عون المعبود
العظيم آبادي ج 14

[ 1 ]
عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية محتوى الجزء الرابع عشر : تتمة كتاب الادب . دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 3 ]
(باب ما يقول إذا هاجت الريح) في القاموس هاج يهيج هيجا وهيجانا ثار (الريح من روح الله) بفتح الراء بمعنى الرحمة كما في قوله تعالى ولا تيئسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون أي يرسلها الله تعالى من رحمته لعباده (فلا تسبوها) لأنها مأمورة (وسلوا الله خيرها) أي خير ما أرسلت به وفي بعض النسخ واسألوا الله (من شرها) أي من شر ما أرسلت به قال المنذري وأخرجه النسائي أيضا من حديث بن المسيب عن أبي هريرة ومن حديث عمر بن سليم الزرقي عن أبي هريرة والمحفوظ حديث ثابت بن قيس (مستجمعا) أي مبالغا في الضحك لم يترك منه شيئا يقال استجمع السيل اجمتع من كل موضع واستجمعت للمرء أموره اجتمع له ما يحبه فعلى هذا قوله ضاحكا منصوب على التمييز أي ما رأيته مستجمعا من جهة الضحك بحيث يضحك ضحكا تاما مقبلا بكليته على الضحك
[ 4 ]
(لهواته) بفتح اللام والهاء جمع لهاة وهي اللحمة التي بأعلى الحنجره الذي من أقصى الفم كذا في الفتح وفي المرقاة وهي لحمة مشرفه على الحلق وقيل هي قعر الفم قريب من أصل اللسان انتهى (غيما) أي سحابا عرف بصيغة المجهول (عرفت في وجهك الكراهية) بتخفيف الياء بمعنى الكراهة (ما يؤمنني) بنونين أي ما يجعلني آمنا وفي بعض النسخ يؤمني بواو ساكنة ونون مشددة وهكذا في بعض روايات البخاري (قد عذب قوم بالريح) هم عاد قوم هود حيث أهلكوا بريح صرصر (وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض) العارض السحاب الذي يعترض في أفق السماء (ممطرنا) أي ممطر إيانا قال القسطلاني ما محصله إنه قد تقرر أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى لكن ظاهر آية الباب أن المعذبين بالريح هم الذين قالوا هذا عارض والجواب أن القاعدة المذكورة إنما تطرد إذا لم يكن في السياق قرينة تدل على الاتحاد فإن كان هناك قرينة كما في قوله تعالى (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله فلا وعلى تقدير تسليم المغايرة مطلقا فلعل عادا قومان قوم بالأحقاف وهم أصحاب العارض وقوم غيرهم قال ويؤيده قوله تعالى وأنه أهلك عادا الأولى فإنه يشعر بأن ثم عادا أخرى انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (إذا رأى ناشئا) أي سحابا لم يتكامل اجتماعه وفي بعض النسخ شيئا (اللهم صيبا) هو ما سال من المطر ونصبه بتقدير اجعله وأصله من صاب يصوب إذا نزل ووزنه فيعل وقيل على الحال أي أنزله علينا مطرا نازلا (هنيئا) أي نافعا موافقا للغرض غير ضار قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه
[ 5 ]
(باب في المطر) (فحسر ثوبه عنه) أي كشف بعضه عن بدنه (لأنه حديث عهد بربه) أي بإيجاد ربه إياه يعني أي المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله لها فيتبرك بها وهو دليل على استحباب ذلك قال المنذري وأخرجه مسلم (باب في الديك والبهائم) قال في الصراح ديك بالكسر خروس جمعه ديكة وديوك (لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة) أي قيام الليل بصياحه فيه ومن أعان على طاعة يستحق المدح لا الذم قال المناوي جرت العادة بأنه يصرخ صرخات متتابعة إذا قرب الفجر وعند الزوال فطرة فطره الله عليها فلا يجوز اعتماده إلا إن جرب كذا في السراج المنير قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا (إذا سمعتم صياح الديكة) بكسر الدال وفتح الياء جمع ديك كقردة جمع قرد (فإنها رأت
[ 6 ]
ملكا) قال القاضي سببه رجاء تأمين الملائكة على الدعاء واستغفارهم وشهادتهم بالتضرع والإخلاص قاله النووي (نهيق الحمار) أي صوته (فتعوذوا بالله من الشيطان الخ) قيل في الحديث دلالة على نزول الرحمة عند حضور أهل الصلاح فيستحب الدعاء في ذلك الوقت وعلى نزول الغضب عند رؤية أهل المعصية فيستحب التعوذ قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (باب نهيق الحمار ونباح الكلاب) أي في بعض أجزاء الليل وهو قيد لهما أو للاخير قاله االقاري (فانهن يرين ما لا ترون) أي من الافات والنوازل النازلة من السماء . قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه . (قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ضمير التثنية لجابر بن عبد الله وعلي بن عمر بن حسين بن على فكان حديث جابر متصلا وحديث على بن عمر منقطعا لان حابرا صحابي وعليا تابعي (أقلوا الخروج) أي من البيوت (بعد هذاة) بقتح الهاء وسكون الدال وبعدها همزة (الرجل) بكسر الراء قال الخطابي أي بعد انقطاع الارجل عن المشي في الطريق ليلا وأصل الهداء السكون انتهى .
[ 7 ]
وفي النهاية الهداة والهدوء السكون عن الحركات أي ما بعد يسكن الناس عن المشي والاختلاف في الطرق (يبثهن) بضم الموحدة وتشديد المثلثة أي ينشرهن ويقرقهن (قال ابن مروان) هو ابراهيم المذكور في الاسناد (في تلك الساعة) أي ساعة هداة الارجل (وقال) أي (وزاد أي ابن مروان (قال ان الهاد) هو يزيد بن عبد الله . قال المنذي : سعيد بن زياد ضعيف وعلي بن عمر بن حسين بن علي لا صحبة له حدث عن أبيه فالحديث منقطع وشرحبيل هو ابن سعد أبو سعيد الانصاري الخطمي مولاهم الانصاري المدني لا يحتج به . (باب في المولود يؤذن في أذنه) (بالصلاة) أي بأذان الصلاة وهو متعلق بأذن والمعنى أذن بمثل أذان الصلاة وهذا يدل على سنية الأذان في أذن المولود وفي شرح السنة روى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان يؤذن في اليمني ويقيم في اليسرى إذا ولد الصبي كذا في المرقاة قلت قال الحافظ في التلخيص لم أره عنه مسندا وقد روى مرفوعا أخرجه ابن السني من حديث الحسين بلفظ من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمني وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان وأم الصبيان هي التابعة من الجن قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح هذا آخر كلامه وفي إسناده
[ 8 ]
عاصم بن عمر بن الخطاب وقد غمزه الإمام مالك وقال ابن معين ضعيف لا يحتج بحديثه وتكلم فيه غيرهما وانتقد عليه أبو حاتم محمد بن حبان البستي رواية هذا الحديث وغيره (أخبرنا أبو أسامة) هو حماد بن أسامة فأبو أسامة ومحمد بن فضيل كلاهما يرويان عن هشام بن عروة (يؤتى) بصيغة المجهول (بالصبيان) وكذا بالصبيات لأن ففيه تغليب (ويحنكهم) من التحنيك يقال حنك الصبي إذا مضغ تمرا فدلكه بحنكه (ولم يذكر بالبركة) أي لم يذكر يوسف في روايته لفظ بالبركة وفي الحديث دلالة على سنية تحنيك المولود والحديث سكت عنه المنذري (هل رئي) بصيغة المجهول (أو كلمة غيرها) شك من الراوي أي قال صلى الله عليه وسلم كلمة هل رئي أو قال كلمة أخرى غير هذه الكلمة (فيكم المغربون) قال في النهاية ومنه الحديث إن فيكم مغربين قيل وما المغربون قال الذين تشرك فيهم الجن سموا مغربين لأنه دخل فيهم عرق غريب أو جاءوا من نسب بعيد وقيل أراد بمشاركة الجن فيهم أمرهم إياهم بالزنا وتحسينه لهم فجاء أولادهم من غير رشده ومنه قوله تعالى وشاركهم في الأموال والأولاد انتهى وفي فتح الودود المغربون بكسر الراء المشددة قيل أي المبعدون عن ذكر الله تعالى عند الوقاع حتى شارك فيهم الشيطان وقيل المغرب من الإنسان من خلق من ماء الإنسان والجن وهذا معنى المشاركة لأنه دخل فيه عرق غريب أو جاء من نسب بعيد وقد انقطعوا عن أصولهم وبعد أنسابهم بمداخلة من ليس من جنسهم وقال صلى الله عليه وسلم هل تحس منكن امرأة أن الجن
[ 9 ]
تجامعها ولعله أراد ما هو معروف أن بعض النساء يعشق لها بعض الجن ويجامعها انتهى مختصرا وقال في القاموس والمغربون بكسر الراء المشددة في الحديث الذين تشرك فيهم الجن سموا به لأنه دخل فيهم عرق غريب أو لمجيئهم من نسب بعيد انتهى قال المنذري أم حميد هذه لم تنسب ولم يعرف لها اسم انتهى ومقصود المؤلف من إيراد الحديث في هذا الباب أن الأذان في أذن المولود له تأثير عجيب وأمان من الجن والشيطان كما للدعاء عند الوقاع له تأثير بليغ وحرز من الجن والشيطان والله أعلم (باب في الرجل يستعيذ من الرجل) (قال نصر) ابن علي في روايته (ابن أبي عروبة) أي سعيد بن أبي عروبة وأما عبيد الله فقال سعيد فقط من غير ذكر اسم أبيه (من استعاذ بالله فأعيذوه) قال العلقمي أي يسألكم بالله أن تلجئوه وقد إلى ملجأ يتخلص به من عدوه ونحوه فأعيذوه (ومن سألكم بوجه الله) أي شيئا من أمور الدنيا والآخرة أو العلوم (فأعطوه) إجلالا لمن سألكم به (قال عبيد الله) أي ابن عمر (من سألكم بالله) أي قال بالله مكان بوجه الله قال المنذري وأبو نهيك هذا ذكر البخاري أنه سمع عن ابن عباس روى عنه قتادة وحسين بن واقد وزياد بن سعد (من استعاذكم بالله) أي طلب الإعاذة مستعيذا بالله من ضرورة أو جائحة حلت به أو ظلم ناله أو تجاوز عن جناية (فأعيذوه) أي أعينوه وأجيبوه علي فإن إغاثة الملهوف فرض (وقال سهل) هو ابن بكار (وعثمان) هو ابن أبي شيبة (ومن دعاكم فأجيبوه) أي
[ 10 ]
وجوبا إن كان لوليمة عرس وندبا في غيرها ويحتمل من دعاكم لمعونة أو شفاعة قاله العزيزي ثم اتفقوا أي مسدد وسهل وعثمان (من آتى) من الإيتاء (فكافئوه) أي بمثله أو خير منه (فإن لم تجدوا) أي ما تكافئون به (فادعو له الخ) يعني من أحسن إليكم أي إحسان فكافئوه بمثله فإن لم تجدوا فبالغوا في الدعاء له جهدكم حتى تحصل المثلية قال المنذري وأخرجه النسائي وقد تقدم في كتاب الزكاة (باب في رد الوسوسة) الخواطر إن كانت تدعو إلى الرذائل فهي وسوسة وإن كانت إلى الفضائل فهي إلهام (أخبرنا أبو زميل) بالتصغير هو سماك بن الوليد (ماشئ) ما استفهامية (قال) أي أبو زميل (فقال) أي ابن عباس (أشئ من شك) أي ما تجده في صدرك أهو شئ من شك (وضحك) أي ابن عباس كما هو الظاهر (حتى أنزل الله تعالى) قال في فتح الودود لم يرد حتى شك هو صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى بل أراد حتى بعمومه وشموله الغالب فرض في حقه صلى الله عليه وسلم انتهى (فإن كنت) أي يا محمد مما أنزلنا إليك من القصص فرضا (فاسأل الذين يقرأون الكتاب) أي
[ 11 ]
التوراة فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه قال صلى الله عليه وسلم لا أشك ولا أسأل كذا في تفسير الجلالين وفي معالم التنزيل قوله تعالى فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك يعني القرآن فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك فيخبرونك تعالى أنك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل قيل هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره على عادة العرب فإنهم يخاطبون الرجل ويريدون به غيره كقوله تعالى يا أيها النبي اتق الله خاطب النبي صلى الله عليه وسلم وأراد به المؤمنين وقيل كان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين مصدق ومكذب وشاك فهذا الخطاب مع أهل الشك ومعناه إن كنت يا أيها الانسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان رسولنا محمد فاسأل الذين الخ انتهى مختصرا قال المنذري أبو زميل هو سماك بن الوليد الحنفي وقد احتج به مسلم (جاءه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أناس من أصحابه) أي جماعة منهم (نجد في أنفسنا الشي) أي القبيح (نعظم أن نتكلم به) من الأعظام فإن أي نجد التكلم به عظيما لغاية قبحه والمعنى نجد في أنفسنا الشئ القبيح نحو من خلق الله وكيف هو ومن أي شئ هو ونحو ذلك مما يتعاظم النطق به فما حكم جريان ذلك في خواطرنا (أو الكلام به) شك من الراوي (ما نحب أن لنا) كذا وكذا من المال (وأنا تكلمنا) بصيغة المتكلم من باب التفعل (به) أي بالشئ القبيح الذي يخطر في قلوبنا (قال أو قد وجدتموه) الهمزة للاستفهام التقريري والواو المقرونة بها للعطف على مقدر أي احصل ذلك وقد وجدتموه والضمير للشئ قال ذاك صريح الإيمان معناه أن صريح الايمان هو الذي يمنعكم من قبول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم والتصديق به حتى يصير ذلك وسوسة لا يتمكن من قلوبكم ولا تطمئن نفوسكم وليس معناه أن الوسوسة نفسها صريح الايمان وذلك أنها إنما تتولد من فعل الشيطان وتسويله فكيف يكون إيمانا صريحا وقد روى في حديث آخر أنهم لما شكوا إليه ذلك قال الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة قاله الخطابي في المعالم قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 12 ]
(يعرض بالشئ) أي القبيح (لأن يكون حممة) بضم ففتح أي عجما (من أن يتكلم به) أي بذلك الشئ (رد كيده) الضمير للشيطان وإن لم يجر ذكره لدلالة السياق عليه (قال ابن قدامة رد أمره) الضمير للرجل أو للشيطان قال المنذري وأخرجه النسائي (باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه) أي ينتسب إلى غيرهم (أخبرنا زهير) بن محمد التميمي الخرساني (أخبرنا عاصم الاحول) هو ابن سليمان البصري (حدثني) هو عبد الرحمن بن مل النهدي (حدثني سعد بن مالك) هو سعد بن أبي وقاص ذكره في الفتح وأخرج البخاري في كتاب الفرائض ومسلم واللفظ للبخاري حدثنا مسدد حدثنا خالد هو ابن عبد الله حدثنا خالد عن أبي عثمان عن سعد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام فذكرته لأبي بكرة فقال وأنا سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ في الفتح خالد هو ابن عبد الله الواسطي الطحان وخالد شيخه هو ابن مهران الحذاء وأبو عثمان هو النهدي وسعد هو ابن أبي وقاص والسند إلى سعد كله بصريون والقائل فذكرته لأبي بكرة هو أبو عثمان انتهى وأخرج البخاري في باب غزوة الطائف حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عاصم قال سمعت أبا عثمان قال سمعت سعدا وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة وكان تسور حصن الطائف في أناس فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام
[ 13 ]
(من ادعى) بتشديد الدال أي انتسب ورضي أن ينسبه الناس إلى غير أبيه (وهو يعلم) أي والحال أنه يعلم (فالجنة عليه حرام) أي إن اعتقد حله أو قبل أن يعذب بقدر ذنبه أو محمول على الزجر عنه لأنه يؤدي إلى فساد عريض قال ابن بطال ليس معنى هذا الحديث أن من اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه أن يدخل في الوعيد كالمقداد بن الأسود وإنما المراد به من تحول عن نسبته لأبيه إلى غير أبيه عالما عامدا مختارا وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره ويصير الولد ينسب إلى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله وقوله تعالى وما جعل أدعياءكم أبناءكم فنسب كل واحد إلى أبيه الحقيقي وترك الانتساب إلى من تبناه لكن بقي بعده مشهورا بمن تبناه فيذكر به لقصد التعريف لا لقصد النسب الحقيقي كالمقداد ابن الأسود وليس الأسود أباه وإنما كان تبناه واسم أبيه الحقيقي عمرو بن ثعلبة كذا في الفتح (رجلان أيما رجلين) أي وقعت صفة وما زائدة قال في المصباح أي تقع صفة تابعة لموصوف وتطابق في التذكير والتأنيث نحو برجل أي رجل وبأمرأة عمر أية امرأة انتهى ولفظ البخاري في غزوة الطائف قال عاصم قلت لقد شهد عندك رجلان حسبك ما قال أجل أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله وأما الآخر فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث وعشرين من الطائف انتهى ومطابقة الحديث بالباب من حيث أن الادعاء إلى غير أبيه كما هو حرام فكذا الانتماء إلى غير مواليه أيضا حرام وقد أيده برواية أبي هريرة وأنس الآتية (فقال) أي أبو عثمان (فذكر) أبو عثمان (فضلا) لأبي بكرة (قال النفيلي) هو عبد الله بن محمد (حيث حدث) أي حين حدث (والله) الواو للقسم (يعني قوله حدثنا وحدثني) في الإسناد لأنهما صريحان في السماع حيث صرح كل من الرواه من النفيلي إلى سعد بن مالك بالتحديث وهو تفسير للضمير في قوله إنه
[ 14 ]
(سمعت أحمد) بن حنبل إمام الأئمة (ليس لحديث أهل الكوفه نور) ينور به الحديث ويضئ إضاءة تامة ولكن ليس ذلك مطردا في حديث جميع أهل الكوفة بل استثنى منه حديث بعض الحفاظ من أهل الكوفة وأما حديث أكثرهم فكما قال أحمد بن حنبل رحمه الله وذلك لعدم اعتنائهم بالأسانيد الصحيحة كاعتناء النبي أهل الحجا والبصرة والشام ولا يبالون هل هي بصيغة الأخبار أو العنعنة ولا يفرقون بين مرتبة الاتصال والانقطاع والأرسال بل تحتجون بالأحاديث التي هي توافق القياس سواء كانت صحيحة أو مرسلة أو منقطعة أو ضعيفة من ضعف الرجال ويردون بها الأحاديث الصحيحة الثابتة فكيف يوجد في أحاديثم نور وأما حديث أهل الحجاز والشام والبصرة ففي أحاديثهم نور ويقرب من هذا ما في سنن الترمذي في كتاب الطهارة قال علي أي ابن المديني قال يحيى بن سعيد القطان ذكر لهشام بن عروة حديث الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات فقال هذا الإسناد مشرقي انتهى أي ما رواه أهل المدينة بل رواه أهل المشرق وهم أهل الكوفة وكأنه جرح في روايتهم والله أعلم (قال) أحمد بن حنبل (وما رأيت مثل أهل البصرة) في التثبت والضبط والاتقان بالأحاديث (كانوا) أهل البصرة (تعلموه) بصيغة الجمع الماضي بشدة اللام من باب التفعل والضمير المنصوب يرجع إلى الحديث (من شعبة) بن الحجاج البصري والمعنى أن شعبة من أهل البصرة كان ناقدا للرجال ضبطا متقنا متيقظا محتاطا في أداء صيغ ألفاظ الحديث والأسانيد وأنه لا يروي عن المدلسين ولا عن الضعفاء وأما أهل البصرة فإنما تعلموا هذا العلم من شعبه وصاروا بهذه المنزلة وبلغوا بهذه الدرجة لأنهم اختاروا طريقة واقتفوا أثره ألا ترى إلى حديث سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة في الادعاء إلى غير أبيه أن فيه نورا وضوءا والسند كله بصريون والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري تاما بمعناه وأخرج مسلم وابن ماجه من حديث سعد وأبي بكرة في الادعاء لا غير
[ 15 ]
(من تولى قوما) أي اتخذهم مواليه وهذا حرام وإن أذن فيه مواليه أيضا فقوله من غير إذن مواليه لزيادة التقبيح والعادة أنهم لا يرضون بذلك كذا في فتح الودود (صرف ولا عدل) أي نافلة ولا فريضة قال المنذري وأخرجه مسلم (ونحن ببيروت) في القاموس بيروت بلد بالشام أي حدثني سعيد والحال أنا مقيمون ببيروت (من ادعى إلى غير أبيه الخ) قال العلقمي قال النووي هذا صريح في غلظ تحريم انتساب الإنتساب إلى غير أبيه أو انتماء العتيق إلى ولاء غير مواليه لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء والعقل وغير ذلك مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق انتهى قال المنذري وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي نحوه من حديث علي بن أبي طالب عليه السلام وفيه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (باب في التفاخر بالأحساب) قال في القاموس الفخر ويحرك والفخار والفخارة التمدح بالخصال كافتخار كما وتفاخر وأفخر بعضهم على بعض انتهى والأحساب جمع حسب وهو ما تعده من مفاخر آبائك (وهذا
[ 16 ]
حديثه) أي حديث أحمد بن سعيد (عبية الجاهلية) بضم العين المهملة وكسر الموحدة المشددة وفتح المثناة التحتية المشددة أي فخرها وتكبرها ونخوتها قال الخطابي العبية الكبر والنخوة وأصله من العب وهو الثقل يقال عبية وعبية بضم العين وكسرها (مؤمن تقي وفاجر شقي) قال الخطابي معناه أن الناس رجلان مؤمن تقي فهو الخير الفاضل وإن لم يكن حسيبا في قومه وفاجر شقي فهو الدني وإن كان في أهله شريفا رفيعا انتهى وقيل معناه أن المفتخر المتكبر إما مؤمن تقي فإذن لا ينبغي له أن يتكبر على أحد أو فاجر شقي فهو ذليل عند الله والذليل لا يستحق التكبر فالتكبر منفي بكل حال (انتم بنو آدم وآدم من تراب) أي فلا يليق بمن أصله التراب النخوة والكبر (ليدعن) بلام مفتوحة في جواب قسم مقدر أي والله ليتركن كذا قيل (إنما هم) أي أقوام (أو ليكونن) بضم النون الأولى والضمير الفاعل العائد إلى رجال وهو واو الجمع محذوف من ليكونن والمعنى ليصيرن (أهون) أي أذل (على الله) أي عنده (من الجعلان) بكسر الجيم وسكون العين جمع جعل بضم ففتح دويبة سوداء تدير الخراء بأنفها (التي تدفع بأنفها النتن) أي العذرة قال العلامة الدميري في حياة الحيوان الجعل وكصرد رطب وجمعه جعلان بكسر الجيم والعين ساكنة وهو يجمع الجعر اليابس ويدخره في بيته وهو دويبة معروفة تعض البهائم في فروجها فتهرب شديد السواد في بطنه لون حمرة يوجد كثيرا في مراح البقر والجواميس ومواضع الروث ومن شأنه جمع النجاسة وادخارها ومن عجيب أمره أنه يموت من ريح الورد وريح الطيب فإذا أعيد إلى الروث عاش ومن عادته أن يحرس النيام فمن قام لقضاء حاجته تبعه وذلك من شهوته للغائط لأنه قوته
[ 17 ]
وأخرج الترمذي في سننه وهو آخر حديث في جامعه قبل العلل حدثنا محمد ابن بشار أخبرنا أبو عامر العقدي أخبرنا هشام بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه الحديث هذا حديث حسن حدثنا هارون بن موسى بن أبي علقمة حدثني أبي عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث مختصرا وقال هذا حديث حسن وسعيد المقبري قد سمع من أبي هريرة ويروي عن أبيه أشياء كثيرة عن أبي هريرة وقد روى سفيان الثوري وغير واحد هذا الحديث عن هشام بن سعد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث أبي عامر عن هشام بن سعد انتهى كلامه وحديث أبي هريرة أخرجه ابن حبان أيضا وفي مسند أبي داود الطيالسي وشعب الإيمان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تفخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما يدحرج الجعل بأنفه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية وروى البزار في مسنده عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلكم بنو آدم وآدم من تراب لينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان انتهى وقوله في حديث الترمذي يدهده قال السيوطي في الدر النثير تلخيص نهاية ابن الأثير دهديت هو الحجر ودهدهته وسلم فتدهده دحرجته فتدحرج ولما يدهده الجعل أي يدحرجه من السرجين انتهى قال القاري شبه المفتخرين بآبائهم الذين ماتوا في الجاهلية الجعلان وآبائهم المفتخر بهم بالعذرة ونفس افتخارهم بهم بالدفع والدهدهة عنه بالأنف والمعنى أن أحد الأمرين واقع البتة إما الانتهاء عن الافتخار أو كونهم أذل عند الله تعالى من الجعلان الموصوفة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح (باب في العصبية) قال في النهاية العصبي هو الذي يغضب لعصبته ويحامي عنهم والعصبة الأقارب من جهة الأب
[ 18 ]
(من نصر قومه على غير الحق) أي على باطل أو مشكوك (فهو كالبعير الذي ردى) بضم الراء وكسر الدال المشددة وفتح الياء أي تردى وسقط في البئر (فهو) أي البعير المتردي (ينزع) بصيغة المجهول أي يخرج ويرفع (بذنبه) أي يجر من ورائه قال الخطابي معناه أنه قد وقع في الإثم وهلك كالبعير إذا تردى في بئر فصار ينزع بذنبه ولا يقدر على الخلاص (وهو في قبة من أدم) بفتحتين أي جلد (فذكر نحوه) أي نحو الحديث الأول قال المنذري الأول موقوف والثاني مسند وعبد الرحمن قد سمع من أبيه (ما العصبية الخ) قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وقال فيه عن عباد بن كثير الشامي عن امرأة منهم يقال لها فسيلة قالت سمعت أبي فذكر بمعناه وفسيلة بضم الفاء وفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعد اللام المفتوحة تاء تأنيث هي بنت واثلة بن الأسقع ذكر ذلك غير واحد ويقال فيها أيضا خصيلة بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة وبعد اللام المفتوحة تاء تأنيث وعباد بن كثير الشامي وثقة يحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد وإسناد حديث أبي داود أمثل من هذا (عن سراقة) بضم أوله (بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة (خيركم المدافع) أي الذي يدفع الظلم (عن عشيرته) أي أقاربه المعاشر معهم (ما لم يأثم) أي ما لم يظلم ويقع بالمدافعة في الإثم والظلم على المدفوع
[ 19 ]
(قال أبو داود أيوب بن سويد ضعيف) هذه العبارة إنما وجدت في بعض النسخ قال المنذري في إسناده أيوب بن سويد أبو مسعود الحميري السيباني قدم مصر وحدث بها قال أبو داود في رواية ابن العبد أيوب بن سويد السيباني بفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء بواحدة مفتوحة وبعد الألف نون منسوب إلى سيبان بطن من حمير وهو ضعيف قال يحيى بن معين ليس بشئ كان يسرق الأحاديث وقال عبد الله بن المبارك ارم به وتكلم فيه غير واحد وفي سماع سعيد بن المسيب من سراقة المدلجي نظر فإن وفاة سراقة كانت سنة أربع وعشرين على المشهور وقد ولد سعيد بن المسيب لثلاث سنين بقيت من خلافة عمر وقتل عثمان وهو ابن خمس عشرة سنة فيكون مولده على هذا سنة عشرين أو إحدى وعشرين فلا يصح سماعه منه والله أعلم انتهى كلام المنذري (ليس منا) أي ليس من أهل ملتنا (من دعا) أي الناس (إلى عصبية) قال المناوي أي من يدعو الناس إلى الاجتماع على عصبية وهي معاونة الظالم وقال القاري أي إلى اجتماع عصبية في معاونة ظالم وفي الحديث ما بال دعوى الجاهلية قال صاحب النهاية هو قولهم يا آل فلان كانوا يدعون بعضهم بعضا عند الأمر الحادث (من قاتل على عصبية) أي على باطل وليس في بعض النسخ لفظ على (من مات على عصبية) أي على طريقتهم من حمية الجاهلية قال المنذري قال أبو داود في رواية ابن العبد هذا مرسل عبد الله بن أبي سليمان لم يسمع من جبير هذا آخر كلامه وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن المكي وقيل فيه العكس قال أبو حاتم الرازي هو مجهول وقد أخرج مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي هريرة بمعناه أتم منه ومن حديث جندب بن عبد الله البجيلي مختصرا (ابن أخت القوم منهم) أي بينه وبينهم ارتباط وسياق الحديث يقتضي أن المراد أنه
[ 20 ]
كالواحد منهم في إفشاء سرهم بحضرته ونحو ذلك كالنصرة والمودة والمشورة قاله النووي قال المنذري وقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي قوله صلى الله عليه وسلم ابن أخت القوم منهم مختصرا ومطولا (عن أبي عقبة) قيل اسمه رشيد صحابي كذا في الخلاصة (وكان) أي أبو عقبة (شهدت) أي حضرت (أحدا) بضمتين (فقلت خذها) أي الضربة أو الطعنة (وأنا الغلام الفارسي) بكسر الراء والجملة حال ولهذا على عادتهم في المحاربة أن يخبر الضارب المضروب باسمه ونسبه إظهارا بشجاعته (فهلا قلت) أي لم لا قلت (خذها مني وأنا الغلام الأنصاري) لأن مولى القوم منهم قال القاري أي إذا افتخرت عند الضرب فانتسب إلى الأنصار الذين هاجرت إليهم ونصروني وكان فارس في ذلك الزمان كفارا فكره صلى الله عليه وسلم الانتساب إليهم وأمره بالانتساب إلى الأنصار ليكون منتسبا إلى أهل الإسلام انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه وأبو عقبة هذا بصري مولى من بني هاشم بن عبد مناف (باب الرجل يحب الرجل على خير يراه) (وقد كان) أي حبيب (أدركه) أي المقدام (فليخبره أنه (يحبه) لأن في الإخبار بذلك استمالة قلبه واستجلاب زيادة المحبة
[ 21 ]
قال الخطابي معناه الحث على التودد والتألف وذلك أنه إذا أخبره أنه يحبه استمال بذلك قلبه واجتلب به وده وفيه أنه إذا علم أنه محب له وواد له قبل نصيحته ولم يرد عليه قوله
[ 22 ]
في عيب أن أخبره به عن نفسه أو سقطه إن كانت منه وإذا لم يعلم ذلك منه لم يؤمن أن يسوء ظنه فيه فلا يقبل منه قوله ويحمل ذلك منه على العداوة والشنآن انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح غريب هذا آخر كلامه
[ 23 ]
وقد روى من حديث أبي سعيد الخدري وفيه مقال وقد رواه منصور بن المعتمر عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن عمر قال أبو الفضل المقدسي وهو صحيح على شرط الصحيحين ولم يخرجاه وقد أخرجا بهذا الإسناد حديثا في النذور وقد روى عن ابن عمر من وجوه هذا أصحها
[ 24 ]
(فقال) أي الرجل الأول (إني لأحب هذا) أي الرجل الآخر (أعلمته) بحذف همزة الاستفهام (فقال إني أحبك في الله) أي في طلب مرضاة الله (فقال) أي الرجل الآخر (أحبك الذي أحببتني له) أي لأجله وهذا دعاء قال المنذري في إسناده المبارك بن فضالة أبو فضالة القرشي العدوي مولاهم البصري وثقه عفان بن مسلم واستشهد به البخاري وضعفه الإمام أحمد ويحيى ابن معين والنسائي وتكلم فيه غيرهم (قال فأعادها أبو ذر) أي أعاد مقولته وهي إني أحب الله ورسوله (فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فأعاد مقولته الشريفة وهي فإنك مع من أحببت قال المنذري وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب
[ 25 ]
(رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرحوا بشئ) وهذا الشئ هو قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب (لم أرهم فرحوا بشئ) أي آخر (أشد منه) أي ذلك الشئ المذكور أولا (على العمل) متعلق بيحب (من الخير يعمل) أي الرجل المحبوب (به) أي بذلك العمل من الخير (ولا يعمل) أي الرجل المحب (المرء مع من أحب) يعني من أحب قوما بالإخلاص يكون من زمرتهم وإن لم يعمل عملهم لثبوت التقارب بين قلوبهم وربما تؤدي تلك المحبة إلى موافقتهم وفيه حث على محبة الصلحاء والأخيار رجاء اللحاق بهم والخلاص من النار قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بمعناه أتم منه (باب في المشورة) قال في القاموس أشار إليه بكذا أمره به وهي الشورى والمشورة مفعلة لا مفعولة واستشاره طلب منه المشورة (المستشار) أي الذي طلب منه المشورة والرأي (مؤتمن) اسم مفعول من الأمن أو الأمانة قال الطيبي معناه أهه أمين فيما يسأل من الأمور فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته ذكره العزيزي قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب وأخرجه الترمذي أيضا مرسلا من حديث أبي سلمة ابن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وأبو بكر وعمر فذكر نحو هذا الحديث بمعناه ولم يذكر فيه عن أبي
[ 26 ]
هريرة وحديث شيبان أتم من حديث أبي عوانة وأطول يعني الحديث المرفوع الذي قبل هذا وقال وشيبان ثقة عندهم صاحب كتاب وذكره في موضع آخر مختصرا وقال وقد رواه غير واحد عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي وشيبان هو صاحب الكتاب وهو صحيح والحديث ويكنى أبا معاوية وأخرجه أيضا من حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وهذا حديث غريب من حديث أم سلمة هذا آخر كلامه وفي إسناده على بن زيد بن جدعان ولا يحتج بحديثه وقال أيضا في آخره وفي الباب عن أبي مسعود وأبي هريرة وابن عمر هذا آخر كلامه وقد رواه أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأبو الهيثم بن التيهان والنعمان بن بشير وسمرة بن جندب وعمر بن عوف وعبد الله بن عباس وجابر ابن عبد الله وعبد الله بن عمر وعبيد بن صخر في طرقها كلها مقال وأجود إسناد الحديث الذي ذكرناه أول الباب وحسنه الترمذي وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي وأصح الطرق إلى هذا المتن رواية سفيان ومن تابعه عن عبد الملك بن عبيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة (باب في الدال على الخير) (إني أبدع بي) بصيغة المجهول أي انقطع بي السبيل لموت الراحلة أو ضعفها قال الخطابي قوله أبدع بي معناه انقطع بي ويقال أبدعت الركاب إذا كلت وانقطعت انتهى وفي النهاية يقال أبدعت الناقة إذا انقطعت عن السير بكلال انتهى (لا أجد ما أحملك عليه) أي من الركب (فلعله أن يحملك) أي يعطيك ما تركب عليه (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) قال النووي المراد أن له ثوابا كما أن لفاعله ثوابا ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء انتهى وذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور في هذا الحديث ونحوه إنما هو بغير تضعيف وقال القرطبي إنه مثله سواء في القدر والتضعيف لأن الثواب على الأعمال إنما هو
[ 27 ]
بفضل من الله يهبه لمن يشاء على أي شئ صدر منه خصوصا إذا صحت النية التي هي أصل الأعمال في طاعة عجز عن فعلها لمانع منع منها فلا بعد في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر والفاعل أو يزيد عليه كذا في السراج المنير قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وأبو مسعود اسمه عقبة بن عمرو (باب في الهوى) قال في القاموس هوية كرضيه هوى أحبه قال الحافظ ابن حجر فيما رده على السراج القزويني ترجم أبو داود لهذا الحديث باب الهوى وأراد بذلك شرح معناه وأنه خبر بمعنى التحذير من اتباع الهوى فإن الذي يسترسل في اتباع هواه لا يبصر قبح ما يفعله ولا يسمع نهي من ينصحه وإنما يقع ذلك لمن يحب أحوال نفسه ولم يتفقد عليها انتهى وقال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي قيل يعمى عن عيوب المحبوب وقيل عن كل شئ سوى المحبوب انتهى والحديث الذي أورده المؤلف في الباب هذا أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على المصابيح وزعم أنه موضوع وقال الحافظ بن حجر فيما رده عليه أما بلال فهو ثقة من كبار التابعين وأما خالد فوثقه أبو حاتم الرازي واما أبو بكر فهو ضعيف عندهم من قبل حفظه وكان مستقيم الأمر في حديثه فطرقه لصوص فتغير عقله وصار يأتي بالغرائب التي لا توجد إلا عنده فعدوه فيمن اختلط ولم يتميز انتهى وقال الحافظ صلاح الدين العلائي هذا الحديث ضعيف لا ينتهي إلى درجة الحسن أصلا ولا يقال فيه موضوع انتهى وقال البيهقي في شعب الإيمان بعد ذكره ورواه البخاري في التاريخ موقوفا على أبي الدرداء قال البيهقي وسئل علي بن عبد الرحمن عن الفرق بين الحب والعشق فقال الحب لذة تعمي عن رؤية غير محبوبة فإذا تناهى سمي عشقا وهو قوله صلى الله عليه وسلم حبك الشئ يعمي ويصم انتهى وسيجئ كلام المنذري وقد روينا هذا الحديث في الأربعين للشيخ ولي الله المحدث الدهلوي من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه والله أعلم
[ 28 ]
(حبك) إضافة المصدر إلى الفاعل (الشئ) مفعول (يعمي ويصم) بضم أولهما وكسر عينهما أي يجعلك أعمى عن رؤية معائب الشئ المحبوب بحيث لا تبصر فيه عيبا ويجعلك أصم عن سماع قبائحه بحيث لا تسمع فيه كلاما قبيحا لاستيلاء سلطان المحبة على فؤادك قال المنذري في إسناده بقية بن الوليد وأبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي وفي كل واحد منهما مقال وروي عن بلال عن أبيه قوله ولم يرفعه وقيل إنه أشبه بالصواب ويروي من حديث معاوية بن أبي سفيان ولا يثبت وسئل ثعلب عن معناه فقال يعمي العين عن النظر إلى مساويه ويصم الأذن عن إسماع العذل فيه وأنشأ يقول وكذبت طرفي فيك والطرف صادق وأسمعت أذني فيك ما ليس يسمع وقال غيره يعمي ويصم عن الآخرة وفائدته النهي عن حب ما لا ينبغي الإغراق في حبه انتهى كلام المنذري (باب في الشفاعة) (بريد) بالموحدة مصغرا هو ابن عبد الله (ابن أبي بردة) الأشعري منسوب إلى جده (عن أبيه) المراد بالأب جده أبو بردة (اشفعوا إلي لتؤجروا) أي إذا عرض المحتاج حاجته على فاشفعوا له إلي فإنكم إن شفعتم حصل لكم الأجر سواء قبلت شفاعتكم أم لا واللام في قوله لتؤجروا هي لام التعليل ذكره الحافظ (وليقض الله على لسان نبيه ما شاء) أي إن قضيت حاجته من شفاعتكم له فهو بتقدير الله وإن لم أقض فهو أيضا بتقدير الله وفي السراج المنير أي يظهر على لسان رسوله بوحي أو إلهام ما شاء من إعطاء أو حرمان فتندب الشفاعة ويحصل الأجر للشافع مطلقا سواء قضيت الحاجة أم لا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (حدثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح الخ) قد وقع هذا الحديث في بعض
[ 29 ]
النسخ ههنا وفي بعضها في اخر كتاب السنة ولم يوجد هذا الحديث في نسخة المنذري لا ههنا ولا في اخر كتاب السنة وقال المزي حديث همام بن منبه بن كامل عن معاوية أخرجه أبو داود بلفظ اشفعوا تؤجروا فإني لأريد الأمر فأؤخره كما تشفعوا فتؤجروا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اشفعوا تؤجروا في كتاب السنة عن أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح وأخرجه النسائي في الزكاة عن هارون بن سعيد الأيلي ثلاثتهم عن سفيان عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه عن أخيه همام وحديث أبي داود في بعض النسخ من رواية اللؤلؤي ولم يذكره أبو القاسم انتهى كلام المزي (لأريد) بلام التأكيد (الأمر) لواحد من الناس أو للجماعه لأنفذه (فأؤخره) أي الأمر عن نفاذه (كيما) ما زائدة (فتؤجروا) صيغة المجهول (حدثنا أبو معمر) حديث أبي معمر في بعض نسخ الكتاب ههنا وفي بعضها في آخر كتاب السنة وليس في نسخة المنذري هذا الحديث لا ههنا ولا في آخر كتاب السنة وقال المزي حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه ذو الحاجة قال اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب أخرجه البخاري في الزكاة وفي الأدب وفي التوحيد ومسلم في الأدب وأبو داود في الأدب عن مسدد وفي السنة عن أبي معمر وهو اسماعيل بن إبراهيم القطيعي كلاهما عن سفيان بن عيينة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الاشعري الكوفي عن أبي بردة عن أبي موسى وأخرجه النسائي في الزكاة وحديث أبي معمر في رواية أبي بكر بن داسة عن أبي داود ولم يذكره أبو القاسم انتهى (باب في الرجل يبدأ بنفسه في الكتاب) (قال أحمد) هو ابن حنبل (قال مرة) ضمير قال راجع إلى هشيم (يعني هشيما) هذا تفسير لضمير قال (عن بعض ولد العلاء) بفتح الواو اللام أو بضم الواو وسكون اللام وفي
[ 30 ]
المصابيح عن أبي العلاء الحضرمي أن العلاء الحضرمي كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه انتهى وفي المرقاة قيل اسمه زيد بن عبد الله وكنيته أبو العلاء وفي بعض نسخ المصابيح عن ابن العلاء انتهى وفي فتح الباري في كتاب الاستئذان في باب بمن يبدأ بالكتاب وعن أبي داود من طريق ابن سيرين عن أبي العلاء بن الحضرمي عن العلاء أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه انتهى وفي التقريب ابن العلاء الحضرمي عن أبيه مقبول من الثالثة وأظن أن اسمه عبد الله انتهى (أن العلاء الحضرمي كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على البحرين) وأقره أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى أن مات العلاء سنة أربع عشرة (فكان إذا كتب) أي العلاء (إليه) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم (بدأ بنفسه) أي باسمه فقرره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ففيه دلالة على أن المسنون أن يبدأ الكاتب الكتاب بنفسه ويدل عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وفيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل الخ قال الحافظ في فتح الباري تحت هذا الحديث فيه أن السنة أن يبدأ الكتاب بنفسه وهو قول الجمهور بل حكي فيه النحاس إجماع الصحابة والحق إثبات الخلاف انتهى (عن العلاء بن الحضرمي) نسبة إلى حضرموت قال ابن الأثير العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عبد الله بن عباد ولا يختلفون أنه من حضرموت انتهى (أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ باسمه) قال المنذري فيهما مجهول قال بعضهم يبدأ الكتاب بنفسه فيقول من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان وذكر هذا الحديث حجة لذلك وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل وقال حماد بن زيد كان الناس يكتبون من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان أما بعد وقال غيره إذا بدأ الكاتب باسم المكتوب فقد كره ذلك غير واحد من السلف وأجازه بعضهم وقيل أما الأب فيقدم فلا يبدأ ولده باسمه على والده الكبير السن كذلك يوقر به انتهى كلام المنذري قلت وأخرج الطبراني في الكبير عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كتب أحدكم إلى أحد فليبدأ بنفسه قال المناوي في فتح القدير فيه مجهول وضعيف انتهى
[ 31 ]
وفي المرقاة إسناده حسن انتهى قال المناوي أي إذا كتب أحد من الناس كتابا فليبدأ فيه بذكر نفسه مقدما على اسم المكتوب له نحو من فلان إلى فلان وإن كان مهينا محتقرا والمكتوب إليه فخما كبيرا فلا يجري على سنن العجم حيث يبدأون بأسماء أكابرهم في المكاتيب ويرون أن ذلك من الأدب وإنما الأدب ما أمر به الشارع نعم إن خاف وقوع محذور بمحترم إن بدأ بنفسه بدأ بالمكتوب إليه بدليل ما رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن نافع قال كانت لابن عمر حاجة إلى معاوية فأراد أن يكتب إليه فقالوا ابدأ به فلم يزالوا به حتى كتب بسم الله الرحمن الرحيم الى معاوية وفيه أيضا عن عبد الله ابن دينار أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر سلام عليك فذكره انتهى وفي الأدب المفرد عن خارجة بن زيد عن كبراء آل زيد بن ثابت هذه الرسالة لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من زيد بن ثابت سلام عليك وفي فتح الباري وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قرأت كتابا من العلاء بن الحضرمي الى محمد رسول الله وعن نافع كان ابن عمر يأمر غلمانه إذا كتبوا إليه أن يبدأوا بأنفسهم وعن نافع كان عمال عمر إذا كتبوا إليه بدأوا بأنفسهم قال المهلب السنة أن يبدأ الكاتب بنفسه وعن معمر عن أيوب أنه كان ربما بدأ باسم الرجل قبله إذا كتب إليه وسئل مالك عنه فقال لا بأس به انتهى وفي المرقاة وكان العلاء إذا كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه اقتداء به صلى الله عليه وسلم لأنه كان يفعل ذلك ومما يدل عليه كتابته صلى الله عليه وسلم إلى معاذ يعزيه في ابن له بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد الحديث رواه الحاكم وغيره وهذا الصنيع العظيم مقتبس من قوله تعالى إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم قال المظهر كان يكتب هكذا من العلاء الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتبوا من لسانه هذا من رسول الله إلى عظيم البحرين وغيره من الملوك انتهى
[ 32 ]
(باب كيف يكتب إلى الذمي) (إلى هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف غير منصرف وهو اسم علم لملك الروم في ذلك الوقت وقيصر لقب لجميع ملك الروم وقيل كلاهما واحد (عظيم الروم) بدل أو بيان (سلام على من اتبع الهدى) أي الهداية بالإسلام والديانة وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز الابتداء بالسلام لغير أهل الإسلام إلا على الكناية (وقال ابن يحيى) هو محمد (إن أبا سفيان أخبره) أي ابن عباس (قال) أي أبو سفيان (فأجلسنا بين يديه) أي أجلس هرقل إيانا قدامه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مطولا مختصرا (باب في بر الوالدين) (لا يجزي) بفتح أوله وسكون الياء في آخره أي لا يكافئ (ولد والده) أي إحسان والده (إلا أن يجده) أي يصادفه (مملوكا) منصوب على الحال من الضمير المنصوب في يجده (فيشتريه فيعتقه) بالنصب فيهما قال القاضي رحمه الله ذهب بعض أهل الظاهر إلى أن الأب لا يعتق على ولده إذا تملكه وإلا لم يصح ترتيب الإعتاق على الشراء والجمهور على أنه يعتق بمجرد التملك من غير أن ينشئ فيه عتقا وأن قوله فيعتقه معناه فيعتقه بالشراء لا بإنشاء عتق والترتيب باعتبار الحكم دون انشاء انتهى
[ 33 ]
قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فقال لي طلقها فأبيت) أي امتنعت لأجل محبتي فيها قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب (عن بهز بن حكيم عن أبيه) أي حكيم (عن جده) أي جد بهز وهو معاوية بن حيدة (من أبر) بفتح الموحدة وتشديد الراء على صيغة المتكلم أي من أحسن إليه ومن أصله (قال أمك) بالنصب أي بر أمك وصلها أولا (ثم الأقرب فالأقرب) أي إلى آخر ذوي الأرحام (لا يسأل رجل مولاه) أي معتقه بفتح التاء أو المراد بالمولى القريب أي ذو القربى وذو الأرحام والله أعلم (من فضل) أي المال الفاضل من الحاجة (فيمنعه إياه) أي لا يعطي المولى الفضل الرجل فالضمير المرفوع للمولى والمنصوب المتصل للفضل والمنفصل للرجل (إلا دعي) بصيغة المجهول (له) أي لمولاه (فضله) نائب الفاعل (شجاعا أقرع) قال الخطابي الشجاع الحية والأقرع هو الذي انحسر الشعر من رأسه من كثرة سمه قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن وقال حسن هذا آخر كلامه وقد تقدم الكلام على بهز بن حكيم (كليب بن منفعة) الحنفي البصري مقبول كذا في التقريب (عن جده) بكر بن الحارث
[ 34 ]
قال في الإصابة بكر بن الحارث الأنماري أبو منفعة ذكره الترمذي وابن شاهين في الصحابة وأبو بكر بن عيسى البغدادي فيمن نزل حمص من الصحابة وذكره ابن قانع فسماه أيضا بكر بن الحارث ثم أخرج حديثه من طريق كليب ابن منفعة عن جده أنه قال يا رسول الله من أبر قال أمك انتهى (ومولاك) أي قريبك أي ذا القربى منك فإن أحد معاني المولى القريب أيضا وهو المراد ههنا بدليل ثالث أحاديث الباب الذي تقدم وهو حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وفيه ثم الأقرب فالأقرب وبدليل حديث أبي هريرة المتفق عليه قال قال رجل يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك وفي رواية قال أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك وبهذا يظهر أن الواو في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب وأباك وأختك وأخاك ومولاك بمعنى ثم أي ثم أباك ثم أختك ثم أخاك ثم مولاك أي قريبك الأقرب فالأقرب (الذي يلي ذلك) صفة لقوله مولاك أي قريبك الذي يقرب من تقدم من ابن أختك وابن أخيك وعمتك وعمك وابن عمتك وابن عمك وهكذا الأقرب فالأقرب وأخرج ابن ماجه في أول كتاب الأدب عن أبي سلامه السلامي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أوصى امرأ بأمه أوصى امرأ بأمه أوصى امرأ بأمه ثلاثا أوصى امرأ بأبيه أوصى امرأ بمولاه الذي يليه وإن كان عليه منه أذى يؤذيه انتهى ومعناه أوصى كل امرئ أن يبر مولاه أي قريبه الذي يليه من أخته وأخيه وغيرهما الأقرب فالأقرب وإن كان على المرء من القريب أذى يؤذيه
[ 35 ]
وعند مسلم عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك (حقا) أي قلت قولا حقا (واجبا) صفة مؤكدة لقوله حقا أي حقا ثابتا للواقع (و) قرب هؤلاء المذكرون من الأم والأب والأخت والأخ وغيرهم منك (رحما) أي قرابة (موصولة) أي يجب صلتها ويحرم قطعها لما رواه أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحم شجنة من الرحمن فقال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته رواه البخاري وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله متفق عليه وعن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة قاطع متفق عليه قال المنذري ذكره البخاري في تاريخه الكبير تعليقا وقال ابن أبي حاتم كليب بن منفعة الحنفي قال أتى جدي النبي صلى الله عليه وسلم مرسل فقال من أبر وأخرج البخاري من حديث أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق بحسن مصاحبتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك وأخرجه مسلم وابن ماجه بنحوه في حديثهما ثم أمك مرتين (أخبرنا إبراهيم بن سعد) فمحمد بن جعفر وعباد بن موسى كلاهما يرويان عن إبراهيم بن سعد (فيلعن أباه) أي يلعن الرجل الملعون أبوه أبا اللاعن (فيلعن أمه) أي يلعن الرجل الملعونة أمه أم اللاعن قال النووي في الحديث دليل على أن من تسبب في شئ جاز أن ينسب إليه ذلك الشئ وفيه قطع الذرائع فيؤخذ منه النهي عن بيع العصير ممن يتخذ الخمر والسلاح ممن يقطع الطريق ونحو ذلك انتهى
[ 36 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (عن أسيد بن علي) بفتح الهمزة وكسر السين (عن أبي أسيد) بالتصغير (مالك بن ربيعة) بالجر اسم أبي أسيد (من بني سلمة) بكسر اللام بطن من الأنصار وليس في العرب سلمة غيرهم (من بر أبوى) أي والد وفيه تغليب (شئ) أي من البر (أبرهما) بفتح الموحدة أي أصلهما وأحسن إليهما (به) أي بذلك الشئ من البر الباقي (الصلاة عليهما) أي الدعاء ومنه صلاة الجنازة قاله القاري وفي فتح الودود والمراد بها الترحم (والإستغفار لهما) أي طلب المغفرة لهما وهو تخصيص بعد تعميم (وإنفاذ عهدهما) أي إمضاء وصيتهما (وصلة الرحم) أي إحسان الأقارب (التي لا توصل إلا بهما) قال القاري : أي تتعلق بالاب والام فالموصول صفة كاشفة للرحم قال الطيبي الموصول ليس بصفة للمضاف إليه بل للمضاف أي الصلة الموصوفة فإنها خالصة بحقهما ورضاهما لا لأمر آخر ونحوه قلت يرجع المعنى إلى الأول فتدبر انتهى قال في مرقاة الصعود ولفظ البيهقي وصلة رحمهما التي لا رحم لك إلا من قبلهما فقال ما أكثر هذا وأطيبه يا رسول الله قال فاعمل به فإنه يصل إليهما قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (إن أبر البر) أي أفضله (أهل ود أبيه) بضم الواو بمعنى المودة أي أصحاب مودته ومحبته (بعد أن يولي) بتشديد اللام المكسورة أي بعد موت الأب فيندب صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإكرامهم بعد موته كما هو مندوب قبله قاله العزيزي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي
[ 37 ]
(يقسم لحما بالجعرانة) بكسر الجيم والعين المهملة وتشديد الراء وقد يسكن العين ويخفف الراء موضع معروف على مرحلة من مكة أقام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر يوما لتقسيم غنائم حنين واعتمر منها والقصة مشهورة (أحمل عظم الجزور) الجزور البعير ذكرا كان أو أنثى (إذا أقبلت امرأة) وهي حليمة (حتى دنت) أي قربت (فبسط لها رداءه) أي تعظيما لها وانبساطا بها (فقلت من هي) أي تعجبا من إكرامه إياها وقبولها القعود على ردائه المبارك (فقالوا هذه أمه التي أرضعته) قال الحافظ في الإصابة حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت أبي ذؤيب وأسمه عبد الله بن الحارث بن سعد بن بكر بن هوازن قال ابن عبد البر أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم ورأت له برهانا وروى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال جاءت حليمة ابنة عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه وروى عنها عبد الله ابن جعفر وحديثه عنها بقصة إرضاعها أخرجه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه وأخرج أبو داود وأبو يعلى وغيرهما من طريق عمارة بن ثوبان عن أبي الطفيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالجعرانة الحديث وأخرج ابن مندة هذا الحديث من طريق عبد الله بن جعفر عن حليمة السعدية انتهى كلام الحافظ والحديث سكت عنه المنذري (ثم أقبلت أمه) أي من الرضاعة (فوضع لها شق ثوبه) أي نصف ثوبه والشق بالكسر النصف (من جانبه الآخر) بفتح الخاء أي من جانب ذلك الثوب الآخر قال المنذري هذا معضل عمر بن السائب يروي عن التابعين وأمه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة حليمة السعدية أسلمت وجاءت إليه وروت عنه صلى الله عليه وسلم روى عنها عبد الله بن جعفر وأخته من الرضاعة الشيما بنت الحارث ابن عبد العزي بن رفاعة وهو بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها ميم لا تعرف في قومها إلا به ويقال لها الشما بغير ياء واسمها خذامة بكسر الخاء وفتح الذال المعجمتين وبعضهم يقول جذامة بالجيم والدال المهملة وبعضهم
[ 38 ]
يقول حذافة الحاء المهملة والذال المعجمة وبعد الألف فاء أسلمت ووصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلة وهي التي كانت تحضنه صلى الله عليه وسلم مع أمه وتوركه وأخوه أيضا من الرضاعة عبد الله بن الحارث وأخته أيضا من الرضاعة أنيسة بنت الحارث وأبوهم الحارث بن عبد العزي بن رفاعة السعدي زوج حليمة (باب في فضل من عال يتامى) قال في المصباح عال الرجل اليتيم عولا من باب قال كفله وقام به انتهى (عن ابن حدير) بالحاء المهملة مصغرا (من كانت له أنثى) أي بنت أو أخت (فلم يئدها) بفتح التحتية وكسر الهمزة أي لم يدفنها حية من وأد يئد وأدا ومعنى الوأد بالفارسية زنده دركور كردن وكانت العرب يدفنون البنات أحياء (ولم يهنها) من الإهانة (ولم يؤثر) من الإيثار أي لم يختر (ولده) أي ولده الذكر إذا كان له (عليها) أي على الأنثى (قال) أي ابن عباس كما هو الظاهر (يعني الذكور) أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بالولد الذكور ووجه التفسير أن الولد في اللغة يطلق على الإبن والبنت (أدخله الله الجنة) أي مع السابقين (ولم يذكر عثمان يعني الذكور) أي لم يذكر عثمان في روايته لفظ يعني الذكور قال المنذري ابن حدير غير مشهور وهو بضم الحاء المهملة وبعدها دال مهملة مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة وراء مهملة (الأعشى) على وزن أحمر لقب لجماعة من الشعراء والعلماء (وهو سعيد بن عبد الرحمن بن مكمل) بضم الميم وسكون الكاف وكسر الميم كذا قال الحافظ في التقريب (من عال ثلاث بنات) أي تعهدهن صلى الله عليه وسلم وقام بمؤنتهن إذا (فأدبهن) أي بآداب الشريعة وعلمهن
[ 39 ]
(وأحسن إليهن) قال المناوي أي بعد الزواج بنحو صلة وزيارة (فله الجنة) أي دخوله مع السابقين فيه تأكيد حق البنات على حق البنين لضعفهن عن الاكتساب قال المنذري وأخرجه الترمذي من حديث سهيل عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد وقد زاد في هذا الإسناد رجلا وأخرجه أيضا من حديث سفيان ابن عيينة عن سهيل عن أيوب بن بشير عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد وقال البخاري في تاريخه وقال ابن عيينة عن سهيل عن أيوب عن سعيد الأعشى ولا يصح (بهذا الاسناد) أي السابق (بمعناه) أي بمعنى الحديث السابق (قال ثلاث أخوات أو ثلاث بنات) أو للتنويع لا للشك وكذا في قوله أو بنتان أو أختان (أخبرنا النهاس) بفتح النون وتشديد الهاء ثم مهملة (ابن قهم) بفتح القاف
[ 40 ]
وسكون الهاء (أنا وامرأة سفعاء الخدين) أي متغيرة لون الخدين لما يكابدها من المشقة والضنك قال الخطابي السفعاء هي التي تغير لونها إلى الكمودة والسواد من طول الأيمة كأنه مأخوذ من سفع النار وهو أن يصيب لفحها شيئا فيسود مكانه يريد بذلك عليه السلام أن هذه المرأة قد حبست نفسها على أولادها ولم تتزوج فتحتاج إلى أن تتزين وتصنع نفسها لزوجها انتهى وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي السفعة بضم المهملة نوع من السواد ليس بالكثير وقيل هو سواد مع لون آخر وفي الصحاح سواد مشرب بالحمرة أراد أنها بذلت نفسها لأولادها وتركت الزينة والترفه حتى تغير لونها من المشقة إقامة على ولدها بعد وفاة زوجها ولم يرد أنها كانت من أصل الخلقة كذلك لقوله ذات منصب وجمال (كهاتين) أي من الأصبعين فإن قلت درجات الأنبياء عليهم السلام أعلى من درجات سائر الخلق لا سيما درجة نبينا صلى الله عليه وسلم لا ينالها أحد قلت الغرض منه المبالغة في رفع درجته في الجنة وإنما فرق بين الأصبعين إشارة إلى التفاوت بين درجة الأنبياء وآحاد الأمة قاله السيوطي في مرقاة الصعود قلت وفي رواية للبخاري وفرج بينهما كما سيجئ (وأومأ يزيد) هو ابن زريع أي أشار بيانا لهاتين (امرأة) عطف بيان لامرأة سعفاء الخدين أو بدل منها أو خبر مبتدأ محذوف أي هذه امرأة (آمت من زوجها) بمد الهمزة وتخفيف الميم أي صارت أيما لا زوج لها (ذات منصب) بكسر الصاد أي صاحبة نسب أو حسب قاله القاري (وجمال) أي كمال صورة وسيرة وهي صفة لامرأة وأريد بها كمال الثواب وليست للاحتراز والمعنى أنها مع هذه الصفة المرغوبة المطلوبة لكل أحد (حبست نفسها) فالجملة استئناف أو صفة أخرى أو حال بتقدير قد أو بدونه أي منعتها عن الزواج صابرة أو شفقة (على يتاماها) وقال شارح أي اشتغلت بخدمة الأولاد وعملت لهم فكأنها حبست نفسها أي وقعت عليهم قاله القاري
[ 41 ]
وقال الحافظ بن الأثير في النهاية اليتيم في الناس فقد الصبي أباه قبل البلوغ وفي الدواب فقد الأم وأصل اليتيم بالضم والفتح الانفرادي فقال انتهى وفي التعريفات للسيد هو المنفرد عن الأب لأن نفقته عليه لا على الأم وفي البهائم اليتم هو المنفرد عن الأم لأن اللبن والأطعمة منها انتهى وفي المصباح اليتم في الناس من قبل الأب فيقال صغير يتيم والجمع أيتام ويتامى وفي غير الناس من قبل الأم فإن مات الأبوان فالصغير لطيم وإن ماتت أمه فقط فهو عجي انتهى (حتى بانوا) أي إلى أن كبروا وحصلت لهم الإبانة أو وصلوا إلى مرتبة كمالهم فإن البين من الأضداد بمعنى الفصل والوصل وقال شارح أي حتى فضلوا وزادوا قوة وعقلا واستقلوا بأمرهم من البون وهو الفضل والمزية كذا قال القاري وقال في النهاية في مادة بين من عال ثلاث بنات حتى يبن أو يمتن يبن بفتح الياء أي يتزوجن يقال أبان فلان بنته وبينها إذا زوجها وبانت هي إذا تزوجت وكأنه من البين البعد أي بعدت عن بيت أبيها انتهى (أو ماتوا) أي أو ماتت فأو للتنويع كذا في المرقاة وقال الطيبي التنكير في امرأة للتعظيم وقوله سفعاء الخدين نصب أو رفع على المدح وهو معترض بين المبتدأ والخبر قال المنذري في إسناده النهاس بن قهم أبو الخطاب البصري القاضي ولا يحتج بحديثه وهو بالنون وبعد الألف سين مهملة وقهم بالقاف آخره ميم (باب في من ضم يتيما) (أنا وكافل اليتيم) أي القيم بأمره ومصالحه ومربيه واليتيم من مات أبوه وهو صغير يستوي فيه المذكر والمؤنث (كهاتين) أي من الاصبعين (في الجنة) خبر أنا معطوف (وقرن) أي النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية البخاري في اللعان وفرج بينهما شيئا قال العلقمي فيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى وفي رواية كهاتين إذا اتقى أي اتقى الله في ما يتعلق باليتيم ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة أي سرعة الدخول عقبه صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون المراد مجموع الأمرين سرعة الدخول وعلو
[ 42 ]
المرتبة انتهى قال ابن بطال حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي (باب في حق الجوار) (ما زال جبرائيل يوصيني بالجار) أي يأمرني بحفظ حقه من الإحسان إليه ودفع الأذى عنه (حتى قلت ليورثنه) أي يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره بفرض سهم يعطاه مع الأقارب وقيل المراد أنه ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة قال الحافظ الأول أظهر فإن الثاني استمر والخبر مشعر بأن التوريث لم يقع ويؤيده ما أخرجه البخاري بلفظ حتى ظننت أنه يجعل له ميراثا كذا في الفتح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (أهديتم لجاري) بحذف همزة الاستفهام أي هل أتحفتموه وأعطيتموه شيئا من الشاة المذبوحة (ما زال جبرائيل يوصيني بالجار) إسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق وقد حمله عبد الله بن عمرو على العموم قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب من هذا الوجه وقد روى هذا الحديث عن مجاهد عن عائشة وأبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم
[ 43 ]
(يشكو جاره) حال (فاصبر) أي على إيذائه (فاطرح) أي ألق (فجعل الناس يلعنونه) أي جاره المؤذي (فعل الله به) دعاء سوء والحديث سكت عنه المنذري (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) قيل إكرامه تلقيه بطلاقة الوجه وتعجيل قراه والقيام بنفسه في خدمته (فلا يؤذ جاره) أي أقله هذا وإلا ففي رواية للشيخين فليكرم جاره وفي رواية لهما فليحسن الى جاره (فليقل خيرا) أي كلاما يثاب عليه (أو ليصمت) بضم الميم أي ليسكت وفيه استحباب ترك الكلام المباح خوفا من انجراره إلى المكروه أو الجناح وقد قال صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وليس المراد توقف الإيمان على هذه الأفعال بل هو مبالغة في الإتيان بها كما يقول القائل لولده إن كنت ابني فأطعني تحريضا له على الطاعة أو المراد من كان كامل الإيمان فليأت بها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي بنحوه (بأيهما أبدأ) أي للصلة والهدية (قال بأدناهما بابا) أي بأقربهما بابا قال المنذري وطلحة هذا هو طلحة بن عبد الله بن عثمان بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي احتج به البخاري في صحيحه وأخرج هذا الحديث من حديثه
[ 44 ]
في حق المملوك (الصلاة الصلاة) بالنصب على تقدير فعل أي ألزموا الصلاة أو أقيموا أو احفظوا الصلاة بالمواظبة عليها والمداومة على حقوقها اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم قال في النهاية يريد الإحسان إلى الرقيق والتخفيف عنهم وقيل أراد حقوق الزكاة وإخراجها من الأموال التي تملكها الأيدي وقال التوربشتي الأظهر أنه أراد بما ملكت أيمانكم المماليك وإنما قرنه بالصلاة ليعلم أن القيام بمقدار حاجتهم من الكسوة والطعام واجب على من ملكهم وجوب الصلاة التي لا سعة في تركها وقد ضم بعض العلماء البهائم المستملكة ثنا في هذا الحكم إلى المماليك قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وليس فيه اتقوا الله ولفظه الصلاة وما ملكت أيمانكم وأم موسى هذه قيل اسمها حبيبة
[ 45 ]
(عن المعرور) بالعين المهملة والراء المكررة (بالربذة) بالفتحات موضع بقرب المدينة فيه قبر أبي ذر رضي الله عنه (فجعلته مع هذا) أي جمعت بينهما (فكانت حله) لأن الحلة عند العرب ثوبان ولا يطلق على ثوب واحد (إني كنت ساببت) بصيغة المتكلم من السب (رجلا) هو بلال المؤذن كما سيظهر لك من كلام المنذري (وكانت أمه أعجمية) أي غير عربية (إنك امرؤ فيك جاهلية) أي هذا التعيير من أخلاق الجاهلية ففيك خلق من أخلاقهم وينبغي للمسلم أن لا يكون فيه شئ من أخلاقهم ففيه النهي عن التعيير وتنقيص الآباء والأمهات وأنه من أخلاق الجاهلية (إنهم) أي مماليككم (إخوانكم) أي من جهة الدين قال الله تعالى إنما المؤمنون إخوة أو من جهة آدم أي أنكم متفرعون به من أصل واحد (فضلكم الله عليهم) بأن ملككم عليهم (فمن لم يلائمكم) أي لم يوافقكم من مماليككم ولم يصالحكم قال في المصباح يقال ولاءمت هذا بين القوم ملاءمة مثل صالحت مصالحة وزنا ومعنى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي بمعناه وأخرجه ابن ماجه مختصرا وليس في حديث جميعهم فمن لا يلائمكم إلى آخره والرجل الذي عيره أبو ذر هو بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم الفصيح عيرت فلانا أمه وقد جاء في شعر عدى بن زيد * أيها ثم الشامت المعير بالدهر * واعتذر عنه بأنه كان عباديا ولم يكن فصيحا غير أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
[ 46 ]
أعيرته بأمه وأبو ذر يذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن نفسه فلا نكير عليه فلا معنى لإنكار ذلك انتهى كلام المنذري (إخوانكم) أي مماليككم إخوانكم (تحت أيديكم) أي تحت تصرفكم وأمركم وحكمكم (وليكسه) وفي بعض النسخ وليلبسه من الإلباس (مما يلبس) بفتح أوله وفتح الموحدة (فإن كلفه ما يغلبه) أي من العمل الشاق (فيلعنه) أي على ذلك العمل بنفسه أو بغيره قال النووي الأمر بإطعامهم مما يأكل السيد وإلباسهم مما يلبس محمول على الاستحباب لا على الإيجاب وهذا بإجماع المسلمين وإنما يجب على السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه أو دونه أو فوقه حتى لو قتر السيد على نفسه تقتيرا خارجا عن عادة أمثاله إما زهدا وإما شحا لا يحل له التقتير على المملوك وإلزامه بموافقته إلا برضاه انتهى (عن الأعمش نحوه) أي نحو رواية عيسى بن يونس من غير ذكر قصة السب والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري (كنت أضرب غلاما لي) أي مملوكا لي (فسمعت من خلفي صوتا) أي كلاما لقائل يقول
[ 47 ]
(اعلم أبا مسعود) أي يا أبا مسعود (لله) بفتح اللام (أقدر عليك منك عليه) أي أن الله أشد قدرة من قدرتك على غلامك وعلق اعلم باللام الابتدائية (فالتفت) أي نظرت (فإذا هو) أي من خلفي الذي سمعت صوته (هو حر لوجه الله) أي لابتغاء مرضاته (أما) بالتخفيف للتنبيه (للفعتك النار) أي أحرقتك رسول قال الخطابي معناه شملتك من نواحيك ومنه قولهم تلفع الرجل بالثوب إذا اشتمل به انتهى (أو لمستك النار) شك من الراوي قال النووي فيه الحث على الرفق بالمماليك وحسن صحبتهم وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس واجبا وإنما هو مندوب رجاء كفارة ذنبه وإزالة إثم الظلم عنه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي (ولم يذكر أمر العتق) أي قوله هو حر إلخ (عن مورق) بضم الميم وكسر الراء المشددة ابن مشمرج بضم أوله وفتح المعجمة وسكون الميم وكسر الراء بعدها جيم هكذا ضبطه في التقريب (من لاءمكم) بالهمز من الملاءمة وفي بعض النسخ لايمكم بالياء وفي النهاية أي وافقكم وساعدكم ولا وقد يخفف الهمز فيصير ياء وفي الحديث يروى بالياء منقلبة عن الهمز ذكره الطيبي كذا في المرقاة (مما تكتسون) أي تلبسون (ومن لم يلائمكم) بالهمز وفي بعض النسخ بالياء (ولا تعذبوا خلق الله) أي لا تعذبوهم وإنما عدل عنه إفادة للعموم فيشملهم وسائر الحيوانات والبهائم والحديث سكت عنه المنذري
[ 48 ]
(عن عمه الحارث بن رافع بن مكيث) هذه العبارة وجدت في بعض النسخ ولم توجد في بعضها بل في بعضها هكذا عن بعض بني رافع بن مكيث عن رافع بن مكيث إلخ وقال الإمام ابن الأثير في أسد الغابة رافع بن مكيث ابن عمرو الجهني شهد الحديبية وهو أخو جندب بن مكيث سكن الحجاز ثم ساق روايته بإسناده إلى إسحاق بن أبي إسرائيل أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عثمان بن زفر عن بعض بني رافع بن مكيث عن رافع بن مكيث وكان قد شهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن حسن الملكة نماء وسوء الخلق شؤم كذا رواه عبد الرزاق وابن المبارك وهشام بن يوسف وعبد المجيد بن أبي داود عن معمر عن عثمان بن زفر هكذا ورواه بقية عن عثمان بن زفر الجهني قال حدثني محمد بن خالد بن رافع ابن مكيث عن عمه الحارث بن رافع قال كان رافع من جهينة شهد الحديبية مثله انتهى وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة رافع بن مكيث بوزن عظيم آخره مثلثة الجهني شهد بيعة الرضوان وكان أحد من يحمل ألوية جهينة يوم الفتح واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه وشهد الجابية مع عمر له عند أبي داود حديث واحد من طريق ولده الحارث بن رافع عنه في حسن الملكة انتهى وقال المزي في الأطراف حديث حسن الملكة نماء وسوء الخلق شؤم أخرجه أبو داود في الأدب عن إبراهيم بن موسى عن عبد الرزاق عن معمر عن عثمان بن زفر عن بعض بني رافع بن مكيث عن رافع بن مكيث وكان ممن شهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره انتهى فلم يذكر المزي أيضا واسطة الحارث بن رافع بن مكيث بين بعض بني رافع وبين رافع بن مكيث كما لم يذكرها ابن الأثير وذكر المزي رواية الحارث بن رافع بن مكيث التي يأتي بعد ذلك في كتاب المراسيل من أطرافه وقال الحافظ في التقريب الحارث بن رافع بن مكيث الجهني له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة انتهى (عن رافع بن مكيث) بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية وبالمثلثة (حسن الملكة)
[ 49 ]
الحسن بضم فسكون والملكة بفتحات أي حسن الصنيع إلى المماليك (يمن) بضم أوله يعني إذا أحسن الصنيع بالمماليك يحسنون خدمته وذلك يؤدي إلى اليمن والبركة كما أن سوء الملكة يؤدي إلى الشؤم والهلكة وفي بعض النسخ نماء مكان يمن والمراد من النماء البركة (وسوء الخلق) بضمتين وسكون الثاني (شؤم) في القاموس الشؤم بضم الشين المعجمة وسكون الهمزة ضد اليمن قال المنذري فيه مجهول (وكان رافع من جهينة) بالتصغير قبيلة (قال حسن الملكة يمن وسوء الخلق شؤم) في النهاية الشؤم ضد اليمن وأصله الهمز فخفف واوا وغلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة قال القاضي أي حسن الملكة يوجب اليمن إذا الغالب أنهم إذا رأوا السيد أحسن إليهم كانوا أشفق عليه وأطوع له وأسعى في حقه وكل ذلك يؤدي إلى اليمن والبركة وسوء الخلق يورث البغض والنفرة ويثير اللجاج والعناد وقصد الأنفس والأموال قال المنذري هذا مرسل لحارث بن رافع تابعي وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال (عن العباس بن جليد) بالجيم مصغرا (الحجري) بفتح المهملة وسكون الجيم قال أبو الفضل المقدسي في الأنساب الحجري منسوب إلى ثلاثة قبائل الأول إلى حجر حمير والثاني حجر رعين الثالث حجر الأزد انتهى (كم نعفو) أي كم مرة نعفو (فصمت) أي سكت قيل كان الصمت لكراهة السؤال فإن العفو مندوب إليه مطلقا دائما فلا حاجة إلى تعيين عدد مخصوص أو لانتظار الوحي والله أعلم (سبعين مرة) قيل المراد به التكثير دون التحديد قال المنذري هكذا وقع سماعنا وفي غيره عن عبد الله بن عمرو أخرجه الترمذي كذلك وقال حسن غريب قال وروى بعضهم هذا الحديث عن
[ 50 ]
عبد الله بن وهب بهذا الإسناد وقال عن عبد الله بن عمرو وذكر بعضهم أن أبا داود أخرجه من حديث عبد الله بن عمر والعباس بن جليد بضم الجيم وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وبعدها دال مهملة مصري ثقة ذكره ابن يونس في تاريخ المصريين وذكر أنه يروي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الحارث بن جزء وذكر ابن أبي حاتم أنه يروي عن ابن عمر وذكر الأمير أبو نصر أنه يروي عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الجزء وأخرج البخاري هذا في تاريخه من حديث عباس بن جليد عن عبد الله بن عمرو بن العاص ومن حديث عباس بن جليد عن بن عمرو قال وهو حديث فيه نظر انتهى كلام المنذري (عن ابن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة هو عبد الرحمن البجلي (قال حدثني أبو القاسم نبي التوبة) سمي بذلك لأنه بعث صلى الله عليه وسلم بقبول التوبة بالقول والاعتقاد وكانت توبة من قبلنا بقتل أنفسهم ويحتمل أن يكون المراد بالتوبة الإيمان والرجوع عن الكفر إلى الإسلام وأصل التوبة الرجوع كذا قال النووي تبعا للقاضي (من قذف مملوكه) أي بالزنا (وهو) أي والحال أن مملوكه (برئ) أي في نفس الأمر (جلد) بصيغة المجهول أي ضرب بالجلد (له يوم القيامة حدا) قال النووي فيه إشارة إلى أنه لاحد على قاذف العبد في الدنيا وهذا مجمع عليه لكن يعزر قاذفه لأن العبد ليس بمحصن سواء فيه من هو كامل الرق أو فيه شائبة الحرية والمدبر والمكاتب وأم الولد (قال مؤمل أخبرنا عيسى عن الفضيل) أي قال بالعنعنة (يعني ابن غزوان) بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي أي زاد هذا اللفظ أيضا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي بمعناه (عن هلال بن يساف) بفتح الياء وكسرها ويقال أيضا أساف قاله النووي (عجز عليك إلا حر وجهها) قال النووي معناه عجزت ولم تجد أن تضرب إلا حر وجهها وحر الوجه صفحته وما رق من بشرته وحر كل شئ أفضله وأرفعه (ومالنا إلا خادم) قال النووي معناه
[ 51 ]
الخادم بلا هاء يطلق على الج كما يطلق على الرجل ولا يقال خادمة بالهاء إلا في لغة شاذة قليلة (فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعتقها) هذا محمول على أنهم كلهم رضوا بعتقها وتبرعوا به وإلا فاللطمة إنما كانت من واحد منهم فسمحوا له بعتقها تكفيرا لذنبه قاله النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (لطمت مولى لنا) أي ضربت خده بالكف قال في القاموس اللطم ضرب الخد وصفحة الجسد بالكف مفتوحة (فدعاه) أي المولى (فقال) أي سويد بن مقرن للمولى (اقتص منه) أي خذ القصاص من معاوية وافعل به مثل ما فعل بك (كنا سبعة) أي سبعة بنين (فلتخدمهم) أي تلك الجارية الملطومة ما لم يجدوا غيرها من العبيد أو الإماء (حتى يستغنوا) عنها بوجدان غيرها (فإذا استغنوا) عنها بوجدان العبد أو الجارية (فليعتقوها) أي الجارية الملطومة قال المنذري وقد تقدم ومقرن بضم النون وفتح القاف وتشديد الراء المهملة وفتحها ونون (عن فراس) بكسر أوله (فأخذ) أي ابن عمر (عودا) أي خشبا (أو شيئا) شك من الراوي (مالي فيه) أي في إعتاق هذا المملوك (من الأجر ما يسوى) أي يساوي وكذلك في بعض النسخ بلفظ يساوي (هذا) أي هذا العود قال النووي وقع في معظم النسخ ما يسوى وفي بعضها ما يساوي بالألف وهذه هي اللغة الصحيحة المعروفة والأولى عدها أهل اللغة في
[ 52 ]
لحن العوام وأجاب بعض العلماء عن هذه اللفظة بأنها تغيير من بعض الرواة لا أن ابن عمر نطق بها ومعنى كلام ابن عمر أنه ليس في إعتاقه أجر المعتق تبرعا وإنما أعتقه كفارة لضربه انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم وزاذان بزاي بعد الألف ذال معجمة وآخره نون كنيته أبو عمر (باب في المملوك إذا نصح) (إن العبد إذا نصح لسيده) أي أخلص الخدمة أو طلب الخير له من النصيحة هي طلب الخير للمنصوح له قال الطيبي نصيحة العبد للسيد امتثال أمره والقيام على ما عليه من حقوق سيده (فله أجره مرتين) أي مضاعف فإن الأجر على قدر المشقة وهو قد جمع بين القيام بالطاعتين حدثنا وفي الحقيقة طاعة مالكه من طاعة ربه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (باب فيمن خبب مملوكا على مولاه) الخب بالفتح الخداع وهو الجربز الساعي بالفساد بين الناس رجل خب وامرأة خبة وقد تكسر خاؤه والمصدد ابن بالكسر لا غير ومنه الحديث لا يدخل الجنة خب ولا خائن ومنه الحديث الآخر الفاجر خب لئيم ومنه الحديث من خبب امرأة أو مملوكا على مسلم فليس منا أي خدعه وأفسده كذا في النهاية والمجمع (عن عمار بن رزيق) بتقديم الراء مصغرا (عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة (من خبب زوجة امرئ) أي خدعها وأفسدها أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره أو غير ذلك (أو مملوكه) أي أو أمته أي أفسده عليه بأن لاط أو زنى به أو
[ 53 ]
حسن إليه الإباق أو طلب البيع أو نحو ذلك (فليس منا) أي من العاملين بأحكام شرعنا قال المنذري وأخرجه النسائي (باب في الاستئذان) أي طلب الإذن قال الطيبي واجمعوا على أن الإستئذان مشروع وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة والأفضل أن يجتمع بين السلام والاستئذان واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام أو الاستئذان والصحيح تقديم السلام فيقول السلام عليكم أدخل كذا في المرقاة (بمشقص أو مشاقص) شك من الراوي هل قاله شيخه بالأفراد أو بالجمع والمشقص بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح القاف صاد مهملة نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض (قال) أي أنس (يختله) بفتح أوله أوله وكسر التاء قال الخطابي معناه يراوده ويطلبه من حيث لا يشعر انتهى وقال النووي أي يراوغه ويستغفله (ليطعنه) بضم العين وفتحها الضم أشهر قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وأخرج الترمذي من حديث حميد الطويل عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيته فأطلع عليه رجل فأهوى إليه بمشقص فتأخر الرجل وقال حسن صحيح (ففقؤوا عينه) أي كسروها أو قلعوها (فقد هدرت عينه) أي بطلت وعمل بالحديث الشافعي وأسقط عنه ضمان العين قيل هذا عنده إذا فقأها بعد أن زجره فلم ينزجر ، وأصح قوليه أنه لا ضمان مطلقا لاطلاق الحديث . وقال أبو حنفية عليه الضمان لان النظر ليس فوق الدخول ، فمن دخل بيت غيره بغير إذنه لا يستحق فق ء عينيه فبالنظر أولى فالحديث محمول على المبالغة في الزجر كذا قال ابن الملك في المبارق قلت القول ما قال
[ 54 ]
الشافعي وأما ما ذهب إليه أبو حنيفة فغير صحيح لمصادرته للحديث ومعارضته له بالرأي والحديث سكت عنه المنذري (إذا دخل البصر فلا إذن) أي فما بقي حاجة الإذن بل كأنما دخل بيت الغير بلا إذن وهو محرم فدخول الرجل بيت الغير بلا إذنه وإدخاله بصره فيه سواء في الإثم وكلاهما محرم والله أعلم قال المنذري في إسناده كثير بن زيد أبو محمد الأسلمي مولاهم المدني ولا يحتج به (قال عثمان) هو ابن أبي شيبة (سعد) أي ابن أبي وقاص كما في بعض النسخ أي قال عثمان في روايته جاء سعد وأما أبو بكر فقال جاء رجل (هكذا عنك أو هكذا) وفي بعض النسخ وهكذا بالواو قال في فتح الودود أي تنح عن الباب إلى جهة أخرى (فإنما الاستئذان من النظر) قال الحافظ في فتح الباري أي إنما شر من أجله لأن المستأذن لو دخل بغير إذن لرأى بعض ما يكرهه من يدخل إليه أن يطلع عليه انتهى وقال الكرماني في شرح البخاري أي إنما شرع الاستئذان في الدخول لأجل أن لا يقع النظر على عورة أهل البيت ولئلا يطلع على أحوالهم والحديث سكت عنه المنذري (أخبرنا أبو داود الحفري) بفتح المهملة والفاء نسبة إلى موضع بالكوفة اسمه عمر بن سعد ثقة عابد كذا في التقريب (عن طلحة بن مصرف) بضم ميم وفتح صاد وكسر راء مشددة على الصواب وحكى فتحها وبفاء (نحوه) أي نحو الحديث السابق والحديث سكت عنه المنذري
[ 55 ]
(باب كيف الاستئذان) ليس هذا الباب في بعض النسخ (عن كلدة) بفتحات هو أخو صفوان لأمه (بعثه) أي كلدة (وجداية) بفتح الجيم وكسرها أولاد الظباء ذكرا كان أو أنثى مما بلغ ستة أشهر أو سبعة أشهر بمنزلة الجدي من المعز كذا قوله في النهاية (وضغابيس) جمع ضغبوس بفتح الضاد وسكون الغين المعجمتين وهو صغير القثاء (قال عمرو بن أبي سفيان (وأخبرني ابن صفوان)) هو أمية بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي المكي قال الحافظ في التقريب ابن صفوان عن كلدة هو أمية انتهى ولفظ الترمذي في باب التسليم قبل الاستئذان قال عمرو وأخبرني بهذا الحديث أمية بن صفوان ولم يقل سمعته من كلدة انتهى والحاصل أن عمرو ابن أبي سفيان روى هذا الحديث عن شيخيه أحدهما عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية وثانيهما أمية بن صفوان بن أمية وكلاهما من الطبقة الرابعة يرويان عن كلدة (وقال يحيى أيضا عمرو بن عبد الله بن صفوان أخبره أن كلدة بن الحنبل أخبره) ولفظ أحمد في مسنده حدثنا روح حدثنا ابن جريج والضحاك بن مخلد قال أخبرني ابن جريج وعبد الله بن الحارث قال عرض علي ابن جريج قال أخبرني عمرو بن أبي سفيان أن عمرو بن
[ 56 ]
أبي صفوان أخبره قال الضحاك وعبد الله بن الحارث أن عمرو بن عبد الله بن صفوان أخبره أن كلدة بن الحنبل أخبره أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبأ وجداية وضغابيس والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي قال فدخلت عليه ولم أسلم وسلم أستأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فقل السلام عليكم أدخل بعد ما أسلم صفوان قال عمرو أخبرني هذا الخبر أمية بن صفوان ولم يقل سمعته من كلدة قال الضحاك وابن الحارث وذلك بعد ما أسلم وقال الضحاك وعبد الله بن الحارث بلبن وجداية انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن جريج هذا آخر كلامه وكلدة بفتح الكاف وبعدها لام مهملة مفتوحة وتاء تأنيث وحنبل بفتح الحاء المهملة وبعدها نون ساكنة وباء موحدة مفتوحة ولام (عن ربعي) بكسر أوله وسكون الموحدة وهو ابن حراش (فقال أألج) من ولج يلج أي أأدخل (فقل له قل السلام عليكم أأدخل) فيه أن السنة أن يجمع بين السلام والاستئذان وأن يقدم السلام قال المنذري وأخرجه النسائي بنحوه وحراش بكسر الحاء المهملة وبعدها راء مهملة مفتوحة وألف وشين معجمة (قال حدثت) بالبناء للمفعول (بمعناه) أي بمعنى حديث أبي بكر بن أبي شيبة السابق والحديث سكت عنه المنذري قال أبو داود وكذلك أي مثل رواية هناد بن السري والحديث سكت عنه المنذري (حدثنا عبيدالله بن معاذ الخ) والحديث سكت عنه المنذري
[ 57 ]
(باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان) (عن يزيد بن خصيفة) بخاء معجمة وصاد مهملة وفاء مصغرا (عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة (فجاء أبو موسى فزعا) بفتح الفاء وكسر الزاي أي خائفا (ما أفزعك) أي ما أخافك (فأتيته فاستأذنت ثلاثا) أي فأتيت بابه فسلمت ثلاثا كما في رواية مسلم (فلم يؤذن لي) لم يأذن له عمر رضي الله عنه لأنه كان في شغل كما يدل عليه روايات مسلم (فقال) أي عمر رضي الله عنه (ما منعك أن تأتيني) أي من الإتيان إلي (وقد قال) الواو للحال واستئنافية (لتأتيتي له على هذا) أي على أن الحديث الذي رويته هو قول النبي صلى الله عليه وسلم (بالبينة) المراد بها الشاهد ولو كان واحدا وإنما أمره بذلك ليزداد فيه وثوقا لا للشك في صدق خبره عنده رضي الله عنه (لا يقوم معك إلا أصغر القوم) قال النووي معناه أن هذا حديث مشهور بيننا معروف لكبارنا وصغارنا يحفظه وسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (معه) أي مع أبي موسى (فشهد له) أي على الحديث الذي رواه أبو موسى قال الحافظ وتعلق بقصة عمر من زعم أنه كان لا يقبل خبر الواحد ولا حجة فيه لأنه قبل خبر أبي سعيد المطابق لحديث أبي موسى ولا يخرج بذلك عن كونه خبر واحد انتهى قال الكرماني في شرح البخاري أراد عمر رضي الله عنه التثبت لما يجوز فيه من السهو والنسيان بدليل أنه قبل خبر حمل بن مالك وحده في أن دية الجنين غرة وخبر عبد الرحمن بن عوف في الجزية ثم نفس هذه القصة دليل على قبول ذلك لأنه بانضمام شخص آخر إليه لم يصر متواترا فهو خبر واحد وقد قبله بلا خلاف وفيه أن العالم قد يخفي عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه والإحاطة لله تعالى وحده انتهى
[ 58 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (فقال) أي أبو موسى في المرة الأولى (يستأذن الأشعري) أي قال في المرة الثانية (يستأذن عبد الله بن قيس) أي قال في المرة الثالثة وهو اسم أبي موسى (فقال هذا أبي) أي ابن كعب وفي الحديث الأول أن الشاهد هو أبو سعيد قال الحافظ ويمكن الجمع بأن أبي بن كعب جاء بعد أن شهد أبو سعيد قال المنذري وأخرجه مسلم (ألهاني) أي أشغلني وأغفلني (الصفق بالأسواق) أي التجارة والمعاملة في الأسواق وفي القاموس صفق يده بالبيعة وعلى يده صفقا ضرب يده على يده وذلك عند وجوب البيع والإسم الصفق قال الإمام تقي الدين بن دقيق العيد وهذا الحديث يرد على من يعلو من المقلدين إذا استدل عليه بحديث فيقول لو كان صحيحا لعلمه فلان مثلا فإن ذلك لما خفي عن أكابر الصحابة وجاز عليهم فهو على غيرهم أجوز انتهى (ولكن تسلم ما شئت ولا تستأذن) لعله قاله تفريحا لقلبه كذا قيل وفي بعض النسخ ولكن سلم بصيغة الأمر والحديث سكت عنه المنذري
[ 59 ]
(إني لم أتهمك) أي بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولكن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد) خاف عمر رضي الله عنه مسارعة الناس إلى القول على النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يقل كما يفعله المبتدعون والكذابون وكذا من وقع له قضية وضع فيها حديثا على النبي صلى الله عليه وسلم فأراد سد الباب خوفا من غير أبي موسى فطلب منه البينة للتثبت لا للشك في روايته والاتهام به والحديث سكت عنه المنذري (ولكن خشيت أن يتقول الناس) أي يكذبوا يقال تقول عليه أي كذب عليه والحديث سكت عنه المنذري (فرد سعد) أي السلام (ردا خفيا) أي بحيث لا يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) أي لأبي (فقال ذره) أي اتركه على حاله (يكثر) بالجزم جواب الأمر وهو من الاكثار (واتبعه سعد أي أدركه ولحقه فانصرف) أي إلى بيت سعد (وأمر له أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل) بالكسر ما يغسل به من الخطمي وغيره (فاغتسل) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم (ناوله) أي أعطاه والضمير المرفوع لسعد والمنصوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ملحفة) قال في الصراح ملحفة بالكسر حادن
[ 60 ]
جمعه ملاحف (قد وطأ) من وطأ الموضع أي جعله وطيئا أي سهلا لينا ومفعول وطأ محذوف (عليه) أي على الحمار والباء في قوله (بقطيفة) للآله وهي الباء التي يقال لها باء الاستعانة كما في كتبت بالقلم والقطيفة الدثار المخمل محمد ويقال بالفارسية جامة يرزه دار وجادر إلى بيجيده كان وفي لسان العرب وطأ الشئ سهله ولا تقل وطيت وتقول وطأت لك الأمر إذا هيأته ووطأت لك الفراش ووطأت لك المجلس توطئة والوطئ من كل شئ ما سهل ولان حتى أنهم يقولون رجل وطئ ودابة وطيئة بينة الوطاءة انتهى وحاصله أن سعدا رضي الله عنه جعل موضع ركوبه صلى الله عليه وسلم على الحمار فصار سهلا لينا بواسطة قطيفة أي بسط له صلى الله عليه وسلم قطيفة على ظهر الحمار ظهره سهلا لينا والله أعلم (قال هشام أبو مروان عن محمد) أي قال بلفظ عن قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا (في آخرين) أي في شيوخ آخرين (قالوا) أي مؤمل والآخرون (لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه) أي مقابل وجهه وحذائه أبو لئلا يقع بصره على أهل البيت (ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر) أي لكن يستقبل مع الأنحراف والميل من ركنه الأيمن أو الأيسر أي من أحد جانبيه الأنسب بالوقوف (ويقول السلام عليكم) أي أولا السلام عليكم أي ثانيا حتى يتحقق السماع
[ 61 ]
والإذن وأراد بالتكرار التعدد لا الإقتصار على المرتين فإنه كان من عادته التثليث (وذلك) أي ما ذكر من عدم استقبال الباب ووجود الانحراف (أن الدور) جمع الدار أي أبوابها (لم تكن عليها يومئذ ستور) جمع ستر بالكسر وهو الحجاب قال المنذري في إسناده بقية بن الوليد فيه مقال بسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة ولبسر أيضا صحبة (باب الرجل يستأذن بالدق) (في دين أبيه) أي في قضية دين أبيه أو من جهته فإن أباه عبد الله الأنصاري قد استشهد في غزوة أحد وترك دينا كثيرا وتشدد عليه غرماؤه فأتى جابر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أن أذهب فبيدر كل تمر على ناحية ففعل فبقيت البيادر كلها بعد أداء الدين كما كانت وقصته مذكورة في صحيح البخاري (فدققت الباب) أي ضربته بيدي للاستئذان (فقال من هذا) أي الذي يدق الباب (قال أنا أنا كأنه كرهه) أي قوله أنا في جواب عن هذا لأن كلمة أنا بيان عند المشاهدة لا عند الغيبة قال النووي وإنما كره لأنه لم يحصل بقوله أنا فائدة تزيل الإبهام بل ينبغي أن يقول فلان باسمه وإن قال أنا فلان فلا بأس كما قالت أم هانئ حين استأذنت فقال النبي صلى الله عليه وسلم من هذه فقالت أنا أم هانئ ولا بأس أن يصف نفسه بما يعرف به إذا لم يكن منه بد وإن كان صورة فيها تبجيل وتعظيم بأن يكني نفسه أو يقول أنا المفتي فلان أو القاضي أو الشيخ انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (باب دق الباب عند الاستئذان) (حائطا) أي بستانا (فقال لي) النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما دخلت في البستان (أمسك الباب) من
[ 62 ]
داخل البستان ولا تفتحه (فضرب الباب) بصيغة المجهول وبرفع الباب أي ضرب الباب ودقه أحد من خارج البستان (فقلت من هذا) الضارب للباب (وساق) أي نافع بن عبد الحارث (الحديث) بتمامه (قال أبو داود يعني حديث أبي موسى الأشعري قال فيه فدق الباب) قال الحافظ المزي في الأطراف حديث نافع بن عبد الحارث الخزاعي مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلت حائطا الحديث أخرجه أبو داود في الأدب عن يحيى بن أيوب وأخرجه النسائي في المناقب أي في سننه الكبرى عن علي بن حجر كلاهما عن اسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث ورواه أبو الزناد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن نافع بن عبد الحارث عن أبي موسى الأشعري انتهى كلامه قلت حديث أبي موسى الأشعري الذي أشار إليه المؤلف هو ما أخرجه مسلم في فضائل عثمان رضي الله عنه من حديث سعيد بن المسيب أخبرني أبو موسى الأشعري أنه توضأ في بيته ثم خرج فقال لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا قال فجاء المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا خرج وجه هاهنا قال فخرجت على أثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس قال فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ فقمت إليه فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر قال فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت من هذا فقال أبو بكر فقلت على رسلك قال ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال أئذن له وبشره بالجنة فذكر الحديث بطوله وفي رواية له من طريق أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة وهو متكئ يركز بعود معه بين الماء والطين إذا استفتح رجل فقال افتح وبشره بالجنة قال فإذا أبو بكر ففتحت له وبشرته بالجنة فقال ثم استفتح رجل آخر فقال افتح فذكر الحديث وفي رواية له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمرني أي أحفظ الباب قال المنذري وأخرجه النسائي (باب في الرجل يدعى أيكون ذلك إذنه) (رسول الرجل إلى الرجل إذنه) أي بمنزلة إذنه له في الدخول قال في فتح الودود أي لا
[ 63 ]
يحتاج إلى الاستئذان إذا جاء مع رسوله نعم لو استأذن احتياطا كان حسنا سيما إذا كان البيت غير مخصوص بالرجال وقد ارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة إلى أصحاب الصفة فجاءوا فاستأذنوا فدخلوا انتهى والحديث سكت عنه المنذري (عن أبي رافع) اسمه نفيع الصائغ (إذا دعى) بصيغة المجهول (فجاء مع الرسول) أي مع رسول الداعي (فإن ذلك له إذن) أي قائم مقام إذنه فلا احتياج إلى تحديد إذن قال البيهقي في سننه هذا عندي والله أعلم إذا لم يكن في الدار حرمة فإن كان حرمة فلا بد من الاستئذان بعد نزول الآية الحجاب كذا في مرقاة الصعود (يقال قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئا) قال الحافظ في فتح الباري بعد ما نقل كلام أبي داود هذا وقد ثبت سماعه منه في الحديث الذي سيأتي في البخاري في كتاب التوحيد من رواية سليمان التيمي عن قتادة أن أبا رافع حدثه قال واعتمد المنذري على كلام أبي داود فقال أخرجه البخاري تعليقا لأجل الانقطاع قال ولو كان عنده منقطعا لعلقه بصيغة التمريض كما هو الأغلب من صنيعه انتهى قال المنذري وقال البخاري وقال سعيد عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هو إذنه وذكره البخاري تعليقا لأجل الانقطاع في إسناده وذكر البخاري في هذا الباب حديث مجاهد عن أبي هريرة قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت لبنا في قدح فقال أبا هريرة الحق أهل الصفة فادعهم إلي قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا قال المهلب إذا دعى وأتى مجيبا للدعوة ولم تتراخ المدة فهذا دعاؤه إذنه وإن دعي فأتى في غير حين الدعاء فإنه يستأذن وكذلك إذا دعي إلي موضع لم يعلم أن به أحدا مأذونا له في الدخول لا يدخل حتى يستأذن فإن كان فيه أحد مأذون له فدعي قبله فلا بأس أن يدخل بالدعوة وإن تراخت الدعوة وكان بين ذلك زمن يمكن الداعي أن يخلو في أمره أو يتعدى لبعض شأنه أو ينصرف أهل داره فلا يغتاب (لعله يعبأ) بالدعوة على الدخول حتى يستأذن كحديث مجاهد عن أبي هريرة هذا وجه تأويل الحديثين والله أعلم انتهى كلام المنذري
[ 64 ]
(باب في الاستئذان في العورات الثلاث) أي في الاوقات الثلاث ويأتي بيانها في آية الاذن (حدثنا ابن السرح) هو أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح بمهملات الثانية ساكنة المصري (ح وأخبرنا ابن الصباح بن سفيان) الجرجرائي التاجر صدوق (وابن عبدة) أبو عبد الله البصري وثقه النسائي وأبو حاتم فكلهم أي ابن السرح وابن الصباح وابن عبدة يروون عن ابن عيينة (وهذا حديثه) أي حديث ابن عبدة (لم يؤمن بها أكثر الناس) المراد من الضمير المجرور في بها آية الاذن وفي بعض النسخ لم يؤمر مكان لم يؤمن وهو غير ظاهر ولفظ البيهقي في سننه عن ابن عباس قال آية لم يؤمن بها أكثر الناس آية اذن وإني لآمر جاريتي هذه لجارية قصيرة قائمة على رأسه أن تستأذن على انتهى (آية اذن) بالجر لأنه بيان وتفسير للضمير المجرور في بها أو بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير هي آية اذن أو بالنصب بتقدير أعني والمراد باية اذن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم الآية قال في فتح الودود والمراد أنهم لا يعملون بها فكأنهم لا يؤمنون بها وكأنه رضي الله عنه كان يرى أولا ذلك ثم رجع عنه إلى ما سيجئ عنه في الحديث الآتي والله تعالى أعلم انتهى والحديث سكت عنه المنذري (عن ابن عباس يأمر به) أي يأمر بالإذن جاريته أيضا وروى ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال غلب الشيطان الناس على ثلاث آيات فلم يعملوا بهن يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت إيمانكم إلى اخر الآية وإسماعيل بن مسلم ضعيف قاله ابن كثير في تفسيره
[ 65 ]
(الذين ملكت أيمانكم) يعني العبيد والإماء (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) من الأحرار وليس المراد منهم الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء بل الذين عرفوا أمر النساء ولكن لم يبلغوا (ثلاث مرات) أي في ثلاثة أوقات (من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة) يريد المقيل (ومن بعد صلاة العشاء) وإنما خص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثيات فربما يبدو من الإنسان مالا يحب أن يراه أحد من العبيد والصبيان فأمروا بالاستئذان في هذه الأوقات وأما غيرهم فليستأذنوا في جميع الأوقات (ثلاث عورات لكم) سمي هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فيبدو عورته كذا في معالم التنزيل (ليس عليكم ولا عليهم) أي المماليك والصبيان (جناح) في الدخول عليكم بغير الإستئذان (بعدهن) أي بعد الأوقات الثلاثة (طوافون عليكم) أي هم طوافون عليكم للخدمة قال في تفسير الجلالين واية الإستئذان قيل منسوخة وقيل لا ولكن تهاون الناس في ترك استئذان (قرأ القعنبي) هو عبد الله بن مسلمة (ليس لبيوتهم ستور) جمع ستر بالكسر بمعنى الحجاب (ولا حجال) جمع حجلة بفتحتين وهي بيت كالقبة بالثياب يجعلونها للعروس كذا في فتح الودود وفي بعض النسخ ولا حجاب بالموحدة مكان اللام (والرجل على أهله) والواو للحال (فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد) بالضم أي بعد ما جاءهم الله بالستور والخير وقال الإمام ابن كثير في تفسيره تحت قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين الخ) هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض وما تقدم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال ومن قبل صلاة الغداة لأن الناس إذ ذاك
[ 66 ]
يكونون نياما في فرشهم وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة أي في وقت القيلولة لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله ومن بعد صلاة العشاء لأنه وقت النوم فيؤمر الخدم والأطفال أن لا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله أو نحو ذلك من الأعمال ولهذا قال ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن أي إذا دخلوا في حال غيره هذه الأحوال فلا جناح عليكم في تمكينكم إياهم ولا عليهم إن رأوا شيئا من غير تلك الأحوال لأنه قد أذن لهم في الهجوم ولأنهم طوافون عليكم أي في الخدمة وغير ذلك انتهى كلامه ورواية عكرمة عن ابن عباس المذكورة أخرجها ابن أبي حاتم أيضا وهذا لفظه حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرنا سليمان بن بلال عن عمرو ابن أبي عمرو عن ابن عباس أي رجلين سألاه عن الاستئذان في ثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن فقال ابن عباس أن الله ستير يحب الستر كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حجال في بيوتهم فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه فيحجره) وهو على أهله فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمى الله ثم جاء الله بعد بالستور فبسط الله عليهم الرزق فاتخذوا الستور واتخذوا الحجال فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به انتهى قال ابن كثير وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس انتهى (قال أبو داود) هذه العبارة إلى قوله يفسد هذا الحديث لم توجد في أكثر النسخ (حديث عبيد الله) بن أبي يزيد الذي تقدم ونص على الاستئذان (و) كذا حديث (عطاء) عن ابن عباس الذي تقدم أيضا (يفسد) بالدال المهملة من الأفساد أي يضعف (هذا الحديث) أي حديث عكرمة عن ابن عباس وكذا ضعفه المنذري أيضا كما سيجئ ووقع في بعض النسخ يفسر هذا الحديث من التفسير آخره راء مهملة ولا يظهر معناه والله أعلم والجمع بين الروايتين لابن عباس ممكن بحيث أن الإذن إذا لم يكن في البيت حجاب وستر وعدم الإذن إذا يكون في البيت حجاب وستر والله أعلم قال الحافظ المنذري قال بعضهم هذا لا يصح عن ابن عباس هذا آخر كلامه وليس فيه ما يدل على أن عكرمة سمعه من ابن عباس وفي إسناده عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب وهو وإن كان البخاري ومسلم احتجا به فقد قال ابن معين لا يحتج بحديثه وقال مرة ليس بالقوي وليس بحجة وقال مرة مالك يروي عن عمرو بن أبي عمرو وكان يضعف انتهى وقال الحافظ في الهدى الساري مقدمة فتح الباري عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب
[ 67 ]
من صغار التابعين وثقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وضعفه ابن معين والنسائي وعثمان الدارمي لروايته عن عكرمة حديث البهيمة وقال العجلي أنكروا عليه حديث البهيمة يعني حديثه عن عكرمة عن ابن عباس من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة وقال البخاري لا أدري سمعه من عكرمة أم لا وقال أبو داود ليس هو بذاك حدث بحديث البهيمة وقد روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ليس على من أتى بهيمة حد وقال الساجي صدوق إلا أنه يهم قال الحافظ لم يخرج له البخاري من روايته عن عكرمة شيئا بل أخرج له من رواية عن أنس أربعة أحاديث ومن روايته عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حديثا واحدا ومن روايته عن سعيد المقبري عن أبي هريرة حديثا واحدا واحتج به الباقون أي من الأئمة الستة انتهى
[ 68 ]
(باب إفشاء السلام) (لا تدخلوا الجنة) كذا في عامة النسخ بحذف النون ولعل الوجه أن النهي قد يراد به النفي كعكسه المشهور عند أهل العلم والله أعلم وفي نسخه المنذري لا تدخلون بإثبات النون وكذلك في رواية مسلم (حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا) كذا في جميع النسخ الحاضرة بحذف النون وكذلك في رواية مسلم قال القاري لعل حذف النون للمجانسة والازدواج (حتى تحابوا) بحذف إحدى التائين وتشديد الموحدة المضمومة أي حتى يحب كل منكم صاحبه (أفشوا السلام بينكم) أي أظهروا والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته قال النووي أقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة
[ 69 ]
قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه (أي الإسلام خير) أي خصال الإسلام خير (قال تطعم الطعام) تقديره أن تطعم الطعام فلما حذف أن رجع الفعل مرفوعا ويمكن أن يكون خبرا معناه الأمر قاله القاري (على من عرفت ومن لم تعرف) قال النووي تسلم على من لقيته ولا تخص ذلك بمن تعرف وفي ذلك إخلاص العمل لله واستعمال التواضع وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة انتهى قلت وتخصيص السلام بمن يعرف من أشراط الساعة كما جاء في الحديث رواه الطحاوي وغيره عن ابن مسعود ولفظ الطحاوي إن من أشراط الساعة السلام للمعرفة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (باب كيف السلام) (فرد) أي النبي صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على ذلك الرجل (فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر) أي له عشر حسنات أو كتب أو حصل له عشر وكذا التقدير في قوله عشرون وقوله ثلاثون قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه
[ 70 ]
(فقال أربعون) أي له أربعون حسنة بكل لفظ عشر حسنات (هكذا تكون الفضائل) أي تزيد المثوبات بكل لفظ يزيده المسلم قال المنذري في إسناده أبو مرحوم عبد الله بن ميمون وسهل بن معاذ لا يحتج بهما وقال فيه سعيد بن أبي مريم أظن أني سمعت نافع بن يزيد انتهى كلام المنذري (باب في فضل من بدأ السلام) (الذهلي) بضم المعجمة وسكون الهاء (وإن أولى الناس بالله تعالى الخ) قال الطيبي أي أقرب الناس من المتلاقيين إلى رحمة الله من بدأ بالسلام كذا في المرقاة والحديث سكت عنه المنذري (باب من أولى بالسلام) (يسلم الصغير الخ) قال في مرقاة الصعود هو خبر بمعنى الأمر وفي رواية أحمد ليسلم قال ابن بطال عن المهلب تسليم الصغير لأجل حق الكبير لأنه أمر بتوقيره والتواضع له
[ 71 ]
وتسليم القليل لأجل حق الكثير لأن حقهم أعظم وتسليم المار لشبهه بالداخل على أهل المنزل وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع وقال ابن العربي حاصل ما في الحديث أن المفضول بنوع ما يبدأ الفاضل انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي (يسلم الراكب على الماشي) قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (باب في الرجل يفارق الرجل ثم يلقاه أيسلم عليه) (عن أبي مريم) هو الأنصاري الشامي قاله المزي وهكذا ساق الحافظ المزي في الأطراف سند حديث أحمد بن سعيد ثم قال هكذا وقع في روايتنا عن أبي موسى عن أبي مريم وفي رواية أبي الحسن ابن العبد وغيره عن معاوية بن صالح عن أبي مريم عن أبي هريرة ليس فيه عن أبي موسى وهو أشبه بالصواب فإن أبا داود قد روى لمعاوية بن صالح عن أبي مريم عن أبي هريرة حديثا كما سيأتي في موضعه انتهى كلام المزي في ترجمة عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة (فليسلم عليه أيضا) ليس في بعض النسخ لفظ أيضا قال الطيبي فيه حث على إفشاء السلام وأن يكرر عند كل تغيير حال ولكل جاء وغاد والحديث سكت عنه المنذري (وحدثني عبد الوهاب بن بخت) بضم الموحد وسكون المعجمة بعدها مثناة كذا ضبطه الحافظ في التقريب
[ 72 ]
والحديث سكت عنه المنذري (وهو في مشربة) بضم الراء وفتحها أي غرفة (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم قلت ولا يظهر مناسبة الحديث بالباب ويمكن أن يقال في توجيهه بأن المؤلف أراد بهذا التبويب بيان أربع صور للتسليم الأول تسليم الرجل على الرجل تسليم اللقاء ثم مفارقته إياه ثم لقاؤه فماذا يفعل فأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه دلالة واضحة على تسليم الرجل كلما لقيه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه والثاني تسليم الرجل على الرجل تسليم اللقاء ثم مفارقته إياه ثم مجيئه على باب بيته للقاءه فينبغي له أن يسلم عليه ثانيا تسليم الاستئذان والثالث تسليم الرجل على الرجل تسليم الاستئذان فلم يؤذن له فرجع ثم جاءه ثانيا يستأذنه فينبغي له أن يسلم عليه ثانيا تسليم الاستئذان والرابع تسليم الرجل على الرجل تسليم الاستئذان فلم يؤذن له فرجع ثم جاءه ثانيا يستأذنه وسلم تسليم الاستئذان فأذن له فدخل فينبغي له أن يسلم عليه تسليم اللقاء فعلى الصورة الثانية والثالثة والرابعة استدل المؤلف بحديث عمر رضي الله عنه وهذا الحديث مختصر من الحديث الطويل الذي أورده الإمام البخاري في كتاب النكاح وفي كتاب المظالم ما لفظه قال عمر فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصه فإذا هي تبكي فقلت ما يبكيك ألم أكن حذرتك هذا أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم قالت لا أدري ها هو ذا معتزل في المشربة فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لغلام له أسود استأذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام استأذن لعمر فدخل ثم رجع فقال قد ذكرتك له فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت استأذن فدخل ثم رجع إلي فقال قد ذكرتك له فصمت فلما وليت منصرفا إذا الغلام يدعوني فقال قد
[ 73 ]
أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه الحديث بطوله ففي هذا دلالة لكل من ثلاث الصور الباقية أما الثانية فلأن عمر رضي الله عنه صلى صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يظن بعمر رضي الله عنه أنه ترك تسليم اللقاء على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه الحديث ثم فارقه عمر رضي الله عنه إلى أن جاء المشربة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه والاستذان عبد لا يكون إلا مع التسليم كما تقدم عند المؤلف من حديث رجل من بني عامر على أنه في قصة الاعتزال أيضا مصرح في رواية أبي داود أن عمر رضي الله عنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم تسليم الاستئذان ثم قال أيدخل عمر فهذا التسليم تسليم الاستئذان بعد تسلم اللقاء وقت صلاة الصبح وأما الثالة فلأن عمر سلم على النبي صلى الله عليه وسلم تسليم الاستئذان فلم يؤذن له فرجع ثم جاء واستأذن فكيف يترك عمر تسليم الاستئذان ثانيا مع علمه بذلك وأما الرابعة فلأن عمر سلم عليه صلى الله عليه وسلم تسليم الاستئذان أولا كما تدل عليه رواية المؤلف فلم يؤذن له فرجع ثم جاء ثانيا واستأذن فكيف يترك عمر تسليم الاستئذان فإذا أذن له دخل عليه صلى الله عليه وسلم وسلم عليه تسليم اللقاء ولا يخفى ما فيه من التكلف والتعسف وأحسن منه أن يقال إن عمر رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له فاستأذن بواسطة غلام له أسود فقال في استئذانه السلام عليك يا رسول الله السلام عليكم أيدخل عمر وقد وقع الاستئذان من عمر في هذه الواقعة ثلاث مرار على ما أخرجه الشيخان وغيرهما في حديث طويل اختصر منه المؤلف هذا الحديث وقد دل هذا الحديث على طريق استئذان عمر وهو قوله السلام عليك يا رسول الله إلى آخره وهذا الطريق هو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم قريبا في باب كيف الاستئذان من قوله السلام عليكم أأدخل وقد ورد هذا الطريق في عدة أحاديث ذكرها الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلو بيوتا غير بيوتكم الآية بل قد جاء الاكتفاء في الاستئذان على مجرد السلام أيضا كما تقدم في ثالث أبواب الاستئذان وبهذا يظهر المطابقة بين ترجمة الباب وبين حديث عمر رضي الله عنه إذ قد وقع الاستئذان من عمر في هذه الواقعة ثلاث مرات وقد ثبت أن الاستئذان لا بد فيه من التسليم أو هو التسليم وأيما كان فقد سلم عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل لقاء بعد مفارقة ولو بواسطة وقد قرره النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أن الرجل إذا فارق الرجل ثم لقيه سلم وهو مقصود الترجمة والله أعلم
[ 74 ]
قال المنذري وأخرجه النسائي من مسند عبد الله بن عباس والصواب الأول (باب في السلام على الصبيان) بالكسر جمع صبي (على غلمان) بكسر أوله جمع غلام بمعنى صبي (فسلم عليهم) فيه استحباب السلام على الصبيان وبيان تواضعه صلى الله عليه وسلم وكمال شفقته قال ابن بطال في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة وفيه طرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث سيار أبي الحكم عن ثابت بنحوه (انتهى إلينا) أي وصل إلينا (وأنا غلام في الغلمان) أي في جملتهم والواو للحال (أو قال إلى جدار) شك من الراوي (حتى رجعت إليه) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (باب في السلام على النساء) (عن ابن أبي حسين) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث المكي وثقه أحمد والنسائي (في نسوة) أي حال كوننا مع جماعة كثيرة من النساء
[ 75 ]
وقال الطيبي هو متعلق بالجار والمجرور وبيان له وهو من باب قولك في البيضة عشرون رطلا من حديد وهي بنفسها هذا المقدار لا أنها ظرف له (فسلم علينا) قال الحليمي كان صلى الله عليه وسلم للعصمة مأمونا من الفتنة فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم وإلا فالصمت أسلم قال ابن بطال عن المهلب سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة وفرق المالكية بين الشابة والعجوز سدا للذريعة ومنع منه ربيعة مطلقا وقال الكوفيون لا يشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال لأنهم منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة قالوا ويستثني المحرم فيجوز لها السلام على محرمها كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن وقال أحمد بن حنبل لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب يعني هذا الحديث وقال محمد بن إسماعيل شهر حسن الحديث وقوي أمره وقد تقدم الاختلاف في الاحتجاج بحديث شهر بن حوشب (باب في السلام على أهل الذمة) (فجعلوا يمرون) عوام من النصارى (بصوامع فيها نصارى) أي رهبانهم والصوامع جمع صومعة بفتح مهملتين وبميم وهي نحو المنارة ينقطع فيها رهبان النصارى (فيسلمون) أي عوام النصارى (عليهم) أي على رهبانهم (لا تبدأوهم بالسلام) لأن الابتداء به إعزاز للمسلم عليه ولا يجوز إعزازهم قيل النهي للتنزيه وضعفه النووي وقال الصواب أن ابتداءهم بالسلام حرام وقال الطيبي المختار أن المبتدع لا يبدأ بالسلام ولو سلم على من لا يعرفه فظهر ذميا أو مبتدعا يقول استرجعت سلامي تحقيرا له كذا في شرح المشارق لابن مالك (فاضطروهم إلى أضيق الطريق) أي ألجؤهم إلى أضيقه بحيث لو كان في الطريق جدار يلتصق بالجدار وإلا فيأمره ليعدل عن وسط الطريق إلى أحد طرفيه قاله القاري
[ 76 ]
وقال ابن الملك يعني لا تتركوا لهم صدر الطريق هذا في صورة الازدحام وأما إذا خلت الطريق فلا حرج قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي دون القضية (فإنما يقول السام عليكم) أي بالألف ومعناه الموت العاجل (فقولوا وعليكم) قال النووي في شرح صحيح مسلم قد جاءت الأحاديث التي ذكرها مسلم عليكم وعليكم بإثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات بإثباتها وعلى هذا في معناه وجهان أحدهما أنه على ظاهره فقالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء وكلنا نموت والثاني أن الواو ههنا للاستئناف لا للعطف والتشريك وتقديره وعليكم ما تستحقونه من
[ 77 ]
الذم وأما من حذف الواو فتقديره بل عليكم السام (وكذلك رواه مالك) أي بلفظ وعليكم بالواو وضمير الجمع (ورواه الثوري) أي وكذلك رواه الثوري (قال فيه وعليكم) أي بالواو وضمير الجمع قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي ولفظ الترمذي وفي لفظ لمسلم والنسائي فقل عليك بغير واو وحديث مالك الذي أشار إليه أبو داود أخرجه البخاري في صحيحه وحديث سفيان الثوري أخرجه البخاري ومسلم وأخرجه النسائي من حديث عيينة بإسقاط الواو وقال الخطابي هكذا يرويه عامة المحدثين وعليكم بالواو وكان سفيان بن عيينة يرويه عليكم بحذف الواو وهو الصواب وذلك أنه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه نفسه مردودا عليهم وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه لأن الواو حرف العطف والجمع بين الشيئين والسام فسروه بالموت هذا آخر كلامه وقد أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار بغير واو كما قدمناه وقال غيره أما من فسر السام بالموت فلا يبعد الواو ومن فسره بالسآمة وهي الملالة أي تسامون دينكم فإسقاط الواو هو الوجه واختار بعضهم أن يرد عليهم السلام بكسر السين وهي الحجارة وقال غيره الأول أولى لأن السنة وردت بما ذكرناه ولأن الرد إنما يكون يجنس المردود لا بغيره انتهى كلام المنذري
[ 78 ]
(إن أهل الكتاب يسلمون الخ) قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وأخرجه البخاري ومسلم من حديث عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن جده بمعناه (قال أبو داود وكذلك رواية عائشة الخ) قال المنذري فأما حديث عائشة الذي أشار إليه أبو داود فأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأما حديث عبد الرحمن الجهني فأخرجه ابن ماجه وأما حديث أبي بصرة الغفاري فأخرجه النسائي (باب في السلام إذا قام من المجلس) (إذا انتهى) أي جاء ووصل (فليست الاولى) أي التسليمة الأولى (بأحق) أي بأولى وأليق (من الآخرة) بل كلتاهما حق وسنة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن وأخرجه النسائي أيضا من حديث سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وأشار إليه الترمذي (باب كراهية أن يقول عليك السلام) (عن أبي جري) بالجيم والراء مصغرا (الهجيمي) بالجيم مصغرا نسبة إلى الهجيم بن عمرو بن تميم
[ 79 ]
قال البخاري أصح شئ عندنا في اسم أبي جري جابر بن سليم انتهى سكن البصرة روى عنه ابن سير وأبو تميمة الهيمي عليه قاله ابن الأثير وزاد الذهبي في التجريد وعقيل بن طلحة وابن المعتمر انتهى (لا تقل عليك السلام الخ) فيه كراهة أن يقول في الابتداء عليك السلام والسنة للمبتدئ أن يقول السلام عليكم والحديث قد تقدم في كتاب اللباس قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي مختصرا ومطولا وقال الترمذي حسن صحيح وقد تقدم في كتاب اللباس (باب ما جاء في رد واحد عن الجماعة) (الجدي) بضم الجيم وتشديد الدال (قال أبو داود رفعه الحسن بن علي) أي رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي رواه مرفوعا والحسن بن علي هذا هو شيخ أبي داود (يجزئ) بضم أوله وكسر الزاي بعد همزة أي يكفي (أن يسلم أحدهم) أي أحد المارين قال القاري اعلم أن ابتداء السلام سنة مستحبة ليست بواجبة وهي سنة على الكفاية فإن كانوا جماعة كفى عنهم تسليم واحد ولو سلموا كلهم كان أفضل (ويجزئ عن الجلوس) بضم الجيم جمع جالس والمراد بهم المسلم عليهم بأي صفة كانوا وإنما خص الجلوس لأنه الغالب على جمع مجتمعين (أن يرد أحدهم) قال القاري وهذا فرض كفاية بالاتفاق ولو ردوا كلهم كان أفضل كما هو شأن فروض الكفاية كلها قال المنذري في إسناده سعيد بن خالد الخزاعي المدني قال أبو زرعة الرازي مدني ضعيف وقال أبو حاتم الرازي هو ضعيف الحديث وقال البخاري فيه نظر وقال الدارقطني ليس بالقوي
[ 80 ]
(باب في المصافحة) قال في القاموس والمصافحة الأخذ باليد كالتصافح انتهى وقال في تاج العروج شرح القاموس والرجل يصافح الرجل إذا وضع صفح كفه في صفح كفه وصفحا كفيهما وجهاهما ومنه حديث المصافحة عند اللقي وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف وإقبال الوجه بالوجه كذا في اللسان والأساس والتهذيب انتهى وفي المرقاة شرح المشكاة المصافحة هي الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد انتهى ومما يدل على أن المصافحة بيد واحدة ما أخرجه ابن عبد البر في التمهيد بقوله حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا يعقوب بن كعب حدثنا مبشر بن إسماعيل عن حسان بن نوح عن عبيد الله ابن بسر قال ترون يدي هذه صافحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث وإسناده صحيح والله أعلم (واستغفراه) أي طلبا المغفرة من مولاهما (غفر لهما) بصيغة المجهول وفي
[ 81 ]
الحديث سنية المصافحة عند اللقي وأنه يستحب عند المصافحة حمد الله تعالى والاستغفار وهو قوله يغفر الله لنا ولكم ولفظ ابن السني من حديث البراء إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله تعالى واستغفرا غفر الله عز وجل لهما وأخرج ابن السني عن أنس قال ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد رجل ففارقه حتى قال اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وفيه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من عبدين متحابين في الله يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه فيصليان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لم يتفرقا حتى تغفر ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر انتهى قال النووي المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي قال الحافظ ويستثني من عموم الأمر بالمصافحة المرأة الأجنبية والأمرد الحسن انتهى وقال النووي في كتاب الأذكار واعلم أن هذه المصافحة عند كل لقاء وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه ولكن لا بأس به فإن أصل المصافحة سنة وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها وذكر الأمام أبو محمد بن عبد السلام أن البدع على خمسة أقسام واجبة ومحرمة ومكروهة ومستحبة ومباحة قال ومن أمثلة البدع المباحة المصافحة عقب الصبح والعصر انتهى ورد عليه العلامة علي القاري في شرح المشكاة فقال ولا يخفى أن في كلام الإمام نوع تناقض لأن إتيان السنة في بعض الأوقات لا يسمى بدعة مع أن عمل الناس في الوقتين المذكورين ليس على وجه الاستحباب المشروع فإن محل المصافحة المشروعة أول الملاقاة وقد يكون جماعة يتلاقون من غير مصافحة ويتصاحبون بالكلام ومذاكرة العلم وغيره مدة مديدة ثم إذا صلوا يتصافحون فأين هذا من السنة المشروعة ولهذا صرح بعض علمائنا بأنها مكروهة من البدع المذمومة انتهى كلامه
[ 82 ]
قلت والذي قاله علي القاري هو الحق والصواب وقول النووي خطأ وتقسيم البدع إلى خمسة أقسام كما ذهب إليه الإمام ابن عبد السلام وتبعه عليه الإمام النووي أنكر عليه جماعة من العلماء المحققين ومن آخرهم شيخنا القاضي العلامة بشير الدين القنوجي رحمه الله فإنه رد عليه ردا بالغا قلت وكذا المصافحة والمعانقة بعد صلاة العيدين من البدع المذمومة المخالفة للشرع والله أعلم قال المنذري في إسناده اضطراب وفي إسناده أبو بلج ويقال أبو صالح يحيى بن سليم ويقال يحيى بن أبي الأسود الفزاري الواسطي ويقال الكوفي قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم الرازي لا بأس به وقال البخاري وفيه نظر وقال السعدي غير ثقة وضعفه الإمام أحمد وقال وروى حديثا منكرا هذا آخر كلامه وبلج بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وبعدها جيم انتهى كلام المنذري (قبل أن يفترقا) أي بالأبدان وبالفراغ عن المصافحة قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب من حديث أبي إسحاق عن البراء هذا آخر كلامه وفي إسناده الأجلح واسمه يحيى بن عبد الله أبو حجية الكندي قال ابن معين ثقة وقال مرة صالح ومرة ليس به بأس وقال ابن عدي يعد في شيعة الكوفة وهو عندي مستقيم الحديث صدوق وقال أبو زرعة الرازي ليس بقوي وقال أبو حاتم الرازي ليس بقوي كان كثير الخطأ مضطرب الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به وقال الإمام أحمد روى غير حديث منكر وقال السعدي الأجلح مفتر وقال ابن حبان كان لا يدري ما يقول يجعل أبا سفيان أبا الزبير ويقلب الأسامي انتهى كلام المنذري (قد جاءكم أهل اليمن الخ) قال المنذري رجال إسناده اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثهم سوى حماد بن سلمة فإن مسلما انفرد بالاحتجاج بحديثه
[ 83 ]
وقد أخرج البخاري في الصحيح عن قتادة قال قلت لأنس بن مالك أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم وقد أخرج البخاري ومسلم حديث كعب بن مالك وفيه دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني وقال البخاري وصافح حماد بن زيد بن المبارك بيديه وقال غيره المصافحة حسنة عند عامة العلماء وقد استحسنها مالك بعد كراهته وهي مما تثبت الود وتؤكد المحبة واستشهد بموقع فعل طلحة عند كعب بن مالك وسروره بذلك وقوله لا أنساها لطلحة وذكر ما رواه قتادة عن أنس أن المصافحة كانت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال وهم الحجة والقدوة الذين يلزم اتباعهم انتهى كلام المنذري (باب في المعانقة) (عن أيوب بن بشير) بالتصغير (عن رجل من عنزة) بعين مهملة فنون فزاي مفتوحات قبيلة شهيرة (حيث سير من الشام) بصيغة المجهول من التسيير يقال سيره من بلده أخرجه وأجلاه والمعنى حين أخرج أبو ذر من الشام وكان أبو ذر يسكن بالشام بدمشق وكان معاوية إذ ذاك عامل عثمان عليها فاختلف هو ومعاوية في الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله قال معاوية نزلت فينا وفيهم فكان بينه وبينه فكتب معاوية إلى عثمان يشكوه فطلب عثمان أبا ذر بالمدينة وهذا هو سبب خروجه من الشام وقصته مذكورة في صحيح البخاري (قال إذا) بالتنوين (فلما جئت) أي رجعت إلى أهلي (أخبرت) بصيغة المجهول (وهو) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (على سريره) قال ابن الملك قد يعبر بالسرير عن الملك والنعمة فالسرير هنا يجوز أن يكون المراد به ملك النبوة
[ 84 ]
ونعمتها وقيل هو السرير من جريد النخل يتخذه كل أحد من أهل المدينة وأهل مصر للنوم فيه وتوقيا من الهوام انتهى قال القاري والمعتمد ما قيل كما لا يخفى (فالتزمني) أي عانقتي ما (فكانت تلك) أي تلك الفعلة وهي التزامه قاله في فتح الودود وقيل أي الالتزام لأن المصدر يذكر ويؤنث (أجود) أي من المصافحة في إفاضة الروح والراحة أو أحسن من كل شئ وبنصره عدم ذكر متعلق أفعل ليعم ويؤيده تأكيده مكررا بقوله وأجود كذا في المرقاة قال المنذري رجل من عنزة مجهول وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير وقال مرسل انتهى وأخرج أحمد في مسنده من طريق بشر بن المفضل عن خالد بن ذكوان حدثني أيوب بن بشير عن فلان العنزي وفيه فقلت يا أبا ذر إني سائلك عن بعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان سرا من سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أحدثك قلت ليس بسر ولكن كان إذا لقي الرجل يأخذ بيده يصافحه قال على الخبير سقطت لم يلقني قط إلا أخذ بيدي غير مرة واحدة وكانت تلك آخرهن أرسل إلي فأتيته في مرضه الذي توفي فيه فوجدته مضطجعا فأكببت عليه فرفع يده فالتزمني صلى الله عليه وسلم (باب في القيام) قد أورد المؤلف في هذا الباب حديثين دالين على جواز القيام ثم ترجم بعد عدة أبواب بلفظ باب الرجل يقوم للرجل يعظمه بذلك وأورد فيه حديثين يدلان على النهي عن القيام فكأنه أراد بصنيعه هذا الجمع بين الأحاديث المختلفة في جواز القيام وعدمه بأن القيام إذا كان للتعظيم مثل صنيع الأعاجم فهو منهي عنه وإذا كان لأجل العلم والفضل والصلاح والشرف والود والمحبة فهو جائز وقال النووي في الأذكار وأما إكرام الداخل بالقيام فالذي نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام لا للرياء والإعظام وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف وقد جمعت في ذلك جزء جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف وأفعالهم الدالة على ما ذكرته وذكرت فيه ما خالفها وأوضحت الجواب عنه فمن أشكل عليه من ذلك شئ ورغب في مطالعته رجوت أن يزول إشكاله انتهى كلامه قلت وقد نقل تلك الرسالة الشيخ ابن الحاج في كتابه المدخل وتعقب على كل ما
[ 85 ]
استدل به النووي رحمه الله ورد كلامه فعليك بمطالعة المدخل وفتح الباري (أن أهل قريظة) بالتصغير وهم جماعة من اليهود (على حكم سعد) أي ابن معاذ لكونهم من خلفاء قومه (أرسل إليه) أي رسولا (أقمر) أي أبيض (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) أي للأنصار كما في رواية الشيخين (قوموا إلى سيدكم أو إلى خيركم) شك من الراوي قال القاري في المرقاة قيل أي لتعظيمه ويستدل به على عدم كراهته فيكون الأمر للاباحة ولبيان الجواز وقيل معناه قوموا لإعانته في النزول عن الحمار إذا كان به مرض وأثر جرح أصاب أكحله يوم الأحزاب ولو أراد تعظيمه لقال قوموا لسيدكم ومما يؤديه تخصيص الأنصار والتنصيص على السيادة المضافة وأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يقومون
[ 86 ]
له صلى الله عليه وسلم تعظيما له مع أنه سيد الخلق لما يعلمون من كراهيته لذلك على ما سيأتي انتهى كلام القاري قلت أراد بما سيأتي حديث أنس رضي الله عنه قال لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح ولقد أصاب من قال إن معناه قوموا لإعانته في النزول عن الحمار فقد وقع في مسند عائشة عند أحمد بلفظ قوموا إلى سيدكم فأنزلوه قال الحافظ سنده حسن قال وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه انتهى كلام الحافظ والمراد بالقيام المتنازع فيه القيام للتعظيم قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي والأقمر هو الشديد البياض والأنثى قمراء انتهى كلام المنذري (ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا) بفتح فسكون (ودلا) بفتح دال وتشديد لام (وهديا) بفتح
[ 87 ]
فسكون قال في فتح الودود هذه الألفاظ متقاربة المعاني فمعناها الهيئة والطريقة وحسن الحال ونحو ذلك انتهى وفسر الراغب الدل بحسن الشمائل (وقال الحسن) هو ابن علي شيخ أبي داود (ولم يذكر الحسن) هو ابن علي المذكور (من فاطمة) صلة أفعل التفضيل أعني أشبه (كانت) أي فاطمة (إذا دخلت عليه) أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (قام إليها) أي مستقبلا ومتوجها (فقبلها) قال القاري أي ما بين عينيها أو رأسها (وكان إذا دخل) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقبلته) أي عضوا من أعضائه الشريفة والظاهر أنه اليد المنيفة واحتج النووي بهذا الحديث أيضا على جواز القيام المتنازع وأجاب عنه ابن الحاج باحتمال أن يكون القيام لها لأجل إجلاسها في مكانه إكراما لها لا على وجه القيام المنازع فيه ولاسيما ما عرف من ضيق بيوتهم وقلة الفرش فيها فكانت إرادة إجلاسه لها في موضعه مستلزمة لقيامه وأمعن في بسط ذلك كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه (باب في قبلة الرجل ولده) (أبصر) أي رأى (وهو يقبل) بتشديد الموحدة والواو للحال (إن لي عشرة من الولد) بفتحتين ويجوز ضم أوله وسكون ثانيه بمعنى الأولاد (ما فعلت هذا) أي التقبيل (من لا يرحم لا يرحم) الفعل الأول على البناء للفاعل والثاني للمفعول وروى الفعلان مرفوعين على أن تكون من موصولة ومجزومين لا على أن تكون شرطية ويجوز أن يراد من الرحمة الأولى الشفقة على الأولاد بقرينة ما قبله وأن يراد أعم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي
[ 88 ]
(أبشري) بقطع الهمزة (قد أنزل عذرك) وفي رواية البخاري فقد أنزل الله براءتك (وقرأ) أي النبي صلى الله عليه وسلم (عليها) أي على عائشة (القرآن) أي آيات براءتها من قوله تعالى إن الذين جاءوا بالإفك الخ (فقال أبواي) أي أبي أبو بكر وأمي أم رومان (قومي فقبلي) بتشديد الموحدة (لا إياكما) أي لا أحمد إياكما قال المنذري هو طرف من الحديث وقد أخرجه البخاري ومسلم من هذه الطريق مختصرا ومطولا (باب في قبلة ما بين العينين) (علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء (تلقى جعفر بن أبي طالب) أي استقبله حين قدم من السفر (فالتزمه) أي عانقه قال المنذري هذا مرسل وأجلح تقدم الكلام عليه (باب في قبلة الخد) (عن إياس بن دغفل) بفتح دال مهملة وسكون غين معجمة وفتح فاء (رأيت أبا نضرة) بنون ومعجمة ساكنة اسمه منذر بن مالك ثقة من الثالثة (قبل خد الحسن رضي الله عنه) هكذا في أكثر النسخ وكذا في أطراف المزي الحسن غير منسوب وفي بعض النسخ الحسن بن علي عليهما السلام
[ 89 ]
قال المنذري إياس بن دغفل الحراني بصري تابعي وأبو نضرة المنذر بن مالك بن قطعة العوقي البصري تابعي والحسن هو ابن أبي الحسن البصري ودغفل هو بفتح الدال وسكون الغين المعجمة وبعدها فاء مفتوحة ولام ونضرة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وبعدها راء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث والعوقة بفتح العين المهملة وبعدها واو مفتوحة وقاف مفتوحة وتاء تأنيث بطن من عبد القيس (أول ما قدم المدينة) ما مصدرية أي أول قدومه المدينة (قد أصابتها حمى) بضم الحاء وتشديد الميم مقصورا (يا بنية) تصغير بنت للشفقة (وقبل خدها) أي للمرحمة والمودة أو مراعاة للسنة قاله القاري والحديث سكت عنه المنذري (باب في قبلة اليد) (وذكر قصة) قد تقدم ذكر هذه القصة في كتاب الجهاد (فدنونا) أي قربنا قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد يعني أبي زياد هذا آخر كلامه وقد تقدم في كتاب الجهاد أتم من هذا وقد روى عمرو بن مرة الجملي عن عبد الله بن سلمة وهو أبو العالية الكوفي وهو بكسر اللام عن صفوان بن عسال رضي الله عنهم أن يهوديا قال لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبي قال فقبلا يده ورجله وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا وأخرجه الترمذي في موضعين من كتابه وصححه في الموضعين قال وفي الباب عن يزيد بن الأسود وابن عمر وكعب بن مالك
[ 90 ]
وقال النسائي في حديث صفوان وهذا حديث منكر ويشبه أن يكون إنكار النسائي له من جهة عبد الله بن سلمة فإن فيه مقالا وقد صنف الحافظ أبو بكر الأصبهاني المقري جزأ في الرخصة في تقبيل اليد ذكر فيه حديث ابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وبريدة بن الحصيب وصفوان بن عسال وبريدة العبدي والزارع بن عامر العبدي وذكر فيه آثارا صحيحة عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وذكر بعضهم أن مالكا أنكره وأنكر ما روى فيه وأجازه آخرون وقال الأبهري إنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر والتعظيم لمن فعل ذلك به فأما إذا قبل إنسان يد إنسان أو وجهه أو شيئا من بدنه ما لم يكن عورة على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز وتقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم يقرب إلى الله وما كان من ذلك تعظيما لدنيا أو لسلطان أو لشبهه من وجوه التكبر فلا يجوز انتهى كلام المنذري (باب في قبلة الجسد) (عن أسيد بن حضير) بالتصغير فيهما (رجل) بالجر على أنه بدل من أسيد أو بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو رجل من الأنصار (قال بينما هو) أي أسيد والقائل هو عبد الرحمن بن أبي ليلى (وكان فيه مزاح) قال الجوهري المزاح بالضم الاسم وأما المزاح بالكسر فهو مصدر مازحه والمفهوم من القاموس أنهما مصدران إلا أن الضم مصدر المجرد والكسر مصدر المزيد كذا في المرقاة (فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم) أي ضربه على سبيل المزاح (في خاصرته) معناه بالفارسية تهى كاه (فقال) أي أسيد (أصبرني) بفتح الهمزة وكسر الموحدة أي أقدرني ومكني من استيفاء القصاص حتى أطعن في خاصرتك كما طعنت في خاصرتي (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (اصطبر) أي استوف القصاص قال الخطابي معنى أصبرني أقدني من نفسك ومعنى اصطبر استقد قال في النهاية إن النبي صلى الله عليه وسلم طعن إنسانا بقضيب مداعبة فقال له أصبرني قال اصطبر أي أقدني من نفسك قال استقد يقال اصطبر فلان من خصمه واصطبر أي اقتص منه واصبره الحاكم
[ 91 ]
أي أقصه من خصمه انتهى (فاحتضنه) أي اعتنقه وأخذه في حضنه وهو ما دون الإبط إلى الكشح (وجعل يقبل كشحه) هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الأقصر من أضلاع الجنب كذا في المرقاة وقال في الصراح كشح تهيكاه (قال إنما أردت هذا) أي ما أردت بقولي أصبرني إلا هذا التقبيل وما أردت حقيقة القصاص والحديث سكت عنه المنذري (باب قبلة الرجل) بكسر الراء وسكون الجيم (أخبرنا مطر) بفتحتين (بن عبد الرحمن الأعنق) بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح النون (وكان) أي زارع (في وفد عبد القيس) أي في ما بينهم ومن جملتهم (فجعلنا نتبادر) أي في النزول من رواحلنا (وانتظر المنذر الأشج) قال الذهبي في التجريد أشج عبد القيس اسمه المنذر بن الحارث العبدي انتهى قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات شرح المشكاة روى أنه لما وفد عبد القيس تبادروا من رواحلهم وسقطوا عنها على الأرض وفعلوا ما فعلوا وقررهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك والذي كان رأسهم ومقدمهم اسمه الأشج نزل أولا في منزل له واغتسل ولبس الثياب البيض ثم دخل المسجد فصلى فيه ركعتين ودعا فقصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاضعا خاشعا بتأني ووقار فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأدب أثنى عليه وقال إن فيك خلتين إلى آخره انتهى (عيبته) بفتح عين مهملة مثناة تحتية ساكنة ثم موحدة مفتوحة مستودع الثياب (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (له) أي للمنذر الأشج (خلتين) أي خصلتين (الحلم والأناة) رويا مرفوعين ومنصوبين الحلم بكسر الحاء تأخير مكافأة الظالم والمراد به هنا عدم استعجاله وتراخيه حتى
[ 92 ]
ينظر في مصالحه والأناة على وزن القناة هو التثبت والوقار كذا في شرح المشارق لابن الملك (جبلني) أي خلقني وفي الحديث دليل على جواز تقبيل الأرجل قال المنذري وأخرج هذا الحديث أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة وقال ولا أعلم لزارع غيره وذكر أبو عمرو النمري أن كنيته أبو الزارع وأن له ابنا يسمى الزارع وبه كان يكنى وأن حديثه عند البصريين وأن حديثه هذا حسن (باب في الرجل يقول جعلني الله فداك) فدى بالكسر مقصور ويفتح أيضا لكنه مرجوح على ما نقله الأزهري عن الفراء بأن الكسر مع القصر هو الراجح والفتح مرجوح وقال أبو علي القالي قال الفراء إذا فتحوا الفاء قصروا فقالوا فدى لك وإذا كسروا الفاء مدوا وربما كسروا الفاء وقصروا فقالوا هم فدى لك وأيضا قال أبو علي سمعت الأخفش يقول لا يقتصر الفداء بكسر الفاء إلا للضرورة وإنما المقصور هو المفتوح وقال الجوهري الفداء كسر أوله يمد ويقصر وإذا فتح فهو مقصور انتهى ويراد من هذه الجملة الدعاء على النوعين أحدهما حفظ الإنسان وإخلاصه عن النائبة ببذل المال عنه قاله الراغب كما في قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين أي على الذين يطيقونه أن يحفظوا ويخلصوا أنفسهم عن النائبه عن أي تكليف الصوم أو عذاب عدم الصوم ببذل المال عنهم وهو إطعام المسكين فكان معنى الجملة أن الله جعلني أن أحفظك عن النوائب ببذل المال عنك
[ 93 ]
والثاني إقامة الشئ مقام الشئ في دفع المكاره قاله أبو البقاء كما في قوله تعالى وفديناه بذبح عظيم أي أقمنا ذبحا عظيما مقام إسماعيل في دفع المكروه يعني الذبح عنه فكان معنى الجملة أن الله يحفظك عن المكاره وجعلني قائما مقامك في دفعها عنك ويعرض لي ما يعرض لك من النوائب والمكاره في عوضك وهذا المعنى هو الصريح في المقصود تقول العرب فداك أبي وأمي أي أبي وأمي ينوبان منابك في دفع المكروه عنك وأنشد الأصمعي للنابغة مهلا فداء لك الأقوام كلهم * وما أثمر من مال ومن ولد أي الأقوام كلهم وجميع الأموال والأولاد ينوبون منابك في دفع المكاره عنك ويعرض لهم في عوضك ما يعرض لك من النوائب والمكاره وأنت تسلم وتحفظ منها وقد ترجم البخاري باب قول الرجل فداك أبي وأمي وباب قول الرجل جعلني الله فداءك انتهى قال الحافظ أي هل يباح أو يكره وقد استوعب الأخبار الدالة على الجواز أبو بكر بن أبي عاصم وجزم بجواز ذلك فقال للمرء أن يقول ذلك لسلطانه ولكبيره ولذوي العلم ولمن أحب من إخوانه غير محظور عليه ذلك بل يثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه ولو كان ذلك محظورا لنهي النبي صلى الله عليه وسلم قائل ذلك ولا أعلمه أن ذلك غير جائز أن يقال لأحد غيره وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد في الترجمة قال للطبراني في هذه الأحاديث دليل على جواز قول ذلك انتهى (فقلت لبيك وسعيدك) يجئ معناه في باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك (وأنا فداك) وفي بعض النسخ فداؤك وفي نسخة المنذري جعلني الله فداك مكان وأنا فداك قال في مجمع البحار بكسر فاء وفتحها مدا وقصرا وقال الحافظ في فتح الباري تحت قوله فاغفر فدى لك ما اقتفينا قال المازري لا يقال الله فداء لك لأنها كلمة تستعمل عند توقع مكروه لشخص فيختار شخص آخر أن يحل به دون ذلك الآخر ويفديه فهو إما مجاز عن الرضا كأنه قال نفسي مبذولة لرضاك أو هذه الكلمة وقعت خطابا لسامع الكلام انتهى وفي الحديث دليل جواز قول جعلني الله فداك أو أنا فداؤك والحديث سكت عنه المنذري
[ 94 ]
(باب في الرجل يقول أنعم الله بك عينا) (عن قتادة أو غيره) شك من الراوي (أنعم الله بك عينا) أي أقر بك عين من تحبه أو أقر عينك بمن تحبه كذا في القاموس قال في المرقاة أنعم الله بك عينا الباء زائدة لتأكيد التعدية والمعنى أقر الله عينك بمن تحبه وعينا تمييز من المفعول أو بما تحبه من النعمة ويجوز كونه من أنعم الرجل إذا دخل في النعيم فالباء للتعدية وقيل الباء للسببية أي أنعم الله بسببك عينا أي عين من يحبك انتهى (وأنعم) قال القاري في المرقاة بقطع همز وكسر عين وفي نسخة بهمز وصل وفتح عين من النعومة (صباحا) تمييز أو ظرف أي طاب عيشك في الصباح (فلما كان الإسلام) أي وجد (نهينا) بصيغة المجهول (قال معمر يكره أن يقول الرجل الخ) قال في فتح الودود ما حاصله إن الظاهر أن مبنى النهي على أنه من تحية الجاهلية ولكن كان المشهور عند أهل الجاهلية أنعم الله بك عينا فإذا تغير ذلك ما بقي له حكم تحية الجاهلية انتهى قال المنذري هذا منقطع قتادة لم يسمع من عمران بن حصين انتهى وقال الإمام ابن الأثير في النهاية وفي حديث مطرف لا تقل نعم الله بك عينا فإن الله لا ينعم بأحد عينا ولكن قل أنعم الله بك عينا قال الزمخشري الذي منع منه مطرف صحيح فصيح في كلامهم وعينا نصب على التمييز من الكاف والباء للتعدية والمعنى نعمك الله عينا أي نعم عينك وأقرها وقد يحذفون الجار ويوصلون الفعل فيقولون نعمك الله عينا وأما أنعم الله بك عينا فالباء فيه زائدة لأن الهمزة كافية في التعدية تقول نعم زبد عينا وأنعمه الله عينا ويجوز أن يكون من أنعم إذا دخل في النعيم فيتعدى بالباء قال ولعل مطرفا خيل إليه أن انتصاب المميز في هذا الكلام عن الفاعل فاستعظمه تعالى الله أن يوصف بالحواس علوا كبيرا كما يقولون نعمت بهذا الأمر عينا والباء للتعدية فحسب أن الأمر في نعم الله بك عينا كذلك انتهى كلامه
[ 95 ]
(باب الرجل يقول للرجل حفظك الله) (فانطلق سرعان من الناس) بفتح السين المهملة وفتح الراء هو المشهور ويروي بإسكان الراء هم المسرعون إلى الخروج كذا في السبل قال المنذري وأخرجه مسلم بطوله وقد تقدم في كتاب الصلاة مختصرا أيضا وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا وقد تقدم الكلام على سرعان (باب الرجل يقوم للرجل يعظمه بذلك) (من أحب أن يمثل له) كينصر أي يقوم وينتصب له (فليتبوأ) أي فليهئ أمر بمعنى
[ 96 ]
الخبر كأنه قال من أحب ذلك وجب له أن ينزل منزلة من النار وحق له ذلك واستدل المؤلف رحمه الله بهذا الحديث على منع قيام الرجل للرجل تعظيما له وفي فتح الباري قال النووي في الجواب عن هذا الحديث إن الأصح والأولى بل الذي لا حاجة إلى ما سواه أن معناه زجر المكلف أن يحب قيام الناس له قال وليس فيه تعرض للقيام بنهي ولا غيره وهذا متفق عليه قال والمنهي عنه محبة القيام فلو لم يخطر بباله فقاموا له أو لم يقوموا فلا لوم عليه فإن أحب ارتكب التحريم سواء قاموا أو لم يقوموا قال فلا يصح الاحتجاج به لترك القيام فإن قيل فالقيام سبب للوقوع في المنهى عنه قلنا هذا فاسد لأنا قدمنا أن الوقوع في المنهى عنه يتعلق بالمحبة خاصة انتهى ملخصا ولا يخفى ما فيه واعترضه ابن الحاج بأن الصحابي الذي تلقى ذلك من صاحب الشرع قد فهم منه النهي عن القيام الموقع للذي يقام له في المحذور فصوب فعل من امتنع من القيام دون من قام وأقروه على ذلك وكذا قال شمس الذين ابن القيم في حواشي السنن في سياق حديث معاوية رد على من زعم أن النهي إنما هو في حق من يقوم الرجال بحضرته لأن معاوية إنما روى الحديث حين خرج فقاموا له انتهى ما في الفتح قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن هذا آخر كلامه وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وما بعده في الورق التي قبل هذا في باب ما جاء في القيام انتهى كلام المنذري (عن أبي العدبس) بفتح المهملتين والموحدة المشددة بعدها مهملة كوفي مجهول من السادسة كذا في التقريب (متوكئا) أي معتمدا (على عصا) أي لمرض كان به قاله القاري (فقمنا إليه) وفي المشكاة فقمنا له قال القاري أي لتعظيمه واحتج بهذا الحديث على منع القيام وأجاب عنه الطبري بأنه حديث ضعيف مضطرب السند فيه من لا يعرف كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده أبو غالب واسمه حزور ويقال نافع ويقال سعيد بن الحزور قال يحيى بن معين صالح الحديث وقال مرة ليس به بأس وقال مرة ترك شعبة أبا غالب إنه رآه يحدث في الشمس وضعفه شعبة على أنه تغير عقله وقال موسى بن هارون ثقة وقال أبو حاتم الرازي ليس بالقوي وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج
[ 97 ]
به إلا فيما يوافق الثقات وقال ابن سعد في الطبقات اسمه نافع وكان ضعيفا منكر الحديث وقال النسائي ضعيف وقال الدارقطني لا يعتبر به وقال مرة ثقة هذا آخر كلامه وحزور بفتح الحاء المهملة وبعدها زاي مفتوحة وواو مشددة مفتوحة وبعدها راء مهملة وهو مذكور في الأسماء المفردة وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير عن جابر أنهم لما صلوا خلفه قعودا قال فلما سلم قال إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا انتهى كلام المنذري بن (باب في الرجل يقول فلان يقرئك بالسلام) (عن غالب) هو ابن خطاف البصري القطان قاله المنذري (إنا لجلوس) أي جالسون (بباب الحسن) أي البصري (عن جدي قال) أي الجد (فقال ائته) أمر من أتى يأتي (فقال عليك وعلى أبيك السلام) قال في فتح الودود هذا يدل على أنه يرده على الحامل أيضا وحديث عائشة الآتي يدل على جواز الاقتصار على الأصل فيؤخذ من الحديثين أن الأول مندوب والثاني جائز انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وقال فيه عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده هذا الإسناد فيه مجاهيل وخطاف بضم الخاء المعجمة ويقال بفتح الخاء وبعدها طاء مهملة مشددة مفتوحة وبعد الألف فاء أخت القاف (فقالت وعليه السلام) قال الحافظ في فتح الباري ولم أر في شئ من طرق حديث عائشة أنها ردت على النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه أي الرد على المبلغ غير واجب انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه بنحوه
[ 98 ]
(باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك) (شديد الحر) تفسير لقائظ سنة قال في القاموس قاظ يومنا اشتد حره (لبست لأمتي) اللأمة بفتح اللام وسكون الهمزة الدرع ويقال له بالفارسية زره (وهو في فسطاطه) بالضم هو ضرب من الأبنية في السفر دون السرادق كذا في المجمع (قد حان الرواح) أي جاء وقت الرواح وهو السير في آخر النهار (ثم قال يا بلال) وفي بعض النسخ يا بلال قم وفي بعضها قم يا بلال قم (فثار) أي وثب (من تحت سمرة) قال في الصراح سمرة بالفتح وضم الميم درخت طلح (كأن ظله) أي ظل شجرة السمرة في القلة (ظل طائر) المقصود أن ظل السمرة كان قليلا غاية القلة فكأنه بسبب القلة ظل طائر (فقال لبيك وسعديك) قال في القاموس ألب أقام كلب ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة وقال فيه في مادة سعد أسعده أعانه ولبيك وسعديك أي إسعادا بعد إسعاد انتهى وقال في النهاية لبيك هو مأخوذ من لب بالمكان وألب إذا أقام به وألب على كذا إذا لم يفارقه ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت ألب إلبابا بعد إلباب وقيل معناه اتجاهي وقصدي يا رب إليك من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها وقيل معناه إخلاصي لك من قولهم حسب لباب إذا كان خالصا مخلصا ومنه لب الطعام ولبابه ومعنى قوله سعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادا بعد إسعاد ولهذا ثنى وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال قال الجرمي لم يسمع سعديك مفردا انتهى كلامه (أسرج لي الفرس) أي اشدد على الفرس السرج وهو بالفارسية زين قال في القاموس أسرجتها عمرو شددت عليها السرج (دفتاه) أي جانباه قال في القاموس الدف بالفتح الجنب من كل شئ أو صفحته كالدفة قبل (من ليف)
[ 99 ]
بالكسر هو بالفارسية بوست درخت خرما (ليس فيهما) أي في الدفتين وفي بعض النسخ ليس فيه فالضمير للسرج (أشر ولا بطر) كلاهما بفتحتين ومعناهما واحد وهو شدة النشاط وقلة احتمال النعمة والطغيان بالنعمة قال في المصباح أشر أشرا فهو أشر من باب تعب وبطر وكفر النعمة فلم يشكرها وبطر بطرا فهو بطر من باب تعب بمعنى أشر أشرا انتهى قال المنذري أبو عبد الرحمن القرشي الفهري له صحبة قيل اسمه عبد وقيل يزيد بن أنيس وقيل كرز بن ثعلبة وقيل إنه لم يرو عنه إلا أبو همام عبد الله بن يسار انتهى (قال أبو داود) من ههنا إلى قوله حماد بن سلمة لم يوجد في بعض النسخ (حديث نبيل) بالإضافة والنبيل على وزن الأمير هو الماهر في الأمور وهذا ثناء من المؤلف ليعلى بن عطاء شيخ لحماد بن سلمة والله أعلم (باب في الرجل يقول للرجل أضحك الله سنك) (البركي) بكسر الموحدة وفتح الراء قال في تاج العروس البرك كعنب كأنه جمع بركة سكة بالبصرة معروفة نقله ياقوت انتهى وفي المراصد البرك جمع بركة سكة معروفة بالبصرة انتهى (وسمعته) أي هذا الحديث أيضا (أضبط) أي أحفظ وأتقن (أو عمر) شك من الراوي (أضحك الله سنك) أي أدام الله فرحك وسرورك قال المنذري وأخرجه ابن ماجة مطولا في دعاء عشية عرفة قال البخاري كنانة روى عنه ابنه لم يصح وقال ابن حبان كنانة بن العباس بن مرداس السلمي يروي عن أبيه روى عنه ابنه منكر الحديث جدا فلا أدري التخليط في حديثه منه أو من ابنه وأيهما كان فهو ساقط الاحتجاج بما روى لعظم ما أتى من المناكير عن المشاهير
[ 100 ]
(باب في البناء) (وأنا أطين حائطا لي) من التطيين أي أصلحه بالطين والواو للحال (فقال الأمر أسرع من ذلك) أي الموت أسرع من فساد ذلك الحائط الذي تخاف فساده وهدمه لو لم تصلحه قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (ونحن نعالج) أي نصلح (خصا) قال في القاموس الخص بالضم البيت من القصب أو البيت يسقف بخشبة كالأ زج (وهي) في القاموس وهي كوعى وولى تخرق وانشق واسترخى رباطه والجملة صفة لخصا (ما أرى الأمر) أي الموت (إلا أعجل) أي أسرع (من ذلك) أي من خراب ذلك الخص (قبة مشرفة) أي بناء عاليا (فقال ما هذه) استفهام انكار أي ما هذه العمارة المنكرة ومن بانيها (رجل) بالجر بدل من فلان (وحملها) أي أضمر تلك الفعلة في نفسه غضبا على فاعلها في فعلها ففي أساس البلاغة حملت الحقد عليه إذا أضمرته كذا في المرقاة وقيل الضمير للكراهة المفهومة من المقام (أعرض عنه) أي لم يرد عليه السلام (فشكا ذلك) أي ما رآه من أثر
[ 101 ]
الغضب والإعراض (والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أرى منه ما لم أعهده من الغضب والكراهة ولا أعرف له سببا قاله القاري (ما فعلت القبة) ضبط بالمعروف والمجهول أي ما صار حالها وما شأنها لا يرى أثرها (أما) بالتخفيف حرف التنبيه (إلا مالا) أي إلا ما لا بد منه فحذف اسم لا وخبرها معا (إلا مالا) كرره للتأكيد (يعني ما لا بد منه) هذا تفسير من أحد من الرواة وقال الحافظ زين الدين العراقي في تخريج أحاديث إحياء العلوم والحافظ ابن حجر في فتح الباري يعني إلا ما لا بد منه والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري (باب في اتخاذ الغرف) بضم الغين وفتح الراء جمع غرفة بالضم ويقال لها بالفارسية برواره [ بروزن همواره بالاخانة وحجره بالاي حجره باشد فرهنك صراح ] كما في الصراح (إلى علية) بضم العين وكسرها وكسر اللام وبالتحتية المشددتين أي غرفة (من حجرته) بالراء المهملة وفي بعض النسخ حجزته بالزاي المعجمة قال في القاموس الحجزة بالضم معقد الإزار ومن السراويل موضع التكة قال المنذري وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير وذكر فيه سماع إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم وسماع قيس بن أبي حازم من دكين وقال أبو القاسم البغوي ولا أعلم لدكين غير هذا الحديث
[ 102 ]
ودكين بضم الدال المهملة وفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون والمفتاح والمفتح بكسر الميم فيهما واحد المفاتيح التي يفتح بها انتهى كلام المنذري (باب في قطع السدر) (حبشي) بضم المهملة وسكون الموحدة بعدها معجمة ثم ياء ثقيلة كذا في التقريب (من قطع سدرة) أي شجرة نبق زاد في رواية للطبراني من سدر الحرم وهي مبينة للمراد دافعة للإشكال كذا في شرح الجامع الصغير (سئل أبو داود الخ) وما أجاب به أبو داود ووافقه عليه العلماء ولا بد له من التأويل الصحيح وقال في النهاية قيل أراد به سدر مكة لأنها حرم وقيل سدر المدينة نهى عن قطعه ليكون أنسا وظلا لمن يهاجر إليها وقيل أراد السدر الذي يكون في الفلاة يستظل به أبناء السبيل والحيوان أو في ملك إنسان فيتحامل عليه ظالم فيقطعه بغير حق ومع هذا فالحديث مضطرب الرواية فإن أكثر ما يروي عن عروة بن الزبير وكان هو يقطع السدر ويتخذ منه أبوابا قال هشام وهذه أبواب من سدر قطعه أبي وأهل العلم مجمعون على إباحة قطعة انتهى وفي مرقاة الصعود قال البيهقي في سننه قال أبو ثور سألت أبا عبد الله الشافعي عن قطع السدر فقال لا بأس به قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اغسلوه بماء وسدر قال البيهقي فيكون محمولا على ما حمله عليه أبو داود قال وروينا عن عروة أنه كان يقطعه من أرضه وهو أحد رواة النهي ويشبه أن يكون النهي خاصا كما قال أبو داود وفي كتاب أبي سليمان الخطابي أن المزني سئل عن هذا فقال وجهه أي يكون صلى الله عليه وسلم سئل عمن هجم على قطع سدر لقوم أو ليتيم أو لمن حرم الله أن يقطع عليه فتحامل عليه بقطعه فاستحق ما قاله فتكون المسألة سبقت السامع فسمع الجواب ولم يسمع السؤال وجعل
[ 103 ]
نظيره حديث أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما الربا في النسيئة وقد قال لا تبيعن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل واحتج المزني بما احتج به الشافعي من اجازته صلى الله عليه وسلم أن يغسل الميت بالسدر ولو كان حراما لم يجز الانتفاع به قال والورق من السدر كالغصن وقد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حرم قطعه من شجر الحرم بين ورقه وغيره فلما لم يمنع عن ورق السدر دل ذلك على جواز قطع السدر انتهى (صوب الله) أي نكسه وألقاه على رأسه في نار جهنم وهذا دعاء أو خبر قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وقال فيه عبد الله الخثعمي (عن رجل من ثقيف) قال البيهقي الرجل لعله عمرو بن أوس ثم أخرجه من طريق عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عروة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذين يقطعون السدر يصب الله على رؤسهم النار صبا وأخرجه من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عروة عن عائشة موصولا وقال المرسل هو المحفوظ قال المنذري وهذا مرسل (عن قطع السدر) قال المنذري السدر شجر النبق الواحدة سدرة وقيل هو السمر وقال الأصمعي ما ينبت عنه في البراري فهو الضال بتخفيف اللام (وهو) أي هشام (فقال) هشام (والمصاريع) جمع مصراع قال في المصباح المصراع من الباب الشطر وهما مصراعان (وقال) عروة (فقال) هشام بن عروة لحسان بن إبراهيم (هي) ضمير الشأن والقصة والكوفيون يسمونها ضمير
[ 104 ]
المجهول وهذا الضمير يرجع إلى ما بعدها لزوما على خلاف القياس كما في قوله تعالى قل هو الله أحد وقوله تعالى فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا كذا في مغنى اللبيب فلفظة هي هذه ترجع إلى لفظ بدعة في قوله جئتني ببدعة والله أعلم (جئتني ببدعة) أي بأمر مبتدع لم نسمعه من النهي عن قطع السدر (قال) حسان (إنما البدعة من قبلكم) أي من جانبكم يا هشام فأنتم تذهبون إلى جواز قطع السدر قال المنذري إسناده مضطرب وهو يروي عن عروة بن الزبير وقد ذكر عنه ولده هشام أنه كان يقطعه (باب في إماطة الأذى عن الطريق) (أبي بريدة) هو بدل من أبي (عن كل مفصل) هو على وزن مسجد أحد مفاصل الأعضاء (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (النخاعة) بالضم هي البزقة الخارجة من أصل الفم مما يلي النخاع قاله المناوي وقال في المصباح النخاعة ما يخرجه الإنسان من حلقه من مخرج الخاء المعجمة كذا قيده ابن الأثير وقال المطرزي النخاعة هي النخامة وهكذا قال في العباب (فإن لم تجد) أي شيئا مما يطلق عليه اسم الصدقة عرفا أو شرعا يبلغ عدد الثلاثمائة والستين (فركعتا الضحى) وخصت الضحى بذلك لتمحضها للشكر لأنها لم تشرع جابرة لغيرها بخلاف الرواتب قاله المناوي (تجزئك) أي تكفيك عن الصدقة قال النووي ضبطناه بفتح أوله وضمه فالضم من الأجزاء والفتح من جزي يجزي أي كفى ومنه قوله تعالى لا تجزي نفس عن نفس وفي الحديث لا يجزي عن أحد بعدك قاله السيوطي
[ 105 ]
قال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال انتهى والحديث أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وقال المناوي في شرح الجامع الصغير إسناده حسن (وهذا لفظه) أي عباد (وهو أتم) أي حديث عباد (عن يحيى بن عقيل) بضم العين مصغرا (يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة) السلامى بضم السين وفتح الميم أي عظام الأصابع والمراد بها العظام كلها قال في النهاية السلامى جمع السلامية وهي الأنملة من أنامل الأصابع وقيل واحدة وجمعه سواء ويجمع على سلاميات وهي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان انتهى قال الطيبي إسم يصبح إما صدقة أي تصبح الصدقة واجبة على كل سلامى وإما من ابن آدم على تجويز زيادة من والظرف خبره وصدقة فاعل الظرف أي يصبح ابن آدم واجبا على كل مفصل منه صدقة وإما ضمير الشأن والجملة الإسمية بعدها مفسرة له قال القاضي يعني أن كل عظم من عظام ابن آدم يصبح سليما عن افات باقيا على الهيئة التي تتم بها منافعه فعليه صدقة شكرا لمن صوره ووقاه عما يغيره ويؤذيه (عن الطريق صدقة) قال القاضي عياض يحتمل تسمية هذه الأشياء صدقة أن لها أجرا كما للصدقة أجر وأن هذه الطاعات تماثل الصدقات في الأجور وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام وقيل معناه أنه صدقة على نفسه (وبضعته) أي جماعه وفي المصباح البضع بالضم جمعه أبضاع مثل قفل وأقفال يطلق على الفرج والجماع (يأتي) أي أحدنا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أرأيت) أي أخبرني (لو وضعها) أي شهوته (أكان يأثم) زاد مسلم فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر قال النبي صلى الله عليه وسلم (ويجزئ) أي يكفي (من ذلك) هي بمعنى عن أي يكفي عما ذكر مما وجب على السلامى من الصدقات كذا في
[ 106 ]
المرقاة (ركعتان) لأن الصلاة عمل بجميع أعضاء البدن فيقوم كل عضو بشكره (من الضحى) أي من صلاة الضحى أو في وقت الضحى قال في النهاية فأما الضحوة فهو ارتفاع أول النهار والضحى بالضم والقصر فوقه وبه سميت صلاة الضحى انتهى قال المنذري والحديث أخرجه النسائي (بهذا الحديث) السابق (وذكر النبي صلى الله عليه وسلم) النبي بالرفع فاعل ذكر أي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث (في وسطه) بفتح الواو وسكون السين أي في وسط كلامه أي بين كلامه فالضمير المجرور يرجع إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد نقل هذا الضبط عن العلامة المحدث محمد إسحاق الدهلوي رحمه الله ويحتمل أن لفظ النبي بالنصب وفاعل ذكر الراوي وضمير المجرور في لفظ وسطه يرجع إلى الحديث أي ذكر الراوي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم في وسط الحديث ولم يذكر في أول الحديث أي بعد أبي ذر فروى الحديث عن أبي ذر بصورة الموقوف ثم ذكر لفظ النبي صلى الله عليه وسلم في وسط الحديث وجعله مرفوعا والله أعلم بالصواب ويؤيد المعنى الأول الذي نقل عن شيخ شيخنا الدهلوي ما أخرجه أحمد في مسنده من طريق مهدي بن ميمون حدثنا واصل مولى أبي عيينة عن يحيى ابن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر قال قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تحميدة صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قال قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته يكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه فيها وزر وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر وقال وتهليلة وتكبيرة صدقة وأمر بمعروف صدقة ونهى عن منكر صدقة وفي رواية له من طريق عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن الأعمش عن عمرو ابن مرة عن أبي البختري عن أبي ذر قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ذهب أهل الأموال بالأجر فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن فيك صدقة كثيرة فذكر فضل سمعك وفضل بصرك قال وفي مباضعتك أهلك صدقة فقال أبو ذر
[ 107 ]
أيؤجر أحدنا في شهوته قال أرأيت لو وضعته في غير حل أكان عليك وزر قال نعم قال أفتحتسبون بالشر ولا تحسبون بالخير وفي رواية له من طريق يعلى بن عبيد حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر يصلون ويصومون ويحجون قال وأنتم تصلون وتصومون وتحجون قلت يتصدقون ولا نتصدق قال وأنت فيك صدقة رفعك العظم عن الطريق صدقة وهدايتك الطريق صدقة وعونك الضعيف بفضل قوتك صدقة وبيانك عن الأرتم (هو الذي لا يفصح الكلام ولا يبينه) صدقة ومباضعتك امرأتك صدقة فذكر الحديث وأما في الرواية السابقة أي رواية عباد بن عباد فكان ذكر الصدقات في صدر الكلام من غير بيان قصة الأغنياء والفقراء وحديث أبي ذر أخرجه مسلم في كتاب الصلاة في باب استحباب صلاة الفتح حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي قال أخبرنا مهدي وهو ابن ميمون أخبرنا واصل مولى أبي عيينة عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحمدة روى صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم (فشكر الله) أي غفر الله قال في النهاية فشكره لعباده مغفرته لهم (له) أي للرجل (بها) أي بهذه الخصلة والحديث سكت عنه المنذري (باب في إطفاء النار بالليل) (عن أبيه) عبد الله بن عمر (رواية) أي عن النبي صلى الله عليه وسلم
[ 108 ]
(لا تتركوا النار) أي موقدة قال النووي هذا عام يدخل فيه نار السراج وغيرها وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بتركها لانتفاء العلة التي علل بها النبي صلى الله عليه وسلم وإذا انتفت العلة زال المنع انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (فأخذت) أي شرعت (فجاءت) الفأرة (بها) أي بالفتيلة (فألقتها) أي الفتيلة (على الخمرة) هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها وقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس قال جاءت فأرة الحديث وهذا صريح في إطلاق الخمرة على الكببر كذا في النهاية وفي حياة الحيوان الخمرة السجادة التي يسجد عليها المصلي سميت بذلك لأنها تخمر الوجه أي تغطيه انتهى (فأحرقت) الفأرة (منها) أي من الخمرة (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (مثل هذه) أي الفأرة (على هذا) أي الفعل وفأرة البيت هي الفويسقة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحل والحرم وأصل الفسق الخروج عن الاستقامة والجور وبه سمي العاصي فاسقا وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن وقيل لخروجهن عن الحرمة في الحل والحرم أي لا حرمة لهن بحال وروى الطحاوي في أحكام القرآن بإسناده عن يزيد بن أبي نعيم أنه سأل أبا سعيد الخدري لم سميت الفأرة الفويسقة فقال استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد أخذت فأرة فتيلة السراج لتحرق على رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فقام إليها وقتلها وأحل قتلها للحلال والمحرم ذكره العلامة الدميري قال المنذري في إسناده عمرو بن طلحة ولم نجد له ذكرا فيما رأيناه من كتبهم وإن كان هو عمرو بن طلحة وقع فيه تصحيف وهي طبقة لا يحتج بحديثه والله عز وجل أعلم وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي موسى الأشعري قال احترق بيت على أهله بالمدينة فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال إن هذه النار إنما هي عدوة لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم وأخرج البخاري من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمرو الآنية وفيه
[ 109 ]
فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت وأخرجه مسلم بمعناه وفيه فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم قال الطبري في هذه الاحاديث الإبانة على أن الحق على من أراد المبيت في بيت ليس فيه غيره وفيه نار أو مصباح أن لا يبيت حتى يطفئه أو يجره بما يأمن به إحراقه وضره وكذلك إن كان في البيت جماعة فالحق عليهم إذا أرادو النوم أن لا ينام آخرهم حتى يفعل ما ذكرت لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فرط في ذلك مفرط فلحقه ضرر في نفس أو مال كان لوصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته مخالفا ولادية له انتهى كلام المنذري قلت عمرو بن حماد بن طلحة هو عمرو بن حماد بن طلحة الكوفي أبو محمد القناد روى عن أسباط بن نصر ومندل بن علي وروى عنه مسلم فرد حديث وإبراهيم الجوزجاني قال مطين ثقة وقال أبو داود رافضي كذا في الخلاصة والحديث أخرجه الحاكم وقال إسناده صحيح (باب في قتل الحيات) (ما سالمناهن) أي ما صالحنا الحيات (منذ حاربناهن) أي منذ وقع بيننا وبينهن الحرب فإن المحاربة والمعاداة بين الحية والإنسان جبلية لأن كلا منهما مجبول على طلب قتل الآخر وقيل أراد العداوة التي بينها وبين آدم عليه السلام على ما يقال إن إبليس قصد دخول الجنة فمنعه الخزنة فأدخلته الحية في فيها فوسوس لآدم وحواء حتى أكلا من الشجرة المنهية فأخرجا عنها قاله القاري (ومن ترك شيئا منهن) أي من ترك التعرض لهن (خيفة) أي لخوف ضرر منها أو من صاحبها (فليس منا) أي من المقتدين بسنتنا الآخذين بطريقتنا ولعل المراد ما لا تظهر فيه علامة أن يكون جنيا والحديث سكت عنه المنذري (السكري) بضم السين وتشديد الكاف منسوب إلى بيع السكر وشرائه وعمله قاله المقدسي في الأنساب (اقتلوا الحيات كلهن) ظاهر في قتل أنواع الحيات كلها وفي حياة الحيوان وما كان منها في البيوت لا يقتل حتى ينذر ثلاثة أيام لقوله صلى الله عليه وسلم إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئا فأذنوه ثلاثة أيام حمل بعض العلماء ذلك على المدينة وحدها والصحيح أنه عام في كل بلد لا يقتل حتى ينذر
[ 110 ]
واختلف العلماء في الأنذار هل هو ثلاثة أيام أو ثلاثة مرات والأول عليه الجمهور وكيفية ذلك أن يقول أنشدكن بالعهد الذي أخذه عليكن نوح وسليمان عليهما السلام أن لا تبدون ولا تؤذونا (ثأرهن) أي انتقامهن الثأر هو الدم والانتقام والمعنى مخافة أن يكون لهن صاحب يطلب ثارها قد جرت العادة على نهج الجاهلية بأن يقال لا تقتلوا الحيات فإنكم لو قتلتم لجاء زوجها ويلسعكم للانتقام فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا القول والاعتقاد كذا في المرقاة قال المنذري والحديث أخرجه النسائي (طلبهن) أي انتقامهن قال المنذري ولم يجزم موسى بن مسلم الراوي عن عكرمة بأن عكرمة رفعه (إن نكنس زمزم) من باب نصر وضرب أي نصفي زمزم ونخرج منها الكناسة وهي بالضم ما يكنس وهي الزبالة والسباطة (وإن فيها) أي في بئر زمزم (من هذه الجنان) بكسر الجيم وتشديد النون جمع جان كحيطان أهل وحائط ومن هذه تبعيضية منصوبة على أنها اسم إن أي إن فيها بعض هذه الجنان (يعني) أي يريد العباس رضي الله عنه بالجنان قال المنذري في سماع عبد الرحمن بن سابط من العباس بن عبد المطلب نظر والأظهر أنه مرسل (عن سالم) بن عبد الله بن عمر (اقتلوا الحيات) أي كلها عموما قال القرطبي الأمر في ذلك للارشاد نعم ما كان منها محقق الضرر وجب دفعه (و) اقتلوا خصوصا (ذا الطفيتين) بضم الطاء المهملة وسكون الفاء أي صاحبهما وهي حية خبيثة على ظهرها خطان أسودان كالطفيتين والطفية بالضم على ما في القاموس خوصة المقل والخوص بالضم ورق النخل
[ 111 ]
الواحدة بهاء والمقل بالضم صمغ شجرة قاله القاري وقال في النهاية الطفية خوصة المقل في الأصل وجمعها طفي شبه الخطين اللذين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل (والأبتر) بالنصب عطفا على ذا قيل هو الذي يشبه المقطوع الذنب لقصر ذنبه وهو من أخبث ما يكون من الحيات (فإنهما يلتمسان) أي يخطفان ويطمسان (البصر) أي بمجرد النظر إليهما لخاصية السمية في بصرهما وقيل معناه أنهما يقصدان البصر باللسع والنهش (الحبل) بفتحتين أي الجنين عند النظر إليهما بالخاصية السمية أو من الخوف الناشئ منهما لبعض الأشخاص (قال) سالم (وكان عبد الله) أي ابن عمر (فأبصره) الضمير المنصوب إلى عبد الله (أبو لبابة) بضم اللام الأنصاري المدني اسمه بشير وقيل رفاعة بن عبد المنذر صحابي مشهور وكان أحد النقباء وعاش إلى خلافة علي كذا في التقريب (زيد بن الخطاب) هو عم عبد الله (وهو) أي عبد الله (يطارد) من باب المفاعلة للمغالبة أي يطرد يعني يتبعها طلبا لقتلها (فقال) أبو لبابة (عن ذوات البيوت) أي صواحبها وفي مرقاة الصعود قيل إنه عام في جميع البيوت وعن مالك تخصيصه بيوت المدينة وهو المختار وقيل تختص ببيوت المدن دون غيرها وعلى كل حال فتقتل في البراري والصحاري من غير إنذار وروى الترمذي أنها الحية التي تكون دقيقة كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (الجنان التي تكون في البيوت) قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم بنحوه (فأمر) ابن عمر (بها) أي بالحية (فأخرجت) الحية والحديث سكت عنه المنذري
[ 112 ]
(في هذا الحديث) السابق (ثم رأيتها) أي الحية (بعد) أي بعد ما أخرجت إلى البقيع قال المنذري قال بعضهم يحتمل أن تكون عادت للأذية في المرة الثانية ويحتمل أن تكون مؤمنة تحرمت به وتبركت بجواره انتهى (انطلق هو) أي والد محمد وهو أبو يحيى (وصاحب له) أي لأبي يحيى (يعودونه) بصيغة الجمع تغليبا وفي بعض النسخ يعودانه بصيغة التثنية والضمير المنصوب إلى أبي سعيد قال أبو علي (فخرجنا من عنده) أي من عند أبي سعيد أنا ومن كان عنده بعد ما دخلنا عليه غير صاحبي الذي كان يريد الدخول عليه أيضا فإنه دخل عليه بعدي كما يدل عليه السياق وهو قوله (فلقينا صاحبا لنا وهو يريد أن يدخل عليه) أي على أبي سعيد للعيادة بعد خروجي من عنده (فأقبلنا) أي توجهنا إلى المسجد (فجاء) صاحبي (إن الهوام) جمع هامة مثل دابة ودواب والهامة ماله سم يقتل كالحية وهو المراد ههنا وقد تطلق على ما لا يقتل كالحشرات (في بيته شيئا) أي أحدا تصور بصورة شئ من الحيات (فليخرج) من التحريم بمعنى التضييق بأن يقول لهن أنتن في حرج وضيق إن عدتن حديث إلينا فلا تلومننا عند أن يضيق عليكم بالتتبع والطرد والقتل كذا في النهاية وفتح الودود قال المنذري في إسناده رجل مجهول
[ 113 ]
(اقتلها) أي الحية (فأشار) أبو سعيد (إلى بيت في داره) أي من جملة داره وفي رواية لمسلم إلى بيت في الدار (تلقاء بيته) أي أبي سعيد (فقال) أبو سعيد (يوم الأحزاب) أي يوم الخندق (استأذن) أي ابن عم لي من النبي صلى الله عليه وسلم أي يرجع (وكان) ابن عم لي (حديث) أي جديد (عهد بعرس) بضم أوله أعرس الرجل بالمرأة بني عليها (وأمره أن يذهب بسلاحه) وفي رواية مسلم خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة (فأتى) ابن عم (فأشار) ابن عم (إليها) أي إلى امرأته (بالرمح) ليطعنها به لما أصابه من غيرة وحمية (فقالت) امرأته (فطعنها) أي الحية (ثم خرج بها) أي بالحية (ترتكض) أي تتحرك وتضطرب الحية (قال) أبو سعيد (الرجل أو الحية) بيان لأيهما (أن يرد صاحبنا) أي يحييه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (استغفروا لصاحبكم) يريد أن الذي ينفعه هو استغفاركم لا الدعاء بالإحياء لأنه مضى سبيله (فحذروه) أي خوفوه والمراد من التخويف التشديد بالحلف عليه كما في الرواية الآتية أن يقال لها أسألك بعهد نوح وبعهد سليمان ابن داود عليهم السلام أن لا تؤذينا (ثم إن بدا) بالألف أي ظهر (لكم بعد) أي بعد التحذير قال المذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي (بهذا الحديث) السابق (فليؤذنه) من الإيذان بمعنى الإعلام والمراد به الإنذار والاعتذار والمعنى قولوا له نحو ما تقدم (بعد) أي بعد الإيذان (فإنه شيطان) أي فليس بجني
[ 114 ]
مسلم بل هو إما جني كافر وإما حية وإما ولد من أولاد إبليس وسماه شيطانا لتمرده وعدم ذهابه بالإيذان (فذكر نحوه) أي نحو الحديث السابق قال المنذري وفي لفظ لمسلم فإنه كافر (أنشدكن) من باب نصر أي أسألكن لأنه (العهد الذي أخذ عليكن نوح ولعل العهد كان عند إدخالها في السفينة (أخذ عليكن سليمان) كأنه يذكرهن إياه (أن تؤذونا) أي لا تؤذونا كما في الترمذي قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه من حديث ثابت البناني إلا من هذا الوجه من حديث ابن أبي ليلى هذا آخر كلامه وابن أبي ليلى الذي رواه عن ثابت البناني هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه الكوفي قاضيها ولا يحتج بحديثه وأبو ليلى له صحبة واسمه يسار وقيل داود وقيل أوس وقيل بلال أخوه وقيل لا يحفظ اسمه ولقبه أنيس (إلا الجان الأبيض) ولعل النهي عن قتل هذا النوع من الحيات إنما كان لعدم ضرره (كأنه قضيب فضة) أي قطعة فضة قال في المصباح قضيب الشئ أي قطعته ومنه قيل للغصن المقطوع قضيب فعيل بمعنى مفعول انتهى
[ 115 ]
(قال أبو داود) من ههنا إلى قوله إن شاء الله وجد في بعض النسخ (لا ينعرج) أي لا ينعطف يقال انعرج أخبرنا الشئ انعطف قال المنذري هذا منقطع إبراهيم لم يسمع من ابن مسعود قال أبو عمرو النمري روى عن ابن مسعود في هذا الباب قول غريب حسن وساق هذا الحديث بإسناد أبي داود (باب في قتل الأوزاغ) (بقتل الوزغ) بواو مفتوحة وزاي كذلك وبمعجمة واحدها وزغة وهي دويبة مؤذية وسام أبرص كبيرها قاله القاري وفي النهاية الوزغ جمع وزغة بالتحريك وهي التي يقال لها سام أبرص وجمعها أوزاغ ووزغان (وسماه فويسقا) لأن الفسق الخروج وهن خرجن عن خلق معظم الحشرات بزيادة الضرر وتصغيره للتعظيم أو للتحقير لأنه ملحق بالخمس أي الفواسق الخمسة التي تقتل في الحل والحرم قال المنذري والحديث أخرجه مسلم يشبه أن يكون المراد بهذا التصغير التحقير والذنب قال ابن الأعرابي لم يسمع بالفسوق في كلام الجاهلية
[ 116 ]
(من قتل وزغة) بفتحات قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه الضربة الأولى معلل إما لأنه حين قتل أحسن فيندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم إن الله كتب الإحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة أو يكون معللا بالمبادرة إلى الخير فيندرج في قوله تعالى فاستبقوا الخيرات وعلى كلا التعليلين يكون الحية أولى بذلك والعقرب لعظم مفسدتهما انتهى وقال في موضع آخر الأجر في التكاليف على قدر النصب إذا اتحد النوع احترازا عن اختلافه كالتصديق بكل مال الإنسان وشذ عن هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم في الوزغة من قتلها في المرة الأولى فله مائة حسنة ومن قتلها في الثانية فله سبعون حسنة فقد صار كلما كثرت المشقة قل الأجر والسبب في ذلك أن الأجر إنما هو مترتب على تفاوت المصالح لا على تفاوت المشاق لأن الله سبحانه وتعالى لم يطلب من عباده المشقة والعناء وإنما طلب جلب المصالح ودفع المفاسد وإنما قال أفضل العبادة أحمزها أي أشقها وأجرك على قدر نصبك لأن الفعل إذا لم يكن شاقا كان حظ النفس فيه كثيرا فيقل الإخلاص فإذا كثرت المشقة كان ذلك دليلا على أنه جعل خالصا لله عز وجل فالثواب في الحقيقة مرتب على مراتب الإخلاص لا على مراتب المشقة وقيل إن الوزغة كانت يوم رمى إبراهيم عليه السلام في النار تضرم النار عليه بنفخها والحيوانات كلها تتسبب في طفئها لو كذا في مرقاة الصعود (في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة) وفي رواية مسلم كتبت له مائة حسنة وسبب تكثير الثواب في قتله أول ضربة الحث على المبادرة بقتله والاعتناء به والحرص عليه قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه (عن سهيل) بن أبي صالح (حدثني أخي أو أختي) قال النووي في شرح مسلم في أكثر النسخ أختي وفي بعضها أخي بالتذكير وفي بعضها أبي وذكر القاضي الأوجه الثلاثة قالوا ورواية أبي خطأ وهي الواقعة في رواية أبي العلاء بن ماهان ووقع في رواية أبي دا ود أخي داود أخي أو أختي
[ 117 ]
قال القاضي أخت سهيل سودة وأخواه هشام وعباد انتهى وقال المزي في الأطراف في ترجمة إسماعيل بن زكريا عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وفي رواية أبي الحسن بن العبد قال حدثني أبي أو أخي عن أبي هريرة (سبعين حسنة) قال النووي وأما تقييد الحسنات في الضربة الأولى بمائة وفي رواية بسبعين فجوابه من أوجه إحداها أي هذا مفهوم للعدد ولا يعمل به عند الأصوليين وغيرهم فذكر سبعين لا يمنع المائة فلا معارضة بينهما الثاني لعله أخبرنا بسبعين ثم تصدق الله تعالى بالزيادة فاعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم حين أوحى إليه بعد ذلك والثالث أنه يختلف باختلاف قاتلي الوزغ بحسب نياتهم وإخلاصهم وكمال أحوالهم ونقصها فتكون المائة للكامل منهم والسبعين لغيره والله أعلم انتهى قال المنذري وهذا منقطع وليس في أولاد أبي صالح من أدرك أبا هريرة وهم هشام بن أبي صالح وعبد الله بن أبي صالح يعرف بعبادة وسودة بنت أبي صالح وفيهم من فيه مقال ولم يبين من حدثه منهم وقال أبو مسعود الدمشقي في تعليقه قال سهيل وحدثني أخي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وعلى هذا يتصل وتبقى جهالة الأخ وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أول ضربة سبعين حسنة انتهى (باب في قتل الذر) أي صغار النمل كذا في المصباح (فلدغته) بإهمال الدال وإعجام الغين أي لسعته (فأمر) أي نبي (بجهازه) بفتح الجيم وكسرها وهو المتاع فأخرج المتاع (من تحتها) أي الشجرة (ثم أمر) نبي (بها) أي بالنملة وفي الرواية الآتية فأمر بقربة النملة (إليه) أي النبي (فهلا
[ 118 ]
نملة واحدة) أي فهلا عاقبت نملة واحدة هي التي قرصتك لأنها الجانية وأما غيرها فليس لها جناية وأما في شرعنا فلا يجوز الإحتراق بالنار للحيوان إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق فلوليه الاقتصاص بإحراق الجاني وسواء في منع الإحراق بالنار النمل وغيره للحديث المشهور لا يعدب بالنار إلا الله قاله النووي قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والنسائي (قرصت) أي لسعت ولدغت (نبيا من الأنبياء) هو موسى بن عمران عليه السلام كما سيجئ من كلام القرطبي وقيل داود عليه السلام (فأمر بقرية النمل) أي مسكنها ومنزلها سمى قرية لاجتماعها فيه (نملة) أي واحدة (أهلكت أمه) أي أمرت بإهلاك طائفة عظيمة (من الأمم) حال كونها (تسبح) قال النووي هذا الحديث محمول على أن شرع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان فيه جواز قتل النمل وجواز الاحتراق بالنار ولم يعتب عليه في أصل القتل والإحراق بل في الزيادة على نملة واحدة انتهى وقال العلامة الدميري قال أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول لم يعاتبه الله تعالى على تحريقها وإنما عاتبه على كونه أخذ البرئ بغير البرئ وقال القرطبي هذا النبي هو موسى بن عمران عليه السلام وأنه قال يا رب تعذب أهل قرية بمعاصيهم وفيهم الطائع فكأنه جل وعلا أحب أن يريه ذلك من عنده فسلط عليه الحر حتى التجأ إلى شجرة مستروحا إلى ظلها وعندها قرية النمل فغلبه النوم فلما وجد لذة النوم لدغته نملة فدلكهن بقدمه فأهلكهن وأحرق مسكنهن فأراه الله تعالى الآية في ذلك عبرة لما لدغته نملة كيف أصيب الباقون بعقوبتها يريد تعالى أن ينبهه على أن العقوبة من الله تعم الطائع والعاصي فتصير رحمة وطهارة وبركة على المطيع وسوءا ونقمة وعذابا على العاصي وعلى هذا ليس في الحديث ما يدل على كراهية ولا حظر في قتل النمل فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك ولا أحد من خلق الله أعظم حرمة من المؤمن وقد أبيح لك دفعه عنك بضرب أو قتل على ماله من المقدار فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت للمؤمن وسلط عليها وسلطت عليه فإذا آذته أبيح له قتلها وقوله فهلا نملة واحدة دليل على أن الذي يؤذي يقتل وكل قتل كان لنفع أو دفع ضر فلا بأس به عند العلماء ولم يخص تلك النملة التي لدغته من غيرها لأنه ليس المراد القصاص لأنه لو أراده لقال فهلا نملتك التي لدغتك ولكن قال فهلا نملة فكأن نملة تعم البرئ
[ 119 ]
والجاني وذلك ليعلم أنه أراد تنبيهه لمسألة ربه تعالى في عذاب أهل قرية فيهم المطيع والعاصي وقد قيل إن في شرع هذا النبي عليه السلام كانت العقوبة للحيوان بالتحريق جائزة فلذلك إنما عاتبه الله تعالى في إحراق الكثير لا في أصل الإحراق ألا ترى قوله فهلا نملة واحدة وهو بخلاف شرعنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان بالنار وقال لا يعذب بالنار إلا الله تعالى فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق فلوارثه الاقتصاص بالإحراق للجاني انتهى كلام العلامة الدميري قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (النملة والنحلة والهدهد والصرد) بالجر على البدلية ويجوز الرفع بتقدير أحدها وثانيها ويجوز النصب بتقدير أعنى قال الدميري والمراد النمل الكبير السليماني كما قاله الخطابي والبغوي في شرح السنة وأما النمل الصغير المسمى بالذر فقتله جائز وكره مالك قتل النمل إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل وأطلق ابن أبي زيد جواز قتل النمل إذا آذت انتهى والصرد على وزن عمر قال ابن الأثير في النهاية هو الطائر ضخم الرأس والمنقار له ريش عظيم نصفه أبيض ونصفه أسود قال الخطابي إنما جاء في قتل النمل عن نوع منه خاص وهو الكبار ذوات الأرجل الطوال لأنها قليلة الأذى والضرر وأما النحلة فلما فيها من المنفعة وهو العسل والشمع وأما الهدهد والصرد فلتحريم لحمها لأن الحيوان إذا نهي عن قتله ولم يكن ذلك لاحترامه أو لضرر فيه كان لتحريم لحمه ألا ترى أنه نهى عن قتل الحيوان بغير مأكلة ويقال إن الهدهد منتن الريح فصار في معنى الجلالة والصرد تتشاءم به العرب وتتطير مع بصوته وشخصه وقيل إنما كرهوه من اسمه من التصريد سعيد وهو التقليل انتهى كلام ابن الأثير قال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه انتهى وقال النووي في شرح مسلم رواه أبو داود عن ابن عباس مرفوعا بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم انتهى وكذا صححه الإمام الحافظ عبد الحق الأشبيلي والعلامة كمال الدين الدميري
[ 120 ]
(فانطلق) أي النبي صلى الله عليه وسلم (حمرة) في النهاية هي بضم الحاء وتشديد الميم وقد تخفف طائر صغير كالعصفور انتهى وقال الدميري بضم الحاء المهملة وتشديد الميم وبالراء المهملة ضرب من الطير كالعصفور والواحدة حمرة وهي حلال بالإجماع لأنها من أنواع العصافير وأخرج أبو داود الطيالسي والحاكم وقال صحيح الإسناد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل رجل غيضة فأخرج منها بيض حمرة فجاءت الحمرة ترف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أيكم فجع هذه فقال رجل أنا يا رسول الله أخذت بيضها وفي رواية الحاكم أخذت فرخها فقال صلى الله عليه وسلم رده رده رحمة لها وفي الترمذي وابن ماجه عن عامر الرام أن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا غيضة فأخذوا فرخ طائر فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرف فقال صلى الله عليه وسلم أيكم أخذ فرخ هذا فقال رجل أنا فأمره أن يرد فرده وقد تقدم في سنن أبي داود في أول كتاب الجنائز عن عامر الرام (معها) أي مع الحمرة (فرخان) الفرخ ولد طائر (تعرش) بالعين المهملة من التعريش في النهاية التعريش أن ترتفع وتظلل بجناحيها على من تحتها انتهى وفي مجمع البحار من عرش الطائر إذا رفرف بأن يرخي جناحيه ويدنو من الأرض ليسقط ولا يسقط وروى تفرش أي تبسط (من فجع) من التفجيع أي من أصاب المصيبة (هذه) أي الحمرة (بولدها) أي بأخذ ولدها قال في المصباح الفجيعة الرزية والرزية المصيبة رزأته أنا إذا أصبته بمصيبة (إليها) أي إلى الحمرة (ورأى) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قرية نمل) أي مسكنها (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (من حرق هذه) أي قرية نمل والحديث سكت عنه المنذري
[ 121 ]
وقال عبد الرحمن بن عبد الله هو ابن مسعود انتهى (باب في قتل الضفدع) (عن ضفدع) بكسر الضاد وسكون الفاء والعين المهملة بينهما دال مهملة قال الجوهري الضفدع مثل الخنصر واحد الضفادع والأنثى ضفدعة وناس يقولون ضفدع بفتح الدال قال الخليل ليس في الكلام فعلل إلا أربعة أحرف درهم وهجوع قد وهو الطويل وهبلع وفي وهو الأكول وبلعم وهو اسم قال ابن الصلاح الأشهر فيه من حيث اللغة كسر الدال وفتحها أشهر في ألسنة العامة كذا في حياة الحيوان للدميري قال المنذري والحديث أخرجه النسائي انتهى وأخرجه أيضا أبو داود الطيالسي والحاكم عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي نحوه سواء وروى البيهقي في سننه عن سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل خمسة النملة والنحلة والضفدع والصرد والهدهد انتهى فنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتلها يدل على أن الضفدع يحرم أكلها وأنها غير داخلة فيما أبيح من دواب الماء (باب في الخذف) (مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء وفتحها ولام قاله المنذري (عن الخذف) بالخاء والذال المعجمتين وهو رمي الإنسان بحصاة أو نواة ونحوهما يجعلها بين إصبعيه السبابتين أو الإبهام والسبابة قاله النووي (ولا ينكأ) أي لا يجرح ولا يقتل
[ 122 ]
قال النووي هو بفتح الياء وبالهمزة في آخره هكذا هو في الروايات المشهورة قال القاضي كذا رويناه قال وفي بعض الروايات ينكي بفتح الياء وكسر الكاف غير مهموز قال القاضي وهو أوجه ههنا لأن المهموز إنما هو من نكأت القرحة وليس هذا موضعه إلا على تجوز وإنما هذا من النكاية يقال نكيت العدو وأنكيته نكاية ونكأت بالهمزة لغة فيه انتهى وفي النهاية يقال نكيت في العدو وأنكي نكاية فأنا إذا كثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك وقد يهمز لغة فيه يقال نكأت القرحة أنكؤها % إذا قشرتها انتهى وفي هذا الحديث دلالة على النهي عن الخذف لأنه لا مصلحة فيه ويخاف مفسدته ويلتحق به كل ما شاركه في هذا قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه (باب ما جاء في الختان) (أخبرنا مروان) هو ابن معاوية (أخبرنا محمد بن حسان) الكوفي (قال عبد الوهاب) الأشجعي في روايته (الكوفي) أي محمد بن حسان الكوفي وأما سليمان فقال محمد بن حسان ولم يذكر الكوفي وفي بعض النسخ هذا الإسناد هكذا أنبأنا محمد بن أخبرنا عبد الوهاب الكوفي وهو غلط لا يصح قال الحافظ المزى في الأطراف هذا الحديث أخرجه أبو داود في الأدب عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي كلاهما عن مروان بن معاوية عن محمد بن حسان الكوفي عن عبد الملك بن عمير عن نسيبة أم عطية الأنصارية انتهى (كانت تختن) ختن الخاتم الصبي ختنا من باب ضرب والاسم الختان بالكسر كذا في المصباح وفي المجمع الختان موضع القطع من ذكر الغلام وفرج الجارية وأما في
[ 123 ]
الغلام فقطع جميع الجلد التي تغطي الحشفة وفي الجارية قطع أدنى جزء من جلدة أعلى الفرج انتهى وفي فتح الباري الختان اسم لفعل الخاتن ولموضع الختان أيضا انتهى (لا تنهكي) يقال نهكت الشئ نهكا بالغت فيه من باب نفع وتعب وأنهكه فلا بالألف لغة كذا في المصباح وفي النهاية معنى لا تنهكي أي لا تبالغي في استقصاء الختان انتهى وفي النهاية في مادة شمم وفي حديث أم عطية أشمي ولا تنهكي شبه القطع اليسير بإشمام الرائحة والنهك المبالغة فيه أي اقطعي بعض النواة ولا تستأصليها منه انتهى وفي المجمع الإشمام أخذ اليسير في ختان المرأة والنهك المبالغة في القطع انتهى قال النووي ويسمى ختان الرجل إعذارا بذال معجمة وختان المرأة خفضا بخاء وضاد معجمتين انتهى وفي فتح الباري قال الماوردي ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الخشفة والمستحب أن تستوعب من أصلها عند أول الحشفة وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به شئ من الحشفة وقال إمام الحرمين المستحق في الرجال قطع القلفة وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شئ متدل وقال ابن الصباغ حتى تنكشف جميع الحشفة ويتأدي الواجب بقطع شئ مما فوق الحشفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها قال النووي وهو شاذ والأول هو المعتمد قال الامام والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم قال الماوردي ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله ثم ذكر الحافظ حديث أم عطية الذي في الباب ثم قال قال أبو داود إنه ليس بالقوي قلت وله شاهدان من حديث أنس ومن حديث أم أيمن عند أبي الشيخ في كتاب العقيقة وآخر عن الضحاك بن قيس عند البيهقي واختلف في النساء هل يخفضن عموما أو يفرق بين نساء المشرق فيخفضن ونساء المغرب فلا يخفضن لعدم الفضلة المشروع قطعها منهن بخلاف نساء المشرق قال فمن قال إن من ولد مختونا استحب إمرار الموسى على الموضع امتثالا للأمر قال في حق المرأة كذلك ومن لا فلا وقد ذهب إلى وجوب الختان الشافعي وجمهور أصحابه وقال به من القدماء عطاء وعن أحمد وبعض المالكية يجب وعن أبي حنفية واجب وليس بفرض وعنه سنة يأثم بتركه
[ 124 ]
وفي وجه للشافعية لا يجب في حق النساء وهو الذي أورده صاحب المغنى عن أحمد وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية إلى أنه ليس بواجب ومن حجتهم حديث شداد بن أوس رفعه الختان سنة للرجال مكرمة للنساء أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد فيه حجاج بن أرطاة ولا يحتج به وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين من طريق سعيد بن بشر عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس وسعيد بن بشر مختلف فيه وأخرجه أبو الشيخ والبيهقي من وجه آخر عن ابن عباس وأخرجه البيهقي أيضا من حديث أبي أيوب انتهى كلام الحافظ من الفتح مختصرا ملخصا وقال الحافظ في تلخيص الحبير حديث الختان في الرجال سنة مكرمة في النساء أخرجه أحمد والبيهقي من حديث الحجاج بن أرطاة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه به والحجاج مدلس وقد اضطرب فيه فتارة رواه كذا وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في العلل والطبراني في الكبير وتارة رواه عن مكحول عن أبي أيوب وأخرجه أحمد وذكره ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه خطأ من حجاج أو من الراوي عنه عبد الواحد بن زياد وقال البيهقي هو ضعيف منقطع وقال ابن عبد البر في التمهيد هذا الحديث يدور على حجاج ابن أرطاة وليس ممن يحتج به قلت وله طريق أخرى من غير رواية حجاج فقد رواه الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا وضعفه البيهقي في السنن وقال في المعرفة لا يصح رفعه وهو من رواية الوليد عن ابن ثوبان عن ابن عجلان عن عكرمة عنه ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسا وقوله صلى الله عليه وسلم لأم عطية وكانت خافضة أشمي ولا تنهكي أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أسيد عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تخفض الجواري فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم عطية اخفضي ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج ورواه الطبراني وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي من هذا الوجه عن عبيد الله بن عمرو قال حدثني رجل من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير به وقال المفضل العلائي سألت ابن معين عن هذا الحديث فقال الضحاك ابن قيس هذا ليس بالفهري قلت أورده الحاكم وأبو نعيم في ترجمة الفهري وقد اختلف فيه على عبد الملك بن عمير فقيل عنه كذا وقيل عنه عن عطية القرظي قال كانت بالمدينة خافضة يقال لها أم عطية فذكره رواه أبو نعيم في المعرفة وقيل عنه عن أم عطية رواه أبو داود في السنن وأعله بمحمد بن حسان فقال إنه مجهول ضعيف انتهى كلامه
[ 125 ]
وقال المناوي في فتح القدير شرح الجامع الصغير حديث الختان سنة للرجال مكرمة للنساء أخرجه أحمد في مسنده من حديث الحجاج بن أرطاة عن والد أبي المليح قال الذهبي وحجاج ضعيف لا يحتج به وأخرجه الطبراني في الكبير عن شداد عن بن أوس وعن ابن عباس رضي الله عنه قال السيوطي إسناده حسن وقال البيهقي ضعيف منقطع وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي سنده ضعيف وقال ابن حجر فيه الحجاج بن أرطاة مدلس وقد اضطرب فيه وقال أبو حاتم هذا خطأ من حجاج أو الراوي عنه انتهى كلامه وقال المناوي في التفسير والحديث إسناده ضعيف خلافا لقول السيوطي حسن وقد أخذ بظاهره أبو حنيفة ومالك فقالا سنة مطلقا وقال أحمد واجب للذكر سنة للأنثى وأوجبه الشافعي عليهما انتهى وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن الحاج المالكي في المدخل والسنة في ختان الذكر اظهاره وفي ختان النساء إخفاؤه واختلف في حقهم هل يخفضن مطلقا أو يفرق بين أهل المشرق وأهل المغرب فأهل المشرق يؤمرن به لوجود الفضلة عندهن من أصل الخلقة وأهل المغرب لا يؤمرون به لعدمها عندهن انتهى وأخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أم المهاجر قالت سبيت في جواري من الروم فعرض علينا عثمان الإسلام فلم يسلم منا غيري وغير أخرى فقال عثمان اذهبوا فاخفضوهما وطهروهما وفي إسناده مجهول (فإن ذلك) أي عدم المبالغة في القطع وإبقاء بعض النواة والغدة على فرجها (أحظى للمرأة) أي أنقع لها وألذ (وأحب إلى البعل) أي إلى الزوج وذلك لأن الجلد الذي بين جانبي الفرج والغدة التي هناك وهي النواة إذا دلكا دلكا ملائما بالإصبع أو بالحك من الذكر تلتذ كمال اللذة حتى لا تملك نفسها وتنزل بلا جماع فإن هذا الموضع كثير الأعصاب فيكون حسه أقوى ولذة الحكة هناك أشد ولهذا أمرت المرأة في ختانها لإبقاء بعض النواة والغدة لتلتذ بها بالحك ويحبها زوجها بالملاعبة معها وليتحرك : مني المرأة ويذوب لأن منيها بارد بطئ الحركة فإذا ذاب وتحرك قبل الجماع بسبب الملاعبة يسرع إنزالها فيوافق إنزالها إنزال الرجل فإن مني الرجل لحرارته أسرع إنزالا وهذا كله سبب لازدياد المحبة والألفة بين الزوج والزوجة وهذا الذي ذكرته هو مصرح في كتب الطب والله أعلم (قال أبو داود روى) بصيغة المجهول أي هذا الحديث (عن عبيد الله ابن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي الرقي ثقة (عن عبد الملك) بن عمير الكوفي ثقة (بمعناه وإسناده) أي
[ 126 ]
بمعنى حديث محمد بن حسان وإسناده فعبيد الله بن عمرو الرقي وعبد الملك كلاهما من الثقات لكن اختلف عليهما في هذا الحديث اختلافا شديدا فقيل عن عبيد الله عن زيد بن أبي أسيد وقيل عنه عن رجل من أهل الكوفة ثم اختلف على عبد الملك بن عمير فقيل عنه عن أم عطية وقيل عنه عن الضحاك بن قيس وقيل عنه عن عطية القرظي كما تقدم بيانه آنفا وهذا الاضطراب موجب لضعف الحديث (قال أبو داود وليس هو) أي الحديث (بالقوي) لأجل الاضطراب ولضعف الراوي وهو محمد بن حسان الكوفي (وقد روى) هذا الحديث (مرسلا) كما رواه الحاكم في المستدرك والطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن عبد الملك ابن عمير عن الضحاك بن قيس كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا من كلام الحافظ ومن قوله قد روى مرسلا إلى آخره قد وجد في أكثر النسخ وذكره أيضا المزي في الأطراف (محمد ابن حسان مجهول) وتبعه ابن عدي في تجهيله والبيهقي وخالفهم الحافظ عبد الغني ابن سعيد فقال هو محمد بن سعيد المصلوب على الزندقة أحد الضعفاء والمتروكين وأورد هذا الحديث من طريقه في ترجمته من إيضاح الشك كتاب له وله طريقان آخران رواه ابن عدي من حديث سالم بن عبد الله بن عمر ورواه البزار من حديث نافع كلاهما عن عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ يا نساء الأنصار اختضبن غمسا واخفضن ولا تنهكن فإنه أحظى عند أزواجكن لفظ البزار وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف وفي إسناده ابن عدي خالد بن عمرو القرشي وهو أضعف من مندل ورواه الطبراني في الصغير وابن عدي أيضا عن أبي خليفة عن محمد بن سلام الجمحي عن زائدة بن أبي الرقاد عن ثابت عن أنس نحو حديث أبي داود قال ابن عدي تفرد به زائدة عن ثابت وقال الطبراني تفرد به محمد بن سلام وقال ثعلب رأيت يحيى بن معين في جماعة بين يدي محمد بن سلام فسأله عن هذا الحديث وقد قال البخاري في زائدة إنه منكر الحديث كذا في التلخيص (وهذا الحديث ضعيف) والأمر كما قال أبو داود وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت وقال ابن المنذر ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة يتبع وقال ابن عبد البر في التمهيد والذي أجمع عليه المسلمون أن الختان للرجال انتهى والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري
[ 127 ]
(باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق) (وهو خارج) أي النبيصلى الله عليه وسلم (أن تحققن) بسكون الحاء المهملة وضم القاف الأولى قال في النهاية هو أن يركبن حقها وهو وسطها يقال سقط على حاق القفا وحقه انتهى وقال الطيبي أي أبعدن عن الطريق وفاء فاختلط مسبب عن محذوف أي يقول كيت وكيت فاختلطوا فقال للنساء انتهى والمعنى أن ليس لهن أن يذهبن في وسط الطريق (بحافات) جمع حافة وهي الناحية (ثوبها) أي المرأة (من لصوقها) أي المرأة (به) بالجدار والحديث سكت عنه المنذري (أن يمشي يعني) هذا تفسير من أحد الرواة (الرجل بين المرأتين) فإنه ينافي الحياء والمروءة والوقار قال الامام المنذري رحمه الله داود بن أبي صالح هذا هو المدني قال أبو حاتم الرازي هو مجهول حدث بحديث منكر قال أبو زرعة لا أعرفه إلا في حديث واحد يرويه عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث منكر وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير من رواية داود هذا وقال لا يتابع عليه وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات حتى كان يتعمد لها وذكر هذا الحديث انتهى
[ 128 ]
(باب في الرجل يسب الدهر) (أخبرنا سفيان) هو ابن عيينة ذكره المزي (عن سعيد) بن المسيب (عن النبي صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى (يؤذيني) من الإيذاء معناه يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم قاله النووي (يسب الدهر) قال العلامة العيني في عمدة القاري قال الخطابي كانت الجاهلية تضيف المصائب والنوائب إلى الدهر الذي هو من الليل والنهار وهم في ذلك فرقتان فرقة لا تؤمن بالله تعالى ولا تعرف إلا الدهر الليل والنهار اللذان هما محل للحوادث وظرف لمساقط غير الأقدار فتنسب المكاره إليه على أنها من فعله ولا ترى أن لها مدبرا غيره وهذه الفرقة هي الدهرية الذين حكى الله عنهم في قوله وما يهلكنا إلا الدهر الآية وفرقة تعرف الخالق وتنزهه من أن تنسب إليه المكاره فتضيفها إلى الدهر والزمان وعلى هذين الوجهين كانوا يسبون الدهر ويذمونه فيقول القائل منهم يا خيبة الدهر ويا بؤس الدهر فقال صلى الله عليه وسلم لهم مبطلا ذلك لا يسبن أحمد أحد منكم الدهر فإن الله هو الدهر يريد والله أعلم لا تسبوا الدهر على أنه الفاعل لهذا الصنيع فالله تعالى هو الفاعل له فإذا سببتم الذي أنزل بكم المكاره رجع السب إلى الله تعالى وانصرف إليه انتهى (وأنا الدهر) قال العيني قال الخطابي معناه أنا ملك الدهر ومصرفه فحذف اختصار اللفظ واتساعا في المعنى وقال غيره معنى قوله أنا الدهر أي المدبر أو صاحب الدهر أو مقبله أو مصرفه ولهذا عقبه بقوله بيدي الأمر ويروي بنصب الدهر على معنى أنا باق أو ثابت في الدهر وروى أحمد عن أبي هريرة بلفظ لا تسبوا الدهر فإن الله قال أنا بعد الدهر الأيام والليالي أوجدها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك انتهى وليس المراد أن الدهر اسم من أسماء الله تعالى وقال النووي قوله وأنا الدهر فإنه برفع الراء هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبو عبيد وجماعة من المتقدمين والمتأخرين وقال أبو بكر ومحمد بن داود الظاهري إنما هو الدهر بالنصب على الظرف أي أنا مدة الدهر أقلب ليله ونهاره
[ 129 ]
وحكى ابن عبد البر هذه الرواية عن بعض أهل العلم وقال النحاس يجوز النصب أي فإن الله باق مقيم أبدا لا يزول وقال بعضهم هو منصوب على التخصيص قال والظرف أصح وأصوب وأما رواية الرفع وهي الصواب فموافقة لقوله فإن الله هو الدهر قال العلماء وهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى
[ 129 ]
وحكى ابن عبد البر هذه الرواية عن بعض أهل العلم وقال النحاس يجوز النصب أي فإن الله باق مقيم أبدا لا يزول وقال بعضهم هو منصوب على التخصيص قال والظرف أصح وأصوب وأما رواية الرفع وهي الصواب فموافقة لقوله فإن الله هو الدهر قال العلماء وهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى ومعنى فإن الله هو الدهر أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات انتهى كلامه وفي صحيح مسلم روي هذا الحديث من طرق متنوعة وألفاظ كثيرة فمنها قوله قال الله عز وجل يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار وفي رواية قال الله يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار وفي رواية قال الله تبارك وتعالى يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما وفي رواية لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر انتهى قال الإمام الحافظ عبد العظيم المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي انتهى وقال الحافظ جمال الدين المزي في الأطراف والحديث أخرجه البخاري في التفسير والتوحيد والادب ، ومسلم في الادب ، وأبو داود في الادب ، والنسائي في التفسير . انتهى والله أعلم