفع فيه حذف تقديره فادركوا في ذلك اليوم فاخذوا فلما ارتفع النهار جئ بهم أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسارى قوله فأمر بقطع كذا للاصيلي والمستملي والسرخسي وللباقين فقطع أيديهم وأرجلهم قال الداودي يعني قطع يدي كل واحد ورجليه قلت ترده رواية الترمذي من خلاف وكذا ذكره الاسماعيلي عن الفريابي عن الأوزاعي بسنده وللمصنف من رواية الأوزاعي أيضا ولم يحسمهم أي لم يكو ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف قوله وسمرت أعينهم بتشديد الميم وفي رواية أبي رجاء وسمر بتخفيف الميم ولم تختلف روايات البخاري في أنه بالراء ووقع لمسلم من رواية عبد العزيز وسمل بالتخفيف واللام قال الخطابي السمل فق ء العين بأي شئ كان قال أبو ذؤيب الهذلي والعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع قال والسمر لغة في السمل ومخرجهما متقارب قال وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا باميال قد احميت قلت قد وقع التصريح بالمراد عند المصنف من رواية وهيب عن أيوب ومن رواية الأوزاعي عن يحيى كلاهما عن أبي قلابة ولفظه ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها فهذا يوضح ما تقدم ولا يخالف ذلك رواية السمل لأنه فق ء العين بأي شئ كان كما مضى قوله والقوا في الحرة هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة وإنما ألقوا فيها لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا قوله يستسقون فلا يسقون زاد وهيب والأوزاعي حتى ماتوا وفي رواية أبي رجاء ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا وفي رواية شعبة عن قتادة يعضون الجحارة وفي الطب من رواية ثابت قال أنس فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت ولأبي عوانة من هذا الوجه يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة وزعم الواقدي أنهم صلبوا والروايات الصحيحة ترده لكن عند أبي عوانة من رواية أبي عقيل عن أنس فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين كذا ذكر ستة فقط فإن كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزعة ومال جماعة منهم بن الجوزي إلى أن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص لما عند مسلم من حديث سليمن التيمي عن أنس إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة وقصر من اقتصر في عزوه للترمذي والنسائي وتعقبه بن دقيق العيد بان المثلة في حقهم وقعت من جهات وليس في الحديث الا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية قلت كأنهم تمسكوا بما نقله أهل المغازي إنهم مثلوا بالراعي وذهب آخرون الى أن ذلك منسوخ قال بن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في
[ 294 ]
النهي عن المثلة هذا الحديث ينسخ كل مثلة وتعقبه بن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ قلت يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهى عن التعذيب بالنار بعد يأمر فيه وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة وقد حضر يأمر ثم النهي وروى قتادة عن بن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود ولموسى بن عقبة في المغازي وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة وإلى هذا مال البخاري وحكاه أمام الحرمين في النهاية عن الشافعي واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للاجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا وقع منه نهى عن سقيهم انتهى وهو ضعيف جدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وسكوته كاف في ثبوت الحكم وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقى الماء ولا غيره ويدل عليه أن من ليس معه ماء الا لطهارته ليس له أن يسقيه للمرتد ويتيمم بل يستعمله ولو مات المرتد عطشا وقال الخطابي إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت بذلك وقيل أن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقى البان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والموخم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالعطش على من عطش آل بيته في قصة رواها النسائي فيحتمل أن الريح في تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لقاحه في كل ليلة كما ذكر ذلك بن سعد والله أعلم قوله قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا أي لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها وهذا قاله أبو قلابة استنباطا قوله وقتلوا أي الراعي كما تقدم قوله وكفروا هو في رواية سعيد عن قتادة عن أنس في المغازي وكذا في رواية وهيب عن أيوب في الجهاد في أصل الحديث وليس موقوفا على أبي قلابة كما توهمه بعضهم وكذا قوله وحاربوا ثبت عند أحمد من رواية حميد عن أنس في أصل الحديث وهربوا محاربين وستأتي قصة أبي قلابة في هذا الحديث مع عمر بن عبد العزيز في مسألة القسامة من كتاب الديات إن شاء الله تعالى وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم قدوم الوفود على الإمام ونظره في مصالحهم وفيه مشروعية الطب والتداوى بالبان الإبل وأبوالها وفيه أن كل جسد يطب بما اعتاده وفيه قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة أو حرابة إن قلنا إن قتلهم كان قصاصا وفيه المماثلة في القصاص وليس ذلك من المثلة المنهي عنها وثبوت حكم المحاربة في الصحراء وأما في القرى ففيه خلاف وفيه جواز استعمال أبناء السبيل إبل الصدقة في الشرب وفي غيره قياسا عليه بإذن الامام وفيه العمل بقول القائف وللعرب في ذلك المعرفة التامة قوله أبو التياح تقدم أنه بالمثناة الفوقانية ثم التحتانية المشددة وأخره الركعة وهذا الحديث في الصلاة في مرابض الغنم تمسك به من قال بطهارة أبوالها وابعارها قالوا لأنها لا تخلو من ذلك فدل على إنهم كانوا ذ يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة ونوزع من استدل بذلك الاحتمال الحائل وأجيب بأنهم لم الريح يصلون على حائل دون الأرض وفيه نظر لأنها شهادة نفى لكن قد يقال أنها مستندة الى أصل والجواب أن في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير في دارهم وصح عن عائشة أنه كان يصلي على الخمرة وقال بن حزم هذا الحديث منسوخ لأن فيه أن ذلك كان قبل أن يبنى المسجد فاقتضى أنه في أول الهجرة وقد صح عن عائشة أن النبي
[ 295 ]
صلى الله عليه وسلم أمرهم ببناء المساجد في الدور وأن تطيب وتنظف رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه بن خزيمة وغيره ولأبي داود نحوه من حديث سمرة وزاد وأن نطهرها قال وهذا بعد بناء المسجد وما ادعاه من النسخ يقتضى الجواز ثم المنع وفيه نظر لأن إذنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في مرابض الغنم ثابت عند مسلم من حديث جابر بن سمرة نعم ليس فيه دلالة على طهارة المرابض لكن فيه أيضا النهى عن الصلاة في معاطن الإبل فلو اقتضى يأمر الطهارة لاقتضى النهى التنجيس ولم يقل أحد بالفرق لكن المعنى في يأمر والنهي بشئ لا يتعلق بالطهارة ولا النجاسة وهو أن الغنم من دواب الجنة والإبل خلقت من الشياطين والله أعلم قوله باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء أي هل ينجسهما أم لا أو لا ينجس الماء الا إذا تغير دون غيره وهذا الذي يظهر من مجموع ما أورده المصنف في الباب من أثر وحديث قوله وقال الزهري وصله بن وهب في جامعه عن يونس عنه وروى البيهقي معناه من طريق أبي عمرو وهو الأوزاعي عن الزهري قوله لا بأس بالماء أي لا حرج في استعماله في كل حالة فهو محكوم بطهارته ما لم يغيره طعم أي من شئ نجس أو ريح منه أو لون ولفظ يونس عنه كل ما فيه قوة عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك طعمه ولا ريحه ولا لونه فهو طاهر ومقتضى هذا أنه لا يفرق بين القليل والكثير الا بالقوة المانعة للملاقى أن يغير أحد اوصافه فالعبرة عنده بالتغير وعدمه ومذهب الزهري هذا صار إليه طوائف من العلماء وقد تعقبه أبو عبيد في كتاب الطهور بأنه يلزم منه أن من بال في إبريق ولم يغير للماء وصفا أنه يجوز له التطهر به وهو مستبشع ولهذا نصر قول التفريق بالقلتين وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في إسناده لكن رواته ثقات وصححه جماعة من الأئمة الا أن مقدار القلتين لم يتفع عليه واعبره الشافعي بخمس قرب من قرب الحجاز احتياطا وخصص به حديث بن عباس مرفوعا الماء لا ينجسه شئ وهو حديث صحيح رواه الأربعة وابن خزيمة وغيرهم وسيأتي مزيد للقول في هذا في الباب الذي بعده وقول الزهري هذا ورد فيه حديث مرفوع قال الشافعي لا يثبت أهل الحديث مثله لكن لا أعلم في المسألة خلافا يعني في تنجيس الماء إذا تغير أحد اوصافه بالنجاسة والحديث المشار إليه أخرجه بن ماجة من حديث أبي إمامة وإسناده ضعيف وفيه اضطراب أيضا قوله سقط بن أبي سليمان الفقيه الكوفي قوله لا بأس بريش الميتة أي ليس نجسا ولا ينجس الماء بملاقاته سواء كان ريش مأكول أو غيره وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن معمر عنه قوله وقال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره أي مما لا يؤكل أدركت ناسا أي كثيرا والتنوين للتكثير قوله ويدهنون بتشديد الدال من باب الافتعال ويجوز ضم أوله واسكان الدال وهذا يدل على انهم كانوا يقولون بطهارته وسنذكر الخلاف فيه قريبا قوله وقال بن سيرين وإبراهيم لم يذكر السرخسي إبراهيم في روايته ولا اكثر الرواة عن الفربري وأثر بن سيرين وصله عبد الرزاق بلفظ أنه كان لا يرى بالتجارة في العاج بأسا وهذا يدل على أنه كان يراه طاهرا لأنه لا يجيز بيع النجس ولا المتنجس الذي لا يمكن تطهيره بدليل قصته المشهورة في الزيت والعاج هو ناب الفيل قال بن سيده لا يسمى غيره عاجا وقال القزاز أنكر الخليل أن يسمى غير ناب الفيل عاجا وقال بن فارس والجوهري العاج عظم الفيل فلم يخصصاه بالناب وقال الخطابي تبعا لابن قتيبة العاج الذبل وهو ظهر السلحفاء البحرية وفيه نظر ففي
[ 296 ]
الصحاح المسك السوار من عاج أو ذبل فغاير بينهما لكن قال القالي العرب تسمى كل عظم عاجا فإن ثبت هذا فلا حجة في الأثر المذكور على طهارة عظم الفيل لكن إيراد البخاري له عقب أثر الزهري في عظم الفيل يدل على اعتبار ما قال الخليل وقد اختلفوا في عظم الفيل بناء على أن العظم هل تحله الحياة أم لا فذهب إلى الأول الشافعي واستدل له بقوله تعالى قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي انشأها أول مرة فهذا ظاهر في أن العظم تحله الحياة وذهب الى الثاني أبو حنيفة وقال بطهارة العظام مطلقا وقال مالك هو طاهر أن ذكي بناء على قوله إن غير المأكول يطهر بالتزكية وهو قول أبي حنيفة قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله عن ميمونة هي بنت الحارث خالة بن عباس قوله سئل عن فأرة بهمزة ساكنة والسائل عن ذلك هي ميمونة ووقع في رواية يحيى القطان وجويرية عن مالك في هذا الحديث أن ميمونة استفتت رواه الدارقطني وغيره قوله سقطت في سنن زاد النسائي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن مالك في سمن جامد وزاد المصنف في الذبائح من رواية بن عيينة عن بن شهاب فماتت قوله وما حولها أي من السمن قوله حدثنا معن هو بن عيسى القزاز قوله خذوها وما حولها فاطرحوه أي الجميع وكلوا الباقي كما دلت عليه الرواية الأولى قوله قال معن هو قول علي بن عبد الله فهو متصل وأبعد من قاله إنه معلق وإنما أورد البخاري كلام معن وساق حديثه بنزول بالنسبة للإسناد الذي قبله مع موافقته له في السياق للإشارة إلى الاختلاف على مالك في إسناده فرواه أصحاب الموطأ عنه واختلفوا فمنهم من ذكره عنه هكذا كيحيى بن يحيى وغيره ومنهم من لم يذكر فيه ميمونة كالقعنبي وغيره ومنهم لم يذكر فيه بن عباس كاشهب وغيره ومنهم من لم يذكر فيه بن عباس ابن ميمونة كيحيى بن بكير وأبي مصعب ولم يذكر أحد منهم يسير جامد الا عبد الرحمن بن مهدي وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي في مسنده عن سفيان بن عيينة عن بن شهاب ورواه القدرة والحفاظ من أصحاب بن عيينة بدونها وجودوا إسناده فذكروا فيه بن عباس وميمونة وهو الصحيح ورواه عبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب مجودا وله فيه عن بن شهاب إسناد آخر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولفظه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة أنكر في السمن قال إذا كان جامدا فألقوها وما حولها وأن كان مائعا فلا تقربوه وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال في رواية معمر هذه هي خطأ وقال بن أبي حاتم عن أبيه أنها وهم وأشار الترمذي إلى أنها شاذة وقال الذهلي في الزهريات الطريقان عندنا محفوظان لكن طريق بن عباس عن ميمونة أشهر والله أعلم وقد استشكل بن التين إيراد البخاري كلام معن هذا مع كونه غير مخالف لرواية إسماعيل وأجيب بأن مراده أن إسماعيل لم ينفرد بتجويد إسناده وظهر لي وجه آخر وهو أن رواية معن المذكورة وقعت خارج الموطأ هكذا وقد رواها في الموطأ فلم يذكر بن عباس ابن ميمونة كذا أخرجه الاسماعيلي وغيره من طريقه فأشار المصنف إلى أن هذا الاختلاف لا يضر لأن مالكا كان يصله تارة ويرسله تارة ورواية الوصل عنه مقدمة قد سمعه منه معن بن عيسى مرارا وتابعه غيره من الحفاظ والله أعلم فائدة أخذ الجمهور بحديث معمر الدال على التفرقة بين الجامد والذائب ونقل بن عبد البر الاتفاق على أن الجامد إذا وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه إذا تحقق أن شيئا من اجزائها لم يصل الى غير ذلك منه
[ 297 ]
وأما المائع فاختلفوا فيه فذهب الجمهور إلى أنه ينجس كله بملاقاة النجاسة وخالف فريق منهم الزهري والأوزاعي وسيأتي إيضاح ذلك في كتاب الذبائح وكذلك مسألة الانتفاع بالدهن النجس أو المتنجس إن شاء الله تعالى قال بن المنير مناسبة حديث السمن للاثار التي قبله اختيار المصنف أن المعتبر في التنجيس تغير الصفات فلما كان ريش الميتة لا يتغير بتغيرها بالموت وكذا عظمها فكذلك السمن البعيد عن موقع الميتة إذا لم يتغير واقتضى ذلك أن الماء إذا لاقته النجاسة ولم يتغير أنه لا يتنجس قوله حدثنا أحمد بن محمد أي بن أبي موسى المروزي المعروف بمردويه وعبد الله هو بن المبارك قوله كل كلم بفتح الكاف واسكان اللام يكلمه بضم أوله وإسكان الكاف وفتح اللام أي كل جرح يجرحه قوله في سبيل الله قيد يخرج ما يصيب المسلم من الجراحات في غير سبيل الله وزاد في الجهاد من طريق الأعرج عن أبي هريرة والله أعلم بمن يكلم في سبيله وفيه إشارة إلى أن ذلك إنما يحصل لمن خلصت نيته قوله تكون كهيئتها أعاد الضمير مؤنثا لإرادة الجراحة ويوضحه رواية القابسي عن أبي زيد المروزي عن الفربري كل كلمة يكلمها وكذا هو في رواية بن عساكر قوله تفجر بفتح الجيم المشددة وحذف التاء الأولى إذ أصله تنفجر قوله والعرف بفتح المهملة وسكون الراء الريح والحكمة في كون الدم يأتي يوم القيامة على هيئته أنه يشهد لصاحبه بفضله وعلى ظالمه بفعله وفائدة رائحته الطيبة أن تنتشر في أهل الموقف إظهارا لفضيلته أيضا ومن ثم لم يشرع غسل الشهيد في المعركة وقد استشكل إيراد المصنف لهذا الحديث في هذا الباب فقال الاسماعيلي هذا الحديث لا يدخل في طهارة الدم ولا نجاسته وإنما ورد في فضل المطعون في سبيل الله وأجيب بأن مقصود المصنف بإيراده تأكيد مذهبه في أن الماء لا يتنجس بمجرد الملاقاة ما لم يتغير فاستدل بهذا الحديث على أن تبدل الصفة يؤثر في الموصوف فكما أن تغير صفة الدم بالرائحة الطيبة أخرجه من الذم إلى المدح فكذلك تغير صفة الماء إذا تغير بالنجاسة يخرجه عن صفة الطهارة الى النجاسة وتعقب بأن الغرض اثبات انحصار التنجيس بالتغير وما ذكر يدل على أن التنجيس يحصل بالتغير وهو وفاق لا أنه لا يحصل الا به وهو موضع النزاع وقال بعضهم مقصود البخاري أن يبين طهارة المسك ردا على من يقول بنجاسته لكونه دما انعقد فلما تغير عن الحالة المكروهة من الدم وهي الزهم وقبح الرائحة الى الرائحة الممدوحة وهي طيب رائحة المسك دخل عليه الحل وانتقل من حالة النجاسة إلى حالة الطهارة كالخمرة إذا تخللت وقال بن رشيد مراده أن انتقال الدم الى الرائحة الطيبة هو الذي نقله من حالة الذم إلى حالة المدح فحصل من هذا تغليب وصف واحد وهو الرائحة على وصفين وهما الطعم واللون رسلنا منه أنه متى تغير أحد الأوصاف الثلاثة بصلاح أو فساد تبعه الوصفان الباقيان وكأنه أشار بذلك إلى رد ما نقل عن ربيعة وغيره أن تغير الوصف الواحد لا يؤثر حتى يجتمع وصفان قال ويمكن أن يستدل به على أن الماء إذا تغير ريحه بشئ طيب لا يسلبه اسم الماء كما أن الدم لم ينتقل عن اسم الدم مع تغير رائحته إلى رائحة المسك لأنه قد سماه دما مع تغير الريح فما دام الاسم واقعا على المسمى فالحكم تابع له أه كلامه ويرد على الأول أنه يلزم منه أن الماء إذا كانت اوصافه الثلاثة فاسدة ثم تغيرت صفة واحدة منها إلى صلاح أنه يحكم بصلاحه كله وهو ظاهر الفساد وعلى الثاني أنه لا يلزم من كونه لم يسلب اسم الماء أن لا يكون موصوفا بصفة تمنع من استعماله مع بقاء اسم الماء عليه والله
[ 298 ]
أعلم وقال بن دقيق العيد لما نقل قول من قال أن الدم لما انتقل بطيب رائحته من حكم النجاسة الى الطهارة ومن حكم القذارة إلى الطيب لتغير رائحته حتى حكم له بحكم المسك وخمد للشهيد فكذلك الماء ينتقل بتغير رائحته من الطهارة الى النجاسة قال هذا ضعيف مع السفاري قوله باب البول في الماء الدائم أي الساكن يقال دوم الطائر تدويما إذا صف جناحيه في الهواء فلم يحركهما وفي رواية الأصيلي باب لا تبولوا في الماء الدائم وهي بالمعنى قوله الأعرج كذا رواه شعيب ووافقه بن عيينة فيما رواه الشافعي عنه عن أبي الزناد وكذا أخرجه الاسماعيلي ورواه أكثر أصحاب بن عيينة عنه عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة ومن هذا الوجه أخرجه النسائي وكذا أخرجه أحمد من طريق الثوري عن أبي الزناد والطحاوي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه والطريقان معا صحيحان ولأبي الزناد فيه شيخان ولفظهما في سياق المتن مختلف كما سنشير إليه قوله نحن الآخرون السابقون اختلف في الحكمة في تقديم هذه الجملة على الحديث المقصود فقال بن بطال يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مع ما بعده في نسق واحد فحدث بهما جميعا ويحتمل أن يكون همام فعل ذلك لأنه سمعهما من أبي هريرة وإلا فليس في الحديث مناسبة للترجمة قلت جزم بن التين بالأول وهو متعقب فإنه لو كان حديثا واحدا ما فصله المصنف بقوله وبإسناده وأيضا فقوله نحن الآخرون السابقون طرف من حديث مشهور في ذكر يوم الجمعة سيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى فلو راعى البخاري ما أدعاه لساق المتن بتمامه وأيضا فحديث الباب مروي بطرق متعددة عن أبي هريرة في دواوين الأئمة وليس في طريق منها في أوله نحن الآخرون السابقون وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي وابنه شيخ البخاري بدون هذه الجملة وقول بن بطال ويحتمل أن يكون همام وهم تبعه عليه جماعة وليس لهمام ذكر في هذا الإسناد وقوله أنه ليس في الحديث مناسبة للترجمة صحيح وأن كان غيره تكلف فأبدى بينهما مناسبة كما سنذكره والصواب أن البخاري في الغالب يذكر الشئ كما سمعه جملة لتضمنه موضع الدلالة المطلوبة منه وأن لم يكن باقيه مقصودا كما صنع في حديث عروة البارقي في شراء الشاة كما سيأتي بيانه في الجهاد وأمثلة ذلك في كتابه كثيرة وقد وقع لمالك نحو هذا في الموطأ إذ أخرج في باب صلاة الصبح والعتمة متونا بسند واحد أولها مر رجل بغصن شوك وآخرها لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوا وليس غرضه منه الا الحديث الأخير لكنه أداها على الوجه الذي سمعه قال بن العربي في القبس نرى الجهال يتعبون في تأويلها ولا تعلق للأول منها بالباب أصلا وقال غيره وجه المناسبة بينهما أن هذه الأمة آخر من يدفن من الأمم في الأرض وأول من يخرج منها لأن الوعاء آخر ما يوضع فيه أول ما يخرج منه فكذلك الماء الراكد آخر ما يقع فيه من البول أول ما يصادف أعضاء المتطهر فينبغي أن يجتنب ذلك ولا يخفى ما فيه وقيل وجه المناسبة أن بني إسرائيل وإن سبقوا في الزمان لكن هذه الأمة سبقتهم باجتناب الماء الراكد إذا وقع البول فيه فلعلهم كانوا لا يجتنبونه وتعقب بان بني إسرائيل كانوا أشد مبالغة في اجتناب النجاسة بحيث كانت النجاسة إذا أصابت جلد أحدهم قرضه فكيف يظن بهم التساهل في هذا وهو استبعاد لا يستلزم رفع الاحتمال المذكور وما قررناه أولى وقد وقع البخاري في كتاب التعبير في حديث
[ 299 ]
أورده من طريق همام عن أبي هريرة مثل هذا صدره أيضا بقوله نحن الآخرون السابقون قال وبإسناده ولا يتأتى فيه المناسبة المذكورة مع ما فيها من التكلف والظاهر أن نسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة كنسخة معمر عن همام عنه ولهذا قل حديث يوجد في هذه الا وهو في الأخرى وقد اشتملتا على أحاديث كثيرة أخرج الشيخان غالبها وابتداء كل نسخة منهما حديث نحن الآخرون السابقون فلهذا صدر به البخاري فيما أخرجه من كل منهما وسلك مسلم في نسخة همام طريقا أخرى فيقول في كل حديث أخرجه منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر الحديث الذي يريده يشير بذلك إلى أنه من اثناء النسخة لا أولها والله أعلم قوله الذي لا يجري قيل هو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه وقيل احترز به عن راكد يجري بعضه كالبرك وقيل احترز به عن الماء الدائم لأنه جار من حيث الصورة ساكن من حيث المعنى ولهذا لم يذكر هذا القيد في رواية أبي عثمان عن أبي هريرة التي تقدمت الإشارة إليها حيث جاء فيها بلفظ الراكد بدل الدائم وكذا أخرجه مسلم من حديث جابر وقال بن الأنباري الدائم من حروف الأضداد يقال للساكن والدائر ومنه أصاب الرأس دوام أي دوار وعلى هذا فقوله الذي لا يجري صفة مخصصة لأحد معني المشترك وقيل الدائم والراكد مقابلان للجاري لكن الدائم الذي له نبع والراكد الذي لا نبع له قوله ثم يغتسل بضم اللام على المشهور وقال بن مالك يجوز الجزم عطفا على يبولن لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية ولكنه بني على الفتح لتوكيده بالنون ومنع ذلك القرطبي فقال لو أراد النهي لقال ثم لا يغتسلن فحينئذ يتساوى الأمران في النهى عنهما لأن المحل الذي تواردا عليه شئ واحد وهو الماء قال فعدوله عن ذلك يدل على أنه لم يرد العطف بل نبه على مآل الحال والمعنى أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فيمتنع عليه استعماله ومثله بقوله صلى الله عليه وسلم لا يضربن أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها فإنه لم يروه أحد بالجزم لأن المراد النهي عن الضرب لأنه يحتاج في مآل حاله إلى مضاجعتها فتمتنع لاساءته إليها فلا يحصل له مقصوده وتقدير اللفظ ثم هو يضاجعها وفي حديث الباب ثم هو يغتسل منه وتعقب بأنه لا يلزم من تأكيد النهي أن لا يعطف عليه نهى آخر غير مؤكد لاحتمال أن يكون للتأكيد في أحدهما معنى ليس للآخر قال القرطبي ولا يجوز النصب إذ لا تضمر أن بعد ثم وأجازه بن مالك بإعطاء ثم حكم الواو وتعقبه النووي بان ذلك يقتضى أن يكون المنهي عنه الجمع بين الامرين دون افراد أحدهما وضعفه بن دقيق العيد بأنه لا يلزم أن يدل عل الأحكام المتعددة لفظ واحد فيؤخذ النهى عن الجمع بينهما من هذا الحديث إن ثبتت رواية النصب ويؤخذ النهي عن الأفراد من حديث آخر قلت وهو ما رواه مسلم من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البول في الماء الراكد وعنده من طريق أبي السائب عن أبي هريرة بلفظ لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب وروى أبو داود النهى عنهما في حديث واحد ولفظه لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة واستدل به بعض الحنفية على تنجيس الماء المستعمل لأن البول ينجس الماء فكذلك الاغتسال وقد نهى عنهما معا وهو للتحريم فيدل على النجاسة فيهما ورد بأنها دلالة اقتران وهي ضعيفة وعلى تقدير تسليمها فلا يلزم التسوية فيكون النهى عن البول لئلا ينجسه وعن الاغتسال فيه لئلا يسلبه الطهورية ويزيد ذلك وضوحا
[ 300 ]
قوله في رواية مسلم كيف يفعل يا أبا هريرة قال يتناوله تناولا فدل على أن المنع من الانغماس فيه لئلا يصير مستعملا فيمتنع على الغير الانتفاع به والصحابي أعلم بموارد الخطاب من غيره وهذا من أقوى الأدلة على أن المستعمل غير طهور وقد تقدمت الأدلة على طهارته ولا فرق في الماء الذي لا يجري في الحكم المذكور بين بول الأدمي وغيره خلافا لبعض الحنابلة ولا بين أن يبول في الماء أو يبول في إناء ثم يصبه فيه خلافا للظاهرية وهذا كله أمرهم على الماء القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حد القليل وقد تقدم قول من لا يعتبر الا التغير وعدمه وهو قوي لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه وقد اعترف الطحاوي من الحنفية بذلك لكنه اعتذر عن القول به بأن القلة في العرف تطلق على الكبيرة والصغيرة كالجرة ولم يثبت من الحديث تقديرهما فيكون مجملا فلا يعمل به وقواه بن دقيق العيد لكن استدل له غيرهما فقال أبو عبيد القاسم بن سلام المراد القلة الكبيرة إذ لو أراد الصغيرة لم يحتج لذكر العدد فإن الصغيرتين قدر واحدة كبيرة ويرجع في الكبيرة إلى العرف عند أهل الحجاز والظاهر أن الفاء عليه السلام ترك تحديدهما على سبيل التوسعة والعلم محيط بأنه ما خاطب الصحابة الا بما يفهمون فانتفى الإجمال لكن لعدم التحديث وقع الخلف بين السلف في مقدارهما على تسعة أقوال حكاها بن المنذر ثم حدث بعد ذلك تحديدهما بالارطال واختلف فيه أيضا ونقل عن مالك أنه حمل النهى على التنزيه فيما لا يتغير وهو قول الباقين في الكثير وقال القرطبي يمكن حمله على التحريم مطلقا على قاعدة سد الذريعة لأنه يفضى إلى تنجيس الماء قوله ثم يغتسل فيه كذا هنا وفي رواية بن عيينة عن أبي الزناد ثم يغتسل منه وكذا لمسلم من طريق بن سيرين وكل من اللفظين يفيد حكما بالنص وحكما بالاستنباط قاله بن دقيق العيد ووجهه أن الرواية بلفظ فيه أخذت على منع الانغماس بالنص وعلى منع التناول بالاستنباط والرواية بلفظ منه بعكس ذلك وكله مبنى على أن الماء ينجس بملاقاة النجاسة والله أعلم قوله باب إذا ألقى على ظهر المصلي قذر بفتح الذال المعجمة أي شئ نجس أو جيفة أي ميتة لها رائحة قوله لم تفسد محله ما إذا لم يعلم بذلك وتمادى ويحتمل الصحة مطلقا على قول من ذهب إلى أن اجتناب النجاسة في الصلاة ليس بفرض وعلى قول من ذهب إلى منع ذلك في الابتداء دون ما يطرأ واليه ميل المصنف وعليه يتخرج صنيع الصحابي الذي استمر في الصلاة بعد أن سألت منه الدماء برمى من رماه وقد تقدم الحديث عن جابر بذلك في باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين قوله وكان بن عمر هذا الأثر وصله بن أبي شيبة من طريق برد بن سنان عن نافع عنه أنه كان إذا في الصلاة فرأى في ثوبه دما فاستطاع أن يضعه وضعه وأن لم يستطع خرج فغسله ثم جاء فيبنى على ما كان صلى وإسناده صحيح وهو يقتضى أنه كان يرى التفرقة بين الابتداء والدوام وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور بن وقال الشافعي وأحمد يعيد الصلاة وقيدها مالك بالوقت فإن خرج فلا قضاء وفيه بحث يطول واستدل للاولين بحديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة ثم قال إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرا أخرجه أحمد وأبو داود وصححه بن خزيمة وله شاهد من حديث بن مسعود أخرجه الحاكم ولم يذكر في الحديث إعادة وهو اختيار جماعة من الشافعية وأما مسألة البناء على ما مضى فتأتي في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى قوله وقال بن المسيب والشعبي كذا للأكثر وهو الصواب وللمستملى
[ 301 ]
والسرخسي وكان فإن كانت محفوظة فافراد قوله إذا صلى على إرادة كل منهما والمراد بمسألة الدم ما إذا كان بغير علم المصلي وكذا الجنابة عند من يقول بنجاسة المني وبمسألة القبلة ما إذا كان عن اجتهاد ثم تبين الخطأ وبمسألة التيمم ما إذا كان غير واجد للماء وكل ذلك ظاهر من سياق الآثار الأربعة المذكورة عن التابعين المذكورين وقد وصلها عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة مفرقة اوضحتها في تعليق التعليق وقد تقدمت الإشارة إلى مسألة الدم وأما مسألة التيمم فعدم وجوب الإعادة قول الأئمة الأربعة وأكثر السلف وذهب جمع من التابعين منهم عطاء وابن سيرين ومكحول إلى وجوب الإعادة مطلقا وأما مسألة بيان الخطأ في القبلة فقال الثلاثة والشافعي في القديم لا يعيد وهو قول الأكثر أيضا وقال في الجديد تجب الإعادة واستدل للأولين بحديث أخرجه الترمذي من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه وقال حسن لكن ضعفه غيره وقال العقيلي لا يروي من وجه يثبت وقال بن العربي مستند الجديد أن خطأ المجتهد يبطل إذا وجد النص بخلافه قال وهذا لا يتم في هذه المسألة الا بمكة وأما في غيرها فلا ينقض الاجتهاد الاجتهاد وأجيب بان هذه المسألة مصورة فيما إذا تيقن الخطأ فهو انتقال من يقين الخطأ إلى الظن القوي فليس فيه نقض اجتهاد باجتهاد والله أعلم قوله حدثنا عبدان أعاده المصنف في أواخر الجزية عنه فقال حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان وعرفنا من سياقه هناك أن اللفظ هنا لرواية أحمد بن عثمان وإنما قرنها برواية عبدان تقوية لها لأن في إبراهيم بن يوسف مقالا وأحمد المذكور هو بن عثمان بن حكيم الأودي الكوفي وهو من صغار شيوخ البخاري وله في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه النسائي عنه عن خالد بن مخلد عن علي بن صالح عن أبي إسحاق ورجال إسناده جميعا كوفيون وأبو إسحاق هو السبيعي ويوسف الراوي عنه هو بن ابنه إسحاق وافادت روايته التصريح بالتحديث لأبي إسحاق عن عمرو بن ميمون ولعمرو عن عبد الله وعينت أيضا عبد الله بأنه بن مسعود وعمرو بن ميمون هو الأودي تابعي كبير مخضرم أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ثم نزل الكوفة وهو غير عمرو بن ميمون الجزري الذي تقدم قريبا وهذا الحديث لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم الا بإسناد أبي إسحاق هذا وقد رواه الشيخان من طريق الثوري والبخاري أيضا من طريق إسرائيل وزهير ومسلم من رواية زكريا بن أبي زائدة وكلهم عن أبي إسحاق وسنذكر ما في اختلاف رواياتهم من الفوائد مبينا إن شاء الله تعالى قوله بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد بقيته من رواية عبدان المذكور وحوله ناس من قريش من المشركين ثم ساق الحديث مختصرا قوله أن عبد الله في رواية الكشميهني عن عبد الله قوله وأبو جهل وأصحاب له هم السبعة المدعو عليهم بعد بينه البزار من طريق الأجلح عن أبي إسحاق قوله إذ قال بعضهم هو أبو جهل سماه مسلم من رواية زكريا المذكورة وزاد فيه وقد نحرت جزور بالأمس والجزور من الإبل ما يجزر أي يقطع وهو بفتح الجيم والسلى مقصور بفتح المهملة هي الجلدة التي يكون فيها الولد يقال لها ذلك من البهائم وأما من الادميات فالمشيمة وحكى صاحب المحكم أنه يقال فيهن أيضا سلى قوله فيضعه زاد في رواية إسرائيل فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها ثم يمهله حتى يسجد قوله فانبعث أشقى القوم وللكشميهني والسرخسي أشقى قوم بالتنكير ففيه مبالغة لكن المقام
[ 302 ]
يقتضى الأول لأن الشقاء هنا بالنسبة إلى أولئك الأقوام فقط كما سنقرره بعد وهو عقبة بن أبي معيط بمهملتين مصغرا سماه شعبة وفي سياقه عند المصنف اختصار يوهم أنه فعل ذلك ابتداء وقد ساقه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة نحو رواية يوسف هذه وقال فيه فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهره قوله لا أغنى كذا للأكثر وللكشميهني والمستملي لا أغير ومعناهما صحيح أي لا أغنى في كف شرهم أو لا أغير شيئا من فعلهم قوله لو كانت لي منعة قال النووي المنعة بفتح النون القوة قال وحكى الاسكان وهو ضعيف وجزم القرطبي بسكون النون قال ويجوز الفتح على أنه جمع مانع ككاتب وكتبة وقد رجح القزاز والهروي الاسكان في المفرد وعكس ذلك صاحب إصلاح المنطق وهو معتمد النووي قال وإنما قال ذلك لأنه لم يكن له بمكة عشيرة لكونه هذليا حليفا وكان حلفاؤه إذ ذاك كفارا وفي الكلام حذف تقديره لطرحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح به مسلم في رواية زكريا وللبزار فأنا ارهب أي أخاف منهم قوله ويحيل بعضهم كذا هنا بالمهملة من الاحالة والمراد أن بعضهم ينسب فعل ذلك إلى بعض بالإشارة تهكما ويحتمل أن يكون من حال يحيل بالفتح إذا وثب على ظهر دابته أي يثب بعضهم على بعض من المرح والبطر ولمسلم من رواية زكريا ويميل بالميم أي من كثرة الضحك وكذا للمصنف من رواية إسرائيل قوله فاطمة هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد إسرائيل وهي جويرية فأقبلت تسعى وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا قوله فطرحته كذا للآكثر وللكشميهني بحذف المفعول زاد إسرائيل وأقبلت عليهم تشتمهم زاد البزار فلم يردوا عليها شيئا قوله فرفع رأسه زاد البزار من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد اللهم قال البزار تفرد بقوله أما بعد زيد قوله ثم قال يشعر بمهله بين الرفع والدعاء وهو كذلك ففي رواية الأجلح عند البزار فرفع رأسه كما كان يرفعه عند تمام سجوده فلما قضى صلاته قال اللهم ولمسلم والنسائي نحوه والظاهر منه أن الدعاء المذكور وقع خارج الصلاة لكن وقع وهو مستقبل الكعبة كما ثبت من رواية زهير عن أبي إسحاق عند الشيخين قوله عليك بقريش أي بإهلاك قريش والمراد الكفار منهم أو من سمي منهم فهو عام أريد به الخصوص قوله ثلاث مرات كرره إسرائيل في روايته لفظا لا عددا وزاد مسلم في رواية زكريا وكان إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا قوله فشق عليهم ولمسلم من رواية زكريا فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته قوله وكانوا يرون بفتح أوله في روايتنا من الرأي أي يعتقدون وفي غيرها بالضم أي يظنون والمراد بالبلد مكة ووقع في مستخرج أبي نعيم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري في الثالثة بدل قوله في ذلك البلد ويناسبه قوله ثلاث مرات ويمكن أن يكون ذلك مما بقي عندهم من شريعة إبراهيم عليه السلام قوله ثم سمي أي فصل من أجمل قوله معبد جهل في رواية إسرائيل بعمرو بن هشام وهو اسم أبي جهل فلعله سماه وكناه معا قوله والوليد بن عتبة هو ولد المذكور بعد أبي جهل ولم تختلف الروايات في أنه بعين الركعة بعدها مثناة ساكنة ثم موحدة لكن عند مسلم من رواية زكريا بالقاف بدل المثناة وهو وهم قديم نبه عليه بن سفيان الراوي عنه مسلم وقد أخرجه الاسماعيلي من طريق شيخ مسلم على الصواب قوله أمية بن خلف في رواية شعبة أو أبي بن خلف شك شعبة وقد
[ 303 ]
ذكر المصنف الاختلاف فيه عقيب رواية الثوري في الجهاد وقال الصحيح أمية لكن وقع عنده هناك أبي بن خلف وهو وهم منه أو من شيخه أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة إذ حدثه فقد رواه شيخه أبو بكر في مسنده فقال أمية وكذا رواه مسلم عن أبي بكر والاسماعيلي وأبو نعيم من طريق أبي بكر كذلك وهو الصواب وأطبق أصحاب المغازي على أن المقتول ببدر أمية وعلى أن أخاه أبيا قتل بأحد وسيأتي في المغازي قتل أمية ببدر إن شاء الله تعالى قوله وعد السابع فلم تحفظه وقع في روايتنا بالنون وهي للجمع وفي غيرها بالياء التحتانية قال الكرماني فاعل عد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بن مسعود وفاعل فلم تحفظه بن مسعود أو عمرو بن ميمون قلت ولا أدري من أين تهيأ له الجزم بذلك مع أن في رواية الثوري عند مسلم ما يدل على أن فاعل فلم تحفظه أبو إسحاق ولفظه قال أبو إسحاق ونسيت السابع وعلى هذا ففاعل عد عمرو بن ميمون على أن أبا إسحاق قد تذكره مرة أخرى فسماه عمارة بن الوليد كذا أخرجه المصنف في الصلاة من رواية إسرائيل عن أبي إسحاق وسماع إسرائيل من أبي إسحاق في غاية الإتقان للزومه إياه لأنه جده وكان خصيصا به قال عبد الرحمن بن مهدي ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الا اتكالا على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم وعن إسرائيل قال كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ سورة الحمد واستشكل بعضهم عد عمارة بن الوليد في المذكورين لأنه لم يقتل ببدر بل ذكر أصحاب المغازي أنه مات بأرض الحبشة وله قصة مع النجاشي إذ تعرض لامرأته فأمر النجاشي ساحرا فنفخ في احليل عمارة من سحره عقوبة له فتوحش وصار مع البهائم إلى أن مات في خلافة عمر وقصته مشهورة والجواب أن كلام بن مسعود في أنه رآهم صرعى في القليب أمرهم على الأكثر ويدل عليه أن عقبة بن أبي معيط لم يطرح في القليب وإنما قتل صبرا بعد أن رحلوا عن بدر مرحلة وأمية بن خلف لم يطرح في القليب كما هو بل مقطعا كما سيأتي وسيأتي في المغازي كيفية مقتل المذكورين ببدر وزيادة بيان في أحوالهم إن شاء الله تعالى قوله قال أي بن مسعود والمراد باليد هنا القدرة وفي رواية مسلم والذي بعث محمدا بالحق وللنسائي والذي انزل عليه الكتاب وكأن عبد الله قال كل ذلك تأكيدا قوله صرعى في القليب في رواية إسرائيل لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا الى القليب قليب بدر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبع أصحاب القليب لعنة وهذا يحتمل أن يكون من تمام الدعاء الماضي فيكون فيه علم عظيم من أعلام النبوة ويحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم بعد أن ألقوا في القليب وزاد شعبة في روايته الا أمية فإنه تقطعت اوصاله زاد لأنه كان بادنا قال العلماء وإنما أمر بالقائهم فيه لئلا يتأذى الناس بريحهم وإلا فالحربي لا يجب دفنه والظاهر أن البئر لم يكن فيها ماء معين قوله قليب بدر بالجر على البدلية والقليب بفتح القاف وآخره موحدة هو البئر التي لم تطو وقبل العادية القديمة التي لا يعرف المؤلف فائدة روى هذا الحديث بن إسحاق في المغازي قال حدثني الأجلح عن أبي إسحاق فذكر هذا الحديث وزاد في آخره قصة أبي البختري مع النبي صلى الله عليه وسلم في سؤاله إياه عن القصة وضرب أبي البختري أبا جهل وشجه إياه والقصة مشهورة في السيرة وأخرجها البزار من طريق أبي إسحاق وأشار إلى تفرد الأجلح بها عن أبي إسحاق وفي الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار وما ازدادت عند المسلمين الا تعظيما
[ 304 ]
وفيه معرفة الكفار بصدقه صلى الله عليه وسلم لخوفهم من دعائه ولكن حملهم الحسد على ترك الانقياد له وفيه حلمه صلى الله عليه وسلم عمن آذاه ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث أن بن مسعود قال لم أره دعا عليه الا يومئذ وإنما استحقوا الدعاء حينئذ لما اقدموا عليه من الاستخفاف به حال عبادة ربه وفيه استحباب الدعاء ثلاثا وقد تقدم في العلم استحباب السلام ثلاثا وغير ذلك وفيه جواز الدعاء على الظالم لكن قال بعضهم محله ما إذا كان كافرا فأما المسلم فيستحب الاستغفار له والدعاء بالتوبة ولو قيل لا دلالة فيه على الدعاء على الكافر لما كان بعيدا لاحتمال أن يكون اطلع صلى الله عليه وسلم على أن المذكورين لا يؤمنون والأولى أن يدعي لكل حي بالهداية وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء من صغرها لشرفها في قومها ونفسها لكونها صرحت بشتمهم وهم رؤوس قريش فلم يردوا عليها وفيه أن المباشرة آكد من السبب والاعانة لقوله في عقبة أشقى القوم مع أنه كان فيهم أبو جهل وهو أشد منه كفرا وأذى للنبي صلى الله عليه وسلم لكن الشقاء هنا بالنسبة إلى هذه القصة لأنهم اشتركوا في الأمر والرضا وانفرد عقبة بالمباشرة فكان اشقاهم ولهذا قتلوا في الحرب وقتل هو صبرا واستدل به على أن من حدث له في صلاته ما يمنع انعقادها ابتداء لا تبطل صلاته ولو تمادى وعلى هذا ينزل كلام المصنف فلو كانت نجاسة فأزالها في الحال ولا أثر لها صحت اتفاقا واستدل به على طهارة فرث ما يؤكل لحمه وعلى أن إزالة النجاسة ليست بفرض وهو ضعيف وحمله على ما سبق أولى وتعقب الأول بأن الفرث لم يفرد بل كان مع الدم كما في رواية إسرائيل والدم نجس اتفاقا وأجيب بان الفرث والدم كانا انظر السلى وجلدة السلى الظاهرة طاهرة فكان كحمل القارورة المرصصة وتعقب بأنها ذبيحة وثنى فجميع اجزائها نجسة وثلاثمائة ميتة وأجيب بان ذلك كان قبل التعبد بتحريم ذبائحهم وتعقب بأنه يحتاج إلى تاريخ ولا يكفي فيه الاحتمال وقال النووي الجواب المرضى أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره فاستمر في سجوده استصحابا لأصل الطهارة وتعقب بأنه يشكل على قولنا بوجوب الإعادة في مثل هذه الصورة وأجاب بأن الإعادة إنما تجب في الفريضة فإن ثبت أنها فريضة فالوقت موسع فلعله أعاد وتعقب بأنه لو أعاد لنقل ولم ينقل وبأن الله تعالى لا يقره على التمادي في صلاة فاسدة وقد تقدم أنه خلع نعليه وهو في الصلاة لأن جبريل أخبره أن فيهما قذرا ويدل على أنه علم بما ألقى على ظهره أن فاطمة ذهبت به قبل أن يرفع رأسه وعقب هو صلاته بالدعاء عليهم والله أعلم قوله باب البصاق كذا في روايتنا وللأكثر بالزاى وهي لغة فيه وكذا السين وضعفت قوله في الثوب أي والبدن ونحوه ودخول هذا في أبواب الطهارة من جهة أنه لا يفسد الماء لو خالطه قوله وقال عروة هو بن الزبير ومروان هو بن الحكم وأشار بهذا التعليق إلى الحديث الطويل في قصة الحديبية وسيأتي بتمامه في الشروط من طريق الزهري عن عروة وقد علق منه موضعا آخر كما مضى في باب استعمال فضل وضوء الناس قوله فذكر الحديث يعني وفيه وما تنخم وغفل الكرماني فظن أن قوله وما تنخم الخ حديث آخر فجوز أن يكون الراوي ساق الحديثين سوقا واجدا أو يكون أمر إسكانهم وقع بالحديبية انتهى ولو راجع الموضع الذي ساق المصنف فيه الحديث تاما لظهر له الصواب والنخامة بالضم هي النخاعة كذا في المجمل والصحاح وقيل بالميم ما يخرج من الفم وبالعين ما يخرج من الحلق
[ 305 ]
والغرض من هذا الاستدلال على طهارة الريق ونحوه وقد نقل بعضهم فيه الإجماع لكن روى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي أنه ليس بطاهر وقال بن حزم صح عن سلمان الفارسي وإبراهيم النخعي أن اللعاب نجس إذا فارق الفم قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري وقد روى أبو نعيم في مستخرجه هذا الحديث من طريق الفريابي وزاد في آخره وهو في الصلاة قوله طوله بن أبي مريم هو سعيد بن الحكم المصري أحد شيوخ البخاري نسب إلى جده وأفادت روايته تصريح حميد بالسماع له من أنس خلافا لما روى يحيى القطان عن حماد بن سلمة أنه قال حديث حميد عن أنس في البزاق إنما سمعه من ثابت عن أبي نضرة فظهر أن حميدا لم يدلس فيه ومفعول سمعت الثاني محذوف للعلم به والمراد أنه كالمتن الذي قبله مع زيادات فيه وقد وقع مطولا أيضا عند المصنف في الصلاة كما سيأتي في باب حك البزاق باليد في المسجد قوله باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر هو من عطف العام على الخاص أو المراد بالنبيذ ما لم يبلغ حد الإسكار قوله وكرهه الحسن أي البصري روى بن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريقين عنه قال لا توضأ بنبيذ وروى أبو عبيد من طريق أخرى عنه أنه لا بأس به فعلى هذا فكراهته عنده على التنزيه قوله وأبو العالية روى أبو داود وأبو عبيد من طريق أبي خلدة قال سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة وليس عنده ماء يغتسل به قال لا وفي رواية أبي عبيد فكرهه قوله وقال عطاء هو بن أبي رباح روى أبو داود أيضا من طريق بن جريج عنه أنه كره الوضوء بالنبيذ واللبن وقال أن التيمم أحب إلي منه وذهب الأوزاعي الى جواز الوضوء بالانبذة كلها وهو قول عكرمة مولى ابن عباس وروى عن علي وابن عباس ولم يصح عنهما وقيده أبو حنيفة في المشهور عنه بنبيذ التمر واشترط أن لا يكون بحضرة ماء وأن يكون خارج المصر أو القرية وخالفه صاحباه فقال محمد يجمع بينه وبين التيمم قيل ايجابا وقيل استحبابا وهو قول إسحاق وقال أبو يوسف بقول الجمهور لا يتوضأ به يحال واختاره الطحاوي وذكر قاضيخان أن أبا حنيفة رجع إلى هذا القول لكن في المقيد من كتبهم إذا ألقى في الماء تمرات فحلا ولم يزل عنه اسم الماء جاز الوضوء به بلا خلاف يعني عندهم واستدلوا بحديث بن مسعود حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ما في ادواتك قال نبيذ قال ثمرة طيبة وماء طهور رواه أبو داود والترمذي وزاد فتوضأ به وهذا الحديث اطبق علماء السلف على تضعيفه وقيل على تقدير صحته أنه منسوخ لأن ذلك كان بمكة ونزول قوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا إنما كان بالمدينة بلا خلاف أو هو أمرهم على ماء ألقيت فيه تمرات يابسة لم تغير له وصفا وإنما كانوا يصنعون ذلك لأن غالب مياههم لم تكن حلوة قوله عن الزهري كذا للاصيلي وغيره ولأبي ذر حدثنا الزهري قوله كل شراب أسكر أي كان من شأنه الإسكار سواء حصل بشربه السكر أم لا قال الخطابي فيه دليل على أن قليل المسكر وكثيره حرام من أي نوع كان لأنها صيغة عموم أشير بها إلى جنس الشراب الذي يكون منه السكر فهو كما لو قال كل طعام أشبع فهو حلال فأنه يكون دالا على حل كل طعام من شأنه الاشباع وأن لم يحصل الشبع لبعض دون بعض ووجه احتجاج البخاري به في هذا الباب أن المسكر لا يحل شربه وما لا يحل شربه لا يجوز الوضوء به اتفاقا والله أعلم وسيأتي الكلام على حكم شرب النبيذ في الأشربة أن شاء الله تعالى قوله
[ 306 ]
باب غسل المرأة اباها منصوب على المفعولية والدم منصوب على الاختصاص أو على البدل وهو أما اشتمال أو بعض من كل ووقع في رواية بن عساكر غسل المرأة الدم عن وجه أبيها وهو بالمعنى قوله عن وجهه في رواية الكشميهني من وجهه وعن في رواية غيره واما المعنى من أو ضمن الغسل معنى الإزالة وهذه الترجمة معقودة لبيان أن إزالة النجاسة ونحوها يجوز الاستعانة فيها كما تقدم في الوضوء وبهذا يظهر مناسبة أثر أبي العالية لحديث سهل قوله وقال أبو العالية هو الرياحي بكسر الراء وياء تحتانية وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن معمر عن عاصم بن سليمان قال دخلنا على أبي العالية وهو وجع فوضؤوه فلما بقيت إحدى رجليه قال امسحوا على هذه فإنها مريضة وكان بها حمرة وزاد بن أبي شيبة أنها كانت معصوبة قوله حدثنا محمد قال أبو علي الجياني لم ينسبه أحد من الرواة وهو عندي بن سلام قلت وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج وقد وقد في رواية بن عساكر حدثنا محمد يعني بن سلام قوله وسأله الناس جملة حالية وأراد بقوله وما بيني وبينه أحد أي عند السؤال ليكون أدل على صحة سماعه لقربه منه قوله دوى بضم الدال على البناء للمجهول وحذفت إحدى الواوين في الكتابة كداود قوله ما بقى أحد إنما قال ذلك لآنه كان آخر من بقي من الصحابة بالمدينة كما صرح به المصنف في النكاح في روايته عن قتيبة عن سفيان ووقع في رواية القدرة عن سفيان اختلف الناس بأي شئ دوى جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي ذكر سبب هذا الجرح وتسمية فاعله في المغازي في وقعة أحد إن شاء الله تعالى وكان بينها وبين تحديث سهل بذلك أكثر من ثمانين سنة قوله فأخذ بضم الهمزة على البناء للمجهول وله في الطب فلما رأت فاطمة الدم يزيد على الماء كثرة عمدت إلى حصير فأحرقتها بعذرك على الجرح فرقأ الدم وفي هذا الحديث مشروعية التداوى ومعالجة الجراح واتخاذ الترس في الحرب وأن جميع ذلك لا يقدح في التوكل لصدوره من سيد المتوكلين وفيه مباشرة المرأة لأبيها وكذلك لغيره من ذوي محارمها ومداواتها لأمراضهم وغير ذلك مما يأتي الكلام عليه في المغازي إن شاء الله تعالى قوله باب السواك هو بكسر السين على الافصح ويطلق على الآلة وعلى الفعل وهو المراد هنا قوله وقال بن عباس هذا التعليق سقط من رواية المستملى وهو طرف من حديث طويل في قصة مبيت بن عباس عند خالته ميمونة ليشاهد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم صارت وقد وصله المؤلف من طرق منها بلفظه هذا في تفسير آل عمران واقتضى كلام عبد الحق أنه بهذا اللفظ من افراد مسلم وليس بجيد قوله عن أبي بردة هو بن أبي موسى الأشعري قوله يستن بفتح أوله وسكون المهملة وفتح المثناة وتشديد النون من السن بالكسر أو الفتح إما لأن السواك يمر على الأسنان أو لأنه يسنها أي يحددها قوله يقول أي النبي صلى الله عليه وسلم أو السواك مجازا قوله اع اع بضم الهمزة وسكون المهملة كذا في رواية أبي ذر وأشار بن التين إلى أن غيره رواه بفتح الهمزة ورواه النسائي وابن خزيمة عن أحمد بن عبدة عن حماد بتقديم العين على الهمزة وكذا أخرجه البيهقي من طريق إسماعيل القاضي عن عارم وهو أبو النعمان شيخ البخاري فيه ولأبي داود بهمزة مكسورة ثم هاء وللجوزقي بخاء غدا بدل الهاء والرواية الأولى أشهر وإنما اختلف الرواة لتقارب مخارج هذه الأحرف وكلها ترجع إلى حكاية صوته إذ جعل السواك على طرف لسانه كما
[ 307 ]
عند مسلم والمراد طرفه الداخل كما عند أحمد يستن إلى فوق ولهذا قال هنا كأنه يتهوع والتهوع التقيؤ أي له صوت كصوت المتقئ على سبيل المبالغة ويستفاد منه مشروعية السواك على اللسان طولا أما الأسنان فالاحب فيها أن تكون عرضا وفيه حديث مرسل عند أبي داود وله شاهد موصول عند العقيلي في الضعفاء وفيه تأكيد السواك وأنه لا يختص بالأسنان وأنه من باب التنظيف والتطيب لا من باب إزالة القاذورات لكونه صلى الله عليه وسلم لم يختف به وبوبوا عليه استياك الإمام بحضرة رعيته قوله عن حذيفة هو بن وابنه والإسناد كله كوفيون قوله يشوص بضم المعجمة وسكون الواو بعدها الركعة والشوص بالفتح الغسل والتنظيف كذا في الصحاح وفي المحكم الغسل عن كراع والتنقية عن أبي عبيد والدلك عن بن الأنباري وقيل الامرار على الأسنان من أسفل إلى فوق واستدل قائله بأنه ماخوذ من الشوصة وهي ريح ترفع القلب عن موضعه وعكسه الخطابي فقال هو دلك الأسنان بالسواك أو الأصابع عرضا قال بن دقيق العيد فيه استحباب السواك عند القيام من النوم لأن النوم مقتض لتغير الفم لما يتصاعد إليه من ابخرة المعدة والسواك آلة تنظيفه فيستحب عند مقتضاه قال وظاهر قوله من الليل عام في كل حالة ويحتمل أن يخص بما إذا قام إلى الصلاة قلت ويدل عليه رواية المصنف في الصلاة بلفظ إذا قام للتهجد ولمسلم نحوه وحديث بن عباس يشهد له وكأن ذلك هو السر في ذكره في الترجمة وقد ذكر المصنف كثيرا من أحكام السواك في الصلاة وفي الصيام كما ستأتي في اماكنها إن شاء الله تعالى قوله باب دفع السواك إلى الأكبر وقال عفان قال الاسماعيلي أخرجه البخاري بلا رواية قلت وقد وصله أبو عوانة في صحيحه عن محمد بن إسحاق الصغاني وغيره عن عفان وكذا أخرجه أبو نعيم والبيهقي من طريقه قوله اراني بفتح الهمزة من الرؤية ووشم من ضمها وفي رواية المستملى رآني بتقديم الراء والأول أشهر ولمسلم من طريق على بن نصر الجهضمي عن صخر أراني في المنام وللاسماعيلي رأيت في المنام فعلى هذا فهو من الرؤيا قوله فقيل لي قائل ذلك له جبريل عليه السلام كما سيذكر من رواية بن المبارك قوله كبر أي قدم الأكبر في السن قوله قال أبو عبد الله أي البخاري اختصره أي المتن نعيم هو بن حماد وأسامة هو بن زيد الليثى المدني ورواية نعيم هذه وصلها الطبراني في الأوسط عن بكر بن سهل عنه بلفظ أمرني جبريل أن أكبر ورويناها في الغيلانيات من رواية أبي بكر الشافعي عن عمر بن موسى عن نعيم بلفظ أن أقدم الأكابر وقد رواه جماعة من أصحاب بن المبارك عنه بغير اختصار أخرجه أحمد والاسماعيلي والبيهقي عنهم بلفظ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن فأعطاه أكبر القوم ثم قال أن جبريل أمرني أن أكبر وهذا يقتضى أن تكون القضية وقعت في اليقظة ويجمع بينه وبين رواية صخر أن ذلك لما وقع في اليقظة أخبرهم صلى الله عليه وسلم بما رآه في النوم تنبيها على أن أمره بذلك بوحى متقدم فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض ويشهد لرواية بن المبارك ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان فأوحى إليه أن أعط السواك الأكبر قال بن بطال فيه تقديم ذي السن في السواك ويلتحق به الطعام والشراب والمشى والكلام وقال المهلب هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن
[ 308 ]
وهو صحيح وسيأتي الحديث فيه في الأشربة وفيه أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه الا أن المستحب أن يغسله ثم يستعلمه وفيه حديث عن عائشة في سنن أبي داود قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك لاغسله فابدأ به فاستاك ثم اغسله ثم ادفعه إليه وهذا دال على عظيم أدبها وكبير فطنتها لأنها لم تغسله ابتداء حتى لا يفوتها الاستشفاء بريقه ثم غسلته تأديبا وامتثالا ويحتمل أن يكون المراد بأمرها يغسله تطييبه وتليينه بالماء قبل أن يستعمله والله أعلم قوله باب فضل من بات على الوضوء ولغير أبي ذر على وضوء قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك وسفيان هو الثوري ومنصور هو بن المعتمر قوله فتوضأ ظاهره استحباب تجديد الوضوء لكل من أراد النوم ولو كان على طهارة ويحتمل أن يكون مخصوصا بمن كان محدثا ووجه مناسبته للترجمة من قوله فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة والمراد بالفطرة السنة وقد روى هذا الحديث الشيخان وغيرهما من طرق عن البراء وليس فيها ذكر الوضوء الا في هذه الرواية وكذا قال الترمذي وقد ورد في الباب حديث عن معاذ بن جبل أخرجه أبو داود وحديث عن على أخرجه البزار وليس واحد منهما على شرط البخاري وسيأتي الكلام على فوائد هذا المتن في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى قوله واجعلهن آخر ما تقول في رواية الكشميهني من آخر وهي تبين أنه لا يمتنع أن يقول بعدهن شيئا مما شرع من الذكر عند النوم قوله قال لا ونبيك الذي أرسلت قال الخطابي فيه حجة لمن منع رواية الحديث على المعنى قال ويحتمل أن يكون أشار بقوله ونبيك إلى أنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا أو لأنه ليس في قوله ورسولك الذي أرسلت وصف زائد بخلاف قوله ونبيك الذي أرسلت وقال غيره ليس فيه حجة على منع ذلك لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى فكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحا وأن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفه في تعيين اللفظ وتقدير النصارى فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان يرادفه في الظاهر أو لعله أوحى إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده أو ذكره احترازا ممن أرسل من غير نبوة كجبريل وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس أو لأن لفظ النبي امدح من لفظ الرسول لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفا وعلى هذا فقول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه وأما من استدل به على أنه لا يجوز إبدال لفظ قال نبي الله مثلا في الرواية بلفظ قال رسول الله وكذا عكسه ولو اجزنا الرواية بالمعنى فلا حجة فيه وكذا لا حجة فيه لمن أجاز الأول دون الثاني لكون الأول أخص من الثاني لأنا نقول الذات المخبر عنها في الرواية واحدة فبأي وصف وصفت به تلك الذات من اوصافها اللائقة بها علم القصد بالمخبر عنه ولو تباينت معاني الصفات كما لو أبدل اسما بكنية أو كنية باسم فلا فرق بين أن يقول الراوي مثلا عن أبي عبد الله البخاري أو عن محمد بن إسماعيل البخاري وهذا بخلاف ما في حديث الباب فإنه يحتمل ما تقدم من الأوجه التي بيناها من إرادة التوقيف وغيره والله أعلم تنبيه النكتة في ختم البخاري كتاب الوضوء بهذا الحديث من جهة أنه آخر وضوء آمر به المكلف في اليقظة ولقوله في نفس الحديث واجعلهن آخر ما تقول فاشعر ذلك بختم الكتاب والله الهادي للصواب خاتمة اشتمل كتاب الوضوء وما معه من أحكام المياه
[ 309 ]
والاستطابه من الأحاديث المرفوعة على مائة وأربعة وخمسين حديثان الموصول منها مائة وستة عشر حديثا والمذكور منها بلفظ المتابعة وصيغة التعليق ثمانية وثلاثون حديثا فالمكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة وسبعون حديثا والخالص منها أحد وثمانون حديثا ثلاثة منها معلقة والبقية موصولة وافقه مسلم على تخريجها سوى تسعة عشر حديثا وهي الثلاثة المعلقة وحديث بن عباس في صفة الوضوء وحديثه توضأ مرة مرة وحديث أبي هريرة ابغنى أحجارا وحديث بن مسعود في الحجرين والروثة وحديث عبد الله بن زيد في الوضوء مرتين مرتين وحديث أنس في ادخار شعر النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي هريرة في الرجل الذي سقى الكلب وحديث السائب بن يزيد في خاتم النبوة وحديث سعد وعمر في المسح على الخفين وحديث عمرو بن أمية فيه وحديث سويد بن النعمان في المضمضة من السويق وحديث أنس إذا نعس في الصلاة فلينم وحديث أبي هريرة في قصة الذي بال في المسجد وحديث ميمونة في فأرة سقطت في سمن وحديث أنس في البزاق في الثوب وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين ثمانية وأربعون أثرا الموصول منها ثلاثة والبقية معلقة والله أعلم بسم الله الرحمن الرحيم قوله بسم الله الرحمن الرحين كتاب الغسل كذا في روايتنا بتقديم البسملة وللاكثر بالعكس وقد تقدم توجيهه ذلك وحذفت البسملة من رواية الأصيلي وعنده باب الغسل وهو بضم الغين اسم للاغتسال وقيل إذا أريد به الماء فهو مضموم وأما المصدر فيجوز فيه الضم والفتح حكاه بن سيده وغيره وقيل المصدر بالفتح والاغتسال بالضم وقيل الغسل بالفتح فعل المغتسل وبالضم الماء الذي يغتسل به وبالكسر ما يجعل مع الماء كالاشنان وحقيقة الغسل جريان الماء على الأعضاء واختلف في وجوب الدلك فلم يوجبه الأكثر ونقل عن مالك والمزنى وجوبه واحتج بن بطال بالإجماع على وجوب امرار اليد على أعضاء الوضوء عند غسلها قال فيجب ذلك في الغسل قياسا لعدم الفرق بينهما وتعقب بأن جميع من لم يوجب الدلك اجازوا غمس اليد في الماء للمتوضئ من غير امرار فبطل الإجماع وانتفت الملازمة قوله وقول الله تعالى وأن كنتم جنبا فاطهروا قال الكرماني غرضه بيان أن وجوب الغسل على الجنب مستفاد من القرآن قلت ربع الآية التي من سورة المائدة على الآية التي من سورة النساء لدقيقة وهي أن لفظ التي في المائدة فاطهروا ففيها اجمال ولفظ التي في النساء حتى تغتسلوا ففيها تصريح بالاغتسال وبيان للتطهير المذكرو ودل على أن المراد بقوله تعالى فاطهروا فاغتسلوا قوله تعالى في الحائض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن أي اغتسلن اتفاقا ودلت آية النساء على أن استباحة الجنب الصلاة وكذا اللبث في المسجد يتوقف على الاغتسال وحقيقة الاغتسال غسل جميع الأعضاء مع تمييز ما للعبادة عما للعادة بالنية قوله باب الوضوء قبل الغسل أي استحبابه قال الشافعي رحمه الله في الأم فرض الله تعالى الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شئ فكيفما جاء به المغتسل أجزأه إذا أتى بغسل جميع بدنه والاختيار في الغسل ما روت عائشة ثم روى حديث الباب عن مالك بسنده وهو
[ 310 ]
في الموطأ كذلك قال بن عبد البر هو من أحسن حديث روى في ذلك قلت وقد رواه عن هشام وهو بن عروة جماعة من الحفاظ غير مالك كما سنشير إليه قوله كان إذا اغتسل أي شرع في الفعل ومن في قوله من الجنابة سببية قوله بدأ فغسل يديه يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر وسيأتي في حديث ميمونة تقوية ذلك ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم ويدل عليه زيادة بن عيينة في هذا الحديث عن هشام قبل أن يدخلهما في الإناء رواه الشافعي والترمذي وزاد أيضا ثم يغسل فرجه وكذا لمسلم من رواية أبي معاوية ولأبي داود من رواية حماد بن زيد كلاهما عن هشام وهي زيادة جليلة لأن بتقديم غسله يحصل الأمن من مسه في اثناء الغسل قوله كما يتوضأ الولاء فيه احتراز عن الوضوء اللغوي ويحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغسل سنة مستقلة بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد في الغسل ويحتمل أن يكتفى بغسلها في الوضوء عن اعادته وعلى هذا فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول عضو وإنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفا لها ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى وإلى هذا جنح الداودي شارح المختصر من الشافعية فقال يقدم غسل أعضاء وضوئه على ترتيب الوضوء لكن بنية غسل الجنابة ونقل بن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل وهو مردود فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث قوله فيخلل بها أي بأصابعه التي أدخلها في الماء ولمسلم ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر وللترمذي والنسائي من طريق بن عيينة ثم يشرب شعره الماء قوله أصول الشعر وللكشميهني أصول شعره أي شعر رأسه ويدل عليه رواية حماد بن سلمة عن هشام عند البيهقي يخلل بها شق رأسه الأيمن فيتبع بها أصول الشعر ثم يفعل بشق رأسه الأيسر كذلك وقال القاضي عياض احتج به بعضهم على تخليل شعر الجسد في الغسل أما لعموم قوله أصول الشعر وأما بالقياس على شعر الرأس وفائدة التخليل إيصال الماء إلى الشعر والبشرة ومباشرة الشعر باليد ليحصل تعميمه بالماء وتأنيس البشرة لئلا يصيبها بالصب ما تتأذى به ثم هذا التخليل غير واجب اتفاقا الا أن كان الشعر ملبدا بشئ يحول بين الماء وبين الوصول إلى أصوله والله أعلم قوله ثم يدخل إنما ذكره بلفظ المضارع وما قبله مذكور بلفظ الماضي وهو الأصل لإرادة استحضار صورة الحال للسامعين قوله ثلاث غر ف بضم المعجمة وفتح الراء جمع غرفة وهي قدر ما يغرف من الماء بالكف وللكشميهني ثلاث غرفات وهو المشهور في جمع القلة وفيه استحباب التثليث في الغسل وقال النووي ولا نعلم فيه خلافا الا ما تفرد به الماوردي فإنه قال لا يستحب التكرار في الغسل قلت وكذا قال الشيخ أبو على السنجي في شرح الفروع وكذا قال القرطبي وحمل التثليث في هذه الرواية على رواية القاسم عن عائشة الآتية قريبا فإن مقتضاها أن كل غرفة كانت في جهة من جهات الرأس وسيأتي في آخر الكلام على حديث ميمونة زيادة في هذه المسألة قوله ثم يفيض أي يسيل والافاضة الإسالة واستدل به من لم يشترط الدلك وهو ظاهر وقال المازري لا حجة فيه لأن أفاض بمعنى غسل والخلاف في الغسل قائم قلت ولا يخفى ما فيه والله أعلم وقال القاضي عياض لم يأت في شئ من الروايات في وضوء الغسل ذكر التكرار قلت بل ورد ذلك من طريق صحيحة أخرجها النسائي والبيهقي من رواية أبي سلمة عن
[ 311 ]
عائشة أنها وصفت غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة الحديث وفيه ثم يتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا ويغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ثم يفيض على رأسه ثلاث قوله على جلده كله هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعدما تقدم وهو يؤيد الاحتمال الأول أن الوضوء سنة مستقلة قبل الغسل وعلى هذا فينوي المغتسل الوضوء أن كان محدثا وإلا فسنة الغسل واستدل بهذا الحديث على استحباب إكمال الوضوء قبل الغسل ولا يؤخر غسل الرجلين إلى فراغه وهو ظاهر من قوله كما يتوضأ الولاء وهذا هو المحفوظ في حديث عائشة من هذا الوجه لكن رواه مسلم من رواية أبي معاوية عن هشام فقال في آخره ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه وهذه الزيادة تفرد بها أبو معاوية دون أصحاب هشام قال البيهقي هي غريبة صحيحة قلت لكن في رواية أبي معاوية عن هشام مقال نعم له شاهد من رواية أبي سلمة عن عائشة أخرجه أبو داود الطيالسي فذكر حديث الغسل كما تقدم عند النسائي وزاد في آخره فإذا فرغ غسل رجليه فأما أن تحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها وضوءه الولاء أي أكثره وهو ما سوى الرجلين أو يحمل على ظاهره ويستدل برواية أبي معاوية على جواز تفريق الوضوء ويحتمل أن يكون قوله في رواية أبي معاوية ثم غسل رجليه أي أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء فيوافق قوله في حديث الباب ثم يقبض على جلده كله قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري وجزم الكرماني بان محمد بن يوسف هو البيكندي وسفيان هو بن عيينة ولا أدري من أين له ذلك قوله وضوءه الولاء غير رجليه فيه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل الخ وهو مخالف لظاهر رواية عائشة ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز كما تقدم وإما بحمله على حالة أخرى وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم وعند الشافعية في الأفضل قولان قال النووي أصحهما واشهرهما ومختارهما أنه يكمل وضوئه قال لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك انتهى كذا قال وليس في شئ من الروايات عنهما التصريح بذلك بل هي إما محتملة كرواية توضأ وضوءه الولاء أو ظاهرة تأخيرهما كرواية أبي معاوية المتقدمة وشاهدها من طريق أبي سلمة ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب وراويها مقدم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش وقول من قال إنما فعل ذلك مرة لبيان الجواز متعقب فإن في رواية أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش ما يدل على المواظبة ولفظه كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه فذكر الحديث وفي آخره ثم يتنحى فيغسل رجليه قال القرطبي الحكمة في تأخير غسل الرجلين ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء قوله وغسل فرجه فيه تقديم وتأخير لأن غسل الفرج كان قبل الوضوء إذ الواو لا تقتضي الترتيب وقد بين ذلك بن المبارك عن الثوري عند المصنف في باب الستر في الغسل فذكر أولا غسل اليدين ثم غسل الفرج ثم مسح يده بالحائط ثم الوضوء غير رجليه وآتى بثم الدالة على الترتيب في جميع ذلك قوله هذه غسله الإشارة إلى الأفعال المذكورة أو التقدير هذه صفة غسله وللكشميهني هذا غسله وهو
[ 312 ]
ظاهر وأشار الاسماعيلي إلى أن هذه الجملة الأخيرة مدرجة من قول سالم بن أبي الجعد وأن زائدة بن قدامة بين ذلك في روياته عن الأعمش واستدل البخاري بحديث ميمونة هذا على جواز تفريق الوضوء وعلى استحباب الافراغ باليمين على الشمال للمغترف من الماء لقوله في رواية أبي عوانة وحفص وغيرهما ثم أفرغ بيمينه على شماله وعلى مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة لقوله فيها ثم تمضمض واستنشق وتمسك به الحنفية للقول بوجوبهما وتعقب بأن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب الا إذا كان بيانا لمجمل تعلق به الوجوب وليس الأمر هنا كذلك قاله بن دقيق العيد وعلى استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو الأرض لقوله في الروايات المذكورة ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط قال بن دقيق العيد وقد يؤخذ منه الاكتفاء بغسله واحدة لإزالة النجاسة والغسل من الجنابة لأن الأصل عدم التكرار وفيه خلاف انتهى وصحح النووي وغيره أنه يجزئ لكن لم يتعين في هذا الحديث أن ذلك كان لإزالة النجاسة بل يحتمل أن يكون للتنظيف فلا يدل على الاكتفاء وأما دلك اليد بالأرض فللمبالغة فيه ليكون انقى كما قال البخاري وأبعد من استدل به على نجاسة المني أو على نجاسة رطوبة الفرج لأن الغسل ليس مقصورا على إزالة النجاسة وقوله في حديث الباب وما أصابه من أذى ليس بظاهر في النجاسة أيضا واستدل به البخاري أيضا على أن الواجب في غسل الجنابة مرة واحدة وعلى أن من توضأ بنية الغسل ثم أكمل باقي أعضاء بدنه لايشرع له تجديد الوضوء من غير حدث وعلى جواز نفض اليدين من ماء الغسل وكذا الوضوء وفيه حديث ضعيف أورده الرافعي وغيره ولفظه لا تنفضوا أيديكم في الوضوء فإنها مراوح الشيطان قال بن الصلاح لم أجده وتبعه النووي وقد أخرجه بن حبان في الضعفاء وابن أبي حاتم في العلل من حديث أبي هريرة ولو لم يعارضه هذا الحديث الصحيح لم يكن صالحا أن يحتج به وعلى استحباب التستر في الغسل ولو كان في البيت وقد عقد المصنف لكل مسألة بابا وأخرج هذا الحديث فيه لكن بمغايرة الطرق ومدارها على الأعمش وعند بعض الرواة عنه ما ليس عند الآخر وقد جمعت فوائدها في هذا الباب وصرح في رواية حفص بن الصالح عن الأعمش بسماع الأعمش من سالم فأمن تدليسه وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على الولاء الأعمش وسالم وكريب وصحابيان بن عباس وخالته ميمونة بنت الحارث وفي الحديث من الفوائد أيضا جواز الاستعانة بإحضار ماء الغسل والوضوء لقولها في رواية حفص وغيره وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسلا وفي رواية عبد الواحد ما يغتسل به وفيه خدمة الزوجات لأزواجهن وفيه الصب باليمين على الشمال لغسل الفرج بها وفيه تقديم غسل الكفين على غسل الفرج لمن يريد الاغتراف لئلا يدخلهما في الماء وفيهما ما لعله يستقذر فأما إذا كان الماء في إبريق مثلا فالأولى تقديم غسل الفرج لتوالى أعضاء الوضوء ولم يقع في شئ من طرق هذا الحديث التنصيص على مسح الرأس في هذا الوضوء وتمسك به المالكية لقولهم إن وضوء الغسل لا يمسح فيه الرأس بل يكتفى عنه بغسله واستدل بعضهم بقولها في رواية أبي حمزة وغيره فناولته ثوبا فلم يأخذه على كراهة التنشيف بعد الغسل ولا حجة فيه لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق كراهة التنشيف بل لأمر يتعلق بالخرقة أو لكونه مستعجلا أو غير ذلك قال المهلب يحتمل تركه الثوب لابقاء بركة الماء أو للتواضع أو لشئ رآه في الثوب من حرير
[ 313 ]
أو وسخ وقد وقع عند أحمد والاسماعيلي من رواية أبي عوانة في هذا الحديث عن الأعمش قال فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال لا بأس بالمنديل وإنما رده مخالفة أن يصير عادة وقال التيمي في شرحه في هذا الحديث دليل على أنه كان يتنشف ولولا ذلك لم تأته بالمنديل وقال بن دقيق العيد نفضه الماء بيده يدل على أن لاكراهة في التنشيف لأن كلا منهما إزالة وقال النووي اختلف أصحابنا فيه على خمسة أوجه اشهرها أن المستحب ترك وقيل مكروه وقيل مباح وقيل مستحب وقيل مكروه في الصيف مباح في الشتاء واستدل به على طهارة الماء المتقاطر من أعضاء المتطهر خلافا لمن غلا من الحنفية فقال بنجاسته قوله باب غسل الرجل مع امرأته عن عروة أي بن الزبير كذا رواه أكثر أصحاب الزهري وخالفهم إبراهيم بن سعد فرواه عنه عن القاسم بن محمد أخرجه النسائي ورجح أبو زرعة الأول ويحتمل أن يكون للزهري شيخان فإن الحديث محفوظ عن عروة والقاسم من طرق أخرى قوله أنا والنبي يحتمل أن يكون مفعولا معه ويحتمل أن يكون عطفا على الضمير وهو من باب تغليب المتكلم على الغائب لكونها هي السبب في الاغتسال فكأنها أصل في الباب قوله من إناء واحد من قدح من الأولى ابتدائية والثانية بيانية ويحتمل أن يكون قدح بدلا من إناء بتكرار حرف الجر وقال بن التين كان هذا الإناء من العطار وهو بفتح المعجمة والموحدة كما تقدم توضيحه في صفة الوضوء من حديث عبد الله بن زيد وكأن مستندة ما رواه الحاكم من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه ولفظه تور من شبة قوله يقال له الفرق ولمالك عن الزهري هو الفرق وزاد في روايته من الجنابة أي بسبب الجنابة ولأبي داود الطيالسي عن بن أبي ذئب وذلك القدح يومئذ يدعن الفرق قال بن التين الفرق بتسكين الراء ورويناه بفتحها وجوز بعضهم الامرين وقال القتيبي وغيره هو بالفتح وقال النووي الفتح أفصح وأشهر وزعم أبو الوليد الباجي أنه الصواب قال وليس كما قال بل هما لغتان قلت لعل مستند الباجي ما حكاه الأزهري عن ثعلب وغيره الفرق بالفتح والمحدثون يسكنونه وكلام العرب بالفتح انتهى وقد حكى الاسكان أبو زيد وابن دريد وغيرهما من أهل اللغة والذي في روايتنا هو الفتح والله أعلم وحكى بن الأثير أن الفرق بالفتح ستة عشر رطلا وبالاسكان مائة قرة رطلا وهو غريب واما مقداره فعند مسلم في آخر رواية بن عيينة عن الزهري في هذا الحديث قال سفيان يعني بن عيينة الفرق ثلاث آصع قال النووي وكذا قال الجماهير وقيل الفرق صاعان لكن نقل أبو عبيد الاتفاق على أن الفرق ثلاثة آصع وعلى أن الفرق ستة عشر رطلا ولعله يريد اتفاق أهل اللغة وإلا فقد قال بعض الفقهاء من الحنفية وغيرهم أن الصاع ثمانية أرطال وتمسكوا بما روى عن مجاهد في الحديث الاتي عن عائشة أنه حزر الإناء ثمانية أرطال والصحيح الأول فإن الحزر لا يعارض به التحديد وأيضا فلم يصرح مجاهد بأن الإناء المذكور صاع فيحمل على اختلاف الأواني مع تقاربها ويؤيد كون الفرق ثلاثة آصع ما رواه بن حبان من طريق عطاء عن عائشة بلفظ قدر ستة اقساط والقسط بكسر القاف وهو باتفاق أهل اللغة نصف صاع والاختلاف بينهم أن الفرق ستة عشر رطلا فصح أن الصاع خمسة أرطال وثلث وتوسط بعض الشافعية فقال الصاع الذي لماء الغسل ثمانية أرطال والذي لزكاة الفطر وغيرها خمسة أرطال وثلث وهو ضعيف ومباحث المتن تقدمت في باب وضوء الرجل مع امرأته واستدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه
[ 314 ]
ويؤيده ما رواه بن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته فقال سألت عطاء فقال سألت عائشة فذكرت هذا الحديث بمعناه وهو نص في المسألة والله أعلم قوله باب الغسل بالصاع أي بملء الصاع ونحوه أي ما يقاربه والصاع تقدم أنه خمسة أرطال وثلث برطل بغداد وهو على ما قال الرافعي وغيره مائة وثلاثون درهما ورجع ورجح النووي أنه مائة وثمانية قرة درهما وأربعة اسباع درهم وقد بين الشيخ الموفق سبب الخلاف في ذلك فقال أنه في الأصل مائة وثمانية وعشرين وأربعة اسباع ثم زادوا فيه مثقال لإرادة جبر الكسر فصار مائة وثلاثين قال والعمل على الأول لأنه هو الذي كان موجودا وقت تقدير العلماء به قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي وعبد الصمد هو بن عبد الوارث وأبو بكر بن حفص أي بن عمر بن سعد بن أبي وقاص شارك شيخه أبا سلمة وهو بن عبد الرحمن بن عوف في كونه زهريا مدنيا مشهورا بالكنية وقد قيل إن اسم كل مهما عبد الله قوله وأخو عائشة زعم الداودي أنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وقال غيره هو أخوها لأمها وهو الطفيل بن عبد الله ولا يصح واحد منهما لما روى مسلم من طريق معاذ والنسائي من طريق خالد بن الحارث وأبو عوانة من طريق يزيد بن هارون كلهم عن شعبة في هذا الحديث أنه أخوها من الرضاعة وقال النووي وجماعة إنه عبد الله بن يزيد معتمدين على ما وقع في صحيح مسلم في الجنائز عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة عنها فذكر حديثا غير هذا ولم يتعين عندي أنه المراد هنا لأن لها أخا آخر من الرضاعة وهو كثير بن عبيد رضيع عائشة روى عنها أيضا وحديثه في الأدب المفرد للبخاري وسنن أبي داود من طريق ابنه سعيد بن كثير عنه وعبد الله بن يزيد بصري وكثير بن عبيد كوفي فيحتمل أن يكون المبهم هنا أحدهما ويحتمل أن يكون غيرهما والله أعلم قوله فدعت بإناء نحو بالجر والتنوين صفة لإناء وفي رواية كريمة نحوا بالنصب على أنه نعت للمجرور باعتبار المحل أو بإضمار حنث قوله وبيننا وبينها حجاب قال القاضي عياض ظاهره أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل نظره للمحرم لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع أرضعته أختها أم كلثوم وإنما سترت اسافل بدنها مما لا يحل للمحرم النظر إليه قال وإلا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما معنى وفي فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل لأنه أوقع في النفس ولما كان السؤال محتملا للكيفية والكمية ثبت لهما ما يدل على الامرين معا أما الكيفية فبالاقتصار على إفاضة الماء وأما الكمية فبالاكتفاء بالصاع قوله قال أبو عبد الله أي البخاري المصنف قال يزيد بن هارون هذا التعليق وصله أبو عوانة وأبو نعيم في مستخرجيهما قوله وبهز بالزاى المعجمة هو بن أسد وحديثه موصول عند الاسماعيلي وزاد في روايتهما من الجنابة وعندهما أيضا على رأسها ثلاثا وكذا عند مسلم والنسائي قوله والجدى بضم الجيم وتشديد الدال نسبة إلى جدة ساحل مكة وكان أصله منها لكنه سكن البصرة قوله قدر صاع بالكسر على الحكاية ويجوز النصب كما تقدم والمراد من الكلب أن الاغتسال وقع بملء الصاع من الماء تقريبا لا تحديدا قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي قوله حدثنا يحيى بن ادم قال أبو علي الحياني ثبت لجميع الرواة إلا لأبي ذر عن الحموي فسقط من روايته يحيى بن آدم وهو وهم فلا يتصل السند الا به قوله زهير هو بن معاوية وأبو إسحاق هو السبيعي وأبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن علي
[ 315 ]
بن أبي طالب المعروف بالباقر قوله هو وأبوه أي علي بن الحسين وعنده أي عند جابر قوله قوم كذا في النسخ التي وقفت عليها من البخاري ووقع في العمدة وعنده قومه بزيادة الهاء وجعلها شراحها ضميرا يعود على جابر وفيه ما فيه وليست هذه الرواية في مسلم أصلا وذلك وارد أيضا على قوله أنه يخرج المتفق عليه قوله فسألوه عن الغسل أفاد إسحاق بن راهويه في مسنده أن متولى السؤال هو أبو جعفر الراوي فأخرج من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال سألت جابرا عن غسل الجنابة وبين النسائي في روايته سبب السؤال فأخرج من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي جعفر قال تمارينا في الغسل عند جابر فكان أبو جعفر تولى السؤال ونسب السؤال في هذه الراوية إلى الجميع مجازا لقصدهم ذلك ولهذا أفرد جابر الجواب فقال يكفيك وهو بفتح أوله وسيأتي مزيد لهذا الموضع في الباب الذي يليه قوله فقال رجل زاد الاسماعيلي منهم أي من القوم وهذا يؤيد ما ثبت في روايتنا لأن هذا القائل هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الذي يعرف أبوه بابن الحنفية كما جزم به صاحب العمدة وليس هو من قوم جابر لأنه هاشمي وجابر انصاري قوله أوفى يحتمل الصفة والمقدار أي أطول وأكثر قوله وخير منك بالرفع عطفا على أوفى الخبر به عن هو وفي رواية الأصيلي أو خيرا بالنصب عطفا على الموصول قوله ثم أمنا فاعل امنا هو جابر كما سيأتي ذلك واضحا من فعله في كتاب الصلاة ابن $ التفات إلى من جعله من مقوله والفاعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه السلف من الاحتجاج بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد إلى ذلك وفيه جواز الرد بعنف على من يمارى بغير علم إذا قصد الراد إيضاح الحق وتحذير السامعين من مثل ذلك وفيه كراهية التنطع والاسراف في الماء قوله عن عمرو هو بن دينار وفي مسند القدرة حدثنا سفيان أخبرنا عمرو أخبرنا أبو الشعثاء وهو جابر بن زيد المذكور قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله كان بن عيينة كذا رواه عنه أكثر الرواة وإنما رواه عنه كما قال أبو نعيم من سمع منه قديما وإنما رجح البخاري رواية أبي نعيم جريا على قاعدة المحدثين لأن من جملة المرجحات عندهم قدم السماع لأنه مظنة قوة حفظ الشيخ ولرواية الآخرين جهة أخرى من وجوه الترجيح وهي كونهم أكثر عددا وملازمة لسفيان ورجحها الاسماعيلي من جهة أخرى من حيث المعنى وهو كون بن عباس لا يطلع على النبي صلى الله عليه وسلم في حالة اغتساله مع ميمونة فيدل على أنه أخذه عنها وقد أخرج الرواية المذكورة الشافعي والحميدي وابن أبي عمرو وابن أبي شيبة وغيرهم في مسانيدهم عن سفيان ومسلم والنسائي وغيرهما من طريقه ويستفاد من هذا البحث أن البخاري لا يرى التسوية بين عن فلان وبين أن فلانا وفي ذلك بحث يطول ذكره وقد حققته فيما كتبته على كتاب بن الصلاح وادعى بعض الشارحين أن حديث ميمونة هذا لا مناسبة له بالترجمة لأنه لم يذكر فيه قدر الإناء والجواب أن ذلك يستفاد من مقدمة أخرى وهي أن اوانيهم كانت صغارا كما صرح به الشافعي في عدة مواضع فيدخل هذا الحديث تحت قوله ونحوه أي نحو الصاع أو يحمل المطلق فيه على المقيد في حديث عائشة وهو الفرق لكون كل منهما زوجة له واغتسلت معه فتكون حصة كل منهما ازيد من صاع فيدخل تحت الترجمة بالتقريب والله أعلم قوله باب من أفاض على رأسه ثلاثا تقدم حديث ميمونة وعائشة في ذلك قوله حدثنا زهير
[ 316 ]
هو بن معاوية الجعفي وقد علا عنه في هذا الإسناد ونزل في الباب الذي قبله وأبو إسحاق هو السبيعي أيضا وسليمان بن صرد خزاعي وهو من أفاضل الصحابة وأبوه بضم المهملة وفتح الراء وشيخه من مشاهير الصحابة ففيه رواية الأقران قوله أما أنا فأفيض بضم الهمزة وقسيم أما محذوف وقد ذكر أبو نعيم في المستخرج سببه من هذا الوجه وأوله عنده ذكروا عند النبي صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة فذكره ولمسلم من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق تماروا في الغسل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم أما أنا فأغسل رأسي بكذا وكذا فذكر الحديث وهذا هو القسيم المحذوف ودل قوله ثلاثا على أن المراد بكذا وكذا أكثر من ذلك ولمسلم من وجه آخر أن الذين سألوا عن ذلك هم وفد ثقيف والسياق مشعرا بأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يفيض الا ثلاثا وهي محتملة لأن تكون للتكرار ومحتملة لأن تكون للتوزيع على جميع البدن لكن حديث جابر في آخر الباب يقوي الاحتمال الأول وسنذكر ما فيه قوله كلتيهما كذا للأكثر وللكشميهني كلاهما وحكى بن التين أن في بعض الروايات كلتاهما وهي مخرجة على من يراها تثنية ويرى أن التثنية لا تتغير كقوله قد بلغا في المجد غايتاها وهكذا القول في رواية الكشميهني وهو مذهب الفراء في كلا خلافا للبصريين ويمكن أن يخرج الرفع فيهما على القطع قوله حدثني وللأصيلي حدثنا محمد بن بشار هو بندار كما صرح به الاسماعيلي في روايته حيث أخرجه عن الحسن بن سفيان وغيره عنه وأبوه بالموحدة وتثقيل المعجمة بلا خلاف وليس في الصحيحين بهذه الصورة غيره قاله أبو علي الجياني وجماعة بعده وغفل بعض المتأخرين فضبطه بمثناة وسين الركعة وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به فإنه لا يخفى على من له أدنى ممارسة في هذا الشأن قوله مخول بكسر أوله وإسكان المعجمة وبوزن محمد أيضا وهذا الوجهان في رواية أبي ذر والأول للأكثر والثاني لابن عساكر وليس له في البخاري سوى هذا الحديث ومحمد بن علي شيخه هو أبو جعفر المعروف بالباقر قوله يفرغ بضم أوله قوله ثلاثا أي غرفات زاد الاسماعيلي قال شعبة أظنه من غسل الجنابة وفيه وقال رجل من بني هاشم إن شعري كثير فقال جابر شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر من شعرك وأطيب قوله حدثنا معمر بإسكان العين في أكثر الروايات وبه جزم المزي وفي رواية القابسي بوزن محمد وبه جزم الحاكم وليس له أيضا في البخاري غير هذا الحديث وقد ينسب إلى جده سام فيقال معمر بن سام وهو بالمهملة وتخفيف الميم قوله بن عمك فيه تجوز فإنه بن عم والده علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب والحنفية كانت زوج علي بن أبي طالب تزوجها بعد فاطمة رضي الله عنها فولدت له محمد فاشتهر بالنسبة إليها وقول جابر أتاني يشعر بأن سؤال الحسن بن محمد كان في غيبة أبي جعفر فهو غير سؤال أبي جعفر الذي تقدم في الباب قبله لأن ذلك كان عن الكمية كما أشعر بذلك قوله في الجواب يكفيك صاع وهذا عن الكيفية وهو ظاهر من قوله كيف الغسل ولكن الحسن بن محمد في المسألتين جميعا هو المنازع لجابر في ذلك فقال في جواب الكمية ما يكفيني أي الصاع ولم يعلل وقال في جواب الكيفية إني كثير الشعر أي فأحتاج الى أكثر من ثلاث غرفات فقال له جابر في جواب الكيفية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر شعرا منك وأطيب أي واكتفى بالثلاث فاقتضى أن الإنقاء يحصل بها وقال في جواب الكمية ما تقدم وناسب ذكر الخيرية لأن طلب الازدياد من الماء يلحظ فيه التحري في إيصال الماء إلى جميع الجسد
[ 317 ]
وكان صلى الله عليه وسلم سيد الورعين وأتقى الناس لله وأعلمهم به وقد اكتفى بالصاع فأشار جابر إلى أن الزيادة على ما اكتفى به تنطع قد يكون مثاره الوسوسة فلا يلتفت إليه قوله ثلاث اكف وفي رواية كريمة ثلاثة أكف وهي جمع كف والكف تذكر وتؤنث والمراد أنه يأخذ في كل مرة كفين ويدل على ذلك رواية إسحاق بن راهويه من طريق الحسن بن صالح عن جعفر بن محمد عن أبيه قال في آخر الحديث وبسط يديه ويؤيده حديث جبير بن مطعم الذي في أول الباب والكف اسم جنس فيحمل على الإثنين ويحتمل أن تكون هذه الغرفات الثلاث للتكرار ويحتمل أن يكون لكل جهة من الرأس غرفة كما سيأتي في حديث القاسم بن محمد عن عائشة قريبا قوله باب الغسل مرة واحدة قال بن بطال يستفاد ذلك من قوله ثم أفاض على جسده لأنه لم يقيد بعدد فيحمل على أقل ما يسمى وهو المرة الواحدة لأن الأصل عدم الزيادة عليها قوله حدثنا عبد الواحد هو بن زياد وباقي الإسناد والمتن تقدم في باب الوضوء قبل الغسل قوله في هذه الرواية فغسل يده وللكشميهني يديه مرتين أو ثلاثا الشك من الأعمش كما سيأتي من رواية أبي عوانة عنه وغفل الكرماني فقال الشك من ميمونة قوله مذاكيره هو جمع ذكر على غير قياس وقيل واحدة مذكار وكأنهم فرقوا بين العضو وبين خلاف الأنثى قال الأخفش هو من الجمع الذي لا واحد له وقيل واحدة مذكار وقال بن خروف إنما جمعه مع أنه ليس في الجسد الا واحد بالنظر إلى ما يتصل به وأطلق على الكل اسمه فكأنه جعل لك جزء من المجموع كالذكر في حكم الغسل قوله باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل مطابقة هذه الترجمة لحديث الباب أشكل أمرها قديما وحديثا على جماعة من الأئمة فمنهم من نسب البخاري فيها الى الوهم ومنهم من ضبط لفظ الحلاب على غير المعروف في الرواية لتتجه المطابقة ومنهم من تكلف لها توجيها من غير تغيير فأما الطائفة الأولى فأولهم الاسماعيلي فإنه قال في مستخرجه رحم الله أبا عبد الله يعني البخاري من ذا الذي يسلم من الغلط سبق إلى قلبه أن الحلاب طيب وأي معنى للطيب عند الاغتسال قبل الغسل وانما الحلاب إناء وهو ما يحلب فيه يسمى حلابا ومحلبا قال وفي تأمل طرق هذا الحديث بيان ذلك حيث جاء فيه كان يغتسل من حلاب انتهى وهي رواية بن خزيمة وابن حبان أيضا وقال الخطابي في شرح أبي داود الحلاب إناء يسع قدر حلب ناقة قال وقد ذكره البخاري وتأوله على استعمال الطيب في الطهور وأحسبه توهم أنه أريد به المحلب الذي يستعمل في غسل الأيدي وليس الحلاب من الطيب في شئ وإنما هو ما فسرت لك قال وقال الشاعر صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الضرع ما فرى في الحلاب وتبع الخطابي بن قرقول في المطالع وابن الجوزي وجماعة وأما الطائفة الثانية فأولهم الأزهري قال في التهذيب الحلاب في هذا الحديث ضبطه جماعة بالمهملة واللام الخفيفة أي ما يحلب فيه كالمحلب فصحفوه وإنما هو الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام وهو ماء الورد فارس معرب وقد أنكر جماعة على الأزهري هذا من جهة أن المعروف في الرواية بالمهملة والتخفيف ومن جهة المعنى أيضا قال بن الأثير لأن الطيب يستعمل بعد الغسل أليق منه قبله وأولى لأنه إذا بدأ به ثم اغتسل أذهبه الماء وقال القدرة في الكلام على غريب الصحيحين ضم مسلم هذا الحديث مع حديث الفرق وحديث قدر الصاع في موضع واحد فكأنه تأولها على الإناء وأما البخاري
[ 318 ]
فربما ظن ظان أنه تأوله على أنه نوع من الطيب يكون قبل الغسل لأنه لم يذكر في الترجمة غير هذا الحديث انتهى فجعل القدرة كون البخاري أراد ذلك احتمالا أي ويحتمل أنه أراد غير ذلك لكن لم يفصح به وقال القاضي عياض الحلاب والمحلب بكسر الميم إناء يملؤه قدر حلب الناقة وقيل المراد أي في هذا الحديث محلب الطيب وهو بفتح الميم قال وترجمة البخاري أخذت على أنه ألتفت إلى التأويلين قال وقد رواه بعضهم في غير الصحيحين الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام يشير إلى ما قاله الأزهري وقال النووي قد أنكر أبو عبيد الهروي على الأزهري ما قاله وقال القرطبي الحلاب بكسر المهملة لا يصح غيرها وقد وهم من ظنه من الطيب وكذا من قاله بضم الجيم انتهى وأما الطائفة الثالثة فقال المحب الطبري لم يرد البخاري بقوله الطيب ماله عرف طيب وإنما أراد تطيب البدن بإزالة ما فيه من وسخ ودرن ونجاسة إن كانت وإنما أراد بالحلاب الإناء الذي يغتسل منه يبدأ به فيوضع فيه ماء الغسل قال وأو في قوله أو الطيب بمعنى الواو وكذا ثبت في بعض الروايات كما ذكره القدرة ومحصل ما ذكره أنه يحمله على اعداد ماء الغسل ثم الشروع في التنظيف قبل الشروع في الغسل وفي الحديث البداءة بشق الرأس لكونه أكثر شعثا من بقية البدن من أجل الشعر وقيل يحتمل أن يكون البخاري أراد الإشارة إلى ما روى عن بن مسعود أنه كان يغسل رأسه بخطمي ويكتفى بذلك في غسل الجنابة كما أخرجه بن أبي شيبة وغيره عنه ورواه أبو داود مرفوعا عن عائشة بإسناد ضعيف فكأنه يقول دل هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل الماء في غسل الجنابة ولم يثبت أنه كان يقدم على ذلك شيئا مما ينقى البدن كالسدر وغيره ويقوى ذلك ما في معظم الروايات بالحلاب أو الطيب فقوله أو يدل على أن الطيب قسيم الحلاب فيحمل على أنه من غير جنسه وجميع من اعترض عليه حمله على أنه من جنسه فلذلك أشكل عليهم والمراد بالحلاب على هذا الماء الذي في الحلاب فأطلق على الحال اسم المحل مجازا وقال الكرماني يحتمل أن يكون أراد بالحلاب الإناء الذي فيه الطيب فالمعنى بدأ تارة بطلب ظرف الطيب وتارة بطلب نفس الطيب فدل حديث الباب على الأول دون الثاني انتهى وهو مستمد من كلام بن بطال فإنه قال بعد حكايته لكلام الخطابي وأظن البخاري جعل الحلاب في هذه الترجمة ضربا من الطيب قال فإن كان ظن ذلك فقد وهم وإنما الحلاب الإناء الذي كان فيه طيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يستعمله عند الغسل قال وفي الحديث الحض على استعمال الطيب عند الغسل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه فكأنه جعل قوله في الحديث فأخذ بكفه أي من الطيب الذي في الإناء فبدأ يشق رأسه الأيمن أي قطيبه الخ ومحصله أن الصفة المذكورة في الحديث صفة التطيب لا الاغتسال وهو توجيه حسن بالنسبة لظاهر لفظ الرواية التي ساقها البخاري لكن من تأمل طرق الحديث كما قال الاسماعيلي عرف أن الصفة المذكورة للغسل لا للتطيب فروى الاسماعيلي من طريق مكي بن إبراهيم عن حنظلة في هذا الحديث كان يغتسل بقدح يدل قوله بحلاب وزاد فيه كان يغسل يديه ثم يغسل وجهه ثم يقول بيده ثلاث غرف الحديث وللجوزقي من طريق حمدان السلمي عن أبي عاصم اغتسل فأتى بحلاب فغسل شق رأسه الأمين الحديث فقوله اغتسل ويغسل يدل على أنه الماء لا إناء الطيب وأما رواية الاسماعيلي من طريق بندار عن أبي عاصم بلفظ كان إذا أراد أن يغتسل من الجنابة دعا
[ 319 ]
بشئ دون الحلاب فأخذ بكفه فبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه ماء فافرغ ماء فافرغ على رأسه فلولا قوله ماء لامكن حمله على التطيب قبل الغسل لكن رواه أبو عوانة في صحيحه عن يزيد بن سنان عن أبي عاصم بلفظ كان يغتسل من حلاب فيأخذ غرفة بكفيه فيجعلها على شقه الأيمن ثم الأيسر كذلك فقوله يغتسل وقوله غرفة أيضا مما يدل على أنه إناء الماء وفي رواية لابن حبان والبيهقي ثم يصب على شق رأسه الأيمن والتطيب لا يعبر عنه بالصب فهذا كله يبعد تأويل من حملة على التطيب ورأيت عن بعضهم ولا أحفظه الآن أن المراد بالطيب في الترجمة الإشارة إلى حديث عائشة أنها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم عند الإحرام قال والغسل من سنن الإحرام وكأن الطيب حصل عند الغسل فأشار البخاري هنا إلى أن ذلك لم يكن مستمرا من عادته انتهى ويقويه تبويب البخاري بعد ذلك بسبعة أبواب باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب ثم ساق حديث عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف في نسائه ثم مطرف محرما وفي رواية بعدها كأني انظر الى وبيص الطيب أي لمعانه في مفرقه صلى الله عليه وسلم وهو محرم وفي رواية أخرى عنده معي هذا الباب ثم يصبح محرما ينضخ طيبا فاستنبط الاغتسال بعد التطيب من قولها ثم طاف على نسائه لأنه كناية عن الجماع ومن لازمه الاغتسال فعرف أنه اغتسل بعد أن تطيب وبقي أثر الطيب بعد الغسل لكثرته لأنه كان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويكثر منه فعلى هذا فقوله هنا من بدأ بالحلاب أي بإناء الماء الذي للغسل فاستدعى به لأجل الغسل أو من بدأ بالطيب عند إرادة الغسل فالترجمة مترددة بين الامرين فدل حديث الباب على مداومته على البداءة بالغسل وأما التطيب بعده فمعروف من شأنه وأما البداءة بالطيب قبل الغسل في الإشارة إلى الحديث الذي ذكرناه وهذا أحسن الأجوبة عندي وألقيها بتصرفات البخاري والله اعلم وعرف من هذا أن قول الاسماعيلي وأن معنى للطيب عند الغسل معترض وكذا قول بن الأثير الذي تقدم وفي كلام غيرهما مما تقدم مؤاخذات لم تتعرض لها لظهورها والله الهادي للصواب تكميل أبو عاصم المذكور في الإسناد هو النبيل وهو من كبار شيوخ البخاري وقد أكثر عنه في هذا الكتاب لكنه نزل في هذا الإسناد فأدخل بينه وبينه واسطة وحنظلة هو بن أبي سفيان الجمحي والقاسم هو بن محمد بن أبي بكر وقوله كان إذا اغتسل أي إذا أراد أن يغتسل كما تبين من رواية الاسماعيلي وقوله دعا أي طلب وقوله نحو الحلاب أي إناء قريب من الإناء الذي يسمى الحلاب وقد وصفه أبو عاصم بأنه أقل من شبر في شبر أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه وفي رواية لابن حبان وأشار أبو عاصم بكفيه فكأنه حلق بشبريه يصف به دوره الأعلى وفي رواية للبيهقي كقدر كوز يسع ثمانية أرطال وزاد مسلم في روايته لهذا الحديث عن محمد بن المثنى أيضا بهذا الإسناد بعد قوله الأيسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه فأشار بقوله أخذ بكفيه إلى الغرف الثالثة كما صرحت به رواية أبي عوانة وقوله بكفه وقع في رواية الكشميهني بكفيه بالتثنية وقوله على وسط رأسه هو بفتح السين قال الجوهري كل موضع صلح فيه بين فهو وسط بالسكون وأن لم يصلح فهو بالتحريك وفي الحديث استحباب البداءة بالميامن في التطهر وبذلك ترجم عليه بن خزيمة والبيهقي وفيه الاجتزاء بالغسل بثلاث غرفات وترجم عل ذلك بن حبان وسنذكر الكلام على قوله فقال بهما في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى قوله باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة أي في غسل الجنابة
[ 320 ]
والمراد هل هما واجبان فيه أم لا وأشار بن بطال وغيره إلى أن البخاري استنبط عدم وجوبهما من هذا الحديث لأن في رواية الباب الذي بعده في هذا الحديث ثم توضأ وضوئه الولاء فدل على إنهما للوضوء وقام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب والمضمضة والاستنشاق من توابع الوضوء فإذا سقط الوضوء سقطت توابعه ويحمل ما روى من صفة غسله صلى الله عليه وسلم على دابة والفضل قوله حدثنا عمر بن حفص أي بن الصالح كما ثبت في رواية الأصيلي قوله غسلا بضم أوله أي ماء الاغتسال كما سبق في باب الغسل مرة قوله ثم قال بيده الأرض كذا في روايتنا وللاكثر بيده على الأرض وهو من إطلاق القول على الفعل وقد وقع إطلاق الفعل على القول في حديث لا حسد الا في اثنتين قال فيه في الذي يتلو القرآن لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت مثل ما يفعل وسيأتي في باب نفض اليدين قريبا من رواية أبي حمزة عن الأعمش في يهذا الموضع فضرب بيده الأرض فيفسر قال هنا بضرب قوله ثم تنحى أي تحول إلى ناحية قوله فلم ينفض بها زاد في رواية كريمة قال أبو عبد الله يعني لم يتمسح وأنث الضمير على إرادة الخرقة لأن المنديل خرقة مخصوصة وسيأتي في باب من أفرغ عل يمينه قالت ميمونة فناولته خرقة وبقية مباحث الحديث تقدمت في باب الوضوء قبل الغسل قوله باب مسح اليد بالتراب لتكون انقى أي لتصير اليد أنقى منها قبل المسح قوله حدثنا عبد الله بن الزبير القدرة كذا في روايتنا واقتصر الأكثر على حدثنا القدرة وسفيان هو بن عيينة قوله فغسل فرجه هذه الفاء تفسيرية وليست تعقيبية لأن غسل الفرج لم يكن بعد الفراغ من الاغتسال وقد تقدمت مباحث هذا الحديث أيضا ومن فوائد هذا السياق الإتيان فيه بثم الدالة على ترتيب ما ذكر فيه من صفة الغسل قوله باب هل يدخل الجنب يده في الإناء أي الذي فيه ماء الغسل قبل أن يغسلها أي خارج الإناء إذا لم يكن على يده قذر أي من نجاسة وغيرها غير الجنابة أي حكمها لأن أثرها مختلف فيه فدخل في قوله قذر وأما حكمها فقال المهلب أشار البخاري إلى أن يد الجنب إذا كانت نظيفة جاز له ادخالها الإناء قبل أن يغسلها لأنه ليس شئ من أعضائه نجسا بسبب كونه جنبا قوله وأدخل بن عمر والبراء بن عازب يده أي ادخل كل واحد منهما يده وفي رواية لأبي الوقت يديهما بالتثنية قوله في الطهور بفتح أوله أي الماء المعد للاغتسال وأثر بن عمر وصله سعيد بن منصور بمعناه وروى عبد الرزاق عنه أنه كان يغسل يده قبل التطهر ويجمع بينهما بأن ينزلا على حالين فحيث لم يغسل كان متيقنا أن لا قذر في يده وحيث غسل كان ظانا أو متيقنا أن فيها شيئا أو غسل للندب وترك للجواز وأثر البراء وصله بن أبي شيبة بلفظ أنه ادخل يده في المطهرة قبل أن يغسلها وأخرج أيضا عن الشعبي قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون أيديهم الماء قبل أن يغسلوها وهم جنب قوله ولم ير بن عمر وابن عباس أما أثر بن عمر فوصله عبد الرزاق بمعناه وأما أثر بن عباس فوصله بن أبي شيبة عنه وعبد الرزاق من وجه آخر أيضا عنه وتوجيه الاستدلال به للترجمة أن الجنابة الحكمية لو كانت تؤثر في الماء لامتنع الاغتسال من الإناء الذي تقاطر فيه ما لاقى بدن الجنب من ماء اغتساله ويمكن أن يقال إنما لم ير الصحابي بذلك بأسا لأنه مما يشق الاحتراز منه فكان في مقام العفو كما روى بن أبي شيبة عن الحسن البصري قال ومن يملك انتشار الماء إنا لنرجو من رحمة الله ما هو أوسع من هذا قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة زاد
[ 321 ]
مسلم بن قعنب قوله حدثنا ولكريمة أخبرنا أفلح وهو بن حميد كما رواه مسلم ولم يخرج البخاري عن أفلح بن سعيد شيئا والقاسم هو بن محمد وقد تقدم هذا المتن في باب غسل الرجل مع امرأته من طريق أخرى مع مغايرة في آخره وزاد مسلم في آخره من الجنابة أي لأجل الجنابة ولأبي عوانة وابن حبان من طريق بن وهب عن أفلح أنه سمع القاسم يقول سمعت عائشة فذكره وزاد فيه وتلتقي بعد قوله تختلف أيدينا فيه وللاسماعيلي من طريق إسحاق بن سليمان عن أفلح تختلف فيه أيدينا يعني حتى تلتقي وللبيهقي من طريقه تختلف أيدينا فيه يعني وتلتقي وهذا يشعر بأن قوله وتلتقي مدرج وسيأتي في باب تخليل الشعر من وجه آخر عنها كنا نغتسل من إناء واحد نغترف منه جميعا فلعل الراوي قال وتلتقي بالمعنى ومعنى تختلف أنه كان يغترف تارة قبلها وتغترف هي تارة قبله ولمسلم من طريق معاذة عن عائشة فيبادرني حتى أقول دع لي زاد النسائي وأبا دره حتى يقول دعي لي وفي هذا الحديث جواز اغتراف الجنب من الماء القليل وأن ذلك لا يمنع من التطهر بذلك الماء ولا بما يفضل منه ويدل على أن النهي عن انغماس الجنب في الماء الدائم هو للتنزيه كراهية أن يستقذر لا لكونه يصير نجسا بانغماس الجنب فيه لأنه لافرق بين جميع بدن الجنب وبين عضو من أعضائه وأما توجيه الاستدلال به للترجمة فلأن الجنب لما جاز له أن يدخل يده في الإناء ليغترف بها قبل ارتفاع حدثه لتمام الغسل كما في حديث الباب دل على أن الأمر بغسل يده قبل ادخالها ليس لأمر يرجع إلى الجنابة بل إلى ما لعله يكون بيده من نجاسة متيقنة أو مظنونة قوله حدثنا مسدد قال حدثنا حماد هو بن زيد ولم يسمع من حماد بن سلمة وهشام هو بن عروة قوله غسل يده هكذا أورده مختصرا وقد أخرجه أبو داود تاما عن مسدد بهذا السند لكن قال يديه بالتثنية وزاد يصب على يده اليمني أي من الإناء فيغسل فرجه يفرغ على شماله ثم يتوضأ وضوءه الولاء الحديث وهكذا أخرجه الاسماعيلي من طرق عن حماد بن زيد وسيأتي نحوه من وجوه أخر عن هشام في باب تخليل الشعر قال المهلب حمل البخاري أحاديث الباب التي لم يذكر فيها غسل اليدين قبل ادخالهما على حال تيقن نظافة اليد وحديث هشام يعني هذا على ما إذا خشي أن يكون علق بها شئ فاستعمل من اختلاف الحديثين ما جمع بينهما ونفى التعارض عنهما انتهى ويمكن أن يحمل الفعل على الندب والترك على الجواز أو يقال حديث الترك مطلق وحديث الفعل مقيد فيحمل المطلق على المقيد لأن في رواية الفعل زيادة لم تذكر في الأخرى قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي قوله من جنابة وللكشميهني من الجنابة أي لأجل الجنابة قوله وعن عبد الرحمن بن القاسم هو معطوف على قوله شعبة عن أبي بكر بن حفص فلشعبة فيه اسنادان إلى عائشة حدثه أحد شيخيه به عن عروة والآخر عن القاسم وقد وهم من زعم أن رواية عبد الرحمن معلقة وقد أخرجها أبو نعيم والبيهقي من طريق أبي الوليد بالاسنادين وقالا أخرجه البخاري عن أبي الوليد بالاسنادين جميعا وكذا قال أبو مسعود وغيره في الأطراف قوله مثله أي مثل المتن المذكور وللأصيلي بمثله بزايدة موحدة في أوله قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي أيضا وهذا إسناد ثالث له عن شعبة أيضا في هذا المتن لكن من طريق صحابي آخر وهذا الإسناد بعينه تقدم لمتن آخر في باب علامة الإيمان قوله والمرأة يجوز فيه الرفع على العطف والنصب على المعية واللام فيها للجنس قول زاد مسلم هو بن إبراهيم وهو من شيوخ البخاري
[ 322 ]
قوله ووهب زاد الأصيلي وأبو الوقت بن جرير أي بن حازم وبذلك جزم أبو نعيم وغيره ووقع في رواية أبي ذر ووهيب بالتصغير وأظنه وهما فإن الحديث وجد بعد تتبع كثير من رواية وهب بن جرير ولم تجده من رواية وهيب بن خالد ووهب بن جرير من الرواة عن شعبة واما وهيب فهو من أقرانه ومراد البخاري أن مسلم بن إبراهيم ووهب بن جرير رويا هذا الحديث عن شعبة بهذا الإسناد الذي رواه عنه أبو الوليد فزادا في آخره من الجنابة وقد أخرجه الاسماعيلي من رواية وهب بن جرير بدون هذه الزيادة والله أعلم قوله باب تفريق الغسل والوضوء أي جوازه وهو قول الشافعي في الجديد واحتج له بأن الله تعالى أوجب غسل أعضائه فمن غسلها فقد أتى بما وجب عليه فرقها أو نسقها ثم أيد ذلك بفعل بن عمر وبذلك قال بن المسيب وعطاء وجماعة وقال ربيعة ومالك من تعمد ذلك فعليه الإعادة ومن نسي فلا وعن مالك إن قرب التفريق بني وإن طال أعاد وقال قتادة والأوزاعي لا يعيد الا إن جف وأجازه النخعي مطلقا في الغسل دون الوضوء ذكر جميع ذلك بن المنذر وقال ليس مع من جعل الجفاف حدا لذلك حجة وقال الطحاوي الجفاف ليس بحدث فينقض كما لو جف جميع أعضاء الوضوء لم تبطل الطهارة قوله ويذكر عن بن عمر هذا الأثر رويناه في الأم عن مالك عن نافع عنه لكن فيه أنه توضأ في السوق دون رجليه ثم رجع إلى المسجد فمسح على خفيه ثم صلى والإسناد صحيح فيحتمل أنه إنما لم يجزم به لكونه ذكره بالمعنى قال الشافعي لعله قد جف وضوؤه لأن الجفاف قد يحصل بأقل مما بين السوق والمسجد قوله حدثنا محمد بن محبوب هو البصري وعبد الواحد هو بن زياد البصري وقد تقدم هذا المتن من رواية موسى بن إسماعيل عنه في باب الغسل مرة وسياقهما واحد غالبا الا أن في ذلك ثم تحول من مكانه وفي هذا تنحى من مقامه وهما بمعنى وأبدى الكرماني من هذا احتمال أن يكون اغتسل قائما قوله باب من افرغ هذا الباب مقدم عند الأصيلي وابن عساكر على الذي قبله واعترض على المصنف بأن الدعوى أعم من الدليل والجواب أن ذلك في غسل الفرج بالنص وفي غيره بما عرف من شأنه أنه كان يحب التيامن كما تقدم ومحله هنا فيما إذا كان يغترف من الإناء قاله الخطابي قال فأما إذا كان ضيقا كالقمقم فأنه يضعه عن يساره ويصب الماء منه على يمينه قوله حدثنا موسى بن إسماعيل تقدم هذا الحديث من روايته أيضا في باب الغسل مرة لكن شيخه هناك عبد الواحد وهنا أبو عوانة وهو الوضاح البصري قوله وسترته زاد بن فضيل عن الأعمش بثوب والواو فيه حالية قوله فصب قيل هو معطوف على محذوف أي فأراد الغسل فكشف رأسه فأخذ الماء فصب على يده قاله الكرماني ولا يتعين ما قاله بل يحتمل أن يكون الوضع معقبا بالصب على ظاهره والإرادة ولأكشف يمكن كونهما وقعا قبل الوضع والأخذ هو عين الصب هنا والمعنى وضعت له ماء فشرع في الغسل ثم شرحت الصفة قوله قال سليمان أي الأعمش وقائل ذلك أبو عوانة وفاعل أذكر سالم بن أبي الجعد وقد تقدم من رواية عبد الواحد وغيره عن الأعمش فغسل يديه مرتين أو ثلاثا ولابن فضيل عن الأعمش فصب على يديه ثلاثا ولم يشك أخرجه أبو عوانة في مستخرجه فكان الأعمش كان يشك فيه ثم تذكر فجزم لأن سماع بن فضيل منه متأخر قوله ثم تمضمض وللأصيلي مضمض بغير تاء قوله وغسل قدميه كذا لأبي ذر وللاكثر فغسل بالفاء قوله فقال بيده أي
[ 323 ]
أشار وهو من إطلاق القول على الفعل كما تقدم مثله قوله ولم يردها بضم أوله واسكان الدال من الإرادة والأصل يريدها لكن جزم بلم ومن قالها بفتح أوله وتشديد الدال فقد صحف وأفسد المعنى وقد حكى في المطالع أنها رواية بن السكن قال وهي وهم وقد رواه الإمام أحمد عن عفان عن أبي عوانة بهذا الإسناد وقال في آخره فقال هكذا وأشار بيده أن لا اريدها وسيأتي في رواية أبي حمزة عن الأعمش فناولته ثوبا فلم يأخذه والله أعلم قوله باب إذا جامع ثم عاد أي ما حكمه وللكشميهني عاود أي الجماع وهو أعم من أن يكون لتلك المجامعة أو غيرها وقد اجمعوا على أن الغسل بينهما لا يجب ويدل على استحبابه حديث أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال فقلت يا رسول الله الا تجعله غسلا واحدا قال هذا أزكى وأطيب واطهر واختلفوا في الوضوء بينهما فقال أبو يوسف لا يستحب وقال الجمهور يستحب وقال بن حبيب المالكي وأهل الظاهر يجب واحتجوا بحديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا أخرجه مسلم من طريق أبي حفص عن عاصم عن أبي المتوكل عنه وأشار بن خزيمة إلى أن بعض أهل العلم حمله على الوضوء اللغوي فقال المراد به غسل الفرج ثم رده بن خزيمة بما رواه من طريق بن عيينة عن عاصم في هذا الحديث فقال فليتوضأ وضوئه الولاء وأظن المشار إليه هو إسحاق بن راهويه فقد نقل بن المنذر عنه أنه قال لا بد من غسل الفرج إذا أراد العود ثم استدل بن خزيمة على أن الأمر بالوضوء للندب لا للوجوب بما رواه من طريق شعبة عن عاصم في حديث أبي سعيد المذكور كرواية بن عيينة وزاد فأنه انشط للعود فدل على أن الأمر للارشاد أو للندب ويدل أيضا على أنه لغير الوجوب ما رواه الطحاوي من طريق موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ قوله ويحيى بن سعيد هو القطان وينبغى أن يثبت في القراءة قبل قوله عن شعبة لفظ كلاهما لأن كلا من بن عدي ويحيى رواه لمحمد بن بشار عن شعبة وحذف كلاهما من الخط اصطلاح قوله ذكرته أي قول بن عمر المذكور بعد باب وهو قوله ما أحب أن مطرف محرما انضخ طيبا وقد بينه مسلم في روايته عن محمد بن المنتشر قال سألت عبد الله بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرما فذكره وزاد قال بن عمر لأن اطلى بقطران أحب إلى من أن أفعل ذلك وكذا ساقه الاسماعيلي بتمامه عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار فكأن المصنف اختصره لكون المحذوف معلوما عند أهل الحديث في هذه القصة أو حدثه به محمد بن بشار مختصرا قوله أبا عبد الرحمن يعني بن عمر استرحمت له عائشة أشعارا بأنه قد سها فيما قاله إذ لو استحضر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك قوله فيطوف كناية عن الجماع وبذلك تظهر مناسبة الحديث للترجمة وقال الاسماعيلي يحتمل أن يراد به الجماع وأن يراد به تجديد العهد بهن قلت والاحتمال الأول يرجحه الحديث الثاني لقوله فيه أعطى قوة ثلاثين ويطوف في الأول مثل يدور في الثاني قوله ينضخ بفتح أوله وبفتح الضاد المعجمة وبالخاء المعجمة قال الأصمعي النضخ بالمعجمة أكثر من النضح بالمهملة وسوى بينهما أبو زيد وقال بن جلس إنه بالمعجمة لما ثخن وبالمهملة لما رق وظاهره أن عين الطيب بقيت بعد الإحرام قال الاسماعيلي
[ 324 ]
بحيث أنه صار كأنه يتساقط منه الشئ بعد الشئ وسنذكر حكم هذه المسألة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله معاذ بن هشام هو الدستوائي والإسناد كله بصريون قوله في الساعة الواحدة المراد بها قدر من الزمان لا ما اصطلح عليه أصحاب الهيئة قوله من الليل والنهار الواو بمعنى أو جزم به الكرماني ويحتمل أن تكون على بابها بأن تكون تلك الساعة جزءا من آخر أحدهما وجزءا من أول الآخر قوله وهن إحدى عشرة قال بن خزيمة تفرد بذلك معاذ بن هشام عن أبيه ورواه سعيد بن أبي عروبة وغيره عن قتادة فقالوا تسع نسوة انتهى وقد أشار البخاري الى لا رواية سعيد بن أبي عروبة فعلقها هنا ووصلها بعد أثنى عشر بابا بلفظ كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة وقد جمع بن حبان في صحيحه بين الكلب بأن حمل ذلك على حالتين لكنه وهم في قوله أن الأولى كانت في أول قدومه المدينة حيث كان تحته تسع نسوة والحالة الثانية في آخر الأمر حيث اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة وموضع الوهم منه أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة ثم دخل على عائشة بالمدينة ثم تزوج أم سلمة وحفصة وزينب بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة ثم جريرية في السادسة ثم صفية وأم حبيبة وميمونة في السابعة وهؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور واختلف في ريحانة وكانت من سبي بني قريظة فجزم بن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فاختارت البقاء في ملكه والأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل قال بن عبد البر مكثت عنده شهرين أو ثلاثة فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة كما سيأتي في مكانه فرجحت رواية سعيد لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن وأطلق عليهن لفظ نسائه تغليبا وقد سرد الدمياطي في السيرة التي جمعها من اطلع عليه من أزواجه ممن دخل بها أو عقد عليها فقط أو طلقها قبل الدخول أو خطبها ولم يعقد عليها فبلغت ثلاثين وفي المختارة من وجه آخر عن أنس تزوج خمس عشرة دخل منهن بإحدى عشرة ومات عن تسع وسرد اسماءهن يضا أبو الفتح اليعمري ثم مغلطاي فزدن على العدد الذي ذكره الدمياطي وأنكر بن القيم ذلك والحق أن الكثرة المذكورة محمولة على اختلاف في بعض الأسماء بمقتضى ذلك تنقص العدة والله أعلم قوله أو كان بفتح الواو هو مقول قتادة والهمزة للاستفهام ومميز ثلاثين محذوف أي ثلاثين رجلا ووقع في رواية الاسماعيلي من طريق أبي موسى عن معاذ بن هشام أربعين بدل ثلاثين وهي شاذة من هذا الوجه لكن في مراسيل طاوس مثل ذلك وزاد في الجماع وفي صفة الجنة لأبي نعيم من طريق مجاهد مثله وزاد من رجال أهل الجنة ومن حديث عبد الله بن عمر ورفعه أعطيت قوة أربعين في البطش والجماع وعند أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة في الأكل والشرب والجماع والشهوة فعلى هذا يكون حساب قوة نبينا أربعة آلاف قوله وقال سعيد هو بن أبي عروبة كذا للجميع الا أن الأصيلي قال إنه وقع في نسخة شعبة بدل سعيد قال وفي عرضنا على أبي زيد بمكة سعيد قال أبو علي الجياني وهو الصواب قلت وقد ذكرنا قبل أن المصنف وصل رواية سعيد وأما رواية شعبة لهذا
[ 325 ]
الحديث عن قتادة فقد وصلها الإمام أحمد قال بن المنير ليس في حديث دورانه على نسائه دليل على الترجمة فيحتمل أنه طاف عليهن واغتسل في خلال ذلك عن كل فعلة غسلا قال والاحتمال في رواية الليله أظهر منه في الساعة قلت التقييد بالليلة ليس صريحا في حديث عائشة وأما حديث أنس فحيث جاء فيه التصريح بالليلة قيد الاغتسال بالمرة الواحدة كذا وقع في روايات للنسائي وابن خزيمة وابن حبان ووقع التقييد بالغسل الواحد من غير ذكر الليلة في روايات أخرى لهم ولمسلم وحيث جاء في حديث أنس التقييد بالساعة لم يحتج إلى تقييد الغسل بالمرة لأنه يتعذر أو يتعسر وحيث جاء فيها تكرار المباشرة والغسل معا وعرف من هذا أن قوله في الترجمة في غسل واحد أشار به إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وأن لم يكن منصوصا فيما أخرجه كما جرت به عادته ويحمل المطلق في حديث عائشة على المقيد في حديث أنس ليتوافقا ومن السري جماعهن في الساعة أو الليلة الواحدة عود الجماع كما ترجم به والله أعلم واستدل به المصنف في كتاب النكاح على استحباب الاستكثار من النساء وأشار فيه إلى أن القسم لم يكن واجبا عليه وهو قول طوائف من أهل العلم وبه جزم الإصطخري من الشافعية والمشهور عندهم وعند الأكثرين الوجوب ويحتاج من قال به إلى الجواب عن هذا الحديث فقيل كان ذلك برضا صاحبة النوبة كما استأذنهن أن يمرض في بيت عائشة ويحتمل أن يكون ذلك كان يحصل عند استيفاء القسمة ثم يستأنف القسمة وقيل كان ذلك عند اقباله من سفر لأنه كان إذا سافر أقرع بينهن فيسافر بمن يخرج سهمها فإذا انصرف استأنف وهو أخص من الاحتمال الثاني والأول أليق بحديث عائشة وكذا الثاني ويحتمل أن يكون ذلك كان يقع قبل وجوب القسمة ثم ترك بعدها وأغرب بن العربي فقال إن الله خص نبيه بأشياء منها أنه أعطاه ساعة في كل يوم لا يكون لأزواجه فيها حق يدخل فيها على جميعهن فيفعل ما يريد ثم يستقر عند من لها النوبة وكانت تلك الساعة بعد العصر فإن اشتغل عنها كانت بعد المغرب ويحتاج إلى ثبوت ما ذكره مفصلا وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من القوة على الجماع وهو دليل على كمال البنية وصحة الذكورية والحكمة في كثرة أزواجه أن الأحكام التي ليست ظاهرة يطلعن عليها فينقلنها وقد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب ومن ثم فضلها بعضهم على الباقيات واستدل به بن التين لقول مالك بلزوم الظهار من الإماء بناء على أن المراد بالزائدتين على التسع مارية وريحانة وقد أطلق على الجميع لفظ نسائه وتعقب بأن الإطلاق المذكور للتغليب كما تقدم فليس فيه حجة لما ادعى واستدل به بن المنير على جواز وطء الحرة بعد الأمة من غير غسل بينهما ولا غيره والمنقول عن مالك أنه لا يتأكد الاستحباب في هذه الصورة ويمكن أن يكون ذلك وقع لبيان الجواز فلا يدل على عدم الاستحباب قوله باب غسل المذي والوضوء منه أي بسببه وفي المذي لغات أفصحها بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء ثم بكسر الذال وتشديد الياء وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو ارادته وقد لا يحس بخروجه قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي قوله عن أبي عبد الرحمن هو السلى قوله مذاء صيغة مبالغة من المذي يقال مذى يمذى مثل مضى يمضى ثلاثيا ويقال أيضا أمذى يمذى بوزن أعطى يعطي رباعيا قوله فأمرت رجلا هو المقداد بن الأسود كما تقدم
[ 326 ]
في باب الوضوء من المخرجين من وجه آخر وزاد فيه فاستحييت أن أسأل قوله لمكان ابنته في رواية مسلم من طريق بن الحنفية عن على من أجل فاطمة رضي الله عنهما قوله توضأ هذا الأمر بلفظ الأفراد يشعر بأن المقداد سأل لنفسه ويحتمل أن يكون سأل لمبهم أو لعلي فوجه النبي صلى الله عليه وسلم الخطاب إليه والظاهر أن عليا كان حاضر السؤال فقد أطبق أصحاب المسانيد والاطراف على إيراد هذا الحديث في مسند على ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند المقداد ويؤيده ما في رواية النسائي من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي حصين في هذا الحديث عن على قال فقلت لرجل جالس إلى جنبي سله فسأله ووقع في رواية مسلم فقال يغسل ذكره ويتوضأ بلفظ الغائب فيحتمل أن يكون سؤال المقداد وقع على الإبهام وهو الأظهر ففي مسلم أيضا فسأله عن المذي يخرج من الإنسان وفي الموطأ نحوه ووقع في رواية لأبي داود والنسائي وابن خزيمة ذكر سبب ذلك من طريق حصين بن قبيصة عن على قال كنت رجلا مذاء فجعلت اغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهري فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تفعل ولأبي داود وابن خزيمة من حديث سهل بن حنيف أنه وقع له نحو ذلك وأنه سأل عن ذلك بنفسه ووقع في رواية النسائي أن عليا قال أمرت عمارا أن يسأل وفي رواية لابن حبان والاسماعيلي أن عليا قال سألت وجمع بن حبان بين هذا الاختلاف بان عليا أمر عمارا أن يسأل ثم أمر المقداد بذلك ثم سأل بنفسه وهو جمع جيد الا بالنسبة الى آخره لكونه مغايرا لقوله أنه استحيى عن السؤال بنفسه لأجل فاطمة فيتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الأمر بذلك وبهذا جزم الاسماعيلي ثم النووي ويؤيد أنه أمر كلا من المقداد وعمارا بالسؤال عن ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عائش بن أنس قال تذاكر على والمقداد وعمار المذي فقال على انني رجل مذاء فاسألا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أحد الرجلين وصحح بن بشكوال أن الذي تولى السؤال عن ذلك هو المقداد وعلى هذا فنسيه عمار إلى أنه سأل عن ذلك محمولة على المجاز أيضا لكونه قصده لكن تولى المقداد الخطاب دونه والله أعلم واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم توضأ على أن الغسل لا يجب بخروج المذي وصرح بذلك في رواية لأبي داود وغيره وهو إجماع وعلى أن الأمر بالوضوء منه كالأمر بالوضوء من البول كما تقدم استدلال المصنف به في باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين وحكى الطحاوي عن قوم أنهم قالوا بوجوب الوضوء بمجرد خروجه ثم رد عليهم بما رواه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن على قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال فيه الوضوء وفي المني الغسل فعرف بهذا أن حكم المذي حكم البول وغيره من نواقض الوضوء لا أنه بوجب الوضوء بمجرده قوله واغسل ذكرك هكذا وقع في البخاري تقديم الأمر بالوضوء على غسله ووقع في العمدة نسبة ذلك إلى البخاري بالعكس لكن الواو لا ترتب فالمعنى واحد وهي رواية الاسماعيلي فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى ويجوز تقديم الوضوء على غسله لكن من يقول ينقض الوضوء بمسه يشترط أن يكون ذلك بحائل واستدل به بن دقيق العيد على تعين الماء فيه دون الأحجار ونحوها لأن ظاهره يعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال الا به وهذا ما صححه النووي في شرح مسلم وصحح في باقي كتبه جواز الاقتصار الحاقا له بالبول وحملا للأمر بغسله على الاستحباب أو على أنه خرج مخرج الغالب وهذا المعروف في المذهب واستدل به
[ 327 ]
بعض المالكية والحنابلة على إيجاب استيعابه بالغسل وأشار بالحقيقة لكن الجمهور نظروا إلى المعنى فإن الموجب لغسله إنما هو خروج الخارج فلا تجب المجاوزة إلى غير محله ويؤيده ما عند الاسماعيلي في رواية فقال توضأ واغسله فأعاد الضمير على المذي ونظير هذا قوله من مس ذكره فليتوضأ فإن النقض لا يتوقف على مس جميعه واختلف القائلون بوجوب غسل جميعه هل هو معقول المعنى أو للتعبد فعلى الثاني تجب النية فيه قال الطحاوي لم يكن الأمر بغسله لوجوب غسله كله بل ليتقلص فيبطل خروجه كما في الضرع إذا غسل بالماء البارد يتفرق لبنه إلى انظر الضرع فينقطع بخروجه واستدل به أيضا على نجاسة المذي وهو ظاهر وخرج بن عقيل الحنبلي من قول بعضهم إن المذي من أجزاء المني رواية بطهارته وتعقب بأنه لو كان منيا لوجب الغسل منه واستدل به على وجوب الوضوء على من به سلس المذي للأمر بالوضوء مع الوصف بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة وتعقبه بن دقيق العيد بأن الكثرة هنا ناشئة عن غلب الشهوة مع صحة الجسد بخلاف صاحب السلس فإنه ينشأ عن علة في الجسد ويمكن أن يقال أمر الفاء بالوضوء منه ولم يستفصل فدل على عموم الحكم واستدل به على قبول خبر الواحد وعلى جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع وفيهما نظر لما قدمناه من أن السؤال كان بحضرة على ثم لو صح أن السؤال كان في غيبته لم يكن دليلا على المدعى لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر فترقيه عن الظن إلى القطع قاله القاضي عياض وقال بن دقيق العيد المراد بالاستدلال به على قبول خبر الواحد مع كونه خبر واحد أنه صورة من الصور التي أخذت وهي كثيرة تقوم الحجة مجملتها لا بفرد معين منها وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وقد يؤخذ منه جواز دعوى الوكيل بحضرة موكله وفيه ما كان الصحابة عليه من حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وفيه استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يستحيي منه عرفا وحسن المعاشرة مع الاصهار وترك ذكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة اقاربها وقد تقدم استدلال المصنف به في العلم لمن استحيى فأمر غيره بالسؤال لأن فيه جمعا بين المصلحتين استعمال الحياء وعدم التفريط في معرفة الحكم قوله باب من تطيب ثم اغتسل تقدم الكلام على الحديث قبل باب وموضع الاستدلال به أن قولها طاف في نسائه كناية عن الجماع ومن لازمه الاغتسال وقد ذكرت أنه طيبته قبل ذلك وأنه مطرف محرما ومن فوائده أيضا وقوع رد بعض الصحابة على بعض بالدليل واطلاع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على ما لا يطلع عليه غيرهن من أفاضل الصحابة وخدمة الزوجات لأزواجهن والتطيب عند الإحرام وسيأتي في الحج وقال بن بطال فيه أن السنة اتخاذ الطيب للرجال والنساء عند الجماع قوله حدثنا الحكم هو بن عتيبة وهو وشيخه إبراهيم النخعي وشيخه الأسود بن يزيد فقهاء كوفيون تابعيون قوله وبيص بفتح الواو وكسر الموحدة بعدها ياء تحتانية ثم صاد الركعة هو البريق وقال الاسماعيلي وبيص الطيب تلألؤه وذلك لعين قائمة لا للريح فقط قوله مفرق بفتح الميم وكسر الراء ويجوز فتحها ودلالة هذا المتن على الترجمة إما لكونها قصة واحدة وإما لأن من سنن الإحرام الغسل عنده ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعه وفيه أن بقاء الطيب على بدن المحرم لا يضر بخلاف ابتدائه بعد الإحرام قوله باب تخليل الشعر أي في غسل الجنابة قوله عبد الله هو بن المبارك قوله إذا اغتسل أي
[ 328 ]
أراد أن يغتسل قوله إذا ظن يحتمل أن يكون على بابه ويكتفى فيه بالغلبة ويحتمل أن يكون بمعنى علم قوله أروى هو فعل ماض من الارواء يقال ارواه إذا جعله ريانا والمراد بالبشرة هنا تحت الشعر قوله افاض عليه أي على شعره قوله ثم غسل سائر جسده أي بقية جسده وقد تقدم من رواية مالك عن هشام في أول كتاب الغسل هنا على جلده كله فيحتمل أن يقال إن سائر هنا بمعنى الجميع جمعا بين الكلب وبقية مباحث الحديث تقدمت هناك قوله وقالت أي عائشة وهو معطوف على الأول فهو متصل بالإسناد المذكور قوله نغرف بإسكان المعجمة بعدها راء مكسورة وله في الاعتصام نشرع فيه جميعا وقد تقدمت مباحثه في باب هل يدخل الجنب يده في الطهور قوله باب من توضأ في الجنابة سقط من أواخر الترجمة لفظ منه من رواية غير أبي ذر قوله أخبرنا ولأبي ذر حدثنا الفضل قوله وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة كذا للأكثر بالإضافة ولكريمة وضوءا بالتنوين لجنابة بلام واحدة وللكشميهني للجنابة ولرفيقه وضع على البناء للمفعول لرسول الله بزيادة اللام أي لأجله وضوء بالرفع والتنوين قوله فكفأ ولغير أبي ذر فأكفأ أي قلب قوله على يساره كذا للأكثر وللمستملى وكريمة على شماله قوله ضرب يده بالأرض كذا للأكثر وللكشميهني ضرب بيده الأرض قوله ثم غسل جسده قال بن بطال حديث عائشة الذي في الباب قبله أليق بالترجمة لأن فيه ثم غسل سائر جسده وأما حديث الباب ففيه ثم غسل جسده فدخل في عمومه مواضع الوضوء فلا يطابق قول ولم يعد غسل مواضع الوضوء وأجاب بن المنير بأن قرينة الحال والعرف من سياق الكلام يخص أعضاء الوضوء فإن تقديم غسل أعضاء الوضوء وعرف الناس من مفهوم الجسد إذا أطلق بعده يعطي ذلك اولا يخفى تكلفه وأجاب بن التين بأن مراد البخاري أن يبين أن المراد بقوله في هذه الرواية ثم غسل جسده أي ما بقي من جسده بدليل الرواية الأخرى وهذا فيه نظر لأن هذه القصة غير تلك القصة كما قدمنا في أوائل الغسل وقال الكرماني لفظ جسده شامل لجميع أعضاء البدن فيحمل عليه الحديث السابق أو المراد هنا بسائر جسده أن باقيه بعد الرأس لا أعضاء الوضوء قلت ومن السري هذا التقرير أن الحديث غير مطابق للترجمة والذي يظهر لي أن البخاري حمل قوله ثم غسل جسده على المجاز أي ما بقي بعد ما تقدم ذكره ودليل ذلك قوله بعد فغسل رجليه إذ لو كان قوله غسل جسده محمولا على عمومه لم يحتج لغسل رجليه ثانيا لأن غسلهما كان يدخل في العموم وهذا أشبه بتصرفات البخاري إذ من شأنه الاعتناء بالاخفى أكثر من الأجلى واستنبط بن بطال من كونه لم يعد غسل مواضع الوضوء أجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة واجزاء الصلاة بالوضوء المجدد لمن تبين أنه كان قبل التجديد محدثا والاستنباط المذكور مبنى عنده على أن الوضوء الواقع في غسل الجنابة سنة وأجزأ مع ذلك عن غسل تلك الأعضاء بعده وهي دعوى مردودة لأن ذلك يختلف باختلاف النية فمن نوى غسل الجنابة ربع أعضاء الوضوء لفضيلته تم غسله وإلا فلا يصح البناء المذكور والله اعلم قوله ينفض الماء بيده سقط الماء من غير رواية أبي ذر وللاصيلى فجعل ينفض بيده وباق مباحث المتن تقدم في أوائل الغسل والله المستعان قوله باب إذا ذكر أي تذكر الرجل وهو في المسجد أنه جنب خرج ولأبي ذر وكريمة يخرج كما هو أي على حاله قوله ولا يتيمم إشارة
[ 329 ]
إلى رد من يوجبه في هذه الصورة وهو منقول عن الثوري وإسحاق وكذا قال بعض المالكية فيمن نام في المسجد فاحتلم يتيمم قبل أن يخرج وورد ذكر بمعنى تذكر من الذكر بضم الذال كثيرا وأن كان المتبادر أنه من الذكر بكسرها وقوله خرج كما هو قال الكرماني هذه الكاف كاف المقارنة لا كاف التشبيه كذا قال وعلى التنزل فالتشبيه هنا ليس ممتنعا لأن يتعلق بحالته أي خرج في حالة شبيهة بحالته التي قبل خروجه فيما يتعلق بالمحدث لم يفعل ما يرفعه من غسل أو ما ينوب عنه من التيمم قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو الجعفي ويونس هو بن يزيد قوله وعدلت أي سويت وكان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف قوله فلما قام في مصلاه ذكر أي تذكر لا أنه قال ذلك لفظا بعدم الراوي بذلك من قرائن الحال أو باعلامه له بعد ذلك وبين المصنف في الصلاة من رواية صالح بن جلس عن الزهري أن ذلك كان قبل أن يكبر النبي صلى الله عليه وسلم الولاء قوله فقال لنا مكانكم بالنصب أي الزموا مكانكم وفيه إطلاق القول على الفعل فإن في رواية الاسماعيلي فأشار بيده أن مكانكم ويحتمل أن يكون جمع بين الكلام والإشارة قوله ورأسه يقطر أي من ماء الغسل وظاهر قوله فكبر الاكتفاء بالإقامة السابقة فيؤخذ منه جواز التخلل الكثير بين اشتراط والدخول في الصلاة وسيأتي مع بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الصلاة معي أبواب صلاة الجماعة بعد أبواب الأذان إن شاء الله تعالى قوله تابعه عبد الأعلى هو بن عبد الأعلى البصري وروايته موصولة عند الإمام أحمد عنه وقد تابع عثمان بن عمر راوية عن يونس عن عبد الله بن وهب عند مسلم وهذه متابعة تامه قوله ورواه الأوزاعي روايته موصولة عند المؤلف في أوائل أبواب الإمامة كما سيأتي وظن بعضهم أن السبب في التفرقة بين قوله تابعه وبين قوله رواه كون المتابعة وقعت بلفظة والرواية بمعناه وليس كما ظن بل هو من التفنن في العبارة قوله باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة كذا لأبي ذر وكريمة وللباقين من غسل الجنابة قوله أخبرنا أبو حمزة هو السكري قوله فانطلق وهو ينفض يديه استدل به على جواز نفض ماء الغسل والوضوء وقد تقدم ذلك في أوائل الغسل وهو ظاهر وفي هذا الإسناد مروزيان عبدان وشيخه وكوفيان الأعمش وشيخه ومدنيان كريب وشيخه وفيما قبله بباب كذلك لأن يوسف بن عيسى وشيخه مروزيان وفيما قبل ذلك بصريان موسى وأبو عوانة وكذا موسى وعبد الواحد وكذا محمد بن محبوب وعبد الواحد وفيما قبل أيضا مكيان القدرة وسفيان وكلهم رووه عن الأعمش بالإسناد المذكور قوله باب من بدأ بشق رأسه الأيمن في الغسل تقدم مثل ذلك في باب من بدأ بالحلاب قوله حدثنا خلاد بن يحيى هذا من كبار شيوخ البخاري وهو كوفي سكن مكة ومن فوقه إلى عائشة مكيون قوله عن صفية وللاسماعيلي أنه سمع صفية وهي من صغار الصحابة وأبوها شيبة هو بن عثمان الحجبي العبدري صحابي مشهور قوله أصاب ولكريمة أصابت إحدانا أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وللحديث حكم الرفع لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وهو مصير من البخاري إلى القول بأن لقول الصحابي كنا نفعل كذا حكم الرفع سواء صرح بإضافته إلى زمنه صلى الله عليه وسلم أم لا وبه جزم الحاكم قوله أخذت بيديها ولكريمة بيدها أي الماء وصرح به الاسماعيلي في روايته قوله فوق رأسها أي
[ 330 ]
فصبته فوق رأسها وللاسماعيلي أخذت بيديها الماء ثم صبت على رأسها قوله وبيدها الأخرى في رواية السماعيلي ثم أخذت بيدها وهي أدل على الترتيب من رواية المصنف وأن كان لفظ الأخرى يدل على أن لها أولى وهي متأخرة عنها فإن قيل الحديث دال على تقديم أيمن الشخص لا أيمن رأسه فكيف يطابق الترجمة أجاب الكرماني بأن المراد من أيمن الشخص ايمنه من رأسه إلى قدمه فيطابق والذي يظهر أنه حمل الثلاث في الرأس على التوزيع كما سبق في باب من بدا بالحلاب وفيه التصريح بأنه بدأ بشق رأسه الأيمن والله أعلم قوله باب من اغتسل عريانا وحده في خلوه أي من الناس وهو تأكيد لقوله وحده ودل قوله أفضل على الجواز وعليه أكثر العلماء وخالف فيه بن أبي ليلى وكأنه تمسك بحديث يعلى بن أمية مرفوعا إذا اغتسل أحدكم فليستتر قاله لرجل رآه يغتسل عريانا وحده رواه أبو داود وللبزار نحوه من حديث بن عباس مطولا قوله وقال بهز زاد الأصيلي بن حكيم قوله عن جده هو معاوية بن حيدة بحاء الركعة وياء تحتانية ساكنة صحابي معروف قوله أن يستحي منه من الناس كذا لأكثر الرواة وللسرخسي أحق أن يستتر منه وهذا بالمعنى وقد أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من طرق عن بهز وحسنه الترمذي وصححه الحاكم وقال بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا نبي الله عوراتنا ما تأتي منها وما نذر قال أحفظ عورتك الا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا قال الله أحق أن يستحي منه من الناس فالإسناد إلى بهز صحيح ولهذا جزم به البخاري وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه ولهذا لما علق في النكاح شيئا من حديث جد بهز لم يجزم به بل قال ويذكر عن معاوية بن حيدة فعرف من هذا أن مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الإسناد الا إلى من علق عنه وأما ما فوقه فلا يدل وقد حققت ذلك فيما كتبته على بن الصلاح وذكرت له أمثلة وشواهد ليس هذا موضع بسطها وعرف من سياق الحديث أنه وارد في كشف العورة بخلاف ما قال أبو عبد الملك البوني إن المراد بقوله أحق أن يستحي منه أي فلا يعصي ومفهوم قوله الا من زوجتك يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه وقياسه أن يجوز له النظر ويدل أيضا على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة وفيه حديث في صحيح مسلم ثم إن ظاهر حديث بهز يدل على أن التعري في الخلوة غير جائز مطلقا لكن استدل المصنف على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب عليهما السلام ووجه الدلالة منه على ما قال بن بطال أنهما ممن أمرنا بالاقتداء به وهذا إنما يأتي على رأى من يقول شرع من قبلنا شرع لنا والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصتين ولم يتعقب شيئا منهما فدل على موافقتهما لشرعنا وإلا فلو كان فيهما شئ غير موافق لبينه فعلى هذا فيجمع بين الحديثين بحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل واليه أشار في الترجمة ورجح بعض الشافعية تحريمه والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط قوله كانت بنو إسرائيل أي جماعتهم وهو كقوله تعالى قالت الأعراب آمنا قوله يغتسلون عراة ظاهره أن ذلك كان جائزا في شرعهم وإلا لما اقرهم موسى على ذلك وكان هو عليه السلام يغتسل وحده أخذا بالأفضل وأغرب بن بطال فقال هذا يدل على إنهم كانوا عصاة له وتبعه على ذلك القرطبي فأطال في ذلك قوله آدر بالمد وفتح الدال المهملة وتخفيف الراء قال الجوهري الادرة نفخة
[ 331 ]
في الخصية وهي بفتحات وحكى بضم أوله واسكان الدال قوله فجمع موسى أي جرى مسرعا وفي رواية فخرج قوله ثوبي يا حجر أي أعطني وإنما خاطبه لأنه أجراء مجرى من يعقل لكونه فر بثوبه فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه فلما لم يعطه ضربه وقيل يحتمل أن يكون موسى أراد بضربه إظهار المعجزة بتأثير ضربه فيه ويحتمل أن يكون عن وحي قوله حتى نظرت ظاهرة أنهم رأوا جسده وبه يتم الاستدلال على جواز النظر عند الضرورة لمداواة وشبهها وأبدى بن لجوزي احتمال أن يكون كان عليه مئزر لأنه يظهر ما تحته بعد البلل واستحسن ذلك ناقلا له عن بعض مشايخه وفيه نظر قوله فطفق بالحجر ضربا كذا لأكثر الرواة وللكشميهني والحموي فطفق الحجر ضربا والحجر على هذا منصوب بفعل مقدر أي طفق يضرب الحجر ضربا قوله قال أبو هريرة هو من تتمة مقول همام وليس بمعلق قوله لندب بالنون والدال المهملة المفتوحتين وهو الأثر وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى قوله وعن أبي هريرة هو معطوف على الإسناد الأول وجزم الكرماني بأنه تعليق بصيغة التمريض فأخطأ فإن الحديثين ثابتان في نسخة همام بالإسناد المذكور وقد أخرج البخاري هذا الثاني من رواية عبد الرزاق بهذا الإسناد في أحاديث الأنبياء قوله يحتثى بإسكان المهملة وفتح المثناة بعدها مثلثة والحثية هي الأخذ باليد ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد يحتثن بنون في آخره بدل الياء قوله لاغنى بالقصر بلا تنوين ورويناه بالتنوين أيضا على أن لا بمعنى ليس قوله وزواه إبراهيم هو بن طهمان وروايته موصولة بهذا الإسناد عند النسائي والاسماعيلي قال بن بطال وجه الدلالة من حديث أيوب أن الله تعالى عاتبه على جمع الجراد ولم يعاتبه على الاغتسال عريانا فدل على جوازه وسيأتي بقية الكلام عليه في أحاديث الأنبياء أيضا قوله باب التستر لما فرغ من الاستدلال لأحد الشقين وهو التعري في الخلوة أورد الشق الآخر قوله مولى عمر بن عبيد الله بالتصغير وهو التيمي وأم هاني بهمزة منونة قوله فقال من هذه يدل على أن الستر كان كثيفا وعرف أنها امرأة لكون ذلك الموضع لا يدخل عليه فيه الرجال وسيأتي الكلام عليه في أواخر الجهاد حيث أورده المصنف تاما قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك وسفيان هو الثوري وقد تقدم الحديث في أول الغسل للمصنف عاليا إلى الثوري ونزل فيه هنا درجة وكذلك نزل فيه شيخه عبدان درجة لأنه سبق من روايته عن أبي حمزة عن الأعمش والسبب في ذلك اعتناؤه بمغايرة الطرق عند تغاير الأحكام قوله تابعه أبو عوانة أي عن الأعمش شوال هذا وقد تقدمت هذه المتابعة موصولة عنده في باب من افرغ بيمينه قوله وابن فضيل أي عن الأعمش أيضا بهذا الإسناد وروايته موصولة في صحيح أبي عوانة الاسفرايني نحو رواية أبي عوانة البصري وقد وقع ذكر الستر أيضا في هذا الحديث من رواية أبي حمزة عند المصنف ومن رواية زائدة عند الاسماعيلي وسبقت مباحث الحديث في أول الغسل والله المستعان قوله باب إذا احتلمت المرأة إنما قيده بالمرأة مع أن حكم الرجل كذلك لموافقة صورة السؤال وللاشارة إلى الرد على من
[ 332 ]
منع منه في حق المرأة دون الرجل كما حكاه بن المنذر وغيره عن إبراهيم النخعي واستبعد النووي في شرح المهذب صحته عنه لكن رواه بن أبي شيبة عنه بإسناد جيد قوله عن زينب بنت أبي سلمة تقدم هذا الحديث في باب الحياء في العلم من وجه آخر وفي زينب بنت أم سلمة فنسيت هناك إلى أمها وهنا إلى أبيها وقد اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها ورواه مسلم أيضا من رواية الزهري عن عروة لكن قال عن عائشة وفيه أن المراجعة وقعت بين أم سليم وعائشة ونقل القاضي عياض عن أهل الحديث أن الصحيح أن القصة وقعت لأم سلمة لا لعائشة وهذا يقتضى ترجيح رواية هشام وهو ظاهر صنيع البخاري لكن نقل بن عبد البر عن الذهلي أنه صحح الكلب وأشار أبو داود إلى تقوية رواية الزهري لأن نافع بن عبد الله تابعه عن عروة عن عائشة وأخرج مسلم أيضا رواية نافع وأخرج أيضا من حديث أنس قال جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له وعائشة عنده فذكر نحوه وروى أحمد من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن جدته أم سليم وكانت مجاورة لام سلمة فقالت أم سليم يا رسول الله فذكر الحديث وفيه أن أم سلمة هي التي راجعتها وهذا يقوي رواية هشام قال النووي في شرح مسلم يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا على أم سليم وهو جمع حسن لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد وقال في شرح المهذب يجمع بين الروايات بأن أنسا وعائشة وأم سلمة حضروا القصة انتهى والذي يظهر أن أنسا لم يحضر القصة وإنما تلقى ذلك من أمه أم سليم وفي صحيح مسلم من حديث أنس ما يشير إلى ذلك وروى أحمد من حديث بن عمر نحو هذه القصة وإنما تلقى ذلك بن عمر من أم سليم أو غيرها وقد سألت عن هذه المسألة أيضا حوله بنت حكيم عند أحمد والنسائي وابن ماجة وفي آخره كما ليس على الرجل غسل إذا رأى ذلك فلم ينزل وسهلة بنت سهيل عند الطبراني وبسرة بنت صفوان عند بن أبي شيبة قوله إن الله لا يستحي من الحق قدمت هذا القول تمهيدا لعذرها في ذكر ما يستحي منه والمراد بالحياء هنا معناه اللغوي إذ الحياء الشرعي خير كله وقد تقدم في كتاب الإيمان أن الحياء لغة تغير وانكسار وهو مستحيل في حق الله تعالى فيحمل هنا على أن المراد أن الله لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يمنع من ذكر الحق وقد يقال إنما يحتاج إلى التأويل في الاثبات ولا يشترط في النفي أن يكون ممكنا لكن لما كان المفهوم يقتضى أنه يستحي من غير الحق عاد إلى جانب الاثبات فاحتيج إلى تأويله قاله بن دقيق العيد قوله هل على المرأة من غسل من زائدة وقد سقطت في رواية المصنف في الأدب قوله قوله احتلمت الاحتلام افتعال من الحلم بضم المهملة وسكون اللام وهو ما يراه النائم في نومه يقال منه حلم بالفتح واحتلم والمراد به هنا أمر خاص منه وهو الجماع وفي رواية أحمد من حديث أم سليم أنها قالت يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام اتغتسل قوله إذا رأت الماء أي المني بعد الاستيقاظ وفي رواية القدرة عن سفيان عن هشام إذا رأت إحداكن الماء فلتغتسل وزاد فقالت أم سلمة وهل تحتلم المرأة وكذلك روى هذه الزيادة أصحاب هشام عنه غير مالك فلم يذكرها وقد تقدمت من رواية أبي معاوية عن هشام في باب الحياء في العلم وفيه أو تحتلم المرأة وهو معطوف على مقدر يظهر من السياق أي أترى المرأة الماء وتحتلم وفيه فغطت أم سلمة وجهها
[ 333 ]
ويأتي في الأدب من رواية يحيى القطان عن هشام فضحكت أم سلمة ويجمع بينهما بأنها تبسمت تعجبا وغطت وجهها حياء ولمسلم من رواية وكيع عن هشام فقالت لها يا أم سليم فضحت النساء وكذا لأحمد من حديث أم سليم وهذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال وقال بن بطال فيه دليل على أن كل النساء والسمرة وعكسه غيره فقال فيه دليل على أن بعض النساء لا والسمرة والظاهر أن مراد بن بطال الجواز لا الوقوع أي فيهن قابلية ذلك وفيه دليل على جوب الغسل على المرأة بالإنزال ونفى بن بطال الخلاف فيه وقد قدمناه عن النخعي وكأن أم سليم لم تسمع حديث الماء من الماء أو سمعته وقام عندها ما يوهم خروج المرأة عن ذلك وهو ندور بروز الماء منها وقد روى أحمد من حديث أم سليم في هذه القصة أن أم سلمة قالت يا رسول الله وهل للمرأة ماء فقال هن شقائق الرجال وروى عبد الرزاق في هذه القصة إذا رأت إحداكن الماء كما يراه الرجل وروى أحمد من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز وإنما يعرف انزالها بشهوتها وحمل قوله إذا رأت الماء أي علمت به لأن وجود العلم هنا متعذر لأنه إذا أراد به علمها بذلك وهي نائمة فلا يثبت به حكم لأن الرجل لو رأى أنه جامع بعدم أنه انزل في النوم ثم استيقظ فلم ير بللا لم يجب عليه الغسل اتفاقا فكذلك المرأة وأن أراد به علمها بذلك بد أن استيقظت فلا يصح لأنه لا يستمر في اليقظة ما كان في النوم أن كان مشاهدا فحمل الرؤية على ظاهرها هو الصواب وفيه استفتاء المرأة بنفسها وسياق صور الأحوال في الوقائع الشرعية لما يستفاد من ذلك وفيه جواز التبسم في التعجب وسيأتي الكلام على قوله فبم يشبهها ولدها في بدء الخلق إن شاء الله تعالى قوله باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس كأن المصنف يشير بذلك إلى الخلاف في عرق الكافر وقال قوم أنه نجس بناء على القول بنجاسة عينه كما سيأتي فتقدير الكلام بيان حكم عرق الجنب وبيان أن المسلم لا ينجس وإذا كان لا ينجس فضوعفت ليس بنجس ومفهومه أن الكافر ينجس فيكون عرقه نجسا قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وحميد هو الطويل وبكر هو بن عبد الله المزني وأبو رافع هو الصائغ وهو مدني سكن البصرة ومن دونه في الإسناد بصريون أيضا وحميد وبكر وأبو رافع ثلاثة من التابعين في نسق قوله في بعض طريق كذا للأكثر وفي رواية كريمة والأصيلي طرق ولأبي داود والنسائي لقيته في طرق من طرق المدينة وهي توافق رواية الأصيلي قوله وهو جنب يعنى نفسه وفي رواية أبي داود وأنا جنب قوله فانخنست كذا للكشميهني والحموي وكريمة بنون ثم خاء غدا ثم نون ثم سين الركعة وقال القزاز وقع في رواية فانبخست يعني بنون ثم موحدة ثم خاء غدا ثم سين الركعة قال ولا وجه له والصواب أن يقال فانخنست يعني كما تقدم قال والمعنى مضيت عنه مستخفيا ولذلك وصف الشيطان بالخناس ويقويه الرواية الأخرى فانسللت أنتهي وقال بن بطال وقعت هذه اللفظة فانبخست يعني كما تقدم قال ولابن السكن بالجيم قال ويحتمل أن يكون من قوله تعالى فانبجست منه اثنتا عشرة عينا أي جرت واندفعت وهذه أيضا رواية الأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر ووقع في رواية المستملى فانتجست بنون ثم مثناة فوقانية ثم جيم أي اعتقدت نفسي نجسا ووجهت الرواية التي أنكرها القزاز بأنه مأخوذة من البخس وهو النقص أي اعتقد نقصان
[ 334 ]
نفسه بجنابته عن مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت في رواية الترمذي مثل رواية بن السكن وقال معنى انبجست منه تنحيت عنه ولم يثبت لي من طريق الرواية غير ما تقدم وأشبهها بالصواب الأولى ثم هذه وقد نقل الشراح فيها ألفاظا مختلفة مما صحفه بعض الرواة لا معنى للتشاغل بذكره كانتجشت بشين غدا من النجش وبنون وحاء الركعة ثم موحدة ثم سين الركعة من الانحباس قوله إن المؤمن لا ينجس تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى إنما المشركون نجس وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانية النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة وعن الآية بان المراد أنه نجس في الاعتقاد والاستقذار وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية الا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدل على أن الأدمي الحي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين النساء والرجال وأغرب القرطبي في الجنائز من شرح مسلم فنسب القول بنجاسة الكافر إلى الشافعي وسيأتي الكلام على مسألة الميت في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى وفي هذا الحديث استحباب الطهارة عند ملابسة الأمور المعظمة واستحباب احترام أهل الفضل وتوقيرهم ومصاحبتهم على أكمل الهيآت وكان سبب ذهاب أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا لقي أحدا من أصحابه ماسحه ودعا له هكذا رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة فلما ظن أبو هريرة أن الجنب ينجس بالحدث خشي أن يماسحه صلى الله عليه وسلم كعادته فبادر إلى الاغتسال وإنما أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله وأنا على غير طهارة وقوله سبحان الله تعجب من اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة أي كيف يخفى عليه هذا الظاهر وفيه استحباب استئذان التابع للمتبوع إذا أراد أن يفارقه لقوله أين كنت فأشار إلى أنه كان ينبغي له أن لا يفارقه حتى يعلمه وفيه استحباب تنبيه المتبوع لتابعه على الصواب وإن لم يسأله وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه وبوب عليه بن حبان الرد على من زعم أن الجنب إذا وقع في البئر فنوى الاغتسال أن ماء البئر ينجس واستدل به البخاري على طهارة عرق الجنب لان بدنه لا ينجس بالجنابة فكذلك ما تحلب منه وعلى جواز يطلق الجنب في حوائجه قبل أن يغتسل فقال قوله وغيره بالجرأى وغير السوق ويحتمل الرفع عطفا على يخرج من جهة المعنى قوله وقال عطاء هذا التعليق وصله عبد الرزاق عن بن جريج عنه وزاد ويطلى بالنورة ولعل هذه الأفعال هي المرادة بقوله وغيره بالرفع في الترجمة قوله حدثنا سعيد هو بن أبي عروبة كذا لهم الا الأصيلي فقال شعبة قوله أن النبي وفي رواية الأصيلي وكريمة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في باب إذا جامع ثم عاد وإيراده له في هذا الباب يقوي رواية وغيره بالجر لأن حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت متقاربة فهو محتاج في الدخول من هذه إلى هذه إلى المشي وعلى هذا فمناسبة إيراد أثر عطاء من جهة الاشتراك في جواز تشاغل الجنب بغير الغسل وقد خالف عطاء غيره كما رواه بن أبي شيبة عن الحسن البصري وغيره فقالوا يستحب له الوضوء وحديث أنس يقوي اختيار عطاء لأنه لم يذكر فيه أنه توضأ فكأن المصنف أورده ليستدل له لا ليستدل به قوله حدثنا
[ 335 ]
عياش بياء تحتانية وشين غدا هو بن الوليد الرقام وعبد الأعلى هو بن عبد الأعلى والإسناد أيضا إلى أبي رافع بصريون وقد سبق الكلام على هذا الحديث في الباب الذي قبله قوله فانسللت أي ذهبت في خفية والرحل بحاء الركعة ساكنة أي المكان الذي يأوي فيه وقوله يا أبا هريرة وقع في رواية المستملى والكشميهني يا أبا هر بالترخيم قوله باب كينونة الجنب في البيت أي استقراره فيه وكينونة الحدود كان يكون كونا وكينونة ولم يجئ على هذا الا أحرف معدودة مثل ديمومة من دام قوله إذا توضأ زاد أبو الوقت وكريمة قبل أن يغتسل وسقط الجميع من رواية المستملى والحموي قيل أشار المصنف بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد عن على مرفوعا أن الملائكة لا الخطبة بيتا فيه كلب ولا صورة ولا جنب رواه أبو داود وغيره وفيه نجى بضم النون وفتح الجيم الحضرمي ما روى عنه غير ابنه عبد الله فهو مجهول لكن وثقه العجلي وصحح حديثه بن حبان والحاكم فيحتمل كما قال الخطابي أن المراد بالجنب من يتهاون بالاغتسال ويتخذ تركه عادة لا من يؤخره ليفعله قال ويقويه أن المراد بالكلب غير ما أذن اتخاذه وبالصورة ما فيه روح وما لا يمتهن قال النووي وفي الكلب نظر انتهى ويحتمل أن يكون المراد بالجنب في حديث على من لم يرتفع حدثه كله ولا بعضه وعلى هذا فلا يكون بينه وبين حديث الباب منافاة لأنه إذا توضأ ارتفع بعض حدثه على الصحيح كما سيأتي تصويره قوله حدثنا هشام هو الدستوائي وشيبان هو بن عبد الرحمن ويحيى هو بن أبي كثير وصرح بتحديث أبي سلمة له في رواية بن أبي شيبة ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن بن عمر أخرجه النسائي قوله قال نعم ويتوضأ هو معطوف على ما سد لفظ نعم مسنده أي يرقد ويتوضأ والواو لا تقتضي الترتيب فالمعنى يتوضأ ثم يرقد ولمسلم من طريق الزهري عن أبي سلمة بلفظ كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه الولاء وهذا السياق أوضح في المراد وللمصنف مثله في الباب الذي بعد هذا من رواية عروة عن عائشة بزيادة غسل الفرج وزاد أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي نعيم شيخ البخاري في آخر حديث الباب ويتوضأ وضوءه الولاء وللاسماعيلي من وجه آخر عن هشام نحوه وفي رد على من حمل الوضوء هنا على من التنظيف قوله أن عمر بن الخطاب سأل ظاهره أن بن عمر حضر هذا السؤال فيكون الحديث من مسنده وهو المشهور من رواية نافع وروى عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن عمر أنه قال يا رسول الله أخرجه النسائي وعلى هذا فهو من مسند عمر وكذا رواه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن عمر لكن ليس في هذا الاختلاف ما يقدح في صحة الحديث ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن جواز رفاد الجنب في البيت يقتضى جواز استقراره فيه يقظان لعدم الفرق أو لأن نومه يستلزم الجواز لحصول اليقظة بين وضوئه ونومه ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير ووقع في رواية كريمة قبل حديث بن عمر باب نوم الجنب وهذه الترجمة زائدة للاستغناء عنها بباب الجنب يتوضأ ثم ينام ويحتمل أن يكون ترجم على الإطلاق وعلى التقييد فلا تكون زائدة قوله عن محمد بن عبد الرحمن هو أبو الأسود الذي يقال له يتيم عروة ونصف هذا الإسناد المبتدأ به بصريون ونصفه الاعلى مدنيون قوله وتوضأ الولاء أي توضأ وضوءا كما الولاء وليس المعنى أنه توضأ لأداء الصلاة وإنما المراد توضأ وضوءا شرعيا لا لغويا قوله حدثنا جويرية بالجيم والراء مصغرا
[ 336 ]
وهو اسم رجل واسم أبيه أسماء بن عبيد وقد سمع جويرية هذا من نافع مولى بن عمر ومن مالك عن نافع قوله عن عبد الله في رواية بن عساكر عن بن عمر قوله فقال نعم إذا توضأ ولمسلم من طريق بن جريج عن نافع ليتوضأ ثم لينم قوله عن عبد الله بن دينار هكذا رواه مالك في الموطأ باتفاق من رواة الموطأ ورواه خارج الموطأ عن نافع بدل عبد الله بن دينار وذكر أبو على الجياني أنه وقع في رواية بن السكن عن نافع بدل عبد الله بن دينار كان كذلك عند الأصيلي الا أنه ضرب على نافع وكتب فوقه عبد الله بن دينار قال أبو على والحديث محفوظ لمالك عنهما جميعا انتهى كلامه قال بن عبد البر الحديث لمالك عنهما جميعا لكن المحفوظ عن عبد الله بن دينار وحديث نافع غريب انتهى وقد رواه عنه كذلك عن نافع خمسة أو ستة فلا غرابة وإن ساقه الدارقطني في غرائب مالك فمراده ما رواه خارج الموطأ فهي غرابة خاصة بالنسبة للموطأ نعم رواية الموطأ أشهر قوله ذكر عمر بن الخطاب مقتضاه أيضا أنه من مسند بن عمر كما هو عند أكثر الرواة ورواه أبو نوح عن مالك فزاد فيه عن عمر وقد بين النسائي سبب ذلك في روايته من طريق بن عون عن نافع قال أصاب بن عمر جنابة فأتي عمر فذكر ذلك له فأتي عمر النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره فقال ليتوضأ ويرقد وعلى هذا فالضمير في قوله في حديث الباب أنه تصيبه يعود علي بن عمر لا على عمر وقوله في الجواب توضأ يحتمل أن يكون بن عمر كان حاضرا فوجه الخطاب إليه قوله بأنه كذا للمستملي والحموي وللباقين أنه قوله فقال له سقط لفظ له من رواية الأصيلي قوله توضأ واغسل ذكرك في رواية أبي نوح اغسل ذكرك ثم توضأ ثم نم وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث وإنما هو للتعبد إذ الجنابة أشد من مس الذكر فتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدم على الوضوء ويمكن أن يؤخر عنه بشرط أن لا يمسه على القول بأن مسه ينقض وقال بن دقيق العيد جاء الحديث بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط وهو متمسك لمن قال بوجوبه وقال بن عبد البر ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب وذهب أهل الظاهر إلى ايجابه وهو شذوذ وقال بن العربي قال مالك والشافعي لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل وقال لم يقل الشافعي بوجوبه ولا يعرف ذلك أصحابه وهو كما قال لكن كلام بن العربي أمرهم على أنه أراد نفى الإباحة المستوية الطرفين لا اثبات الوجوب أو أراد بأنه واجب وجوب سنة أي متأكد الاستحباب ويدل عليه أنه قابله بقول بن حبيب هو واجب وجوب الفرائض وهذا موجود في عبارة المالكية كثيرا وأشار بن العربي الى تقوية قول بن حبيب وبوب عليه أبو عوانة في صحيحه إيجاب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم ثم استدل بعد ذلك هو وابن خزيمة على عدم الوجوب بحديث بن عباس مرفوعا إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة وقد تقدم ذكره في باب إذا جامع ثم عاد وقد قدح في هذا الاستدلال بن رشد المالكي وهو واضح ونقل الطحاوي عن أبي يوسف أنه ذهب إلى عدم الاستحباب وتمسك بما رواه أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء رواه أبو داود وغيره وتعقب بأن الحفاظ قالوا إن أبا إسحاق غلط فيه وبأنه لو صح حمل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز لئلا يعتقد وجوبه أو أن معنى قوله لا يمس ماء أي للغسل وأورد الطحاوي من الطريق المذكورة عن أبي إسحاق ما يدل على ذلك ثم جنح الطحاوي إلى
[ 337 ]
أن المراد بالوضوء التنظيف واحتج بأن بن عمر راوي الحديث وهو صاحب القصة كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه كما رواه مالك في الموطأ عن نافع وأجيب بأنه ثبت تقييد الوضوء بالصلاة من روايته ومن رواية عائشة كما تقدم فيعتمد ويحمل ترك بن عمر لغسل رجليه على أن ذلك كان لعذر وقال جمهور العلماء المراد بالوضوء هنا الشرعي والحكمة فيه أنه يخفف الحدث ولا سيما على القول بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح ويؤيده ما رواه بن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس الصحابي قال إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فأنه نصف غسل الجنابة وقيل الحكمة فيه أنه إحدى الطهارتين فعلى هذا يقوم التيمم مقامه وقد روى البيهقي بإسناد حسن عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم ويحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء وقيل الحكمة فيه أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل وقال بن دقيق العيد نص الشافعي رحمه الله على أن ذلك ليس على الحائض لأنها لو اغتسلت لم يرتفع حدثها بخلاف الجنب لكن إذا انقطع دمها استحب لها ذلك وفي الحديث أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق عن القيام الى الصلاة واستحباب التنظيف عند النوم قال بن الجوزي والحكمة فيه أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك والله أعلم قوله باب إذا التقى الختانان المراد بهذه التثنية ختان الرجل والمرأة والختن قطع جلدة كمرته وخفاض المرأة والخفض قطع جليدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة وإنما ثنيا بلفظ واحد تغليبا وله نظائر وقاعدته رد الاثقل إلى الاخف والادنى إلى الأعلى قوله هشام هو الدستوائي في الموضعين وإنما فرقهما لأن معاذا قال حدثنا وأبا نعيم قال عن وطريق معاذ إلى الصحابي كلهم بصريون قوله إذا جلس الضمير المستتر فيه وفي قوله جهد للرجل والضمير أن البارزان في قوله شعبها وجهدها للمرأة وترك إظهار ذلك للمعرفة به وقد وقع مصرحا به في رواية لابن المنذر من وجه آخر عن أبي هريرة قال إذا غشي الرجل امرأته فقعد بين شعبها الحديث والشعب جمع شعبة وهي القطعة من الشئ قيل المراد هنا يداها ورجلاها وقيل رجلاها وفخذاها وقيل ساقاها وفخذاها وقيل فخذاها واسكتاها وقيل فخذاها وشفراها وقيل نواحي فرجها الأربع قال الأزهري الاسكتان ناحيتا الفرج والشفران طرف الناحيتين ورجح القاضي عياض الأخير واختار بن دقيق العيد الأول قال لأنه أقرب إلى الحقيقة أو هو حقيقة في الجلوس وهو كناية عن الجماع فاكتفى به عن التصريح قوله ثم جهدها بفتح الجيم والهاء يقال جهد وأجهد أي بلغ المشقة قيل معناه كدها بحركته أو بلغ جهده في العمل بها ولمسلم من طريق شعبة عن قتادة ثم اجتهد ورواه أبو داود من طريق شعبة وهشام معا عن قتادة بلفظ والزق الختان بالختان بدل قوله ثم جهدها وهذا يدل على أن الجهد هنا كناية عن معالجة الايلاج ورواه البيهقي من طريق بن أبي عروبة عن قتادة مختصرا ولفظه إذا التقي الختانان فقد وجب الغسل وهذا مطابق للفظ الترجمة فكأن المصنف أشار إلى هذه الرواية كعادته في التبويب بلفظ إحدى روايات حديث الباب وروى أيضا بهذا اللفظ من حديث عائشة أخرجه الشافعي من طريق سعيد بن المسيب عنها وفي إسناده على بن زيد وهو ضعيف وابن ماجة من طريق القاسم بن محمد
[ 338 ]
عنها ورجاله ثقات ورواه مسلم من طريق أبي موسى الأشعري عنها بلفظ ومس الختان الختان والمراد بالمس والالتقاء المحاذاة ويدل عليه رواية الترمذي بلفظ إذا جاوز وليس المراد بالمس حقيقته لأنه لا يتصور عند غيبة الحشفة ولو حصل المس قبل الايلاج لم يجب الغسل بالإجماع قال النووي معنى الحديث أن إيجاب الغسل لا يتوقف على الإنزال وتعقب بأنه يحتمل أن يراد بالجهد الإنزال لأنه هو الغاية في الأمر فلا يكون فيه دليل والجواب أن التصريح بعدم التوقف على الإنزال قد ورد في بعض طرق الحديث المذكور فانتفى الاحتمال ففي رواية مسلم من طريق مطر الوراق عن الحسن في آخر هذا الحديث وإن لم ينزل ووقع ذلك في رواية قتادة أيضا رواه بن أبي خيثمة في تاريخه عن عفان قال حدثنا همام وأبان قالا حدثنا قتادة به وزاد في آخره انزل أو لم ينزل وكذا رواه الدارقطني وصححه من طريق علي بن سهل عن عفان وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة عن قتادة قوله تابعه عمرو أي بن الاستثناء وصرح به في رواية كريمة وقد روينا حديثه موصولا في فوائد عثمان بن أحمد السماك حدثنا عثمان بن عمر العيبي حدثنا عمرو بن الاستثناء بن الاستثناء حدثنا شعبة عن قتادة فذكر مثل سياق حديث الباب لكن قال وأجهدها وعرف بهذا أن شعبة رواه عن قتادة عن الحسن لا عن الحسن نفسه والضمير في تابعه يعود على هشام لا على قتادة وقرأت بخط الشيخ مغلطاي أن رواية عمرو بن الاستثناء هذه عن مسلم عن محمد بن عمرو بن جبلة عن وهب بن جرير وابن أبي عدي كلاهما عن عمرو بن الاستثناء عن شعبة وتبعه بعض الشراح على ذلك وهو غلط فان ذكر عمرو بن الاستثناء في إسناد مسلم زيادة بل لم يخرج مسلم لعمرو بن الاستثناء شيئا قوله وقال موسى أي بن إسماعيل قال حدثنا وللأصيلي أخبرنا أبان وهو بن يزيد العطار وافادت روايته التصريح بتحديث الحسن لقتادة وقرأت بخط مغلطاي أيضا أن رواية موسى هذه عند البيهقي أخرجها من طريق عفان وهمام كلاهما عن موسى عن أبان وهو تخليط تبعه عليه أيضا بعض الشراح وإنما أخرجها البيهقي من طريق عفان عن همام وأبان جميعا عن قتادة وطيسلة شيخ عفان لا رفيقه وأبان رفيق همام لا شيخ شيخه ولا ذكر لموسى فيه أصلا بل عفان رواه عن أبان كما رواه عنه موسى فهو رفيقه لا شيخه والله الهادي إلى الصواب تنبيه زاد هنا في نسخة الصغاني هذا أجود وأوكد وإنما بينا إلى آخر الكلام الاتي في آخر الباب الذي يليه والله أعلم قوله باب غسل ما يصيب أي الرجل مفرج المرأة أي من رطوبة وغيرها قوله عن الحسين زاد أبو ذر المعلم قوله قال يحيى هو بن أبي كثير أي قال الحسين قال يحيى ولفظ قال الأولى تحذف في الخط عرفا قوله وأخبرني هو عطف على مقدر أي أخبرني بكذا وأخبرني بكذا ووقع في رواية مسلم بحذف الواو قال بن العربي لم يسمعه الحسين من يحيى فلهذا قال قال يحيى كذا ذكره ولم يأت بدليل وقد وقع في رواية مسلم في هذا الموضع عن الحسين عن يحيى وليس الحسين بمدلس وعنعنة غير المدلس محمولة على السماع إذا لقبه على الصحيح على أنه وقع التصريح في رواية بن خزيمة في رواية الحسين عن يحيى بالتحديث ولفظه حدثني يحيى بن أبي كثير ولم ينفرد الحسين مع ذلك به فقد رواه عن يحيى أيضا معاوية بن سلام أخرجه بن شاهين وشيبان بن عبد الرحمن أخرجه المصنف كما تقدم في باب الوضوء من المخرجين وسبق الكلام هناك على فوائد هذا الإسناد والفاظ
[ 339 ]
المتن قوله فأمروه بذلك فيه التفات لأن الأصل أن يقول فأمروني أو هو مقول عطاء بن يسار فيكون مرسلا وقال الكرماني الضمير يعود على المجامع الذي في ضمن إذا جامع وجزم أيضا بأنه عن عثمان افتاء ورواية مرفوعة وعن الباقين افتاء فقط قلت وظاهره أنهم امروه بما أمره به عثمان فليس صريحا في عدم الرفع لكن في رواية الاسماعيلي فقالوا مثل ذلك وهذا ظاهره الرفع لأن عثمان افتاه بذلك وحدثه به عن النبي صلى الله عليه وسلم فالمثلية تقتضي أنهم أيضا افتوه وحدثوه وقد صرح الاسماعيلي بالرفع في رواية أخرى له ولفظه فقالوا مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الاسماعيلي لم يقل ذلك غير يحيى الحماني وليس هو من شرط هذا الكتاب قوله وأخبرني أبو سلمة كذا لأبي ذر وللباقين قال يحيى وأخبرني أبو سلمة وهو المراد وهو معطوف بالإسناد الأول وليس معلقا وقد رواه مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه بالاسنادين معا قوله أنه سمع ذلك من رسول الله صلع قال الدارقطني هو وهم لأن أبا أيوب إنما سمعه من أبي بن كعب كما قال هشام بن عروة عن أبيه قلت الظاهر أن أبا أيوب سمعه منهما لاختلاف السياق لأن في روايته عن أبي بن كعب قصة ليست في روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أن أبا سلمة وهو بن عبد الرحمن بن عوف أكبر قدرا وسنا وعلما من هشام بن عروة وروايته عن عروة من باب رواية الأقران لأنهما تابعيان فقيهان من طبقة واحدة وكذلك رواية أبي أيوب عن أبي بن كعب لأنهما فقيهان صحابيان كبيران وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الدارمي وابن ماجة وقد حكى الأثرم عن أحمد أن حديث زيد بن خالد المذكور في هذا الباب معلول لأنه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث وقد حكى يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني أنه شاذ والجواب عن ذلك أن الحديث ثابت من جهة اتصال إسناده وحفظ رواته وقد روى بن عيينة أيضا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار نحو رواي أبي سلمة عن عطاء أخرجه بن أبي شيبة وغيره فليس هو فردا وأما كونهم افتوا بخلافه فلا يقدح ذلك في صحته لاحتمال أنه ثبت عندهم ناسخه فذهبوا إليه وكم من حديث منسوخ وهو صحيح من حيث الصناعة الحديثية وقد ذهب الجمهور إلى أن ما دل عليه حديث الباب من الاكتفاء بالوضوء إذا لم ينزل المجامع منسوخ بما دل عليه حديث أبي هريرة وعائشة المذكوران في الباب قبله والدليل على النسخ ما رواه أحمد وغيره من طريق الزهري عن سهل بن سعد قال حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد صححه بن خزيمة وابن حبان وقال الاسماعيلي هو صحيح على شرط البخاري كذا قال وكأنه لم يطلع على علته فقد اختلفوا في كون الزهري سمعه من سهل نعم أخرجه أبو داود وابن خزيمة أيضا من طريق أبي حازم عن سهل ولهذا الإسناد أيضا علة أخرى ذكرها بن أبي حاتم وفي الجملة هو إسناد صالح لأن يحتج به وهو صريح في النسخ على أن حديث الغسل وأن لم ينزل أرجح من حديث الماء من الماء بن لأنه بالمنطوق وترك الغسل من حديث الماء بالمفهوم أو بالمنطوق أيضا لكن ذاك أصرح منه وروى بن أبي شيبة وغيره عن بن عباس أنه حمل حديث الماء من الماء على صورة مخصوصة وهي ما يقع في المنام من رؤية الجماع وهو تأويل يجمع بين الحديثين من غير تعارض
[ 340 ]
تنبيه في قوله الماء من الماء جناس تام والمراد بالماء الأولى ماء الغسل وبالثاني المني وذكر الشافعي أن كلام العرب يقتضى أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وأن لم يكن معه إنزال فإن كل خوطب بان فلانا أجنب من فلانة عقل أنه اصابها وأن لم ينزل قال ولم يختلف أن الزنا الذي يجب به الحد هو الجماع ولو لم يكن معه إنزال وقال بن العربي إيجاب الغسل بالايلاج بالنسبة الى الإنزال وكما إيجاب الوضوء بمس الذكر بالنسبة إلى خروج البول فهما متفقان دليلا وتعليلا والله أعلم قوله عن هشام بن عروة قال أخبرني أبي يعنى أباه عروة وهو واضح وإنما نبهت عليه لئلا يظن أنه وكما أبي بن كعب لكونه ذكر في الإسناد قوله ما مس المرأة منه أي يغسل الرجل العضو الذي مس فرج المرأة من أعضائه وهو من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم لأن المراد رطوبة فرجها قوله ثم يتوضأ صريح في تأخير الوضوء عن غسل الذكر زاد عبد الرزاق عن الثوري عن هشام فيه وضوئه الولاء قوله ويصلى هو أصرح في الدلالة على ترك الغسل من الحديث الذي قبله قوله قال أبو عبد الله هو المصنف وقائل ذلك هو الراوي عنه قوله الغسل أحوط أي على تقدير أن لا يثبت الناسخ ولا يظهر الترجيح فالاحتياط للدين الاغتسال قوله الأخير كذا لأبي ذر ولغيره الآخر بالمد بغير ياء أي آخر الامرين من الفاء أو من اجتهاد الأئمة وقال بن التين ضبطناه بفتح الخاء فعلى هذا الإشارة في قوله وذاك إلى حديث الباب قوله انما بينا لاختلافهم وفي رواية كريمة إنما بينا اختلافهم وللاصيلى إنما بيناه لاختلافهم وفي نسخة الصغاني إنما بينا الحديث الآخر لاختلافهم والماء أنقى واللام تعليلية أي حتى لا يظن ان في ذلك إجماعا واستشكل بن العربي كلام البخاري فقال إيجاب الغسل اطبق عليه الصحابة ومن بعدهم وما خالف فيه الا داود ولا عبرة بخلافه وإنما الأمر الصعب مخالف البخاري وحكمه بأن الغسل مستحب وهو أحد كثرة الدين وأجلة علماء المسلمين ثم أخذ يتكلم في تضعيف حديث الباب بما لا يقبل منه وقد اشرنا إلى بعضه ثم قال ويحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله الغسل احوط أي في الدين وهو باب مشهور في الأصول قال وهو أشبه بامامة الرجل وعلمه قلت وهذا هو الظاهر من تصرفه فإنه لم يترجم بجواز ترك الغسل وإنما ترجم ببعض ما يستفاد من الحديث من غير هذه المسألة كما استدل به على إيجاب الوضوء فيما تقدم وأما نفى بن العربي الخلاف فمعترض فأنه مشهور بين الصحابة ثبت عن جماعة منهم لكن ادعى بن القصار أن الخلاف ارتفع بين التابعين وهو معترض أيضا فقد قال الخطابي أنه قال به من الصحابة جماعة فسمى بعضهم قال ومن التابعين الأعمش وتبعه عياض لكن قال لم يقل به أحد بعد الصحابة غيره وهو معترض أيضا فقد ثبت ذلك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو في سنن أبي داود بإسناد صحيح وعن هشام بن عروة عند عبد الرزاق بإسناد صحيح وقال عبد الرزاق أيضا عن بن جريج عن عطاء أنه قال لا تطيب نفسي إذا لم انزل حتى اغتسل من أجل اختلاف الناس لاخذنا بالعروة الوثقى وقال الشافعي في اختلاف الحديث حديث الماء من الماء ثابت لكنه منسوخ إلى أن قال فخالفنا بعض أهل ناحيتنا يعني من الحجازيين فقالوا لا يجب الغسل حتى ينزل أه فعرف بهذا أن الخلاف كان مشهورا بين التابعين ومن بعدهم لكن الجمهور على إيجاب الغسل وهو الصواب والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب الغسل وما معه من أحكام الجنابة من الأحاديث
[ 341 ]
المرفوعة على ثلاث وستين حديثا المكرر منها فيه وفيما مضى خمسة وثلاثون حديثا الموصول منها أحد قرة والبقية تعليق ومتابعة والخالص ثمانية قرة منها واحد معلق وهو حديث بهز عن أبيه عن جده وقد وافقه مسلم على تخريجها سواه وسوى حديث جابر في الاكتفاء في الغسل بصاع وحديث أنس كان يدور على نسائه وهن إحدى عشرة امرأة في ليلة واحدة وحديثه في الاغتسال مع المرأة من إناء واحد وحديث عائشة في صفة غسل المرأة من الجنابة وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين عشرة المعلق منها سبعة والموصول ثلاثة وهي حديث زيد بن خالد عن علي وطلحة والزبير المذكور في الباب الأخير فإن كان مرفوعا عنهم فتزيد عدة الخالص من المرفوع ثلاثة وهي أيضا من افراده عن مسلم والله أعلم بسم الله الرحمن الرحيم قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحيض أصله السيلان وفي العرف جريان دم المرأة من موضع مخصوص في أوقات معلومة قوله وقول الله تعالى بالجر عطفا على الحيض والمحيض عند الجمهور هو الحيض وقيل زمانه وقيل مكانه قوله أذى قال الطيبي سمى الحيض أذى لنتنه وقذره ونجاسته وقال الخطابي الاذى المكروه الذي ليس بشديد كما قال تعالى لن يضروكم الا أذى فالمعنى أن المحيض أذى يعتزل من المرأة موضعه ولا يتعدى ذلك إلى بقية بدنها قوله فاعتزلوا النساء في المحيض روى مسلم وأبو داود من حديث أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اخرجوها من البيت فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت الآية فقال اصنعوا كل شئ الا النكاح فأنكرت اليهود ذلك فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا يا رسول الله الا نجامعهن في الحيض يعني خلافا لليهود فلم يأذن في ذلك وروى الطبري عن السدي أن الذي سأل أولا عن ذلك هو ثابت بن الدحداح قوله باب كيف كان بدء الحيض أي ابتداؤه وفي إعراب باب الأوجه المتقدمه أول الكتاب قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا شئ يشير إلى حديث عائشة المذكور عقبه لكن بلفظ هذا أمر وقد وصله بلفظ شئ من طريق أخرى بعد خمسة أبواب أو ستة والاشاره بقوله هذا إلى الحيض قوله وقال بعضهم كان أول بالرفع لأنه اسم كان والخبر على بني إسرائيل أي على نساء بني إسرائيل وكأنه يشير إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن بن مسعود بإسناد صحيح قال كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا فكانت المرأة تتشرف للرجل فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد وعنده عن عائشة نحوه قوله وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر قيل معناه اشمل لأنه عام في جميع بنات آدم فيتناول الاسرائيليات ومن قبلهن أو المراد أكثر شواهد أو أكثر قوه وقال الداودي ليس بينهما مخالفة فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم فعلى هذا فقوله بنات آدم عام أريد به الخصوص قلت ويمكن أن يجمع بينهما مع القول بالتعميم بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل المريض مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء الجوزي وقد روى الطبري وغيره عن بن عباس وغيره أن قوله تعالى في قصة إبراهيم وامرأته قائمة فضحكت أي حاضت والقصة متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح عن بن عباس إن
[ 342 ]
ابتداء الحيض كان على حواء بعد أن هبطت من الجنة وإذا كان كذلك فبنات آدم بناتها والله أعلم قوله باب الأمر بالنفساء أي الأمر المتعلق بالنفساء والجمع في قوله إذا نفسن باعتبار الجنس وسقطت هذه الترجمة من أكثر الروايات غير أبي ذر وأبي الوقت وترجم بالنفساء إشعارا بأن ذلك يطلق على الحائض لقول عائشة في الحديث حضت وقوله صلى الله عليه وسلم لها أنفست وهو بضم النون وفتحها وكسر الفاء فيهما وقيل بالضم في الولادة وبالفتح في الحيض وأصله خروج الدم لأنه يسمى نفسا وسيأتي مزيد بسط لذلك بعد بابين قوله سمعت القاسم يعني أباه وهو بن محمد بن أبي بكر الصديق قوله لا نرى بالضم أي لا نظن وسرف بفتح المهملة وكسر الراء بعدها فاء موضع قريب من مكة بينهما نحو من عشرة أميال وهو ممنوع من الصرف وقد يصرف قوله فاقضي المراد بالقضاء هنا الأداء وهما في اللغة بمعنى واحد قوله غير أن لا تطوفي بالبيت زاد في الرواية الآتية حتى تطهري وهذا الاستثناء مختص بأحوال الحج لا بجميع أحوال المرأة وسيأتي الكلام على هذا الحديث بتمامه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله بالجر عطفا على غسل أي تسريح شعر رأسه والحديث مطابق لما ترجم له من جهة الترجيل والحق به الغسل قياسا أو اشاره إلى الطريق الآتية في باب مباشرة الحائض فإنها صريحة في ذلك وهو دال على أن ذات الحائض طاهرة وعلى أن حيضها لا يمنع ملامستها قوله أخبرنا هشام وفي رواية الأكثر أخبرني هشام بن عروة وفي هذا الإسناد لطيفه وهي اتفاق اسم شيخ الراوي وتلميذه مثاله هذا بن جريج عن هشام وعنه هشام فالأعلى بن عروة والأدنى بن يوسف وهو نوع أغفله بن الصلاح قوله مجاور أي معتكف وثبت هذا التفسير في نسخة الصغاني في الأصل وحجرة عائشة كانت ملاصقة للمسجد والحق عروة الجنابة بالحيض قياسا وهو جلي لأن الاستقذار بالحائض أكثر من الجنب وألحق الخدمة بالترجيل وفي الحديث دلالة على طهارة بدن الحائض وعرقها وأن المباشر الممنوعة للمعتكف هي الجماع ومقدماته وأن الحائض لا الخطبة المسجد وقال بن بطال فيه حجة على الشافعي في قوله إن المباشرة مطلقا تنقض الوضوء كذا قال ولا حجة فيه لأن الاعتكاف لا يشترط فيه الوضوء وليس في الحديث أنه عقب ذلك الفعل بالصلاة وعلى تقدير ذلك فمس الشعر لا ينقض الوضوء والله أعلم قوله باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض الحجر بفتح المهملة وسكون الجيم ويجوز كسر أوله قوله وكان أبو وائل هو التابعي المشهور صاحب بن مسعود وأثره هذا وصله بن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح قوله يرسل خادمه أي جاريته والخادم يطلق على الذكر والأنثى قوله إلى أبي رزين هو التابعي المشهور أيضا قوله بعلاقته بكسر العين أي الخيط الذي يربط به كيسه وذلك مصير منهما إلى جواز حمل الحائض المصحف لكن من غير مسه ومناسبته لحديث عائشة من جهة أنه نظر حمل الحائض العلاقة التي فيها المصحف بحمل الحائض المؤمن الذي يحفظ القرآن لأنه حامله في جوفه وهو موافق لمذهب أبي حنيفة ومنع الجمهور ذلك وفرقوا بان الحمل مخل بالتعظيم والاتكاء لا يسمى في العرف حملا قوله سمع زهيرا هو بن معاوية الجعفي ومنصور بن صفية منسوب إلى أمه
[ 343 ]
لشهرتها وهو منصور بن عبد الرحمن الحجبي وأمه صفية بنت شيبة بن عثمان من صغار الصحابة قوله ثم يقرأ القرآن وللمصنف في التوحيد كان يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض فعلى هذا فالمراد بالاتكاء وضع رأسه في حجرها قال بن دقيق العيد في هذا الفعل إشارة إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن لأن قراءتها لو كانت جائزة لما توهم امتناع القراءة في حجرها حتى احتيج إلى التنصيص عليها وفيه جواز ملامسة الحائض وأن ذاتها وثيابها على الطهارة ما لم يلحق شيئا منها نجاسة وهذا مبني على منع القراءة في المواضع المستقذرة وفيه جواز القراءة بقرب محل النجاسة قاله النووي وفيه جواز استناد المريض في صلاته إلى الحائض إذا كانت أثوابها طاهرة قاله القرطبي قوله باب من سمي النفاس حيضا قيل هذه الترجمة مقلوبة لأن حقها أن يقول من سمي الحيض نفاسا وقيل يحمل على التقديم والتأخير والتقدير من سمي حيضا النفاس ويحتمل أن يكون المراد بقوله من سمي من أطلق لفظ النفاس على الحيض فيطابق ما في الخبر بغير تكلف وقال المهلب وغيره لما لم يجد المصنف نصا على شرطه في النفساء ووجد تسمية الحيض نفاسا في هذا الحديث فهم منه أن حكم دم النفاس حكم دم الحيض وتعقب بان الترجمة في التسمية لا في الحكم وقد نازع الخطابي في التسوية بينهما من حيث الاشتقاق كما سيأتي وقال بن رشيد وغيره مراد البخاري أن يثبت أن النفاس هو الأصل في تسمية الدم الخارج والتعبير به تعبير بالمعنى الأعم والتعبير عنه بالحيض تعبير بالمعنى الأخص فعبر النبي صلى الله عليه وسلم بالأول وعبرت أم سلمة بالثاني فالترجمة على هذا مطابقة لما عبرت به أم سلمة والله أعلم قوله حدثنا هشام هو الدستوائي قوله عن أبي سلمة في رواية مسلم حدثني أبي سلمة أخرجها من طريق معاذ بن هشام عن أبيه قوله مضطجعه بالرفع ويجوز النصب قوله في خميصه بفتح الخاء المعجمه وبالصاد المهملة كساء أسود له أعلام يكون من صوف وغيره ولم أر في شئ من طرقه بلفظ خميصه إلا في هذه الرواية وأصحاب يحيى ثم أصحاب هشام كلهم قالوا خميلة باللام بدل الصاد وهو موافق لما في آخر الحديث قيل الخميلة القطيفة وقيل الطنفسه وقال الخليل الخميلة ثوب له خمل أي هدب وعلى هذا لا تعترفون بين الخميصه والخميلة فكأنها كانت كساء أسود لها اهداب قوله فانسللت بلامين الأولى مفتوحة والثانية ساكنه أي ذهبت في خفيه زاد المصنف من رواية شيبان عن يحيى كما سيأتي قريبا فخرجت منها أي من الخميصه قال النووي كأنها خافت وصول شئ من دمها إليه أو خافت أن يطلب الاستمتاع بها فذهبت لتتأهب لذلك أو تقذرت نفسها ولم ترضها لمضاجعته فلذلك أذن لها في العود قوله ثياب حيضتي وقع في روايتنا بفتح الحاء وكسرها معا ومعنى الفتح أخذت ثيابي التي البسها زمن الحيض لأن الحيضه بالفتح هي الحيض ومعنى الكسر أخذت ثيابي التي أعددتها لألبسها حالة الحيض وجزم الخطابي برواية الكسر ورجحها النووي ورجح القرطبي رواية الفتح لوروده في بعض طرقه بلفظ حيضي بغير تاء قوله أنفست قال الخطابي أصل هذه الكلمة من النفس وهو الدم إلا إنهم فرقوا بين بناء الفعل من الحيض والنفاس فقالوا في الحيض نفست بفتح النون وفي الولادة بضمها انتهى وهذا قول كثير من أهل اللغة لكن حكى أبو حاتم عن الأصمعي قال يقال نفست المرأة في الحيض والولادة بضم النون فيهما وقد ثبت في روايتنا بالوجهين فتح النون وضمها وفي الحديث جواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع
[ 344 ]
معها في لحاف واحد واستحباب اتخاذ المرأة ثيابا للحيض غير ثيابها المعتادة وقد ترجم المصنف على ذلك كما سيأتي وسيأتي الكلام على مباشرتها في الباب الذي بعده قوله باب مباشرة الحائض المراد بالمباشرة هنا التقاء البشرتين لا الجماع قوله حدثنا قبيصه بالقاف والصاد المهملة هو بن عقبة وسفيان هو الثوري ومنصور هو بن المعتمر والإسناد كله إلى عائشة كوفيون وتقدم الكلام على اغتسالها مع النبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد في كتاب الغسل قوله فاتزر كذا في روايتنا وغيرها بتشديد التاء المثناه بعد الهمزة وأصله فأتزره بهمزه ساكنه بعد الهمزة المفتوحة ثم المثناه بوزن افتعل وأنكر أكثر النحاة الإدغام حتى قال صاحب المفصل أنه خطأ لكن نقل غيره أنه مذهب الكوفيين وحكاه الصغاني في مجمع البحرين وقال بن مالك أنه مقصور على السماع ومنه قراءة بن محيص فليؤد الذي أؤتمن بالتشديد والمراد بذلك أنها تشد إزارها على وسطها وحدد ذلك الفقهاء بما بين السره والركبة وأشار بالعرف الغالب وقد سبق الكلام على بقية الحديث قبل ببابين قوله حدثنا إسماعيل بن خليل كذا في رواية أبي ذر وكريمة ولغيرهما الخليل والإسناد أيضا إلى عائشة كلهم كوفيين قوله إحدانا أي إحدى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قوله أن تتزر بتشديد المثناة الثانية وقد تقدم توجيهها وللكشميهني أن تأتزر بهمزه ساكنه وهي أفصح قوله في فور حيضتها قال الخطابي فور الحيض أوله ومعظمه وقال القرطبي فور الحيضه معظم صبها من فوران القدر وغليانها قوله يملك إربه بكسر الهمزة وسكون الراء ثم موحدة قيل المراد عضوه الذي يستمع به وقيل حاجته والحاجة تسمى أربا بالكسر ثم السكون واربا بفتح الهمزة والراء وذكر الخطابي في شرحه أنه روى هنا بالوجهين وأنكر في موضع آخر كما نقله النووي وغيره عنه رواية الكسر وكذا أنكرها النحاس وقد ثبتت رواية الكسر وتوجيهها ظاهر فلا معنى لإنكارها والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى ومع ذلك فكان يباشر فوق الإزار تشريعا لغيره ممن ليس بمعصوم وبهذا قال أكثر العلماء وهو الجاري على قاعدة المالكية في باب سد الذرائع وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية ورجحه الطحاوي وهو اختيار أصبغ من المالكية واحد القولين أو الوجهين للشافعية واختاره بن المنذر وقال النووي هو الأرجح دليلا لحديث أنس في مسلم اصنعوا كل شئ إلا الجماع وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب جمعا بين الادله وقال بن دقيق العيد ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار لأنه فعل مجرد انتهى ويدل على الجواز أيضا ما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا واستدل الطحاوي على الجواز بان المباشرة تحت الإزار دون الفرج لا توجب حدا ولا غسلا فأشبهت المباشرة فوق الإزار وفصل بعض الشافعية فقال إن كان يضبط نفسه عند المباشرة عن الفرج ويثق منها باجتنابه جاز وإلا فلا واستحسنه النووي ولا يبعد تخريج وجه مفرق بين ابتداء الحيض وما بعده لظاهر التقييد بقولها فور حيضتها ويؤيده ما رواه بن ماجة بإسناد حسن عن أم سلمة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقي سورة الدم ثلاثا ثم يباشر بعد ذلك ويجمع بينه وبين
[ 345 ]
الأحاديث الدالة على المبادرة إلى المباشرة على اختلاف هاتين الحالتين قوله تابعه خالد هو بن عبد الله الواسطي وجرير هو بن عبد الحميد أي تابعا على بن مسهر في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق الشيباني بهذا الإسناد وللشيباني فيه إسناد آخر كما سيأتي عقبة ومتابعة خالد وصلها أبو القاسم التنوخي في فوائده من طريق وهب بن بقية عنه وقد أوردت إسنادها في تعليق التعليق ومتابعة جرير وصلها أبو داود الاسماعيلي والحاكم في المستدرك وهذا مما وهم في استدراكه لكونه مخرجا في الصحيحين من طريق الشيباني ورواه أيضا عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود بسنده هذا منصور بن أبي الأسود أخرجه أبو عوانة في صحيحه قوله حدثنا أبو النعمان هو الذي يقال له عارم وعبد الواحد هو بن زياد البصري قوله عبد الله بن شداد أي بن أسامة بن الهاد المؤذن وهو من أولاد الصحابة له رؤية قوله أمرها أي بالاتزار فاتزرت وهو في روايتنا بإثبات الهمزة على اللغة الفصحى قوله رواه سفيان يعني الثوري عن الشيباني يعني بسند عبد الواحد وهو عند الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان نحوه وقد رواه عن الشيباني أيضا بهذا الإسناد خالد بن عبد الله عند مسلم وجرير بن عبد الحميد عند الاسماعيلي وذلك مما يدفع عنه توهم الاضطراب وكأن الشيباني كان يحدث به تارة من مسند عائشة وتارة من مسند ميمونة فسمعه منه جرير وخالد بالاسنادين وسمعه غيرهما بأحدهما ورواه عنه أيضا بإسناد ميمونة حفص بن الصالح عند أبي داود وأبو معاوية عند الاسماعيلي وأسباط بن محمد عند أبي عوانة في صحيحه وقد تقدم ذكر من رواه عنه بإسناد عائشة قوله باب ترك الحائض الصوم قال بن رشيد وغيره جرى البخاري على عادته في إيضاح المشكل دون الجلي وذلك أن تركها الصلاة واضح من أجل أن الطهارة مشترطة في صحة الصلاة وهي غير طاهر وأما الصوم فلا يشترط له الطهارة فكان تركها له تعبدا محضا فاحتاج إلى التنصيص عليه بخلاف الصلاة قوله حدثنا سعيد بن أبي مريم هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم المصري الجمحي لقيه البخاري وروى مسلم وأصحاب السنن عنه بواسطة ومحمد بن جعفر هو بن أبي كثير أخو إسماعيل والإسناد منه فصاعدا مدنيون وفيه تابعي عن تابعي زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله وهو بن أبي سرح العامري لأبيه صحبه قوله في أضحى أو فطر شك من الراوي قوله إلى المصلي فمر على النساء اختصره المؤلف هنا وقد ساقه في كتاب الزكاة تاما ولفظه إلى المصلي فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال أيها الناس تصدقوا فمر على النساء وقد تقدم في كتاب العلم من وجه آخر عن أبي سعيد أنه كان وعد النساء بان يفردهن بالموعظة فأنجزه ذلك اليوم وفيه أنه وعظهن وبشرهن قوله يا معشر النساء المعشر كل جماعة أمرهم واحد ونقل عن ثعلب أنه مخصوص بالرجال وهذا الحديث يرد عليه إلا إن كان مراده بالتخصيص حالة إطلاق المعشر لا تقييده كما في الحديث قوله أريتكن بضم الهمزة وكسر الراء على البناء للمفعول والمراد إن الله تعالى أراهن له ليلة الإسراء وقد تقدم في العلم من حديث بن عباس بلفظ أرأيت النار فرأيت أكثر أهلها النساء ويستفاد من حديث بن عباس إن الرؤية المذكورة وقعت في حال صلاة الكسوف كما سيأتي واضحا في باب صلاة الكسوف جماعة قوله وبم الواو استئنافيه والباء تعليليه والميم أصلها ما الاستفهامية فحذفت منها
[ 346 ]
الألف تخفيفا قوله وتكفرن العشير أي تجحدن حق الخليط وهو الزوج أو أعم من ذلك قوله من ناقصات صفه موصوف محذوف قال الطيبي في قوله ما رأيت من ناقصات الخ زيادة على الجواب تسمى الاستتباع كذا قال وفيه نظر ويظهر لي أن ذلك من جملة أسباب كونهن أكثر أهل النار لأنهن إذا كن سببا لاذهاب عقل الرجل الحازم حتى يفعل أو يقول ما لا ينبغي فقد شاركته في الإثم وزدن عليه قوله أذهب أي أشد إذهابا واللب أخص من العقل وهو الخالص منه والحازم الضابط لأمره وهذه ومظلمة في وصفهن بذلك لأن الضابط لأمره إذا كان ينقاد لهن فغير الضابط أولى واستعمال أفعل التفضيل من الإذهاب جائز عند سيبويه حيث جوزه من الثلاثي والمزيد قوله قلن وما نقصان ديننا كأنه خفي عليهن ذلك حتى سألن عنه ونفس هذا السؤال دال على النقصان لأنهن سلمن ما نسب إليهن من الأمور الثلاثة الإكثار والكفران والإذهاب ثم استشكلن كونهن ناقصات وما الطف ما أجابهن به صلى الله عليه وسلم من غير تعنيف ولا لوم بل خاطبهن على قدر عقولهن وأشار بقوله مثل نصف شهادة الرجل إلى قوله تعالى فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها وهو مشعر بنقص عقلها وحكى بن التين عن بعضهم أنه حمل العقل هنا على الدية وفيه بعد قلت بل سياق الكلام يأباه قوله فذلك بكسر الكاف خطابا للواحدة التي تولت الخطاب ويجوز فتحها على أنه للخطاب العام قوله لم تصل ولم تصم فيه إشعار بان منع الحائض من الصوم والصلاة كان ثابتا بحكم الشرع قبل ذلك المجلس وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية الخروج إلى المصلى في العيد وأمر الإمام الناس بالصدقة فيه واستبط منه بعض الصوفية جواز الطلب من الأغنياء للفقراء وله شروط وفيه حضور النساء العيد لكن بحيث ينفردن عن الرجال خوف الفتنة وفيه جواز عظة الإمام النساء على حده وقد تقدم في العلم وفيه أن جحد النعم حرام وكذا كثرة استعمال الكلام القبيح كاللعن والشتم واستدل النووي على إنهما من الكبائر بالتوعد عليها بالنار وفيه ذم اللعن وهو الدعاء بالإبعاد من رحمة الله تعالى وهو أمرهم على ما إذا كان في معين وفيه إطلاق الكفر على الذنوب التي لا تخرج عن الملة تغليظا على فاعلها لقوله في بعض طرقه بكفرهن كما تقدم في الإيمان وهو كإطلاق نفي الإيمان وفيه الإغلاظ في النصح بما يكون سببا لإزالة الصفة التي تعاب وأن لا يواجه بذلك الشخص المعين لأن في التعميم تسهيلا على السامع وفيه إن الصدقة تدفع العذاب وإنها قد تكفر الذنوب التي بين المخلوقين وأن العقل يقبل الزيادة والنقصان وكذلك الإيمان كما تقدم وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك لأنه من أصل الخلقة لكن التنبيه على ذلك تحذيرا من الافتتان بهن ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص وليس نقص الدين منحصرا فيما يحصل به الإثم بل في أعم من ذلك قاله النووي لأنه أمر نسبي فالكامل مثلا ناقص عن الأكمل ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض لكنها ناقصة عن المصلي وهل تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به كما يثاب المريض على النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها قال النووي الظاهري أنها لا تثاب والفرق بينها وبين المريض أنه كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته والحائض ليست كذلك وعندي
[ 347 ]
في كون هذا الفرق مستلزما لكونها لا تثاب وقفة وفي الحديث أيضا مراجعة المتعلم لمعلمه والتابع لمتبوعة فيما لا يظهر له معناه وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الخلق العظيم والصفح الجميل والرفق والرأفة زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيما قوله باب تقضي الحائض أي تؤدي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت قيل مقصود البخاري بما ذكر في هذا الباب من الأحاديث والآثار إن الحيض وما في معناه من الجنابة لا ينافي جميع العبادات بل صحت معه عبادات بدنيه من أذكار وغيرها فمناسك الحج من جملة ما لا ينافيها إلا الطواف فقط وفي كون هذا مراده نظر لأن كون مناسك الحج كذلك حاصل بالنص فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه والأحسن ما قاله بن رشيد تبعا لابن بطال وغيره إن مراده الاستدلال على جواز قراءة والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ولم تمنع الحائض من شئ من ذلك فكذلك الجنب لأن حدثها أغلظ من حدثه ومنع القراءة إن كان لكونه ذكر الله فلا فرق بينه وبين ما ذكر وأن كان تعبدا فيحتاج إلى دليل خاص ولم يصح عند المصنف شئ من الأحاديث الوادره في ذلك وأن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره لكن أكثرها قابل للتأويل كما سنشير إليه ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالطبري وابن المنذر وداود بعموم حديث كان يذكر الله على كل أحيانه لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره وإنما فرق بين الذكر والتلاوه بالعرف والحديث المذكور وصله مسلم من حديث عائشة وأورد المصنف أثر إبراهيم وهو النخعي إشعارا بان منع الحائض من القراءة ليس مجمعا عليه وقد وصله الدارمي وغيره بلفظ أربعة لا يقرءون القرآن الجنب والحائض وعند الخلاء وفي الحمام إلا الآية ونحوها للجنب والحائض وروى عن مالك نحو قول إبراهيم وروى عنه الجواز مطلقا وروى عنه الجواز للحائض دون الجنب وقد قيل أنه قول الشافعي في القديم ثم أورد أثر بن عباس وقد وصله بن المنذر بلفظ إن بن عباس كان يقرأ ورده وهو جنب وأما حديث أم عطية فوصله المؤلف في العيدين وقوله فيه ويدعون كذا لأكثر الرواة وللكشميهني يدعين بباء تحتانية بدل الواو ووجه الدلالة منه ما تقدم من أنه لا فرق بين التلاوة وغيرها ثم أورد المصنف طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وهو موصول عنده في بدء الوحي وغيره ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم وهم كفار والكافر جنب كأنه يقول إذا جاز مس الكتاب للجنب مع كونه مشتملا على آيتين فكذلك يجوز له قراءاته كذا قاله بن رشيد وتوجيه الدلالة منه إنما هي من حيث أنه إنما كتب إليهم ليقرءوه فاستلزم جواز القراءة بالنص لا بالاستنباط وقد أجيب ممن منع ذلك وهم الجمهور بان الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو في التفسير فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور لأنه لا يقصد منه التلاوة ونص أحمد أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ وقال به كثير من الشافعية ومنهم من خص الجواز بالقليل كالآية والآيتين قال الثوري لا بأس أن يعلم الرجل النصراني الحرف من القرآن عسى الله أن يهديه واكره أن يعلمه الآية هو كالجنب وعن أحمد أكره أن يضع القرآن في غير موضعه وعنه أن رجى منه الهداية جاز
[ 348 ]
وإلا فلا وقال بعض من منع لا دلاله في القصة على جواز تلاوة الجنب القرآن لأن الجنب إنما منع التلاوة إذا قصدها وعرف إن الذي يقرأه قرآن أما لو قرأ في ورقة ما لا يعلم أنه من القرآن فإنه لا يمنع وكذلك الكافر وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى تنبيه ذكر صاحب المشارق أنه وقع في رواية القابسي والنسفي وعبدوس هنا ويا أهل الكتاب بزيادة واو قال وسقطت لأبي ذر والأصيلي وهو الصواب قلت فأفهم إن الأولى خطأ لكونها مخالفة للتلاوة وليست خطأ وقد تقدم توجيه إثبات الواو في بدء الوحي قوله وقال عطاء من جابر هو طرف من حديث موصول عند المصنف في كتاب الأحكام وفي آخره غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تصلي وأما أثر الحكم وهو الفقيه الكوفي فوصله البغوي في الجعديات من روايته عن على بن الجعد عن شعبة عنه ووجه الدلالة منه إن الذبح مستلزم لذكر الله بحكم الآية التي ساقها وفي جميع ما استدل به نزاع يطول ذكره ولكن الظاهر من تصرفه ما ذكرناه واستدل الجمهور على المنع بحديث على كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن القرآن شئ ليس الجنابة رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان وضعف بعضهم بعض رواته والحق أنه من معي الحسن يصلح للحجة لكن قيل حاضة حكمفي الاستدلال به نظر لأنه فعل مجرد فلا يدل على تحريم ما عداه وأجاب الطبري عنه بأنه أمرهم على الأكمل جمعا بين الادله وأما حديث بن عمر مرفوعا لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن فضعيف من جميع طرقه وقد تقدم الكلام على حديث عائشة في أول كتاب الحيض وقولها طمثت بفتح الميم وإسكان المثلثة أي حضت ويجوز كسر الميم يقال طمثت المرأه بالفتح والكسر في الماضي تطمث بالضم في المستقبل قوله باب الاستحاضة تقدم أنها جريان الدم من فرج المرأه في غير أوانه وأنه يخرج من عرق يقال له العاذل بعين الركعة وذال معجمه قوله أني لا اطهر تقدم في باب غسل الدم من رواية أبي معاوية عن هشام وهو بن عروة وفي هذا الحديث للتصريح ببيان السبب وهو قولها إني استحاض وكان عندها أم طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن اتصاله وكانت قد علمت أن الحائض لا تصلي فظنت إن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقق ذلك فقالت أفأدع الصلاة قوله إنما ذلك بكسر الكاف وزاد في الرواية الماضية فقال لا قوله وليس بالحيضه بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وأن كان قد أختار الكسر على إرادة الحالة لكن الفتح هنا أظهر وقال النووي وهو متعين أو قريب من المتعين لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفى الحيض وأما قوله فإذا أقبلت الحيضه فيجوز فيه الوجهان معا جوازا حسنا انتهى كلامه والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين والله أعلم قوله فاغسلي عنك الدم وصلى أي بعد الاغتسال كما سيأتي التصريح به في باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة في هذا الحديث قال في آخره ثم اغتسلي وصلى ولم يذكر غسل الدم وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام منهم من ذكر غسل الدم ولم يذكر الاغتسال ومنهم من ذكر الاغتسال ولم يذكر غسل الدم وكلهم ثقات وأحاديثهم في الصحيحين فيحمل على إن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده وفيه اختلاف ثالث أشرنا إليه في باب غسل الدم من رواية أبي معاوية فذكر مثل حديث الباب وزاد ثم توضئ لكل
[ 349 ]
صلاة ورددنا هناك قول من قال أنه مدرج وقول من جزم بأنه موقوف على عروة ولم ينفرد أبو معاوية بذلك فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى إن حمادا تفرد بهذه الزيادة وأومأ مسلم أيضا إلى ذلك وليس كذلك فقد رواه الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام وفي الحديث دليل على إن المر أه إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وأدباره فإذا أنقضى قدره اغتسلت عنه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضيه لظاهر قوله ثم توضئي لكل صلاة وبهذا قال الجمهور وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة وعلى قولهم المراد بقوله وتوضئي لكل صلاة أي لوقت كل صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر وقال أحمد وإسحاق إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط وفيه جوازا استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها للرجل فيما يتعلق بأحوال النساء وجواز سماع صوتها للحاجة وفيه غير ذلك وقد استنبط منه الرازي الحنفي أن مدة أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة لقوله قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها لأن أقل ما يطلق عليه لفظ أيام ثلاثة وأكثره عشرة فأما دون الثلاثة فإنما يقال يومان ويوم وأما فوق عشرة فإنما يقال أحد عشر يوما وهكذا إلى عشرين وفي الاستدلال بذلك نظر قوله حدثنا اصبغ هو وشيخه وشيخ شيخه الثلاثة مصريون والباقون وهو الثلاثة أيضا مدنيون قوله كانت إحدانا أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمرهم على أنهن كن يصنعن ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم وبهذا يلتحق هذا الحديث بحكم المرفوع يؤيده حديث أسماء الذي قبله قال بن بطال حديث عائشة يفسر حديث أسماء وأن المراد بالنصح في حديث أسماء الغسل وأما قول عائشة وتنضح على سائره فإنما فعلت ذلك دفعا للوسوسة لأنه قد بان في سياق حديثها أنها كانت تغسل الدم لا بعضه وفي قولها ثم تصلي فيه اشاره إلى امتناع الصلاة في الثوب النجس قوله ثم تقترص الدم بالقاف والصاد المهملة بوزن تفتعل أي تغسله بأطراف أصابعها وقال بن الجوزي معناه تقتطع كأنها تحوزه دون باقي المواضع والأول أشبه بحديث أسماء قوله عند طهرها كذا في أكثر الروايات وللمستملي والحموي عند طهره أي الثوب والمعنى عند إرادة تطهيره وفيه جواز ترك النجاسة في الثوب عند عدم الحاجة إلى تطهيره قوله باب اعتكاف المستحاضة أي جوازه قوله حدثنا خالد بن عبد الله هو الطحان الواسطي وشيخه خالد هو بن مهران الذي يقال له الحذاء بالحناء المهملة والذال المعجمه المثقلة ومدار الحديث
[ 350 ]
المذكور عليه وعكرمة هو مولى بن عباس قوله بعض نسائه قال بن الجوزي ما عرفنا من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من كانت مستحاضه قال والظاهر إن عائشة أشارت بقولها من نسائه أي النساء المتعلقات به وهي أم حبيبه بنت جحش أخت زينب بنت جحش قلت يرد هذا التأويل قوله في الرواية الثانية امرأة من أزواجه وقد ذكرها القدرة عقب الرواية الأولى فما أدرى كيف غفل عنها بن الجوزي وفي الرواية الثالثة بعض أمهات المؤمنين ومن المستبعد أن تعتكف معه صلى الله عليه وسلم امرأة غير زوجاته وإن كان لها به تعلق وقد حكى بن عبد البر إن بنات جحش الثلاث كن مستحاضات زينب أم المؤمنين وحمنة زوج طلحة وأم حبيبة زوج عبد الرحمن بن عوف وهي المشهورة منهن بذلك وسيأتي حديثها في ذلك وذكر أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلي لكل صلاة وكذا وقع في الموطأ إن زينب بنت جحش استحيضت وجزم بن عبد البر بأنه خطأ لأنه ذكر أنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف والتي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف إنما هي أم حبيبة أختها وقال شيخنا الإمام البلقيني يحمل على أن زينب بنت جحش استحيضت وقتا بخلاف أختها فإن استحاضتها دامت قلت وكذا يحمل على ما سأذكره في حق سودة وأم سلمة والله أعلم وقرأت بخط مغلطاي في عد المستحاضات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال وسودة بنت زمعة ذكرها العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين فلعلها هي المذكورة قلت وهو حديث ذكره أبو داود من هذا الوجه تعليقا وذكر البيهقي أن بن خزيمة أخرجه موصولا قلت لكنه مرسل لأن أبا جعفر تابعي ولم يذكر من حدثه به وقرأت في السنن لسعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا خالد هو الحذاء عن عكرمة أن امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت معتكفة وهي مستحاضه قال وحدثنا به خالد مرة أخري عن عكرمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضه وربما جعلت الطست تحتها قلت وهذا أولى ما فسرت به هذه المرأة لاتحاد المخرج وقد أرسله إسماعيل بن علية عن عكرمة ووصله خالد الطحان ويزيد بن زريع وغيرهما بذكر عائشة فيه ورجح البخاري الموصول فأخرجه وقد أخرج بن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية هذا الحديث كما أخرجه سعيد بن منصور بدون تسمية أم سلمة والله أعلم قوله من الدم أي لأجل الدم قوله وزعم هو معطوف على معنى العنعنة أي حدثني عكرمة بكذا وزعم كذا وأبعد من زعم أنه معلق قوله كأن بالهمز وتشديد النون قوله فلانه الظاهر أنها تعني المرأة التي ذكرتها قبل ورأيت على حاشية نسخة صحيحة من أصل أبي ذر ما نصه فلانة هي رملة أم حبيبة بنت أبي سفيان فإن كان ثابتا فهو قول ثالث في تفسير المبهمة وعلى ما زعم بن الجوزي من أن المستحاضة ليست من أزواجه فقد روى أن زينب بنت أم سلمة استحيضت وروى ذلك البيهق والاسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير لكن الحديث في سنن أبي داود من حكاية زينب عن غيرها وهو أشبه فإنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم صغيرة لأنه دخل على أمها في السنة الثالثة وزينب ترضع وأسماء بنت عميس حكاه الدارقطني من رواية سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة عنها قلت وهو عند أبي داود على التردد هل هو أسماء أو فاطمة بنت أبي حبيش وهاتان لهما به صلى الله عليه وسلم تعلق لأن زينب ربيبته وأسماء
[ 351 ]
أخت امرأته ميمونة لأمها وكذا لحمنة وأم حبيبة به تعلق وحديثهما في سنن أبي داود فهؤلاء سبع يمكن أن تفسر المبهمة باحداهن وأما من استحيض في عهده صلى الله عليه وسلم من الصحابيات غيرهن فسهلة بنت سهيل ذكرها أبو داود أيضا وأسماء بنت مرثد ذكرها البيهقي وغيره وبادية بنت غيلان ذكرها بن منده وفاطمة بنت أبي حبيش وقصتها عن عائشة في الصحيحين ووقع في سنن أبي داود عن فاطمة بنت قيس فظن بعضهن أنها القرشية الفهريه والصواب أنها بنت أبي حبيش واسم أبي حبيش قيس فهؤلاء أربع نسوه أيضا وقد كملن عشرا بحذف زينب بنت أبي سلمة وفي الحديث جواز مكث المستحاضة في المسجد وصحة اعتكافها وصلاتها وجواز حدثها في المسجد عند أمن التلويث ويلتحق بها دائم الحدث ومن به جرح يسيل قوله باب هل تصلي المرأه في ثوب حاضت فيه قيل مطابقة الترجمة لحديث الباب أن من لم يكن لها إلا ثوب واحد تحيض فيه فمن المعلوم أنها تصلي فيه لكن بعد تطهيره وفي الجمع بينه وبين حديث أم سلمة الماضي الدال على أنه كان لها ثوب مختص بالحيض أن حديث عائشة أمرهم على ما كان في أول الأمر وحديث أم سلمة أمرهم على ما كان بعد اتساع الحال ويحتمل أن يكون مراد عائشة بقولها ثوب واحد مختص بالحيض وليس في سياقها ما ينفي أن يكون لها غيره في زمن الطهر فيوافق حديث أم سلمة وليس فيه أيضا أنها صلت فيه فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره وقد مضى قبل بباب عنها ذكر الغسل بعد القرص قالت ثم تصلي فيه فدل على أنها عند إرادة الصلاة فيه كانت تغسله وقولها في حديث الباب قالت بريقها من إطلاق القول على الفعل وقولها فمصعته بالصاد والعين المهملتين المفتوحتين أي حكته وفركته بظفرها ورواه أبو داود بالقاف بدل الميم والقصع الدلك ووقع في رواية لد من طريق عطاء من عائشة بمعنى هذا الحديث ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بظفرها فعلى هذا فيحمل حديث الباب على أن المراد دم يسير يعفى عن مثله والتوجيه الأول أقوى فائده طعن بعضهم في هذا الحديث من جهة دعوى الانقطاع ومن جهة دعوى الاضطراب فأما الانقطاع فقال أبو حاتم لم يسمع مجاهد من عائشة وهذا مردود فقد وقع التصريح بسماعه منها عند البخاري في غير هذا الإسناد وأثبته على بن المديني فهو مقدم على من نفاه وأما الاضطراب فرواية أبي داود له عن محمد بن كثير عن إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم بدل بن أبي نجيح وهذا الاختلاف لا يوجب الاضطراب لأنه أمرهم على أن إبراهيم بن نافع سمعه من شيخين ولو لم يكن كذلك فأبو نعيم شيخ البخاري فيه أحفظ من محمد بن كثير شيخ أبي داود فيه وقد تابع أبا نعيم خلاد بن يحيى وأبو حذيفة والنعمان بن عبد السلام فرجحت روايته والرواية المرجوحة لا تؤثر في الرواية الراجحة والله أعلم قوله باب الطيب للمرأة المراد بالترجمة أن تطيب المرأة عند الغسل من الحيض متأكد بحيث أنه رخص للحاده التي حرم عليها استعمال الطيب في شئ منه مخصوص قوله عن أيوب عن حفصة عن أم عطية زاد المستملي وكريمه قال أبو عبد الله أي المصنف أو هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطيه كأنه شك في شيخ حماد أهو أيوب أو هشام ولم يذكر ذلك باقي الرواة ولا أصحاب المستخرجات ولا الأطراف وقد أورد المصنف هذا الحديث في كتاب الطلاق بهذا الإسناد فلم يذكر ذلك قوله كنا ننهي
[ 352 ]
بضم النون الأولى وفاعل النهي النبي صلى الله عليه وسلم كما دلت عليه رواية هشام المعلقة المذكورة بعد وهذا هو السر في ذكرها قوله نحد بضم النون وكسر المهملة من الإحداد وهو الامتناع من الزينة قوله إلا على زوج كذا للأكثر وفي رواية المستملي والحموي إلا على زوجها والأولى موافقة اللفظ نحد وتوجيه الثانية أن الضمير يعود على الواحدة المندرجة في قولها كنا ننهى أي كل واحدة منهن قوله ولا نكتحل بالرفع والنصب أيضا على العطف ولا زائدة وأكد بها لأن في النهي معنى النفي قوله ثوب عصب بفتح العين وسكون الصاد المهملتين قال في المحكم هو ضرب من برود اليمن يعصب غزله أي يجمع ثم يصبغ ثم ينسج وسيأتي الكلام على أحكام المادة في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى قوله في نبذة أي قطعة قوله كست إظفار كذا في هذه الرواية قال بن التين صوابه قسط ظفار كذا قال ولم أر هذا في هذه الرواية لكن حكاه صاحب المشارق ووجهه بأنه منسوب إلى أظفار مدينه معروفة بسواحل اليمن يجلب إليها القسط الهندي وحكى في ضبط ظفار وجهين كسر أوله وصرفه أو فتحه والبناء بوزن قطام ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه من قسط أو أظفار بإثبات أو وهي للتخيير قال في المشارق القسط بخور معروف وكذلك الأظفار قال في البارع الإظفار ضرب من العطر يشبه الظفر وقال صاحب المحكم الظفر ضرب من العطر أسود مغلف من أصله على شكل ظفر الإنسان يوضع في البخور والجمع إظفار وقال صاحب العين لا واحد له والكست بضم الكاف وسكون المهملة بعدها المثناة هو القسط قاله المصنف في الطلاق وكذا قاله غيره وحكى المفضل بن سلمة أنه يقال بالكاف والطاء أيضا قال النووي ليس القسط والظفر من مقصود التطيب وإنما رخص فيه للحادة إذا اغتسلت من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة قال المهلب رخص لها في التبخر لدفع رائحة الدم عنها لما تستقبله من الصلاة وسيأتي الكلام على مسألة اتباع الجنائز في موضعه إن شاء الله تعالى قوله وروى كذا لأبي ذر ولغيره ورواه أي الحديث المذكور وسيأتي موصولا عند المصنف في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى من حديث هشام المذكور ولم يقع هذا التعليق في رواية المستملي وأغرب الكرماني فجوز أن يكون قائل ورواه حماد بن زيد المذكور في أول الباب فلا يكون تعليقا قوله باب دلك المرأة نفسها الى آخر الترجمة قيل ليس في الحديث ما يطابق الترجمة لأنه ليس فيه كيفية الغسل ولا الدلك وأجاب الكرماني تبعا لغيره بان تتبع أثر الدم يستلزم الدلك وبأن المراد من كيفية الغسل الصفة المختصة بغسل المحيض وهي التطيب لا نفس الاغتسال انتهى وهو حسن على ما فيه من كلفة وأحسن منه أن المصنف جرى على عادته في الترجمة بما تضمنه بعض طرق الحديث الذي يورده وأن لم يكن المقصود منصوصا فيما ساقه وبيان ذلك أن مسلما أخرج هذا الحديث من طريق بن عيينة عن منصور التي أخرجه منها المصنف فذكر بعد قوله كيف تغتسل ثم تأخذ زاد ثم الدالة على تراخي تعليم الأخذ عن تعليم الاغتسال ثم رواه من طريق أخرى عن صفية عن عائشة وفيها شرح كيفية الاغتسال المسكوت عنها في رواية منصور ولفظه فقال تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا وعطاء حتى تبلغ شؤون رأسها أي أصوله ثم صب عليها الماء ثم تأخذ فرصة فهذا مراد الترجمة لاشتمالها على كيفية الغسل والدلك وإنما لم يخرج
[ 353 ]
المصنف من هذه الطريق لكونها من رواية إبراهيم بن مهاجر عن صفية وليس هو على شرطه قوله حدثنا يحيى هو بن موسى البلخي كما جزم به بن السكن في روايته عن الفربري وقال البيهقي هو يحيى بن جعفر قيل أنه وقع كذلك في بعض النسخ قوله عن منصور بن صفيه هي بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري نسب إليها لشهرتها واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة العبدري وهو من رهط زوجته صفية وشيبة له صحبه غنم أيضا وقتل الحارث بن طلحة بأحد ولعبد الرحمن رؤية ووقع التصريح بالسماع في جميع السند عند القدرة في مسنده قوله أن امرأة زاد في رواية وهيب من الأنصار وسماها مسلم في رواية أبي الأحوص عن إبراهيم بن مهاجر أسماء بنت شكل بالشين المعجمه والكاف المفتوحتين ثم اللام ولم يسم أباها في رواية غندر عن شعبة عن إبراهيم وروى الخطيب في المبهمات من طريق يحيى بن سعيد عن شعبة هذا الحديث فقال أسماء بنت يزيد بن السكن بالمهملة والنون الانصارية التي يقال لها خطيبة النساء وتبعه بن الجوزي في التلقيح والدمياطي وزاد أن الذي وقع في مسلم تصحيف لأنه ليس في الأنصار من يقال له شكل وهو رد للرواية الثابتة بغير دليل وقد يحتمل أن يكون شكل لقبا لا اسما والمشهور في المسانيد والجوامع في هذا الحديث أسماء بنت شكل كما في مسلم أو أسماء لغير نسب كما في أبي داود وكذا في مستخرج أبي نعيم من الطريق التي أخرجه منها الخطيب وحكى النووي في شرح مسلم الوجهين بغير ترجيح والله اعلم قوله فأمرها كيف تغتسل قال خذي قال الكرماني هو بيان لقولها أمرها فإن قيل كيف يكون بيانا للاغتسال والاغتسال صب الماء لا أخذ الفرصة فالجواب أن السؤال لم يكن عن نفس الاغتسال لأنه معروف لكل أحد بل كان لقدر زائد على ذلك وقد سبقه إلى هذا الجواب الرافعي في شرح المسند وابن أبي جمرة وقوفا مع هذا اللفظ الوارد مع قطع النظر عن الطريق التي ذكرناها عند مسلم الدالة على أن بعض الرواة اختصر أو اقتصر والله أعلم قوله فرصة بكسر الفاء وحكى بن سيده تثليثها وبإسكان الراء وإهمال الصاد قطعة من صوف أو قطن أو جلدة عليها صوف حكاه أبو عبيد وغيره وحكى أبو داود أن في رواية أبي الأحوص قرصة بفتح القاف ووجه المنذري فقال يعني شيئا يسيرا مثل القرصة بطرف الإصبعين انتهى ووهم من عزا هذه الرواية للبخاري وقال بن قتيبة هي قرضة بفتح القاف وبالضاد المعجمه وقوله من مسك بفتح الميم والمراد قطعة جلد وهي رواية من قاله بكسر الميم واحتج بأنهم كانوا في ضيق يمتنع معه أن يمتهنوا المسك مع غلاء العجلي وتبعه بن بطال وفي المشارق أن أكثر الروايات بفتح الميم ورجح النووي الكسر وقال إن الرواية الأخرى وهي قوله فرصة ممسكة أخذت عليه وفيه نظر لأن الخطابي قال يحتمل أن يكون المراد بقوله ممسكة أي مأخوذة باليد يقال أمسكته ومسكته لكن يبقى الكلام الظاهر الركة لأنه يصير هكذا خذي قطعة مأخوذة وقال الكرماني صنيع البخاري يشعر بان الرواية عنده بفتح الميم حيث جعل للأمر بالطيب بابا مستقلا انتهى واقتصار البخاري في الترجمة على بعض ما دلت عليه لا يدل على نفي ما عداه ويقوى رواية الكسر وأن المراد التطيب ما في رواية عبد الرزاق حيث وقع عنده من ذريرة وما استبعده بن قتيبة من امتهان المسك ليس ببعيد لما عرف من شأن أهل الحجاز من كثرة استعمال الطيب وقد يكون المأمور به من يقدر عليه قال النووي والمقصود باستعمال الطيب
[ 354 ]
دفع الرائحة الكريهة على الصحيح وقيل لكونه أسرع إلى الحبل حكاه الماوردي قال فعلى الأول إن فقدت المسك استعملت ما يخلفه في طيب الريح وعلى الثاني ما يقوم في مقامه في إسراع العلوق وضعف النووي الثاني وقال لو كان صحيحا لاختصت به الممزوجة قال وإطلاق الأحاديث يرده والصواب إن ذلك مستحب لكل مغتسلة من حيض أو نفاس ويكره تركه للقادرة فإن لم تجد مسكا فطيبا فإن لم تجد فمزيلا كالطين وإلا فالماء كاف وقد سبق في الباب قبله أن الحادة تتبخر بالقسط فيجزيها قوله فتطهري قال في الرواية التي بعدها توضئي أي تنظفي قوله سبحان الله زاد في الرواية الآتية استحي وأعرض وللاسماعيلي فلما رأيته استحى علمتها وزاد الدارمي وهو يسمع فلا ينكر قوله اثر الدم قال النووي المراد به عند العلماء الفرج وقال المحاملي يستحب لها أن تطيب كل موضع أصابه الدم من بدنها قال ولم أره لغيره وظاهر الحديث حجة له قلت ويصرح به رواية الاسماعيلي تتبعي بها مواضع الدم وفي هذا الحديث من الفوائد التسبيح عند التعجب ومعناه هنا كيف يخفى هذا الظاهر الذي لا يحتاج في فهمه إلى فكر وفيه استحباب الكنايات فيما يتعلق بالعورات وفيه سؤال المرأة العالم عن أحوالها التي يحتشم منها ولهذا كانت عائشة تقول في نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين كما أخرجه مسلم في بعض طرق هذا الحديث وتقدم في العلم معلقا وفيه الاكتفاء بالتعريض والاشاره في الأمور المستهجنة وتكرير الجواب لإفهام السائل وإنما كرره مع كونها لم تفهمه أولا لأن الجواب به يؤخذ من إعراضه بوجهه عند قوله توضئي أي في المحل الذي يستحيي من مواجهة المرأة بالتصريح به فاكتفى بلسان الحال عن اختلفوا المقال وفهمت عائشة رضي الله عنها ذلك عنه فتولت تعليمها وبوب عليه المصنف في الاعتصام الأحكام التي تعرف بالدلائل وفيه تفسير كلام العالم بحضرته لمن خفي عليه إذا عرف أن ذلك يعجبه وفيه الأخذ عن المفضول بحضرة الفاضل وفيه صحة العرض على المحدث إذا اقره ولو لم يقل عقبه نعم وأنه لا يشترط في صحة التحمل فهم السامع لجميع ما يسمعه وفيه الرفق بالمتعلم وإقامة العذر لمن لا يفهم وفيه أن المرء مطلوب بستر عيوبه وإن كانت مما جبل عليها من جهة أمر المرأة بالتطيب لإزالة الرائحة الكريهة وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وعظيم حلمه وحياته زاده الله شرفا قوله باب غسل المحيض تقدم توجيهه في الترجمة التي قبله قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم ومنصور هو بن صفية المذكور في الإسناد قبله قوله وتوضئ ثلاثا يحتمل أن يتعلق قوله ثلاثا بتوضئ أي كرري الوضوء ثلاثا ويحتمل أن يتعلق يقال ويؤيده السياق المتقدم أي قال لها ذلك ثلاث مرات قوله أو قال كذا وقع بالشك في أكثر الروايات ووقع في رواية بن عساكر وقال بالواو العاطفة والأولى أظهر ومحل التردد في لفظ بها هل هو ثابت أم لا أو التردد واقع بينه وبين لفظ ثلاثا والله أعلم قوله باب امتشاط المرأة حدثنا إبراهيم هو بن سعد قوله انقضى رأسك أي حلى ضفره وامتشطى قيل ليس فيه دليل على الترجمة قاله الداودي ومن تبعه قالوا لأن أمرها بالامتشاط كان للإهلال وهي حائض لا عند غسلها والجواب أن الإهلال الحنفية يقتضي الاغتسال لأنه من سنة الإحرام وقد ورد الأمر بالاغتسال صريحا في هذه القصة فيما أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر ولفظه فاغتسلي ثم أهلي الحنفية فكأن البخاري جرى على عادته في الإشارة إلى ما تضمنه بعض طرق الحديث وأن لم
[ 355 ]
يكن منصوصا فيما ساقه ويحتمل أن يكون الداودي أراد بقوله لا عند غسلها أي من الحيض ولم يرد نفي الاغتسال مطلقا والحامل له على ذلك ما في الصحيحين أن عائشة إنما طهرت من حيضها يوم النحر فلم تغتسل يوم عرفة إلا للإحرام وأما ما وقع في مسلم من طريق مجاهد عن عائشة أنها حاضت بسرف وتطهرت بعرفة فهو أمرهم على غسل الإحرام جمعا بين الكلب وإذا ثبت أن غسلها إذ ذاك كان للإحرام استفيد معنى الترجمة من دليل الخطاب لأنه إذا جاز لها الامتشاط في غسل الإحرام وهو مندوب كان جوازه لغسل المحيض وهو واجب أولى قوله أمر عبد الرحمن يعني إن أبي بكر وليلة الحصبة بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين ثم الموحدة هي الليلة التي نزلوا فيها في المحصب وهو المكان الذي نزلوه بعد النفر من منى خارج مكة قوله التي نسكت كذا للأكثر مأخوذ من النسك وفي رواية أبي زيد المروزي سكت بحذف النون وتشديد آخره أي عنها والقابسي بمعجمه والتخفيف والضمير فيه راجع إلى عائشة على سبيل الالتفات وفي السياق التفات آخر بعد التفات وهو ظاهر للمتأمل قوله باب نفض المرأة شعرها عند غسل المحيض أي هل يجب أم لا وظاهر الحديث الوجوب وبه قال الحسن وطاوس في الحائض دون الجنب وبه قال أحمد ورجح جماعة من أصحابه أنه للاستحباب فيهما قال بن قدامة ولا أعلم أحدا قال بوجوبه فيهما إلا ما روى عند عبد الله بن عمرو قلت وهو في مسلم عنه وفيه إنكار عائشة عليه الأمر بذلك لكن ليس فيه تصريح بأنه كان يوجبه وقال النووي حكاه أصحابنا عن النخعي واستدل الجمهور على عدم الوجوب بحديث أم سلمة قالت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة قال لا رواه مسلم وفي رواية له للحيضه والجنابه وحملوا الأمر في حديث الباب على الاستحباب جمعا بين الكلب أو يجمع بالتفصيل بين من لا يصل الماء إليها إلا بالنقض فيلزم وإلا فلا قوله فليهلل في رواية الأصيلي فليهل بلام واحدة مشددة قوله لاحللت في رواية كريمة والحموي لأهللت بالهاء وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث والذي قبله في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله باب مخلقة وغير مخلقة رويناه بالاضافة أي باب تفسير قوله تعالى مخلقة وغير مخلقة وبالتنوين وتوجيهه ظاهر قوله حدثنا حماد هو بن زيد وعبيد الله بالتصغير بن أبي بكر بن أنس بن مالك قوله إن الله عز وجل وكل وقع في روايتنا بالتخفيف يقال وكله بكذا إذا والمذمة إياه وصرف أمره إليه وللأكثر بالتشديد وهو موافق لقوله تعالى ملك الموت الذي وكل بكم قوله يقول يا رب نطفة بالرفع والتنوين أي وقعت في الرحم نطفة وفي رواية القابسي بالنصب أي خلقت يا رب نطفة ونداء الملك بالأمور الثلاثة ليس في دفعة واحدة بل بين كل حاله وحالة مدة تبين من حديث بن مسعود الآتي في كتاب القدر أنها أربعون يوما وسيأتي الكلام هناك على بقية فوائد حديث أنس هذا والجمع بينه وبين ما ظاهره التعارض من حديث بن مسعود المذكور ومناسبة الحديث للترجمة من جهة أن المذكور مفسر للآية وأوضح منه سياقا ما رواه الطبري من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن بن مسعود قال إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكا فقال يا رب مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دما وأن قال مخلقة قال يا رب فما صفة هذه النطفة فذكر الحديث وإسناده صحيح وهو موقوف لفظا مرفوع حكما وحكى الطبري لأهل
[ 356 ]
التفسير في ذلك أقوالا وقال الصواب قول من قال المخلقة المصورة خلقا تاما وغير المخلقة السقط قبل تمام خلقه وهو قول مجاهد والشعبي وغيرهما وقال بن بطال غرض البخاري بإدخال هذا الحديث في أبواب الحيض تقوية مذهب من يقول إن الحامل لا تحيض وهو قول الكوفيين وأحمد وأبي ثور وابن المنذر وطائفة واليه ذهب الشافعي في القديم وقال في الجديد أنها تحيض وبه قال إسحاق وعن مالك روايتان قلت وفي الاستدلال بالحديث المذكور على أنها لا تحيض نظر لأنه لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السقط الذي لم يصور إن لا يكون الدم الذي تراه المرأة التي يستمر حملها ليس بحيض وما ادعاه المخالف من أنه رشح من الولد أو من فضلة غذائه أو دم فساد لعلة فمحتاج إلى دليل وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت لأن هذا دم بصفات دم الحيض وفي زمن إمكانه فله حكم دم الحيض فمن ادعى خلافه فعليه البيان وأقوى حججهم إن استبراء الأمة اعتبر بالمحيض لتحقق براءة الرحم من الحمل فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءه بالحيض واستدل بن المنير على أنه ليس بدم حيض بان الملك موكل برحم الحامل والملائكة لا الخطبة بيتا فيه قذر ولا يلائمها ذلك وأجيب بأنه لا يلزم من كون الملك موكلا به أن يكون حالا فيه ثم هو مشترك الإلزام لأن الدم كله قذر والله أعلم قوله باب كيف تهل الحائض الحنفية والعمرة مراده بيان صحة إهلال الحائض ومعنى كيف في الترجمة الإعلام بالحال بصورة الاستفهام لا الكيفية التي يراد بعدها الصفة وبهذا التقدير يندفع اعتراض من زعم أن الحديث غير مناسب للترجمة إذ ليس فيها ذكر صفة الإهلال قوله من أهل بحج في رواية المستملي بحجة في الموضعين وكذا للحموي في الموضع الثاني قوله قالت فحضت أي بسرف قبل دخول مكة قوله حتى قضيت حجتي في رواية كريمة وأبي الوقت حجي والكلام على فوائد الحديث يأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله باب إقبال المحيض وأدباره اتفق العلماء على أن إقبال المحيض يعرف بالدفعة من الدم في وقت إمكان الحيض واختلفوا في أدباره فقيل يعرف بالجفوف وهو أن يخرج ما يحتشى به جافا وقيل بالقصة البيضاء واليه ميل المصنف كما سنوضحه قوله وكن هو بصيغة جمع المؤنث ونساء بالرفع وهو بدل من الضمير نحو أكلوني البراغيث والتنكير في نساء للتنويع أي كان ذلك من نوع من النساء لا من كلهن وهذا الأثر قد رواه مالك في الموطأ عن علقمة بن أبي علقمة المدني عن أمه واسمها مرجانة مولاة عائشة قالت كان النساء قوله بالدرجة بكسر أوله وفتح الراء والجيم جمع درج بالضم ثم السكون قال بن بطال كذا يرويه أصحاب الحديث وضبطه بن عبد البر في الموطأ بالضم ثم بالسكون وقال أنه تأنيث درج والمراد به ما تحتشى به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض من شئ أم لا قوله الكرسف بضم الكاف والسين المهملة بينهما راء ساكنه هو القطن قوله فيه الصفرة زاد مالك من دم الحيضة قوله فتقول أي عائشة والقصة بفتح القاف وتشديد المهملة هي النورة أي حتى تخرج القطنة بيضاء نقية لا يخالطها صفرة وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وأما في غيرها فسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد إن شاء الله تعالى وفيه إن القصة البيضاء علامة لانتهاء الحيض ويتبين بها ابتداء الطهر واعترض على من ذهب إلى أنه يعرف بالجفوف بأن القطنة قد تخرج جافة في أثناء الأمر فلا يدل ذلك على انقطاع الحيض بخلاف القصة وهي ماء أبيض
[ 357 ]
يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض قال مالك سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن يعرفنه عند الطهر قوله وبلغ ابنة زيد بن ثابت كذا وقعت مبهمة هنا وكذا في الموطأ حيث روى هذا الأثر عن عبد الله بن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمته عنها وقد ذكروا لزيد بن ثابت من البنات حسنة وعمرة وأم كلثوم وغيرهن ولم أر لواحدة منهن رواية إلا لام كلثوم وكانت زوج سالم بن عبد الله بن عمر فكأنها هي المبهمة هنا وزعم بعض الشراح أنها أم سعد قال لأن بن عبد البر ذكرها في الصحابة انتهى وليس في ذكره لها دليل على المدعى لأنه لم يقل أنها صاحبة هذه القصة بل لم يأت لها ذكر عنده ولا عند غيره إلا من طريق بن عنبسة بن عبد الرحمن وقد كذبوه وكان مع ذلك يضطرب فيها فتارة يقول بنت زيد بن ثابت وتارة يقول امرأة زيد ولم يذكر أحد من أهل المعرفة بالنسب في أولاد زيد من يقال لها أم سعد وأما عمة عبد الله بن أبي بكر فقال بن الحذاء هي عمرة بنت حزم عمة جد عبد الله بن أبي بكر وقيل لها عمته مجازا قلت لكنها صحابية قديمة روى عنها جابر بن عبد الله الصحابي ففي روايتها عن بنت زيد بن ثابت بعد فإن كانت ثابتة فرواية عبد الله عنها منقطعة لأنه لم يدركها ويحتمل أن تكون المرادة عمته الحقيقية وهي أم عمرو أو أم كلثوم والله أعلم قوله يدعون أي يطلبن وفي رواية الكشميهني يدعين وقد تقدم مثلها في باب تقضي الحائض المناسك كلها وقال صاحب القاموس دعيت لغة في دعوت ولم ينبه على ذلك صاحب المشارق ولا المطالع قوله الى الطهر أي إلى ما يدل على الطهر واللام في قولها ما كان النساء للعهد أي نساء الصحابة وإنما عابت عليهن لأن ذلك يقتضي الحرج والتنطع وهو مذموم قاله بن بطال وغيره وقيل لكون ذلك كان في غير وقت الصلاة وهو جوف الليل وفيه نظر لأن وقت العشاء ويحتمل أن يكون عقب لكون الليل لا يتبين به البياض الخالص من غيره فيحسبن إنهن طهرن وليس كذلك فيصلين قبل الطهر وحديث فاطمة بنت أبي حبيش تقدم في باب الاستحاضة وسفيان في هذا الإسناد هو بن عيينة لأن عبد الله بن محمد وهو المسندي لم يسمع من الثوري قوله باب لا تقضي الحائض الصلاة نقل بن المنذر وغيره إجماع أهل العلم على ذلك وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري عنه فقال اجتمع الناس عليه وحكى بن عبد البر عن طائفة من الخوارج إنهم كانوا يوجبونه وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة ولكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره قوله وقال جابر بن عبد الله وأبو سعيد هذا التعليق عن هذين الصحابيين ذكره المؤلف بالمعنى فأما حديث جابر فأشار به إلى ما أخرجه في كتاب الأحكام من طريق حبيب عن عطاء عن جابر في قصة حيض عائشة في الحج وفيه غير أنها لا تطوف ولا تصلي ولمسلم نحوه من طريق أبي الزبير عن جابر وأما حديث أبي سعيد فأشار به إلى حديثه المتقدم في باب ترك الحائض الصوم وفيه أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم فإن قيل الترجمة لعدم القضاء وهذان الحديثان لعدم الإيقاع فما وجه المطابقة أجاب الكرماني بان الترك في قوله تدع الصلاة مطلق أداء وقضاء انتهى وهو غير متجه لأن منعها إنما هو في زمن الحيض فقط وقد وضح ذلك من سياق الحديثين والذي يظهر لي أن المصنف أراد أن يستدل على الترك أولا بالتعليق المذكور وعلى عدم القضاء بحديث عائشة فجعل المعلق كالمقدمة للحديث الموصول الذي هو مطابق للترجمة والله أعلم قوله حدثتني معاذة هي بنت عبد الله
[ 358 ]
العدوية وهي معدودة في فقهاء التابعين ورجال الإسناد المذكور إليها بصريون قوله إن امرأة قالت لعائشة كذا ابهمها همام وبين شعبة في روايته عن قتادة أنها هي معاذة الراوية أخرجه الاسماعيلي من طريقه وكذا لمسلم من طريق عاصم وغيره عن معاذة قوله أتجزى بفتح أوله أي اتقضى وصلاتها بالنصب على المفعوليه ويروى أتجزئ بضم أوله والهمز أي أتكفى المرأة الصلاة الحاضرة وهي طاهرة ولا تحتاج إلى قضاء الفائتة في زمن الحيض فصلاتها على هذا بالرفع على الفاعلية والأولى اشهر قوله أحرورية الحروري منسوب إلى حر وراء بفتح الحاء وضم الراء المهملتين وبعد الواو الساكنة راء أيضا بلدة على ميلين من الكوفة والأشهر أنها بالمد قال المبرد النسبة إليها حروراوي وكذا كل ما في آخره ألف تأنيث ممدودة ولكن قيل الحروري بحذف الزوائد ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها وهم فرق كثيرة لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار وزاد مسلم في رواية عاصم عن معاذه فقلت لا ولكني أسأل أي سؤالا مجردا لطلب العلم لا للتعنت وفهمت عائشة عنها طلب الدليل فاقتصرت في الجواب عليه دون التعليل والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف الصيام ولمن يقول بان الحائض مخاطبة بالصيام أن يفرق بأنها لم تخاطب بالصلاة أصلا وقال بن دقيق العيد اكتفاء عائشة في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونها لم تؤمر به يحتمل وجهين أحدهما أنها أخذت إسقاط القضاء من إسقاط الأداء فيتمسك به حتى يوجد المعارض وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم ثانيهما قال وهو أقرب أن الحاجة داعيه إلى بيان هذا الحكم لتكرر الحيض منهن عنده صلى الله عليه وسلم وحيث لم يبين دل على عدم الوجوب لا سيما وقد اقترن بذلك الأمر بقضاء الصوم كما في رواية عاصم عن معاذة عند مسلم قوله فلا يأمرنا به أو قالت فلا نفعله كذا في هذه الرواية بالشك وعند الاسماعيلي من وجه آخر فلم نكن نقضي ولم نؤمر به والاستدلال بقولها فلم نكن نقضي أوضح من الاستدلال بقولها فلم نؤمر به لأن عدم الأمر بالقضاء هنا قد ينازع في الاستدلال به على عدم الوجوب لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام على وجوب القضاء والله أعلم قوله باب النوم مع الحائض زاد في رواية الصغاني وهي في ثيابها تقدم الكلام على ذلك في باب من سمي النفاس حيضا ويحيى المذكور هو بن أبي كثير قوله قالت وحدثني هو مقول زينب بنت أم سلمة وفاعل حدثتني أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الصيام قوله وكنت معطوف على جملة الحديث الذي قبله وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وقد تقدم الكلام على فوائده في كتاب الغسل قوله باب من أتخذ ثياب الحيض وفي رواية الكشميهني من أعد بالعين والدال المهملتين وهشام المذكور هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير والكلام على الحديث قد تقدم في باب من سمي النفاس حيضا قوله باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن وفي رواية بن عساكر واعتزالهن المصلى والجمع بالنظر إلى أن الحائض اسم جنس أو فيه حذف والتقدير ويعتزلن الحيض كما سيذكر بعد قوله حدثنا محمد
[ 359 ]
كذا للأكثر غير منسوب ولأبي ذر محمد بن سلام ولكريمة محمد هو بن سلام قوله حدثنا عبد الوهاب هو الثقفي قوله عواتقنا العواتق جمع عائق وهي من بلغت الحلم أو قاربت أو استحقت التزويج أو هي الكريمة على أهلها أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة وكأنهم كانوا يمنعون العواتق من الخروج لما حدث بعد العصر الأول من الفساد ولم تلاحظ الصحابة ذلك بل رأت استمرار الحكم على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قوله فقدمت امرأة لم اقف على تسميتها وقصر بني خلف كان بالبصرة وهو منسوب إلى طلحة بن عبد الله بن خلف الهدي المعروف بطلحة الطلحات وقد ولي أمره سجستان قوله فحدثت عن أختها قيل هي أم عطية وقيل غيرها وعليه مشى الكرماني وعلى تقدير أن تكون أم عطيه فلم نقف على تسمية زوجها أيضا قوله ثنتي عشرة زاد الأصيلي غزوة قوله وكانت أختي فيه حذف تقديره قالت المرأة وكانت أختي قوله قالت أي الأخت والكلمي بفتح الكاف وسكون اللام جمع كليم أي جريح قوله من جلبابها قيل المراد به الجنس أي تعيرها من ثيابها ما لا تحتاج إليه وقيل المراد تشركها معها في لبس الثوب الذي عليها وهذا ينبني على تفسير الجلباب وهو بكسر الجيم وسكون اللام وبموحدتين بينهما ألف قيل هو المقنعة أو الخمار أو اعرض منه وقيل الثوب الواسع يكون دون الرداء وقيل الإزار وقيل الملحفة وقيل الملاءة وقيل القميص قوله ودعوة المسلمين في رواية الكشميهني المؤمنين وهي موافقة لرواية أم عطيه قوله وكانت أي أم عطيه لا تذكره أي النبي صلى الله عليه وسلم الا قالت بابي أي هو مفدى معبد وفي رواية عبدوس بيبي بباء تحتانيه بدل الهمزة في الموضعين وللأصيلي بفتح الموحدة الثانية مع قلب الهمزة ياء كعبدوس لكن فتح ما بعدها كأنه جعله لكثرة الاستعمال واحدا ونقل عن الأصيلي أيضا كالأصل لكن فتح الثانية أيضا وقد ذكر بن مالك هذه الاربعة في شواهد التوضيح وقال بن الأثير قوله بأبأ أصله معبد هو يقال بأبأت الصبي إذا قلت له أفديك معبد فقلبوا الياء ألفا كما في ويلتا قوله وذوات الخدور بضم الخاء المعجمه والدال المهملة جمع خدر بكسرها وسكون الدال وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه وللأصيلي وكريمة العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدور على الشك وبين العاتق والبكر عموم وخصوص وجهي قوله ويعتزل الحيض المصلى بضم اللام هو خبر بمعنى الأمر وفي رواية ويعتزلن الحيض المصلي وهو نحو أكلوني البراغيث وحمل الجمهور الأمر المذكور على الندب لأن المصلي ليس بمسجد فيمتنع الحيض من دخوله وأغرب الكرماني فقال الاعتزال واجب والخروج والشهود مندوب مع كونه نقل عن النووي تصويب عدم وجوبه وقال بن المنير الحكمة في اعتزالهن أن في وقوفهن وهن لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال فاستحب لهن اجتناب ذلك قوله فقلت الحيض بهمزة ممدودة كأنها تتعجب من ذلك فقالت أي أم عطيه أليس تشهد أي الحيض وللكشميهني أليست وللأصيلي أليس يشهدن قوله وكذا وكذا أي ومزدلفة ومنى وغيرهما وفيه إن الحائض لا تهجر ذكر الله ولا مواطن الخير كمجالس العلم والذكر سوى المساجد وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب وغير ذلك مما سيأتي استيفاؤه في كتاب العيدين إن شاء الله قوله باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض بفتح الياء جمع حيضة قوله وما يصدق بضم أوله وتشديد الدال المفتوحة قوله فيما يمكن من الحيض أي
[ 360 ]
فإذا لم يمكن لم تصدق قوله لقول الله تعالى يشير إلى تفسير الآية المذكورة وقد روى الطبري بإسناد صحيح عن الزهري قال بلغنا أن المراد بما خلق الله في أرحامهن الحمل أو الحيض فلا يحل أن يكتمهن ذلك لتنقضي العده ولا يملك الزوج الرجعة إذا كانت له وروى أيضا بإسناد حسن عن بن عمر قال لا يحل لها أن كانت حائضا أن تكتم حيضها ولا إن كانت حاملا أن تكتم حملها وعن مجاهد لا تقول إني حائض وليست بحائض ولا لست بحائض وهي حائض وكذا في الحبل ومطابقة الترجمة للايه من جهة أن الآية داله على أنها يجب عليها الإظهار فلو لم تصدق فيه لم يكن له فائدة قوله ويذكر عن علي وصله الدارمي كما سيأتي ورجاله ثقات وإنما لم يجزم به للتردد في سماع الشعبي من علي ولم يقل أنه سمعه من شريح فيكون موصولا قوله إن جاءت في رواية كريمة إن امرأة جاءت بكسر النون قوله ببينة من بطانة أهلها أي خواصها قال إسماعيل القاضي ليس المراد أن يشهد النساء أن ذلك وقع وإنما هو فيما نرى أن يشهدن أن هذا يكون وقد كان في نسائهن قلت وسياق القصة يدفع هذا التأويل قال الدارمي أخبرنا يعلى بن عبيد حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر هو الشعبي قال جاءت امرأة إلى على تخاصم زوجها طلقها فقالت حضت في شهر ثلاث حيض فقال على لشريح اقض بينهما قال يا أمير المؤمنين وأنت ههنا قال اقض بينهما قال إن جاءت من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته تزعم أنها حاضت ثلاث حيض تطهر عند كل قرء وتصلي جاز لها وإلا فلا قال على قالون قال وقالون بلسان الروم أحسنت فهذا الظاهر في أن المراد أن يشهدن بان ذلك وقع منها وإنما أراد إسماعيل رد هذه القصة إلى موافقة مذهبه وكذا قال عطاء أنه يعتبر في ذلك عادتها قبل الطلاق واليه الإشارة بقوله أقرؤها وهو بالمد جمع قرء أي في زمان العدة ما كانت أي قبل الطلاق فلو ادعت في العدة ما يخالف ما قبلها لم يقبل وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قوله وبه قال إبراهيم يعني النخعي أي قال بما قال عطاء ووصله عبد الرزاق أيضا عن أبي معشر عن إبراهيم نحوه وروى الدارمي أيضا بإسناد صحيح إلى إبراهيم قال إذا حاضت المرأة في شهر أو أربعين ليلة ثلاث حيض فذكر نحو أثر شريح وعلى هذا فيحتمل أن يكون الضمير في قول البخاري وبه يعود على أثر شريح أو في النسخة تقديم وتأخير أو لإبراهيم في المسألة قولان قوله وقال عطاء الخ وصله الدارمي أيضا بإسناد صحيح قال أقصى الحيض خمس عشرة وأدنى الحيض يوم ورواه الدارقطني بلفظ أدنى وقت الحيض يوم وأكثر الحيض خمس عشرة قوله وقال معتمر يعني بن سليمان التيمي وهذا الأثر وصله الدارمي أيضا عن محمد بن عيسى عن معتمر قوله حدثنا أحمد بن أبي رجاء هو أحمد بن عبد الله بن أيوب الهروي يكنى أبا الوليد وهو حنفي النسب لا المذهب وقصة فاطمة بنت أبي حبيش تقدمت في باب الاستحاضة ومناسبة الحديث للترجمة من قوله قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها فوكل ذلك إلى أمانتها ورده إلى عادتها وذلك يختلف باختلاف الأشخاص واختلف العلماء في أقل الحيض وأقل الطهر ونقل الداودي إنهم اتفقوا على أن أكثره خمسة عشر يوما وقال أبو حنيفة لا يجتمع أقل الطهر وأقل الحيض معا فأقل ما تنقضي به العدة عنده ستون يوما وقال صاحباه تنقضي في تسعة وثلاثين يوما بناء على أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأن أقل الطهر خمسة عشر يوما وأن المراد بالقرء الحيض وهو قول الثوري وقال الشافعي القرء
[ 361 ]
الطهر وأقله خمسة عشر يوما وأقل الحيض يوم وليلة فتنقضي عنده في اثنين وثلاثين يوما ولحظتين وهو موافق لقصة على وشريح المتقدمة إذا حمل ذكر الشهر فيها على إلغاء الكسر ويدل عليه رواية هشيم عن إسماعيل فيها بلفظ حاضت في شهر أو خمسة وثلاثين يوما قوله باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم في قولها حتى ترين القصة البيضاء وبين حديث أم عطية المذكور في هذا الباب بان ذلك أمرهم على ما إذا رأت الصفرة أو الكدرة في أيام الحيض وأما في غيرها فعلى ما قالته أم عطيه قوله أيوب عن محمد هو بن سيرين وكذا رواه إسماعيل وهو بن علية عن أيوب ورواه وهيب بن خالد عن أيوب عن حفصة بنت سيرين عن أم عطيه أخرجه بن ماجة ونقل عن الذهلي أنه رجح رواية وهيب وما ذهب إليه البخاري من تصحيح رواية إسماعيل أرجح لموافقة معمر له ولان إسماعيل أحفظ لحديث أيوب من غيره ويمكن أن أيوب سمعه منهما قوله كنا لا نعد أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بذلك وبهذا يعطي الحديث حكم الرفع وهو مصير من البخاري إلى أن مثل هذه الصيغة تعد في المرفوع ولو لم يصرح الصحابي بذكر زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا جزم الحاكم وغيره خلافا للخطيب قوله الكدرة والصفرة أي الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار قوله شيئا أي من الحيض ولأبي داود من طريق قتادة عن حفصة عن أم عطيه كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا وهو موافق لما ترجم به البخاري والله أعلم قوله باب عرق الاستحاضة بكسر العين وإسكان الراء وقد تقدم بيانه في باب الاستحاضة قوله وعن عمرة يعني كلاهما عن عائشة كذا للأكثر وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر بحذف الواو فصار من رواية عروة عن عمرة وكذا ذكر الاسماعيلي أن أحمد بن الحسن الصوفي حدثهم به عن خلف بن سالم عن معن والمحفوظ إثبات الواو وأن الزهري رواه عن شيخين عروة وعمرة كلاهما عن عائشة وكذا أخرجه الاسماعيلي وغيره من طرق عن بن أبي ذئب وكذا أخرجه مسلم من طريق عمرو بن الحارث وأبو داود من طريق الأوزاعي كلاهما عن الزهري عنهما وأخرجه مسلم أيضا من طريق الليث عن الزهري عن عروة وحده ومسلم أيضا من طريق إبراهيم بن سعد وأبو داود من طريق يونس كلاهما عن الزهري عن عمره وحدها قال الدارقطني هو صحيح من رواية الزهري عن عروة وعمره جميعا قوله إن أم حبيبة هي بنت جحش أخت زينب أم المؤمنين وهي مشهورة بكنيتها وقد قيل اسمها حبيبة وكنيتها أم حبيب بغير هاء قاله الواقدي وتبعه الحربي ورجحه الدارقطني والمشهور في الروايات الصحيحة أم حبيبه بإثبات الهاء وكانت زوج عبد الرحمن بن عوف كما ثبت عند مسلم من رواية عمرو بن الحارث ووقع في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة إن زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف كانت تستحاض الحديث فقيل هو وهم وقيل بل صواب وأن اسمها زينب وكنيتها أم حبيبه وأما كون اسم أختها أم المؤمنين زينب فإنه لم يكن اسمها الأصلي وإنما كان اسمها برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم وفي أسباب النزول للواحدي أن تغيير اسمها كان بعد أن تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فلعله صلى الله عليه وسلم سماها باسم أختها لكون أختها غلبت عليها الكنيه فأمن اللبس ولهما أخت أخرى اسمها حمنة بفتح المهملة وسكون الميم بعدها نون وهي إحدى
[ 362 ]
المستحاضات كما تقدم وتعسف بعض المالكية فزعم إن اسم كل من بنات جحش زينب قال فأما أم المؤمنين فاشتهرت باسمها وأما أم حبيبه فاشتهرت بكنيتها وأما حمنة فاشتهرت بلقبها ولم يأت بدليل على دعواه بان حمنة لقب ولم ينفرد الموطأ بتسمية أم حبيبة زينب فقد روى أبو داود الطيالسي في مسنده عن بن أبي ذئب حديث الباب فقال إن زينب بنت جحش وقد تقدم توجيهه قوله استحيضت سبع سنين قيل في حجة لابن القاسم في إسقاطه عن المستحاضة قضاء الصلاة إذا تركتها ظانة أن ذلك حيض لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بالإعادة مع المريض المدة ويحتمل أن يكون المراد بقولها سبع سنين بيان مدة استحاضتها مع قطع النظر هل كانت المدة كلها قبل السؤال أولا فلا يكون فيه حجة لما ذكر قوله فأمرها أن تغتسل زاد الاسماعيلي وتصلي ولسلم نحوه وهذا الأمر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار فلعلها فهمت طلب ذلك منها بقرينة فلهذا كانت تغتسل لكل صلاة وقال الشافعي إنما أمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعا وكذا قال الليث بن سعد في روايته عند مسلم لم يذكر بن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة ولكنه شئ فعلته هي وإلى هذا ذهب الجمهور قالوا لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة إلا المتحيرة لكن يجب عليها الوضوء ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق عكرمة أن أم حبيبة استحيضت فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي فإذا رأت شيئا من ذلك توضأت وصلت واستدل المهلبي بقوله لها هذا عرق على أنه لم يوجب الغسل لكل صلاة لأن دم العرق لا يوجب غسلا وأما ما وقع عند أبي داود من رواية سليمان بن كثير وابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث فأمرها بالغسل لكل صلاة تقطعا كعن الحافظ في هذه الزيادة لأن الإثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها وقد صرح الليث كما تقدم عند مسلم بان الزهري لم يذكرها لكن روى أبو داود من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أبي سلمة في هذه القصة فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة فيحمل الأمر على الندب جمعا بين الكلب وهذه رواية عكرمة وقد حمله الخطابي على أنها كانت متحيرة وفيه نظر لما تقدم من رواية عكرمة أنه أمرها أن تنتظر أيام إقرائها ولمسلم من طريق عراك بن مالك عن عروة في هذه القصة فقال لها امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ولأبي داود وغيره من طريق الأوزاعي وابن عيينة عن الزهري في حديث الباب نحوه لكن استنكر أبو داود هذه الزيادة في حديث الزهري وأجاب بعض من زعم أنها كانت غير مميزه بأن قوله فأمرها أن تغتسل لكل صلاة أي من الدم الذي أصابها لأنه من إزالة النجاسة وهي شرط في صحة الصلاة وقال الطحاوي حديث أم حبيبة منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أي لأن الأمر بالوضوء لكل صلاة لا الغسل والجمع بين الحديثين بحمل الأمر في حديث أم حبيبه على الندب أولى والله أعلم قوله باب المرأة تحيض بعد الإفاضة أي هل تمنع من طواف الوداع أم لا قوله عن عمرة بنت عبد الرحمن هي المذكورة في الإسناد الذي قبله وهذا الإسناد سوى شيخ البخاري مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم من بين مالك وعائشة قوله إن صفية أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم قوله قالوا بلى أي النساء ومن معهن من المحارم قوله فاخرجي كذا للأكثر بالإفراد خطابا لصفية من باب العدول عن الغيبة وهي
[ 363 ]
قوله ألم تكن طافت إلى الخطاب أو هو خطاب لعائشة أي فاخرجي فهي تخرج معك وللمستملي والكشميهني فاخرجن وهو على وفق السياق وسيأتي الكلام على هذا الحديث والذي بعده في كتاب الحج إن شاء الله تعالى وقوله فيه وكان بن عمر هو مقول طاوس لا بن عباس وكذا قوله ثم سمعته يقول وكان بن عمر يفتي بأنه يجب عليها أن تتأخر إلى أن تطهر من أجل طواف الوداع ثم بلغته الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم لهن في تركه فصار إليه أو كان نسي ذلك فتذكره وفيه دليل على أن الحائض لا تطوف قوله باب إذا رأت المستحاضة الطهر أي تميز لها دم العرق من دم الحيض فسمى زمن الاستحاضة طهرا لأنه كذلك بالنسبة إلى زمن الحيض ويحتمل أن يريد به انقطاع الدم والأول أوفق للسياق قوله قال بن عباس تغتسل وتصلي ولو ساعة قال الداودي معناه إذا رأت الطهر ساعة ثم عاودها دم فإنها تغتسل وتصلي والتعليق المذكور وصله بن أبي شيبة والدارمي من طريق أنس بن سيرين عن بن عباس أنه سأله عن المستحاضة فقال أما ما رأت الدم البحراني فلا تصلي وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي وهذا موافق للاحتمال المذكور أولا لأن الدم البحراني هو دم الحيض قوله ويأتيها زوجها هذا أثر آخر عن بن عباس أيضا وصله عبد الرزاق وغيره من طريق عكرمة عنه قال المستحاضة لا بأس أن يأتيها زوجها ولأبي داود من وجه آخر عن عكرمة فقال كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها وهو حديث صحيح إن كان عكرمة سمعه منها قوله إذا صلت شرط محذوف الجزاء أو جزاؤه مقدم وقوله الصلاة أعظم أي من الجماع والظاهر أن هذا بحث من البخاري أراد به بيان الملازمة أي إذا جازت الصلاة فجواز الوطء أولى لأن أمر الصلاة أعظم من أمر الجماع ولهذا عقبه بحديث عائشة المختصر من قصة فاطمة بنت أبي حبيش المصرح بأمر المستحاضة بالصلاة وقد تقدمت مباحثه في باب الاستحاضة وزهير المذكور هنا هو بن معاوية وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه تاما وأشار البخاري بما ذكر إلى الرد على من منع وطء المستحاضة وقد نقله بن المنذر عن إبراهيم النخعي والحكم والزهري وغيرهم وما استدل به على الجواز ظاهر فيه وذكر بعض الشراح إن قوله الصلاة أعظم من بقية كلام بن عباس وعزاه إلى تخريج بن أبي شيبة وليس هو فيه نعم روى عبد الرزاق والدارمي من طريق سالم الأفطس أنه سأل سعيد بن جبير عن المستحاضة أتجامع قال الصلاة أعظم من الجماع قوله باب الصلاة على النفساء وسنتها أي سنة الصلاة عليها قوله حدثنا أحمد بن أبي سريج تقدم أنه بالمهملة والجيم واسمه الصباح وقيل أن أحمد هو بن عمر بن أبي سريج فكأنه نسب إلى جده قوله إن امرأة هي أم كعب سماها مسلم في روايته من طريق عبد الوارث عن حسين المعلم وذكر أبو نعيم في الصحابة أنها انصارية قوله قوله ماتت في بطن أي بسبب بطن يعني الحمل وهو وكما قوله عذبت امرأة في هرة قال بن التيمي قيل وهم البخاري في هذه الترجمة فظن أن قوله ماتت في بطن ماتت في الولادة قال ومعنى ماتت في بطن ماتت مبطونة قلت بل الموهم له هو الواهم فإن عند المصنف في هذا الحديث من كتاب الجنائز ماتت في نفاسها وكذا لمسلم قوله فقام وسطها بفتح السين في روايتنا وكذا ضبطه بن التين وضبطه غيره بالسكون وللكشميهني فقام عند وسطها وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قال بن بطال يحتمل أن يكون البخاري
[ 364 ]
قصد بهذه الترجمة إن النفساء وأن كانت لا تصلي لها حكم غيرها من النساء أي في طهارة العين لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليها قال وفيه رد على من زعم أن بن آدم ينجس بالموت لأن النفساء جمعت الموت وحمل النجاسة بالدم اللازم لها فلما لم يضرها ذلك كان الميت الذي لا يسيل منه نجاسة أولى وتعقبه بن المنير بان هذا أجنبي عن مقصود البخاري قال وإنما قصد أنها ورد أنها من الشهداء فهي ممن يصلى عليها كغير الشهداء وتعقبه بن رشيد بأنه أيضا أجنبي عن أبواب الحيض قال وإنما أراد البخاري أن يستدل بلازم من لوازم الصلاة لأن الصلاة اقتضت إن المستقبل فيها ينبغي أن يكون محكوما بطهارته فلما صلى عليها أي إليها لزم من ذلك القول بطهارة عينها وحكم النفساء والحائض واحد قال ويدل على إن هذا مقصوده إدخال حديث ميمونة في الباب كما في رواية الأصيلي وغيره ووقع في رواية أبي ذر قبل حديث ميمونة باب غير مترجم وكذا في نسخة الأصيلي وعادته في مثل ذلك أنه بمعنى الفصل من الباب الذي قبله ومناسبته له إن عين الحائض والنفساء طاهرة لأن ثوبه صلى الله عليه وسلم كان يصيبها إذا سجد وهي حائض ولا يضره ذلك قوله حدثنا الحسن بن مدرك هو الطحان البصري أحد الحفاظ وهو من صغار شيوخ البخاري بل البخاري أقدم منه وقد شاركه في شيخه يحيى بن حماد المذكور هنا وكأن هذا الحديث فاته فاعتمد فيه على الحسن المذكور لأنه كان عارفا بحديث يحيى بن حماد قوله من كتابه إشارة إلى أن أبا عوانة حدث به من كتابه لا من حفظه وكان إذا حدث من كتابه أتقن مما أتقن مما إذا حدث من حفظه حتى قال عبد الرحمن بن مهدي كتاب أبي عوانة أثبت من حفظ هشيم قوله كانت تكون أي تحصل أو تستقر ويحتمل أن قوله تكون لا تصلي خبر لكانت وقوله حائضا حال نحو وجاءوا أباهم عشاء يبكون قاله الكرماني قوله بحذاء بكسر الحاء المهملة بعدها ذال معجمه ومدة أي بجنب مسجد والمراد بالمسجد مكان سجوده والخمرة بضم الخاء المعجمه وسكون الميم قال الطبري هو مصلي صغير يعمل من سعف النخل سميت بذلك لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها فإن كانت كبيره سميت حصيرا وكذا قال الأزهري في تهذيبه وصاحبه وأبو عبيد الهروي وجماعة بعدهم وزاد في النهاية ولا تكون خمره إلا في هذا المقدار قال وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها وقال الخطابي هي السجادة يسجد عليها المصلي ثم ذكر حديث بن عباس في الفأرة التي جرت الفتيلة حتى ألقتها على الخمرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا عليها الحديث قال ففي هذا تصريح بإطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه قال وسميت خمرة لأنها تغطي الوجه وستأتي الإشارة إلى حكم الصلاة عليها في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى خاتمة اشتمل كتاب الحيض من الأحاديث المرفوعة على سبعة وأربعين حديثا المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان قرة حديثا الموصول منها عشرة أحاديث والبقية تعليق ومتابعة والخالص خمسة قرة حديثا منها واحد معلق وهو حديث كان يذكر الله على كل أحيانه والبقية موصولة وقد وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة كانت إحدانا تحيض ثم تقترص الدم وحديثها في اعتكاف المستحاضة وحديثها ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد وحديث أم عطية كنا لا نعد الصفرة وحديث بن عمر رخص للحائض أن تنفر وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين خمسة عشر أثرا كلها معلقة والله أعلم
[ 365 ]
قوله باب التيمم البسملة قبله لكريمة وبعده لأبي ذر وقد تقدم توجيهه ذلك والتيمم في اللغة القصد قال امرؤ القيس تيممتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عالي أي قصدتها وفي الشرع القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة ونحوها وقال بن السكيت قوله فتيمموا صعيدا أي اقصدوا الصعيد ثم كثر استعمالهم حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب أه فعلى هذا هو مجاز لغوي وعلى الأول هو حقيقة شرعية واختلف في التيمم هو عزيمة أو رخصة وفعل بعضهم فقال هو لعدم الماء عزيمة وللعذر رخصة قوله قول الله في رواية الأصيلي وقول الله بزيادة واو والجمله استئنافيه قوله فلم تجدوا ماء كذا للأكثر وللنسفي وعبدوس والمستملي والحموي فإن لم تجدوا قال أبو ذر كذا في روايتنا والتلاوه فلم تجدوا قال صاحب المشارق هذا هو الصواب قلت ظهر لي إن البخاري أراد أن يبين إن المراد بالايه المبهمة في قول عائشة في حديث الباب فأنزل الله آية التيمم أنها آية المائدة وقد وقع التصريح في رواية حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة في قصتها المذكورة قال فانزل الله آية التيمم فإن لم تجدوا ماء فتيمموا الحديث فكان البخاري أشار إلى هذه الرواية المخصوصة واحتمل أن تكون قراءة شاذه لحماد بن سلمة أو غيره أو وهما منه وقد ظهر أنها عنت آية المائدة وأن آية النساء قد ترجم لها المصنف في التفسير وأورد حديث عائشة أيضا ولم يرد خصوص نزولها في قصتها بل اللفظ الذي على شرطه محتمل للأمرين والعمدة على رواية حماد بن سلمة في ذلك فإنها عينت ففيها زيادة على غيرها والله اعلم قوله وأيديكم إلى هنا في رواية أبي ذر زاد في رواية الشبوي وكريمة منه وهي تعين آية المائدة دون آية النساء وإلى ذلك نحا البخاري فأخرج حديث الباب في تفسير سورة المائدة وأيد ذلك برواية عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم في هذا الحديث ولفظه فنزلت يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة إلى قوله تشكرون قوله عن عبد الرحمن بن القاسم أي بن محمد بن أبي بكر الصديق ورجاله سوى شيخ البخاري مدنيون قوله في بعض أسفاره قال بن عبد البر في التمهيد يقال أنه كان في غزاة بني المصطلق وجزم بذلك في الاستذكار وسبقه إلى ذلك بن سعد وأن حبان وغزاة بني المصطلق هي غزوة المريسيع وفيها وقعت قصة الإفك لعائشه وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضا فإن كان ما جزموا به ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين لاختلاف القصتين كما هو مبين في سياقهما واستبعد بعض شيوخنا ذلك قال لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش وهما بين المدينة وخيبر كما جزم النووي قلت وما جزم به مخالف لما جزم به بن التين فإنه قال البيداء هي ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة قال وذات الجيش وراء ذي الحليفه وقال أبو عبيد البكري في معجمه البيداء أدنى إلى مكة من ذي الحليفة ثم ساق حديث عائشة هذا ثم ساق حديث بن عمر قال بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد الحديث قال والبيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق
[ 366 ]
مكة وقال أيضا ذات الجيش من المدينة على بريد قال وبينها وبين العقيق سبعة أميال والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر فاستقام ما قال بن التين ويؤيده ما رواه القدرة في مسنده عن سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث فقال فيه إن القلادة سقطت ليلة الأبواء أه والابواء بين مكة والمدينة وفي رواية على بن مسهر في هذا الحديث عن هشام قال وكان ذلك المكان يقال له الصلصل رواه جعفر الفريابي في كتاب الطهارة له وابن عبد البر من طريقه والصلصل بهملتين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة بين الصادين قال البكري هو جبل عند ذي الحليفة كذا ذكره في حرف الصاد المهملة ووهم مغلطاي في فهم كلامه فزعم أنه ضبطه بالضاد المعجمه وقلد في ذلك بعض الشراح وتصرف فيه فزاده وهما على وهم وعرف من تضافر هذه الروايات تصويب ما قاله بن التين واعتمد بعضهم في تعدد السفر على رواية للطبراني صريحة في ذلك كما سيأتي والله اعلم قوله عقد بكسر المهملة كل ما يعقد ويعلق في العنق ويسمى قلادة كما سيأتي وفي التفسير من رواية عمرو بن الحارث سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم ونزل وهذا مشعر بأن ذلك كان عند قربهم من المدينة قوله على التماسه أي لأجل طلبه وسيأتي إن المبعوث في طلبه أسيد بن حضير وغيره قوله وليسوا على ماء وليس معهم ماء كذا للأكثر في الموضعين وسقطت الجملة الثانية في الموضع الأول من رواية أبي ذر واستدل بذلك على جواز الاقامه في المكان الذي لاماء فيه وكذا سلوك الطريق التي لاماء فيها وفيه نظر لأن المدينة كانت قريبه منهم وهم على قصد دخولها ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يعلم بعدم الماء مع الركب وإن كان قد علم بان المكان لا ماء فيه ويحتمل أن يكون قوله ليس معهم ماء أي للوضوء وأما ما يحتاجون إليه للشرب فيحتمل أن يكون معهم والأول محتمل لجواز إرسال المطر أو نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كما وقع في مواطن أخرى وفيه اعتناء الإمام بحفظ حقوق المسلمين وأن قلت فقد نقل بن بطال أنه روى إن ثمن العقد المذكور كان أثنى عشر درهما ويلتحق بتحصيل الضائع الاقامه للحوق المنقطع ودفن الميت ونحو ذلك من مصالح الرعية وفيه إشارة إلى ترك إضاعة المال قوله فأتى الناس إلى أبي بكر فيه شكوى المرأة إلى أبيها وأن كان لها زوج وكأنهم إنما شكوا إلى أبي بكر لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان نائما وكانوا لا يوقظونه وفيه نسبة الفعل إلى من كان سببا فيه لقولهم صنعت وأقامت وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وأن كان زوجها عندها إذا علم رضاه بذلك ولم يكن بحالة مباشره قوله فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول في رواية عمرو بن الحارث فقال حبست الناس في قلادة أي بسببها وسيأتي من الطبراني إن من جملة ما عاتبها به قوله في كل مرة تكونين عناء والنكته في قول عائشة فعاتبني أبو بكر ولم تقل أبي لأن قضية الأبوه الحنو وما وقع من العتاب بالقول والتأديب بالفعل المغاير لذلك في الظاهر فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي فلم تقل أبي قوله يطعنني هو بضم العين وكذا في جميع ما هو حسي وأما المعنوي فيقال يطعن بالفتح هذا هو المشهور فيهما وحكى فيهما الفتح معا في المطالع وغيرها والضم فيهما حكاه صاحب الجامع وفيه تأديب الرجل ابنته ولو كانت مزوجة كبيره خارجة عن بيته ويلحق بذلك تأديب من له تأديبه ولو لم يأذن له الامام قوله فلا يمنعني من التحرك فيه استحباب الصبر لمن ناله
[ 367 ]
ما يوجب الحركة أو يحصل به تشويش النائم وكذا لمصل أو قارئ أو مشتغل بعلم أو ذكر قوله فقام حين مطرف كذا أورده هنا وأورده في فضل أبي بكر عن قتيبة عن مالك بلفظ فنام حتى مطرف وهي رواية مسلم ورواه الموطأ والمعنى فيهما متقارب لأن كلا منهما يدل على إن قيامه من نومه كان عند الصبح وقال بعضهم ليس المراد بقوله حتى مطرف بيان غاية النوم إلى الصباح بل بيان غاية فقد الماء إلى الصباح لأنه قيد قوله حتى مطرف بقوله على غير ماء أي آل أمره إلى أن مطرف على غير ماء وأما رواية عمرو بن الحارث فلفظها ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فإن أعربت الواو حالية كان دليلا على إن الاستيقاظ وقع حال وجود الصباح وهو الظاهر واستدل به على الرخصة في ترك التهجد في السفر إن ثبت أن التهجد كان واجبا عليه وعلى إن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت لقوله في رواية عمرو بن الحارث يعد قوله وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد وعلى أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آية الوضوء ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع قال بن عبد البر معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند قال وفي قوله في هذا الحديث آية التيمم إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء قال والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل وقال غيره يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديما فعملوا به الوضوء ثم نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة وإطلاق آية التيمم على هذا من تسمية الكل باسم البعض لكن رواية عمرو بن الحارث التي قدمنا إن المصنف أخرجها في التفسير أخذت على إن الآية نزلت جميعا في هذه القصة فالظاهر ما قاله بن عبد البر قوله فانزل الله آية التيمم قال بن العربي هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء لأنا لا نعلم ايي الآيتين عنت عائشة قال بن بطال هي آية النساء أو آية المائدة وقال القرطبي هي آية النساء ووجهه بان آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء فيتجه تخصيصها بآية التيمم وأورد الواحدي في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد لرواية عمرو بن الحارث إذ صرح فيها بقوله فنزلت يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية قوله فتيمموا يحتمل أن يكون خبرا عن فعل الصحابة أي فتيمم الناس بعد نزول الآية ويحتمل أن يكون حكاية لبعض الآية وهو الأمر في قوله فتيمموا صعيدا طيبا بيانا لقوله آية التيمم أو بدلا واستدل بالآية على وجوب النية في التيمم لأن معنى فتيمموا اقصدوا كما تقدم وهو قول فقهاء الأمصار إلا الأوزاعي وعلى أنه يجب نقل التراب ولا يكفي هبوب الريح به بخلاف الوضوء كما لو أصابه مطر فنوى الوضوء به فإنه يجزئ والأظهر الأجزاء لمن قصد التراب من الريح الهابة بخلاف من لم يقصد وهو اختيار الشيخ أبي حامد وعلى تعين الصعيد الطيب للتيمم لكن اختلف العلماء في المراد بالصعيد الطيب كما سيأتي في بابه قريبا وعلى أنه يجب التيمم لكل فريضة وسنذكر توجيهه وما يرد عليه بعد أربعة أبواب تنبيه لم يقع في شئ من طرق حديث عائشة هذا كيفية التيمم وقد روى عمار بن ياسر قصتها هذه فبين ذلك لكن اختلف الرواة على عمار في الكيفية كما سنذكره ونبين الأصح منه في باب التيمم للوجه والكفين قوله فقال اسيد هو
[ 368 ]
بالتصغير بن الحضير بمهملة ثم غدا مصغرا أيضا وهو من كبار الأنصار وسيأتي ذكره في المناقب وإنما قال ما قال دون غيره لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع قوله ما هي بأول بركتكم أي بل هي مسبوقة بغيرها من البركات والمراد بآل أبي بكر نفسه وأهله وأتباعه وفيه دليل على فضل عائشة وأبيها تكرار البركة منهما وفي رواية عمرو بن الحارث لقد بارك الله للناس فيكم وفي تفسير إسحاق البستي من طريق بن أبي مليكة عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ما كان أعظم بركة قلادتك وفي رواية هشام بن عروة الآتية في الباب الذي يليه فوالله ما نزل بك من أمر تكرهينه الا جعل الله للمسلمين فيه خيرا وفي النكاح من هذا الوجه الا جعل الله لك منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة وهذا يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك فيقوى قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الأخباري فقال سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع وفي غزوة بني المصطلق وقد اختلف أهل المغازي في أي هاتين الغزاتين كانت أولا وقال الداودي كانت قصة التيمم في غزاة الفتح ثم تردد في ذلك وقد روى بن أبي شيبة من حديث أبي هريرة قال لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع الحديث فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة وهي بعدها بلا خلاف وسيأتي في المغازي أن البخاري يرى إن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى وقدومه كان وقت إسلام أبي هريرة ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الإفك ما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه فقال لي أبو بكر يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس فانزل الله عز وجل الرخصة في التيمم فقال أبو بكر انك لمباركة ثلاثا وفي إسناده محمد بن حميد الرازي وفيه مقال وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب أبي بكر الذي أبهم في حديث الباب والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين والله اعلم قوله فبعثنا أي أثرنا البعير الذي كنت عليه أي حالة السفر قوله فأصبنا العقد تحته ظاهر في أن الذين توجهوا في طلبه أولا لم يجدوه وفي رواية عروة في الباب الذي يليه عروبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها أي القلادة وللمصنف في فضل عائشة من هذا الوجه وكذا لمسلم عروبة ناسا من أصحابه في طلبها ولأبي داود عروبة أسيد بن حضير وناسا معه وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدا كان رأس من بعث لذلك فلذلك سمي في بعض الروايات دون غيره وكذا أسند الفعل إلى واحد مبهم وهو المراد به وكأنهم لم يجدوا العقد أولا فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير فعلى هذا فقوله في رواية عروة الآتية فوجدها أي بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره وقال النووي يحتمل أن يكون فاعل وجدها النبي صلى الله عليه وسلم وقد بالغ الداودي في توهيم رواية عروة ونقل عن إسماعيل القاضي أنه حمل الوهم فيها على عبد الله بن نمير وقد بان ذكرنا من الجمع بين الكلب أن لا تخالف بينهما ولا وهم وفي الحديثين اختلاف آخر وهو قول عائشة انقطع عقد لي وقالت في رواية عمرو بن الحارث سقطت قلادة لي وفي رواية عروة الآتية عنها أنها استعارت قلادة من أسماء يعني أختها فهلكت أي ضاعت والجمع بينهما إن إضافة القلادة إلى
[ 369 ]
عائشة لكونها في يدها وتصرفها وإلى أسماء لكونها ملكها لتصريح عائشة في رواية عروة بأنها استعارتها منها وهذا كله بناء على اتحاد القصة وقد جنح البخاري في التفسير إلى تعددها حيث أورد حديث الباب في تفسير المائدة وحديث عروة في تفسير النساء فكان نزول آية المائدة بسبب عقد عائشة وآية النساء بسبب قلادة أسماء وما تقدم من اتحاد القصة أظهر والله أعلم فائدة وقع في رواية عمار عند أبي داود وغيره في هذه القصة إن العقد المذكور كان من جزع ظفار وكذا وقع في قصة الإفك كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى والجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرز يمني لاعلاء مدينة تقدم ذكرها في باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز السفر بالنساء اتخاذهن الحلي تجملا لأزواجهن وجواز السفر بالعارية وهو أمرهم على رضا المؤلف قوله حدثني سعيد بن النضر قال أخبرنا هشيم أما لم يجمع البخاري بين شيخيه في هذا الحديث مع كونهما حدثاه به عن هشيم لأنه سمعه منهما متفرقين وكأنه سمعه من محمد بن سنان مع غيره فلهذا جمع فقال حدثنا وسمعه من سعيد وحده فلهذا أفرد فقال حدثني وكأن محمدا سمعه من لفظ هشيم فلهذا قال حدثنا وكأن سعيدا قرأه أو سمعه يقرأ على هشيم فلهذا قال أخبرنا ومراعاة هذا كله في سبيل الاصطلاح ثم إن سياق المتن لفظ سعيد وقد ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحد فإن اللفظ يكون للأخير والله اعلم قوله أخبرنا سيار بمهملة بعدها تحتانية متشددة وآخره راء هو أبو الحكم العنزي الواسطي البصري واسم أبيه وردان على الأشهر ويكنى أبا سيار اتفقوا على توثيق سيار وأخرج له الأئمة الستة وغيرهم وقد أدرك بعض الصحابة لكن لم يلق أحدا منهم فهو من كبار أتباع التابعين ولهم شيخ آخر يقال له سيار لكنه تابعي شامي أخرج له الترمذي وذكره بن حبان في الثقات وإنما ذكرته لأنه روى معنى حديث الباب عن أبي أمامة ولم ينسب في الرواية كما لم ينسب سيار في حديث الباب فربما ظنهما بعض من لا تمييز له واحدا فيظن أن في الإسناد اختلافا وليس كذلك قوله حدثنا يزيد الفقير هو بن صهيب يكنى أبا عثمان تابعي مشهور قيل له الفقير لأنه كان يشكو فقار ظهره ولم يكن فقيرا من المال قال صاحب المحكم رجل فقير مكسور فقار الظهر ويقال له فقير بالتشديد أيضا فائدة مدار حديث جابر هذا على هشيم بهذا الإسناد ولو شواهد من حديث بن عباس وأبي موسى وأبي ذر من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رواها كلها أحمد بأسانيد حسان قوله أعطيت خمسا بين في رواية عمرو بن شعيب إن ذلك كان في غزوة تبوك وهي آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله لم يعطهن أحد قبلي زاد في الصلاة عن محمد بن سنان من الأنبياء وفي حديث بن عباس لا أقولهن فخرا ومفهومه أنه لم يختصر بغير الخمس المذكورة لكن روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا فضلت على الأنبياء بست فذكر أربعا من هذه الخمس وزاد اثنتين كما سيأتي بعد وطريق الجمع أن يقال لعله اطلع أولا على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الإشكال من أصله وظاهر الحديث يقتضي أن كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحد قبله وهو كذلك ولا يعترض بان نوحا عليه السلام كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان لأنه لم يبق من كان مؤمنا معه وقد كان مرسلا إليهم لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته وإنما اتفق بالحادث
[ 370 ]
الذي وقع وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة أنت أول رسول إلى أهل الأرض فليس المراد به عموم بعثته بل إثبات أولية إرساله وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم واستدل بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض فأهلكوا بالغرق الا أهل السفينة ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقد ثبت أنه أول الرسل وأجيب بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح بعدم نوح بأنهم لم منوا فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم فأجيب وهذا جواب حسن لكن لم ينقل أنه نبئ في زمن نوح غيره ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه أو بعد فينسخ بعض شريعته ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس فتمادوا على الشرك فاستحقوا العقاب وإلى هذا نحا بن عطية في تفسير سورة هود قال وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته ووجهه بن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون عاما في حق بعض الأنبياء وأن كان التزام فروع شريعته ليس عاما لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط وهي عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم وغفل الداودي الشارح غفلة عظيمة فقال قوله لم يعطهن أحد يعني لم تجمع لأحد قبله لأن نوحا بعث إلى كافة الناس وأما الأربع فلم يعط أحد واحدة منهن وكأنه نظر في أول الحديث وغفل عن آخره لأنه نص صلى الله عليه وسلم على خصوصيته بهذه أيضا لقوله وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وفي رواية مسلم وكان كل نبي الخ قوله نصرت بالرعب زاد أبو أمامة يقذف في قلوب أعدائي أخرجه أحمد قوله مسيرة شهر مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها أما ما دونها فلا لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر فالظاهر اختصاصه به مطلقا وإنما جعل الغاية شهرا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر وهل هي حاصلة لأمته من بعده فيه احتمال قوله وجعلت لي الأرض مسجدا أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبنى الولاء وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك قال بن التين قيل المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وجعلت لغيري مسجدا ولم تجعل طهورا لأن عيسى كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة كذا قال وسبقه إلى ذلك الداودي وقيل إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض الا فيما تيقنوا نجاسته والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ
[ 371 ]
وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم وهذا نص في موضع النزاع فثبت الخصوصية ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث بن عباس نحو حديث الباب وفيه ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه قوله وطهروا استدل به على إن الطهور هو المطهر لغيره لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية والحديث أنما سيق لإثباتها وقد روى بن المنذر وابن الجارود بإسناد صحيح عن أنس مرفوعا جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا ومعنى طيبة طاهرة فلو كان معنى طهورا طاهرا للزم تحصيل الحاصل واستدل به على أن التيمم يرفع الحديث كالماء لاشتراكهما في هذا الوصف وفيه نظر وعلى التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض وقد أكد في رواية أبي أمامة بقوله وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدا وطهورا وسيأتي البحث في ذلك قوله فأيما رجل أي مبتدأ فيه معنى الشرط وما زائدة للتأكيد وهذه صيغة عموم يدخل تحتها من لم يجد ماء ولا ترابا ووجد شيئا من أجزاء الأرض فإنه يتيمم به ولا يقال هو خاص بالصلاة لأنا نقول لفظ حديث جابر مختصر وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهورا ومسجدا وعند أحمد فعنده طهوره ومسجده وفي رواية عمرو بن شعيب فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت واحتج من خص التيمم بالتراب بحديث حذيفة عند مسلم بلفظ وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء وهذا خاص فينبغي أن يحمل العام عليه فتختص الطهورية بالتراب ودل الافتراق في اللفظ حيث حصل التأكيد في جعلها مسجدا دون الآخر على افتراق الحكم وإلا لعطف أحدهما على الآخر نسقا كما في حديث الباب ومنع بعضهم الاستدلال بلفظ التربة على خصوصية التيمم بالتراب بان قال تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره وأجيب بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ التراب أخرجه بن خزيمة وغيره وفي حديث على وجعل التراب لي طهورا أخرجه أحمد والبهيقي بإسناد حسن ويقوى القول بأنه خاص بالتراب إن الحديث سيق لإظهار التشريف والتخصيص فلو كان جائزا بغير التراب لما اقتصر عليه وقوله فليصل عرف مما تقدم أن المراد فليصل بعد أن يتيمم قوله وأحلت لي الغنائم وللكشميهني المغانم وهي رواية مسلم قال الخطابي كان من تقدم على ضربين منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته وقيل المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف يشاء والأول أصوب وهو إن من مضى لم تحل لهم الغنائم أصلا وسيأتي بسط ذلك في الجهاد قوله وأعطيت الشفاعة قال بن دقيق العيد الأقرب إن اللام فيها للعهد والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف ولا خلاف في وقوعها وكذا جزم النووي وغيره وقيل الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل وقيل الشفاعة لخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان لأن شفاعة غيره أنكر فيمن في قلبه أكثر من ذلك قاله عياض والذي يظهر لي أن هذه مرادة مع الأولى لأنه يتبعها بها كما سيأتي واضحا في حديث الشفاعة إن شاء الله تعالى في كتاب الرقاق وقال البيهقي في البعث يحتمل أن الشفاعة التي يختص بها أنه يشفع لأهل الصغائر والكبائر وغيره إنما يشفع لأهل الصغائر دون الكبائر ونقل عياض إن الشفاعة المختصة به شفاعة لا ترد وقد وقع في حديث بن عباس وأعطيت الشفاعة
[ 372 ]
فأخرتها لأمتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئا وفي حديث عمرو بن شعيب فهي لكم ولمن شهد أن لا آله الله فالظاهر إن المراد بالشفاعة المختصة في هذا الحديث إخراج من ليس له عمل صالح إلا التوحيد وهو مختص أيضا بالشفاعة الأولى لكن جاء التنويه بذكر هذه لأنها غاية المطلوب من تلك لاقتضائها الراحة المستمرة والله أعلم وقد ثبتت هذه الشفاعة في رواية الحسن عن أنس كما سيأتي في كتاب التوحيد ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ولا يعكر على ذلك ما وقع عند مسلم قبل قوله وعزتي فيقول ليس ذلك لك وعزتي الخ لأن المراد أنه لا يباشر الإخراج كما في المرات الماضية بل كانت شفاعته سببا في ذلك في الجملة والله اعلم وقد تقدم الكلام على قوله وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة في أوائل الباب وأما قوله وبعثت إلى الناس عامة فوقع في رواية مسلم وبعثت إلى كل أحمر وأسود فقيل المراد بالأحمر العجم وبالأسود العرب وقيل الأحمر الأنس والأسود الجن وعلى الأول التنصيص على الأنس من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه مرسل إلى الجميع وأصرح الروايات في ذلك أشملها رواية أبي هريرة عند مسلم وأرسلت إلى الخلق كافة تكميل أول حديث أبي هريرة هذا فضلت على الأنبياء بست فذكر الخمس المذكورة في حديث جابر الا الشفاعة وزاد الخصلتين وهما وأعطيت جوامع الكلم وختم بي النبيون فتحصل منه ومن حديث جابر سبع خصال ولمسلم أيضا من حديث حذيفة فضلنا على الناس بثلاث خصال جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وذكر خصلة الأرض ما تقدم قال وذكر خصلة أخرى وهذه الخصلة المبهمة بينها بن خزيمة والنسائي وهي وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش يشير إلى ما حطه الله عن أمته من الإصر وتحميل ما لا طاقة لهم به ورفع الخطأ والنسيان فصارت الخصال تسعا ولأحمد من حديث على أعطيت أربعا لم يعطهن أحد من أنبياء الله أعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعلت أمتي خير الأمم وذكر خصلة التراب فصارت الخصال اثنتي عشر خصلة وعند البزار من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه فضلت على الأنبياء بست ورجاله لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وجعلت أمتي خير الأمم وأعطيت الكوثر وأن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه وذكر اثنتين مما تقدم وله من حديث بن عباس رفه فضلت على الأنبياء بخصلتين كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه فأسلم قال ونسيت الأخرى قلت فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع وقد تقدم طريق الجمع بين هذه الروايات وأنه لا تعارض فيها وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أن عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم مشروعية تعديد نعم الله وإلقاء العلم قبل السؤال وأن الأصل في الأرض الطهارة وأن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبنى لذلك وأما حديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فضعيف أخرجه الدارقطني من حديث جابر واستدل به صاحب المبسوط من الحنفية على إظهار كرامة الآدمي وقال الأن الآدمي خلق من ماء وتراب وقد ثبت إن كلا منهما في طهور ففي ذلك كرامته والله تعالى أعلم بالصواب قوله باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا قال بن رشيد كأن المصنف نزل فقد الشرعية التيمم منزلة فقد التراب بعد شرعية التيمم فكأنه
[ 373 ]
يقول حكمهم في عدم المطهر الذي هو الماء خاصة كحكمنا في عدم المطهرين الماء والتراب وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة لأن الحديث ليس فيه إنهم فقدوا التراب وإنما فيه إنهم فقدوا الماء فقط ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهورين ووجهه إنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا قال الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين وأكثر أصحاب مالك لكن اختلفوا في وجوب الاعاده فالمنصوص عن الشافعي وجوبها وصححه أكثر أصحابه واحتجوا بأنه عذر نادر فلم يسقط الإعادة والمشهور عن أحمد وبه قال المزني وسحنون وأن المنذر لا تجب واحتجوا بحديث الباب لأنها لو كانت واجبه لبينها لهم النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وتعقب بأنه الإعادة لا تجب على الفور فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجه وعلى هذا فلا بد من دليل على وجوب الاعاده وقال مالك وأبو حنيفة في المشهور عنهما لا يصلي لكن قال أبو حنيفة وأصحابه يجب عليه القضاء وبه قال الثوري والأوزاعي وقال مالك فيما حكاه عنه المدنيون لا يجب عليه القضاء وهذه الأقوال الاربعة هي المشهورة في المسألة وحكى النووي في شرح المهذب عن القديم تستحب الصلاة وتجب الإعادة وبهذا تصير الأقوال خمسة والله اعلم قوله حدثنا زكريا بن يحيى هكذا وقع في جميع الروايات غير منسوب وكذا في قصة سعد بن معاذ فإنه أوردها في الصلاة والهجرة والمغازي بهذا الإسناد عنه ولم ينسبه وأعاده في التفسير تاما ومثله في الصلاة حديث مر أبا بكر أن يصلي بالناس وكذا سبق في باب خروج النساء إلى البراز لكن من روايته عن أبي أسامة لا عن عبد الله بن نمير وأعاده في التفسير تاما ومثله في التفسير حديث عائشة كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن وفي صفة إبليس حديث لما كان يوم أحد انهزم المشركون الحديث وجزم الكلاباذي بأنه اللؤلؤي البلخي وقال بن عدي هو زكريا بن يحيى بن أبي زائدة وإلى هذا مال الدارقطني لأنه كوفي وكذا الشيخان المذكوران عبد الله بن نمير وأبو أسامة وقد روى البخاري في العيدين عن زكريا بن يحيى عن المحاربي لكن قال حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين فيحتمل أن يكون هو المهمل في المواضع الأخرى لأنه كوفي وشيخه كوفي أيضا وقد ذكر المزي في التهذيب أنه روى عن بن نمير وأبي أسامة أيضا وجزم صاحب الزهرة بأن البخاري روى عن بن السكين أربعة أحاديث وهو مصير منه إلى أنه المراد كما جوزناه وإلى ذلك مال أبو الوليد الباجي في رجال البخاري والله اعلم قوله وليس معهم ماء فصلوا زاد الحسن بن سفيان في مسنده عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه فصلوا بغير وضوء أخرجه الاسماعيلي وأبو نعيم من طريقه وكذا أخرجه الجوزقي من وجه آخر عن بن نمير وكذا للمصنف في فضل عائشة من طريق أبي أسامة وفي التفسير من طريق عبدة بن سليمان كلاهما عن هشام وكذا لمسلم من طريق أبي أسامة وأغرب بن المنذر فادعى إن عبدة تفرد بهذه الزيادة وقد تقدمت مباحث الحديث وطريق الجمع بين رواية عروة والقاسم في الباب الذي قبله قوله باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة جعله مقيدا بشرطين خوف خروج الوقت وفقد الماء ويلتحق بفقده عدم القدرة عليه قوله وبه قال عطاء أي بهذا المذهب وقد وصله عبد الرزاق من وجه صحيح وابن أبي شيبة من وجه آخر وليس في المنقول عنه تعرض لوجوب الإعادة
[ 374 ]
قوله وقال الحسن وصله إسماعيل القاضي في الأحكام من وجه صحيح وروى بن أبي شيبة من وجه آخر عن الحسن وابن سيرين قالا لا يتيمم ما رجا أن يقدر على الماء في الوقت ومفهومه يوافق ما قبله قوله وأقبل بن عمر قال الشافعي أخبرنا بن عيينة عن بن عجلان عن نافع عن بن عمر أنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر وذكر بقية الخبر كما علقه المصنف ولم يظهر لي سبب حذفه منه ذكر التيمم مع أنه مقصود الباب وقد أخرجه مالك في الموطأ عن نافع مختصرا لكن ذكر فيه أنه تيمم فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين وأخرجه الدارقطني والحاكم من وجه آخر عن نافع مرفوعا لكن إسناده ضعيف والجرف بضم الجيم والراء بعدها فاء موضع ظاهر المدينة كانوا يعسكرون به إذا أرادوا الغزو وقال بن إسحاق هو على فرسخ من المدينة والمربد بكسر الميم وسكون الراء بعدها موحدة مفتوحة وحكى بن التين أنه روى بفتح أوله وهو من المدينة على ميل وهذا يدل على أن بن عمر يرى جواز التيمم للحاضر لأن مثل هذا لا يسمى سفرا وبهذا يناسب الترجمة وظاهره أن بن عمر لم يراع خروج الوقت لأنه دخل المدينة والشمس مرتفعه لكن يحتمل أن يكون ظن أنه لا يصل إلا بعد خروج الوقت ويحتمل أيضا إن بن عمر تيمم لا عن حدث بل لأنه كان يتوضأ لكل صلاة استحبابا فلعله كان على وضوء فأراد الصلاة ولم يجد الماء كعادته فاقتصر على التيمم بدل الوضوء وعلى هذا فليس مطابقا للترجمة ألا بجامع ما بينهما من التيمم في الحضر وأما كونه لم يعد فلا حجة فيه لمن أسقط الإعادة عن المتيمم في الحضر لأنه على هذا الاحتمال لا تجب عليه الإعادة بالاتفاق وقد اختلف السلف في أصل المسألة فذهب مالك إلى عدم وجوب الإعادة على من تيمم في الحضر ووجهه بن بطال بأن التيمم إنما ورد في المسافر والمريض لإدراك وقت الصلاة فيلتحق بهما الحاضر وإذا لم يقدر على الماء قياسا وقال الشافعي تجب عليه الإعادة لندور ذلك وعن أبي يوسف وزفر لا يصلي إلى أن يجد الماء ولو خرج الوقت قوله عن جعفر بن ربيعة في رواية الاسماعيلي حدثني جعفر ونصف هذا الإسناد مصريون ونصفه الأعلى مدنيون قوله سمعت عميرا مولى بن عباس هو بن عبد الله الهلالي مولى أم الفضل بنت الحارث والدة بن عباس وقد روى إسحاق هذا الحديث فقال مولى عبيد الله بن عباس وإذا كان مولى أم الفضل فهو مولى أولادها وروى موسى بن عقبة وابن لهيعة وأبو الحويرث هذا الحديث عن الأعرج عن أبي الجهيم ولم يذكروا بينهما عميرا والصواب إثباته وليس له في الصحيح غير هذا الحديث وحديث آخر عن أم الفضل ورواية الأعرج عنه من رواية الأقران قوله أقبلت أنا وعبد الله بن يسار هو أخو عطاء بن يسار التابعي المشهور ووقع عند مسلم في هذا الحديث عبد الرحمن بن يسار وهو وهم وليس له في هذا الحديث رواية ولهذا لم يذكره المصنفون في رجال الصحيحين قوله على أبي جهيم قيل اسمه عبد الله وحكى بن أبي حاتم عن أبيه قال يقال هو الحارث بن الصمة فعلى هذا لفظة بن زائدة بين أبي جهيم والحارث لكن صحح أبو حاتم أن الحارث اسم أبيه لا اسمه وفرق بن أبي حاتم بينه وبين عبد الله بن جهيم يكنى أيضا أبا جهيم وقال بن منده عبد الله بن جهيم بن الحارث بن الصمة فجعل الحارث اسم جده ولم يوافق عليه وكأنه أراد أن يجمع الأقوال المختلفة فيه والصمة بكسر المهملة وتشديد الميم هو بن عمرو بن عتيك الخزرجي ووقع في مسلم دخلنا على أبي الجهم بإسكان الهاء والصواب أنه بالتصغير وفي
[ 375 ]
الصحابة شخص آخر يقال له أبو الجهم وهو صاحب الانبجانيه وهو غير هذا لأنه قرشي وهذا أنصاري ويقال بحذف الألف واللام في كل منهما وبإثباتهما قوله من نحو بئر جمل أي من جهة الموضع الذي يعرف بذاك وهو معروف بالمدينة وهو بفتح الجيم والميم وفي النسائي بئر الجمل وهو من العقيق قوله فلقيه رجل هو أبو الجهيم الراوي بينه الشافعي في روايته لهذا الحديث من طريق أبي الحويرث عن الأعرج قوله حتى أقبل على الجدار وللدارقطني من طريق بن إسحاق عن الأعرج حتى وضع يده على الجدار وزاد الشافعي فحته بعصا وهو أمرهم على إن الجدار كان مباحا أو مملوكا لإنسان يعرف رضاه قوله فمسح بوجهه ويديه وللدارقطني من طريق أبي صالح عن الليث فمسح بوجهه وذراعيه وكذا للشافعي من رواية أبي الحويرث وله شاهد من حديث بن عمر أخرجه أبو داود لكن خطأ الحفاظ روايته في رفعه وصوبوا وقفه وقد تقدم إن مالكا أخرجه موقوفا بمعناه وهو الصحيح والثابت في حديث أبي جهيم أيضا بلفظ يديه لا ذراعيه فإنها رواية شاذة مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف وسيأتي الخلاف في إيجاب مسح الذراعين بعد بباب واحد قال النووي هذا الحديث أمرهم على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادما للماء حال التيمم قلت وهو مقتضى صنيع البخاري لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب وهو إرادة ذكر الله لأن لفظ السلام من أسمائه وما أريد به استباحة الصلاة وأجيب بأنه لما تيمم في الحضر لرد السلام مع جوازه بدون الطهارة فمن أخشى فوت الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى لعدم جواز الصلاة بغير طهارة مع القدرة وقيل يحتمل أنه لم يرد صلى الله عليه وسلم بذلك التيمم رفع الحدث ولا استباحة محظور وإنما أراد التشبه بالمتطهرين كما يشرع الإمساك في رمضان لمن يباح له الفطر أو أراد تخفيف الحدث بالتيمم كما يشرع تخفيف حدث الجنب بالوضوء كما تقدم واستدل به بن بطال على عدم اشتراط التراب قال لأنه معلوم أنه لم يعلق بيده من الجدار وتراب ونوقض بأنه غير معلوم بل وهو محتمل وقد سبق من رواية الشافعي ما يدل على أنه لم يكن على الجدار تراب ولهذا أحتاج إلى حته بالعصا قوله باب المتيمم هل ينفخ فيهما أي في يديه وزعم الكرماني أن في بعض النسخ باب هل ينفخ في يديه بعد ما يضرب بهما الصعيد للتيمم وإنما ترجم بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا كعادته لأن النفخ يحتمل أن يكون لشئ علق بيده خشي أن يصيب وجهه الكريم أو علق بيده من التراب شئ له كثرة فأراد تخفيفه لئلا يبقى له أثر في وجهه ويحتمل أن يكون لبيان التشريع ومن ثم تمسك به من أجاز التيمم بغير التراب زاعما أن نفخه يدل على أن المشترط في التيمم الضرب من غير زيادة على ذلك فلما كان هذا الفعل محتملا لما ذكر أورده بلفظ الاستفهام ليعرف الناظر إن للبحث فيه مجالا قوله حدثنا الحكم هو بن عتيبة الفقيه الكوفي وذر بالمعجمة هو بن عبد الله المرهبي قوله جاء رجل لم أقف على تسميته وفي رواية الطبراني أنه من أهل البادية وفي رواية سليمان بن حرب الآتية إن عبد الرحمن بن أبزى شهد ذلك قوله فلم أصب الماء فقال عمار هذه الرواية اختصر فيها جواب عمر وليس ذلك من المصنف فقد أخرجه البيهقي من طريق آدم أيضا بدونها وقد أورد المصنف الحديث المذكور في الباب الذي يليه من رواية ستة أنفس أيضا عن شعبة بالإسناد المذكور ولم يسقه تاما من رواية واحد منهم نعم ذكر جواب عمر مسلم من طريق
[ 376 ]
يحيى بن سعيد والنسائي من طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة ولفظهما فقال لا تصل زاد السراج حتى تجد الماء وللنسائي نحوه وهذا مذهب مشهور عن عمر ووافقه عليه عبد الله بن مسعود وجرت فيه مناظرة بين أبي موسى وابن مسعود كما سيأتي في باب التيمم ضربة وقيل إن بن مسعود رجع عن ذلك وسنذكر هناك توجيه ما ذهب إليه عمر في ذلك والجواب عنه قوله في سفر ولمسلم في سرية وزاد في فأجنبنا وسيأتي للمصنف مثله في الباب الذي بعده من رواية سليمان بن حرب عن شعبة قوله فتمعكت وفي الرواية الآتية بعد فتمرغت بالغين المعجمه أي تقلبت وكان عمارا استعمل القياس في هذه المسألة لأنه لما رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء رأى أن التيمم عن الغسل يقع على هيئة الغسل ويستفاد من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأن المجتهد لا لوم عليه إذا بذل وسعه وإن لم يصب الحق وأنه إذا عمل بالاجتهاد لا تجب عليه الإعادة وفي تركه أمر عمر أيضا بقضائها متمسك لمن قال إن فاقد الطهورين لا يصلي ولا قضاء عليه كما تقدم قوله إنما كان يكفيك فيه دليل على أن الواجب في التيمم هي الصفة المشروحة في هذا الحديث والزيادة على ذلك لو ثبتت بالأمر دلت على النسخ ولزم قبولها لكن إنما وردت بالفعل فتحمل على الأكمل وهذا هو الأظهر من حيث الدليل كما سيأتي قوله وضرب يكفيه الأرض في رواية غير أبي ذر فضرب النبي صلى الله عليه وسلم وكذا للبيهقي من طريق آدم قوله ونفخ فيهما وفي رواية حجاج الآتية ثم أدناهما من فيه وهي كناية عن النفخ وفيهما إشارة إلى أنه كان نفخا خفيفا وفي رواية سليمان بن حرب تفل فيهما والتفل قال أهل اللغة هو دون البزق والنفث دونه وسياق هؤلاء يدل على أن التعليم وقع بالفعل ولمسلم من طريق يحيى بن سعيد وللاسماعيلي من طريق يزيد بن هارون وغيره كلهم عن شعبة أن التعليم وقع بالقول ولفظهم إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض زاد يحيى ثم ينفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك واستدل بالنفخ على استحباب تخفيف التراب كما تقدم وعلى سقوط استحباب التكرار في التيمم لأن التكرار يستلزم عدم التخفيف وعلى إن من غسل رأسه بدل المسح في الوضوء أجزأه أخذا من كون عمار يمرغ في التراب للتيمم وأجزأه ذلك ومن هنا يؤخذ جواز الزيادة على الضربتين في التيمم وسقوط إيجاب الترتيب في التيمم عن الجنابة قوله باب التيمم للوجه والكفين أي هو الواجب المجزئ وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه والراجح عدم رفعه فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملا وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن وفي رواية إلى نصف الذراع وفي رواية إلى الآباط فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال وأما رواية الآباط فقال الشافعي وغيره إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ له وأن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد وسيأتي الكلام على مسألة الاقتصار على ضربة واحدة في بابه إن شاء الله تعالى قوله حدثنا حجاج هو بن منهال
[ 377 ]
وقد روى النسائي هذا الحديث من طريق حجاج بن محمد عن شعبة بغير هذا السياق ولم يسمع البخاري من حجاج بن محمد وتابعه على هذا السياق عن حجاج بن منهال على بن عبد العزيز البغوي أخرجه بن المنذر والطبراني عنه وخالفهما محمد بن خزيمة البصري عنه فقال عن عبد الرحمن أبزى عن أبيه أخرجه الطحاوي عنه وأشار إلى أنه وهم فيه قلت سقطت من روايته يسير بن ولا بد منها لأن أبزي والد عبد الرحمن لا رواية له في هذا الحديث والله أعلم قوله عن الحكم في رواية كريمة والأصيلي أخبرني الحكم وهي رواية بن المنذر أيضا قوله عن بن عبد الرحمن في رواية أبي ذر وأبي الوقت عن سعيد بن عبد الرحمن قوله بهذا أشار إلى سياق المتن الذي قبله من رواية آدم عن شعبة وهو كذلك إلا أنه ليس في رواية حجاج قصة عمر قوله وقال النضر هو بن شميل وهذا التعليق موصول عند مسلم عن إسحاق بن منصور عن النضر وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسحاق بن زاهويه عنه وأفاد النضر في هذه الرواية إن الحكم سمعه من شيخ شيخه سعيد بن عبد الرحمن والظاهر أنه سمعه من ذر عن سعيد ثم لقي سعيدا فأخذه عنه وكان سماعه له من ذر كان أتقن ولهذا أكثر ما يجئ في الروايات بإثباته وأفادت رواية سليمان بن حرب إن عمر أيضا كان قد أجنب فلهذا خالف اجتهاده اجتهاد عمار قوله في رواية محمد بن كثير يكفيك الوجه والكفان كذا في رواية الأصيلي وغيره بالرفع فيهما على الفاعلية وهو واضح وفي رواية أبي ذر وكريمة يكفيك الوجه والكفين بالنصب فيهما على المفعولية إما بإضمار حنث أو التقدير يكفيك أن تمسح الوجه والكفين أو بالرفع في الوجه على الفاعلية وبالنصب في الكفين على أنه مفعول معه وقيل أنه روى بالجر فيهما ووجهه بن مالك بان الأصل يكفيك مسح الوجه والكفين فحذف المضاف وبقي المجرور به على ما كان ويستفاد من هذا اللفظ إن ما زاد على الكفين ليس بفرض كما تقدم واليه ذهب أحمد وإسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن خزيمة ونقله بن الجهم وغيره عن مالك ونقله الخطابي عن أصحاب الحديث وقال النووي رواه أبو ثور وغيره عن الشافعي في القديم وأنكر ذلك الماوردي وغيره قال وهو إنكار مردود لأن أبا ثور إمام ثقة قال وهذا القول وإن كان مرجوحا فهو القوي في الدليل انتهى كلامه في شرح المهذب وقال في شرح مسلم في الجواب عن هذا الحديث إن المراد به بيان صورة الضرب للتعليم وليس المراد به بيان جميع ما يحصل به التيمم وتعقب بأن سياق القصة يدل على أن المراد به بيان جميع ذلك لأن ذلك هو الظاهر من قوله إنما يكفيك وأما ما استدل به من اشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين من أن ذلك مشترط في الوضوء فجوابه أنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد الاعتبار وقد عارضه من لم يشترط ذلك بقياس آخر وهو الإطلاق في آية السرقة ولا حاجة مع وجود هذا النص قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم ولم يسق المتن في هذه الرواية بل قال وساق الحديث وظاهره أن يسير يوافق اللفظ الذي قبله ثم ساقه نازلا من طريق غندر عن شعبة وأظنه قصد بإيراد هذه الطرق الإشارة إلى إن النضر تفرد بزيادته وأن الحكم سمعه من سعيد بلا واسطة واختصر المصنف أيضا سياق غندر وقد أخرجه أحمد عنه وأخرجه بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار شيخ البخاري وسياقه أتم ذكر فيه قصة عمر وذكر فيه النفخ أيضا والله أعلم قوله باب بالتنوين الصعيد الطيب وضوء
[ 378 ]
المسلم هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه البزار من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا وصححه بن القطان لكن قال الدارقطني أن الصواب إرساله وروى أحمد وأصحاب السنن من طريق أبي قلابة عن عمرو بن بجدان وهو بضم الموحد وسكون الجيم عن أبي ذر نحوه ولفظه إن الصعيد الطيب طهور المسلم وأن لم يجد الماء عشر سنين وصححه الترمذي وابن حبان والدارقطني قوله وقال الحسن وصله عبد الرزاق ولفظه يجزئ تيمم واحد ما لم يحدث وابن أبي شيبة ولفظه لا ينقض التيمم إلا الحدث وسعيد بن منصور ولفظه التيمم بمنزلة الوضوء إذا تيممت فأنت على وضوء حتى تحدث وهو أمر أصرح في مقصود الباب وكذلك ما أخرجه حماد بن سلمة في مصنفه عن يونس بن عبيد عن الحسن قال تصلي الصلوات كلها بتيمم واحد مثل الوضوء ما لم تحدث قوله وأم بن عباس وهو متيمم وصله بن أبي شيبة والبهيقي وغيرهما وإسناده صحيح وسيأتي في باب إذا خاف الجنب لعمرو بن العاص مثله وأشار المصنف بذلك إلى أن التيمم يقوم مقام الوضوء ولو كانت الطهارة به ضعيفة لما أم بن عباس وهو متيمم من كان متوضئا وهذه المسألة وافق فيها البخاري الكوفيين والجمهور وذهب بعضهم من التابعين وغيرهم إلي خلاف ذلك وحجتهم أن التيمم طهارة ضرورية لاستباحة الصلاة قبل خروج الوقت ولذلك أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أجنب فلم يصل الإناء من الماء ليغتسل به بعد أن قال له عليك بالصعيد فإنه يكفيك لأنه وجد الماء فبطل تيممه وفي الاستدلال بهذا على عدم جواز أكثر من فريضة بتيمم واحد نظر وقد أبيح عند الأكثر بالتيمم الواحد النوافل مع الفريضة إلا إن مالكا رحمه الله يشترط تقدم الفريضة وشذ شريك القاضي فقال لا يصلي بالتيمم الواحد أكثر من صلاة واحدة فرضا كانت أو نفلا قال بن المنذر إذا صحت النوافل بالتيمم الواحد صحت الفرائض لأن جميع ما يشترط للفرائض مشترط للنوافل إلا بدليل انتهى وقد اعترف البيهقي بأنه ليس في المسألة حديث صحيح من الطرفين قال لكن صح عن بن عمر إيجاب التيمم لكل فريضة ولا يعلم له مخالف من الصحابة وتعقب بما رواه بن المنذر عن بن عباس أنه لا يجب واحتج المصنف لعدم الوجوب بعموم قوله في حديث الباب فإنه يكفيك أي ما لم تحدث أو تجد الماء وحمله الجمهور على الفريضة التي تيمم من اجلها ويصلي به ما شاء من النوافل فإذا حضرت فريضة أخرى وجب طلب الماء فإن لم يجد فتيمم والله اعلم قوله وقال يحيى بن سعيد هو الأنصاري والسبخة بمهملة وموحدة ثم غدا مفتوحات هي الأرض المالحة التي لا تكاد تنبت وإذا وصفت الأرض قلت هي أرض سبخة بكسر الموحدة وهذا الأثر يتعلق بقوله في الترجمة الصعيد الطيب أي إن المراد بالطيب الطاهر وأما الصعيد فقد تقدم نقل الخلاف فيه وأن الأظهر اشتراط التراب ويدل عليه قوله تعالى فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه فإن الظاهر أنها للتبعيض قال بن بطال فإن قيل لا يقال مسح منه إلا إذا أخذ منه جزءا وهذه صفة التراب لا صفة الصخر مثلا الذي لا يعلق باليد منه شئ قال فالجواب أنه يجوز أن يكون قوله منه صلة وتعقب بأنه تعسف قال صاحب الكشاف فإن قلت لا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسي من الدهن أو غيره إلا معنى التبعيض قلت هو كما تقول والإذعان للحق خير من المراء انتهى واحتج بن خزيمة لجواز التيمم بالسبخة بحديث عائشة في شأن الهجرة أنه قال صلى الله عليه وسلم أرأيت دار هجرتكم سبخة ذات نخل يعني المدينة قال
[ 379 ]
وقد سمي النبي صلى الله عليه وسلم المدينة طيبة فدل على إن السبخة داخلة في الطيب ولم يخالف في ذلك إلا إسحاق بن راهويه قوله حدثنا مسدد زاد أبو ذر بن مسرهد ويحيى بن سعيد هو القطان وعرف بالفاء هو الغلام وأبو رجاء هو العطاردي وعمران هو بن حصين وكلهم بصريون قوله كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم اختلف في تعيين هذا السفر ففي مسلم من حديث أبي هريرة أنه وقع عند رجوعهم من خيبر قريب من هذه القصة وفي أبي داود من حديث بن مسعود أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا فنزل فقال من يكلؤنا فقال بلال أنا الحديث وفي الموطأ عن زيد بن أسلم مرسلا عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بطريق مكة ووكل بلالا وفي مصنف عبد الرزاق عن عطاء بن يسار مرسلا أن ذلك كان بطريق تبوك وللبيهقي في الدلائل نحوه من حديث عقبة بن عامر وروى مسلم من حديث أبي قتادة مطولا والبخاري مختصرا في الصلاة قصة نومهم عن صلاة الصبح أيضا في السفر لكن لم يعينه ووقع في رواية لأبي داود إن ذلك كان في غزوة جيش الأمراء وتعقبه بن عبد البر بأن غزوة جيش الأمراء هي غزوة مؤتة ولم يشهدها النبي صلى الله عليه وسلم وهو كما قال لكن يحتمل أن يكون المراد بغزوة جيش الأمراء غزوة أخرى غير غزوة مؤتة وقد اختلف العلماء هل كان ذلك مرة أو أكثر أعنى نومهم عن صلاة الصبح فجزم الأصيلي بأن القصة واحدة وتعقبه القاضي عياض بأن قصة أبي قتادة مغايره لقصة عمران بن حصين وهو كما قال فإن قصة أبي قتادة فيها أن أبا بكر وعمر لم يكونا مع النبي صلى الله عليه وسلم لما نام وقصة عمران فيها أنهما كانا معه كما سنبينه وأيضا فقصة عمر أن فيها أن أول من استيقظ أبو بكر ولم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم حتى أيقظه عمر بالتكبير وقصة أبي قتادة فيها إن أول من استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وفي القصتين غير ذلك من وجوه المغايرات ومع ذلك فالجمع بينهما ممكن لا سيما ما وقع عند مسلم وغيره أن عبد الله بن رباح راوي الحديث عن أبي قتادة ذكر أن عمران بن حصين سمعه وهو يحدث بالحديث بطوله فقال له انظر كيف تحدث فإني كنت شاهدا القصة قال فما أنكر عليه من الحديث شيئا فهذا يدل على اتحادها لكن لمدعي التعدد أن يقول يحتمل أن يكون عمران حضر القصتين فحدث بإحداهما وصدق عبد الله بن رباح لما حدث عن أبي قتادة بالأخرى والله أعلم ومما يدل على تعدد القصة اختلاف مواطنها كما قدمناه وحاول بن عبد البر الجمع بينهما بأن زمان رجوعهم من خيبر قريب من زمان رجوعهم من الحديبية وأن اسم طريق مكة يصدق عليهما ولا يخفى ما فيه من التكلف ورواية عبد الرزاق بتعيين غزوة تبوك ترد عليه وروى الطبراني من حديث عمرو بن أمية شبيها بقصة عمران وفيه أن الذي كلأ لهم الفجر ذو مخبر وهو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمه وفتح الموحدة وأخرجه من طريق ذي مخبر أيضا وأصله عند أبي داود وفي حديث أبي هريرة عند مسلم إن بلالا هو الذي كلأ لهم الفجر وذكر فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولهم استيقاظا كما في قصة أبي قتادة ولابن حبان في صحيحه من حديث بن مسعود أنه كلأ لهم الفجر وهذا أيضا يدل على تعدد القصة والله اعلم قوله أسرينا قال الجوهري تقول سريت وأسريت بمعنى إذا سرت ليلا وقال صاحب المحكم السري سير عامة الليل وقيل سير الليل كله وهذا الحديث يخالف القول الثاني قوله وقعنا وقعة في رواية أبي قتادة عند المصنف ذكر سبب نزولهم في تلك الساعة وهو سؤال بعض القوم
[ 380 ]
في ذلك وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال أخاف إن تناموا عن الصلاة فقال بلال أنا أوقظهم قوله فكان أول من استيقظ فلان بنصب أول لأنه خبر كان وقوله الرابع هو في روايتنا بالرفع ويجوز نصبه على خبر كان أيضا وقد بين عوف أنه نسي تسمية الثلاثة مع أن شيخه كان يسميهم وقد شاركه في روايته عن سلم بن زرير فسمى أول من استيقظ أخرجه المصنف في علامات النبوة من طريقه ولفظه فكان أول من أستيقظ أبو بكر ويشبه والله أعلم أن يكون الثاني عمران راوي القصة لأن ظاهر سياقه أنه شاهد ذلك ولا يمكنه مشاهدته إلا بعد استيقاظه ويشبه أن يكون الثالث من شارك عمران في رواية هذه القصة المعينة ففي الطبراني من رواية عمرو بن أمية قال ذو مخبر فما أيقظني إلا حر الشمس فجئت أدنى القوم فأيقظته وأيقظ الناس بعضهم بعضا حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم قوله لأنا لا ندري ما يحدث له بضم الدال بعدها مثلثة أي من الوحي كانوا يخافون من إيقاظه قطع الوحي فلا يوقظونه لاحتمال ذلك قال بن بطال يؤخذ منه التمسك بالأمر الأعم احتياطا قوله وكان رجلا جليدا هو من الجلادة بمعنى الصلابة وزاد مسلم هنا أجوف أي رفيع الصوت يخرج صوته من جوفه بقوة وفي استعماله التكبير سلوك طريق الأدب والجمع بين المصلحتين وخص التكبير لأنه أصل الدعاء إلى الصلاة قوله الذي أصابهم أي من نومهم عن صلاة الصبح حتى خرج وقتها قوله لا ضير أي لاضرر وقوله أو لا يضير شك من عوف صرح بذلك البيهقي في روايته ولأبي نعيم في المستخرج لا يسوء ولا يضير وفيه تأنيس لقلوب الصحابة لما عرض لهم من الأسف على فوات الصلاة في وقتها بأنهم لا حرج عليهم إذ لم يتعمدوا ذلك قوله ارتجلوا بصيغة الأمر استدل به على جواز تأخير الفائتة عن وقت ذكرها إذا لم يكن عن تغافل أو استهانة وقد بين مسلم من رواية أبي حازم عن أبي هريرة السبب في الأمر بالارتحال من ذلك الموضع الذي ناموا فيه ولفظه فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ولأبي داود من حديث بن مسعود تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة وفيه رد على ما زعم أن العلة فيه كون ذلك كان وقت الكراهة بل في حديث الباب أنهم لم يستيقظوا حتى وجدوا حر الشمس ولمسلم من حديث أبي هريرة حتى ضربتهم الشمس وذلك لا يكون إلا بعد أن يذهب وقت الكراهة وقد قيل إنما أخر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لاشتغالهم بأحوالها وقيل تحرزا من العدو وقبل انتظارا لما ينزل عليه من الوحي وقيل لأن المحل محل غفلة كما تقدم عند أبي داود وقيل ليستيقظ من كان نائما وينشط من كان كسلانا وروى عن بن وهب وغيره أن تأخير قضاء الفائتة منسوخ بقوله تعالى أقم الصلاة لذكرى وفيه نظر لأن الآية مكية والحديث مدني فكيف ينسخ المتقدم المتأخر وقد تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم إن عيني تنامان ولا ينام قلبي قال النووي له جوابان أحدهما أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان والثاني أنه كان له حالان حال كان قلبه فيه لا ينام وهو الأغلب وحال ينام فيه قلبه وهو نادر فصادف هذا أي قصة النوم عن الصلاة قال والصحيح المعتمد هو الأول والثاني ضعيف وهو كما قال ولا يقال القلب وإن كان لا يدرك ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلا لكنه يدرك إذا كان يقظانا مرور الوقت الطويل فإن من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حميت الشمس مدة طويلة لا تخفي على
[ 381 ]
من لم يكن مستغرقا لأنا نقول يحتمل أن يقال كان قلبه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقا بالوحي ولا يلزم مع ذلك وصفه بالنوم كما كان يستغرق صلى الله عليه وسلم حالة إلقاء الوحي في اليقظة وتكون الحكمة في ذلك بيان التشريع بالفعل لأنه أوقع في النفس كما في قضية سهوه في الصلاة وقريب من هذا جواب بن المنير إن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع ففي النوم بطريق الأولى أو على السواء وقد أجيب على أصل الإشكال بأجوبة أخرى ضعيفه منها إن معنى قوله لا ينام قلبي أي لا يخفى عليه حالة انتقاض وضوئه ومنها أن معناه لا يستغرق بالنوم حتى يوجد منه الحدث وهذا قريب من الذي قبله قال بن دقيق العيد كأن قائل هذا أراد تخصيص يقظة القلب بإدراك حالة الانتقاض وذلك بعيد وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم إن عيني تنامان ولا ينام قلبي خرج جوابا عن قول عائشة أتنام قبل أن توتر وهذا كلام لا تعلق له بانتفاض الطهارة الذي تكلموا فيه وإنما هو جواب يتعلق بأمر الوتر فتحمل يقظته على تعلق القلب باليقظة للوتر وفرق بين من شرع في النوم مطمئن القلب به وبين من شرع فيه متعلقا باليقظة قال فعلى هذا فلا تعارض ولا إشكال في حديث النوم حتى طلعت الشمس لأنه يحمل على أنه اطمأن في نومه لما أوجبه تعب السير معتمدا على من وكله بكلاءة الفجر أه والله أعلم ومحصلة تخصيص اليقظة المفهومة من قوله ولا ينام قلبي بإدراكه وقت الوتر إدراكا معنويا لتعلقه به وأن نومه في حديث الباب كان نوما مستغرقا ويؤيده قول بلال له أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك كما في حديث أبي هريرة عند مسلم ولم ينكر عليه ومعلوم إن نوم بلال كان مستغرقا وقد اعترض عليه بان ما قاله يقتضي اعتبار خصوص السبب وأجاب بأنه يعتبر إذا قامت عليه قرينة وأرشد إليه السياق وهو هنا كذلك ومن الأجوبة الضعيفة أيضا قول من قال كان قلبه يقظانا بعدم بخروج الوقت لكن ترك إعلامهم بذلك عمدا لمصلحة التشريع وقول من قال المراد بنفي النوم عن قلبه أنه لا يطرأ عليه أضغاث أحلام كما يطرأ على غيره بل كل ما يراه في نومه حق ووحي فهذه عدة أجوبه أقربها إلى الصواب الأول على الوجه الذي قررناه والله المستعان فائدة قال القرطبي أخذ بهذا بعض العلماء فقال من انتبه من نوم عن صلاة فاتته في سفر فليتحول عن موضعه وإن كان واديا فيخرج عنه وقيل إنما يلزم في ذلك الوادي بعينه وقيل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم من حال ذلك الوادي ولا غيره ذلك إلا هو وقال غيره يؤخذ منه أن من حصلت له غفلة في مكان عن عبادة استحب له التحول منه ومنه أمر الناعس في سماع الخطبة يوم الجمعة بالتحول من مكانه إلى مكان آخر قوله فسار غير بعيد يدل على أن الارتحال المذكور وقع على خلاف سيرهم المعتاد قوله ونودى بالصلاة استدل به على الأذان للفوائت وتعقب بأن النداء أعم من الأذان فيحتمل أن يراد به هنا اشتراط وأجيب بان في رواية مسلم من حديث أبي قتادة التصريح بالتأذين وكذا هو عند المصنف في أواخر المواقيت وترجم له خاصة بذلك كما سيأتي قوله فصلى بالناس فيه مشروعية الجماعة في الفوائت قوله إذا هو برجل لم أقف على تسميته ووقع في شرح العمدة للشيخ سراج الدين بن الملقن ما نصه هذا الرجل هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة شهد بدرا قال بن الكلبي وقتل يومئذ وقال غيره له رواية
[ 382 ]
وهذا يدل على أنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم قلت أما على قول بن الكلبي فيستحيل أن يكون هو صاحب هذه القصة لتقدم وقعة بدر على هذه القصة بمدة طويلة بلا خلاف فكيف يحضر هذه القصة بعد قتله وأما على قول غير بن الكلبي فيحتمل أن يكون هو لكن لا يلزم من كونه له رواية أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن تكون الرواية عنه منقطعة أو متصلة لكن نقلها عنه صحابي آخر ونحوه وعلى هذا فلا منافاة بين هذا وبين من قال أنه قتل ببدر إلا أن تجئ رواية عن تابعي غير مخضرم وصرح فيها بسماعه منه فحينئذ يلزم أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا يلزم أن يكون هو صاحب هذه القصة إلا إن وردت رواية مخصوصة بذلك ولم اقف عليها إلى الآن قوله أصابتني جنابة ولا ماء بفتح الهمزة أي معي أو موجود وهو أبلغ في إقامة عذره وفي هذه القصة مشروعية تيمم الجنب وسيأتي القول فيه في الباب الذي بعد وفيها جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن سياق القصة يدل على إن التيمم كان معلوما عندهم لكنه صريح في الآية عن الحدث الأصغر بناء على أن المراد بالملامسة ما دون الجماع وأما الحدث الأكبر فليست صريحة فيه فكأنه كان يعتقد إن الجنب لا يتيمم فعمل بذلك مع قدرته على أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحكم ويحتمل أنه كان لا يعلم مشروعية التيمم أصلا فكان حكمه حكم فاقد الطهورين ويؤخذ من هذه القصة إن للعالم إذا رأى فعلا محتملا أن يسأل فاعله عن الحال فيه ليوضح له وجه الصواب وفيه التحريض على الصلاة في الجماعة وأن ترك الشخص الصلاة بحضرة المصلين معيب على فاعله بغير عذر وفيه حسن الملاطفة والرفق في الإنكار قوله عليك بالصعيد وفي رواية سلم بن زرير فأمره أن يتيمم بالصعيد واللام فيه للعهد المذكور في الآية الكريمه ويؤخذ منه الاكتفاء في البيان بما يحصل به المقصود من الإفهام لأنه أحاله على الكيفية المعلومة من الآية ولم يصرح له بها ودل قوله يكفيك على إن المتيمم في مثل هذه الحالة لا يلزمه القضاء ويحتمل أن يكون المراد بقوله يكفيك أي للأداء فلا يدل على ترك القضاء قوله فدعا فلانا هو عمران بن حصين ويدل على ذلك قوله في رواية سلم بن زرير عند مسلم ثم عجلني النبي صلى الله عليه وسلم في ركب بين يديه فطلب الماء ودلت هذه الرواية على أنه كان هو وعلى فقط لأنهما خوطبا بلفظ التثنية ويحتمل أنه كان معهما غيرهما على سبيل التبعية لهما فيتجه إطلاق لفظ ركب في رواية مسلم وخصا بالخطاب لأنهما المقصودان بالإرسال قوله فابتغينا وللأصيلي فابغيا ولأحمد فأبغيانا والمراد الطلب يقال ابتغ الشئ أي تطلبه وابغ الشئ أي اطلبه وابغني أي أطلب لي وفيه الجري على العادة في طلب الماء وغيره دون الوقوف عند خرقها وأن التسبب في ذلك غير قادح في التوكل قوله بين مزادتين المزادة بفتح الميم والزاي قربة كبيره يزاد فيها جلد من غيرها وتسمى أيضا السطيحة وأو هنا شك من عوف لخلو رواية مسلم عن أبي رجاء عنها وفي رواية مسلم فإذا نحن بامرأة سادلة أي مدلية رجليها بين مزادتين والمراد بهما الراوية قوله أمس خبر لمبتدأ وهو مبنى على الكسر وهذه الساعة بالنصب على الظرفية وقال بن مالك أصله في مثل هذه الساعة فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامه أي بعد حذف في قوله ونفرنا قال بن سيدة النفر ما دون العشرة وقيل النفر الناس عن كراع قلت وهو اللائق هنا لأنها أرادت إن رجالها تخلفوا لطلب الماء
[ 383 ]
وخلوف بضم الخاء المعجمة واللام جمع خالف قال بن فارس الخالف المستقي ويقال أيضا لمن غاب ولعله المراد هنا أي إن رجالها غابوا عن الحي ويكون قولها ونفرنا خلوف جملة مستقلة زائدة على جواب السؤال وفي رواية المستملي والحموي ونفرنا خلوفا بالنصب على الحال السادة مسد الخبر قوله الصابي بلا همز أي المائل ويروي بالهمز من صبأ صبوءا أي خرج من دين إلى دين وسيأتي تفسيره للمصنف في آخر الحديث قوله هو الذي تعنين فيه أدب حسن ولو قالا لها لا لفات المقصود أو نعم لم يحسن بهما إذ فيه تقرير ذلك فتخلصا أحسن تخلص وفيه جواز الخلوة بالاجنبيه في مثل هذه الحالة عند أمن الفتنه قوله فاستنزلوها عن بعيرها قال بعض الشراح المتقدمين إنما أخذوها واستجازوا أخذ مائها لأنها كانت كافرة حربية وعلى تقدير أن يكون لها عهد فضرورة العطش تبيح للمسلم الماء المملوك لغيره على عوض وإلا فنفس الفاء تفدى بكل شئ على سبيل الوجوب قوله ففرغ وللكشميهني فأقرع فيه من أفواه المزادتين زاد الطبراني والبيهقي من هذا الوجه فتمضمض في الماء وأعاده في أفواه المزادتين وبهذه الزيادة تتضح الحكمة في ربط الأفواه بعد فتحها وإطلاق الأفواه هنا كقوله تعالى فقد صغت قلوبكما إذ ليس لكل مزادة سوى فم واحد وعرف منها إن البركة إنما حصلت بمشاركة ريقه الطاهر المبارك للماء قوله وأوكأ أي ربط وقوله وأطلق ايي فتح والعزالي بفتح المهملة والزاي وكسر اللام ويجوز فتحها جمع عزلاء بإسكان الزاي قال الخليل هي مص الماء من الراوية ولكل مزادة عزلا وان من أسفلها قوله أسقوا بهمزة قطع مفتوحة من أسقى أو بهمزة مكسورة من سقى والمراد أنهم سقوا غيرهم كالدواب ونحوها واستقواهم قوله وكان آخر ذلك أن أعطى بنصب آخر على أنه خبر مقدم وأن أعطى اسم كان ويجوز رفعه على أن أعطى الخبر لأن كليهما معرفة قال أبو البقاء والأول أقوى ومثله قوله تعالى فما كان جواب قومه الآية واستدل بهذه القصة على تقديم مصلحة شرب الآدمي والحيوان على غيره كمصلحة الطهارة بالماء لتأخير المحتاج إليها عمن سقى واستقى ولا يقال قد وقع في رواية سلم بن زرير غير أنا لم نسق بعيرا لأنا نقول هو أمرهم على إن الإبل لم تكن محتاجة إذ ذاك إلى السقي فيحمل قوله فسقى على غيرها قوله وايم الله بفتح الهمزة وكسرها والميم مضمومة أصله أيمن الله وهو اسم وضع للقسم هكذا ثم حذفت منه النون تخفيفا وألفه ألف وصل مفتوحة ولم يجئ كذلك غيرها وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف والتقدير أيم الله قسمي وفيها لغات جمع منها النووي في تهذيبه سبع عشرة ويبلغ بها غيره عشرين وسيكون لنا إليها عودة لبيانها في كتاب الإيمان إن شاء الله تعالى ويستفاد منه جواز التوكيد باليمين وأن لم يتعين قوله أشد ملاة بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة وفي رواية للبيهقي أملا منها والمراد إنهم يظنون إن ما بقي فيها من الماء أكثر مما كان اولا قوله اجمعوا لها فيه جواز الأخذ للمحتاج برضا المطلوب منه أو بغير رضاه إن تعين وفيه جواز المعاطاة في مثل هذا من الهبات والاباحات من غير لفظ من المعطى والآخذ قوله من بين عجوة وسويقة العجوة معروفة والسويقة بفتح أوله وكذا الدقيقة وفي رواية كريمة بضمها مصغرا مثقلا قوله حتى جمعوا لها طعاما زاد أحمد في روايته كثيرا وفيه إطلاق لفظ الطعام على غير الحنطة والذرة خلافا لمن أبي ذلك ويحتمل أن يكون قوله حتى جمعوا لها طعاما أي غير
[ 384 ]
ما ذكر من العجوة وغيرها قوله قال لها ما تعلمين بفتح أوله وثانيه وتشديد اللام أي اعلمي وللأصيلي قالوا وللاسماعيلي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحمل رواية الأصيلي على إنهم قالوا لها ذلك بامره وقد اشتمل ذلك على علم عظيم من أعلام النبوة قوله ما رزئنا بفتح الراء وكسر الزاي ويجوز فتحها وبعدها همزة ساكنه أي نقصنا وظاهره إن جميع ما أخذوه من الماء مما زاده الله تعالى وأوجده وأنه لم يختلط فيه شئ من مائها في الحقيقة وإن كان في الظاهر مختلطا وهذا أبدع وأغرب في المعجزة وهو ظاهر قوله ولكن الله هو الذي اسقانا ويحتمل أن يكون المراد ما نقصنا من مقدار مائك شيئا واستدل بهذا على جواز استعمال أواني المشركين ما لم يتيقن فيها النجاسة فيه إشارة إلى أن الذي أعطاها ليس على سبيل العرض عن مائها بل على سبيل التكرم والتفضل قوله وقال بإصبعيها أي أشارت وهو من إطلاق القول على الفعل قوله يغيرون بالضم من من أغار أي دفع الخيل في الحرب قوله الصرم بكسر المهملة أي أبياتا مجتمعه من الناس قوله فقالت يوما لقومها ما أرى هؤلاء القوم يدعونكم عمدا هذه رواية الأكثر قال بن مالك ما موصولة وأرى بفتح الهمزة بمعنى أعلم والمعنى الذي اعتقده أن هؤلاء يتركونكم عمدا لا غفلة ولا نسيانا بل مراعاة لما سبق بيني وبينهم وهذه الغاية في مراعاة الصحبة اليسيرة وكأن هذا القول سببا لرغبتهم في الإسلام وفي رواية أبي ذر ما أرى إن هؤلاء القوم وقال بن مالك أيضا وقع في بعض النسخ ما أدري يعني رواية الأصيلي قال وما موصولة وأن بفتح الهمزة وقال غيره ما نافية وأن معنى لعل وقيل ما نافية وإن بالكسر ومعناه لا أعلم حالكم في تخلفكم عن الإسلام مع إنهم يدعونكم عمدا ومحصل القصة أن المسلمين صاروا يراعون قومها على سبيل الاستئلاف لهم حتى كان ذلك سببا لاسلامهم وبهذا يحصل الجواب عن الإشكال الذي ذكره بعضهم وهو أن الاستيلاء على الكفار بمجرده يوجب رق النساء والصبيان وإذا كان كذلك فقد دخلت المرأة في الرق باستيلائهم عليها فكيف وقع إطلاقها وتزويدها كما تقدم لنا نقول أطلقت لمصلحة الاستئلاف الذي جر دخول قومها أجمعين في الإسلام ويحتمل أنها ما لها أمان قبل ذلك أو كانت من قوم لهم عهد واستدل به بعضهم على جواز أخذ أموال الناس عند الضرورة بثمن إن كان له ثمن وفيه نظر لأنه بناء على إن الماء كان مملوكا للمرأة وإنها كانت معصومة النفس والمال ويحتاج إلى ثبوت ذلك وإنما قدمناه احتمالا وأما قوله بثمن فكأنه أخذه من إعطائها ما ذكر وليس بمستقيم لأن العطية المذكورة متقومة والماء مثلي وضمان المثلى إنما يكون بالمثل وينعكس ما قاله من جهة أخري وهو أن المأخوذ من فضل الماء للضرورة لا يجب العوض عنه وقال بعضهم فيه جواز طعام المخارجة لأنهم تخارجوا في عوض الماء وهو مبنى على ما تقدم وفيه إن الخوارق لا تغير الأحكام الشرعية قوله قال أبو عبد الله صبأ الخ هذا في رواية المستملى وحده ووقع في نسخة الصغاني صبأ فلان أنخلع واصبأ أي كذلك وكذا قوله وقال أبو العالية الخ وقد وصله بن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عنه وقال غيره هم منسوبون إلى صابئ بن متوشلخ عم نوح عليه السلام وروى بن مردويه بإسناد حسن عن بن عباس قال الصابئون ليس لهم كتاب انتهى ووقع في نسخة الصغاني أصب أمل وهذا سيأتي في تفسير سورة يوسف إن شاء الله تعالى وإنما أورد البخاري هذا هنا ليبين الفرق بين الصابئ المراد
[ 385 ]
في هذا الحديث والصابئ المنسوب للطائفة المذكورة والله أعلم قوله باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض الخ مراده إلحاق خوف المرض وفيه اختلاف بين الفقهاء بخوف العطش ولا اختلاف فيه قوله ويذكر إن عمرو بن العاص هذا التعليق وصله أبو داود والحاكم من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص قال احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت أن اغتسل فأهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت أني سمعت الله يقول ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا وروياه أيضا من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد عن أبي حبيب لكن زاد بين عبد الرحمن بن جبير وعبد الله بن عمرو رجلا وهو أبو قيس مولى عمرو بن العاص وقال في القصة فغسل مغابنه وتوضأ ولم يقل تيمم وقال فيه لو اغتسلت مت وذكر أبو داود إن الأوزاعي روى عن حسان بن عطية هذه القصة فقال فيها فتيمم انتهى ورواها عبد الرزاق من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص ولم يذكر التيمم والسياق الأول أليق بمراد المصنف وإسناده قوي لكنه علقه بصيغة التمريض لكونه اختصره وقد أوهم ظاهر سياقه إن عمرو بن العاص تلا الآية لأصحابه وهو جنب وليس كذلك وإنما تلاها بعد أن رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمره على غزوة ذات السلاسل كما سيأتي في المغازي ووجه استدلاله بالآية ظاهر من سياق الرواية الثانية وقال البيهقي يمكن الجمع بين الروايات بأنه توضأ ثم تيمم عن الباقي وقال النووي وهو متعين قوله فلم يعنف حذف المفعول للعلم به أي لم يلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا فكان ذلك تقريرا دالا على الجواز ووقع في رواية الكشميهني فلم يعنفه بزيادة هاء الضمير وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل برد أو غيره وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قوله حدثنا محمد هو غندر لم يقل الأصيلي هو غندر فكأنها مقول من دون البخاري قوله عن شعبة للاصيلي حدثنا شعبة وسليمان هو الأعمش قوله فإذا لم تجد الماء لا تصلي كذا في روايتنا بتاء الخطاب ويؤيده رواية الاسماعيلي من هذا الوجه ولفظه فقال عبد الله نعم إن لم أجد الماء شهرا لا أصلي وفي رواية كريمة بالياء التحتانية في الموضعين أي إذا لم يجد الجنب قوله قال عبد الله زاد بن عساكر نعم قوله أحدهم كذا للأكثر وللحموي أحدكم قوله قال هكذا فيه إطلاق القول على العمل وقوله يعني تيمم وصلى شرح لقوله هكذا والظاهر أنه مقول أبي موسى قوله فأين قول عمار لعمر هكذا وقع في رواية شعبة مختصرا وبيانه في رواية حفص الآتية ثم رواية أبي معاوية وهي أتم قوله حدثنا عمر بن حفص أي بن الصالح قوله حدثنا الأعمش في رواية أبي ذر وأبي الوقت عن الأعمش وأفادت رواية حفص التصريح بسماع الأعمش من شقيق قوله أرأيت أي أخبرني يا أبا عبد الرحمن وهي كنية بن مسعود قوله إذا أجنب أي الرجل قوله حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم كان يكفيك كذا اختصر المتن وأبهم الآية وسيأتي المراد من ذلك في الباب الذي بعده قوله فدعنا من قول عمار فيه جواز الانتقال من
[ 386 ]
دليل إلى دليل أوضح منه وبما فيه الاختلاف إلى ما فيه الإتفاق وفيه جواز التيمم للجنب بخلاف ما نقل عن عمرو وابن مسعود وفيه إشارة إلى ثبوت حجة أبي موسى لقوله فما درى عبد الله ما يقول وسيأتي الكلام على ذلك وعلى السبب في كون عمر لم يقنع بقول عمار قوله باب التيمم ضربة رواية الأكثر بتنوين باب وقوله التيمم ضربة بالرفع لأنه مبتدأ وخبر وفي رواية الكشميهني بغير تنوين وضربة بالنصب قوله حدثنا محمد بن سلام وللأصيلي محمد هو بن سلام قوله ما كان يتيمم ويصلي ولكريمة والأصيلي أما كان بزيادة همزة الاستفهام ولمسلم كيف يصنع بالصلاة قال عبد الله لا يتيمم وأن لم يجد الماء شهرا ونحوه لأبي داود قال فقال أبو موسى فكيف تصنعون بهذه الآية قوله فكيف تصنعون في سورة المائدة وللكشميهني فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة وسقط لفظ الآية من رواية الأصيلي قوله فلم تجدوا هو بيان للمراد من الآية ووقع في رواية الأصيلي فإن لم تجدوا وهو مغاير للتلاوة وقيل إنه كان كذلك في رواية أبي ذر ثم أصلحها على وفق الآية وإنما عين سورة المائدة لكونها أظهر في مشروعية تيمم الجنب من آية النساء لتقدم حكم الوضوء في المائدة قال الخطابي وغيره فيه دليل على أن عبد الله كان يرى إن المراد بالملامسة الجماع فلهذا لم يدفع دليل أبي موسى وإلا لكان يقول له المراد من الملامسة التقاء البشرتين فيما دون الجماع وجعل التيمم بدلا من الوضوء لا يستلزم جعله بدلا من الغسل قوله إذا برد بفتح الراء على المشهور وحكى الجوهري ضمها قوله قلت وإنما كرهتم هذا لذا قائل ذلك هو شقيق قاله الكرماني وليس كما قال بل هو الأعمش والمقول له شقيق كما صرح بذلك في رواية حفص التي قبل هذه قوله فقال أبو موسى ألم تسمع ظاهره أن ذكر أبي موسى لقصة عمار متأخر عن احتجاجه بالآية وفي رواية حفص الماضية احتجاجه بالآية متأخر عن احتجاجه بحديث عمار ورواية حفص أرجح لأن فيها زيادة أخذت على ضبط ذلك وهي قوله فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية قوله كما تمرغ الدابة بفتح المثناة وضم الغين المعجمة وأصله تتمرغ فحذفت إحدى التاءين قوله إنما كان يكفيك فيه إن الكيفية المذكورة مجزئه فيحمل ما ورد زائدا عليها على الاكمل قوله ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه كذا في جميع الروايات بالشك وفي رواية أبي داود تحرير ذلك من طريق أبي معاوية أيضا ولفظه ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين ثم مسح وجهه وفيه الاكتفاء بضربة واحدة في التيمم ونقله بن المنذر عن جمهور العلماء واختاره وفيه أن الترتيب غير مشترط في التيمم قال بن دقيق العيد اختلف في لفظ هذا الحديث فوقع عند البخاري بلفظ ثم وفي سياقه اختصار ولمسلم بالواو ولفظه ثم مسح الشمال على اليمن وظاهر كفيه ووجهه وللاسماعيلي ما هو أصرح من ذلك قلت ولفظه من طريق هارون الحمال عن أبي معاوية إنما يكفيك أن تضرب بيديك على الأرض ثم تنفضهما ثم تمسح بيمينك على شمالك وشمالك على يمينك ثم تمسح على وجهك قال الكرماني في هذه الرواية اشكال من خمسة أوجه أحدها الضربة الواحدة وفي الطرق الأخرى ضربتان وقد قال النووي الأصح المنصوص ضربتان قلت مراد النووي ما يتعلق بنقل المذهب قوله ألم تر عمر في رواية الأصيلي وكريمة أفلم بزيادة فاء وإنما لم يقنع عمر بقول عمار لكونه أخبره أنه كان معه في تلك الحال
[ 387 ]
وحضر معه تلك القصة كما سيأتي في رواية يعلى بن عبيد ولم يتذكر ذلك عمر أصلا ولهذا قال لعمار فيما رواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبزي اتق الله يا عمار قال إن شئت لم حالا به فقال عمر نوليك ما توليت قال النووي معنى قول عمر اتق الله يا عمار أي فيما ترويه وتثبت فيه فلعلك نسيت أو اشتبه عليك فإني كنت معك ولا أتذكر شيئا من هذا ومعنى قول عمار إن رأيت المصلحة في الإمساك عن التحديث به راجحة على التحديث به وافقتك وأمسكت فإني قد بلغته فلم يبق على فيه حرج فقال له عمر نوليك ما توليت أي لا يلزم من كوني لا أتذكره أن لا يكون حقا في نفس الأمر فليس لي منعك من التحديث به قوله زاد يعلى هو بن عبيد والذي زاده يعلى في هذه القصة قول عمار لعمر بعثني أنا وأنت وبه يتضح عذر عمر كما قدمناه وأما بن مسعود فلا عذر له في التوقف عن قبول حديث عمار فلهذا جاء عنه أنه رجح عن الفتيا بذلك كما أخرجه بن أبي شيبة بإسناد فيه انقطاع عنه ورواية يعلى بن عبيد لهذا الحديث وصلها أحمد في مسنده عنه قوله إنما كان يكفيك هكذا وللكشميهني هذا قوله واحدة أي مسحة واحدة قوله باب كذا للأكثر بلا ترجمة وسقط من رواية الأصيلي أصلا فعلى روايته هو من جملة الترجمة الماضية وعلى الأول هو بمنزلة الفصل من الباب كنظائره قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك وحديثه هذا مختصر من الحديث الطويل الماضي في باب الصعيد الطيب وليس فيه التصريح بكون الضربة في التيمم مرة واحدة فيحتمل أن يكون المصنف أخذه من عدم التقييد لأن المرة الواحدة أقل ما يحصل به الامتثال ووجوبها متيقن والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب التيمم من الأحاديث المرفوعة على سبعة عشر حديثا المكرر منها عشرة منها اثنان معلقان والخالص سبعة منها واحد معلق والبقية موصولة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عمرو بن العاص المعلق وفيه من الموقوفات على الصحابة والتابعين عشرة آثار منها ثلاثة موصولة وهي فتوى عمرو وأبي موسى وابن مسعود ومن براعة الختام الواقعة للمصنف في هذا الكتاب ختمه كتاب التيمم بقوله فإنه يكفيك إشارة إلى إن الكفاية بما أورده تحصل لمن تدبر وتفهم والله سبحانه وتعالى أعلم بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصلاة تقدم في مقدمة هذا الشرح ذكر مناسبة كتب هذا الصحيح في الترتيب ملخصا من كلام شيخنا شيخ الإسلام وفي أوائلها مناسبة تعقيب الطهارة بالصلاة لتقدم الشرط على المشروط والوسيلة على المقصود وقد تأملت كتاب الصلاة منه فوجدته مشتملا على يجري تزيد على العشرين فرأيت أن أذكر مناسبتها في ترتيبها قبل الشروع في شرحها فأقول بدأ أولا بالشروط السابقة على الدخول في الصلاة وهي الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة ودخول الوقت ولما كانت الطهارة تشتمل على يجري أفردها بكتاب واستفتح كتاب الصلاة بذكر فرضيتها لتعين وقته دون غيره من أركان الإسلام وكان ستر العورة لا يختص بالصلاة فبدأ به لعمومه ثم ثنى بالاستقبال للزومه في الفريضة والنافلة إلا ما استثنى كشدة الخوف ونافلة السفر وكان الاستقبال يستدعي مكانا
[ 388 ]
فذكر المساجد ومن توابع الاستقبال سترة المصلي فذكرها ثم ذكر الشرط الباقي وهو دخول الوقت وهو خاص بالفريضة وكان الوقت يشرع الإعلام به فذكر الآذان وفيه إشارة إلى أنه حق الوقت وكان الآذان إعلاما بالاجتماع إلى الصلاة فذكر الجماعة وكان أقلها إماما ومأموما فذكر الإمامة ولما انقضت الشروط وتوابعها ذكر صفة الصلاة ولما كانت الفرائض في الجماعة قد تختص بهيئة مخصوصة ذكر الجمعة والخوف ربع الجمعة لأكثريتها ثم تلا ذلك بما يشرع فيه الجماعة من النوافل فذكر العيدين والوتر والاستسقاء والكسوف وأخره لاختصاصه بهيئة مخصوصة وهي زيادة الركوع ثم تلاه بما فيه زيادة سجود فذكر سجود التلاوة لأنه قد يقع في الصلاة وكان إذا وقع اشتملت الصلاة على زيادة مخصوصة فتلاه بما يقع فيه نقص من عددها وهو قصر الصلاة ولما انقضى ما يشرع فيه الجماعة ذكر ما لا يستحب فيه وهو سائر التطوعات ثم الولاء بعد الشروع فيها شروط ثلاثة وهي ترك الكلام وترك الأفعال الزائدة وترك المفطر فترجم لذلك ثم بطلانها يختص بما وقع على وجه العمد فاقتضى ذلك ذكر أحكام السهو ثم جميع ما تقدم متعلق بالصلاة ذات الركوع والسجود فأعقب ذلك بصلاة لا ركوع فيها ولا سجود وهي الجنازة وهذا آخر ما ظهر من مناسبة ترتيب كتاب الصلاة من هذا الجامع الصحيح ولم يتعرض أحد من الشراح لذلك فلله الحمد على ما الهم بعدم قوله باب كيف فرضت الصلاة وفي رواية الكشميهني والمستملي الصلوات في الإسراء أي في ليلة الإسراء وهذا مصير من المصنف إلى أن المعراج كان في ليلة الإسراء وقد وقع في ذلك اختلاف فقيل كانا في بليلة واحدة في يقظته صلى الله عليه وسلم وهذا هو المشهور عند الجمهور وقيل كانا جميعا في ليلة واحدة في منامه وقيل وقعا جميعا مرتين في ليلتين مختلفتين إحداهما يقظة والأخرى مناما وقيل كان الإسراء إلى بيت المقدس خاصة في اليقظة وكان المعراج مناما أما في تلك الليلة أو في غيرها والذي ينبغي أن لا يجري فيه الخلاف إن الإسراء إلى بيت المقدس كان في اليقظة لظاهر القرآن ولكون قريش كذبته في ذلك ولو كان مناما لم تكذبه فيه ولا في أبعد منه وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة لكن طرقه في الصحيحين تدور على أنس مع اختلاف أصحابه عنه فرواه الزهري عنه عن أبي ذر كما في هذا الباب ورواه قتادة عنه عن مالك بن صعصعة ورواه شريك بن أبي نمر وثابت البناني عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة وفي سياق كل منهم عنه ما ليس عند الآخر والغرض من إيراده هنا ذكر فرض الصلاة فليقع الاقتصار هنا على شرحه ونذكر الكلام على اختلاف طرقه وتغاير ألفاظها وكيفية الجمع بينهما في الموضع اللائق به وهو السيرة النبوية معي الهجرة إن شاء الله تعالى والحكمة في وقوع فرض الصلاة ليلة المعراج أنه لما قدس ظاهرا وباطنا حين غسل بماء زمزم بالإيمان والحكمة ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهور ناسب ذلك أن تفرض الصلاة في تلك الحالة وليظهر شرفه في الملأ الأعلى ويصلي بمن سكنه من الأنبياء وبالملائكة وليناجي ربه ومن ثم كان المصلي يناجي ربه جل وعلا قوله وقال بن عباس هذا طرف من حديث أبي سفيان المتقدم موصولا في بدء الوحي والقائل يأمرنا هو أبو سفيان ومناسبته لهذه الترجمة إن فيه إشارة إلى أن الصلاة فرضت بمكة قبل الهجرة لأن أبا سفيان لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى الوقت الذي اجتمع فيه
[ 389 ]
بهرقل لقاء يتهيأ له معه أن يكون آمرا له بطريق الحقيقة والإسراء كان قبل الهجرة بلا خلاف وبيان الوقت وأن لم يكن من الكيفية حقيقة لكنه من جملة مقدماتها كما وقع وكما ذلك في أول الكتاب في قوله كيف كان بدء الوحي وساق فيه ما يتعلق بالمتعلق بذلك فظهرت المناسبة قوله فرج بضم الفاء وبالجيم أي فتح والحكمة فيه إن الملك انصب إليه من السماء انصبابة واحدة ولم يعرج على شئ سواه مبالغة في المناجاة وتنبيها على أن الطلب وقع على غير ميعاد ويحتمل أن يكون السر في ذلك التمهيد لما وقع من شق صدره فكأن الملك أراه بانفراج السقف والتئامه في الحال كيفية ما سيصنع به لطفا به وتثبيتا له والله اعلم قوله ففرج صدري هو بفتح الفاء وبالجيم أيضا أي شقه ورجح عياض إن شق الصدر كان وهو صغير عند مرضعته حليمة وتعقبه السهيلي بان ذلك وقع مرتين وهو الصواب وسيأتي تحقيقه عند الكلام على حديث شريك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى ومحصله إن الشق الأول كان لاستعداده لنزع العلقة التي قيل له عندها هذا حظ الشيطان منك والشق الثاني كان لاستعداده للتلقي الحاصل له في تلك الليلة وقد روى الطيالسي والحارث في مسنديهما من حديث عائشة إن الشق وقع مرة أخرى عند مجئ جبريل له بالوحي في غار حراء والله أعلم ومناسبته ظاهرة وروى الشق أيضا وهو بن عشر أو نحوها في قصة له مع عبد المطلب أخرجها أبو نعيم في الدلائل وروى مرة أخري خامسة ولا تثبت قوله ثم جاء بطست بفتح الطاء وبكسرها إناء معروف سبق تحقيقه في الوضوء وخص بذلك لأنه آلة الغسل عرفا وكان ذهب لأنه أعلى أواني الجنة وقد أبعد من استدل به على جواز تحلية المصحف وغيره بالذهب لأن المستعمل له الملك فيحتاج إلى ثبوت كونهم مكلفين بما كلفنا به ووراء ذلك إن ذلك كان على أصل الإباحة لأن تحريم الذهب إنما وقع بالمدينة كما سيأتي واضحا في اللباس قوله فنكث كذا وقع بالتذكير على معنى الإناء لا على لفظ الطست لأنها مؤنثه وحكمة وإيمانا بالنصب على التمييز والمعنى إن الطست جعل فيها شئ يحصل به كمال الإيمان والحكمة فسمى حكمة وإيمانا مجازا أو مثلا له بناء على جواز تمثيل المعاني كما يمثل الموت كبشا قال النووي في تفسير الحكمة أقوال كثيرة مضطربة صفا لنا منها إن الحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده والحكيم من حاز ذلك أه ملخصا وقد تطلق الحكمة على القرآن وهو مشتمل على ذلك كله وعلى النبوة كذلك وقد تطلق على العلم فقط وعلى المعرفة فقط ونحو ذلك قوله ثم أخذ بيدي استدل به بعضهم على إن المعراج وقع غير مرة لكون الإسراء إلى بيت المقدس لم يذكر هنا ويمكن أن يقال هو من اختصار الراوي والإتيان بثم المقتضية للتراخي لا ينافي وقوع أمر الإسراء بين الأمرين المذكورين وهما الأطباق والعروج بل يشير إليه وحاصله إن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر ويؤيده ترجمة المصنف كما تقدم قوله فعرج بالفتح أي الملك بي وفي رواية الكشمهيني به على الالتفات أو التجريد قوله افتح يدل على إن الباب كان مغلقا قال بن المنير حكمته التحقق إن السماء لم تفتح إلا من أجله بخلاف ما لو وجده مفتوحا قوله قال جبريل فيه من أدب الاستئذان إن المستأذن يسمى نفسه لئلا يلتبس بغيره قوله أأرسل إليه وللكشميهني أو أرسل إليه يحتمل أن يكون خفي عليه أصل إرساله لاشتغاله بعبادته ويحتمل أن يكون استفهم عن الإرسال إليه للعروج إلى السماء
[ 390 ]
وهو الأظهر لقوله إليه ويؤخذ منه أن رسول الرجل يقوم مقام إذنه لأن الخازن لم يتوقف عن الفتح له على الوحي إليه بذلك بل عمل بلازم الإرسال إليه وسيأتي في هذا حديث مرفوع في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى ويؤيد الاحتمال الأول قوله في رواية شريك أو قد بعث لكنها من المواضع التي تعقبت كما سيأتي تحريرها في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قوله أسودة بوزن أزمنة وهي الأشخاص من كل شئ قوله قلت لجبريل من هذا ظاهره أنه سأل عنه بعد أن قال له آدم مرحبا ورواية مالك بن صعصعة بعكس ذلك وهي المعتمدة فتحمل هذه عليها إذ ليس في هذه أداة ترتيب قوله نسم بنيه النسم بالنون والمهملة المفتوحتين جمع نسمة وهي الروح وحكى بن التين أنه رواه بكسر الشين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف بعدها ميم وهو تصحيف وظاهره إن أرواح بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء وهو مشكل قال القاضي عياض قد جاء إن أرواح الكفار في سجين وأن أرواح المؤمنين منعمة في الجنة يعني فكيف تكون مجتمعة في سماء الدنيا وأجاب بأنه يحتمل أنها تعرض على آدم أوقاتا فصادف وقت عرضها مرور النبي صلى الله عليه وسلم ويدل على إن كونهم في الجنة والنار إنما هو في أوقات دون أوقات قوله تعالى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا واعتر ض بان أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء كما هو نص القرآن والجواب عنه ما أبداه هو احتمالا إن الجنة كانت في جهة يمين آدم والنار في جهة شماله وكان يكشف له عنهما أه ويحتمل أن يقال إن النسم المرئية هي التي لم الخطبة الأجساد بعد وهي مخلوقة قبل الأجساد ومستقرها عن يمين آدم وشماله وقد أعلم بما سيصيرون إليه فلذلك كان يستبشر إذا نظر إلى من عن يمينه ويحزن إذا نظر إلى من عن يساره بخلاف التي في الأجساد فليست مراده قطعا وبخلاف التي انتقلت من الأجساد إلي مستقرها من جنة أو نار فليست مراده أيضا فيما يظهر وبهذا يندفع الإيراد ويعرف أن قوله نسم بنية عام مخصوص أو أريد به الخصوص وأما ما أخرجه بن إسحاق والبيهقي من طريقه في حديث الإسراء فإذا أنا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني والبزار فإذا عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة إذا نظر عن يمينه استبشر وإذا نظر عن شماله حزن فهذا لو صح لكان المصير إليه أولى من جميع ما تقدم ولكن سنده ضعيف قوله قال أنس فذكر أي أبو ذر انه وجد أي النبي صلى الله عليه وسلم قوله ولم يثبت أي أبو ذر قوله وإبراهيم في السماء السادسة هو موافق لرواية شريك عن أنس والثابت في جميع الروايات غير هاتين أنه في السابعه فإن قلنا بتعدد المعراج فلا تعارض وإلا فالأرجح رواية جماعة لقوله فيها أنه رآه مسندا ظهره إلى البيت المعمور وهو في السابعة بلا خلاف وأما ما جاء عن على أنه في السادسة عند شجرة طوبى فإن ثبت حمل على أنه البيت الذي في السادسة بجانب شجرة طوبى لأنه جاء عنه أن في كل سماء بيتا يحاذي الكعبة وكل منها معمور بالملائكة وكذا القول فيما جاء عن الربيع بن أنس وغيره أن البيت المعمور في السماء الدنيا فإنه أمرهم على أول بيت يحاذي الكعبة من بيوت السماوات ويقال إن اسم البيت المعمور الضراح بضم المعجمة وتخفيف الراء وآخره الركعة ويقال بل هو اسم سماء الدنيا ولأنه
[ 391 ]
قال هنا أنه لم يثبت كيف منازلهم فرواية من أثبتها أرجح وسأذكر مزيدا لهذا في كتاب التوحيد قوله قال أنس فلما مر ظاهره أن هذه القصة لم يسمعها أنس من أبي ذر قوله مر جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم بإدريس الباء الأولى للمصاحبة والثانية للإلصاق أو بمعنى على قوله ثم مررت بعيسى ليست ثم على بابها في الترتيب إلا إن قيل بتعدد المعراج إذ الروايات متفقة على إن المرور به كان قبل المرور بموسى قوله قال بن شهاب فأخبرني بن حزم أي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وأما أبوه محمد فلم يسمع الزهري منه لتقدم موته لكن رواية أبي بكر عن أبي حبة منقطعة لأنه استشهد بأحد قبل مولد أبي بكر بدهر وقبل مولد أبيه محمد أيضا وأبو حبة بفتح المهملة وبالموحدة المشددة على المشهور وعند القابسي بمثناة تحتانية وغلط في ذلك وذكره الواقدي بالنون قوله حتى ظهرت أي ارتفعت والمستوى المصعد وصريف الأقلام بفتح الصاد المهملة تصويتها حالة الكتابة والمراد ما تكتبه الملائكة من أقضية الله سبحانه وتعالى قوله قال بن حزم أي عن شيخه وأنس أي عن أبي ذر كذا جزم به أصحاب الأطراف ويحتمل أن يكون مرسلا من جهة بن حزم ومن رواية أنس بلا واسطة قوله ففرض الله على أمتي خمسين صلاة في رواية ثابت عن أنس عند مسلم فرض الله على خمسين صلاة كل يوم وليلة ونحوه في رواية مالك بن صعصعة عند المصنف فيحتمل أن يقال في كل من رواية الباب والرواية الأخرى اختصار أو يقال ذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على الأمة وبالعكس إلا ما يستثنى من خصائصه قوله فراجعني وللكشميهني فراجعت والمعنى واحد قوله فوضع شطرها في رواية مالك بن صعصعة فوضع عني عشرا ومثله لشريك وفي رواية ثابت فخط عني خمسا قال بن المنير ذكر الشطر أعم من كونه وقع في دفعة واحدة قلت وكذا العشر فكأنه وضع العشر في دفعتين والشطر في خمس دفعات أو المراد بالشطر في حديث الباب البعض وقد حققت رواية ثابت إن التخفيف كان خمسا خمسا وهي زيادة معتمدة يتعين حمل باقي الروايات عليها وأما قول الكرماني الشطر هو النصف ففي المراجعة الأولى وضع خمسا وعشرين وفي الثانية ثلاثة عشر يعني انصف الخمسة والعشرين بخبر الكسر وفي الثالثة سبعا كذا قال وليس في حديث الباب في المراجعة الثالثة ذكر وضع شئ إلا أن يقال حذف ذلك اختصارا فيتجه لكن الجمع بين الروايات يأبى هذا الحمل فالمعتمد ما تقدم وأبدى بن المنير هنا نكتة لطيفة في قوله صلى الله عليه وسلم لموسى عليه السلام لما أمره أن يرجع بعد أن صارت خمسا فقال استحييت من ربي قال بن المنير يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم تفرس من كون التخفيف وقع خمسا خمسا أنه لو سأل التخفيف بعد أن صارت خمسا لكان سائلا في رفعها فذلك استحيى أه ودلت مراجعته صلى الله عليه وسلم لربه في طلب التخفيف تلك المرات كلها أنه علم إن الأمر في كل مرة لم يكن على سبيل الإلزام بخلاف المرة الأخيرة ففيها ما يشعر بذلك لقوله سبحانه وتعالى لا يبدل القول لدى ويحتمل أن يكون سبب الاستحياء إن العشرة آخر جمع القلة وأول جمع الكثرة فخشي أن يدخل في الإلحاح في السؤال لكن الإلحاح في الطلب من الله مطلوب فكأنه خشي من عدم القيام بالشكر والله أعلم وسيأتي في التوحيد زيادة في هذا ومخالفة وأبدى بعض الشيوخ حكمة لاختيار موسى تكرير ترداد النبي صلى الله عليه وسلم فقال لما كان موسى قد سأل الرؤية فمنع وعرف أنها حصلت لمحمد صلى الله عليه وسلم قصد بتكرير رجوعه
[ 392 ]
تكرير رؤيته ليرى من رأى كما قيل لعلي أراهم أو أرى من رآهم قلت ويحتاج إلى ثبوت تجدد الرؤية في كل مرة قوله هن خمس وهن خمسون وفي رواية غير أبي ذر هي بدل هن في الموضعين والمراد هن خمس عددا باعتبار الفعل وخمسون اعتدادا باعتبار النصارى واستدل به على عدم فرضية ما زاد على الصلوات الخمس كالوتر وعلى دخول النسخ في الإنشاآت ولو كانت مؤكدة خلافا لقوم فيما أكد وعلى جواز النسخ قبل الفعل قال بن بطال وغيره ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلي ثم تفضل عليهم بان أكمل لهم النصارى وتعقبه بن المنير فقال هذا ذكره طوائف من الاصوليين مناقضتهم وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة أو منعه كالمعتزلة لكونهم اتفقوا جميعا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعا قال وهذه نكتة اضطرك قلت أن أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع وأن أراد قبل البلاغ إلى الأمة فمسلم لكن قد يقال ليس هو بالنسبة إليهم نسخا لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كلف بذلك قطعا ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلم والله اعلم وسيأتي لذلك مزيد في شرح حديث الإسراء في الترجمة النبوية إن شاء الله تعالى قوله حبايل اللؤلؤ كذا وقع لجميع رواة البخاري في هذا الموضع بالحاء المهملة ثم الموحدة بعد الألف تحتانية ثم لام وذكر كثير من الأئمة أنه تصحيف وإنما هو جنابذ بالجيم والنون وبعد الألف موحدة ثم ذال غدا كما وقع عند المصنف في أحاديث الأنبياء من رواية بن المبارك وغيره عن يونس وكذا عند غيره من الأئمة ووجدت في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر في هذا الموضع جنابذ على الصواب وأظنه من إصلاح بعض الرواة وقال بن حزم في أجوبته على مواضع من البخاري فتشت على هاتين اللفظتين فلم أجدهما ولا واحدة منهما ولا وقفت على معناهما انتهى وذكر غيره إن الجنابذ العطار القباب وأحدها جنبذه بالضم وهو ما ارتفع من البناء فهو فارسي معرب وأصله بلسانهم كنبذة بوزنه لكن الموحدة مفتوحة والكاف ليست خالصة ويؤيده ما رواه المصنف في التفسير من طريق شيبان عن قتادة عن أنس قال لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم قال أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ وقال صاحب المطالع في الحبائل قيل هي القلائد والعقود أو هي من حبال الرمل أي فيها لؤلؤ مثل حبال الرمل جمع حبل وهو ما استطال من الرمل وتعقب بان الحبائل لا تكون إلا جمع حبالة أو حبيلة بوزن عظيمة وقال بعض من اعتنى بالبخاري الحبائل جمع حبالة وحبالة جمع حبل على غير قياس والمراد إن فيها عقودا وقلائد من اللؤلؤ قوله عن عائشة قالت فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين كررت لفظ ركعتين لتفيد عموم التثنية لكل صلاة زاد بن إسحاق قال حدثني صالح بن جلس بهذا الإسناد الا المغرب فإنها كانت ثلاثا أخرجه أحمد من طريقه وللمصنف في كتاب الهجرة من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعا فعين في هذه الرواية إن الزيادة في قوله هنا وزيد في صلاة الحضر وقعت بالمدينة وقد أخذ بظاهر هذا الحديث الحنفية وبنوا عليه إن القصر في السفر عزيمة لا رخصة واحتج مخالفوهم بقوله سبحانه وتعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة لأن نفي الجناح لا يدل على العزيمة
[ 393 ]
والقصر إنما يكون من شئ أطول منه ويدل على أنه رخصة أيضا قوله صلى الله عليه وسلم صدقة تصدق الله بها عليكم وأجابوا عن حديث الباب بأنه من قول عائشة غير مرفوع وبانها لم تشهد زمان فرض الصلاة قاله الخطابي وغيره وفي هذا الجواب نظر أما أولا فهو مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع وأما ثانيا فعلى تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابي وهو حجة لأنه يحتمل أن تكون أخذته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر أدرك ذلك وأما قول إمام الحرمين لو كان ثابتا لنقل متواترا ففيه أيضا نظر التواتر في مثل هذا غير السري وقالوا أيضا بعارض حديث عائشة هذا حديث بن عباس فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين أخرجه مسلم والجواب أنه يمكن الجمع بين حديث عائشة وابن عباس كما سيأتي فلا تعارض وألزموا الحنفية على قاعدتهم فيما إذا عارض أجرة الصحابي روايته بأنهم يقولون العبرة بما رأى لا بما روى وخالفوا ذلك هنا فقد ثبت عن عائشة أنها كانت تتم في السفر فدل ذلك على أن المروي عنها غير ثابت والجواب عنهم أن عروة الراوي عنها قد قال لما سئل عن إتمامها في السفر أنها تأولت كما تأول عثمان فعلى هذا لا تعارض بين روايتها وبين رأيها فروايتها صحيحة ورأيها مبنى على ما تأولت والذي يظهر لي وبه تجتمع الأدلة السابقة أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زيدت بعد الهجرة عقب الهجرة إلا الصبح كما روى بن خزيمة وابن حبان والبيهقي من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب لأنها وتر النهار أه ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة وهي قوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ويؤيد ذلك ما ذكره بن الأثير في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة وهو مأخوذ مما ذكره غيره أن نزول آية الخوف كان فيها وقيل كان قصر الصلاة في ربيع الآخر من السنة الثانية ذكره الدولابي وأورده السهيلي بلفظ بعد الهجرة بعام أو نحوه وقيل بعد الهجرة بأربعين يوما فعلى هذا المراد بقول عائشة فأقرت صلاة السفر أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف لا أنها استمرت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك إن القصر عزيمة وأما ما وقع في حديث بن عباس والخوف ركعة فالبحث فيه يجئ إن شاء الله تعالى في صلاة الخوف فائدة ذه‍ ب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة الا ما كان وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداوة وركعتين بالعشي وذكر الشافعي عن بعض أهل العلم إن صلاة الليل كانت مفروضة ثم نسخت بقوله تعلى فاقرءوا ما تيسر منه فصار الفرض قيام بعض الليل ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس واستنكر محمد بن نصر المروزي ذلك وقال الآية أخذت على إن قوله تعالى فاقرءوا ما تيسر منه إنما نزل بالمدينة لقوله تعالى فيها وآخرون يقاتلون في سبيل الله والقتال إنما وقع بالمدينة لا بمكة والإسراء كان بمكة قبل ذلك أه وما استدل به غير واضح لأن قوله تعالى علم أن سيكون ظاهر في الاستقبال فكأنه سبحانه وتعالى أمتن عليهم بتعجيل التخفيف قبل وجود المشقة التي علم أنها ستقع لهم والله أعلم
[ 394 ]
قوله باب وجود الصلاة في الثياب وقول الله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد يشير بذلك إلى ما أخرجه مسلم من حديث بن عباس قال كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة الحديث وفيه فنزلت خذوا زينتكم ووقع في تفسير طاوس قال في قوله تعالى خذوا زينتكم قال الثياب وصله البهيقي ونحوه عن مجاهد ونقل بن حزم الاتفاق على إن المراد ستر العورة قوله ومن صلى ملتحفا في ثوب واحد هكذا ثبت للمستملي وحده هنا وسيأتي قريبا في باب مفرد وعلى تقدير ثبوته هنا فله تعلق بحديث سلمة المعلق بعده كما سيظهر من سياقه قوله ويذكر عن سلمة قد بين السبب في ترك جزمه به بقوله وفي إسناده نظر وقد وصلها المصنف في تاريخه وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان واللفظ له من طريق الدراوردي عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن سلمة بن الأكوع قال قلت يا رسول الله إني رجل أتصيد أفأصلي في القميص الواحد قال نعم زره ولو بشوكة ورواه البخاري أيضا عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة زاد في الإسناد رجلا ورواه أيضا عن مالك بن إسماعيل عن عطاف بن خالد قال حدثنا موسى بن إبراهيم قال حدثنا سلمة فصرح بالتحديث بين موسى وسلمة فاحتمل أن يكون رواية أبي أويس من المزيد في متصل الأسانيد أو يكون التصريح في رواية عطاف وهما فهذا وجه النظر في إسناده وأما من صححه فاعتمد رواية الدراوردي وجعل رواية عطاف شاهدة لاتصالها وطريق عطاف أخرجها أيضا أحمد والنسائي وأما قول بن القطان إن موسى هو بن محمد بن إبراهيم التيمي المضعف عند البخاري وأبي حاتم وأبي داود وأنه نسب هنا إلى جده فليس بمستقيم لأنه نسب في رواية البخاري وغيره تفاسد وهو غير التيمي بلا تردد نعم وقع عند الطحاوي موسى بن محمد بن إبراهيم فإن كان محفوظا فيحتمل على بعد أن يكونا جميعا رويا الحديث وحمله عنهما الدراوردي وإلا فذكر محمد فيه شاذ والله اعلم قوله يزره بضم الزاي في وتشديد الراء أي يشد إزاره ويجمع بين طرفيه لئلا تبدو عورته ولو لم يمكنه ذلك الا بان يغرز في طرفيه شوكة يستمسك بها وذكر المؤلف حديث سلمة هذا إشارة إلى أن المراد بأخذ الزينة في الآية السابقة لبس الثياب لا تحسينها قوله ومن صلى في الثوب يشير إلى ما رواه أبو داود والنسائي وصححه بن خزيمة وابن حبان من طريق معاوية بن أبي سفيان أنه سأل أخته أم حبيبة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه قالت نعم إذا لم ير فيه أذى وهذا من الأحاديث التي تضمنتها تراجم هذا الكتاب بغير صيغة رواية حتى ولا التعليق قوله ما لم ير فيه أذى سقط لفظ فيه من رواية المستملي والحموي قوله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أشار بذلك إلى حديث أبي هريرة في بعث على في حجة أبي بكر بذلك وقد وصله بعد قليل لكن ليس فيه التصريح بالأمر وروى أحمد بإسناد حسن من حديث أبي بكر الصديق نفسه إن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان الحديث ووجه الاستدلال به للباب إن الطواف إذا منع فيه التعري فالصلاة أولى إذ يشترط فيها ما يشترط في الطواف وزيادة وقد ذهب الجمهور إلى إن ستر العورة من شروط الصلاة وعن بعض المالكية التفرقة بين الذاكر والناسي ومنهم من أطلق كونه سنة لا يبطل تركها
[ 395 ]
الصلاة واحتج بأنه لو كان شرطا في الصلاة لاختص بها ولافتقر إلى النية ولكان العاجز العريان ينتقل إلى بدل كالعاجز عن القيام ينتقل إلى القعود والجواب عن الأول النقض بالإيمان فهو شرط في الصلاة ولا يختص بها وعن الثاني باستقبال القبلة فإنه لا يفتقر للنية وعن الثالث على ما فيه بالعاجز عن القراءة ثم عن التسبيح فإنه يصلي ساكتا قوله حدثنا يزيد بن إبراهيم هو التستري ومحمد هو بن سيرين والإسناد كله بصريون وكذا المعلق بعده قوله أمرنا بضم الهمزة ولمسلم من طريق هشام عن حفصة عن أم عطية قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم هذا الحديث في الطهارة بأتم من هذا السياق في باب شهود الحائض العيدين وتقدم الكلام عليه ثم قوله يوم العيدين وفي رواية المستملى والكشميهني يوم العيد بالافراد قوله ويعتزل الحيض عن مصلاهن أي النساء اللاتي لسن بحيض وللمستملي عن مصلاهم على التغليب وللكشميهني عن المصلي والمراد به موضع الصلاة ودلالته على الترجمة من جهة تأكيد الأمر باللبس حتى بالعارية للخروج إلى صلاة العيد فيكون ذلك للفريضة أولى قوله وقال عبد الله بن رجاء هو الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة وبعد الألف نون هكذا في أكثر الروايات ووقع عند الأصيلي في عرضه على أبي زيد بمكة حدثنا عبد الله بن رجاء قال وفي بعض النسخ عن أبي زيد وقال عبد الله بن رجاء كما قال الباقون قلت وهذا هو الذي اعتمده أصحاب الأطراف والكلام على رجال هذا الكتاب وعمران المذكور هو القطان وفائدة التعليق عنه تصريح محمد بن سيرين بتحديث أم عطية له فبطل ما تخيله بعضهم من أن محمدا إنما سمعه من أخته حفصة عن أم عطية وقد رويناه موصولا في الطبراني الكبير حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا عبد الله بن رجاء والله أعلم قوله باب عقد الإزار على القفا هو بالقصر قوله وقال أبو حازم هو بن دينار وقد ذكره بتمامه موصولا بعد قليل قوله صلوا بلفظ الماضي أي الصحابة وعاقدي جمع عاقد وحذفت النون للإضافه وهو في موضع الحال وفي رواية الكشميهني عاقدو وهو خبر مبتدأ محذوف أي وهم عاقدو وإنما كانوا يفعلون ذلك لأنهم لم يكن لهم سراويلات فكان أحدهم يعقد إزاره في قفاه ليكون مستورا إذا ركع وسجد وهذه الصفة صفة أهل الصفة كما سيأتي في باب نوم الرجال في المسجد قوله حدثني حكى هو أخو عاصم بن محمد الراوي عنه ومحمد أبوهما هو بن زيد بن عبد الله بن عمر وواقد ومحمد بن المنكدر مدنيان تابعيان من طبقة واحدة قوله من قبل بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة قفاه قوله المشجب بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الجيم بعدها موحدة هو عيدان تضم رؤوسها ويفرج بين قوائمها توضع عليها الثياب وغيرها وقال بن سيده المشجب والشجاب خشبات ثلاث يعلق عليها الراعي دلوه وسقاءه ويقال في المثل فلان كالمشجب من حيث قصدته وجدته قوله فقال له قائل وقع في رواية مسلم أنه عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت وسيأتي قريبا أن سعيد بن الحارث سأله عن هذه المسألة ولعلها جميعا سألاه وسيأتي عند المصنف في باب الصلاة بغير رداء من طريق بن المنكدر أيضا فقلنا يا أبا عبد الله فلعل السؤال تعدد وقال في الجواب بن المنكدر فأحببت أن يراني الجهال مثلكم وعرف به أن المراد بقوله هنا أحمق أي جاهل والحمق وضع الشئ في غير موضعه مع العلم بقبحه قاله في النهاية والغرض بيان جواز الصلاة في الثوب
[ 396 ]
الواحد ولو كانت الصلاة في الثوبين أفضل فكأنه قال صنعته عمدا لبيان الجواز أما ليقتدي بي الجاهل ابتداء أو فقلنا على فألهمه إن ذلك جائز وإنما اغلظ لهم في الخطاب زجرا عن الإنكار على العلماء وليحثهم على البحث عن الأمور الشرعية قوله وأينا كان له أي كان أكثرنا في عهده صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا الثوب الواحد ومع ذلك فلم يكلف تحصيل ثوب ثان ليصلي فيه فدل على الجواز وعقب المصنف حديثه هذا بالرواية الأخرى المصرحة بأن ذلك وقع من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليكون بيان الجواز به أوقع في النفس لكونه أصرح في الرفع من الذي قبله وخفي ذلك على الكرماني فقال دلالته أي الحديث الأخير على الترجمة وهي عقد الإزار على القفا إما لأنه مخروم من الحديث السابق أي هو طرف من الذي قبله وأما لأنه يدل عليه بحسب الغالب إذ لولا عقده على القفا لما ستر العورة غالبا أه ولو تأمل يسير وسياقه بعد ثمانية أبواب لعرف اندفاع احتمالية فإنه طرف من الحديث المذكور وهناك لا من السابق ولا ضرورة إلى ما ادعاه من الغلبة فإن يسير وهو يصلي في ثوب ملتحفا به وهي قصة أخرى فيما يظهر كان الثوب فيها واسعا فالتحف به وكان في الأولى ضيقا فعقده وسيأتي ما يؤيد هذا التفصيل قريبا فائدة كان الخلاف في منع جواز الصلاة في الثوب الواحد قديما روى بن أبي شيبة عن بن مسعود قال لا تصلين في ثوب واحد وإن كان أوسع ما بين السماء والأرض ونسب بن بطال ذلك لابن عمر ثم قال لم يتابع عليه ثم استقر الأمر على الجواز قوله حدثنا مطرف هو بن عبد الله بن سليمان الأصم صاحب مالك مدني هو وباقي رجال إسناده وقد شارك أبا مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري في صحبة مالك وفي رواية الموطأ عنه وفي كنيته لكن أحمد مشهور بكنيته أكثر من اسمه ومطرف بالعكس قوله باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به لما كانت الأحاديث الماضية في الاقتصار على الثوب الواحد مطلقة أردفها بما يدل على أن ذلك يختص بحال الضيق أو بحال بيان الجواز قوله قال الزهري في حديثه أي الذي رواه في الالتحاف والمراد أما حديثه عن سالم بن عبد الله عن أبيه وهو عند بن أبي شيبة وغيره أو عن سعيد عن أبي هريرة وهو عند أحمد وغيره والذي يظهر أن قوله وهو المخالف الخ من كلام المصنف قوله وقالت أم هاني سيأتي حديثها موصولا في أواخر الباب لكن ليس فيه وخالف بين طرفيه وهو عند مسلم من وجه آخر عن أبي مرة عنها ورواه أحمد من ذلك الوجه بلفظ المعلق قوله حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا هشام بن عروة هذا الإسناد له حكم الثلاثيات وأن لم تكن له صورتها لأن أعلى ما يقع للبخاري ما بينه وبين الصحابي فيه اثنان فإن كان الصحابي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم فحينئذ توجد فيه صورة الثلاثي وأن كان يرويه عن صحابي آخر فلا لكن الحكم من حيث العلو واحد لصدق أن بينه وبين الصحابي اثنين وهكذا نقول بالنسبة إلى التابعي إذا لم يقع بينه وبينه الا واحد فإن رواه التابعي عن صحابي فعلى ما تقدم وإن رواه عن تابعي آخر فله حكم العلو لا صورة الثلاثي كهذا الحديث فإن هشام بن عروة من التابعين لكنه حدث هنا عن تابعي آخر وهو أبوه فلو رواه عن صحابي ورواه ذلك الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان ثلاثيا والحاصل أن هذا من العلو النسبي لا المطلق والله أعلم ثم أورد المصنف الحديث المذكور بنزول درجة من رواية يحيى القطان عن هشام وهو بن عروة المذكور وفائدته ما وقع
[ 397 ]
فيه من التصريح بان الصحابي شاهد النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ما نقل عنه أولا بالصورة المحتملة وفيه تعيين المكان وهو بيت أم سلمة وهي والدة الصحاي المذكور عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه زيادة كون طرفي الثوب على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم على أن الاسماعيلي قد أخرج الحديث المذكور من طريق عبيد الله بن موسى وفيه جميع الزيادة فكأن عبيد الله حدث به البخاري مختصرا وفائدة إيراد المصنف الحديث المذكور ثالثا بالنزول أيضا من رواية أبي أسامة عن هشام تصريح هشام عن أبيه بأن عمر أخبره ووقع في الكلب الماضيتين بالعنعنه وفيه أيضا ذكر الاشتمال وهو مطابق لما تقدم من التفسير قوله مشتملا به بالنصب للأكثر على الحال وفي رواية المستملى والحموي بالجر على المجاورة أو الرفع على الحذف قال بن بطال فائدة الالتحاف المذكور أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود قوله عن أبي النضر هو المدني وأبو مرة تقدم ذكره في العلم وعرف هنا بأنه مولى أم هانئ وهناك بأنه مولى عقيل وهو مولى أم هانئ حقيقة وأما عقيل فلكونه أخاها فنسب إلى ولائه مجازا بأدنى ملابسة أو لكونه كان يكثر ملازمة عقيل كما وقع لمقسم مع بن عباس وقد تقدم الكلام على أوائل هذا الحديث في الغسل في باب التستر ويأتي الكلام عليه أيضا في صلاة الضحى وموضع الحاجة منه هنا إن أم هانئ وصفت الالتحاف المذكور في هذه الطريق الموصولة بأنه المخالفة بين طرفي الثوب على العاتقين في الرواية المعلقة قبل فطابق التفسير المتقدم في الترجمة قوله زعم بن أمي هو على بن أبي طالب وفي رواية الحموي بن أبي وهو صحيح في المعنى فإنه شقيقها وعزم هنا بمعنى ادعى وقولها قاتل رجلا فيه إطلاق اسم الفاعل على من زعم على التلبس بالفعل قوله فلان بن هبيرة بالنصب على البدل أو الرفع على الحذف وعند أحمد والطبراني من طريق أخرى عن أبي مرة عن أم هانئ أني أجرت حموين لي قال أبو العباس بن سريج وغيره هما جعدة بن هبيرة ورجل آخر من بني مخزوم كانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان فأجارتهما أم هانئ وكانا من احمائها وقال بن الجوزي إن كان بن هبيرة منهما فهو جعدة كذا قال وجعدة معدود فيمن له ولم تصح له صحبه وقد ذكره من حيث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما فكيف يتهيأ لمن هذه سبيله في صغر السن أن يكون عام الفتح مقاتلا حتى يحتاج إلى الأمان ثم لو كان ولد أم هانئ لم يهتم على بقتله لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها وجوز بن عبد البر أن يكون ابنا هبيرة من غيرها مع نقله عن أهل النسب إنهم لم يذكروا لهبيرة ولدا من غير أم هانئ وجزم بن هشام في تهذيب اصناما بأن اللذين أجارتهما أم هانئ هما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان وروى الأزرقي بسند فيه الواقدي في حديث آم هانئ هذا إنهما الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة وحكى بعضهم إنهما الحارث بن هشام وهبيرة بن أبي وهب وليس بشئ لأن هبيرة هرب عند فتح مكة إلي نجران فلم يزل بها مشركا حتى مات كذا جزم به بن إسحاق وغيره فلا يصح ذكره فيمن أجارته أم هانئ وقال الكرماني قال الزبير بن بكار فلان بن هبيرة هو الحارث بن هشام انتهى وقد يطلق في كلام الزبير وإنما وقع عند الزبير في هذه القصة موضع فلان بن هبيرة الحارث بن هشام والذي يظهر لي أن في رواية الباب حذفا كأنه كان فيه فلان بن عم هبيرة فسقط لفظ عم أو كان
[ 398 ]
فيه فلان قريب هبيرة فتغير لفظ قريب بلفظ بن وكل نم الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه بن عم هبيرة وقريبه لكون الجميع من بني مخزوم وسيأتي الكلام على ما يتعلق بأمان المرأة في آخر كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى قوله إن سائلا سأل لم اقف على اسمه لكن ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفي في كتابه المبسوط أن السائل ثوبان قوله أو لكلكم قال الخطابي يسير أستخبار ومعناه الأخبار عما هم عليه من قلة الثياب ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوى كأنه يقول إذا علمتم إن ستر العورة فرض الصلاة لازمة وليس لكل أحد منكم ثوبان فكيف لم تعلموا إن الصلاة في الثوب الواحد جائز أي مع مراعاة ستر العورة به وقال الطحاوي معناه لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد لكرهت لمن لا يجد إلا ثوبا واحدا انتهى وهذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره والسؤال إنما كان عن الجواز وعدمه لا عن الكراهة فائدة روى بن حبان هذا الحديث من طريق الأوزاعي عن بن شهاب لكن قال في الجواب ليتوشح به ثم ليصل فيه فيحتمل إن يكونا حديثين أو حديثا واحدا فرقة الرواة وهو الأظهر وكأن المصنف أشار إلى هذا لذكره التوشح في الترجمة والله أعلم قوله باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه أي بعضه في رواية عاتقه بالافراد والعاتق هو ما بين المنكبين إلى أصل العنق وهو مذكر وحكى تأنيثه قوله لا يصلي قال بن الأثير كذا هو في الصحيحين بإثبات الياء ووجهه أن لا نافية وهو خبر بمعنى النهي قلت ورواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق الشافعي عن مالك بلفظ لا يصل بغير ياء ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن مالك بلفظ لا يصلين بزيادة نون التأكيد ورواه الاسماعيلي من طريق الثوري عن أبي الزناد بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ليس على عاتقيه شئ زاد مسلم من طريق بن عيينة عن أبي الزناد منه شئ والمراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه بل يتوشح بهما على عاتقيه ليحصل الستر لجزء من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة قوله حدثنا شيبان هو بن عبد الرحمن قوله سمعته أي قال يحيى سمعت عكرمة ثم تردد هل سمعه ابتداء أو جواب سؤال منه هذا ظاهر هذه الرواية وأخرجه الاسماعيلي عن مكي بن عبدان عن حمدان السلمي عن أبي نعيم بلفظ سمعته أو كتب به إلى فحصل التردد بين السماع والكتابة قال الاسماعيلي ولا أعلم أحدا ذكر فيه سماع يحيى من عكرمة يعني بالجزم قال وقد رويناه من طريق حسين بن محمد عن شيبان بالتردد في السماع أو الكتابة أيضا قلت قد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن يزيد بن هارون عن شيبان نحو رواية البخاري قال سمعته أو كنت سألته فسمعته أخرجه أبو نعيم في المستخرج قوله اشهد ذكره تأكيدا لحفظه واستحضاره قوله من صلى في ثوب زاد الكشميهني واحد ودلالته على الترجمة من جهة إن المخالفة بين الطرفين لا تتيسر إلا بجعل شئ من الثوب على العاتق كذا قال الكرماني وأولى من ذلك أن في بعض طرق هذا الحديث التصريح بالمراد فأشار إليه المصنف كعادته فعند أحمد من طريق معمر عن يحيى فيه فليخالف بين طرفيه على عاتقيه وكذا للاسماعيلي وأبي نعيم من طريق حسين عن شيبان وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب والنهي في الذي قبله على التنزيه وعن أحمد لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه جعله من الشرائط
[ 399 ]
وعنه تصح ويأثم جعله واجبا مستقبلا وقال الكرماني ظاهر النهي يقتضي التحريم لكن الإجماع منعقد على جواز تركه كذا قال وغفل عما ذكره بعد قليل عن النووي من حكاية ما نقلناه عن احمد وقد نقل بن المنذر عن محمد بن على على عدم الجواز وكلام الترمذي يدل على ثبوت الخلاف أيضا وقد تقدم ذلك قبل بباب وعقد الطحاوي له بابا في شرح المعاني ونقل المنع عن بن عمر ثم عن طاوس والنخعي ونقله غيره عن بن وهب وابن جرير وجمع الطحاوي بين أحاديث الباب بان الأصل أن يصلي مشتملا فإن ضاق اتزر ونقل الشيخ تقي الدين السبكي وجوب ذلك عن نص الشافعي واختاره لكن المعروف في كتب الشافعية خلافه واستدل الخطابي على عدم الوجوب بأنه صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة قال ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسع لأن يتزر به ويفضل منه ما كان لعاتقه وفيما قاله نظر لا يخفى والظاهر من يطلق المصنف التفصيل بين ما إذا كان الثوب واسعا فيجب وبين ما إذا كان ضيقا فلا يجب وضع شئ منه على العاتق وهو اختيار بن المنذر وبذلك تظهر مناسبة تعقيبه بباب إذا كان الثوب ضيقا قوله في بعض أسفاره عينه مسلم في روايته من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة عن جابر غزوة بواط وهو بضم الموحدة وتخفيف الواو وهي من أوائل مغازيه صلى الله عليه وسلم قوله لبعض أمري أي حاجتي وفي رواية مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان أرسله هو جبار بن صخر لتهيئة الماء في المنزل قوله ما السرى أي ما سبب سراك أي سيرك في الليل قوله ما هذا الاشتمال كأنه استفهام إنكار قال الخطابي الاشتمال الذي أنكره هو إن يدير الثوب على بدنه كله لا يخرج منه يده قلت كأنه أخذه من تفسير الصماء على أحد الأوجه لكن بين مسلم في روايته إن الإنكار كان بسبب إن الثوب كان ضيقا وأنه خالف بين طرفيه وتواقص أي انحنى عليه كأنه عند المخالفة بين طرفي الثوب لم يصر ساترا فانحنى ليستتر فاعلمه صلى الله عليه وسلم بأن محل ذلك ما إذا كان الثوب واسعا فأما إذا كان ضيقا فإنه يجزئه أن يتزر به لأن القصد الأصلي ستر العورة وهو يحصل بالائتزار ولا يحتاج إلى التواقص المغاي للاعتدال المأمور به قوله كان ثوب كذا لأبي ذر وكريمة بالرفع على أن كان تامة ولغيرهما بالنصب أي كان المشتمل به ثوبا زاد الاسماعيلي ضيقا قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وسفيان هو الثوري وأبو حازم هو بن دينار وسهل هو بن سعد قوله كان رجال التنكير فيه للتنويع وهو يقتضي أن بعضهم كان بخلاف ذلك وهو كذلك ووقع في رواية أبي داود رأيت الرجال واللام فيه للجنس فهو في حكم النكرة قوله عاقدي أزرهم على أعناقهم في رواية أبي داود من طريق وكيع عن الثوري عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر ويؤخذ منه أن الثوب إذا أمكن الالتحاف به كان أولى من الائتزار لأنه أبلغ في التستر قوله وقال للنساء قال الكرماني فاعل قال هو النبي صلى الله عليه وسلم كذا جزم به وقد وقع في رواية الكشميهني ويقال لنساء وفي رواية وكيع فقال قائل يا معشر النساء فكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر من يقول لهن ذلك ويغلب على الظن أنه بلال وإنما نهى النساء عن ذلك لئلا يلمحن عند رفع رؤوسهن من السجود شيئا من عورات الرجال بسبب ذلك عند نهوضهم وعند أحمد وأبي داود التصريح بذلك من حديث أسماء بنت أبي بكر ولفظه فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رؤوسهم كراهية أن يرين عورات الرجال
[ 400 ]
ويؤخذ منه أنه لا يجب التستر من أسفل قوله باب الصلاة في الجبة الشامية هذه الترجمة معقودة لجواز الصلاة في ثياب الكفار ما لم يتحقق نجاستها وإنما عبر بالشامية مراعاة للفظ الحديث وكانت الشام إذ ذاك دار كفر وقد تقدم في باب المسح على الخفين إن في بعض طرق حديث المغيرة إن الجبة كانت صوفا وكانت من ثياب الروم ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لبسها ولم يستفصل وروى عن أبي حنيفة كراهية الصلاة فيها إلا بعد الغسل وعن مالك إن فعل يعيد في الوقت قوله وقال الحسن أي البصري وفالبكر بكسر السين المهملة وضمها وبضم الجيم قوله المجوسي كذا للحموي والكشميهني بلفظ المفرد والمراد الجنس وللباقين المجوس بصيغة الجمع قوله لم ير أي الحسن وهو من باب التجريد أو هو مقول الراوي وهذا الأثر وصله أبو نعيم بن حماد في نسخته المشهورة عن معتمر عن هشام عنه ولفظه لا بأس بالصلاة في الثوب الذي ينسجه المجوسي قبل أن يغسل ولأبي نعيم في كتاب الصلاة عن الربيع عن الحسن لا بأس بالصلاة في رداء اليهودي والنصراني وكره ذلك بن سيرين رواه بن أبي شيبة قوله وقال معمر وصله عبد الرزاق في مصنفه عنه وقوله بالبول إن كان للجنس فمحمول على أنه كان يغسله قبل لبسه وإن كان للعهد فالمراد بول ما يؤكل لحمه لأنه كان يقول بطهارته قوله وصلى على في ثوب غير مقصور أي خام والمراد أنه كان جديدا لم يغسل روى بن سعد من طريق عطاء بن محمد قال رأيت عليا صلى وعليه قميص كرابيس غير مغسول قوله حدثنا يحيى هو بن موسى البلخي قال أبو علي الجياني روى البخاري في باب الجبة الشامية وفي الجنائز وفي تفسير الدخان عن يحيى غير منسوب عن أبي معاوية فنسب بن السكن الذي في الجنائز يحيى بن موسى قال ولم أجد الآخرين منسوبين لأحد قلت فينبغي حمل ما أهمل على ما بين وقد جزم أبو نعيم بان الذي في الجنائز هو يحيى بن جعفر البيكندي وذكر الكرماني أنه رأى في بعض النسخ هنا مثله قلت والأول أرجح لأن أبا على بن شبويه وافق بن السكن عن الفربري على ذلك في الجنائز وهنا أيضا ورأيت بخط بعض المتأخرين يحيى هو بن بكير وأبو معاوية هو شيبان النحوي وليس كما قال فليس ليحيى بن بكير عن شيبان رواية وبعد أن ردد الكرماني يحيى بين بن موسى أو بن جعفر أو بن معين قال وأبو معاوية يحتمل أن يكون شيبان النحوي وهو عجيب فإن كلا من الثلاثة لم يسمع من شيبان المذكور وجزم أبو مسعود وكذا خلف في الأطراف وتبعهما المزي بان الذي في الجنائز هو يحيى بن يحيى وما قدمناه عن بن السكن يرد عليهم وهو المعتمد ولا سيما وقد وافقه بن شبويه ولم يختلفوا في أن أبا معاوية هنا هو الضرير قوله عن مسلم هو أبو الضحى وقد تقدم الكلام على فوائد حديث المغيرة في باب المسح على الخفين قوله باب كراهية التعري في الصلاة زاد الكشميهني والحموي وغيرهما قوله حدثنا روح هو بن عبادة قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم أي مع قريش لما بنوا الكعبة وكان ذلك قبل البعثة فرواية جابر لذلك من مراسيل الصحابة فأما أن يكون سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أو من بعض من حضر ذلك من الصحابة والذي يظهر أنه العباس وقد حدث به عن العباس أيضا ابنه عبد الله وسياقه أتم أخرجه الطبراني وفيه فقام فأخذ إزاره وقال نهيت أن امشي عريانا وسيأتي ذكره في كتاب الحج مع بقية فوائده في باب بنيان الكعبة إن شاء الله تعالى
[ 401 ]
قوله فجعلت أي الإزار وللكشميهني فجعلته وجواب لو محذوف إن كانت شرطية وتقديره لكان أسهل عليك وإن كانت للتمني فلا حذف قوله قال فحله يحتمل أن يكون مقول جابر أو مقول من حدثه به قوله فما رؤى بضم الراء بعدها همزة مكسورة ويجوز كسر الراء بعدها مدة ثم همزة مفتوحة وفي رواية الاسماعيلي فلم يتعر بعد ذلك ومطابقة الحديث للترجمة من هذه الجملة الاخيرة لأنها تتناول ما بعد النبوة فيتم بذلك الاستدلال وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان مصونا عما يستقبح قبل البعثة وبعدها وفيه النهي عن التعري بحضرة الناس وسيأتي ما يتعلق بالخلوة بعد قليل وقد ذكر بن إسحاق في السيرة أنه صلى الله عليه وسلم تعرى وهو صغير عند حليمة فلكمه لاكم فلم يعد يتعرى وهذا أن ثبت حمل على نفي التعري بغير ضرورة عاديه والذي في حديث الباب على الضرورة العادية والنفي فيها على الإطلاق أو يتقيد بالضرورة الشرعية كحالة النوم مع الأهل أحيانا قوله باب الصلاة في القميص والسراويل قال بن سيده السراويل فارسي معرب يذكر ويؤنث ولم يعرف أبو حاتم السجستاني التذكير والأشهر عدم صرفه قوله والتبان بضم المثناة وتشديد الموحدة وهو على هيئة السراويل الا أنه ليس له رجلان وقد يتخذ من جلد قوله والقباء بالقصر وبالمد قيل هو فارسي معرب وقيل عربي مشتق من قبوت الشئ إذا ضممت أصابعك عليه سمي بذلك لانضمام أطرافه وروى عن كعب أن أول من لبسه بن داود عليهما السلام قوله عن محمد هو بن سيرين قوله قام رجل تقدم أنه لم يسم وتقدم الكلام على المرفوع منه قوله ثم سأل رجل عمر أي عن ذلك ولم يسم أيضا ويحتمل أن يكون بن مسعود لأنه اختلف هو وأبي بن كعب في ذلك فقال أبى الصلاة في الثوب الواحد يعني لا تكره وقال بن مسعود إنما كان ذلك وفي الثياب قلة فقام عمر على المنبر فقال القول ما قال أبي ولم يأل بن مسعود أي لم يقصر أخرجه عبد الرزاق قوله جمع رجل هو بقية قول عمر وأورده بصيغة الخبر ومراده الأمر قال بن بطال يعني ليجمع وليصل وقال بن المنير الصحيح أنه كلام في معنى الشرط كأنه قال إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن ثم فصل الجمع بصور على معنى البلية وقال بن مالك تضمن هذا الحديث فائدتين إحداهما ورود الفعل الماضي بمعنى الأمر وهو قوله صلى والمعني ليصل ومثله قولهم اتقى الله عبد والمعنى ليتق ثانيهما حذف حرف العطف فإن الأصل صلى رجل في إزار ورداء وفي إزار وقميص ومثله قوله صلى الله عليه وسلم تصدق امرؤ من ديناره من درهمه من صاع تمره انتهى فحصل في كل من المسألتين توجيهان قوله قال وأحسبه قائل ذلك أبو هريرة والضمير في أحسبه راجع إلى عمر وإنما لم يحصل الجزم بذلك لإمكان إن عمر أهمل ذلك لأن التبان لا يستر العورة كلها بناء على إن الفخذ من العورة فالستر به حاصل مع القباء ومع القميص وأما مع الرداء فقد لا يحصل ورأى أبو هريرة إن انحصار القسمة يقتضي ذكر هذه الصورة وأن الستر قد يحصل بها إذا كان الرداء سابغا ومجموع ما ذكر عمر من الملابس ستة ثلاثة للوسط وثلاثة لغيره فقدم ملابس الوسط لأنها محل ستر العورة ربع استرها أو أكثرها استعمالا لهم وضم إلى كل واحد واحدا فخرج من ذلك تسع صور من ضرب ثلاثة في ثلاثة ولم يقصد الحصر في ذلك بل يلحق بذلك ما يقوم مقامه وفي هذا الحديث دليل على وجوب الصلاة في الثياب لما فيه من إن الاقتصار على الثوب الواحد كان لضيق الحال
[ 402 ]
وفيه إن الصلاة في الثوبين أفضل من الثوب الواحد وصرح القاضي عياض بنفي الخلاف في ذلك لكن عبارة بن المنذر قد تفهم إثباته لأنه لما حكى عن الأئمة جواز الصلاة في الثوب الواحد قال وقد استحب بعضهم الصلاة في ثوبين وعن أشهب فيمن اقتصر على الصلاة في السراويل مع القدرة يعيد في القوت إلا إن كان صفيقا وعن بعض الحنفية يكره فائدة روى بن حبان حديث الباب من طريق إسماعيل بن عليه عن أيوب فأدرج الموقوف في المرفوع ولم يذكر عمر ورواية حماد بن زيد هذه المفصلة أصح وقد وافقه على ذلك حماد بن سلمة فرواه عن أيوب وهشام وحبيب وعاصم كلهم عن بن سيرين أخرجه بن حبان أيضا وأخرج مسلم حديث بن علية فاقتصر على المتفق على رفعه وحذف الباقي وذلك من حسن تصرفه والله أعلم قوله حدثنا عاصم بن علي هو الواسطي قوله سأل رجل تقدم في آخر كتاب العلم أنه لم يسم وأخرنا الكلام عليه إلى موضعه في الحج وموضع الحاجة منه هنا إن الصلاة تجوز بدون القميص والسراويل وغيرهما من يكون بالأفراد أي كل واحد منهما قوله وعن نافع معطوف على قوله عن الزهري وذلك بين في الرواية الماضية في آخر كتاب العلم فإنه أخرجه هناك عن آدم عن أبي ذئب فقدم طريق نافع وعطف عليها طريق الزهري عكس ما هنا وزعم الكرماني أن قوله وعن نافع تعليق من البخاري وقد قدمنا أن التجويزات العقليه لا يليق استعمالها في الأمور النقلية والله الموفق قوله باب ما يستر من العورة أي خارج الصلاة والظاهر من يطلق المصنف أنه يرى أن الواجب ستر السوأتين فقط وأما في الصلاة فعلى ما تقدم من التفصيل وأول أحاديث الباب يشهد له فإنه قيد النهي بما إذا لم يكن على الفرج شئ أي يستره ومقتضاه إن الفرج إذا كان مستورا فلا نهي قوله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أي بن مسعود عن أبى سعيد هكذا رواه الليث عن بن شهاب ووافقه بن جريج كما أخرجه المصنف في اللباس ورواه في اللباس أيضا من طريق أخرى عن الليث أيضا عن يونس عن بن شهاب عن عامر بن سعيد عن أبي سعيد وسياقه أتم وفيه النهي عن الملامسة والمنابذة أيضا وفيه تفسير جميع ذلك ورواه في الاستئذان من طريق سفيان عن بن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد بنحو رواية يونس لكن بدون التفسير والطرق الثلاثه صحيحه وابن شهاب سمع حديث أبي سعيد من ثلاثة من أصحابه فحدث به عن كل منهم بمفرده قوله عن اشتمال الصماء هو بالصاد المهملة والمد قال أهل اللغة هو إن يخلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبا ولا يبقى ما يخرج منه يده قال بن قتيبة سميت صماء لأنه يسد المنافذ كلها فتصير كالصخرة الصماء التي ليس فها خرق وقال الفقهاء هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا قال النووي فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروها لئلا يعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه كلاهما وعلى تفسير الفقهاء يحرم لأجل انكشاف العورة قلت ظاهر سياق المصنف من رواية يونس في اللباس أن التفسير المذكور فيها مرفوع وهو موافق لما قال الفقهاء ولفظه والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه وعلى تقدير أن يكون موقوفا فهو حجة على الصحيح لأنه تفسير من الراوي لا يخالف ظاهر الخبر قوله وان يحتبي الاحتباء أن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه
[ 403 ]
ويلف عليه ثوبا ويقال له الحبوة وكانت من شأن العرب وفسرها في رواية يونس المذكورة بنحو ذلك قوله حدثنا سفيان هو الثوري قوله عن بيعتين بفتح الموحدة ويجوز كسرها على إرادة الهيئة واللماس بكسر أوله وكذا النباذ وأوله نون ثم موحدة خفيفة وآخره غدا وسيأتي تفسيرهما في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى والمطلق في الاحتباء هنا أمرهم على المقيد في الحديث الذي قبله قوله حدثنا إسحاق كذا للأكثر غير منسوب وردده الحفاظ بين بن منصور وبين بن راهويه ووقع في نسختي من طريق أبي ذر إسحاق بن إبراهيم فتعين أنه بن راهويه إذ لم يرو البخاري عن إسحاق بن أبي إسرائيل واسمه إبراهيم شيئا ولا عن الصواف وهو دونهما في الطبقة قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم أي بن سعد ورواة هذا الإسناد سوى صحابية وشيخ المصنف زهريون وهم أربعة قوله أن لا يحج كذا للأكثر وللكشميهني ألا لا يحج بأداة الاستفتاح قبل حرف النهي وقد تقدمت الإشارة إلى هذا الحديث في باب وجوب الصلاة في الثياب وسيأتي الكلام على بقية مباحثه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله باب الصلاة بغير رداء تقدم الكلام على حديث جابر في باب عقد الإزار على القفا وقوله هنا ملتحفا به كذا للأكثر بالنصب على الحال وللمستملى والحموي ملتحف بالرفع على الحذف وفي نسختي عنهما بالجر على المجاورة وقوله في آخره يصلي كذا في رواية الكشميهني يصلي هكذا وقوله الجهال مثلكم لفظ المثل مفرد لكنه اسم جنس فلذلك طابق الجهال وهو جمع أو اكتسب الجمعية من الإضافة قوله باب ما يذكر في الفخذ أي في حكم الفخذ وللكشميهني من الفخذ قوله قال أبو عبد الله هو المصنف وسقط من رواية الأكثر قوله ويروى عن بن عباس وصله الترمذي وفي إسناده أبو يحيى القتات بقاف ومثناتين وهو ضعيف مشهور بكنيته واختلف في اسمه على ستة أقوال أو سبعة اشهرها دينار قوله وجرهد بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء وحديثه موصول عند مالك في الموطأ والترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وضعفه المصنف في التاريخ للاضطراب في إسناده وقد ذكرت كثيرا من طرقه في تعليق التعليق قوله ومحمد بن جحش هو محمد بن عبد الله بن جحش نسب إلى جده ولأبيه عبد الله صحبة وزينب بنت جحش أم المؤمنين هي عمته وكان محمد صغيرا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد حفظ عنه وذلك بين في حديثه هذا فقد وصله أحمد والمصنف في التاريخ والحاكم في المستدرك كلهم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه وقال مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال يا معمر غط عليك فخذيك فإن الفخذين عورة رجاله رجال الصحيح غير أبي كثير فقد روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحا بتعديل ومعمر المشار إليه هو معمر بن عبد الله بن نضلة القرشي العدوي وقد أخرج بن قانع هذا الحديث من طريقه أيضا ووقع لي حديث محمد بن جحش مسلسلا بالمحمديين من ابتدائه إلى انتهائه وقد أمليته في الأربعين المتباينة قوله وقال أنس حسر بمهملات مفتوحات أي كشف وقد وصل المصنف حديث أنس في الباب كما سيأتي قريبا قوله وحديث أنس اسند أي أصح إسنادا كأنه يقول حديث جرهد ولو قلنا بصحته فهو مرجوح بالنسبة إلى حديث أنس
[ 404 ]
قوله وحديث جرهد أي وما معه أحوط أي للدين وهو يحتمل أن يريد بالاحتياط الوجوب أو الورع وهو أظهر لقوله حتى يخرج من اختلافهم ويخرج في روايتنا مضبوطة بفتح النون وضم الراء وفي غيرها بضم الياء وفتح الراء قوله وقال أبو موسى أي الأشعري والمذكور هنا من حديثه طرف من قصة أوردها المصنف في المناقب من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عنه فذكر الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها وعرف بهذا الرد على الداودي الشارح حيث زعم أن هذه الرواية المعلقة عن أبي موسى وهم وأنه دخل حديث في حديث وأشار إلى ما رواه مسلم من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه الحديث وفيه فلما استأذن عثمان جلس وهو عند أحمد بلفظ كاشفا عن فخذه من غير تردد وله من حديث حفصة مثله أخرجه الطحاوي والبيهقي من طريق بن جريج قال أخبرني أبو خالد عن عبد الله بن سعيد المدني حدثتني حفصة بنت عمر قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي يوما وقد وضع ثوبه بين فخذيه فدخل أبو بكر الحديث وقد بان بما قدمناه أنه لم يدخل على البخاري حديث في حديث بل هما قصتان متغايرتان في إحداهما كشف الركبة وفي الأخرى كشف الفخذ والأولى من رواية أبو موسى وهي المعلقة هنا والأخرى من رواية عائشة ووافقتها حفصة ولم يذكرهما البخاري قوله وقال زيد بن ثابت هو أيضا طرف من حديث موصول عند المصنف في تفسير سورة النساء في نزول قوله تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين الآية وقد اعترض الاسماعيلي استدلال المصنف بهذا على إن الفخذ ليست بعورة لأنه ليس فيه التصريح بعدم الحائل قال ولا يظن ظان إن الأصل عدم الحائل لأنا نقول العضو الذي يقع عليه الاعتماد يخبر عنه بأنه معروف الموضع بخلاف الثوب انتهى والظاهر إن المصنف تمسك بالأصل والله اعلم قوله إن ترض أي تكسر وهو بفتح أوله وضم الراء ويجوز عكسه قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي قوله فصلينا عندهم أي خارجا منها قوله صلاة الغداة فيه جواز إطلاق ذلك على صلاة الصبح خلافا لمن كرهه قوله وانا رديف أبي طلحة فيه جواز الأرداف ومحله ما إذا كانت الدابة مطيقه قوله فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم أي مركوبه قوله وان ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني انظر وفي رواية الكشميهني لأنظر الى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم هكذا وقع في رواية البخاري ثم أنه حسر والصواب أنه عنده بفتح المهملتين ويدل على ذلك تعليقه الماضي في أوائل الباب حيث قال وقال أنس حسر النبي صلى الله عليه وسلم وضبطه بعضهم بضم أوله وكسر ثانيه على البناء للمفعول بدليل رواية مسلم فانحسر وليس ذلك بمستقيم إذ لا يلزم من وقوعه كذلك في رواية مسلم أن يقع عند البخاري على خلافه ويكفي في كونه عند البخاري بفتحتين ما تقدم من التعليق وقد وافق مسلما على روايته بلفظ فانحسر أحمد بن حنبل عن بن علية وكذا رواه الطبراني عن يعقوب شيخ البخاري ورواه الاسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن يعقوب المذكور ولفظه فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر إذ خر الإزار قال الاسماعيلي هكذا وقع عندي خر بالخاء المعجمة والراء فإن كان محفوظا فليس فيه دليل على ما ترجم به وأن
[ 405 ]
كانت روايته هي المحفوظة فهي دالة على أن الفخذ ليست بعورة انتهى وهذا مصير منه إلى أن رواية البخاري بفتحتين كما قدمناه أي كشف الإزار عن فخذه عند سوق مركوبه ليتمكن من ذلك قال القرطبي حديث أنس وما معه إنما ورد في قضايا معينة في أوقات مخصوصة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على أصل الإباحة ما لا يتطرق إلى حديث جرهد وما معه لأنه يتضمن إعطاء حكم كلي وإظهار شرح عام فكان العمل به أولى ولعل هذا هو مراد المصنف بقوله وحديث جرهد أحوط قال النووي ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة وعن أحمد ومالك في رواية العورة القبل والدبر فقط وبه قال أهل الظاهر وابن جرير والاصطخري قلت في ثبوت ذلك عن بن جرير نظر فقد ذكر المسألة في تهذيبه ورد على من زعم أن الفخذ ليست بعورة ومما احتجوا به قول أنس في هذا الحديث وأن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم إذ ظاهره أن المس كان بدون الحائل ومس العورة بدون حائل لا يجوز وعلى رواية مسلم ومن تابعه في أن الإزار لم ينكشف لقصد منه صلى الله عليه وسلم يمكن الاستدلال على أن الفخذ ليست بعورة من جهة استمراره على ذلك لأنه وأن جاز وقوعه من غير قصد لكن لو كانت عورة لم يقر على ذلك لمكان عصمته صلى الله عليه وسلم ولو فرض أن ذلك وقع لبيان التشريع لغير المختار لكان ممكنا لكن فيه نظر من جهة أنه كان يتعين حينئذ البيان عقبة كما في قضية السهو في الصلاة وسياقه عند أبي عوانة والجوزقي من طريق عبد الوارث عن عبد العزيز ظاهر في استمرار ذلك ولفظه فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وأن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وإني لأرى بياض فخذيه قوله فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر قيل مناسبة ذلك القول إنهم استقبلوا الناس بمساحيهم ومكاتلهم وهي من آلات الهدم قوله قال عبد العزيز هو الراوي عن أنس وقال بعض أصحابنا أي أنه لم يسمع من أنس هذه اللفظة بل سمع منه فقالوا محمد وسمع من بعض أصحابه عنه والخميس ووقع في رواية أبي عوانة والجوزقي المذكورة فقالوا محمد والخميس من غير تفصيل فدلت رواية بن علية هذه على إن في رواية عبد الوارث أدراجا وكذا وقع لحماد بن زيد عن عبد العزيز وثابت كما سيأتي في آخر صلاة الخوف وبعض أصحاب عبد العزيز ويحتمل أن يكون محمد بن سيرين فقد أخرجه البخاري من طريقه أو ثابتا البناني فقد أخرجه مسلم من طريقة قوله يعنى الجيش تفسير من عبد العزيز أو ممكن دونه وادرجها عبد الوارث في روايته أيضا وسمي خميسا لأنه خمسة أقسام مقدمة وساقه وقلب وجناحان وقيل من تخميس الغنيمة وتعقبه الأزهري بان التخميس إنما ثبت بالشرع وقد كان أهل الجاهلية سيمون الجيش خميسا فبان أن القول الأول أولى قوله عنوة بفتح المهملة أي قهرا قوله اعطني جاريه يحتمل أن يكون إذنه له في أخذ الجارية على سبيل التنفيل له أما من أصل الغنيمة أو من خمس الخمس بعد أن ميز أو قبل على أن تحسب منه إذا ميز أو أذن له في أخذها لتقوم عليه بعد ذلك وتحسب من سهمه قوله فأخذ أي فذهب فأخذ قوله فجاء رجل لم اقف على اسمه قوله خذ جارية من السبي غيرها ذكر الشافعي في الأم عن سير الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم إعطاء أخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق انتهى وكان كنانة زوج صفية فكأنه صلى الله عليه وسلم طيب خاطره لما استرجع منه صفية بان أعطاه أخت زوجها واسترجاع النبي صلى الله عليه وسلم صفية منه أمرهم
[ 406 ]
على أنه إنما أذن له في أخذ جارية من حشو السبي لا في أخذ أفضلهن فجاز استرجاعها منه لئلا يتميز بها على باقي الجيش مع إن فيهم من هو أفضل منه ووقع في رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية منه سبعة أرؤس وإطلاق الشراء على ذلك على سبيل المجاز وليس في قوله سبعة أرؤس ما ينافي قوله هنا خذ جارية إذ ليس هنا دلالة على نفي الزيادة وسنذكر بقية مباحث هذا الحديث في غزوة خيبر من كتاب المغازي والكلام على قوله أعتقها وتزوجها في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قوله فقال له أي لأنس وثابت هو البناني وأبو حمزة كنية أنس وأم سليم والدة أنس قوله فأهدتها أي زفتها قوله وأحسبه أي أنسا قد ذكر السويق وجزم عبد الوارث في روايته بذكر السويق فيه قوله فحاسوا بمهملتين أي خلطوا والحيس بفتح أوله خليط السمن والتمر والأقط قال الشاعر التمر والسمن جميعا والأقط الحيس الا أنه لم يختلط وقد يختلط مع هذه الثلاثة كالسويق وسيأتي بقية فوائد ذلك في كتاب الوليمة إن شاء الله تعالى قوله باب بالتنوين في كم بحذف المميز أي كم ثوبا تصلي المرأة من الثياب قال بن المنذر بعد أن حكى عن الجمهور أن الواجب على المرأة أن تصلي في درع وخمار المراد بذلك تغطية بدنها ورأسها فلو كان الثوب واسعا فغطت رأسها بفضله جاز قال وما رويناه عن عطاء أنه قال تصلي في درع وخمار وإزار وعن بن سيرين مثله وزاد وملحفة فإني أظنه محمولا على الاستحباب قوله وقال عكرمة يعني مولى بن عباس قوله جاز وفي رواية الكشميهني لأجزته بفتح الجيم وسكون الزاي وأثره هذا وصله عبد الرزاق ولفظه لو أخذت المرأة ثوبا فتقنعت به حتى لا يرى من شعرها شئ أجزأ عنها قوله أن عائشة قالت لقد اللام في لقد جواب قسم محذوف قوله متلفعات قال الأصمعي التلفع أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك وفي شرح الموطأ لابن حبيب التلفع لا يكون الا بتغطية الرأس والتلفف يكون بتغطية الرأس وكشفه والمروط جمع مرط بكسر أوله كساء من خز أو صوف أو غيره وعن النضر بن شميل ما يقتضي أنه خاص بلبس النساء وقد اعترض على استدلال المصنف به على جواز صلاة المرأة في الثوب الواحد بان الالتفاع المذكور يحتمل أن يكون فوق ثياب أخرى والجواب عنه أنه تمسك بأن الأصل عدم الزيادة على ما ذكر على أنه لم يصرح بشئ إلا إن اختياره تؤخذ في العادة من الآثار التي يودعها في الترجمة قوله ما يعرفهن أحد زاد في المواقيت من الغلس وهو يعين أحد الاحتمالين هل عدم المعرفة بهن لبقاء الظلمة أو لمبالغتهن في التغطية وسيأتي الكلام على بقية مباحثه في المواقيت إن شاء الله تعالى قوله باب إذا صلى في ثوب له إعلام ونظر إلى علمها قال الكرماني في رواية ونظر إلى علمه والتأنيث في علمها باعتبار الخميصة قوله خميصة بفتح المعجمة وكسر الميم وبالصاد المهملة كساء مربع له علمان والانبجانية بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم وبعد النون ياء النسبة كساء غليظ لا علم له وقال ثعلب يجوز فتح همزته وكسرها وكذا الموحدة يقال كبش انبجاني إذا كان ملتفا كثير الصوف وكساء انبجاني كذلك وأنكر أبو موسى المديني على من زعم أنه منسوب إلى منبج البلد المعروف بالشام قال صاحب الصحاح إذا نسبت إلى منبج فتحت الباء فقلت كساء الكلواذاني أخرجوه محرج منظراني وفي الجمهرة منبج موضع
[ 407 ]
أعجمي تكلمت به العر ب ونسبوا إليه الثياب المنبجانية وقال أبو حاتم السجستاني لا يقال كساء انبجاني وإنما يقال منجبانى قال وهذا مما تخطئ فيه فضالة وتعقبه أبو موسى كما تقدم فقال الصواب أن هذه النسبة إلي الموضع يقال له انبجان والله اعلم قوله الى أبي جهم هو عبيد الله ويقال عامر بن حذيفة القرشي العدوي صاحبي مشهور وإنما خصه صلى الله عليه وسلم بإرسال الخميصة لأنه كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك في الموطأ من طريق أخرى عن عائشة قالت أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها علم فشهد فيها الصلاة فلما انصرف قال ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم ووقع عند الزبير بن بكار ما يخالف ذلك فأخرج من وجه مرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بخميصتين سوداوين فلبس إحداهما وبعث الأخرى إلى أبي جهم ولأبي داود من طريق أخرى وأخذ كرديا لأبي جهم فقيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخميصة كانت خير من الكردي قال بن بطال إنما طلبت منه ثوبا غيرها ليعلمه أنه لم يرد عليه هديته استخفافا به قال وفه أن الواهب إذا ردت عليه عطيته من غير أن يكون هو الراجع فيها فله أن يقبلها من غير كراهة قلت وهذا مبنى على أنها واحدة ورواية الزبير والتي بعدها تصرح بالتعدد قوله ألهتني أي شغلتني يقال لهي بالكسر إذا غفل غنم بالفتح إذا لعب قوله آنفا أي قريبا وهو مأخوذ من ائتناف الشئ أي ابتدائه قوله عن صلاتي أي عن كمال الحضور فيها كذا قيل والطريق الآتية المعلقة أخذت على أنه لم يقع له شئ من ذلك وإنما خشي أن يقع لقوله فأخاف وكذا في رواية مالك فكاد فتؤول الرواية الأولى قال بن دقيق العيد فيه مبادرة الرسول إلى مصالح الصلاة ونفى ما لعله يخدش فيها وأما بعثه بالخميصة إلى أبي جهم فلا يلزم منه أن يستعملها في الصلاة ومثله قوله في حلة عطارد حيث بعث بها إلى عمر إني لم ابعث بها إليك لتلبسها ويحتمل أن يكون ذلك من جنس قوله كل فأني أناجي من لا تناجي ويستنبط منه كراهية كل ما يشغل عن الصلاة من الأصباغ والنقوش ونحوها وفيه قبول الهدية من الأصحاب والإرسال إليهم والطلب منهم واستدل به الباجي على صحة المعاطاة لعدم ذكر الصيغة وقال الطيبي فيه إيذان بأن للصور والأشياء الظاهرة تأثيرا في القلوب الطاهرة والنفوس الزكية يعني فضلا عمن دونها قوله وقال هشام بن عروة أخرجه أحمد بن أبي شيبة ومسلم وأبو داود من طريقه ولم أر في شئ من طرقهم هذا اللفظ نعم اللفظ الذي ذكرناه عن الموطأ قريب من هذا اللفظ المعلق ولفظه فأني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني والجمع بين الكلب يحمل بقوله ألهتني على قوله كادت فيكون إطلاق الأولى للمبالغة في القرب لا لتحقق وقوع الإلهاء تنبيه قوله فأخاف أن تقتلني في روايتنا بكسر المثناة وتشديد النون وفي رواية الباقين بإظهار النون الأولى وهو بفتح أوله من الثلاثي قوله باب إن صلى في ثوب مصلب بفتح اللام المشددة أي فيه صلبان منسوجة أو منقوشة أو تصاوير أي في ثوب ذي تصاوير كأنه حذف المضاف لدلالة المعنى عليه وقال الكرماني هو عطف على ثوب لا على مصلب والتقدير أو صلى في تصاوير ووقع عند الاسماعيلي أو بتصاوير وهو يرجح الاحتمال الأول وعند أبي نعيم في ثوب مصلب أو مصور قوله هل تفسد صلاته جرى المصنف على قاعدته في ترك الجزم فيما فيه اختلاف وهذا من المختلف فيه وهذا مبنى على إن النهي هال يقتضي الفساد أم لا والجمهور
[ 408 ]
إن كان لمعنى في نفسه اقتضاه وإلا فلا قوله وما ينهى من ذلك أي وما ينهى عنه من ذلك وفي رواية غير أبي ذر وما ينهي عن ذلك وظاهر حديث الباب لا يوفي بجميع ما تضمنته الترجمة الا بعد التأمل لأن الستر وأن كان ذا تصاوير لكنه لم يلبسه ولم يكن مصلبا ولا نهى عن الصلاة فيه صريحا والجواب أما أولا فإن منع لبسه بطريق الأولى وأما ثانيا فإلحاق المصلب بالمصور لاشتراكهما في أن كلا منهما قد عبد من دون الله تعالى وأما ثالثا فالأمر بالإزالة مستلزم للنهي عن الاستعمال ثم ظهر لي أن المصنف أراد بقوله مصلب الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق هذا الحديث كعادته وذلك فيما أخرجه في اللباس من طريق عمران عن عائشة قالت لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك في بيته شيئا فيه تصليب الا نقضه وللاسماعيلي سترا أو ثوبا قوله عبد الوارث هو بن سعيد والإسناد كله بصريون قوله قرام بكسر القاف وتخفيف الراء ستر رقيق من صوف ذو ألوان قوله اميطي أي ازيلي وزنا ومعنى قوله لا تزال تصاوير كذا في روايتنا وللباقين بإثبات الضمير والهاء في روايتنا في فإنه ضمير الشان وعلى الأخرى يحتمل أن تعود على الثوب قوله تعرض بفتح أوله وكسر الراء أي تلوح وللاسماعيلي تعرض بفتح العين وتشديد الراء أصله تتعرض ودل الحديث على إن الصلاة لا تفسد بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقطعها ولم يعدها وسيأتي في كتاب اللباس بقية الكلام على طرق حديث عائشة في هذا والتوفيق بين ما ظاهره الاختلاف منها إن شاء الله تعالى والله أعلم قوله باب من صلى في فروج بفتح الباء وتشديد الراء المضمومه وآخره جيم هو القباء المفرج من خلف وحكى أبو زكريا التبريزي عن أبي العلاء المعري جواز ضم أوله وتخفيف الراء قوله عن يزيد زاد الأصيلي هو بن أبي حبيب وأبو الخير هو اليزني بفتح الزاي بعدها نون والإسناد كله مصريون قوله أهدى بضم أوله والذي أهداه هو أكيد كما سيأتي في اللباس وظاهر هذا الحديث إن صلاته صلى الله عليه وسلم فيه كانت قبل تحريم لبس الحرير ويدل على ذلك حديث جابر عند مسلم بلفظ صلى في قباء ديباج ثم نزعه وقال نهاني جبريل ويدل عليه أيضا مفهوم قوله لا ينبغي هذا للمتقين لأن المتقي وغيره في التحريم سواء ويحتمل أن يراد بالمتقي المسلم أي المتقي للكفر ويكون النهي سبب النزع ويكون ذلك ابتداء التحريم وزاد تقرر هذا فلا حجة فيه لمن أجاز الصلاة في ثياب الحرير لكونه صلى الله عليه وسلم لم يبعد تلك الصلاة لأن ترك إعادتها لكونها وقعت قبل التحريم أما بعده فعند الجمهور تجزئ لكن مع التحريم وعن مالك يعيد في الوقت والله أعلم قوله باب الصلاة في الثوب الأحمر يشير إلى الجواز والخلاف في ذلك مع الحنفية فإنهم قالوا يكره وتأولوا حديث الباب بأنها كانت حلة من برود فيها خطوط حمر ومن أدلتهم ما أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال مر بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه وهو حديث ضعيف الإسناد وأن وقع في بعض نسخ الترمذي أنه قال حديث حسن لأن في سنده كذا وعلى تقدير أن يكون مما يحتج به فقد عارضه ما هو أقوى منه وهو واقعة عين فيحتمل أن يكون ترك الرد عليه بسبب آخر وحمله البيهقي على ما صبغ بعد النسج وأما ما صبغ غزله ثم نسج فلا كراهية فيه وقال بن التين زعم بعضهم أن لبس النبي صلى الله عليه وسلم لتلك الحلة كان من أجل الغزو وفيه نظر لأنه كان عقب حجة الوداع ولم يكن له إذ ذاك غزو قوله أخذ
[ 409 ]
وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الواو أي الماء الذي توضأ به وقد تقدم استدلال المصنف به على طهارة الما المستعمل ويأتي باقي مباحثه في أبواب السترة أن شاء الله تعالى قوله باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب يشير بذلك إلى الجواز والخلاف في ذلك عن بعض التابعين وعن المالكية في المكان المرتفع لمن كان إماما قوله قال أبو عبد الله هو المصنف والحسن هو البصري والجمد بفتح الجيم وسكون الميم بعدها دال الركعة الماء إذا جمد وهو مناسب لاثر بن عمر الآتي أنه صلى على الثلج وحكى بن قرقول إن رواية الأصيلي وأبي ذر بفتح الميم قال القزاز الجمد محرك الميم هو الثلج نقل بن التين عن الصحاح الجمد يضم الجيم والميم وبسكون الميم أيضا مثل عسر وعسر المكان الصلب المرتفع قلت وليس ذلك مرادا هنا بل صواب بن قرقول وغير الأول لأنه المناسب للقناطر لاشتراكهما في أن كلا منهما قد يكون تحته ما ذكر من البول وغيره والغرض أن إزالة النجاسة يختص بما لاقى المصلي أما مع الحائل فلا قوله وصلى أبو هريرة على ظهر المسجد وللمستملى على سقف وهذا الأثر وصله بن أبي شيبة من طريق صالح مولى التوأمة قال صليت مع أبي هريرة فوق المسجد بصلاة الإمام وصالح فيه ضعف لكن رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن أبي هريرة فاعتضد قوله حدثنا على بن عبد الله هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة وأبو حازم هو بن دينار قوله ما بقي بالناس وللكشمهيني في الناس أعلم مني أي بذلك قوله من أثل بفتح الهمزة وسكون المثلثة شجر معروف والغابة بالمعجمة والموحدة موضع معروف من عوالي المدينة قوله عمله فلان مولى فلانه اختلف في اسم ماتت المذكور كما سيأتي في الجمعة وأقربها ما رواه أبو سعيد في شرف المصطفى من طريق بن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عباس بن سهل عن أبيه قال كان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون فذكر قصة المنبر وأما المرأة فلا يعرف اسمها لكنها انصارية ونقل بن التين عن مالك أن ماتت كان مولى لسعد بن عبادة فيحتمل أن يكون الأصل مولى امرأته ونسب إليه مجازا واسم امرأته فكيهة بنت عبيد بن دليم وهي ابنة عمه أسلمت وبايعت فيحتمل أن تكون هي المرادة لكن رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن بن عيينة فقال مولى لبني بياضة وأما ما وقع في الدلائل لأبي موسى المديني نقلا عن جعفر المستغفري أنه قال في أسماء النساء من الصحابة علانه بالعين المهملة وبالمثلثة ثم ساق هذا الحديث من طريق يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال وفيه أرسل إلى علانة امرأة قد سماها سهل فقد قال أبو موسى صحف فيه جعفر أو شيخه وإنما هو فلانة انتهى ووقع عند الكرماني قيل اسمها عائشة وأظنه صحف المصحف ولو ذكر مستنده في ذلك لكان أولي ثم وجدت في الأوسط للطبراني من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى سارية في المسجد ويخطب إليها ويعتمد عليها فأمرت عائشة فصنعت له منبره هذا فذكر الحديث وإسناده ضعيف ولو صح لما دل على أن عائشة هي المرادة في حديث سهل هذا الا بتعسف والله اعلم والغرض من إيراد هذا الحديث في هذا اللباب جواز الصلاة على المنبر وفيه جواز اختلاف موقف الإمام والمأموم في العلو والسفل وقد صرح
[ 410 ]
بذلك المصنف في حكايته عن شيخه على بن المديني عن أحمد بن حنبل ولابن دقيق العيد في ذلك بحث فأنه قال من أراد أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم لأن اللفظ لا يتناوله ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضي المناسبة اعتباره فلا بدو منه وفيه دليل على جواز العمل اليسير في الصلاة كما سيأتي في موضعه قوله قال فقلت أي قال على لأحمد بن حنبل قوله فلم تسمعه منه قال لا صريح في أن أحمد بن حنبل لم يسمع هذا الحديث من بن عيينة وقد راجعت مسنده فوجدته قد أخرج فيه عن بن عيينة بهذا الإسناد من هذا الحديث قول سهل كان المنبر من أثل الغابة فقط فتبين إن المنفى في قوله فلم تسمعه منه قال لا جميع الحديث لا بعضه والغرض منه هنا وهو صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر انظر في ذلك البعض فلذلك سأل عنه عليا وله عنده طريق أخرى من رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه وفي الحديث جواز الصلاة على الخشب وذكره ذلك الحسن وابن سيرين أخرجه بن أبي شيبة عنهما وأخرج أيضا عن بن مسعود وابن عمر نحوه وعن مسروق أنه كان يحمل لبنة ليسجد عليها إذا ركب السفينة وعن بن سيرين نحوه والقول بالجواز هو المعتمد قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم هو الحافز المعروف بصاعقة قوله عن أنس في رواية سعيد بن منصور عن هشيم عن حميد حدثنا أنس قوله فجحشت بضم الجيم وكسر المهملة بعدها شين غدا والجحش الخدش أو أشد منه قليلا قوله ساقه أو كتفه شك من الراوي وفي رواية بشر بن المفضل عن حميد عند الاسماعيلي انفكت قدمه وفي رواية الزهري عن أنس في الصحيحين فجحش شقه الأيمن وهي اشمل مما قبلها قوله وآلى من نساته أي حلف لا يدخل عليهن شهرا وليس المراد به الإيلاء المتعارف بين الفقهاء قوله مشربة بفتح أوله وسكون المعجمه وبضم الراء ويجوز فتحها هي الغرفة المرتفعه قوله من جذوع كذا للأكثر بالتنوين بغير إضافة وللكشميهني من جذوع النخل والغرض من هذا الحديث هنا صلاته صلى الله عليه وسلم في المشربة وهي معمولة من الخشب قاله بن بطال وتعقب بأنه لا يلزم من كون درجها من خشب أن تكون كلها خشبا فيحتمل أن يكون الغرض منه بيان جواز الصلاة على السطح إذ هي سقف في الجملة وسيأتي الكلام على بقية فوائده في أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى قوله باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد أي هل تفسد صلاته أم لا والحديث دال على الصحة قوله عن خالد هو بن عبد الله الواسطي وسليمان الشيباني هو أبو إسحاق مشهور بكنيته وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في الطهارة واستدل به هناك على أن عين الحائض طاهرة وهنا على أن ملاقاة بدن الطاهر وثيابه لا تفسد الصلاة ولو كان متلبسا بنجاسة حكمية وفيه إشارة إلى أن النجاسة إذا كانت عينيه قد تضر وفيه إن محاذاة المرأة لا تفسد الصلاة قوله وكان يصلي على الخمرة وقد تقدم ضبطها في آخر كتاب الحيض قال بن بطال لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة عليها الا ما روى عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه ولعله كان بالصلاة على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة وقد روى بن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شئ دون الأرض وكذا روى عن غير عروة ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه والله أعلم قوله باب الصلاة على الحصير قال
[ 411 ]
بن بطال أن كان ما يصلي عليه كبيرا قدر المريض الرجل فأكثر فإنه يقال له حصير ولا يقال له خمرة وكل ذلك يصنع من سعف النخل وما اشبه قوله وصلى جابر الخ وصله بن أبي شيبة من طريق عبد الله بن أبي عتبة مولى أنس قال سافرت مع أبي الدرداء وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وأناس قد سماهم قال وكان أمامنا يصلي بنا في السفينة قائما ونصلي خلفه قياما ولو شئنا لأرفينا أي لأرسينا يقال أرسى السفينة بالسين المهملة وأرفى بالفاء إذا وقف بها على الشط قوله وقال الحسن تصلي قائما ما لم تشق على أصحابك تدور معها أي مع السفينة والا فقاعدا أي وأن شق على أصحابك فصل قاعدا وقد روينا أثر الحسن في نسخة قتيبة من رواية النسائي عنه عن أبي عوانة عن عاصم الأحول قال سألت الحسن وابن سيرين وعامرا يعني الشعبي عن الصلاة في السفينة فكلهم يقول أن قدر على الخروج فليخرج غير الحسن فإنه قال إن لم يؤذ أصاحبه أي فليصل وروى بن أبي شيبة عن عاصم عن الثلاثة المذكورين إنهم قالوا صل في السفينة قائما وقال الحسن لا تشق على أصحابك وفي تاريخ البخاري من طريق هشام قال سمعت الحسن يقول در في السفينة كما تدور إذا صليت قال بن المنير وجه إدخال الصلاة في السفينة في باب الصلاة على الحصير إنهما اشتركا في أن الصلاة عليهما صلاة على غير الأرض لئلا يتخيل متخيل أن مباشرة الأرض شرط لقوله في الحديث المشهور يعني الذي أخرجه أبو داود وغيره ترب وجهك انتهى وقد تقدم أثر عمر بن عبد العزيز في ذلك وأشار البخاري إلى خلاف أبي حنيفة في تجويزه الصلاة في السفينة قاعدا مع القدرة على القيام وفي هذا الأثر جواز ركوب البحر قوله عن إسحاق بن أبي طلحة كذا للكشميهني والحموي وللباقين إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قوله عن أنس بن مالك أن جدته مليكة هي بضم الميم تصغير ملكة والضمير في جدته يعود على إسحاق جزم به بن عبد البر وعبد الحق وعياض وصححه النووي وجزم بن سعد بن منده وابن الحصار بأنها جدة أنس والدة أمة أم سليم وهو مقتضى كلام إمام الحرمين في النهاية ومن تبعه كلام عبد الغني في العمدة وهو ظاهر السياق ويؤيده ما رويناه في فوائد العراقيين لأبي الشيخ من طريق القاسم بن يحيى المقدمي عن عبيد الله بن عمر عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال أرسلتني جدتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم واسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة الحديث وقال بن سعد في الطبقات أم سليم بنت ملحان فساق نسبها إلى عدي بن ماتت وقال وهي الغميصاء ويقال الرميساء ويقال اسمها سهلة ويقال انيفة أي بالنون والفاء مصغرة ويقال رميثة وأمها مليكة بنت مالك بن عدي فساق نسبها إلى مالك بن ماتت ثم قال تزوجها أي أم سليم مالك بن النضر فولدت له أنس بن مالك ثم خلف عليها أبو طلحة فولدت له عبد الله وأبا عمير قلت وعبد الله هو والد إسحاق روى هذا الحديث عن عمه أخي أبيه لأمه أنس بن مالك ومقتضى كلام من أعاد الضمير في جدته إلى إسحاق أن يكون اسم أم سليم مليكة ومستندهم في ذلك ما رواه بن عيينة عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال صففت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا هكذا أخرجه المصنف كما سيأتي في أبواب الصفوف والقصة واحدة طولها مالك واختصرها سفيان ويحتمل تعددها فلا تخالف ما تقدم وكون مليكة جدة أنس لا ينفي كونها جدة إسحاق لما بيناه لكن الرواية التي سأذكرها عن غرائب مالك ظاهرة في أن مليكة اسم أم
[ 412 ]
سليم نفسها والله اعلم قوله لطعام أي لأجل طعام وهو مشعر بان مجيئه كان لذلك لا ليصلي بهم ليتخذوا مكان صلاته مصلى لهم كما في قصة عتبان بن مالك الآتية وهذا هو السر في كونه بدأ في قصة عتبان بالصلاة قبل الطعام وهنا بالطعام قبل الصلاة فبدأ في كل منهما بأصل ما دعي لأجله قوله ثم قال قوموا استدل به على ترك الوضوء مما مست النار لكونه صلى بعد الطعام وفيه نظر لما رواه الدارقطني في غرائب مالك عن البغوي عن عبد الله بن عون عن مالك ولفظه صنعت مليكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأكل منه وأنا معه ثم دعا بوضوء فتوضأ الحديث قوله فلأصلي لكم كذا في روايتنا بكسر اللام وفتح الياء وفي رواية الأصيلي بحذف الياء قال بن مالك روى بحذف الياء وثبوتها مفتوحه وساكنه ووجهه أن اللام عند ثبوت الياء مفتوحة لام كي والفعل بعدها منصوب بان مضمرة واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف والتقدير قوموا فقيامكم لأصلي لكم ويجوز على مذهب الأخفش أن تكون الفاء زائدة واللام متعلقة بقوموا وعند سكون الياء يحتمل أن تكون اللام أيضا لام كي وسكنت الياء تخفيفا أو لام الأمر وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح كقراءة قنبل أنه من يتقي ويصبر وعند حذف الياء اللام لام الأمر وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فصيح قليل في الاستعمال ومنه قوله تعالى ولتحمل خطاياكم قال ويجوز فتح اللام ثم ذكر توجيهه وفيه لغيره بحث اختصرته لأن الرواية لم ترد به وقيل أن في رواية الكشميهني فأصل بحذف اللام وليس هو فيما وقفت عليه من النسخ الصحيحة وحكى بن قرقول عن بعض الروايات فلنصل بالنون وكسر اللام والجزم واللام على هذا لام الأمر وكسرها لغة معروفة قوله لكم أي لأجلكم قال السهيلي الأمر هنا بمعنى الخبر وهو كقوله تعالى فليمدد له الرحمن مدا ويحتمل أن يكون أمرا لهم بالائتمام لكنه اضافه إلى نفسه لارتباط فعلهم بفعله قوله من المريض ما لبس فيه إن الافتراش يسمى لبسا وقد استدل به على منع افتراش الحرير لعموم النهي عن لبس الحرير ولا يرد ذلك إن من حلف لا يلبس حريرا فإنه لا يحنث بالافتراش لأن الإيمان مبناها على العرف قوله فنضحته يحتمل أن يكون النضح لتليين الحصير أو الختار أو لتطهيره ولا يصح الجزم بالأخير بل المتبادر غيره لأن الأصل الطهارة قوله وصففت أنا واليتيم كذا للأكثر وللمستملي والحموي فصففت واليتيم بغير تأكيد والأول أفصح ويجوز في اليتيم الرفع والنصب قال صاحب العمدة اليتيم هو ضميرة جد حسين بن عبد الله بن ضميرة قال بن الحذاء كذا اسماه عبد الملك بن حبيب ولم يذكره غيره وأظنه سمعه من حسين بن عبد الله أو من غيره من أهل المدينة قال وضميرة هو بن أبي ضمرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف في اسم أبي ضميرة فقيل روح وقيل غير ذلك انتهى ووهم بعض الشراح فقال اسم اليتيم ضميرة وقيل روح فكأنه انتقل ذهنه من الخلاف في اسم أبيه إليه وسيأتي في باب المرأة وحدها تكون صفا ذكر من قال أن اسمه سليم وبيان وهمه في ذلك إن شاء الله تعالى وجزم البخاري بأن اسم أبي ضميرة سعد الحميري ويقال سعيد ونسبه بن حبان ليثيا قوله والعجوز هي ملكية المذكورة أولا قوله ثم انصرف أي إلى بيته أو من الصلاة وفي هذا الحديث من الفوائد إجابة الدعوة ولو لم تكن عرسا ولو كان الداعي امرأة لكن حيث تؤمن الفتنة والأكل من طعام الدعوه وصلاة النافلة جماعة
[ 413 ]
في البيوت وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد تعليمهم أفعال الصلاة بالمشاهدة لأجل المرأة فإنها قد يخفى عليها بعض التفاصيل لبعد موقفها وفيه تنظيف مكان المصلي وقيام الصبي مع الرجل صفا وتأخير النساء عن صفوف الرجال وقيام المرأة صفا وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها واستدل به على جواز المنفرد خلف الصف وحده ولا حجة فيه لذلك وفيه الاقتصار في نافلة النهار على ركعتين خلافا لمن اشترط أربعا وسيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى وفيه صحة صلاة الصبي المميز ووضوئه وأن محل الفضل الوارد في صلاة النافلة منفردا حيث لا يكون هناك مصلحة كالتعليم بل يمكن أن يقال هو إذ ذاك أفضل ولا سيما في حقه صلى الله عليه وسلم تنبيهان الأول أورد مالك هذا الحديث في ترجمة صلاة الضحى وتعقب بما رواه أنس بن سيرين عن أنس بن مالك أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا مرة واحدة في دار الأنصاري الضخم الذي دعاه ليصلي في بيته أخرجه المصنف كما سيأتي وأجاب صاحب القبس بأن مالكا نظر إلى كون الوقت الذي وقعت فيه تلك الصلاة هو وقت صلاة الضحى فحمله عليه وأن أنسا لم يطلع على أنه صلى الله عليه وسلم نوى بتلك الصلاة صلاة الضحى الثاني النكتة في ترجمة الباب الإشارة إلى ما رواه بن أبي شيبة وغيره من طريق شريح بن هانئ أنه سأل عائشة أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والله يقول وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا فقالت لم يكن يصلي على الحصير فكأنه لم يثبت عند المصنف أو رآه شاذا مردودا لمعارضته ما هو أقوى منه كحديث الباب بل سيأتي عنده من طريق أبي سلمة عن عائشة إن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه ويصلي عليه وفي مسلم من حديث أبي سعيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حصير قوله باب الصلاة على الخمرة تقدم الكلام عليها قريبا وأن ضبطها تقدم في أواخر الحيض وكأنه أفردها بترجمة لكون شيخه أبي الوليد حدثه بالحديث مختصرا والله أعلم قوله باب الصلاة على الفراش أي سواء كان ينام عليه مع امرأته أم لا وكأنه يشير إلى الحديث الذي رواه أبو داود وغيره من طريق الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي في لحفنا وكأنه أيضا لم يثبت عنده أو رآه شاذا مردودا وقد بين أبو داود علته قوله وصلى أنس وصله بن أبي شيبة وسعيد بن منصور كلاهما عن بن المبارك عن حميد قال كان أنس يصلي على فراشه قوله وقال أنس كنا نصلي كذا للأكثر وسقط أنس من رواية الأصيلي فأوهم أنه بقية من الذي قبله وليس كذلك بل هو حديث آخر كما سيأتي موصولا فيي الباب الذي بعد بمعناه ورواه مسلم من الوجه المذكور وفيه اللفظ المعلق هنا وسياقه أتم وأشار البخاري بالترجمة إلى ما أخرجه بن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم النخعي عن الأسود وأصحابه إنهم كانوا يكرهون أن يصلوا على الطنافس والفراء والمسوح وأخرج عن جمع من الصحابة والتابعين جواز ذلك وقال مالك لا أرى بأسا بالقيام عليها إذا كان يضع جبهته ويديه على الأرض قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس والإسناد كله مدنيون قوله كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته أي في مكان سجوده ويتبين ذلك من الرواية التي بعد هذه قوله فقبضت رجلي كذا بالتثنيه للأكثر وكذا في قولها بسطتهما وللمستملي والحموي رجلي بالإفراد وكذا بسطتها وقد استدل بقولها غمزني على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء وتعقب باحتمال الحائل أو بالخصوصية وعلى أن المرأة لا تقطع الصلاة وسيأتي مع بقية مباحثه في أبواب
[ 414 ]
السترة إن شاء الله تعالى وقولها والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح كأنها أرادت به الاعتذار عن نومها على تلك الصفة قال بن بطال وفيه إشعار بأنهم صاروا بعد ذلك يستصبحون ومناسبة هذا الحديث للترجمة من قولها كنت أنام وقد صرحت في الحديث الذي يليه بأن ذلك كان على فراش أهله قوله اعتراض الجنازة منصوب بأنه مفعول مطلق بعامل مقدر أي معترضة اعتراضا كاعتراض الجنازة والمراد أنها تكون نائمة بين يديه من جهة يمينه إلى جهة شماله كما تكون الجنازة بين يدي المصلي عليها قوله عن يزيد هو بن أبي حبيب وعراك هو بن مالك وعروة هو بن الزبير والثلاثة من التابعين وصورة سياقه بهذا الإرسال لكنه أمرهم على أنه سمع ذلك من عائشة بدليل الرواية التي قبلها والنكته في إيراده أن فيه تقييد الفراش بكونه الذي ينامان عليه كما تقدمت الإشارة إليه أول الباب بخلاف الرواية التي قبلها فإن قولها فراش أهله أعم من أن يكون هو الذي ناما عليه أو غيره وفيه إن الصلاة إلى النائم لا تكره وقد وردت أحاديث ضعيفة في النهي عن ذلك وهي محمولة أن ثبتت على ما إذا حصل شغل الفكر به قوله باب السجود على الثوب في شدة الحر التقييد بشدة الحر للمحافظة على لفظ الحديث وإلا فهو في البرد كذلك بل القائل بالجواز لا يقيده بالحاجه قوله وقال الحسن كان القوم أي الصحابة كما سيأتي بيانه قوله والقلنسوة بفتح القاف واللام وسكون النون وضم المهملة وفتح الواو وقد تبدل ياء مثناة من تحت وقد تبدل ألفا وتفتح السين فيقال قلنساة وقد تحذف النون من هذه بعدها هاء تأنيث غشاء مبطن يستر به الرأس قاله القزاز في شرح الفصيح وقال بن هشام هي التي يقال لها العمامة الشاشية وفي المحكم هي من ملابس الرأس معروفة وقال أبو هلال العسكري هي التي تغطي بها العمائم وتستر من الشمس والمطر كأنها عنده رأس البرنس قوله ويداه أي يد كل واحد منهم وكأنه أراد بتغيير الأسلوب بيان إن كل واحد منهم ما كان يجمع بين السجود على العمامة والقلنسوة معا لكن في كل حالة كان يسجد ويداه في كمه ووقع في رواية الكشميهني ويديه في كمه وهو منصوب بفعل مقدر أي ويجعل يديه وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسجدون وايديهم في ثيابهم ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته هكذا رواه بن أبي شيبة من طريق هشام قوله حدثنا غالب القطان وللأكثر حدثني بالإفراد والإسناد كله بصريون قوله طرف الثوب ولمسلم بسط ثوبه وكذا للمصنف في أبواب العمل في الصلاة وله من طريق خالد بن عبد الرحمن عن غالب سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر والثوب في الأصل يطلق على غير المخيط وقد يطلق على المخيط مجازا وفي الحديث جواز استعمال الثياب وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض لاتقاء حرها وكذا بردها وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هو الأصل لأنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة واستدل به على إجازة السجود على الثوب المتصل بالمصلى قال النووي وبه قال أبو حنيفة والجمهور وحمله الشافعي على الثوب المنفصل انتهى وأيد البيهقي هذا الحمل بما رواه الاسماعيلي من هذا الوجه بلفظ فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه قال فلو جاز السجود على شئ متصل به لما احتاجوا إلى تبريد الحصى مع المريض الأمر فيه وتعقب باحتمال أن يكون الذي كان يبرد الحصى لم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها
[ 415 ]
مع بقاء سترته له وقال بن دقيق العيد يحتاج من استدل به على الجواز إلى أمرين أحدهما إن لفظ ثوبه طال على المتصل به أما من حيث اللفظ وهو تعقيب السجود بالبسط يعني كما في رواية مسلم وأما من خارج اللفظ وهو قلة الثياب عندهم وعلى تقدير أن يكون كذلك وهو الأمر الثاني يحتاج إلى ثبوت كونه متناولا لمحل النزاع وهو أن يكون مما يتحرك بحركة المصلي وليس في الحديث ما يدل عليه والله اعلم وفيه جواز العمل القليل في الصلاة ومراعاة الخشوع فيها لأن الظاهر إن صنيعهم ذلك لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض وفيه تقديم الظهر في أول الوقت وظاهر الأحاديث الواردة في الأمر بالإيراد كما سيأتي في المواقيت يعارضه فمن قال الإبرار رخصة فلا إشكال ومن قال سنة فأما أن يقول التقديم المذكور رخصة وأما أن يقول منسوخ بالأمر بالإبراد وأحسن منهما أن يقال أن شدة الحر قد توجد مع الإبرار فيحتاج إلى السجود على الثوب أو إلى تبريد الحصى لأنه قد يستمر حره بعد الإبرار وتكون فائدة الإبرار وجود ظل يمشي فيه إلى المسجد أو يصلي فيه في المسجد أشار إلى هذا الجمع القرطبي ثم بن دقيق العيد وهو أولى من دعوى تعارض الحديثين وفيه إن قول الصحابي كنا نفعل كذا من معي المرفوع لاتفاق الشيخين على تخريج هذا الحديث في صحيحيهما بل ومعظم المصنفين لكن قد يقال إن في هذا زيادة على مجرد الصيغة لكونه في الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان يرى فيها من خلفه كما يرى من إمامه فيكون تقريره فيه مأخوذا من هذه الطريق لا من مجرد صيغة كنا نفعل قوله باب الصلاة في النعال بكسر النون جمع نعل وهي معروفة ومناسبته لما قبله من جهة جواز تغطية بعض أعضاء السجود قوله يصلي في نعليه قال بن بطال هو أمرهم على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة ثم هي من الرخص كما قال بن دقيق العيد لا من المستحبات لان ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة وهو وأن كان من ملابس الزينة إلا أن ملامسته الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية لأنها من باب دفع المفاسد والأخرى من باب جلب المصالح قال الا أن يرد دليل بالحاقة بما يتجمل به فيرجع إليه ويترك هذا النظر قلت قد روى أبو داود والحاكم من حديث شداد بن أوس مرفوعا خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة المذكورة وورد في كون الصلاة في النعال من الزينة المأمور بأخذها في الآية حديث ضعيف جدا أورده بن عدي في الكامل وابن مردويه في تفسيره من حديث أبي هريرة والعقيلي من حديث أنس قوله باب الصلاة في الخفاف يحتمل أنه أراد الإشارة بإيراد هذه الترجمة هنا إلى حديث شداد بن أوس المذكور لجمعه بين الأمرين قوله سمعت إبراهيم هو النخعي وفي الإسناد ثلاثة من التابعين كوفيون إبراهيم وشيخه والراوي عنه قوله ثم قام فصلى ظاهر في أنه صلى في خفية لأنه لو نزعهما بعد المسح لوجب غسل رجليه ولو غسلهما لنقل قوله فسئل وللطبراني من طريق جعفر بن الحارث عن الأعمش أن السائل له عن ذلك هو همام المذكور وله من طريق زائدة عن الأعمش فعاب عليه ذلك رجل من القوم قوله قال إبراهيم فكان يعجبهم زاد مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش كان يعجبهم هذا الحديث ومن طريق عيسى بن يونس عنه فكان أصحاب عبد الله
[ 416 ]
بن مسعود يعجبهم قوله من آخر من اسلم ولمسلم لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ولأبي داود من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير في هذه القصة قالوا إنما كان ذلك أي مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين قبل نزول المائدة فقال جرير ما أسلمت الا بعد نزول المائدة وعند الطبراني من رواية محمد بن سيرين عن جرير أن ذلك كان في حجة الوداع وروى الترمذي من طريق شهر بن حوشب قال رأيت جرير بن عبد الله فذكر نحو حديث البا ب قال فقلت له أقبل المائدة أم بعدها قال ما أسلمت إلا بعد المائدة قال الترمذي هذا حديث مفسر لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول إن مسح النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول آية الوضوء التي في المائدة فيكون منسوخا فذكر جرير في حديثه أنه رآه يمسح بعد نزول المائدة فكان أصحاب بن مسعود يعجبهم حديث جرير لأن فيه ردا على أصحاب التأويل المذكور وذكر بعض المحققين أن إحدى القراءتين في آية الوضوء وهي قراءة الخفض دالة على المسح على الخفين وقد تقدمت سائر مباحثه في كتاب الوضوء قوله حدثنا إسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر نسب إلى جده والإسناد كله كوفيون غيره وفيه أيضا ثلاثة من التابعين الأعمش وشيخه مسلم وهو أبو الضحى ومسروق وتردد الكرماني في أن مسلما هل هو أبو الضحى أو البطين قصور فقد جزم الحفاظ بأنه أبو الضحى وقد تقدم الكلام على فوائد حديث المغيرة حيث أورده المصنف تاما في كتاب الوضوء قوله باب إذا لم يتم السجود كذا وقع عند أكثر الرواة هذه الترجمة وحديث حذيفة فيها والترجمة التي بعدها وحديث بن بحينة فيها موصولا ومعلقا ووقعتا عند الأصيلي قبل باب الصلاة في النعال ولم يقع عند المستملي شئ من ذلك وهو الصواب لأن جميع ذلك سيأتي في مكانه اللائق به وهو أبواب صفة الصلاة ولولا أنه ليس من عادة المصنف إعادة الترجمة وحديثها معا لكان يمكن أن يقال مناسبة الترجمة الأولى لأبواب ستر العورة الإشارة إلى أن من ترك شرطا لا تصح صلاته كمن ترك ركنا ومناسبة الترجمة الثانية الإشارة إلى أن المجافاة في السجود لا تستلزم عدم ستر العورة فلا تكون مبطلة الولاء وفي الجملة إعادة هاتين الترجمتين هنا وفي أبواب السجود الحمل فيه عندي على النساخ بدليل سلامة رواية المستملى من ذلك وهو أحفظهم قوله باب يبدي ضبعيه الخ تقدم القول فيه قبل كما ترى خاتمة اشتملت أبواب ستر العورة وما قبلها من ذكر ابتداء فرض الصلاة من الأحاديث المرفوعة على تسعة وثلاثين حديثا فإن أضفت إليها حديثي الترجمتين المذكورتين صارت أحدا وأربعين حديثا المكرر منها فيها وفيما تقدم خمسة عشر حديثا وفيها من المعلقات أربعة عشر حديثا وأن أضفت إليها المعلق في الترجمة الثانية صارت خمسة عشر حديثا عشرة منها أو أحد عشرة مكررة وأربعة لا توجد فيه إلا معلقة وهي حديث سلمة بن الأكوع يزره ولو بشوكة وأحاديث بن عباس وجرهد وابن جحش في الفخذ وافقه مسلم على جميعها سوى هذه الأربعة وسوى حديث أنس في قرام لعائشة وحديث عكرمة عن أبي هريرة في الأمر بمخالفة طرفي الثوب وفيه من الآثار الموقوفة أحد عشر أثرا كلها معلقه إلا أثر عمر إذا وسع الله عليكم فوسعوا على أنفسكم فإنه موصول
[ 417 ]
قوله باب فضل استقبال القبلة يستقبل بأطراف رجليه القبلة قاله أبو حميد يعني الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني في صفة صلاته كما سيأتي بعد موصولا من حديثه والمراد بأطراف رجليه رؤوس أصابعها وأراد بذكره هنا بيان مشروعية الاستقبال بجميع ما يمكن من الأعضاء قوله حدثنا عمرو بن عباس بالموحده ثم بالمهملة وميمون بن سياه بكسر المهملة وتخفيف التحتانية ثم هاء منونة ويجوز ترك صرفه وهو فارسي معرب معناه الأسود وقيل عربي قوله ذمة الله أي أمانته وعهده قوله فلا تخفروا بالضم من الرباعي أي لا تغدروا يقال اخفرت إذا غدرت وخفرت إذا حميت ويقال أن الهمزة في أخفرت للإزالة أي تركت حمايته قوله فلا تخفروا الله في ذمته أي ولا رسوله وحذف لدلالة السياق عليه أو لاستلزام المذكور المحذوف وقد أخذ بمفهومه من ذهب إلى قتل تارك الصلاة وله موضع غير هذا وفي الحديث تعظيم شان القبلة وذكر الاستقبال بعد الصلاة للتنويه به وإلا فهو انظر في الصلاة لكونه من شروطها وفيه إن أمور الناس محمولة على الظاهر فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك قوله حدثنا نعيم هو بن حماد الهدي ووقع في رواية حماد بن شاكر عن البخاري قال نعيم بن حماد وفي رواية كريمة والأصيلي قال بن المبارك بغير ذكر نعيم وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج وقد وقع لنا من طريق نعيم موصولا في سنن الدارقطني وتابعه حماد بن موسى وسعد بن يعقوب وغيرهما عن بن المبارك قوله حتى يقولوا لا إله إلا الله اقتصر عليها ولم يذكر الرسالة وهي مرادة كما تقول قرأت الحمد وتريد السورة كلها وقيل أول الحديث ورد في حق من جحد التوحيد فإذا أقر به صار كالموحد من أهل الكتاب يحتاج إلى الإيمان بما جاء به الرسول فلهذا عطف الأفعال المذكورة عليها فقال وصلوا صلاتنا الخ والصلاة الشرعية متضمنة للشهادة بالرسالة وحكمة الاقتصار على ما ذكر من الأفعال أن من يقر بالتوحيد من أهل الكتاب وأن صلوا واستقبلوا وذبحوا لكنهم لا يصلون مثل صلاتنا ولا يستقبلون قبلتنا ومنهم من يذبح لغير الله ومنهم من لا يأكل ذبيحتنا ولهذا قال في الرواية الأخرى وأكل ذبيحتنا والاطلاع على حال المرء في صلاته وأكله يمكن بسرعة في أول يوم بخلاف غير ذلك من أمور الدين قوله فقد حرمت بفتح أوله وضم الراء ولم أره في شئ من الروايات بالتشديد وقد تقدمت سائر مباحثه في باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة من كتاب الإيمان قوله وقال على بن عبد الله هو بن المديني وفائدة أيراد هذا الإسناد تقوية رواية ميمون بن سياه لمتابعة حميد له قوله وما يحرم بالتشديد هو معطوف على شئ محذوف كأنه سأل عن شئ قبل هذا وعن هذا والواو واستئنافية وسقطت من رواية الأصيلي وكريمة ولما لم يكن في قول حميد سأل ميمون أنسا التصريح بكونه حضر ذلك عقبة بطريق يحيى بن أيوب التي فيها تصريح حميد بأن أنسا حدثهم لئلا يظن أنه دلسه ولتصريحه أيضا بالرفع وأن كان للأخرى حكمة وقد روينا طريق يحيى بن أيوب موصولة في الأيمان لمحمد بن نصر ولابن منده وغيرهما من طريق بن أبي مريم المذكور واعل الاسماعيلي طريق حميد المذكورة فقال الحديث حديث ميمون وحميد إنما سمعه منه واستدل على ذلك برواية معاذ بن معاذ عن حميد عن ميمون قال سألت أنسا قال وحديث يحيى بن أيوب لا يحتج به يعني في التصريح بالتحديث قال لأن عادة المصريين والشاميين ذكر الخبر فيما يروونه قلت
[ 418 ]
هذا التعليل مردود ولو فتح هذا الباب لم يوثق برواية مدلس أصلا ولو صرح بالسماع والعمل على خلافه ورواية معاذ لا دليل فيها على أن حميدا لم يسمعه من أنس لأنه لا مانع أن يسمعه من أنس ثم يستثبت فيه من ميمون لعلمه بأنه كان السائل عن ذلك فكان حقيقا بضبطه فكان حميد تارة يحدث به عن أنس فلأجل العلو وتارة عن ميمون لكونه ثبته فيه وقد جرت عادة حميد بهذا يقول حدثني أنس وثبتني فيه ثابت وكذا وقع لغير حميد قوله باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق نقل عياض أن رواية الأكثر ضم قاف المشرق فيكون معطوفا على باب ويحتاج إلى تقدير محذوف والذي في روايتنا بالخفض ووجه السهيلي رواية الضم بان الحامل على ذلك كون حكم المشرق في القبلة مخالفا لحكم المدينة بخلاف الشام فإنه موافق وأجاب بن رشيد بان المراد بيان حكم القبلة من حيث هو سواء توافقت البلاد أم اختلفت قوله ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة هذه جملة مستأنفة من تفقه المصنف وقد نوزع في ذلك لأنه يحمل الأمر في قوله شرقوا أو غربوا على عمومه وإنما هو مخصوص بالمخاطبين وهم أهل المدينة ويلحق بهم من كان على مثل سمتهم ممن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها أما من كان في المشرق فقبلته في جهة المغرب وكذلك عكسه وهذا معقول لا يخفى مثله على البخاري فيتعين تأويل كلامه بأن يكون مراده ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة أي لأهل المدينة والشام ولعل هذا هو السر في تخصيصه المدينة والشام بالذكر وقال بن بطال لم يذكر البخاري مغرب الأرض اكتفاء بذكر المشرق إذ العلة مشتركة ولأن المشرق أكثر الأرض المعمورة ولأن بلاد الإسلام في جهة مغرب الشمس قليلة انتهى قوله وعن الزهري يعني بالإسناد المذكور والمراد أن سفيان حدث به عليا مرتين مرة صرح بتحديث الزهري له وفيه عنعنة عطاء ومرة آتي بالعنعنة عن الزهري وبتصريح عطاء بالسماع وادعى بعضهم إن الرواية الثانية معلقة وليس كذلك على ما قررته وقال الكرماني قال في الأول عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم وفي الثاني سمعت أبا أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان الثاني أقوى لأن السماع أقوى من العنعنة والعنعنة أقوى من أن لكن فيه ضعف من جهة التعليق حيث قال وعن الزهري انتهى وفي دعواه ضعف أن بالنسبة إلى عن نظر فكأنه قلد في ذلك نقل بن الصلاح عن أحمد ويعقوب بن شيبة وقد بين شيخنا في شرحه منظومته وهم بن الصلاح في ذلك وأن حكمهما واحد الا أنه يستثنى من التعبير بان ما إذا أضاف إليها قصة ما أدركها الراوي وأما جزمه بكون السند الثاني معلقا فهو بحسب الظاهر وإلا فحمله على ما قبله ممكن وقد رويناه في مسند إسحاق بن راهويه قال حدثنا سفيان فذكر مثل سياقها سواء فعلى هذا فلا ضعف فيه أصلا والله أعلم وقد تقدمت فوائد المتن في أوائل كتاب الطهارة قوله باب قوله تعالى واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقع في روايتنا واتخذوا بكسر الخاء على الآمر وهي إحدى القراءتين والأخرى بالفتح على الخبر والأمر دال على الوجوب لكن انعقد الإجماع على جواز الصلاة إلى جميع جهات الكعبة فدل على عدم التخصيص وهذا بناء على أن المراد بمقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه وهو موجود إلى الآن وقال مجاهد المراد بمقام إبراهيم الحرم كله والأول أصح وقد ثبت دليله عند مسلم من حديث جابر وسيأتي
[ 419 ]
عند المصنف أيضا قوله مصلى أي قبلة قاله الحسن البصري وغيره وبه يتم الاستدلال وقال مجاهد أي مدعى يدعني عنده ولا يصح حمله على مكان الصلاة لأنه لا يصلي فيه بل عنده ويترجح قول الحسن بأنه جار على المعنى الشرعي واستدل المصنف على عدم التخصيص أيضا بصلاته صلى الله عليه وسلم انظر الكعبة فلو تعين استقبال المقام لما صحت هناك لأنه كان حينئذ غير مستقبله وهذا هو السر في إيراد حديث بن عمر عن بلال في هذا الباب وقد روى الأزرقي في أخبار مكة بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن حتى جاء سيل في خلافه عمر فاحتمله حتى وجد بأسفل مكة فأتى به فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه وبنى حوله فاستقر ثم إلى الآن قوله طاف بالبيت للعمرة كذا للأكثر وللمستملي والحموي طاف بالبيت لعمرة وبحذف اللام من قوله للعمرة ولا بد من تقديرها ليصح الكلام قوله أيأتي امرأته أي هل حل من إحرامه حتى يجوز له الجماع وغيره من محرمات الإحرام وخص أتيان المرأة بالذكر لأنه أعظم المحرمات في الإحرام وأجابهم بن عمر بالإشارة إلى وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما في أمر المناسك لقوله صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم وأجابهم جابر بصريح النهي وعليه أكثر الفقهاء وخالف فيه بن عباس فأجاز للمعتمر التحلل بعد الطواف وقبل السعي وسيأتي بسط ذلك في موضعه من كتاب الحج إن شاء الله تعالى والمناسب للترجمة من هذا الحديث قوله وصلى خلف المقام ركعتين وقد يشعر بحمل الأمر في قوله واتخذوا على تخصيص ذلك بركعتي الطواف وقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك خلف المقام كما سيأتي في مكانه في الحج إن شاء الله تعالى قوله عن سيف هو بن سليمان أو بن سليمان المكي قوله أتى بن عمر لم اقف على اسم الذي أخبره بذلك قوله واجد بعد قوله فأقبلت وكان المناسب للسياق إن يقول ووجدت وكأنه عدل عن الماضي إلى المضارع استحضارا لتلك الصورة حتى كأن المخاطب يشاهدها قوله قائما بين البابين أي المصراعين وحمله الكرماني تجويزا على حقيقة التثنية وقال أراد بالباب الثاني الذي لم تفتحه قريش حين بنت الكعبة باعتبار ما كان أو كان إخبار الراوي بذلك بعد أن فتحه بن الزبير وهذا يلزم منه أن يكون بن عمر وجد بلالا في وسط الكعبة وفيه بعد وفي رواية الحموي بين الناس بنون وسين الركعة وهي أوضح قوله قال نعم ركعتين أي صلي ركعتين وقد استشكل الاسماعيلي وغيره هذا مع أن المشهور عن بن عمر من طريق نافع وغيره عنه أنه قال ونسيت أن أسأله كم صلى قال فدل على أنه أخبره بالكيفية وهي تعيين الموقف في الكعبة ولم يخبره بالكمية ونسي هو أن يسأله عنها والجواب عن ذلك أن يقال يحتمل أن بن عمر اعتمد في قوله في هذه الرواية ركعتين على القدر المتحقق له وذلك أن بلالا أثبت له أنه صلى ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل في النهار بأقل من ركعتين فكانت الركعتان متحققا وقوعهما لما عرف بالاستقراء من عادته فعلى هذا فقوله ركعتين من كلام بن عمر لا من كلام بلال وقد وجدت ما يؤيد هذا ويستفاد منه جمعا آخر بين الحديثين وهو ما أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن بن عمر في هذا الحديث فاستقبلني بلال فقلت ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ههنا فأشار بيده أي صل ركعتين
[ 420 ]
بالسبابة والوسطى فعلى هذا فيحمل قوله نسيت أن أسأله كم صلى على أنه لم يسأله لفظا ولم يجبه لفظا وإنما استفادة منه صلاة الركعتين بإشارته لا بنطقه وأما قوله في الرواية الأخرى ونسيت أن أسأله كم صلى فيحمل على أن مراده أنه لم يتحقق هل زاد على ركعتين أو لا وأما قول بعض المتأخرين يجمع بين الحديثين بأن بن عمر نسي أن يسأل بلالا ثم لقيه مرة أخرى فسأله ففيه نظر من وجهين أحدهما أن الذي يظهر أن القصة وهي سؤال بن عمر عن صلاته في الكعبة لم تتعدد لأنه أتي في السؤال بالفاء المعقبة في الكلب معا فقال في هذه فأقبلت ثم قال فسألت بلالا وقال في الأخرى فبدرت فسألت بلالا فدل على أن السؤال عن ذلك كان واحدا في وقت واحد ثانيهما أن راوي قول بن عمر ونسيت هو نافع مولاه ويبعد مع المريض ملازمته له إلى وقت موته أن يستمر على حكاية النسيان ولا يتعرض لحكاية الذكر أصلا والله اعلم وأما ما نقله عياض أن قوله ركعتين غلط من يحيى بن سعيد القطان لأن بن عمر قد قال نسيت أن أسأله كم صلى قال وإنما دخل الوهم عليه من ذكر الركعتين بعد فهو كلام مردود والمغلط هو الغالط فإنه ذكر الركعتين قبل وبعد فلم يهم من موضع إلى موضع ولم ينفرد يحيى بن سعيد بذلك حتى يغلط فقد تابعه أبو نعيم عند البخاري والنسائي وأبو عاصم عند بن خزيمة وعمر بن على عند الاسماعيلي وعبد الله بن نمير عند أحمد كلهم عن سيف ولم ينفرد به سيف أيضا فقد تابعه عليه خصيف عن مجاهد عند أحمد ولم ينفرد به مجاهد عن بن عمر فقد تابعه عليه بن أبي مليكة عند أحمد والنسائي وعمرو بن دينار عند أحمد أيضا باختصار ومن حديث عثمان بن أبي طلحة عند أحمد والطبراني بإسناد قوي ومن حديث أبي هريرة عند البزار ومن حديث عبد الرحمن بن صفوان قال فلما خرج سألت من كان معه فقالوا صلى ركعتين عند السارية الوسطى أخرجه الطبراني بإسناد صحيح ومن حديث شيبة بن عثمان قال لقد صلى ركعتين عند العمودين أخرجه الطبراني بإسناد جيد فالعجب من الإقدام على تغليط جبل من جبال الحفظ بقول من خفي عليه وجه الجمع بين الحديثين فقال بغير علم ولو سكت لسلم والله الموفق قوله في وجه الكعبة أي مواجهة باب الكعبة قال الكرماني الظاهر من الترجمة أنه مقام إبراهيم أي أنه كان عند الباب قلت قدمنا أنه خلاف المنقول عن أهل العلم بذلك وقدمنا أيضا مناسبة الحديث للترجمة من غير هذه الحيثية وهي إن استقبال المقام غير واجب ونقل عن بن عباس كما رواه الطبراني وغيره أنه قال ما أحب أن أصلي في الكعبة من صلى فيها فقد ترك شيئا منا خلفه وهذا هو السر أيضا في إيراد حديث بن عباس في هذا الباب قوله إسحاق بن نصر كذا وقع منسوبا في جميع الروايات التي وقفت عليها وبذلك جزم الاسماعيلي وأبو نعيم وابن مسعود وغيرهم وذكر أبو العباس الطرقي في الأطراف له أن البخاري أخرجه عن إسحاق غير منسوب وأخرجه الاسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق شيخ إسحاق بن نصر فيه شوال هذا فجعله من رواية بن عباس عن أسامة بن زيد وكذلك رواه مسلم من طريق محمد بن بكر عن بن جريج وهو الأرجح وسيأتي وجه التوفيق بين رواية بلال المثبتة لصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة وبين هذه الرواية النافية في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قوله في قبل الكعبة بضم القاف والموحدة وقد تسكن أي مقابلها أو ما استقبلك منها وهو وجهها وهذا موافق لرواية بن عمر السالفة قوله قوله هذه القبلة
[ 421 ]
الإشارة إلى الكعبة قيل المراد بذلك تقرير حكم الانتقال عن بيت المقدس وقيل المراد إن حكم من شاهد البيت وجوب مواجهة عينه جزما بخلاف الغائب وقيل المراد إن الذي أمرتم باستقباله ليس هو الحرم كله ولا مكة ولا المسجد الذي حول الكعبة بل الكعبة نفسها أو الإشارة إلى وجه الكعبة أي هذا موقف الإمام ويؤيده ما رواه البزار من حديث عبد الله بن حبشي الخثعمي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى باب الكعبة وهو يقول أيها الناس أن الباب قبلة البيت وهو أمرهم على الندب لقيام الإجماع على جواز استقبال البيت من جميع جهاته والله أعلم قوله باب التوجه نحو القبلة حيث كان أي حيث وجد الشخص في سفر أو حضر والمراد بذلك في صلاة الفريضة كما يتبين ذلك الحديث الثاني في الباب وهو حديث جابر قوله وقال أبو هريرة هذا طرف من حديثه في قصة المسئ صلاته وقد ساقه المصنف بذها اللفظ في كتاب الاستئذان قوله عن البراء تقدم في باب الصلاة من الإيمان من كتاب الإيمان بيان من رواه عن أبي إسحاق مصرحا بتحديث البراء له قوله وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة جاء بيان ذلك فيما أخرجه الطبري وغيره من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس قال لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها سبعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم فكان يدعو وينظر إلى السماء فنزلت ومن طريق مجاهد قال إنما كان يحب أن يتحول إلى الكعبة لأن اليهود قالوا يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا فنزلت وظاهر حديث بن عباس هذا إن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة إلى المدينة لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه والجمع بينهما ممكن بان يكون أمر صلى الله عليه وسلم لما هاجر أن يستمر على الصلاة لبيت المقدس وأخرج الطبراني من طريق بن جريج قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا ثم وجهه الله إلى الكعبة فقوله في حديث بن عباس الأول أمره الله يرد قول من قال أنه صلى إلى بيت المقدس باجتهاد وقد أخرجه الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وعن أبي العالية أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس يتألف أهل الكتاب وهذا لا ينفي أن يكون بتوقيف قوله نحو بيت المقدس أي بالمدينة قد تقدم في باب الصلاة من الإيمان في كتاب الإيمان تحرير المدة المذكورة وإنها ستة عشر شهرا وأيام قوله يوجه بفتح الجيم أي يؤمر بالتوجه قوله فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجال كذا في رواية المستملى والحموي وفي رواية غيرهما رجل وهو المشهور وقد تقدم في الإيمان أن اسمه عباد بن بشر وتحتاج رواية المستملى إلى تقدير محذوف في قوله ثم خرج أي بعض أولئك الرجال قوله في صلاة العصر نحو بيت المقدس وللكشميهني في صلاة العصر يصلون نحو بيت المقدس وفيه إفصاح بالمراد ووقع في تفسير بن أبي حاتم من طريق ثويلة بنت أسلم صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيليا فصلينا سجدتين أي ركعتين ثم جاءنا من يخبرنا أن النبي
[ 422 ]
صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام واختلفت الرواية في الصلاة التي تحولت القبلة عندها وكذا في المسجد فظاهر حديث البراء هذا أنها الظهر وذكر محمد بن سعد في الطبقات قال يقال أنه صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه ودار معه المسلمون ويقال زار النبي صلى الله عليه وسلم أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فصنعت له طعاما وحانت الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ركعتين ثم أمر فاستدار إلى الكعبة واستقبل الميزاب فسمى مسجد القبلتين قال بن سعد قال الوافدي هذا أثبت عندنا وأخرج بن أبي داود بسند ضعيف عن عمارة بن رويبة كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي حين صرفت القبلة فدار ودرنا معه في ركعتين وأخرج البزار من حيث أنس انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت المقدس وهو يصلي الظهر بوجهه إلى الكعبة وللطبراني نحوه من وجه آخر عن أنس وفي كل منهما ضعف قوله فقال أي الرجل هو يشهد يعني بذلك نفسه وهو على سبيل التجريد ويحتمل أن يكون الراوي نقل كلامه بالمعنى ويؤيده الرواية المتقدمة في الإيمان بلفظ أشهد وقد تقدمت مباحثه هناك قوله حدثنا مسلم زاد الأصيلي بن إبراهيم قال حدثنا هشام زاد الأصيلي بن أبي عبد الله وهو الدستوائي عن محمد بن عبد الرحمن أي بن ثوبان العامري المدني وليس له في الصحيح عن جابر غير هذا الحديث وفي طبقته محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ولم يخرج له البخاري عن جابر شيئا قوله حيث توجهت زاد الكشميهني به والحديث دال على عدم ترك استقبال القبلة في الفريضة وهو إجماع لكن رخص في شدة الخوف قوله عن منصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو بن يزيد النخعي وأخطأ من قال أنه غيره وهذه الترجمة من أصح الأسانيد قوله قال إبراهيم أي الراوي المذكور لا أدري زاد أو نقص أي النبي صلى الله عليه وسلم والمراد إن إبراهيم شك في سبب سجود السهو المذكور هل كان لأجل الزيادة أو النقصان لكن سيأتي في الباب الذي بعده من رواية الحكم عن إبراهيم شوال هذا أنه صلى خمسا وهو يقتضي الجزم بالزيادة فلعله شك لما حدث منصور وتيقن لما حدث الحكم وقد تابع الحكم على ذلك حماد بن أبي سليمان وطلحة بن مصرف وغيرهما وعين في رواية الحكم أيضا وحماد أنها الظهر ووقع للطبراني من رواية طلحة بن مصرف عن إبراهيم أنها العصر وما في الصحيح أصح قوله حالا بفتحات ومعناه السؤال عن حدوث شئ من الوحي يوجب تغيير حكم الصلاة عما عهدوه ودل استفهامهم عن ذلك على جواز النسخ عندهم وإنهم كانوا يتوقعونه قوله قال وما ذاك فيه إشعار بأنه لم يكن عنده شعور مما وقع منه من الزيادة وفيه دليل على جواز وقوع السهو من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال قال بن دقيق العيد وهو قول عامة العلماء والنظار وشذت طائفة فقالوا لا يجوز على النبي السهو وهذا الحديث يرد عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم فيه أنسى كما تنسون ولقوله فإذا نسيت فذكروني أي بالتسبيح ونحوه وفي قوله لو حدث شئ في الصلاة لنبأتكم به دليل على عدم تأخير البيان عن وقت الحاجه ومناسبة الحديث للترجمة من قوله فثنى رجله وللكشميهني والأصيلي رجليه بالتثنيه واستقبل القبلة فدل على عدم ترك الاستقبال في كل حال من أحوال الصلاة واستدل به على رجوع الإمام إلى قول المأمومين لكن يحتمل أن يكون
[ 423 ]
تذكر عند ذلك أو علم بالوحي أو أن سؤالهم حالا عنده شكا فسجد لوجود الشك الذي طرأ لا لمجرد قولهم قوله فليتحر الصواب بالحاء المهملة والراء المشددة أي فليقصد والمراد البناء على اليقين كما سيأتي واضحا مع بقية مباحثه في أبواب السهو إن شاء الله تعالى قوله باب ما جاء في القبلة أي غير ما تقدم ومن لم ير الاعاده على من سها فصلى إلى غير القبلة واصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا تبين خطؤه فروى بن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي وغيرهم إنهم قالوا لا تجب الاعاده وهو قول الكوفيين وعن الزهري ومالك وغيرهما تجب في الوقت لا بعده وعن الشافعي يعيد إذا تيقن الخطأ مطلقا وفي الترمذي من حديث عامر بن ربيعة ما يوافق قول الأولين لكن قال ليس إسناده بذاك قوله وقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم الخ هو طرف من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وهو موصول في الصحيحين من طرق لكن قوله وأقبل على الناس ليس هو في الصحيحين بهذا اللفظ موصولا لكنه في الموطأ من طريق أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة ووهم بن التين تبعا لابن بطال حيث جزم بأنه طرف من حديث بن مسعود الماضي لأن حديث بن مسعود ليس في شئ من طرقه أنه سلم من ركعتين ومناسبة هذا التعليق للترجمة من جهة أن بناءه على الصلاة دال على أنه في حال استدباره القبلة كان في حكم المصلي ويؤخذ منه أن من ترك للاستقبال ساهيا لا تبطل صلاته قوله عن أنس قال قال عمر هو من رواية صحابي عن صحابي لكنه صغير عن كبير قوله وافقت ربي في ثلاث أي وقائع والمعنى وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة على نفسه أو أشار به إلى حدوث رأيه ربع الحكم وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه من مشهورها قصة اسارى بدر وقصة الصلاة على المنافقين وهما في الصحيح وصحح الترمذي من حديث بن عمر أنه قال ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر الا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر وهذا دال على كثرة موافقته وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين على خمسة عشر لكن ذلك بحسب المنقول وقد تقدم الكلام على مقام إبراهيم وسيأتي الكلام على مسألة الحجاب في تفسير سورة الأحزاب وعلى مسألة التخيير في تفسير سورة التحريم وقوله في هذه الرواية واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن عسى ربه الخ وذكر فيه من وجه آخر عن حميد في تفسير سورة البقرة زيادة يأتي التنبيه عليها في باب عشرة النساء في أواخر النكاح وقال بعضهم كان اللائق إيراد هذا الحديث في الباب الماضي وهو قوله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى والجواب أنه عدل عنه إلى حديث بن عمر للتنصيص فيه على وقوع ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف حديث عمر هذا فليس فيه التصريح بذلك وأما مناسبته للترجمة فأجاب الكرماني بان المراد من الترجمة ما جاء في القبلة وما يتعلق بها فأما على قول من فسر مقام إبراهيم بالكعبة فظاهر أو بالحرم كله فمن في قوله من مقام إبراهيم للتبعيض ومصلى أي قبلة أو بالحجر الذي وقف عليه إبراهيم وهو الأظهر فيكون تعلقه بالمتعلق بالقبلة لا بنفس القبلة وقال بن رشيد الذي يظهر لي أن تعلق الحديث بالترجمة الإشارة إلى موضع الاجتهاد في القبلة لأن عمر اجتهد في أن أختار أن يكون المصلى إلى مقام إبراهيم الذي هو في وجه الكعبة فاختار إحدى جهات القبلة بالاجتهاد وحصلت موافقته على ذلك فدل على تصويب
[ 424 ]
اجتهاد المجتهد إذا بذل وسعه ولا يخفى ما فيه قوله وقال بن أبي مريم في رواية كريمة حدثنا بن أبي مريم وفائدة إيراد هذا الإسناد ما فيه من التصريح بسماع حميد من أنس فأمن من تدليسه وقوله بهذا أي إسنادا ومتنا فهو من رواية أنس عن عمر لا من رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفائدة التعليق المذكور تصريح حميد بسماعه له من أنس وقد تعقبه بعضهم بان يحيى بن أيوب لم يحتج به البخاري وأن خرج له في المتابعات وأقول وهذا من جملة المتابعات ولم ينفرد بحيي بن أيوب بالتصريح المذكور فقد أخرجه الاسماعيلي من رواية يوسف القاضي عن أبي الربيع الزهراني عن هشيم أخبرنا حميد حدثنا أنس والله أعلم قوله بينا الناس بقباء بالمد والصرف وهو الأشهر ويجوز فيه القصر وعدم الصرف وهو يذكر ويؤنث موضع معروف ظاهر المدينة والمراد هنا مسجد أهل قباء ففيه مجاز الحذف واللام في الناس للعهد الذهني والمراد أهل قباء ومن حضر معهم قوله في صلاة الصبح ولمسلم في صلاة الغداة وهو أحد أسمائها وقد نقل بعضهم كراهية تسميتها بذلك وهذا فيه مغايرة لحديث البراء المتقدم فإن فيه إنهم كانوا في صلاة العصر والجواب أن لا منافاة بين الخبرين لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو انظر المدينة وهم بنو حارثة وذلك في حديث البراء والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر أو بن نهيك كما تقدم ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وذلك في حديث بن عمر ولم يسم الآتي بذلك إليهم وإن كان بن طاهر وغيره نقلوا أنه عباد بن بشر ففيه نظر لأن ذلك إنما ورد في حق بني حارثة في صلاة العصر فإن كان ما نقلوا محفوظا فيحتمل أن يكون عباد أتى بني حارثة أولا في وقت العصر ثم توجه إلى أهل قباء فأعلمهم بذلك في وقت الصبح ومما يدل على تعددهما أن مسلما روى من حديث أنس أن رجلا من بني سلمة مر وهم ركوع في صلاة الفجر فهذا موافق لرواية بن عمر في تعيين الصلاة وبنو سلمة غير بني حارثة قوله قد انزل عليه الليلة قرآن فيه إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضي والليلة التي تليه مجازا والتنكير في قوله قرآن لإرادة البعضية والمراد قوله قد نرى تقلب وجهك في السماء الآيات قوله وقد أمر فيه أن ما يؤمر به النبي صلى الله عليه وسلم يلزم أمته وأن أفعاله يتأسى بها كأقواله حتى يقوم دليل الخصوص قوله فاستقبلوها بفتح الموحدة للأكثر أي فتحولوا إلى جهة الكعبة وفاعل استقبلوها المخاطبون بذلك وهم أهل قباء وقوله وكانت وجوههم الخ تفسير من الراوي للتحول المذكور ويحتمل أن يكون فاعل استقبلوها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه وضمير وجوههم لهم أو لأهل قباء على الاحتمالين وفي رواية الأصيلي فاستقبلوها بكسر الموحدة بصيغة الأمر ويأتي في ضمير وجوههم الاحتمالان المذكوران وعودة إلى أهل قباء أظهر ويرجح رواية الكسر أنه عند المصنف في التفسير من رواية سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار في هذا الحديث بلفظ وقد أمر أن يستقبل الكعبة الا فاستقبلوها فدخول حرف الاستفتاح يشعر بان الذي بعده أمر لا أنه بقية الخبر الذي قبله والله اعلم ووقع بيان كيفية التحول في حديث ثويلة بنت أسلم عند بن أبي حاتم وقد ذكرت بعضه قريبا وقالت فيه فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء فصلينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام قلت وتصويره أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس وهو لو دار كما هو في مكانه
[ 425 ]
لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف ولما تحول الإمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحول النساء حتى صرن خلف الرجال وهذا يستدعي وأشار كثيرا في الصلاة فيحتمل أن يكون ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة أو لم تتوال الخطأ عند التحويل بل وقعت مفرقة والله أعلم وفي هذا الحديث إن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه لأن أهل قباء لم يؤمروا بالإعادة مع كون الأمر باستقبال الكعبة وقع قبل صلاتهم تلك بصلوات واستنبط منه الطحاوي أن من لم تبلغه الدعوة ولم يمكنه استعلام ذلك فالفرض غير السري له وفيه جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لما تمادوا في الصلاة ولم يقطعوها دل على أنه رجح عندهم التمادي والتحول على القطع والاستئناف ولا يكون ذلك الا عن اجتهاد كذا قيل وفيه نظر لاحتمال أن يكون عندهم في ذلك نص سابق لأنه صلى الله عليه وسلم كان مترقبا التحول المذكور فلا مانع أن يعلمهم ما صنعوا من التمادي والتحول وفيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ونسخ ما تقرر بطريق العلم به لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت عندهم بطريق القطع لمشاهدتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهته ووقع تحولهم عنها إلى جهة الكعبة بخبر هذا الواحد وأجيب بان الخبر المذكور احتفت به قرائن ومقدمات أفادت القطع عندهم بصدق ذلك المخبر فلم ينسخ عندهم ما يفيد العلم إلا بما يفيد العلم وقيل كان النسخ بخبر الواحد جائزا في زمنه صلى الله عليه وسلم مطلقا وإنما منع بعده ويحتاج إلى دليل وفيه جواز تعليم من ليس في الصلاة من هو فيها وأن استماع المصلي لكلام من ليس في الصلاة لا يفسد صلاته وقد تقدم الكلام على تعيين الوقت الذي حولت فيه القبلة في الكلام على حديث البراء في كتاب الإيمان ووجه تعلق حديث بن عمر بترجمة الباب أن دلالته على الجزء الأول منها من قوله أمر أن يستقبل الكعبة وعلى الجزء الثاني من حيث أنهم صلوا في أول تلك الصلاة إلى القبلة المنسوخة جاهلين بوجوب التحول عنها وأجزأت عنهم مع ذلك ولم يؤمروا بالإعادة فيكون حكم الساهي كذلك لكن يمكن أن يفرق بينهما بان الجاهل مستصحب للحكم الأول مغتفر في حقه ما لا يغتفر حق الساهي لأنه إنما يكون عن حكم استقر عنده وعرفه قوله عن عبد الله يعني بن مسعود قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله وتعلقه بالترجمة من قوله قال وما ذاك أي ما سبب هذا السؤال وكان في تلك الحالة غير مستقبل القبلة سهوا كما يظهر في الرواية الماضية من قوله فثنى رجله واستقبل القبلة قوله باب حك البزاق باليد من المسجد أي سواء كان بآلة أم لا ونازع الاسماعيلي في ذلك فقال قوله فحكه بيده أي تولى ذلك بنفسه لا أنه باشر بيده النخامة ويؤيد ذلك الحديث الآخر أنه حكها بعرجون أه والمصنف مشى على ما يحتمله اللفظ مع أنه لا مانع في القصة من التعدد وحديث العرجون رواه أبو داود من حديث جابر قوله عن حميد عن أنس كذا في جميع ما وقفت عليه من الطرق بالعنعنة ولكن أخرجه عبد الرزاق فصرح بسماع حميد من أنس فأمن تدليسه قوله نخامة قيل هي ما يخرج من الصدر وقيل النخاعة بالعين من الصدر وبالميم من الرأس قوله في القبلة أي الحائط الذي من جهة القبلة قوله حتى رؤى أي شوهد
[ 426 ]
في وجهه أثر المشقة وللنسائي فغضب حتى أحمر وجهه وللمصنف في الأدب من حديث بن عمر فتغيظ على أهل المسجد قوله إذا قام في صلاته أي بعد شروعه فيها قوله أو أن ربه كذا للأكثر بالشك كما سيأتي في الرواية الأخرى بعد خمسة أبواب وللمستملى والحموي وأن ربه بواو العطف والمراد بالمناجاة من قبل العبد حقيقة النجوى ومن قبل الرب السري ذلك فيكون مجازا والمعنى إقباله عليه بالرحمة والرضوان وأما قوله أو إن ربه بينه وبين القبلة وكذا في الحديث الذي بعده فإن الله قبل وجهه فقال الخطابي معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه فصار في التقدير فإن مقصودة بينه وبين قبلته وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله وقال بن عبد البر هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بان الله في كل مكان وهو جهل واضح لأن في الحديث أنه يبزق تحت قدمه وفيه نقض ما أصلوه وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته ومهما تؤول به هذا جاز أن يتأول به ذاك والله اعلم وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أو لا ولا سيما من المصلي فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم وفي صحيحي بن خزيمة وابن حبان من حديث حذيفة مرفوعا من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه وفي رواية لابن خزيمة من حديث بن عمر مرفوعا يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه ولأبي داود وابن حبان من حديث السائب بن خلاد أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي لكم الحديث وفيه أنه قال له إنك آذيت الله ورسوله قوله قبل قبلته بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة قبلته قوله أو تحت قدميه أي اليسرى كما في حديث أبي هريرة في الباب الذي بعده وزاد أيضا من طريق همام عن أبي هريرة فيدفنها كما سيأتي ذلك بعد أربعة أبواب قوله ثم أخذ طرف ردائه الخ فيه البيان بالفعل ليكون أوقع في نفس السامع وظاهر قوله أو يفعل هكذا أنه مخير بين ما ذكر لكن سيأتي بعد أربعة أبواب إن المصنف حمل هذا الأخير على ما إذا بدره البراق فأو على هذا في الحديث للتنويع والله أعلم قوله في حديث بن عمر رأى بصاقا في جدار القبلة وفي رواية المستملى في جدار المسجد وللمصنف في أواخر الصلاة من طريق أيوب عن نافع في قبلة المسجد وزاد فيه ثم نزل فحكها بيده وهو مطابق للترجمة وفيه أشعار بأنه كان في حال الخطبة وصرح الاسماعيلي بذلك في روايته من طريق شيخ البخاري فيه وزاد فيه أيضا قال وأحسبه دعا بزعفران فلطخه به زاد عبد الرزاق عن معمر عن أيوب فلذلك صنع الزعفران في المساجد قوله في حديث عائشة رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه كذا هو في الموطأ بالشك وللاسماعيلي من طريق معن عن مالك أو نخاعا بدل مخاطا وهو أشبه وقد تقدم الفرق بين النخاعة والنخامة قوله باب حك المخاط بالحصى من المسجد وجه المغايرة بين هذه الترجمة والتي قبلها من طريق الغالب وذلك أن المخاط غالبا يكون له جرم لزج فيحتاج في نزعه إلى معالجة والبصاق لا يكون فيمكن نزعه بغير آلة الا أن خالطه بلغم فيلتحق بالمخاط وهذا الذي يظهر من مراده قوله وقال بن عباس هذا التعليق وصله بن أبي شيبة بسند صحيح وقال في آخره وأن كان ناسيا لم يضره ومطابقته للترجمة الإشارة إلى أن العلة
[ 427 ]
العظمى في النهي احترام القبلة لا مجرد التأذي بالبزاق ونحوه فإنه وإن كان علة فيه أيضا لكن احترام القبلة فيه أكد فلهذا لم يفرق فيه بين رطب ويابس بخلاف ما علة النهي فيه مجرد الاستقذار فلا يضر وطء اليابس منه والله أعلم قوله فتناول حصاة هذا موضع الترجمة ولا فرق في المعنى بين النخامة والمخاط فلذلك استدل بأحدهما على الاخر قوله فحكها وللكشميهني فحتها بمثناة من فوق وهما بمعنى قوله ولا عن يمينه سيأتي الكلام عليه قريبا قوله باب لا يبصق عن يمينه في الصلاة أورد فيه الحديث الذي قبله من طريق أخرى عن بن شهاب ثم حديث أنس من طريق قتادة عنه مختصرا من روايته عن حفص بن عمر وليس فيهما تقييد ذلك محالة الصلاة نعم هو مقيد بذلك في رواية آدم الآتية في الباب الذي يليه وكذا في حديث أبي هريرة التقييد بذلك في رواية همام الآتية بعد فجرى المصنف في ذلك على عادته في التمسك بما ورد في بعض طرق الحديث الذي يستدل به وإن لم يكن ذلك في سياق حديث الباب وكأنه جنح إلى أن المطلق في الكلب أمرهم على المقيد فيهما وهو ساكت عن حكم ذلك خارج الصلاة وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة انظر الصلاة وخارجها سواء كان في المسجد أم غيره وقد نقل عن مالك أنه قال لا بأس به يعني خارج الصلاة ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره عن بن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة وعن معاذ بن جبل قال ما بصقت عن يميني منذ أسلمت وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقا وكان الذي خصه بحالة الصلاة أخذه من علة النهي المذكورة في رواية همام عن أبي هريرة حيث قال فإن عن يمينه ملكا هذا إذا قلنا أن المراد بالملك غير الكاتب والحافظ فيظهر حينئذ اختصاصه بحالة الصلاة وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى وقال القاضي عياض النهي عن البصاق عن اليمين في الصلاة إنما هو مع إمكان غيره فإن تعذر فله ذلك قلت لا يظهر وجود التعذر مع وجود الثوب الذي هو لابسه وقد أرشده الفاء إلى النقل فيه كما تقدم وقال الخطابي إن كان عن يساره أحد فلا يبزق في واحد من الجهتين لكن تحت قدمه أو ثوبه قلت وفي حديث طارق المحاربي عند أبي داود ما يرشد لذلك فإنه قال فيه أو تلقاء شمالك إن كان فارغا وإلا فهكذا وبزق تحت رجله ودلك ولعبد الرزاق من طريق عطاء عن أبي هريرة نحوه ولو كان تحت رجله مثلا شئ مبسوط أو نحوه تعين الثوب ولو فقد الثوب مثلا فلعل بلعه أولى من ارتكاب المنهي عنه والله اعلم تنبيه أخذ المصنف كون حكم النخامة والبصاق واحدا من أنه صلى الله عليه وسلم رأى النخامة فقال لا يبزقن فدل على تساويهما والله أعلم قوله باب ليبصق عن يساره حدثنا على زاد الأصيلي بن عبد الله وهو بن المدني والمتن هو الذي مضى من وجهين آخرين عن بن شهاب وهو الزهري ولم يذكر سفيان وهو بن عيينة فيه أبا هريرة كذا في الروايات كلها لكن وقع في رواية بن عساكر عن أبي هريرة بدل أبي سعيد وهو وهم وكأن الحامل له على ذلك أنه رأى في آخره وعن الزهري سمع حميدا عن أبي سعيد فظن أنه عنده عن أبي هريرة وأبي سعيد معا لكنه فرقهما وليس كذلك وإنما أراد المصنف أن يبين إن سفيان رواه مرة بالعنعنة ومرة صرح بسماع الزهري من حميد ووهم بعض الشراح في زعمه إن قوله وعن الزهري معلق بل هو موصول وقد تقدمت له نظائر قوله ولكن عن يساره أو تحت قدمه كذا للأكثر وهو المطابق للترجمة وفي رواية أبي الوقت وتحت قدميه بالواو
[ 428 ]
ووقع عند مسلم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة ولكن عن يساره تحت قدميه بحذف أو وكذا للمصنف من حديث أنس في أواخر الصلاة والرواية التي فيها أو أعم لكونها تشمل ما تحت القدم وغير ذلك قوله باب كفارة البزاق في المسجد أورد فيه حديث البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها من حديث أنس شوال الماضي في الباب قبله سواء ولمسلم التفل بدل البزاق والتنقل بالمثناة من فوق أخف من البزاق والنفث بمثلثة أخره أخف منه قال القاضي عياض إنما يكون خطيئته إذا لم يدفنه وأما من أراد دفنه فلا ورده النووي فقال هو خلاف صريح الحديث قلت وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا وهما قوله البزاق في المسجد خطيئة وقوله وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي جماعة منهم بن مكي في التنقيب والقرطبي في المفهم وغيرهما ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا قال من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وأن دفنه فحسنة فلم يجعله سيئة الا بقيد عدم الدفن ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال ووجدت في مساوي أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن قال القرطبي فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة انتهى وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ثم قال الحمد لله الذي لم يكتب على خطيئة الليلة فدل على إن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها وعلة النهي ترشد إليه وهي تأذي المؤمن بها ومما يدل على إن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله إسناده صحيح وأصله في مسلم والظاهر إن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد والمنع على ما إذا لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن والله اعلم وينبغي أن يفصل أيضا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل كمن حفر أولا ثم بصق مروثا وبين من بصق أولا بنية أن يدفن مثلا فيجري فيه الخلاف بخلاف الذي قبله لأنه إذا كان المكفر أثم إبرازها هو دفنها فكيف يأثم من دفنها ابتداء وقال النووي قوله كفارتها دفنها قال الجمهور يدفنها في تراب المسجد أو رمله أو حصبائه وحكى الروياني أن المراد بدفنها إخراجها من المسجد أصلا قلت الذي قاله الروياني يجري على ما يقول النووي من المنع مطلقا وقد عرف ما فيه تنبيه قوله في المسجد ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه تناوله النهي والله أعلم قوله باب دفن النخامة في المسجد أي جواز ذلك وأورد فيه حديث أبي هريرة من طريق همام عنه بلفظ إذا قام أحدكم إلى الصلاة ثم قال في آخره فيدفنها فأشعر قوله في الترجمة في المسجد بأنه فهم من قوله إلى الصلاة أن ذلك يختص بالمسجد لكن اللفظ أعم من ذلك وقيل إنما ترجم الذي قبله بالكفارة
[ 429 ]
وهذا بالدفن إشعارا بالتفرقة بين المتعمد بلا حاجة وهو الذي أثبت عليه الخطيئة وبين من غلبته النخامة وهو الذي أذن له في الدفن أو ما يقوم مقامه قوله فإنما يناجي وللكشميهني فإنه قوله ما دام في مصلاه يقتضي تخصيص المنع بما إذا كان في الصلاة لكن التعليل المتقدم بأذى المسلم يقتضي المنع في جدار المسجد مطلقا ولو لم يكن في صلاة فيجمع بأن يقال كونه في الصلاة أشد إثما مطلقا وكونه في جدار القبلة أشد إثما من كونه في غيرها من جدر المسجد فهي مراتب متفاوتة مع الاشتراك في المنع قوله فان عن يمينه ملكا تقدم إن ظاهره اختصاصه بحالة الصلاة فإن قلنا المراد بالملك الكاتب فقد استشكل اختصاصه بالمنع مع إن عن يساره ملكا آخر وأجيب باحتمال اختصاص ذلك بملك اليمن تشريفا له وتكريما هكذا قاله جماعة من القدماء ولا يخفى ما فيه وأجاب بعض المتأخرين بان الصلاة أم الحسنات البدنيه فلا دخل لكاتب السيئات فيها ويشهد له ما رواه بن أبي شيبة من حديث حذيفة موقوفا في هذا الحديث قال ولا عن يمينه فإن عن يمينه غالبا الحسنات وفي الطبراني من حديث أبي أمامة في هذا الحديث فإنه يقوم بين يدي الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره أه فالتفل حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شئ من ذلك أو أنه يتحول في الصلاة إلى اليمين والله اعلم قوله فيدفنها قال بن أبي جمرة لم يقل يغطيها لأن التغطية يستمر كلاهما بها إذ لا يأمن أن يجلس غيره عليها فتؤذيه بخلاف الدفن فإنه يفهم منه التعميق في باطن الأرض وقال النووي في الرياض المراد بدفنها كا إذا كان المسجد ترابيا أو رمليا فأما إذا كان مبلطا مثلا فدلكها عليه بشئ فليس ذلك بدفن بل زيادة في التقذير قلت لكن إذا لم يبق لها أثر البتة فلا مانع وعليه يحمل قوله في حديث عبد الله بن الشخير المتقدم ثم دلكه بنعله وكذا قوله في حديث طارق عند أبي داود وبزق تحت رجله ودلك فائدة قال القفال في فتاويه هذا الحديث أمرهم على ما يخرج من الفم أو ينزل من الرأس أما ما يخرج من الصدر فهو نجس فلا يدفن في المسجد أهو هذا على اختياره لكن يظهر التفصيل فيما إذا كان طرفا من قئ وكذا إذا خالط البزاق دم والله أعلم قوله باب إذا بدره البزاق أنكر السروجي قوله بدره وقال المعروف في اللغة بدرت إليه وبادرته وأجيب بأنه يستعمل في المغالبة فيقال بادرت كذا فبدرني أي سبقني واستشكل آخرون التقييد في الترجمة بالمبادرة مع أنه لا ذكر لها في الحديث الذي ساقه وكأنه أشار إلى ما في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ وليبصق عن يساره وتحت رجله اليسرى فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا ثم طوى بعضه على بعض ولابن أبي شيبة وأبي داود من حديث أبي سعيد نحوه وفسره في رواية أبي داود بان يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض والحديثان صحيحان لكنهما ليسا على شرط البخاري فأشار إليهما بأن حمل الأحاديث التي لا تفصيل فيها على ما فصل فيهما والله اعلم وقد تقدم الكلام على حديث أنس قبل خمسة أبواب وقوله هنا ورؤى منه بضم الراء بعدها واو مهموزة أي من النبي صلى الله عليه وسلم وكراهيته بالرفع أي ذلك الفعل وقوله أو رؤى شك من الراوي وقوله وشدته بالرفع عطفا على كراهيته ويجوز الجر عطفا على قوله لذلك وفي الأحاديث المذكورة من الفوائد غير ما تقدم الندب إلى
[ 430 ]
إزالة ما يستقذر أو يتنزه عنه من المسجد وتفقد الإمام أحوال المساجد وتعظيمها وصيانتها وأن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة ولا تفسد صلاته وأن النفخ والتنحنح في الصلاة جائزان لأن النخامة لا بد أن يقع معها شئ من نفخ أو تنحنح ومحله ما إذا لم يفحش ولم يقصد صاحبه العبث ولم يبن منه مسمى كلام واقله حرفان أو حرف ممدود واستدل به المصنف على جواز النفخ في الصلاة كما سيأتي في أواخر كتاب الصلاة والجمهور على ذلك لكن بالشرط المذكور قبل وقال أبو حنيفة إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة واستدلوا له بحديث عن أم سلمة عند النسائي وبأثر عن بن عباس عند بن أبي شيبة وفيها أن البصاق طاهر وكذا النخامة والمخاط خلافا لمن يقول كل ما تستقذره النفس حرام ويستفاد منه أن التحسين والتقبيح إنما هو بالشرع فإن جهة اليمين مفضلة على اليسار وأن اليد مفضلة على القدم وفيها الحث على الاستكثار من الحسنات وأن كان المؤلف مليا لكونه صلى الله عليه وسلم باشر الحك بنفسه وهو دال على عظم تواضعه زاده الله تشريفا وتعظيما صلى الله عليه وسلم قوله باب عظة الإمام الناس بالنصب على المفعوليه وقوله في إتمام الصلاة أي بسبب ترك إتمام الصلاة قوله وذكر القبلة بالجر عطفا على عظة وأورده للإشعار بمناسبة هذا الباب لما قبله قوله هل ترون قبلتي هو استفهام إنكار لما يلزم منه أي أنتم تظنون إني لا أرى فعلكم لكون قبلتي في هذه الجهة لأن من استقبل شيئا استدبر ما وراءه لكن بين النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيته لا تختص بجهة واحدة وقد اختلف في معنى ذلك فقيل المراد بها العلم إما بأن يوحى إليه كيفية فعلهم وأما أن يلهم وفيه نظر لأن العلم لو كان مرادا لم يقيده بقوله من وراء ظهري وقيل المراد أنه يرى عن يمينه ومن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في النادر ويوصف من هو هناك بأنه وراء ظهره وهذا ظاهر التكلف وفيه عدول عن الظاهر بلا موجب والصواب المختار أنه أمرهم على ظاهره وأن هذا الإبصار أدراك حقيقي خاص به صلى الله عليه وسلم انخرقت له فيه العادة وعلى هذا عمل المصنف فأخرج هذا الحديث في علامات النبوة وكذا نقل عن الإمام أحمد وغيره ثم ذلك الإدراك يجوز أن يكون برؤية عينه انخرقت له العادة فيه أيضا فكان يرى بها من غير مقابلة لأن الحق عند أهل السنة إن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضو مخصوص ولا مقابلة ولا قرب وإنما تلك أمور عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلا ولذلك حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة خلافا لأهل البدع لوقوفهم مع العادة وقيل كانت له عين خلف ظهره يرى بها من وراءه دائما وقيل كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياك يبصر بهما لا يحجبهما ثوب ولا غيره وقيل بل كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته كما تنطبع في المرآة فيرى امثلتهم فيها فيشاهد افعالهم قوله ولا خشوعكم أي في جميع الأركان ويحتمل أن يريد به السجود لأن فيه غاية الخشوع وقد صرح بالسجود في رواية لمسلم قوله اني لأراكم بفتح الهمزة قوله في حديث أنس صلى لنا أي لاجلنا وقوله صلاة بالتنكير للابهام قوله ثم رقى بكسر القاف قوله فقال في الصلاة أي في شأن الصلاة أو هو متعلق بقوله بعد إني لأراكم عند من يجيز تقدم الظرف وقوله وفي الركوع أفرده بالذكر وأن كان داخلا في الصلاة اهتماما به أما لكون التقصير فيه كان أكثر أو لأنه أعظم الأركان بدليل أن المسبوق يدرك الركعة بتمامها بادراك الركوع قوله كما أراكم يعنى من أمامي وصرح به
[ 431 ]
في رواية أخرى كما سيأتي ولمسلم أني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي وفيه دليل على المختار إن المراد بالرؤية الإبصار وظاهر الحديث إن ذلك يختص بحالة الصلاة ويحتمل أن يكون ذلك واقعا في جميع أحواله وقد نقل ذلك عن مجاهد وحكى بقي بن مخلد أنه صلى الله عليه وسلم كان يبصر في الظلمة كما يبصر في الضوء وفي الحديث الحث على الخشوع في الصلاة والمحافظة على إتمام أركانها وابعاضها وأنه ينبغي للإمام أن ينبه الناس على ما يتعلق بأحوال الصلاة ولا سيما إن أجرة منهم ما يخالف الأولى وسأذكر حكم الخشوع في أبواب صفة الصلاة حيث ترجم به المصنف مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى قوله باب هل يقال مسجد بني فلان أورد فيه حديث بن عمر في المسابقة وفيه قول بن عمر إلى مسجد بني زريق وزريق بتقديم الزاي مصغرا ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلي فيها ويلتحق به جواز إضافة أعمال البر إلى أربابها وإنما أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا إذ يحتمل أن يكون ذلك قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم بأن تكون هذه الاضافة وقعت في زمنه ويحتمل أن يكون ذلك مما حدث بعده والأول أظهر والجمهور على الجواز والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي فيما رواه بن أبي شيبة عنه أنه كان يكره أن يقول مسجد بني فلان ويقول مصلى بني فلان لقوله تعالى وان المساجد لله وجوابه إن الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك وسيأتي الكلام على فوائد المتن في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى تنبيه الحفياء بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها ياء أخيرة ممدوده والأمد الغاية واللام في قوله الثنية للعهد من ثنية الوداع قوله باب القسمة أي جوازها والقنو بكسر القاف وسكون النون فسره في الأصل في روايتنا بالعذق وهو بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة وهو العرجون بما فيه وقوله الاثنان قنوان أي بكسر النون وقوله مثل صنو صنوان أهمل الثالثة اكتفاء بظهورها قوله وقال إبراهيم يعني بن طهمان كذا في روايتنا وهو صواب وأهمل في غيرها وقال الاسماعيلي ذكره البخاري عن إبراهيم وهو بن طهمان فيما أحسب بغير إسناد يعني تعليقا قلت وقد وصله أبو نعيم في مستخرجه والحاكم في مستدركه من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان وقد أخرج البخاري بهذا الإسناد إلى إبراهيم بن طهمان عدة أحاديث قوله عن عبد العزيز بن صهيب كذا في روايتنا وفي غيرها عن عبد العزيز غير منسوب فقال المزي في الأطراف قيل أنه عبد العزيز بن رفيع وليس بشئ ولم يذكر البخاري في الباب حديثا في تعليق القنو فقال بن بطال أغفله وقال بن التين انسيه وليس كما قالا بل أخذه من جواز وضع المال في المسجد بجامع إن كلا منهما وضع لأخذ المحتاجين منه وأشار بذلك إلى ما رواه النسائي من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا وقد علق رجل قنا حشف فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا وليس هو على شرطه وإن كان إسناده قويا فكيف يقال أنه أغفله وفي الباب أيضا حديث آخر أخرجه ثابت في الدلائل بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل حائط بقنو يعلق في المسجد يعني للمساكين وفي رواية له وكان عليها معاذ بن جبل أي على حفظها أو على قسمتها قوله بمال من البحرين روى بن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا أنه كان مائة ألف وأنه أرسل
[ 432 ]
به العلاء بن الخضري من خراج البحرين قال وهو أول خراج حمل إلي النبي صلى الله عليه وسلم وعند المصنف في المغازي من حديث عمرو بن عوف إن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الخضري وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه الحديث فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال لكن في الردة للواقدي إن رسول العلاء بن الخضري بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي فلعله كان رقيق أبي عبيدة وأما حديث جابر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لو قد جاء مال البحرين أعطيتك وفيه فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فهو صحيح كما سيأتي عند المصنف وليس معارضا لما تقدم بل المراد أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مال خراج أو جزية فكان يقدم من سنة إلى سنة قوله فقال انثروه أي صبوه قوله وفاديت عقيلا أي بن أبي طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة بدر وقوله فحثا بمهملة ثم مثلثة مفتوحه والضمير في ثوبه يعود على العباس قوله يقله بضم أوله من الإقلال وهو الرفع والحمل قوله مر بعضهم بضم الميم وسكون الراء وفي رواية أؤمر بالهمز وقوله يرفعه بالجزم لأنه جواب الأمر ويجوز الرفع أي فهو يرفعه قوله على كاهله أي بين كتفيه وقوله يتبعه بضم أوله من الأتباع وعجبا بالفتح وقوله وثم منها درهم بفتح المثلثة أي هناك وفي هذا الحديث بيان كرم النبي صلى الله عليه وسلم وعدم التفاتة إلى المال قل أو كثر وأن الإمام ينبغي له أن يفرق مال المصالح في مستحقيها ولا يؤخره وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب الجهاد في باب فداء المشركين حيث ذكره المصنف فيه مختصرا إن شاء الله تعالى وموضع الحاجة منه هنا جواز وضع ما يشترك المسلمون فيه من صدقة ونحوها في المسجد ومحله ما إذا لم يمنع مما وضع له المسجد من الصلاة وغيرها مما بني المسجد لأجله ونحو وضع هذا المال وضع مال زكاة الفطر ويستفاد منه جواز وضع ما يعم نفعه في المسجد كالماء لشرب من يعطش ويحتمل التفرقه بين ما يوضع للتفرقة وبين ما يوضع للخزن فيمنع الثاني دون الأول وبالله التوفيق قوله باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب منه وفي رواية للكشميهني ومن أجاب إليه أورد فيه حديث أنس مختصرا وأورد عليه أنه مناسب لأحد شقي الترجمة وهو الثاني ويجاب بأن قوله في المسجد متعلق بقوله دعا لا بقوله طعام فالمناسبة ظاهرة والغرض منه أن مثل ذلك من الأمور المباحة ليس من اللغو الذي يمنع في المساجد ومن في قوله منه ابتدائية والضمير يعود على المسجد وعلى رواية الكشميهني يعود على الطعام وللكشميهني قال لمن معه بدل لمن حوله وفي الحديث جواز الدعاء إلى الطعام وأن لم يكن وليمة واستدعاء الكثير إلى الطعام القليل وأن المدعو إذا علم من الداعي أنه لا يكره أن يحضر معه غيره فلا بأس بإحضاره معه وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث إن شاء الله تعالى حيث أورده المصنف تاما في علامات النبوة قوله باب القضاء والعان في المسجد هو من عطف الخاص على العام وسقط قوله بين الرجال والنساء من رواية المستملى قوله حدثنا يحيى زاد الكشميهني بن موسى وكذا نسبه بن السكن وأخطأ من قال هو بن جعفر وسيأتي الكلام على ما يتعلق بحديث سهل بن سعد المذكور وتسمية من أبهم فيه في كتاب العان إن شاء الله تعالى ويأتي ذكر الاختلاف في جواز القضاء في المسجد في كتاب الأحكام إن
[ 433 ]
شاء الله تعالى قوله باب إذا دخل بيتا أي لغيره يصلي حيث شاء أو حيث أمر قيل مراده الاستفهام لكن حذفت أداته أي هل يتوقف على أذن صاحب المنزل أو يكفيه يأمر العام في الدخول فأو على هذا ليست للشك وقوله ولا يتجسس ضبطناه بالجيم وقيل أنه روى بالحاء المهملة وهو متعلق بالشق الثاني قال المهلب دل حديث الباب على إلغاء حكم الشق الأول لاستئذانه صلى الله عليه وسلم صاحب المنزل أين يصلي وقال المازري معنى قوله حيث شاء أي من الموضع الذي أذن له فيه وقال بن المنير إنما أراد البخاري إن المسألة موضع نظر فهل يصلي من دعي حيث شاء لأن الأذن في الدخول عام في أجزاء المكان فأينما جلس أو صلى تناوله يأمر أو يحتاج إلى أن يستأذن في تعيين مكان صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك الظاهر الأول وإنما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه دعي ليتبرك صاحب البيت بمكان صلاته فسأله ليصلي في البقعه التي يحب تخصيصها بذلك واما من صلى لنفسه فهو على عموم يأمر قلت الا أن يخص صاحب المنزل ذلك العموم فيختص والله اعلم قوله عن بن شهاب صرح أبو داود الطيالسي في مسنده بسماع إبراهيم بن سعد له من بن شهاب قوله عن محمود بن الربيع وللمصنف في باب النوافل جماعة كما سيأتي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن بن شهاب قال أخبرني محمود قوله عن عتبان زاد يعقوب المذكور في روايته قصة محمود في عقله المجه كما تقدم من وجه آخر في كتاب العلم وصرح يعقوب أيضا بسماع محمود بن عتبان قوله أتاه في منزله اختصره المصنف هنا وساقه من رواية يعقوب المذكور تاما كما أورده من طريق عقيل في الباب الاتي قوله أن أصلي من بيتك كذا للأكثر وكذا في رواية يعقوب وللمستملي هنا أن أصل لك وللكشميهني في بيتك وسيأتي الكلام على الحديث في الباب الذي بعده قوله باب المساجد أي اتخاذ المساجد في البيوت قوله وصلى البراء بن عازب في مسجد في داره جماعة وللكشميهني في جماعة وهذا الأثر أورد بن أبي شيبة معناه في قصة قوله أن عتبان بن مالك أي الخزرجي السالمي من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج هو بكسر العين ويجوز ضمها قوله انه آتى في رواية ثابت عن أنس عن عتبان عند مسلم أنه بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه ذلك فيحتمل أن يكون نسب إتيان رسوله إلى نفسه مجازا ويحتمل أن يكون أتاه مرة وبعث إليه أخرى إما متقاضيا وإما مذكرا وفي الطبراني من طريق أبي أويس عن بن شهاب بسنده أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم جمعة لو أتيتني يارسول الله وفيه أنه أتاه يوم السبت وظاهره إن مخاطبة عتبان بذلك كانت حقيقة لا مجازا قوله قد أنكرت بصري كذا ذكره جمهور أصحاب بن شهاب كما للمصنف من طريق إبراهيم بن سعد ومعمر ولمسلم من طريق يونس وللطبراني من طريق الزبيدي والأوزاعي وله من طريق أبي أويس لما ساء بصري وللاسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن نمر جعل بصري يكل ولمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت أصابني في بصري بعض الشئ وكل ذلك ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك لكن أخرجه المصنف في باب الرخصة في المطر من طريق مالك عن بن شهاب فقال فيه إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمي وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر الحديث وقد قيل إن رواية مالك هذه معارضة لغيره وليست عندي كذلك بل قول
[ 434 ]
محمود إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى أي حين لقيه محمود وسمع منه الحديث لاحين سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم ويبينه قوله في رواية يعقوب فجئت إلى عتبان وهو شيخ أعمى يؤم قومه وأما قوله وأنا رجل ضرير البصر أي أصابني فيه ضر كقوله أنكرت بصري ويؤيد هذا الحمل قوله في رواية بن ماجة من طريق إبراهيم بن سعد أيضا لما أنكرت من بصري وقوله في رواية مسلم أصابني في بصري بعض الشئ فإنه ظاهر في أنه لم يكمل عماه لكن رواية مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت بلفظ أنه عمي فأرسل وقد جمع بن خزيمة بين رواية مالك وغيره من أصحاب بن شهاب فقال قوله أنكرت بصري هذا اللفظ يطلق على من في بصره سوء وأن كان يبصر بصرا ما وعلى من صار أعمى لا يبصر شيئا انتهى والأولى أن يقال أطلق عليه عمي لقربه منه مشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة وبهذا تأتلف الروايات والله اعلم قوله أصلي لقومي أي لأجلهم والمراد أنه كان يؤمهم وصرح بذلك أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد قوله سأل الوادي أي سأل الماء في الوادي فهو من إطلاق المحل على الحال وللطبراني من طريق الزبيدي وأن الأمطار حين تكون يمنعني سيل الوادي قوله بيني وبينهم وفي رواية الاسماعيلي يسيل الوادي الذي بين مسكني وبين مسجد قومي فيحول بيني وبين الصلاة معهم قوله فأصلي بهم بالنصب عطفا على آتي قوله وددت بكسر الدال الأولى أي تمنيت وحكى القزاز جواز فتح الدال في الماضي والواو في المصدر والمشهور في المصدر الضم وحكى فيه أيضا الفتح فهو مثلث قوله فتصلي بسكون الياء ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد التمني وكذا قوله فاتخذه بالرفع ويجوز النصب قوله سأفعل إن شاء الله هو هنا للتعليق لا لمحض التبرك كذا قيل ويجوز أن يكون للتبرك لاحتمال اصلاحه صلى الله عليه وسلم بالوحي على الجزم بأن ذلك سيقع قوله قال عتبان ظاهر هذا السياق أن الحديث من أوله إلى هنا من رواية محمود بن الربيع بغير واسطة ومن هنا إلى آخره من روايته عن عتبان صاحب القصه وقد يقال القدر الأول مرسل لأن محمودا يصغر عن حضور ذلك لكن وقع التصريح في أوله بالتحدث بين عتبان ومحمود من رواية الأوزاعي عن بن شهاب عند أبي عوانة وكذا وقع تصريحه بالسماع عند المصنف من طريق معمر ومن طريق إبراهيم بن سعد كما ذكرناه في الباب الماضي فيحمل قوله قال عتبان على أن محمودا أعاد اسم شيخه اهتماما بذلك لطول الحديث قوله فغدا على زاد الاسماعيلي بالغد وللطبراني من طريق أبي أويس أن السؤال وقع يوم الجمعة والتوجه إليه وقع يوم السبت كما تقدم قوله وأبو بكر لمذ يذكر جمهور الرواة عن بن شهاب غيره حتى إن رواية الأوزاعي فاستأذنا فأذنت لهما لكن في رواية أبي أويس ومعه أبو بكر وعمر ولمسلم من طريق أنس عن عتبان فأتاني من شاء الله من أصحابه وللطبراني من وجه آخر عن أنس في نفر من أصحابه فيحتمل الجمع بان أبا بكر صحبه وحده في ابتداء التوجه ثم عند الدخول أو قبله اجتمع عمر وغيره من الصحابة فدخلوا معه قوله فلم يجلس حين دخل وللكشميهني حتى دخل قال عياض زعم بعضهم أنها غلط وليس كذلك بل المعنى فلم يجلس في الدار ولا غيرها حتى دخل البيت مبادرا إلى ما جاء بسببه وفي رواية يعقوب عند المصنف وكذا عند الطيالسي فلما دخل لم يجلس حتى قال أين تحب وكذا للاسماعيلي من وجه آخر وهي أبين في المراد لأن جلوسه إنما وقع بعد صلاته بخلاف ما وقع منه في بيت مليكة حيث جلس فأكل
[ 435 ]
ثم صلى لأنه هناك دعي إلى الطعام فبدأ به وهنا دعي إلى الصلاة فبدأ بها قوله ان أصلي من بيتك كذا للأكثر والجمهور من رواة الزهري ووقع عند الكشميهني وحده في بيتك قوله وحبسناه أي منعناه من الرجوع قوله خزيرة بخاء غدا مفتوحه بعدها زاي مكسورة ثم ياء تحتانية ثم راء ثم هاء نوع من الاطعمه قال بن قتيبة تصنع من لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق وأن لم يكن فيه لحم فهو عصيدة وكذا ذكر يعقوب نحوه وزاد من لحم بات ليلة قال وقيل هي حساء من دقيق فيه دسم وحكى في الجمرة نحوه وحكى الأزهري عن أبي الهيثم أن الخزيرة من النخالة وكذا حكاه المصنف في كتاب الاطعمه عن النضر بن شميل قال عياض المراد بالنخالة دقيق لم يغربل قلت ويؤيد هذا التفسير قوله في رواية الأوزاعي عند مسلم على جشيشة بجيم ومعجمتين قال أهل اللغة هي أن تطحن الحنطة قليلا ثم يلقى فيها شحم أو غيره وفي المطالع أنها رويت في الصحيحين بحاء وراءين مهملات وحكى المصنف في الاطعمه عن النضر أيضا أنها أي التي بمهملات تصنع من اللبن قوله فثاب في البيت رجال بمثلثة وبعد الألف موحدة أي اجتمعوا بعد أن تفرقوا قال الخليل المثابة مجتمع الناس بعد افتراقهم ومنه قيل للبيت مثابة وقال صاحب المحكم يقال ثابت إذا رجع وثاب إذا اقبل قوله من أهل الدار أي المحلة كقوله خير دور الأنصار دار بني ماتت أي محلتهم والمراد أهلها قوله فقال قائل منهم لم يسم هذا المبتدئ قوله مالك بن (45 بضم الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وسكون الياء التحتانيه بعدها شين غدا مكسورة ثم نون قوله أو بن الدخشن بضم الدال والشين وسكون الخاء بينهما وحكى كسر أوله والشك فيه من الراوي هل هو مصغر أو مبكر وفي رواية المستملي هنا في الثانية بالميم بدل النون وعند المصنف في المحاربين من رواية معمر الدخشن بالنون مكبرا من غير شك وكذا لمسلم من طريق يونس وله من طريق معمر بالشك ونقل الطبراني عن أحمد بن صالح إن الصواب الدخشم بالميم وهي رواية الطيالسي وكذا لمسلم من طريق ثابت عن أنس عن عتبان والطبراني من طريق النضر بن أنس عن أبيه قوله فقال بعضهم قيل هو عتبان راوي الحديث قال بن عبد البر في التمهيد الرجل الذي سار النبي صلى الله عليه وسلم في قتل رجل من المنافقين هو عتبان والمنافق المشار إليه هو مالك بن الدخشم ثم ساق حديث عتبان المذكور في هذا الباب وليس فيه دليل على ما ادعاه من إن الذي ساره هو عتبان وأغرب بعض المتأخرين فنقل عن بن عبد البر أن الذي قال في هذا الحديث ذلك منافق هو عتبان أخذا من كلامه هذا وليس فيه تصريح بذلك وقال بن عبد البر لم يختلف في شهود مالك بدرا وهو الذي أسر سهيل بن عمرو ثم ساق بإسناد حسن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن تكلم فيه أليس قد شهد بدرا قلت وفي المغازي لابن إسحاق إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مالكا هذا ومعن بن عدي فحرقا مسجد الضرار فدل على أنه برئ مما اتهم به من النفاق أو كان قد اقلع عن ذلك أو النفاق الذي اتهم به ليس نفاق الكفر إنما أنكر الصحابة عليه تودده للمنافقين ولعل له عذرا في ذلك كما وقع لحاطب قوله الا تراه قد قال لا إله الا الله وللطيالسي أما يقول ولمسلم أليس يشهد وكأنهم فهموا من هذا الاستفهام إن لا جزم بذلك ولولا ذلك لم يقولوا في جوابه أنه ليقول ذلك وما هو في قلبه كما وقع عند مسلم من طريق أنس عن عتبان قوله فانا نرى وجهه أي توجهه
[ 436 ]
قوله ونصيحته إلى المنافقين قال الكرماني يقال نصحت له الا إليه ثم قال قد ضمن معنى الانتهاء كذا قال والظاهر أن قوله إلى المنافقين متعلق بقوله وجهه فهو الذي يتعدى بإلى وأما متعلق نصيحته فمحذوف للعلم به قوله قال بن شهاب أي بالإسناد الماضي ووهم من قال أنه معلق قوله ثم سألت زاد الكشميهني بعد ذلك والحصين بمهملتين لجميعهم الا للقابسي فضبطه بالضاد المعجمة وغلطوه قوله من سراتهم بفتح المهملة أي خيارهم وهو جمع سري قال أبو عبيد هو المرتفع القدر من سرو الرجل يسرو إذا كان رفيع القدر وأصله من السراة وهو أرفع المواضع من ظهر الدابة وقيل هو رأسها قوله فصدقه بذلك يحتمل أن يكون الحصين سمعه أيضا من عتبان ويحتمل أن يكون حمله عن صحابي آخر وليس تمسين ابن $ لعتبان في الصحيحين سوى هذا الحديث وقد أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع مطولا ومختصرا وقد سمعه من عتبان أيضا أنس بن مالك كما أخرجه مسلم وسمعه أبو بكر بن أنس مع أبيه من عتبان أخرجه الطبراني وسيأتي في باب النوافل جماعة أن أبا أيوب الأنصاري سمع محمود بن الربيع يحدث به عن عتبان فأنكره لما يقتضيه ظاهره من أن النار محرمة على جميع الموحدين وأحاديث الشفاعة دالة على إن بعضهم يعذب لكن للعلماء أجوبة عن ذلك منها ما رواه مسلم عن بن شهاب أنه قال عقب حديث الباب ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نرى إن الأمر قد انتهى إليها فمن استطاع أن لا يغتر فلا يغتر وفي كلامه نظر لأن الصلوات الخمس نزل فرضها قبل هذه الواقعة قطعا وظاهره يقتضي أن تاركها لا يعذب إذا كان موحدا وقيل المراد إن من قالها مخلصا لا يترك الفرائض لأن الإخلاص يجمل على أداء اللازم وتعقب بمنع الملازمه وقيل المراد تحريم التخليد أو تحريم دخول النار المعدة للكافرين لا الطبقة المعدة للعصاة وقيل المراد تحريم دخول النار بشرط حصول قبول العمل الصالح والتجاوز عن السئ والله اعلم وفي هذا الحديث من الفوائد إمامة الأعمى وأخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة ولا يكون من الشكوى وأنه كان في المدينة مساجد للجماعة سوى مسجده صلى الله عليه وسلم والتخلف عن الجماعة في المطر والظلمة ونحو ذلك واتخاذ موضع معين الولاء وأما النهي عن ايطان موضع معين من المسجد ففيه حديث رواه أبو داود وهو أمرهم على ما إذا استلزم رياء ونحوه وفيه تسوية الصفوف وأن عموم النهي عن إمامة الزائر من زاره مخصوص بما إذا كان الزائر هو الإمام الأعظم فلا يكره وكذا من أذن له صاحب المنزل وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو وطئها ويستفاد منه أن من دعي من الصالحين ليتبرك به أنه يجيب إذا أمن الفتنة ويحتمل أن يكون عتبان إنما طلب بذلك الوقوف على جهة القبلة بالقطع وفيه إجابة الفاضل دعوة المفضول والتبرك بالمشيئة والوفاء بالوعد واستصحاب الزائر بعض أصحابه إذا علم أن المستدعى لا يكره ذلك والاستئذان على الداعي في بيته وأن تقدم منه طلب الحضور وأن اتخاذ مكان في البيت الولاء لا يستلزم وقفيته ولو أطلق عليه اسم المسجد وفيه اجتماع أهل المحلة على الإمام أو العالم إذا ورد منزل بعضهم ليستفيدوا منه ويتبركوا به والتنبيه على من يظن به الفساد في الدين عند الإمام على جهة النصيحه ولا يعد ذلك غيبة وأن على الإمام أن يثبت في ذلك ويحمل الأمر فيه على الوجه الجميل وفيه افتقاد من غاب عن الجماعة بلا عذر وأنه لا يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد
[ 437 ]
وأنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد وترجم عليه البخاري غير ترجمة الباب والذي قبله الرخصة في الصلاة في الرحال عند المطر وصلاة النوافل جماعة وسلام المأموم حين يسلم الإمام وأن رد السلام على الإمام لا يجب وأن الإمام إذا زار قوما أمهم وشهود عتبان بدرا وأكل الخزيرة وأن العمل الذي يبتغي به وجه الله تعالى ينجي صاحبه إذا قبله الله تعالى وأن من نسب من يظهر الإسلام إلى النفاق ونحوه بقرينة تقوم عنده لا يكفر بذلك ولا يفسق بل يعذر بالتأويل قوله باب التيمن أي البداءة باليمين في دخول المسجد وغيره بالخفض عطفا على الدخول ويجوز أن يعطف على المسجد لكن الأول افيد قوله وكان بن عمر أي في دخول المسجد ولم أره موصولا عنه ولكن في المستدرك للحاكم من طريق معاوية بن قرة عن أنس أنه كان يقول من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمني وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى والصحيح أن قول الصحابي من السنة كذا أمرهم على الرفع لكن لما لم يكن حديث أنس على شرط المصنف أشار إليه بأثر بن عمر وعموم حديث عائشة يدل على البداءة باليمين في الخروج من المسجد أيضا ويحتمل أن يقال في قولها ما استطاع احتراز عما لا يستطاع فيه التيمن شرعا كدخول الخلاء والخروج من المسجد وكذا تعاطى الأشياء المستقذره باليمين كالاستنجاء والتمخط وعلمت عائشة رضي الله عنها حبه صلى الله عليه وسلم لما ذكرت أما بأخباره لها بذلك وأما بالقرائن وقد تقدمت بقية مباحث حديثها هذا في باب التيمن في الوضوء والغسل قوله باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية أي دون غيرها من قبور الأنبياء وأتباعهم لما في ذلك من الإهانة لهم بخلاف المشركين فإنهم لا حرمة لهم وأما قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخ فوجه التعليل إن الوعيد على ذلك يتناول من أتخذ قبورهم مساجد تعظيما ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرهم ذلك إلى عبادتهم ويتناول من أتخذ أمكنة قبورهم مساجد بان تنبش وترى عظامهم فهذا يختص بالأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم وأما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم إذ لا حرج في إهانتهم ولا يلزم من اتخاذ المساجد في أمكنتها تعظيم فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله صلى الله عليه وسلم في نبش قبور المشركين واتخاذه مسجده مكانها وبين لعنه صلى الله عليه وسلم من أتخذ قبور الأنبياء مساجد لما تبين من الفرق والمتن الذي أشار إليه وصله في باب الوفاة في أواخر المغازي من طريق هلال عن عروة عن عائشة بهذا اللفظ وفيه قصة ووصله في الجنائز من طريق أخرى عن هلال وزاد فيه والنصارى وذكره في عدة مواضع من طريق أخرى بالزيادة قوله وما يكره من الصلاة في القبور يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو إلى القبر أو بين القبرين وفي ذلك حديث رواه مسلم من طريق أبي مرفد الغنوي مرفوعا لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها قلت وليس هو على شرط البخاري فأشار إليه في الترجمة وأورد معه اثر عمر الدال على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة والاثر المذكور عن عمر رويناه موصولا في كتاب الصلاة لأبي نعيم شيخ البخاري ولفظه بينما أنس يصلي إلى قبر ناداه عمر القبر القبر فظن أنه يعني القمر فلما رأى أنه يعني القبر جاز القبر وصلى وله طرق أخرى بينتها في تعليق التعليق منها من طريق حميد عن أنس نحوه وزاد فيه فقال بعض من يليني إنما يعني القبر فتنحيت عنه وقوله القبر القبر بالنصب فيهما على التحذير وقوله ولم يأمره بالإعادة استنبطه من تمادي أنس على الصلاة ولو كان ذلك يقتضي
[ 438 ]
فسادها لقطعها واستأنف قوله حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى هو القطان عن هشام هو بن عروة قوله عن عائشة في رواية الاسماعيلي من هذا الوجه أخبرتني عائشة قوله إن أم حبيبة أي رملة بنت أبي سفيان الأمويه وأم سلمة أي هند بنت أبي أمية المخزومية وهما من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة كما سيأتي في موضعه قوله ذكرنا كذا الأكثر الرواة وللمستملي والحموي ذكرا بالتذكير وهو مشكل قوله رأينها أي هما ومن كان معهما وللكشميهني والأصيلي رأتاها وسيأتي للمصنف قريبا في باب الصلاة في البيعة من طريق عبدة عن هشام أن تلك الكنيسة كانت تسمى مارية بكسر الراء وتخفيف الياء التحتانية وله في الجنائز من طريق مالك عن هشام نحوه وزاد في أوله لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق هلال عن عروة بلفظ قال في مرضه الذي مات فيه ولمسلم من حديث جندب أنه صلى الله عليه وسلم قال نحو ذلك قبل أن يتوفى بخمس وزاد فيه فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك انتهى وفائدة التنصيص على زمن النهي الإشارة إلى أنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ لكونه صدر في آخر حياته صلى الله عليه وسلم قوله إن أولئك بكسر الكاف ويجوز فتحها قوله فمات عطف على قوله كان وقوله بنوا جواب إذا قوله وصوروا فيه تلك الصور وللمستملي تيك الصور بالياء التحتانية بدل اللام وفي الكاف فيها وفي أولئك ما في أولئك الماضية وإنما فعل ذلك اوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن اسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك وفي الحديث دليل على تحريم التصوير وحمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان وأما الآن فلا وقد أطنب بن دقيق العيد في رد ذلك كما سيأتي في كتاب اللباس وقال البيضاوي لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك فأما من أتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد وفي الحديث جواز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب وجوب بيان حكم ذلك على العالم به وذم فاعل المحرمات وأن الاعتبار في الأحكام بالشرع لا بالعقل وفيه كراهية الصلاة في المقابر سواء كانت بجنب القبر أو عليه أو إليه وسيأتي بيان ذلك قريبا ويأتي حديث أنس في بناء المسجد مبسوطا في كتاب الهجرة وإسناده كلهم بصريون وقوله فيه فأقام فيهم أربعا وعشرين كذا للمستملي والحموي وللباقين أربع عشرة وهو الصواب من هذا الوجه وكذا رواه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري وفيه وقد اختلف فيه أهل السير كما سيأتي وقوله وأرسل إلى بني ماتت هم أخوال عبد المطلب لأن أمه سلمى منهم فأراد النبي صلى الله عليه وسلم النزول عندهم لما تحول من قباء والنجار بطن من الخزرج واسمه تيم اللات بن ثعلبة قوله متقلدين السيوف منصوب على الحال وفي رواية كريمة متقلدي السيوف بحذف النون والسيوف مجرورة بالاضافة قوله وأبو بكر ردفه كأن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه تشريفا له وتنويها بقدره وإلا فقد كان لأبي بكر
[ 439 ]
ناقة هاجر عليها كما سيأتي بيانه في الهجرة وقوله وملأ بني ماتت حوله أي جماعتهم وكأنهم مشوا معه ادبا وقوله حتى ألقى أي ألقى رحله والفناء الناحية المتسعة أمام الدار قوله وانه أمر بالفتح على البناء للفاعل وقيل روى بالضم على البناء للمفعول قوله ثامنوني بالمثلثة اذكروا لي العجلي لأذكر لكم الثمن الذي اختاره قال ذلك على سبيل المساومة فكأنه قال ساوموني في الثمن قوله لا نطلب العجلي الا إلى الله تقديره لا نطلب الثمن لكن الأمر فيه إلى الله أو إلى بمعنى من وكذا عند الاسماعيلي لا نطلب العجلي الا من الله وزاد بن ماجة ابدا وظاهر الحديث إنهم لم يأخذوا منه ثمنا وخالف في ذلك أهل السير كما سيأتي قوله فكان فيه أي في الحائط الذي بني في مكانه المسجد قوله وفيه خرب قال بن الجوزي المعروف فيه فتح الخاء المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة جمع خربة لكم وكلمة قلت وكذا ضبط في سنن أبي داود وحكى الخطابي أيضا كسر أوله وفتح ثانيه جمع خربة كعنب وعنبة وللكشميهني حرث بفتح الحاء المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة وقد بين أبو داود أن رواية عبد الوارث بالمعجمة والموحدة ورواية حماد بن سلمة عن أبي التياح بالمهملة والمثلثة فعلى هذا فرواية الكشميهني وهم لأن البخاري إنما أخرجه من رواية عبد الوارث وذكر الخطابي فيه ضبطا اخر وفيه بحث سيأتي مع بقية ما فيه في كتاب الهجرة إن شاء الله تعالى قوله في آخره فاغفر للانصار كذا للأكثر وللمستملي والحموي فاغفر الأنصار بحذف اللام ويوجه بأنه ضمن اغفر معنى أستر وقد رواه أبو داود عن مسدد بلفظ فانصر الأنصار وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع وجواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها واخراج ما فيها وجواز بناء المساجد في اماكنها وقيل وفيه جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجه أخذا من قوله وأمر بالنخل فقطع وفيه نظر لاحتمال أن يكون ذلك مما لا يثمر أما بأن يكون ذكورا وأما أن يكون طرأ عليه ما قطع ثمرته وسيأتي صفة هيئة بناء المسجد من حديث بن عمر وغيره قريبا قوله باب الصلاة في مرابض الغنم أي اماكنها وهو بالموحدة والضاد المعجمة جمع مربض بكسر الميم وحديث أنس طرف من الحديث الذي قبله لكن بين هناك أنه كان يحب الصلاة حيث أدركته أي حيث دخل وقتها سواء كان في مرابض الغنم أو غيرها وبين هناك أن ذلك كان قبل أن يبني المسجد ثم بعد بناء المسجد صار لا يحب الصلاة في غيره الا لضرورة قال بن بطال هذا الحديث حجة على الشافعي في قوله بنجاسة أبوال الغنم وابعارها لأن مرابض الغنم لا تسلم من ذلك وتعقب بان الأصل الطهارة وعدم السلامة منها غالب وإذا تعارض الأصل والغالب قدم الأصل وقد تقدم مزيد بحث فيه في كتاب الطهارة في باب أبوال الإبل تنبيه القائل ثم سمعه بعد يقول هو شعبة يعني أنه سمع شيخه يزيد فيه القيد المذكور بعد أن سمعه منه بدونه ومفهوم الزيادة أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في مرابض الغنم بعد بناء المسجد لكن قد ثبت إذنه في ذلك كما تقدم في كتاب الطهارة قوله باب الصلاة في مواضع الإبل كأنه يشير إلى أن الأحاديث الواردة في التفرقة بين الإبل والغنم ليست على شرطه لكن لها طرق قوية منها حديث جابر بن سمرة عند مسلم وحديث البراء بن عازب عند أبي داود وحديث أبي هريرة عند الترمذي وحديث عبد الله بن مغفل عند النسائي وحديث سبرة بن معبد عند بن ماجة وفي معظمها التعبير بمعاطن الإبل ووقع
[ 440 ]
في حديث جابر بن سمرة والبراء مبارك الإبل ومثله في حديث سليك عند الطبراني وفي حديث سبرة وكذا في حديث أبي هريرة عند الترمذي أعطان الإبل وفي حديث أسيد بن حضير عند الطبراني مناخ الإبل وفي حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد مرابد الإبل فعبر المصنف بالمواضع لأنها اشمل والمعاطن أخص من المواضع لأن المعاطن مواضع اقامتها عند الماء خاصة وقد ذهب بعضهم إلى أن النهي خاص بالمعاطن دون غيرها من الأماكن التي تكون فيها الإبل وقيل هو مأواها مطلقا نقله صاحب المغني عن أحمد وقد نازع الاسماعيلي المصنف في استدلاله بحديث بن عمر المذكور بأنه لا يلزم من الصلاة إلى البعير وجعله سترة عدم كراهية الصلاة في مبركه وأجيب بان مراده الإشارة إلى ما ذكر من علة النهي عن ذلك وهي كونها من الشياطين كما في حديث عبد الله بن مغفل فإنها خلقت من الشياطين ونحوه في حديث البراء كأنه يقول لو كان ذلك مانعا من صحة الصلاة لامتنع مثله في جعلها أمام المصلي وكذلك صلاة راكبها وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة وهو على بعيره كما سيأتي في أبواب الوتر وفرق بعضهم بين الواحد منها وبين كونها مجتمعه لما طبعت عليه من النفار المفضى إلى تشويش قلب المصلي بخلاف الصلاة على المركوب منها أو إلى جهة واحد معقول وسيأتي بقية الكلام على حديث بن عمر في أبواب سترة المصلي إن شاء الله تعالى وقيل علة النهي في التفرقة بين الإبل والغنم بأن عادة أصحاب الإبل التغوط بقربها فتنجس اعطانها وعادة أصحاب الغنم تركه حكاه الطحاوي عن شريك واستبعده وغلط أيضا من قال إن ذلك بسبب ما يكون في معاطنها من أبوالها وأرواثها لأن مرابض الغنم تشركها في ذلك وقال أن النظر يقتضي عدم التفرقة بين الإبل والغنم في الصلاة وغيرها كما هو مذهب أصحابه وتعقب بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة المصرحه بالتفرقة فهو قياس فاسد الاعتبار وإذا ثبت الخبر بطلب معارضته بالقياس اتفاقا لكن جمع بعض الأئمة بين عموم قوله جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وبين أحاديث الباب بحملها على كراهة التنزيه وهذا أولى والله اعلم تكملة وقع في مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم ولا يصلي في مرابض الإبل والبقر وسنده ضعيف فلو ثبت لافاد أن حكم البقر حكم الإبل بخلاف ما ذكره بن المنذر أن البقر في ذلك كالغنم قوله باب من صلى وقدامة تنور بالنصب على الظرف التنور بفتح المثناة وتشديد النون المضمومة ما توقد فيه النار للخبز وغيره وهو في الأكثر يكون حفيرة في الأرض وربما كان على وجه الأر ض ووهم من خصه بالأول قيل هو معرب وقيل هو عربي توافقت عليه الألسنة وإنما خصه بالذكر مع كونه ذكر النار بعده اهتماما به لأن عبدة النار من المجوس لا يعبدونها الا إذا كانت متوقدة بالجمر كالتي في التنور وأشار به إلى ما ورد عن بن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور وقال هو بيت نار أخرجه بن أبي شيبة وقوله أو شئ من العام بعد الخاص فتدخل فيه الشمس مثلا والأصنام والتماثيل والمراد أن يكون ذلك بين المصلي وبين القبلة قوله وقال الزهري هو طرف من حديث طويل يأتي موصولا في باب وقت الظهر وقد تقدم طرف منه في كتاب العلم وسيأتي باللفظ الذي ذكره هنا في كتاب التوحيد وحديث بن عباس يأتي الكلام عليه بتمامه في صلاة الكسوف فقد ذكره بتمامه هناك بهذا الإسناد وتقدم أيضا طرف منه في كتاب الإيمان وقد نازعه الاسماعيلي في الترجمة فقال ليس ما أرى الله نبيه من
[ 441 ]
النار بمنزلة نار معبودة لقوم يتوجه المصلي إليها وقال بن التين لا حجة فيه على الترجمة لأنه لم يفعل ذلك مختارا وإنما عرض عليه ذلك للمعنى الذي أراده الله من تنبيه العباد وتعقب بأن الاختيار وعدمه في ذلك سواء منه لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل فدل على أن مثله جائز وتفرقة الاسماعيلي بين القصد وعدمه وإن كانت ظاهرة لكن الجامع بين الترجمة والحديث وجود نار بين المصلي وبين قبلته في الجملة وأحسن من هذا عندي أن يقال لم يفصح المصنف في الترجمة بكراهة ولا غيرها فيحتمل أن يكون مراده التفرقة بين من بقي ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على إزالته أو انحرافه عنه وبين من لا يقدر على ذلك فلا يكره في حق الثاني وهو المطابق لحديثي الباب ويكره في حق الأول كما سيأتي التصريح بذلك عن بن عباس في التماثيل وكما روى بن أبي شيبة عن بن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت النار ونازعه أيضا من المتأخرين القاضي السروجي في شرح الهداية فقال لا دلالة في هذا الحديث على عدم الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم قال أريت النار ولا يلزم أن تكون أمامه متوجها إليها بل يجوز أن تكون عن يمينه أو عن يساره أو غير ذلك قال ويحتمل أن يكون ذلك وقع له قبل شروعه في الصلاة انتهى وكأن البخاري رحمه الله كوشف بهذا الاعتراض فعجل بالجواب عنه حيث صدر الباب بالمعلق عن أنس ففيه عرضت على النار وأنا أصلي وأما كونه رآها امامه فسياق حديث بن عباس يقتضيه ففيه إنهم قالوا له بعد أن انصرف يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت أي تأخرت إلى خلف وفي جوابه أن ذلك بسبب كونه أرى النار وفي حديث أنس المعلق هنا عنده في كتاب التوحيد موصولا لقد عرضت على الجنة والنار أنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي وهذا بدفع جواب من فرق بين القريب من المصلي والبعيد قوله باب كراهية الصلاة في المقابر استنبط من قوله في الحديث ولا تتخذوها قبورا أن القبور ليست بمحل للعبادة فتكون الصلاة فيها مكروهة وكأنه أشار إلى أن ما رواه أبو داود والترمذي في ذلك ليس على شرطه وهو حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام رجاله ثقات لكن اختلف في وصله وارساله وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان قوله حدثنا يحيى هو القطان وعبيد الله هو بن عمر العمري قوله من صلاتكم قال القرطبي من للتبعيض والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته قلت وليس فيه ما ينفي الاحتمال وقد حكى عيا ض عن بعضهم أن معناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن وهذا وأن كان محتملا لكن الأول هو الراجح وقد بالغ الشيخ محي الدين فقال لا يجوز حمله على الفريضة وقد نازع الاسماعيلي المصنف أيضا في هذه الترجمة فقال الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر قلت قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ لا تجعلوا بيوتكم مقابر وقال بن التين تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون كأنه قال لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور قال فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك قلت إن أراد أنه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم وإن أراد نفى ذلك مطلقا فلا فقد قدمنا
[ 442 ]
وجه استنباطه وقال في النهاية تبعا للمطالع إن تأويل البخاري مرجوح والأولى قول من قال معناه أن الميت لا يصلي في قبره وقد نقل بن المنذر عن أكثر أهل العلم إنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع الصلاة وكذا قال البغوي في شرح السنة والخطابي وقال أيضا يحتمل أن المراد لا تجعلوا بيوتكم وطنا للنوم فقط لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت والميت لا يصلي وقال التوربشتي حاصل ما يحتمله أربعة معان فذكر الثلاثة الماضية ورابعها يحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر قلت ويؤيده ما رواه مسلم مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت قال الخطابي وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت فليس بشئ فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته قلت ما ادعى أنه تأويل هو ظاهر لفظ الحديث ولا سيما أن جعل النهي حكما منفصلا عن الأمر وما استدل به على رده تعقبه الكرماني فقال لعل ذلك من خصائصه وقد روى أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون قلت هذا الحديث رواه بن ماجة مع حديث بن عباس عن أبي بكر مرفوعا ما قبض نبي الا دفن حيث يقبض وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف وله طريق أخرى مرسلة ذكرها البيهقي في الدلائل وروى الترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى من طريق سالم بن عبيد الأشجعي عن أبي بكر الصديق أنه قيل له فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المكان الذي قبض الله فيه روحه فإنه لم يقبض روحه الا في مكان طيب إسناده صحيح لكنه موقوف والذي قبله أصرح في المقصود وإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهى غيره عن ذلك بل هو متجه لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب وهو قوله لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا والله أعلم قوله باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب أي ما حكمها وذكر العذاب بعد الخسف من العام بعد الخاص لأن الخسف من جملة العذاب قوله ويذكر أن عليا هذا الأثر رواه بن أبي شيبة من طريق عبد الله أين أبي المحل وهو بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام قال كنا مع على فمررنا على الخسف الذي ببابل فلم يصل حتى إجازة أي تعداه ومن طريق أخرى عن على قال ما كنت لأصلي في أرض خسف الله بها ثلاث مرار والظاهر أن قوله ثلاث مرار ليس متعلقا بالخسف لأنه ليس فيها الا خسف واحد وإنما أراد أن عليا قال ذلك ثلاثا ورواه أبو داود مرفوعا من وجه آخر عن على ولفظه نهاني حبيبي صلى الله عليه وسلم أن أصلي في أرض بإبل فإنها ملعونة في إسناده ضعف واللائق بتعليق المصنف ما تقدم والمراد بالخسف هنا ما ذكر الله تعالى في قوله فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم الآية ذكر أهل التفسير والاخبار أن المراد بذلك أن النمروذ بن كنعان بني ببابل بنيانا عظيما يقال إن ارتفاعه كان خمسة آلاف ذراع فخسف الله بهم قال الخطابي لا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل فإن كان حديث على ثابتا فلعله نهاه أن يتخذها وطنا لأنه إذا أقام بها كانت صلاته فيها يعني أطلق الملزوم وأراد اللازم قال فيحتمل أن النهي خاص بعلي انذارا له بما لقي من الفتنة بالعراق قلت وسياق قصة الأولى يبعد هذا التأويل والله
[ 443 ]
اعلم قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس بن أخت مالك قوله لا تدخلوا كان هذا النهي لما مروا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك وقد صرح المصنف في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن بن عمر ببعض ذلك قوله هؤلاء المعذبين بفتح الذال المعجمه وله في أحاديث الأنبياء لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم قوله الا أن تكونوا باكين ليس المراد الاقتصار في ذلك على ابتداء الدخول بل دائما عند كل جزء من الدخول وأما الاستقرار فالكيفية المذكورة مطلوبه فيه بالأولوية وسيأتي أنه صلى الله عليه وسلم لم ينزل فيه البتة قال بن بطال هذا يدل على إباحة الصلاة هناك لأن الصلاة موضع بكاء وتضرع كأنه يشير إلى عدم مطابقة الحديث لاثر على قلت والحديث مطابق له من جهة أن كلا منهما فيه ترك النزول كما وقع عند المصنف في المغازي في آخر الحديث ثم قنع صلى الله عليه وسلم رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي فدل على أنه لم ينزل ولم يصل هناك كما صنع على في خسف بابل وروى الحاكم في الإكليل عن أبي سعيد الخدري قال رأيت رجلا جاء بخاتم وجده بالحجر في بيوت المعذبين فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم واستتر بيده أن ينظر إليه وقال القه فألقاه لكن إسناده ضعيف وسيأتي نهيه صلى الله عليه وسلم أن يستقي من مياههم في كتاب أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى قوله لا يصيبكم بالرفع على أن لا نافية والمعنى لئلا يصيبكم ويجوز الجزم على أنها ناهية وهو أوجه وهو نهى بمعنى الخبر وللمصنف في أحاديث الأنبياء أن يصيبكم أي خشية أن يصيبكم ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وأمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وأهمالهم واعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا باحوالهم فقد شابههم في الاهمال ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم وبهذا يندفع اعتراض من قال كيف يصيب عذاب الظالمين من ليس بظالم لأنه بهذا التقدير لا يأمن أن يصير ظالما فيعذب بظلمه وفي الحديث الحث على المراقبة والزجر عن السكنى في ديار المعذبين والاسراع عند المرور بها وقد اشير الى ذلك في قوله تعالى وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم قوله باب الصلاة في البيعة بكسر الموحدة بعدها مثناة تحتانية معبد للنصارى قال صاحب المحكم البيعة صومعة الراهب وقيل كنيسة النصارى والثاني هو المعتمد ويدخل في حكم البيعة الكنيسة وبيت المدراس والصومعة وبيت الصنم وبيت النار ونحو ذلك قوله وقال عمر إنا لا ندخل كنائسكم وفي رواية الأصيلي كنائسهم قوله من أجل التماثيل هو جمع تمثال بمثناة ثم مثلثة بينهما ميم وبينه وبين الصورة عموم وخصوص مطلق فالصورة أعم قوله التي فيها الضمير يعود على الكنيسة والصور بالجر على أنها بدل من التماثيل أو بيان لها أو بالنصب على الاختصاص أو بالرفع أي أن التماثيل مصورة والضمير على هذا للتماثيل وفي رواية الأصيلي والصور بزيادة الواو العاطفة وهذا الأثر وصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال لما قدم عمر الشام صنع له
[ 444 ]
رجل من النصارى طعاما وكان من عظمائهم وقال أحب أن تجيئني وتكرمني فقال له عمر أنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها يعني التماثيل وتبين بهذا أن روايتي النصب والجر أوجه من غيرهما والرجل المذكور من عظمائهم اسمه قسطنطين سماه مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مسجعة بن ربعي عن عمر في قصة طويلة أخرجها قوله وكان بن عباس وصله البغوي في الجعديات وزاد فيه فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر وقد تقدم في باب من صلى وقدامه تنور أن لا معارضة بين هذين البابين وأن الكراهة في حال الاختيار قوله حدثنا محمد هو بن سلام كما صرح به بن السكن في روايته وعبده هو بن سليمان وقد تقدم الكلام على المتن قبل خمسة أبواب ومطابقته للترجمة من قوله بنوا على قبره مسجدا فإن فيه إشارة إلى نهي المسلم عن أن يصلي في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجدا والله أعلم قوله باب كذا في أكثر الروايات بغير ترجمة وسقط من بعض الروايات وقد قررنا أن ذلك كالفصل من الباب فله تعلق بالباب الذي قبله والجامع بينهما الزجر عن اتخاذ القبور مساجد وكأنه أراد أن يبين أن فعل ذلك مذموم سواء كان مع تصوير أم لا قوله لما نزل كذا لأبي ذر بفتحتين والفاعل محذوف أي الموت ولغيره بضم النون وكسر الزاي وطفق أي جعل والخميصة كساء له أعلام كما تقدم قوله فقال وهو كذلك أي في تلك الحال ويحتمل أن يكون ذلك في الوقت الذي ذكرت فيه أم سلمة وأم حبيبة أمر الكنيسة التي رأتاها بأرض الحبشة وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم وقوله اتخذوا جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب اللعن كأنه قيل ما سبب لعنهم فأجيب بقوله اتخذوا وقوله يحذر ما صنعوا جملة أخرى مستأنفه من كلام الراوي كأنه سئل عن حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت فأجيب بذلك وقد استشكل ذكر النصارى فيه لأن اليهود لهم أنبياء بخلاف النصارى فليس بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي غيره وليس له قبر والجواب أنه كان فيهم أنبياء لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول أو الجمع في قوله أنبيائهم بإزاء المجموع من اليهود والنصارى والمراد الأنبياء وكبار أتباعهم فاكتفى بذكر الأنبياء ويؤيده قوله في رواية مسلم من طريق جندب كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ولهذا لما أفرد النصارى في الحديث الذي قبله قال إذا مات فيهم الرجل الصالح ولما أفرد اليهود في الحديث الذي بعده قال قبور أنبيائهم أو المراد بالاتخاذ أعم من أن يكون ابتداعا أو أتباعا فاليهود ابتدعت والنصارى اتبعت ولا ريب أن النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظمهم اليهود قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض تقدم الكلام على حديث جابر في أوائل كتاب التيمم أخرجه هناك عن محمد بن سنان أيضا وسعيد بن النضر لكنه ساقه هناك على لفظ سعيد وهنا على لفظ بن سنان وليس بينهما تفاوت من حيث المعنى لا في السند ولا في المتن وايراده له هنا يحتمل أن يكون أراد أن الكراهة في الأبواب المتقدمه ليست
[ 445 ]
للتحريم لعموم قوله جعلت لي الأرض مسجدا أي كل جزء منها يصلح أن يكون مكانا للسجود أو يصلح أن يبني فيه مكان الولاء ويحتمل أن يكون أراد أن الكراهة فيها للتحريم وعموم حديث جابر مخصوص بها والأول أولى لأن الحديث سيق في مقام الامتنان فلا ينبغي تخصيصه ولا يرد عليه أن الصلاة في الأرض المتنجسة لا تصح لأن التنجس وصف طارئ والاعتبار بما قبل ذلك قوله باب نوم المرأة في المسجد أي وإقامتها فيه قوله أن وليدة أي أمة وهي في الأصل المولودة ساعة تولد قاله بن سيده ثم أطلق على الأمة وإن كانت كبيرة قوله قالت فخرجت القائلة ذلك هي الوليدة المذكورة وقد روت عنها عائشة هذه القصة والبيت الذي انشدته ولم يذكرها أحد ممن صنف في رواة البخاري ولا وقفت على اسمها ولا على اسم القبيلة التي كانت لهم ولا على اسم الصبية صاحبة الوشاح والوشاح بكسر الواو ويجوز ضمها ويجوز إبدالها ألفا خيطان من لؤلؤ يخالف بينهما وتتوشح به المرأة وقيل ينسج من أديم عريضا ويرصع باللؤلؤ وتشده المرأة بين عاتقها وكشحها وعن الفارسي لا يسمى وشاحا حتى يكون منظوما بلؤلؤ وودع انتهى وقولها في الحديث من سيور يدل على أنه كان من جلد وقولها بعد فحسبته لحما لا ينفى كونه مرصعا لأن بياض اللؤلؤ على حمرة الجلد يصير كاللحم السمين قوله فوضعته أو وقع منها شك من الراوي وقد رواه ثابت في الدلائل من طريق أبي معاوية عن هشام فزاد فيه أن الصبية كانت عروسا فدخلت إلى مغتسلها فوضعت الوشاح قوله حدياة بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد الياء التحتانية تصغير حدأة بالهمز بوزن عنبة ويجوز فتح أوله وهي الطائر المعروف المأذون في قتله في الحل والحرم والأصل في تصغيرها حديأة بسكون الياء وفتح الهمزة لكن سهلت الهمزة وادغمت ثم اشبعت الفتحة فصارت ألفا وتسمى أيضا الحدي بضم أوله وتشديد الدال مقصور ويقال لها أيضا الحد وبكسر أوله وفتح الدال الخفيفة وسكون الواو وجمعها خصيين كالمفرد بلا هاء وربما قالوه بالمد والله اعلم قوله حتى فتشوا قبلها كأنه من كلام عائشة وإلا فمقتضى السياق أن تقول قبلى وكذا هو في رواية المصنف في أيام الجاهلية من رواية على بن مسهر عن هشام فالظاهر أنه من كلام الوليدة اوردته بلفظ الغيبة التفاتا أو تجريدا وزاد فيه ثابت أيضا قالت فدعوت الله أن يبرئني فجاءت الحديا وهم ينظرون قوله وهو ذا هو يحتمل أن يكون هو الثاني خبرا بعد خبر أو مبتدأ وخبره محذوف أو يكون خبرا عن ذا والمجموع خبرا عن الأول ويحتمل غير ذلك ووقع في رواية أبي نعيم وها هو ذا وفي رواية بن خزيمة وهو ذا كما ترون قوله قالت أي عائشة فجاءت أي المرأة قوله فكانت أي المرأة وللكشميهني فكان والخباء بكسر المعجمة بعدها موحده وبالمد الخيمة من وبر أو غيره وعن أبي عبيد لا يكون من شعر والحفش بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها شين غدا البيت الصغير القريب السمك مأخوذ من الانخفاش وهو الانضمام وأصله الوعاء الذي تضع المرأة فيه غزلها قوله فتحدث بلفظ المضارع بحذف إحدى التاءين قوله تعاجيب أي أعاجيب وأحدها اعجوبة ونقل بن السيد أن تعاجيب لا واحد له من يسير قوله ألا إنه بتخفيف اللام وكسر الهمزة وهذا البيت الذي انشدته هذه المرأة عروضه من الضرب الأول من الطويل واجزاؤه ثمانية ووزنه فعولن مفاعيلن أربع مرات لكن دخل البيت المذكور القبض وهو حذف
[ 446 ]
الخامس الساكن في ثاني جزء منه فإن اشبعت حركة الحاء من الوشاح صار سالما أو قلت ويوم وشاح بالتنوين بعد حذف التعريف صار القبض في أول جزء من البيت وهو أخف من الأول واستعمال القبض في الجزء الثاني وكذا السادس في أشعار العرب كثير جدا نادر في أشعار المولدين وهو عند الخليل بن أحمد أصلح من الكف ولا يجوز عندهم الجمع بين الكف وهو حذف السابع الساكن وبين القبض بل يشترط أن يتعاقبا وإنما اوردت هذا القدر هنا لأن الطبع السليم ينفر من القبض المذكور وفي الحديث إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلا كان أو امرأة عند أمن الفتنة وإباحة استظلاله فيه بوجعه ونحوها وفيه الخروج من البلد الذي يحصل للمرء فيه المحنة ولعله يتحول إلى ما هو خير له كما وقع لهذه المرأة وفيه فضل الهجرة من دار الكفر وإجابة دعوة المظلوم ولو كان كافرا لأن في السياق أن إسلامها كان بعد قدومها المدينة والله أعلم قوله با ب نوم الرجال في المسجد أي جواز ذلك وهو قول الجمهور وروى عن بن عباس كراهيته الا لمن يريد الصلاة وعن بن مسعود مطلقا وعن مالك التفصيل بين من له مسكن فيكره وبين من لا مسكن له فيباح قوله وقال أبو قلابة عن أنس هذا طرف من قصة العرنيين وقد تقدم حديثهم في الطهارة وهذا اللفظ أورده في المحاربين موصولا من طريق وهيب عن أيوب عن أبي قلابة قوله وقال عبد الرحمن بن أبي بكر هو أيضا طرف من حديث طويل يأتي في علامات النبوة والصفة موضع مظلل في المسجد النبوي كانت تأوى إليه المساكين وقد سبق البخاري إلى الاستدلال بذلك سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار رواه بن أبي شيبة عنهما قوله حدثنا يحيى هو القطان عن عبيد الله هو العمرى وحديث عبد الله بن عمر هذا مختصر أيضا من حديث له طويل يأتي في باب فضل قيام الليل وأورده بن ماجة مختصرا أيضا بلفظ كنا ننام قوله اعزب بالمهملة والزاي أي غير متزوج والمشهور فيه عزب بفتح عين وكسر الزاي والأول لغة قليلة مع أن القزاز انكرها وقوله لا أهل له هو تفسير لقوله أعزب ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص فيدخل فيه الاقارب ونحوهم وقوله في مسجد متعلق بقوله ينام قوله عن أبي حازم هو سلمة بن دينار والد عبد العزيز المذكور قوله أين بن عمك فيه إطلاق بن العم على أقارب الأب لأنه بن عم أبيها لا بن عمها وفيه إرشادها إلى أن تخاطبه بذلك لما فيه من الاستعطاف بذكر القرابة وكأنه صلى الله عليه وسلم فهم ما وقع بينهما فأراد استعطافا عليه بذكر القرابة القريبه التي بينهما قوله فلم يقل عندي بفتح الياء التحتانية وكسر القاف من القيلولة وهو نوم نصف النهار قوله فقال لأنسان يظهر لي أنه سهل راوي الحديث لأنه لم يذكر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم غيره وللمصنف في الأدب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة أين بن عمك قالت في المسجد وليس بينه وبين الذي هنا مخالفة لاحتمال أن يكون المراد من قوله انظر أين هو المكان المخصوص من المسجد وعند الطبراني فأمر أنسانا معه فوجده مضطجعا في فئ الجدار قوله هو راقد في المسجد فيه مراد الترجمة لأن حديث بن عمر يدل على إباحته لمن لا مسكن له وكذا بقية أحاديث الباب الا قصة على فإنها تقتضي التعميم لكن يمكن أن يفرق بين نوم الليل وبين قيلولة النهار وفي حديث سهل هذا من الفوائد أيضا جواز القائلة في المسجد وممازحة المغضب بما لا يغضب منه بل يحصل به تأنيسه
[ 447 ]
وفيه التكنية بغير الولد وتكنية من له كنية والتلقيب بالكنية لمن لا يغضب وسيأتي في الأدب أنه كان يفرح إذا دعي بذلك وفيه مداراة الصهر وتسكينه من غضبه ودخول الوالد بيت ابنته بغير إذن زوجها حيث يعلم رضاه وأنه لا بأس بأبداء المنكبين في غير الصلاة وسيأتي بقية ما يتعلق به في فضائل على إن شاء الله تعالى قوله حدثنا بن فضيل هو محمد بن فضيل بن غزوان وأبو حازم هو سلمان الأشجعي وهو أكبر من أبي حازم الذي قبله في السن واللقاء وأن كانا جميعا مدنيين يجالد ثقتين قوله لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة وكانوا من أهل الصفة أيضا لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة وقد اعتنى بجمع أصحاب الصفة بن الغلام والسلمي والحاكم وأبو نعيم وعند كل منهم ما ليس عند الآخر وفي بعض ما ذكروه اعتراض ومناقشة لكن لا يسع هذا المختصر تفصيل ذلك قوله رداء هو ما يستر أعالي البدن فقط وقوله اما إزار أي فقط واما كساء أي على الهيئة المشروحه في المتن وقوله قد ربطوا أي الأكسية فحذف المفعول للعلم به وقوله فمنها أي من الاكسية قوله فيجمعه بيده أي الواحد منهم زاد الاسماعيلي أن ذلك في حال كونهم في الصلاة ومحصل ذلك أنه لم يكن لأحد منهم ثوبان وقد تقدم نحوه هذه الصفة في باب إذا كان الثوب ضيقا قوله باب الصلاة إذا قدم من سفر أي في المسجد قوله وقال كعب هو طرف من حديثه الطويل في قصة تخلفه وتوبته وسيأتي في أواخر المغازي وهو ظاهر فيما ترجم له وذكر بعده حديث جابر ليجمع بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره فلا يظن أن ذلك من خصائصه قوله قال مسعر أراه بالضم أي أظنه والضمير لمحارب قوله وكان لي عليه دين كذا للأكثر وللحموي وكان له أي لجابر عليه أي على النبي صلى الله عليه وسلم وفي قوله بعد ذلك فقضاني التفات وهذا الدين هو ثمن جمل جابر وسيأتي مطولا في كتاب الشروط ونذكر هناك فوائده إن شاء الله تعالى وقد أخرجه المصنف أيضا في نحو من عشرين موضعا مطولا ومختصرا موصولا ومعلقا ومطابقته للترجمة من جهة أن تقاضيه لثمن الجمل كان عند قدومه من السفر كما سيأتي واضحا وغفل مغلطاي حيث قال ليس فيه ما بوب عليه لأن لقائل أن يقول إن جابرا لم يقدم من سفر لأنه ليس فيه ما يشعر بذلك قال النووي هذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر ينوي بها صلاة القدوم لا أنها تحية المسجد التي أمر الداخل بها قبل أن يجلس لكن تحصل التحيه بها وتمسك بعض من منع الصلاة في الأوقات المنهيه ولو كانت ذات سبب بقوله ضحى ولا حجة فيه لأنها واقعة عين قوله باب إذا دخل المسجد حذف الفاعل للعلم به وذكر في رواية الأصيلي وكريمة كلفظ المتن قوله عن أبي قتادة بفتحتين هكذا اتفق عليه الرواة عن مالك ورواه سهيل بن أبي صالح عن عامر بن عبد الله بن الزبير فقال عن جابر بدل أبي قتادة وخطأه الترمذي والدارقطني وغيرهما قوله السلمي بفتحتين لأنه من الأنصار والإسناد كله مدني كالذي بعده قوله فليركع أي فليصل من إطلاق الجزء وإرادة الكل قوله ركعتين هذا العدد لا مفهوم لا كثرة باتفاق واختلف في أقله والصحيح اعتباره فلا تتأذى هذه السنة بأقل من ركعتين واتفق كثرة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب ونقل بن بطال عن أهل الظاهر الوجوب والذي صرح به بن حزم دمه ومن أدلة عدم الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم
[ 448 ]
الذي رآه يتخطى اجلس فقد آذيت ولم يأمره بصلاة كذا استدل به الطحاوي وغيره وفيه نظر وقال الطحاوي أيضا الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها قلت هما عمومان تعارضا الأمر بالصلاة لكل انظر من غير تفصيل والنهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة فلا بد من تخصيص أحد العمومين فذهب جمع إلى تخصيص النهي وتعميم الأمر وهو الأصح عند الشافعية وذهب جمع إلى عكسه وهو قول الحنفية والمالكية قوله قبل أن يجلس صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا يشرع له التدارك وفيه نظر لما رواه بن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أركعت ركعتين قال لا قال قم فاركعهما ترجم عليه بن حبان أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس قلت ومثله قصة سليك كما سيأتي في الجمعة وقال المحب الطبري يحتمل أن يقال وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة وبعده وقت جواز أو يقال وقتهما قبله أداء وبعده قضاء ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل فائدة حديث أبي قتادة هذا ورد على سبب وهو أن أبا قتادة دخل المسجد فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه فجلس معهم فقال له ما منعك أن تركع قال رأيتك جالسا والناس جلوس قال فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين أخرجه مسلم وعند بن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي قتادة أعطوا المساجد حقها قيل له وما حقها قال ركعتين قبل أن تجلس قوله باب الحدث في المسجد قال المازري أشار البخاري إلى الرد على من منع المحدث أن يدخل المسجد أو يجلس فيه وجعله كالجنب وهو مبنى على أن الحدث هنا الريح ونحوه وبذلك فسره أبو هريرة كما تقدم في الطهارة وقد قيل المراد بالحدث هنا أعم من ذلك أي ما لم يحدث سوء ويؤيده رواية مسلم ما لم يحدث فيه ما لم يؤذ فيه وفي أخرى للبخاري ما لم يؤذ فيه بحدث فيه وسيأتي قريبا بناء على أن الثانية تفسير للاولى قوله الملائكة تصلي وللكشميهني إن الملائكة تصلي بزيادة إن والمراد بالملائكة الحفظة أو السيارة أو أعم من ذلك قوله تقول الخ هو بيان لقوله تصلي قوله ما دام في مصلاه مفهومه أنه إذا انصرف عنه انقضى ذلك وسيأتي في باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة بيان فضيلة من أنتظر الصلاة مطلقا سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد أم تحول إلى غيره ولفظه ولا يزال في صلاة ما أنتظر الصلاة فأثبت للمنتظر حكم المصلي فيمكن أن يحمل قوله في مصلاة على المكان المعد الولاء لا الموضع الخاص بالسجود فلا يكون بين الحديثين تخالف وقوله ما لم يحدث يدل على أن الحدث يبطل ذلك ولو استمر جالسا وفيه دليل على أن الحدث في المسجد أشد من النخامة لما تقدم من أن لها كفارة ولم يذكر لهذا كفارة بل عومل صاحبه بحرمان استغفار الملائكة ودعاء الملائكة مرجو الاجابة لقوله تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى وسيأتي بقية فوائد هذا الحديث في باب من جلس ينتظر إن شاء الله تعالى قوله باب بنيان المسجد أي النبوي قوله وقال أبو سعيد هو الخدري والقدر المذكور هنا طرف من حديثه في ذكر ليلة القدر وقد وصله المؤلف في الاعتكاف وغيره من طريق أبي سلمة عنه وسيأتي قريبا في أبواب صلاة الجماعه قوله وامر عمر هو طرف من قصة في ذكر تجديد المسجد النبوي قوله وقال أكن الناس وقع في روايتنا أكن بضم الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون المضمومة بلفظ الفعل
[ 449 ]
المضارع من أكن الرباعي يقال أكنت الشئ أكنانا أي صنته وسترته وحكى أبو زيد كننته من الثلاثي بمعنى وتعجيزا وفرق الكسائي بينهما فقال كننته أي سترته وأكننته في نفسي أي اسررته ووقع في رواية الأصيلي أكن بفتح الهمزة والنون فعل أمر من الأكنان أيضا ويرجحه قوله قبله وأمر عمر وقوله بعده وإياك وتوجه الأولى بأنه خاطب القوم بما أراد ثم ألتفت إلى الصانع فقال له وإياك أو يحمل قوله وإياك على التجريد كأنه خاطب نفسه بذلك قال عياض وفي رواية غير الأصيلي والقابسي أي وأبي ذر كن الناس بحذف الهمزة وكسر الكاف وهو صحيح أيضا وجوز بن مالك ضم الكاف على أنه من كن فهو مكنون انتهى وهو متجه لكن الرواية لا تساعده قوله فتفتن الناس بفتح المثناة من فتن وضبطه بن التين بالضمن من أفتن وذكر أن الأصمعي أنكره وأن أبا عبيدة إجازة فتن وأفتن بمعنى قال بن بطال كأن عمر فهم ذلك من رد الفاء الخميصه إلى أبي جهم من أجل الاعلام التي فيها وقال أنها ألهتني عن صلاتي قلت ويحتمل أن يكون عند عمر من ذلك علم خاص بهذه المسألة فقد روى بن ماجة من طريق عمرو بن ميمون عن عمر مرفوعا ما ساء عمل قوم قط الا زخرفوا مساجدهم رجاله ثقات إلا شيخه جبارة بن المغلس ففيه مقال قوله وقال أنس يتباهون بها بفتح الهاء أي يتفاخرون وهذا التعليق رويناه موصولا في مسند أبي يعلى وصحيح بن خزيمة من طريق أبي قلابة أن أنسا قال سمعته يقول يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها الا قليلا أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان مختصرا من طريق أخرى عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد والطريق الأولى أليق بمراد البخاري وعند أبي نعيم في كتاب المساجد من الوجه الذي عند بن خزيمة يتباهون بكثرة المساجد تنبيه قوله ثم لا يعمرونها المراد به عمارتها بالصلاة وذكر الله وليس المراد به بنيانها بخلاف ما يأتي في ترجمة الباب الذي بعده قوله وقال بن عباس لتزخرفنها بفتح اللام وهي لام القسم وضم المثناة وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء وضم الفاء وتشديد النون وهي نون التأكيد والزخرفه الزينه وأصل الزخرف الذهب ثم استعمل في كل ما يتزين به وهذا التعليق وصله أبو داود وابن حبان من طريق يزيد بن الأصم عن بن عباس هكذا موقوف وقبله حديث مرفوع ولفظه ما أمرت بتشييد المساجد وظن الطيبي في شرح المشكاة أنهما حديث واحد فشرحه على أن اللام في لتزخرفنها مكسورة وهي لام التعليل للمنفى قبله والمعنى ما أمرت بالتشييد ليجعل ذريعة إلى الزخرفة قال والنون فيه لمجرد التأكيد وفيه نوع توبيخ وتأنيب ثم قال ويجوز فتح اللام على أنها جواب القسم قلت وهذا هو المعتمد والأول لم تثبت به الرواية أصلا فلا يغتر به وكلام بن عباس فيه مفصول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المشهورة وغيرها وإنما لم يذكر البخاري المرفوع منه للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله وإرساله قال البغوي التشييد رفع البناء وتطويله وإنما زخرفت اليهود والنصارى معابدها حين حرفوا كتبهم وبدلوها قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم زاد الأصيلي بن سعد ورواية صالح بن جلس عن نافع من رواية الأقران لأنهما مدنيان ثقتان تابعيان من طبقة واحدة وعبد الله هو بن عمر قوله باللبن بفتح اللام وكسر الموحدة قوله وعمده بفتح أوله وثانية ويجوز ضمهما وكذا قوله خشب قوله وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه أي بجنس
[ 450 ]
الآلات المذكورة ولم يغير شيئا من هيئته الا توسيعه قوله ثم غيره عثمان أي من الوجهين التوسيع وتغيير الآلات قوله بالحجارة المنقوشة أي بدل اللبن وللحموي والمستملي بحجارة منقوشة قوله والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة وهي الجص بلغة أهل الحجاز وقال الخطابي تشبه الجص وليست به قوله وسقفه بلفظ الماضي عطفا على جعل وبإسكان القاف على عمده والساج نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند وقال بن بطال وغيره هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلو في تحسينه فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه وإنما أحتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه ثم كان عثمان والمال في زمانه أكثر فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه كما سيأتي بعد قليل وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان وذلك في أواخر عصر الصحابة وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفا من الفتنة ورخص في ذلك بعضهم وهو قول أبي حنيفة إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال وقال بن المنير لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة وتعقب بأن المنع إن كان للحث على أتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال وإن كان لخشية شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة وفي حديث أنس علم من أعلام النبوة لأخباره صلى الله عليه وسلم بما سيقع فوقع كما قال قوله باب التعاون في بناء المسجد ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله كذا في رواية أبي ذر وزاد غيره قبل قوله ما كان وقول الله عز وجل وفي آخره إلى قوله المهتدين وذكره لهذه الآية مصير منه إلى ترجيح أحد الاحتمالين من أحد الاحتمالين في الآية وذلك أن قوله تعالى مساجد الله يحتمل أن يراد بها مواضع السجود ويحتمل أن يراد بها الأماكن المتخذة لإقامة الصلاة وعلى الثاني يحتمل أن يراد بعمارتها بنيانها ويحتمل أن يراد بها اشتراط لذكر الله فيها قوله حدثنا مسدد هذا الإسناد كله بصري لأن بن عباس أقام على البصرة أميرا مدة ومعه مولاه عكرمة قوله انطلقا إلى أبي سعيد أي الخدري قوله فإذا هو زاد المصنف في الجهاد فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما قوله يصلحه قال في الجهاد يسقيانه والحائط البستان وهذا الأخ زعم بعض الشراح أنه قتادة بن النعمان وهو أخو أبي سعيد لأمه ولا يصح أن يكون هو فإن على بن عبد الله بن عباس ولد في أواخر خلافة على ومات قتادة بن النعمان قبل ذلك في أواخر خلافة عمر بن الخطاب وليس لأبي سعيد أخ شقيق ابن أخ من أبيه ولا من أمه إلا قتادة فيحتمل أن يكون المذكور أخاه من الرضاعة ولم أقف إلى الآن على اسمه وفي الحديث إشارة إلى أن العلم لا يحوى جميعه أحد لأن بن عباس مع سعة علمه أمر ابنه بالأخذ عن أبي سعيد فيحتمل أن يكون علم أن عنده ما ليس عنده ويحتمل أن يكون إرساله إليه لطلب علو الإسناد لأن أبا سعيد أقدم صحبة وأكثر سماعا من النبي صلى الله عليه وسلم من بن عباس وفيه ما كان السلف عليه من التواضع وعدم التكبر وتعاهد أحوال المعاش بأنفسهم والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم وإكرام طلبة العلم وتقديم حوائجهم على حوائج أنفسهم قوله فأخذ رداءه فاحتبى فيه التأهب لالقاء العلم وترك التحديث في حالة المهنة إعظاما للحديث قوله حتى أتى على ذكر بناء المسجد أي النبوي وفي رواية كريمة حتى إذا
[ 451 ]
أتى قوله وعمار لبنتين زاد معمر في جامعه لبنة عنه ولبنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه جواز ارتكاب المشقة في عمل البر وتوقير الرئيس والقيام عنه بما يتعاطاه من المصالح وفضل بنيان المساجد قوله فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض فيه التعبير بصيغة المضارع في موضع الماضي مبالغة لاستحضار ذلك في نفس السامع كأنه يشاهد وفي رواية الكشميهني فجعل ينفض قوله التراب عنه زاد في الجهاد عن رأسه وكذا لمسلم وفيه إكرام العامل في سبيل الله والإحسان إليه بالفعل والقول قوله ويقول أي في تلك الحال ويح عمار هي كلمة رحمة وهي بفتح الحاء إذا أضيفت فإن لم تضف جاز الرفع والنصب مع التنوين فيهما قوله يدعوهم أعاد الضمير على غير مذكور والمراد قتلته كما ثبت من وجه آخر تقتله الفئة الباغية يدعوهم الخ وسيأتي التنبيه عليه فإن قيل كان قتله بصفين وهو مع على والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم في أتباع ظنونهم فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة على وهو الإمام الواجب الطاعه إذ ذاك وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم وقال بن بطال تبعا للمهلب إنما يصح هذا في الخوارج الذين بعث إليهم على عمارا يدعوهم إلى الجماعة ولا يصح في أحد من الصحابة وتابعه على هذا الكلام جماعة من الشراح وفيه نظر من أوجه أحدها أن الخوارج إنما خرجوا على على بعد قتل عمار بلا خلاف بين أهل العلم بذلك فإن ابتداء أمر الخوارج كان عقب التحكيم وكان التحكيم عقب انتهاء القتال بصفين وكان قتل عمار قبل ذلك قطعا فكيف يبعثه إليهم على بعد موته ثانيها أن الذين بعث إليهم على عمارا إنما هم أهل الكوفة بعثه يستنفرهم على قتال عائشة ومن معها قبل وقعة الجمل وكان فيهم من الصحابة جماعة كمن كان مع معاوية وأفضل وسيأتي التصريح بذلك عند المصنف في كتاب الفتن فما فر منه المهلب وقع في مثله مع زيادة إطلاقه عليهم تسمية الخوارج وحاشاهم من ذلك ثالثها أنه شرح على ظاهر ما وقع في هذه الرواية الناقصة ويمكن حمله على أن المراد بالذين يدعونه إلى النار كفار قريش كما صرح به بعض الشراح لكن وقع في رواية بن السكن وكريمة وغيرهما وكذا ثبت في نسخة الصغاني التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري التي بخطه زيادة توضح المراد وتفصح بان الضمير يعود على قتلته وهم أهل الشام ولفظه ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الحديث وأعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها القدرة في الجمع وقال إن البخاري لم يذكرها أصلا وكذا قال أبو مسعود قال القدرة ولعلها لم أنكر للبخاري أو وقعت فحذفها عمدا قال وقد أخرجها الاسماعيلي والبرقاني في هذا الحديث قلت ويظهر لي أن البخاري حذفها عمدا وذلك لنكتة خفية وهي أن أبا سعيد الخدري اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة والرواية التي بينت ذلك ليست على شرط البخاري وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية أه وابن سمية هو عمار وسمية اسم أمه وهذا الإسناد على شرط مسلم وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك
[ 452 ]
ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال حدثني من هو خير مني أبو قتادة فذكره فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الاطلاع على علل الأحاديث وفي هذا الحديث زيادة أيضا لم أنكر في رواية البخاري وهي عند الاسماعيلي وأبي نعيم في المستخرج من طريق خالد الواسطي عن خالد الحذاء وهي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك قال إني أريد من الله الأجر وقد تقدمت زيادة معمر فيه أيضا فائدة روى حديث تقتل عمارا الفئة الباغية جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان كما تقدم وأم سلمة عند مسلم وأبو هريرة عند الترمذي وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه وكلها عند الطبراني وغيره وغالب طرقها صحيحة أو حسنة وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه قوله في آخر الحديث يقول عمار أعوذ بالله من الفتن فيه دليل على استحباب الاستعاذة من الفتن ولو علم المرء أنه متمسك فيها بالحق لأنها قد تفضي إلى وقوع من لا يرى وقوعه قال بن بطال وفيه رد للحديث الشائع لا تستعيذوا بالله من الفتن فإن فيها حصاد المنافقين قلت وقد سئل بن وهب قديما عنه فقال إنه باطل وسيأتي في كتاب الفتن ذكر كثير من احكامها وما ينبغي من العمل عند وقوعها أعاذنا الله تعالى مما ظهر منها وما بطن قوله باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد الصناع بضم المهملة جمع صانع وذكره بعد ماتت من العام بعد الخاص أو في الترجمة لف ونشر فقوله في أعواد المنبر ليتعلق بالنجار وقوله والمسجد يتعلق بالصناع أي والاستعانة بالصناع في المسجد أي في بناء المسجد وحديث الباب من رواية سهل وجابر جميعا يتعلق بالنجار فقط ومنه تؤخذ مشروعية الاستعانة بغيره من الصناع لعدم الفرق وكأنه أشار بذلك إلى حديث طلق بن على قال بنيت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول قربوا اليمامي من الطين فإنه أحسنكم له مسا وأشدكم له سبكا رواه أحمد وفي لفظ له فأخذت المسحاة فخلطت الطين فكأنه أعجبه فقال دعوا الحنفي والطين فإنه أضبطكم للطين ورواه بن حبان في صحيحه ولفظه فقلت يا رسول الله أأنقل كما ينقلون فقال لا ولكن أخلط لهم الطين فأنت أعلم به قوله حدثنا عبد العزيز هو بن أبي حازم قوله إلى امرأة تقدم ذكرها في باب الصلاة على المنبر والسطوح والتنبيه على غلط من سماها علاثه وكذا التنبيه على اسم غلامها وساق المتن هنا مختصرا وساقه بتمامه في البيوع بهذا الإسناد وسنذكر فوائده في كتاب الجمعة ان شاء الله تعالى قوله حدثنا خلاد هو بن يحيى وأيمن بوزن أفعل وهو الحبشي مولى بني مخزوم قوله أن أمرأة هي التي ذكرت في حديث سهل فإن قيل ظاهر سياق حديث جابر مخالف لسياق حديث سهل لأن في هذا أنها ابتدأت بالعرض وفي حديث سهل أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسل إليها يطلب ذلك أجاب بن بطال باحتمال أن تكون المرأة ابتدات بالسؤال متبرعه بذلك فلما حصل لها القبول أمكن أن يبطئ الغلام بعمله فأرسل يستنجزها إتمامه لعلمه بطيب نفسها بما بذلته قال ويمكن إرساله إليها ليعرفها بصفة ما يصنعه الغلام من الأعواد وأن يكون
[ 453 ]
ذلك منبرا قلت ققد أخرجه المصنف في علامات النبوة من هذا الوجه بلفظ ألا أجعل لك منبرا فلعل التعريف وقع بصفة للمنبر مخصوصة أو يحتمل أنه لما فوض إليها الأمر بقوله لها إن شئت كان ذلك سبب البطء لا أن الغلام كان شرع وأبطأ ولا أنه جهل الصفة وهذا أوجه الأوجه في نظري قوله ألا أجعل لك أضافت الجعل إلى نفسها مجازا قوله فان لي غلاما نجارا في رواية الكشميهني فإني لي غلام نجار وقد اختصر المؤلف هذا المتن أيضا ويأتي بتمامه في علامات النبوة وفي الحديث قبول البذل إذا كان بغير سؤال واستنجاز الوعد ممن يعلم منه الإجابة والتقرب إلى أهل الفضل بعمل الخير وسيأتي بقية فوائده في علامات النبوة إن شاء الله تعالى قوله باب من بني مسجدا أي ماله من الفضل قوله أخبرني عمرو هو بن الحارث وبكير بالتصغير هو بن عبد الله بن الأشج وعبيد الله هو بن الأسود وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق بكير وعاصم وعبيد الله وثلاثة من أوله مصريون وثلاثة من آخره مدنيون وفي وسطه مدني سكن مصر وهو بكير فانقسم الإسناد إلى مصري ومدني قوله عند قول الناس فيه وقع بيان ذلك عند مسلم حيث أخرجه من طريق محمود بن لبيد الأنصاري وهو من صغار الصحابة قال لما أراد عثمان بناء المسجد كره الناس ذلك وأحبوا أن يدعوه على هيئته أي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وظهر بهذا أن قوله في حديث الباب حين بنى أي حين أراد أن يبني وقال البغوي في شرح السنة لعل الذي كره الصحابة من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة لا مجرد توسيعه انتهى ولم يبن عثمان المسجد إنشاء وإنما وسعه وشيده كما تقدم في باب بنيان المسجد فيؤخذ منه إطلاق البناء في حق من جدد كما يطلق في حق من أنشأ أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد من إطلاق الكل على البعض قوله مسجد الرسول كذا للأكثر وللحموي والكشميهني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله إنكم أكثرتم حذف المفعول للعلم به والمراد الكلام بالإنكار ونحوه تنبيه كان بناء عثمان للمسجد النبوي سنة ثلاثين على المشهور وقيل في آخر سنة من خلافته ففي كتاب السير عن الحارث بن مسكين عن بن وهيب أخبرني مالك أن كعب الأحبار كان يقول عند بنيان عثمان المسجد لوددت أن هذا المسجد لا ينجز فإنه إذا فرغ من بنيانه قتل عثمان قال مالك فكان كذلك قلت ويمكن الجمع بين القولين بأن الأول كان تاريخ ابتدائه والثاني تاريخ انتهائه قوله من بنى مسجدا التنكير فيه للشيوع فيدخل فيه الكبير والصغير ووقع في رواية أنس عند الترمذي صغيرا أو كبيرا وزاد بن أبي شيبة في حديث الباب من وجه آخر عن عثمان ولو كمفحص قطاة وهذه الزيادة أيضا عند بن حبان والبزار من حديث أبي ذر وعند أبي مسلم الكجي من حديث بن عباس وعند الطبراني في الأوسط من حديث أنس وابن عمر وعند أبي نعيم في الحلية من حديث أبي بكر الصديق ورواه بن خزيمة من حديث جابر بلفظ كمفحص قطاة أو أصغر وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع فيه بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره الولاء فيه ويؤيده رواية جابر هذه وقيل بل هو على ظاهره والمعنى أن يزيد في مسجد قدرا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو يشترك جماعة في بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر وهذا كله بناء على أن المراد بالمسجد ما يتبادر إلى الذهن وهو المكان الذي يتخذ الولاء فيه فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع
[ 454 ]
الجبهة فلا يحتاج إلى شئ مما ذكر لكن قوله بنى يشعر بوجود بناء على الحقيقة ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة من بنى لله بيتا أخرجه سمويه في فوائده بإسناد حسن وقوله في رواية عمر من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله أخرجه بن ماجة وابن حبان وأخرج النسائي نحوه من حديث عمرو بن عبسة فكل ذلك مشعر بأن المراد بالمسجد المكان المتخذ لا موضع السجود فقط لكن لا يمتنع إرادة الآخر مجازا إذ بناء كل شئ بحسبه وقد شاهدنا كثيرا من المساجد في طرق المسافرين يحوطونها إلى جهة القبلة وهي في غاية الصغر وبعضها لا تكون أكثر من قدر موضع السجود وروى البيهقي في الشعب من حديث عائشة نحو حديث عثمان وزاد قلت وهذه المساجد التي في الطرق قال نعم وللطبراني نحوه من حديث أبي قرصافة وإسنادهما حسن قوله قال بكير حسبت أنه أي شيخه عاصما بالإسناد المذكور قوله يبتغي به وجه الله أي يطلب به رضا الله والمعنى بذلك الإخلاص وهذه الجملة لم يجزم بها بكير في الحديث ولم أرها إلا من طريقه هكذا وكأنها ليست في الحديث بلفظها فإن كل من روى حديث عثمان من جميع الطرق إليه لفظهم من بنى لله مسجدا فكأن بكيرا نسيها فذكرها بالمعنى مترددا في اللفظ الذي ظنه فإن قوله لله بمعنى قوله يبتغي به وجه الله لاشتراكهما في المعنى المراد وهو الإخلاص فائدة قال بن الجوزي من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه بعيدا من الإخلاص انتهى ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص وأن كان يؤجر في الجملة وروى أصحاب السنن وابن خزيمة والحاكم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه المحتسب في صنعته والرامي به والممد به فقوله المحتسب في صنعته أي من يقصد بذلك إعانة المجاهد وهو أعم من أن يكون متطوعا بذلك أو بأجرة لكن الإخلاص لا يحصل إلا من المتطوع وهل يحصل النصارى المذكور لمن جعل بقعة من الأرض مسجدا بأن يكتفي بتحويطها من غير بناء وكذا من عمد إلى بناء كان يملكه فوقفه مسجدا إن وقفنا مع ظاهر اللفظ فلا وإن نظرنا إلى المعنى فنعم وهو المتجه وكذا قوله بنى حقيقة في المباشرة بشرطها لكن المعنى يقتضي دخول الآمر بذلك أيضا وهو المنطبق على استدلال عثمان رضي الله عنه لأنه استدل بهذا الحديث على ما وقع منه ومن المعلوم أنه لم يباشر ذلك بنفسه قوله بنى الله إسناد البناء إلى الله مجازا وإبراز الفاعل فيه لتعظيم ذكره جل اسمه أو لئلا تتنافر الضمائر أو يتوهم عوده على باني المسجد قوله مثله صفة لمصدر محذوف أي بني بناء مثله ولفظ المثل له استعمالان أحدهما الإفراد مطلقا كقوله تعالى فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا والآخر المطابقة كقوله تعالى أمم أمثالكم فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنية متعددة فيحصل جواب من استشكل التقييد بقوله مثله مع أن الحسنة بعشرة أمثالها لاحتمال أن يكون المراد بنى الله له عشرة أبنية مثله والأصل أن ثواب الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل والزيادة عليه بحكم الفضل وأما من أجاب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل نزول قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ففيه بعد وكذا من أجاب بأن التقييد بالواحد لا ينفي الزيادة عليه ومن الأجوبة المرضية أيضا أن المثلية هنا بحسب الكمية والزيادة حاصلة بحسب الكيفية فكم من بيت خير من عشرة بل من مائة أو أن المقصود من المثلية أن جزاء هذه الحسنة من جنس
[ 455 ]
البناء لا من غيره مع قطع النظر عن غير ذلك مع أن التفاوت حاصل قطعا بالنسبة إلى ضيق الدنيا وسعة الجنة إذ موضع شبر فيها خير من الدنيا وما فيها كما ثبت في الصحيح وقد روى أحمد من حديث واثلة بلفظ بنى الله له في الجنة أفضل منه وللطبراني من حديث أبي أمامة بلفظ أوسع منه وهذا يشعر بأن المثلية لم يقصد بها المساواة من كل وجه وقال النووي يحتمل أن يكون المراد أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا قوله في الجنة يتعلق ببني أو هو حال من قوله مثله وفيه إشارة إلى دخول فاعل ذلك الجنة إذ المقصود بالبناء له أن يسكنه وهو لا يسكنه إلا بعد الدخول والله أعلم قوله باب يأخذ أي الشخص بنصول جمع نصل ويجمع أيضا على نصال كما سيأتي في حديث الباب الذي بعده والنبل بفتح النون وسكون الموحدة وبعدها لام السهام العربية وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها وجواب الشرط في قوله إذا مر محذوف ويفسره قوله يأخذ أو التقدير يستحب لمن معه نبل أنه يأخذ الخ وسفيان المذكور في الإسناد هو بن عيينة وعمرو هو بن دينار ولم يذكر قتيبة في هذا السياق جواب عمرو عن استفهام سفيان كذا في أكثر الروايات وحكى عن رواية الأصيلي أنه ذكره في آخره فقال نعم ولم أره فيها وقد ذكره غير قتيبة أخرجه المصنف في الفتن عن على بن عبد الله عن سفيان مثله وقال في آخره فقال نعم ورواه مسلم من وجه آخر عن سفيان عن عمرو بغير سؤال ولا جواب لكن سياق المصنف يفيد تحقق الاتصال فيه وقد أخرجه الشيخان من غير طريق سفيان أيضا أخرجاه من طريق حماد بن زيد عن عمرو ولفظه أن رجلا مر في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها فأمر أن يأخذ بنصولها كي لا تخدش مسلما وليس في سياق المصنف كي وأفادت رواية سفيان تعيين الآمر المبهم في رواية حماد وأفادت رواية حماد بيان علة الأمر بذلك ولمسلم أيضا من طريق أبي الزبير عن جابر أن المار المذكور كان يتصدق بالنبل في المسجد ولم أقف على اسمه إلى الآن فائدة قال بن بطال حديث جابر لا يظهر فيه الإسناد لأن سفيان لم يقل إن عمرا قال له نعم قال ولكن ذكره البخاري في غير كتاب الصلاة وزاد في آخره فقال نعم فبان بقوله إسناد الحديث قلت هذا مبنى على المذهب المرجوح في اشتراط قول الشيخ نعم إذا قال له القارئ مثلا أحدثك فلان والمذهب الراجح الذي عليه أكثر المحققين ومنهم البخاري أن ذلك لا يشترط بل يكتفي بسكوت الشيخ إذا كان متيقظا وعلى هذا فالإسناد في حديث جابر ظاهر والله أعلم وفي الحديث إشارة إلى تعظيم قليل الدم وكثيره وتأكيد حرمة المسلم وجواز إدخال السلاح المسجد وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي سعيد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقليب السلاح في المسجد والمعنى فيه ما تقدم قوله باب المرور في المسجد أي جوازه وهو مستنبط من حديث الباب من جهة الأولوية فإن قيل ما وجه تخصيص حديث أبي موسى بترجمة المرور وحديث جابر بترجمة الأخذ بالنصال مع أن كلا من الحديثين يدل على كل من الترجمتين أجيب باحتمال أن يكون ذلك بالنظر إلى لفظ المتن فإن حديث جابر ليس فيه ذكر المرور من لفظ الفاء بخلاف حديث أبي موسى فإن فيه لفظ المرور مقصودا حيث جعل شرطا ورتب عليه الحكم وهذا بالنظر إلى اللفظ الذي وقع للمصنف على شرطه وإلا فقد رواه النسائي من طريق بن جريج عن أبي الزبير عن جابر بلفظ إذا مر أحدكم الحديث وعبد الواحد المذكور في الإسناد هو
[ 456 ]
بن زياد وأبو بردة بن عبد الله اسمه بريد وشيخه هو جده أبو بردة بن أبي موسى الأشعري وقد أخرجه المصنف في الفتن من طريق أبي أسامة عن بريد نحوه وكذا أخرجه مسلم من طريقه قوله أو أسواقنا هو تنويع من الفاء وليس شكا من الراوي والباء في قوله بنبل للمصاحبة قوله على نصالها ضمن الأخذ معنى الاستعلاء للمبالغة أو على بمعنى الباء كما تقدم في طريق حماد عن عمرو وسيأتي من طريق ثابت عن أبي بردة قوله لا يعقر أي لا يجرح وهو مجزوم نظرا إلى أنه جواب الأمر ويجوز الرفع قوله بكفه متعلق بقوله فليأخذ وكذا رواية الأصيلي لا يعقر مسلما بكفه ليس قوله بكفه متعلقا بيعقر والتقدير فليأخذ بكفه على نصالها لا يعقر مسلما ويؤيده رواية أبي أسامة فليمسك على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين لفظ مسلم وله من طريق ثابت عن أبي بردة فليأخذ بنصالها ثم ليأخذ بنصالها ثم ليأخذ بنصالها قوله باب الشعر في المسجد أي ما حكمه قوله عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة كذا رواه شعيب وتابعه إسحاق بن راشد عن الزهري أخرجه النسائي ورواه سفيان بن عيينة عن الزهري فقال عن سعيد بن المسيب بدل أبي سلمة أخرجه المؤلف في بدء الخلق وتابعه معمر عند مسلم وإبراهيم بن سعد وإسماعيل بن أمية عند النسائي وهذا من الاختلاف الذي لا يضر لأن الزهري من أصحاب الحديث فالراجح أنه عنده عنهما معا فكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وهذا من جنس الأحاديث التي يتعقبها الدارقطني على الشيخين لكنه لم يذكره فليستدرك عليه وفي الإسناد نظر من وجه آخر وهو على شرط التتبع أيضا وذلك أن لفظ رواية سعيد بن المسيب مر عمر في المسجد وحسان ينشد فقال كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم ألتفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله الحديث ورواية سعيد لهذه القصة عندهم مرسلة لأنه لم يدرك زمن المرور ولكنه يحمل على أن سعيدا سمع ذلك من أبي هريرة بعد أو من حسان أو وقع لحسان استشهاد أبي هريرة مرة أخرى فحضر ذلك سعيد ويقويه سياق حديث الباب فإن فيه أن أبا سلمة سمع حسان يستشهد أبا هريرة وأبو سلمة لم يدرك زمن مرور عمر أيضا فإنه أصغر من سعيد فدل على تعدد الاستشهاد ويجوز أن يكون التفات حسان إلى أبي هريرة واستشهاده به إنما وقع متأخرا لأن ثم لا أخذت على الفورية والأصل عدم التعدد وغايته أن يكون سعيد أرسل قصة المرور ثم سمع بعد ذلك استشهاد حسان لأبي هريرة وهو المقصود لأنه المرفوع وهو موصول بلا تردد والله أعلم قوله يستشهد أي يطالب الشهادة والمراد الإخبار بالحكم الشرعي وأطلق عليه الشهادة مبالغة في تقوية الخبر قوله أنشدك بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي سألتك الله والنشد بفتح النون وسكون المعجمة التذكر قوله أجب عن رسول الله في رواية سعيد أجب عني فيحتمل أن يكون الذي هنا بالمعنى قوله أيده أي قوه وروح القدس المراد هنا جبريل بدليل حديث البراء عند المصنف أيضا بلفظ وجبريل معك والمراد بالإجابة الرد على الكفار الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفي الترمذي من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار وذكر المزي في الأطراف أن البخاري أخرجه تعليقا نحوه وأتم منه لكني لم أره فيه قال بن بطال ليس في حديث الباب أن حسان أنشد شعرا في المسجد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لكن رواية البخاري في بدء الخلق من
[ 457 ]
طريق سعيد أخذت على أن قوله صلى الله عليه وسلم لحسان أجب عني كان في المسجد وأنه أنشد فيه ما أجاب به المشركين وقال غيره يحتمل أن البخاري أراد أن الشعر المشتمل على الحق حق بدليل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لحسان على شعره وإذا كان حقا جاز في المسجد كسائر الكلام الحق ولا يمنع منه كما يمنع من غيره من الكلام الخبيث واللغو الساقط قلت والأول أليق بتصرف البخاري وبذلك جزم المازري وقال إنما اختصر البخاري القصة لاشتهارها ولكونه ذكرها في موضع آخر انتهى وأما ما رواه بن خزيمة في صحيحه والترمذي وحسنه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المساجد وإسناده صحيح إلى عمرو فمن يصحح نسخته يصححه وفي المعنى عدة أحاديث لكن في أسانيدها مقال فالجمع بينها وبين حديث الباب أن يحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين والمأذون فيه ما سلم من ذلك وقيل المنهي عنه ما إذا كان التناشد غالبا على المسجد حتى يتشاغل به من فيه وأبعد أبو عبد الملك البوني فأعمل أحاديث النهي وادعى النسخ في حديث يأمر ولم يوافق على ذلك حكاه بن التين عنه وذكر أيضا أنه طرد هذه الدعوى فيما سيأتي من دخول أصحاب الحراب المسجد وكذا دخول المشرك قوله باب أصحاب الحراب في المسجد الحراب بكسر المهملة جمع حربة والمراد جواز دخولهم فيه ونصال حرابهم مشهورة وأظن المصنف أشار إلى تخصيص الحديث السابق في النهى عن المرور في المسجد بالنصل غير مغمود والفرق بينهما أن التحفظ في هذه الصورة وهي صورة اللعب بالحراب سهل بخلاف مجرد المرور فأنه قد يقع بغتة فلا يتحفظ منه قوله في الإسناد عن صالح هو بن جلس قوله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما في باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد فيه جواز ذلك في المسجد وحكى بن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة أما القرآن فقوله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع وأما السنة فحديث جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وتعقب بان الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد وهذا لا يثبت عن مالك فأنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث وفي بعضها أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم دعهم واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو وقال المهلب المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه وفي الحديث جواز النظر إلى اللهو المباح وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله وكرم معاشرته وفضل عائشة وعظيم محلها عنده وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب العيدين إن شاء الله تعالى قوله في باب حجرتي عند الأصيلي وكريمة على باب حجرني قوله يسترني بردائه يدل على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب ويدل على جواز نظر المرأة إلى الرجل وأجاب بعض من منع بأن عائشة كانت إذ ذاك صغيرة وفيه نظر لما ذكرنا وادعى بعضهم النسخ بحديث افعمياوان أنتما وهو حديث مختلف في صحته وسيأتي للمسألة مزيد بسط في موضعه إن شاء الله تعالى قوله وزاد إبراهيم بن المنذر يريد أن إبراهيم رواه من رواية يونس وهو بن يزيد عن
[ 458 ]
بن شهاب كرواية صالح لكن عين أن لعبهم كان بحرابهم وهو المطابق للترجمة وفي ذلك إشارة الى ان البخاري يقصد بالترجمة أصل الحديث لا خصوص السياق الذي يورده ولم اقف على طريق يونس من رواية إبراهيم بن المنذر موصولة نعم وصلها مسلم عن أبي طاهر بن السرح عن بن وهب ووصلها الاسماعيلي أيضا من طريق عثمان بن عمر عن يونس وفيه الزيادة قوله باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد مطابقة هذه الترجمة لحديث الباب من قوله ما بال أقوام يشترطون فإن فيه إشارة إلى القصة المذكورة وقد اشتملت على بيع وشراء وعتق وولاء ووهم بعض من تكلم على هذا الكتاب فقال ليس فيه أن البيع والشراء وقعا في المسجد ظنا منه أن الترجمة معقودة لبيان جواز ذلك وليس كما ظن للفرق بين جريان ذكر الشئ والاخبار عن حكمة فإن ذلك حتى وخير وبين مباشرة العقد فإن ذلك يفضى إلى اللغط المنهي عنه قال المازري واختلفوا في جواز ذلك في المسجد مع اتفاقهم على صحة العقد لو وقع ووقع لابن المنير في تراجمه وهم آخر فإنه زعم أن حديث هذه الترجمة هو حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال وشرع يتكلف لمطابقته لترجمة البيع والشراء في المسجد وإنما الذي في النسخ كلها في ترجمة البيع والشراء حديث عائشة وأما حديث أبي هريرة المذكور فسيأتي بعد أربعة أبواب بترجمة أخرى وكأنه انتقل بصره من موضع لموضع أو تصفح ورقة فانقلبت ثنتان قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة عن يحيى هو بن سعيد وللحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا يحيى قوله قالت أتتها فيه التفات إن كان فاعل قالت عائشة ويحتمل أن يكون الفاعل عمرة فلا التفات قوله تسألها في كتابتها ضمن تسأل معنى تستعين وثبت كذلك في رواية أخرى والمراد بقولها أهلك مواليك وحذف مفعول أعطيت الثاني لدلالة الكلام عليه والمراد بقية ما عليها وسيأتي تعيينه في كتاب العتق إن شاء الله تعالى قوله وقال سفيان مرة أي أن سفيان حدث به على وجهين وهو موصول غير معلق قوله ذكرته ذلك كذا وقع هنا بتشديد الكاف فقيل الصواب ما وقع في رواية مالك وغيره بلفظ ذكرت له ذلك لأن التذكير يستدعى سبق علم بذلك ولا يتجه تخطئة هذه الرواية لاحتمال السبق أو لا على وجه الإجمال قوله يشترطون شروطا ليس في كتاب الله كأنه ذكر باعتبار جنس الشرط ولفظ مائة للمبالغة فلا مفهوم له قوله في كتاب الله قال الخطابي ليس المراد أن ما لم ينص عليه في كتاب الله فهو باطل فإن لفظ الولاء لمن أعتق من قوله صلى الله عليه وسلم لكن الأمر بطاعته في كتاب الله فجاز إضافة ذلك إلى الكتاب وتعقب بأن ذلك لو جاز لجازت إضافة ما اقتضاه كلام الرسول صلع إليه والجواب عنه أن تلك الإضافة إنما هي بطريق العموم لا بخصوص المسألة المعينة وهذا مصير من الخطابي إلى أن المراد بكتاب الله هنا القرآن ونظير ما جنح إليه ما قاله بن مسعود لأم يعقوب في قصة الواشمه ما لي لا العن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ثم استدل على كونه في كتاب الله بقوله تعالى وما أتاكم الرسول فخذوه ويحتمل أن يكون المراد بقوله هنا في كتاب الله أي في حكم الله سواه ذكر في القرآن أم في السنة أو المراد بالكتاب المكتوب أي في اللوح المحفوظ وحديث عائشة هذا في قصة بريرة قد أخرجه البخاري في مواضع أخرى من البيوع والعتق وغيرهما واعتنى به جماعة
[ 459 ]
من الأئمة فافردوه بالتصنيف وسنذكر فوائده ملخصة مجموعة في كتاب العتق إن شاء الله تعالى قوله ورواه مالك وصله في باب المكاتب عن عبد الله بن يوسف عنه وصورة سياقه الإرسال وسيأتي الكلام عليه هناك قوله قال علي يعني بن عبد الله المذكور أول اباب ويحيى هو بن سعيد القطان وعبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي والحاصل أن علي بن عبد الله حدث البخاري عن أربعة أنفس حدثه كل منهم به عن يحيى بن سعيد الأنصاري وإنما أفرد رواية سفيان لمطابقتها الترجمة يذكر المنبر فيها ويؤيد ذلك أن التعليق عن مالك متأخر في رواية كريمة عن طريق جعفر بن عون قوله عن عمرة نحوه يعني نحو رواية مالك وقد وصله الاسماعيلي من طريق محمد بن بشار عن يحيى القطان وعبد الوهاب كلاهما عن يحيى بن سعيد قال أخبرتني عمرة أن بريرة فذكره وليس فيه ذكر المنبر أيضا وصورته أيضا الإرسال لكن قال في آخره فزعمت عائشة أنها ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فظهر بذلك اتصاله وافادت رواية جعفر بن عون التصريح بسماع يحيى من عمرة وبسماع عمرة من عائشة فأمن بذلك ما يخشى فيه من الإرسال المذكور وغيره وقد وصله النسائي والاسماعيلي أيضا من رواية جعفر بن عون وفيه عن عائشة قالت أتتني بريرة فذكر الحديث وليس في ذكر المنبر أيضا قوله باب التقاضى أي مطالبة الغريم بقضاء الدين والملازمة أي ملازمة الغريم وفي المسجد يتعلق بالأمرين فإن قيل التقاضى ظاهر من حديث الباب دون الملازمة أجاب بعض المتأخرين فقال كأنه أخذه من كون بن أبي حدرد لزمه خصمه في وقت التقاضى وكأنهما كانا ينتظران النبي صلى الله عليه وسلم ليفصل بينهما قال فإذا جازت الملازمة في حال الخصومة فجوازها بعد ثبوت الحق عند الحاكم أولى انتهى قلت والذي يظهر لي من عادة يطلق البخاري أنه أشار بالملازمة إلى ما ثبت في بعض طرقه وهو ما أخرجه هو في باب الصلح وغيره من طريق الأعرج عن عبد الله بن كعب عن أبيه أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي مال فلقيه فلزمه فتكلما حتى ارتفعت اصواتهما ويستفاد من هذه الرواية أيضا تسمية بن أبي حدرد وذكر نسبته فائدة قال الجوهري وغيره لم يأت من الأسماء على فعلع بتكرير العين غير حدرد وهو بفتح المهملة بعدها دال الركعة ساكنة ثم راء مفتوحة ثم دال الركعة أيضا قوله عن كعب هو بن مالك أبوه قوله دينا وقع في رواية زمعة بن صالح عن الزهري أنه كان اوقيتين أخرجه الطبراني قوله في المسجد متعلق بتقاضي قوله فخرج في إليهما رواية الأعرج فمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فظاهر الكلب التخالف وجمع بعضهم بينهما باحتمال أن يكون مر بهما أو لا ثم أن كعبا اشخص خصمه للمحاكمة فسمعهما النبي صلى الله عليه وسلم أيضا وهو في بينه قلت وفيه بعد لأن في الطريقين أنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى كعب بالوضيعة وأمر غريمه بالقضاء فلو كان أمره صلى الله عليه وسلم بذلك تقدم لهما لما أحتاج إلى الإعادة والأولى فيما يظهر لي أن يحمل المرور على أمر معنوى لا حسى قوله سجف بكسر المهملة وسكون الجيم وحكى فتح أوله وهو الستر وقيل أحد طرق الستر المفرج قوله أي الشطر بالنصب أي ضع الشطر لأنه تفسير لقوله هذا والمراد بالشطر النصف وصرح به في رواية الأعرج قوله لقد فعلت مبالغة في امتثال الأمر وقوله قم خطاب لابن أبي حدرد وفيه أشار إلى أنه
[ 460 ]
لا يجتمع الوضيعة والتأجيل وفي الحديث جواز رفع الصوت في المسجد وهو كذلك ما لم يتفاحش وقد أفرد له المصنف باب يأتي قريبا والمنقول عن مالك منعه في المسجد مطلقا وعنه التفرقة بين رفع الصوت بالعلم والخير وما لا بد منه فيجوز وبين رفعه باللغط ونحوه فلا قال المهلب لو كان رفع الصوت في المسجد لا يجوز لما تركهما النبي صلى الله عليه وسلم ولبين لهما ذلك قلت ولمن منع أن يقول لعله تقدم نهيه عن ذلك فاكتفى به واقتصر على التوصل بالطريق المؤدية إلى ترك ذلك بالصلح المقتضى لسترك المخاصمة الموجبة لرفع الصوت وفيه الاعتماد على الإشارة إذا فهمت والشفاعة إلى صاحب الحق واشارة الحاكم بالصلح وقبول الشفاعة وجواز ارخاء الستر على الباب قوله باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان أي منه قوله عن أبي رافع هو الصائغ تابعي كبير ووهم بعض الشراح فقال أنه أبو رافع الصحابي وقال هو من رواية صحابي عن صحابي وليس كما قال فإن ثابتا البناني لم يدرك أبا رافع الصحابي قوله أن رجلا أسود أو امرأة سوداء الشك فيه من ثابت لأنه رواه عنه جماعة هكذا أو من أبي رافع وسيأتي بعد باب من وجه آخر عن حماد بهذا الإسناد قال ولا أراه الا امرأة ورواه بن خزيمة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقال امرأة سوداء ولم يشك ورواه البيهقي بإسناد حسن من حديث بن بريدة عن أبيه فسماها أم محجن وأفاد أن الذي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله عنها أبو بكر الصديق وذكر بن منده في الصحابة خرقاء امرأة سوداء كانت تقم المسجد ووقع ذكرها في حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس وذكرها بن حبان في الصحابة بذلك بدون ذكر السند فإن كان محفوظا فهذا اسمها وكنيتها أم محجن قوله كان يقم المسجد بقاف مضمومة أي يجمع القمامة وهي الكناسة فإن قيل دل الحديث على كنس المسجد فمن أين يؤخذ التقاط الخرق وما معه أجاب بعض المتأخرين بأنه يؤخذ بالقياس عليه والجامع التنظيف قلت والذي يظهر لي من يطلق البخاري أنه أشار بكل ذلك إلى ما ورد في بعض طرقه صريحا ففي طريق العلاء المتقدمة كانت بلقط الخرق والعيدان من المسجد وفي حديث بريدة المتقدم كانت مولعة بلفظ القذى من المسجد والقذى بالقاف والذال المعجمة مقصور جمع قذاة وجمع الجمع اقذية قال أهل اللغة القذى في العين والشراب ما يسقط فيه ثم استعمل في كل شئ يقع في البيت وغيره إذا كان يسيرا وتكلف من لم يطلع على ذلك فزعم أن حكم الترجمة يؤخذ من إتيان النبي صلى الله عليه وسلم القبر حتى صلى عليه قال فيؤخذ من ذلك الترغيب في تنظيف المسجد قوله عنه أي عن حاله ومفعوله محذوف أي الناس قوله آذنتموني بالمدينة أي أعلمتوني زاد المصنف في الجنائز قال فحقروا شأنه وزاد بن خزيمة في طريق العلاء قالوا مات من الليل فكرهنا أن نوقظك وكذا في حديث بريدة زاد مسلم عن أبي كامل الجحدري عن حماد بهذا الإسناد في آخره ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وأن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم وإنما لم يخرج البخاري هذه الزيادة لأنها مدرجة في هذا الإسناد وهي من مراسيل ثابت بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب بيان المدرج قال البيهقي يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد بن عبدة أو من رواية ثابت عن أنس يعني كما رواه بن منده ووقع في مسند أبي داود الطيالسي عن حماد بن زيد وأبي عامر الخزاز كلاهما عن ثابت بهذه الزيادة
[ 461 ]
وزاد بعدها فقال رجل من الأنصار أن أبي أو أخي مات أو دفن فصل عليه قال فانطلق معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث فضل تنظيف المسجد والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير وندب الصلاة على الميت الحاضر عند قبره لمن لم يصل عليه والاعلام بالموت قوله باب تحريم تجارة الخمر في المسجد أي جواز ذكر ذلك وتبيين احكامه وليس مراده ما يقتضيه مفهومه من أن تحريمها مختص بالمسجد وإنما هو على حذف مضاف أي باب ذكر تحريم لها تقدم نظيره في باب ذكر البيع والشراء وموقع الترجمة أن المسجد منزه عن الفواحش فعلا وقولا لكن يجوز ذكرها فيه للتحذير منها ونحو ذلك كما دل عليه هذا الحديث قوله عن أبي حمزة هو السكري ومسلم هو بن صبيح أبو الضحى وسيأتي الكلام على حديث الباب في تفسير سورة البقرة إن شاء الله تعالى قال القاضي عياض كان تحريم الخمر قبل نزول آية الربا بمدة طويلة فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بتحريمها مرة بعد أخرى تأكيدا قلت ويحتمل أن يكون تحريم التجارة فيها تأخر عن وقت تحريم عينها والله أعلم قوله باب الخدم للمسجد في رواية كريمة الخدم في المسجد قوله وقال بن عباس هذا التعليق وصله بن أبي حاتم بمعناه قوله محررا أي معتقا والظاهر أنه كان في شرعهم صحة النذر في أولادهم وكأن غرض البخاري الإشارة بإيراد هذا إلى أن تعظيم المسجد بالخدمة كان مشروعا عند الأمم السالفة حتى أن بعضهم وقع منه نذر ولده لخدمته ومناسبة ذلك الحديث الباب من جهة صحة تبرع تلك المرأة بإقامة نفسها لخدمة المسجد لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لها على ذلك قوله حدثنا أحمد بن حكى حكى جده واسم أبيه عبد الملك وشيخه حماد هو بن زيد ورجاله إلى أبي هريرة بصريون قوله ولا أراه بضم الهمزة أي أظنه قوله فذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أي الذي تقدم قبل بباب قوله باب الأسير أو الغريم كذا للأكثر بأو وهي للتنويع وفي رواية بن السكن وغيره والغريم بواو العطف قوله حدثنا روح هو بن عبادة قوله تفلت بالفاء وتشديد اللام أي تعرض له فلتة أي بغتة وقال القزاز يعني توثب وقال الجوهري أفلت الشئ فانفلت وتفلت بمعنى قوله البارحة قال صاحب المنتهى كل زائل بارح ومنه سميت البارحة وهي أدنى ليلة زالت عنك قوله أو كلمة نحوها قال الكرماني الضمير راجع إلى البارحة أو إلى جملة تفلت على البارحة قلت رواه شبابة عن شعبة بلفظ عرض لي فشد على أخرجه المصنف في أواخر الصلاة وهو يؤيد الاحتمال الثاني ووقع في رواية عبد الرزاق عرض لي في صورة هر ولمسلم من حديث أبي الدراء جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي وللنسائي من حديث عائشة فأخذته فصرعته فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي وفهم بن بطال وغيره منه أنه كان حين عرض له غير متشكل بغير صورته الأصلية فقالوا أن رؤية الشيطان على صورته التي خلق عليها خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما غيره من الناس فلا لقوله تعالى انه يراكم هو وقبيله الآية وسنذكر بقية مباحث هذه المسألة في باب ذكر حيث ذكره المؤلف في بدء الخلق ويأتي الكلام على بقية فوائد حديث الباب في تفسير سورة ص قوله رب اغفر لي وهب لي كذا في رواية أبي ذر وفي بقية الروايات هنا رب هب لي قال الكرماني لعله ذكره على طريق الاقتباس لا على قصد التلاوة
[ 462 ]
قلت ووقع عند مسلم كما في رواية أبي ذر على نسق التلاوة فالظاهر أنه تغيير من بعض الرواة قوله قال روح فرده أي النبي صلى الله عليه وسلم رد العفريت خاسئا أي مطرود أو ظاهره أن هذه الزيادة في رواية روح دون رفيقه محمد بن جعفر لكن أخرجه المصنف في أحاديث الأنبياء عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر وحده وزاد في آخره أيضا فرده خاسئا ورواه مسلم من طريق النضر عن شعبة بلفظ فرده الله خاسئا قوله باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد هكذا في أكثر الروايات وسقط للاصيلي وكريمة قوله وربط الأسير الخ وعند بعضهم باب بلا ترجمة وكأنه فصل من الباب الذي قبله ويحتمل أن يكون بيض للترجمة فسد بعضهم البياض بما ظهر له ويدل عليه أن الاسماعيلي ترجم عليه باب دخول المشرك المسجد وأيضا فالبخاري لم تجر عادته بإعادة لفظ الترجمة عقب الأخرى والاغتسال إذا أسلم لاتعلق له بأحكام المساجد الا على بعد وهو أن يقال الكافر جنب غالبا والجنب ممنوع من المسجد الا لضرورة فلما أسلم لم تبق ضرورة للبثه في المسجد جنبا فاغتسل لتسوغ له اشتراط في المسجد وادعى بن المنير أن ترجمة هذا الباب ذكر البيع والشراء في المسجد قال ومطابقتها لعقة ثمامة أن من تخيل منع ذلك أخذه من عموم قوله إنما بنيت المساجد لذكر الله فأراد البخاري أن هذا العموم مخصوص بأشياء غير ذلك منها ربط الأسير في المسجد فإذا جاز ذلك للمصلحة فكذلك يجوز البيع والشراء للمصلحة في المسجد قلت ولا يخفى ما فيه من التكلف وليس ما ذكره من الترجمة مع ذلك في شئ من نسخ البخاري هنا وإنما تقدمت قبل خمسة أبواب لحديث عائشة في قصة بريرة ثم قال فإن قيل إيراد قصة ثمامة في الترجمة التي قبل هذه وهي باب الأسير يربط في المسجد أليق فالجواب أنه يحتمل أن البخاري آثر الاستدلال بقصة العفريت على قصة ثمامة لأن الذي هم بربط العفريت هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي تولى ربط ثمامة غيره وحيث رآه مربوطا قال اطلقوا ثمامة قال فهو بأن يكون إنكارا لربطه أولى من أن يكون تقريرا انتهى وكأنه لم ينظر سياق هذا الحديث تاما لا في البخاري ولا في غيره فقد أخرجه البخاري في أو اخر المغازي من هذا الوجه بعينه مطولا وفيه أنه صلى الله عليه وسلم مر على ثمامة ثلاث مرات وهو مربوط في المسجد وإنما أمر بإطلاقه في اليوم الثالث وكذا أخرجه مسلم وغيره وصرح بن إسحاق في المغازي من هذا الوجه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بربطه فبطل ما تخيله بن المنير وإني لا تعجب منه كيف جوز أن الصحابة يفعلون في المسجد أمر لا يرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كلام فاسد مبنى على فاسد فالحمد لله على التوفيق قوله وكان شريح يأمر الغريم أن يحبس قال بن مالك فيه وجهان أحدهما أن يكون الأصل يأمر بالقريم وأن يحبس بدل اشتمال ثم حذفت الباء ثانيهما أن معنى قوله أن يحبس أي ينجس فجعل المطاوع موضع المطاوع لاستلزامه إياه انتهى والتعليق المذكور في رواية الحموي دون رفقته وقد وصله معمر عن أيوب عن بن سيرين قال كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه في المسجد الى ان يقوم بما عليه فإن أعطى الحق وإلا أمر به الى السجن قوله خيلا أي فرسانا والأصل إنهم كانوا رجالا على خيل وثمامة بمثلثة مضمومة وأثال بضم الهمزة بعدها مثلثة خفيفة قوله الى نخل في أكثر الروايات بالخاء المعجمة وفي النسخة المقروءة على أبي الوقت بالجيم وصوبها بعضهم وقال
[ 463 ]
والنجل الماء القليل النابع وقيل الجاري قلت ويؤيد الرواية الأولى أن لفظ بن خزيمة في صحيحه في هذا الحديث فانطلق الى حائط أبي طلحة وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث حيث أورده المصنف تاما إن شاء الله تعالى قوله باب الخيمة في المسجد أي جواز ذلك قوله حدثنا زكريا بن يحيى هو البلخي الؤلؤى وكان حافظا وفي شيوخ البخاري زكريا بن يحيى أبو السكين وقد شارك البلخي في بعض شيوخه قوله أصيب سعد أي بن معاذ قوله في الأكحل هو عرق في اليد قوله خيمة في المسجد أي لسعد قوله فلم يرعهم أي بفزعهم بن قال الخطابي المعنى أنهم بينما هم في حال طمأنينة حتى أفزعتهم رؤية الدم فارتاعوا له وقال غيره المراد بهذا اللفظ السرعة لا نفس الفزع قوله وفي المسجد خيمة هذه الجملة معترضة بين الفعل والفاعل والتقدير فلم يرعهم الا الدم والمعنى فراعهم الدم قوله من قبلكم بكسر القاف أي من جهتكم قوله يغذو بغين وذال معجمتين أي يسيل قوله فمات فيها أي في الخيمة أو في تلك المرضة وفي رواية المستملى والكشميهني فمات منها أي الجراحة وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب المغازي حيث أورده المؤلف هناك بأتم من هذا السياق قوله باب إدخال البعير في المسجل للعلة أي للحاجة وفهم منه بعضهم أن المراد بالعلة الضعف فقال هو ظاهر في حديث أم سلمة دون حديث بن عباس ويحتمل أن يكون المصنف أشار بالتعليق المذكور إلى ما أخرجه أبو داود من حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى فطاف على راحلته وأما اللفظ المعلق فهو موصول عند المصنف كما سيأتي في كتاب الحد إن شاء الله تعالى ويأتي أيضا قول جابر أنه إنما طاف على بعيره ليراه الناس وليسألوه ويأتي الكلام على حديث أم سلمة أيضا في الحج وهو ظاهر فيما ترجم له ورجال إسناده مدنيون وفيه تابعيان محمد وعروة وصحابيتان زينب وأمها أم سلمة قال بن بطال في هذا الحديث جواز دخول الدواب التي يؤكل لحمها المسجد إذا احتيج إلى ذلك لأن بولها لا ينجسه بخلاف غيرها من الدواب وتعقب بأنه ليس في الدخول دلالة على عدم الجواز مع عدم الحاجة بل ذلك دائر على التلويث وعدمه فحيث يخشى التلويث يمتنع الدخول وقد قيل أن ناقته صلى الله عليه وسلم كانت منوقة أي مدربة معلمة فيؤمن منها ما يحذر من التلويث وهي سائرة فيحتمل أن يكون بعير أم سلمة كان كذلك والله أعلم قوله باب كذا هو في الأصل بلا ترجمة وكأنه بيض له فاستمر كذلك وأما قول بن رشيد إن مثل ذلك إذا وقع للبخاري كان كالفصل من الباب فهو حسن حيث يكون بينه وبين الباب الذي قبله مناسبة بخلاف مثل هذا الموضع وأما وجه تعلقه بأبواب المساجد فمن جهة أن الرجلين تأخري مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في تلك الليلة المظلمة لانتظار صلاة العشاء معه فعلى هذا كان يليق أن يترجم له فضل المشي الى المسجد في الليلة المظلمة ويلمح بحديث بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة وقد أخرجه أبو داود وغيره من حديث بريد وظهر شاهده في حديث الباب لاكرام الله تعالى هذين الصحابيين بهذا النور الظاهر وادخر لهما يوم القيامة ما هو أعظم وأتم من ذلك إن شاء الله تعالى وسنذكر بقية فوائد حديث أنس المذكور في كتاب المناقب فقد ذكر المصنف هناك أن الرجلين المذكورين هما أسيد بن خضير وعباد بن بشر قوله باب
[ 464 ]
الخوخة والممر في المسجد الخوخة باب صغير قد يكون بمصراع وقد لا يكون وإنما أصلها فتح في حائط قاله بن قرقول قوله عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد هكذا في أكثر الروايات وسقط في رواية الأصيلي عن أبي زيد ذكر بسر بن سعيد مضار عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد وهو صحيح في نفس الأمر لكن محمد بن سنان إنما حدث به كالذي وقع في بقي الروايات فقد نقل بن السكن عن الفربري عن البخاري أنه قال هكذا حدث به محمد بن سنان وهو خطأ وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد يعني بواو العطف فعلى هذا يكون أبو النضر سمعه من شيخين حدثه كل منهما به عن أبي سعيد وقد رواه مسلم كذلك عن سعيد بن منصور عن فليح عن أبي النضر عن عبيد وبسر جميعا عن أبي سعيد وتابعه يونس بن محمد عن فليح أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عنه ورواه أبو عامر العقدي عن فليح عن أبي النضر عن بسر وحده أخرجه المصنف في مناقب أبي بكر فكأن فليحا كان يجمعهما مرة ويقتصر مرة على أحدهما وقد رواه مالك عن أبي النضر عن عبيد وحده عن أبي سعيد أخرجه المصنف أيضا في الهجرة وهذا مما يقوي أن الحديث عند أبي النضر عن شيخين ولم يبق إلا أن محمد بن سنان أخطأ في حذف الواو العاطفة مع احتمال أن يكون الخطأ من فليح حال تحديثه له به ويؤيد هذا الاحتمال أن المعافى بن سليمان الحراني رواه عن فليح كرواية محمد بن سنان وقد نبه المصنف على أن حذف الواو خطأ فلم يبق للاعتراض عليه سبيل قال الدارقطني رواية من رواه عن أبي النضر عن عبيد عن بسر غير محفوظة قوله إن يكن الله خير عبدا كذا للأكثر وللكشميهني أن يكن لله عبد خير والهمزة في إن مكسورة على أنها شرطية وجوز بن التين فتحها على أنها تعليلية وفيه نظر قوله إن أمن الناس قال النووي قال العلماء معناه أكثرهم جودا لنا بنفسه وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأن المنة لله ولرسوله في قبول ذلك وقال القرطبي هو من الامتنان والمراد أن أبا بكر له من الحقوق ما لو كان لغيره نظيرها لا متن بها يؤيده قوله في رواية بن عباس ليس أحدا أمن على والله أعلم قوله ولكن إخوة الإسلام كذا للأكثر وللأصيلي ولكن خوة الإسلام بحذف الألف كأنه نقل حركة الهمزة الى النون وحذف الهمزة فعلى هذا يجوز ضم نون لكن كما قاله بن مالك وخبر هذه الجملة محذوف والتقدير أفضل كما وقع في حديث بن عباس الذي بعده ولكن فيه خلة الإسلام ويأتي ما في ذلك من الاشكال وبيانه في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى وبين حديث بن عباس أيضا أن ذلك كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم وذلك لما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فلذلك استثنى خوخته بخلاف غيرهن وقد قيل إن ذلك من جملة الإشارات إلى استخلافه كما سيأتي أيضا قوله غير خوخة أبي بكر كذا للأكثر وللكشميهني الا بدل غير قوله باب الأبواب والغلق بفتح المعجمة واللام أي ما يغلق به الباب قوله قال لي عبد الله بن محمد هو الجعفي وسفيان هو بن عيينة وعبد الملك هو اسم بن جريج وقوله لو رأيت محذوف الجواب وتقديره لرأيت عجبا أو حسنا لإتقانها أو يستوزر ونحو ذلك وهذا السياق يدل على أنها في ذلك الوقت كانت قد اندرست قوله قالا حدثنا حماد بن يزيد
[ 465 ]
لم يقل الأصيلي بن زيد وسيأتي الكلام على حديث بن عمر هذا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قال بن بطال الحكمة في غلق الباب حينئذ لئلا يظن الناس أن الصلاة فيه سنة فيلتزمون ذلك كذا قال ولا يخفى ما فيه وقال غيره يحتمل أن يكون ذلك لئلا يزدحموا عليه لتوفر دواعيهم على مراعاة أفعاله ليأخذوها عنه أو ليكون ذلك اسكن لقلبه واجمع لخشوعه وإنما ادخل معه عثمان لئلا يظن أنه عزل عن ولاية الكعبة وبلالا وأسامة لملازمتهما خدمته وقيل فائدة ذلك التمكن من الصلاة في جميع جهاتها لأن الصلاة إلى جهة الباب وهو مفتوح لا تصح قوله باب دخول المشرك المسجد هذه الترجمة ترد على الاسماعيلي حيث يرجم بها فيما مضى بدل ترجمة الاغتسال إذا أسلم وقد يقال إن في هذه الترجمة بالنسبة إلى ترجمة الأسير يربط في المسجد تكرارا لأن ربطه فيه يستلزم ادخاله لكن يجاب عن ذلك بأن هذا أعم من ذاك وقد اختصر المصنف الحديث مقتصرا على المقصود منه وسيأتي تاما في المغازي وفي دخول المشرك المسجد مذاهب فمن الحنفية الجواز مطلقا وعن المالكية والمزني المنع مطلقا وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره للآية وقيل يؤذن للكتابي خاصة وحديث الباب يرد عليه فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب قوله باب رفع الصوت في المسجد أشار بالترجمة إلى الخلاف في ذلك فقد كرهه مالك مطلقا سواء كان في العلم أم في غيره وفرق غيره بين ما يتعلق بغرض ديني أو نفع دنيوي وبين ما لا فائدة فيه وساق البخاري في الباب حديث عمر الدال على المنع وحديث كعب الدال على عدمه إشارة منه إلى أن المنع فيما لا منفعة فيه وعدمه فيما تلجئ الضرورة إليه وقد تقدم البحث فيه في باب التقاضي ووردت أحاديث في النهي عن رفع الصوت في المساجد لكنها ضعيفة أخرج بن ماجة بعضها فكأن المصنف أشار إليها قوله حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن في رواية الاسماعيلي الجعد بن أوس وهو هو فإن اسمه الجعد وقد يصغر وهو بن عبد الرحمن بن أوس فقد ينسب إلى جده قوله حدثني يزيد بن خصيفة هو بن عبد الله بن خصيفة نسب إلى جده وروى حاتم بن إسماعيل هذا الحديث عن الجعيد عن السائب بلا واسطة أخرجه الاسماعيلي والجعيد صح سماعه من السائب كما تقدم في الطهاره فليس هذا الاختلاف قادحا وعند عبد الرزاق له طريق أخري عن نافع قال كان عمر يقول لا تكثروا اللغط فدخل المسجد فإذا هو برجلين قد ارتفعت اصواتهما فقال إن مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت الحديث وفيه انقطاع لأن نافعا لم يدرك ذلك الزمان قوله كنت قائما في المسجد كذا في الأصول بالقاف وفي رواية نائما بالنون ويؤيده رواية حاتم عن الجعيد بلفظ كنت مضطجعا قوله فحصبني أي رماني بالحصباء قوله فإذا عمر الخبر محذوف تقديره قائم أو نحوه ولم اقف على تسمية هذين الرجلين لكن في رواية عبد الرزاق إنهما ثقفيان قوله لو كنتما يدل على أنه كان تقدم نهيه عن ذلك وفيه المعذرة لأهل الجهل بالحكم إذا كان مما يخفى مثله قوله لأوجعتكما زاد الاسماعيلي جلدا ومن هذه الجهة تبين كون هذا الحديث له حكم الرفع لأن عمر لا يتوعدهما بالجلد إلا على مخالفة أمر توقيفي قوله ترفعان هو جواب عن سؤال مقدر كأنهما قالا له لم توجعنا قال لأنكما ترفعان وفي رواية الاسماعيلي برفعكما أصواتكما وهو يؤيد ما قدرناه وقد تقدم توجيه جمع أصواتكما في حديث يعذبان في قبورهما قوله حدثنا احمد في رواية أبي على الشبوي عن
[ 466 ]
الفربري حدثنا أحمد بن صالح وبذلك جزم بن السكن وقد تقدم الكلام على حديث كعب في باب التقاضي قبل عشرة أبواب أو نحوها وقوله هنا حتى سمعها في رواية الأصيلي سمعها قوله باب الحلق بفتح المهملة ويجوز كسرها واللام مفتوحه على كل حال جمع حلقة بإسكان اللام على غير قياس وحكى فتحها أيضا قوله عن عبيد الله هو بن عمر العمري قوله سأل رجل لم اقف على اسمه قوله ما ترى أي ما رأيك من الرأي ومن الرؤية بمعنى العلم ومثنى مثنى بغير تنوين أي اثنتين اثنتين وكرر تأكيدا قوله فأوترت بفتح الراء أي تلك الموحدة قوله وأنه كان يقول بكسر الهمزة على الاستئناف وقائل ذلك هو نافع والضمير لابن عمر قوله صارت هي في رواية الكشميهني والأصيلي فقط قوله في طريق أيوب عن نافع توتر بالجزم جوابا للأمر وبالرفع على الاستئناف وزاد الكشميهني والأصيلي لك قوله قال الوليد بن كثير هذا التعليق وصله مسلم من طريق أبي أسامة عن الوليد وهو بمعنى حديث نافع عن بن عمر وسيأتي الكلام على ذلك مفصلا في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى وأراد البخاري بهذا التعليق بيان أن ذلك كان في المسجد ليتم له الاستدلال لنا ترجم له وقد اعترضه الاسماعيلي فقال ليس فيما ذكر دلالة على الحلق ولا على الجلوس في المسجد بحال وأجيب بأن كونه كان في المسجد صريح من هذا المعلق وأما التحلق فقال المهلب العطار البخاري جلوس الرجال في المسجد حول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بالتحلق حول العالم لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لا يكون في المسجد وهو على المنبر إلا وعنده جمع جلوس محدقين به كالمتحلقين والله اعلم وقال غيره حديث بن عمر يتعلق بأحد ركني الترجمة وهو الجلوس وحديث أبي حكى يتعلق بالركن الآخر وهو التحلق وأما ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال مالكا أراكم عزين فلا معارضة بينه وبين هذا لأنه إنما كره تحلقهم على ما لا فائدة فيه ولا منفعة بخلاف تحلقهم حوله فإنه كان لسماع العلم والتعلم منه قوله بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد زاد في العلم والناس معه وهو أصرح فيما ترجم له قوله فرأى فرجة زاد في العلم في الحلقه وزادها الأصيلي والكشميهني أيضا في هذه الرواية وقد تقدم الكلام على فوائده في كتاب العلم قوله باب الاستلقاء في المسجد زاد في نسخة الصغاني ومد الرجل قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي قوله عن عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني قوله واضعا إحدى رجليه على الأخرى قال الخطابي فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة والجواز حيث يؤمن ذلك قلت الثاني أولى من ادعاء النسخ لأنه لا يثبت بالاحتمال وممن جزم به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين وجزم بن بطال ومن تبعه بأنه منسوخ وقال المازري إنما بوب على ذلك لأنه وقع في كتاب أبي داود وغيره لا في الكتب الصحاح النهي عن أن يضع إحدى رجليه على الأخرى لكنه عام لأنه قول يتناول الجميع واستلقاؤه في المسجد فعل قد يدعى قصره عليه فلا يؤخذ منه الجواز لكن لما صح أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك دل على أنه ليس خاصا
[ 467 ]
به صلى الله عليه وسلم بل هو جائز مطلقا فإذا تقرر هذا صار بين الحديثين تعارض فيجمع بينهما فذكر نحو ما ذكره الخطابي وفي قوله عن حديث النهي ليس في الكتب الصحاح إغفال فإن الحديث عند مسلم في اللباس من حديث جابر وفي قوله فلا يؤخذ منه الجواز نظر لأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال والظاهر أن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز وكان ذلك في وقت الاستراحة لا عند مجتمع الناس لما عرف من عادته من الجلوس بينهم بالوقار التام صلى الله عليه وسلم قال الخطابي وفيه جواز الاتكاء في المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة وقال الداودي فيه إن الأجر الوارد للابث في المسجد لا يختص بالجالس بل يحصل للمستلقي أيضا قوله وعن بن شهاب عن سعيد بن المسيب هو معطوف على الإسناد المذكور وقد صرح بذلك أبو داود في روايته عن القعنبي وهو كذلك في الموطأ وقد غفل عن ذلك من زعم أنه معلق قوله باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس قال المازري بناء المسجد في ملك المرء جائز بالإجماع وفي غير ملكه ممتنع بالإجماع وفي المباحات حيث لا يضر بأحد جائز أيضا لكن شذ بعضهم فمنعه لأن مباحات الطرق موضوعة لانتفاع الناس فإذا بني بها مسجد منع انتفاع بعضهم فأراد البخاري الرد على هذا القائل واستدل بقصة أبي بكر لكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره قلت والمنع المذكور مروي عن ربيعة ونقله عبد الرزاق عن علي وابن عمر لكن بإسنادين ضعيفين قوله وبه قال الحسن يعني أن المذكورين بن ورد التصريح عنهم بهذه المسألة وإلا فالجمهور على ذلك كما تقدم قوله فأخبرني عروة هو معطوف على مقدر والمراد بابوي عائشة أبو بكر وأم رومان وهو دال على تقدم إسلام أم رومان قوله ثم بدا لأبي بكر اختصر المؤلف المتن هنا وقد ساقه في كتاب الهجرة مطولا بهذا الإسناد فذكر بعد قوله وعشية وقبل قوله ثم بدا قصة طويلة في خروج أبي بكر عن مكة ورجوعه في جوار بن الدغنة واشتراطه عليه أن لا يستعلن بعبادته فعند فراغ القصه قال ثم بدا لأبي بكر أي ظهر له رأى فبنى مسجدا فذكر باقي القصة مطولا كما سيأتي الكلام عليه مبسوطا هناك إن شاء الله تعالى ولم يجد بعض المتأخرين حيث شرح جميع الحديث هنا مع أنه لم يقع منه هنا سوى قدر يسير وقد اشتمل من فضائل الصديق على أمور كثيرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى قوله باب الصلاة في مسجد السوق ولغير أبي ذر مساجد موقع الترجمة الإشارة إلى أن الحديث الوارد في أن الأسواق شر البقاع وأن المساجد خير البقاع كما أخرجه البزار وغيره لا يصح إسناده ولو صح لم يمنع وضع المسجد في السوق لأن بقعة المسجد حينئذ تكون بقعة خير وقيل المراد بالمساجد في الترجمة مواضع إيقاع الصلاة لا الأبنية الموضوعة لذلك فكأنه قال باب الصلاة في مواضع الأسواق ولا يخفى بعده قوله وصلى بن عون كذا في جميع الأصول وصحفه بن المنير فقال وجه مطابقة الترجمة لحديث بن عمر مع كونه لم يصلي في سوق أن المصنف أراد أن يبين جواز بناء المسجد انظر السوق لئلا يتخيل متخيل من كونه محجورا منع الصلاة فيه لأن صلاة بن عمر كانت في دار تغلق عليهم فلم يمنع التحجير اتخاذ المسجد وقال الكرماني لعل غرض البخاري منه الرد على الحنفية حيث قالوا بامتناع اتخاذ المسجد في الدار المحجوبة عن الناس أه والذي في كتب الحنفية الكراهة لا التحريم وظهر بحديث أبي هريرة إن الصلاة في السوق مشروعة وإذا جازت الصلاة فيه فرادى كان أولى أن يتخذ فيه
[ 468 ]
مسجد للجماعة أشار إليه بن بطال وحديث أبي هريرة الذي ساقه المصنف هنا أخرجه بعد في باب فضل صلاة الجماعة ويأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى وزاد في هذه الرواية وتصلي الملائكة الخ وقد تقدمت في باب الحدث في المسجد من وجه آخر عن أبي هريرة قوله في هذه الرواية صلاة الجميع أي الجماعة وتكلف من قال التقدير في الجميع وقوله على صلاته أي الشخص قوله فان أحدكم كذا للأكثر بالفاء وللكشميهني بالموحدة وهي سببية أو للمصاحبة قوله فأحسن أي أسبغ الوضوء قوله ما لم يؤذ يحدث كذا للأكثر بالفعل المجزوم على البدلية ويجوز بالرفع على الاستئناف وللكشميهني ما لم يؤذ يحدث فيه بلفظ الجار والمجرور متعلقا بيؤذ والمراد بالحدث الناقض للوضوء ويحتمل أن يكون أعم من ذلك لكن صرح في رواية أبي داود من طريق أبي رافع عن أبي هريرة بالأول قوله باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره أورد فيه حديث أبي موسى وهو دال على جواز التشبيك مطلقا وحديث أبي هريرة وهو دال على جوازه في المسجد وإذا جاز في المسجد فهو في غيره أجوز ووقع في بعض الروايات قبل هذين الحديثين حديث آخر وليس هو في أكثر الروايات ولا استخرجه الاسماعيلي ولا أبو نعيم بل ذكره أبو مسعود في الأطراف عن رواية بن رميح عن الفربري وحماد بن شاكر جميعا عن البخاري قال حدثنا حامد بن عمر حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عاصم بن محمد حدثنا حكى يعني أخاه عن أبيه يعني محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبي عمر أو بن عمرو قال شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه قال البخاري وقال عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد قال سمعت هذا الحديث من أبي فلم أحفظه فقومه لي حكى عن أبيه قال سمعت أبي وهو يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس وقد ساقه القدرة في الجمع بين الصحيحين نقلا عن أبي مسعود وزاد هو قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا وشبك بين أصابعه الحديث وحديث عاصم بن علي الذي علقه البخاري وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له قال حدثنا عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد عن حكى سمعت أبي يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال بن بطال وجه إدخال هذه الترجمة في الفقه معارضة ما ورد في النهي عن التشبيك في المسجد وقد وردت فيه مراسيل ومسندة من طرق غير ثابته الله ه وكأنه يشير بالمسند إلى حديث كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة أخرجه أبو داود وصححه بن خزيمة وابن حبان وفي إسناده اختلاف ضعفه بعضهم بسببه وروى بن أبي شيبة من وجه آخر بلفظ إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه فإن التشبيك من الشيطان وأن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه وفي إسناده ضعيف مجهول وقال بن المنير التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث والذي في الحديث إنما هو لمقصود التمثيل وتصوير المعنى في النفس بصورة الحس قلت هو في حديث أبي موسى وابن عمر كما قال بخلاف حديث أبي هريرة وجمع الاسماعيلي بان النهي مقيد بما إذا كان في الصلاة أو قاصدا لها إذ منتظر الصلاة في حكم المصلي وأحاديث الباب الدالة على الجواز خالية عن ذلك أما
[ 469 ]
الأولان فظاهران وأما حديث أبي هريرة فلان فغشاهم إنما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه فهو في حكم المنصرف من الصلاة والرواية التي فيها النهي عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفة كما قدمنا فهي غير معارضه لحديث أبي هريرة كما قال بن بطال واختلف في حكمة النهي عن التشبيك فقيل لكونه من الشيطان كما تقدم في رواية بن أبي شيبة وقيل لأن التشبيك يجلب النوم وهو من مظان الحدث وقيل لأن صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف كما نبه عليه في حديث بن عمر فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في المنهي عنه وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وسيأتي الكلام عليه في موضعه ويأتي الكلام على حديث بن عمر في كتاب الفتن وعلى حديث أبي موسى في كتاب الأدب وعلى حديث أبي هريرة في سجود السهو وسفيان هو الثوري وأبو بردة هو بن عبد الله ووقع للكشميهني عن بريد وهو اسمه وقوله يشد بعضه في رواية المستملى شد بلفظ الماضي قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور كما جزم به أبو نعيم قوله إحدى صلاتي العشى كذا للأكثر والمستملي والحموي العشاء بالمد وهو وهم فقد صح أنها الظهر أو العصر كما سيأتي وابتداء العشى من أول الزوال قوله ووضع يده اليمني على ظهر كفه اليسرى عند الكشميهني خده الأيمن بدل يده اليمني وهو أشبه لئلا يلزم التكرم قوله فربما سألوه ثم سلم أي ربما سألوا بن سيرين هل في الحديث ثم سلم فيقول نبئت الخ وهذا يدل على أنه لم يسمع ذلك من عمران وقد بين أشعث في روايته عن بن سيرين الواسطة بينه وبين عمران فقال قال بن سيرين حدثني خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمه أبي المهلب عن عمران بن حصين أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي ووقع لنا عاليا في جزء الذهلي فظهر أن بن سيرين أبهم ثلاثة وروايته عن خالد من رواية الأكابر عن الأصاغر قوله باب المساجد التي على طرق المدينة أي في الطرق التي بين المدينة النبويه ومكة وقوله والمواضع أي الأماكن التي تجعل مساجد قوله وحدثني نافع القائل ذلك هو موسى بن عقبة ولم يسق البخاري لفظ فضيل بن سليمان بل ساق لفظ أنس بن عياض وليس في روايته ذكر سالم بل ذكر نافع فقط وقد دلت رواية فضيل على أن رواية سالم ونافع متفقان إلا في الموضع الواحد الذي أشار إليه وكأنه اعتمد رواية أنس بن عياض لكونه أتقن من فضيل ومحصل ذلك أن بن عمر كان يتبرك بتلك الأماكن وتشدده في الأتباع مشهور ولا يعارض ذلك ما ثبت عن أبيه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان فسال عن ذلك فقالوا قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال من عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا لأن ذلك من عمر أمرهم على أنه كره زيارتهم لمثل ذلك بغير صلاة أو خشي أن يشكل ذلك على من لا يعرف حقيقة الأمر فيظنه واجبا وكلا الأمرين مأمون من بن عمر وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى وأجابة
[ 470 ]
النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين قوله تحت سمرة أي شجرة ذات شوك وهي التي تعرف بأم غيلان قوله وكان في تلك الطريق أي طريق ذي الحليفة قوله بطن واد أي وادي العقيق قوله فعرس بمهملات والراء مشددة قال الخطابي التعريس نزول استراحة لغير إقامة وأكثر ما يكون في آخر الليل وخصه بذلك الأصمعي وأطلق أبو زيد قوله على الأكمة هو الموضع المرتفع على ما حوله وقيل هو تل من حجر واحد قوله كان ثم خليج تكرر لفظ ثم في هذه القصه وهو بفتح المثلثة والمراد به الجهة والخليج واد له عمق والكثب بضم الكاف والمثلثة جمع كثيب وهو رمل مجتمع قوله فرحا بالحاء المهملة أي دفع وفي رواية الاسماعيلي فدخل بالخاء المعجمة واللام ونقل بعض المتأخرين عن بعض الروايات قد جاء بالقاف والجيم على إنهما كلمتان حرف التحقيق والفعل الماضي من المجئ قوله وان عبد الله بن عمر حدثه أي بالإسناد المذكور إليه قوله بشرف الروحاء هي قرية جامعة على ليلتين من المدينة وهي آخر السيالة أجيالهم إلى مكة والمسجد الأوسط هو في الوادي المعروف الآن بوادي بني سالم وفي الآذان من صحيح مسلم أن بينهما ستة وثلاثين ميلا قوله يعلم المكان بضم أوله من أعلم يعلم من العلامة قوله يقول ثم عن يمينك قال القاضي عياض هو تصحيف والصواب بعواسج عن يمينك قلت توجيه الأول ظاهر وما ذكره إن ثبتت به رواية فهو أولي وقد وقع التوقف في هذا الموضع قديما فأخرجه الاسماعيلي بلفظ يعلم المكان الذي صلى قال في قوله يصلى إلى العرق أي عرق الظبية وهو واد معروف قاله أبو عبيد البكري ومنصرف الروحاء بفتح الراء أي آخرها قوله وقد ابتنى بضم المثناة مبني للمفعول قوله سرحة ضخمة أي شجرة عظيمة والرويثة بالراء والمثلثة مصغرا قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا ووجاه الطريق بكسر الواو أي مقابلة قوله بطح بفتح الموحدة وسكون الطاء وبكسرها أيضا أي واسع قوله حتى يفضي كذا للأكثر وللمستملى والحموي حين يفضى قوله دوين بريد الرويثة بميلين أي بينه وبين المكان الذي ينزل فيه البريد بالرويثة ميلان وقيل المراد بالبريد سكة الطريق قوله فانثنى بفتح المثلثه مبني للفاعل قوله تلعة بفتح المثناة وسكون اللام بعدها الركعة وهي مسيل الماء من فوق إلى أسفل ويقال أيضا لما ارتفع من الأرض ولما انهبط والعرج بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم قرية جامعة بينها وبين الرويثة ثلاثة عشر أو أربعة عشر ميلا والهضبة بسكون الضاد المعجمه فوق الكثيب
[ 471 ]
في الارتفاع ودون الجبل وقيل الجبل المنبسط على الأرض وقيل الأكمة الملساء والرضم الحجارة الكبار وأحدها رضمة بسكون الضاد المعجمه في الواحد والجمع ووقع عند الأصيلي بالتحريك قوله عند سلمات الطريق أي ما يتفرع عن جوانبه والسلمات بفتح المهملة وكسر اللام في رواية أبي ذر والأصيلي وفي رواية الباقين بفتح اللام وقيل هي بالكسر الصخرات وبالفتح الشجرات والسرحات بالتحريك جمع سرحة وهي الشجرة الضخمة كما تقدم قوله في مسيل دون هرشى المسيل المكان المنحدر وهرشى بفتح أوله وسكون الراء بعدها شين غدا مقصور قال البكري هو جبل على ملتقى طريق المدينة والشام قريب من الجحفه وكراع هرشي طرفها والغلوة بالمعجمة المفتوحة غاية بلغ السهم وقيل قدر ثلثي ميل قوله مر الظهران بفتح الميم وتشديد الراء وبفتح الظاء المعجمه وسكون الهاء هو الوادي الذي تسمية فضالة بطن مرو بإسكان الراء بعدها واو قال البكري بينه وبين مكة ستة عشر ميلا وقال أبو غسان سمي بذلك لأن في بطن الوادي كتابة بعرق من الأرض أبيض هجاء م د ا الميم منفصلة عن الراء وقيل سمي بذلك % أرى مائه قوله قبل المدينة بكسر القاف وبفتح الموحدة أي مقابلها والصفراوات بفتح المهملة وسكون الفاء جمع صفراء وهو مكان بعد مر الظهران قوله ينزل بذي طوى بضم الطاء للأكثر وبه جزم الجوهري وفي رواية الحموي والمستملي بذي الطوي بزيادة ألف ولام قيده الأصيلي بالكسر وحكى عياض وغيره الفتح أيضا قوله استقبل فرضتي الجبل الفرضة بضم الفاء وسكون الراء بعدها ضاد معجمه مدخل الطريق إلى الجبل وقيل الشق المرتفع كالشرافة ويقال أيضا لمدخل النهر تنبيهات الأول اشتمل هذا السياق على تسعة أحاديث أخرجها الحسن بن سفيان في مسنده مفرقة من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أنس بن عياض يعيد الإسناد في كل حديث إلا أنه لم يذكر الثالث وأخرجه مسلم منها الحديثين الأخيرين في كتاب الحج الثاني هذه المساجد لا يعرف اليوم منها غير مسجدي ذي الحليفة والمساجد التي بالروحاء يعرفها أهل تلك الناحية وقد وقع في رواية الزبير بن بكار في أخبار المدينة له عن طريق أخرى عن نافع عن بن عمر في هذا الحديث زيادة بسط في صفة تلك المساجد وفي الترمذي من حديث عمرو بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في وادي الروحاء وقال لقد صلى في هذا المسجد سبعون نبيا الثالث عرف من صنيع بن عمر استحباب تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك بها وقد قال البغوي من الشافعية إن المساجد التي ثبت إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها لو نذر أحد الصلاة في شئ منها تعين كما تتعين المساجد الثلاثة الرابع ذكر البخاري المساجد التي في طرق المدينة ولم يذكر المساجد التي كانت بالمدينة لأنه لم يقع له إسناد في ذلك على شرطه وقد ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة المساجد والأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مستوعبا وروى عن أبي غسان عن غير واحد من أهل العلم إن كل مسجد بالمدينة ونواحيها مبنى بالحجارة المنقوشة المطابقة فقد صلى فيه النبي صلى الله عليه
[ 472 ]
وسلم وذلك أن عمر بن عبد العزيز حين بنى مسجد المدينة سأل الناس وهم يومئذ متوافرون عن ذلك ثم بناها بالحجاره المنقوشة المطابقة أه وقد عين عمر بن شبة منها شيئا كثيرا لكن أكثره في هذا الوقت قد اندثر وبقي من المشهورة الآن مسجد قباء ومسجد الفضيخ وهو شرق مسجد قباء ومسجد بني قريظة ومشربة أم إبراهيم وهي شمالي مسجد بني قريظة ومسجد بني ظفر شرق البقيع ويعرف بمسجد البغلة ومسجد بني معاوية ويعرف بمسجد الإجابة ومسجد الفتح قريب من جبل سلع ومسجد القبلتين في بني سلمة هكذا أثبته بعض شيوخنا وفائدة معرفة ذلك ما تقدم عن البغوي والله أعلم قوله باب سترة الإمام سترة من خلفه أورد فيه ثلاثة أحاديث الثاني والثالث منها مطابقان للترجمة لكونه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أصحابه أن يتخدوا سترة غير سترته وأما الأول وهو حديث بن عباس ففي الاستدلال به نظر لأنه ليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى سترة وقد بوب عليه البيهقي باب من صلى إلى غير سترة وقد تقدم في كتاب العلم في الكلام على هذا الحديث في باب متى يصح سماع الصغير قول الشافعي أن المراد بقوله بن عباس إلى غير جدار أي إلى غير سترة وذكرنا تأييد ذلك من رواية البزار وقال بعض المتأخرين قوله إلى غير جدار لا ينفى غير الجدار إلا أن إخبار بن عباس عن مروره بهم وعدم إنكارهم ذلك مشعر بحدوث أمر لم يعهدوه فلو فرض هناك سترة أخرى غير الجدار لم يكن لهذا الإخبار فائدة إذ مروره حينئذ لا ينكره أحد أصلا وكان البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه ثم أيد ذلك بحديثي بن عمر وأبي جحيفة وفي حديث بن عمر ما يدل على المداومة وهو قوله بعد ذكر الحربة وكان يفعل ذلك في السفر وقد تبعه النووي فقال في شرح مسلم في كلامه على فوائد هذا الحديث فيه إن سترة الإمام سترة لمن خلفه والله أعلم قوله ناهزت الاحتلام أي قاربته وقد ذكرت الاختلاف في قدر عمره في باب تعليم الصبيان من كتاب فضيلة القرآن وفي باب الاختتان بعد الكبر من كتاب الاستئذان وتوجيه الجمع بين المختلف من ذلك وبيان الراجح من الأقوال ولله الحمد قوله يصلى بالناس بمنى كذا قال مالك وأكثر أصحاب الزهري ووقع عند مسلم من رواية بن عيينة بعرفة قال النووي يحمل ذلك على إنهما قضيتان وتعقب بان الأصل عدم التعدد ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث فالحق إن قول بن عيينة بعرفة شاذ وقع عند مسلم أيضا من رواية معمر عن الزهري وذلك في حجة الوداع أو الفتح وهذا الشك من معمر لا يعول عليه والحق إن ذلك كان في حجة الوداع قوله بعض الصف زاد المصنف في الحج من رواية بن أخي بن شهاب عن عمه حتى سرت بين يدي بعض الصف الأول انتهى وهو يعين أحد الاحتمالين اللذين ذكرناهما في كتاب العلم قوله فلم ينكر ذلك علي أحد قال بن دقيق العيد استدل بن عباس بترك الإنكار على الجواز ولم يستدل بترك إعادتهم الولاء لأن ترك الإنكار أكثر فائدة قلت وتوجيهه إن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط لا على جواز المرور وترك الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معا ويستفاد منه أن ترك الإنكار
[ 473 ]
حجة على الجواز بشرطه وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالاطلاع على الفعل ولا يقال لا يلزم مما ذكر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لاحتمال أن يكون الصف حائلا دون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له لأنا الفعل ولا يقال لا يلزم مما ذكر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لاحتمال أن يكون الصف حائلا دون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له لأنا نقول قد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى في الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه وتقدم أن في رواية المصنف في الحج أنه مر بين يدي بعض الصف الأول فلم يكن هناك حائل دون الرؤية ولو لم يرد شئ من ذلك لكان توفر دواعيهم على سؤاله صلى الله عليه وسلم عما يحدث لهم كافيا في الدلالة على اطلاعه على ذلك والله أعلم واستدل به على مرور الحمار لا يقطع الصلاة فيكون ناسخا لحديث أبي ذر الذي رواه مسلم في كون مرور الحمار يقطع الصلاة وكذا مرور المرأة والكلب الأسود وتعقب بان مرور الحمار متحقق في حال مرور بن عباس وهو راكبه وقد تقدم إن ذلك لا يضر لكون الإمام سترة لمن خلفه وأما مروره بعد أن نزل عنه فيحتاج إلى نقل وقال بن عبد البر حديث بن عباس هذا يخص حديث أبي سعيد إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه فإن ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه لحديث بن عباس هذا قال وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء وكذا نقل عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة لكن اختلفوا هل سترتهم سترة الإمام أم سترتهم الإمام نفسه أه فيه نظر لما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي أنه صلى بأصحابه في سفر وبين يديه سترة فمرت حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة وفي رواية له أنه قال لهم أنها لم تقطع صلاتي ولكن قطعت صلاتكم فهذا يعكر على ما نقل من الاتفاق ولفظ ترجمة الباب ورد في حديث مرفوع رواه الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصم عن أنس مرفوعا سترة الإمام سترة لمن خلفه وقال تفرد به سويد عن عاصم أه وسويد ضعيف عندهم ووردت أيضا في حديث موقوف على بن عمر أخرجه عبد الرزاق ويظهر أثر الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مر بين يدي الإمام أحمد فعلى قول من يقول إن سترة الإمام سترة من خلفه يضر صلاته وصلاتهم معا وعلى قول من يقول أن الإمام نفسه سترة من خلفه يضر صلاتهم ولا يضر صلاتهم وقد تقدمت بقية مباحث حديث بن عباس في كتاب العلم قوله حدثنا إسحاق قال أبو علي الجياني لم أجد إسحاق هذا منسوبا لأحد من الرواة قلت وقد جزم أبو نعيم وخلف وغيرهما بأنه إسحاق بن منصور قوله أمر بالحربة أي أمر خادمه بحمل الحربة وللمصنف في العيدين من طريق الأوزاعي عن نافع كان يغدو إلى المصلي والعنزة تحمل وتنصب بين يديه فيصلي إليها زاد بن ماجة وابن خزيمة والاسماعيلي وذلك أن المصلي كان فضاء ليس فيه شئ يستره قوله والناس بالرفع عطفا على فاعل فيصلى قوله وكان يفعل ذلك أي نصب الحربة بين يديه حيث لا يكون جدار قوله فمن ثم أي فمن تلك الجهة أتخذ الأمراء الحربة يخرج بها بين أيديهم في العيد ونحوه وهذه الجملة الأخيرة فصلها على بن مسهر من حديث بن عمر فجعلها من كلام نافع كما أخرجه بن ماجة وأوضحته في كتاب المدرج وفي الحديث الاحتياط للصلاه وأخذ آلة دفع الأعداء لا سيما في السفر وجواز الاستخدام وغير ذلك والضمير في اتخذها يحتمل عوده إلى الحربة نفسها أو إلى جنس الحربة وقد روى عمر بن شبة في أخبار المدينة من حديث سعد القرظ إن النجاشي أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حربة
[ 474 ]
فامسكها لنفسه فهي التي يمشي بها مع الإمام يوم العيد ومن طريق الليث أنه بلغه أن العنزة التي كانت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كانت لرجل من المشركين فقتله الزبير بن العوام يوم أحد فأخذها منه النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينصبها بين يديه إذا صلى ويحتمل الجمع بان عنزة الزبير كانت أولا قبل حربة النجاشي فائدة حديث أبي جحيفة أخرجه المصنف مطولا ومختصرا وقبل تقدم في الطهارة في باب استعمال فضل وضوء الناس وفي حديث ستر العوره من الصلاة في باب الصلاة في الثوب الأحمر وذكره أيضا هنا وبعد بابين أيضا وفي الآذان وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم في موضعين وفي اللباس في موضعين ومداره عنده على الحكم بن عتيبة وعلى عون بن أبي جحيفة كلاهما عن أبي جحيفة وعنده أحدهما ما ليس عند الآخر وقد سمعه شعبة منهما كما سيأتي واضحا قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء يعنى بطحاء مكة وهو موضع خارج مكة وهو الذي يقال له الأبطح وكذا ذكره من رواية أبى العميس عن عون وزاد من رواية آدم عن شعبة عن عون أن ذلك كان بالهاجرة فيستفاد منه كما ذكره النووي أنه صلى الله عليه وسلم جمع حينئذ بين الصلاتين في وقت الأولى منهما ويحتمل أن يكون قوله والعصر ركعتين أي بعد دخول وقتها قوله وبين يديه غنزة تقدم ضبطها وتفسيرها في الطهارة في حديث أنس وفي رواية أبي العميس جاء بلال فآذنه بالصلاة ثم خرج بالعنزة حتى ركزها بين يديه وأقام الصلاة وأول رواية عمر بن أبي زائدة عن عون عن أبيه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء من أدم ورأيت بلال أخذ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئا تمسح به ومن لم يصب منه شيئا أخذ من بلل يد صاحبه وفيها أيضا وخرج في حلة حمراء مشمرا وفي رواية مالك بن مغول عن عون كأني انظر إلى وبيص ساقيه وبين فيها أيضا أن الوضوء الذي ابتدره الناس كان فضل الماء الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم وكذا هو في رواية شعبة عن الحكم وفي رواية مسلم مع طريق الثوري عن عون ما يشعر بان ذلك كان بعد خروجه من مكة بقوله ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة قوله يمر بين يديه أي بين العنزة والقبلة لا بينه وبين العنزة ففي رواية عمر بن أبي زائدة في باب الصلاة في الثوب الأحمر ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة وفي الحديث من الفوائد التماس البركة مما لامسه الصالحون ووضع السترة للمصلى حيث يخشى المرور بين يديه والاكتفاء فيها بمثل غلظ العنزة وأن قصر الصلاة في السفر أفضل من الإتمام لما يشعر به الخبر من مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأن ابتداء القصر من حين مفارقة البلد الذي يخرج منه وفيه تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وفي استحباب تشمير الثياب لا سيما في السفر وكذا استصحاب العنزة ونحوها ومشروعية الأذان في السفر كما سيأتي في الأذان وجواز النظر إلى الساق وهو إجماع في الرجل حيث لا فتنة وجواز لبس الثوب الأحمر وفيه خلاف يأتي ذكره في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى قوله باب قدركم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة أي من ذراع ونحوه والمصلى بكسر اللازم على أنه اسم فاعل ويحتمل إن يكون بفتح اللازم أي المكان الذي يصلي فيه قوله عن أبيه في رواية أبي داود والاسماعيلي أخبرني أبي قوله عن سهل زاد الأصيلي بن سعد قوله كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مقامه في صلاته وكذا هو في رواية أبي
[ 475 ]
داود قوله وبين الجدار أي جدار المسجد مما يلي القبلة وصرح بذلك من طريق أبي غسان عن أبي حازم في الاعتصام قوله ممر الشاة بالرفع وكان تامة أو ممر اسم كان بتقدير قدر أو نحوه والظرف الخبر وأعربه الكرماني بالنصب على أن ممر خبر كان واسمها نحو قدر المسافة قال والسياق يدل عليه قوله عن سلمة يعني بن الأكوع هذا ثاني ثلاثيات البخاري قوله كان جدار المسجد كذا وقع في رواية مكي ورواه الاسماعيلي من طريق أبي عاصم عن زيد بلفظ كان المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بينه وبين حائظ القبلة إلا قدر ما تمر العنزة فتبين بهذا السياق أن الحديث مرفوع قوله تجوزها ولبعضهم أن تجوزها أي المسافة وهي ما بين المنبر والجدار فإن قيل من أين يطابق الترجمة أجاب الكرماني فقال من حيث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم بجنب المنبر أي ولم يكن لمسجده محراب فتكون مسافة ما بينه وبين الجدار وكما ما بين المنبر والجدار فكأنه قال والذي ينبغي أن يكون بين المصلي وسترته قدر ما كان بين منبره صلى الله عليه وسلم وجدار القبله وأوضح من ذلك ما ذكره بن رشيد أن البخاري أشار بهذه الترجمة إلى حديث سهل بن سعد الذي تقدم في باب الصلاة على المنبر والخشب فإن فيه أنه صلى الله عليه وسلم قام على المنبر حين عمل فصلى عليه فاقتضى ذلك أن ذكر المنبر يؤخذ منه موضع قيام المصلي فإن قيل إن في ذلك الحديث أنه لم يسجد على المنبر وإنما نزل فسجد في أصله وبين أصل المنبر وبين الجدار أكثر من ممر الشاة أجيب بان أكثر أجزاء الصلاة قد حصل في أعلى المنبر وإنما نزل عن المنبر لأن الدرجة لم تتسع لقدر سجوده فحصل به المقصود وأيضا فإنه لما سجد في أصل المنبر صارت الدرجة التي فوقه سترة له وهو قدر ما تقدم قال بن بطال هذا أقل ما يكون بين المصلي وسترته يعني قدر ممر المشاة وقيل أقل ذلك ثلاثة أذرع لحديث بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع كما سيأتي قريبا بعد خمسة أبواب وجمع الداودي بان أقله ممر الشاة وأكثره ثلاثة أذرع وجمع بعضهم بان الأول في حال القيام والقعود والثاني في حال الركوع والسجود وقال بن الصلاح قدروا ممر الشاة بثلاثة أذرع قلت ولا يخفى ما فيه وقال البغوي استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قد إمكان السجود وكذلك بين الصفوف وقد ورد الأمر بالدنو منها وفيه بيان الحكمة في ذلك وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث سهل بن أبي حثمة مرفوعا إذ صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته قوله باب الصلة الى الحربة ساق فيه حديث بن عمر مختصا وقد تقدم قبل بباب وقوله تركز أي تغرز في الأرض قوله باب الصلاة إلى العنزة ساق فيه حديث أبي جحيفة عن آدم من شعبة عن عون وقد تقدم الكلام عليه أيضا واعترض عليه في هذه الترجمة بان فيها تكرارا فإن العنزة هي الحربة لكن قد قيل إن الحربة إنما يقال لها عنزة إذا كانت قصيرة ففي ذلك جهة مغايرة قوله والمرأة والحمار يمرون من ورائها كذا ورد بصيغة الجمع فكأنه أراد الجنس ويؤيده رواية والناس والدواب يمرون كما تقدم أو فيه حذف تقديره وغيرهما أو المراد الحمار براكبه وقد تقدم بلفظ يمر بين يديه المرأة والحمار فالظاهر أن الذي وقع هنا من يطلق الرواة وقال بن التين الصواب يمران إذ في يمرون إطلاق صيغة الجمع على الإثنين وقال بن مالك أعاد ضمير الذكور العقلاء
[ 476 ]
على مؤنث ومذكر غير عاقل وهو مشكل والوجه فيه أنه أراد المرأة والحمار وراكبه فحذف الراكب لدلالة الحمار عليه ثم غلب تذكير الراكب المفهوم على تأنيث المرأة وذا العقل على الحمار وقد وقع الأخبار عن مذكور ومحذوف في قوله راكب البعير طريحان أي البعير وراكبه ثم ساق البخاري حديث أنس وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الطهارة قوله فيه ومعنا عكازة أو عصا أو عنزة كذا للأكثر بالمهملة النون والزاي المفتوحات وفي رواية المستملى والحموي أو غيره بالمعجمة والياء والراء أي سواه أي المذكور والظاهر أنه تصحيف قوله بالبطحاء فقد قدمنا أنها بطحاء مكة وقال بن المنير إنما خص مكة بالذكر دفعا لتوهم من يتوهم أن السترة قبلة ولا ينبغي أن يكون لمكة قبلة الا الكعبة فلا يحتاج فيها إلى سترة انتهى والذي أظنه أنه أراد أن ينكت على ما ترجم به عبد الرزاق حيث قال في باب لا يقطع الصلاة بمكة شئ ثم أخرج عن بن جريج عن كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جده قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في المسجد الحرام ليس بينه وبينهم أي الناس سترة وأخرجه من هذا الوجه أيضا أصحاب السنن ورجاله موثقون الا أنه معلول فقد رواه أبو داود عن أحمد عن بن عيينة قال كان بن جريج أخبرنا به هكذا فقيت كثرا فقال ليس من أبي سمعته ولكن عن بعض أهلي عن جدي فأراد البخاري التنبيه على ضعف هذا الحديث وأن لا فرق بين مكة وغيرها في مشروعية السترة واستدل على ذلك بحديث أبي جحيفة وقد قدمنا وجه الدلالة منه وهذا هو المعروف عند الشافعية وأن لا فرق في منع المرور بين يدي المصلي بين مكة وغيرها واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين دون غيرهم للضرورة وعن بعض الحنابلة جواز ذلك في جميع مكة قوله باب الصلاة إلى الإسطوانة أي السارية وهي بضم الهمزة وسكون السين المهملة وضم الطاء بوزن أفعوانه على المشهور وقيل بوزن فعلوانة والغالب أنها تكون من بناء بخلاف العمود فإنه من حجر واحد قال بن بطال لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى الحربة كانت الصلاة إلى الإسطوانة أولى لأنها أشد سترة قلت لكن أفاد ذكر ذلك التنصيص على وقوعه والنص أعلى من الفحوى قوله وقال عمر هذا التعليق وصله بن أبي شيبة والحميدي من طريق همدان وهو بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة وكان يزيد عمر أي رسوله إلى أهل اليمن عن عمر به ووجه الأحقية إنهما مشتركان في الحاجة إلى السارية المتخذة إلى الاستناد والمصلى لجعلها سترة لكن الأصيلي في عبادة محققة فكان أحق قوله ورأى بن عمر كذا ثبت في رواية أبي ذر والأصيل وغيرهما وعند بعض الرواة روى عمر بحذف بن وهو أشبه بالصواب فقد رواه بن أبي شيبة من طريق معاوية بن قرة بن إياس المزني عن أبيه وله صحبة قال رآني عمر وأنا أصلي فذكر مثله سواء لكن زاد فأخذ بقفاي وعرف بذلك تسمية المبهم المذكور في التعليق وأراد عمر بذلك أن تكون صلاته إلى سترة وأراد البخاري بإيراد أثر عمر هذا أن المراد بقول سلمة يتحرى الصلاة عندها أي إليها وكذا قول أنس يبتدرون السواري أي يصلون إليها قوله حدثنا المكي هو بن إبراهيم كما ثبت عند الأصيلي وغيره وهذا ثالث ثلاثيات البخاري وقد ساوى فيه البخاري شيخه أحمد بن حنبل فإنه أخرجه من مسنده عن مكي بن إبراهيم قوله التي عند
[ 477 ]
المصحف هذا دال على أنه أن للمصحف موضع خاص به ووقع عند مسلم بلفظ يصلي وراء الصندوق وكأنه كان للمصحف صندوق يوضع فيه والاسطوانة المذكورة حقق لنا بعض مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة المكرمة وأنها تعرف باسطوانة المهاجرين قال وروى عن عائشة أنها كانت تقول لو عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام وإنها أسرتها إلى بن الزبير فكان يكثر الصلاة عندها ثم وجدت ذلك في تاريخ المدينة لابن ماتت وزاد أن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها وذكره قبله محمد بن الحسن في أخبار المدينة قوله يا أبا مسلم هي كنية سلمة ويتحرى أي يقصد قوله حدثنا سفيان هو الثوري وعمرو بن عامر هو الكوفي الأنصاري لا والد أسد فإنه بجلى ولا عمرو بن عامر البصري فإنه سلمى قوله لقد رأيت في رواية المستملى والحموي لقد أدركت قوله عند المغرب أي عند آذان المغرب وصرح بذلك الاسماعيلي من طريق بن مهدي عن سفيان ولمسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس نحوه قوله وزاد شعبة عن عمرو هو بن عامر المذكور قد وصله المصنف في كتاب الآذان من طريق غندر عن شعبة فقال عن عمرو بن عامر الأنصاري وزاد فيه أيضا يصلون الركعتين قبل المغرب وسيأتي الكلام عليه هناك مع بقية مباحثه وتعيين من وقفنا عليه من كبار الصحابة المشار إليهم فيه إن شاء الله تعالى قوله باب الصلاة بين السواري في غير جماعه إنما قيدها بغير الجماعة لأن ذلك يقطع الصفوف وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب وقال الرافعي في شرح المسند احتج البخاري بهذا الحديث أي حديث بن عمر عن بلال على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين إذا لم يكن في جماعة وأشار إلى أن الأولى للمنفرد أن يصلي إلى السارية ومع هذه الأولوية فلا كراهة في الوقوف بينهما أي للمنفرد وأما في الجماعة فالوقوف بين الساريتين كالصلاة إلى السارية انتهى كلامه وفيه نظر لورود النهى الخاص عن الصلاة بين السواري كما رواه الحاكم من حديث أنس بإسناد صحيح وهو في السنن الثلاثة وحسنه الترمذي قال المحب الطبري كره قوم الصف بين السواري للنهى الوارد عن ذلك ومحل الكراهة عند عدم الضيق والحكمة فيه إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع النعال انتهى وقال القرطبي روى في سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين قوله حدثنا جويرية هو بالجيم بصيغة التصغير وهو بن أسماء الضبعي واتفق أن اسمه واسم أبيه من الأعلام المشتركة بين الرجال والنساء وقد سمع جويرية المذكور من نافع وروى أيضا عن مالك عنه قوله كنت أول الناس كذا في رواية أبي ذر والكريمة وفي رواية الأصيلي وابن عساكر وكنت بزيادة واو في أوله وهي أشبه ورواه الاسماعيلي من هذا الوجه فقال بعد قوله ثم خرج ودخل عبد الله على أثره أول الناس قوله بين العمودين المقدمين في رواية الكشميهني المتقدمين كذا في هذه الرواية وفي رواية مالك التي تليها جعل عمودا عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وليس بين الكلب مخالفة لكن قوله في رواية مالك وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة مشكل لأنه يشعر بكون ما عن يمينه أو يساره كان اثنين ولهذا عقبه البخاري برواية إسماعيل التي قال فيها عمودين عن يمينه ويمكن الجمع بين الكلب بأنه حيث ثنى أشار إلى ما كان عليه البيت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحيث أفرد أشار إلى ما صار إليه بعد ذلك ويرشد إلى ذلك قوله وكان البيت يومئذ لأن فيه
[ 478 ]
إشعارا بأنه تغير عن هيئته الأولى وقال الكرماني لفظ العمود جنس يحتمل الواحد والإثنين فهو بحمل بينته رواية وعمودين ويحتمل أن يقال لم تكن الأعمدة الثلاثة على سمت واحد بل اثنان على سمت والثالث على غير سمتهما ولفظ المقدمين في الحديث السابق مشعر به والله أعلم قلت ويؤيده أيضا رواية مجاهد عن بن عمر التي تقدمت في باب واتخدوا من مقام إبراهيم مصلى فان فيها بين الساريتين اللتين على يسار الداخل وهو صريح في أنه كان هناك عمودان على اليسار وأنه صلى بينهما فيحتمل أنه كان ثم عمود آخر عن اليمن لكنه بعيد أو غير سمعت العمودين فيصح قول من قال جعل عن يمينه عمودين وقول من قال جعل عمودا عن يمينه وجوز الكرماني احتمالا آخر وهو أن يكون هناك ثلاثة أعمدة مصطفة فصلى إلى جنب الأوسط فمن قال جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره لم يعتبر الذي صلى إلى جنبه ومن قال عمودين اعتبره ثم وجدته مسبوقا بهذا الاحتمال وأبعد منه قول من قال انتقل في الركعتين من مكان إلى مكان ولا تبطل الصلاة بذلك لقلته والله أعلم قوله وقال إسماعيل أي بن أبي أويس كذا في رواية أبي ذر والأصيلي قال مجردة وفي رواية كريمة قال لنا فوضح وصله وقد ذكر الدارقطني الاختلاف على مالك فيه فوافق الجمهور عبد الله بن يوسف في قوله عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره ووافق إسماعيل في قوله عمودين عن يمينه بن القاسم والقعنبي وأبو مصعب ومحمد بن الحسن وأبو حذافة وكذا الشافعي وابن مهدي في إحدى الكلب عنهما وقال يحيى بن يحيى النيسابوري فيما رواه عنه مسلم جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه عكس رواية إسماعيل وكذلك قال الشافعي وبشر بن عمر في إحدى الكلب عنهما وجمع بعض المتأخرين بين هاتين الكلب باحتمال تعدد الواقعة وهو بعيد لاتحاد مخرج الحديث وقد جزم البيهقي بترجيح رواية إسماعيل ومن وافقه وفيه اختلاف رابع قال عثمان بن عمر عن مالك جعل عمودين عن يمينه وعمودين عن يساره ويمكن توجيهه بان يكون هناك أربعة أعمدة اثنان مجتمعان واثنان منفردان فوقف عند المجتمعين لكن يعكر عليه قوله وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة بعد قوله وثلاثة أعمدة وراءه وقد قال الدارقطني لم يتابع عثمان بن عمر ذلك قوله باب كذا للأكثر بلا ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله وكأنه فصله عنه لأنه ليس فيه تصريح بكون الصلاة وقعت بين السواري لكن فيه بيان مقدار ما كان بينه وبين الجدار من المسافة وسقط لفظ باب من رواية الأصيلي قوله حتى يكون بينه وبين الجدار قريبا كذا وقع بالنصب على أنه خبر كان واسمها محذوف قوله من ثلاث أذرع كذا لأبي ذر ولغيره ثلاثة بالتأنيث والذراع يذكر ويؤنث قوله يتوخى بالمعجمة أي يقصد قوله قال أي بن عمر قوله أن يصلي كذا الكشميهني ولغيره أن صلى بلفظ الماضي ومراد بن عمر أنه لا يشترط في صحة الصلاة في البيت موافقة المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بل موافقة ذلك أولى وإن كان يحصل الغرض بغيره قوله باب الصلاة إلى الراحلة والبعير قال الجوهري الراحلة الناقة التي تصلح لأن يوضع الرحل عليها وقال الأزهري الراحلة المركوب النجيب ذكرا كان أو أنثى والهاء فيها للمبالغة والبعير يقال لما دخل في الخامسة قوله والشجر والرحل المذكور في حديث الباب الراحلة والرحل فكأنه ألحق البعير بالراحلة بالمعنى الجامع بينهما ويحتمل أن يكون أشار إلى ما ورد في
[ 479 ]
بعض طرقه فقد رواه أبو خالد الأحمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ كان يصلي إلى بعيره انتهى فإن كان هذا حديثا آخر حصل المقصود وإن كان مختصرا من الأول كان يكون المراد يصلي إلى مؤخرة رحل بعيره اتجه الاحتمال الأول ويؤيد الاحتمال الثاني ما أخرجه عبد الرزاق إن بن عمر كان يكره أن يصلي إلى بعير إلا وعليه رحل وسأذكره بعد وألحق الشجر بالرحل بطريق الأولوية ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث على قال لقد رايتنا يوم بدر وما فينا إنسان إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلي إلى شجرة يدعو حتى مطرف رواه النسائي بإسناد حسن قوله يعرض بتشديد الرأي أي يجعلها عرضا قوله قلت افرايت ظاهره أنه كلام نافع والمسؤول بن عمر لكن بين الاسماعيلي من طريق عبيدة بن حميد عن عبيد الله بن عمر أنه كلام عبيد الله والمسئول نافع فعلى هذا هو مرسل لأن فاعل يأخذ هو النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدركه نافع قوله هبت الركاب أي هاجت الإبل يقال هب الفحل إذا هاج وهب البعير في السير إذا نشط والركاب الإبل التي يسار عليها ولا واحد لها من لفظها والمعنى إن الإبل إذا هاجت شوشت على المصلي لعدم استقرارها فيعدل عنها إلى الرحل فيجعله سترة وقوله فيعدله بفتح أوله وسكون العين وكسر الدال أي يقيمة تلقاء وجهه ويجوز التشديد وقوله الى اخرته بفتحات بلا الفساد ويجوز المد ومؤخرته بضم أوله ثم همزة ساكنة وأما الخاء فجزم أبو عبيد بكسرها وجوز الفتح وأنكر بن قتيبة الفتح وعكس ذلك بن مكي فقال لا يقال مقدم ومؤخر بالكسر إلا في العين خاصة وأما في غيرها فيقال بالفتح فقط ورواه بعضهم بفتح الهمزة وتشديد الخاء والمراد بها العود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب قال القرطبي في هذا الحديث دليل على جواز التستر بما يستقر من الحيوان ولا يعارضه النهي عن الصلاة في معاطن الإبل لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء وكراهة الصلاة حينئذ عندها إما لشدة نتنها وإما لأنهم كانوا الموفقين بينها مستترين بها انتهى وقال غيره علة النهى عن ذلك كون الإبل خلقت من الشياطين وقد تقدم ذلك فيحمل ما وقع منه في السفر من الصلاة إليها على حالة الضرورة ونظيره صلاته إلى السرير الذي عليه المرأة لكون البيت كان ضيقا وعلى هذا فقول الشافعي في البويطي لا يستتر بامرأة ولا دابة أي في حال الاختيار وروى عبد الرزاق عن بن عيينة عن عبد الله بن دينار أن بن عمر كان يكره أن يصلي إلى بعير إلا وعليه رحل وكأن الحكمة في ذلك أنها في حال شد الرحل عليها أقرب إلى السكون من حال تجريدها تكملة اعتبر الفقهاء مؤخرة الرحل في مقدار أقل السترة واختلفوا في تقديرها بفعل ذلك فقيل ذراع وقيل ثلثا ذراع وهو أشهر لكن في مصنف عبد الرزاق عن نافع أن مؤخرة رحل بن عمر كانت قدر ذراع قوله باب الصلاة إلى السرير أورد فيه حديث الأسود بن عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسط السرير الذي هن مظجعة عليه واعترضه الاسماعيلي بأنه دال على الصلاة على السرير لا إلى السرير ثم أشار إلى أن رواية مسروق عن عائشة دالة على المراد لأن يسير كان يصلي والسرير بينه وبين القبلة كما سيأتي فكان ينبغي له ذكرها في هذا الباب وأجاب الكرماني عن أصل الاعتراض بأ حروف الجر تتناوب فمعنى قوله في الترجمة إلى السرير أي على السرير وادعى قبل ذلك أنه وقع في بعض الروايات بلفظ على السرير قلت ولا حاجة إلى الحمل المذكرو فإن قولها فيتوسط السرير
[ 480 ]
يشمل ما إذا كان فوقه أو أسفل منه وقد بان من رواية مسروق عنها أن المراد الثاني قوله أعدلتمونا هو استفهام إنكار من عائشة قالته لمن قال بحضرتها يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة كما سيأتي من رواية مسروق عنها بعد خمسة