عون المعبود
العظيم آبادي ج 13
[ 1 ]
عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية المجلد السابع 13 - 14 محتوى الجزء الثالث عشر : تتمة كتاب السنة - كتاب الادب . دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 2 ]
جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الثانية 1415 ه - 1995 م دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 3 ]
(باب في الجهمية) أي في الرد عليهم وفي بعض النسخ باب في الجهمية والمعتزلة والجهمية فرقة من المبتدعة ينفون صفات الله التي أثبتها الكتاب والسنة ويقولون القرآن مخلوق والمعتزلة أيضا فرقة من المبتدعة قد سموا أنفسهم أهل العدل والتوحيد وعنوا بالتوحيد ما اعتقدوه من نفي الصفات الإلهية لاعتقادهم أن إثباتها يستلزم التشبيه ومن شبه الله بخلقه أشرك وهم في النفي موافقون للجهمية قال السيد مرتضى الزبيدي الجهمية طائفة من الخوارج نسبوا إلى جهم بن صفوان الذي قتل في آخر دولة بني أمية انتهى وفي ميزان الذهبي جهم بن صفوان السمرقندي الضال المبتدع رأس الجهمية هلك في زمان صغار التابعين زرع شرا عظيما انتهى والمعتزلة فرقة القدرية زعموا أنهم اعتزلوا فئتي) الضلالة عندهم أي أهل السنة والجماعة والخوارج أو سماهم به الحسن البصري لما اعتزله واصل بن عطاء وكامن قبل يختلف إليه وكذا أصحابه منهم عمرو بن عبيد وغيره فشرع واصل يقرر القول بالمنزلة بين المنزلتين وأن صاحب الكبيرة لا مؤمن مطلق ولا كافر مطلق بل هو بين المنزلتين فقال الحسن اعتزل عنا واصل فسموا المعتزلة لذلك وقالت الخوارج بتكفير مرتكبي الكبائر فخرج واصل من الفريقين كذا في شرح القاموس
[ 4 ]
(يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضا (حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله) قيل لفظ هذا مع عطف بيانه المحذوف وهو المقول مفعول يقال أقيم مقام الفاعل وخلق الله تفسير لهذا أو بيان أو بدل وقيل مبتدأ حذف خبره أي هذا القول أو قولك هذا خلق الله الخلق معلوم مشهور فمن خلق الله والجملة أقيمت مقام فاعل يقال (فمن وجد من ذلك شيئا) الإشارة عبد إلى القول المذكور (فليقل آمنت بالله) وفي رواية للشيخين فليقل آمنت بالله ورسوله قال النووي معناه اعراض عن هذا الخاطر الباطل والإلتجاء إلى الله تعالى في إذهابه انتهى وقال القاري أي آمنت بالذي قال الله ورسله من وصفه تعالى بالتوحيد والقدم وقوله سبحانه وإجماع الرسل هو الصدق والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (فذكر نحوه) أي نحو الحديث السابق (فإذا قالوا ذلك) أي ذلك القول يعني هذا خلق الله الخلق الخ (فقولوا) أي في رد هذه المقالة أو الوسوسة (الله أحد) الأحد هو الذي لا ثاني له في الذات ولا في الصفات (الله الصمد) أي المرجع في الحوائج المستغني عن كل أحد (ولم يكن له كفوا) أي مكافيا ومماثلا (أحد) إسم لم يكن (ثم ليتفل) بضم الفاء ويكسر أي ليبصق (ثلاثا) أي ليلق البزاق من الفم ثلاث مرات وهو عبارة عن كراهة الشئ والنفور عنه (وليستعذ من الشيطان) استعاذة طلب المعاونة على دفع الشيطان قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد تقدم الكلام عليه وفي إسناده أيضا سلمة بن الفضل قاضي الري ولا يحتج به (عن عبد الله بن عميرة) بفتح العين وكسر الميم (في البطحاء) أي في المحصب وهو
[ 5 ]
موضع معروف بمكة فوق مقبرة المعلا وقد تطلق على مكة وأصل البطحاء على ما في القاموس مسيل واسع فيه دقاق الحصى (في عصابة) بكسر أوله أي جماعة (فنظر إليها) أي نظر رسول الله إلى السحابة (ما تسمون) ما استفهامية (هذه) أي السحابة (قالوا السحاب) بالنصب أي نسميه السحاب ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي السحاب (قال والمزن) بضم الميم وسكون النون وتسمونها أبي أيضا المزن (قالوا والمزن) أي نسميها أيضا ففي النهاية هو الغيم والسحاب واحدته مزنة وقيل هي السحابة البيضاء (قال والعنان)
[ 6 ]
كسحاب وزنا ومعنى (ما بعد ما بين السماء والأرض) أي ما مقدار بعد مسافة ما بينهما (إما واحدة أو ثنتان أو ثلاث وسبعون سنة) الشك من الراوي كذا قيل وقال الأردبيلي الرواية في خمس مائة أكثر وأشهر فإن ثبت هذا فيحتمل أن يقال إن ذلك باختلاف قوة الملك وضعفه وخفته وثقله فيكون بسير القوى أقل وبسير الضعيف أكثر وإليه الإشارة بقوله إما واحدة وإما اثنتان وإما ثلاث وسبعون سنة انتهى قال الطيبي والمراد بالسبعون في الحديث التكثير لا التحديد لما ورد من أن ما بين السماء والأرض وبين سماء وسماء مسيرة خمس مائة عام أي سنة والتكثير هنا أبلغ والمقام أدعى (ثم السماء فوقها) أي فوق سماء الدنيا (كذلك) أي في البعد (حتى عد سبع سموات) أي على هذه الهيئات (ثم فوق ذلك) أي البحر (ثمانية أوعال) جمع وعل وهو العنز الوحشي ويقال له تيس شاة الجبل والمراد ملائكة على صورة الأوعال (بين أظلافهم) جمع ظلف بكسر الظاء المعجمة للبقر والشاة والظبي بمنزلة الحافر للدابة والخف للبعير (وركبهم) جمع ركبة (بين أسفله) أي العرش (ثم الله تعالى فوق ذلك) أي فوق العرش
[ 7 ]
وهذا الحديث يدل على أن الله تعالى فوق العرش وهذا هو الحق وعليه يدل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وهو مذهب السلف الصالحين من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم رضوان الله عليهم أجمعين قالوا إن الله تعالى استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والإستواء معلوم والكيف مجهول والجهمية قد أنكروا العرش وأن يكون الله فوقه وقالوا إنه في كل مكان ولهم مقالات قبيحة باطلة وإن شئت الوقوف على دلائل مذهب السلف والاطلاع على رد مقالات الجهمية الباطلة فعليك أن تطالع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي وكتاب أفعال العباد للبخاري وكتاب العلو للذهبي والقصيدة النونية لابن القيم والجيوش الإسلامية الدين ابن القيم رحمهم الله تعالى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب وروى شريك بعض هذا الحديث عن سماك فوقفه هذا آخر كلامه وفي إسناده الوليد بن أبي ثور ولا يحتج بحديثه (أحمد بن أبي سريج) هو أحمد بن الصباح بن أبي سريج بجيم مصغر الرازي وثقة
[ 8 ]
النسائي وهذا سند قوي جيد الإسناد وكذا إسناد أحمد بن حفص الآتي قوي أيضا وقال الحافظ ابن القيم في تعليقات سنن أبي داود أما رد الحديث بالوليد بن أبي ثور ففاسد فإن الوليد لم ينفرد به بل تابعه عليه إبراهيم بن طهمان كلاهما عن سماك ومن طريقه رواه أبو داود ورواه أيضا عمرو بن أبي قيس عن سماك ومن حديثه رواه الترمذي عن عبد بن حميد أخبرنا عبد الرحمن ابن سعد عن عمرو بن أبي قيس انتهى ورواه ابن ماجه من حديث الوليد ابن أبي ثور عن سماك وأي ذنب للوليد في هذا وأي تعلق عليه وإنما ذنبه روايته ما يخالف قول الجهمية وهي علته المؤثرة عند القوم انتهى كلامه مختصرا قلت وحديث إبراهيم بن طهمان أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات والله أعلم (قال أحمد) هو ابن سعيد (كتبناه) أي الحديث (من نسخته) أي من نسخة وهب بن جرير (وهذا لفظه) أي لفظ أحمد (عن أبيه) هو محمد بن جبير (عن جده) هو جبير بن مطعم (جهدت) بصيغة المجهول أي أوقعت في المشقة (وضاعت العيال) عيال الرجل بالكسر من يعوله ويمونه من الزوجة والأولاد والعبيد وغير ذلك (ونهكت) بصيغة المجهول أي نقصت (وهلكت الأنعام) جمع نعم محركة الإبل والبقر والغنم (فاستسق الله لنا) أي اطلب لنا السقيا من الله تعالى (فإنا نستشفع) أي يطلب الشفاعة (بك) أي بوجودك وحرمتك وبعظمتك
[ 9 ]
(ويحك) بمعنى ويلك إلا أن الأول فيه معنى الشفقة عن المزلة والمزلقة والثاني دعاء عليه بالهلكة والعقوبة قاله القاري (وسبح) أي قال سبحان الله قال الأردبيلي فيه دلالة على جواز أن يقال سبحان الله أو لا إله إلا الله على وجه التعجب والإنكار ولا كراهة فيه انتهى (حتى عرف ذلك) بصيغة المجهول أي حتى تبين أثر ذلك التغير (في وجوه أصحابه) لأنهم فهموا من تكرير تسبيحه أنه غضب من ذلك فخافوا من غضبه فتغيرت وجوههم خوفا من الله تعالى (إنه) أي الشأن (لا يستشفع) بصيغة المجهول (شأن الله أعظم من ذلك) أي من أن يستشفع به على أحد
[ 10 ]
قال الطيبي استشفعت بفلان على فلان ليشفع لي إليه فشفعه أجاب شفاعته ولما قيل إن الشفاعة هي الإنضمام إلى آخر ناصرا له وسائلا عنه إلى ذي سلطان عظيم منع أن يستشفع بالله على أحد وقوله ذلك إشارة إلى أثر هيبة أو خوف استشعر من قوله سبحان الله تنزيها عما نسب إلى الله تعالى من الإستشفاع به على أحد وتكراره مرارا (إن عرشه على سمواته) قال الأردبيلي هذا يدل على أن السماوات واقفة غير متحركة ولا دائرة كما قال المسلمون وأهل الكتاب خلافا للمنجمين (والفلاسفة انتهى (لهكذا) بفتح اللام الابتدائية دخلت على خبر إن تأكيدا للحكم (وقال بأصابعه) أي أشار بها (مثل القبة عليه) قال القاري حال من العرش أي مماثلا لها على ما في جوفها
[ 11 ]
قال الطيبي هو حال من المشار به وفي قال معنى الإشارة أي أشار بأصابعه إلى مشابهة هذه الهيئة وهي الهيئة الحاصلة للأصابع الموضوعة على الكف مثل حالة الإشارة انتهى (وإنه) أي العرش (ليئط) بكسر الهمزة وتشديد المهملة أي يصوت (به) أي بالله تعالى (أطيط الرحل) أي كصوته والرحل كور الناقة (بالراكب) أي الثقيل وفي النهاية أي إن العرش ليعجز عن حمله وعظمته إذ كان معلوما أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله انتهى وقال الخطابي هذا الكلام إذا أجرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية والكيفية عن الله تعالى وعن صفاته منفية فعقل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة ولا تحديده على هذه الهيئة وإنما هو كلام تقريب أريبه تقرير عظمة الله وجلاله جل جلاله سبحانه وإنما قصد به إفهام السائل من حيث ادركه فهمه إذا كان أعرابيا جلفا لا علم له لمعاني ما دق من الكلام وما لطف منه عن درك الأفهام وفي الكلام حذف وإضمار فمعنى قوله أتدري ما الله فمعناه أتدري ما عظمته وجلاله وقوله إنه ليئط به معناه أنه ليعجز عز جلاله وعظمته حتى يئط به إذ كان معلوما أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه ولعجزه عن احتماله فقرر بهذا النوع من التمثيل عنده معنى
[ 12 ]
عظمة الله وجلاله وارتفاع عرشه ليعلم أن الموصوف بعلو الشأن وجلالة القدر وفخامة الذكر لا يجعل شفيعا إلى من هو دونه في القدر وأسفل منه في الدرجة وتعالى الله أن يكون مشبها بشئ أو مكيفا بصورة خلق أو مدركا بحس ليس كمثله شئ وهو السميع البصير انتهى قلت كلام الإمام الخطابي فيه تأويل بعيد خلاف للظاهر لا حاجة إليه وإنما الصحيح المعتمد في أحاديث الصفات إمرارها على ظاهرها من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل كما عليه السلف الصالحون والله أعلم (وقال عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد ابن جبير) أي قالوا في روايتهم بالواو بين يعقوب وجبير وأما أحمد بن سعيد فقال في روايته بعن بينهما كما مر (وافقه عليه) أي وافق أحمد بن سعيد على إسناده (وكان سماع عبد الأعلى الخ) أي فلأجل ذلك اتفق هؤلاء الثلاثة كلهم على ما هو غير الصحيح حيث قالوا عن يعقوب بن عتبة
[ 13 ]
وجبير بن محمد الخ بالواو قال المنذري قال أبو بكر البزار وهذا الحديث لا نعلمه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة من الوجوه إلا من هذا الوجه ولم يقل فيه محمد بن إسحاق حدثني يعقوب بن عتبة هذا آخر كلامه ومحمد بن إسحاق مدلس وإذا قال المدلس عن فلان ولم يقل حدثنا أو سمعت أو أخبرنا لا يحتج بحديثه وإلى هذا أشار البزار مع ابن إسحاق إذا صرح بالسماع اختلف الحفاظ في الإحتجاج بحديثه فكيف إذا لم يصرح به وقد رواه يحيى بن معين وغيره فلم يذكر فيه لفظة به وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي وقد تفرد به يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس الثقفي الأخنسي عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم القرشي النوفلي وليس لهما في صحيح أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وأبي الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري رواية وانفرد به محمد بن إسحاق بن يسار عن يعقوب وابن إسحاق لا يحتج بحديثه وقد طعن فيه غير واحد من الأئمة وكذبه جماعة منهم وقال أبو بكر البيهقي التشبيه بالقبة إنما وقع على العرش وهذا حديث ينفرد به محمد بن إسحاق بن يسار عن يعقوب بن عتبة وصاحبا الحديث الصحيح لم يحتجابهما ما هذا آخر كلامه وقد تأوله الأئمة على تقدير صحته فقال الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسين بن فورك وذلك لا يرجع إلى العرش وليس فيه ما يدل على أن الله تعالى مماس له مماسة الراكب الرحل بل فائدته أنه يسمع للعرش أطيط فضرب كأطيط الرجل إذا ركب ويحتمل تأويلا آخر أيضا وهو أن يقول معناه أطيط الملائكة وضجتهم لا بالتسبيح حول العرش والمراد به الطائفون به وهذا شائع كما قال :
[ 14 ]
واستب بعدك يا كليب المجلس إنما المراد أهل المجلس وكذلك تقول العرب اجتمعت اليمامة والمراد أهلها وكذلك يقولون بنو فلان هم الطريق والمراد به الواطئون الطريق قال الخطابي فمعنى قوله أتدري ما الله معناه أتدري ما عظمة الله وجلاله وأشار إلى أن ظاهر الحديث فيه نوع من الكيفية والكيفية عن الله وعن صفاته منفية وإنما هو كلام تقريب أريد به تقريب عظمة الله وجلاله سبحانه وقال البيهقي في كتاب الأسماء والصفات هذا حديث ينفرد به محمد بن إسحاق بن يسار عن يعقوب بن عتبة وصاحبا الصحيح لم يحتجا به إنما استشهد مسلم بن الحجاج بمحمد بن إسحاق في أحاديث معدودة أظنهن خمسة قد رواهن غيره وذكر البخاري في الشواهد ذكرا من غير رواية وكان مالك بن أنس لا يرضاه ويحيى بن سعيد القطان لا يروى عنه ويحيى بن معين يقول ليس هو بحجة وأحمد بن حنبل يقول يكتب عنه هذه الأحاديث يعين المغازي ونحوها فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا يريد أقوى منه فإذا كان لا
[ 15 ]
يحتج به في الحلال والحرام فأولى أن لا يحتج به في صفات الله سبحانه وتعالى وإنما نقموا عليه في روايته عن أهل الكتاب ثم عن ضعفاء الناس وتدليسه أساميهم فإذا روى عن ثقة وبين سماعه منه فجماعة من الأئمة لم يروا به بأسا وهو إنما روى هذا الحديث عن يعقوب بن عتبة وبعضهم يقول عنه وعن جبير بن محمد بن جبير ولم يبين سماعه منهما واختلف عليه في لفظه وقد جعله أبو سليمان الخطابي ثابتا واشتغل بتأويله انتهى كلام البيهقي ثم ذكر البيهقي كلام الخطابي الذي تقدم آنفا وقال بعض العلماء ممن ذهب إلى تأويل أحاديث الصفات حديث العباس ضعيف من وجوه ومعارض بالإجماع والأحاديث أما الضعف فمن جهة محمد بن إسحاق وأما الإجماع فإنه مخالف لما عليه المفسرون في المساحة والمسافة وفي صفة حملة العرش وأما الأحاديث فإنها جاءت في مسيرة خمس مائة واشتهرت عن أبي ذر وأبي سعيد وأبي بردة وغيرهم انتهى وأما قولهم إنه معارض للإجماع الذي عليه المفسرون فهذه دعوى من غير بينة فإن المفسرين بأجمعهم لم يجمعوا على خلاف معنى حديث العباس رضي الله عنه وذهاب بعض المفسرين المتأخرين بل من المتقدمين أيضا إلى خلاف ذلك لا يفيد الإجماع وقد جمع بين الروايتين أي رواية المسافة بقدر مسيرة خمس مائة عام كما في حديث أبي هريرة وغيره وبين
[ 16 ]
رواية العباس هذه الحافظ البيهقي في كتاب الأسماء والصفات فقال بعد إخراج رواية أبي هريرة ما نصه هذه الرواية في مسيرة خمسمائة عام اشتهر فيما بين الناس وروينا عن ابن مسعود من قوله مثلها ويحتمل أن يختلف ذلك باختلاف قوة السير وضعفه وخفته وثقله فيكون بسير القوي أقل وبسير الضعيف أكثر انتهى وقال ابن القيم وأما اختلاف مقدار المسافة في حديثي العباس وأبي هريرة فهو مما يشهد بتصديق كل منهما للآخر وأن المسافة تختلف تقديرها بحسب اختلاف السير الواقع فيها فسير البريد مثلا يقطع بقدر سير ركاب الإبل سبع مرات وهذا معلوم بالواقع
[ 17 ]
فما يسيره الابل سيرا قاصدا في عشرين يوما يقطعه البريد في ثلاثة فحيث قدر النبي بالسبعين أراد به السير السريع سير البريد وحيث قدر بالخمس مائة أراد به الذي يعرفونه سير الإبل والركاب فكل منهما يصدق آخر ويشهد بصحته ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا انتهى وقد جاءت في صفة حملة العرش ألوان ذكرها البيهقي فأنى يصح الإجماع والله أعلم قال الحافظ ابن القيم في تهذيب السنن أما حملكم فيه على ابن إسحاق فجوابه أن ابن إسحاق بالموضع الذي جعله الله من العلم والأمانة قال علي بن المديني حديثه عندي صحيح وقال شعبة ابن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث وقال أيضا هو صدوق
[ 18 ]
وقال علي أيضا سمعت ابن عيينة يقول ما سمعت أحدا يتكلم في ابن إسحاق إلا في قوله في القدر ولا ريب أن أهل عصره أعلم به ممن تكلم فيه بعدهم وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول قال الزهري لا يزال بهذه الحرة علم ما دام بها ذلك الأحول يريد ابن إسحاق وقال يعقوب بن شيبة سألت يحيى بن معين كيف ابن إسحاق قال ليس بذاك قلت ففي نفسك من حديثه شئ قال لا كان صدوقا وقال يزيد بن هارون سمعت شعبة يقول لو كان لي سلطان لأمرت ابن إسحاق على المحدثين وقال ابن عدي قد فتشت أحاديث ابن إسحاق الكثير فلم أجد في أحاديثه شيئا أن يقطع
[ 19 ]
عليه بالضعف وربما أخطأ أو وهم كما يخطئ غيره ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لا بأس به وقال أحمد بن عبد الله العجلي ابن إسحاق ثقة وقد استشهد مسلم بخمسة أحاديث ذكرها لابن إسحاق في صحيحه وقد روى الترمذي في جامعه من حديث ابن إسحاق حدثنا سعيد بن عبيد ابن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة فأكثر الاغتسال منه الحديث قال الترمذي هذا حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق فهذا حكم قد تفرد به ابن إسحاق في الدنيا وقد صححه الترمذي فإن قيل فقد كذبه مالك فقال أبو قلابة الرقاشي حدثني أبو داود سليمان ابن داود قال قال يحيى بن القطان أشهد أن محمد بن إسحاق كذاب قلت وما يدريك قال قال لي وهيب فقلت لوهيب وما يدريك قال قال لي مالك بن أنس فقلت لمالك وما يدريك ؟
[ 20 ]
قال قال لي هشام بن عروة قال قلت لهشام وما يدريك قال حدث عن امرأتي فاطمة بنت المنذر ودخلت عليها (أدخلت علي) وهي بنت تسع وما رآها رجل حتى لقيت الله قيل هذه الحكاية وأمثالها هي التي غرت من اتهمه بالكذب وجوابها من وجوه أحدها أن سليمان بن داود راويها عن يحيى هو الشاذكوني وقد اتهم بالكذب فلا يجوز القدح في الرجل بمثل رواية الشاذكوني الثاني في الحكاية ما يدل على أنها كذب فإنه قال أدخلت علي وهي بنت تسع وفاطمة أكبر من هشام بثلاث عشرة سنة ولعلها لم تزف إليه إلا وقد زادت على العشرين ولما أخذ عنها ابن إسحاق كان لها نحو بضع وخمسين سنة الثالث أن هشاما إنما نفى رؤيته لها ولم ينف سماعه منها ومعلوم أنه لا يلزم من انتفاء الرؤية انتفاء السماع . قال الإمام أحمد لعله سمع منها في المسجد أو دخل عليها فحدثته من وراء حجاب فأي شئ في هذا وقد كانت امرأة قد كبرت وأسنت .
[ 21 ]
وقال يعقوب بن شيبة سألت ابن المديني عن ابن إسحاق قال حديثه عندي صحيح قلت فكلام مالك فيه قال مالك لم يجالسه ولم يعرفه وأي شئ حدث بالمدينة قلت فهشام بن عروة قد تكلم فيه قال الذي قال هشام ليس بحجة لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها فإن حديثه يستبين فيه الصدق يروي مرة حدثني أبو الزناد ومرة ذكر أبو الزناد ويقول حدثني الحسن بن دينار عن أيوب عن عمرو بن شعيب في سلف وبيع وهو أروى الناس عن عمرو بن شعيب وأما قولكم إنه لم يصرح بسماعه من يعقوب بن عتبة فعلى تقدير ثبوب العلم بهذا النفي لا يخرج الحديث عن كونه حسنا فإنه قد لقي يعقوب وسمع منه وفي الصحيح قطعة من الاحتجاج بعنعنة المدلس كأبي الزبير عن جابر وسفيان عن عمرو بن دينار ونظائره كثيرة لذلك
[ 22 ]
وأما قولكم تفرد به يعقوب بن عتبة ولم يرو عنه أحد من أصحاب الصحيح فهذا ليس بعلة باتفاق المحدثين فإن يعقوب ثقة لم يضعفه أحد وكم من ثقة قد احتج به وهو غير مخرج عنه في الصحيحين وهذا الجواب عن تفرد محمد ابن جبير عنه فإنه ثقة وأما قولكم أن ابن إسحاق أضطرب فيه فقد اتفق ثلاثة من الحفاظ عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار على وهب بن جرير عن أبيه عن ابن إسحاق أنه حدث به عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد عن أبيه وخالفهم أحمد بن سعيد الدمياطي فقال عن وهب بن جرير عن أبيه سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير فإما أن تكون الثلاثة أولى وإما أن يكون يعقوب رواه عن جبير بن محمد فسمعه منه ابن إسحاق ثم سمعه من جبير نفسه فحدث به على الوجهين . وقد قيل إن الواو غلط وأن الصواب عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد عن أبيه
[ 23 ]
وأما قولكم إنه اختلف لفظه فبعضهم قال ليئط به وبعضهم لم يذكر لفظة به فليس في هذا اختلاف يوجب رد الحديث فإذا زاد بعض الحفاظ لفظة لم ينفها غيره ولم يرو ما يخالفها فإنها لا تكون موجبة لرد الحديث فهذا جواب المنتصرين لهذا الحديث
[ 24 ]
قالوا وقد روى هذا المعنى عن النبي ص من غير حديث ابن إسحاق فقال محمد بن عبد الله الكوفي المعروف بمطين حدثنا عبد الله بن الحكم وعثمان قالا حدثنا يحيى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة عن عمر قال أتيت النبي امرأة فقالت ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم أمر الرب ثم قال إن كرسيه فوق السماوات والأرض وإنه يقعد عليه فما يفصل منه مقدار أربع أصابع ثم قال بأصابعه فجمعها وإن له أطيطا كأطيط الرحل الحديث
[ 25 ]
فإن قيل عبد الله بن الحكم وعثمان لا يعرفان قيل بل هما ثقتان مشهوران عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن الحكم القطواني وهما من رجال الصحيح وفي الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق عرشه إن رحمتي غلبت غضبي . وفي لفظ البخاري وهو وضع عنده على العرش وفي لفظ له أيضا فهو مكتوب فوق العرش ووضع بمعنى موضوع مصدر بمعنى المفعول كنظائره انتهى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى
[ 26 ]
وقد أطال الكلام في ترجمة محمد بن إسحاق الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال والحافظ فتح الدين بن سيد الناس اليعمري في عيون الأثر في المغازي والسير فعليك بمراجعتهما (أذن لي) بالبناء للمفعول والآذن له هو الله (أن أحدث) أصحابي أو الناس (عن ملك) أي عن شأنه أو عن عظم خلقه (إلى عاتقه) هو ما بين المنكبين إلى أصل العنق (مسيرة سبع مائة عام) أي بالفرس الجواد كما في خبر آخر فما ظنك بطوله وعظم جثته والمراد بالسبعين التكثير لا التحديد والحديث إسناده صحيح قاله المناوي في التيسير
[ 27 ]
والحديث أخرجه أيضا الضياء المقدسي في المختارة والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات وسكت عنه المنذري (والتي تليها) أي تلى الابهام يعني السبابة (قال ابن يونس) هو محمد (قال المقري) هو عبد الله بن يزيد (وهذا) أي هذا الحديث (رد على الجهمية) لأنه يثبت منه صفة السمع والبصر لله تعالى قال الإمام الخطابي في معالم السنن وضعه إصبعيه على أذنه وعينه عند قراءته سميعا
[ 28 ]
بصيرا معناه إثبات صفة السمع والبصر لله سبحانه لا إثبات العين والأذن لأنهما جارحتان والله سبحانه موصوف بصفاته منفيا عنه ما لا يليق به من صفات الآدميين ونعوتهم ليس بذي جوارح ولا بذي أجزاء وأبعاض ليس كمثله شئ وهو السميع البصير انتهى ورد عليه بعض العلماء فقال قوله لا إثبات العين والأذن الخ ليس من كلام أهل التحقيق وأهل التحقيق يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله ولا يبتدعون لله وصفا لم يرد به كتاب ولا سنة وقد قال تعالى ولتصنع على عيني وقال تجري بأعيننا وقوله ليس بذي جوارح ولا بذي أجزاء وأبعاض كلام مبتدع مخترع لم يقله أحد من السلف لا نفيا ولا إثباتا بل يصفون الله بما وصف به نفسه ويسكتون عما سكت عنه ولا يكيفون ولا يمثلون ولا يشبهون الله بخلقه فمن شبه الله بخلقه فقد كفر وليس ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله تشبيها وإثبات صفة السمع والبصر لله حق كما قرره الشيخ انتهى كلامه قلت ما قاله هو الحق وما قال الخطابي فهو ليس من كلام أهل التحقيق وعليك أن تطالع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي وإعلام الموقعين واجتماع الجيوش والكافية الشافية والصواعق المرسلة وتهذيب السنن كلها لابن القيم رحمه الله وكتاب العلو للذهبي وغير ذلك من كتب المتقدمين والمتأخرين والحديث سكت عنه المنذري
[ 29 ]
فائدة قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري أخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة عن أم سلمة أنها قالت الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سئل كيف استوى على العرش فقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول وعلى الله الرسالة وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي قال كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله على عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته وأخرج الثعلبي من وجه آخر عن الأوزاعي أنه سئل عن قوله تعالى ثم استوى على العرش فقال هو كما وصف نفسه وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استوى فأطرق مالك فأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال الرحمن على العرش استوى كما وصف به نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وما أراك إلا صاحب بدعة أخرجوه
[ 30 ]
وفي رواية عن مالك والإقرار به واجب والسؤال عنه بدعة وأخرج البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي قال كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحددون ولا يشبهون ويروون هذه الأحاديث ولا يقولون كيف قال أبو داود وهو قولنا قال البيهقي وعلى هذا معنى أكابرنا وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير فمن فسر شيئا منها وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبي وأصحابه وفارق الجماعة لأنه وصف الرب بصفة لا شئ ومن طريق الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي ومالكا والثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيف وأخرج ابن أبي حاتم عن الشافعي يقول لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل فنثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال ليس كمثله شئ وأسند البيهقي عن أبي بكر الضبعي قال مذهب أهل السنة في قوله الرحمن على
[ 31 ]
العرش استوى قال بلا كيف والآثار فيه عن السلف كثيرة وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل وقال الترمذي في الجامع عقب حديث أبي هريرة في النزول وهو على العرش كما وصف به نفسه في كتابه كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات وقال في باب فضل الصدقة قد ثبتت هذه الروايات فنؤمن بها ولا نتوهم ولا يقال كيف كذا جاء عن مالك وابن عيينة وابن المبارك أنهم أمروها بلا كيف وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكروها وقالوا هذا تشبيه وقال إسحق بن راهوية إنما يكون التشبيه لو قيل يد كيد وسمع كسمع وقال في تفسير المائدة قال الأئمة نؤمن بهذه الأحاديث من غير تفسير منهم الثوري ومالك وابن عيينة وابن المبارك وقال ابن عبد البر أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ولم يكيفوا شيئا منها وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا من أقربها فهو مشبه وقال إمام الحرمين اخبلفت أن مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلا الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتعويض معانيها إلى الله تعالى والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما
[ 32 ]
لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع انتهى وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنهم من الأئمة فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة انتهى كلام الحافظ رحمه الله
[ 37 ]
(باب في الرؤية) أي في رؤية تعالى في دار الآخرة للمسلمين قال ابن بطال ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله تعالى في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثا وحالا في مكان وأولوا قوله تعالى ناظرة بمنتظره وهو خطأ وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه فكذلك المرئي
[ 38 ]
وقال وتعلقوا بقوله تعالى لا تدركه الأبصار وبقوله تعالى لموسى لن تراني والجواب عن الأول أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعا بين دليلي الآيتين وبأن نفي ادراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشئ من غير إحاطة بحقيقته وعن الثاني المراد لن تراني في الدنيا جمعا أيضا ولأن نفي الشئ لا يقتضي إحالته مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الآية وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف كذا في فتح الباري وقد أورد امام البخاري في صحيحه ثباتها أحد عشر حديثا (جلوسا) بالضم أي جالسين (ليلة أربع عشرة) بدل من ما قبله (إنكم سترون ربكم) أي يوم القيامة (كما ترون هذا) أي القمر (لا تضامون) قال الخطابي في المعالم هو من الانضمام
[ 39 ]
يريد إنكم لا تختلفون في رؤيته حتى تجتمعوا للنظر وينضم بعضكم إلى بعض فيقول واحد هو ذاك ويقول الآخر ليس بذلك على ما جرت به عادة الناس عند النظر إلى الهلال أول ليلة من الشهر ووزنه تفاعلون وأصله تتضامنون حذفت منه إحدى التائين وقد رواه بعضهم لا تضامون بضم التاء وتخفيف الميم فيكون معناه على هذه الرواية أنه لا يلحقكم ضيم ولا مشقة في رؤيته (فإن استطعتم أن لا تغلبوا) بصيغة المجهول أي لا تصيروا مغلوبين (على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يعني الفجر والعصر وخص بالمحافظة على هاتين الصلاتين الصبح والعصر لتعاقب الملائكة في وقتهما ولأن وقت صلاة الصبح وقت النوم وصلاة العصر وقت الفراغ من الصناعات وإتمام الوظائف فالقيام فيهما أشق على النفس (فافعلوا) أي عدم المغلوبية بقطع الأسباب المنافية للاستطاعة كنوم ونحوه قاله القسطلاني وقال السندي أي لا يغلبنكم الشيطان حتى تتركوهما أو تؤخروهما الله عن أول وقت الاستحباب انتهى
[ 40 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (هل تضارون) أي هل يحصل لكم تزاحم وتنازع يتضرر به بعضكم من بعض قال الخطابي في المعالم هذا والأول سواء في إدغام أحد الحرفين في الآخر وفتح التاء من أوله ووزنه تفاعلون من الضرار والضرار أن يتضار قال الرجلان عند الاختلاف في الشئ فيضار هذا ذاك وذاك هذا فيقال قد وقع الضرار بينهما أي الاختلاف انتهى (في الظهيرة) هي نصف النهار وهو وقت ارتفاعها وظهورها وانتشار ضوءها في العالم كله (ليست) أي الشمس (في سحابة) أي غيم يحجبها (إلا كما تضارون الخ) قال الطيبي أي لا تشكون فيه إلا كما تشكون في رؤية القمرين وليس في رؤيتهما شك فلا تشكون فيها البتة انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم (قال موسى) هو ابن إسماعيل (ابن حدس) أي قال موسى في روايته عن وكيع بن حدس قال الحافظ في التقريب وكيع بن عدس بمهملات وضم أوله وثانيه وقد يفتح ثانيه ويقال بالحاء بدل العين (قال موسى العقيلي) أي قال موسى في رواية عن أبي رزين العقيلي والعقيلي هو التصغير (قال ابن معاذ) هو عبيد الله (مخليا به) بميم مضمومة فخاء معجمة ساكنة
[ 41 ]
فلام مكسورة فتحتية مخففة أي خاليا بربه بحيث لا يزاحمه شئ في الرؤية وقيل بفتح ميم وتشديد تحتية وأصله مخلوي عن والمعنى منفردا به ففي النهاية يقال خلوت به ومعه وإليه اختليت به إذا انفردت به أي كلكم يراه منفردا بنفسه كذا في المرقاة (وما آية ذلك) أي ما علامة ذلك (ثم اتفقا) أي موسى وابن معاذ (فإنما هو) أي القمر (خلق من خلق الله) أي ويراه كلنا (فالله أجل وأعظم) أي فهو أولى بالرؤية قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وأبو رزين العقيلي له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعداده من أهل الطائف هو لقيط بن عامر ويقال لقيط بن صبره هكذا ذكره البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما وقيل هما اثنان ولقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة والصحيح الأول وقال النمري فيمن قال لقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة نسبة إلى جده وهو لقيط بن عامر بن صبرة (باب في الرد على الجهمية) وجد هذا الباب في نسخة واحدة صحيحة وليس في سائر النسخ فعلى تقدير إثبات الباب فيه تكرار لأن هذا الباب تقدم قبل باب الرؤية وعلى حذفه ليس لحديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة تعلق بباب الرؤية فالأشبه كون هذين الحديثين قبل باب الرؤية وتحت باب الجهمية فإدخالهما من في باب الرؤية من تصرف النساخ والله أعلم (يطوي الله تعالى) من الطي الذي هو ضد النشر وأخرج البخاري ومسلم واللفظ للبخاري عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله تبارك وتعالى يقبض يوم القيامة الأرضين على إصبع وتكون السموات بيمينه ثم يقول أنا الملك وعند أحمد من طريق عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الاية ذات يوم على المنبر وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات
[ 42 ]
مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده يحركها يقبل بها ويدير يمجد الرب نفسه أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم فذكره ولفظ مسلم عن عبيد الله بن مقسم في هذا الحديث يأخذ الله تبارك وتعالى سمواته وأرضيه بيده ويقول أنا الملك ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شئ منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم وعند الشيخين من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يقبض الله تعالى الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض قال الحافظ ابن كثير وقد ورد أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة والطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف (ثم يقول أنا الملك) أي لا ملك إلا لي (أين الجبارون) أي الظلمة القهارون في (أين المتكبرون) أي بما لهم وجاههم (ثم يطوي الأرضيين) جمع أرض قال المنذري وأخرجه مسلم والبخاري تعليقا (فيقول من يدعوني فأستجيب) بالنصب على جواب الإستفهام والسين ليست للطلب بل أستجيب بمعنى أجيب (فأعطيه) أي سؤله (فأغفر له) أي ذنوبه وتقدم الكلام في مثل هذه الأحاديث هو إمرارها على ظاهرها من غير تأويل ولا تشبيه ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح هذا الحديث كتاب سماه بشرح حديث النزول وهو كتاب مملوء من تحقيقات عجيبة فعلى طالب الحق مطالعته فإنه عديم النظير في بابه والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 43 ]
(باب في القرآن) قال في فتح الودود بن أي في أنه كلام الله لا أنه كلام خلقه الله تعالى في بعض الأجسام واستدل على ذلك بالأحاديث التي وقع فيها إضافة الكلام إلى الله تعالى أو التكلم أو الكلمات (ألا) بلا النهي مع همزة الاستفهام (يحملني إلى قومه) أي يذهب بي إلى قومه (كلام ربي) ولنعم ما قيل وما القرآن مخلوقا تعالى كلام الرب من جنس المقال قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (عن عامر بن شهر) قال في الإصابة عامر بن شهر صحابي أخرج حديثه أبو يعلى مطولا وله في أبي داود حديث من رواية الشعبي وروى له حديثا آخر قال كنت عند النجاشي فقرأ ابن له اية من الإنجيل وهو طرف من الحديث الطويل وكان عامر بن شهر أحد عمال النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن انتهى (كنت عند النجاشي) اسم ملك الحبشة
[ 44 ]
قال المنذري في إسناده مجالد بن سعيد ولا يحتج به وعامر بن شهر همداني ناعطي هذه وقيل إنه من بكيل وكلاهما من همدان يعد في الكوفيين كنيته أبو الكنود ويقال أبو شهر روى عنه الشعبي وقيل إنه لم يرو عنه غيره وشهر بفتح المعجمة وسكون الهاء وراء مهملة وناعط بفتح النون وبعد الألف عين مهملة مكسورة وطاء مهملة وإنما قيل له ناعط لأنه نزل جبلا يقال له ناعط فسمي به وغلب عليه وبكيل بفتح الباء الموحدة وكسر الكاف وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة ولام . (وكل حدثني طائفة من الحديث) أي قال الزهري كل من الأئمة المذكورين حدثني بعضا من حديث الإفك (ولشأني) بفتح اللام (من أن يتكلم الله في) بتشديد التحتية أي في شأني وتزكية نفسي وإبراء ذمتي قال في الفتح قال الداودي فيه أن الله تكلم ببراءة عائشة رضي الله عنها حين أنزل براءتها بخلاف قول بعض الناس إنه لم يتكلم انتهى
[ 45 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي مطولا ومختصرا (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ) بضم الياء وكسر الواو الثقيلة وذال معجمة أي يطلب من الله عصمة (بكلمات الله التامة) أي الخالية عن العيوب أو الوافية في دفع ما يتعوذ منه (وهامة) بتشديد الميم وهي كل ذات سم (ومن كل عين لامة) أي ذات لمم وهو القرب من الشئ (أبوكم) أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنه أبو العرب (بهما) كذا في بعض النسخ وفي بعضها بها بضمير الواحد المؤنث وكذلك في رواية البخاري وهو الظاهر أي يعوذ بهذه الكلمات المذكورة (قال أبو داود هذا دليل على أن القرآن ليس بمخلوق) قال الخطابي في المعالم وكان أحمد بن حنبل يستدل بقوله بكلمات الله التامة على أن القرآن غير مخلوق وما من كلام مخلوق إلا وفيه نقص فالموصوف منه بالتمام هو غير مخلوق وهو كلام الله سبحانه انتهى
[ 46 ]
قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال استدل البخاري بقوله تعالى حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق على أن قول الله قديم لأنه قائم بصفاته لم يزل موجودا به ولا يزال كلامه لا يشبه المخلوقين خلافا للمعتزلة التي نفت كلام الله تعالى وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد القرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفات ذاته وليس شئ من صفات ذاته مخلوقا ولا محدثا ولا حدثا قال تعالى إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فلو كان القرآن مخلوقا لكان مخلوقا بكن ويستحيل أن يكون قول الله لشئ بقول لأنه يوجب قولا ثانيا وثالثا فيتسلسل وهو فاسد وقال الله تعالى الرحمن علم القرآن خلق الإنسان فخص القرآن بالتعليم لأنه كلامه وصفته وخص الإنسان بالتخليق لأنه خلقه ومصنوعه ولولا ذلك لقال خلق القرآن والإنسان وقال الله تعالى وكلم الله موسى تكليما ولا يجوز أن يكون كلام المتكلم قائما بغيره وقال تعالى وما كان لبشر يكلمه الله إلا وحيا الآية فلو كان لا يوجد إلا مخلوقا في شئ مخلوق لم يكن لاشتراط الوجوه المذكورة في الآية معنى لاستواء جميع الخلق في سماعه من غير الله فبطل قول الجهمية أنه مخلوق في غير الله ويلزمهم في قولهم إن الله خلق كلاما في شجرة كلم به موسى أن يكون من سمع كلام الله من ملك أو نبي أفضل في سماع الكلام من موسى يلزمهم أن تكون الشجرة هي المتكلمة بما ذكر الله أنه كلم به موسى وهو قوله : (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وقد أنكر الله تعالى قول المشركين إن هذا إلا قول
[ 47 ]
البشر ولا يعترض بقوله تعالى إنه لقول رسول كريم لأن معناه قول تلقاه عن رسول كريم كقوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله ولا بقوله إنا جعلناه قرآنا عربيا لأن معناه سميناه قرآنا وهو كقوله وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون وقوله ويجعلون لله ما يكرهون وقوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فالمراد تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه وبهذا احتج الإمام أحمد ثم ساق البيهقي حديث نيار بكسر النون وتخفيف التحتانية ابن مكرم أن أبا بكر قرأ عليهم سورة الروم فقالوا هذا كلامك أو كلام صاحبك قال ليس كلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصححا وقال ابن حزم في الملل والنحل أجمع أهل الإسلام على أن الله تعالى كلم موسى وعلى أن القرآن كلام الله وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف قال الحافظ بعد ما أطال الكلام والمحفوظ عن جمهور السلف ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله وأنه غير مخلوق ثم السكوت عما وراء ذلك قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (أحمد بن أبي سريج) بالسين المهملة والجيم (عن مسلم) هو ابن صبيح كما عند البيهقي في كتاب الصفات (صلصلة) هي صوت وقوع الحديد بعضه على بعض (كجر السلسلة على الصفا) جمع صفاة وهي الصخرة والحجر الأملس وفي صحيح البخاري تعليقا من قول عبد الله بن مسعود إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئا فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا ماذا قال ربكم قالوا الحق انتهى ووصله البيهقي في كتاب الصفات موقوفا وكذا البخاري في خلق أفعال العباد قال البيهقي ورواه أحمد بن أبي سريج الرازي وعلي بن اشكاب وعلى بن مسلم ثلاثتهم عن أبي معاوية مرفوعا قال في فتح الباري في رواية أبي داود وغيره سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا ولبعضهم الصفوان بدل الصفا وفي رواية الثوري الحديد بدل السلسلة وفي رواية شيبان بن عبد الرحمن عن منصور عند ابن أبي حاتم مثل صوت السلسلة وعنده من
[ 48 ]
رواية عامر الشعبي عن ابن مسعود سمع سنة من دونه صوتا كجر السلسلة ووقع في حديث النواس بن سمعان عند ابن أبي حاتم إذا تكلم الله بالوحي أخذت السموات منه رجفة أو قال رعدة شديدة من خوف الله تعالى فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا انتهى (فيصعقون) أي يغشى عليهم (فلا يزالون كذلك) أي مغشيا عليهم (فزع) بصيغة المجهول أي كشف وأزيل (فيقول) أي جبرائيل (الحق) أي قال الحق قال بعض العلماء والمعنى أن الله تبارك وتعالى إذا تكلم بالوحي أرعد أهل السموات من الهيبة فيلحقهم كالغشي فإذا جلى عن قلوبهم سأل بعضهم بعضا ماذا قال ربكم قالوا القول الحق أي المطابق للواقع يعني أخبر بعضهم بعضا بما قال الله تعالى من غير زيادة ونقصان انتهى قال المنذري وقد أخرج البخاري والترمذي وابن ماجه نحوه من حديث عكرمة مولى ابن عباس عن أبي هريرة وقد تقدم في كتاب الحروف أنتهى
[ 49 ]
(باب ذكر البعث) بفتح الباء وسكون العين قال في اللسان البعث الإحياء من الله للموتى ومنه قوله تعالى : (ثم بعثناكم من بعد موتكم أي أحييناكم وبعث الموتى نشرهم ليوم البعث وفتح العين في البعث لغة ومن أسمائه تعالى الباعث هو الذي يبعث الخلق أي يحييهم بعد الموت يوم القيامة انتهى (والصور) بضم أوله وهو قرن ينفخ فيه والمراد به النفخة الثانية كذا في المرقاة وفي النهاية الصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام عند بعث الموتى إلى المحشر وقال بعضهم إن الصور جمع صورة يربد صور الموتى ينفخ فيها الأرواح والصحيح الأول لأن الأحاديث تعاضدت عليه تارة بالصور وتارة بالقرن انتهى (عن بشر بن شغاف) بفتح المعجمتين (عن عبد الله بن عمرو) بالواو وفي بعض النسخ بغير الواو وفي بعضها عن عبد الله بن عمرو أو عمر (الصور قرن ينفخ فيه) بصيغة المجهول أي ينفخ فيه إسرافيل النفختين
[ 50 ]
قال الأردبيلي قال مجاهد وغيره الصور على هيئة البوق يجعل الأرواح فيه وينفخ انتهى وقال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن وقد رواه غير واحد عن سليمان يعني التيمي ولا نعرفه إلا من حديث أسلم يعني العجلي هكذا ذكره الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الاشراف والذي شاهدناه في غير نسخة ولا نعرفه إلا من حديثه فظاهره أنه يعود على سليمان التيمي (كل ابن آدم) بالنصب مفعول مقدم أي جميع جسده (إلا عجب الذنب) بفتح العين وسكون الجيم العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز (منه) أي من عجب الذنب (خلق) بصيغة المجهول أي ابتدئ منه خلق الإنسان أولا (وفيه) أي ومنه وفي تأتي مرادفه لمن (يركب) بصيغة المجهول أي في الخلق الثاني قال النووي في شرح مسلم عجب الذنب هو بفتح العين وإسكان الجيم أي العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب وهو أول ما يخلق من الآدمي وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه وهذا مخصوص فيخص منه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فإن الله حرم على الأرض أجسادهم انتهى وأخرج البخاري في التفسير ومسلم في الفتن عن أبي معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة
[ 51 ]
أربعين يوما قال أبيت قالوا أربعين شهرا قال أبيت قالوا أربعين سنة قال أبيت ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل قال وليس من الإنسان شئ إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة واللفظ لمسلم وعند مسلم من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب وعنده من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبدا فيه يركب يوم القيامة قالوا أي عظم هو يا رسول الله قال عجب الذنب انتهى وأخرجه ابن ماجه في أبواب الزهد من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا وأما رواية مالك في الباب عند المؤلف فقال المزي في الأطراف أخرجه أبو داود في السنة عن القعنبي والنسائي في الجنائز عن قتيبة كلاهما عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة انتهى (باب في الشفاعة) (أخبرنا بسطام) بكسر الموحدة (الحداني) بمهملتين مضمومة ثم مشددة قاله الحافظ (شفاعتي) قال ابن رسلان لعل هذه الإضافة بمعنى ال التي للعهد والتقدير الشفاعة التي أعطانيها الله تعالى ووعدني بها لأمتي ادخرتها (لأهل الكبائر من أمتي) أي الذين استوجبوا النار بذنوبهم الكبائر فلا يدخلون بها النار وأخرج بها من أدخلته كبائر ذنوبه النار ممن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله كذا في السراج المنير
[ 52 ]
وقال الطيبي أي شفاعتي التي تنجي الهالكين مختصة بأهل الكبائر قال النووي قال القاضي عياض رحمه الله مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلا ووجوبها سمعا لصريح قوله تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا وقد جاءت آثار التي بلغت بمجموعها التواتر لصحة الشفاعة في الآخرة وأجمع السلف الصالحون ومن بعدهم من أهل السنة عليها ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وبقوله سبحانه ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع وأجيب بأن الآيتين في الكفار والمراد بالظلم الشرك وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل وألفاظ الأحاديث صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير بالإسناد الذي أخرجه أبو داود ووقع لنا من حديث زياد النميري عن أنس وزياد لا يحتج بحديثه والمشهور فيه حديث أشعث عن أنس وأشعث بن عبد الله بن جابر الحداني البصري الأعمى وثقه يحيى بن معين وقال الإمام أحمد : ما به بأس وقال أبو حاتم الرازي شيخ وقال أبو جعفر العقيلي في حديثه وهم وهذا آخر كلامه وهو منسوب إلى حدان بضم الحاء المهملة وبعدها دال مهملة مفتوحة مشددة وبعدها ألف ونون بطن من الأرد (ويسعون الجهنميين) ليس التسمية بها تنقيصا لهم بل
[ 53 ]
استذكارا ليزدادوا فرحا لكونهم عتقاء الله تعالى كذا في مجمع البحار وفي بعض النسخ الجهنميون بالواو فقيل إنه علم لهم فلم يغير قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه (إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون) والحديث ليس له تعلق بباب الشفاعة وإنما هو من متعلقاتها .
[ 54 ]
قال النووي مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ويتنعمون بذلك وبغيره من ملاذها وأنواع نعيمها تنعما دائما لا آخر له ولا انقطاع أبدا وأنهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبصقون وقد دلت دلائل القرآن والسنة في الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره أن نعيم الجنة دائم لا انقطاع له أبدا انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم أتم منه هذا مذهب أهل السنة وكافة المسلمين أن نعيم أهل الجنة وملاذها كأجناس نعيم الدنيا إلا ما بينهما من الفرق الذي لا يكاد يتناسب وإن ذلك على الدوام لا آخر له خلافا للمبتدعة (باب في خلق الجنة والنار) أي أنهما مخلوقتان وأشار بذلك إلى الرد على من زعم من المعتزلة أنهما لا توجدان إلا يوم القيامة (لا يسمع بها أحد إلا دخلها) أي طمع في دخولها وجاهد في حصولها ولا يهتم إلا
[ 55 ]
بشأنها لحسنها وبهجتها (ثم حفها) أي أحاطها الله (بالمكار عمرو جمع كره وهو المشقة والشدة على غير قياس والمراد بها التكاليف الشرعية التي هي مكروهة على النفوس الإنسانية (وعزتك) الواو للقسم (لقد خشيت أن لا يدخلها أحد) قال الطيبي رحمه الله أي لوجود المكاره من التكاليف الشاقة ومخالفة النفس وكسر الشهوات (لا يسمع بها أحد فيدخلها) أي لا يسمع بها أحد إلا فزع منها واحترز فلا يدخلها (لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها) أي لميلان قبل النفس إلى الشهوات وحب اللذات وكسلها يحيى عن الطاعات .
[ 56 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وأخرجه أيضا من حديث الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه ذكر بعضهم أن هذا من بديع الكلام وجوامعه الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن فإن حفاف الشئ جانباه فكأنه أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يوصل إلى الجنة إلا بتخطي المكاره وكذلك الشهوات وما تميل إليه النفوس وأن اتباع الشهوات يلقي في النار ويدخلها فإنه لا ينجو منها إلا من تجنب الشهوات وفيه تنبيه على اجتنابها . (باب في الخوض) (إن أمامكم) بفتح الهمزة أي قدامكم يوم القيامة (ما بين ناحيتيه) أي طرفيه (كما بين جرباء) بفتح جيم وسكون راء وموحدة ممدودة (وأذرح) بفتح همز وسكون ذال معجمة وضم
[ 57 ]
راء وبحاء مهملة قال في المرقاة قال صاحب القاموس الجرباء قرية بجنب أذرح وغلط من قال بينهما ثلاثة أيام وإنما الوهم من رواة الحديث من إسقاط زيادة ذكرها الدارقطني وهي ما بين ناحيتي حوضي كما بين المدينة وجرباء وأذرح قال ابن الأثير في النهاية وفي حديث الحوض ما بين جنبيه كما بين جرباء وأذرح هما قريتان بالشام بينهما ثلاث ليال انتهى وفي رواية لمسلم إن أمامكم حوضا كما بين جرباء وأذرح قال عبيد الله أحد الرواة فقال فسألته فقال قريتين بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال وفي رواية له إن أمامكم حوضا كما بين جرباء وأذرح فيه أباريق كنجوم السماء من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا انتهى قال السندي وقد جاء في تحديد الحوض حدود مختلفة ووجه التوفيق أن تحمل على بيان تطويل المسافة لا تحديدها والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم .
[ 58 ]
(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في السفر (ما أنتم) أي أيها الصحابة الحاضرون (جزء) بالرفع في النسخ الحاضرة وقال ابن الملك رحمه الله يجوز نصب جزء على لغة أهل الحجاز بإعمال ما وإجرائه مجرى ليس ويجوز رفعه على لغة بني تميم (من مائة ألف جزء ممن يرد عن الحوض) يريد به كثرة من آمن به وصدقه من الإنس والجن (قال) أي أبو حمزة (كم كنتم) كم استفهامية أي كم رجلا أو عددا كنتم (يومئذ) أي حين إذ كنتم معه صلى الله عليه وسلم في السفر (قال) أي زيد بن أرقم (سبعمائة) بالرفع أي كان عددنا سبع مائة ويجوز نصبه أي كنا سبع مائة (أو ثمان مائة) الظاهر أنه هو شك من زيد بن أرقم كما هو مقرر في باب التخمين . والحديث سكت عنه المنذري (أغفى) أي نام وقال في فتح الودود الإغفاء بغين معجمة وفاء النوم الخفيف وهي حالة الوحي غالبا (آنفا) بالمد أي قريبا وتقدم شرح هذا الحديث في كتاب الصلاة قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وقد تقدم في كتاب الصلاة (لما عرج نبي الله) وفي النسخ بنبي الله بزيادة الباء (عرض) بصيغة المجهول (حافتاه) بفتح الفاء أي جانباه وطرفاه (الياقوت المجيب) بجيم وبفتح تحتانية مشددة الأجوف قال الخطابي في المعالم المجيب هو الأجوف وأصله من جبت الشئ إذا قطعته
[ 59 ]
فالشئ مجوب ومجيب كما قالوا مشيب ومشوب وانقلاب الياء عن الواو في كلامهم كثير (أو قال المجوف) شك من الراوي والمجوف الذي له جوف وفي وسطه خلاء وقال ابن الأثير في النهاية في مادة جيب في صفة نهر الجنة حافتاه الياقوت المجيب الذي جاء في كتاب البخاري اللؤلؤ المجوف وهو معروف والذي جاء في سنن أبي داود المجيب أو المجوف بالشك والذي جاء في معالم السنن المجيب أو المجوب بالباء فيهما على الشك قال معناه الأجوف وأصله من جبت الشئ إذا قطعته والشئ مجيب أو مجوب كما قالوا مشيب ومشوب وانقلاب الواو عن الياء كثير في كلامهم فأما مجيب مشددا فهو من قولهم جيب فهو مجيب أي مقور وكذلك بالواو انتهى كلامه (فضرب الملك الذي معه) أي مع النبي صلى الله عليه وسلم (يده) أي في ذلك النهر (فاستخرج) أي من طينه كما في بعض الروايات (هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل) إشارة إلى قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر) قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح (عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت) البصري قال في الخلاصة روى عن أبي برزة وثقة ابن معين وفي التقريب هو من الطبقة الرابعة وهي طبقة صغار التابعين وقال المزي في الاطراف عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت البصري عن أبي برزة حديث شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان سماه مسلم وكان في السماط في ذكر الحوض أخرجه أبو داود في السنة عن مسلم بن إبراهيم عن عبد السلام بن أبي حازم أبي طالوت قال شهدت أبا برزة فذكره ففي هذه الأقوال دلالة على أن عبد السلام قد أخذ وروى عن أبي برزة الصحابي بلا واسطة (قال) عبد السلام (شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله ابن زياد) الذي اعان على قتل الحسين رضي الله عنه وما استحيى من الله وكان واليا على الكوفة من جهة يزيد والمعنى أني أشهد على أبي برزة أنه دخل على أمير الكوفة عبيد الله بن زياد (فحدثني فلان) هذه مقولة عبد السلام ولم يكن عبد السلام حاضرا مع أبي برزة فلم يسمع من أبي برزة نفسه ما جرى بين أبي برزة وبين عبيد الله بن زياد (باسمه سماه مسلم) أي ابن إبراهيم شيخ المؤلف وهذا مقول المؤلف أي ذكر لي مسلم بن إبراهيم اسم فلان (وكان) فلان (في السماط) بكسر أوله أي الجماعة من الناس قاله السندي .
[ 60 ]
وفي المجمع وفي الحديث حتى سلم من طرف السماط هي جماعة من الناس والمراد جماعة كانوا جلوسا عن جانبيه ويقال بين السماطين أي الصفين وقوله كان في السماط أي الصف من الناس انتهى وأخرجه أحمد في مسنده حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد السلام أبو طالوت حدثنا العباس الجريري أن عبيد الله بن زياد قال لأبي برزة هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذكره قط يعني الحوض قال نعم لا مرة ولا مرتين فمن كذب به فلا سقاه الله منه انتهى فيشبه أن الفلان هو العباس الجريري وأخرج أحمد أيضا حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن مطر عن عبد الله ابن بريدة الأسلمي قال شك عبيد الله بن زياد في الحوض فأرسل إلى أبي برزة الأسلمي فأتاه فقال له جلساء عبيد الله إنما أرسل إليك الأمير ليسألك عن الحوض فهل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره فمن كذب به فلا سقاه الله منه وفي رواية عند أحمد من طريق يزيد بن هارون وفيه سمعت أبا برزة وخرج من عند عبيد الله بن زياد وهو مغضب فقال ما كنت أظن أني أعيش حتى أخلف في قوم يعيروني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم قالوا إن محمديكم هذا الدحداح سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحوض فمن كذب فلا سقاه الله تبارك وتعالى منه انتهى (فلما رآه) أي أبا برزة (قال) أي عبيد الله (إن محمديكم) وهكذا في رواية لأحمد أي بالياء المشددة للنسبة كذا في فتح الودود أي منسوب إلى محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى أن صحابة محمدكم وفي بعض النسخ أن محدثكم بالمثلثة وليس هو بمحفوظ (هذا الدحداح) أي القصير السمين وهو خبر إن (ففهمها) أي هذه المقولة (الشيخ) أي أبو برزة (يعيروني) أي ينسبونني الرحمن إلى العار (زين) أي زينة (غير شين) الشين ضد الزين (يذكر فيه) أي في شأن الحوض (لا مرة ولا ثنتين الخ) أي ما سمعته مرة ومرتين الخ بل سمعته كثيرا (فمن كذب) من التكذيب (به) أي بحديث الحوض الذي أخبرت به (فلا سقاه الله) دعاء عليه (منه) أي من الحوض . قال المنذري في إسناده رجل مجهول .
[ 61 ]
(باب المسألة في القبر وعذاب القبر) (إذا سئل في القبر) التخصيص للعادة أو كل موضع فيه مقره فهو قبره والمسئول عنه محذوف أي سئل عن ربه ودينه ونبيه لما ثبت في الأحاديث الأخر (فذلك) أي فمصداق وكان ذلك الحكم (يثبت الله الذين آمنوا) أي يجري لسانهم (بالقول الثابت) وهو كلمة الشهادة وعند الشيخين عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت نزلت في عذاب القبر يقال له من ربك فيقول ربي الله ونبيي محمد انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه (ففزع) أي خاف (تعوذوا بالله من عذاب النار) أي اطلبوا منه أن يدفع عنكم عذابها وفي بعض النسخ من عذاب القبر مكان من عذاب النار (ومن فتنة الدجال) الفتنة الامتحان وتستعمل في المكر والبلاء وفتنة الدجال أكبر الفتن حيث يجر إلى الكفر (إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك) قال القرطبي في التذكرة جاء هذا الحديث سؤال ملك واحد وفي غيره سؤال ملكين ولا تعارض في ذلك بل كل ذلك صحيح المعنى بالنسبة إلى الأشخاص فرب شخص يأتيانه جميعا ويسألانه جميعا في حال واحد عند انصراف الناس عنه ليكون السؤال أهول والفتنة في حقه أشد وأعظم وذلك بحسب ما اقترفه من الآثام واجترح من سئ الأعمال وآخر يأتيانه قبل انصراف الناس عنه وآخر يأتيه أحدهما على الانفراد فيكون ذلك
[ 62 ]
أخف في السؤال لما عمله من صالح الأعمال كذا في مرقاة الصعود (فإن الله تعالى) إن شرطية (هداه) أي في الدنيا أو في تلك الحالة (قال كنت أعبد الله) جزاء الشرط (ما كنت تقول في هذا الرجل) عبر بذلك امتحانا لئلا يتلقن تعظيمه من عبارة القائل قيل يكشف للميت حتى يرى النبي صلى الله عليه وسلم وهي بشرى عظيمة للمؤمن إن صح ذلك ولا نعلم حديثا صحيحا مرويا في ذلك والقائل به إنما استند لمجرد أن الإشارة لا تكون إلا لحاضر لكن يحتمل أن تكون الإشارة لما في الذهن فيكون مجازا قاله القسطلاني (فما يسأل عن شئ غيرها) أي غير هذه الخصلة المذكورة وفي بعض النسخ غيرهما (فينطلق به) بصيغة المجهول (فينتهره) أي ينكر عليه فعله وقوله تشديدا في السؤال (لادريت) أي علمت ما هو الحق والصواب (ولا تليت) أي ولا قرأت الكتاب . قال في القاموس تلوته كدعوته ورميته تبعته والقرآن أو كل كلام قرأته وقيل أصله تلوت قلبت الواو ياء للازدواج ويجوز أن يكون معناه ولا اتبعت أهل الحق أي ما كنت محققا للأمر ولا مقلدا لأهله (بمطراق) الطرق الضرب والمطراق روى آلته (غير الثقلين) أي الإنس والجن قال المنذري وأخرج مسلم والنسائي طرفا منه بنحوه وقد تقدم في كتاب الجنائز (وتولى عنه) أي أدبر وانصرف (إنه ليسمع) بفتح اللام للتأكيد (قرع نعالهم) بكسر النون جمع نعل أي صوت دقها (من يليه) أي يقرب منه من الدواب والملائكة وعبر بمن تغليبا
[ 63 ]
للملائكة لشرفهم ولا يذهب فيه إلى المفهوم من أن من بعد لا يسمع لما في الحديث الذي يليه من أنه يسمعها ما بين المشرق والمغرب والمفهوم لا يعارض المنطوق قال النووي مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر وقد تظاهرت عليه الأدلة من الكتاب والسنة انتهى (فانتهينا إلى القبر) أي وصلنا إليه (ولما يلحد) لما جازمة بمعنى لم (كأنما على رؤوسنا الطير) كناية عن غاية السكون أي لا يتحرك منا أحد توقيرا لمجلسه صلى الله عليه وسلم (ينكت به في الأرض) أي يضرب بطرفه الأرض وذلك فعل المفكر المهموم (مرتين أو ثلاثا) أي قاله مرتين أو ثلاثا (وإنه) أي الميت (ليسمع خفق نعالهم) بفتح الخاء المعجمة وسكون الفاء أي صوت نعالهم (حين يقال له) ظرف لقوله ليسمع (ما هذا الرجل الذي بعث فيكم) أي ما وصفه أرسول
[ 64 ]
هو أو ما اعتقادك فيه كذا قيل وقال القاري الأظهر أن بما معنى من ليوافق بقيه الروايات بلفظ من نبيك (وما يدريك) أي أي شئ أخبرك وأعلمك بما تقول من الربوبية والإسلام والرسالة (قرأت كتاب الله) أي القرآن (فآمنت به) أي بالقرآن أو بالنبي أنه حق (وصدقت) أي وصدقته بما قال أو صدقت بما في القرآن (فذلك قول الله تعالى) أي جريان لسانه بالجواب المذكور هو التثبيت الذي تضمنه قوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا الآية (ثم اتفقا) أي عثمان وهناد (أن قد صدق عبدي) أن مفسرة للنداء لأنه في معنى القول (فأفرشوه من الجنة) بهمزة القطع قال في القاموس أفرش فلانا بساطا بسطه له كفرشه فرشا وفرشه تفريشا ولم كذا في المرقاة (من روحها) الروح بالفتح الراحة والنسيم (ويفتح له فيها) أي في تربته وهي قبره ويدل عليه مقابله الآتي ويضيق عليه قبره (مد بصره) أي منتهى بصره (فذكر موته) أي حال موت الكافر وشدته
[ 65 ]
(هاه هاه) بسكون الهاء فيهما بعد الألف كلمة يقولها المتحير الذي لا يقدر من حيرته للخوف أو لعدم الفصاحة أن يستعمل لسانه في فيه (لا أدري) أي شيئا ما أو ما أجيب به وهذا كأنه بيان لقوله هاه هاه (من حرها) أي حر النار وهو تأثيرها (وسمومها) وهي الريح الحارة (ويضيق) بصيغة المجهول من التضييق (حتى تختلف فيه أضلاعه) بفتح الهمزة جمع ضلع وهو عظم الجنب أي حتى يدخل بعضها في بعض من شدة والتضييق والضغطة (تم يقيض) أي يسلط ويوكل (أعمى) أي زبانية أعمى كيلا يرحم عليه (معه مرزبة) قال في النهاية المرزبة بالتخفيف المطرقة الكبيرة التي تكون للحداد ويقال لها الارزبة بين بالهمزة والتشديد انتهى .
[ 66 ]
وقال القاري المسموع في الحديث تشديد الباء وأهل اللغة يخففونها وهي التي يدق بها المدر ويكسر قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه مختصرا وقد تقدم في كتاب الجنائز مختصرا وفي إسناده المنهال بن عمرو قد أخرج له البخاري في صحيحه حديثا واحدا وقال يحيى بن معين ثقة وقال الإمام أحمد تركه شعبة على عمد وغمزه يحيى بن سعيد وحكى عن شعبة أنه تركه وقال ابن عدي والمنهال بن عمرو هو صاحب حديث القبر الحديث الطويل رواه عن زاذان عن البراء ورواه عن منهال جماعة وذكر أبو موسى الأصبهاني أنه حديث حسن مشهور بالمنهال عن زاذان وللمنهال أهل حديث واحد في كتاب البخاري حسب ولزاذان حديث في كتاب مسلم حديثان (عن أبي عمر) كنيته زاذان .
[ 69 ]
(باب في ذكر الميزان) قال أهل الحق الميزان حق قال تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة يوضع ميزان يوم القيامة يوزن به الصحائف التي يكون مكتوبا فيها أعمال العباد وله كفتان إحداهما للحسنات والأخرى للسيئات وعن الحسن له كفتان ولسان ذكره الطيبي كذا في المرقاة (هاؤم)
[ 70 ]
أي خذوا (اقرأوا كتابيه) تنازع فيه الفعلان والهاء للسكت لبيان ياء الإضافة (أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره) هكذا في النسخ الحاضرة وفي المشكاة أفي يمينه أم في شماله من وراء ظهره (قال القاري) في المرقاة تحت هذا اللفظ كذا في سنن أبي داود وبعض نسخ المصابيح وفي أكثرها أو من وراء ظهره وفي جامع الأصول أم بدل أو والأول أولى وأوفق للجمع بين معنى الآيتين فأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا (بين ظهري جهنم) أي وسطها وفوقها (قال يعقوب عن يونس) وأما حميد فقال في روايته أخبرنا يونس كما مر والحديث سكت عنه المنذري .
[ 71 ]
(باب في الدجال) (إنه) أي الشأن (لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر الدجال قومه) أي خوفهم به وقدم المفعول الثاني للإهتمام بذكره قال في فتح الودود لعل إنذار من بعد نوح أشد وأكثر انتهى قلت إنما قال صاحب فتح الودود هذا لما في الحديث الذي يليه من قوله لقد أنذره نوح قومه وقال القاري قوله بعد نوح ليس للاحتراز (فوصفه لنا) أي ببعض أوصافه (لعله سيدركه من قد رآني وسمع كلامي) كذا في جميع النسخ الحاضرة قال في فتح الودود وفي رواية الترمذي أو في سمع كلامي بأو فيحتمل أن يكون الواو في رواية المصنف بمعنى أو فيمكن أن يحمل على سماعه أعم من أن يكون بلا واسطة أو بواسطة فيكون المراد بقاء كلامه صلى الله عليه وسلم إلى حين ظهور الدجال وحمله بعضهم على خضر عليه السلام (أمثلها) بهمزة الاستفهام والضمير للقلوب (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أو خير) وفي بعض النسخ أو أخير وفي بعضها وخير بالواو قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب من حديث أبي عبيدة ابن الجراح لا نعرفه إلا من حديث خالد الحذاء هذا آخر كلامه وذكر البخاري إن عبد الله بن سراقة لا يعرف له سماع من أبي عبيدة
[ 72 ]
(تعلمون) خبر بمعنى الأمر أي اعلموا ليس هذا اللفظ في بعض النسخ قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي وسالم هو ابن عبد الله بن عمر ابن خطاب . (باب في الخوارج) وهي فرقة من أهل الباطل خرجوا على علي رضي الله عنه ولهم عقائد فاسدة من بغض عثمان وعلي وعائشة ومن وقع بينهم الحرب من الصحابة ويكفرون من ارتكب الكبيرة قاتلهم علي ومعاوية رضي الله عنهما . (من فارق الجماعة قيد شبر) بكسر القاف أي قدر شبر (فقد خلع) أي نزع (ربقة الاسلام من عنقه) قال الخطابي الربقة ما يجعل في عنق الدابة كالطوق يمسكها لئلا تشرد ،
[ 73 ]
يقول من خرج من طاعة إمام الجماعة أو فارقهم في الأمر المجتمع عليه فقد ضل وهلك وكان كالدابة إذا خلعت الربقة التي هي محفوظة بها فإنها لا يؤمن عليها عند ذلك الهلاك والضياع انتهى . والحديث سكت عنه المنذري .
[ 74 ]
(كيف أنتم) أي كيف تصنعون أتصبرون أم تقاتلون (وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفئ) أي ينفردون به ويختارونه ولا يعطون المستحقين منه .
[ 75 ]
والفئ ما نيل من المشركين بعد وضع الحرب أوزارها وهو لكافة المسلمين ولا يخمس والغنيمة ما نيل منهم عنوة والحرب قائمة وهي تخمس وسائر ما بعد الخمس للغانمين خاصة والواو في قوله وأئمة للحال (أما) بالتخفيف بمعنى ألا للتنبيه (ثم أضرب به) أي أحاربهم لأنه (حتى ألقاك أو ألحقك) شك من الراوي أي حتى أموت شهيدا وأصل إليك (أولا أدلك) بواو العطف بين همزة الاستفهام ولا النافية أي أتفعل هذا ولا أدلك (تصبر) خبر بمعنى الامر أي أصبر على ظلمهم . والحديث سكت عنه المنذري . (تعرفون منهم) أي بعض أفعالهم (وتنكرون) أي بعضها (قال هشام) ابن حسان في روايته (بلسانه) أي أنكر بلسانه وأما المعلى بن زياد فلم يقل لفظة بلسانه بل قال أنكر فقط (فقد برئ) أي من المداهنة والنفاق (ومن كره بقلبه فقد سلم) أي من مشاركتهم في الوزر (ولكن من رضي) أي بقلبه بفعلهم (وتابع) أي تابعهم في العمل والخبر محذوف أي فهو الذي شاركهم في العصيان (قال لا) أي لا تقاتلوهم (ما صلوا) أي ما داموا يصلون . قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي . (العنزي) بمهملة ثم نون معجمة (قال قتادة) أي في تفسير قوله فمن أنكر الخ . قال المنذري وهو طرف من الذي قبله .
[ 76 ]
(عن عرفجة) وهو ابن شريح ويقال ضريح الأشجعي قاله المنذري (هنات وهنات وهنات) بفتح أوله قال في النهاية أي شرور وفساد يقال في فلان هنات أي خصال شر ولا يقال في الخير واحدها هنت وقد تجمع على هنوات وقال النووي والمراد بها ههنا الفتن والأمور الحادثة (وهم جميع) أي والحال أن المسلمين جميع وكلمتهم واحدة (كائنا من كان) قال القاري أي سواء كان من أقاربي أو غيرهم بشرط أن يكون الأول أهلا للإمامة وهي الخلافة قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وليس لعرفجة في كتبهم سوى هذا الحديث وضريح بضم الضاد المعجمة وفتح الراء المهملة وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة وحاء مهملة . (باب في قتل الخوارج) (عن عبيدة) بفتح العين هو السلماني (ذكر أهل النهروان) قال في شرح القاموس النهروان بفتح النون وتثليث الراء وبضمتها أخبرنا ثلاث قرى أعلى وأوسط وأسفل هن بين واسط وبغداد وكان بها وقعة لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه مع الخوارج انتهى (مودن اليد) بضم الميم وإسكان الواو وفتح الدال ويقال بالهمز وبتركه أي ناقص اليد (أو مخدج اليد) هو على وزن ما قبله ومعناه (أو مثدون اليد) بفتح الميم وثاء مثلثة ساكنة وهو صغير اليد مجتمعها كشندوة يا الثدي وكان أصله مثنود فقدمت الدال على النون كما قالوا جبذ وجذب كذا قال النووي وكلمة أو للشك (لولا أن تبطروا) من البطر وهو شدة الفرح أو الطغيان عند النعمة أي لولا خوف البطر منكم بسبب الثواب الذي أعد لقاتليهم فتعجبوا بأنفسكم خبرتكم (لنبأتكم) أي أخبرتكم (على لسان محمد) متعلق بوعد (قلت أنت) أي يا علي (منه) أي من محمد صلى الله عليه وسلم قال المنذري : وأخرجه مسلم وابن ماجه وعبيد بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة
[ 77 ]
والسلماني بفتح السين المهملة وسكون اللام وفتح الميم وبعد الألف نون وياء النسب منسوب إلى سلمان بطن من مراد ومنهم من يجر اللام وفي العرب سلمان غير هذا (بذهيبة) تصغير ذهبة أي قطعة من الذهب (في تربتها) صفة ذهيبة أي كائنة في ترابها غير مميزة عنه (فقسمها) أي قسم النبي صلى الله عليه وسلم تلك الذهيبة (وبين زيد الخيل) باللام وفي بعض النسخ الخير بالراء المهملة قال النووي كلاهما صحيح يقال بالوجهين كان يقال في الجاهلية زيد الخيل فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام زيد الخير (الطائي) عامة (ثم أحد بني نبهان) أي خاصة وهو صفة زيد وفي أسد الغابة زيد بن مهلهل بن زيد إلى أن قال ابن نابل بن نبهان الطائي النبهاني المعروف بزيد الخيل (العامري) عامة (ثم أحد بني كلاب) خاصة وهو صفة علقمة . وفي أسد الغابة علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر العامري الكلابي انتهى (صناديد أهل نجد) أي ساداتهم جمع صنديد بكسر الصاد (ويدعنا) بفتح الدال أي يتركنا (فأقبل رجل غائر العينين) اسم فاعل من الغور أي غارت عيناه ودخلتا في رأسه (مشرف الوجنتين) أي عالي الخدين (ناتئ الجبين) بكسر الفوقية بعدها همزة أي مرتفعها (كث اللحية) بفتح فتشديد مثلثة أي كثيفها (قال اتق الله يا محمد) أي في القسمة (فقال من يطع الله إذا عصيته) أي مع عصمتي وثبوت نبوتي (أيأمنني الله) أي يجعلني أمينا (ولا تأمنوني) بتشديد النون ويخفف (فلما ولى) أي أدبر (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من ضئضئي هذا) بكسر معجمتين وبهمزتين يبدل أولاهما أي من أصله قال الخطابي الضئضئي لو الأصل يريد أنه يخرج من نسله الذين هو أصلهم أو يخرج من أصحابه وأتباعه الذين يقتدون به ويبنون رأيهم ومذهبهم على أصل قوله (أو في عقب هذا) شك من الراوي (لا يجاوز حناجرهم) أي
[ 78 ]
حلوقهم قال في النهاية الحنجرة رأس العلصمة يكون حيث تراه ناتئا من خارج الخلق والجمع الحناجر (يمرقون) أي يخرجون (مروق السهم) أي كخروجه (من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية قال في النهاية الرمية الصيد الذي ترميه وتقصده يريد أن دخولهم في الدين وخروجهم منه ولم يتمسكوا منه بشئ كالسهم الذي دخل في الرمية ثم يقدها ويخرج منها ولم يعلق به منها شئ (يقتلون أهل الإسلام) لتكفيرهم إياهم بسبب الكبائر (ويدعون أهل الأوثان) بفتح الدال أي يتركون أهل عبادة الأصنام وغيرهم من الكفار (لأقتلنهم قتل عاد) أراد بقتل عاد استيصالهم مع بالهلاك فإن عادا لم تقتل وإنما أهلكت بالريح واستؤصلت بالاهلاك قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (ومبشر) بكسر المعجمة الثقيلة (بإسناده) ليس هذا اللفظ في بعض النسخ (قال يعني الوليد حدثنا أبو عمرو) أي قال الوليد في روايته حدثنا أبو عمرو قال مبشر في روايته عن أبي عمرو (اختلاف وفرقة) أي أهل اختلاف وافتراق وقوله (قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل) بدل منه وموضع له وقوله (يقرؤن القرآن) استئناف بيان أو المراد نفس الاختلاف أي سيحدث فيهم اختلاف وتفرق فيفترقون فرقتين فرقة حق وفرقة باطل فعلى هذا قوم مبتدأ موصوف بما بعده والخبر قوله يقرؤون القرآن وهو بيان لإحدى الفرقتين وتركت الثانية للظهور هذا تلخيص ما قال القاري في هذا المقام وقوله القيل معناه القول يقال قلت قولا وقالا وقيلا (لا يجاوز) أي قرآنهم أو قراءتهم (تراقيهم) بفتح أوله وكسر القاف . ونصب الياء على المفعولية جمع ترقوة وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين ويقال لها بالفارسية جنبر سعيد كردن والمعنى لا يتجاوز أثر قراءتهم عن مخارج الحروف والأصوات ولا يتعدى إلى القلوب أو المعنى إن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها فكأنها لم تتجاوز حلوقهم (لا يرجعون) أي إلى الدين لإصرارهم على بطلانهم (حتى يرتد) أي يرجع السهم (على فوقه) بضم الفاء موضع الوتر من السهم وهذا تعليق بالمحال فإن ارتداد السهم على الفوق محال
[ 79 ]
فرجوعهم إلى الدين أيضا محال (هم شر الخلق والخليقة) قال في النهاية الخلق الناس والخليقة البهائم وقيل هما بمعنى واحد ويريد بهما جميع الخلائق (طوبى لمن قتلهم) فإنه يصير غازيا (وقتلوه) أي ولمن قتلوه فإنه يصير شهيدا وفيه دليل على جواز حذف الموصول أو الواو لمجرد التشريك والتقدير طوبى لمن جمع بين الأمرين قتله إياهم وقتلهم إياه قاله القاري (وليسوا منه) أي من كتاب (في شئ) في شئ معتد به (من قاتلهم) أي من أمتي (كان أولى بالله تعالى منهم) أي من باقي أمتي ويحتمل أن تكون من تعليلية أي من أجل قتالهم قاله القاري (ما سيماهم) أي علامتهم (قال التحليق) أي علامتهم التحليق وهو حلق الرأس واستصال بكر الشعر . قال النووي استدل به بعض الناس على كراهة حلق الرأس ولا دلاله فيه وإنما هو علامة لهم ، والعلامة قد تكون بحرام وقد تكون بمباح كما قال صلى ا لله عليه وسلم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ومعلوم أن هذا ليس بحرام وقد ثبت في سنن أبي داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض رأسه فقال احلقوه كله " أو اتركوه كله وهذا صريح في إباحة حلق الرأس لا يحتمل تأويلا قال العلماء حلق الرأس جائز بكل حال لكن إن شق عليه تعهده بالدهن والتسريح استحب حلقه وإن لم يشق استحب تركه انتهى كلامه . قال المنذري قتادة لم يسمع من أبي سعيد الخدري وسمع أنس بن مالك (والتسميد قد) ووقع في بعض النسخ التسبيد بالموحدة قال في القاموس السبد حلق الرأس كالإسباد وفي والتسبيد وقال فيه سمد الشعر استأصله (فأنيموهم) أي اقتلوهم قال ابن الأثير يقال نامت الشاة وغيرها إذا ماتت والنائمة الميتة وفي حديث غزوة الفتح فما أشرف لهم يومئذ أحد إلا أناموه أي قتلوه ومنه حديث علي رضي الله عنه حث على قتال الخوارج فقال إذا رأيتموهم فأنيموهم انتهى (قال أبو داود التسبيد الخ) لم يوجد هذه العبارة في بعض النسخ (فلان أخر)
[ 80 ]
أي أسقط . قال في النهاية خر يخر بالضم والكسر إذا سقط من علو انتهى (فإنما الحرب خدعة) بفتح الخاء وإسكان الدال ويقال بضم الخاء وفتح الدال قال النووي معناه أجتهد رأيي قال القاضي وفيه جواز التورية والتعريض في الحرب فكأنه تأول الحديث على هذا (حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام) أي صغار الأسنان ضعاف العقول . قال في النهاية حداثة السن كناية عن الشباب (يقولون من خير قول البرية) أي خير ما يتكلم به الخلائق وقيل أراد بخير قول البرية القرآن وفي بعض النسخ من قول خير البرية والظاهر أن المراد بخير البرية النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم . قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وغفلة بفتح الغين المعجمة وبعدها فاء ولام مفتوحتان وتاء تأنيث . (يصيبونهم) أي يقتلون ذلك الخوارج (ما) مصدرية (قضي) بصيغة المجهول (لهم) أي لذلك الجيش والجملة مفعول يعلم (على لسان نبيهم) من البشارة العظمى لقاتليهم (لا تكلوا
[ 81 ]
على العمل) كذا في أكثر النسخ وهكذا في رواية مسلم وهو افتعلوا من الوكل يقال اتكل عليه إذا اعتمد عليه ووثق به والمعنى اعتمدوا على ذلك العمل وهو قتالهم لما فيه من الأجر العظيم واكتفوا به دون غيره من الأعمال الصالحة وفي بعض نسخ الكتاب لنكلوا عن العمل من النكل وهو التأخر أي تأخروا عن العمل الآخر والله أعلم . (له عضد) العضد ما بين المرفق إلى الكتف كذا في المصباح (وليست له ذراع) هي من المرفق إلى أطراف الأصابع كذا في المصباح وكأن هذا وصفه من كثرة لحمه وشحمه (على عضده) وفي رواية مسلم على رأس عضده (مثل حلمة الثدي) بفتح الحاء واللام أي مثل رأسه (أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام) وقصته على ما ذكره المؤرخ الثقة ابن سعد ونقل عنه السيوطي أن عليا رضي الله عنه بويع بالخلافة الغد من قتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة فبايعه جميع من كان بها من الصحابة رضي الله عنهم ويقال إن طلحة والزبير بايعا كارهين غير طائعين ثم خرجا إلى مكة وعائشة رضي الله عنها بها فأخذاها وخرجا بها إلى البصرة يطالبون بدم عثمان وبلغ ذلك عليا فخرج إلى العراق فلقي بالبصرة طلحة والزبير وعائشة ومن معهم وهي وقعة الجمل وكانت في جمادي آخرة سنة ست وثلاثين وقتل بها طلحة والزبير وغيرهما وبلغت القتلى ثلاثة عشر ألفا وأقام علي بالبصرة خمس عشرة ليلة ثم انصرف إلى الكوفة ثم حرج عليه معاوية بن أبي سفيان ومن معه بالشام فبلغ عليا فسار إليه فالتقوا بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين ودام القتل بها أياما فرفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى ما فيها مكيدة من عمرو العاص فكره الناس الحرب وتداعوا إلى الصلح وحكموا الحكمين فحكم علي أبا موسى الاشعري وحكم معاوية عمرو بن العاص وكتبوا بينهم كتابا على أن يوافقوا رأس الحول بأذرح فينظروا في أمر الأمة فافترق الناس ورجع معاوية إلى الشام وعلي إلى الكوفة فخرجت عليه الخوارج من أصحابه ومن كان معه وقالوا لا حكم إلا لله وعسكروا بحروراء فبعث إليهم ابن عباس فخاصمهم وحجهم فرجع منهم قوم كثير وثبت قوم وساروا إلى النهروان فعرضوا للسبيل فسار إليهم علي فقتلهم بالنهروان وقتل منهم ذا الثدية وذلك سنة ثمان وثلاثين واجتمع الناس بأذرح في شعبان من هذه السنة وحضرها سعدا ابن أبي وقاص وابن عمر وغيرهما من الصحابة فقدم عمر وأبا موسى الأشعري مكيدة منه فتكلم فخلع عليا وتكلم عمرو فأقر معاوية وبايع له فتفرق الناس على هذا وصار علي في خلاف من أصحابه حتى صار يعض على إصبعه ويقول أعصى ويطاع معاوية وانتدب ثلاثة نفر من الخوارج عبد الرحمن ابن ملجم المرادي والبرك بن عبد الله التميمي وعمرو بن بكير التميمي فاجتمعوا بمكة
[ 82 ]
وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ويريحوا العباد منهم فقال ابن ملجم أنا لكم بعلي وقال البرك أنا لكم بمعاوية وقال عمرو بن بكير أنا أكفيكم عمرو بن العاص هذا كلام ابن سعد وقد أحسن في تلخيصه هذه الوقائع ولم يوسع فيها الكلام كما صنع غيره لأن هذا هو اللائق بهذا المقام قال صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أصحابي فأمسكوا . قاله السيوطي . (وتتركون هؤلاء) الخوارج (يخلفونكم إلى ذراريكم) جمع ذرية أي فينهبونها (وأموالكم) أي ينفونكم كل إلى أموالكم فيفسدونها (إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء) أي المذكورون في الحديث (القوم) بالفتح خبر يكون أي هذا القوم (في سرج الناس) أي مواشيهم السائمة (فسيروا) أي إليهم (فنزلني) من التنزيل (زيد بن وهب منزلا منزلا) هكذا في بعض النسخ مرتين وفي بعض النسخ مرة واحدة . قال النووي في شرح مسلم فنزلني زيد بن وهب منزلا هكذا في معظم نسخ صحيح مسلم مرة واحدة وفي نادر منها منزلا منزلا مرتين وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين وهو وجه الكلام أي ذكر لي مراحلهم بالجيش منزلا منزلا (حتى مررنا) وفي رواية مسلم حتى قال مررنا بزيادة لفظ قال وفي بعض نسخ سنن أبي داود مر بنا مكان مررنا (على قنطرة) بفتح القاف أي حتى بلغ القنطرة التي كان القتال عندها وهي قنطرة الدبرجان كذا جاء مبينا في سنن النسائي وهناك خطبهم علي رضي الله عنه وروى لهم هذه الأحاديث (قال) أي زيد بن وهب (فلما التقينا) أي نحن والخوارج (وعلى الخوارج عبد الله بن وهب) أي كان أميرهم (سلوا) بضم السين أمر من سل يسل (من جفونها) أي من أغمدتها (فإني أخاف أن يناشدوكم) أي يطلبوكم فلا الصلح بالإيمان لو تقاتلون بالرمح من بعيد فألقوا الرماح وادخلوا فيهم بالسيوف حتى لا يجدوا فرصة فدبروا تدبيرا قادهم إلى التدمير كذا في مجمع البحار (فوحشوا برماحهم) أي رموا بها عن بعد قاله النووي وهو من باب التفعيل أي التوحيش منه قاله في الصراح قال الجوهري في الصحاح وحش الرجل إذا رخى بثوبه وسلاحه مخافة أن يلحق قال الشاعر :
[ 83 ]
فذروا السلاح ووحشوا بالابرق (واستلوا) بصيغة الماضي (وشجرهم الناس برماحهم) قال الجوهري في الصحاح شجره بالرمح أي طعنه وشجر بيته أي عمده بعمود انتهى . وفي النهاية : وفي الحديث شجرناهم بالرماح أي طعناهم انتهى أي مدوها إليهم وطاعنوهم بها قاله النووي (وقتلوا بعضهم) أي بعض الخوارج (وما أصيب من الناس) أي الذين مع علي رضي الله عنه (المخدج) بضم الميم وسكون الخاء وفتح الدال قال الجوهري : يقال أخدجت الناقة إذا جاءت بولدها ناقص الخلق فولد مخدج ومنه حديث علي رضي الله عنه في ذي الثدية اليد أي ناقص اليد انتهى (حتى أتى ناسا) أي من الخوارج (فوجدوه) أي المخدج الخارجي (فكبر) علي رضي الله عنه (وقال صدق الله وبلغ رسوله) رسالته ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقام إليه عبيدة) حاصله أنه استحلف عليا ثلاثا وإنما استحلفه ليسمع الحاضرين ويؤكد ذلك عندهم ويظهر لهم المعجزة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويظهر أن عليا وأصحابه أولى الطائفتين بالحق وأنهم محقون في قتالهم وغير ذلك مما في هذه الأحاديث من الفوائد قاله النووي (السلماني) بإسكان اللام منسوب إلى سلمان جد قبيلة معروفة وهم بطن من مراد أسلم عبيدة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بسنتين ولم يره وسمع عمر وعليا وابن مسعود وغيرهم من الصحابة . قال المنذري : وأخرجه مسلم انتهى أي في كتاب الزكاة في باب إعطاء المؤلفة قلوبهم .
[ 84 ]
(عن جميل بن مرة) بفتح الجيم وكسر الميم (أخبرنا أبو الوضئ) بفتح الواو وكسر المعجمة اسمه عباد بن نسيب (عليه قريطق) تصغير قرطق وهو معرب كرته كذا في النهاية (على ذنب اليربوع) هو بالفارسية كلاكموش : كذا في الصراح أي موش دشتي غير وقال الدميري في حياة الحيوان اليربوع بفتح الياء المثناة حيوان طويل الرجلين قصير اليدين جدا وله ذنب كذنب الجرذ ويسكن بطن الأرض لتقوم رطوبتها مقام الماء قال الجاحظ والقزويني اليربوع من نوع الفأر انتهى . والحديث سكت عنه المنذري . (أخبرنا شبابة) على وزن سحابة (إن كان) إن مخففة من المثقله أحمد (يجالسه) وفي بعض النسخ نجالسه (مثل سبالة) بكسر السين قيل السبلة بفتحتين الشارب وجمعه السبال قاله السندي . والحديث سكت عنه المنذري .
[ 85 ]
(باب في قتال اللصوص) جمع اللص بالكسر وهو السارق . (من أريد ماله) أي أخذ ماله (فقاتل) أي في الدفع عنه (فهو شهيد) أي من شهداء الآخرة بمعنى أن له أجر شهيد . قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح وأخرجه البخاري في صحيحه من حديث عكرمة مولى عبد الله بن عباس عن عبد الله بن عمرو ولفظه " من قتل دون ماله فهو شهيد وخالف البخاري في حديث عبد الله بن عمرو غير واحد من الاثبات وقالوا فيه فله الجنة وزاد فيه مظلوما انتهى . من قتل دون ماله قال العلقمي أي من قاتل الصائل على ماله حيوان كان أو غيره فقتل في المدافعة فهو شهيد أي في حكم الآخرة لا في الدنيا أي له ثواب شهيد (ومن قتل دون أهله) أي في الدفع عن بضع حليلته أو قريبته (أو دون دمه) قال العلقمي أي في نصرة دين الله تعالى والذب عنه وفي قتال المرتدين عن الدين قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح انتهى . آخر كتاب السنة هذه العبارة قد وقعت في عامة النسخ الحاضرة وكذا في نسخة المنذري وقد وجد في النسختين من السنن بعد قوله آخر كتاب السنة وقبل قوله أول كتاب الأدب ثلاثة أحاديث وبعض العبارات في حق بعض الرواة .
[ 86 ]
الأول أثر الحجاج في حق عثمان رضي الله عنه الذي تقدم في باب الخلفاء . والثاني حديث معاوية مرفوعا اشفعوا . والثالث حديث أبي موسى مرفوعا وهذان الحديثان يأتيان في كتاب الأدب في باب الشفاعة وإني تركتها لأجل التكرار وهي مع كونها مكررة ليس لها ربط وتعلق في هذا المحل وكذا لم توجد في مختصرة المنذري . وأما بعض العبارات المذكورة فهي أيضا غير مربوط بما قبلها لكن أثبتناها لتكميل الفائدة والعبارة المذكورة هي قوله (قال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يقول) في حق همام بن يحيى البصري (قال عفان) يعني ابن مسلم الأنصاري البصري (كان يحيى) بن سعيد القطان الامام الحافظ (لا يحدث عن همام ابن يحيى الأزدي البصري لأن في حفظه شيئا وإن كان أحد علماء البصرة ومن ثقاتها كما قال أبو حاتم إنه ثقة في حفظه شئ وكان يحيى بن
[ 87 ]
سعيد القطان لا يركن إلى حفظه ولا إلى كتابه ولا يحدث عنه أولا (فلما قدم معاذ بن هشام) الدستوائي البصري إلى البصرة (وافق) أي معاذ بن هشام (هماما في أحاديث) كان يرويها وكان يحيى بن سعيد القطان ينكرها عليه أولا ثم (كان يحيى) بن سعيد القطان لما رأى موافقة معاذ بن هشام لهمام في تلك الأحاديث (ربما قال بعد ذلك) أي بعد أن عرف موافقة معاذ بن هشام له فيها (كيف قال همام في هذا) أي فيما روى أولا من الأحاديث عن همام أي فإني الآن علمت صحتها وقبولها لاعتضادها بموافقة معاذ بن هشام له فيها . والمعنى أن يحيى بن سعيد القطان أولا كان ينكر على همام أحاديثه ولا يقبلها فلما قدم معاذ البصرة ورأى أن معاذا روى الأحاديث التي كان ينكرها عليه ولا يقبلها فوافق هماما على رواية هذه الأحاديث ورجع عن الإنكار على همام وصار يسأل عن أحاديثه ويقبلها وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري (سمعت أحمد يقول سماع هؤلاء) الرواة يعني (عفان) بن مسلم (وأصحابه) أي الآخذين مثله (من همام) بن يحيى (أصلح) أي أصح (من سماع عبد الرحمن) بن مهدي وليس المراد أن عفان أوثق وأحفظ الرواية همام من عبد الرحمن بن مهدي بل المراد أن سماع ابن مهدي منه قديما وعفان وأصحابه سمعوا منه أخيرا وهمام كان أولا يحدث من حفظه فيخطئ ولا يراجع كتبه ثم (كان يتعاهد كتبه بعد ذلك) أي بعد أن تركها أولا وكان لا يراجعها فكان سوء حفظه لعدم مراجعة كتبه لأنه لم يكن حافظا حفظ صدر والقوم كانوا يتفاوتون في الحفظ فمن كان حفظه حفظ صدر حفظا ثابتا قائما فهو في الدرجة العليا ويليهم في الدرجة بعدهم من كان يراجع كتبه . (قال أبو داود سمعت علي بن عبد الله يقول) في ذكر أصحاب قتادة (أعلمهم بإعادة ما يسمع) من قتادة (مما لم يسمع) منه (شعبة) وعبارة الحافظ في المقدمة وكان شعبة أعلمهم بما
[ 88 ]
سمع من قتادة مما لم يسمع انتهى أي أقدر على التمييز بما سمع منه مما لم يسمع منه (وأرواهم) أي أكثرهم رواية (هشام وأحفظهم سعيد بن أبي عروبة) ولم يكن همام عندي بدون القوم في قتادة ذكره الحافظ ابن حجر في المقدمة تحت قول علي بن المديني المذكور آنفا وما ذكره الحافظ ابن حجر في المقدمة أليق بالمقام ليوافق المضمون للمضمون السابق (فقال) الإمام أحمد متعجبا من كون علي بن المديني جعل هشاما مساويا لابن أبي عروبة فقال كيف ذكر علي بن المديني (سعيد بن أبي عروبة في قصة هشام) أي في حكايته من كونه مساويا لابن أبي عروبة ثم الإمام أحمد عن علي بن المديني بأن قال (هذا كله) أي من يذكر المساواة بين هشام وسعيد بن أبي عروبة ليس ذلك من ابن المديني من قبل نفسه بل إنهم (يحكونه) أي ما يذكر من المساواة أي يحكيه بعضهم (عن معاذ بن هشام) فإنه أي معاذ بن هشام ساوى بينهما فلم يسلم الإمام تلك المساواة بينهما بل صرح بالفرق بينهما وأن سعيد بن أبي عروبة أعلى وأرفع من هشام فقال (أين كان يقع هشام من سعيد لو برز له) أي لو قابله وناظره في علمه وحفظه فإنه مع ذلك يعرف فضل سعيد بن أبي عروبة وكونه أرفع مرتبة وأحفظ وأوثق من هشام فأين درجة هشام من سعيد بن أبي عروبة قاله شيخنا القاضي حسين بن محسن الأنصاري في بعض تعليقاته على السنن .
[ 89 ]
أول كتاب الادب الادب استعمال ما يحمد قولا وفعلا ، وقيل الاخذ بمكارم الاخلاق ، وقيل الوقوف مع المستحسنات ، وقيل : هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك ، وقيل : إنه ماخوذ من المادبة ، وهي الدعوة إلى الطعام ، سمي بذلك لانه يدعي إليه . (باب في الحلم وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم) (فقلت والله لا أذهب) قال في فتح الودود ظاهره أن أنسا قال له صلى الله عليه وسلم وعليه حمله شراح الحديث ويرد عليه أنه كيف خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وكيف حلف بالله كاذبا وكيف حمله النبي صلى الله عليه وسلم على الذهاب بعد الحلف وأجاب في بعض الشروح عن بعض هذه الإيرادات بجواب يصلح جوابا عن الكل فقال إن هذا القول صدر عن أنس في صغره وهو غير مكلف
[ 90 ]
انتهى (فخرجت حتى أمر على صبيان) أي فخرجت أذهب إلى أن مررت على صبيان وجاء بصيغة المضارع استحضارا لتلك الحالة (وهم يلعبون في السوق) حال من صبيان (فإذا) للمفاجأة (قابض) أي آخذ (بقفاي) بفتح ياء المتكلم والقفا مؤخر العنق (فنظرت إليه) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو يضحك) حل من الضمير المجرور (فقال يا أنيس) تصغير أنس (اذهب) وفي رواية مسلم أذهبت (سبع سنين أو تسع سنين) شك من الراوي وفي رواية مسلم تسع سنين بغير الشك (هلا فعلت) هلا بتشديد اللام ومعناها إذا دخلت على الماضي التوبيخ أو اللوم على ترك الفعل والمعنى لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لشئ صنعته لم صنعته ولا شئ لم أصنعه وكنت مأمورا به لم لا صنعته .
[ 91 ]
قال المنذري : وأخرجه مسلم وفيه تسع سنين من غير شك (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين) وفي الرواية المتقدمة تسع سنين فمعناه أنها تسع سنين وأشهر فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشر سنين وخدمه أنس في أثناء السنة الأولى ففي رواية التسع لم يحسب الكسر وفي رواية العشر حبها سنة كاملة وكلاهما صحيح كذا قال النووي
[ 92 ]
(ليس كل امري) أي ليس كل خدمة من خدماتي التي خدمت بها النبي صلى الله عليه وسلم (كما يشتهي صاحبي) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أن يكون) أي أمري عليه أي على ما يشتهي أي مما يكون موافقا لما يشتهيه صاحبي يريد به النبي صلى الله عليه وسلم بل كان منها ما يكون مخالفا لما يشتهيه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يقل في شئ مما خالف ما يشتهيه في مدة الخدمة وهي عشر سنين كلمة أف قط ، وهذا من كمال خلقه الجميل (ما قال لي فيها) أي في مدة خدمتي وهي عشر سنين (أف) قال الحافظ الأف كل مستقذر من وسخ كقلامة الظفر وما يجري مجراها ويقال ذلك لكل مستخف به ويقال أيضا عند تكره الشئ وعند التضجر من الشئ وفي أف عدة لغات الحركات الثلاث بغير تنوين وبالتنوين وهذا كله مع ضم الهمزة والتشديد قال وفيها لغات كثيرة (أم) بفتح الهمزة وسكون الميم بمعنى أو (ألا) بفتح الهمزة والتشديد بمعنى هلا والحديث سكت عنه المنذري (فإذا قام قمنا) أي لا نفضاض المجلس لا للتعظيم لأنهم ما كانوا يقومون له مقبلا فكيف يقومون له مدبرا (قياما) أي وقوفا ممتدا (حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه) ولعلهم كانوا ينتظرون رجاء أن يظهر له حاجة إلى أحد معهم أو يعرض له رجوع إلى الجلوس معهم فإذا أيسوا تفرقوا ولم يقعدوا لعدم حلاوة الجلوس بعده صلى الله عليه وسلم (فجبذه) أي جذبه (بردائه) أي ردائه صلى الله عليه وسلم (فحمر) من التحمير وهذا من عادة جفاة العرب وخشونتهم وعدم تهذيب أخلاقهم . وقيل لعله كان من المؤلفة ولهذا قال ما قال (فالتفت) أي النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأعرابي (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا) أي لا أحمل لك من مالي (وأستغفر الله) أي إن كان الأمر على خلاف ذلك قال
[ 93 ]
السيوطي في مرقاة الصعود وهذا من حسن العبارة لأن حذف الواو يوهم نفي الاستغفار وقال الفخر الرازي روي عن أبي بكر الصديق أنه دخل السوق فقال لبياع أتبيع هذا الثوب فقال لا عافاك الله قال له أبو بكر لو علمتم قل لا وعافاك الله . وهذا من لطائف النحو لأنه عند حذفها يوهم كونه دعاء عليه وعند الواو لا يبقى الإحتمال انتهى (حتى تقيدني) من الإقادة (فكل ذلك يقول له الأعرابي والله لا أقيدكما الذي) أي الجبذة وكأنه أراد لكمال كرمه صلى الله عليه وسلم أنه يعفو البتة وفي رواية النسائي بعد قوله ولا من مال أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وأستغفر الله لا أحمل لك حتى تقيدني مما جبذت برقبتي فقال الاعرابي لا والله لا أقيدك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول لا والله لا أقيدك (فذكر الحديث) . وقد ذكر النسائي ما حذفه المؤلف ففيه فلما سمعت قول الأعرابي أقبلنا إليه سراعا فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عزمت علي من سمع كلامي أن لا يبرح مقامه حتى آذن له (ثم دعا) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث بيان كمال خلقه صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه قال المنذري وأخرجه النسائي وقال الدارقطني تفرد به محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسئل الإمام أحمد عن محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة فقال ثقة وقال مرة ليس به بأس قيل أبوه قال لا أعرفه وسئل أبو حاتم الرازي عن محمد بن هلال قال صالح وأبوه ليس بالمشهور (باب في الوقار) بفتح الواو في القاموس الوقار كسحاب الرزانة انتهى وفي المصباح الوقار الحلم والرزانة وهو مصدر وقر بالضم مثل جمل جمالا والوقار العظمة أيضا ووقر وقرا من باب وعد جلس بوقار انتهى .
[ 94 ]
(إن الهدي الصالح) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة أي الطريقة الصالحة (والسمت الصالح) بفتح السين المهملة وسكون الميم هو حسن الهيئة والمنظر وأصله الطريق المنقاد وفي النهاية أي حسن هيئته ومنظره في الدين وليس من الحسن والجمال انتهى (والاقتصاد) أي سلوك القصد في الأمور القولية والفعلية والدخول فيها برفق على سبيل يمكن الدوام عليه (جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) أي إن هذه الخصال منحها الله تعالى أنبياءه فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها وليس معنى الحديث أن النبوة تتجزأ أو لا أن من جمع هذه الخصال كان فيه جزء من النبوة فإن النبوة غير مكتسبة بالأسباب وإنما هي كرامة من الله تعالى لمن أراد إكرامه بها من عباده وقد ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم وقال العلقمي وقد يحتمل وجها آخر وهو أن من اجتمعت له هذه الخصال تلقته الناس بالتعظيم والتبجيل والتوقير وألبسه الله عز وجل لباس التقوى الذي تلبسه أنبياؤه فكأنها جزء من النبوة كذا في السراج المنير للعزيزي . وقال السيوطي وفي رواية الطبراني جزء من خمسة وأربعين جزءا وفي رواية أخرى له جزء من سبعين جزءا قال الخطابي هدي الرجل حاله ومذهبه وكذلك سمته وأصل السمت الطريق المنقاد والاقتصاد سلوك القصد في الأمر والدخول فيه برفق وعلى سبيل يمكن الدوام عليه يريد أن هذه الخلال من شمائل الأنبياء ومن الخصال المعدودة من خصائلهم وأثها وقد جزء من أجزاء خصائلهم فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها انتهى قال المنذري في إسناده قابوس بن أبي ظبيان حصين بن جندب الجنبي كوفي لا يحتج بحديثه وجنب بطن من مذحج وهو بفتح الجيم وسكون النون وبعدها باء موحدة وظبيان بفتح الظاء المعجمة وكسرها وبعدها باء بواحدة ساكنة وياء آخر الحروف مفتوحة وبعد الألف نون (باب من كظم غيظا) علي قال في النهاية كظم الغيظ تجرعه واحتمال سببه والصبر عليه (من كظم غيظا) أي اجترع غضبا كامنا فيه (أن ينفذه) من التنفيذ والإنفاذ أي يمضيه
[ 95 ]
(دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق) أي شهره بين الناس وأثنى عليه وتباهي به ويقال في حقه هذا الذي صدرت منه هذه الخصلة العظيمة (حتى يخيره) أي يجعله مخيرا (من أي الحور العين شاء) أي في أخذ أيهن وهو كناية عن إدخاله الجنة المنيعة وإيصاله الدرجة الرفيعة قال الطيبي وإنما حمد الكظم لأنه قهر للنفس الأمارة بالسوء ولذلك مدحهم الله تعالى بقوله (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) . قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب هذا آخر كلامه . وسهل بن معاذ بن أنس الجهني ضعيف والذي روى عنه هذا الحديث أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون الليثي مولاهم المصري ولا يحتج بحديثه (حدثنا عقبة بن مكرم) بمضمومة وسكون كاف وفتح راء (نحوه) أي نحو الحديث المذكور (قال ملأه الله أمنا وإيمانا لم يذكر قصة دعاه الله) أي قال ملأه أمنا وإيمانا مكان دعاه الله الخ (ثوب جمال) أي زينة (قال بشر) يعني ابن منصور (أحسبه) أي محمد بن عجلان (تواضعا) وهو مفعول له لترك أي أحسب وأظن أن محمد بن عجلان قال بعد قوله وهو يقدر عليه لفظ تواضعا ولكن لا أجزمه حتى (كساه الله حلة الكرامة) أي أكرمه الله وألبسه من ثياب الجنة (ومن زوج) مفعوله محذوف أي من يحتاج إلى الزواج (لله) أي ابتغاء لمرضاته وقيل من زوج كريمته لله تعالى وقيل من أعطى لله اثنين من الأشياء وفي المشكاة من تزوج لله بزيادة التاء قال القاري في المرقاة أي بأن ينزل عن درجته فيتزوج من هي أدنى مرتبة منه ابتغاء لمرضاة ربه أو أراد بالتزوج صيانة دينه وحفظ نسله (توجه الله) بتشديد الواو أي ألبسه وهو كناية عن إجلاله وتوقيره أو أعطى تاجا ومملكة في الجنة
[ 96 ]
قال المنذري فيه رواية مجهول (ما تعدون الصرعة) بضم الصاد المهملة وفتح الراء على وزن همزة ولمزة من يصرع الناس قال العلقمي بضم الصاد المهملة وفتح الراء الذي يصرع الناس كثيرا بقوته والهاء للمبالغة في الصفة والصرعة بضم الصاد وسكون الراء بالعكس وهو من يصرعه غيره كثيرا انتهى (قالوا) أي الصحابة رضي الله عنهم (ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب) أي عند ثورانه فيقهر تعالى نفسه ويكظم غضبه قال المنذري وأخرجه مسلم أتم منه (باب ما يقال عند الغضب) (استب رجلان) أي سب أحدهما آخر (حتى خيل) بصيغة المجهول من التخييل (إلى) بتشديد التحتية (أن أنفه يتمزع) أي يتشقق ويتقطع والمزعة فإن هي القطعة من الشئ قاله الخطابي (فقال ما هي) أي قال معاذ ما تلك الكلمة (فجعل معاذ يأمره) أي الرجل الغضبان بقول تلك الكلمة (ومحك) بالحاء المهملة من باب علم ومنع أي لج في الخصومة وفي الحديث أنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأنه سبب لزوال الغضب قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي هذا حديث مرسل
[ 97 ]
عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل مات معاذ في خلافة عمر ابن الخطاب وقتل عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين وما قاله الترمذي ظاهر جدا فإن البخاري ذكر ما يدل على أن مولد عبد الرحمن سنة سبع عشرة وذكر غير واحد أن معاذ بن جبل توفي في الطاعون سنة ثماني عشرة وقيل سبع عشرة وقد أخرج النسائي هذا الحديث من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب وهذا متصل (وتنتفخ أوداجه) هي ما أحاط بالعنق من عروق يقطعها الذابح جمع ودج بالحركة وقيل هما عرقان غليظان عن جانبي نقرة النحر (لو قالها هذا) أي الذي احمرت عيناه وانتفخت أوداجه من شدة الغضب (لذهب عنه الذي يجد) أي من الغضب (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) بدل من كلمة (هل ترى بي من جنون) قال النووي هو كلام من لم يفقه في دين الله ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالجنون ولم يعلم أن الغضب من نزعات الشيطان ويحتمل أن هذا القائل كان من المنافقين أو من جفاة الاعراب انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (فإن ذهب عنه الغضب) أي فيها (وإلا فليضطجع) قال الخطابي القائم متهئ للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى والمضطجع ممنوع منهما فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها في ما بعد انتهى والحديث تكلم عليه المنذري وأبو داود بعد الحديث الآتي (عن داود) هو ابن أبي هند (بعث أبا ذر) أي لحاجة من حاجاته ثم قال له (بهذا
[ 98 ]
الحديث) أي المذكور (وهذا أصح الحديثين) يعني أن حديث وهب ابن بقية أصح من حديث أحمد بن حنبل قال المنذري يريد أن المرسل أصح وقال غيره إنما يروى أبو حرب بن أبي الأسود عن عمه عن أبي ذر ولا يحفظ له سماع من أبي ذر انتهى وقال المزي في الأطراف إنما يروي أبو حرب عن عمه عن أبي ذر ولا يحفظ له سماع عن أبي ذر ورواه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه بإسناده ورواه فيه عن أبي الأسود انتهى (فكلمه) أي عروة بن محمد (فأغضبه) أي أغضب الرجل عروة (فقام) أي عروة (إن الغضب من الشيطان) أي من أثر وسوسته وإن الشيطان خلق) بصيغة المجهول (من النار) قال تعالى والجان خلقناه من قبل من نار السموم وقال خلقتني من نار وهذا دليل على أنه من الجن لأن الملائكة خلقوا من النور قاله القاري (وإنما تطفأ) بصيغة المجهول مهموزا أي تدفع (فليتوضأ) أي وضوءه للصلاة وإن كان على وضوء قال المنذري عطية هذا هو ابن سعد ويقال ابن قيس ويقال ابن عمرو بن عروة سعدى من بني بكر بن هوازن ونزل الشام وكان مولده بالبلقا عمر وله صحبة وكنيته أبو محمد (باب في التجاوز في الأمر) (ما خير) بصيغة المجهول من التخيير (إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما) فيه
[ 99 ]
استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حراما أو مكروها قال القاضي ويحتمل أن يكون تخييره صلى الله عليه وسلم ها هنا من الله تعالى فيخيره فيما فيه عقوبتان أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة أو الاقتصاد وكان يختار الأيسر في كل هذا قال وأما قولها ما لم يكن إثما فيتصور إذا خيره الكفار والمنافقون فأما إن كان التخيير من الله تعالى أو من المسلمين فيكون الاستثناء منقطعا كذا في شرح مسلم للنووي (فإن كان) أي أيسر الأمرين (إثما كان) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (منه) أي من أيسرهما كالذي يكون إثما (إلا أن ينتهك حرمه الله) انتهاك حرمة الله تعالى ارتكاب ما حرمه والاستثناء منقطع أي لكن إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (ما ضرب الخ) فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحا للأدب فتركه أفضل قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (في قوله) أي في تفسير قوله تعالى (خذ العفو) لما عدد الله تعالى من أحوال المشركين ما عدده وتسفيه رأيهم وضلال سعيهم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ العفو من أخلاقهم يقال أخذت حقي عفوا أي سهلا وهذا نوع من التيسير الذي كان يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح أنه كان يقول يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا والمراد بالعفو هنا ضد الجهد (1) والعفو التساهل في كل شئ كذا في بعض التفاسير وفي جامع البيان خذ العفو من أخلاق الناس كقبول أعذارهم والمساهلة معهم انتهى
[ 100 ]
وفي تفسير الخازن المعنى اقبل الميسور من أخلاق الناس ولا تستقص عليهم فيستعصوا النبي عليك فتتولد منه العداوة والبغضاء وقال مجاهد يعني خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس وذلك مثل قبول الاعتذار منهم وترك البحث عن الأشياء وأخرج البخاري عن عبد الله بن الزبير قال ما نزلت خذ العفو وأمر بالعرف إلا في أخلاق الناس وفي رواية قال أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أقوال الناس وكذا في جامع الأصول وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي قال أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أقوال الناس أو كما قال انتهى كلام الخازن وفي الدر المنثور وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والنسائي والطبراني والبيهقي وغيرهم عن عبد الله بن الزبير قال ما نزلت هذه الآية إلا في أخلاق الناس خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وفي لفظ أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر في قوله تعالى خذ العفو) قال أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (باب في حسن العشرة) بكسر العين أي المعاشرة (إذا بلغه عن الرجل الشئ) أي المكروه (لم يقل ما بال فلان) أي ما حاله وشأنه يعني لم يصرح باسمه (ولكن يقول ما بال أقوام يقولون كذا وكذا) احترازا عن المواجهة بالمكروه مع حصول المقصود بدونه قال المنذري وأخرجه النسائي بمعناه (أخبرنا سلم) بفتح السين وإسكان اللام (وعليه أثر صفرة) أي على جسده أو على
[ 101 ]
ثوبه أثر الزعفران (فلما خرج) أي الرجل (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أمرتم) الخطاب للحاضرين من الصحابة رضي الله عنهم (هذا) أي الرجل (أن يغسل ذا) أي الأثر (عنه) أي عن جسده أو ثوبه (ليس هو علويا) أي لم يكن من أولاد علي رضي الله عنه بل كان يبصر في النجوم أي يبصر في العلو لأن النجوم في العلو فنسب إليه (فلم يجز شهادته) بضم التحتية وكسر الجيم أي لم يقبل ابن أرطاة شهادة سلم قال في الخلاصة ضعفه ابن معين وقال شعبة ذاك الذي يرى الهلال قبل الناس بليلتين قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وسلم هذا هو ابن قيس بصري لا يحتج بحديثه (الحجاج بن فرافصة) بضم الفاء وفتح الراء وكسر الفاء الثانية بعدها صاد مهملة (رفعاه) أي نصر بن علي ومحمد بن المتوكل والضمير المنصوب للحديث يعني روياه مرفوعا (المؤمن غر) بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء (كريم) أي موصوف بالوصفين أي له الاغترار لكرمه (والفاجر) أي الفاسق (خب) بفتح خاء معجمة وتكسر وتشديد موحدة أي يسعى بين الناس بالفساد والتخبب وإن إفساد زوجة الغير أو عبده (لئيم) أي بخيل لجوج سئ الخلق وفي كل منهما الوصف الثاني سبب للأول وهو نتيجة الثاني فكلاهما من باب التذييل والتكميل قاله القاري قال الخطابي في المعالم معنى هذا الكلام أن المؤمن المحمود هو من كان طبعه وشيمته الغرارة وقلة الفطنة للشر وترك البحث عنه وأن ذلك ليس منه جهلا لكنه كرم وحسن
[ 102 ]
خلق وأن الفاجر هو من كانت عادته الخب والدهاء والوغول في معرفة الشر وليس ذلك منه عقلا ولكنه خب ولؤم انتهى وقال ابن الأثير المؤمن غر كريم أي ليس بذي مكر فهو ينخدع لا نقياده كما ولينه وهو ضد الحب يقال فتى غر وفتاة غر انتهى قال السيوطي هذا أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على المصابيح وزعم أنه موضوع وقال الحافظ ابن حجر في رده عليه قد أخرجه الحاكم من طريق عيسى بن يونس عن سفيان الثوري عن حجاج بن فرافصة عن يحيى بن أبي كثير به موصولا وقال أسنده المتقدمون من أصحاب الثوري وحجاج قال ابن معين لا بأس به قال ولم يحتج الشيخان ببشر ولا بحجاج قال الحافظ بل الحجاج ضعفه الجمهور وبشر بن رافع أضعف منه ومع ذلك لا يتجه الحكم عليه بالوضع لفقد شرط الحاكم في ذلك انتهى وقال الحافظ صلاح الدين العلائي بشر بن رافع هذا ضعفه أحمد بن حنبل وقال ابن معين لا بأس به وقال ابن عدي لم أجد له حديثا منكرا وأخرجه البيهقي من طريق أبي داود الثانية فقال عن حجاج بن فرافصة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة به فتعين المبهم أنه يحيى بن أبي كثير وحجاج هذا قال فيه ابن معين لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم هو شيخ صالح متعبد وقال أبو زرعة ليس بالقوي وتوثيق الأولين مقدم على هذا الكلام وحصلت برواية حجاج هذا المتابعة لبشر بن رافع في الحديث وخرج به عن الغرابة فالحديث بروايتهما لا ينزل عن درجة الحسن انتهى كلام السيوطي ملخصا قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه هذا آخر كلامه وفي إسناده بشر بن رافع الحارثي اليمامي ولا يحتج بحديثه (استأذن رجل) أي طلب الإذن (على النبي صلى الله عليه وسلم) أي في الدخول عليه (بئس ابن العشيرة أو بئس رجل العشيرة) أو للشك من بعض الرواة أي بئس هو من قومه قال الطيبي العشيرة القبيلة أي بئس هذا الرجل من هذه العشيرة كما يقال يا أخا العرب لرجل منهم قال القاضي هذا الرجل هو عيينة بن حصن ولم يكن أسلم حينئذ وإن كان قد أظهر
[ 103 ]
الإسلام فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه الناس ولا يغتر به من لم يعرف حاله قال وكان منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف إيمانه وارتد مع المرتدين وجئ به أسيرا إلى أبي بكر رضي الله عنه (ثم قال ائذنوا) بهمزة ساكنة وصلا أي اعطوا الإذن (ألان له القول) أي قال له قولا لينا (من ودعه أو تركه الناس) شك من الراوي ومعنى الفعلين واحد (لاتقاء فحشه) أي لأجل قبيح قوله وفعله وفي رواية للبخاري اتقاء شره . قال القرطبي في الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى ثم قال والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو هما معا وهي مباحة وربما استحبت والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكاملته هو ومع ذلك فلم يمدحه بقول فلم يناقض قوله فيه فعله فإن قوله فيه حق وفعله معه حسن عشرة فيزول مع هذا التقرير الإشكال بحمد الله تعالى كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وهذا الرجل هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وقيل هو مخرمة بن نوفل الزهري والد المسور بن مخرمة رضي الله عنه (الذين يكرمون) بصيغة المجهول من الإكرام أي يكرمهم الناس ويوقرونهم وسلم (اتقاء ألسنتهم) بالنصب مفعول له ليكرمون عنه أي لأجل اتقاء ألسنتهم قال المنذري ذكر يحيى بن سعيد القطان أن مجاهدا لم يسمع من عائشة وأخرج البخاري ومسلم في صحيحهما حديث مجاهد عن عائشة
[ 104 ]
(التقم أذن النبي صلى الله عليه وسلم) أي وضع فمه على أذنه صلى الله عليه وسلم للتناجي (فينحي رأسه) الضميران للنبي صلى الله عليه وسلم قال المنذري في إسناده مبارك بن فضالة أبو فضالة القرشي العدوي مولاهم البصري قال عفان بن مسلم ثقة وضعفه الامام أحمد ويحيى بن معين والنسائي (انبسط إليه) أي تبسم له وألان القول له وقيل أي جعله قريبا من نفسه كذا في المرقاة (إن الله لا يحب الفاحش المتفحش) قال الخطابي أصل الفحش زيادة الشئ على مقداره يقول صلى الله عليه وسلم إن استقبال المرء صاحبه بعيوبه إفحاش والله لا يحب الفحش ولكن الواجب أن يتأنى به ويرفق به ويكني في القول ويوري ولا يصرح وقال في النهاية الفاحش والفحش في كلامه وفعاله والمتفحش الذي يتكلف ذلك ويتعمده والحديث سكت عنه المنذري (باب في الحياء) بالمد وهو في اللغة تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق كذا قال الحافظ .
[ 105 ]
(وهو يعظ أخاه في الحياء) قال النووي أي ينهاه عنه ويقبح له فعله ويزجره عن كثرته وقال الحافظ أي ينصحه أو يخوفه أو يذكره كذا شرحوه والأولى أن يشرح بما جاء عند البخاري في الأدب ولفظه يعاتب أخاه في الحياء يقول إنك لتستحي حتى كأنه يقول قد أضر بك (دعه) أي اتركه على حاله (فإن الحياء من الإيمان) أي من شعبه قالوا إنما جعل الحياء من الايمان وإن كان غريزة لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن أبي قتادة) هو تميم بن نذير العدوي البصري وقيل في اسمه غير ذلك والأول أشهر رضي الله عنه ونذير بضم النون وفتح الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وراء مهملة قاله المنذري (وثم) بفتح المثلثة وتشديد الميم المفتوحة ظرف مكان وفي رواية مسلم وفينا بشير بن كعب (بشير) بالتصغير تابعي جليل (الحياء خير كله أو قال الحياء كله خير) أو للشك قال الحافظ أشكل حمله على العموم لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الإخلال ببعض الحقوق والجواب أن المراد بالحياء في هذه الاحاديث ما يكون شرعيا والحياء الذي ينشأ عنه الاخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا بل هو عجز ومهانة وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي وهو خلق يبعث على ترك القبيح انتهى (أن منه) أي من الحياء ومن للتبعيض (سكينة ووقارا) قال القرطبي معنى كلام بشير أن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار بأن يوقر غيره ويتوقر هو في نفسه ومنه ما يحمله على أن يسكن عن كثير مما يتحرك الناس فيه من الامور التي لا تليق بذي المروءة (ومنه ضعفا) بفتح الضاد وضمها لغتان أي كالحياء الذي يمنع عن طلب العلم ونحوه (فغضب عمران) وسبب غضبه وإنكاره على بشير لكونه قال ومنه ضعفا بعد سماعه قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير كله وقيل إنما أنكره عليه من حيث ساقه في معرض من يعارض كلام
[ 106 ]
الرسول بكلام غيره (يا أبا نجيد) بضم النون وفتح الجيم وآخره دال مهملة وهو كنية عمران بن حصين (إيه إيه) قال في القاموس إي بكسر الهمزة وإسكان الهاء زجر بمعنى حسبك وإيه مبنية على الكسر فإذا وصلت نونت وأيها بالنصب والفتح أمر بالسكوت والمعنى والله أعلم يا أبا نجيد حسبك ما صدر منك من الغضب والإنكار على بشير فإنه منا ولا بأس به فاسكت ولا تزدد غضبا وإنكارا وفي بعض النسخ إنه إنه أي صادق وفي بعضها إنه إنه وفي رواية مسلم يا أبا نجيد إنه لا بأس به . قال النووي معناه ليس هو مما يتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أو غيرها مما يخالف به أهل الاستقامة انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم بمعناه . (عن ربعي) بكسر أوله وسكون الموحدة (بن حراش) بكسر المهملة وآخره معجمة (إن مما أدرك الناس) أي أهل الجاهلية والناس يجوز فيه الرفع والعائد على ما محذوف ويجوز النصب والعائد ضمير الفاعل وأدرك بمعنى بلغ وإذا لم تستحي اسم إن بتأويل هذا القول (من كلام النبوة الاولى) قال العزيزي أي نبوة آدم وقال القاري من تبعيضية والمعنى إن من جملة أخبار أصحاب النبوة السابقة من الأنبياء والمرسلين قال الخطابي في المعالم معناه أن الحياء لم يزل أمره ثابتا واستعماله واجبا منذ زمان النبوة الأولى فإنه ما من نبي إلا وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه وأنه لم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم وذلك أنه أمر قد علم صوابه وبان فضله واتفقت العقول على حسنه وما كانت هذه صفته لم يجر عليه النسخ والتبديل (إذا لم تستحي) بسكون الحاء وكسر الياء وحذف الثانية للجزم (فاصنع ما شئت) قال في شرح السنة فيه أقاويل أحدها أن معناه الخبر وإن كان لفظه لفظ الأمر كأنه يقول إذا لم يمنعك الحياء فعلت ما شئت مما تدعوك إليه نفسك من القبيح وإلى هذا المعنى ذهب أبو عبيد .
[ 107 ]
وثانيها أن معناه الوعيد كقوله تعالى اعملوا ما شئتم أي اصنع ما شئت فإن الله يجازيك وإليه ذهب أبو العباس وثالثها معناه ينبغي أن تنظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان ذلك مما لا يستحي منه فافعله وإن كان مما لا يستحي منه فدعه وإليه ذهب أبو إسحاق المروزي قال المنذري وأخرجه البخاري وابن ماجه (باب في حسن الخلق) (بحسن خلقه) بضم اللام ويجوز سكونها (درجة الصائم القائم) أي قائم الليل في الطاعة وإنما أعطى صاحب الخلق الحسن هذا الفضل العظيم لأن الصائم والمصلي في الليل يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما وأما من يحسن خلقه مع الناس مع تباين طبائعهم وأخلاقهم فكأنه يجاهد نفوسا كثيرة فأدرك ما أدركه الصائم القائم فاستويا في الدرجة بل ربما زاد والحديث سكت عنه المنذري وقال في كتاب الترغيب ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما ولفظه إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار ورواه الطبراني في الأوسط وقال صحيح على شرط مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليبلغ العبد بحسن خلقه درجة الصوم والصلاة (أنبأنا شعبة) قال المزي في الأطراف حديث أبي الدرداء أخرجه أبو داود في الادب عن أبي الوليد الطيالسي وحفص بن عمر ومحمد بن كثير ثلاثتهم عن شعبة عن القاسم بن أبي بزة انتهى (عن القاسم بن أبي بزة) بفتح الموحدة وتشديد الزاي (الكيخاراني) بفتح الكاف
[ 108 ]
وسكون التحتانية بعدها خاء معجمة (من حسن الخلق) أي من ثوابه وصحيفته أو من عينه المجسد (قال أبو الوليد الخ) أي ذكر أبو الوليد في روايته لفظ السماع بين القاسم وعطاء بأن قال عن القاسم بن أبي بزة قال سمعت عطاءا وأما ابن كثير فذكر لفظ عن كما في إسناده المذكور (وقال أبو داود وهو) أي عطاء الكيخاراني المذكور قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح (أنا زعيم) أي ضامن وكفيل (ببيت) قال الخطابي البيت ههنا القصر يقال هذا بيت فلان أي قصره (في ربض الجنة) بفتحتين أي ما حولها خارجا عنها تشبيها بالابنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع كذا في النهاية (المراء) أي الجدال كسرا لنفسه كيلا يرفع نفسه على خصمه بظهور فضله والحديث سكت عنه المنذري (لا يدخل الجنة الجواظ) بفتح جيم وتشديد واو وظاء معجمة (ولا الجعظري) بفتح جيم وسكون عين مهملة وفتح ظاء معجمة فراء فتحتية مشددة ويأتي معناهما في كلام المنذري (قال) أي قال الراوي (الجواظ الغليظ الفظ) بتشديد الظاء أي سيئ الخلق
[ 109 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه أتم منه وليس في حديثهما الجعظري وقد قيل الجواظ كثير اللحم المختال في مشيه وقيل الجموع المنفع وقيل القصير البطي الجافي القلب وقيل الفاجر وقيل الأكول والجعظري الفظ الغليظ المتكبر وقيل هو الذي لا يصدع رأسه وقيل هو الذي يتمدح وينفخ بما ليس عنده وفيه قصر (باب في كراهية الرفعة في الأمور) (كانت العضباء) بفتح المهملة وسكون المعجمة فموحدة ممدودا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وهي القصواء أو غيرها قولان قال في النهاية هو علم لها من قولهم ناقة عضباء أي مشقوقة الأذن ولم تكن مشقوقة الأذن وقال بعضهم إنها كانت مشقوقة الاذن والأول أكثر (لا تسبق) بصيغة المجهول أي لا تسبق عنها إبل قط (على قعود له) بفتح القاف وضم العين قال في النهاية القعود من الدواب ما يقتعده الرجل للركوب والحمل ولا يكون إلا ذكرا وقيل القعود ذكر والأنثى قعودة والقعود من الإبل ما أمكن أن يركب وأدناه أن يكون له سنتان ثم هو قعود إلى السنة السادسة ثم هو جمل (فسبقها الأعرابي) أي غلب في السبق ففيه خاصة المغالبة (فكأن) بفتح الهمزة والنون المشددة المفتوحة (ذلك) أي سبقه إياها (حق على الله) أي جرت عادته غالبا (أن لا يرفع شيئا من الدنيا) أي من أمر الدنيا (إلا وضعه) أي حطه وطرحه قال المنذري وأخرجه البخاري تعليقا (إن حقا على الله تعالى) أي أمرا ثابتا عليه (أن لا يرفع) بصيغة المجهول وفي الحديث جواز المسابقة بالخيل والإبل وفيه التزهيد في الدنيا للارشاد إلى أن كل شئ منها لا يرتفع إلا اتضع قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وقال بعضهم فيه بيان مكان الدنيا [ أي
[ 110 ]
قدرها ومنزلتها ] عند الله من الهوان والضيعة ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا إلا وضعه فنبه بذلك أمته صلى الله عليه وسلم على ترك المباهاة والفخر بمتاع الدنيا وإن كان ما عند الله في منزلة الضعف فحق على ذي دين وعقل الزهد فيه وترك الترفع بنيله لأن المتاع به قليل والحساب عليه طويل انتهى كلام المنذري (باب في كراهية التمادح) (فحثا في وجهه) أي رمى التراب في وجه الرجل المثني (إذا لقيتم المداحين) قال الخطابي المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن ترغيبا له في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه فليس بمداح (فاحثوا) أي القوا وارموا في القاموس حثا التراب عليه يحثوه ويحثيه حثوا وحثيا فيه وقد حمل المقداد الحديث على ظاهره ووافقه طائفة وقال آخرون معناه خيبوهم فلا تعطوهم شيئا لمدحهم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه (قطعت عنق صاحبك) أي أهلكته لأن من يقطع عنقه يهلك قال النووي لكن هلاك هذا الممدوج صلى في دينه وقد يكون من جهة الدنيا لما يشتبه عليه من حاله بالاعجاب (ثلاث مرات) أي قال ذلك ثلاث مرات قال النووي في شرح مسلم وردت الأحاديث في النهي عن المدح وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيحين بالمدح في الوجه قال العلماء ووجه الجمع بينهما أن النهي محمول على المجازفة في المدح والزيادة في
[ 111 ]
الأوصاف أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير أو الازدياد منه أو الدوام عليه أو الاقتداء به كان مستحبا انتهى (لا محالة بفتح الميم أي لابد (فليقل إني أحسبه) أي أظنه (كما يريد) أي المادح (أن يقول) في حق الممدوح والمعنى أن المدح الذي يريد المادح أن يقول في حق الممدوح فلا يقطع في حقه بل يقول إني أظنه كذا وكذا ولفظ الشيخين إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله (لا أزكيه على الله تعالى) أي لا أقطع على عاقبته ولا على ما في ضميره لأن ذلك مغيب عني ولكن أحسب وأظن لوجود الظاهر المقتضى لذلك قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه (قال قال أبي) هو عبد الله بن الشخير (فقال السيد الله) أي هو الحقيق بهذا الاسم قال القاري أي الذي يملك نواصي الخلق ويتولاهم هو الله سبحانه وهذا لا ينافي سيادته المجازية الإضافية المخصوصة بالإفراد الانسانية حيث قال أنا سيد ولد آدم ولا فخر أي لا أقول افتخارا بل تحدثا بنعمة الله وإلا فقد روى البخاري عن جابر أن عمر كان يقول أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا انتهى وهو بالنسبة إلى بلال تواضع انتهى كلام القاري (وأفضلنا فضلا) أي مزية ومرتبة ونصبه على التمييز (وأعظمنا طولا) أي عطاء للأحباء وقال وعلوا على الأعداء (فقال قولوا بقولكم) أي مجموع ما قلتم أو هذا القول ونحوه (أو بعض قولكم) أي اقتصروا على إحدى الكلمتين من غير حاجة إلى المبالغة بهما ويمكن أن تكون أو بمعنى بل أي بل قولوا بعض ما قلتم مبالغة في التواضع وقيل أنه قولوا قولكم الذي جئتم لأجله ودعوا غيركم مما لا يعنيكم (ولا يستجرينكم الشيطان) أي لا يتخذنكم جريا بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد التحتية أي كثير الجري في طريقه ومتابعة خطواته وقيل هو من الجراءة بالهمزة أي لا يجعلنكم وهو ذوي شجاعة على التكلم بما لا يجوز
[ 112 ]
وفي النهاية أي لا يغلبنكم فيتخذكم صلى الله عليه وسلم جريا أي رسولا ووكيلا وذلك أنهم كانوا مدحوه فكره لهم المبالغة في المدح فنهاهم عنه والمعنى تكلموا بما يحضركم من القول ولا تتكلفوه إذا كأنكم وكلاء الشيطان ورسله تنطقون على لسانه كذا في المرقاة قال السيوطي قال الخطابي قوله صلى الله عليه وسلم السيد الله أي السؤدد كله حقيقة لله عز وجل وأن الخلق كلهم عبيد الله وإنما منعهم أن يدعوه سيدا قوله أنا سيد ولد آدم لأنهم قوم حديث عهد بالاسلام وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة كهي بأسباب الدنيا وكان لهم رؤساء يعظمونهم وينقادون لامرهم وقوله قولوا بقولكم أي قولوا بقول أهل دينكم وملتكم وادعوني نبيا ورسولا كما سماني الله تعالى في كتابه ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم فقال ولا تجعلوني مثلهم فإني لست كأحدهم إذا كانوا ليسودونكم أي في أسباب الدنيا وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة فسموني نبيا ورسولا وقوله أو بعض قولكم فيه حذف واختصار ومعناه دعوا بعض قولكم واتركوه واقتصدوا فيه بلا إفراط أو دعوا سيدا وقولوا نبيا ورسولا وقوله لا يستجرينكم الشيطان معناه لا يتخذنكم جريا والجري الوكيل ويقال الأجير انتهى كلام السيوطي وقال السندي أي لا يستعملنكم ثنا الشيطان فيما يريد من التعظيم للمخلوق بمقدار لا يجوز انتهى وحديث عبد الله بن الشخير إسناده صحيح وأخرجه أيضا أحمد في مسنده (باب في الرفق) بالكسر ضد العنف به وهو المداراة مع الرفقاء ولين الجانب واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها (إن الله رفيق) أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر فلا يكلفهم فوق طاقتهم (ويعطي عليه) أي في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد وفي الاخرة من الثواب الجزيل (ما لا يعطي على العنف) بالضم وفي القاموس مثلثة العين ضد الرفق .
[ 113 ]
قال المنذري وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث عمرة عن عائشة ومغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء وفتحها ولام (عن البداوة) بفتح الباء وكسرها لغتان أي الخروج الى البادية والمقام فيها (بيدو) أي يخرج (إلى هذه التلاع) بكسر التاء أي مجاري الماء من فوق إلى أسفل واحدتها تلعة (محرمة) بضم الميم وتشديد الراء المفتوحة أي غير مستعملة في الركوب (لم يكن) أي لم يوجد (إلا زانه) أي زينه وكمله (ولا نزع) بصيغة المجهول أي لم يفقد ولم يعدم (إلا شانه) أي عيبه ونقصه (قال ابن الصباح الخ) أي ذكر بعد قوله محرمة تفسيره بقوله يعني لم تركب وأما عثمان وأبو بكر فلم يذكرا التفسير قال المنذري وأخرجه مسلم وقد تقدم في كتاب الجهاد (من يحرم) بصيغة المجهول مجزوما وقيل مرفوعا (الرفق) بالنصب على أنه مفعول ثان أي من يصر محروما منه وفي الحديث فضل الرفق وأنه سبب كل خير والحديث سكت عنه المنذري (قال الأعمش وقد سمعتهم) أن مالك بن الحارث وغيره من أقرانه (يذكرون) كلهم هذا الحديث (عن مصعب بن سعد) بن أبي وقاص (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص .
[ 114 ]
ولم يذكر الأعمش أن مالك بن الحارث وأقرانه عمن يروون هذا الحديث فالواسطة بين مالك ومصعب غير مذكوره (ولا أعلمه) أي قال الأعمش لا أعلم الحديث إلا رواية عنه صلى الله عليه وسلم ومرفوعا إليه (قال التؤدة) بضم التاء وفتح الهمزة التأني (في كل شئ) أي من الأعمال أي خير (إلا في عمل آخرة) لأن في تأخير الخيرات آفات قال المنذري لم يذكر الأعمش فيه من حدثه ولم يجزم برفعه وذكر محمد ابن طاهر الحافظ هذا الحديث بهذا الإسناد وقال في روايته انقطاع وشك انتهى وقال المناوي في فتح القدير حديث سعد أخرجه أبو داود في الأدب والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرطهما والبيهقي انتهى (باب في شكر المعروف) هو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) قال الخطابي هذا يتأول على وجهين أحدهما أن من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له والوجه الاخر أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال صحيح (إن المهاجرين قالوا إلخ) قال المنذري وأخرجه النسائي (حدثني رجل) هو شرحبيل كما بينه المؤلف في الرواية الآتية (من أعطى) بالبناء
[ 115 ]
للمفعول (فوجد) أي مالا يكافئ به (فليجز به) مكافأة على الصنيعة (فإن لم يجد) أي مالا يكافئ به (فليثن به) أي على المعطى ولا يجوز له كتمان نعمته (فقد كفره) أي كفر نعمته (قال أبو داود وهو) أي الرجل المذكور في الإسناد (يعني رجلا من قومي) هذا بيان مرجع هو قال المنذري وهو شرحبيل بن سعد الأنصاري الخطمي مولاهم المدني كنيته أبو سعد وقد ضعفه غير واحد من الائمة وغزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد الياء آخر الحروف وفتحها وتاء تأنيث (من أبلى بلاء) بصيغة المجهول أي أعطى عطاء والبلاء يستعمل في الخير والشر لكن أصله الاختبار والمحنة وأكثر ما يستعمل في الخير قال الله تعالى بلاء حسنا (فذكره فقد شكره) من آداب النعمة أن يذكر المعطي فإذا ذكره فقد شكره ومع الذكر يشكره ويثني عليه (وإن كتمه فقد كفره) أي ستر نعمة العطاء والكفر في اللغة الغطاء والحديث سكت عنه المنذري (باب في الجلوس بالطرقات) جمع الطرق بضمتين جمع الطريق (إياكم والجلوس بالطرقات) يعني احذروا عن الجلوس فيها ما بدلنا من مجالسنا) البد بضم الموحدة وتشديد الدال بمعنى الفرقة أي ما لنا فراق منها والمعنى أن الضرورة قد تلجئنا إلى ذلك فلا مندوحة لنا عنه (نتحدث فيها) أي
[ 116 ]
يحدث بعضنا بعضا (إن أبيتم) أي امتنعتم عن ترك الجلوس بالطريق (غض البصر) أي كفه عن النظر إلى المحرم (وكف الأذى) أي الامتناع عما يؤذي المارين قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (في هذه القصة) أي المذكورة في الحديث السابق (قال) أي أبو هريرة مرفوعا زيادة على مروي أبي سعيد (وإرشاد السبيل) بالرفع عطفا على قوله والنهي عن المنكر (عن ابن حجير) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية (في هذه القصة قال) أي عمر مرفوعا زيادة على الخدري وهو الظاهر المتبادر أو على أبي هريرة أيضا قاله القاري (وتغيثوا الملهوف) من الإغاثة بالغين المعجمة والثاء المثلثة بمعنى الإعانة والملهوف المظلوم المضطر يستغيث ويتحسر وحذف النون بتقديران لأنه عطف على المصدر (وتهدوا الضال) بفتح التاء أي ترشدوه إلى الطريق وإرشاد السبيل أعم من هداية الضال قال المنذري ابن حجير العدوى مجهول ويقال فيه ابن حجيرة وهو بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وتكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث وقال البزار هذا الحديث لا يعلم أسنده إلا جرير بن حازم عن إسحاق بن سويد ولا رواه عن جرير مسندا إلا ابن المبارك وروى هذا الحديث حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد مرسلا .
[ 117 ]
(في أي نواحي السكك) بكسر ففتح جمع سكة وهي الزقاق أي في أي جوانبها (وقال كثير عن حميد عن أنس) وأما محمد بن عيسى فقال أخبرنا حميد عن أنس كما في الاسناد المذكور وفي الحديث غاية تواضعه صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه الترمذي (كان في عقلها شئ) أي من الفتور والنقصان بيان للواقع وإشارة إلى سبب شفقته صلى الله عليه وسلم عليها ورعاية جانبها أو إلى علة جرأتها هذا على ذلك القول كذا في اللمعات (بمعناه) أي بمعنى الحديث السابق قال المنذري وأخرجه مسلم (باب في سعة المجلس) (خير المجالس أوسعها) أي بالنسبة لأهلها لأن غيره قد يحصل منه الضرر (قال أبو داود هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرة) ففي الإسناد المذكور نسب إلى جده والحديث سكت عنه المنذري
[ 118 ]
(باب في الجلوس بين الشمس والظل) (وقال مخلد في الفئ) أي مكان في الشمس (فقلص) أي ارتفع (فليقم) أي فليتحول منه إلى مكان آخر يكون كله ظلا أو شمسا لأن انسان إذا قعد ذلك المقعد فسد مزاجه لاختلاف حال البدن من المؤثرين المتضادين كذا قيل والاولى أن يعلل بما علله الشارع بأنه مجلس الشيطان قال المنذري فيه رواية مجهول (حدثني قيس) هو ابن أبي حازم (عن أبيه) وهو عبد عوف بن الحرث وقيل عوف بن عبد الحارث البجلي رضي الله عنهما (أنه) أي أبا حازم (ورسول الله صلى الله عليه وسلم) الواو للحال وفي أسد الغابة من رواية أبي داود الطيالسي حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فرأى الشمس فأمره أو فأومأ إليه أن ادن إلى الظل انتهى قال المنذري في اسم والد قيس بن أبي حازم خلاف مشهور . (باب في التحلق) أي الجلوس في حلقة (تميم بن طرفة) بفتحات (وهم حلق) بكسر حاء وفتح لام جمع الحلقة مثل القصعة وهي الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره قاله في المجمع
[ 119 ]
(فقال ما لي أراكم عزين) بكسر العين والزاي أي متفرقين قال الخطابي يريد فرقا مختلفين لا يجمعكم مجلس واحد وواحدة العزين عزة يقال عزة وعزون كما يقال ثبة وثبون رسول ويقال أيضا ثبات وهي الجماعات المتميزة بعضها من بعض انتهى وفي النهاية عزين جمع عزة وهي الحلقة المجتمعة من الناس وأصلها عزوة فحذفت الواو وجمعت جمع السلامة على غير قياس كثبين ولا وبرين في جمع ثبة وبرة انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم بمعناه وأتم منه انتهى وقال المزي في الأطراف حديث خرج علينا فرآنا حلقا وفي لفظ دخل وهم حلق فقال ما لي أراكم عزين أخرجه مسلم في الصلاة وأبو داود في الأدب والنسائي في التفسير وحديث النسائي لم يذكره أبو القاسم انتهى (جلس أحدنا حيث ينتهي) أي يصل قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب هذا آخر كلامه وفي إسناده شريك ابن عبد الله القاضي وفيه مقال (باب الجلوس وسط الحلقة) لم بسكون السين ولام الحلقة (لعن من جلس وسط الحلقة) قال الخطابي هذا يتأول فيمن يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد وسطها ولا يقعد حيث ينتهي به المجلس فلعن للاذى وقد يكون في ذلك أنه إذا قعد وسط الحلقة حال بين الوجوه فحجب بعضهم عن بعض فيتضررون بمكانه وبمقعده هناك والله أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح
[ 120 ]
(باب في الرجل يقوم للرجل من مجلسه) (جاءنا أبو بكرة) أي الثقفي صحابي جليل (في شهادة) أي لاداء شهادة كانت عنده (فقام له رجل من مجلسه) أي ليجلس هو فيه (فأبى) أي أبو بكرة (فيه) أي في ذلك المجلس (نهي عن ذا) أي أن يقوم أحد ليجلس غيره في مجلسه ذكره الطيبي وقال القاري والأظهر أن يكون إشارة إلى الجلوس في موضع يقوم منه أحد (أن يمسح الرجل يده) أي إذا كانت ملوثة بطعام مثلا (بثوب من لم يكسه) بفتح الياء وضم السين أي بثوب شخص لم يلبسه ذلك الرجل الثوب والمراد منه النهي عن التصرف في مال الغير والتحكم على من لا ولاية له عليه والظاهر أن صاحب الثوب إذا كان راضيا يجوز له ذلك وكذلك إذا علم أن الشخص قام عن المجلس بطيب خاطره فلا بأس بجلوسه كما يستفاد قوله تعالى : (تفسحوا في المجلس) وكذا من قوله سبحانه : (وإذا قيل انشزوا فانشزوا ومما يدل عليه حديث صدر الدابة أحق بصاحبها إلا إذا أذن وأمثال ذلك كثير في الفروع وفي الحديث دلالة على أنه لا بأس أن يمسح الرجل يده بثوب ابنه أو غلامه وغيرهما ممن ألبسه الثوب قال المنذري قال أبو بكر البزار وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه إلا أبو بكرة ولا نعلم له طريقا إلا هذا الطريق ولا نعلم أحدا سمى هذا الرجل نعني أبا عبد الله مولى قريش وإنما ذكرنا ما فيه لأنه لا يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه هذا آخر كلامه وقال فيه مولى قريش ووقع هنا مولى لال أبي بردة وقال أبو أحمد الكرابيسي مولى أبي موسى الأشعري وإذا قيل فيه مولى آل أبي بردة ومولى أبي موسى الأشعري فهو الصحيح لان أبا بردة إما أن يكون أخا أبي موسى أو ولد أبي موسى وأيما كان فهو صحيح فإذا قيل فيه مولى قريش فلا يصح إلا أن يكون الولاء انجر إليه والله عز وجل أعلم وذكر الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي هذا الحديث وقال رواه أبو عبد الله مولى لآل أبي بردة عن سعيد وهو غير معروف
[ 121 ]
(عن عقيل) بفتح العين وكسر القاف (سمعت أبا الخصيب) بفتح الخاء المعجمة على وزن عظيم قاله الحافظ (فقام له) أي للرجل الجائي ليجلس هو في مكانه (فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم) أي عن الجلوس في ذلك المجلس وأخرج البخاري في الصحيح من طريق سفيان الثوري عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر وأخرجه البخاري في الادب المفرد بلفظ وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه وكذا أخرجه مسلم من رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال ابن بطال اختلف في النهي فقيل للأدب وإلا فالذي يجب للعالم أن يليه أهل الفهم والنهي وقيل هو على ظاهره ولا يجوز لمن سبق إلى مجلس مباح أن يقام منه واحتجوا بحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رفعه إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به قالوا فلما كان أحق به بعد رجوعه ثبت أنه حقه قبل أن يقوم ويتأيد ذلك بفعل ابن عمر المذكور فإنه راوي الحديث وهو أعلم بالمراد منه وقال القرطبي في المفهم هذا الحديث يدل على صحة القول بوجوب اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم منه وما احتج به من حمله على الادب لكونه ليس ملكا له لا قبل ولا بعد ليس بحجة لأنا نسلم أنه غير ملك له لكن يختص به إلى أن يفرغ غرضه فصار كأنه ملك منفعته فلا يزاحمه غيره عليه انتهى كذا في فتح الباري و أطال الحافظ الكلام فيه (قال أبو داود أبو الخصيب الخ)
[ 122 ]
قال المنذري وهو بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء بواحدة . (باب من يؤمر أن يجالس) (مثل الأترجة) بضم الهمزة والراء وتشديد الجيم وقد تخفف ثمر معروف يقال لها ترنج جامع لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون ومنافع كثيرة والمقصود بضرب المثل بيان علو شأن المؤمن وارتفاع عمله وانحطاط شأن الفاجر وإحباط عمله (ومثل جليس السوء) بفتح السين وبضم (كمثل صاحب الكير) بكسر الكاف زق ينفخ فيه الحداد وأما المبني من الطين فكور كذا في القاموس أي كمثل نافخه وفي الحديث إرشاد إلى الرغبة في صحبة الصلحاء والعلماء ومجالستهم فإنها تنفع في الدنيا والآخرة وإلى الاجتناب عن صحبة الأشرار والفساق فإنها تضر دينا ودنيا قال المنذري وأخرجه النسائي (بهذا الكلام الاول) أي المذكور في الحديث السابق (وساق بقية الحديث) أي إلى قوله أصابك من دخانه
[ 123 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وليس فيه كلام أنس (عن شبيل) بالتصغير (بن عزرة) بفتح العين المهملة بعدها زاي ساكنة ثم راء (قال مثل الجليس الصالح فذكره نحوه) والحديث سكت عنه المنذري (لا تصاحب إلا مومنا) أي كاملا أو المراد النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين لان مصاحبتهم مضرة في الدين فالمراد بالمؤمن جنس المؤمنين (ولا يأكل طعامك إلا تقي) أي متورع والأكل وإن نسب إلى التقي ففي الحقيقة مسند إلى صاحب الطعام فالمعنى لا تطعم طعامك إلا تقيا قال الخطابي إنما جاء هذا في طعام الدعوة دون طعام الحاجة وذلك أن الله سبحانه قال : (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ومعلوم أن أسراءهم كانوا كفارا غير مؤمنين ولا أتقياء وإنما حذر عليه السلام من صحبة من ليس بتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته فإن المطاعمة توقع الالفة والمودة في القلوب قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال إنما نعرفه من هذا الوجه (الرجل) يعني الانسان على دين خليله) أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته (فلينظر) أي يتأمل ويتدبر (من يخالل) فمن رضي دينه وخلقه خالله ومن لا تجنبه فإن الطباع سراقة قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب هذا آخر كلامه وفي إسناده موسى بن وردان وقد ضعفه بعضهم وقال بعضهم لا بأس به ورجح بعضهم في هذا الحديث الإرسال
[ 124 ]
(الأرواح) أي أرواح الإنسان (جنود) جمع جند أي جموع (مجندة) بفتح النون المشددة أي مجتمعة متقابلة أو مختلطة منها حزب الله ومنها حزب الشيطان (فما تعارف منها) للتعارف جريان المعرفة بين اثنين والتناكر ضده أي فما تعرف بعضها من بعض قبل حلولها في الأبدان (ائتلف) أي حصل بينهما الألفة والرأفة حال اجتماعهما بالأجساد في الدنيا (وما تناكر منها) أي في عالم الأرواح (اختلف) أي في عالم الأشباح قال النووي معنى قوله الأرواح جنود مجندة جموع مجتمعة أو أنواع مختلفة وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه وقيل إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها وتناسبها في شيمها وقيل لانها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها فمن وافق بشيمه ألفه ومن باعده نافره وخالفه . وقال الخطابي وغيره تألفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ وكانت الأرواح قسمين متقابلين فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم أيضا من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة (باب في كراهية المراء) بكسر الميم الجدال (في بعض أمره) أي من أمر الحكومة (بشروا) أي الناس بقبول الله الطاعات وإثابته عليها وتوفيقه للتوبة من المعاصي وعفوه ومغفرته (ولا تنفروا) بتشديد الفاء المكسورة أي لا تخوفوهم له بالمبالغة في إنذارهم حتى تجعلوهم قانطين من رحمة الله بذنوبهم وأوزارهم (ويسروا) أي سهلو ذلك عليهم الأمور من أخذ الزكاة باللطف منهم (ولا تعسروا) أي بالصعوبة عليهم بأن تأخذوا أكثر مما يجب عليهم أو أحسن منه أو بتتبع عوراتهم وتجسس حالاتهم
[ 125 ]
قال المنذري وأخرجه مسلم (فجعلوا يثنون) بضم التحتية من الإثناء (يعني به) أي بالسائب (بأبي أنت وأمي) قال في النهاية الباء متعلقة بمحذوف قيل هو اسم فيكون ما بعده مرفوعا تقديره أنت مفدى بأبي وأمي وقيل هو فعل وما بعده منصوب أي فديتك بأبي وأمي وحذف هذا المقدر تخفيفا لكثرة الاستعمال وعلم المخاطب به انتهى (لا تداري ولا تماري) قال الخطابي يريد لا تخالف ولا تمانع ، وأصل الدرء الدفع ومنه قوله تعالى فادارأتم فيها يصفه صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق والسهولة في المعاملة وقوله لا تماري يريد المراء والخصومة انتهى قال الحافظ في الإصابة السائب بن أبي السائب واسمه ضيفي والد عبد الله ابن السائب روى له أبو داود والنسائي من طريق مجاهد عن قائد السائب عن السائب وقيل عن مجاهد عن السائب بلا واسطة وروى ابن أبي شيبة من طريق يونس بن خباب عن مجاهد كنت أقود بالسائب فيقول لي يا مجاهد أدلكت الشمس فإذا قلت نعم صلى الظهر انتهى وقال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه والسائب هذا قد ذكر بعضهم أنه قتل كافرا يوم بدر قتله الزبير بن العوام وذكر بعضهم أن لا صحبة لأبيه وذكر بعضهم أنه أسلم وحسن إسلامه وهذا هو المعول عليه وقد ذكره غير واحد في كتب الصحابة رضي الله عنهم وهذا الحديث اختلف في إسناده اختلافا كثيرا وذكر أبو عمر النمري أن هذا الحديث مضطرب جدا منهم من يجعله للسائب بن أبي السائب ومنهم من يجعله لعبد الله بن السائب وهذا اضطراب لا يقوم به حجة والسائب بن أبي السائب من المؤلفة قلوبهم (باب الهدي في الكلام) الهدي بفتح الهاء وسكون الدال السيرة والطريقة الصالحة .
[ 126 ]
(يكثر) من الإكثار (أن يرفع طرفه) بسكون الراء أي نظره (إلى السماء) انتظارا لما يوحى إليه وشوقا إلى الملا الاعلى . قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الاختلاف فيه وسلام بفتح المهملة وتخفيف اللام (ترتيل) أي تأن وتمهل مع تبيين الحروف والحركات بحيث يتمكن السامع من عدها (أو ترسيل) شك من الراوي ومعنى الترتيل والترسيل واحد وفي بعض النسخ بالواو فهو عطف تفسير قال المنذري الراوي عن جابر مجهول (كلاما فصلا) أي مفصولا بين أجزائه وواضحا والحديث سكت عنه المنذري (كل كلام) وفي رواية ابن ماجه كل أمر ذي بال قال في النهاية أمر ذو بال أي شريف يحتفل به ويهتم (فهو) أي ذلك الكلام (أجذم) قال الخطابي معناه المنقطع الأبتر الذي لا
[ 127 ]
نظام له وفسره أبو عبيد فقال الأجذم المقطوع اليد انتهى وفي رواية ابن ماجه أقطع أي مقطوع البركة على وجه المبالغة أي أقطع من كل مقطوع قال المنذري قال فيه زعم الوليد عن الأوزاعي وذكر أن جماعة رووه عن الزهري مرسلا وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا وأخرجه ابن ماجه وقال فيه أقطع وفي إسناده قرة وهو ابن عبد الرحمن بن حيويل المعافري المصري كنيته أبو محمد ويقال أبو حيويل قال الامام أحمد منكر الحديث (باب في الخطبة) (كل خطبة) بضم الخاء وقال القاري بكسر الخاء وهي التزوج والظاهر هو الأول (ليس فيها تشهد) وفي رواية شهادة وأراد الشهادتين من إطلاق الجزء على الكل قاله المناوي وقال القاري أي حمد وثناء على الله ونقل عن التوربشتي أن أصل التشهد قولك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله (فهي كاليد الجذماء) أي المقطوعة التي لا فائدة فيها لصاحبها والجذم سرعة القطع وقيل الجذماء من الجذام وهو داء معروف تنفر عنه الطباع قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب انتهى فائدة : اعلم أن السنة في ابتداء جميع الأمور الحسنة أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع وهو حديث حسن كما ستقف عليه ولا يقتصر على بسم الله إلا في المواضع التي ثبت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاقتصار على بسم الله فالسنة في هذه المواضع الاقتصار على لفظ بسم الله .
[ 128 ]
والتفصيل أن الأحاديث الواردة في التسمية على أربعة أقسام الأول ما وقع فيه بسم الله الرحمن الرحيم تاما كحديث علي رضي الله عنه مرفوعا إذا وقعت في ورطة فقل بسم الله الرحمن الرحيم رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة وكحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال مرضت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذني فعوذني يوما فقال بسم الله الرحمن الرحيم أعيذك بالله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد الحديث رواه ابن السني وكحديث أبي هريرة الذي رواه النسائي وابن خزيمة والسراج وابن حبان وغيرهم من طريق سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين فقال آمين وقال الناس آمين الحديث وفي آخره إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره الحافظ في الفتح والقسم الثاني ما وقع فيه لفظ بسم الله فقط من غير زيادة عليه كحديث عبد الرحمن بن جبير أنه حدثه رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعاما يقول بسم الله فإذا فرغ من طعامه قال اللهم أطعمت وسقيت الحديث رواه ابن السني قال النووي في الأذكار بإسناد حسن وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لربيبه عمر بن أبي سلمة قل بسم الله وكل بيمينك الحديث رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم لأسامة بن عمير لا تقل هكذا (أي تعس الشيطان) فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ولكن قل بسم الله فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة رواه النسائي في اليوم والليلة وابن مردويه في تفسيره كذا في تفسير ابن كثير رحمه الله والقسم الثالث ما وقع فيه بسم الله مع زيادة معه غير لفظ الرحمن الرحيم كحديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا إذا وضعتم موتاكم في القبر فقولوا بسم الله وعلى ملة رسول الله رواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن . وكحديث عثمان رضي الله عنه مرفوعا ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء الحديث رواه الترمذي وابن ماجه وأبو داود . وكحديث ابن عباس مرفوعا لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا الحديث رواه الشيخان وكحديث أنس رضي الله عنه قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر قال رأيته واضعا قدمه على صفاحهما ويقول بسم الله والله أكبر رواه الشيخان
[ 129 ]
والقسم الرابع ما وقع فيه ذكر اسم الله من غير تصريح بلفظ بسم الله الرحمن الرحيم ولا بلفظ بسم الله كحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا إذا أكل أحدكم طعاما فليذكر اسم الله الحديث رواه أبو داود والترمذي وكحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وابن السكن والحاكم والبيهقي قاله الحافظ وكحديث جابر إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمر بالليل فتعوذوا بالله من الشيطان واذكروا اسم الله عليها رواه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود في سننه وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وغير ذلك من الأحاديث ففي المواضع التي ثبت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول ببسم الله الرحمن الرحيم بتمامه لا يحصل السنة إلا بقوله تاما وكاملا وإن اقتصر في تلك المواضع على بسم الله أو على بسم الله الرحمن لا يحصل السنة البتة وفي المواضع التي ثبت فيها الاقتصار على لفظ بسم الله من غير زيادة عليه فالمسنون في تلك المواضع القصر يفعل النبي صلى الله عليه وسلم والتكميل بقوله صلى الله عليه وسلم لأن هذه المواضع داخلة تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع فكيف يكون من قال في هذه المواضع بسم الله الرحمن الرحيم تاما وكاملا مبتدعا وكيف يكون قوله بدعة بل يكون سنة قوليا وفي الاختيارات العلمية في اختيارات الشيخ ابن تيمية ويقول عند الأكل بسم الله الرحمن الرحيم كاملا فإنه أكمل بخلاف الذبح انتهى وأما المواضع التي ورد فيها بسم الله مع زيادة عليه غير لفظ الرحمن الرحيم فالمسنون فيها أن يقتصر على بسم الله مع تلك الزيادة وليس لأحد أن يزيد بين بسم الله وبين تلك الزيادة لفظ الرحمن الرحيم لأن مجموع بسم الله وتلك الزيادة دعاء واحدا وذكر واحد ولم يثبت جواز زيادة بين كلمات دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لأحد أن يقول عند الذبح بسم الله الرحمن الرحيم والله أكبر وأما المواضع التي جاء فيها ذكر اسم الله من غير تصريح ببسم الله الرحمن الرحيم أو ببسم الله فالافضل أن يقول فيها بسم الله الرحمن الرحيم بتمامه من ثلاثة وجوه الاول أنه إذا أتى في هذه المواضع ببسم الله الرحمن الرحيم بتمامه كان محرزا ما ورد في القول ببسم الله الرحمن الرحيم بتمامه من الفضيلة
[ 130 ]
والوجه الثاني أنه إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم بتمامه فقد أتى بما هو المراد من ذكر اسم الله بيقين وأما إذا أتى ببسم الله فقط أو بلفظ آخر مثلا بالرب أو بالخالق فلا شك أنه أتى بذكر اسم الله لكن فيه احتمال أن يكون المراد من ذكر اسم الله هو القول ببسم الله الرحمن الرحيم بتمامه وكماله كما هو المعهود في كثير من المواضع والوجه الثالث عموم قوله صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع وهو حديث حسن قال النووي في الأذكار وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه ومسند أبي عوانه الاسفرايني المخرج على صحيح مسلم رحمهم الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع وفي رواية بحمد الله وفي رواية بالحمد فهو أقطع وفي رواية كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم وفي رواية كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع روينا هذه الألفاظ كلها في كتاب الاربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي وهو حديث حسن وقد روى موصولا كما ذكرنا وروى مرسلا رواية الموصل جيدة الإسناد وإذا روى الحديث موصولا ومرسلا فالحكم للاتصال عند جمهور العلماء لأنها زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير انتهى وقال في شرح صحيح مسلم وإنما بدأ بالحمد لله لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل أمر ذي بال لا يبدأ بالحمد لله فهو أقطع وفي رواية بحمد الله وفي رواية بالحمد فهو أقطع وفي رواية أجذم وفي رواية لا يبدأ فيه بذكر الله تعالى وفي رواية ببسم الله الرحمن الرحيم روينا كل هذه في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي بسماعنا من صاحبه الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن سالم الأنباري عنه ورويناه فيه أيضا من رواية كعب بن مالك الصحابي رضي الله عنه والمشهور ورواية أبي هريرة وهذا الحديث حسن رواه أبو داود وابن ماجه في سننهما ورواه النسائي في كتابه عمل اليوم والليلة وروي موصولا ومرسلا ورواية الموصول إسنادها جيد انتهى وفي فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ابتدأ كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بحديث كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع أخرجه ابن حبان من طريقين قال ابن الصلاح والحديث حسن ولأبي داود وابن ماجه كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أو بالحمد فهو أقطع ولأحمد كل أمر ذي بال لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر وأقطع انتهى
[ 131 ]
فالحاصل أن هذه الوجوه تدل على أن في هذه المواضع الأفضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم بتمامه وإن قال بسم الله فقط فقد ذكر اسم الله بلا شبهة وكفاه ولذلك قال النووي في الأذكار من أهم ما ينبغي أن يعرف صفة التسمية وقدر المجزئ منها فاعلم أن الافضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم فإن قال بسم الله كفاه وحصلت السنة وسواء في هذا الجنب والحائض وغيرهما انتهى وأما تعقب الحافظ بن حجر على كلام النووي هذا في فتح الباري بقوله وأما قول النووي في أدب الأكل من الأذكار صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته والافضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم فإن قال بسم الله كفاه وحصلت السنة فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلا خاصا انتهى فمتعقب كيف وقد رأيت وجوها ثلاثة للافضلية هذا عندي والله تعالى أعلم (باب في تنزيل الناس منازلهم) (فأعطته كسرة) بكسر أوله أي قطعة من خبز ونحوه (فقيل لها) أي لعائشة (في ذلك) أي المذكور من صنيعها بالمارين بها والمعنى قيل لعائشة لم فرقت بينهما حيث أعطيت الأول كسرة وأقعدت الثاني وأطعمته (أنزلوا الناس منازلهم) أي عاملوا كل أحد بما يلائم منصبه في الدين والعلم والشرف قال العزيزي والمراد بالحديث الحض على مراعاة مقادير الناس ومراتبهم ومناصبهم وتفضيل بعضهم على بعض في المجالس وفي القيام وغير ذلك من الحقوق (قال أبو داود ميمون لم يدرك عائشة) قال المنذري وقيل لأبي حاتم الرازي ميمون بن أبي شبيب عن عائشة متصل قال لا انتهى كلام المنذري وقال النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم في فصل التعليق وأما قول مسلم في خطبة
[ 132 ]
كتابه وقد ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم فهذا بالنظر إلى إن لفظه ليس جازما لا يقتضي حكمه بصحته وبالنظر إلى أنه احتج به وأورده إيراد الأصول لا إيراد الشواهد يقتضي حكمه بصحته ومع ذلك فقد حكم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه كتاب معرفة علوم الحديث بصحته وأخرجه أبو داود في سننه بإسناده منفردا به وذكر أن الراوي له عن عائشة ميمون بن أبي شبيب ولم يدركها قال الشيخ ابن الصلاح وفيما قاله أبو داود نظر فإنه كوفي متقدم قد أدرك المغيرة ابن شعبة ومات المغيرة قبل عائشة وعند مسلم التعاصر مع إمكان التلاقي كاف في ثبوت الإدراك فلو ورد عن ميمون أنه قال لم ألق عائشة استقام لابي داود الجزم بعدم إدراكه وهيهات ذلك انتهى قال النووي وحديث عائشة هذا قد رواه البزار في مسنده وقال هذا الحديث لا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه وقد روى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا انتهى (أخبرنا عبد الله بن حمران) بضم الحاء المهملة (عن زياد بن مخراق) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة (إن من إجلال الله) أي تبجيله وتعظيمه (إكرام ذي الشيبة المسلم) أي تعظيم الشيخ الكبير في الإسلام بتوقيره في المجالس والرفق به والشفقة عليه ونحو ذلك كل هذا من كمال تعظيم الله لحرمته عند الله (وحامل القرآن) أي وإكرام حافظه وسماه حاملا له لما تحمل لمشاق كثيرة تزيد على الأحمال الثقيلة قاله العزيزي وقال القاري أي وإكرام قارئه وحافظه ومفسره (غير الغالي) بالجر (فيه) أي في القرآن والغلو التشديد ومجاوزة الحد يعني غير المتجاوز الحد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانية وفي حدود قراءته ومخارج حروفه قاله العزيزي (والجافي عنه) أي وغير المتباعد عنه المعرض عن تلاوته وإحكام قراءته وإتقان معانيه والعمل بما فيه وقيل الغلو المبالغة في التجويد أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عن تدبر المعنى والجفاء أن يتركه بعد ما علمه لا سيما إذا كان نسيه فإنه عد من الكبائر قال في النهاية ومنه الحديث اقرؤا القران ولا تجفوا عنه أي تعاهدوه أبو ولا تبعدوا عن تلاوته بأن تتركوا قراءته وتشتغلوا بتفسيره وتأويله ولذا قيل اشتغل بالعلم بحيث لا يمنعك عن العمل واشتغل بالعمل بحيث لا يمنعك عن العلم وحاصله أن كلا من طرفي الإفراط والتفريط مذموم والمحمود هو الوسط العدل المطابق لحاله
[ 133 ]
صلى الله عليه وسلم في جميع الأقوال والأفعال كذا في المرقاة شرح المشكاة (وإكرام ذي السلطان المقسط) بضم الميم أي العادل قال المنذري أبو كنانة هذا هو القرشي ذكر غير واحد أنه سمع من أبي موسى (باب في الرجل يجلس بين الرجلين بغير إذنهما (لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما) كذا في جميع النسخ الحاضرة لا يجلس بالتحتية وضبط في بعضها بالقلم بفتح التحتية وقال العلقمي بضم أوله بالبناء للمجهول وفي المشكاة لا تجلس بالمثناة والحديث قال المنذري وأشار إليه الترمذي (لا يحل لرجل أن يفرق) بتشديد الراء (بين اثنين) بأن يجلس بينهما (إلا بإذنهما) لأنه قد يكون بينهما محبة ومودة وجريان سر وأمانة فيشق عليهما التفريق بجلوسه بينهما قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن وقد تقدم الإختلاف في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب (باب في جلوس الرجل) (عن ربيح) بالتصغير (احتبى بيده) زاد البزار ونصب ركبتيه أي جمع ساقيه إلى بطنه
[ 134 ]
مع ظهره بيديه عوضا عن جمعهما بثوب فالإحتباء) باليدين غير منهي عنه إلا إذا كان ينتظر الصلاة كما في حديث كذا في السراج المنير (قال أبو داود عبد الله بن إبراهيم شيخ منكر الحديث) قال المنذري وفي إسناده إيضا ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال الامام أحمد ربيح ليس بمعروف . (صفية ودحيبة) بضم الدال وفتح الحاء المهملتين وسكون التحتانية (ابنتا عليبة) بالتصغير (قال موسى بنت حرملة) أي قال موسى في روايته ابنتا عليبة بنت حرملة فنسبها إلى أبيها حرملة وهو ابن عبد الله العنبري (وكانتا) أي صفية ودحيبة (قيلة) بفتح القاف وسكون الياء (و كانت) أي قيلة (جدة أبيهما) ضمير التثنية لصفية ودحيبة (أنها) أي قيلة (وهو قاعد القرفصاء) بالنصب على أنه مفعول مطلق بضم القاف وسكون الراء وضم الفاء وفتحها ممدودا قال الخطابي هو جلسة المحتبي وليس هو المحتبي بثوبه ولكنه الذي يحتبي بيديه انتهى . وفي القاموس القرفصى مثلثة القاف والفاء مقصورة والقرفصاء بالضم والقرفصاء بضم القاف والراء على الاتباع أن يجلس على إليتيه ويلصق فخديه ببطنه ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه أو يجلس على ركبتيه منكبا ويلصق بطنه بفخديه عبد ويتأبط كفيه انتهى (المختشع وقال موسى المتخشع) الأول من باب الافتعال والثاني من باب التفعل أي الخاشع الخاضع المتواضع والظاهر أنه حال على مجاوزة الكوفيين في قول لبيد وأرسلها العراك ولم يذدها مع أن تأويل البصريين قد يأتي هنا أيضا بأنه معرفة موضوعة موضع النكرة وقيل إنه صفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أرعدت) بصيغة المجهول أي أخذتني الرعدة والاضطراب والحركة (من الفرق) بفتحتين أي من أجل الخوف والمعنى هبته مع خضوعه وخشوعه .
[ 135 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن حسان هذا آخر كلامه وعبد الله بن حسان كنيته أبو الحسد تميمي غنوى حديثه في البصريين ودحيبة بضم الدال وفتح الحاء المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء بواحدة مفتوحة وتاء تأنيث وعليبة (بضم العين المهملة وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء بواحدة مفتوحة وتاء تأنيث وقد مر طرف من هذا الحديث في كتاب الخراج وهو حديث طويل وذكر أبو عمر النمري قيلة بنت مخرمة وقد شرح حديثها أهل العلم بالغريب وهو حديث حسن (باب في الجلسة المكروهة) (وأنا جالس هكذا) المشار إليه مفسر بقوله (وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي) أي اليمنى والألية بفتح الهمزة اللحمة التي في أصل الإبهام (فقال أتقعد قعدة المغضوب عليهم) القعدة بالكسر للنوع والهيئة قال الطيبي والمراد بالمغضوب عليهم اليهود قال القاري في كونهم هم المراد من المغضوب عليهم ههنا محل بحث وتتوقف صحته على أن يكون هذا شعارهم والأظهر أن يراد بالمغضوب عليهم أعم من الكفار والفجار المتكبرين المتجبرين ممن تظهر آثار العجب والكبر عليهم من قعودهم ومشيهم ونحوها نعم ورد في حديث صحيح أن المغضوب عليهم في سورة الفاتحة هم اليهود انتهى والحديث سكت عنه المنذري (باب في السمر بعد العشاء) السمر بفتحتين من المسامرة الحديث بالليل وبسكون الميم مصدر وأصل السمر لون
[ 136 ]
ضوء القمر لأنهم كانوا يتحدثون فيه (ينهي عن النوم قبلها) أي قبل صلاة العشاء لما فيه من خوف فوت الجماعة (والحديث بعدها) أي المحادثة بعدها لأنه يؤدي إلى الإكثار فيؤدي إلى تفويت قيام الليل بل صلاة الصبح أيضا قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه في أثناء حديث أبي برزة الطويل في المواقيت (باب في الرجل يجلس متربعا) هو أن يقعد على وركيه ويمد ركبته اليمنى إلى جانب يمينه وقدمه اليمنى إلى جانب يساره واليسرى بالعكس (تربع في مجلسه) أي جلس مربعا واستمر عليه (حتى تطلع الشمس حسناء) على وزنه فعلاء حال من الشمس أي نقية بيضاء زائلة عنها الصفرة التي تتخيل عند الطلوع وفي بعض النسخ بفتحتين وبالتنوين فهو مفعول مطلق أي طلوعا ظاهرا بينا قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (باب في التناجي) (لا ينتجي اثنان) أي لا يتكلما بالسر يقال انتجى القوم وتناجوا أي سار بعضهم بعضا (دون صاحبهما) أي مجاوزين عنه غير مشاركين له (فإن ذلك) أي التناجي (يحزنه) بضم أوله وكسر ثالثه .
[ 137 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (فقلت لابن عمر فأربعة) أي التناجي المنهي عنه هو إذا كانوا ثلاثة فأما إذا كانوا أربعة ويتناجى أن اثنان دون اثنين فأجاب ابن عمر بقوله (لا يضرك) أي لاستئناس الثالث بالرابع قال النووي في هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث وكذا ثلاثة وأكثرهم بحضرة واحد وهو نهي تحريم فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن ومذهب ابن عمر رضي الله عنه ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء أن النهي عام في كل الازمان وفي الحضر والسفر وأما إذا كانوا أربعة فتناجى اثنان دون اثنين فلا بأس بالاجماع قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم من حديث نافع عن ابن عمر بنحوه (باب إذا قام من مجلسه ثم رجع) (وعنده) أي عند أبي (فقام) أي الغلام (إذا قام الرجل من مجلس الخ) قال النووي ما ملخصه إن هذا الحديث فيمن جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا ثم فارقه ليعود بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلا يسيرا ثم يعود لم يبطل اختصاصه بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة وله أن يقيم من قعد فيه ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا فهذا أحق به في الحالين و إنما يكون أحق به في تلك الصلاة وحدها دون غيرها انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه (أخبرنا مبشر) بكسر الشين المعجمة الثقيلة (كنت أختلف إلى أبي الدرداء) أي أتردد
[ 138 ]
إليه والاختلاف بالفارسية امد وشدداشتن على (فقام) عطف على جلس (نزع نعليه) خلعهما وتركهما هناك وهو جواب الشرط (أو بعض ما يكون عليه) أي من رداء أو عمامة أو غيرهما (فيعرف ذلك) أي إرادة رجوعه (فيثبتون) أي في مكانهم ولا يتفرقون عنه قال المنذري في إسناده تمام بن نجيح الأسدي وقيل إنه دمشقي وقيل مولده بملطية وسكن حلبا . [ قال في القاموس بفتح الميم واللام وسكون الطاء مخففة بلد كثير الفواكه شديد البرد ] قال يحيى بن معين ثقة قال ابن عدي غير ثقة وعامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه وقال أبو حاتم الرازي منكر الحديث ذاهب وقال ابن حبان منكر الحديث جدا يروي أشياء موضوعة من الثقات كأنه المتعمد لها وانتقد عليه أحاديث هذا من جملتها (باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله) (إلا قاموا عن مثل جيفة حمار) أي مثلها في النتن والقذارة . وذلك لما يخوضون من الكلام في أعراض الناس وغير ذلك (وكان) أي ذلك المجلس (لهم) وفي بعض النسخ عليهم (حسرة) يوم القيامة أي ندامة لازمة لهم لاجل ما فرطوا في مجلسهم ذلك من ذكر الله تعالى . قال المنذري : وأخرجه النسائي .
[ 139 ]
(كانت عليه من الله ترة) على وزن عدة أي حسرة ونقصانا وهو منصوب على الخبرية وضمير كانت راجعة إلى القعدة . قال الخطابي أصل الترة النقص ومعناها ههنا التبعة يقال وترت الرجل ترة على وزن وعدته عدة انتهى . وفي النهاية ترة أي نقصانا والهاء فيه عوض من الواو المحذوفة انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده محمد بن عجلان وفيه مقال (باب في كفارة المجلس) (عند قيامه) أي من ذلك المجلس (إلا كفر) بالبناء للمفعول (بهن) أي بسبب تلك الكلمات (عنه) أي ما وقع فيه من اللغو (إلا ختم) بصيغة المجهول (له) أي للمتكلم (عليه) أي على الخير والمعنى أن تلك الكلمات تكون موجبة لأحكام ذلك الخير والذكر (سبحانك اللهم الخ) بدل من كلمات والحديث سكت عنه المنذري (نحو ذلك) قال المنذري وقد أخرجه الترمذي والنسائي من حديث سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه لا يعرف من حديث سهيل إلا من هذا الوجه
[ 140 ]
(يقول بأخرة) بفتح الهمزة والخاء أي في آخر جلوسه أو في آخر عمره
[ 141 ]
(فيما مضى) أي من مدة عمرك (كفارة) أي هذا القول كفارة (لما يكون في المجلس) أي من اللغو قال المنذري وأخرجه النسائي (باب في رفع الحديث من المجلس) أي نقل الحديث إلى الغير (ونسبه لنا زهير بن حرب) يعني نسب زهير بن حرب الوليد إلى أبيه أبي هشام وهذا مقول المؤلف (قال) أي زهير بن حرب (الوليد بن أبي هشام) هذا بيان لقوله نسبه لنا زهير بن حرب (لا يبلغني) بتشديد اللام ويخفف أي لا يوصلني (عن أحد) أي عن قبل أحد (شيئا) أي مما أكرهه وأغضب عليه (فإني أحب أن أخرج إليكم) أي من البيت وألاقيكم (وأنا سليم الصدر) أي من مساويكم جملة حالية
[ 142 ]
قال ابن الملك والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يخرج من الدنيا وقلبه راض عن أصحابه من غير سخط على أحد منهم وهذا تعليم للأمة أو من مقتضيات البشرية انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال غريب من هذا الوجه هذا آخر كلامه وفي إسناده الوليد بن أبي هشام قال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور (باب في الحذر من الناس) (عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء) بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة والمد هكذا في أكثر النسخ وكذا ضبطه الحافظ في الإصابة وهكذا في التقريب وهو الصحيح وفي بعض النسخ بالعين المهملة وهكذا في الخلاصة والحديث أخرجه أيضا أحمد في مسنده من طريق نوح بن يزبد مثله فقال فيه عبد الله بن عمرو بن الفغواء كما عند المؤلف وهكذا رواه يحيى بن معين عن نوح بن يزيد فقال فيه عبد الله بن عمرو بن الفغواء أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب وأما عمر بن شبة والبغوي فأخرجاه من طريق محمد بن إسحاق عن عيسى ابن معمر فقال فيه عبد الله بن علقمة بن الفغواء عن أبيه فذكر الحديث قال الحافظ في الاصابة علقمة بن الفغواء الخزاعي قال ابن حبان وابن الكلبي له صحبة ثم ساق هذا الحديث من روايته ثم قال وهو عند أبي داود وغيره من طريق ابن إسحاق لكن قال عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء عن أبيه ولعلقمة حديث آخر وقال في ترجمة عمرو بن الفغواء هو أخو علقمة قال ابن السكن له صحبة وأخرج له أبو داود حديثا تقدم في ترجمة أخيه علقمة انتهى (يقسمه في قريش بمكة) ولفظ عمر بن شبة والبغوي كما في الإصابة بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال إلى أبي سفيان بن حرب في فقراء قريش وهم مشركون يتألفهم (إلتمس صاحبا) أي رفيقا لأجل السفر (إذا هبطت) أي نزلت (بلاد قومه) الضمير لعمرو بن أمية
[ 143 ]
ولفظ ابن شبة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي دونه يا علقمة إذا بلغت بلاد بني ضمرة فكن من أخيك من حذر فإني قد سمعت قول القائل أخوك البكري لا تأمنه (فاحذره) أي خفه يشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاف من عمرو بن أمية ولم يأمن منه من أن يخبر قومه بالمال الذي مع عمرو ابن الفغواء ويشيرهم الله بأخذ المال فيقطعون الطريق ويجادلون عمرو بن الفغواء ويغلبونه ويأخذون المال عنه بالقهر والظلم ولعل هذا الخوف من عمرو بن أمية وعدم الطمأنينة كان في أول الاسلام ثم صار بعد ذلك من خيار الصحابة وأجلائهم والله أعلم (فإنه) أي الشأن (أخوك البكري) بكسر الباء أول ولد الأبوين أي أخوك شقيقك احذره (فلا تأمنه) فضلا عن الاجنبي فأخوك مبتدأ والبكري نعته والخبر محذوف تقديره يخاف منه والقصد التحذير من الناس حتى الأقرب كذا في السراج المنير وقال الخطابي هذا مثل مشهور للعرب وفيه إثبات الحذر واستعمال سوء الظن وأن ذلك إذا كان على وجه طلب السلامة من شر الناس لم يأثم به صاحبه انتهى والحاصل أنه لا ينبغي أن يعتمد حق الاعتماد في السفر على كل أحد من الناس لان النية قد تتبدل بأدنى أحوال وتتغير بأقل شئ فلا يعتبر بها بل لا بد لكل عابر سبيل أن يراعى حاله ويحفظ متاعه ولا يتكل على غيره (فخرجنا حتى إذا كنت بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الباء والمد جبل بين مكة والمدينة وعنده بلد ينسب إليه كذا في النهاية وفي مراصد الاطلاع الأبواء قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا وقيل جبل عن يمين المصعد إلى مكة من المدينة انتهى (قال) أي عمرو بن أمية (إني أريد حاجة إلى قومي) والظاهر أن عمرا ليس له حاجة إلى قومه إلا إخباره لقومه بالمال (بودان) بفتح الواو وتشديد الدال قرية جامعة قريبا من الجحفة (فتلبث) أي تمكث وتقف (قلت راشدا) أي سر راشدا قال في المصباح الرشد الصلاح وهو خلاف الغي والضلال وهو إصابة الصواب انتهى (فلما ولى) أي أدبر عمرو بن أمية وذهب إلى قومه (ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم) أي إذا هبطت بلاد قومه فاحذره
[ 144 ]
(فشددت على بعيري) أي أسرعت السير راكبا على بعيري قال في لسان العرب شد في العدو شدا واشتد أسرع وعدا (حتى خرجت) أي من الابواء (أوضعه) بصيغة المضارع المتكلم من الايضاع أي أسرع البعير وأحمله على العدو قال في لسان العرب وضع البعير إذا عدا وأوضعته إذا حملته عليه وقال الخطابي الايضاع الإسراع في السير والجملة حال من ضمير خرجت أي حتى خرجت من الابواء مسرعا بعيري وحاملا إياه على العدو (حتى إذا كنت بالأصافر) قال في مراصد الاطلاع الأصافر جمع أصفر ثنايا سلكها النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى بدر وقيل الاصافر جبال مجموعة تسمى بهذا انتهى (إذا) للمفاجأة (هو) أي عمرو بن أمية (يعارضني) قال في لسان العرب عارض الشئ بالشئ معارضة قابله وفلان يعارضني أي يباريني قال وقال في منتهى الارب باراه مباراة برابري عن ونبرد من نمود في باوي بن دركاري . والمعنى حتى إذا وصلت بالأصافر فإذا عمرو بن أمية موجود حال كونه يقابلني ويباريني سنة ليقطع الطريق ويأخذ المال الذي معي (في رهط) حال من فاعل يعارض أي كائنا في رهط والرهط عدد يجمع من ثلاثة إلى عشرة وبعض يقول من سبعة إلى عشرة وما دون السبعة إلى الثلاثة نفر وقيل الرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة كذا في اللسان (وأوضعت) أي البعير وحملته على العدو وهذا الإيضاع من عمرو بن الفغواء كان لاجل أن يسبق عمرو بن أمية ورهطه ولا يلحقوه وكان شده على بعيره من الأبواء لكي يخرج منه ولا يلاقيه عمرو ابن أمية بعد رجوعه من قومه (فسبقته) الضمير المنصوب لعمرو بن أمية أي سبقت عمرو بن أمية ورهطه ولم يجدوني (فلما رأى) أي عمرو بن أمية (أي قد فته) بصيغة المتكلم من فات يفوت (انصرفوا) أي رهط عمرو بن أمية والمعنى لما رأى عمرو بن أمية ورهطه أني تجاوزت عنهم ويئسوا مما أرادوا رجع رهط عمرو (و) لكن عمرو (جاءني) أي لم يرجع بل سار حتى جاءني (فقال كانت لي إلى قومي حاجة) إنما قال عمرو بن أمية هذا لئلا يطلع عمرو بن الفغواء على ما أراد من قطع الطريق وأخذ المال ولكن قد كان هو مطلعا على هذا من قبل لقوله صلى الله عليه وسلم إذا هبطت بلاد قومه فاحذره (قلت أجل) أي نعم كان لك إلى قومك حاجة وإنما قال هذا على حسب الظاهر وإلا فقد كان واقفا على ما ذهب عمرو بن أمية إلى قومه لأجله (ومضينا) أي سرنا
[ 145 ]
قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد تقدم الكلام عليه (لا يلدغ) بصيغة المجهول واللدغ بالفارسية كزيدن ماروكردم عمرو (من جحر) بضم جيم وسكون حاء أي ثقب وخرق (مرتين) أي مرة بعد أخرى قال الخطابي في المعالم هذا يروي على وجهين من الاعراب أحدهما بضم اللين على الخبر معناه أن المؤمن الممدوح هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى وهو لا يفطن لذلك ولا يشعر به وقد قيل إنه عليه السلام أراد به الخداع في أمر الاخرة دون أمر الدنيا والوجه الآخر أن تكون الرواية بكسر الغين على النهي يقول عليه السلام لا يخدعن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر وهو لا يشعر وليكن حذرا مستيقظا وهذا قد يصلح أن يكون في أمر الدنيا والآخرة انتهى والحديث ورد حين أسر النبي صلى الله عليه وسلم أبا غرة الشاعر يوم بدر فمن عليه وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه وأطلقه فلحق بقومه ثم رجع إلى التحريض والهجاء ثم أسره يوم أحد فسأله المن فقاله قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه (باب في هدي الرجل) بفتح الراء المهملة وسكون الجيم جمع راجل وهو خلاف الفارس والهدي السيرة أي هذا باب في سيرة الماشين على القدمين ويحتمل أن يكون الرجل بفتح الراء وضم الجيم ولكن ليس المراد منه ههنا معناه المعروف أعني الذكر من نوع الانسان خلاف المرأة بل المراد هو الراجل خلاف الفارس لان الرجل قد يطلق على الراجل قال في لسان العرب قد يأتي رجل بمعنى راجل قال الزبرقان بن بدر : آليت لله حجا حافيا رجلا * إن جاوز النخل يمشي وهو مندفع وقال في المصباح المنير ويطلق الرجل على الراجل وهو خلاف الفارس وجمع الراجل رجل مثل صاحب وصحب انتهى .
[ 146 ]
(كأنه يتوكأ) قال الأزهري الاتكاء في كلام العرب يكون بمعنى السعي الشديد كذا في السراج المنير وقال في فتح الودود أي يميل إلى قدام والحديث سكت عنه المنذري (كأنما يهوي في صبوب) أي ينزل في موضع منخفض قال الخطابي في ملخصه إن الصبوب بفتح الصاد اسم لما يصب على الإنسان من ماء ونحوه ومن رواه الصبوب بضم الصاد على أنه جمع الصبب وما انحدر من الأرض فقد خالف القياس لأن باب فعل لا يجمع على فعول بل على أفعال كسبب وأسباب وقد جاء في أكثر الروايات كأنما يمشي في صبب وهو المحفوظ انتهى وفي النهاية وفي صفته صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط في صبب أي في موضع منحدر وفي رواية كأنما يهوى من صبوب يروي بالفتح والضم فالفتح اسم لما يصب على الإنسان من ماء وغيره كالطهور والغسول والضم جمع صبب انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي بنحوه . (باب في الرجل يضع إحدى رجليه على الأخرى) (أخبرنا حماد) هو ابن سلمة فحماد والليث كلاهما يرويان عن أبي الزبير (وقال قتيبة يرفع) أي مكان يضع (وهو مستلق على ظهره) الواو للحال أي حال كونه مضطجعا على ظهره
[ 147 ]
قال الخطابي إنما نهى عن ذلك من أجل انكشاف العورة إذ كان لباسهم الأزر دون السراويلات والغالب أن أزرهم غير سابغة والمستلقي إذا رفع إحدى رجليه على الأخرى مع ضيق الازار لم يسلم أن ينكشف شئ من فخذه والفخذ هو عورة فأما إذا كان الإزار سابغا أو كان لابسه عن التكشف متوقيا فلا بأس به وهو وجه الجمع بين الخبرين أي بين هذا الخبر والخبر الاتي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي مختصرا ومطولا (عن عمه) وهو عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني (قال القعنبي في المسجد) وأما النفيلي فلم يقل في روايته لفظ في المسجد (واضعا) حال متداخلة أو مترادفة وقد تقدم وجه الجمع بين هذا الحديث والحديث السابق وقد قيل إن وضع إحدى الرجلين على الاخرى يكون على نوعين أن تكون رجلاه ممدودتين إحداهما فوق الأخرى ولا بأس بهذا فإنه لا ينكشف من العورة بهذه الهيئة وأن يكون ناصبا ساق إحدى الرجلين ويضع الرجل الأخرى على الركبة المنصوبة وعلى هذا فإن لم يكن انكشاف العورة جاز وإلا فلا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
[ 148 ]
(يفعلان ذلك) المذكور من وضع إحدى الرجلين على الأخرى حال الاستلقاء قال المنذري وذكره البخاري في عقب حديث عباد بن تميم فقال وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال كان عمر وعثمان يفعلان ذلك هذا آخر كلامه وسعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر وأدرك عثمان ولا يحفظ يحيى له عنه رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (باب في نقل الحديث) (إذا حدث الرجل) أي عند أحد (بالحديث) أي الذي يريد إخفاءه (ثم التفت) أي يمينا وشمالا احتياطا (فهي) أي ذلك الحديث وأنت باعتبار خبره وقيل لأن الحديث بمعنى الحكاية (أمانة) أي عند من حدثه أي حكمه حكم الأمانة فلا يجوز إضاعتها بإشاعتها قال ابن رسلان لان التفاته إعلام لمن يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد وأنه قد خصه سره فكان الالتفات قائما مقام اكتم هذا عني أي خذه عني واكتمه وهو عندك أمانة انتهى وقال العلقمي أي إذا حدث أحد عندك بحديث ثم غاب صار حديثه أمانة عندك ولا يجوز إضاعتها ففسر التفت بغاب والظاهر هو الاول قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب هذا آخر كلامه وفي إسناده عبد الرحمن بن عطاء المدني قال البخاري عنده مناكير وقال أبو حاتم الرازي شيخ قيل له أدخله البخاري في كتب الضعفاء قال يحول من ههنا وقال الموصلي عبد الرحمن بن عطاء عن عبد الملك بن جابر لا يصح (المجالس بالامانة) قال ابن رسلان الباء تتعلق بمحذوف والتقدير تحسن المجالس أو
[ 149 ]
حسن المجالس وشرفها بأمانة حاضرها لما يحصل في المجالس ويقع في الاقوال والافعال فكأن المعنى ليكن صاحب المجلس أمينا لما يسمعه أو يراه انتهى ملخصا (إلا ثلاثة مجالس) قال المناوي هو استثناء منقطع وقال في المرقاة أي إحدى الثلاثة من المجالس والمعنى ينبغي للمؤمن إذا رأى أهل مجلس على منكر أن لا يشيع ما رأى منهم إلا ثلاثة مجالس انتهى (سفك دم) يجوز فيه النصب على البدل والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدها سفك دم أي مجلس إراقة دم (حرام) بالجر صفة دم أي دم حرام سفكه أو دم محترم في الشرع (أو فرج حرام) عطف على سفك دم أي وطئه على وجه الزنا (بغير حق) متعلق بالاقتطاع الرحمن فمن قال في مجلس أريد قتل فلان أو الزنا بفلانة أو أخذ مال فلان فلا يجوز للمستمع كتمه بل عليه إفشاؤه دفعا للمفسدة قال المنذري ابن أخي جابر مجهول وفي إسناده عبد الله بن نافع الصائغ مولى بني مخزوم مدني كنيته أبو محمد وفيه مقال انتهى وقال المناوي إسناده حسن (إن من أعظم الأمانة) أي من أعظم خيانة الأمانة (الرجل) بالنصب اسم إن على حذف مضاف أي خيانة الرجل (يفضي إلى امرأته) أي يصل إليها ويباشرها (ثم ينشر) بفتح الياء وضم الشين أي يظهر (سرها) أي ما جرى بينه وبينها من أمور الاستمتاع والمعنى أن نشر الرجل وإفشاءه وكان ما جرى بينه وبين امرأته حال الاستماع بها من أعظم خيانة الامانة قال المنذري وأخرجه مسلم وفي لفظ لمسلم إن من شر الناس عند الله منزله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها (باب في القتات) بفتح القاف وتشديد التاء النمام والنميمة نقل الكلام على وجه الفساد
[ 150 ]
(لا يدخل الجنة) أي في أول وهلة كما في نظائره (قتات) ووقع في رواية لمسلم بلفظ " نمام " وهما بمعنى وقيل الفرق بين القتات والنمام أن النمام الذي يحضر القصة فينقلها والقتات الذي يتسمع من حيث لا يعلم به ثم ينقل ما سمعه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (باب في ذي الوجهين) (الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه) أي الآخر وهو تفسير لذي الوجهين قال النووي هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة قال فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الناس فهو محمود انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة (عن الركين) بالتصغير (من كان له وجهان الخ) قال العلقمي معناه أنه لما كان يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه على وجه الإفساد جعل له لسانان من نار كما كان له في الدنيا لسانان عند كل طائفة انتهى قال المنذري في إسناده شريك القاضي وفيه مقال
[ 151 ]
(باب في الغيبة) (قيل) أي قال بعض الصحابة (ما الغيبة) بكسر الغين (ذكرك) أي أيها المخاطب خطابا عاما (أخاك) أي المسلم (بما يكره) أي بما لو سمعه لكرهه (أفرأيت) أي فأخبرني (إن كان في أخي) أي موجودا (ما أقول) أي من المنقصة والمعنى أيكون حينئذ ذكره بها أيضا غيبة كما هو المتبادر من عموم ذكره بما يكره (فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته) أي لا معنى للغيبة إلا هذا وهو أن تكون المنقصة فيه (فقد بهته) بفتح الهاء المخففة وتشديد التاء على الخطاب أي قلت عليه البهتان وهو كذب عظيم يبهت فيه من يقال في حقه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (حسبك من صفية) أي من عيوبها البدنية (كذا وكذا) كناية عن ذكر بعضها (تعني) أي تريد عائشة بقولها كذا وكذا (قصيرة) أي كونها قصيرة (فقال) أي صلى الله عليه وسلم (لو مزج) بصيغة المجهول أي لو خلط (بها) أي على فرض تجسيدها بين وتقدير كونها مائعا (البحر) أي ماؤه (لمزجته) أي غلبته وغيرته وأفسدته (قالت) أي عائشة (وحكيت له) للنبي صلى الله عليه وسلم (إنسانا) أي فعلت مثل فعله تحقيرا له يقال حكاه وحاكاه وأكثر ما يستعمل في القبيح المحاكاة (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ما أحب أني حكيت إنسانا) أي ما يسرني أن أتحدث بعيبه أو ما يسرني أن أحاكيه بأن أفعل مثل قوله على وجه التنقيص (وإن لي كذا وكذا) أي ولو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي شيئا كثيرا على ذلك قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح هذا آخر كلامه
[ 152 ]
وأبو حذيفة هو سلمة بن صهيبة بضم الصاد المهملة وفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء بواحدة وتاء تأنيث انتهى كلام المنذري (إن من أربى الربا) أي أكثره وبالا وأشده تحريما (الاستطالة) أي إطالة اللسان (في عرض المسلم) أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه بنحو قذف أو سب وإنما يكون هذا أشدها تحريما لأن العرض أعز على النفس من المال (بغير حق) فيه تنبيه على أن العرض ربما تجوز استباحته في بعض الأحوال وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم لي الواجد يحل عرضه فيجوز لصاحب الحق أن يقول فيه إنه ظالم وانه متعد ونحو ذلك ومثله ذكر مساوي الخاطب والمبتدعة والفسقة على قصد التحذير قال الطيبي أدخل المرض في جنس المال على سبيل المبالغة وجعل الربا نوعين متعارف وهو ما يؤخذ من الزيادة على ماله من المديون وغير متعارف وهو استطالة الرجل اللسان في عرض صاحبه ثم فضل أحد النوعين على الآخر انتهى والحديث سكت عنه المنذري (إن من أكبر الكبائر الخ) هذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال المزي في الطراف هذا الحديث في رواية ابن العبد وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى (السبتان بالسبة) أي سبتان عوض سبة واحدة مثلا قال رجل لاخر يا خبيث فأجابه يا خبيث يا ملعون (لما عرج بي) بصيغة المجهول أي أسرى بي (يخمشون) بكسر الميم أي يخدشون
[ 153 ]
ففي المصباح خمشت المرأة كضرب وجهها بظفر جرحت ظاهر البشرة (يأكلون لحوم الناس) أي يغتابون المسلمين قال الطيبي لما كان خمش الوجه والصد من صفات النساء النائحات جعلهما جزاء من يغتاب ويفري في أعراض المسلمين إشعارا بأنهما ليستا من صفات الرجال بل هما من صفات النساء في أقبح حالة وأشوه صورة والحديث سكت عنه المنذري (وحدثناه يحيى بن عثمان عن بقية ليس فيه أنس) فهذه الرواية مرسلة (السليحي) بفتح السين المهملة وكسر اللام ومهملة كذا في التقريب وفي تاج العروس سليح كجريح قبيلة باليمن هو سليح بن حلوان انتهى وفي بعض نسخ الكتاب السيلحين قال في المراصد السيلحيني قرية قرب بغداد بينهما مقدار ثلاثة فراسخ انتهى (كما قال ابن المصفي) أي بذكر أنس وجعله متصلا (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه) فيه تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن (ولا يتبعوا عوراتهم) أي لا تجسسوا عيوبهم ومساويهم (فإنه) أي الشأن (يتبع الله عورته) ذكره على سبيل المشاكلة أي يكشف عيوبه وهذا في الآخرة وقيل معناه يجازيه بسوء صنيعه (يفضحه) من فضح كمنع أي يكشف مساويه (في بيته) أي ولو كان في بيته مخفيا من الناس قال المنذري سعيد بن عبد الله بن جريج مولى أبي برزة بصري قال أبو حاتم
[ 154 ]
الرازي هو مجهول قال ابن معين ما سمعت أحدا روى عنه إلا الأعمش من رواية أبي بكر بن عياش (من أكل برجل مسلم) أي بسبب اغتيابه والوقيعة فيه أو بتعرضه له بالأذية عند من يعاديه (أكلة) بالضم أي لقمة أو بالفتح أي مرة من الأكل (من جهنم) أي من نارها أو من عذابها (ومن كسي) بصيغة المجهول (ثوبا برجل مسلم) أي بسبب إهانته قال في النهاية معناه الرجل يكون صديقا ثم يذهب إلى عدوه فيتكلم فيه بغير الجميل ليجيزه عليه بجائزة فلا يبارك الله له فيها انتهى (ومن قال برجل الخ) قال في اللمعات ذكروا له معنيين أحدهما أن الباء للتعدية أي أقام رجلا مقام سمعة ورياء ووصفه بالصلاح والتقوى والكرامات وشهره بها وجعله وسيلة إلى تحصيل أغراض نفسه وحطام الدنيا فإن الله يقوم به أي بعذابه وتشهيره أنه كان كذابا وثانيهما أن الباء للسببية وقيل هو أقوى وأنسب أي من قام بسبب رجل من العظماء من أهل المال والجاه مقاما يتظاهر فيه بالصلاح والتقوى ليعتقد فيه ويصير إليه المال والجاه أقامه الله مقام المرائين ويفضحه ويعذب عذاب المرائين انتهى وفي المرقاة الباء في برجل يحتمل أن تكون للتعدية وللسببية فإن كانت للتعدية يكون معناه من أقام رجلا مقام سمعة ورياء يعني من أظهر رجلا بالصلاح والتقوى ليعتقد الناس فيه اعتقادا حسنا ويعزونه ويخدمونه لينال بسببه المال والجاه فإن الله يقوم له مقام سمعة ورياء بأن يأمر ملائكته بأن يفعلوا معه مثل فعله ويظهروا أنه كذاب وإن كانت للسببية فمعناه أن من قام وأظهر من نفسه الصلاح والتقوى لأجل أن يعتقد فيه رجل عظيم القدر كثير المال ليحصل له مال وجاه انتهى قال المنذري في إسناده بقية بن الوليد وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهما ضعيفان
[ 155 ]
(حسب امرئ من الشر الخ) أي حسبه وكافيه من خلال الشر ورذائل الأخلاق احتقار أخيه المسلم واستصغاره وقوله أن يحقر بفتح الياء وكسر القاف قال في تاج المصادر الحقر خوارداشتن أهل من حد ضرب والحقارة حقير شدن من حد كرم قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب هذا آخر كلامه وقد أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد مولى عامر بن كريز عن أبي هريرة (باب الرجل يذب عن عرض أخيه) معنى يذب يدفع (من حمى) من الحماية أي حرس وحفظ (مؤمنا) أي عرضه (من منافق) أي مغتاب وإنما سمي منافقا لأنه لا يظهر عيب أخيه عنده ليتدارك بل يظهر عنده خلاف ذلك أو لأنه يظهر النصيحة ويبطن الفضيحة (يحمي لحمه) أي لحم سامي المؤمن (ومن رمى مسلما) أي قذفه (بشئ) أي من العيوب (يريد شينه) أي عيبه (به) أي بذلك الشئ والجملة حال من الضمير للاحتراز عمن يريد به زجره أو احتراس غيره عنه ونحو ذلك من المجوزات الشرعية (حبسه الله) أو وقفه (حتى يخرج مما قال) أي من عهدته والمعنى حتى ينقي من ذنبه ذلك بإرضاء خصمه أو بشفاعة أو بتعذيبه بقدر ذنبه قال المنذري سهل بن معاذ يكنى أبا أنس مصري ضعيف وأخرج هذا الحديث أبو سعيد بن يونس في تاريخ المصريين من رواية عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب وقال بن يونس ليس هذا الحديث فيما أعلم بمصر
[ 156 ]
(ما من امرئ يخذل امرأ مسلما) يخذل بضم الذال قال في النهاية الخذل ترك الاعانة والنصرة (في موضع ينتهك) بصيغة المجهول أي يتناول بما لا يحل (فيه) أي في ذلك الموضع (حرمته) أي احترامه وبعض إكرامه (وينتقص) بصيغة المجهول من الانتقاص وهو لازم ومتعد (فيه من عرضه) بكسر العين وهو محل الذم والمدح من الإنسان والمعنى ليس أحد يترك نصرة مسلم مع وجود القدرة عليه بالقول أو الفعل عند حضور غيبته أو إهانته أو ضربه أو قتله أو نحوها (يحب) أي ذلك الخاذل (فيه) أي في ذلك الموطن (نصرته) أي إعانته سبحانه ويجوز أن تكون إضافته إلى المفعول وذلك شامل لمواطن الدنيا ومواقف الاخرة والحديث سكت عنه المنذري (قال يحيى) هو ابن سليم (وحدثنيه) أي الحديث السابق فالحديث عند يحيى من ثلاثة شيوخ (قال أبو داود يحيى ابن سليم هذا هو ابن زيد) أي يحيى بن سليم المذكور في اسناد هو يحيى بن سليم بن زيد بن حارثة وسليم أخو أسامة بن زيد (مولى النبي صلى الله عليه وسلم) صفة لزيد (وإسماعيل بن بشير) أي هذا هو (مولى بني مغالة) بفتح الميم والمعجمة وإسماعيل هذا مجهول قاله في التقريب (وقد قيل عتبة) أي بالمثناة الفوقية بعد العين المهملة مكان عقبة بالقاف
[ 157 ]
(باب من ليست له غيبة) (من كتابه) أي حدثنا عبد الصمد من كتابه (أخبرنا الجريري) بضم الجيم وفتح الراء وسكون التحتية (الجشمي) بضم الجيم وفتح المعجمة (أخبرنا جندب) وهو ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه (فأناخ راحلته) أي أبركها (ثم عقلها) أي قيدها (فلما سلم) أي من الصلاة (أتى) أي الأعرابي (ثم نادى) أي رفع صوته (أتقولون) في النهاية أي أتظنون (هو
[ 158 ]
أضل) أي أجهل نسب إليه الضلالة والمراد به الجهل لأنه ضيق رحمة الله الواسعة (ألم تسمعوا إلى ما قال) فيه تنبيه على أنه يستحق أن يقال في حق ذلك الأعرابي ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم قال المنذري أبو عبد الله هو عباد الجشمي ذكره النسائي في كتاب الكبائر وقد أخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه نحوا منه عن حديث أبي هريرة وليس فيه الفصل الأخير وأخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك وقد تقدم في الطهارة (باب ما جاء في الرجل يحل الرجل قد اغتابه) وفي نسخة يحلل من التحليل أي يجعل الرجل المغتاب في حل من قبله وهذا الباب مع أحاديثه لم يوجد إلا في نسختين من النسخ الحاضرة وليست من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكرها المنذري وقال المزي في الأطراف في مسند أنس ابن مالك في ترجمة محمد بن عبد الله العمي عن ثابت عن أنس حديث أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم أخرجه أبو داود في الادب عن محمد بن عبيد بن حساب عن محمد بن ثور عن معمر عن قتادة قوله وعن موسى بن إسماعيل عن حماد عن ثابت عن عبد الرحمن بن عجلان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو داود ورواه هاشم بن القاسم عن محمد بن عبد الله العمي عن ثابت حدثنا أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو داود وحديث حماد أصح رواه شعيب بن بيان عن أبي العوام عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي داود في رواية أبي الحسن بن العبد عن أبي داود ولم يذكره أبو القاسم انتهى (اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك) أي فلو انتقص أحد منهم من عرضي فليس لي عليه من دعوى الانتصار
[ 159 ]
(عرضي لمن شتمني) أي متصدق لمن شتمني (باب في التجسس) أي في النهي عنه كما في نسخة وهو بالجيم معناه التفتيش عن بواطن الأمور في الشر غالبا وقيل هو البحث عن العورات (عن معاوية) أي ابن أبي سفيان (إن اتبعت الخ) قال في فتح الودود أي إذا بحثت عن معائبهم وجاهرتهم أخبرنا بذلك فإنه يؤدي إلى قلة حيائهم عنك فيجترئون على ارتكاب أمثالها مجاهرة انتهى (أو كدت الخ) شك من الراوي والحديث سكت عنه المنذري (إن الأمير إذا ابتغى الريبة الخ) الريبة بالكسر أي طلب أن يعاملهم بالتهمة والظن السوء ويجاهرهم بذلك قال في النهاية أي إذا اتهمهم وجاهرهم بسوء الظن فيهم أداهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ففسدوا انتهى قال المناوي ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات قال المنذري في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال وشريح بن عبيد حضرمي شامي كنيته أبو
[ 160 ]
الصلت سمع معاوية بن أبي سفيان وجبير بن نفير أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقيل إنه أسلم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وهو معدود في التابعين وكثير بن مرة ذكره عبدان في الصحابة وذكر له حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل والذي نص عليه الأئمة أنه تابعي وعمرو بن الأسود عنسي حمصي أدرك الجاهلية وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره كنيته أبو عياض ويقال أبو عبد الرحمن والمقدام وأبو أمامة صحبتهما مشهورة (أتي ابن مسعود) بصيغة المجهول أي أتى برجل (إنا قد نهينا) بصيغة المجهول والحديث سكت عنه المنذري (باب في الستر على المسلم) (من رأى عورة) وهي ما يكره الانسان ظهوره فالمعنى من علم عيبا أو أمرا قبيحا في مسلم وقال العزيزي أي خصلة قبيحة من أخيه المؤمن ولو معصية قد انقضت ولم يتجاهر بفعلها (كان كمن أحيى) أي كان ثوابه كثواب من أحيى (موءودة) بأن رأى أحدا يريد وأد بنت فمنع أو سعى في خلاصها ولو بحيلة وقيل بأن رأى حيا مدفونا في قبر فأخرج ذلك المدفون من القبر كيلا يموت قال المناوي وجه الشبه أن الساتر دفع عن المستور الفضيحة بين الناس التي هي كالموت فكأنه أحياه كما دفع الموت عن الموؤدة من أخرجها من القبر قبل أن تموت انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي (إبراهيم بن نشيط) بفتح النون وكسر المعجمة (دخينا) بالتصغير (كان لنا جيران) بكسر
[ 161 ]
الجيم جمع جار (وأنا داع لهم الشرط) قال في المجمع هي جمع شرطة وشرطي وهم أعوان السلطان لتتبع أحوال الناس وحفظهم ولإقامة الحدود وقال في فتح الودود الشرط على وزن صرد من نصبه الإمام لتنفيذ الأوامر وما يتعلق به من حبس وضرب وأخذ بمن يستحقه (قال ويحك) ويح كلمة يقال لمن ينكر عليه فعله مع ترفق وترحم في حال الشفقة (فذكر معنى حديث مسلم) يعني ابن إبراهيم الذي قبل هذا (ولكن عظهم) أمر من الوعظ (وتهددهم) كذا في النسخ والظاهر أن يكون هددهم قال في القاموس هدده خوفه والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي قال ابن شاهين غريب من حديث إبراهيم بن نشيط وذكر أبو سعيد ابن يونس أنه حديث معلول هذا آخر كلامه وقد اختلف فيه على إبراهيم ابن نشيط اختلافا كثيرا فروى عنه عن كعب بن علقمة عن أبي الهيثم كثير ابن عقبة وروى عنه عن كعب بن علقمة عن أبي الهيثم عن دخين عن عقبة كما تقدم وروى عنه عن كعب بن علقمة عن عقبة وهو منقطع كعب لم يسمع من عقبة وري عنه عن كعب بن علقمة عن أبي الهيثم كثير عن مولى لعقبة عن عقبة (باب في المؤاخاة) أي اتخاذ الرجل الرجل أخا في الله (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم (ولا يسلمه) بضم أوله وكسر اللام
[ 162 ]
أي لا يخذله بل ينصره قال في النهاية يقال أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلى التهلكة ولم يحمه من عدوه وقال بعضهم الهمزة فيه للسلب أي لا يزيل سلمه وهو بكسر السين وفتحها الصلح (من كان في حاجة أخيه) أي ساعيا في قضائها (ومن فرج) بتشديد الراء ويخفف أي أزال وكشف (عن مسلم كربة) أي من كرب الدنيا والكربة بضم الكاف فعلة من الكرب وهي الخصلة التي يحزن بها وجمعها كرب بضم ففتح والتنوين فيها للافراد والتحقير أي هما واحدا أي هم كان (ومن ستر مسلما) أي بدنه أو عيبه بعدم الغيبة له والذب عن معائبه وهذا بالنسبة إلى من ليس معروفا بالفساد وإلا فيستحب أن ترفع قصته إلى الوالي فإذا رآه في معصية فينكرها بحسب القدرة وإن عجز يرفعها إلى الحاكم إذا لم يترتب عليه مفسدة كذا قال النووي قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بعضه بمعناه (باب في المستبان) بتشديد الموحدة تثنية اسم الفاعل من الافتعال أي اللذان يسب كل منهما الآخر (المستبان) المتشاتمان اللذان يسب كل منهما الآخر وقوله المستبان مبتدأ أول (ما قالا) أي إثم قولهما من السب والشتم وهو مبتدأ ثان (فعلى البادي منهما) خبر مبتدأ الثاني أي على الذي بدأ في السب لأنه السبب لتلك المخاصمة قال في اللمعات أما إثم ما قاله البادي فظاهر وأما إثم الآخر فلكونه الذي حمله على السب وظلمه انتهى قال القاري والفاء إما لكون ما شرطية أو لأنها موصوله متضمنة للشرط (ما لم يعتد المظلوم) أي الحد بأن سبه أكثر وأفحش منه أما إذا اعتدى كان إثم ما اعتدى عليه والباقي على البادي كذا في اللمعات والحاصل إذا سب كل واحد الآخر فإثم ما قالا على الذي بدأ في السب وهذا لم يتعد ويتجاوز المظلوم الحد والله أعلم
[ 163 ]
قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي (باب في التواضع) (عن عياض بن حمار) بكسر أولهما (أن تواضعوا) أن هذه مفسرة لما في الايحاء من معنى القول وتواضعوا أمر من الضعة وهي الذل والهوان والدناة بكر قال العزيزي التواضع الاستسلام للحق وترك الإعراض عن الحكم من الحاكم وقيل هو خفض الجناح للخلق ولين الجانب وقيل الحق ممن كان كبيرا أو صغيرا شريفا أو وضيعا (حتى لا يبغي) بكسر الغين أي لا يظلم (ولا يفخر) بفتح الخاء والفخر ادعاء العظمة والكبرياء والشرف قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (باب في الانتصار) أي الانتقام يقال انتصر منه أي انتقم (وقع رجل بأبي بكر) يقال وقعت به إذا لمته ووقعت فيه إذا غبته وذممته والمراد ههنا من الوقوع به سبه كما في الرواية الآتية (فانتصر منه أبو بكر) أي عملا بالرخصة المجوزة للعوام وتركا وفي للعزيمة المناسبة لمرتبة الخواص قال تعالى والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله وقال عز وجل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين هو رضي الله عنه وإن كان
[ 164 ]
جمع بين الانتقام عن بعض حقه وبين الصبر عن بعضه لكن لما كان المطلوب منه الكمال المناسب لمرتبته من الصديقية ما استحسنه صلى الله عليه وسلم كذا في المرقاة (أوجدت علي) بهمزة الاستفهمام أي أغضبت علي يقال وجد عليه أي غضب (يكذبه) أي الرجل الذي وقع بك وآذاك قال المنذري هذا مرسل (عن سعيد بن أبي سعيد) هو المقبري (وساق نحوه) أي نحو الحديث السابق قال المنذري في إسناده محمد بن عجلان وفيه مقال وذكر البخاري في تاريخه المرسل وذكر المسند بعده وقال والأول أصح (ولمن انتصر) أي انتقم (بعد ظلمه) أي ظلم الظالم إياه (فأولئك) أي المنتصرون (ما عليهم من سبيل) أي مؤاخذة (كانت تدخل على أم المؤمنين) أي عائشة رضي الله عنها (وعندنا زينب بنت جحش) أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي أسدية من أسد بن خزيمة وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم (فجعل يصنع) أي النبي صلى الله عليه وسلم (شيئا بيده) أي من المس ونحوه مما يجري بين الزوج والزوجة (فقلت) أي أشرت (حتى فطنته لها) من التفطين كل أي أعلمته بوجود زينب (وأقبلت زينب تقحم لعائشة) قال الخطابي معناه تتعرض لشتمها وتتدخل عليها ومنه
[ 165 ]
قوله فلان يتقحم في الأمور إذا كان يقع فيها من غير تثبت ولا روية (إن عائشة وقعت بكم) أي في بني هاشم لأن أم زينب كانت هاشمية (فجاءت فاطمة) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (لها) أي لفاطمة (إنها) أي عائشة (حبة أبيك) أي حبيبته فلا تقولي لها شيئا وإن وقعت في بني هاشم (فانصرفت) أي فاطمة (فقالت) أي فاطمة (لهم) لبني هاشم (إني قلت له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (فكلمه) أي كلم علي بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم (في ذلك) الأمر أي في واقعة عائشة وزينب رضي الله عنهم قال المنذري علي بن زيد بن جدعان لا يحتج بحديثه وأم ابن جدعان هذه مجهولة (باب في النهي عن سب الموتى) (إذا مات صاحبكم) أي المؤمن الذي كنتم تجتمعون به وتصاحبونه % (فدعوه) أي اتركوه من الكلام فيه بما يؤذيه لو كان حيا (ولا تقعوا فيه) أي لا تتكلموا في عرضه بسوء فإنه قد أفضى إلى ما قدم وغيبة الميت أفحش من غيبة الحي وأشد لأن عفو الحي واستحلاله ممكن بخلاف الميت والحديث سكت عنه المنذري
[ 166 ]
(اذكروا) أي أيها المؤمنون (محاسن موتاكم) جمع حسن على غير القياس وموتى جمع ميت (وكفوا) أي امتنعوا (عن مساويهم) جمع سوء على غير القياس وقيل جمع مسوى بفتح الميم والواو والمعنى لا تذكروهم إلا بخير قال العلقمي قال شيخ شيوخنا والأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال غريب سمعت محمدا يعني البخاري يقول عمران بن أنس المكي مفكر الحديث هذا آخر كلامه وقال أبو جعفر العقيلي لا يتابع على حديثه وذكر له حديث الربا وقال أبو أحمد الكرابيسي حديثه ليس بالمعروف وذكر له حديث الربا وقال لا يتابع عليه (باب في النهي عن البغي) قال في القاموس بغى عليه يبغي بغيا عداو ظلم وعدل عن الحق واستطال وكذب (حدثني ضمضم بن جوس) بالسين المهملة وفي بعض النسخ بالمعجمة وضبطه الحافظ في التقريب ضمضم بن جوس بفتح الجيم وسكون الواو ثم مهملة وقال في الخلاصة ضمضم بن جوش بجيم ومعجمة (متواخيين) أي متقابلين في القصد والسعي فهذا كان قاصدا وساعيا في الخير وهذا كان قاصدا وساعيا في الشر (اقصر) من الإقصار وهو الكف عن الشئ
[ 167 ]
مع القدرة عليه (أبعثت) بهمزة الاستفهام وبصيغة المجهول (أو بقت دنياه وآخرته) في القاموس أوبقه أهلكه أي أهلكت تلك الكلمة ما سعى في الدنيا وحظ الآخرة قال المنذري في إسناده على بن ثابت الجزري قال الأزدي ضعيف الحديث وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال ابن معين ثقة وقال أبو زرعة ثقة لا بأس به (ما من ذنب أجدر) بالجيم أي أحق وأولى (لصاحبه) أي لمرتكب الذنب (العقوبة) مفعول يعجل (مع ما يدخر) بتشديد الدال المهملة وكسر الخاء المعجمة أي مع ما يؤجل من العقوبة (له) أي لصاحب الذنب (مثل البغى) أي بغي الباغي وهو الظلم أو الخروج على السلطان أو الكبر (وقطيعة الرحم) أي ومن قطع صلة ذوي الأرحام قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي صحيح (باب في الحسد) (عن إبراهيم بن أسيد) بفتح الهمزة قاله الحافظ (عن جده عن أبي هريرة) قال المزي في الاطراف جد إبراهيم بن أبي أسيد البراد عن أبي هريرة قال أبو القاسم أظنه سالما ثم ذكر المزي حديث أبي داود مع إسناده ثم قال المزي وروى أحمد بن صالح عن أبي ضمرة وأنس بن عياض عن إبراهيم بن أبي أسيد عن جده أبي أسيد عن أبي هريرة حديث إياكم أن ترجعوا بعدي كفارا الحديث هكذا قال عن إبراهيم بن أبي أسيد عن جده أبي أسيد وكأنه نسبة إلى جده ولم يسم أباه انتهى وقال الحافظ جد إبراهيم بن أبي أسيد لا يعرف انتهى وقال في الخلاصة إبراهيم بن أبي أسيد يروى عن جده لأمه أبي هريرة انتهى وظاهر
[ 168 ]
عبارته يوهم أن أبا هريرة هو جد إبراهيم لأمه والأمر ليس كذلك كما عرفت فلعل العبارة هكذا عن جده لأمه عن أبي هريرة والله أعلم (إياكم والحسد) أي احذروا الحسد في مال أو جاه دنيوي فإنه مذموم بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي (فإن الحسد يأكل الحسنات) أي يفنى ويذهب طاعات الحاسد (كما تأكل النار الحطب) لأن الحسد يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود ونحوه فيذهب حسناته في عرض ذلك المحسود فيزيد المحسود نعمة على نعمة والحاسد حسرة على حسرة فهو كما قال تعالى خسر الدنيا والآخرة (أو قال العشب) بالضم الكلا الرطب وهو شك من الراوي والحديث سكت عنه المنذري (أنه دخل هو) أي سهل (وأبوه) أي أبو أمامة (وهو أمير المدينة) أي وكان أنس أمير
[ 169 ]
المدينة من قبل عمر بن عبد العزيز (فإذا هو) أي أنس (يصلي صلاة خفيفة دقيقة) بدال مهملة وقافين بينهما تحتية ساكنة وفي نسخة الخطابي ذفيفة بذال معجمة وفاءين بينهما تحتية ساكنة وقال في المعالم معنى الذفيفة فلا الخفيفة يقال رجل خفيف ذفيف وخفاف وذفاف منه بمعنى واحد انتهى وفي القاموس خفيف ذفيف وخفاف ذفاف بالضم اتباع وليعلم أنه ليس المراد أنه رضي الله عنه كان يخل بالصلاة ويترك سنة القراءة والتسبيحات ويتهاون في أدائها بل المراد أنه كان يقتصر على قدر الكفاية في ذلك فكان يكتفي على قراءة السورة القصيرة وعلى ثلاث مرات من التسبيح مع رعاية القومة والجلسة واعتدال سائر الأركان والظاهر أنه كان إماما يصلي بالناس لأنه كان أميرا فخفف اتباعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أم أحدكم الناس فليخفف الحديث رواه الشيخان وأما سؤال أبي أمامة بقوله أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أو شئ تنفلته وتشبيهها بصلاة المسافر من أجل التخفيف فلعله لم يستحضر له إذ ذاك حديث التخفيف ويحتمل أن يكون أبو أمامة حمل حديث التخفيف على تخفيف دون التخفيف الذي حمله عليه أنس رضي الله عنه فلأجل ذلك قال أبو أمامة ما قال ومن قوله في زمان عمر بن عبد العزيز إلى قوله ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه يوجد في بعض النسخ ولم يوجد في بعضها وكذا ليس في مختصر المنذري والله أعلم (كأنها) أي صلاة أنس باعتبار التخفيف فيها (فلما سلم) أي أنس من صلاته (قال أبي) أي أبو أمامة (أرأيت) أي أخبرني (هذه الصلاة) أي التي صليتها الآن (المكتوبة أو شئ تنفلته) أي فريضة أو نافله (ما أخطأت) أي ما تعمدت الخطأ في هذه الصلاة (لا تشددوا على أنفسكم) أي بالاعمال الشاقة كصوم الدهر وإحياء الليل كله واعتزال النساء (فيشدد عليكم) بالنصب جواب النهي أي يفرضها عليكم فتقعوا في الشدة أو بأن يفوت عنكم بعض ما وجب عليكم بسبب ضعفكم من تحمل المشاق (في الصوامع) جمع صومعة وهي موضع عبادة الرهبان
[ 170 ]
(رهبانية) نصب بفعل يفسره ما بعده أي ابتدعوا رهبانية (ما كتبناها عليهم) أي ما فرضنا تلك الرهبانية (ثم غدا) أي خرج أبو أمامة غدوة (فقال) أي أنس (باد) أي هلك (وقتوا) بالقاف والتاء المشددة وفي بعض النسخ فنوا من الفناء ومعناه ظاهر وهو المراد من قتوا : قال في القاموس اقتته استأصله (خاوية على عروشها) أي ساقطة على سقوفها والظاهر أنه صفة ثانية لديار وصفته الاولى هي قوله باد أهلها (فقال أتعرف هذه الديار) الظاهر أن الضمير في قال راجع إلى أنس رضي الله عنه أي قال أنس لأبي أمامة هل تعرف هذه الديار البائدة (فقال) أي أبو أمامة (ما أعرفني بها وبأهلها) أي أي شئ أعرفني بهذه الديار وأهلها الذين كانوا فيها يعني لا أعرفها ولا أهلها فما استفهامية والاستفهام للانكار (هذه ديار قوم الخ) هذا مقول أنس أي قال أنس هذه ديار قوم فلفظ قال هذه الجملة مقدر هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون الضمير في فقال الأول راجعا إلى أبي أمامة وفي فقال الثاني إلى أنس أي فقال أبو أمامة لأنس هل تعرف هذه الديار فقال أنس ما أعرفني بها وبأهلها الخ وعلى هذا التقدير يكون قوله ما أعرفني بها وبأهلها صيغة التعجب ويكون حاصل المعنى قال أنس أعرف هذه الديار وأهلها حق المعرفة وعلى هذا فلا حاجة إلى تقدير لفظ قال قبل قوله هذه ديار قوم ومن قوله ثم غدا من الغد إلى قوله والفرج بصدق ذلك أو يكذبه يوجد في بعض النسخ ولم يوجد في بعضها وكذا ليس في مختصر المنذري والله أعلم ثم ظفرت على كلام للحافظ ابن القيم تكلم به في كتاب الصلاة له على هذا الحديث وهو حسن نافع جدا فأنا أنقله بعينه ههنا قال وأما حديث سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء ودخول سهل بن أبي أمامة عن أنس بن مالك فإذا هو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر فقال إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مما تفرد به ابن أبي العمياء وهو شبه المجهول والأحاديث الصحيحة عن أنس كلها تخالفه فكيف يقول أنس هذا وهو القائل إن أشبه من رأى صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن عبد العزيز وكان يسبح عشرا عشرا وهو الذي كان يرفع رأسه من الركوع حتى يقال قد نسي وكذلك من بين السجدتين ويقول ما آلوا أن أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يبكي على إضاعتهم الصلاة ويكفي في رد حديث ابن أبي العمياء ما تقدم من الأحاديث الصحيحة الصريحة التي
[ 171 ]
لا مطعن في سندها ولا شبهة في دلالتها فلو صح حديث ابن أبي العمياء وهو بعيد عن الصحة لوجب حمله على أن تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم للسنة الراتبة كسنة الفجر والمغرب والعشاء وتحية المسجد ونحوها لا أن تلك صلاته التي كان يصليها بأصحابه دائما وهذا مما يقطع ببطلانه وترده سائر الأحاديث الصحيحة الصريحة ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخفف بعض الصلاة كما كان يخفف سنة الفجر حتى تقول عائشة أم المؤمنين هل قرأ فيها بأم القرآن وكان يخفف الصلاة في السفر حتى كان ربما قرأ في الفجر بالمعوذتين وكان يخفف إذا سمع بكاء الصبي فالسنة التخفيف حيث خفف والتطويل حيث أطال والتوسط غالبا فالذي أنكره أنس هو التشديد الذي لا يخفف صاحبه على نفسه مع حاجته إلى التخفيف ولا ريب أن هذا خلاف سنته وهدية انتهى كلام ابن القيم قلت أخرج أبو داود والنسائي عن ابن جبير قال سمعت أنس بن مالك يقول ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز قال فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات وإلى هذا الحديث أشار ابن القيم بقوله وهو القائل إن أشبه من رأي الخ والحديث سكت عنه المنذري (باب في اللعن) (قال سمعت نمران) بكسر أوله وسكون ثانيه ابن عتبة الذماري (صعدت) بكسر العين أي طلعت اللعنة وكأنها تتجسد (فتغلق) بصيغة المجهول من الإغلاق (دونها) أي قدام اللعنة (ثم تهبط) بكسر الموحدة أي تنزل (فتغلق أبوابها) أي أبواب الأرض ويفهم منه أن للارض أيضا أبوابا كما للسماء (دونها) أي عندها ودون يجئ بمعنى أمام ووراء (ثم تأخذ يمينا
[ 172 ]
وشمالا) أي تميل إلى جهتي اليمين والشمال (مساغا) بفتح الميم أي مدخلا وطريقا (إلى الذي لعن) بصيغة المجهول (فإن كان) أي الملعون (لذلك) أي لما ذكر من اللعنة أو جزاء الشرط محذوف تقديره لحقته ونفذت فيه (وإلا) أي وإن لم يكن أهلا لذلك (رجعت) أي اللعنة (إلى قائلها) فإنه حينئذ هو أهلها (قال مروان بن محمد) أي الوليد بن رباح المذكور في الاسناد (رباح بن الوليد سمع منه) أي من نمران (وذكرا) أي مروان (أن يحيى بن حسان وهم فيه) حيث سماه الوليد بن رباح قلت ورواه أبو داود في كتاب الجهاد حديث يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته بهذا الاسناد عن أحمد بن صالح عن يحيى بن حسان عن الوليد ابن رباح الذماري حدثني عمي نمران بن عتبة قال دخلنا على أم الدرداء فذكره لكن روى يحيى بن حسان على الصواب أيضا قال المزي روى حديث شفاعة الشهيد وحديث اللعنة أبو القاسم الطبراني عن عبيد بن زحال وأحمد بن محمد بن رشدين عن أحمد بن صالح عن يحيى بن حسان عن رباح بن الوليد على الصواب انتهى والحديث سكت عنه المنذري (لا تلاعنوا) بحذف إحدى التائين (بلعنة الله) أي لا يلعن بعضكم بعضا فلا يقل أحد لمسلم معين عليك لعنة الله مثلا (ولا بغضب الله) بأن يقول غضب الله عليك (ولا بالنار) بأن يقول أدخلك الله النار مثلا وهذا مختص بمعين لأنه يجوز اللعن بالوصف الأعم كقوله لعنة الله على الكافرين أو بالأخص كقوله لعنة الله على اليهود أو على كافر معين مات على الكفر كفرعون وأبي جهل قاله القاري
[ 173 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح هذا آخر كلامه وقد تقدم اختلاف الائمة في سماع الحسن من سمرة (لا يكون اللعانون شفعاء) معناه لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار (ولا شهداء) فيه ثلاثة أقوال أصحها وأشهرها لا يكونون شهداء يوم القيامة على الامم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات والثاني لا يكونون شهداء في الدنيا أي لا تقبل شهادتهم بفسقهم والثالث لا يرزقون الشهادة فهي القتل في سبيل الله كذا قال النووي قال المنذري وأخرجه مسلم (وقال مسلم) هو ابن إبراهيم (نازعته الريح) أي جاذبته (فلعنها) أي الريح وهي مؤنثة (فإنها مأمورة) أي بأمر ما والمنازعة من خاصيتها ولوازم وجودها عادة أو فإنها مأمورة حتى بهذه المنازعة أيضا ابتلاء لعباده وهو الأظهر قاله القاري (وإنه) أي الشأن (ليس له بأهل) أي ليس ذلك الشئ للعن بمستحق (عليه) أي على اللاعن قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال غريب لا نعلم أحدا أسنده غير بشر ابن عمر هذا آخر كلامه وبشر بن عمر هذا هو الزهراني احتج به البخاري ومسلم (باب فيمن دعا على من ظلمه) (سرق) بصيغة المجهول (عليه) أي على السارق (لا تسبخي عنه) بتشديد الموحدة
[ 174 ]
بعدها خاء معجمة أي لا تخفي إثم السرقة عنه أو العقوبة بدعائك عليه زاد أحمد ودعيه وكأنه صلى الله عليه وسلم رآها وهي في الغضب فأشار إلى أن مقتضي الغضب تتميم العقوبة له والدعاء عليه يخفف العقوبة عنه فاللائق بذلك ترك الدعاء ومراده صلى الله عليه وسلم أن تترك الدعاء لا أن تتم له العقوبة كذا في فتح الودود قال في النهاية لا تسبخي عنه بدعائك عليه أي لا تخففي عنه الإثم الذي استحقه بالسرقة انتهى قال الخطابي ومن هذا سبائخ القطن وهي القطع المتطايرة عند الندف قال المنذري وقد تقدم في كتاب الصلاة (باب في هجرة الرجل أخاه) (لا تباغضوا) أي لا تتعاطوا أسباب البغض لان البغض لا يكتسب ابتداء (ولا تحاسدوا) أي لا يتمن بعضكم زوال نعمة بعض سواء أرادها لنفسه أو لا (ولا تدابروا) بحذف إحدى التاءين فيه وفيما قبله من الفعلين أي لا تقاطعوا ولا تولوا ظهوركم عن إخوانكم ولا تعرضوا عنهم مأخوذ من الدبر لأن كلا من المتقاطعين يولي دبره صاحبه (فوق ثلاث ليال) أي بأيامها وإنما جاز الهجر في ثلاث وما دونه لما جبل عليه الآدمي من الغضب فسومح بذلك القدر ليرجع فيها ويزول ذلك العرض ولا يجوز فوقها وهذا فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان من ذلك في جانب الدين فإن هجرة أهل الاهواء والبدع واجبة على مر الأوقات ما لم يظهر منه التوبة والرجوع إلى الحق قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (يلتقيان) أي يتلاقيان وهو استئناف لبيان كيفية الهجران (فيعرض) عطف على يلتقيان
[ 175 ]
(وخيرهما) أي أفضلهما عطف على لا يحل وإنما يكون البادئ خيرهما لدلالة فعله على أنه أقرب إلى التواضع وأنسب إلى الصفاء وحسن الخلق وللاشعار بأنه معترف بالتقصير قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (فإن مرت به ثلاث) أي ثلاث ليال مع أيامها (فقد اشتركا في الأجر) أي في أجر السلام أو في أجر ترك الهجر أو فيهما (فقد باء بالإثم) أي رجع بإثم الهجران كذا قيل وقال القاري : الاظهر أنه بإثم الهجر وبإثم يقول ترك السلام فاللام للجنس أو عوض عن المضاف إليه أي بإثم الأمرين (زاد أحمد) هو ابن سعيد (وخرج المسلم) بتشديد اللام المكسورة (من الهجرة) أي من إثم الهجران قال المنذري رواه عن أبي هريرة هلال بن أبي مولى بني كعب مديني قال الامام احمد لا أعرفه قال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور (لا يكون لمسلم) أي ثلاثة أيام (فإذا لقيه) أي المسلم المسلم بعد ثلاثة أيام (سلم عليه) حال من فاعل لقيه أو بدل من لقيه (ثلاث مرار) أي إن لم يرد عليه في الأولى والثانية أو ثلاث دفعات من الملاقاة (كل ذلك) بالرفع مبتدأ وخبره قوله (لا يرد عليه) والجملة صفة ثلاث مرار والعائد محذوف أي لا يرد فيها أي في المرار قال في المرقاة وفي نسخه بالنصب فهو ظرف لا يرد (فقد باء بإثمه) قال الطيبي هو جواب إذا والضمير في بإثمه يحتمل أن يكون للثاني أي لمن لم يرد فالمعنى أن المسلم خرج من إثم الهجران وبقي الاثم على الذي لم يرد السلام أي فهو قد باء بإثم هجرانه ويحتمل أن يكون للمسلم والمعنى أنه ضم إثم هجران المسلم إلى إثم هجرانه وباء بهما لأن التهاجر يعد منه وبسببه
[ 176 ]
والحديث سكت عنه المنذري (فمات) أي على تلك الحالة من غير توبة (دخل النار) أي استوجب دخول النار وفائدة التعبير التغليظ قال المنذري وأخرجه النسائي (أبي خراش) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الراء وبالشين المعجمة (السلمي) بضم ففتح قال الحافظ في الإصابة كذا وقع في هذه الرواية السلمي وإنما هو الأسلمي ويقال حدرد بن أبي حدرد (من هجر أخاه) أي في الدين (فهو كسفك دمه) أي كإراقة دمه في استحقاق مزيد الإثم لا في قدره قال المنذري أبو خراش بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وبعد الألف شين معجمة اسمه حدرد بن أبي حدرد ويقال فيه الأسلمي أيضا فيعد في المدنيين حديثه عند أهل مصر (تفتح) بصيغة المجهول (لا يشرك بالله شيئا) أي من الأشياء (شحناء) فعلاء من الشحن أي عداوة تملأ القلب (انظروا) بقطع الهمزة وكسر الظاء أي امهلوا (حتى يصطلحا) أي يتصالحا ويزول عنهما الشحناء (قال أبو داود النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله مات) هذه العبارة لم توجد في
[ 177 ]
أكثر النسخ (إذا كانت الهجرة لله) أي هجران المسلم لرعاية حق من حقوق الله (فليس) ذلك الهجرة (من هذا) أي الوعيد المذكور في الحديث قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي (باب في الظن) (إياكم والظن) أي احذروا اتباع الظن أو احذروا سوء الظن والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل وليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبا بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به (أكذب الحديث) أي حديث النفس لأنه يكون بإلقاء الشيطان في نفس الإنسان ووصف الظن بالحديث مجار فإنه ناشئ عنه (ولا تحسسوا) بحاء مهملة وحذف إحدى التائين قال المناوي أي لا تطلبوا الشئ بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشئ خفية (لا تجسسوا) بجيم وحذف إحدى التائين أي لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كما يفعل الجاسوس قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي . (باب في النصيحة والحياطة) بكسر الحاء المهملة بمعنى الحفاظة والصيانة (المؤمن مرآة المؤمن) بكسر ميم ومد همز أي آلة لإراءة محاسن أخيه ومعائبه لكن بينه
[ 178 ]
وبينه فإن النصيحة في الملأ فضيحة وأيضا هو يرى من أخيه ما لا يراه من نفسه كما يرسم في المرآة ما هو مختف عن صاحبه فيراه فيها أي إنما يعلم الشخص عيب نفسه بإعلام أخيه كما يعلم خلل وجهه بالنظر في المرآة (يكف عليه ضيعته) أي يمنع تلفه وخسرانه فهو مرة من الضياع وقال في النهاية وضيعة الرجل ما يكون من معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك أي يجمع إليه معيشته ويضمها له (ويحوطه من ورائه) أي يحفظه ويصونه ويذب عنه بقدر الطاقة قال المنذري في إسناده كثير بن زيد أبو محمد المدني مولى الأسلميين قال ابن معين ليس بذلك القوي يكتب حديثه وقال النسائي ضعيف (باب في إصلاح ذات البين) (إلا أخبركم بأفضل) أي بعمل أفضل درجة (قالوا بلى يا رسول الله) أي أخبرنا (قال إصلاح ذات البين) أي أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال ألفة ومحبة كقوله تعالى والله عليم بذات الصدور وهي مضمراتها وقيل المراد بذات البين المخاصمة والمهاجرة بين اثنين بحيث يحصل بينهما بين فرقة والبين من الأضداد الوصل والفرق (وفساد ذات البين الحالقة) أي هي الخصلة التي من شأنها أن تحلق الدين وتستأصله علي كما يستأصل الموسى الشعر وفي الحديث حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب عن الأفساد فيها لأن الاصلاح سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين وفساد ذات البين ثلمة في الدين فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال صحيح وقال أيضا ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين (أحمد بن محمد بن شبوية) بمعجمة مفتوحة بعدها باء موحدة ثقيلة مضمومة (عن أمه)
[ 179 ]
وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط القرشية الأموية قاله المنذري (لم يكذب من نمى) بالتخفيف أي رفع الحديث للخير والإصلاح يقال نميت الحديث بتخفيف الميم إذا رفعه للخير (بين اثنين ليصلح) أي بينهما يعني لا إثم عليه في الكذب بقصد الإصلاح بينهما (فقال خيرا) يعني كلام خير أو قول خير أي لكل من المتخاصمين ما يفيد النصيحة المقتضية إلى الخير أو يقول كلام خير الذي ربما سمعه منه ويدع شره عنه (أو نمى خيرا) أي بلغه لهما ما لم يسمعه منهما من الخير بأن يقول فلان يسلم عليك ويحبك وما يقول فيك إلا خيرا ونحو ذلك والحديث سكت عنه المنذري (والرجل يقول في الحرب) قيل الكذب في الحرب كأن يقول في جيش المسلمين كثرة وجاءهم مدد كثير أو يقول انظر إلى خلفك فإن فلانا قد أتاك من ورائك ليضربك وقال الخطابي الكذب في الحرب أن يظهر من نفسه قوة ويتحدث بما يقوي به أصحابه ويكيد به عدوه (والرجل يحدث إلخ) أي فيما يتعلق بأمر المعاشرة وحصول الألفة بينهما قال الخطابي كذب الرجل زوجته أن يعدها ويمنيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك صحبتها ويصلح به خلقها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا
[ 180 ]
(باب في الغناء) بالكسر والمد أي التغني قال في القاموس الغناء ككساء من الصوت ما طرب به (عن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة (بنت معوذ) بضم الميم وكسر الواو الثقيلة (بن عفران) اسم الأم (صبيحة بني بي) بصيغة المجهول والبناء الدخول بالزوجة (كمجلسك مني) بكسر اللام أي مكانك وجوز الكرماني أن تكون الرواية كمجلسك بفتح اللام أي جلوسك (فجعلت) أي شرعت (جويريات) بالتصغير قيل المراد بهن بنات الانصار لا المملوكات يضربن بدف بضم الدال وهو أشهر وأفصح ويروى بالفتح أيضا (ويندبن) بضم الدال من الندبة بضما النون وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنة بالكرم والشجاعة ونحوها (فقال دعي هذا) أي اتركي ما يتعلق بمدحي الذي فيه الاطراء المنهي عنه (وقولي الذي كنت تقولين) أي من ذكر المقتولين ونحوه قال المهلب في هذا الحديث إعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه والربيع بضم الراء المهملة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف وكسرها وعين مهملة (لعبوا حرابهم) أي برماح صغيرة جمع حربة والحديث سكت عنه المنذري قال الحافظ ابن القيم في إغاثة اللهفان وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش
[ 181 ]
وحول وجهه ودخل أبي بكر فانتهرني وقال مزمار الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعها فلما غفرا غمزتهما فخرجتا فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب وكان اليوم يوم عيد فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوت امرأة أجنبية أو صبي أمرد صوته وصورته يغني بما يدعو إلى الزنا والفجور وشرب الخمور من آلات اللهو التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث مع التصفيق والرقص وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد ويحتجون بغناء جويريتين حتى غير مكلفتين بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق ويدعون المحكم الصريح لهذا المتشابه وهذا شأن كل مبطل نعم لا نحرم ولا يكره مثل ما كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه وإنما نحرم نحن وأهل العلم السماع المخالف لذلك انتهى (باب كراهية الغناء والزمر) في القاموس زمر يزمر زمرا وزمر تزميرا فإن غنى في القصب وهي زامرة وهو زمار وزامر قليل وفعلهما الزمارة كالكتابة ومزامير داود ما كان يتغنى به من الزبور وضروب الدعاء جمع مزمار ومزمور والزمارة كجبانة ما يزمر به كالمزمار . (أحمد بن عبيد الله) بن سهل أبو عبد الله البصري قال أبو حاتم صدوق (الغداني) بضم المعجمة وفتح المهملة مخففة آخره نون نسبة إلى غدانة بن يربوع ابن حنظلة (أخبرنا الوليد بن مسلم) أبو العباس الدمشقي من رجال الكتب الستة روى عنه أحمد وإسحاق وابن المديني وأبو خيثمة قال ابن مسهر يدلس وكان من ثقات أصحابنا ووثقه الغجلي النبي ويعقوب بن شيبة وقد صرح بالتحديث (أخبرنا سعيد بن عبد العزيز) أبو محمد الدمشقي وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وقال الحاكم هو لأهل الشام كمالك لأهل المدينة (عن سليمان بن موسى) الزهري الكوفي نزيل دمشق قال أبو حاتم محله الصدق صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقاة والله أعلم (فوضع) أي ابن عمر رضي الله عنه (ونأى) أي بعد (وقال لي يا نافع هل تسمع شيئا فقلت لا) وفي رواية أحمد يا نافع أتسمع فأقول نعم فيمضي حتى قلت لا
[ 182 ]
(فصنع مثل هذا) فيه دليل على أن المشروع لمن سمع الزمارة أن يصنع كذلك واستشكل إذن ابن عمر لنافع بالسماع ويمكن أنه إذا ذاك لم يبلغ الحلم قاله الشوكاني قال الخطابي في المعالم المزمار الذي سمعه ابن عمر هو صفارة الرعاء وقد جاء ذلك مذكورا في هذا الحديث من غير هذه الرواية وهذا وإن كان مكروها فقد دل هذا الصنع على أنه ليس في غلظ الحرمة كسائر الزمور والمزاهر والملاهي التي يستعملها أهل الخلاعة والمجون ولو كان كذلك لأشبه أن لا يقتصر في ذلك على سد المسامع فقط دون أن يبلغ فيه من النكر مبلغ الردع والتنكيل انتهى (قال أبو داود هذا حديث منكر) هكذا قاله أبو داود ولا يعلم وجه النكارة فإن هذا الحديث رواته كلهم ثقاة وليس بمخالف لرواية أوثق الناس وقد قال السيوطي قال الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي هذا حديث ضعفه محمد بن طاهر وتعلق على سليمان بن موسى وقد تفرد به وليس كما قال فسليمان حسن الحديث وثقة غير واحد من الأئمة وتابعه ميمون بن مهران عن نافع وروايته في مسند أبي يعلى ومطعم بن المقدام الصنعاني عن نافع وروايته عند الطبراني فهذان متابعان لسليمان بن موسى واعترض ابن طاهر على الحديث بتقريره صلى الله عليه وسلم على الراعي وبأن ابن عمر لم ينه نافعا وهذا لا يدل على إباحة لأن المحظور هو قصد الاستماع لا مجرد إدراك الصوت لأنه لا يدخل تحت تكليف فهو كشم محرم طبيا فإنما يحرم عله قصده لا ما جاءت به ريح لشمه وكنظر فجأة بخلاف تتابع نظره فمحرم وتقرير الراعي لا يدل على إباحة لأنها قضية عين فلعله سمعه بلا رؤيته أو بعيدا منه على رأس جبل أو مكان لا يمكن الوصول إليه أو لعل الراعي لم يكن مكلفا فلم يتعين الإنكار عليه انتهى كلام السيوطي من مرقاة الصعود قلت ورواية ميمون بن مهران ومطعم بن المقدام كلاهما عن نافع هي موجودة عند أبي داود لكن من رواية ابن داسة وابن الأعرابي وأبي الحسن ابن العبد عن أبي داود دون رواية اللؤلؤي كما سيجئ (حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد الدمشقي السلمي وثقة النسائي (أخبرنا أبي) خالد بن
[ 183 ]
يزيد السلمي الدمشقي وثقة ابن حبان (أخبرنا مطعم بن المقدام) الشامي الصنعاني وثقه يحيى بن معين وقال أبو حاتم لا بأس به وهذا حديث سنده قوي جيد والحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري في مختصره وقال المزي في الأطراف هذا الحديث في رواية أبي الحسن بن العبد وابن الأعرابي وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى (أدخل) بصيغة المجهول أي أدخل بعض الرواة بين مطعم ونافع سليمان بن موسى قلت لا مانع أن مطعما رواه عن سليمان عن نافع ثم رواه عن نافع نفسه (حدثنا أحمد بن إبراهيم) بن كثير البغدادي وثقه صالح جزرة وقال أبو حاتم صدوق (قال أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي) أبو عبد الرحمن من رجال الكتب الستة وثقه أبو حاتم (قال أخبرنا أبو المليح) الحسن بن عمرو الرقي قال أحمد ثقة ضابط (عن ميمون) بن مهران الرقي وثقة أحمد والنسائي والعجلي وابن سعد وهذا سند جيد قوي قال المزي الحديث من رواية ابن العبد وابن الأعرابي وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم (قال أبو داود وهذا) الحديث (أنكرها) أي أنكر الرواية قلت ولا يعلم وجه النكارة بل إسناده قوي وليس بمخالف لرواية الثقاة (فحل) يقال حللت العقدة حلا من باب قتل (حبوته) أي احتباه وإن قال في النهاية يقال احتبى يحتبي احتباء والاسم الحبوة بالكسر والضم ومنه الحديث أنه نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب انتهى (إن الغناء ينبت النفاق في القلب)
[ 184 ]
قال شمس الدين ابن القيم أما تسميته منبت فثبت عن ابن مسعود أنه قال الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع والذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع وقد رواه ابن أبي الدنيا عنه مرفوعا في كتاب ذم الملاهي والموقوف أصح وهذا أدل دليل على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأدوائها وأدويتها وأنهم أطباء القلوب واعلم أن للغناء خواص فمنها أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره والعمل بما فيه فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب لما بينهما من التضاد فالقرآن ينهي عن اتباع الهوى ويأمر بالعفة ومجانبة الشهوات وأسباب الغي والغناء يأمر بضد ذلك ويحسنه ويهيج النفوس إلى شهوات الغي قال بعض العارفين السماع يورث بعض النفاق في قوم والعناد في قوم والتكذيب في قوم والفجور في قوم وأكثر ما يورث عشق الصور واستحسان الفواحش وإدمانه يثقل القرآن على القلب ويكرهه على السمع وسر المسألة أن الغناء قرآن الشيطان فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب وهذا معنى النفاق وأيضا فإن أساس النفاق أن يخالف الظاهر الباطن وصاحب الغناء بين أمرين إما أن ينتهك فيكون فاجرا أو يظهر النسك فيكون منافقا فإنه يظهر الرغبة في الله والدار الآخرة وقلبه يغلي بالشهوات ومحبة ما ينافي الدين من اللهو والآلات وأيضا فمن علامات النفاق قلة ذكر الله والكسل عند القيام إلى الصلاة ونقر الصلاة وهذه صفة المفتونين بالغناء وأيضا المنافق يفسد من حيث يظن أنه يصلح كما أخبر الله عن المنافقين وصاحب السماع يفسد قلبه وحاله من حيث أنه يصلحه والمغني يدعو القلب إلى فتنة الشهوات والمنافق يدعوها إلى فتنة الشبهات قال الضحاك الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده بلغني عن الثقات أن صوت المعازف واستماع الأغاني ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء انتهى كلامه مختصرا من الإغاثة وحديث عبد الله بن مسعود ليس من رواية اللؤلؤي وقال المزي في الأطراف لم يذكره أبو القاسم وهو في رواية أبي الحسن بن العبد وغيره انتهى قال الشوكاني قد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها فذهب الجمهور إلى التحريم وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية
[ 185 ]
إلى الترخيص في السماع ولو مع العود واليراع كذا قال الشوكاني في النيل وقد أشبع الكلام في هذه المسألة في ذلك الكتاب إشباعا حسنا وقال في آخر كلامه وإذا تقرر جميع ما حررناه من حجج الفريقين فلا يخفى على الناظر أن محل النزاع خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه والمؤمنون وقافون عند الشبهات كما صرح به الحديث الصحيح ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ولا سيما إذا كان مشتملا على ذكر القدود والخدود والجمال والدلال والهجر والوصال فإن سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية وإن كان من التصلب في ذات الله على حد يقصر عنه الوصف وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطلول وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول نسأل الله السداد والثبات قلت وأخرج البخاري في كتاب الأشربة عن عبد الرحمن بن غنم قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف وأخرج ابن ماجه في كتاب الفتن بإسناد صححه ابن القيم عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير انتهى والمعازف جمع معزفة وهي آلات الملاهي ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه أنها اللهو وقيل صوت الملاهي وفي حواشي الدمياطي المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به ويطلق على الغناء عرف وعلى كل لعب عزف وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبراء كما وكل مسكر حرام انتهى والكوبة هي الطبل كما رواه البيهقي من حديث ابن عباس والغبيراء اختلف في تفسيرها فقيل الطنبور وقيل العود وقيل البربط قال ابن الأعرابي الكوبة النرد وأخرج الترمذي عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف فقال رجل من المسلمين يا رسول الله ومتى ذلك قال إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وأخرج أحمد عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات يعني البرابط والمعازف والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية والحديث فيه ضعف
[ 186 ]
قال ابن القيم في الإغاثة وتسمية الغناء بالصوت الأحمق والصوت الفاجر فهي تسمية الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أخرج الترمذي من حديث ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخل فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره ففاضت عيناه فقال عبد الرحمن أتبكي وأنت تنهى الناس قال إني لم أنه عن البكاء وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة الحديث قال الترمذي حديث حسن فانظر إلى هذا النهي المؤكد تسمية الغناء صوتا أحمقا ولم يقتصر على ذلك حتى سماه مزامير الشيطان وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على تسمية الغناء مزمور الشيطان قال ابن القيم رحمه الله ومن مكائد عدو الله التي كاد بها هو قل نصيبه من العلم والعقل والدين وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين سماع المكاء والتصدية والغناء حتى كانت مزامير الشيطان أحب إليهم من آيات القرآن وبلغ منهم أمله من الفسوق والعصيان ولم يزل أنصار الإسلام وطوائف الهدى يحذرون من هؤلاء واقتفاء سبيلهم والمشي على طريقتهم المخالفة لإجماع أئمة الدين كما ذكره الإمام أبو بكر الطرطوشي في خطبة كتابه تحريم السماع قال أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه وقال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية فله أن يردها بالعيب وسئل عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال إنما يفعله عندنا الفساق وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم ولا نعلم خلافا بين أهل البصرة أيضا في المنع منه وأبو حنيفة أشد الأئمة قولا فيه ومذهبه فيه أغلظ المذاهب قد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها المزمار والدف حتى الضرب بالقضيب وأنه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة بل قالوا التلذذ به كفر هذا لفظهم قالوا ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره وقال أبو يوسف في دار يسمع فيها صوت المعازف والملاهي أدخل فيها بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض وأما الشافعي فقال في كتاب القضاء إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الديب الطبري وابن الصباغ قال الشيخ أبو إسحاق في التنبيه ولا تصح الإجازة على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر ولم يذكر فيه خلافا
[ 187 ]
وأما الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه سألت أبي عن الغناء فقال الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني ثم ذكر قول مالك إنما يفعله عندنا الفساق قال عبد الله وسمعت أبي يقول سمعت القطان يقول لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا وقال سليمان التيمي لو أخذت برخصة كل عالم أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله انتهى كلام ابن القيم من الإغاثة مختصرا وقد أطال الكلام فيه وأجاد وفي تفسير الإمام ابن كثير تحت قوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية لما ذكر الله تعالى حال السعداء وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب أخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن أبي الصهباء أنه سمع عبد الله ابن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية ومن الناس من يشتري لهو الحديث فقال عبد الله بن مسعود الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وعمرو ابن شعيب وعلي بن بذيمة وقال الحسن البصري نزلت هذه الآية ومن الناس من يشتري لهو الحديث في الغناء والمزامير انتهى كلامه مختصرا وفي كتاب المستطرف في مادة عجل نقل القرطبي عن سيدي أبي بكر الطرطوشي رحمهما الله تعالى أنه سئل عن قوم يجتمعون في مكان فيقرؤن من القرآن ثم ينشد لهم الشعر فيرقصون ويطربون ثم يضرب لهم بعد ذلك بالدف والشبابة هل الحضور معهم حلال أم حرام فقال مذهب الصوفية أن هذه بطالة وجهالة وضلالة وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذوا العجل فهذه الحالة هي عبادة العجل وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في جلوسهم كأنما على رؤسهم الطير مع الوقار والسكينة فينبغي لولاة الأمر وفقهاء الإسلام أن يمنعوهم من الحضور في المساجد وغيرها ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى انتهى
[ 188 ]
(باب الحكم في المخنثين) المخنث بكسر النون وفتحها من يشبه النساء في أخلاقه وكلامه وحركاته فإن كان من أصل الخلقة لم يكن عليه لوم وعليه أن يتكلف إزالة ذلك وإن كان بقصد منه وتكلف له فهو المذموم (أتي) بصيغة المجهول (فنفى) بالبناء للمفعول أي أخرج (إلى النقيع) بالنون مفتوحة ثم قاف مكسورة موضع ببلاد مزينة على ليلتين من المدينة وهو نقيع الخضمات الذي حماه عمر أو متغايران كذا في القاموس (إني نهيب عن قتل المصلين) قال المناوي يعني المؤمنين سماهم به لأن الصلاة أظهر الأفعال الدالة على الإيمان (وليس بالبقيع) أي بالموحدة قال المنذري في إسناده أبو يسار القرشي سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال مجهول وأبو هاشم قيل هو ابن عم أبي هريرة (إن يفتح الله الطائف) أي حصنه (دللتك) وفي رواية البخاري ومسلم أدلك (على امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان) أي أربع عكن وثمان عكن معناه أن لها أربع عكن تقبل بهن من كل ناحية ثنتان ولكل واحدة طرفان فإذا أدبرت صارت الأطراف ثمانية (أخرجوهم) أي المخنثين (من بيوتكم) قال القاري الخطاب بالجمع المذكر تعظيما لأمهات المؤمنين (قال أبو داود)
[ 189 ]
أي مفسرا لقوله تقبل بأربع الخ (كان لها أربع عكن) جمع عكنة بالضم وهو ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والمخنث اسمه هيت بكسر الهاء وسكون الياء آخر الحروف وبعدها تاء ثالث الحروف هكذا ذكره البخاري وغيره وقيل اسمه ماتع وقيل إنه هنب بالهاء وبعدها نون ساكنة وباء موحدة وذكر بعضهم أن هيتا وهنبا هو وماتعا أسماء لثلاثة من المخنثين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يزنون (يتهمون) بالفاحشة الكبرى إنما كان تأنيثهم وسلم لينا في القول وخضابا في الأيدي والارجل كخضاب النساء ولعبا كلعبهم والمرأة بادية بباء موحدة وبعد الألف دال مهملة وياء آخر الحروف مفتوحة وتاء تأنيث وقيل فيها بادنة بعد الدال المهملة نون والمشهورة بالياء و أبوها غيلان ابن سلمة الثفقي الذي أسلم وتحته عشر نسوة (والمترجلات من النساء) أي المتشبهات بهم زيا وهيئة ومشية ورفع صوت ونحوها لا رأيا وعلما فإن التشبه بهم محمود كما روى أن عائشة رضي الله عنها كانت رجلة الرأي أي رأيها كرأي الرجال على ما في النهاية (قال) أي خطابا عاما (وأخرجوهم من بيوتكم) قال القاري أي مساكنكم أو بلدكم وفي أحاديث الباب منع المخنث من الدخول على النساء ومنعهن من الظهور عليه وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين في النساء في هذا المعنى وكذا حكم الخصي والمجبوب ذكره قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وقد تقدم في كتاب اللباس
[ 190 ]
(باب اللعب بالبنات) جمع البنت والمراد بها اللعب التي تلعب بها الصبية (كنت ألعب بالبنات) أي باللعب (وعندي الجواري) جمع جارية (فإذا دخل خرجن) أي إذا دخل صلى الله عليه وسلم خرجت تلك الجواري حياء منه وهيبة قيل معنى الحديث اللعب مع البنات أي الجواري والباء بمعنى مع قال الحافظ ويرده ما أخرجه ابن عيينة في الجامع في هذا الحديث وكن جواري يأتين فيلعبن بها معي وفي رواية جرير عن هشام كنت ألعب بالبنات وهن اللعب أخرجه أبو عوانة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (أو خيبر) شك من الراوي (وفي سهوتها) بفتح السين المهملة أي صفتها قدام البيت وقيل بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع وقيل هو شبيه بالرف والطاق بوضع فيه الشئ كذا في النهاية (فكشفت) أي أظهرت (ناحية الستر) أي طرفه (لعب) بضم ففتح بدل من بنات أو بيان (ورأى) أي النبي صلى الله عليه وسلم (بينهن) أي بين البنات (له) أي للفرس (من رقاع) بكسر الراء جمع رقعة وهي الخرقة وما يكتب عليه (وسطهن) بالسكون
[ 191 ]
قال في المصباح الوسط بالسكون بمعنى بين نحو جلست وسط القوم أي بينهم (قال فرس له جناحان) بحذف الاستفهام (حتى رأيت نواجذه) أي أواخر أسنانه واستدل بهذا الحديث والذي قبله على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع لعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن قال وذهب بعضهم إلى أنه منسوخ كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه النسائي (باب في الأرجوحة) بضم الهمزة هي خشبة يلعب عليها الصبيان والجواري الصغار يكون وسطها على مكان مرتفع ويجلسون على طرفيها ويحركونها فيرتفع جانب منها وينزل جانب قاله النووي وفي المجمع الأرجوحة حبل يشد طرفاه في موضع عال ثم يركبه الإنسان ويحرك وهو فيه (أخبرنا حماد) هو ابن سلمة (وأخبرنا بشر بن خالد) العسكري (أخبرنا أبو أسامة) هو حماد بن أسامه (فأتتني أم رومان) بضم الراء وسكون الواو هي أم عائشة رضي الله عنهما (فهيأنني وصنعنني) وفي رواية مسلم وكذا في الرواية الآتية فغسلن رأسي وأصلحنني وضمير الجمع يرجع إلى النسوة (فبنى بي) أي دخل بي (وأنا ابنة تسع) الواو للحال (فوقفت بي) الباء للتعدية أي أوقفتني أم رومان (فقلت هيه هيه) وفي رواية مسلم فقلت هه هه حتى ذهب نفسي قال النووي بإسكان الهاء الثانية وهي كلمة يقولها المبهور حتى يتراجع إلى حال سكونه
[ 192 ]
(قال أبو داود) أي مفسرا لقولها فقلت هيه هيه (فأدخلت) أي أم رومان (فقلن) أي لأم رومان ومن معها وللعروس (على الخير والبركة) أي قدمتن (دخل حديث أحدهما) ضمير التثنية يرجع إلى موسى بن إسماعيل وبشر بن خالد (على خير طائر) الطائر الحظ أي على أفضل حظ (فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لم يفجأني ويأتني بغتة إلا هذا (ضحى) أي في وقت الضحى قال المزي هذا الحديث أخرجه أبو داود في الأدب عن بشر بن خالد العسكري وإبراهيم بن سعيد الجوهري كلاهما عن أبي أسامة حماد بن أسامة وحديث إبراهيم بن سعيد في رواية أبي سعيد بن الأعرابي وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى (وأنا مجممة) أي وكان لي جمة وهي الشعر النازل إلى الأذنين ونحوهما قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه مختصرا ومطولا وقد تقدم في كتاب النكاح مختصرا
[ 193 ]
(بين عذقين) أي بين نخلتين قال الخطابي العذق بفتح العين النخلة والعذق بكسرها الكباسة (الكباسة بالكسر العذق كذا في القاموس) (ولي جميمة) تصغير الجمة من الشعر أي صار إلى حد الجمة بعد أن كان قد ذهب بالمرض (وساق الحديث) أي السابق والحديث سكت عنه المنذري وأحاديث الباب تدل على جواز اللعب على الأرجوحة للصبيان والجواري (باب في النهي عن اللعب بالنرد) بفتح النون وسكون الراء لعب معروف ويسمى الكعاب والنردشير (من لعب بالنرد الخ) فاللعب به حرام قال العزيزي لأن التعويل فيه على ما يخرجه الكعبان أي الحصا ونحوه فهو كالأزلام قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (من لعب بالنردشير) بكسر الشين وسكون التحتية بعدها راء قال النووي النردشير هو النرد فالنرد عجمي معرب وشير معناه حلو (فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه) أي أدخلها فيهما وفي رواية مسلم صبغ مكان غمس قال النووي أي في حال أكله منهما وهو تشبيه لتحريم اللعب بالنرد بتحريم أكلهما قال والحديث حجة للشافعي والجمهور في تحريم اللعب بالنرد وأما الشطرنج فمذهبنا أنه مكروه ليس بحرام وهو مروي عن جماعة من التابعين
[ 194 ]
وقال مالك وأحمد حرام قال مالك هو شر من النرد وألهى عن الخير قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه (باب في اللعب بالحمام) بالفتح والتخفيف يقال له يقع على الذكر والأنثى والهاء فيه على أنه واحد من جنس لا للتأنيث كذا في الصراع بالفارسية كبوتر صلى (يتبع حمامة) أي يقفو أثرها لاعبا بها (فقال الشيطان يتبع شيطانه) إنما سماه شيطانا لمباعدته عن الحق واشتغاله بما لا يعنيه وسماها شيطانة لأنها أورثته الغفلة عن ذكر الله قال النووي اتخاذ الحمام للفرخ والبيض أو الأنس أو حمل الكتب جائز بلا كراهة وأما اللعب بها للتطير فالصحيح أنه مكروه فإن انضم إليه قمار ونحوه ردت الشهادة كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده محمد بن علقمة الليثي وقد استشهد به مسلم وثقة يحيى بن معين ومحمد بن يحيى وقال ابن معين مرة ما زال الناس يتقون حديثه وقال السعدي ليس بالقوى وغمزه الإمام مالك وقال ابن المديني سألت يحيى يعني القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة كيف هو قال تريد العفو أو تشدد قلت بل أتشدد قال فليس هو ممن تريد (باب في الرحمة) (عن أبي قابوس) غير منصرف للمعجمة والعلمية قطع بهذا غير واحد ممن يعتمد عليه كذا في مرقاة الصعود (الراحمون) أي لمن في الأرض من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله بالشفقة عليهم والإحسان إليهم (يرحمهم الرحمن) أي يحسن إليهم ويتفضل عليهم والرحمة مقيدة
[ 195 ]
باتباع الكتاب والسنة فإقامة الحدود والانتقام لحرمة الله تعالى لا ينافي كل منهما الرحمة (ارحموا أهل الأرض يرحمكم) بالجزم جواب الأمر (من في السماء) هو الله تعالى وفي السراج المنير وقد روى بلفظ ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء والمراد بأهل السماء الملائكة ومعنى رحمتهم لأهل الأرض دعاؤهم لهم بالرحمة والمغفرة كما قال تعالى ويستغفرون لمن في الأرض (لم يقل مسدد مولى عبد الله بن عمرو) أي بل اقتصر على أبي قابوس (وقال قال النبي صلى الله عليه وسلم) أي لم يقل يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أبو بكر في روايته بل قال مكانه قال النبي صلى الله عليه وسلم واعلم أن هذا الحديث هو الحديث المسلسل بالأولية قال ابن الصلاح في مقدمته قلما تسلم المسلسلات من ضعف أعني في وصف التسلسل لافي أصل المتن ومن المسلسل ما ينقطع تسلسله في وسط إسناده وذلك نقص فيه وهو كالمسلسل بأول حديث سمعته على ما هو الصحيح في ذلك انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي أتم منه وقال حسن صحيح (قال) أي شعبة (كتب إلى منصور) هذا الحديث (قال ابن كثير في حديثه) عن شعبة أي بعد قوله كتب إلى منصور (وقرأته) أي الحديث أي بعد ما كتب إلى (عليه) أي على منصور (قلت) هذه مقولة شعبة ولفظ الترمذي في كتاب البر والصلة حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود حدثنا شعبة قال كتب به إلى منصور وقرأته عليه سمع أبا عثمان مولى المغيرة بن شعبة عن أبي هريرة الحديث (أقوله حدثني منصور) بحذف الاستفهام أي قلت لمنصور هل أقول فيما قرأته عليك لفظة حدثني منصور (فقال) أي منصور (إذا قرأته) بصيغة الخطاب (على فقد حدثتك) بصيغة المتكلم واعلم أن القراءة على الشيخ أحد وجوه التحمل عند الجمهور ورجحها بعضهم على السماع من لفظ الشيخ وذهب جمع جم منهم البخاري وحكاه في أوائل صحيحه عن جماعة من الأئمة إلى أن السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه يعني في الصحة والقوة سواء (ثم اتفقا) أي حفص وابن كثير (الصادق) أي في أقواله وأفعاله (المصدوق) أي المشهود بصدقه في قوله
[ 196 ]
تعالى وما ينطق عن الهوى (لا تنزع) بصيغة المجهول أي لا تسلب الشفقة على خلق الله ومنهم نفسه التي هي أولى بالشفقة والمرحمة عليها من غيرها بل فائدة شفقته على غيره راجعة إليها لقوله تعالى إن أحسنتم لأنفسكم (إلا من شقي) أي كافر أو فاجر يتعب في الدنيا ويعاقب في العقبى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن وأبو عثمان لا نعرف اسمه وقال هو والد موسى ابن أبي عثمان الذي روى عنه أبو الزناد انتهى وقال المزي وابن حجر أبو عثمان مولى المغيرة بن شعبه هو سعيد التبان انتهى (ويعرف) بالجزم (حق كبيرنا) أي بما يستحقه من التعظيم والتبجيل (فليس منا) أي من أهل سنتنا وقيل أي من خواصنا وهو كناية عن التبرئة قال المنذري قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي أظنه عبيد بن عامر أخا عروة ابن عامر (باب في النصيحة) (إن الدين النصيحة الحديث) قال الخطابي في المعالم النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له وليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة يحصرها ويجمع معناها غيرها وأصل النصيحة في اللغة الخلوص يقال نصحت العسل إذا أخلصته من الشمع فمعنى نصيحة الله عز وجل الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته والنصيحة لكتابه الإيمان به والعمل بما فيه والنصيحة لرسوله عليه السلام التصديق بنبوته وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه والنصيحة لأئمة المسلمين أن يطيعهم في الحق وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم وإرادة الخير لهم (أو أئمة المسلمين) شك من الراوي
[ 197 ]
قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (وأن أنصح) بصيغة المتكلم أي وعلي النصح لكل مسلم (قال) أي أبو زرعة (فكان) أي جرير (إذا باع الشئ الخ) قال الحافظ وروى الطبراني في ترجمته يعني جريرا أن غلامه اشترى له فرسا بثلاث مائة فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال إن فرسك خير من ثلاث مائة فلم يزل يزيده حتى أعطاه ثمانمائة قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي المسند منه من حديث عامر الشعبي عن جرير (باب في المعونة للمسلم) (أخبرنا أبو معاوية) الضرير محمد بن خازم (قال عثمان) بن أبي شيبة (وجرير الرازي) أي حدثنا أبو معاوية وجرير بن عبد الحميد الرازي وأما أبو بكر فقد اقتصر على رواية أبي معاوية فقط (ثم اتفقوا) أي أبو معاوية الضرير وجرير بن عبد الحميد وأسباط بن محمد والحاصل أن أبا بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وقال عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية وجرير كلاهما عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وقال واصل بن عبد الأعلى أخبرنا أسباط عن الأعمش قال حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة قلت قال الترمذي في كتاب الحدود حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة فذكره
[ 198 ]
قال الترمذي هكذا روى غير واحد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو رواية أبي عوانة وروى أسباط ابن محمد عن الأعمش قال حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه حدثنا بذلك عبيد بن أسباط بن محمد قال حدثني أبي عن الاعمش بهذا الحديث انتهى وأخرج مسلم في كتاب الدعوات والأذكار من صحيحه عن أبي معاوية عن الاعمش عن أبي صالح أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة طرق متصلا ومن غير طريق أبي معاوية أيضا والله أعلم (من نفس) بتشديد الفاء أي أزال وكشف (كربة) بضم الكاف وسكون الراء أي الخصلة التي يحزن بها وجمعها كرب بضم ففتح (ومن ستر على مسلم) أي بدنه أو عيبة بعدم الغيبة له والذب عن معائبه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وليس في حديث مسلم قوله ومن ستر على مسلم (كل معروف صدقة) أي كل ما يفعل من أعمال الخير والبر فثوابه كثواب من تصدق بالمال والحديث سكت عنه المنذري (باب في تغيير الاسماء) (إنكم تدعون) بصيغة المجهول أي تنادون (باسمائكم وأسماء آبائكم) وروى الطبراني
[ 199 ]
بسند ضعيف كما قاله شمس الدين القيم في حاشية السنن عن ابن عباس أن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا منه على عباده قال العلقمي ويمكن الجمع بأن حديث الباب فيمن هو صحيح النسب وحديث الطبراني في غيره أو يقال تدعى طائفة بأسماء الآباء وطائفة بأسماء الأمهات (فأحسنوا أسمائكم) أي أسماء أولادكم وأقاربكم وخدمكم قال المنذري عبد الله بن أبي زكريا كنيته أبو يحيى خزاعي دمشقي ثقة عابد لم يسمع من أبي الدرداء فالحديث منقطع وأبوه أبو زكريا إسمه إياس ابن مرثد (إبراهيم بن زياد سبلان) قال في التقريب إبراهيم بن زياد البغدادي المعروف بسبلان بفتح المهملة والموحدة ثقة (أحب الأسماء الحديث) فيه التسمية بهذين الإسمين وتفضيلهما على سائر ما يسمى به
[ 200 ]
قال المنذري وأخرجه مسلم (حدثني عقيل بن شبيب) بفتح العين وثقه ابن حبان (وأصدقها حارث وهمام) فإن الاول بمعنى الكاسب والثاني فعال من هم يهم فلا يخلو إنسان عن كسب وهم بل عن هموم (وأقبحها حرب ومرة) لما في حرب من البشاعة وفي مرة من المرارة وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن قال المنذري وأخرجه النسائي (في عباءة) أي كان لابسها (يهنأ) كيفتح وهو أي يطليه بالهناء بالكسر والمد وهو القطران ويعالجه به (فناولته) أي أعطيته (في فيه) أي في فمه الشريف (فلا كهن) أي مضغهن واللوك مضغ الشئ الصلب (ثم فغر) بالفاء والغين المعجمة أي فتح (فاه) أي عبد الله (فأوجرهن إياه) أي أدخل التمرات الملوكة صلى الله عليه وسلم في فمه (يتلمظ) أي يحرك لسانه ويدير في فيه ليتتبع ما فيه من آثار التمر (حب الأنصار التمر) قال النووي روى بضم الحاء وكسرها فالكسر بمعنى المحبوب وعلى هذا هو مبتدأ وخبر والضم بمعنى المصدر وعلى هذا ففي إعرابه وجهان النصب في اللفظين وهو الأشهر أي انظروا حب الأنصار التمر والرفع في الاول والنصب في الثاني أي حب الأنصار التمر لازم أو عادة من صغرهم انتهى ملخصا وفي الحديث فوائد منها تسمية المولود بعبد الله وتحنيكه عند ولادته وهو سنة بالاجماع قال المنذري وأخرجه مسلم
[ 201 ]
(باب في تغيير اسم القبيح) (غير اسم عاصية الخ) قيل كانوا يسمون بالعاص والعاصية ذهابا إلى معنى الإباء عن قبول النقائص والرضا بالضيم (يعني العيب والنقص) فلما جاء الإسلام نهوا عنه ولعله لم يسمها مطيعة مع أنها ضد العاصية مخافة التزكية وقال في النهاية إنما غيره لأن شعار المؤمن الطاعة والعصيان ضدها انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه (إن زينب) هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم (سألته) أي محمد بن عمرو (سميت) بصيغة المجهول أي سماني أهلي (برة) بفتح الموحدة والراء المشددة من البر (لا تزكوا أنفسكم) تزكية الرجل نفسه ثناؤه عليها (الله أعلم بأهل البر منكم) البراسم لكل فعل مرضي (قال سموها زينب) في القاموس زنب فقال كفرح سمن والازنب أي السمين وبه سميت المرأة زينب أو من الزيب لشجر حسن المنظر طيب الرائحة أو أصلها زين اب قال المنذري وأخرجه مسلم (حدثني بشير بن ميمون) بفتح الموحدة وكسر المعجمة (أسامة بن أخدري) بفتح همزة وسكون خاء وفتح دال مهملة وكسر راء وياء مشددة (قال أنا أصرم) من الصرم بمعنى
[ 202 ]
القطع (بل أنت زرعة) بضم زاء وسكون راء مأخوذ من الزرع وهو مستحسن بخلاف أصرم لأنه منبئ عن انقطاع الخير والبركة فبادله به قال المنذري قال أبو القاسم البغوي أسامة بن أخدري سكن البصرة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا هذا آخر كلامه وأخدري ثنا بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وبعدها دال مهملة مفتوحة وراء مهملة مكسورة وياء النسب والأخدري به الحمار الوحشي ويشبه أن يكون سمي به (شريح) بالتصغير (هانئ) بكسر النون بعدها همزة (وفد) أي جاء (سمعهم) أي سمع صلى الله عليه وسلم قوم هانئ (يكنونه) بتشديد النون مع ضم أوله وتخفيف مع فتح أوله (بأبي الحكم) بفتحتين بمعنى الحاكم (فدعاه) أي هانئا (إن الله هو الحكم وإليه الحكم) أي منه يبتدأ الحكم وإليه ينتهي الحكم وفي إطلاق أبي الحكم على غيره يوهم الإشتراك في وصفه على الجملة وإن لم يطلق عليه سبحانه أبو الحكم كذا في المرقاة وفي شرح السنة الحكم هو الحاكم الذي إذا حكم لا يرد حكمه وهذه الصفة لا تليق بغير الله تعالى ومن أسمائه الحكم (فقال إن قومي) استئناف تعليل (ما أحسن هذا) أي الذي ذكرته من وجه التكنية وأتى بصيغة التعجب مبالغة في حسنه لكن لما كان فيه من الايهام ما سبق أراد تحويل كنيته إلى ما يناسبه فقال فمالك الخ (فأنت أبو شريح) أي رعاية للاكبر سنا وفيه أن الأولى أن يكنى الرجل بأكبر بنية قال القاري فصار ببركته صلى الله عليه وسلم أكبر رتبة وأكثر فضلا فإنه من أجله أصحاب علي رضي الله عنه ، وكان مفتيا في زمن الصحابة ويرد على بعضهم ، وقد ولاه علي رضي الله عنه قاضيا وخالفه في قبول شهادة الحسن له والقضية مشهورة انتهى
[ 203 ]
قال المنذري وأخرجه النسائي (قال حزن) بفتح المهملة وسكون الزاي أي اسمي حزن قال في القاموس الحزن ما غلط من الأرض والسهل من الأرض ضد الحزن انتهى قال الحافظ واستعمل في الخلق يقال في فلان حزونة أي في خلقه غلظة وقساوة (قال لا) وفي رواية البخاري لا أغير إسما سمانيه أبي (السهل يوطأ) أي يداس بالأقدام (ويمتهن) أي يهان (سيصيبنا بعده حزونة) أي صعوبة الخلق على ما ذكره السيوطي قال المنذري وأخرجه البخاري وفيه قال ابن المسيب فما زالت الحزونة فينا بعد وجده هو حزن أبي وهب القرشي المخزومي له صحبة (قال أبو داود وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص) لأنه من العصيان والمفهوم من القاموس أنه معتل العين فلعل التغيير لأجل الاشتباه اللفظي و (عزيز) لأنه من أسماء الله تعالى و (عتلة) بفتحات لأنه معناه الغلظة والشدة (والحكم) فإن الله هو الحكم (وغراب) لأن معناه البعد وقيل لأنه أخبث الطيور لوقوعه على الجيف وبحثه عن النجاشات هذا (وحباب) بضم المهملة وبالموحدتين لأنه اسم الشيطان ويقع على الحية أو نوع منها (وشهاب) بكسر الشين لأنه شعلة نار ساقطة قال القاري والظاهر أنه إذا أضيف إلى الدين مثلا لا يكون مكروها (فسماه) أي الشهاب (وأرضا تسمى عفرة) بفتح عين وكسر فاء وهي من الأرض ما لا تنبت شيئا وفي بعض النسخ عقرة بالقاف (وبنو الزنية) بكسر الزاي وسكون النون بمعنى الزنا
[ 204 ]
(الاجدع شيطان) أي اسم شيطان من الشياطين قال المنذري في إسناده مجالد بن سعيد وفيه مقال (لا تسمين) الخطاب عام لكل من يصلح (غلامك) ولدك أو عبدك (يسارا) من اليسر ضد العسر (ولا رباحا) من الربح ضد الخسارة (ولا نجيحا) من النجح وهو الظفر (ولا أفلح) من الفلاح وهو الفوز (أثم هو) أي أهناك المسمى بأحد هذه الأسماء المذكورة (فيقول) أي المجيب (لا) أي ليس هناك يسار أو لا رباح عندنا مثلا فلا يحسن مثل هذا التفاؤل (إنما هن أربع الخ) هذا قول سمرة يقول هذه الأسماء أربع فلا تزد عليها افتراء علي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمي رقيقنا الخ) قد سبق علة النهي في الحديث السابق قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه (إن عشت الحديث) ولفظ مسلم أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهي عن أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع ونحو ذلك ثم رأيته سكت بعد عنها ثم قبض ولم ينه عن ذلك
[ 205 ]
قال النووي معناه أراد أن ينهى عنها نهي تحريم وأما النهي الذي هو بكراهة التنزيه فقد نهى عنه في الأحاديث الباقية انتهى وقال الطيبي كأنه أي أمارات وسمع ما يشعر بالنهي ولم يقف على النهي صريحا فلذا قال ذلك وقد نهاه صلى الله عليه وسلم كما في حديث سمرة (قال أبو داود روى أبو الزبير عن جابر نحوه لم يذكر بركة) قال المنذري والذي قاله أبو داود رضي الله عنه في حديث أبي الزبير فيه نظر فقد أخرج مسلم الحديث في صحيحه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير وفيه أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهي أن يسمي الغلام بمقبل وبركة الحديث (أخنع اسم) أي أذله وأوضعه من الخنوع وهو الذل (رجل) أي اسم رجل (يسمى) بصيغة المجهول من التسمية وفي بعض النسخ تسمى بصيغة الماضي المعلوم من التسمي مصدر من باب التفعل أي سمى نفسه أو سمي بذلك فرضي به واستمر عليه (بملك الأملاك) جمع ملك كالملوك وقد فسره سفيان الثوري بشاهان شاه (قال أخنى اسم) أي أفحشه وأقبحه من الخنا بمعنى الفحش قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وحديث شعيب هذا الذي علقه أبو داود قد أخرجه البخاري في صحيحه مسندا فرواه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب (باب في الالقاب) قال علماء العربية العلم إما أن يكون مشعرا بمدح أو ذم وهو اللقب وإما أن لا يكون فإما يصدر بأب أو ابن وهو الكنية أولا وهو الاسم
[ 206 ]
(في بني سلمة) بدل من فينا (ولا تنابزوا بالألقاب) أي لا يدعو بعضكم بعضا بلقب يكرهه (بئس الاسم) أي المذكور قبل من السخرية اللمز والتنابز (الفسوق بعد الإيمان) بدل من الاسم (وليس منا رجل) الواو للحال (إلا وله اسمان أو ثلاثة) أو للتنويع (يقول يا فلان) أي بأحد أسمائه (فيقولون مه) بفتح الميم وسكون الهاء اكفف قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن هذا آخر كلامه وأبو جبيرة هذا لا يعرف له اسم وقد اختلف العلماء في صحبته فقال بعضهم له صحبة وقال بعضهم ليست له صحبة وهو أخو ثابت بن الضحاك وجبيرة بفتح الجيم وكسر الباء الموحدة وسكون الياء اخر الحروف وبعدها راء مهملة وتاء تأنيث (باب فيمن يتكنى بأبي عيسى) (أن عمر بن الخطاب ضرب ابنا له تكنى أبا عيسى) كره رضي الله عنه التكني بأبي عيسى لما فيه من إيهام أب عيسى عليه السلام كذا في فتح الودود (أن تكنى) بحذف إحدى التائين (فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني) أي بأبي عيسى (فقال) أي عمر رضي الله عنه زعما منه أن ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم (وإنا في جلجتنا) أي في عدد من أمثالنا من المسلمين لا ندري ما يصنع بنا كذا في المجمع وقال في النهاية لما نزلت إنا فتحنا لك فتحا مبينا
[ 207 ]
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قالت الصحابة بقينا نحن في جلج لا ندري ما يصنع بنا قال أبو حاتم سألت الأصمعي عنه فلم يعرفه وقال ابن الأعرابي الجلج رؤوس الناس واحدتها جلجة المعنى أنا بقينا في عدد رؤوس كثيرة من المسلمين وقال ابن قتيبة معناه وبقينا نحن في عدد من أمثالنا من المسلمين لا ندري ما يصنع بنا وقيل الجلج في لغة أهل اليمامة جباب الماء كأنه يريد تركنا في أمر ضيق كضيق الجباب انتهى (حتى هلك) أي مات المغيرة والحديث سكت عنه المنذري (باب في الرجل يقول لابن غيره يا بني) (وسماه) أي أبا عثمان (ابن محبوب) فاعل (الجعد) مفعول ثان (قال له يا ابني) فيه جواز قول الانسان لغير ابنه ممن هو أصغر سنا منه يا بني مصغرا ويا بني ويا ولدي ومعناه تلطف وأنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة قال المنذري وأخرجه مسلم وأخرجه الترمذي وقال غريب من هذا الوجه وقد روى من غير هذا الوجه عن أنس وأبو عثمان هذا شيخ ثقة وهو الجعد بن عثمان ويقال ابن دينار وهو بصري وقد روى عنه يونس بن عبيد وغير واحد من الأئمة هذا آخر كلامه وقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أي بني (باب في الرجل يتكنى بأبي القاسم) (تسمو باسمي) أمر من التسمي (ولا تكنوا) بفتح الكاف وتشديد النون وعلى حذف
[ 208 ]
إحدى التاءين من التكني وفي بعض النسخ لا تكتنوا قال في المبارق شرح المشارق النهي للتنزيه وقيل للتحريم والظاهر من الحديث أن المنهي هو التكني بكنيته مطلقا وقيل هو الجمع بين إسمه وكنيته ويمكن أن يقال مجرد التكني بكنيته مكروه والجمع بين اسمه وكنيته أشد كراهة قال مالك هذا الحكم كان مختصا بحياته وقال الشافعي بل باق بعده انتهى وتحقيق هذه المسألة بالبسط والتفصيل في فتح الباري من شاء الاطلاع عليه فليراجع إليه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه (قال أبو داود وكذلك) أي بهذه الجملة تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي (وأنس بن مالك) أي وكذلك رواية أنس قال المنذري وحديث أبي صالح عن أبي هريرة أخرجه البخاري وحديث محمد بن المنكدر عن جابر أخرجه البخاري ومسلم بنحوه وحديث سالم بن أبي الجعد عن جابر أخرجه البخاري ومسلم وحديث أبي سفيان طلحة ابن نافع عن جابر أخرجه البخاري ومسلم وحديث أنس أخرجه الترمذي وابن ماجه (باب فيمن رأى أن لا يجمع بينهما) أي بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته (من تسمى باسمي فلا يكنى) من التكنية وفي بعض النسخ يتكنى من التكني والحديث تمسك به من نهى عن الجمع بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب (وروى بهذا المعنى ابن عجلان)
[ 209 ]
هو محمد بن عجلان القرشي أبو عبد الله المدني وثقه أحمد وابن معين (عن أبيه) عجلان المدني مولى فاطمة بنت عتبة قال النسائي لا بأس به (عن أبي هريرة) وحديث ابن عجلان عند الترمذي بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته ويسمى محمدا أبا القاسم قال الترمذي حسن صحيح ولفظ البخاري في الأدب المفرد حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين اسمه وكنيته وقال أنا أبو القاسم (وروي) بصيغة المجهول (عن أبي زرعة) بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي وثقه ابن معين وابن خراش (عن ابي هريرة مختلفا) بصيغة المجهول (على الروايتين) المذكورتين أي مثل رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة ومثل رواية أبي الزبير عن جابر وروى أحمد في مسنده من حديث أبي زرعة من كلا اللفظين ما نصه حدثنا يحيى بن آدم حدثنا شريك عن سلم بن عبد الرحمن النخعي عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من تسمى باسمي فلا يكنى بكنيتي ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي رواه أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت عبد الله بن يزيد النخعي قال سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي رواه أحمد قال عبد الله بن أحمد قال أبي شعبة يخطئ في القول عبد الله بن يزيد وإنما هو سلم بن عبد الرحمن النخعي (وكذلك) أي باختلاف اللفظتين (رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة) الأنصاري النجاري المدني القاص قال ابن سعيد كثير الحديث (عن أبي هريرة اختلف) بصيغة المجهول أي اختلف على عبد الرحمن (فيه) في هذا الحديث (رواه الثوري وابن جريج) كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي عمرة (على ما قال أبو الزبير) عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من تسمى باسمي فلا يكنى بكنيتي ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى (ورواه معقل بن عبيد الله) العبسي وثقه أحمد والنسائي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة (على ما قال ابن سيرين) هو محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي
[ 210 ]
وأخرج أحمد في مسنده حدثنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني عبد الكريم ابن مالك أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة أخبره عن عمه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يكنى بكنيته وروى سليم بن حيان عن أبيه عن ابي هريرة وكذا خالد عن أبي هريرة مثل رواية محمد بن سيرين أخرج أحمد حدثنا عبد الرحمن حدثني سليم بن حيان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي حدثنا محبوب بن الحسن عن خالد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي انتهى (واختلف) بصيغة المجهول (فيه) أي في هذا الحديث (على موسى بن يسار) المطلبي وثقه ابن معين (عن أبي هريرة أيضا على القولين) أي مثل رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة ومثل رواية الزبير عن جابر (اختلف فيه حماد بن خالد) القرشي المدني ثم البصري وثقه ابن معين وابن المديني والنسائي (وابن أبي فديك) هو محمد ابن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك المدني قال النسائي ليس به بأس فحماد وابن أبي فديك كلاهما يرويان عن موسى ابن يسار عن أبي هريرة على الاختلاف وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد في مسنده واللفظ للبخاري حدثنا أبو نعيم حدثنا داود بن قيس حدثني موسى بن يسار سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي فإني أنا أبو القاسم انتهى والحاصل أن أبا هريرة رضي الله عنه روى عنه الحديث من كلا اللفظين مثل لفظ محمد بن سيرين عن أبي هريرة ومثل لفظ أبي الزبير عن جابر وبين كلتا الروايتين فرق المغنى فإن رواية جابر تدل على جواز التكني بكنية النبي والتسمي باسم النبي صلى الله عليه وسلم على الانفراد وعلى عدم الجواز على سبيل الاجتماع ورواية ابن سيرين تدل على جواز التسمي باسم النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عدم جواز التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم قال المنذري وحديث ابن عجلان الذي أشار إليه أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وحديث محمد بن سيرين تقدم وحديث أبي الزبير هو الذي ذكره في هذا الباب
[ 211 ]
(باب في الرخصة في الجمع بينهما) (عن محمد بن الحنيفة) هو محمد بن علي بن أبي طالب يكنى أبا القاسم وأمه خولة بنت جعفر الحنفية (قال قال علي) هو ابن أبي طالب كرم الله وجهه (إن ولد لي من بعدك ولد الخ) فيه أن النهي مقصور على زمانه صلى الله عليه وسلم فيجوز الجمع بينهما بعده وبه قال مالك قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال صحيح (فذكر لي) بصيغة المجهول (أنك تكره) أي كراهة تحريم كما يدل عليه ما أجاب (ذلك) أي الجمع (فقال ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي) قاله بالاستفهام الإنكاري (أو ما الذي حرم الخ) شك من أحد الرواة وفي الحديث دلالة على أن الجمع بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته ليس بمحرم ولا مكروه قال المنذري غريب انتهى وفي فتح الباري ذكر الطبراني في الأوسط أن محمد بن عمران الحجبي تفرد به عن صفية شيبة ومحمد المذكور مجهول انتهى وقال الذهبي في الميزان محمد بن عمران الحجي له حديث وهو منكر وما رأيت لهم فيه جرحا ولا تعديلا انتهى
[ 212 ]
(باب في الرجل يتكنى وليس له ولد) (يكنى أبا عمير) بالتصغير (وكان له نغر) بضم النون وفتح الغين المعجمة طائر يشبه العصفور أحمر المنقار وقيل هو العصفور وقيل هو العصفور صغير المنقار أحمر الرأس وقيل أهل المدينة يسمونه البلبل قاله القاري (فمات) أي النغر (فرآه) أي أخا أنس (فقال ما شأنه) أي ما حاله وما وجه كونه حزينا (ما فعل) بصيغة الفاعل أي ما صنع (النغير) تصغير النغر والمعنى ما جرى له حيث لم أره معك وفي الحديث جواز تكنية من ليس له ولد وتكنية الطفل وأنه ليس كذبا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه من حديث أبي التياح يزيد بن حميد الضبعي عن أنس بن مالك (باب في المرأة تكنى) (قالا أخبرنا حماد) هو ابن زيد (يعني ابن أختها) أي أسماء بنت أبي بكر (هكذا) أي بإسناد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (رواه قران) بضم القاف وتشديد الراء (عن هشام) بن
[ 213 ]
عروة عن أبيه عن عائشة (نحوه) أي نحو رواية حماد بن زيد (ورواه أبو أسامة عن هشام عن عباد بن حمزة) بن عبد الله ابن الزبير عن عائشة والحاصل أن حماد بن زيد وقران بن تمام ومعمرا هؤلاء الثلاثة رووه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأما أبو أسامة وحماد بن سلمة ومسلمة بن قعنب فرووه عن هشام بن عروة عن عباد بن حمزة عن عائشة قلت وقد تابع أبا أسامة وحمادا ومسلمة وهيب عن هشام أخرج البخاري في الأدب المفرد حدثنا موسى حدثنا وهيب حدثنا هشام عن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت يا نبي الله ألا تكنني ولا فقال اكتني بابنك يعني عبد الله بن الزبير فكانت تكنى أم عبد الله انتهى والحديث سكت عنه المنذري (باب في المعاريض) جمع معراض من التعريض بالقول قال الجوهري هو خلاف التصريح وهو التورية بالشئ عن الشئ وقال الراغب التعريض كلام له وجهان في صدق وكذب أو باطن وظاهر (عن ضبارة) بضم الضاد المعجمة وبالموحدة ابن عبد الله بن مالك مجهول (كبرت) بفتح فضم أي عظمت (خيانة) تمييز (أن تحدث أخاك) فاعل كبرت (هو لك به مصدق) أي أخوك مصدق لك بذلك الحديث (وأنت له) أي لأخيك (به) أي بذلك الحديث (كاذب) لأنه ائتمنك فيما تحدثه به فإذا كذبت فقد خنت أمانته وخنت أمانة الإيمان فيما أوجب من نصيحة الاخوان قال المناوي أن تحدث أخاك فاعل كبرت وأنت الفعل له باعتبار التمييز لأن نفس الخيانة هي الكبيرة وفيه معنى التعجب كما في كبر مقتا عند الله والمراد خيانة عظيمة منك إذا حدثت أخاك المسلم بحديث وهو يعتمد عليك اعتمادا على أنك مسلم لا تكذب فيصدقك والحال أنك كاذب قال النووي والتورية والتعريض إطلاق لفظ هو ظاهر في معنى ويريد معنى آخر يتناوله اللفظ لكنه خلاف ظاهره وهو ضرب من التغرير والخداع فإن دعت إليه مصلحة شرعية
[ 214 ]
راجحة على خداع المخاطب أو حاجة لا محيص عنها إلا به فلا بأس وإلا كره فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق حرم عليه انتهى قال النووي في الأذكار هذا الحديث فيه ضعف قال المناوي لكن وضع أبو داود في كتابه فاقتضى كونه حسنا عنده والحديث أخرجه أحمد والطبراني في الكبير عن النواس بن سمعان قال المنذري رواه أحمد عن شيخه عمر بن هارون وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات وقال الهيثمي فيه شيخ الإمام أحمد عمر بن هارون ضعيف وبقية رجاله ثقات وقال شيخه العراقي في حديث سفيان ضعفه ابن عدي وحديث النواس سنده جيد انتهى كلام المناوي قال المنذري في إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال وذكر أبو القاسم البغوي سفيان بن أسيد هذا وقال لا أعلم روى غير هذا الحديث هذا آخر كلامه وأسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف ودال مهملة ويقال فيه ابن أسيد أيضا قال النمري حديثه من حديث الحمصيين حدث عنه بقية (باب في زعموا) أي في بيان ما ورد في هذه الكلمة قال في القاموس الزعم مثلثة القول الحق والباطل والكذب ضد وأكثر ما يقال فيما يشك فيه (أو قال أبو عبد الله) شك من الراوي (ما سمعت) أي أي شئ سمعته (يقول في زعموا) أي في حق هذا اللفظ (بئس مطية الرجل) المطية بفتح الميم وكسر الطاء المهملة وتشديد التحتية بمعنى المركوب (زعموا) في النهاية الزعم بالضم والفتح قريب من الظن أي أسوأ عادة للرجل أن يتخذ لفظ زعموا مركبا إلى مقاصده فيخبر عن أمر تقليدا من غير تثبت فيخطئ
[ 215 ]
ويجرب عليه الكذب قاله المناوي وفي اللمعات يعني أن ما زعموا بئس مطيته يجعل المتكلم مقدمة كلامه والمقصود أن الإخبار بخبر مبناه على الشك والتخمين دون الجزم واليقين قبيح بل ينبغي أن يكون لخبره سند وثبوت ويكون على ثقة من ذلك لا مجرد حكاية على ظن وحسبان وفي المثل زعموا مطية الكذب انتهى قال الخطابي في المعالم أصل هذا أن الرجل إذا أراد المسير إلى بلد ركب مطية وسار حتى يبلغ حاجته فشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدمه الرجل أمام كلامه ويتوصل به إلى حاجته من قولهم زعموا كذا وكذا بالمطية التي يتوصل بها إلى الموضع الذي يقصده وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه وإنما هو شئ حكي عن الألسن على سبيل البلاغ فذم النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث ما كان هذا سبيله وأمر بالتثبت فيه والتوثق لما يحكيه من ذلك فلا يروونه حتى يكون معزيا إلى ثبت ومرويا عن ثقة انتهى قال المنذري أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري ذكر الحافظ أبو مسعود الدمشقي في الاطراف أنه لم يسمع منهما يعني حذيفة وأبا مسعود رضي الله عنهم (باب في الرجل يقول في خطبته أما بعد) (فقال أما بعد) مبني على الضم لأنه من الظروف المقطوعة عن الإضافة وقد ثبت استعمال هذه الكلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخطب في كثير من الأحاديث فينبغي للخطباء أن يستعملوها تأسيا واتباعا قال المنذري وأخرجه مسلم في أثناء الحديث الطويل في فضائل أهل البيت (باب في الكرم) الكرم بسكون الراء وفتحها مصدر كرم يكرم يوصف به مبالغه على طريق رجل عدل
[ 216 ]
يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع يقال رجل كرم وامرأة كرم ورجلان كرم وامرأتان كرم ورجال كرم ونسوة كرم ويطلق على العنب وشجرة كذا قالوا قلت ويطلق أيضا على الحائط من العنب يدل عليه ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث سمرة رفعه أن اسم الرجل المؤمن في الكتب الكرم من أجل ما أكرمه الله على الخليفة وأنكم تدعون الحائط من العنب الكرم الحديث وهذا هو المناسب لرواية المؤلف (وحفظ المنطق) أي وهذا باب حفظ المنطق وهو بفتح الميم وسكون النون مصدر قال في المصباح نطق نطقا من باب ضرب ومنطقا والنطق بالضم اسم منه والمعنى أن للرجل أن يحافظ في المنطق ويراعي في الكلام فلا يتكلم ولا ينطق بما تشهيه نفسه بل لا بد له أن يستعمل في كلامه الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة ويجتنب عن الألفاظ الجاهلية وعن العبارات التي ظاهرها مخالفة الأدب والمروءة قلت والأحاديث التي ساقها المؤلف في هذا الباب والأبواب التالية أكثرها داخل تحت هذه الترجمة أي حفظ المنطق والله أعلم (لا يقولن أحدكم الكرم) أي للعنب أو لحائطه
[ 217 ]
وهذا هو مناسب لقوله ولكن قولوا حدائق الأعناب قال الخطابي في المعالم إنما نهاهم عليه السلام عن تسمية هذه الشجرة كرما لأن هذا الاسم مشتق عندهم من الكرم والعرب تقول رجل كرم بمعنى كريم وقوم كرم أي كرام فأشفق صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم حسن أسمائها إلى شرب الخمر المتخذة من ثمرها فسلبها هذا الاسم وجعله صفة للمسلم الذي يتوقى شربها ويمنع نفسه الشهوة فيها عزة وتكرما انتهى قال المنذري وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم
[ 218 ]
وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وأخرج مسلم من حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقولوا الكرم ولكن قولوا عنب والحبلة (باب لا يقول المملوك ربي وربتي) (لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي) لان حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى فكلكم
[ 219 ]
عبيد الله وكل نسائكم إماء الله (ولا يقولن المملوك ربي وربتي) لأن الربوبية إنما حقيقتها لله تعالى لان الرب هو المالك أو القائم بالشئ ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى (وليقل المالك فتاي وفتاتي) هما بمعنى الشاب والشابة بناء على الغالب في الخدم أو القوي والقوية ولو باعتبار ما كان (وليقل المملوك سيدي وسيدتي) لأن لفظة السيد غير مختصة بالله تعالى اختصاص الرب ولا مستعملة فيه كاستعمالها حتى كره مالك الدعاء بسيدي ولم يأت تسميته تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر قاله النووي (والرب الله) مبتدأ وخبر قال المنذري وأخرجه النسائي (إن أبا يونس) هو سليمان بن جبير مولى أبي هريرة (في هذا الخبر) أي السابق ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أي لم يرفع الحديث (وليقل سيدي ومولاي) أي مكان قوله سيدي وسيدتي وقد عقد الامام البخاري بابا في جواز إطلاق السيد والعبد من أبواب المظالم فقال باب كراهية التطاول على الرقيق وقوله عبدي وأمتي إلى آخره وأورد فيه سبعة أحاديث كله يدل على الجواز قال في فتح الباري قوله وليقل سيدي ومولاي وفيه جواز إطلاق العبد على مالكه سيدي قال القرطبي وغيره إنما فرق بين الرب والسيد لأن الرب من أسماء الله تعالى اتفاقا واختلف في السيد ولم يرد في القرآن أنه من أسماء الله تعالى فإن قلنا إنه ليس من أسماء الله تعالى فالفرق ظاهر ولا التباس وإن قلنا إنه من أسمائه فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيحصل الفرق بذلك أيضا وقد روى أبو داود والنسائي وأحمد والمصنف في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن الشخير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السيد الله وقال الخطابي إنما أطلقه لأن مرجع السيادة إلى معنى الرياسة على من تحت يده والسياسة له وحسن التدبير لأمره ولذلك سمي الزوج سيدا قال وأما المولى فكثير التصرف في الوجوه المختلفة من ولى وناصر وغير ذلك ولكن لا يقال السيد ولا المولى على الإطلاق من غير إضافة إلا في صفة الله تعالى انتهى
[ 220 ]
وفي الحديث جواز إطلاق مولاي أيضا وأما ما أخرجه مسلم والنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في هذا الحديث نحوه وزاد ولا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله ولكن ليقل سيدي فقد بين مسلم الاختلاف في ذلك على الأعمش وأن منهم من ذكر هذه الزيادة ومنهم من حذفها وقال عياض حذفها أصح وقال القرطبي المشهور حذفها قال وإنما صرنا إلى الترجيح للتعارض مع تعذر الجمع وعدم العلم بالتاريخ انتهى ومقتضى ظاهر هذه الزيادة أن إطلاق السيد أسهل من إطلاق المولى وهو خلاف المتعارف فإن المولى يطلق على أوجه متعددة منها الأسفل والأعلى والسيد لا يطلق إلا على الاعلى فكان إطلاق المولى أسهل وأقرب إلى عدم الكراهة والله تعالى أعلم وقد رواه محمد بن سيرين عن أبي هريرة فلم يتعرض للفظ المولى إثباتا ولا نفيا أخرجه أبو داود والنسائي والمصنف في الأدب المفرد بلفظ لا يقولن أحدكم عبد ولا أمتي ولا يقل المملوك ربي وربتي ولكن ليقل المالك فتاي وفتاتي والمملوك سيدي وسيدتي فإنكم المملوكون والرب الله تعالى ويحتمل أن يكون المراد النهي عن الإطلاق كما تقدم من كلام الخطابي ويؤكد كلامه حديث ابن الشخير المذكور والله أعلم وعن مالك تخصيص الكراهة بالنداء فيكره أن يقول يا سيدي ولا يكره في غير النداء انتهى قلت حديث عبد الله بن الشخير رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد واللفظ للبخاري حدثنا مسدد قال حدثنا بشر بن المفضل حدثنا أبو مسلمة عن أبي نضرة عن مطرف قال قال أبي انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالو أنت سيدنا قال السيد الله قالو وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا قال فقال قولوا بقولكم ولا يستجرينكم [ أي لا يتخذكم وكلاء ] الشيطان " انتهى قال الحافظ رجاله ثقات وقد صححه غير واحد ويمكن الجمع بأن يحمل النهي عن ذلك على إطلاقه على غير المالك والإذن بإطلاقه على المالك وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا ويكره أن يخاطب أحدا بلفظه أو كتابته بالسيد ويتأكد هذا إذا كان المخاطب غير تقي لحديث بريدة مرفوعا لا تقولوا للمنافق سيدا الحديث أخرجه أبو داود وغيره انتهى كلامه قلت هذا الجمع والتوفيق ليس بقوي وفيه وجوه أخر فيطلب من غاية المقصود شرح سنن أبي داود والله أعلم
[ 221 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة بمعناه (لا تقولوا للمنافق سيد) وفي بعض النسخ سيدا بالنصب (فإنه إن يك سيدا) أي سيد قوم أو صاحب عبيد وإماء وأموال (فقد أسخطتم ربكم عز وجل) أي أغضبتموه له لأنه يكون تعظيما له وهو ممن لا يستحق التعظيم فكيف إن لم يكن سيدا بأحد من المعاني فإنه يكون مع ذلك كذبا ونفاقا وقيل معناه إن يك سيدا لكم فتجب عليكم طاعته فإذا أطعمتموه ذلك فقد أسخطم محمد ربكم أو لا تقولوا لمنافق سيد فإنكم إن قلتم ذلك فقد أسخطتم ربكم فوضع الكون موضع القول تحقيقا له كذا في المرقاة ملخصا وقال ابن الأثير لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن كان سيدكم وهو منافق فحالكم دون حاله والله لا يرضى لكم ذلك انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي (باب لا يقال خبثت نفسي) بفتح الخاء المعجمة وضم الموحدة والخبث يطلق على الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والقبيح في الفعال وعلى الحرام والصفات المذمومة القولية والفعلية (و ليقل لقست نفسي) بكسر القاف قال الخطابي في المعالم لقست نفسي وخبثت بمعنى واحد وإنما كره عليه السلام من ذلك لفظ الخبث لشناعة الإسم وعلمهم الأدب في المنطق وأرشدهم إلى استعمال الحسن وهجران القبيح منه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
[ 222 ]
(جاشت نفسي) قال في القاموس جاش النفس غثت أو دارت الغثيان وفي اللسان جاشت نفسي جيشا وجيشانا غثت أو دارت للغثيان إلى وجاشت القدر تجيش جيشا وجيشانا غلت وكذلك الصدر إذا لم يقدر صاحبه على حبس ما فيه قال في التهذيب وكل شئ يغلي فهو يجيش حتى الهم والغصة في الصدر انتهى كلامه (ولكن ليقل لقست نفسي) قال في القاموس لقست نفسه إلى الشئ كفرح نازعته إليه ومنه غثت وخبثت وإنما كره صلى الله عليه وسلم لفظ خبثت لقبحه ولئلا ينسب الخبيث إلى نفسه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وقالوا خبثت (باب) (لا تقولوا ما شاء الله الخ) إنما كره ذلك لان الواو حرف الجمع والتشريك وثم حرف النسق بشرط التراخي فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأدب في تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي (باب) كذا ثبت ههنا لفظ باب في بعض النسخ
[ 223 ]
(فبئس الخطيب أنت) وفي رواية مسلم بعد هذا قل ومن يعص الله ورسوله وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الصلاة قال المنذري وأخرجه مسلم وقد تقدم في كتاب الصلاة (فعثرت) قال في الصراح عثرة شكو خيدن كان من باب نصر وفي المصباح عثر الرجل في ثوبه يعثر والدابة أيضا من باب قتل وفي لغة من باب ضرب عثارا بالكسر ويقال للزلة عثرة لأنها سقوط في الاثم انتهى (فقلت تعس) أي هلك ومثل هذا الكلام يوهم أن للشيطان دخلا في مثل ذلك (فقال لا تقل تعس الشيطان) في القاموس التعس الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد الانحطاط والفعل كمنع وسمع وإذا خاطبت قلت تعست كمنع وإذا حكيت قلت تعس كسمع تعسه الله وأتعسه انتهى وفي المصباح تعس تعسا من باب نفع أكب على وجهه وفي الدعاء تعسا له وتعس وانتكس فالتعس أن يخر لوجهه والنكس أن لا يستقل بعد سقطته حتى يسقط ثانية وهي أشد من الأولى انتهى (تعاظم) أي صار عظيما وكبيرا (ويقول بقوتي) أي حدث ذلك الأمر بقوتي (تصاغر) أي صار صغيرا وحقيرا قال المنذري وأخرجه النسائي (إذا سمعت) أي الرجل يقول هلك الناس الخ (وقال موسى) أي ابن إسماعيل في روايته (هلك الناس) أي استوجبوا النار بسوء أعمالهم (فهو أهلكهم) بضم الكاف ويفتح ففي النهاية يروي بفتح الكاف وضمها فمن فتحها كانت فعلا ماضيا ومعناه أن الغالين الذين يؤيسون أبو الناس من رحمه الله يقولون أو هلك الناس أي استوجبوا النار بسوء أعمالهم فإذا قال الرجل ذلك فهو
[ 224 ]
الذي أوجبه لهم لا الله تعالى يعني ولا عبرة بإيجابه لهم فإن فضل الله واسع ورحمته تعمهم ثم قال أو هو الذي لما قال لهم ذلك وآيسهم حملهم على ترك الطاعة والانهماك في المعاصي فهو الذي أوقعهم في الهلاك وأما الضم فمعناه أنه إذا قال لهم ذلك فهو أهلكهم أي أكثرهم هلاكا وهو الرجل يولع بعيب الناس ويذهب بنفسه عجبا ويرى له فضلا عليهم انتهى ما في النهاية قال المنذري وأخرجه مسلم وليس فيه كلام الإمام مالك وقال أبو إسحاق صاحب مسلم لا أدري أهلكهم بالنصب أو أهلكهم بالرفع (باب في صلاة العتمة) أي في تسمية صلاة العشاء صلاة العتمة (لا تغلبنكم الأعراب) قال الشيخ عز الدين جرت العادة أن العظماء إذا سموا شيئا باسم فلا يليق العدول عنه إلى غيره لأن ذلك تنقيص لهم ورغبة عن صنيعهم وترجيح لغيره عليه وذلك لا يليق والله سبحانه قد سماها في كتابه العشاء في قوله ومن بعد صلاة العشاء فيقبح بعد تسمية ذي الجلال والإكرام العدول عنه إلى غيره قاله السيوطي وقال السندي إن الأعراب يسمونها العتمة لأنهم يعتمون الإبل من اعتم إذا دخل في
[ 225 ]
العتمة وهي الظلمة فلا تكثر استعمال ذلك اسم لما فيه من غلبة الأعراب عليكم بل أكثروا استعمال اسم العشاء موافقة للقرآن فالمراد النهي عن إكثار اسم العتمة لا عن استعماله وإلا فقد جاء في الأحاديث إطلاق هذا الإسم أيضا انتهى (ولكنهم يعتمون بالإبل) من اعتم إذا دخل في العتمة وهي الظلمة قال النووي معناه أن الأعراب يسمونها العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الإبل أي يؤخرونه إلى شدة الظلام وإنما اسمها في كتاب الله العشاء فينبغي لكم أن تسموها العشاء وقد جاء في الاحاديث الصحيحة تسميتها بالعتمة والجواب أنه استعمل لبيان الجواز والنهي عن العتمة للتنزيه انتهى ملخصا ومختصرا قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (قال مسعر أراه) بضم الهمزة أي أظن الرجل (من خزاعة) بضم الخاء المعجمة بالزاي قبيلة (فاسترحت) أي بالاشتغال بالصلاة لكونه مناجاة مع الرب تعالى أو بالفراغ لاشتغال الذمة بها قبل الفراغ عنها (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها) قال في النهاية أي نستريح بأدائها من شغل القلب بها وقيل كان اشتغاله بالصلاة راحة له فإنه كان يعد غيرها من الأعمال الدنيوية تعبا فكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالى ولهذا قال وجعلت قرة عيني في الصلاة وما أقرب الراحة من قرة العين كذا في مرقاة الصعود قلت هذا الحديث وكذا حديث علي رضي الله عنه الذي بعده ليس فيها دلالة ظاهرة على ترجمة الباب والله أعلم بمراد المؤلف والحديث سكت عنه المنذري (عن عبد الله بن محمد بن الحنفية) هو عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب أبو
[ 226 ]
هاشم المدني والحنفية هي أم محمد (إلى صهر لنا) في القاموس الصهر بالكسر القرابة وحرمة الختونة والختن وزوج بنت الرجل وزوج أخته (نعوده) من العيادة (بوضوء) بفتح الواو أي بماء الوضوء (فقال) أي علي بن أبي طالب والحديث سكت عنه المنذري (ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسب أحدا إلا إلى الدين) قال في فتح الودود كأن المراد أنه لا يعتبر بالنسبة إلى الأجداد ولا يهتم بها بل ينسب الناس إلى الدين وما يتعلق به من هجرة ونصرة انتهى قال المنذري ويشبه أن يكون أبو داود رضي الله عنه أدخل هذا الحديث في الباب أنه صلى الله عليه وسلم لا ينسب أحدا إلا إلى الدين ليرشدهم بذلك إلى استعمال الألفاظ الواردة في الكتاب الكريم والسنة النبوية ويصرفهم عن عبارات الجاهلية كما فعل في العتمة وهذا منقطع زيد بن أسلم لم يسمع عائشة والله عز وجل أعلم انتهى كلام المنذري (باب فيما روى من الرخصة في ذلك) (كان فزع) بفتحتين أي خوف وصياح (بالمدينة) بان جيش الكفار وصلوا إلى قربها
[ 227 ]
(وإن وجدناه) أي الفرس وإن مخففة من مثقلة (لبحرا) أي وجدنا جريه كجري البحر قال الخطابي في هذا بيان إباحة التوسع في الكلام في تشبيه الشئ بالشئ الذي له تعلق ببعض معانيه وإن لم يستوف أوصافه كلها وقال إبراهيم بن محمد ابن عرفة النحوي إنما شبه الفرس بالبحر لأنه عليه السلام أراد أن جريه كجري ماء البحر أو لأنه يسبح في جريه كالبحر إذا ماج فعلا بعض مائه فوق بعض انتهى كلامه فكما جاز التوسع في الكلام في تشبيه الشئ بالشئ الذي له تعلق ببعض معانيه ولذا جاز تشبيه الفرس بالبحر فهكذا جاز تشبيه صلاة العشاء بالعتمة لأن العتمة هي الظلمة وصلاة العشاء لا تصلى إلا في الظلمة قلت ما في هذا الاستدلال من تكلف فظاهر والأوضح في الاستدلال ما أخرجه الشيخان من طريق مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (باب التشديد في الكذب) (إياكم والكذب) بفتح فكسر أو بكسر فسكون والاول هو الافصح أي احذروا الكذب (إلى الفجور) بضم الفاء أي الميل عن الصدق والحق والانبعاث في المعاصي (ويتحرى الكذب) أي يبالغ ويجتهد فيه (حتى يكتب عند الله كذابا) بصيغة المجهول أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف به (وعليكم بالصدق) أي الزموا الصدق وهو الإخبار على وفق ما في الواقع (فإن الصدق يهدي إلى البر) قال النووي معناه أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص
[ 228 ]
من كل مذموم والبر اسم عبد جامع للخير كله (ليصدق) أي في قوله وفعله (حتى يكتب عند الله صديقا) بكسر الصاد وتشديد الدال أي مبالغا في الصدق ففي القاموس الصديق من يتكرر منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة في الصدق قاله القاري قال الخطابي هذا تأويل قوله سبحانه إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (ويل) أي هلاك عظيم أو واد عميق في جهنم (فيكذب) أي في تحديثه وإخباره (ليضحك) بفتح الياء والحاء (به) أي بسبب تحديثه أو الكذب (القوم) بالرفع على أنه فاعل ويجوز بضم الياء وكسر الحاء ونصب القوم على أنه مفعول (ويل له ويل له) التكرير للتأكيد قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح هذا آخر كلامه وجد بهز بن حكيم هو معاوية بن حيدة القشيري له صحبة وقد تقدم الاختلاف في بهز بن حكيم وأن من الأئمة من وثقه ومنهم من قال لا يحتج به (دعتني) أي طلبتني وأنا صغير (ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد) الجملة حالية (فقالت ها) للتنبيه أو اسم فعل بمعنى خذ (تعال) بفتح اللام بلا ألف تأكيد (أعطيك) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي أنا (وما أردت) أي أي شئ نويت (أن تعطيه) بسكون التحتية لأن الصيغة للمخاطبة وعلامة نصبها حذف النون (أما) بالتخفيف للتنبيه (كتبت) بصيغة المجهول (عليك كذبة) بفتح الكاف وسكون الذال أي مرة من الكذب أو بكسر الكاف وسكون الذال أي نوع من الكذب
[ 229 ]
وفي الحديث أن ما يتفوه به الناس للأطفال عند البكاء مثلا بكلمات هزلا أو كذبا بإعطاء شئ أو بتخويف من شئ حرام داخل في الكذب كذا في اللمعات قال المنذري مولى عبد الله مجهول (كفى بالمرء) مفعول كفى والباء زائدة (إثما) تمييز (أن يحدث الخ) فاعل كفى قال النووي فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن والكذب الإخبار عن الشئ بخلاف ما هو ولا يشترط فيه التعمد انتهى (لم يذكر حفص) يعني ابن عمر (أبا هريرة) فروايته مرسلة وأما محمد بن الحسين فذكر في روايته أبا هريرة فروايته مرفوعة قال المنذري وأخرجه مسلم في المقدمة مسندا ومرسلا وعن بعض رواة مسلم كلاهما مسند وقال الدارقطني والصواب مرسل انتهى وقال النووي قال الدارقطني الصواب المرسل عن شعبة كما رواه معاذ وابن مهدي وغندر قلت وقد رواه أبو داود في سننه أيضا مرسلا ومتصلا فرواه مرسلا عن حفص بن عمر عن شعبة ورواه متصلا من رواية علي بن حفص وإذا ثبت أنه روي متصلا ومرسلا فالعمل على أنه متصل هذا هو الصحيح الذي قاله جماعة من أهل الحديث والفقه والأصول ولا يضر كون الأكثرين رووه مرسلا فإن الوصل زيادة من ثقة وهي مقبولة انتهى كلام النووي (باب في حسن الظن) (عن مهنأ) أي ابن عبد الحميد (أبي شبل) بكسر المعجمة وسكون الموحدة كنية مهنأ
[ 230 ]
(قال أبو داود ولم أفهمه) أي الحديث (منه) أي من نصر بن علي (جيدا) أي سماعا جيدا (عن شتير) بالتصغير (قال نصر) أي ابن علي في روايته شتير بن نهار أي نسبه إلى أبيه (حسن الظن) أي بالمسلمين وبالله تعالى (من حسن العبادة) أي من جملة حسن العبادة التي يتقرب بها إلى الله تعالى وفائدة هذا الحديث الاعلام بأن حسن الظن عبادة من العبادات الحسنة كما أن سوء الظن معصية من معاصي الله تعالى كما قال تعالى إن بعض الظن إثم أي وبعضه حسن من العبادة كذا في السراج المنير (قال أبو داود مهنأ ثقة بصري) هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ وقال الحافظ في التهذيب وثقه أبو داود وغيره وقال أبو حاتم مجهول انتهى قال المنذري في إسناده مهنأ بن عبد الحميد أبو شبل البصري سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال هو مجهول (عن صفية) أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم (فأتيته) أي في المسجد (فانقلبت) أي رجعت (ليقلبني) بضم الياء وفتح القاف وتشديد اللام أو بفتح الياء وسكون القاف أي ليردني إلى منزلي (وكان مسكنها) أي مسكن صفية (أسرعا) أي في المشي (على رسلكما) بكسر الراء ويجوز فتحها أي على هيئتكما في المشي فليس هنا شئ تكرهانه وفيه شئ محذوف تقديره امشيا عليه على هيئتكما (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) قيل هو على ظاهره وإن الله تعالى أقدره على ذلك وقيل هو على سبيل الاستعارة من كثرة إغوائه وكأنه لا يفارق كالدم فاشتركا في شدة
[ 231 ]
الاتصال وعدم المفارقة (أن يقذف) أي يلقي الشيطان شيئا أي من السوء (أو قال شرا) شك من الراوي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وقد تقدم في كتاب الصيام (باب في العدة) (إذا وعد الرجل أخاه) أي المسلم (ومن نيته أن يفي) أصله يوفي من وفى يفي وفاء (فلم يف ولم يجئ للميعاد) أي لعذر منعه (فلا إثم عليه) قال القاري ومفهومه أن من وعد وليس من نيته أن يفي فعليه الإثم سواء وفى به أو لم يف به فإنه من أخلاق المنافقين ولا تعرض فيه لمن وعد ونيته أن يفي ولم يف بغير عذر فلا دليل لما قيل من أنه دل على أن الوفاء بالوعد ليس بواجب إذ هو أمر مسكوت عنه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال غريب وليس إسناده بالقوي علي بن عبد الأعلى ثقة وأبو النعمان مجهول وأبو وقاص مجهول هذا آخر كلامه وقد سئل أبو حاتم الرازي عن أبي النعمان فقال مجهول وسئل عن أبي وقاص فقال مجهول (أخبرنا محمد بن سنان) بكسر مهملة وخفة نون (عن بديل) بالتصغير هو ابن ميسرة (عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق) ووقع في نسخه عن عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق والظاهر من كلام أبي داود الآتي وكلام المنذري أن الصحيح عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق (عن عبد الله بن أبي الحمساء) بفتح مهملة وسكون ميم وبسين مهملة (بايعت) أي بعت منه بمعنى اشتريت (قبل أن يبعث) أي للرسالة (وبقيت له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (بقية) أي شئ من ثمن ذلك المبيع (بها) أي بتلك البقية (فنسيت) أي ذلك الوعد (بعد ثلاث) أي ثلاث ليال (فإذا
[ 232 ]
هو) أي النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرني (في مكانه) أي في ذلك المكان أو في مكانه الموعود (لقد شققت علي) أي أوقعتها على (أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك) كان انتظاره صلى الله عليه وسلم لصدق وعده لا لقبض ثمنه قال النووي أجمعوا على أن من وعد إنسانا شيئا ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده وهل ذلك واجب أو مستحب فيه خلاف ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحب فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة شديدة ولا يأثم يعني من حيث هو خلف وإن كان يأثم إن قصد به الأذى قال وذهب جماعة إلى أنه واجب منهم عمر بن عبد العزيز وبعضهم إلى التفضيل ويؤيد الوجه الأول ما أورده في الإحياء حيث قال وكان صلى الله عليه وسلم إذا وعد وعدا قال عسى وقال ابن مسعود لا يعد وعدا إلا ويقول إن شاء الله تعالى وهو الأولى ثم إذا فهم مع ذلك الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر فإن كان عند الوعد عازما على أن لا يفي به فهذا هو النفاق كذا في المرقاة قال المنذري أخرجه من حديث ابراهيم بن طهمان عن بديل عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله بن أبي الحمساء وقال قال محمد بن يحيى هذا عندنا عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق وقال أبو علي سعيد بن السكن في كتاب الصحابة له روى حديثه إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن أبيه ويقال عن بديل عن عبد الكريم المعلم ويشبه أن يكون قول ابن السكن الصواب وعبد الكريم المعلم هو أبن أبي الخارق لا يحتج بحديثه انتهى كلام المنذري (باب فيمن يتشبع بما لم يعط) (إن لي جارة) قال الخطابي إن العرب تسمي امرأة الرجل جارة وتدعو الزوجين الضرتين جارتين وذلك لقرب محل أشخاصهما كالجارين المتضايقين في الدارين يسكنانهما ما كقول امرئ القيس أجارتنا إنا غريبان ههنا وكل غريب للغريب أنيس (تعني ضرة) في القاموس
[ 233 ]
الضرتان زوجتاك وكل ضرة للأخرى وهن ضرائر (هل علي جناح) أي إثم وبأس (إن تشبعت لها بما لم يعط زوجي) أي تكثرت بأكثر مما عندي وأظهرت لضرتي لا أنه يعطيني أكثر مما يعطيها إدخالا أن للغيظ عليها (قال المتشبع الخ) قال النووي معناه المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده ويتكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور قال أبو عبيد وآخرون هو الذي يلبس أهل الزهد والعبادة والورع ومقصوده أن يظهر للناس أنه متصف بتلك الصفة ويظهر من التخشع والزهد أكثر مما في قلبه فهذه ثياب زور ورياء وقيل هو كمن لبس ثوبين لغيره وأوهم أنهما له انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (باب ما جاء في المزاح) قال في الصراح مزح لاغ كردن من باب فتح والإسم المزاح بالضم وبالكسر المصدر (احملني) أي على دابة والمعنى اعطني حمولة إركبها (قال وما أصنع بولد الناقة) لما كان المتعارف عند العامة في بادي الرأي استعمال ولد الناقة فيما كان صغيرا لا يصلح للركوب وإنما يقال للصالح الإبل توحش الرجل على فهم المعنى (وهل تلد الإبل) بالنصب مفعول مقدم والابل اسم جمع لا واحد له من لفظه وهو بكسرتين ولم يجئ من الأسماء على فعل بكسرتين إلا الابل والخبر (إلا النوق) بضم النون جمع ناقة وهي أنثى الإبل وقال أبو عبيدة لا تسمى ناقة
[ 234 ]
حتى تجذع وقوله إلا النوق بالرفع فاعل مؤخر فالإبل ولو كبارا أولاد الناقة فيصدق ولد الناقة بالكبير والصغير قاله البيجوري في شرح الشمائل والمعنى إنك لو تدبرت لم تقل ذلك ففيه الاشارة إلى أنه ينبغي لمن سمع قولا أن يتأمله ولا يبادر إلى رده وفي هذا الحديث والأحاديث الاتية في الباب إباحة المزاح والدعابة وكان صلى الله عليه وسلم يداعب الصحابة ولا يقول إلا حقا وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس رفعه لا تمار أخاك ولا تمازحه الحديث والجمع بينهما أن المنهي عنه ما فيه إفراط أو مداومة عليه لما فيه من الشغل عن ذكر الله والتفكر في مهمات الدين ويؤدي إلى قسوة القلب والإيذاء والحقد وسقوط المهابة والوقار والذي يسلم من ذلك هو المباح فإن صادف مصلحة مثل تطيب نفس المخاطب ومؤانسته فهو مستحب قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال صحيح غريب (عن العيزار) بفتح العين المهملة وسكون التحتانية وبعدها زاي وآخره راء (تناولها) أي أخذ أبو بكر عائشة (ليلطمها) بكسر الطاء ويجوز ضمها من اللطم وهو ضرب الخد وصفحة الجسد بالكف مفتوحة على ما في القاموس وفي المصباح لطمت المرأة وجهها لطما من باب ضرب انتهى قال عبد الحق الدهلوي اللطم ضرب الخد بالكف وهو منهي عنه ولعل هذا كان قبل النهي أو وقع ذلك منه لغلبة الغضب أو أراد ولم يلطم انتهى (يحجزه) بضم الجيم والزاي أي يمنع أبا بكر من ضربها ولطمها على (مغضبا) بفتح الضاد أي غضبان على عائشة (أنقذتك) أي خلصتك (من الرجل) أي من ضربه ولطمه والظاهر أن يقال من أبيك فعدل إلى الرجل أي من الرجل الكامل في الرجولية حين غضب لله ولرسوله قاله الطيبي قلت قوله أنقذتك من الرجل ولم يقل من أبيك وإبعاده صلى الله عليه وسلم أبا بكر عن عائشة تطييا وممازحة كل ذلك داخل في المزاح ولذا أورده المؤلف في باب المزاح (فمكث) أي لبث (قد اصطلحا) من الصلح (في سلمكما) بكسر السين ويفتح أي في صلحكما (أدخلتماني في حربكما) أي في شقاكما الله وإسناد الإدخال
[ 235 ]
إليهما في الثاني من المجاز السببي أو من وإلا فالمعنى كما دخلت في حربكما قاله القاري (قد فعلنا) مفعوله محذوف أي فعلنا إدخالك في السلم والتكرار للتأكيد قال المنذري وأخرجه النسائي وليس في حديثه ذكر أبي إسحاق السبيعي (وهو في قبة) أي خيمة صغيره (من أدم) بفتحتين أي من جلد (فرد) أي السلام (وقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أدخل) في القبة (فقلت أكلي يا رسول الله قال كلك) قال الطيبي يجوز فيه الرفع والنصب والتقدير أيدخل كلي فقال كلك يدخل أو أدخل كلي فقال أدخل كلك انتهى وإنما قال هذا لأجل صغر القبة كما في الرواية الآتية وفيه أنه كما كان يمازح الصحابة كذلك كانوا يمازحونه قال المنذري وأخرجه البخاري وابن ماجه مطولا وليس في حديث البخاري قصة الدخول (إنما قال أدخل كلي) قال القاري بمتكلم ثلاثي وفي نسخة يعني من المشكاة من المزيد (من صغر القبة) أي من أجل صغرها قال المنذري وعثمان هذا فيه مقال (يا ذا الأذنين) معناه الحض والتنبيه على حسن الاستماع لما يقال له لأن السمع بحاسة الاذن ومن خلق الله له الأذنين وغفل ولم يحسن الوعي لم يعذر وقيل إن هذا القول من جملة مداعباته صلى الله عليه وسلم ولطيف أخلاقه قال المنذري وأخرجه الترمذي
[ 236 ]
(باب من يأخذ الشئ من مزاح) وفي بعض النسخ باب الرجل يروع الرجل ومن أخذ الشئ على المزاح وهو الأولى لأن المؤلف أورد حديث الترويع أيضا (لاعبا جادا) قال الخطابي معناه أن يأخذه على وجه الهزل وسبيل المزاح ثم يحبسه عنه ولا يرده فيصير ذلك جدا (قال سليمان) هو ابن عبد الرحمن (لعبا ولا جدا) وجه النهي عن الاخذ جدا ظاهر لأنه سرقة وأما النهي عن الأخذ لعبا فلأنه لا فائدة فيه بل قد يكون سببا لادخال الغيظ والأذى على صاحب المتاع (ومن أخذ عصا أخيه) أي مثلا (لم يقل ابن بشار) هو محمد (ابن يزيد) مفعول أي لم يذكر لفظ ابن يزيد بل اقتصر على قوله عن عبد الله بن السائب قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ذئب (ففزع) في القاموس الفزع الذعر والفرق جمعه أفزاع مع كونه مصدرا والفعل كفرح ومنع (لا يحل لمسلم أن يروع مسلما) أي يخوفه قال المناوي ولو هازلا لما فيه من الإيذاء والحديث سكت عنه المنذري
[ 237 ]
(باب ما جاء في التشدق في الكلام) (أي التوسع في الكلام من غير احتياط واحتراز وقيل المتشدق المتكلف في الكلام فيلوي به شدقيه والشدق جانب الفم (كان ينزل العوقة) قال في المراصد عوقة بفتح أوله وثانيه محلة من محال البصرة وعوقة بفتح أوله وسكون ثانيه قرية باليمامة انتهى وفي الخلاصة محمد ابن سنان الباهلي العوقي بفتح الواو نزل فيهم أبو بكر البصري وفي التهذيب عوقي عن نسبة إلى العوقة بطن من الأرد انتهى (البليغ) أي المبالغ في فصاحة الكلام وبلاغته (الذي يتخلل بلسانه) أي يأكل بلسانه أو يدير لسانه حول أسنانه مبالغة في إظهار بلاغته (تخلل الباقرة بلسانها) أي البقرة كأنه أدخل التاء يفيها من على أنه واحد من الجنس كالبقرة من البقر واستعمالها مع التاء قليل قاله القاري وفي القاموس باقر وبقير وبيقور وباقور وباقورة أسماء للجمع قال في النهاية أي يتشدق في الكلام بلسانه ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفا انتهى وخص البقرة لأن جميع البهائم تأخذ النبات بأسنانها وهي تجمع بلسانها وأما من بلاغته خلقية فغير مبغوض كذا في السراج المنير قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب من هذا الوجه (من تعلم صرف الكلام) قال الخطابي صرف الكلام فضله وما يتكلفه الإنسان من الزيادة فيه وراء الحاجة ومن هذا سمي الفضل من النقدين صرفا وإنما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما يدخله من الرياء والتصنع ولما يخالطه من الكذب والتزيد وأمر أن يكون الكلام قصدا ببلوغ الحاجة غير زائدة عليها يوافق ظاهره باطنه وسره علانيته انتهى (ليسبي) بكسر الموحدة أي
[ 238 ]
ليسلب ويستميل (به) أي بصرف الكلام (قلوب الرجال أو الناس) شك من الراوي (صرفا ولا عدلا) في النهاية الصرف التوبة أو المنافلة بن والعدل الفدية أو الفريضة قال المنذري الضحاك بن شرحبيل هذا مصري ذكره ابن يونس في تاريخ المصريين وذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكر له رواية عن أحد من الصحابة وإنما روايته عن التابعين ويشبه أن يكون الحديث منقطعا والله عز وجل أعلم (من المشرق) أي من جانب الشرق (إن من البيان لسحرا) يعني أن بعض البيان كالسحر في استمالة القلوب أو في العجز عن الإتيان بمثله وهذا النوع ممدوح إذا صرف إلى الحق ومذموم إذا صرف إلى الباطل وقد أطال الكلام في معنى هذا الحديث الشيخ الإمام أبو هلال العسكري في كتابه جمهرة الامثال والامام أبو الفضل الميداني في كتابه مجمع الامثال قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والرجلان الزبرقان بن بدر وعمرو بن الاهتم ولهما صحبة والاهتم بفتح ثالث الحروف وكان قدومهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع من الهجرة انتهى قلت وكذا قدوم وائل بن حجر وإسلامه كان في سنة تسع قال الحافظ صلاح الدين العلائي في كتابه تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة وائل بن حجر ومعاوية بن الحكم السلمي وخلق كثير ممن أسلم سنة تسع وبعدها وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام عنده أياما ثم رجع إلى قومه وروى عنه أحاديث انتهى (البهراني) بفتح الباء وسكون الهاء نسبة إلى بهر وزيدت النون (وحدثه) أي سليمان (محمد بن إسماعيل) بن عياش (ابنه) أي ابن إسماعيل هو بدل من محمد بن إسماعيل والمعنى أن سليمان قرأ هذا الحديث في كتاب إسماعيل بن عياش وروى أيضا عن محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه إسماعيل بن عياش (وقام رجل فأكثر القول) أي أطال الكلام
[ 239 ]
والجملة حالية (فقال عمرو) هو تكرار لطول الكلام لوقع الجملة الحالية بين قوله قال عمرو وبين مقوله وهو قوله (لو قصد في قوله لكان خيرا له) أي لو أخذ في كلامه الطريق المستقيم والقصد ما بين الإفراط والتفريط (لقد رأيت) أي علمت (أو أمرت) شك من الراوي (أن أتجوز في القول) قال القاري أي أسرع فيه وأخفف المؤنة عن السامع من قولهم تجوز في صلاته أي خفف (فإن الجواز هو خير) بفتح الجيم وهو الاقتصار على قدر الكفاية قال المنذري أبو ظبية بفتح الظاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة وتاء تأنيث كلاغي هذه حمصي ثقة وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه وفيهما مقال (باب ما جاء في الشعر) (لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا) نصبه على التمييز أي صديدا ودما وما يسمى نجاسة (خير له من أن يمتلئ شعرا) قال الحافظ ظاهره العموم في كل شعر لكنه مخصوص بما لا يكون مدحا حقا كمدح الله ورسوله وما اشتمل على الذكر والزهذ سنة وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (قال أبو علي) هو اللؤلؤي صاحب أبي داود (وجهه) أي وجه الحديث ومعناه (فإذا كان القرآن والعلم) بالرفع اسم كان (الغالب) بالنصب خبر كان (وإن من البيان لسحرا قال كأن المعنى) قال المنذري وقد اختلف العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا فقيل أورده مورد الذم لتشبيهه بعمل السحر
[ 240 ]
لغلبة القلوب وتزيينه القبيح وتقبيحه الحسن وإليه أشار الإمام مالك رضي الله عنه فإنه ذكر هذا الحديث في الموطأ في باب ما يكره من الكلام قيل إن معناه أن صاحبه يكسب من الإثم ما يكسبه الساحر بعلمه وقيل أورده مورد المدح أي أنه تمال به القلوب ويرضى به الساخط ويذل به الصعب ويشهد له أن من الشعر لحكمة وهذا لا ريب فيه أنه مدح وكذلك مصراعه الذي بإزائه وقال بعضهم في الامتلاء من الشعر أي الشعر الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول غير مرضي فإن شطر البيت من ذلك يكون كفرا فإذا حمل على الامتلاء منه فقد رخص في القليل منه وهذا ليس بشئ والمختار ما تقدم انتهى كلام المنذري قال الميداني إن من البيان لسحرا قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عن الزبرقان فقال عمرو مطاع في أذنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر من هذا ولكنه حسدني فقال عمرو أما والله إنه لزمر المروة ضيق العطن أحمق الوالد لئيم الخال والله يا رسول الله ما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى ولكني رجل رضيت فقلت أحسن ما علمت وسخطت فقلت أقبح ما وجدت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا يعني أن بعض البيان يعمل عمل السحر ومعنى السحر إظهار الباطل في صورة الحق والبيان اجتماع الفصاحة والبلاغة وذكاء القلب مع اللسن وإنما شبه بالسحر لحدة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له يضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجة البالغة انتهى كلامه وقال الإمام أبو هلال العسكري أما النبي صلى الله عليه وسلم فذم البيان أم مدحه فقال بعض ذمه لأن السحر تمويه فقال إن من البيان ما يموه الباطل حتى يتشبه بالحق وقال بعض بل مدحه لأن البيان من الفهم والذكاء قال أبو هلال الصحيح أنه مدحه وتسميته إياه سحرا إنما هو على جهة التعجب منه لما ذم عمرو الزبرقان ومدحه في حالة واحدة وصدق في مدحه وذمه فيما ذكر عجب النبي صلى الله عليه وسلم كما يعجب من السحر فسماه سحرا من هذا الوجه انتهى مختصرا قال النووي أن يكون الشعر غالبا عليه بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية فهو مذموم فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية وهو الغالب عليه فلا يضر حفظ اليسير مع هذا لأن جوفه ليس ممتلئا شعرا انتهى ملخصا وقال أبو عبيد البكري الأندلسي في شرح كتاب الأمثال للحافظ أبي عبيد القاسم بن سلام الناس يتلقون هذا
[ 241 ]
الحديث على أنه في مدح البيان وأدرجوا في كتبهم هذا التأويل وتلقاه العلماء على غير ذلك بوب مالك في الموطأ عليه باب ما يكره من الكلام فحمله على الذم وهذا هو الصحيح في تأويله لأن الله تعالى قد سمى السحر فسادا في قوله تعالى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين انتهى قال السيوطي وهو ظاهر صنيع أبي داود قلت فإن كان البيان في أمر باطل فهو كذلك وإلا فمدح لا محالة والله أعلم (إن من الشعر حكمة) أي ما فيه حق وحكمة أو قولا صادقا مطابقا للحق وقيل أصل الحكمة المنع فالمعنى إن من الشعر كلاما نافعا يمنع عن السفه والجهل وهو ما نظمه الشعراء من المواعظ والامثال التي ينتفع بها الناس قال المنذري وأخرجه البخاري وابن ماجه (إن من الشعر حكما) بضم فسكون أي حكمة كما في قوله تعالى (وآتيناه الحكم صبيا) أي الحكمة كذا قال القاري وقال العزيزي في السراج المنير في شرح هذا الحديث بكسر ففتح جمع حكمة أي حكمة وكلاما نافعا في المواعظ وذم الدنيا والتحذير من غرورها ونحو ذلك انتهى والحديث سكت عنه المنذري (وإن من العلم جهلا) أي لكونه علما مذموما والجهل به خير منه أو لكونه علما بما لا
[ 242 ]
يعنيه فيصير جهلا بما يعنيه وقيل هو أن لا يعمل بعلمه فيكون ترك العمل بالعلم جهلا قال في النهاية قيل هو يتعلم ما لا حاجة إليه كالنجوم وعلوم الأوائل ويدع ما يحتاج إليه في دينه من علم القرآن والسنة وقيل هو أن يتكلف العالم القول فيما لا يعلمه فيجهله ذلك انتهى (وإن من القول عيالا) بكسر أوله قال الخطابي هكذا رواه أبو داود عيالا ورواه غيره إن من القول عيلا قال الأزهري قوله عليه السلام عيلا من قولك علت الضالة أعيل عيلا وعيلا إذا لم تدر أية جهة تبغيها قال أبو زيد كأنه لم يهتد لمن يطلب علمه فعرضه على من لا يريده انتهى وفي النهاية إن من القول عيلا هو عرضك حديثك وكلامك على من لا يريده وليس من شأنه يقال علت الضالة عيلا إذا لم تدر أي جهة تبغيها كأنه لم يهتد لمن يطلب كلامه فعرضه على من لا يريده انتهى (فقال صعصعة بن صوحان) بضم المهملة وبالحاء المهملة تابعي كبير مخضرم فصيح ثقة مات في خلافة معاوية قاله الحافظ (وهو ألحن) أي أقدر على بيان مقصوده من لحن بالكسر إذا نطق بحجته (بالحجج) جمع حجة (ولا يريده) أي لا يريد المعروض عليه كلامك وحديثك فيصير كلامك ثقيلا عليه كالعيال قاله السندي قال المنذري في إسناده أبو تميلة يحيى بن واضح الأنصاري المروزي وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي وأدخله البخاري في كتاب الضعفاء فقال أبو حاتم الرازي يحول من هناك (بحسان) أي ابن ثابت الشاعر غير منصرف على الأصح قاله القاري (وهو ينشد) أي يقرأ الشعر في القاموس أنشد الشعر قرأه (فلحظ إليه) في القاموس لحظه كمنعه وإليه نظر بمؤخر عينيه وهو أشد التفاتا من الشزر والضمير المرفوع يرجع إلى عمر والمجرور إلى حسان (وفيه) أي في المسجد والواو للحال (من هو خير منك) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 243 ]
قال المنذري وأخرجه النسائي وسعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر فإن كان سمع ذلك من حسان بن ثابت فيتصل (بمعناه) أي بمعنى الحديث السابق (زاد) أي معمر (فخشي) أي عمر رضي الله عنه (برسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بإجازته صلى الله عليه وسلم (فأجازه) أي أجاز عمر رضي الله عنه حسان رضي الله عنه للانشاد في المسجد قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بمعناه دون الزيادة
[ 244 ]
(وهشام) بالجر عطف على أبيه فابن أبي الزناد يروي عن أبيه وعن هشام بن عروة (من قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من هجاه صلى الله عليه وسلم من المشركين (إن روح القدس مع حسان) المراد بروح القدس جبريل عليه السلام بدليل حديث البراء عند البخاري بلفظ وجبريل معك ودال القدس يضم ويسكن (ما نافح) بحاء مهملة أي دافع وخاصم المشركين وهجاهم قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح (والشعراء يتبعهم الغاوون) أي الضالون (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي من الشعراء (وذكروا الله كثيرا) أي لم يشغلهم الشعر عن الذكر وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عروة قال لما نزلت والشعراء قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله قد علم الله أني منهم فأنزل الله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي حسن سالم البراد قال لما نزلت والشعراء الآية جاء عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت وهم يبكون فقالوا يا رسول الله لقد أنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنا شعراء أهلكنا فأنزل الله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا عليهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس يتبعهم الغاوون قال هم الكفار يتبعون ضلال الجن والإنس ثم استثنى منهم فقال إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والشعراء منهم الذين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وسلم
[ 245 ]
يتبعهم الغاوون غواة الجن ثم استثنى فقال إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات يعني حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك كانوا يذبون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هجاء المشركين انتهى قال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال (باب في الرؤيا) هي ما يرى الشخص في منامه بوزن فعلى وقد تسهل الهمزة (من صلاة الغداة) أي صلاة الصبح (إلا الرؤيا الصالحة) أي الحسنة أو الصادقة قال السيوطي أي الوحي المنقطع بموتى ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا قال المنذري وأخرجه النسائي من حديث زفر بن صعصعة عن أبي هريرة من غير ذكر صعصعة والمحفوظ من حديث الإمام مالك بن أنس إثبات صعصعة في إسناده (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزأ من النبوة) يعني من أجزاء علم النبوة من حيث أن فيها إخبارا عن الغيب والنبوة غير باقية لكن علمها باق وقيل معناه تعبير الرؤيا كما أوتي ذلك يوسف عليه السلام واعلم أن روايات العدد مختلفة في صحيح مسلم والمشهور منها من ستة وأربعين وفي رواية خمسة وأربعين وفي رواية من سبعين وكذا في غير مسلم مختلفة في رواية العباس من
[ 246 ]
خمسين وفي رواية عبادة أربعة وأربعين وفي رواية ابن عباس من أربعين جزء وفي رواية له من تسعة وأربعين وفي رواية ابن عمر من ستة وعشرين قال الطبري هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي فرؤيا الناس تكون من سبعين ورؤيا الصالح تكون من ستة وأربعين وهكذا تفاوت على مراتب الصلاح كذا في شرح مسلم والمبارق عمرو شرح المشارق وفي مرقاة الصعود قال الخطابي معنى هذا الكلام تحقيق أمر الرؤيا وتأكيده وقال بعضهم معناه أن الرؤيا تجئ على موافقة النبوة لأنها جزء باق من النبوة وقال آخر معناه انها جزء من أجزاء علم النبوة وعلم النبوة باق والنبوة غير باقية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبت النبوة وبقيت المبشرات الرؤيا الصالحة انتهى وقال الإمام ابن الأثير في النهاية الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة وإنما خض هذا العدد لأن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر الروايات الصحيحة كان ثلاثا وستين سنة وكانت مدة نبوته منها ثلاثا وعشرين سنة لأنه بعث عند استيفاء الأربعين وكان في أول الأمر يرى الوحي في المنام ودام ذلك نصف سنة رأى الملك في اليقظه فإذا نسبت مدة الوحي في النوم وهي نصف سنة إلى مدة نبوته وهي ثلاث وعشرون سنة كانت نصف جزء من ثلاثة وعشرين جزء وذلك جزء واحد من ستة وأربعين جزء وقد تعاضدت الروايات في أحاديث الرؤيا بهذا العدد وجاء في بعضها جزء من خمسة وأربعين جزء ووجه ذلك أن عمره صلى الله عليه وسلم لم يكن قد استكمل ثلاثا وستين ومات في أثناء السنة الثالثة والستين ونسبة نصف السنة إلى اثتين وعشرين سنة وبعض الأخرى نسبة جزء من خمسة وأربعين جزءا وفي بعض الروايات جزء من أربعين ويكون محمولا على من روى أن عمره كان ستين سنة فيكون نسبة نصف سنة إلى عشرين سنة كنسبة جزء إلى أربعين ومنه الحديث الهدي الصالح جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة أي إن هذه الخلال من شمائل الأنبياء ومن جملة الخصال المعدود من خصالهم وأنها جزء معلوم من أجزاء أفعالهم فاقتدوا بهم فيها وليس المعنى أن النبوة تتجزأ ولا أن من جمع هذه الخلال كان فيه جزء من النبوة ويجوز أن يكون أراد بالنبوة هاهنا ما جاءت به النبوة ودعت إليه من الخيرات أي أن هذه الخلال جزء من خمسة وعشرين مما جاءت به النبوة ودعا إليه الأنبياء انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (إذا اقترب الزمان) يأتي تفسيره من المؤلف والمنذري (وأصدقهم) أي المسلمين المدلول عليهم بالمسلم (أصدقهم حديثا) فإن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه (فالرؤيا الصالحة بشرى من الله) أي إشارة إلى بشارة من الله للرائي أو المرئي له والرؤيا تحزين
[ 247 ]
من الشيطان) بأن يرى ما يحزنه (ورؤيا مما يحدث به المرأ نفسه) قال العزيزي وهو ما كان في اليقظة يكون في مهم فيرى ما يتعلق به في النوم (فإذا رأى أحدكم) أي في المنام (فليصل) أي إذا كان نشيطا وإلا فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه كما سيأتي على أنه يمكن الجمع وهو الأولى قاله القاري (قال وأحب القيد وأكره الغل) بالضم أي الطوق بأن يرى نفسه مغلولا في النوم لأنه إشارة إلى تحمل دين أو مظالم أو كونه محكوما عليه (والقيد ثبات في الدين) أي ثبات قدم ورسوخ تمكين وضمير قال راجع إلى أبي هريرة كما يظهر لك قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه هكذا جاء في هذه الرواية وغيرها ظاهره أن الجميع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس الأمر كذلك لأن القيد والغل قول أبي هريرة أدرج في الحديث جاء مبينا في الروايات الثابتة ورواه عوف بن أبي جميلة عن محمد ابن سيرين فذكر أن أول المتن إلى قوله جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما ما بعده فإنه من كلام محمد بن سيرين وقال البخاري وفي الصحيح وحديث عوف أبين انتهى قلت وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وفيه قال أبو هريرة فيعجبني القيد وأكره الغل والقيد ثبات ومن طريق محمد بن سيرين وفيه وأدرج في الحديث قوله وأكره الغل إلى تمام الكلام والله أعلم (يعني إذا اقترب الليل والنهار يعني يستويان) والمعبرون يزعمون أن أصدق الرؤيا ما كان في أيام الربيع ووقت اعتدال الليل والنهار قاله الخطابي قال المنذري وقد قيل هو قرب الساعة ويؤيده الحديث الآخر وقد قيل لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب ويحتمل أن يراد اقترب الموت عند علو السن فإن الإنسان في ذلك الوقت غالبا يميل إلى الخير والعمل به ويقل تحديثه نفسه بغير ذلك انتهى كلام المنذري (وكيع بن عدس) بمهملات وضم أوله وثانيه وقد يفتح ثانيه (الرؤيا على رجل طائر) قال الخطابي هذا مثل معناه لا تستقر قرارها ما لم تعبر انتهى فالمعنى أنها كالشئ المعلق برجل الطائر لا استقرار لها (ما لم تعبر) قال القاري بصيغة المجهول وبتخفيف الباء في أكثر
[ 248 ]
الروايات أي ما لم تفسر (فإذا عبرت وقعت) أي تلك الرؤيا على الرائي يعني يلحقه حكمها قال في النهاية الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر أي لا يستقر تأويلها حتى تعبر يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت كما أن الطير لا يستقر في أكثر أحواله فكيف ما يكون على رجله ومنه الحديث الرؤيا لأول عابر وهي على رجل طائر كل حركة من كلمة أو جار يجري فهو طائر مجاز أراد على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر وهي لأول عابر يعبرها أي أنها إذا احتملت تأويلين أو أكثر فعبرها من يعرف عبارتها وقعت على ما أولها وانتفى عنها غيره من التأويل انتهى قال السيوطي والمراد أن الرؤيا هي التي يعبرها المعبر الأول فكأنها كانت على رجل طائر فسقطت ووقعت حيث عبرت انتهى (وأحسبه أي النبي صلى الله عليه وسلم قال ولا تقصها) أي لا تعرض رؤياك (إلا على واد) بتشديد الدال أي محب لأنه لا يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحب (أو ذي رأي) أي عاقل أو عالم قال الزجاج معناه ذو علم بعبارة الرؤيا فإنه يخبرك بحقيقة تفسيرها أو بأقرب ما يعلم منه قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح هذا آخر كلامه وأبو رزين هذا هو لقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة وفصل بينهما الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأشراف في ترجمتين وصحح بعضهم الأول وقال البخاري لقيط بن عامر ويقال لقيط بن صبرة بن المنتفق وقال وقيل إن لقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة وليس بشئ (الرؤيا من الله) أي الرؤيا الصالحة منه (والحلم من الشيطان) الحلم بضم الحاء وسكون اللام وقيل بضمهما ما يرى في المنام من الخيالات الفاسدة قال القسطلاني وإضافة الحلم إلى الشيطان لكونه على هواه ومراده وأما إضافة الرؤيا وهي اسم للمرئي المحبوب إلى الله تعالى فإضافة تشريف وظاهره أن المضاف إلى الله لا يقال له حلم والمضاف إلى الشيطان لا يقال له رؤيا وهو تصرف شرعي وإلا فالكل يسمى رؤيا انتهى (فلينفث) أي ليبصق (من شرها) أي من شر تلك الرؤيا (فإنها) أي الرؤيا المكروهة (لا تضره) قال النووي معناه أنه تعالى جعل فعله من التعوذ والتفل وغيره سببا لسلامته من المكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال ودفعا لدفع للبلاء قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 249 ]
(يكرهها) صفة لرؤيا (فليبصق) بضم الصاد أي ليبزق (ويتحول عن جنبه الذي كان عليه) أي إلى جنبه الآخر قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) بفتح القاف أي يوم القيامة رؤية خاصة في القرب منه أو من رآني في المنام ولم يكن يهاجر يوفقه الله للهجرة إلي والتشرف بلقائي ويكون الله تعالى جعل رؤيته في المنام علما على رؤياه في اليقظة وعلى القول الأول ففيه بشارة لرائيه بأنه يموت على الإسلام وكفى بها بشارة وذلك لأنه لا يراه في القيامة تلك الرؤية الخاصة باعتبار القرب منه إلا من تحققت منه الوفاة على الإسلام كذا في شرح القسطلاني لصحيح البخاري (أو لكأنما رآني في اليقظة) قال في مرقاة الصعود هذا شك من الراوي ومعناه غير
[ 250 ]
الاول لأنه تشبيه وهو صحيح لأن ما رآه في المنام مثالي وما يرى في علم الحس حسى تشبيه خيالي انتهى وفي فتح الباري هو تشبيه ومعناه أنه لو رآه في اليقظة لطابق ما رآه في المنام فيكون الأول حقا وحقيقة والثاني حقا وتمثيلا (ولا يتمثل الشيطان بي) قال القسطلاني هو كالتتميم للمعنى والتعليل للحكم أي لا يحصل له أي للشيطان مثال صورتي ولا يتشبه بي فكما منع الله الشيطان أن يتصور بصورته الكريمة في اليقظة كذلك منعه في المنام لئلا يشتبه الحق بالباطل انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (من صور صورة) أي ذات روح (حتى ينفخ) أي الروح (فيها) أي في تلك الصورة (وليس بنافخ) أي وليس بقادر على النفخ فتعذيبه يستمر لأنه نازع الخالق في قدرته (ومن تحلم) أي ادعى أنه رأى رؤيا (كلف) بصيغة المجهول من التكليف أي يوم القيامة (أي يعقد شعيرة) أي ولا يستطيع ذلك لأن العقد بين طرفي شعيرة غير ممكن وفي رواية البخاري أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل قال القسطلاني وذلك لأن إيصال إحداهما بالأخرى غير ممكن عادة وهو كناية عن استمرار التعذيب انتهى (يفرون به منه) أي لا يريدون استماعه (صب) بصيغة المجهول أي سكب (الآنك) بالمد وضم النون أي الرصاص المذاب قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي (كأنا) بتشديد النون يعني أنا وأصحابي (من رطب ابن طاب) ضبط بالتنوين وبفتح الباء قال القاري في المرقاة فالتنوين بناء على أن الطاب بمعنى الطيب وأما فتح الباء فعلى عدم صرفه ولعله رعاية لأصله فإنه ماض مبني على الفتح انتهى رطب ابن طاب نوع من التمر معروف وهو رجل من أهل المدينة ينسب إليه نوع من التمر
[ 251 ]
(فأولت أن الرفعة) أي التي هي أصل رافع (لنا في الدنيا) لقوله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم (والعاقبة) أي المأخوذ من عقبه (في الآخرة) أي العاقبة الحسنة لنا لقوله تعالى (والعاقبة للتقوى) (أن ديننا قد طاب) أي كمل واستقرت أحكامه وتمهدت قواعده قال المظهر تأويله هكذا قانون قياس التعبير على ما يرى في المنام بالأسماء الحسنة كما أخذ العاقبة من لفظ عقبة والرفعة من رافع وطيب الدين من طاب انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (باب في التثاؤب) تفاعل من الثوباء وهي فترة من ثقل النعاس والهمزة بعد الألف هو الصواب والواو غلط كذا في المغرب ذكره القاري (فليمسك) من الإمساك (على فيه) أي على فمه (فإن الشيطان يدخل) إما حقيقة أو المراد بالدخول التمكن منه قلت والحديث أخرجه مسلم قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي أكثر الروايات فيها إطلاق التثاؤب وفي رواية تقييده بحال الصلاة فيحمل مطلقه على مقيده وللشيطان غرض قوي في تشويشه على مصل في صلاته أو كراهته في الصلاة أشد ولا يلزم منه أن لا يكره في غير الصلاة ويؤكد كراهته مطلقا كونه من الشيطان وبه صرح النووي وقال ابن العربي تشتد كراهة التثاؤب في كل حال وخص الصلاة لأنها أولى الأحوال (فليكظم) أي ليحبس
[ 252 ]
(إن الله يحب العطاس) بضم العين من العطسة (ويكره التثاؤب) قال القاضي التثاؤب بالهمز التنفس الذي يفتح عنه الفم وهو إنما ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم ولذا كرهه الله وأحبه الشيطان والعطاس لما كان سببا لخفة الدماغ واستفراغ الفضلات عنه وصفاء الروح وتقوية الحواس كان أمره بالعكس (ولا يقل هاه هاه) بسكون الهاء الثانية وهو حكاية صوت المتثاثب الرحمن (فإنما ذلكم) أي التثاؤب (من الشيطان) قال ابن بطال إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة أي أن الشيطان يحب أن يرى الانسان متثائبا لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه لأن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب وقال ابن العربي إن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك لانه واسطته والتثاؤب من الامتلاء وينشأ عنه التكاسل وذلك بواسطة الشيطان والعطاس من تقليل الغذاء ينشأ عنه النشاط وذلك بواسطة الملك والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي (باب في العطاس) بضم العين (عن سمي) بالتصغير (إذا عطس) بفتح الطاء وجوز كسره (على فيه) أي على فمه (خفض أو غض) شك من الراوي وهما بمعنى (بها) أي بالعطسة أو بالتغطية (صوته) والمعنى لم يرفعه بصيحة والجار والمجرور متعلق بصوته (شك يحيى) هو القطان
[ 253 ]
قال المنذري وقال حسن صحيح وفي إسناده محمد بن غجلان وكان وقد تقدم الكلام عليه (وتشميت العاطس) التشميت بالشين المعجمة معناه الإبعاد عن الشماتة بالسين المهملة معناه الدعاء بالهداية إلى السمت الحسن وكل منهما يستعملان في جواب العطسة بيرحمك الله قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وفي لفظ لمسلم حق المسلم ست زاد فإذا استنصحك فانصح له (باب كيف تشميت العاطس) (فقال السلام عليكم) أي بظن أنه يجوز أن يقال بدل الحمد لله ويحتمل أنه وقع من
[ 254 ]
سبق اللسان (ثم قال) أي سالم (بعد) بالضم أي بعد ذلك (لعلك وجدت مما قلت) من وجد موجدة إذا غضب أو وجد وجدا إذا حزن (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك وعلى أمك) قال التوربشتي نبه بقوله عليك وعلى أمك على بلاهته روى وبلاهة ولم أمه وأنها كانت محمقة بين فصارا مفتقرين إلى السلام فيسلمان به من الآفات انتهى قال القاري بعد نقل كلام التوربشتي لا وجه لنسبة البلاهة إلى ذاتها الغائبة قال وتقدير السلام غير متعين إذ يمكن أن يقال عليك وعلى أمك الملام من جهة وعدم التعلم والإعلام (إذا عطس أحدكم فليحمد الله) قال العلقمي ظاهر الحديث يقتضي الوجوب ولكن نقل النووي الاتفاق على استحبابه (فذكر) الراوي (بعض المحامد) والحاصل أن الراوي لم يحفظ لفظ الحمد فذكر هكذا وقد جاء في حديث أبي هريرة فليقل الحمد لله على كل حال كما سيأتي وفي رواية الترمذي من حديث هلال بن يساف عن سالم بن عبيد بلفظ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين (وليقل له) أي للعاطس (وليرد) أي العاطس (يعني عليهم) أي على من عنده (يغفر الله لنا ولكم) وفي حديث أبي هريرة الآتية (ويقول هو يهديكم الله ويصلح بالكم) قال الحافظ قال ابن بطال ذهب الجمهور إلى أنه يقول يهديكم الله ويصلح بالكم
[ 255 ]
وذهب الكوفيون إلى أنه يقول يغفر الله لنا ولكم قال وقال ابن بطال ذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي هذا حديث اختلفوا في روايته عن منصور وقد أدخلوا بين هلال وبين سالم بن عبيد الأشجعي في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه النسائي أيضا عن منصور عن رجل عن خالد بن عرفطة عن سالم وأخرجه أيضا عن منصور عن رجل عن سالم ورواه مسدد عن يحيى القطان عن سفيان عن منصور عن هلال عن رجل من آل خالد بن عرفطة عن آخر منهم قال كنا مع سالم ورواه زائدة عن منصور عن هلال عن رجل من أشجع عن سالم ورواه عبد الرحمن ابن مهدي عن أبي عوانة عن منصور عن هلال من آل عرفطة عن سالم واختلف على ورقاء فيه فقال بعضهم خالد بن عرفطة أو عرفجة ويشبه أن يكون خالد هذا مجهولا فإن أبا حاتم الرازي قال لا أعرف واحدا يقال له خالد بن عرفطة إلا واحدا الذي له صحبة (فليقل الحمد لله على كل حال) قال النووي في الأذكار اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه الحمد لله ولو قال الحمد لله رب العالمين لكان أحسن فلو قال الحمد لله على كل أفضل (وليقل أخوه أو صاحبه) شك من الراوي والمراد بالأخوة أخوة الاسلام (ويقول هو) أي العاطس (ويصلح بالكم) أي حالكم قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (باب كم يشمت العاطس) وفي بعض النسخ كم مرة (شمت أخاك ثلاثا) أي ثلاث مرات (فما زاد فهو) أي العطاس (زكام) أو صاحبه ذو زكام أي فلا حاجة إلى التشميت والحديث سكت عنه المنذري (قال) أي سعيد بن أبي سعيد (لا أعلمه) أي أبا هريرة (بمعناه) أي بمعنى الحديث السابق قال السيوطي ولفظه كما في تاريخ ابن عساكر إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن
[ 256 ]
زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يشمت بعد ثلاث (قال أبو داود رواه أبو نعيم عن موسى بن قيس الخ) قال المنذري موسى بن قيس الحضرمي الكوفي يقال له عصفور الجنة قال يحيى بن معين ثقة وقال أبو حاتم الرازي لا بأس به وقال أبو جعفر العقيلي يحدث بأحاديث ردية بواطل وذكر أيضا أنه من الغلاة في الرفض (عن أمه حميدة أو عبيدة) شك من الراوي (بنت عبيد بن رفاعة) بكسر الراء (تشمت العاطس) وفي بعض النسخ تشميت بلفظ المصدر (فإن شئت) أي بعد الثلاث (فكف) أمر من الكف وهو بالفارسية بازاستادن أهل وباز استانيدن حديث لازم ومتعد من باب نصر ينصر والمعنى وإن شئت فامتنع عن التشميت قال المنذري هذا مرسل عبيد بن رفاعة ليست له صحبة فأما أبوه وجده فلهما صحبة قال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أبي يقول عبيد بن رفاعة ليست له صحبة وذكره البخاري في تاريخه فقال روى عن أبيه وقال أبو القاسم البغوي يقال إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وولد على عهده وفي إسناده يزيد بن عبد الرحمن وهو أبو خالد المعروف بالدالاني وقد تقدم الاختلاف في الاحتجاج به (ثم عطس) أي مرة أخرى (فقال النبي صلى الله عليه وسلم الرجل مزكوم) وفي رواية للترمذي أنه قال له في الثالثة إنه مزكوم كذا في المشكاة
[ 257 ]
قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (باب كيف يشمت الذمي) (كانت اليهود تعاطس) بحذف إحدى التائين أي يطلبون العطسة من أنفسهم (رجاء أن يقول لها) أي لليهود وتأنيث الضمير باعتبار الجماعة (فكان يقول) أي النبي صلى الله عليه وسلم عند عطاسهم وحمدهم (يهديكم الله ويصلح بالكم) أي ولا يقول لهم يرحمكم الله لأن الرحمة مختصة بالمؤمنين بل يدعو لهم بما يصلح بالهم من الهداية والتوفيق للايمان قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح
[ 258 ]
(باب فيمن يعطس ولا يحمد الله) (وترك الآخر) أي لم يشمته (رجلان عطسا فشمت) بتشديد الميم والتاء بصيغة الخطاب من التشميت (قال أحمد أو قسمت أحدهما) بالسين المهملة قال النووي شمت بالشين المعجمة والمهملة لغتان مشهورتان المعجمة أفصح قال ثعلب معناه بالمعجمة أبعد الله عنك الشماتة وبالمهملة هو من السمت وهو القصد والهدى انتهى (فقال إن هذا حمد الله الخ) وفيه بيان أن العاطس إذا لم يحمد الله لا يستحق الجواب قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 259 ]
(باب في الرجل ينبطح على بطنه) قال في القاموس بطحه كمنعه ألقاه على وجهه فانبطح (عن يعيش) بعين مهملة وشين معجمة على وزن يزيد (بن طخفة) بكسر أوله وسكون الخاء المعجمة ثم فاء كذا في التقريب وقال في المغنى بمفتوحة وسكون معجمة ففاء (الغفاري) بكسر الغين المعجمة (كان أبي) أي طخفة (فجاءت بحشيشة) بالحاء المهملة قال في مجمع البحار في باب الحاء المهملة وفيه فجاءت بحشيشة هو طعام يصنع من حنطة قد طحنت بعض الطحن وطبخت وتلقي فيه لحم أو تمر انتهى وفي بعض النسخ بجشيشة بالجيم قال في مجمع البحار في باب الجيم وفيه أولم صلى الله عليه وسلم بجشيشة هي أن تطحن الحنطة طحنا جليلا ثم تجعل في القدر ويلقى عليه لحم أو تمر وبطيخ ويقال لها دشيشة انتهى وفي بعض الحواشي هي ما يجش من الجش فيطبخ والجش طحن خفيف فوق الدقيق
[ 260 ]
فظهر أن الجشيشة الجيم والحشيشة بالحاء المهملة كلاهما بمعنى واحد (فجاءت بحيسة) بفتح الحاء المهملة وسكون السكون التحتية طعام يتخذ من تمر وسويق وأقط وسمن (مثل القطاة) بفتح القاف ضرب من الحمام وكأنه شبه في القلة قاله السندي قلت ويحتمل أنه شبه عائشة بالقطاة بالصدق والوفاء والعرب تضرب الأمثال بالقطاة قال العلامة الدميري القطا طائر معروف واحده قطاة والجمع قطوات عند قال ابن قتيبة من أهل اللغة والرافعي من الفقهاء إن القطا من الحمام وتوصف القطا بالهدايا والعرب تضرب بها المثل في ذلك لأنها تبيض في القفر وتسقي أولادها من البعد في الليل والنهار فتجئ في الليلة المظلمة وفي حواصلها الماء فإذا صارت حيال أولادها صاحت قطا قطا فلم تخط بلا علم ولا إشارة ولا شجرة فسبحان من هداها لذلك وقال أبو زياد الكلابي إن القطا تطلب الماء من مسيرة عشرين ليلة وفوقها ودونها قال الدميري والعرب تصف القطا بحسن المشي لتقارب خطاها ومشيها يشبه مشي النساء الخفرات بمشيتهن وروى ابن حبان وغيره من حديث أبي ذر وابن ماجه من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بني لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله تعالى له في الجنة بيتا وخصت القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شعر ولا على رأس جبل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطيور فذلك شبه به المسجد ولأنها توصف بالصدق كما تقدم فكأنه أشار بذلك إلى الإخلاص في بنائه وقيل خرج ذلك مخرج الترغيب بالقليل عن الكثير كما خرج مخرج التحذير بالقليل عن الكثير قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده انتهى كلامه ملخصا (فجاءت بعس) بضم العين المهملة وتشديد السين قدح ضخم (من السحر) قال في المرقاة بفتحتين وفي نسخة بسكون الثاني وهو الرئة انتهى يقال بالفارسية شش قال في المصباح السحر الرئة وقيل ما لصق أخبرنا بالحلقوم والمرئ من أعلى البطن وقيل هو كل ما تعلق بالحلقوم من قلب وكبد ورئة وفيه ثلاث لغات على وزن فلس وسبب وقفل وجمع الأولى سحور مثال فلس وفلوس وجمع الثانية والثالثة أسحار انتهى
[ 261 ]
وقال الجوهري في الصحاح السحر الرئة والجمع أسحار مثل برد وأبرد وكذلك السحر والجمع سحور مثل فلس وفلوس وقد يحرك فيقال سحر مثل نهر ونهر لمكان حروف الحلق انتهى وفي اللسان السحر الرئة والجمع أسحار وسحر وسحور وقد يحرك فيقال سحر مثل نهر ونهر والسحر أيضا الكبد والسحر سواد القلب ونواحيه وقيل هو القلب انتهى والمعنى أن طخفة بن قيس كان له ذات الرئة فلذا كان مضطجعا على بطنه وأن صاحب ذات الرئة لا يستطيع أن ينام مستلقيا لأجل الوجع والله أعلم (فقال إن هذه ضجعة) بكسر الضاد المعجمة قال القاري ولعله عليه السلام لم يتبين له عذره أو لكونه يمكن الاضطجاع على الفخذين لدفع الوجع من غير مد الرجلين والله أعلم انتهى وفي الحديث أن النوم على البطن لا يجوز وأنه ضجعة الشيطان قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وليس في حديث أبي داود عن أبيه ووقع عند النسائي عن قيس بن طهفة قال حدثني أبي وعند ابن ماجه عن قيس بن طهفة مختصرا وفيه اختلاف كثير جدا وقال أبو عمر النمري اختلف فيه اختلافا كثيرا واضطرب فيه اضطرابا شديدا فقيل طهفة بالهاء وقيل طخفة بالخاء وقيل طغفة بالغنى وقيل طقفة بالقاف وقيل يعيش بن طخفة وقيل يعيش بن طخفة وقيل عبد الله بن طخفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديثهم كلهم واحد قال كنت نائما في الصفة فركضني رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال هذه نومة يبغضها الله وكان من أهل الصفة ومن أهل العلم من يقول إن الصحبة لأبيه عبد الله وإنه صاحب القصة هذا آخر كلامه وذكر البخاري فيه اختلافا كثيرا وقال طغفة خطأ وذكر أنه روى عن يعيش بن طخفة عن قيس الغفاري قال كان أبي وقال لا يصح قيس فيه وذكر أنه روى عن أبي هريرة قال ولا يصح أبو هريرة انتهى كلام المنذري (باب في النوم على السطح ليس عليه حجار) (هو جمع حجر بكسر الحاء وهو ما يحجر به من حائط ونحوه ومنه حجر الكعبة وفي
[ 262 ]
بعض النسخ حجاب بالموحدة بدل الراء وهو الذي يحجب الإنسان عن الوقوع وفي بعضها حجى قال في القاموس الحجي كالي العقل وبالفتح الناحية وفي بعض النسخ على سطح غير محجر (من بات) أي نام ليلا (على ظهر بيت) أي سطح له (ليس عليه حجار) بالراء المهملة وفي بعض النسخ بالباء الموحدة بدل الراء وفنسخة الخطابي حجى ففي معالم السنن هذا الحرف يروى بكسر الحاء وفتحها ومعناه معنى الستر والحجاب فمن قال بالكسر شبهه بالحجى الذي هو بمعنى العقل لأن العقل يمنع الإنسان من الردى والفساد والتعرض للهلاك كما أن الستر الذي يكون على السطح يمنع الإنسان من التردي والسقوط ومن رواه بالفتح ذهب إلى الطرف والناحية وإحجاء لو الشئ نواحيه واحدها حجى مقصور انتهى ملخصا وفي جامع الأصول الذي قرأته في كتاب أبي داود حجاب يعني بالباء وفي نسخة أخرى حجار ومعناهما ظاهر والذي رأيته في المعالم للخطابي انتهى (فقد برئت منه الذمة) قال في فتح الودود يريد أنه إن مات فلا يؤاخذ بدمه انتهى وقيل إن لكل من الناس عهدا من الله تعالى بالحفظ والكلامة يكون فإذا ألقى بيده إلى التهلكة انقطع عنه قال المنذري هكذا وقع في روايتنا حجار براء مهملة بعد الألف وتبويب صاحب الكتاب يدل عليه فإنه قال غير محجر والحجار جمع حجر بكسر الحاء وأصل الباب المنع ومنه حجر الحاكم أي ليس عليه شئ يستره ويمنعه من السقوط ويقال احتجرت الأرض إذا ضربت عليها منارا تمنعها به من غيرك أو يكون من الحجرة وهي حظيرة الإبل وحجرة الدار وهو راجع أيضا إلى المنع ورواه الخطابي حجى وذكر أنه يروي بكسر الحاء وفتحها وقال غيره فمن كسر شبه بالحجى الذي هو العقل لأن الستر يمنع الفساد ومن فتحه قال الحجى مقصور الطرف والناحية وجمعه إحجاء مع وقد روى أيضا حجاب بالباء سعيد (باب في النوم على طهارة) (ما من مسلم يبيت) أي ينام ليلا (طاهرا) حال من ضمير يبيت (فيتعار) بتشديد الراء
[ 263 ]
قال الخطابي معناه يستيقظ من النوم وأصل التعار السهر التقلب على الفراش ويقال إن التعار لا يكون إلا مع كلام وصوت وهو مأخوذ من عرار الظليم (قال ثابت) البناني حاكيا عن البعض (قال فلان) لم يظهر اسمه بوجه من الوجوه (لقد جهدت) الجهد النهاية والغاية يقال جهد في الأمر جهدا من باب نفع إذا طلب حتى بلغ غايته في الطلب كذا في المصباح (أن أقولها) أي تلك الكلمة وهي السؤال من الله تعالى للدنيا والآخرة (حين أنبعث) أي أقوم من الليل (فما قدرت عليها) أي على تلك المسألة لعله بالنسيان أو لشغله في الأمور والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وبين فيه أن ثابت البناني رواه عن شهر عن أبي ظبية عن معاذ قال ثابت فقدم علينا أبو ظبية فحدثنا بهذا الحديث عن معاذ وأبو ظبية هذا كلاعي شامي ثقة وهو بفتح الظاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة وتاء تأنيث (يعني بال) هذا تفسير لقوله قضى حاجته قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا (باب كيف يتوجه) (نحوا مما يوضع الانسان في قبره) أي على هيئة وضع الانسان في القبر كذا في فتح الودود
[ 264 ]
وأورد السيوطي هذا الحديث برواية المؤلف في الجامع الصغير بلفظ نحوا مما يوضع للانسان في قبره وقال العلامة العزيزي في شرحه نحوا بالنصب والتنوين (مما) أي من الفراش الذي (يوضع) أي يفرش (للإنسان) المي في قبره وقد وضع في قبره صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء كان فراشه للنوم نحوها انتهى ووقع هذا الحديث في المشكاة بلفظ نحوا مما يوضع في قبره قال القاري في المرقاة أي كان ما يفترشه للنوم قريبا مما يوضع في قبره ولعل العدول عن الماضي للمضارع حكاية للحال ونقل عن الطيبي مثل ما قال العزيزي ولفظ حديث الكتاب وما قال في فتح الودود يناسب تبويب المؤلف والله تعالى أعلم (وكان المسجد) بكسر الجيم (عند رأسه) أي إذا نام يكون رأسه إلى جانب المسجد قال القاري وفي نسخة يعني من المشكاة بفتح الجيم أي وكان مصلاه أو سجادته عند رأسه قال المنذري لا يعرف هذا الذي حدث عنه أبو قلابة هل له صحبة أم لا (باب ما يقول عند النوم) (أن يرقد) أي ينام (قني) أي احفظني قال المنذري وأخرجه النسائي أيضا من حديث المسيب بن رافع عن حفصة مختصرا في وضع الكف خاصة وأخرجه النسائي أيضا من حديث إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة وهو ابن عبد الله بن مسعود ورجل آخر عن البراء بن عازب ولفظه يوم تجمع عبادك وقال الآخر يوم تبعث عبادك وأخرجه أيضا من حديث أبي عبيدة عن أبيه ولفظ يوم تجمع عبادك وهو منقطع أبو عبيد بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه
[ 265 ]
(وضوءك) بالنصب في مثل وضوئك (اللهم أسلمت) أي استلمت وانقدت والمعنى جعلت وجهي منقادا لك تابعا لحكمك (وفوضت أمري إليك) أي توكلت عليك في أمري كله (وألجأت) أي أسندت (ظهري إليك) أي إلى حفظك لما علمت أنه لا سند يتقوى به سواك (رهبة) أي خوفا من غضبك وعقابك (ورغبة) أي رغبة في رضاك وثوابك وفي رواية للنسائي رهبة منك ورغبة إليك قيل هما مفعول لهما لألجئت بكر والأظهر أن نصبهما على الحالية أي راغبا وراهبا والظرفية أي في حال الطمع والخوف يتنازع فيهما الأفعال المتقدمة كلها قاله القاري (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك) ملجأ مهموز ومنجا مقصور وقد يهمز منجا للازدواج وقد يعكس أيضا لذلك والمعنى لا مهرب ولا ملاذ من عقوبتك إلا رحمتك (فإن مت) بضم الميم وكسرها (على الفطرة) أي على دين الإسلام وقيل على التوحيد (واجعلهن) أي هذه الكلمات (أستذكرهن قد) أي أتحفظهن (فقلت وبرسولك الذي أرسلت) أي مكان ونبيك الذي أرسلت (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي لا تقل وبرسولك الذي أرسلت بل قل ونبيك الذي أرسلت قال الحافظ وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي أن ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي إذا أويت إلى فراشك أي دخلت فيه فتوسد يمينك أي اجعله تحت رأسك ثم ذكر نحوه أي نحو الحديث السابق
[ 266 ]
(قال سفيان قال أحدهما) ضمير التثنية للأعمش ومنصور والمعنى أن أحدهما قال إذا أتيت فراشك طاهر فاضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم الخ وقال الآخر إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل الخ وحديث منصور عند مسلم بلفظ إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم أني أسلمت الحديث (وساق) أي سفيان (معنى معتمر) أي معنى حديث معتمر السابق (اللهم باسمك أحيى وأموت) أي بذكر اسمك أحيى ماحييت وعليه أموت ويحتمل أن يكون لفظ الإثم زائدا كما في قول الشاعر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما (أحيانا بعد ما أماتنا) أي رد علينا القوة والحركة بعد ما أزالهما منا بالنوم وإليه المنشور أي البعث يوم القيامة والإحياء بعد الإماتة قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (فلينفض) بضم الفاء أي فليحرك (بداخلة إزاره) أي بحاشيته التي تلي الجسد وتماسه لتكون يده مستورة بطرف إزاره لئلا يحصل مكروه إن كان هناك من الهوام (ما خلفه عليه) أي على فراشه والمعنى لا يدري ما وقع في فراشه بعد ما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام قاله الطيبي (على شقه) بكسر الشين أي على جانبه (وبك أرفعه) أي باسمك أو بحولك وقوتك أرفعه حين أرفعه فلا أستغني عنك بحال (إن أمسكت نفسي أي قبضت روحي في النوم فارحمها) أي
[ 267 ]
بالمغفرة والتجاوز عنها (وإن أرسلتها) بأن رددت الحياة إلي وأيقظتني من النوم (فاحفظها) أي من المعصية والمخالفة (بما تحفظ به) أي من التوفيق والعصمة والأمانة (الصالحين) أي القائمين بحقوق الله وعباده قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (عن خالد نحوه) أي نحو حديث وهيب فوهيب وخالد كلاهما يرويان عن سهيل بن أبي صالح لكن بين روايتهما فرق يسير في الألفاظ دون المعنى (فالق الحب) الفلق الشق (والنوى) جمع النواة وهي عظم النخل والتخصيص لفضلها أو لكثرة وجودها في ديار العرب يعني يا من شقهما فأخرج منهما الزرع والنخيل (وأنت الظاهر فليس فوقك شئ) يعني ليس شئ أظهر منك لدلالة الآيات الباهرة عليك وقال في فتح الودود فلا ظهور لشئ ولا وجود إلا من آثار ظهورك ووجودك (وأنت الباطن) أي باعتبار الذات (فليس دونك شئ) أي ليس شئ أبطن منك ودون يجئ بمعنى غير والمعنى ليس غيرك في البطون شئ أبطن منك وقد يجئ بمعنى قريب فالمعنى ليس شئ في البطون قريبا منك قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه (يعني ابن جواب) بفتح الجيم وتشديد الواو (أخبرنا عمار بن رزيق) بتقديم الراء مصغرا (بوجهك) أي بذاتك والوجه يعبر به عن الذات كما في قوله تعالى كل شئ هالك إلا وجهه (وكلماتك التامة) أي الكاملة في إفادة ما ينبغي وهي أسماؤه وصفاته أو آياته القرآنية (من شر ما أنت آخذ بناصيته) أي هو في قبضتك وتصرفك (تكشف) أي تدفع وتزيل (المغرم)
[ 268 ]
المراد به الدين وقيل مغرم المعاصي (والمأثم) أي ما يأثم به الإنسان أو هو الإثم نفسه (لا يهزم) بصيغة المجهول أي لا يغلب (لا ينفع ذا الجد) بفتح الجيم (منك الجد) فسر الجد بالغي في أكثر الأقاويل أي لا ينفع ذا الغنى غناه منك أي بدل طاعتك وإنما ينفعه العمل الصالح (سبحانك وبحمدك) أي أجمع بين تنزيهك وتحميدك قال المنذري وأخرجه النسائي والحارث الأعور لا يحتج بحديثه غير أن أبا ميسرة هذا هو عمر بن شرحبيل الهمداني الكوفي ثقة احتج به البخاري ومسلم في صحيحهما (إذا أوى إلى فراشه) قال النووي إذا أوى إلى فراشه وأويت مقصور وأما أوانا فمدود هذا هو الفصيح المشهور وحكي القصر فيها وحكي المد فيهما انتهى (وكفانا) أي دفع عنا شر المؤذيات أو كفى مهماتنا وقضى حاجتنا (وآوانا) بالمد أي رزقنا مساكن وهيأ لنا المأوى (لا كافي) بفتح الياء (ولا مأوى) بصيغة اسم الفاعل أي فكم شخص لا يكفيهم الله شر الأشرار ولا يهئ لهم مأوى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (الأنماري) بفتح الهمزه وسكون النون (وأخسأ) أي أبعد وأطرد (شيطاني) قال الطيبي إضافة إلى نفسه لأنه أراد قرينه من الجن أو من قصد إغواءه من شياطين الإنس والجن (وفك رهاني) أي خلص رقبتي عن كل حق علي والرهان الرهن وجمعه ومصدر راهنه وهو ما يوضع وثيقة للدين والمراد ههنا نفس الإنسان لأنها مرهونة بعملها لقوله تعالى كل امرئ بما كسب رهين وفك الرهن تخليصه من يد المرتهن كذا في المرقاة (في الندي الأعلى) الندي بالفتح ثم الكسر ثم التشديد هو النادي وهو المجلس المجتمع والمعنى اجعلني من
[ 269 ]
المجتمعين في الملأ الأعلى من الملائكة ولفظ الحاكم في المستدرك واجعلني في الملأ الأعلى (قال أبو داود رواه أبو همام الخ) قال المنذري وقال أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة أبو الأزهر ولم ينسب روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ولا أدري له صحبه أم لا وذكر له هذا الحديث وأبو همام الأهوازي هو محمد بن الزبرقان ثقة احتج به البخاري ومسلم (نم على خاتمتها) أي على خاتمة هذه السورة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي مرسلا وذكر الترمذي والنسائي طرفا من الاختلاف فيه وقال الترمذي وقد اضطرب أصحاب أبي إسحاق في هذا الحديث وذكر أبو عمر النمري نوفلا هذا في كتاب الصحابة وقال حديثه قل يا أيها الكافرون مضطرب الاسناد لا يثبت (ثم نفث فيهما) النفث نفخ لطيف بلا ريق قاله النووي (فقرأ فيهما قل هو الله أحد الخ) وفي بعض النسخ وقرأ بالواو وفي بعضها ثم قرأ قال الحافظ أي يقرؤها وينفث حالة القراءة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (كان يقرأ المسبحات) أي السور التي في صدرها لفظ التسبيح (قبل أن يرقد) أي قبل أن ينام
[ 270 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب هذا آخر كلامه وفي إسناده بقية بن الوليد عن بحير بن سعد وبقية فيه مقال وأخرجه النسائي من حديث معاوية بن صالح عن بحير بن سعد مرسلا (الحمد لله الذي كفاني) أي عن الخلق أعناني كل (وآواني) أي جعل لي مسكنا يدفع عني حرى وبردى (والذي من) أي أنعم (فأفضل) أي زاد أو أكثر أو أحسن قاله القارئ (فأجزل) أي فأعظم أو أكثر من النعمة (رب كل شئ) أي مربيه ومصلحه (وملكية) أي مالكه قال المنذري وأخرجه النسائي (كان عليه ترة) قال المناوي بكسر المثناة الفوقية وفتح الراء أي نقص وحسرة قال المنذري وأخرجه النسائي مختصرا بقصة الاضطجاع فقط وفي إسناده محمد بن عجلان وقد تقدم الاختلاف فيه (باب ما يقول الرجل إذا تعار من الليل) تعار بفتح تاء وراء مشددة بعد ألف أي استيقظ ولا يكون إلا يقظة مع كلام وقيل هو تمطي وأن قال (قال الأوزاعي) وفي رواية البخاري قال حدثنا الأوزاعي (حدثني جنادة) بضم الجيم
[ 271 ]
وتخفيف النون مختلف في صحبته (قال الوليد أو قال دعا) أي فقط شك من الوليد قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه وقد تقدم الكلام عليه في الجزء قبله (لا تزغ قلبي) أي بميله عن الإيمان زاغ عن الطريق عدل عنه قال المنذري وأخرجه النسائي وقد تقدم الكلام عليه في الجزء قبله (باب في التسبيح عند النوم) (ما تلقى) أي من المشقة وهو مفعول شكت (في يدها من الرحي) أي من أثر إدارة الرحى (فأتى) بصيغة المجهول أي النبي صلى الله عليه وسلم (بسبي) أي رقيق (فأتته تسأله فلم تره) أي أتت فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم نطلب الرقيق فما رأت النبي صلى الله عليه وسلم في منزله (فأخبرت) أي فاطمة (بذلك) أي المذكور من إتيانها لطلب الرقيق (عائشة) مفعول (أخبرته) أي أخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بمجئ فاطمة لطلب الرقيق فأتانا قد أخذنا مضاجعنا أي أتانا النبي صلى الله عليه وسلم حال كوننا مضطجعين (فذهبنا لنقوم)
[ 272 ]
أي شرعنا وأردنا لنقوم له (على مكانكما) أي اثبتا على ما أنتما عليه من الاضطجاع (مما سألتما) قال القاري يحتمل أن يكون على طلب بلسان القال أو الحال أو نزل رضاه منزلة السؤال أو لكون حاجة النساء حاجة الرجال أي طلبتما من الرقيق (فهو) أي ما ذكر من الذكر (خير لكما من خادم) الخادم واحد الخدم يقع على الذكر والأنثى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (وقمت البيت) بتشديد الميم أي كنست البيت (حتى دكنت ثيابها) من باب سمع أي صارت تضرب إلى السواد مما أصابها من الدخان كذا في فتح الودود وفي النهاية يقال دكن الثوب إذا اتسخ واغبر لونه يدكن دكنا انتهى قال الجوهري الدكنة لون يضرب إلى السواد وقد دكن الثوب يدكن دكنا انتهى (ونحن في لفاعنا) أي لحافنا (وكسحت البيت) قال في المصباح كسحت البيت كسحا من باب نفع كنسته انتهى (فذكر معنى حديث الحكم أي الذي قبله وأتم) أي من حديث الحكم وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الخراج في باب بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوي القربى
[ 273 ]
قال المنذري وقد تقدم في كتاب الخرج وابن أعبد هو علي بن أعبد قال ابن المديني ليس بمعروف ولا أعرف له غير هذا (القرظي) نسبة إلى قريظة (عن شبث) بفتح أوله والموحدة ثم مثلة قال الحافظ مخضرم كان مؤذن سجاح ثم أسلم ثم كان ممن أعان على عثمان ثم صحب عليا ثم صار من الخوارج عليه ثم تاب فحضر قتل الحسين ثم كان ممن طلب بدم الحسين مع المختار ثم ولى شرط الكوفة ثم حضر قتل المختار ومات بالكوفة في حدود الثمانين (فما تركتهن) أي الكلمات المذكورة (إلا ليلة صفين) كسكين موضع كانت به الوقعة العظمى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما (فإني ذكرتها) أي الكلمات قال المنذري وأخرجه النسائي وقال البخاري لا يعلم لمحمد بن كعب سماع من شبث هذا آخر كلامه وشبث بفتح الشين المعجمة وبعدها باء مفتوحة وثاء مثلثه (خصلتان أو خلتان) شك من الراوي وهما بمعنى واحد (هما) أي الخصلتان أي كل منهما (يسير) سهل خفيف لعدم صعوبة العمل بهما (من يعمل بهما) مبتدأ (قليل) خبر (يسبح) بيان لاحدى الخصلتين والضمير للعبد المسلم (في دبر كل صلاة) أي عقب كل صلاة (فذلك) أي التسبيح والتحميد والتكبير عشرا عشرا دبر كل صلاة من الصلوات الخمس (خمسون ومائة باللسان) أي في يوم وليلة (وألف وخمس مائة في الميزان) لقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها (ويكبر أربعا وثلاثين) بيان للخلة الثانية (إذا أخذ مضجعه) أي حين أخذ مرقده وإذا للظرفية المجردة (يعقدها بيده) أي بأصابعها أو بأناملها أو بعقدها (كيف هما يسير
[ 274 ]
ومن يعمل بهما قليل) أي ما وجه قولك هذا والضمير في بهما للخصلتين (يأتي أحدكم) بالنصب مفعول (فينومه) بتشديد الواو أي يلقي عليه النوم (قبل أن يقوله) أي الذكر والمذكور في الخلة الثانية (فيذكره حاجته) أي فينصرف عن الصلاة (قبل أن يقولها) أي الكلمات المذكورة في الخلة الأولى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح وأخرجه النسائي مسندا وموقوفا على عبد الله بن عمرو (أن ابن أم الحكم) قال المزي في الأطراف قال أبو القاسم ومن مسند أم الحكم ويقال أم حكيم صفية ويقال عاتكة ويقال ضباعة بنت الزبير وقال قال محمد بن سعيد هي أم الحكم وقال شباب بن خياط حدثني غير واحد من بني هاشم أنهم لا يعرفون للزبير ابنة غير ضباعة وقال ضباعة هي أم حكيم قال أبو القاسم وهذا وهم فقد ذكر الزبير بن بكار للزبير ابنتين ضباعة وأم حكيم وذكر أن أم حكيم كانت تحت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وولده منها وضباعة كانت تحت المقداد انتهى وفي التقريب ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم لها صحبة وحديث انتهى (أو ضباعة) أي ابن ضباعة معطوف على قوله أم الحكم (حدثه) فاعل حدث ابن أم الحكم الضمير المنصوب يرجع إلى الفضل بن حسن (عن إحداهما) التي هي أمه واعلم أن الحديث فيه الواسطة وهي ابن أم الحكم بين أمها وبين الفضل بن حسن وهكذا بإثبات الواسطة في أطراف المزي لكن لم يبين أن ابنها من هو وهذه عبارته ومن مسند أم الحكم أو ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب إبن هاشم على النبي صلى الله عليه وسلم حديث أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سببا أخرجه أبو داود في الخراج وفي الأدب عن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن عياش بن عقبة الحضرمي عن الفضل بن الحسن الضمري أن ابن أم الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير حدثه عن إحداهما أنها قالت فذكر انتهى وقال في أسد الغابة بإسناده حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن عياش بن
[ 275 ]
عقبة عن الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري قال حدثني ابن أم الحكم قال حدثتني أمي أم الحكم فذكر الحديث وروى ابن مندة وأبو نعيم بإسنادهما عن عياش بن الحضرمي عن الفصل بن الحسن عن ابن أم الحكم عن أمه أم الحكم بنت الزبير فذكره انتهى فهذه الروايات كلها مصرحة بإثبات الواسطة المذكورة لكن ابن أم الحكم هذا مجهول لا يعرف قاله الحافظ في التقريب وتقدم هذا الحديث في كتاب الخراج في باب بيان مواضع قسم الخمس وليس هناك هذه الواسطة وعبارة هكذا عن الفضل بن الحسن الضمري أن أم الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير بن عبد المطلب حدثته عن إحداهما أنها قالت الحديث وهكذا بحذف الواسطة أورده ابن الأثير من جهة أبي داود وقال المنذري في مختصر السنن في كتاب الأدب وعن الفضل بن الحسن الضمري أن أم الحكم أو ضباعة بنت الزبير حدثته عن إحداهما وقال في كتاب الخراج وعن أم الحكم أو ضباعة بنتي الزبير أنها قالت فذكر الحديث ثم سكت عنه كذا في غاية المقصود (فذهبت أنا وأختي وفاطمة) هكذا بإثبات الواو بين أختي وفاطمة في هذا المحل ولفظ ابن أبي شيبة فذهبت هي وأختها حتى دخلنا على فاطمة فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند ابن الأثير فذهبت أنا وأختي إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم في كتاب الخراج أيضا بإثبات الواو بينهما وأما الرواية بحذف الواو بينهما فعلى هذا قولها فاطمة بدل من قولها أختي وهكذا بحذف الواو في أطراف المزي وأما عند المنذري ففي كتاب الخراج بإثبات الواو وفي كتاب الأدب بحذف الواو كذا في الغابة (ما نحن فيه) من مشقة البيوت (يتامى بدر) أي من قتل آباؤهم في بدر والمراد فقراء بدر سموا باسم اليتامى ترحيما عليهم قال المنذري وقد تقدم في كتاب الخراج
[ 276 ]
(باب ما يقول إذا أصبح) (فاطر السماوات والأرض) أي مخترعهما وموجدهما على غير مثال سبق (عالم الغيب والشهادة) أي ما غاب من العباد وظهر لهم (رب كل شئ وملكيه) فعيل بمعنى فاعل للمبالغة كالقدير بمعنى القادر (وشر الشيطان) أي وسوسته وإغوائه وإضلاله (وشركه) بكسر الشين وسكون الراء أي ما يدعو إليه من الإشراك بالله ويروى بفتحتين أي مصائده وحبائله التي يفتتن بها الناس قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح (إذا أصبح) أي دخل في الصباح (اللهم بك أصبحنا) الباء متعلق بمحذوف وهو خبر أصبحنا ولابد من تقدير مضاف أي أصبحنا متلبسين بحفظك أو مغمورين بنعمك أو مشتغلين بذكرك (وبك نحيا وبك نموت) قيل هو حكاية الحال الآتية يعني يستمر حالنا على هذا في جميع الأوقات وسائر الحالات
[ 277 ]
قال النووي معناه أنت تحييني وأنت تميتني (وإليك النشور) أي البعث بعد الموت (وإذا أمسى) عطف على إذا أصبح قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن (أخبرنا محمد بن أبي فديك) بالتصغير (حين يصبح أو يمسي) كلمة أو للتخيير أو للتنويع (أشهدك) أي أجعلك شاهدا على إقراري بوحدانيتك في الألوهية والربوبية وهو إقرار للشهادة وتأكيد لها وتجديد لها في كل صباح ومساء (وأشهد حملة عرشك) جمع حامل أي حاملي عرشك (وملائكتك) بالنصب عطف على الحملة تعميما بعد تخصيص (وجميع خلقك) تعميم آخر (أنك) بفتح الهمزة أي على شهادتي واعترافي بأنك (أعتق الله) جواب الشرط (فإن قالها أربعا أعتقه الله من النار) أي أعتقه كله قال المنذري في إسناده عبد الرحمن بن عبد المجيد وهو أبو رجاء المهري مولاهم المصري المكفوف قال ابن يونس كان يحدث حفظا وكان أعمى وأحاديثه مضطربة ووقع
[ 278 ]
في أصل سماعنا وفي غيره عبد الرحمن بن عبد المجيد والصحيح عبد الحميد هكذا ذكره ابن يونس في تاريخ المصريين وله العناية المعروفة بأهل بلده وذكره غيره أيضا كذلك (وأنا على عهدك ووعدك) أي أنا مقيم على الوفاء بعهد الميثاق وأنا موقن بوعدك يوم الحشر والتلاق (ما استطعت) أي بقدر طاقتي وفي فتح الباري قال الخطابي يريد أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك ما استطعت وفيه أيضا واشتراط الاستطاعة في ذلك معناه الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى (أبوء بنعمتك) أي أعترف بها وأقر وألتزم وأصله البواء ومعناه اللزوم (وأبوء بذنبي) أي أعترف أيضا قال الخطابي معناه الإقرار به أيضا كالأول ولكن فيه معنى ليس في الأول تقول العرب باء فلان بذنبه إذا احتمله كرها لا يستطيع دفعه عن نفسه قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن بريدة عن بشير بن كعب عن شداد بن أوس بنحوه وقال فيه سيد الاستغفار وأخرجه الترمذي من حديث عثمان بن ربيعة عن شداد بن أوس وقال حسن غريب من هذا الوجه (أخبرنا جرير) فجرير وخالد كلاهما يرويان عن الحسن بن عبيد الله (زاد في حديث جرير) ولفظ المنذري في مختصر السنن وعن عبد الله هو ابن مسعود أن النبي ص كان يقول إذا
[ 279 ]
أمسى أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأما زبيد كان يقول كان إبراهيم بن سويد يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها رب أعوذ بك من الكسل ومن سوء الكفر رب أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر إلى آخره قلت حديث جرير أخرجه مسلم ما لفظه حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا جرير عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال كان نبي الله إذا أمسى قال أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال أراه قال فيهن له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر وإذا أصبح قال ذلك أيضا أصبحنا وأصبح الملك لله ثم أخرج من طريق أبي بكر بن أبي شيبة أخبرنا حسين بن علي عن زائدة عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال كان رسول الله إذا أمسى قال أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر وفتنة الدنيا وعذاب القبر قال الحسن ابن عبيد الله وزادني فيه زبيد عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رفعه أنه قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير وأخرج من طريق قتيبة بن سعيد أخبرنا عبد الواحد بن زياد عن الحسن بن عبيد الله أخبرنا إبراهيم بن سويد النخعي أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال الحسن فحدثني الزبيد أنه حفظ عن إبراهيم في هذا له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير اللهم أسألك خير هذه الليلة وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها اللهم إني أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر اللهم أني أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر انتهى (من سوء الكبر) قال النووي رويناه الكبر بإسكان الباء وفتحها فالإسكان بمعنى
[ 280 ]
التعاظم على الناس والفتح بمعنى الهرم والخرف والرد إلى أرذل العمر كما في الحديث الآخر قال القاضي وهذا أظهر وأشهر بما قبله قال وبالفتح ذكره الهروي بالوجهين ذكره الخطابي وصوب الفتح وتعضده رواية النسائي وسوء العمر انتهى (أو الكفر) هذا شك من الراوي أي من سوء الكفر أي من شر ما فيه الكفر أو الكفران (ولم يذكر سوء الكفر) وكذلك لم يذكر هذه اللفظة بعض أصحاب الحسن بن عبيد الله كعبد الواحد بن زياد وزائدة بل جرير أيضا في رواية عثمان بن أبي شيبة وروايتهم عند مسلم فجمله سوء الكبر هي محفوظة قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (عن أبي عقيل) بفتح العين واسمه هشام بن بلال (عن أبي سلام) بتشديد اللام هو ممطور الحبشي (أنه) أي أبو سلام (كان في مسجد حمص) بكسر المهملة وسكون الميم كورة بالشام (فقالوا هذا) أي الرجل (خدم) صيغة الماضي المعلوم (فقام) أي أبو سلام (إليه) أي إلى الرجل (فقال) أي أبو سلام (لم يتداوله بينك وبينه الرجال) في الصراح تداولته الأبدي وأخذته هذه مرة وهذه مرة والمعنى لم يكن بينك وبينه واسطة الرجال (رضينا بالله ربا) تمييز وهو يشمل الرضا بالأحكام الشرعية والقضايا الكونية (إلا كان حقا على الله) هو خبر كان (أن يرضيه) أي يعطيه ثوابا جزيلا حتى يرضى وهو اسم كان قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 281 ]
(عبد الله بن غنام) بتشديد النون (ما أصبح بي) أي حصل لي في الصباح قاله القاري وقيل أي ما أصبح متصلا بي (من نعمة) دنيوية أو أخروية (فمنك) أي حاصل منك (وحدك) حال من الضمير المتصل في منك (ومن قال مثل ذلك حين يمسي) لكن يقول أمسى بدل أصبح (فقد أدى شكر ليلته) هذا يدل على أن الشكر هو الاعتراف بالمنعم الحقيقي ورؤية كل النعم دقيقها وجليلها منه وكماله أن يقوم بحق النعم ويصرفها في مرضاة المنعم قال المنذري وأخرجه النسائي وغنام بفتح الغين المعجمة وتشديد النون وفتحها وبعد الالف ميم والبياضي منسوب إلى بياضة بطن من الأنصار وقال ابن أبي حاتم عبد الله بن عنبسة وروى عن ابن غنام ويقال عن ابن عباس وقال أيضا سئل أبو زرعة فقال مدني لا أعرفه إلا في هذا الحديث يعني حديث النبي من قال إذا أصبح (لم يكن رسول الله يدع) أي يترك (اللهم إني أسألك العافية) أي السلامة من الآفات (اللهم إني أسألك العفو) أي التجاوز عن الذنوب (اللهم استر عورتي) هي سوءة الإنسان وكل ما يستحيي منه (وقال عثمان عوراتي) أي بصيغة الجمع (وآمن روعاتي) أي مخوفاتي والروعة الفزعة (اللهم احفظني) أي ادفع البلاء عني (من بين يدي) أي أمامي (أن أغتال) بصيغة المجهول أي أوخذ بغتة وأهلك غفلة (قال وكيع يعني الخسف) أي يريد النبي بالاغتيال من الجهة التحتانية الخسف
[ 282 ]
قال في القاموس خسف الله بفلان الأرض غيبه فيها قال الطيبي عم الجهات لأن الآفات منها وبالغ في جهة السفل لرداءة الآفة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (أن أمه) قال الحافظ أم عبد الحميد لم أقف على اسمها (وكانت) أي أم عبد الحميد (فيقول) الفاء عاطفة ويحتمل أن يكون تفسيرية (سبحان الله) هو علم للتسبيح منصوب على المصدرية تقديره سبحت الله سبحانا ولا يستعمل غالبا إلا مضافا ومعنى التسبيح تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص (وبحمده) قيل الواو للحال والتقدير أسبح الله متلبسا بحمدي له من أجل توفيقه وقيل عاطفة والتقدير أسبح الله وألتبس منه بحمده (ما شاء الله) أي وجوده (كان) أي وجد (وما لم يشأ لم يكن) أي لم يوجد (أعلم) أي أعتقد (أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما) قال الطيبي هذان الوصفان أعني القدرة الشاملة والعلم الكامل هما عمدة أصول الدين وبهما يتم إثبات الحشر والنشر ورد الملاحدة في إنكارهم البعث وحشر الاجساد (فإنه) أي الشأن (حفظ) بصيغة المجهول أي من البلايا والخطايا قال المنذري وأخرجه النسائي أمه مجهول (البيلماني) بفتح الموحدة واللام بينهما تحتانية ساكنة (قال الربيع) هو ابن سليمان (ابن البيلماني) أي بحذف اسم أبيه عبد الرحمن (فسبحان الله) أي نزهوه عما لا يليق بعظمته وقيل
[ 283 ]
معناه صلوا (حين تمسون) أي تدخلون في المساء وهو وقت المغرب والعشاء (وحين تصبحون) أي تدخلون في الصباح (وله الحمد في السماوات والأرض) اعتراض ومعناه يحمده أهلهما (وعشيا) عطف على حين وأريد به وقت العصر (وحين تظهرون) أي تدخلون في الظهيرة وهو وقت الظهر (إلى وكذلك تخرجون) أي إلى قوله تعالى وكذلك تخرجون وهذا اقتصار من الراوي وتمامه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون في معالم التنزيل قال نافع بن الأزرق لابن عباس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن قال نعم وقرأ هاتين الآيتين وقال جمعت الآية الصلوات الخمس ومواقيتها انتهى واختار الطيبي عموم معنى التسبيح الذي هو مطلق التنزيه فإنه المعنى الحقيقي الأولى من المعنى المجاز من إطلاق الجزء وإرادة الكل مع أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (أدرك ما فاته) أي من الخير أي حصل له ثواب ما فاته من ورد وخير وهو جواب الشرط (ومن قالهن) أي تلك الكلمات أو الآيات (قال الربيع عن الليث) وأما أحمد بن سعيد فقال أخبرني الليث كما مر قال المنذري في إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه وكلاهما لا يحتج به (ووهيب نحوه) أي نحو حديث حماد (من ابن أبي عائش) قال المزي في الأطراف أبو عياش ويقال ابن أبي عياش ويقال ابن أبي عائش عن النبي ويقال إنه الزرقي حديث من قال إذا أصبح الخ أخرجه أبو داود في الأدب عن موسى عن حماد ووهيب كلاهما عن سهيل بن
[ 284 ]
أبي صالح عن أبيه عن ابن أبي عياش وقال حماد عن أبي عياش وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة عن إبراهيم بن يعقوب عن الحسن بن موسى عن حماد ابن سلمة عن سهيل عن أبيه عن أبي عياش الزرقي وأخرجه ابن ماجه في الدعاء نحوه انتهى قال الحافظ في الإصابة أبو عياش وقيل ابن عياش وقيل ابن أبي عياش روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قال إذا أصبح لا إله إلا الله الحديث من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه وفي بعض طرقه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن ابن أبي عياش وفي بعض طرفة عن أبي عياش الزرقي فقيل هو زيد بن الصامت أبو عياش الزرقي وعلى ذلك جرى أبو أحمد الحاكم والذي يظهر أنه غيره ووقع في الكنى لأبي بشر الدولابي أبو عياش الزرقي روى عنه زيد بن أسلم حديث من قال إذا أصبح الخ انتهى (من قال) شرطية (إذا أصبح) ظرفية (كان له) جواب الشرط (عدل رقبة) أي مثل عتقها وهو بفتح العين وكسرها بمعنى المثل وقيل بالفتح المثل من غير الجنس وبالكسر من الجنس وقيل بالعكس (من ولد إسماعيل) صفة رقبة وهو بفتح الواو واللام وبضم وسكون أي أولاده والتخصيص لأنهم أشرف من سبي (وكتب) أي أثبت مع هذا (وحط) أي وضع ومحى (وكان
[ 285 ]
في حرز) أي حفظ وصون (كأن له مثل ذلك) أي ما ذكر منه الجزاء (فرأى رجل) قال القاري ذكر استظهارا لا دليلا عليه للاجماع على أن رؤية المنام لا يعمل بها
[ 286 ]
(قال أبو داود رواه إسماعيل الخ) قال المنذري وقال أبو بكر الخطيب عند القاضي يعني أبا عمر الهاشمي عن شيخه عن أبي عائش وكذا عند غيره وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي حديثهما عن أبي عياش الزرقي وأبو عياش الأنصاري الزرقي اسمه زيد بن الصامت وقيل غير ذلك وهو بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وفتحها وبعد الألف شين معجمة وذكره أبو أحمد الكرابيسي في كتاب الكنى وقال له صحبة من النبي وليس حديثه من وجه صحيح وذكر له هذا الحديث (إلا غفر الله له) قال القاري استثناء مفرغ مما هو جواب محذوف للشرط المذكور أي الذي قال فيه ذلك الذكر تقديره ما قال قائل هذا الدعاء إلا غفر الله له أو يقدر نفي أي من قال ذلك لم يحصل له شئ من الأحوال إلا هذه الحالة العظيمة من المغفرة الجسيمة (من ذنب) أي أي ذنب كان واستثنى الكبائر وكذا ما يتعلق بحقوق العباد والإطلاق للترغيب مع أن الله يغفر ما دون الشرك لمن يشاء والحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال المزي حديث من قال حين يصبح الخ أخرجه أبو داود في الأدب عن عمرو بن
[ 287 ]
عثمان وأخرجه الترمذي في الدعوات عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن حيوة بن شريح الحمصي وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة عن إسحاق بن إبراهيم وعمرو بن عثمان وكثير بن عبيد أربعتهم عن بقية بن الوليد عن مسلم بن زياد الشامي مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أنس وحديث أبي داود في رواية أبي بكر بن داسة عنه ولم يذكره أبو القاسم انتهى (الفلسطيني) بكسر فاء وفتح سين مهملة وكسر طاء مهملة وبمثناة تحتية فنون نسبة إلى فلسطين كذا في المغني وفي القاموس فلسطون وفلسطين وقد يفتح فاؤهما كورة بالشام وقرية بالعراق (عبد الرحمن بن حسان) بدل من أبي سعيد (أنه أسر) من الإسرار (إليه) أي إلى مسلم بن الحاث والمعنى تكلم معه خفية (إذا انصرفت) أي فرغت (اللهم أجرني من النار) أجرني أمر من الاجارة من باب الافعال من جور معناه أمني وأعذني وأنقذني وخلصني من النار قال في لسان العرب وفي التنزيل العزيز وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله قال الزجاج المعنى إن طلب أحد من أهل الحرب أن تجيره من القتل إلى أن يسمع كلام الله فأجره أي أمنه قال أبو الهيثم الجار والمجير والمعيذ : واحد ومن عاذ بالله استجار به أجاره الله وأجاره الله من العذاب أنقذه انتهى ملخصا وأما في قوله اللهم آجرني في مصيبتي فآجر ههنا أمر من الإيجار من باب الافعال من الأجر وأيضا يروي فيه أجرني بسكون الهمزة وضم الجيم من باب نصر ينصر من الاجر وعلى كلتا الروايتين معنى واحد أي أعطني أجرا وثوابا في مصيبتي قال في اللسان وفي حديث أم سلمة آجرني الله في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها آجره يوجره إذا أثابه وأعطاه الأجر والجزاء وكذلك أجره يأجره ويأجره والأمر منهما آجرني وأجرني وأجرني انتهى وفي مجمع البحار آجرني في مصيبتي آجره يوجره إذا أثابه وأعطاه الأجر والجزاء
[ 288 ]
وكذا أجره يأجره وأجرني في مصيبتي بسكون الهمزة وضم الجيم إن كان ثلاثيا وإلا فبفتح همزة ممدودة وبكسر الجيم من آجره الله أعطاه جزاء صبره وهو بالقصر أكثر انتهى وفي النهاية آجره يوجره إذا أثابه وأعطاه الأجر والجزاء وكذلك أجره يأجره والأمر منهما آجرني وأجرني انتهى (سبع مرات) ظرف لقل أي كرر ذلك سبع مرات (فإنك إذا قلت ذلك) أي الدعاء المذكور سبعا (ثم مت) بالضم والكسر (كتب لك جوار) بكسر الجيم وإهمال الراء وفي بعض النسخ بفتح الجيم وإعجام الزاي أي أمان وخلاص قال في المرقاة والجواز في الأصل للبراءة التي تكون مع الرجل في الطريق حتى لا يمنعه أحد من المرور وحينئذ فلا يدفعه إلا تحلة القسم انتهى (منها) أي من النار (أسرها) أي الكلمات المذكورة (نحن نخص إخواننا بها) وفي بعض النسخ فنحن بالفاء وهو الأولى وكأنه فهم أن الإسرار كان تخصيصا منه له والحديث سكت عنه المنذري (الحمصي) بكسر المهملتين (ومؤمل) بوزن محمد (بن الفضل الحراني) بفتح لمهملة وشدة الراء (الرملي) بفتح الراء وسكون الميم نسبة إلى رملة مدينة من فلسطين (قال نحوه) أي نحو الحديث السابق (إلى قوله جوار منها) أي بدون ذكر قوله أخبرني أبو سعيد الخ (إلا أنه قال) أي الوليد (فيهما) أي في الجملتين من الحديث إحداهما إذا انصرفت من صلاة المغرب الخ وثانيتهما إذا صليت الصبح الخ (قبل أن تكلم أحدا) الظاهر أن هذه الزيادة بعد قوله فقل والله تعالى أعلم (قال علي بن سهل فيه أن أباه حدثه) أي مكان عن أبيه (وقال علي وابن المصفي) أي ذكرا قبل بيان الحديث هذه القصة المذكورة بقوله بعثنا إلى قوله ودفعه إلي ثم بعد ذكر هذه القصة بينا الحديث (في سرية) السرية طائفة من جيش أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو
[ 289 ]
سموا به لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشئ السري أي النفيس (فلما بلغنا المغار) بالضم الغارة وموضعها (استحثثت) استفعال من الحث (وتلقاني الحي) أي الذين سرنا إليهم (بالرنين) أي بالصوت الصياح ففي القاموس الرنة الصوت رن يرن صاح (تحرزوا) من الحرز أي تحفظوا وهو جواب قولوا (فقالوها) أي كلمة لا إله إلا الله (فقالوا) أي أصحابي (فحسن لي) من التحسين (كذا وكذا) أي من الثواب (قال عبد الرحمن) هو ابن حسان (أما) بالتخفيف حرف التنبيه (بالوصاة) اسم التوصية كصلاة وسلام اسم التصلية والتسليم (ففعل) أي النبي أي كتب لي الوصاة (وختم عليه) أي على المكتوب (ثم ذكر معناهم) أي معنى حديثهم (قال ابن المصفي قال سمعت الحارث بن مسلم ابن الحارث الخ) وأما غيره فقال مسلم بن الحارث بن مسلم قال المنذري قيل فيه مسلم بن الحارث وقيل الحارث بن مسلم بن الحارث كما تقدم وصحح غير واحد أنه مسلم بن الحارث وسئل أبو زرعة الرازي عن مسلم بن الحارث بن مسلم فقال الصحيح الحارث بن مسلم بن الحارث عن أبيه وقال أبو حاتم الرازي الحارث بن مسلم تابعي وقيل للدارقطني مسلم بن الحارث التميمي عن أبيه عن النبي قال مسلم مجهول لا يحدث عن أبيه إلا هو (حدثنا يزيد بن محمد الدمشقي الخ) هذا الحديث ليس في عامة النسخ الحاضرة وإنما هو في نسختين وليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال المزي هذا الحديث في رواية أبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى
[ 290 ]
(صادقا كان بها) أي بتلك الكلمات (أو كاذبا) والمعنى أن القائل بتلك الكلمات إن كان مخلصا وصادقا في اعتقاده على تلك الكلمات ومتيقنا بها أو كان كذبا في اعتقاده عليها بحيث تجري تلك الكلمات على لسانه على سبيل العادة ويظن فيها أثرا ولكن لا يتيقن بها كتيقن المخلصين الصادقين ومع ذلك كفاه الله تعالى ما أهمه من أمور الدنيا وأتعبه الزمان فالله تعالى ينجيه من التعب والكرب والهم ببركة هذه الكلمات والله أعلم (عن أبي أسيد) بفتح الهمزة (عن معاذ بن عبد الله بن خبيب) بالتصغير (والمعوذتين) أي قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس (ثلاث مرات) أي قل ثلاث مرات (تكفيك) أي هذه السور الثلاث (من كل شئ) أي من كل شر أو كل ورد يتعوذ به قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي مسندا ومرسلا وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه وأبو سعيد البراد وهو ابن أبي أسيد (فاطر السماوات والأرض) أي خالقهما (وشركه) بكسر الشين وسكون الراء أي ما يدعو
[ 291 ]
إليه من الإشراك بالله أو بفتحتين أي حبائله ومصائده جمع شركة (وأن نقترف) أي نكتسب غير (أو نجره) أي السوء (وبهذا الإسناد) أي السابق (فتحه) أي الظفر على المقصود (ونصره) أي النصرة على العدو (ونوره) أي بتوفيق العلم والعمل (وبركته) أي بتيسر الرزق الحلال الطيب (وهداه) أي الثبات على متابعة الهدى ومخالفة الهوى قال الطيبي قوله فتحه وما بعده بيان لقوله خير هذا اليوم (من شر ما فيه) أي في هذا اليوم (وشر ما بعده) واكتفى به عن سؤال خير ما بعده إشعارا بأن درء المفاسد أهم من جلب المنافع (فليقل مثل ذلك) بأن يقول أمسينا وأمسى الملك وخير هذه الليلة ويؤنث الضمائر قال المنذري في إسناد هذين الحديثين محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه وكلاهما فيه مقال (عن عمر بن جعثم) بضم الجيم وسكون المهملة وضم المثلثة مقبول من السابعة كذا في التقريب وفي الخلاصة وثقه ابن حبان وفي الميزان هو صدوق (الحرازي) بمهملة وراء خفيفة وبعد الألف زاي كذا في المعنى وفي تاج العروس وحراز كسحاب جبل بمكة وحراز بن عوف بن عدي بطن من ذي الكلاع من حمير ومن نسله الحرازيون المحدثون وغيرهم منهم أزهر الحرازي انتهى وفي الخلاصة أزهر بن عبد الله بن جميع الحرازي الحميري الحمصي ناصبي صدوق اللهجة انتهى (حدثني شريق) بفتح الشين وكسر الراء وآخره قاف (الهوزني) بفتح الهاء والزاي كذا في التقريب وفي المراصد هوزن بالفتح ثم السكون وفتح الزاي ونون اسم حي من اليمن يضاف إليهم مخلاف من مخاليف اليمن انتهى وفي الخلاصة شريق الهوزني الحمصي وثقه ابن حبان (بم) أي بأي شئ (إذا هب من الليل) أي استيقظ هب النائم هبا وهبوبا أحمد استيقظ
[ 292 ]
قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال (فأسحر) أي دخل في وقت السحر وهو قبيل الصبح وقال الزمخشري هو السدس الأخير من الليل (سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه علينا) البلاء ههنا بمعنى النعمة قال الخطابي معنى سمع سامع شهد شاهد وحقيقته ليسمع السامع وليشهد الشاهد على حمدنا الله سبحانه على نعمه وحسن بلائه انتهى فعند الخطابي هو خبر بمعنى الأمر وقال التوربشتي الحمل على الخبر أولى لظاهر اللفظ والمعنى سمع من كان له سمع بأنا نحمد الله ونحسن نعمه وأفضاله علينا انتهى وقيل سمع بتشديد الميم وفتحها أي بلغ سامع قولي هذا إلى غيره (اللهم صاحبنا) بصيغة الأمر من المر والمراد أعنا وحافظنا (فأفضل علينا) أمر من الإفضال أي تفضل علينا بإدامة النعمة والتوفيق للقيام بحقوقها (عائذا بالله من النار) حال ضمير يقول أو بمعنى المصدر أي أعوذ عياذا بالله كذا في فتح الودود قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (حدثنا ابن معاذ) هو عبيد الله بن معاذ العنبري (أخبرنا) معاذ بن معاذ العنبري (أخبرنا المسعودي) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة الكوفي (أخبرنا القاسم) ابن محمد التابعي الجليل أحد الفقهاء السبعة أو هو القاسم بن ابن عبد الرحمن الدمشقي من التابعين
[ 293 ]
(قال كان أبو ذر يقول) هكذا موقوفا في النسخ وليس هذا من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري (كان في استثناء يومه) أي كان قائل هؤلاء الكلمات في الاستثناء عن زلات لسانه يومه ذلك يعني عنه قاله السندي (عمن سمع أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة يصرف لأنه فعال ويمنع لأنه أفعل والصحيح الأشهر الصرف كذا نقل القاري عن الطيبي (بسم الله) أي أستعين أو أتحفظ من كل مؤذ باسم الله (مع اسمه) أي مع ذكر اسمه (ولا في السماء) أي من البلاء النازل منها (ثلاث مرات) ظرف يقول (لم تصبه فجأة بلاء) بفتح الفاء وسكون الجيم وفي بعض النسخ بضم الفاء ممدودا قال في مختصر النهاية فجأة الأمر وفجاء بالضم والمد وفجأة بالفتح وسكون الجيم من غير مد وفاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب (فأصاب أبان بن عثمان الفالج) بالرفع فاعل وهو بفتح اللام استرخاء لأحد شقي البدن لانصباب خلط بلغمي تنسد منه مسالك الروح (يندر إليه) أي إلى أبان تعجبا (فقال) أي أبان رفعا لتعجبه (له) أي للرجل (أصابني فيه ما أصابني) أي من الفالج (فنسيت أن أقولها) أي الكلمات المذكورة والحديث سكت عنه المنذري (عن محمد بن كعب عن أبان بن عثمان عن عثمان الخ)
[ 294 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح غريب (حدثنا العباس بن عبد العظيم وحمد بن المثنى قالا) وفي بعض النسخ حدثنا علي بن عبد الله والعباس بن عبد العظيم العنبري ومحمد بن المثنى قالوا حدثنا عبد الملك الخ ولكن لم يذكر المزي في الأطراف علي بن عبد الله بل اقتصر على العباس بن عبد العظيم العنبري و محمد بن المثنى كما في عامة النسخ والله أعلم (يا أبت) بكسر التاء وفتحها (كل غداة) أي كل صباح (تعيدها ثلاثا) أي تكرر هذه الجمل أو هذه الدعوات بدل من تقول أو حال (فقال) أي أبو بكرة والد عبد الرحمن (أن استن بسنته) أي أقتدي وأتتبع سنته (قال عباس) هو ابن عبد العظيم (فيه) أي في الحديث (وتقول اللهم إني أعوذ بك الخ) قد اختلفت النسخ في لفظه تقول وكذا في الألفاظ الآتية تعيد وتصبح وتمسي وتدعو ففي بعض النسخ بالتاء المثناة الفوقية وفي بعضها بالتحتية يقول والصواب عندي يقول بالتحتية بصيغة الغائب والله أعلم (دعوات المكروب) أي المهموم المغموم (اللهم رحمتك أرجو) أي لا أرجو إلا رحمتك (فلا تكلني) أي لا تتركني (إلى نفسي طرفة عين) أي لحظة ولمحة (وأصلح لي شأني) أي أمري (كله) تأكيد لافادة العموم (بعضهم يزيد على صاحبه) ضمير بعضهم للعباس بن عبد العظيم ومحمد بن المثنى والمعنى أن بعض هؤلاء يزيد في ألفاظ الحديث على بعض
[ 295 ]
قال المنذري وأخرجه النسائي وقال جعفر بن ميمون يعني راوي هذا الحديث ليس بالقوى هذا آخر كلامه وقال فيه يحيى بن معين ليس بذاك وقال مرة ليس بثقة وقال مرة بصري صالح الحديث وقال الإمام أحمد ليس بقوي في الحديث وقال أبو حاتم الرازي صالح انتهى وقال المزي حديث نفيع بن الحارث أبي بكرة الثقفي أخرجه أبو داود في الأدب عن عباس بن عبد العظيم ومحمد بن المثنى كلاهما عن عبد الملك بن عمرو العقدي عن عبد الجليل بن عطية عن جعفر بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة عن عباس بن عبد العظيم ومحمد بن المثنى كلاهما عن العقدي وروى عن إسحاق بن منصور عن أبي عامر العقدي عبد الجليل قال النسائي جعفر بن ميمون ليس بالقوي انتهى (وإذا أمسى كذلك) أي قال تلك الكلمة مائة مرة (لم يواف) أي لم يأت من وافي إذا اتى (بمثل ما وافى) أي بمثل ما أتى والضمير المرفوع يرجع إلى من وفي رواية لمسلم بلفظ من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثلما قال أو زاد عليه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي بنحوه أتم منه (باب ما يقول الرجل إذا رأى الهلال) (هلال خير ورشد) قال العزيزي الظاهر أنه منصوب بمقدار أي اللهم اجعله انتهى أي هلال بركة وهداية إلى القيام بعبادة الله تعالى فإنه ميقات الحج والصوم وغيرها (ثلاث مرات)
[ 296 ]
ظرف لقال (ذهب بشهر كذا) أي جمادي الأولى مثلا وجاء بشهر كذا جمادي الأخرى مثلا وسيأتي كلام المنذري على هذا الحديث (عن أبي هلال) هو محمد بن سليم المعروف بالراسي بعد (عن قتادة) هو ابن دعامة تابعي جليل (كان إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه) قال المناوي حذرا من شره لقوله لعائشة في حديث الترمذي استعيذي بالله من شره فإنه الغاسق إذا وقب قال البيضاوي ومن شر غاسق ليل عظيم ظلامه إذا وقب دخل ظلامه في كل شئ وقيل المراد به القمر فانه يكسف فيغسق يقول ووقوبه دخوله في الكسوف كذا في السراج المنير (قال أبو داود ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح) هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ والحديث المسند هو ما اتصل سنده مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المنذري هذا الحديث مرسل والذي قبله أيضا مرسل وأبو هلال هذا لا يحتج به وقال أبو داود في رواية ابن العبد ليس في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مسند صحيح (باب ما يقول إذا خرج من بيته) (إلا رفع طرفه) بفتح فسكون أي نظره (أن أضل) أي عن الحق وهو من الضلال خلاف الرشاد والهداية (أو أضل) بصيغة المجهول من الإضلال أي يضلي أحد أو بصيغة المعلوم (أو أزل) بفتح الهمزة وكسر الزاي وتشديد اللام من الذلة وهي ذنب من غير قصد تشبيها بزلة القدم (أو أزل) من الإزلال معلوما ومجهولا (أو أظلم) أي أحدا أو أظلم أي من أحد (أو أجهل) على بناء المعروف أي أفعل فعل الجهال من الأضرار والإيذاء وغير ذلك (أو يجهل علي) على بناء المجهول أي يفعل الناس بي أفعال الجهال من إيصال الضرر إلي
[ 297 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (يقال حينئذ) أي يناديه ملك يا عبد الله (هديت) بصيغة المجهول أي طريق الحق (وكفيت) أي همك (ووقيت) من الوقاية أي حفظت (فتتنحى) وفي بعض النسخ فيتنحى أي يبتعد (له) أي لأجل القائل (الشياطين) وفي بعض النسخ الشيطان (كيف لك برجل) أي بإضلال رجل (وقد هدى وكفى ووقى) أي ببركة هذه الكلمات فإنك لا تقدر عليه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (باب ما يقول الرجل إذا دخل بيته) (إذا ولج الرجل) أي دخل (خير المولج) بفتح الميم وكسر اللام كالموعد ويفتح و (خير المخرج) بالمعاني الثلاث كذلك وفيه إيماء إلى قوله تعالى وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وهو يشمل كل دخول وخروج وإن نزل القرآن في فتح مكة لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب قاله القاري وقال الطيبي المولج بكسر اللام ومن الرواة من فتحها والمراد المصدر أي الولوج والخروج أو الموضع أي خير الموضع الذي يولج فيه ويخرج منه
[ 298 ]
قال ميرك المولج بفتح الميم وإسكان الواو وكسر اللام لأن ما كان فاؤه ياء أو واوا ساقطة (يقال حينئذ) أي يناديه ملك يا عبد الله (هديت) بصيغة المجهول أي طريق الحق (وكفيت) أي همك (ووقيت) من الوقاية أي حفظت (فتتنحى) وفي بعض النسخ فيتنحى أي يبتعد (له) أي لأجل القائل (الشياطين) وفي بعض النسخ الشيطان (كيف لك برجل) أي بإضلال رجل (وقد هدى وكفى ووقى) أي ببركة هذه الكلمات فإنك لا تقدر عليه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (باب ما يقول الرجل إذا دخل بيته) (إذا ولج الرجل) أي دخل (خير المولج) بفتح الميم وكسر اللام كالموعد ويفتح و (خير المخرج) بالمعاني الثلاث كذلك وفيه إيماء إلى قوله تعالى وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وهو يشمل كل دخول وخروج وإن نزل القرآن في فتح مكة لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب قاله القاري وقال الطيبي المولج بكسر اللام ومن الرواة من فتحها والمراد المصدر أي الولوج والخروج أو الموضع أي خير الموضع الذي يولج فيه ويخرج منه
[ 298 ]
قال ميرك المولج بفتح الميم وإسكان الواو وكسر اللام لأن ما كان فاؤه ياء أو واوا ساقطة في المستقبل فالمفعل منه مكسور العين في الإسم والمصدر جميعا ومن فتح هنا فإما أنه سهى أو قصد مزاوجته للمخرج وإرادة المصدة بهما أتم من إرادة الزمان والمكان لأن المراد الخير الذي يأتي من قبل الولوج والخروج كذا في المرقاة قلت وقد ضبط العلامة السيوطي في مرقاة الصعود المولج والمخرج بضم الميم فيهما والله أعلم (بسم الله ولجنا) أي أدخلنا (على أهله) أي على أهل بيته قال المنذري في إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وهو وأبوه فيهما مقال تم - بحمد الله - الجزء الثالث عشر ويليه الجزء الرابع عشر وأوله (باب ما يقول إذا هاجت الريح)