عون المعبود
العظيم آبادي ج 12

[ 1 ]
عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية محتوى الجزء الثاني عشر : كتاب الحدود - كتاب الديات - كتاب السنة .
[ 2 ]
الطبعة الثانية 1415 ه‍ . 1995 دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 3 ]
(اول كتاب الحدود) جمع حد وهو الحاجز بين الشيئين يمنع اختلاط احدهما بالآخر ، وحد الزنا والخمر سمي به لكونه مانعا لمتعاطيه عن معاودة مثله مانعا ان يسلك مسلكه . قاله القسطلاني . (باب الحكم في من ارتد) باب الحكم في من ارتد (أن عليا) هو ابن أبي طالب (أحرق ناسا ارتدوا عن الإسلام) وعند الاسماعيلي من حديث عكرمة أن عليا أتى بقوم قد ارتدوا عن الإسلام أو قال بزنادقة ومعهم كتب لهم فأمر بنار فأنضجت ورماهم فيها (فبلغ ذلك) أي احراق ابن عباس وكان حينئذ أميرا على البصرة من قبل علي رضي الله عنه قاله الحافظ (وكنت) عطف على لم أكن (قاتلهم) أي المرتدين عن الإسلام (فبلغ ذلك) أي قول ابن عباس رضي الله عنه (فقال) أي علي رضي الله عنه (ويح ابن عباس) وفي بعض النسخ أم ابن عباس بزيادة لفظ أم وفي نسخة ابن أم عباس بزيادة لفظ أم بين لفظ ابن وعباس والظاهر أنه سهو من الكاتب قال الحافظ في الفتح زاد إسماعيل بن علية في روايته فبلغ ذلك عليا فقال ويح أم ابن عباس كذا عند أبي داود وعند الدارقطني بحذف أم وهو محتمل أنه لم يرض بما اعترض به ورأى أن النهي للتنزيه وهذا بناء على تفسير ويح بأنها كلمة رحمة فتوجع له لكونه حمل النهي على ظاهره فاعتقد التحريم مطلقا فأنكر ويحتمل أن يكون قالها رضا بما قال وأنه حفظ ما نسيه بناء على أحد ما قيل في تفسير ويح إنها
[ 4 ]
تقال بمعنى المدح والتعجب كما حكاه في النهاية وكأنه أخذه من قول الخليل هي في موضع رأفة واستملاح كقولك للصبي ويحه ما أحسنه انتهى وقال القاري وأكثر أهل العلم على أن هذا القول ورد مورد المدح والإعجاب بقوله وينصره ما جاء في رواية أخرى عن شرح السنة فبلغ ذلك عليا فقال صدق ابن عباس انتهى وقال الخطابي لفظه لفظ الدعاء عليه ومعناه المدح له والإعجاب بقوله وهذا كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي بصير ويل أمه مسعر حرب انتهى والحديث استدل به على قتل المرتدة كالمرتد وخصه الحنفية بالذكر وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء وحمل الجمهور النهي على الكافرة الأصلية إذا لم تباشر القتال ولا القتل لقوله في بعض طرق حديث النهي عن قتل النساء لما رأى المرأة مقتولة ما كانت هذه لتقاتل ثم نهى عن قتل النساء وقد وقع في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا (عن عبد الله) هو ابن مسعود رضي الله عنه (دم رجل) أي إراقته والمراد برجل انسان فإن الحكم شامل للرجال والنسوان (مسلم) هو صفة مقيدة لرجل (يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) قال الطيبي الظاهر أن يشهد حال جئ بها مقيدة للموصوف مع صفته إشعارا بأن الشهادتين هما العمدة في حقن الدم ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة كيف تصنع بلا إله إلا الله (إلا بإحدى ثلاث) أي خصال ثلاث (الثيب الزاني) أي زنا الثيب الزاني والمراد بالثيب المحصن وهو الحر المكلف الذي أصاب في نكاح صحيح ثم زنى فإن للإمام رجمه قال النووي فيه إثبات قتل الزاني المحصن والمراد رجمه بالحجارة حتى يموت وهذا بإجماع المسلمين (والنفس بالنفس) أي قتل النفس بالنفس قال النووي المراد به القصاص بشرطه وقد يستدل به أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه في قولهم يقتل المسلم بالذمي ويقتل الحر بالعبد وجمهور العلماء على خلافه منهم مالك والشافعي والليث وأحمد انتهى (التارك
[ 5 ]
لدينه المفارق للجماعة) أي الذي ترك جماعة المسلمين وخرج من جملتهم وانفرد عن أمرهم بالردة فقوله المفارق للجماعة صفة مؤكدة للتارك لدينه قال النووي هو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام قال العلماء ويتناول أيضا كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرهما وكذا الخوارج واعلم أن هذا عام يخص منه الصائل ونحوه فيباح قتله في الدفع وقد يجاب عن هذا بأنه داخل في المفارق للجماعة أو يكون المراد لا يحل تعمد قتله قصدا إلا في هؤلاء الثلاثة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (لا يحل دم امرئ) أي إراقة دم شخص (يشهد) الظاهر أنه صفة كاشفة لامرئ وقال الطيبي صفة مميزة لا كاشفة يعني إظهاره الشهادتين كاف في حقن دمه (إلا في إحدى ثلاث) أي خصال (رجل زنى بعد إحصان) أي زنا رجل زان محصن (فإنه يرجم) أي يقتل برجم الحجارة (ورجل) أي وخروج رجل (خرج) أي على المسلمين حال كونه (محاربا بالله) الباء زائدة في المفعول كقوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة والمراد به قاطع الطريق أو الباغي قاله القاري وفي بعض النسخ محاربا بالله باللام (فإنه يقتل) أي إن قتل نفسا بلا أخذ مال كذا قيده القاري فعلى هذا أو للتفصيل وإذا جعل أو للتخيير فلا حاجة إلى هذا القيد كما هو مذهب ابن عباس رضي الله عنه وغيره (أو يصلب) أي حيا ويطعن حيا حتى يموت وبه قال مالك وقال الشافعي ومن تبعه إنه يقتل ويصلب نكالا لغيره إن قتل وأخذ المال (أو ينفى من الأرض) أي يخرج من البلد إلى البلد لا يزال يطالب وهو هارب وعليه الشافعي وقيل ينفى من بلده ويحبس حتى تظهر توبته وهذا مختار ابن جرير قال القاري بعد ذكر هذا والصحيح من مذهبنا أنه يحبس إن لم يزد على الإخافة وهو مأخوذ من قوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله وكان الظاهر أن يقال أو تقطع يده ورجله من خلاف قبل قوله أو ينفى من الأرض ليكون الحديث على طبق الآية مستوعبا ولعل حذفه وقع من الراوي نسيانا أو اختصارا قال وأو في الآية والحديث على ما قررناه للتفصيل وقيل إنه للتخيير والإمام مخير
[ 6 ]
بين هذه العقوبات الأربعة في كل قاطع وروى ابن جرير هذا القول عن ابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري والنخعي والضحاك (ويقتل نفسا) بصيغة الفاعل وأو بمعنى الواو عطفا على رجل خرج والتقدير قتل رجل نفسا (فيقتل بها) بصيغة المجهول قال المنذري وأخرجه النسائي (قال أبو موسى) أي عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه (ومعي رجلان) وفي مسلم رجلان من بني عمي (فكلاهما سألا) وفي بعض النسخ سأل بصيغة افراد وكلاهما صحيح (العمل) ولمسلم أمرنا على بعض ما ولاك الله (أو يا عبد الله بن قيس) شك من الراوي بأيهما خاطبه (ما أطلعاني على ما في أنفسهما) أي داعية الاستعمال (وما شعرت) أي ما علمت (إلى سواكه) صلى الله عليه وسلم (قلصت) بفتح القاف واللام المخففة والصاد المهملة انزوت من أو ارتفعت قاله القسطلاني وهو حال بتقدير قد (أو لا نستعمل) شك من الراوي (فبعثه) أي أبا موسى (على اليمن) أي عاملا عليها (ثم أتبعه) بهمزة ثم مثناة ساكنة (معاذ بن جبل) بالنصب أي بعثه بعده وظاهره أنه ألحقه به بعد أن توجه (عليه) أي على أبي موسى وفي رواية البخاري في المغازي أن كلا منهما كان على عمل مستقل وأن كلا منهما إذا سار في أرضه فقرب من صاحبه أحدث به عهدا وفي رواية له في المغازي فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى وفي رواية له فضرب فسطاطا (وألقى) أي أبو موسى (له) لمعاذ (وسادة) قال الحافظ معنى ألقى له وسادة فرشها له ليجلس عليها وقد ذكر الباجي والأصيلي فيما نقله عياض عنهما أن المراد بقول ابن عباس فاضطجعت في عرض الوسادة الفراش ورده النووي فقال هذا ضعيف أو باطل وإنما المراد بالوسادة ما يجعل تحت رأس النائم وهو كما قال قال وكانت عادتهم أن من أرادوا إكرامه وضعوا الوسادة تحته مبالغة في إكرامه قال ولم أر في شئ من كتب اللغة أن الفراش يسمى
[ 7 ]
وسادة انتهى (موثق) بضم الميم وسكون الواو وفتح المثلثة أي مربوط بقيد (قال) أي معاذ (ما هذا) أي ما هذا الرجل الموثق (ثم راجع دينه) أي رجع إلى دينه (دين السوء) بدل من دينه وفي رواية البخاري كان يهوديا فأسلم ثم تهود (قضاء الله ورسوله) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذا حكمهما أي من ارتد وجب قتله (ثلاث مرار) يعني أنهما كررا القول أبو موسى يقول اجلس ومعاذ يقول لا أجلس فهو من كلام الراوي لا تتمة كلام معاذ (فأمر) أي أبو موسى (به) أي بقتل الرجل الموثق (ثم تذاكرا) أي معاذ وأبو موسى (معاذ بن جبل) بدل من أحدهما (وأقوم) أي أصلي متهجدا (أو أقوم وأنام) شك من الراوي (وأرجو في نومتي) أي لترويح نفسه بالنوم ليكون أنشط له عند القيام (ما) أي الذي (أرجو) من الأجر (في قومتي) بفتح القاف وسكون الواو أي في قيامي بالليل هذا قول معاذ رضي الله عنه ولم يذكر في هذه الرواية قول أبي موسى قال الحافظ وفي رواية سعيد بن أبي بردة فقال أبو موسى أقرؤه قائما وقاعدا وعلى راحلتي وأتفوقه تفوقا بفاء وقاف بينهما واو ثقيلة أي ألازم قراءته في جميع الأحوال والحديث فيه إكرام الضيف والمبادرة إلى إنكار المنكر وإقامة الحد على من وجب عليه وأن المباحات يؤجر عليها بالنية إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة أو المندوبة أو تكميلا لشئ منهما قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (قال أحدهما) أي طلحة أو بريد (وكان) أي ذلك الرجل الموثق المرتد (قد استتيب) أي عرض عليه التوبة فيه دليل على استتابة المرتد وهو قول الجمهور
[ 8 ]
قال ابن بطال اختلف في استتابة المرتد فقيل يستتاب فإن تاب وإلا قتل وهو قول الجمهور وقيل يجب قتله في الحال جاء ذلك عن الحسن وطاوس وبه قال أهل الظاهر قال الحافظ واستدل ابن القصار لقول الجمهور بالإجماع يعني السكوتي لأن عمر كتب في أمر المرتد هلا حبستموه ثلاثة أيام وأطعمتموه في كل يوم رغيفا لعله يتوب فيتوب الله عليه قال ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه أي إن لم يرجع وقد قال تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم واختلف القائلون بالاستتابة هل يكتفي بالمرة أو لا بد من ثلاث وهل الثلاث في مجلس أو في يوم أو في ثلاثة أيام وعن علي يستتاب شهرا وعن النخعي يستتاب أبدا كذا نقل عنه مطلقا والتحقيق أنه فيمن تكررت منه الردة انتهى قال المنذري قوله قال أحدهما يريد طلحة بن يحيى وبريد بن عبد الله بن أبي بردة وطلحة هذا هو ابن يحيى بن عبيد الله القرشي التيمي الكوفي وهو مدني الأصل وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وسكون الياء اخر الحروف وبعدها دال مهملة (أخبرنا الشيباني) هو أبو إسحاق (فدعاه) أي دعا أبو موسى ذلك المرتد إلى الإسلام (فدعاه فأبى) أي دعاه معاذ أيضا إلى الإسلام فامتنع عنه (فضرب) ضبط بصيغة المجهول والمعروف (عنقه) بالرفع والنصب (قال أبو داود رواه عبد الملك إلخ) حاصله أنه روى هذا الحديث عبد الملك عن أبي بردة وكذلك رواه ابن فضيل عن الشيباني عن سعيد عنه لكنهما لم يذكرا في روايتهما الاستتابة (وما استتابه) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر رواية المسعودي هذه وهذا يعارضه الرواية المثبتة لأن معاذا استتابه وهي أقوى من هذه والروايات الساكتة عنها لا تعارضها وعلى تقدير ترجيح رواية المسعودي فلا حجة فيه لمن قال يقتل المرتد بلا استتابة لأن معاذا يكون اكتفى بما تقدم من استتابة أبي موسى انتهى
[ 9 ]
قال المنذري المسعودي هذا هو عبد الرحمن بن عبيد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي المعروف بالمسعودي وقد تكلم فيه غير واحد وتغير باخره واستشهد به البخاري والقاسم هذا هو أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي وهو ثقة (فأزله الشيطان) أي حمله على الزلل وأضله (فاستجار له) أي طلب له الأمان (فأجاره) أي أعطاه الأمان من الإجارة بمعنى الأمن قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال وقد تابعه عليه علي بن الحسين بن شقيق وهو من الثقات (زعم السدي) هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي (اختبأ) أي اختفى (أوقفه) أي أقامه (فرفع) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسه) الشريف (إليه) أي إلى عبد الله (يأبى) أي يمتنع من المبايعة (أما كان) بهمزة الاستفهام وحرف النفي (رجل رشيد) أي فطن لصواب الحكم وفيه أن التوبة عن الكفر في حياته صلى الله عليه وسلم كانت موقوفة على رضاه صلى الله عليه وسلم وأن الذي ارتد وآذاه صلى الله عليه وسلم إذا أمن سقط قتله وهذا ربما يؤيد القول أن قتل الساب للارتداد لا للحد والله تعالى أعلم قاله السندي (إلى هذا) أي عبد الله (كففت) أي أمسكت (ألا) بالتشديد حرف التحضيض (أومأت) أي أشرت من الإيماء (إنه) أي الشأن (خائنة الأعين) أي خيانتها قال الخطابي هو أن يضمر في
[ 10 ]
قلبه غير ما يظهره للناس فإذا كف لسانه وأومأ بعينه إلى ذلك فقد خان وقد كان ظهور تلك الخيانة من قبيل عينه فسميت خائنة الأعين انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده إسماعيل بن عبد الرحمن السدي وقد أخرج له مسلم ووثقه الإمام أحمد وتكلم فيه غير واحد (عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه (إذا أبق العبد) بفتح الموحدة وفي المصباح أبق كفرح وضرب ونصر فماضيه مثنى ومضارعه مثلث والمعنى إذا هرب مملوك (إلى الشرك) أي دار الحرب (فقد حل دمه) أي لا شئ على قاتله وإن ارتد مع ذلك كان أولى بذلك قال الطيبي هذا وإن لم يرتد عن دينه فقد فعل ما يهدر به دمه من جوار المشركين وترك دار الإسلام وقد سبق أنه لا يتراءى ناراهما انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي ولفظ مسلم أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة وفي لفظ إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة وفي لفظ أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم وأخرجه النسائي باللفظ الذي ذكره أبو داود وفي لفظ له إذا أبق من مواليه العبد لم تقبل له صلاة وإن مات مات كافرا فأبق غلام لجرير فأخذه فضرب عنقه وفي لفظ إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة حتى يرجع إلى مواليه (باب الحكم في من سب النبي صلى الله عليه وسلم) (الختلي) بضم الخاء المعجمة وتشديد المثناة المفتوحة ثقة من العاشرة (عن عثمان الشحام) ضبط بتشديد الحاء قال الحافظ يقال اسم أبيه ميمون أو عبد الله لا بأس به من السادسة (أم ولد) أي غير مسلمة ولذلك كانت تجترئ على ذلك الأمر الشنيع (وتقع فيه) يقال وقع فيه إذا عابه وذمه (ويزجرها) أي يمنعها (فلا تنزجر) أي فلا تمتنع (فلما كانت ذات ليلة) قال
[ 11 ]
السند ي يمكن رفعه على أنه اسم كان ونصبه على أنه خبر كان أي كان الزمان أو الوقت ذات ليلة وقيل يجوز نصبه على الظرفية أي كان الأمر في ذات ليلة ثم ذات ليلة قيل معناه ساعة من ليلة وقيل معناه ليلة من الليالي والذات مقحمة (فأخذ) أي الأعمى (المغول) بكسر ميم وسكون غين معجمة وفتح واو مثل سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه فيغطيه وقيل حديدة دقيقة لها حد ماض وقيل هو سوط في جوفه سيف دقيق يشده الفاتك على وسطه ليغتال به الناس (واتكأ عليها) أي تحامل عليها (فوقع بين رجليها طفل) لعله كان ولدا لها والظاهر أنه لم يمت (فلطخت) أي لوثت (ما هناك) من الفراش ذكر بصيغة المجهول (ذلك) أي القتل (فقال أنشد الله رجلا) أي أسأله بالله واقسم عليه (فعل ما فعل) صفة لرجل وما موصولة (لي عليه حق) صفة ثانية لرجل أي مسلما يجب عليه طاعتي وإجابة دعوتي (يتزلزل) أي يتحرك (بين يدي النبي) أي قدامه صلى الله عليه وسلم (مثل اللؤلؤتين) أي في الحسن والبهاء وصفاء اللون (ألا) بالتخفيف (إن دمها هدر) لعله صلى الله عليه وسلم علم بالوحي صدق قوله وفيه دليل على أن الذمي إذا لم يكف لسانه عن الله ورسوله فلا ذمة له فيحل قتله قاله السندي قال المنذري وأخرجه النسائي فيه أن ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل وقد قيل أنه لا خلاف في أن سابه من المسلمين يجب قتله وإنما الخلاف إذا كان ذميا فقال الشافعي يقتل وتبرأ منه الذمة وقال أبو حنيفة لا يقتل ما هم عليه من الشرك أعظم وقال مالك من شتم النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى قتل إلا أن يسلم انتهى كلام المنذري (فخنقها) أي عصر حلقها (فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها) فيه دليل على أنه يقتل من شتم
[ 12 ]
النبي صلى الله عليه وسلم وقد نقل ابن المنذر الاتفاق على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم صريحا وجب قتله وقال الخطابي لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما وقال ابن بطال اختلف العلماء في من سب النبي صلى الله عليه وسلم فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك يقتل من سبه صلى الله عليه وسلم منهم إلا أن يسلم وأما المسلم فيقتل بغير استتابة ونقل ابن المنذر عن الليث والشافعي وأحمد وإسحاق مثله في حق اليهودي ونحوه وروى عن الأوزاعي ومالك في المسلم أنها ردة يستتاب منها وعن الكوفيين إن كان ذميا عزر وإن كان مسلما فهي ردة وحكى عياض خلافا هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف ونقل عن بعض المالكية أنه إنما لم يقتل اليهود الذين كانوا يقولون له السام عليك لأنهم لم تقم عليهم البينة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهم بعلمه وقيل إنهم لما لم يظهروه ولووة في بألسنتهم ترك قتلهم وقيل إنه لم يحمل ذلك منهم على السب بل على الدعاء بالموت الذي لا بد منه ولذلك قال في الرد عليهم وعليكم أي الموت نازل علينا وعليكم فلا معنى للدعاء به كذا في النيل قال المنذري ذكر بعضهم أن الشعبي سمع من علي بن أبي طالب وقال غيره إنه رآه (حماد) هو ابن سلمة قاله المزي في الأطراف وفي الخلاصة ناقلا عن أبي الحجاج المزي موسى بن إسماعيل انفرد عن حماد بن سلمة انتهى أي لم يرو عن حماد بن زيد (عن يونس) بن عبيد (عن حميد بن هلال) العدوي البصري من أجلة التابعين الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم أي في حكم هدر دم القاتل لمن سب النبي صلى الله عليه وسلم هكذا يفهم من سياق المقام وحديث حميد بن هلال هذا أورده المزي في الأطراف في ترجمة نضلة فقال نضلة بن عبيد أبو برزة الأسلمي وله صحبة عن أبي بكر حديث كنت عند أبي بكر فتغيظ على رجل فاشتد عليه أخرجه أبو داود في الحدود عن هارون بن عبد الله ونصير بن الفرج كلاهما عن أبي أسامة عن يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف عن أبي برزة به وعن موسى عن حماد بن سلمة عن يونس عن حميد بن هلال عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وأخرجه النسائي في المحاربة انتهى وأورده المزي أيضا في المراسيل فقال في ترجمة حميد بن هلال العدوي حديث د مثل حديث قبله عن أبي برزة قال كنت عند أبي بكر فتغيظ على رجل في ترجمة أبي برزة عن أبي بكر انتهى قلت حماد بن سلمة وهم في هذا الحديث في الموضعين الأول أسقط واسطتين عبد الله بن مطرف وأبا برزة والثاني جعله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو
[ 13 ]
متصل الإسناد بذكر عبد الله بن مطرف وأبي برزة من كلام أبي بكر رضي الله عنه دون النبي صلى الله عليه وسلم كما عند المؤلف بعد هذا وكذا عند أحمد في مسنده وقال النسائي هذا الحديث أحسن الأحاديث وأجودها وروى عن أبي برزة الأسلمي جماعة من التابعين كعبد الله بن قدامة بن عنزة وسالم بن أبي الجعد وأبي البختري وكلهم أسندوه وجعلوه من كلام أبي بكر رضي الله عنه وأحاديث هؤلاء عند النسائي في المحاربة وحماد بن سلمة ثقة أثبت الناس في ثابت البناني دون غيره وتغير حفظه بآخره كذا قال الذهبي وابن حجر (فتغيظ على رجل) قيل لأنه سب أبا بكر رضي الله عنه وعند أحمد والنسائي أغلظ رجل لأبي بكر رضي الله عنه (فأذهبت كلمتي غضبه) هذا من قول أبي برزة أي أن كلامي قد عظم عند أبي بكر حتى زال بسببه غضبه (فقام) أي أبو بكر (فدخل) أي بيته (فأرسل إلي) أي رجلا (فقال) أي فجئته فقال لي (ما الذي قلت آنفا) أي عند اشتداد غضبي على الرجل (لو أمرتك) أي بضرب عنقه (وهذا لفظ يزيد) أي قوله عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف عن أبي برزة قال كنت عند أبي بكر إلخ هذا لفظ يزيد بن زريع وأما حماد بن سلمة فإنه قال عن يونس عن حميد بن هلال عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم (قال أحمد بن حنبل إلخ) أي في شرح قول أبي بكر رضي الله عنه وهذه العبارة لم توجد في بعض النسخ قال المنذري وأخرجه النسائي . (باب ما جاء في المحاربة) (أن قوما من عكل أو قال من عرينة) قال الحافظ في الفتح في شرح باب أبوال الإبل
[ 14 ]
والدواب ما محصله إنه اختلفت الروايات ففي بعضها من عكل أو عرينة على الشك وفي بعضها من عكل وفي بعضها من عرينة وفي بعضها من عكل وعرينة بواو العطف وهو الصواب وروى أبو عوانة والطبراني عن أنس أنهم كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل قال وعكل بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة تيم الرباب وعرينة بضم العين والراء المهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة والمراد هنا الثاني (فاجتووا المدينة من الاجتواء) أي كرهوا هواء المدينة وماءها واستوخموها ولم يوافقهم المقام بها وأصابهم الجواء (بلقاح) أي أمرهم أن يلقحوا بن بها واللقاح باللام المكسورة والقاف وآخره مهملة النوق ذوات الألبان واحدها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف قاله الحافظ (وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها) احتج به من قال بطهارة بول مأكول اللحم كمالك وأحمد وطائفة من السلف وذهب أبو حنيفة والشافعي وجماعة إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره وليس هذا موضع بسط هذه المسألة (فلما صحوا) في السياق حذف تقديره فشربوا من أبوالها وألبانها وقد ثبت ذلك في بعض الروايات كما قال الحافظ (واستاقوا النعم) من السوق وهو السير العنيف والنعم بفتح النون والعين واحد الأنعام أي الإبل (فأرسل النبي) لم يذكر المفعول في هذه قال الحافظ زاد في رواية الأوزاعي الطلب وفي حديث سلمة بن الأكوع خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري (في آثارهم) أي عقبهم (فقطعت أيديهم وأرجلهم) قال الداودي يعني قطع يدي كل واحد ورجليه قال الحافظ ترده رواية الترمذي من خلاف (وسمر أعينهم) ضبط في بعض النسخ بتشديد الميم من التسمير وقال الحافظ في الفتح بتشديد الميم وفي رواية أبي رجاء بتخفيف الميم انتهى والمعنى كحلوا بأميال قد أحميت وقال الخطابي يريد أنه أكحلهم هذه بمسامير محماة قال والمشهور في أكثر الروايات سمل أي وفقأ أعينهم كذا في مرقاة الصعود (وألقوا) بصيغة المجهول أي رموا (في الحرة) هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة وإنما ألقوا فيها لأنها أقرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا (يستسقون) أي يطلبون الماء أي من شدة العطش الناشئ من حرارة الشمس (فلا يسقون) بصيغة المجهول أي فلا يعطون الماء واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء الإجماع على أن من وجب عليه القتل
[ 15 ]
فاستسقى لا يمنع وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي ولا وقع منه نهي عن سقيهم انتهى قال الحافظ وهو ضعيف جدا لأن النبي اطلع على ذلك وسكوته كاف في ثبوت الحكم وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره ويدل عليه أن من ليس معه ماء إلا لطهارته ليس له أن يسقيه للمرتد ويتيمم بل يستعمله ولو مات المرتد عطشا وقال الخطابي إنما فعل النبي بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت بذلك وقيل إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم ولأن النبي دعا بالعطش على من عطش آل بيته في قصة رواها النسائي فيحتمل أن يكونوا في تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به إلى النبي من لقاحه في كل ليلة كما ذكر ذلك ابن سعد انتهى كلام الحافظ قال في فتح الودود وقيل فعل ذلك قصاصا لأنهم فعلوا بالراعي مثل ذلك وقيل بل لشدة جنايتهم كما يشير إليه كلام أبي قتادة انتهى (قال أبو قلابة) أي راوي الحديث (فهؤلاء قوم سرقوا) أي لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها وهذا قاله أبو قلابة استنباطا كذا في الفتح (وقتلوا) أي الراعي (وكفروا) قال الحافظ في الفتح هو في رواية سعيد عن قتادة عن أنس في المغازي وكذا في رواية وهيب عن أيوب في الجهاد في أصل الحديث وليس موقوفا على أبي قلابة كما توهمه بعضهم وكذا قوله وحاربوا ثبت عند أحمد في أصل الحديث انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (بمسامير) جمع مسمار وتد من حديد يشد به (فأحميت) بالنار يقال أحميت الحديد إذا أدخلته النار لتحمي (فكحلهم) أي بتلك المسامير المحماة (وما حسمهم) الحسم الكي بالنار لقطع الدم أي لم يكو مواضع القطع لينقطع الدم بل تركهم قال الداودي الحسم هنا أن توضع اليد بعد القطع في زيت حار
[ 16 ]
قال الحافظ وهذا من صور الحسم وليس محصورا فيه قال ابن بطال إنما ترك حسمهم لأنه أراد إهلاكهم فأما من قطع من سرقة مثلا فإنه يجب حسمه لأنه لا يؤمن معه التلف غالبا بنزف الدم (قافة) جمع قائف وفي رواية لمسلم وعنده شباب من الأنصار قريب من عشرين فأرسلهم إليهم وبعث معهم قائفا يقتص أثرهم قال النووي القائف هو الذي يتتبع الآثار ويميزها وقال السيوطي هو من يتبع أثرا ويطلب ضالة وهاربا (الذين يحاربون الله ورسوله) قال القسطلاني يحاربون الله أي يحاربون اولياءه . كذا قرره الجمهور . وقال الزمخشري : يحاربون رسول الله ومحاربة المسلمين في حكم محاربته أي المراد الإخبار بأنهم يحاربون أولياءه كذ قرره الجمهور وقال الزمخشري يحاربون رسول الله وإنما ذكر اسم الله تعالى تعظيما وتفخيما لمن يحارب (ويسعون في الأرض فسادا) مصدر واقع موقع الحال أي يسعون في الأرض مفسدين أو مفعول من أجله أي يحاربون ويسعون لأجل الفساد وتمام الآية مع تفسيرها هكذا (أن يقتلوا) هذا خبر لقوله جزاء الذين أي قصاصا من غير صلب إن أفردوا القتل (أو يصلبوا) أي مع القتل إن جمعوا بين القتل وأخذ المال وهل يقتل ويصلب أو يصلب حيا وينزل ويطعن حتى يموت خلاف (أو تقطع أيديهم وأرجلهم) إن أخذوا المال ولم يقتلوا (من خلاف) حال من الأيدي والأرجل أي مختلفة فتقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى (أو ينفوا من الأرض) اختلفوا في المراد بالنفي في الآية فقال مالك والشافعي يخرج من بلد الجناية إلى بلدة أخرى زاد مالك فيحبس فيها وعن أبي حنيفة بل يحبس في بلده وتعقب بأن الاستمرار في البلد ولو كان مع الحبس إقامة فهو ضد النفي فإن حقيقة النفي الإخراج من البلد وحجته أنه لا يؤمن منه استمرار المحاربة في البلدة الأخرى فانفصل عنه مالك بأنه يحبس بها وقال الشافعي يكفيه مفارقة الوطن والعشيرة خذلانا وذلا ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في اخرة عذاب عظيم أشكل هذا مع حديث عبادة الدال على أن من أقيم عليه الحد
[ 17 ]
في الدنيا كان له كفارة والجواب أن حديث عبادة مخصوص بالمسلمين كذا في فتح الباري واعلم أن هذه الرواية وكذا بعض الروايات الآتية في الباب تدل على أن هذه الآية نزلت في القوم المذكورين من عكل وعرينة وممن قال ذلك الحسن وعطاء والضحاك والزهري وذهب جمهور الفقهاء إلى أنها نزلت في من خرج من المسلمين يسعى في الأرض بالفساد ويقطع الطريق وهو قول مالك والشافعي والكوفيين قاله ابن بطال قال الحافظ المعتمد أن الآية نزلت أولا فيهم وهي تتناول بعمومها من حارب من المسلمين بقطع الطريق لكن عقوبة الفريقين مختلفة فإن كانوا كفارا يخير الإمام فيهم إذا ظفر بهم وإن كانوا مسلمين فعلى قولين أحدهما وهو قول الشافعي والكوفيين ينظر في الجناية فمن قتل قتل ومن أخذ المال قطع ومن لم يقتل ولم يأخذ مالا نفي وجعلوا أو للتنويع وقال مالك بل هي للتخيير فيتخير الإمام في المحارب المسلم بين الأمور الثلاثة ورجح الطبري الأول انتهى (عن أنس بن مالك ذكر هذا الحديث) وقع بعد هذا في بعض النسخ قال فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقال في أوله استاقوا الإبل وارتدوا عن الإسلام (يكدم الأرض) قال السيوطي بضم الدال وكسرها يتناولها بفمه ويعض عليها بأسنانه انتهى وفي القاموس كدمه يكدمه ويكدمه سنة عضه بأدنى فمه أو أثر فيه بحديدة (بفيه) أي بفمه (عطشا) أي لأجل العطش قال المنذري وأخرجه مسلم من حديث حميد وعبد العزيز بن صهيب عن أنس وأخرجه البخاري تعليقا من حديث قتادة عن أنس وأخرجه الترمذي عن ثلاثتهم وأخرجه النسائي من حديث قتادة عن أنس وأخرجه ابن ماجه من حديث حميد (ثم نهى عن المثلة) يقال مثلت بالحيوان مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه وا سم المثلة كذا في المجمع
[ 18 ]
والحديث دليل على أن فعل المثلة منسوخ (ولم يذكر من خلاف إلا قوله إلا في حديث حماد بن سلمة) هذه العبارة لم توجد إلا في بعض النسخ ولفظ من خلاف ثبت في رواية الترمذي وغيره أيضا كما صرح به الحافظ (أغاروا على إبل النبي) أي نهبوها (مؤمنا) حال من راعي النبي وكان اسمه يسار (وسمل أعينهم) قال النووي معنى سمل باللام فقأها وأذهب ما فيها ومعنى سمر كحلها بمسامير محمية وقيل هما بمعنى انتهى قلت رواية السمل لا يخالف رواية السمر لأن معنى السمل على ما قال الخطابي هو فقأ العين بأي شئ كان فإذا سمل العين بالمسمار المحمي يصدق عليه السمل والسمر كلاهما كما لا يخفي (وهم الذين أخبر عنهم أنس بن مالك الخ) وأخرج ابن جرير عن يزيد ابن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس يسأله عن هذه الآية فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر من العرنيين وهم من بجيلة قال أنس فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل وأخافوا السبيل وأصابوا
[ 19 ]
الفرج الحرام فسأل رسول الله جبريل عن القضاء فيمن حارب فقال من سرق وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي (عاتبه الله في ذلك) وأخرج ابن جرير عن الوليد بن مسلم قال ذكرت لليث بن سعد ما كان من سمل رسول الله وترك حسمهم حتى ماتوا فقال سمعت محمد ابن عجلان يقول أنزلت هذه الآية على رسول الله معاتبة في ذلك وعلمه عقوبة مثلهم من القطع والقتل والنفي ولم يسمل بعدهم غيرهم قال وكان هذا القول ذكر لابن عمر فأنكر أن تكون نزلت معاتبة وقال بل كانت عقوبة ذلك النفر بأعيانهم ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم فرفع عنه السمل انتهى قال المنذري حديث أبي الزناد هذا مرسل وأخرجه النسائي مرسلا (كان هذا قبل أن تنزل الحدود) قال النووي قال القاضي عياض رحمه الله واختلف العلماء في معنى حديث العرنيين هذا فقال بعض السلف كان هذا قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهي عن المثلة وهو منسوخ وقيل ليس بمنسوخ وفيهم نزلت آية المحاربة وإنما فعل النبي بهم ما فعل قصاصا لأنهم فعلوا بالرعاة مثل ذلك وقد رواه مسلم في بعض طرقه ورواه ابن إسحاق وموسى بن عقبة وأهل السير والترمذي وقال بعضهم النهي عن المثلة نهي تنزيه ليس بحرام انتهى (يعني حديث أنس) هذا تفسير لقوله هذا من بعض الرواة والحديث سكت عنه المنذري
[ 20 ]
(عن ابن عباس قال إنما جزاء الذين الخ) تقدم تفسير هذه الآية في هذا الباب (فمن تاب منهم) أي من المؤمنين وظاهر اللفظ يوهم أن الضمير المجرور في منهم يرجع إلى المشركين وليس كذلك يبينه رواية النسائي ففيها نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل وليست هذه الآية للرجل المسلم فمن قتل وأفسد في الأرض وحارب الله ورسوله ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصاب (قبل أن يقدر) بصيغة المجهول وهذا التفصيل مذهب ابن عباس وظاهر الآية شامل للكافر والمسلم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وغيرهما عن الشعبي قال كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة قد أفسد في الأرض وحارب وكلم رجالا من قريش أن يستأمنوا له عليا فأبوا فأتى سعيد بن قيس الهمداني فأتى عليا فقال يا أمير المؤمنين ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا قال أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ثم قال إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فقال سعيد وإن كان حارثة ابن بدر فقال هذا حارثة ابن بدر قد جاء تائبا فهو آمن قال نعم قال فجاء به إليه فبايعه وقبل ذلك منه وكتب له أمانا وأخرج أيضا ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الأشعث عن رجل قال صلى رجل مع أبي موسى الأشعري الغداة ثم قال هذا مقام العائد التائب أنا فلان بن فلان أنا كنت ممن حارب الله ورسوله وجئت تائبا من قبل أن يقدر على فقال أبو موسى إن فلان بن فلان كان ممن حارب الله ورسوله وجاء تائبا من قبل أن يقدر عليه فلا يعرض له أحد إلا بخير فإن يك صادقا فسبيلي ذلك وإن يك كاذبا فلعل الله أن يأخذه بذنبه انتهى قال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال
[ 21 ]
(باب في الحد يشفع فيه) (إن قريشا أهمهم) أي أحزنهم وأوقعهم في الهم خوفا من لحوق العار وافتضاحهم بها بين القبائل (شأن المرأة المخزومية) أي المنسوبة إلى بني مخزوم قبيلة كبيرة من قريش وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة أم المؤمنين قتل أبوها كافرا يوم بدر قتله حمزة (التي سرقت) أي وكانت تستعير المتاع وتجحده أيضا كما في الرواية الآتية (فقالوا) أي أهلها (من يكلم فيها) أي من يشفع أن لا تقطع إما عفوا أو بفداء (ومن يجترئ) أي يتجاسر عليه صلى الله عليه وسلم بطريق ادلال قاله النووي (إلا أسامة بن زيد حب النبي صلى الله عليه وسلم) بكسر الحاء أي محبوبه وهو بالرفع عطف بيان أو بدل من أسامة (أتشفع في حد) أي في تركه والاستفهام للتوبيخ (فاختطب) قال القاري أي بالغ في خطبته أو أظهر خطبته وهو أحسن من قول الشارح أي خطب انتهى قلت وفي رواية للبخاري خطب (إنما هلك الذين من قبلكم) وفي رواية سفيان عند النسائي إنما هلك بنو إسرائيل (أنهم) أي لأجل أنهم (كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه) فلا يحدونه (وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) قال ابن دقيق العيد الظاهر أن هذا الحصر ليس عاما فإن بني إسرائيل كانت فيهم أمور كثيرة تقتضي الإهلاك فيحمل ذلك على حصر مخصوص وهو الإهلاك بسبب المحاباة في الحدود فلا ينحصر في حد السرقة (لو أن فاطمة) رضي الله عنها (بنت محمد) صلى الله عليه وسلم (سرقت لقطعت يدها) وعند ابن ماجه عن محمد بن رمح شيخه في هذا الحديث سمعت الليث يقول عقب هذا الحديث قد أعاذها الله من أن تسرق وكل مسلم ينبغي له أن يقول مثل هذا فينبغي أن لا يذكر هذا الحديث في الاستدلال
[ 22 ]
ونحوه إلا بهذه الزيادة وإنما خص صلى الله عليه وسلم فاطمة بالذكر لأنها أعز أهله عنده فأراد المبالغة في تثبيت إقامة الحد على كل مكلف وترك المحاباة في ذلك وفي الحديث منع الشفاعة في الحدود وهو مقيد بما إذا رفع إلى السلطان وعند الدارقطني من حديث الزبير مرفوعا إشفعوا ما لم يصل إلى الوالي فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه قال ابن عبد البر لا أعلم خلافا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان وأن على السلطان إذا بلغته أن يقيمها كذا في إرشاد الساري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها) قال النووي قال العلماء المراد أنها قطعت بالسرقة وإنما ذكرت العارية تعريفا لها ووصفا لها لا أنها سبب القطع قال وقد ذكر مسلم هذا الحديث في سائر الطرق المصرحة بأنها سرقت وقطعت بسبب
[ 23 ]
السرقة فيتعين حمل هذه الرواية على ذلك جمعا بين الروايات فإنها قضية واحدة مع أن جماعة من الأئمة قالوا هذه الرواية شاذة فإنها مخالفة لجماهير الرواة والشاذة لا يعمل بها قال العلماء وإنما لم يذكر السرقة في هذه الرواية لأن المقصود منها عند الراوي ذكر منع الشفاعة في الحدود لا الإخبار عن السرقة قال جماهير العلماء وفقهاء الأمصار لا قطع على من جحد العارية وتأولوا هذا الحديث بنحو ما ذكرته وقال أحمد وإسحاق يجب القطع في ذلك انتهى (وقص) أي ذكر وبين (نحو حديث الليث) يعني الحديث الذي قبله (فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها) وفي رواية للبخاري ثم أمر بتلك المرأة فقطعت يدها وفي حديث ابن عمر عند النسائي قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها ففي رواية ابي داود مجار قال المنذري وأخرجه مسلم (وقال فيه كما قال الليث إن امرأة سرقت الخ) حاصله أن ابن وهب روى هذا الحديث وذكر فيه السرقة دون الاستعارة مثل رواية الليث المتقدمة (في غزوة الفتح) أي فتح مكة
[ 24 ]
قال المنذري وحديث ابن وهب هذا الذي علقه أبو داود أخرجه البخاري ومسلم والنسائي (ورواه الليث عن يونس عن ابن شهاب بإسناده قال استعارت امرأة) قال المنذري وهذا الذي علقه أيضا قد ذكره البخاري تعليقا ولم يذكر لفظه (سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعند ابن سعد من مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليا وجمع بينهما بأن الحلي كان في القطيفة والقطيفة هي كساء له خمل قال المنذري وهذا الذي علقه أيضا قد أخرجه ابن ماجه في سننه وفي إسناده محمد ابن إسحاق بن يسار وقد تقدم الكلام عليه (فعاذت بزينب) أي التجأت بها قال المنذري وذكر
[ 25 ]
مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي الزبير عن جابر أن امرأة سرقت فعاذت بأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون عاذت بهما فذكر الراوي مرة إحداهما ومرة الأخرى والله عز وجل أعلم (ورواه سفيان بن عيينة) وهذه العبارة أي من قوله ورواه سفيان بن عيينة إلى قوله سرقت من بيت النبي صلى الله عليه وسلم وساق نحوه ليست في عامة النسخ من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكرها المنذري وإنما وجدت في بعض نسخ الكتاب قلت حديث سفيان أخرجه البخاري في فضل أسامة وأخرجه النسائي في القطع وحديث شعيب بن أبي حمزة أخرجه النسائي في القطع عن عمران بن بكار عن بشر بن شعيب عن أبيه عن الزهري وحديث إسماعيل بن أمية وإسحاق بن راشد عن الزهري أخرجه النسائي في القطع قاله المزي في الأطراف (نسبه) أي عبد الملك بن زيد (جعفر) أي ابن مسافر (إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) والحاصل أن جعفر بن مسافر قال في روايته هكذا عن عبد الملك بن زيد بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأما محمد بن سليمان فلم يقل هكذا بل قال عن عبد الملك بن زيد ولم ينسبه إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل (أقيلوا) أمر من اقاله أي اعفوا (ذوي الهيئات) أي أصحاب المروءات والخصال الحميدة قال ابن الملك الهيئة الحالة التي يكون عليها انسان من الأخلاق المرضية (عثراتهم) بفتحتين أي زلاتهم (إلا الحدود) أي إلا ما يوجب الحدود والخطاب مع الأئمة وغيرهم من ذوي الحقوق ممن يستحق المؤاخذة والتأديب عليها وأراد من العثرات ما يتوجه فيه التعزير
[ 26 ]
لإضاعة حق من حقوق الله ومنها ما يطالب به من جهة العبد فأمر الفريقين بذلك ندب واستحباب بالتجافي عن زلاتهم ثم إن أريد بالعثرات الصغائر وما يندر عنهم من الخطايا فالاستثناء منقطع أو الذنوب مطلقا وبالحدود ما يوجبها من الذنوب فهو متصل قاله القاري قال في مرقاة الصعود هذا الحديث أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني وكانت انتهت إليه رياسة معرفة الحديث ببغداد على المصابيح للبغوي وزعم أنها موضوعة فرد عليه الحافظ ابن حجر في كراسة وقال ابن عدي هذا الحديث منكر بهذا الإسناد ولم يروه غير عبد الملك وقال المنذري عبد الملك ضعيف قال الحافظ ابن حجر لم ينفرد به بل روى من حديث غيره أخرجه النسائي من طريق عطاف بن خالد عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة وعطاف فيه ضعف لكنه ليس بمتروك فيتقوى أحد الطريقين با لآخر وقد رواه النسائي من طريق آخر عن عمرة وفيها اختلاف في الوصل وا لإرسال وبدون هذا يرتفع الحديث عن أن يكون متروكا فضلا عن أن يكون موضوعا وقال الحافظ صلاح الدين العلائي عبد الملك بن زيد هذا قال فيه النسائي لا بأس به ووثقه ابن حبان فالحديث حسن إن شاء الله تعالى لا سيما مع إخراج النسائي له فإنه لم يخرج في كتابه منكرا ولا واهيا ولا عن رجل متروك قال الحافظ سعد الدين الزنجاني إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم فلا يجوز نسبة هذا الحديث إلى الوضع انتهى وقال البيضاوي المراد بذوي الهيئات أصحاب المروءات والخصال الحميدة وقيل ذوو الوجوه من الناس انتهى ما في مرقاة الصعود قال المنذري وفي إسناده عبد الملك بن زيد العدوي وهو ضعيف الحديث وذكر ابن عدي أن هذا الحديث منكر بهذا الإسناد لم يروه غير عبد الملك بن زيد قلت وقد روي هذا الحديث من وجه آخر ليس منها شئ يثبت انتهى كلام المنذري (باب يعفى عن الحدود) (تعافوا) أمر من التعافي والخطاب لغير الأئمة (الحدود) أي تجاوزوا عنها ولا ترفعوها
[ 27 ]
إلي فإني متى علمتها أقمتها قاله السيوطي (فما بلغني من حد فقد وجب) أي فقد وجب علي إقامته وفيه أن الإمام لا يجوز له العفو عن حدود الله إذا رفع الأمر إليه وهو بإطلاقه يدل على أن ليس للمالك أن يجري الحد على مملوكه بل يعفو عنه أو يرفع إلى الحاكم أمره فإنه داخل تحت هذا الأمر وهو الاستحباب قاله القاري قال المنذري وأخرجه النسائي وقد تقدم الكلام على عمرو بن شعيب (باب الستر على أهل الحدود) (عن يزيد بن نعيم) بالتصغير (عن أبيه) أي نعيم (أن ماعزا) بن مالك الأسلمي (فأمر برجمه) أي فرجم (وقال) صلى الله عليه وسلم (لهزال) بتشديد الزاي وهو اسم والد نعيم وكان أمر ماعزا أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بما وقع منه (لو سترته) أي أمرته بالستر قال المنذري وأخرجه النسائي ونعيم هو ابن هزال الأسلمي وقد قيل لا صحبة له وإنما الصحبة لأبيه وصوبه بعضهم وقد قيل إن ماعزا لقب واسمه عريب (عن ابن المنكدر) هو محمد (فيخبره) أي بما صنع وإنما أمره بذلك رجاء أن يكون له مخرجا كما في رواية عند المؤلف قال المنذري هكذا ذكره أبو داود عن ابن المنكدر عن هزال وبعضهم يقول أن بين هزال وبين ابن المنكدر نعيم بن هزال وذكر النمري أن هزالا روى عنه ابنه ومحمد بن المنكدر حديثا واحدا قال ما أظن له غيره قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يا هزال لو سترته بردائك وقال أبو القاسم البغوي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وذكر له هذا الحديث
[ 28 ]
(باب في صاحب الحد يجئ فيقر) (تريد الصلاة) حال أو استئناف تعليل (فتجللها) بالجيم فهو كناية عن الجماع قاله السيوطي وقال القاري أي فغشيها بثوبه فصار كالجل عليه (فقضى حاجته منها) قال القاضي أي غشيها وجامعها كنى به عن الوطء كما كنى عنه بالغشيان (وانطلق) ذلك الرجل الذي جللها (ومر عليها رجل) أي آخر (فقالت إن ذاك) أي الرجل آخر (كذا وكذا) أي من الغشيان وقضاء الحاجة (عصابة) بكسر أوله أي جماعة (فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها) والحال أنه لم يقع عليها وكان ظنها غلطا (فلما أمر به) أي بإقامة الحد عليه زاد في رواية الترمذي ليرجم ولا يخفى أنه بظاهره مشكل إذ لا يستقيم الأمر بالرجم من غير إقرار ولا بينة وقول المرأة لا يصلح بينه بل هي التي تستحق أن تحد حد القذف فلعل المراد فلما قارب أن يأمر به وذلك قاله الراوي نظرا إلى ظاهر الأمر حيث أنهم أحضروه في المحكم عند الإمام والإمام اشتغل بالتفتيش عن حاله والله تعالى أعلم كذا في فتح الودود (أنا صاحبها) أي أنا الذي جللتها وقضيت حاجتي منها لا الذي أتوا به (فقال) صلى الله عليه وسلم (لها) أي للمرأة (فقد غفر الله لك) لكونها مكرهة (وقال للرجل) أي الذي أتوا به (يعني الرجل المأخوذ) والمراد بالرجل الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا حسنا هو الرجل المأخوذ الذي أتوا به (ارجموه) أي فرجموه لكونه محصنا (لقد تاب توبة) أي باعترافه أو بإجراء حده (لو تابها) أي لو تاب مثل توبته
[ 29 ]
(أهل المدينة) أي أهل بلد فيهم عشار وغيره من الظلمة قاله القاري (لقبل منهم) وقال ابن الملك لو قسم هذا المقدار من التوبة على أهل المدينة لكفاهم انتهى قال القاري ولا يخفى أنه ليس تحته شئ من المعنى فإن التوبة غير قابلة للقسمة والتجزئة فأما ما ورد استغفروا لماعز بن مالك لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم فلعله محمول على المبالغة أو على التأويل الذي ذكرنا انتهى قلت ما قال ابن الملك هو الظاهر ويؤيده ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في ماعز لقد تاب توبة لو قسمت الخ وأما ما زعم القاري من أن التوبة غير قابلة للقمسة قبل ففيه نظر كما لا يخفى على المتأمل ولا حاجة إلى التأويل مع استقامة المعنى الظاهر من الحديث والله تعالى أعلم وعلمه أتم (رواه أسباط بن نصر أيضا) أي كما رواه إسرائيل (عن سماك) أي ابن حرب قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح غريب وعلقمة بن وائل بن حجر سمع من أبيه بنحوه مختصرا وقال الترمذي غريب وليس إسناده بمتصل وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه وقال سمعت محمدا يعني البخاري يقول عبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه ولا أدركه يقال أنه ولد بعد موت أبيه بأشهر (باب في التلقين في الحد) يقال لقنه الكلام فهمه إياه وقال له من فيه مشافهة (أتي) بصيغة المجهول (بلص) بتشديد الصاد قال في القاموس أي جئ بسارق (اعترف اعترافا) أي أقر إقرارا صحيحا (ولم يوجد معه متاع) أي من المسروق منه (ما إخالك) بكسر الهمزة وفتحها والكسر هو الأفصح وأصله الفتح قلبت الفتحة بالكسرة على خلاف القياس ولا يفتح همزتها إلا بنو أسد فإنهم يجرونها على القياس وهو من خال يخال أي ما أظنك (سرقت) قاله درأ للقطع قال في فتح الودود قيل أراد صلى الله عليه وسلم بذلك تلقين الرجوع عن الاعتراف (بلى) أي سرقت
[ 30 ]
(مرتين أو ثلاثا) شك من الراوي (وجئ به) أي بالسارق (فقال) صلى الله عليه وسلم (استغفر الله) أي اطلب المغفرة من الله (اللهم تب عليه) أي اقبل توبته أو ثبته عليها قال الشوكاني في النيل فيه دليل على مشروعية أمر المحدود بالاستغفار والدعاء له بالتوبة بعد استغفاره قال وفيه دليل على أنه يستحب تلقين ما يسقط الحد (عن أبي أمية رجل من الأنصار) رجل بالجر بدل من أبي أمية ومقصود المؤلف أنه روى حماد عن إسحاق بلفظ عن أبي أمية المخزومي وروى همام عن إسحاق بلفظ عن أبي أمية رجل من الأنصار قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وذكر الخطابي أن في إسناد هذا الحديث مقالا والحديث إذا رواه رجل مجهول لم يكن حجة ولم يجب الحكم به هذا آخر كلامه فكأنه يشير إلى أن أبا المنذر مولى أبي ذر لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة من رواية حماد بن سلمة عنه (باب في الرجل يعترف بحد ولا يسميه) أي لا يبينه أي حد هو مثلا أن يقول إني أصبت حدا لو وجب على حد أو نحو ذلك من غير أن يصرح باسم ذلك الحد (حدثني أبو أمامة) هو صدى بن عجلان الباهلي رضي الله عنه (أن رجلا) هو أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري كما سيظهر لك في كلام المنذري (إني أصبت حدا) قال العلماء هذا الرجل لم يفصح بما يوجب الحد ولعله كان بعض الصغائر فظن بأنه يوجب الحد عليه
[ 31 ]
فلم يكشفه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى التعرض عنه لإقامة الحد عليه توبة وفيه ما يضاهي قوله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات في قوله صليت معنا ولفظ رواية البخاري أليس قد صليت معنا قاله السيوطي (توضأت) بحذف حرف الاستفهام (حين أقبلت) أي إلى (قال) ذلك الرجل (نعم) أي توضأت حين أقبلت (فإن الله قد عفا عنك) أي لأن الحسنات يذهبن السيئات قال القسطلاني ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم اطلع بالوحي على أن الله تعالى قد غفر له لكونها واقعة عين وإلا لكان يستفسره عن الحد ويقيم عليه قاله الخطابي وجزم النووي وجماعة أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر بدليل قوله إنه كفرته الصلاة بناء على أن الذي تكفره الصلاة من الذنوب الصغائر لا الكبائر انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي مختصرا ومطولا وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود وسيأتي في الجزء الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى وهذا الرجل هو أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري السلمي قيل يحتمل أن يكون ذكر الحد ها هنا عبارة عن الذنب لا على حقيقة ما فيه حد من الكبائر إذ أجمع العلماء أن التوبة لا يسقط حدا من حدود الله إلا المحاربة فلما لم يحده النبي صلى الله عليه وسلم دل على أنه كان مما لا حد فيه لأن الصلاة إنما تكفر غير الكبائر وقيل هو على وجهه وإنما لم يحده لأنه لم يفسر الحد فيما لزمه فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستفسره لئلا يجب عليه الحد قالوا وفيه حجة على ترك الاستفسار وأنه لا يلزم الإمام إذا كان محتملا بل قد نبه النبي صلى الله عليه وسلم المقر في غير هذا الحديث على الرجوع بقوله صلى الله عليه وسلم لعلك لمست أو قبلت مبالغة في الستر على المسلمين انتهى كلام المنذري (باب في الامتحان بالضرب أي امتحان السارق) (أزهر بن عبد الله الحرازي) بفتح الحاء المهملة وخفة الراء وبزاي بعد الألف منسوب إلى حراز بن عوف (أن قوما من الكلاعيين) نسبة إلى ذي كلاع بفتح كاف وخفة لام قبيلة من اليمن قاله السندي (سرق) بصيغة المجهول (من الحاكة) جمع حائك قال الجوهري حاك الثوب يحوكه حوكا وحياكة نسجه فهو حائك وقوم حاكة وحوكة وكان أيضا
[ 32 ]
(فحبسهم) أي الحاكة والحبس للتهمة جائز وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه حبس رجلا في تهمة قاله السندي والحديث الذي أشار إليه هو في سنن النسائي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس ناسا في تهمة ومن طريق أخرى حبس رجلا في تهمة ثم خلى سبيله (فأتوا) أي القوم من الكلاعيين (ولا امتحان) عطف تفسير لغير ضرب (ما شئتم) أي أي شئ شئتم (وإلا) أي وإن لم يخرج متاعكم بعد الضرب (أخذت من ظهوركم) أي قصاصا (من ظهورهم) أي الحاكة (قال أبو داود الخ) هذه العبارة لم توجد إلا في بعض النسخ (إنما أرهبهم) أي أخاف النعمان الكلاعيين (بهذا القول) أي بقوله إن شئتم أن أضربهم إلخ (أي لا يجب الضرب إلا بعد الاعتراف) أي بعد إقرار السرقة وأما قبل اقرار فلا بل يحبس قال السندي بعد ذكر قول أبي داود هذا كني به أنه لا يحل ضربهم فإنه لو جاز لجاز ضربكم أيضا قصاصا انتهى والحديث فيه دليل على أنه لا يجوز امتحان السارق بالضرب بل يحبس قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال (باب ما يقطع فيه السارق) أي باب بيان القدر الذي يقطع فيه السارق واعلم أن إيجاب قطع يد السارق ثابت بالقرآن ولم يذكر في القرآن نصاب ما يقطع فيه فاختلف العلماء فذهب الجمهور إلى اشتراطه مستدلين بأحاديث الباب ونحوها وذهب الحسن والظاهرية والخوارج إلى أنه لا يشترط بل يقطع في القليل والكثير لإطلاق قوله تعالى
[ 33 ]
والسارق والسارقة الآية وأجيب بأن الآية مطلق في جنس المسروق وقدره والحديث بيان لها واستدلوا أيضا ببعض الأحاديث التي لا يثبت منها عدم اشتراط النصاب البتة والحق هو مذهب الجمهور واختلفوا بعد اشتراطهم له على أقوال بلغت إلى عشرين قولا والذي قام الدليل عليه منها قولان الأول أن النصاب الذي تقطع به ربع دينار من الذهب وثلاثة دراهم من الفضة وهذا مذهب فقهاء الحجاز والشافعي وغيرهم والثاني أنه عشرة دراهم وهذا مذهب أكثر أهل العراق والراجح من هذين القولين هو القول الأول هذا تلخيص ما قاله صاحب السبل قلت وقد بين الحافظ في الفتح جميع الأقوال المختلفة في قدر النصاب بالتفصيل من أراد الاطلاع فليرجع إليه وقال النووي واختلفوا في اشتراط النصاب وقدره فقال أهل الظاهر لا يشترط نصاب بل يقطع في القليل والكثير وقال جماهير العلماء لا تقطع إلا في نصاب ثم اختلفوا في قدر النصاب فقال الشافعي النصاب ربع دينار ذهبا أو ما قيمته ربع دينار سواء كانت قيمته ثلاثة دراهم أو أقل أو أكثر ولا يقطع في أقل منه وهو قول عائشة وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث وأبي ثور وإسحاق وغيرهم وقال مالك وأحمد وإسحاق في رواية تقطع في ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته أحدهما ولا قطع في ما دون ذلك وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تقطع إلا في عشرة دراهم أو ما قيمته ذلك والصحيح ما قاله الشافعي وموافقوه لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح ببيان النصاب في هذه الأحاديث أي أحاديث مسلم من لفظه وأنه ربع دينار وأما باقي التقديرات فمردودة لا أصل لها مع مخالفتها لصريح هذه الأحاديث وأما ما يحتج به بعض الحنفية وغيرهم من رواية جاءت قطع في مجن قيمته عشرة دراهم فهي رواية ضعيفة لا يعمل بها لو انفردت فكيف وهي مخالفة لصريح الأحاديث الصحيحة في التقدير بربع دينار مع أنه يمكن حملها على أنه كانت قيمته عشرة دراهم اتفاقا لا أنه شرط ذلك في قطع السارق انتهى ملخصا (عن عمرة) أي بنت عبد الرحمن (كان يقطع) أي يد السارق (في ربع دينار فصاعدا) قال صاحب المحكم يختص هذا بالفاء ويجوز ثم بدلها ولا تجوز الواو وقال ابن جني هو منصوب على الحال المؤكدة أي ولو زاد ومن المعلوم أنه إذا زاد لم يكن إلا صاعدا والحديث دليل صريح لما ذهب إليه فقهاء الحجاز والشافعي وغيرهم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 34 ]
(تقطع) بصيغة المجهول (يد السارق) أي جنسه فيشمل السارقة أو يعرف حكمها بنص الآية والمقايسة والمراد يمينه لقراءة ابن مسعود فاقطعوا أيمانهما والمراد إلى الرسغ والسرقة هي أخذ مال خفية ليس للآخذ أخذه من حرز مثله فلا يقطع مختلس ومنتهب وجاحد لنحو وديعة وعند الترمذي مما صححه ليس على المختلس والمنتهب والخائن قطع (في ربع دينار) بضم الباء ويسكن (فصاعدا) أي فما فوقه والحديث حجة للشافعي وغيره قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (قال أحمد بن صالح) شيخ أبي داود في روايته بلفظ (القطع في ربع دينار) قال الخطابي أي القطع الذي أوجبه بالسرقة فلذلك عرفه بأل ليعرف أنه إشارة لمعهود انتهى وحاصله أن الألف واللام في القطع للعهد (قطع في مجن) بكسر ميم وفتح جيم وتشديد النون وهي الجنة والترس مفعل من الاجتنان وهو الاستتار مما يحاذره المستتر وكسرت ميمه لأنه آلة (ثمنه ثلاثة دراهم) قال في النيل رواية الربع دينار موافقة لرواية الثلاثة دراهم التي هي ثمن المجن كما في رواية النسائي أن ثمن المجن كان ربع دينار وكما في رواية أحمد أنه كان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم قال الشافعي وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم وذلك أن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إثنا عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده قال الشوكاني وقد تقدم أن عمر فرض الدية على أهل الورق اثني عشر ألف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار وأخرج ابن المنذر أنه أتى عثمان بسارق سرق اترجة فقومت بثلاثة دراهم من حساب الدينار باثني عشر فقطع قال وقد ذهب إلى ما تقتضيه أحاديث الباب من ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار الجمهور من السلف والخلف ومنهم الخلفاء الأربعة واختلفوا فيما يقوم به ما كان من غير الذهب والفضة فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدينار إذا كان الصرف مختلفا وقال الشافعي الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها ح تى قال إن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 35 ]
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع) قال الحافظ معناه أمر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يباشر القطع بنفسه قال وقد تقدم أن بلالا هو الذي باشر قطع يد المخزومية فيحتمل أن يكون هو الذي كان موكلا بذلك ويحتمل غيره انتهى (سرق ترسا) بضم المثناة الفوقية وسكون الراء وهو المجن وفي رواية أحمد برنسا بدل ترسا والبرنس قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة أو غيره (من صفة النساء) بضم الصاد وتشديد الفاء أي الموضع المختص بهن من المسجد وصفة المسجد موضع مظلل منه قاله الشوكاني قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي بمعناه (وهذا لفظه) أي محمد بن أبي السرى (وهو أتم) أي لفظ رواية محمد بن أبي السرى أتم من لفظ رواية عثمان بن أبي شيبة (قيمته دينار أو عشرة دراهم) احتج به أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه وسائر فقهاء العراق على أن النصاب الموجب للقطع هو عشرة دراهم ولا قطع في أقل من ذلك وأخرجه البيهقي والطحاوي بلفظ كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم عشرة دراهم وأخرجه نحو ذلك النسائي وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم وأخرج النسائي عن عطاء مرسلا أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن قال وثمنه عشرة دراهم قالوا وهذه الرواية في تقدير ثمن المجن أرجح من الروايات التي فيها ربع دينار أو ثلاثة دراهم وإن كانت أكثر وأصح ولكن هذه أحوط والحدود تدفع بالشبهات فهذه الروايات كأنها شبهة في العمل بما دونها وروي نحو ذلك عن ابن العربي قال وإليه ذهب سفيان مع جلالته ويجاب بأن الروايات المروية عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص في إسنادها جميعا محمد بن إسحاق وقد عنعن ولا يحتج بمثله إذا جاء بالحديث معنعنا فلا يصلح لمعارضة ما في الصحيحين عن ابن عمر وعائشة وقد تعسف الطحاوي فزعم أن حديث عائشة مضطرب ثم بين الاضطراب بما يفيد بطلان قوله وقد استوفى صاحب الفتح الرد عليه وأيضا حديث ابن عمر حجة
[ 36 ]
مستقلة ولو سلمنا صلاحية روايات تقدير ثمن المجن بعشرة دراهم لمعارضة الروايات الصحيحة لم يكن ذلك مفيدا للمطلوب أعني عدم ثبوت القطع فيما دون ذلك لما في الباب من إثبات القطع في ربع الدينار وهو دون عشرة دراهم فيرجع إلى هذه الروايات ويتعين طرح الروايات المتعارضة في ثمن المجن وبهذا يلوح لك عدم صحة الاستدلال بروايات العشر دراهم عن بعض الصحابة على سقوط القطع فيما دونها وجعلها شبهة والحدود تدرأ بالشبهات لما سلف كذا في النيل قال المنذري وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه (باب ما لا قطع فيه) (أن عبدا سرق وديا) بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء ما يخرج من أصل النخل فيقطع من محله ويغرس في محل آخر (من حائط رجل) أي بستانه (يلتمس) أي يطلب (فاستعدى على العبد مروان بن الحكم) يقال إستعدى فلان الأمير على فلان أي استعان فأعداه روى عليه أي نصره والاستعداء طلب المعونة كذا في المغرب (وهو) أي مروان (أمير المدينة) أي من جهة معاوية رضي الله عنه (فسجن) أي حبس (إلى رافع بن خديج) بفتح الخاء وكسر الدال صحابي مشهور (فأخبره) أي أخبر رافع سيد العبد (أنه) أي رافع (لا قطع في ثمر) بفتحتين قال الخطابي قال الشافعي ما علق بالنخل قبل جذه وحرزه قال القاري هو يطلق على الثمار كلها ويغلب عندهم على ثمر النخل وهو الرطب ما دام على رأس النخل وقال في النهاية الثمر الرطب ما دام على رأس النخل فإذا قطع فهو الرطب فإذا كنز فهو التمر (ولا كثر) بفتحتين الجمار بضم الجيم وتشديد الميم في آخره راء مهملة قال الجوهري هو شحم النخل (فقال الرجل) أي سيد العبد (وهو يريد قطع يده) أي بسبب سرقته (إليه) أي إلى مروان
[ 37 ]
(فأرسل) أي أطلق من السجن (قال أبو داود الكثر الجمار) وهو شحمه الذي في وسط النخلة وهو يؤكل وقيل هو الطلع أول ما يبدو وهو يؤكل أيضا قال في شرح السنة ذهب أبو حنيفة إلى ظاهر هذا الحديث فلم يوجب القطع في سرقة شئ من الفواكه الرطبة سواء كانت محرزة أو غير محرزة وقاس عليه اللحوم والألبان والأشربة وأوجب آخرون القطع في جميعها إذا كان محرزا وهو قول مالك والشافعي وتأول الشافعي على الثمار المعلقة غير المحرزة وقال نخيل المدينة لا حوائط لأكثرها والدليل عليه حديث عمرو بن شعيب وفيه دليل على أن ما كان منها محرزا يجب القطع بسرقته انتهى قلت ويجئ بعض الكلام في هذه المسألة في حديث عمرو بن شعيب الآتي (فجلده مروان جلدات) أي تعزيرا وتأديبا (وخلى سبيله) أي أطلقه وأرسله قال المنذري وأخرجه النسائي مختصرا وذكر الشافعي رضي الله عنه في القديم أنه مرسل يعني بين محمد بن يحيى ورافع بن خديج وحدث به الإمام الشافعي عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولا وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة موصولا مختصرا كذلك و ذكر الترمذي أن الإمام مالك بن أنس وغيره رضي الله عنهم لم يذكروا عن واسع بن حبان وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف نون (عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو (عن أبيه) شعيب (عن جده) أي جد شعيب (عبد الله بن عمرو) بدل من جده (من أصاب بفيه) أي بفمه (غير متخذ خبنة) بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها نون قال في النهاية الخبنة معطف الإزار وطرف الثوب أي لا يأخذ منه في ثوبه يقال أخبن الرجل إذا أخبأ شيئا في خبنة ثوبه أو سراويله انتهى (ومن خرج بشئ) الباء للتعدية (منه) أي من الثمر المعلق (فعليه غرامة مثليه) بصيغة التثنية وفي بعض النسخ (مثله)
[ 38 ]
بالإفراد (والعقوبة عطف على غرامة ولم يفسر العقوبة في هذه الرواية لكن جاء في روايات أخرى تفسيرها ففي رواية أحمد والنسائي ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال وزاد النسائي في آخره وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال وكذلك في رواية البيهقي (بعد أن يؤويه الجرين) بفتح الجيم وكسر الراء موضع مجمع فيه التمر للتجفيف وهو له كالبيدر للحنطة (ومن سرق دون ذلك إلخ) أي دون بلوغ ثمن المجن وهذه العبارة لم توجد في بعض النسخ (قال أبو داود الجرين الجوخان) قال الجوهري الجوخان الجرين بلغة أهل البصرة انتهى قال الطيبي فإن قلت كيف طابق هذا جوابا عن سؤاله عن التمر المعلق فإنه سئل هل يقطع في سرقة التمر المعلق وكان ظاهر الجواب أن يقال لا فلم أطنب ذلك الإطناب ؟ قلت ليجيب عنه معللا كأنه قيل لا يقطع لأنه لم يسرق من الحرز وهو أن يؤويه الجرين ذكره القاري قال في السبل وفي الحديث مسائل الأولى أنه إذا أخذ المحتاج بفيه لسد فاقته فإنه مباح له والثانية أنه يحرم عليه الخروج بشئ منه فإن خرج بشئ منه فلا يخلو أن يكون قبل أن يجذ ويأويه الجرين أو بعده فإن كان قبل الجذ فعليه الغرامة والعقوبة وإن كان بعد القطع وإيواء الجرين فعليه القطع مع بلوغ المأخوذ النصاب لقوله صلى الله عليه وسلم فبلغ ثمن المجن إلى أن قال والرابعة أخذ منه اشتراط الحرز في وجوب القطع لقوله صلى الله عليه وسلم بعد أن يأويه الجرين انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه وقال الترمذي حسن وقد تقدم الكلام على عمرو بن شعيب وقد تقدم الكلام على العقوبة في الأموال في كتاب الزكاة (باب القطع في الخلسة) بضم الخاء وسكون اللام قال في القاموس الخلس السلب كالخليسي بين والاختلاس والاسم منه الخلسة بالضم انتهى والاختلاس أخذ الشئ من ظاهر بسرعة ليلا كان أو نهارا وفي النهاية الخلسة ما يؤخذ سلبا ومكابرة انتهى (والخيانة) وهو أخذ المال خفية وإظهار النصح للمالك
[ 39 ]
وقال في المرقاة هو أن يؤتمن على شئ بطريق العارية والوديعة فيأخذه ويدعي ضياعه أو ينكر أنه كان عنده وديعة أو عارية (ليس على المنتهب) النهب هو الأخذ على وجه العلانية قهرا (قطع) والنهب وإن كان أقبح من الأخذ سرا لكن ليس عليه قطع لعدم إطلاق السرقة عليه (ومن انتهب نهبة) بضم النون المال الذي ينهب ويجوز أن يكون بالفتح ويراد بها المصدر (مشهورة) أي ظاهرة غير مخفية صفة كاشفة (فليس منا) أي من أهل طريقتنا أو من أهل ملتنا زجرا (وبهذا اسناد) أي المذكور (ليس على الخائن قطع) الخيانة الأخذ مما في يده على وجه الأمانة قال في القاموس الخون أن يؤتمن انسان فلا ينصح خانه خونا وخيانة ومخانة واختانه فهو خائن (بمثله) أي بمثل الحديث السابق (ولا على المختلس) الاختلاس هو أخذ الشئ من ظاهر بسرعة والحديث دليل على أنه لا يقطع المنتهب والخائن والمختلس قال ابن الهمام من الحنفية في شرح الهداية وهو مذهبنا وعليه باقي الأئمة الثلاثة وهو مذهب عمر وابن مسعود وعائشة ومن العلماء من حكى الإجماع على هذه الجملة لكن مذهب إسحاق بن راهويه ورواية عن أحمد في جاحد العارية أنه يقطع انتهى قال النووي قال القاضي عياض شرع الله تعالى إيجاب القطع على السارق ولم يجعل ذلك في غيرها كالاختلاس والانتهاب والغصب لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستغاثة إلى ولاة الأمور وتسهيل إقامة البينة عليه بخلافها فيعظم أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها (هذان الحديثان) أي حديث محمد بن بكر وحديث عيسى بن يونس (لم يسمعهما ابن جريج عن أبي الزبير الخ) وفي رواية لابن حبان عن ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي الزبير عن جابر وليس فيه ذكر الخائن
[ 40 ]
ورواه ابن الجوزي في العلل من طريق مكي بن إبراهيم عن ابن جريج وقال لم يذكر فيه الخائن غير مكي قال الحافظ قد رواه ابن حبان من غير طريقه أخرجه من حديث سفيان عن أبي الزبير عن جابر بلفظ ليس على المختلس ولا على الخائن قطع وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير إنما سمعه من ياسين الزيات وهو ضعيف وكذا قال أبو داود وزاد وقد رواه المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر وأسنده النسائي من حديث المغيرة ورواه عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير وأعله ابن القطان بأنه من معنعن أبي الزبير عن جابر وهو غير قادح فقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج وفيه التصريح بسماع أبي الزبير له من جابر وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن عوف رواه ابن ماجه بإسناد صحيح وآخر من رواية الزهري عن أنس أخرجه الطبراني في الأوسط في ترجمة أحمد بن القاسم ورواه ابن الجوزي في العلل من حديث ابن عباس وضعفه قاله الحافظ في التلخيص وقال الشوكاني وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا ولاسيما بعد تصحيح الترمذي وابن حبان لحديث الباب قال المنذري وحديث المغيرة بن مسلم الذي ذكره أبو داود معلقا قد أخرجه النسائي في سننه مسندا وياسين الزيات هو أبو خلف ياسين بن معاذ الكوفي وأصله يمامي لا يحتج بحديثه والمغيرة بن مسلم هو السراج خراساني كنيته أبو سلمة قال ابن معين صالح الحديث صدوق وقال أبو داود الطيالسي أخبرنا المغيرة بن مسلم وكان صدوقا مسلما وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح ولفظ الترمذي والنسائي ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع ولفظ ابن ماجه في موضع من انتهب نهبة مشهورة فليس منا وفي موضع لا يقطع الخائن ولا المنته ولا المختلس
[ 41 ]
قال أبو عبد الرحمن النسائي وقد روى هذا الحديث عن ابن جريج عيسى بن يونس والفضل بن موسى وابن وهب ومحمد بن ربيعة ومخلد بن يزيد وسلمة بن سعيد فلم يقل أحد منهم فيه حدثني أبو الزبير ولا أحسبه سمعه من أبي الزبير والله أعلم هذا آخر كلامه وقد صححه الترمذي من حديث ابن جريج عن أبي الزبير وهذا يدل على أنه تحقق اتصاله وقد حدث به عن أبي الزبير المغيرة بن مسلم وأشار إليه أيضا الترمذي والمغيرة ابن مسلم صدوق انتهى كلام المنذري (باب فيمن سرق من حرز) واعلم أن العلماء اختلفوا في شرطية أن يكون السرقة في حرز فذهب أحمد بن حنبل وإسحاق وغيرهما إلى أنه لا يشترط وذهب الجمهور إلى اشتراطه وقال ابن بطال الحرز مأخوذ في مفهوم السرقة لغة وقال صاحب القاموس السرقة والاستراق المجئ مستترا لأخذ مال غيره من حرز (عن حميد) هو ابن حجير بضم الحاء المهملة في كليهما (ابن أخت صفوان) بن أمية بن خلف القرشي المكي قال الزيلعي وحميد هذا لم يرو عنه إلا سماك ولم ينبه عليه المنذري وقال الحافظ عبد الحق في أحكامه رواه سماك بن حرب عن حميد بن أخت صفوان عن صفوان بن أمية ورواه عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن صفوان ورواه أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس ورواه عمرو بن دينار عن طاوس عن صفوان ذكر هذه الطرق النسائي ورواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان أن صفوان روى من غير هذا الوصف ولا أعلمه يتصل من وجه صحيح انتهى وقال ابن القطان في كتابه حديث سماك فضعيف بحميد المذكور فإنه لا يعرف في غير هذا وقد ذكره ابن أبي حاتم بذلك ولم يزد عليه وذكره البخاري فقال إنه حميد بن حجير ابن أخت صفوان بن أمية ثم ساق له هذا الحديث وهو كما قلنا مجهول الحال انتهى (كنت نائما في المسجد على خميصة لي) وفي الرواية الآتية فنام في المسجد وتوسد رداءه
[ 42 ]
قال في القاموس الخميصة كساء أسود مربع له علمان (فاختلسها) أي سلبها بسرعة (فأخذ) بصيغة المجهول (الرجل) أي السارق (فأمر به ليقطع) أي بعد إقراره بالسرقة أو ثبوتها بالبينة (أبيعه) وفي بعض الروايات أنا أهبها له أو أبيعها له وفي بعض الروايات يا رسول الله إني لم أرد هذا هو عليه صدقة (وأنسئه ثمنها) من الإنساء أي أبيع منه نسئة فيرتفع مسمى السرقة (قال) صلى الله عليه وسلم (فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به) أي لم لا بعته قبل إتيانك به إلي وأما الآن فقطعه واجب ولا حق لك فيه بل هو من الحقوق الخالصة للشرع ولا سبيل فيها إلى الترك وفيه أن العفو جائز قبل أن يرفع إلى الحاكم كذا ذكره الطيبي وتبعه ابن الملك وقال ابن الهمام إذا قضى على رجل بالقطع في سرقة فوهبها له المالك وسلمها إليه أو باعها منه لا يقطع وقال زفر والشافعي وأحمد يقطع وهو رواية عن أبي يوسف لأن السرقة قد تمت انعقادا بفعلها بلا شبهة وظهورا عند الحاكم وقضي عليه بالقطع ويؤيده حديث صفوان انتهى قال الشوكاني وقد استدل بحديث صفوان هذا من قال بعدم اشتراط الحرز ويرد بأن المسجد حرز لما داخله من آلته وغيرها ولاسيما بعد أن جعل صفوان خميصته تحت رأسه وأما جعل المسجد حرزا لآلته فقط فخلاف الظاهر ولو سلم ذلك كان غايته تخصيص الحرز بمثل المسجد ونحوه مما يستوي الناس فيه لما في ترك القطع في ذلك من المفسدة قال وأما التمسك بعموم آية السرقة أي على عدم اشتراط الحرز فلا ينتهض للاستدلال به لأنه عموم مخصوص بالأحاديث القاضية باعتبار الحرز انتهى (قال أبو داود) مقصود المؤلف من هذا الكلام بيان أمرين الأول بيان الاختلاف في بعض ألفاظ المتن والثاني ذكر اختلاف الأسانيد فمنهم من رواه متصلا ومنهم من رواه مرسلا (عن جعيد) بالجيم ثم العين المهملة ثم الياء التحتية مصغرا (ابن حجير) بتقديم الحاء المهملة على الجيم مصغرا قال الحافظ في التقريب حميد بن أخت صفوان وقيل اسمه جعيد مقبول وفيه أيضا حميد بن حجير بالتصغير هو ابن أخت صفوان انتهى (نام صفوان) بن أمية بن خلف الجمحي القرشي المكي صحابي من مسلمة الفتح والحاصل أن أسباط بن نصر الهمداني روى عن سماك بن حرب فقال عن حميد بن
[ 43 ]
أخت صفوان عن صفوان متصلا ورواه زائدة عن سماك فقال عن جعيد قال نام صفوان مرسلا (ورواه طاوس) ورواية طاوس أخرجها النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عمرو ابن دينار عن طاوس عن صفوان بن أمية أنه سرقت خميصة من تحت رأسه وهو نائم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ اللص فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه الحديث قال الإمام الحافظ بن القطان طريق عمرو بن دينار يشبه أنها متصلة قال ابن عبد البر سماع طاوس من صفوان ممكن لأنه أدرك زمان عثمان وذكر يحيى القطان عن زهير عن ليث عن طاوس قال أدركت سبعين شيخا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى كذا في نصب الراية وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص طريق طاوس عن صفوان رجحها ابن عبد البر وقال إن سماع طاوس من صفوان ممكن لأنه أدرك زمن عثمان وقال البيهقي روي عن طاوس عن ابن عباس وليس بصحيح انتهى (فاستله) من الاستلال أي استخرجه بتأن وتدريج (وروا الزهري عن صفوان بن عبد الله) بن صفوان بن أمية التابعي الثقة وفي بعض نسخ الكتاب صفوان عن عبد الله وهو غلط قال الحافظ المزي في الأطراف رواه الزهري عن صفوان بن عبد الله قال فنام في المسجد وتوسد رداءه الحديث والمحفوظ حديث مالك عن الزهري عن صفوان بن عبد الله وكذلك هو في الموطأ انتهى قلت لفظ الموطأ مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان أن صفوان ابن أمية قيل له إنه من لم يهاجر هلك فقدم صفوان بن أمية المدينة فنام في المسجد النبوي وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه الحديث قال الحافظ ابن عبد البر رواه جمهور أصحاب مالك مرسلا ورواه أبو عاصم النبيل وحده عن مالك عن الزهري عن صفوان بن عبد الله عن جده فوصله ورواه شبابة بن سوار عن مالك عن الزهري عن عبد الله بن صفوان عن أبيه انتهى قلت أخرجه ابن ماجه من طريق شبابة بن سوار عن مالك وقال الإمام الحافظ ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق حديث صفوان حديث
[ 44 ]
صحيح رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده من غير وجه عنه انتهى (وتوسد رداءه) أي جعله وسادة بأن جعله تحت رأسه قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (باب في القطع في العارية إذا جحدت) بصيغة المجهول أي فهل فيها القطع أم لا (أن امرأة مخزومية كانت الخ) وأخرجه مسلم عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها وأخرجه البخاري ومسلم عن يونس عن الزهري به أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح إلى أن قال ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها وأخرجه الأئمة الستة عن الليث بن سعد عن الزهري به بهذا اللفظ وأخرجه النسائي عن إسحاق بن راشد وإسماعيل بن أمية وابن عيينة وأيوب بن موسى كلهم عن الزهري به بهذا اللفظ ولفظ العارية ليست عند البخاري قاله عبد الحق في الجمع بين الصحيحين وقال في أحكامه قد اختلفت الرواية في قصة هذه المرأة والذين قالوا سرقت أكثر من الذين قالوا استعارت انتهى وأخرجه مسلم عن جابر أن امرأة من بني مخزوم سرقت فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بأم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لو كانت فاطمة لقطعت يدها فقطعت انتهى وتقدم بعض البيان في باب الحد يشفع فيه قال الزيلعي وذكر بعضهم أن معمر بن راشد تفرد بذكر العارية في هذا الحديث من بين سائر الرواة وأن الليث راوي السرقة تابعه عليها جماعة منهم يونس بن يزيد وأيوب بن موسى وسفيان بن عيينة وغيرهم فرووه عن الزهري كرواية الليث وذكر أن بعضهم وافق معمرا في رواية العارية لكن لا يقاوم من ذكر فظهر ان ذكر العارية إنما كان تعريفا لها بخاص صفتها إذ كانت كثيرة الاستعارة حتى عرفت بذلك كما عرفت بأنها مخزومية واستمر بها هذا الصنيع حتى سرقت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها
[ 45 ]
ومما يدل على صحة ذلك ما رواه ابن ماجه عن عائشة بنت مسعود بن الأسود عن أبيها قال لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظمنا ذلك وكانت امرأة من قريش فجئنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم نكلمه إلى أن قال أتينا أسامة فقلنا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قام خطيبا فقال ما إكثاركم علي في حد من حدود الله وقع على أمة من إماء الله الحديث ولكن يخالفه ما سيأتي عند المؤلف من رواية الليث عن يونس عن ابن شهاب قال كان عروة يحدث فذكر الحديث وقال الإمام الحافظ أبو محمد القاسم بن ثابت في كتابه غريب الحديث عندي أن رواية معمر صحيحة لأنه حفظ ما لم يحفظ أصحابه ولموافقته حديث صفية بنت أبي عبيد فذكره والله أعلم (فقطعت يدها) فيه دليل على أنه يقطع جاحد العارية وإليه ذهب من لم يشترط في القطع أن يكون من حرز وهو أحمد وإسحاق وانتصر له ابن حزم وذهب الجمهور إلى عدم وجوب القطع لمن جحد العارية واستدلوا على ذلك بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق والجاحد للوديعة ليس بسارق ورد بأن الجحد داخل في اسم السرقة لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما بخلاف المختلس والمنتهب كذا قال ابن القيم ويجاب عن ذلك بأن الخائن لا يمكن الاحتراز عنه لأنه آخذ المال خفية مع إظهار النصح كما سلف وقد دل الدليل على أنه لا يقطع وأجاب الجمهور عن هذا الحديث وعن مثله مما فيه ذكر الجحد دون السرقة بأن الجحد للعارية وإن كان مرويا من طريق عائشة وابن عمر وغيرهما لكن ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة وقد سبق في رواية لأبي داود أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرق فذكر جحد العارية لا يدل على أن القطع كان له فقط ويمكن أن يكون ذكر الجحد لقصد التعريف بحالها وأنها كانت مشتهرة بذلك الوصف والقطع كان للسرقة كذا قال الخطابي وتبعه البيهقي والنووي وغيرهما ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم في رواية عائشة المذكورة في باب الحد يشفع فيه إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف الخ فإن ذكر هذا عقب ذكر المرأة المذكورة يدل على أنه قد وقع منها السرق قال الشوكاني ويمكن أن يجاب عن هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل ذلك الجحد منزلة السرق فيكون دليلا لمن قال إنه يصدق اسم السرق على جحد الوديعة قال ولا يخفى أن الظاهر من قوله في حديث ابن عمر بعد وصف القصة ذفأمر حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يدها أن القطع كان
[ 46 ]
لأجل ذلك الجحد ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بأنها سرقت فإنه يصدق على جاحد الوديعة بأنه سارق قال فالحق قطع جاحد الوديعة انتهى ملخصا وقد سبق كلام النووي في هذه المسألة في لباب المذكور فتذكر وعندي الراجح قول الجمهور والله تعالى أعلم بالصواب (عن ابن عمر أو عن صفية بنت أبي عبيد) قال في التقريب صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفية زوج ابن عمر قيل لها أدراك وأنكره الدارقطني وقال العجلي ثقة من الثانية (هل من امرأة تائبة إلى الله ورسوله) قال في فتح الودود هذا يقتضي أن جحد العارية دون السرقة فيقبل فيها التوبة (وتلك) أي المرأة المخزومية (شاهدة) أي حاضرة (ولم تكلم) بحذف إحدى التاءين وتمام الحديث على ما ذكره الإمام أبو محمد القاسم بن ثابت في كتابه غريب الحديث عن صفية بنت أبي عبيد أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الناس على المنبر والمرأة في المسجد فقال صلى الله عليه وسلم هل من امرأة تائبة إلى الله ورسول الله فلم تقم تلك المرأة ولم تتكلم فقال صلى الله عليه وسلم قم يا فلان فاقطع يدها لتلك المرأة فقطعها قال الإمام أبو محمد وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم له ما ليس لغيره فيمن عصاه ورغب عن أمره انتهى ذكره الزيلعي (رواه ابن غنج) بفتح المعجمة والنون بعدها جيم هو محمد بن عبد الرحمن بن غنج المدني نزيل مصر مقبول من السابعة كذا في التقريب قال المنذري قال البيهقي والحديث الذي يروى عن نافع في هذه القصة كما روى معمر مختلف فيه عن نافع فقيل عنه عن ابن عمر أو عن صفية بنت أبي عبيد وقيل عنه عن صفية بنت أبي عبيد وحديث الليث عن الزهري أولى بالصحة لما ذكرنا من توابعه والله أعلم يريد بحديث معمر هذا الذي في أول هذا الباب وقد تقدم أيضا ويريد بحديث الليث الذي تقدم وفيه التي سرقت ويريد بتوابعه الأحاديث التي جاءت مصرحا فيها بالسرقة وقد تقدم ذلك في باب الحد يشفع فيه والله أعلم
[ 47 ]
(على ألسنة أناس يعرفون) بصيغة المجهول (ولا تعرف هي) بصيغة المجهول والمعنى أن امرأة استعارت على لسان أناس معروفين بين الناس وهي غير معروفة (فقال فيها) أي في شأنها (ما قال) ما موصولة يعني أتشفع في حد من حدود الله قال المنذري وأخرجه النسائي (وقص نحو حديث قتيبة عن الليث) وحديث قتيبة هذا قد مر في باب الحد يشفع فيه قال المنذري وقد تقدم (باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا) (عن حماد) هو ابن أبي سليمان (رفع القلم عن ثلاثة) قال السيوطي نقلا عن السبكي وقوله رفع القلم هل هو حقيقة أو مجاز فيه احتمالان الأول وهو المنقول المشهور أنه مجاز لم يرد فيه حقيقة القلم ولا الرفع وإنما هو كناية عن عدم التكليف ووجه الكناية فيه أن التكليف يلزم منه الكتابة كقوله كتب عليكم الصيام وغير ذلك ويلزم من الكتابة القلم لأنه آلة الكتابة فالقلم لازم للتكليف وانتفاء اللازم يدل على انتفاء ملزومه فلذلك كنى بنفي القلم عن نفي الكتابة وهي من أحسن الكنايات وأتى بلفظ الرفع إشعارا بأن التكليف
[ 48 ]
لازم لبني آدم إلا هؤلاء الثلاثة وأن صفة الوضع ثابت للقلم لا ينفك عنه عن غير الثلاثة موضوعا عليه والاحتمال الثاني أن يراد حقيقة القلم الذي ورد فيه الحديث أول ما خلق الله القلم فقال له أكتب فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فأفعال العباد كلها حسنها وسيئها يجري به ذلك القلم ويكتبه حقيقة وثواب الطاعات وعقاب السيئات يكتبه حقيقة وقد خلق الله ذلك وأمر بكتبه وصار موضوعا على اللوح المحفوظ ليكتب ذلك فيه جاريا إلى يوم القيامة وقد كتب ذلك وفرغ منه وحفظ وفعل الصبي والمجنون والنائم لا إثم فيه فلا يكتب القلم إثمه ولا التكليف به فحكم الله بأن القلم لا يكتب ذلك من بين سائر الأشياء رفع للقلم الموضوع للكتابة والرفع فعل الله تعالى فالرفع نفسه حقيقة والمجاز في شئ واحد وهو أن القلم لم يكن موضوعا على هؤلاء الثلاثة إلا بالقوة والنهي لأن يكتب ما صدر منهم فسمى منعه من ذلك رفعا فمن هذا الوجه يشارك هذا الاحتمال الأول وفيما قبله يفارقه (حتى يستيقظ) قال السبكي هو وقوله حتى يبرأ وحتى يكبر غايات مستقبلة والفعل المغيا بها قوله رفع ماض والماضي لا يجوز أن تكون غايته مستقبلة فلا تقول سرت أمس حتى تطلع الشمس غدا قال وجوابه بالتزام حذف أو مجاز حتى يصح الكلام فيحتمل أن يقدر رفع القلم عن الصبي فلا يزال مرتفعا حتى يبلغ أو فهو مرتفع حتى يبلغ فيبقى الفعل الماضي على حقيقته والمغيا محذوف به ينتظم الكلام ويحتمل أن يقال ذلك في الغاية وهي قوله حتى يبلغ أي إلى بلوغه فيشمل ذلك من كان صبيا فبلغ في ماض ومن هو صبي الآن ويبلغ في مستقبل ومن يصير صبيا ويبلغ بعد ذلك فهذه الحالات كلها في التقدير أما في التجوز في الفعل الثاني أو الفعل الأول أو الحذف راجعة إلى معنى واحد وهو الحكم برفع القلم للغاية المذكورة وفي ابن ماجه يرفع بلفظ آتي فلا يرد السؤال على هذه الرواية قال السيوطي وأفضل من هذا الطول والتكلف كله أن رفع بمعنى يرفع من وضع الماضي موضع آتي وهو كثير كقوله تعالى أتى أمر الله (وعن المبتلى) وفي الرواية الآتية عن المجنون فالمراد بالمبتلى المبتلى بالجنون (حتى يبرأ) وفي الرواية آتية حتى يفيق (وعن الصبي) قال السبكي الصبي الغلام وقال غيره الولد في بطن أمه يسمى جنينا فإذا ولد فصبي فإذا فطم فغلام إلى سبع ثم يصير يافعا إلى عشر ثم حزورا إلى خمس عشرة والذي يقطع به أنه يسمى صبيا في هذه الأحوال كلها قاله السيوطي (حتى يكبر) قال السبكي ليس فيها من البيان ولا في قوله حتى يبلغ ما في الرواية الثالثة حتى يحتلم فالتمسك بها أولى لبيانها وصحة سندها
[ 49 ]
وقوله حتى يبلغ مطلق والاحتلام مقيد فيحمل عليه فإن الاحتلام بلوغ بلوغ قطعا وعدم بلوغ خمس عشرة ليس ببلوغ قطعا قال وشرط هذا الحمل ثبوت اللفظين عنه صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (أتي عمر بمجنونة) بصيغة المجهول أي أتاه الناس بمجنونة (قد زنت) حال (فاستشار) أي طلب المشورة (فيها) في شأن تلك المجنونة هل ترجم أم لا (قال) أي ابن عباس (فقال) أي علي رضي الله عنه (ارجعوا بها) أي بهذه المجنونة والخطاب لمن كان عندها (ثم أتاه) أي أتى علي رضي الله عنه عمر رضي الله عنه (فقال) أي علي رضي الله عنه (أما علمت) بهمزة الاستفهام على حرف النفي (حتى يعقل) أي يصير ذا عقل والمراد منه البلوغ (قال) أي عمر (بلى) حرف إيجاب (قال) علي بن أبي طالب (فما بال) أي فما حال (هذه) المرأة (ترجم) بصيغة المجهول أي مع كونها مجنونة (قال) عمر (لا شئ) عليها الآن (قال) علي رضي الله عنه (فأرسلها) بصيغة الأمر أي قال علي لعمر رضي الله عنهما فأطلق هذه المجنونة (قال) أي ابن عباس (فأرسلها) أي عمر رضي الله عنه (فجعل يكبر) أي فجعل عمر رضي الله عنه يكبر وعادة العرب أنهم يكبرون على أمر عظيم وشأن فخيم وكان عمر رضي الله عنه علم عدم صواب رأيه وظن على نفسه وقوع الخطأ برجم المرأة المجنونة إن لم يراجعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال الحافظ في الفتح بعد ذكر طرق متعددة من هذا الحديث وقد أخذ الفقهاء بمقتضى هذه الأحاديث لكن ذكر ابن حبان أن المراد برفع القلم ترك كتابة الشر عنهم دون الخير وقال شيخنا في شرح الترمذي هو ظاهر في الصبي دون المجنون والنائم لأنهما في حيز من ليس قابلا لصحة العبادة منه لزوال الشعور
[ 50 ]
وحكى ابن العربي أن بعض الفقهاء سئل عن إسلام الصبي فقال لا يصح واستدل بهذا الحديث فعورض بأن الذي ارتفع عنه قلم المؤاخذة وأما قلم الثواب فلا لقوله للمرأة لما سألته ألهذا حج قال نعم ولقوله مروهم بالصلاة فإذا جرى له قلم الثواب فكلمة الإسلام أجل أنواع الثواب فكيف يقال إنها تقع لغوا ويعتد بحجه وصلاته واستدل بقوله حتى يحتلم على أنه لا يؤاخذ قبل ذلك واحتج من قال يؤاخذ قبل ذلك بالردة وكذا من قال من المالكية يقام الحد على المراهق ويعتبر طلاقه لقوله في الطريق الأخرى حتى يكبر والأخرى حتى يشب وتعقبه ابن العربي بأن الرواية بلفظ حتى يحتلم هي العلامة المحققة فيتعين اعتبارها وحمل باقي الروايات عليها انتهى (وقال أيضا حتى يعقل) أي قال وكيع في روايته أيضا لفظ حتى يعقل كما قاله جرير في روايته (وقال) وكيع (وعن المجنون حتى يفيق) وفي رواية جرير المتقدمة حتى يبرأ وهما بمعنى واحد (مر على علي بن أبي طالب) بصيغة المجهول (بمعنى عثمان) أي بمعنى حديث عثمان (قال أوما تذكر) بهمزة الاستفهام على الواو العاطفة والمعطوف عليه محذوف أي أتأمر بالرجم وما تذكر (فخلى عنها سبيلها) أي أطلقها وتركها قال المنذري وأخرجه النسائي (قال هناد الجنبي) أي زاد هناد في روايته بعد أبي ظبيان لفظ الجنبي بأن قال عن أبي ظبيان الجنبي وأما عثمان بن أبي شيبة فلم يزد في روايته هذا اللفظ وهو بفتح جيم وسكون نون وبموحدة منسوب إلى جنب بن صعب (قد فجرت) أي زنت (فأخذها) أي أخذ على
[ 51 ]
المجنونة (فخلى سبيلها أي أطلقها (وعن المعتوه) هو المجنون المصاب بعقله قاله في المجمع (لعل الذي أتاها) أي زناها (وهي في بلائها) أي في جنونها والجملة حالية (فقال عمر لا أدري) أي إتيانه في حالة جنونها (فقال علي رضي الله عنه وأنا لا أدري) أي إتيانه في حالة عدم جنونها ولعل المرأة المجنونة لم يصاحبها الجنون دائما بل أصابها مرة وتفيق مرة فلذا قال عمر رضي الله عنه لا أدري إتيانه في حالة جنونها فأجاب عنه علي رضي الله عنه وأنا لا أدري في حالة إتيانه عدم جنونها والحاصل أن الحال مشتبهة والحدود تدرأ بالشبهات قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده عطاء بن السائب قال أيوب هو ثقة وقال يحيى بن معين لا يحتج به له حديث مقرون بأبي بشر جعفر بن أبي وحشية وقال يحيى بن معين لا يحتج بحديثه وقال الإمام أحمد من سمع منه قديما فهو صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن بشئ ووافق الإمام أحمد على هذا ابن معين وسمع منه قديما شعبة وسفيان وسمع منه حديثا جرير بن عبد الحميد وغيره وهذا الحديث من رواية جرير عنه وأخرجه النسائي من حديث أبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي عن أبي ظبيان عن علي قوله وقال وهذا أولى بالصواب من حديث عطاء بن السائب وأبو حصين أثبت من عطاء بن السائب انتهى كلام المنذري (حتى يعقل) قال المنذري هذا منقطع أبو الضحى لم يدرك علي بن أبي طالب (قال أبو داود رواه ابن جريج عن القاسم بن يزيد عن علي) قال السبكي هذه رواية معلقة منقطعة وقد رواها ابن ماجه قال أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا روح بن عبادة أخبرنا ابن جريج أنبأنا
[ 52 ]
القاسم بن يزيد عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يرفع القلم عن الصغير وعن المجنون وعن النائم فانقطع لأن القاسم بن يزيد لم يدرك عليا (زاد فيه والخرف) بفتح معجمة وكسر راء من الخرف بفتحتين فساد العقل من الكبر قال السبكي يقتضي أنه زائد على الثلاثة وهذا صحيح والمراد به الشيخ الكبير الذي زال عقله من كبر فإن الشيخ الكبير قد يعرض له اختلاط عقل يمنعه من التمييز ويخرجه عن أهلية التكليف ولا يسمى جنونا لأن الجنون يعرض من أمراض سوداوية ويقبل العلاج والخرف بخلاف ذلك ولهذا لم يقل في الحديث حتى يعقل لأن الغالب أنه لا يبرأ منه إلى الموت ولو برء في بعض الأوقات برجوع عقله تعلق به التكليف فسكوته عن الغاية فيه لا يضر كما سكت عنها في بعض الروايات في المجنون وهذا الحديث وإن كان منقطعا لكنه في معنى المجنون كما أن المغمى عليه في معنى النائم فلا يفوت الحصر بذلك إذا نظرنا إلى المعنى فهم في الصورة خمسة الصبي والنائم والمغمى عليه والمجنون والخرف وفي المعنى ثلاثة ولما لم يكن النائم في معنى المجنون لأن الجنون يفسد العقل بالكلية والنوم شاغل له فقط فبينهما تباين كبير لم يجعل في معناه وأحكامهما مختلفة بخلاف الخرف والجنون فإن أحكامهما واحدة وبينهما تقارب ويظهر أن الخرف رتبة متوسطة بين الإغماء والجنون وهي إلى الإغماء أقرب انتهى قال المنذري هذا الذي ذكره معلقا أخرجه ابن ماجه مسندا وهو أيضا منقطع القاسم بن يزيد لم يدرك علي بن أبي طالب رضي الله عنه (باب في الغلام يصيب الحد) هل يقام عليه أم لا (القرظي) بضم القاف وفتح الراء (من سبي بني قريظة) أي من أسرائهم (فكانوا) أي الصحابة رضي الله عنهم (ينظرون) أي في صبيان السبي (فمن أنبت الشعر) أي شعر العانة (قتل) فإن إنبات الشعر من علامات البلوغ فيكون من المقاتلة (ومن لم ينبت لم يقتل) لأنه من الذرية يشبه أن يكون المعنى عند من فرق بين أهل الإسلام وبين أهل الكفر حين جعل الإنبات في الكفار بلوغا ولم يعتبره في المسلمين هو أن أهل الكفر لا يوقف على بلوغهم من جهة السن ولا يمكن الرجوع إلى قولهم لأنهم متهمون في ذلك لدفع القتل عن أنفسهم ولأن أخبارهم غير
[ 53 ]
مقبولة فأما المسلمون وأولادهم فقد يمكن الوقوف على مقادير أسنانهم لأن أسنانهم محفوظة وأوقات مواليدهم مؤرخة معلومة وأخبارهم في ذلك مقبولة فلهذا اعتبر في المشركين الإنبات والله أعلم قاله الخطابي وقال التوربشتي وإنما اعتبر الإنبات في حقهم لمكان الضرورة إذ لو سئلوا عن الاحتلام أو مبلغ سنهم لم يكونوا يتحدثون بالصدق إذ رأوا فيه الهلاك انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (أخبرنا أبو عوانة) اسمه وضاح بتشديد الضاد المعجمة وفي آخره مهملة (عرضه) بصيغة المجهول من عرض الأمير الجند اختبر حالهم (فلم يجزه) من الإجازة وهي الإنفاذ (وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) قال السيوطي قال الشيخ ولي الدين العراقي في مجموع له ومن خطه نقلت قال البيهقي أن الأحكام إنما نيطت بخمسة عشر سنة من عام الخندق وكانت قبل ذلك تتعلق بالتمييز قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فقال) أي عمر بن عبد العزيز (إن هذا) أي بلوغ خمس عشرة سنة (لحد) بلام التأكيد وفي بعض النسخ الحد معرفا باللام (بين الصغير والكبير) فمن بلغ خمس عشرة سنة فهو كبير ومن كان دون ذلك فهو صغير قال في فتح الودود وعليه غالب الفقهاء فيمن لم يبلغ بالاحتلام ونحوه انتهى وقال الخطابي في معالم السنن اختلف أهل العلم في حد البلوغ الذي إذا بلغه الصبي أقيم عليه الحد قال الشافعي إذا احتلم الغلام أو بلغ خمس عشرة سنة كان حكمه حكم البالغين في إقامة الحدود عليه وكذلك الجارية إذا بلغت خمس عشرة سنة أو حاضت وأما الإنبات فإنه لا يكون حدا للبلوغ وإنما يفصل به بين أهل الشرك انتهى مختصرا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وفي حديث البخاري ومسلم والترمذي وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة وعند مسلم وما
[ 54 ]
الكان دون ذلك فاجعلوه في العيال وذكر الترمذي أن في حديث ابن عيينة هذا حد بين الذرية والمقاتلة (باب السارق يسرق في الغزو أيقطع) لأنه (عن عياش) بالتحتية المشددة وفي آخره معجمة (ابن عباس) بموحدة ومهملة (القتباني) بكسر القاف وسكون المثناة (عن شييم) بتحتانيتين مصغرا كذا في الخلاصة وقال الحافظ في التقريب بكسر أوله وفتح التحتانية وسكون مثلها بعدها (ابن بيتان) بفتح موحدة وسكون ياء ثم فوقية بلفظ التثنية (ويزيد بن صبح) بضم المهملة وسكون الموحدة مقبول من الثالثة (عن جنادة) بضم الجيم (مع بسر) بضم الموحدة وسكون السين (بن أرطاة) بفتح الهمزة (يقال له مصدر) بكسر الميم وسكون الصاد المهملة هكذا ضبط في النسختين الصحيحين والله أعلم (قد سرق بختية) قال في القاموس البخت بالضم ابل الخرسانية كالبختية والجمع بخاتى وبخاتي وبخات أخبرنا وقال في المجمع سرق بختية أي الأنثى من الجمال طوال الأعناق والذكر بختي والجمع بخت وبخاتي (لا تقطع الأيدي في السفر) وفي رواية الترمذي والدارمي في الغزو بدل السفر كما في المشكاة قال الطيبي السفر المذكور في الرواية الأخرى مطلق يحمل على المقيد انتهى وقال العزيزي في شرح الجامع الصغير قوله في السفر أي في سفر الغزو مخافة أن يلحق المقطوع بالعدو فإذا رجعوا قطع وبه قال الأوزاعي قال وهذا لا يختص بحد السرقة بل يجري حكمه في ما في معناه من حد الزنا وحد القذف وغير ذلك والجمهور على خلافه انتهى وقال القاري قال التوربشتي ولعل الأوزاعي رأى فيه احتمال افتتان المقطوع بأن يلحق بدار الحرب أو رأى أنه إذا قطعت يده والأمير متوجه إلى الغزو لم يتمكن من الدفع ولا يغني عنا فيترك إلى أن يقفل الجيش قال وقال القاضي ولعله عليه الصلاة والسلام أراد به المنع من القطع في ما يؤخذ من الغنائم انتهى قلت ويشهد لما ذهب إليه الجمهور حديث عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاهدوا الناس في الله القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم وأقيموا حدود الله في الحضر والسفر رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه كذا في المنتقى قال في
[ 55 ]
النيل وحديث عبادة بن الصامت أخرج أوله الطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد وأسانيد أحمد وغيره ثقات يشهد لصحته عمومات الكتاب والسنة وإطلاقاتهما لعدم الفرق فيها بين القريب والبعيد والمقيم والمسافر انتهى (ولولا ذلك) أي استماعي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور (لقطعته) أي لقطعت يد السارق قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي غريب وقال فيه عن بسر بن أرطاة قال ويقال بسر ابن أبي أرطاة أيضا هذا آخر كلامه وبسر هذا بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبعدها راء مهملة قرشي عامري كنيته أبو عبد الرحمن اختلف في صحبته فقيل له صحبة وقيل لا صحبة له وأن مولده قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنين وله أخبار مشهورة وكان يحيى بن معين لا يحسن الثناء عليه وهذا يدل على أنه عنده لا صحبة له والله عز وجل أعلم وغمزه الدارقطني انتهى كلام المنذري (باب في قطع النباش) هو الذي يسرق أكفان الموتى بعد الدفن (قلت لبيك يا رسول الله وسعديك) أي أجبت لك مرة بعد أخرى وطلبت السعادة لإجابتك لو في الأولى والأخرى (كيف أنت) أي كيف حالك (إذا أصاب الناس موت) أي وباء عظيم (يكون البيت) أي بيت الموت أو الميت وهو القبر (فيه) أي في وقت إصابتهم (بالوصيف) أي مقابل به قال في النهاية الوصيف العبد يريد أنه يكثر الموت حتى يصير موضع قبر يشترى بعبد من كثرة الموتى (يعني القبر) أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت القبر وهو جملة معترضة من أبي ذر أو غيره من الرواة (أو ما خار الله) أي اختار (عليك بالصبر) أي الزم الصبر (أو قال تصبر) شك من الراوي (حماد بن أبي سليمان) هو شيخ أبي حنيفة رحمه الله (يقطع) بصيغة
[ 56 ]
المجهول (النباش) أي يده (لأنه) أي النباش (دخل على الميت بيته) بالنصب قال الطيبي يجوز أن يكون مجرورا على البدل من الميت ومنصوبا على التفسير والتمييز كقوله تعالى ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه أو على تقدير أعني واستدل حماد بتسمية القبر البيت على أن القبر حرز للميت فتقطع يد النباش قال القاري وفيه أنه لا يلزم من جواز إطلاق البيت عليه حقيقة أو حكما كونه حرزا ألا ترى أنه لو أخذ أحد شيئا من بيت لم يكن له باب مغلق أو حارس لم يقطع بلا خلاف اللهم إلا أن يقال حرز كل شئ بحسب ما يعده العرف حرزا ولذا اختلف العلماء في قطعه قال ابن الهمام ولا قطع على نباش وهو الذي يسرق أكفان الموتى بعد الدفن هذا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف وباقي الأئمة الثلاثة عليه القطع وهو مذهب عمر وابن مسعود وعائشة ومن العلماء أبو ثور والحسن والشافعي والشعبي والنخعي وقتادة وحماد وعمر بن عبد العزيز وقول أبي حنيفة قول ابن عباس والثوري والأوزاعي والزهري انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وقد تقدم أتم من هذا في أوائل الجزء السابع والعشرين قال أبو داود قال حماد بن أبي سليمان قال يقطع النباش لأنه دخل على الميت بيته استدل أبو داود من الحديث أنه يسمى القبر بيتا والبيت حرز والسارق من الحرز مقطوع إذا بلغت سرقته مبلغ ما يقطع فيه اليد انتهى قلت قد تقدم شرح هذا الحديث بأبسط مما هنا (باب السارق يسرق مرارا) (فقالوا) أي الصحابة (اقطعوه) أي يده (ثم جئ به) أي بذلك السارق (فانطلقنا به
[ 57 ]
فقتلناه ثم اجتررناه الخ) قال الطيبي فيه دلالة على أن قتله هذا للإهانة والصغار لا يليق بحال المسلم وإن ارتكب الكبائر فإنه قد يعزر ويصلى عليه لا سيما بعد إقامة الحد وتطهيره فلعله ارتد ووقف صلى الله عليه وسلم على ارتداده كما فعل بالعرنيين من المثلة والعقوبة الشديدة ولعل الرجل بعد القطع تكلم بما يوجب قتله انتهى ذكره القاري قال الخطابي لا أعلم أحدا من الفقهاء يبيح
[ 58 ]
دم السارق وإن تكررت منه السرقة وقد يخرج على مذهب مالك وهو أن يكون هذا من المفسدين في الأرض فإن للإمام أن يجتهد في عقوبته وإن زاد على مقدار الحد وإن رأى أن يقتل قتل انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وهذا حديث منكر ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث هذا آخر كلامه ومصعب بن ثابت هذا هو أبو عبد الله مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي العدوي المدني وقد ضعفه غير واحد من الأئمة وقال محمد بن المنكدر لما حدث بحديث القتل في الرابعة وقد ترك ذلك قد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابن النعيمان فجلده ثلاثا ثم أتى به الرابعة فجلده ولم يزد وقال الشافعي والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره وهذا ما لا اختلاف فيه عند أحد من أهل العلم علمته يريد حديث قبيصة بن ذؤيب وفيه ووضع القتل فكانت رخصة وقال الشافعي أيضا في موضع آخر ثم حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم جلد الشارب العدد الذي قال يقتل بعده ثم جئ به فجلده ورفع القتل وصارت رخصة وقال بعضهم يحتمل أن يكون ما فعله إن صح الحديث فإنما فعله بوحي من الله سبحانه فيكون معنى الحديث خاصا فيه والله أعلم وقال وقد تخرج على مذاهب بعض الفقهاء أنه يباح دمه وهو أن يكون من المفسدين في الأرض فإن للإمام أن يجتهد في تعزيره وإن زاد على مقدار الحد وإن رأى أن يقتل قتل وقد يدل على ذلك من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتله لما جئ به أول مرة فيحتمل أن يكون هذا مشهورا بالفساد معلوما من أمره أنه سيعود إلى سوء فعله فلا ينتهي حتى تنتهي حياته هذا آخر كلامه والحديث لا يثبت والسنة مصرحة بالناسخ والإجماع من الأمة على أنه لا يقتل والله عز وجل أعلم انتهى كلام المنذري (باب في السارق تعلق يده في عنقه) (سألنا فضالة) بفتح الفاء (بن عبيد) بالتصغير (أمن السنة) بهمزة الاستفهام (أتي) بصيغة المجهول (ثم أمر بها) أي بيده (فعلقت) بصيغة المجهول من التعليق (في عنقه) ليكون عبرة ونكالا قال في النيل فيه دليل على مشروعية تعليق يد السارق في عنقه لأن في ذلك من الزجر ما لا مزيد عليه فإن السارق ينظر إليها مقطوعة معلقة فيتذكر السبب لذلك وماجر يكون إليه ذلك الأمر من الخسار بمفارقة ذلك العضو النفيس وكذلك الغير يحصل له بمشاهدة اليد على تلك الصورة
[ 59 ]
من الإنزجار ما تنقطع به وساوسه الرديئة وأخرج البيهقي أن عليا رضي الله عنه قطع سارقا فمروا به ويده معلقة في عنقه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن علي المقدمي عن الحجاج بن أرطاة وعبد الرحمن بن محيريز شامي وقال النسائي الحجاج بن أرطاة ضعيف لا يحتج بحديثه هذا آخر كلامه والحجاج ابن أرطاة هو النخعي الكوفي كنيته أبو طاهر وهو الذي قاله النسائي فيه قاله غير واحد من الأئمة قال بعضهم وكأنه من باب التخويف والإشارة ليروع به ولو ثبت لكان حسنا صحيحا ولكنه لم يثبت انتهى كلام المنذري (باب بيع المملوك إذا سرق) (فبعه ولو بنش) بفتح نون وتشديد شين معجمة أي عشرين درهما نصف أوقية والمعنى بعه ولو بثمن بخس قال القاري قال في شرح السنة قالوا العبد إذا سرق قطع آبقا كان أو غير آبق يروى عن ابن عمر أن عبدا له سرق وكان آبقا فأرسل به إلى سعيد بن العاص ليقطع يده فأبى سعيد وقال لا تقطع يد الآبق إذا سرق فقال عبد الله في أي كتاب وجدت هذا فأمر به عبد الله فقطعت يده وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أمر به وهو قول مالك والشافعي وعامة أهل العلم انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقال النسائي عمر بن أبي سلمة ليس بالقوي في الحديث هذا آخر كلامه وعمر بن أبي سلمة هو عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وقد ضعفه شعبة ويحيى ابن معين وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به (باب في الرجم) قال ابن بطال أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدا عالما مختارا فعليه الرجم ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في
[ 60 ]
القران وحكاه ابن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم وكذلك الأئمة بعده كذا في الفتح واللاتي يأتين الفاحشة أي الزنا من نسائكم هن المسلمات فاستشهدوا عليهن أربعة خطاب للأزواج أو للحكام منكم أي رجالكم المسلمين فإن شهدوا يعني الشهود بالزنا فأمسكوهن في البيوت أي أحبسوهن فيها وامنعوهن من مخالطة الناس لأن المرأة إنما تقع في الزنا عند الخروج والبروز إلى الرجال فإذا حبست في البيت لم تقدر على الزنا قال في فتح البيان عن ابن عباس قال كانت المرأة إذا فجرت حبست في البيت فإن ماتت ماتت وإن عاشت عاشت حتى نزلت الآية في سورة النور الزانية والزاني فاجلدوا فجعل الله لهن سبيلا فمن عمل شيئا جلد وأرسل وقد روي عنه من وجوه انتهى حتى يتوفاهن الموت أي ملائكته أو إلى أن يجعل الله لهن سبيلا طريقا إلى الخروج منها قال السيوطي أمروا بذلك أول الإسلام ثم جعل لهن سبيلا بجلد البكر مائة وتغريبها عاما ورجم المحصنة وفي الحديث لما بين الحد قال خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا رواه مسلم انتهى ويأتي هذا الحديث بتمامه في هذا الباب وقال الخازن اتفق العلماء على أن هذه الآية منسوخة ثم اختلفوا في ناسخها فذهب بعضهم إلى أن ناسخها هو حديث عبادة يعنى خذوا عني خذوا عني الحديث وهذا على مذهب من يرى نسخ القران بالسنة وذهب بعضهم إلى أن الآية منسوخة بآية الحد التي في سورة النور وقيل إن هذه الآية منسوخة بالحديث والحديث منسوخ بآية الجلد وقال أبو سليمان الخطابي لم يحصل النسخ في هذه الآية ولا في الحديث وذلك لأن قوله تعالى فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو أن يجعل الله لهن سبيلا يدل على إمساكهن في البيوت ممدودا إلى غاية أن يجعل الله لهن سبيلا وأن ذلك السبيل كان مجملا فلما قال صلى الله عليه وسلم خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الحديث صار هذا الحديث بيانا لتلك الآية المجملة لا ناسخا لها انتهى وبقية الآية مع تفسيرها هكذا واللذان يأتيانها أي الفاحشة الزنا أو اللواط منكم أي الرجال فآذوهما بالسب والضرب بالنعال فإن تابا منها وأصلحا العمل فأعرضوا عنهما ولا تؤذوهما (إن الله كان توابا) على من تاب (رحيما) به قال السيوطي وهذا منسوخ بالحد إن أريد بها الزنا وكذا إن أريد اللواط عند الشافعي لكن
[ 61 ]
المفعول به لا يرجم عنده وإن كان محصنا بل يجلد ويغرب وإرادة اللواط أظهر بدليل تثنية الضمير والأول أراد الزاني والزانية ويرده تبيينهما بمن المتصلة بضمير الرجال واشتراكهما في الأذى والتوبة والإعراض وهو مخصوص بالرجال لما تقدم في النساء من الحبس انتهى وقال العلامة الجمل قوله واشتراكهما في الأذى الخ نوزع فيه بأن الاشتراك في ذلك لا يخص الرجلين عند التأمل وبأن الاتصال بضمير الرجال لا يمنع دخول النساء في الخطاب كما قرر في محله انتهى (وذكر) أي الله تعالى (الرجل بعد المرأة ثم جمعهما) أي ذكر الله تعالى أولا المرأة حيث قال واللاتي يأتين الفاحشة ثم ذكر بعد ذلك الرجل لكن لا وحده بل جمع بين الرجل والمرأة حيث قال واللذان يأتيانها أي الرجل الزاني والمرأة الزانية فالحاصل أن المراد من اللذان يأتيانها عند ابن عباس رضي الله عنهما الزنا لا اللواط هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم (فنسخ ذلك بآية الجلد) أي التي في سورة النور قال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال (قال السبيل الحد) أي السبيل المذكور في قوله تعالى أو يجعل الله لهن سبيلا هو الحد والحديث سكت عنه المنذري (خذوا عني) أي حكم حد الزنا (خذوا عني) كرره للتأكيد (قد جعل الله لهن سبيلا) قال النووي إشارة إلى قول الله تعالى فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا هو ذلك السبيل واختلف العلماء في هذه الآية فقيل هي محكمة وهذا الحديث مفسر لها وقيل منسوخة بالآية التي في أول سورة النور وقيل إن اية النور في البكرين وهذه الآية في الثيبين (الثيب بالثيب جلد مائة ورمي بالحجارة) اختلفوا في جلد الثيب مع الرجم فقالت طائفة يجب الجمع بينهما فيجلد ثم يرجم وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري وإسحاق بن راهويه وداود وأهل الظاهر وبعض أصحاب الشافعي
[ 62 ]
وقال جماهير العلماء الواجب الرجم وحده وحجة الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة منها قصة ماعز وقصة المرأة الغامدية قاله النووي (والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة) فيه حجة للشافعي والجماهير أنه يجب نفي سنة رجلا كان أو امرأة وقال الحسن لا يجب النفي وقال مالك والأوزاعي لا نفي على النساء وروي مثله عن علي قالوا لأنها عورة وفي نفيها تضييع لها وتعريض لها للفتنة ولهذا نهيت عن المسافرة إلا مع محرم وحجة الشافعي ظاهرة وقوله صلى الله عليه وسلم الثيب بالثيب الخ ليس على سبيل الاشتراط بل حد البكر الجلد والتغريب سواء زنى ببكر أم بثيب وحد الثيب الرجم سواء زنى بثيب أم ببكر فهو شبيه بالتقييد الذي يخرج على الغالب قاله النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (أخبرنا الربيع بن روح بن خليد) الحمصي وثقه أبو حاتم (يسكتا) من السكوت أي يموتا (فإلى ذلك) الزمان أي مدة الذهاب وإحضار الشهداء (قد قضى الحاجة) وفرغ من الزنا
[ 63 ]
(كفى بالسيف شاهدا) فهذا السيف موضع الشهداء (ثم قال) صلى الله عليه وسلم (لا لا) بتكرار لا النهي أي لا تقتلوه بالسيف لأني (أخاف أن يتتايع) بالياء التحتية قبل العين أي يتتابع وزنا ومعنى (فيها) في تلك الواقعة أي مثلها (السكران) بفتح السين أي صاحب الغيظ والغضب يقال سكر فلان على فلان غضب واغتاظ ولهم علي سكر أي غضب شديد (والغيران) بفتح الغين المعجمة أي صاحب الغيرة قال الجوهري الغيرة بالفتح مصدر قولك غار الرجل على أهله يغار غيرا ورجل غيور وغيران انتهى والمعنى أن صاحب الغضب والغيظ وصاحب الغيرة يقتلون الرجل الذي دخل بيته بمجرد الظن من غير تحقق الزنا منهما (روى وكيع أول هذا الحديث) وهو قوله خذوا عني إلى قوله نفي سنة دون الزيادة التي زادها محمد بن خالد الوهبي (وإنما هذا) الإسناد الذي ذكره وكيع (إسناد حديث ابن المحبق أن رجلا) وهذا الحديث مع الكلام عليه سيأتي في باب الرجل يزني بجارية امرأته والحاصل أن هذا الإسناد أي إسناد الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق في قصة الجارية أن رجلا وقع على جارية امرأته الحديث دون حديث خذوا عني خذوا عني وإنما غلط فيه فضل بن دلهم فأدخل سند متن في متن اخر وإنما هما متنان بإسنادين متغايرين والله أعلم وهذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي
[ 64 ]
وقال المزي في الأطراف هذا الحديث في رواية أبي سعيد بن الأعرابي وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى (فكان فيما أنزل عليه اية الرجم) بالرفع على أنها اسم كان وفيما أنزل خبره قال النووي أراد باية الرجم الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه وقد وقع نسخ حكم دون اللفظ وقد وقع نسخهما جميعا فما نسخ لفظه ليس له حكم القران في تحريمه على الجنب ونحو ذلك وفي ترك الصحابة كتابة هذه الآية دلالة ظاهرة أن المنسوخ لا يكتب في المصحف وفي إعلان عمر رضي الله عنه بالرجم وهو على المنبر وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالإنكار دليل على ثبوت الرجم انتهى (ووعيناها) أي حفظناها (ورجمنا من بعده) أي تبعا له صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة على وقوع الإجماع بعده (أن يقول قائل ما نجد اية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله) أي في الآية المذكورة التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها قال النووي هذا الذي خشيه قد وقع من الخوارج وهذا من كرامات عمر رضي الله عنه ويحتمل أنه علم ذلك من جهة النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان محصنا) أي بالغا عاقلا قد تزوج حرة تزويجا صحيحا وجامعها قاله الحافظ وقال في النهاية أصل الإحصان المنع والمرأة تكون محصنة بالإسلام وبالعفاف والحرية وبالتزويج يقال أحصنت المرأة فهي محصنة ومحصنة وكذلك الرجل والمحصن بالفتح يكون بمعنى الفاعل والمفعول وهو أحد الثلاثة التي جئن نوادر يقال أحصن فهو محصن وأسهب فهو مسهب وألفج فهو ملفج انتهى وقال في شرح السنة هو الذي اجتمع فيه أربعة شرائط العقل والبلوغ والحرية والإصابة في النكاح الصحيح (إذا قامت البينة) أي شهادة أربعة شهود ذكور بالإجماع (أو كان حمل)
[ 65 ]
استدل بذلك من قال إن المرأة تحد إذا وجدت حاملا ولا زوج لها ولا سيد ولم تذكر شبهة وهو مروي عن عمر ومالك وأصحابه قالوا إذا حملت ولم يعلم لها زوج ولا عرفنا إكراهها لزمها الحد إلا أن تكون غريبة وتدعي أنه من زوج أو سيد وذهب الجمهور إلى أن مجرد الحبل لا يثبت به الحد بل لا بد من الاعتراف أو البينة واستدلوا بالأحاديث الواردة في درء الحدود بالشبهات قال الشوكاني في النيل هذا من قول عمر ومثل ذلك لا يثبت به مثل هذا الأمر العظيم الذي يفضي إلى هلاك النفوس وكونه قاله في مجمع من الصحابة ولم ينكر عليه لا يستلزم أن يكون إجماعا كما بينا ذلك في غير موضع من هذا الشرح لأن الإنكار في مسائل الاجتهاد غير لازم للمخالف (أو اعتراف) أي الإقرار بالزنا والاستمرار عليه وأجمعوا على وجوب الرجم على من اعترف بالزنا وهو محصن يصح إقراره بالحد واختلفوا في اشتراط تكرار إقراره أربع مرات قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا (باب رجم ماعز بن مالك) (عن هشام بن سعد) هو القرشي ضعفه ابن معين والنسائي وابن عدي (عن أبيه) أي نعيم (في حجر أبي) بفتح الحاء ويكسر أي في تربية أبي هزال (فأصاب جارية) أي جامع مملوكة (من الحي) أي القبيلة (فقال له أبي) أي هزال (ائت) أمر من الإتيان أي احضر وإنما يريد بذلك أي بما ذكر من الإتيان والإخبار (رجاء أن يكون له مخرجا) أي عن الذنب قال الطيبي اسم كان يرجع إلى المذكور وخبره مخرجا وله ظرف لغو كما في قوله
[ 66 ]
تعالى ولم يكن له كفوا أحد والمعنى يكون إتيانك وإخبارك رسول الله مخرجا لك (فأقم علي كتاب الله) أي حكمه (فأعرض) أي رسول الله (عنه) أي عن ماعز (فعاد) أي فرجع بعدما غاب قاله القاري (قالها) أي هذه الكلمات (فبمن) أي فبمن زنيت قال الطيبي الفاء في قوله فبمن جزاء شرط محذوف أي إذا كان كما قلت فبمن زنيت (هل باشرتها) أي وصل بشرتك بشرتها وقد يكنى بالمباشرة عن المجامعة قال تعالى فالآن باشروهن (فأمر به أن يرجم) بدل اشتمال من الضمير المجرور في به (فأخرج) بصيغة المجهول (به) قال الطيبي وعدي أخرج بالهمزة والياء تأكيدا كما في قوله تعالى تنبت بالدهن قاله الحريري في درة الغواص (إلى الحرة) قال في المجمع هي أرض ذات حجارة سود وفي رواية أبي سعيد الآتية في الباب من طريق أبي نضرة خرجنا به إلى البقيع فوالله ما أوثقناه ولا حفرنا له ولكنه قام لنا قال أبو كامل قال فرميناه بالعظام والمدر والخزف فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة قال أبن الهمام في الحديث الصحيح فرجمناه يعني ماعزا بالمصلى وفي مسلم وأبي داود فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد والمصلى كان به لأن المراد مصلى الجنائز فيتفق الحديثان وأما ما في الترمذي من قوله فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة فإن لم يتأول على أنه اتبع حين هرب حتى أخرج إلى الحرة وإلا فهو غلط لأن الصحاح والحسان متظافرة على أنه إنما صار إليها هاربا لا أنه ذهب به إليها ابتداء ليرجم بها (مس الحجارة) أي ألم أصابتها (فجزع) أي فلم يصبر (فخرج) أي من مكانه الذي يرجم فيه (يشتد) أي يسعى ويعدو حال (فلقيه عبد الله بن أنيس) بالتصغير (أصحابه) أي أصحاب عبد الله أو أصحاب ماعز الذين يرجمونه والجملة حال (بوظيف بعير) الوظيف على ما في القاموس مستدق الذراع
[ 67 ]
والساق من الخيل والإبل وغيرهما وفي المغرب وظيف البعير ما فوق الرسغ من الساق (ثم أتى) أي جاء ابن أنيس (فذكر له ذلك) أي جزعه وهربه (هلا تركتموه) جمع الخطاب ليشمله وغيره (لعله أن يتوب) أي يرجع عن إقراره (فيتوب الله عليه) أي فيقبل الله توبته ويكفر عنه سيئته من غير رجمه قال القاري قال الطيبي الفاآت سعيد المذكورة بعد لما في قوله فلما رجم إلى قوله فقتله كل واحدة تصلح للعطف إما على الشرط أو على الجزاء إلا قوله فوجد فإنه لا يصلح لأن يكون عطفا على الجزاء وقوله فهلا تركتموه يصلح للجزاء وفيه إشكال لأن جواب لما لا يدخله الفاء على اللغة الفصيحة وقد يجوز أن يقدر الجزاء ويقال تقديره لما رجم فكان كيت فكيت علمنا حكم الرجم وما يترتب عليه وعلى هذا الفات كلها لا تحتمل إلا العطف على الشرط انتهى قلت في بعض النسخ الموجودة جزع بغير الفاء فعلى هذا الظاهر أنه هو جواب لما وبقية الفات للعطف على الجزاء وفي قوله هلا تركتموه الخ دليل على أن المقر إذا فر يترك فإن صرح بالرجوع فذاك وإلا اتبع ورجم وهو قول الشافعي وأحمد وعند المالكية في المشهور لا يترك إذا هرب وقيل يشترط أن يؤخذ على الفور فإن لم يؤخذ ترك وعن ابن عيينة إن أخذ في الحال كمل عليه الحد وإن أخذ بعد أيام ترك وعن أشهب إن ذكر عذرا يقبل ترك وإلا فلا ونقله القعنبي عن مالك وفي الحديث فوائد مما يتعلق بالرجم بسطها الحافظ في الفتح قال المنذري وقد تقدم الكلام على الاختلاف في صحبة يزيد وصحبة نعيم بن هزال (قصة ماعز بن مالك) أي المذكورة في الحديث المتقدم وفيه قوله هلا تركتموه (فقال) أي عاصم بن عمر (حدثني حسن بن محمد بن علي) هو أبو محمد المدني وأبوه ابن الحنفية الفقيه موثق (قال) أي حسن بن محمد (ذلك) مفعول حدثني وفاعله من شئتم (من قول رسول الله) من بيانية (فهلا تركتموه) بدل من قول رسول الله (من رجال أسلم) بفتح الهمزة قبيلة (ممن لا أتهم) أي رجال أسلم الذين حدثوني القول المذكور غير متهمين عندي (قال) أي حسن بن محمد (ولم أعرف هذا الحديث) أي مع القول المذكور وهو هلا تركتموه أو
[ 68 ]
المراد من هذا الحديث القول المذكور فقط (كنت في من رجم الرجل) أي ماعز بن مالك (صرخ) أي صاح (ردوني) أي ارجعوني (وغروني) أي خدعوني بكر (وأخبروني أن رسول الله غير قاتلي) هذا بيان وتفسير لقوله قتلوني وغروني (فلم ننزع عنه) أي لم ننته عنه قال في القاموس نزع عن الأمور انتهى عنها (ليستثبت الخ) وفي بعض النسخ ليستتيب قد وهذا من قول جابر رضي الله عنه يعني أن النبي إنما قال كذلك لأجل الاستيتاب وفي أو لأجل الاستثبات والاستفصال فإن وجد شبهة يسقط بها الحد أسقطه لأجلها وإن لم يجد شبهة كذلك أقام عليه الحد وليس المراد أن النبي أمرهم أن يدعوه وأن هرب المحدود من الحد من جملة المسقطات ولهذا قال فهلا تركتموه وجئتموني به (فأما) بفتح الهمزة وتشديد الميم حرف الشرط (لترك حد فلا) أي إنما قال فهلا تركتموه الخ للاستثبات وأما قوله لترك الحد فلا (قال) أي حسن بن محمد وقد تقدم الاختلاف في أن المقر إن فر في أثناء إقامة الحد هل يترك أم يتبع فيقام عليه الحد قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم اختلاف الأئمة في الاحتجاج به وأخرج البخاري ومسلم والترمذي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر طرفا منه بنحوه (فسأل قومه أمجنون هو) وفي حديث جابر من طريق الزهري عن أبي سلمة عنه فقال له النبي أبك جنون ويجمع بينهما بأنه سأله ثم سأل عنه قومه احتياطا فإن فائدة سؤاله أنه لو ادعي الجنون لكان في ذلك دفع لإقامة الحد عليه حتى يظهر خلاف دعواه فلما أجاب بأنه لا جنون به سأل عنه قومه لاحتمال أن يكون كذلك ولا يعتد
[ 69 ]
بقوله كذا جمع الحافظ بين الروايتين (فانطلق) بصيغة المجهول (به) الباء للتعدية (فلم يصل) أي النبي (عليه) أي على ماعز وسيجئ في هذا الباب تحقيق أنه صلى عليه أم لا قال المنذري وأخرجه النسائي مرسلا (أعضل) بالضاد المعجمة أي مشتد الخلق قاله النووي وقال الحافظ وفي لفظ ذو عضلات بفتح المهملة ثم المعجمة قال أبو عبيدة العضلة ما اجتمع من اللحم في أعلى باطن الساق وقال الأصمعي كل عصبة مع لحم فهي عضلة وقال ابن القطاع العضلة لحم الساق والذراع وكل لحمة مستديرة في البدن والأعضل الشديد الخلق ومنه أعضل الأمر إذا اشتد لكن دلت الرواية الأخرى على أن المراد به هنا كثير العضلات انتهى (فشهد على نفسه أربع مرات) احتج به من قال إن الإقرار بالزنا لا يثبت حتى يقر أربع مرات (قبلتها) من التقبيل (إنه قد زنى الآخر) بهمزة مقصورة وخاء مكسورة معناه الأرذل والأبعد والأدنى وقيل اللئيم وقيل الشقي وكله متقارب ومراده نفسه فحقرها وعابها لاسيما وقد فعل هذه الفاحشة قاله النووي وقال السيوطي الآخر بوزن الكبد أي الأبعد المتأخر عن الخير (فرجمه) أي أمر برجمه (ألا) بالتخفيف حرف التنبيه (كلما نفرنا في سبيل الله) وفي رواية لمسلم كلما نفرنا غازين في سبيل الله (خلف أحدهم) أي بقي خلف الغزاة خليفة لهم في أهاليهم ويخون في نسائهم (له) أي للرجل الخليفة (نبيب) بنون ثم موحدة ثم ياء تحتية ثم موحدة على وزن الأمير هو صوت التيس عند السفاد (كنبيب التيس) في القاموس التيس الذكر من الظباء والمعز (يمنح) أي يعطي (إحداهن الكثبة) بضم الكاف وإسكان المثلثة القليل من اللبن وغيره قاله النووي وفي النهاية الكثبة كل قليل جمعته من طعام أو لبن أو غير ذلك والجمع كثب والمعنى أي يعمد أحدكم إلى المغيبة فيخدعها بالقليل من اللبن وغيره فيجامع معها (إن يمكنني من أحد منهم) كلمة إن نافية (إلا نكلته) أي عذبته بالرجم أو الجلد وعند مسلم أما والله إن يمكنني من أحد لأنكلنه عنه وفي رواية له إن الله لا يمكنني من أحد منهم إلا جعلته نكالا وفي رواية له على أن لا أوتي برجل فعل ذلك إلا نكلت به قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وحكى أبو داود عن شعبة أنه قال سألت سماكا عن الكثبة فقال اللبن
[ 70 ]
القليل (والأول أتم) المراد من الأول الحديث المتقدم (قال فرده مرتين) أي رد رسول الله ماعز بن مالك مرتين (فقال إنه رده أربع مرات) قال الحافظ وأخرجه مسلم من طريق شعبة عن سماك قال فرده مرتين وفي أخرى مرتين أو ثلاثا قال شعبة قال سماك فذكرته لسعيد بن جبير فقال إنه رده أربع مرات ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم أيضا فاعترف بالزنا ثلاث مرات والجمع بينها أما رواية مرتين فتحمل على أنه اعترف مرتين في يوم ومرتين في يوم خر لما يشعر به قول بريدة فلما كان من الغد فاقتصر الراوي على إحداهما أو مراده اعترف مرتين في يومين فيكون من ضرب اثنين في اثنين وقد وقع عند أبي داود من طريق إسرائيل عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس جاء ماعز بن مالك إلى النبي فاعترف بالزنا مرتين فطرده ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين وأما رواية الثلاث فكان المراد الاقتصار على المرات التي رده فيها وأما الرابعة فإنه لم يرده بل استثبت فيه وسأل عن عقله لكن وقع في حديث أبي هريرة عند أبي داود من طريق عبد الرحمن بن الصامت ما يدل على أن الاستثبات فيه إنما وقع بعد الرابعة ولفظه جاء الأسلمي فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه رسول الله فأقبل في الخامسة فقال تدري ما الزاني إلى خره والمراد بالخامسة الصفة التي وقعت منه عند السؤال والاستثبات لأن صفة الإعراض وقعت أربع مرات وصفة الإقبال عليه للسؤال وقع بعدها انتهى (أحق) بهمزة الاستفهام أي أثابت (ما بلغني عنك) ما موصولة أي الخبر الذي وصل إلي في شأنك هل هو حق ثابت (قال) ماعز (فشهد أربع شهادات) أي أقر أربع مرات (فأمر به) أي برجمه فإن قلت كيف التوفيق بين هذا الحديث الذي يدل على أنه كان عارفا بزنا ماعز فاستنطقه ليقر به ليقيم عليه الحد وبين الأحاديث الأخرى التي تدل على أنه لم يكن عارفا به فجاء ماعز فأقر فأعرض عنه مرارا قلت في هذا الحديث اختصار
[ 71 ]
وذلك لأنه لا يبعد أن رسول الله بلغه حديث ماعز فأحضره بين يديه فاستنطقه لينكر ما نسب إليه لدرء الحد فلما أقر أعرض عنه مرارا وكل ذلك ليرجع عما أقر فلما لم يجد فيه ذلك فقال أبه جنون الخ هذا تلخيص ما قاله الطيبي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (فطرده) قال الجوهري الطرد الإبعاد (اذهبوا به فارجموه) فيه دليل على أنه لا يجب أن يكون الإمام أول من يرجم والحديث سكت عنه المنذري (حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا جرير حدثني يعلى عن عكرمة أن النبي) هذه الرواية مرسلة ورواية وهب بن جرير موصولة قال الحافظ لم يذكر موسى في روايته ابن عباس بل أرسله وأشار إلى ذلك أبو داود وكأن البخاري لم يعتبر هذه العلة لأن وهب بن جرير وصله وهو أخبر بحديث أبيه من غيره ولأنه ليس دون موسى في الحفظ ولأن أصل الحديث معروف عن ابن عباس فقد أخرجه أحمد وأبو داود ومن رواية خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس انتهى (لعلك قبلت) من التقبيل حذف المفعول للعلم به أي المرأة المذكورة ولم يعين محل التقبيل (أو غمزت) أي لمست كما في رواية من غمزت الشئ بيدي أي لمست بها أو أشرت إليه بها قاله القاري قلت والرواية التي أشار إليها هي عند الإسماعيلي بلفظ لعلك قبلت أو لمست ذكرها الحافظ وقال في القاموس غمزه بيده شبه نخسه وبالعين والجفن والحاجب أشار (أو نظرت) أي فأطلقت على أي واحدة فعلت من الثلاث زنا المراد لعلك وقع منك هذه المقدمات فتجوزت بإطلاق لفظ الزنا عليها ففيه إشارة إلى الحديث الآخر المخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة العين تزني وزناها النظر وفي بعض طرقه
[ 72 ]
عندهما أو عند أحدهما ذكر اللسان واليد والرجل والأذن قاله الحافظ (أفنكتها) بكسر النون وسكون الكاف على وزن بعت أي أفجامعتها كل يقال ناكها ينيكها جامعها قال المنذري وأخرجه أيضا مرسلا وأخرجه البخاري والنسائي مسندا (جاء الأسلمي) يعني ماعز بن مالك (حتى غاب ذلك منك) أي الذكر (في ذلك منها) أي في فرجها وعند النسائي على ما قال الحافظ هل أدخلته وأخرجته قال نعم (كما يغيب المرود) بكسر الميم الميل (في المكحلة) قال في القاموس المكحلة ما فيه الكحل وهو أحد ما جاء من الأدوات بالضم (والرشاء) بكسر الراء قال في القاموس الرشاء ككساء الحبل وفي هذا من المبالغة في الاستثبات والاستفصال ما ليس بعده في تطلب بيان حقيقة الحال فلم يكتف بإقرار المقر بالزنا بل استفهمه بلفظ لا أصرح منه في المطلوب وهو لفظ النيك الذي كان يتحاشى عن التكلم به في جميع حالاته ولم يسمع منه إلا في هذا الموطن ثم لم يكتف بذلك بل صوره تصويرا حسيا ولا شك أن تصوير الشئ بأمر محسوس أبلغ في الاستفصال من تسميته بأصرح أسمائه وأدلها عليه (أنظر إلى هذا) أي ماعز (فلم تدعه) من ودع أي فلم تتركه (رجم الكلب) مفعول له للنوع (فسكت) رسول الله (عنهما) ولم يقل لهما شيئا (شائل برجله) الباء للتعدية أي رافع رجله من شدة الانتفاخ كذا في فتح الودود وقال في القاموس شالت الناقة بذنبها شولا وشولانا % وأشالته فلا رفعته فشال الذنب نفسه لازم ومتعد (نحن ذان) تثنية ذا أي نحن هذان موجودان وحاضران منه (فقال انزلا) لعلهما كانا على المركب أو كانت جيفة الحمار
[ 73 ]
في مكان أسفل والله تعالى أعلم (فما نلتما من عرض أخيكما) قال في القاموس نال من عرضه سبه (أشد من أكل منه) أي من الحمار (إنه) أي ماعزا (ينغمس فيها) أي في أنهار الجنة وفي بعض النسخ ينقمس بالقاف قال الخطابي معناه ينغمس ويغوص فيها والقاموس معظم الماء وقال في النهاية قمسه في الماء فانقمس : أي غمسه وغطه غير ويروى بالصاد وهو بمعناه كذا في مرقاة الصعود قال المنذري وأخرجه النسائي وقال فيه أنكحتها قلت عبد الرحمن يقال فيه ابن الصامت كما تقدم ويقال فيه ابن هصاص أحمد وابن الهصهاص وصحح بعضهم ابن الهصهاص وذكر البخاري في تاريخه وحكى الخلاف فيه وذكر له هذا الحديث وقال حديثه في أهل الحجاز ليس يعرف إلا بهذا الواحد (حدثنا الحسن بن علي أخبرنا أبو عاصم الخ) هذا الحديث ليس في نسخة اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وأورد المزي في الأطراف ثم قال حديث الحسن بن علي عن أبي عاصم في رواية أبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم (زاد) أي الحسن بن علي (واختلفوا علي) بتشديد الياء (فقال بعضهم ربط) بصيغة المجهول والضمير لماعز والظاهر أن هذه الزيادة بعد قوله فأمر به فيكون لفظ الحديث هكذا فأمر به فربط إلى شجرة فرجم والله تعالى أعلم (وقال بعضهم وقف) أي مكان ربط (أن رجلا) هو ماعز بن مالك (قال أحصنت) بحذف حرف الاستفهام أي أتزوجت ودخلت بها وأصبتها (فرجم في المصلى) أي عنده والمراد به المكان الذي كان يصلي عنده
[ 74 ]
العيد والجنائز وهو من ناحية بقيع الغرقد وقد وقع في حديث أبي سعيد عند مسلم فأمرنا أن نرجمه فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد قاله الحافظ (فلما أذلقته الحجارة) بالذال المعجمة والقاف أي أوجعته (فر) بالفاء وتشديد الراء أي هرب (فقال له النبي خيرا) أي ذكره بخير وتقدم في الرواية المتقدمة إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها (ولم يصل عليه) وفي رواية البخاري وصلى عليه وقد أخرج عبد الرزاق أيضا وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز قال فقيل يا رسول الله أتصلي عليه قال لا قال فلما كان من الغد قال صلوا على صاحبكم فصلى عليه رسول الله والناس فهذا الخبر يجمع الاختلاف فتحمل رواية النفي على أنه لم يصل عليه حين رجم ورواية اثبات على أنه صلى عليه في اليوم الثاني وكذا طريق الجمع لما أخرجه أبو داود عن بريدة أن النبي لم يأمر بالصلاة على ماعز ولم ينه عن الصلاة عليه وبتأيد بما أخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة الجهنية التي زنت ورجمت أن النبي صلى عليها فقال له عمر أتصلي عليها وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين لوسعتهم قاله الحافظ في الفتح وقال بعد ذلك وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة فقال مالك يأمر الإمام بالرجم ولا يتولاه بنفسه ولا يرفع عنه حتى يموت ويخلي بينه وبين أهله يغسلونه ويصلون عليه ولا يصلى عليه الإمام ردعا لأهل المعاصي إذا علموا أنه ممن لا يصلى عليه ولئلا يجترئ الناس على مثل فعله وعن بعض المالكية يجوز للإمام أن يصلي عليه وبه قال الجمهور والمعروف عن مالك أنه يكره للإمام وأهل الفضل الصلاة على المرجوم وهو قول أحمد وعن الشافعي لا يكره وهو قول الجمهور وعن الزهري لا يصلى على المرجوم ولا على قاتل نفسه وعن قتادة لا يصلى على المولود من الزنا وأطلق عياض فقال لم يختلف العلماء في الصلاة على أهل الفسق والمعاصي والمقتولين في الحدود وإن كره بعضهم ذلك لأهل الفضل إلا ما ذهب إليه أبو حنيفة في المحاربين وما ذهب إليه الحسن في الميتة من نفاس الزنا وما ذهب إليه الزهري وقتادة قال وحديث الباب في صفة الغامدية حجة للجمهور انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وفي حديث البخاري فصلى عليه وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الجنائز في الجزء العشرين (إلى البقيع) أي بقيع الغرقد وكذلك في رواية مسلم (ما أوثقناه) قال النووي هكذا
[ 75 ]
الحكم عند الفقهاء (ولا حفرنا له) وفي رواية أخرى لمسلم فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم قال النووي وأما الحفر للمرجوم وللمرجومة بعد ففيه مذاهب للعلماء قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم لا يحفر لواحد منهما وقال قتادة وأبو ثور وأبو يوسف وأبو حنيفة في رواية يحفر لهما وقال بعض المالكية يحفر لمن يرجم بالبينة لا لمن يرجم بالإقرار وأما أصحابنا فقالوا لا يحفر للرجل سواء ثبت زناه بالبينة أم بالإقرار وأما المرأة ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا أحدها يستحب الحفر لها إلى صدرها ليكون أستر والثاني لا يستحب ولا يكره بل هو إلى خيرة الإمام والثالث وهو الأصح إن ثبت زناها بالبينة استحب وإن ثبت بالإقرار فلا ليمكنها الهرب إن رجعت فالقائل بالحفر لهما احتج بأنه حفر للغامدية ولماعز في رواية وأجابوا عن رواية ولا حفرنا له أن المراد حفيرة عظيمة وأما القائل بعدم الحفر فاحتج برواية ولا حفرنا له وهذا المذهب ضعيف لأنه منابذ لحديث الغامدية ولرواية الحفر لماعز وأما من قال بالتخيير فظاهر وأما من فرق بين الرجل والمرأة فيحمل رواية الحفر لماعز على أنه لبيان الجواز انتهى (والمدر) بفتح الميم والدال هو الطين المجتمع الصلب (والخزف) بفتح الخاء والزاي آخره فاء وهي
[ 76 ]
أكسار الأواني المصنوعة من المدر وفيه دليل على أن الحجارة لا تتعين للرجم وعليه اتفاق العلماء (فاشتد) أي عدا عدوا شديدا (عرض الحرة) بضم العين المهملة وسكون الراء أي جانبها والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهي أرض ذات حجارة سود (فانتصب) أي قام (بجلاميد الحرة) أي الحجارة الكبار واحدها جلمد بفتج الجيم والميم وجلمود بضم الجيم (حتى سكت) هو بالتاء في آخره قال النووي وهذا هو المشهور في الروايات قال القاضي ورواه بعضهم سكن بالنون والأول أصوب ومعناهما مات انتهى (فما استغفر له ولا سبه) أما عدم السب فلأن الحد كفارة له مطهرة له من معصية وأما عدم الاستغفار فلئلا يغتر غيره فيقع في الزنا اتكالا على استغفاره قاله النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي بمعناه (جاء رجل) وهو ماعز (نحوه) أي نحو الحديث السابق (وليس بتمامه) أي ليس هذا الحديث تاما مثل الحديث السابق (ذهبوا يسبونه) أي جعلوا يسبونه قال المنذري هذا مرسل (استنكه ماعزا) من النكهة وهي ريح الفم أي شم ريح فمه لعله يكون شرب خمرا قال الخطابي كأنه ارتاب بأمره هل هو سكران انتهى وقد روى مسلم هذا الحديث مطولا وفيه فقال أشرب خمرا فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر قال النووي مذهبنا المشهور الصحيح صحة إقرار السكران ونفوذ أقواله فيما له وعليه والسؤال عن شربه الخمر محمول عندنا على أنه لو كان سكران لم يقم عليه
[ 77 ]
الحد قال واحتج به أصحاب مالك وجمهور الحجازيين على أنه يحد من وجد منه ريح الخمر وإن لم تقم عليه بينة بشربها ولا أقر به ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما لا يحد بمجرد ريحها بل لا بد من بينة على شربه أو إقراره وليس في هذا الحديث دلالة لأصحاب مالك انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم بطوله وفيه فقام رجل فاستنكهه (أن الغامدية) هي امرأة من غامد رجمت بإقرارها بالزنا وسيجئ حديثها (لو رجعا) أي إلى رحالهما ويحتمل أنه أراد الرجوع عن الإقرار ولكن الظاهر الأول لقوله أو قال لو لم يرجعا فإن المراد به لم يرجعا إليه فيكون معنى الحديث لو رجعا إلى رحالهما ولم يرجعا إليه بعد كمال الإقرار لم يرجمهما قاله الشوكاني رحمه الله قال المنذري وأخرجه النسائي بنحوه وفي إسناده بشير بن مهاجر الكوفي وسيجئ الكلام عليه (أن اللجلاج) بفتح اللام وسكون الجيم وآخره جيم أيضا بوزن تكرار (أباه) بدل من اللجلاج (أخبره) أي خالدا أنه أي اللجلاج (يعتمل) قال في القاموس اعتمل عمل بنفسه (تحمل صبيا) صفة لامرأة (فثار الناس) أي وثبوا (معها) أي مع تلك المرأة (وهو) أي رسول الله والواو حالية (من أبو هذا) أي هذا الصبي (معك) بكسر الكاف والحاصل أنه قال لتلك المرأة من الذي تولد هذا الصبي من زناه بك فصار هو أبا لهذا الصبي (فسكتت) تلك المرأة ولم تجب شيئا (فقال شاب حذوها) بالفتح وبالنصب أي قال شاب كائن حذاء تلك المرأة قال في القاموس داري حذوة داره وحذتها يقول وحذوها بالفتح مرفوعا ومنصوبا
[ 78 ]
إزائها الذي (أنا أبوه) أي أنا الذي زنيت بأمه (إلى بعض من حوله) أي حول ذلك الشاب (فحفرنا له) فيه دليل لمن قال بالحفر للمرجوم وتقدم الاختلاف في هذا (حتى هدأ) أي سكن (فانطلقنا به) أي بذلك الرجل (فإذا هو أبوه) أي فكان ذلك الرجل أبا للمرجوم (فأعناه) من الإعانة قال المنذري وأخرجه النسائي واللجلاج هذا له صحبة أسلم وهو ابن خمسين سنة وهو بفتح اللام وسكون الجيم وآخره جيم أيضا وهو عامري كنيته أبو العلاء عاش مائة وعشرين سنة رضي الله عنه (حدثنا عثمان بن أبي شيبة الخ) هذا الحديث في بعض النسخ في هذا المحل وفي أكثر النسخ في باب إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة وسيأتي وهو الصحيح والله أعلم (فجلده الحد) قراره (وتركها) لإنكارها (أنبأنا عبد الله بن وهب) فقتيبة بن سعيد وابن السرح كلاهما يرويان عن عبد الله بن
[ 79 ]
وهب (فجلد) بصيغة المجهول أي فضرب (الحد) بالنصب على أنه مفعول مطلق (ثم أخبر) بصيغة المجهول أي رسول الله (أنه) أي الرجل محصن بفتح الصاد ويكسر (فأمر به فرجم) فيه دليل على أن الإمام إذا أمر بشي من الحدود ثم بان له أن الواجب غيره عليه المصير إلى الواجب الشرعي والحديث سكت عنه المنذري (قال أبو داود الخ) ليست هذه العبارة في عامة النسخ (روى هذا الحديث) أي الذي قبله (محمد بن بكر البرساني) بضم الموحدة وسكون الراء ثم مهملة أبو عثمان البصري صدوق يخطئ قاله الحافظ (موقوفا على جابر) أي روى قوله ولم يرفعه إلى النبي (ورواه) أي هذا الحديث (أبو عاصم عن ابن جريج بنحو ابن وهب) أي بنحو لفظ حديث عبد الله بن وهب المتقدم (فلم يعلم بإحصانه) تقدم معنى الإحصان فتذكروا الحديث سكت عنه المنذري (باب في المرأة التي الخ) (حدثاهم) أي مسلم بن إبراهيم وغيره (المعنى) أي معنى حديثهما واحد وألفاظ حديثهما مختلفة (قال في حديث أبان من جهينة) أي زاد بعد قوله امرأة لفظ من جهينة بأن قال إن امرأة من جهينة وأما حديث هشام فليس فيه هذا اللفظ وجهينة بالتصغير قبيلة (وهي
[ 80 ]
حبلى) أي وأقرت أنها حبلى من الزنا (أحسن إليها) إنما أمره بذلك لأن سائر قرابتها ربما حملتهم الغيرة وحمية الجاهلية على أن يفعلوا بها ما يؤذيها فأمره بالإحسان تحذيرا من ذلك (فإذا وضعت) أي حملها (فشكت عليها ثيابها) شكت بوزن شدت ومعناه قال في النيل والغرض من ذلك أن لا تنكشف عند وقوع الرجم عليها لما جرت به العادة من الاضطراب عند نزول الموت وعدم المبالاة بما يبدو من الإنسان ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المرأة ترجم قاعدة والرجل قائما لما في ظهور عورة المرأة من الشناعة وقد زعم النووي أنه اتفق العلماء على أن المرأة ترجم قاعدة وليس في الأحاديث ما يدل على ذلك ولا شك أنه أقرب إلى الستر انتهى (يا رسول الله تصلي عليها) بالتاء بصيغة الحاضر المعروف وكذلك في رواية مسلم وفي نسختين بالياء بصيغة المجهول وفي نسخة بالنون بصيغة المتكلم والنسخة الأولى صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليها وتقدم الاختلاف في هذا (لوسعتهم) بكسر السين أي لكفتهم يعني تابت توبة تستوجب مغفرة ورحمة تستوعبان لأن سبعين من أهل المدينة قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وحكى أبو داود عن الأوزاعي قال فشكت عليها ثيابها يعني فشدت (أن امرأة يعني من غامد) بغين معجمة ودال مهملة هي بطن من جهينة قاله النووي وفي الرواية المتقدمة امرأة من جهينة وهي هذه (إني قد فجرت) أي زنيت (فوالله إني لحبلى) أي حالي ليس كحال ماعز إني غير متمكنة من الإنكار بعد الإقرار لظهور الحبل بخلافه
[ 81 ]
(ارجعي حتى تلدي) قال النووي فيه أنه لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنا أو غيره وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل لم تجلد بالإجماع حتى تضع وفيه أن المرأة ترجم إذا زنت وهي محصنة كما يرجم الرجل وهذا الحديث محمول على أنها كانت محصنة لأن الأحاديث الصحيحة والإجماع متطابقان على أنه لا يرجم غير المحصن (حتى تفطميه) بفتح التاء وكسر الطاء وسكون الياء أي تفصلينه من الرضاع كذا ضبطه القاري وفي القاموس فطمه يفطمه قطعه والصبي فصله عن الرضاع فهو مفطوم وفطيم انتهى وضبط في بعض النسخ بضم التاء والظاهر أنه غلط (وقد فطمته) جملة حالية (وفي يده) أي في يد الصبي (شي يأكله) أي يأكل الصبي ذلك الشئ وفي رواية مسلم وفي يده كسرة خبز (فأمر) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فدفع) بصيغة المجهول (فأمر بها) أي برجمها (فحفر لها) بصيغة المجهول وفي رواية مسلم فحفر لها إلى صدرها واعلم أن هذه الرواية تخالف الرواية السابقة فإن هذه صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه وأكله الخبز والرواية السابقة ظاهرها أن رجمها كان عقيب الولادة فالواجب تأويل السابقة وحملها على هذه الرواية لأنها قضية واحدة والروايتان صحيحتان وهذه الرواية صريحة لا يمكن تأويلها والسابقة ليست بصريحة فيتعين تأويل السابقة هذا خلاصة ما قاله النووي وقيل يحتمل أن يكونا مرأتين ووقع في الرواية السابقة امرأة من جهينة وفي هذه الرواية امرأة من غامد قلت هذا الاحتمال ضعيف (على وجنته) الوجنة أعلى الخد وفي رواية مسلم فتنضح الدم على وجه خالد (فسبها) أي فشمتها (مهلا) أي أمهل مهلا وأرفق رفقا فإنها مغفورة فلا تسبها (لو تابها صاحب مكس) قال في النيل بفتح الميم وسكون الكاف بعدها مهملة هو من يتولى الضرائب التي تؤخذ من الناس بغير حق انتهى وقال النووي فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها وصرفها في غير وجهها (فصلي عليها) ضبط بصيغة المجهول
[ 82 ]
قال النووي قال القاضي عياض رحمه الله هي بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة صحيح مسلم قال وعند الطبري بضم الصاد وقال وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود قال وفي رواية لأبي داود ثم أمرهم أن يصلوا عليها انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وحديث مسلم أتم من هذا وحديث النسائي مختصر كالذي ها هنا وفي إسناده بشير بن المهاجر الغنوي الكوفي وليس له في صحيح مسلم سوى هذا الحديث وقد وثقه يحيى بن معين وقال الإمام أحمد منكر الحديث يجئ بالعجائب مرجئ متهم وقال في أحاديث ماعز كلها إن ترديده إنما كان في مجلس واحد إلا ذاك الشيخ بشير ابن المهاجر وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديث ماعز وأتى به اخرا ليبين اطلاعه على طرق الحديث والله عز وجل أعلم وذكر بعضهم أن حديث عمران بن حصين فيه أنه أمر برجمها حين وضعت ولم يستان علي بها وكذا روي عن علي عليه السلام أنه فعل بشراحة رجمها لما وضعت وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال أحمد وإسحاق تترك حتى تضع ما في بطنها ثم تترك حولين حتى تطعمه ويشبه أن يكونا ذهبا إلى هذا الحديث وحديث عمران أجود وهذا الحديث رواية بشير بن المهاجر وقد تقدم الكلام عليه وقال بعضهم يحتمل أن تكونا امرأتين وجد لولد إحداهما كفيل وقبلها والأخرى لم يوجد لولدها كفيل ولم يقبل فوجب إمهالها حتى يستغني عنها لئلا يهلك بهلاكها ويكون الحديث محمولا على حالتين ويرتفع الخلاف انتهى كلام المنذري (أبي عمران) بدل من زكريا (إلى الثندوة) قال في النهاية الثندوتان للرجل كالثديين للمرأة فمن ضم الثاء همز ومن فتحها لم يهمز انتهى قال في فتح الودود والمراد ها هنا إلى صدرها ويحتمل أن المراد إلى صدر الرجل فيكون حقيقة فتأمل انتهى (قال أبو داود أفهمني رجل عن عثمان) يشبه أن يكون المعنى أن حديث عثمان بن أبي شيبة لم أفهم معناه ولم أضبط ألفاظه كما ينبغي وقت الدرس والمجالسة مع عثمان حتى أفهمني رجل كان معي ومشاركا لي لفظ عثمان وحديثه (قال أبو داود قال الغساني جهينة وغامد وبارق واحد) هذه العبارة ليست في
[ 83 ]
بعض النسخ وقال في القاموس بارق لقب سعد بن عدي أبي قبيلة باليمن ومقصود المؤلف أن المرأة التي قصتها مذكورة في هذه الأحاديث قد نسبت إلى جهينة وقد نسبت إلى غامد فهما ليستا مرأتين بل هما واحدة لأن جهينة وغامد وكذا بارق ليست قبائل متبائنة لأن غامد لقب رجل هو أبو قبيلة من اليمن وهم بطن من جهينة وأما الغساني فهو أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي وقد ينسب إلى جده ضعيف (قال أبو داود حدثت) بصيغة المجهول (مثل الحمصة) قال في منتهى الأرب حمص كجلق حتى وقنب نخود تعالى يعني رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصاة صغيرة مثل الحمصة (واتقوا الوجه) أي عن رجمه (فلما طفئت) أي ماتت (فصلى عليها) ضبط في بعض النسخ بصيغة المعلوم والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم (وقال في التوبة نحو حديث بريدة) أي السابقة واستدل بهذا الحديث من ذهب إلى أنه وجب أن يكون الإمام أول من يرجم أو مأموره ويجاب بأن الحديث ليس فيه دلالة على الوجوب وأما الاستحباب فقد حكى ابن دقيق العيد أن الفقهاء استحبوا أن يبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإقرار وتبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة قاله في النيل قال المنذري وأخرجه النسائي وسمى في حديثه ابن أبي بكرة عبد الرحمن والراوي عن ابن أبي بكرة في روايتهما مجهول وقال أبو داود أيضا حدثت عن عبد الصمد رواية عن مجهول (إن رجلين اختصما) أي ترافعا للخصومة (اقض) أي احكم (بيننا بكتاب الله) قال الطيبي أي بحكمه إذ ليس في القرآن الرجم قال تعالى لولا كتاب من الله سبق لمسكم أي الحكم بأن لا يؤاخذ على جهالة ويحتمل أن يراد به القرآن وكان ذلك قبل أن تنسخ آية الرجم لفظا (وكان أفقههما) يحتمل أن يكون الراوي كان عارفا بهما قبل أن يتحاكما فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول مطلقا أو في هذه القضية الخاصة أو استدل بحسن أدبه في استئذانه أولا وترك رفع صوته إن كان الأول رفعه كذا في إرشاد الساري (أجل) بفتحتين
[ 84 ]
وسكون اللام أي نعم (فاقض بيننا بكتاب الله) وإنما سألا أن يحكم بينهما بحكم الله وهما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله ليفصل بينهما بالحكم الصرف لا بالتصالح والترغيب فيما هو الأرفق بهما إذ للحاكم أن يفعل ذلك ولكن برضا الخصمين (عسيفا) بفتح العين وكسر السين المهملتين وبالفاء أي أجيرا (على هذا) أي عنده أو على بمعنى اللام قاله القسطلاني (والعسيف الأجير) هذا التفسير مدرج من بعض الرواة (فأخبروني) أي بعض العلماء (فافتديت منه) أي من ولدي قاله القاري وقال القسطلاني أي من الرجم وكلاهما صحيح (بمائة شاة وبجارية لي) أي أعطيتهما فداء وبدلا عن رجم ولدي (ثم إني سألت أهل العلم) أي كبراءهم وفضلاءهم (أنما على ابني جلد مائة) بفتح الجيم أي ضرب مائة جلدة لكونه غير محصن (وتغريب عام) أي إخراجه عن البلد سنة (وإنما الرجم على امرأته) أي لأنها محصنة (أما) بتخفيف الميم بمعنى ألا للتنبيه (فرد إليك) أي مردود إليك وفيه دليل على أن المأخوذ بالعقود الفاسدة كما في هذا الصلح الفاسد لا يملك بل يجب رده على صاحبه (وجلد ابنه) قال في القاموس جلده ضربه بالسوط (وغربه عاما) أي أخرجه من البلد سنة قال في النيل فيه دليل على ثبوت التغريب ووجوبه على من كان غير محصن وقد ادعى محمد بن نصر في كتاب الإجماع الاتفاق على نفي الزاني البكر إلا عن الكوفيين وقال ابن المنذر أقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب الله تعالى ثم قال إن عليه جلد مائة وتغريب عام وهو المبين لكتاب الله تعالى وخطب عمر بذلك على رؤس المنابر وعمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكره أحد فكان إجماعا انتهى (وأمر أنيسا) بضم الهمزة وفتح النون واخره سين مهملة مصغرا هو ابن الضحاك الأسلمي على الأصح (فإن اعترفت) أي بالزنا (فرجمها) أي أنيس تلك المرأة قال القسطلاني وإنما بعثه لإعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفها بابنه فلها عليه حد القذف فتطالبه به أو تعفو إلا أن تعترف بالزنا فلا يجب عليه حد القذف بل عليها حد الزنا وهو الرجم لأنها كانت محصنة فذهب إليها أنيس فاعترفت به فأمر صلى الله عليه وسلم برجمها فرجمت قال
[ 85 ]
النووي كذا أوله العلماء من أصحابنا وغيرهم ولا بد منه لأن ظاهره أنه بعث لطلب إقامة حد الزنا وهو غير مراد لأن حد الزنا لا يتجسس له بل يستحب تلقين المقر به الرجوع فيتعين التأويل المذكور انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وفي حديث الترمذي والنسائي وابن ماجه ذكر شبل مع أبي هريرة وزيد بن خالد وقد قيل أن شبلا هذا لا صحبة له ويشبه أن يكون البخاري ومسلم تركاه لذلك وقيل لا ذكر له في الصحابة إلا في رواية ابن عيينة ولم يتابع عليها وقال يحيى بن معين ليست لشبل صحبة ويقال إنه شبل بن معبد ويقال ابن خليد ويقال ابن حامد وصوب بعضهم ابن معبد وأما أهل مصر فيقولون شبل بن حامد عن عبد الله بن مالك الأويسي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يحيى وهذا عندي أشبه لأن شبلا ليست له صحبة وقال أبو حاتم الرازي ليس لشبل معنى في حديث الزهري هذا اخر كلامه وأنيس بضم الهمزة وفتح النون وسكون الياء اخر الحروف وسين مهملة قيل هو أبو الضحاك الأسلمي يعد في الشاميين ويخرج حديثه عنهم وقد حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (باب في رجم اليهوديين) (إن اليهود) أي طائفة منهم وهم من أهل خيبر (جاؤوا) في السنة الرابعة في ذي القعدة قاله القسطلاني (أن رجلا) لم يسم وفتحت أن لسدها مسدا المفعول (منهم) أي اليهود (وأمرأة) أي منهم وفي الرواية الآتية من طريق ابن إسحاق عن الزهري زنى رجل وامرأة من اليهود وقال في الفتح إن اسم المرأة بسرة بضم الموحدة وسكون المهملة ولم يسم الرجل (زنيا) أي وكانا محصنين (ما تجدون في التوراة في شأن الزنا) استفهام أي أي شئ تجدونه مذكورا قال الباجي يحتمل أن يكون علم بالوحي أن حكم الرجم فيها ثابت على ما شرع لم يلحقه تبديل ويحتمل أن يكون علم ذلك بإخبار عبد الله بن سلام وغيره ممن أسلم منهم على وجه حصل له به العلم بصحة نقلهم (قالوا نفضحهم) بفتح أوله وثالثه من الفضيحة ووقع تفسير الفضيحة في رواية أبي هريرة الآتية يحمم ويجبه ويأتي هناك تفسير التجبيه
[ 86 ]
وقال الحافظ في رواية أيوب عن نافع في التوحيد أي من البخاري قالوا نسخم وجوههما ونخزيهما وفي رواية عبد الله بن عمر قالوا نسود وجوههما ونحممهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما (ويجلدون) بصيغة المجهول قال الطيبي أي لا نجد في التوراة حكم الرجم بل نجد أن نفضحهم ويجلدون وإنما أتى أحد الفعلين مجهولا والآخر معروفا ليشعر أن الفضيحة موكولة إليهم وإلى اجتهادهم إن شاؤوا سخموا وجه الزاني بالفحم أو عزروه والجلد لم يكن كذلك كذا في المرقاة (فقال عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام وكان من علماء يهود وكان قد أسلم (إن فيها) أي في التوراة (فأتوا بالتوراة) بصيغة الماضي أي قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فأتوا بالتوراة (فنشروها) أي فتحوها وبسطوها (فجعل) أي وضع (أحدهم) هو عبد الله بن صوريا (يقرأ ما قبلها) أي ما قبل ية الرجم (فقالوا) أي اليهود (صدق) أي عبد الله بن سلام (فأمر بهما) أي برجمهما (فرأيت الرجل يحني) بفتح التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر النون بعدها تحتية أي يعطف عليها والرؤية بصرية فيكون يحني في موضع الحال (يقيها الحجارة) قال القسطلاني يحتمل أن تكون الجملة بدلا من يحني أو حالا أخرى وال في الحجارة للعهد أي حجارة الرمي انتهى وقال الحافظ تفسير لقوله يحني ولابن ماجه من هذا الوجه يسترها وفي بعض النسخ يجنأ بجيم بدل الحاء المهملة وفتح النون بعدها همزة وكذلك في بعض نسخ البخاري قال ابن دقيق العيد أنه الراجح في الرواية أي أكب عليها والحديث دليل على أن الإسلام ليس شرطا في الإحصان وإلا لم يرجم اليهوديين وإليه ذهب الشافعي وأحمد وقال المالكية ومعظم الحنفية شرط الإحصان الإسلام وأجابوا عن هذا الحديث بأنه إنما رجمهما بحكم التوراة وليس هو من حكم الإسلام في شئ وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم فإن في التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن وأجيب بأنه كيف يحكم عليهم بما لم يكن في شرعه مع قوله تعالى وأن أحكم بينهم بما أنزل الله وفي قولهم وإن في التوراة الرجم على من لم يحصن نظر لما وقع بيان ما في التوراة من ية الرجم في رواية أبي هريرة ولفظه المحصن والمحصنة إذا زنيا فقامت عليهما
[ 87 ]
البينة رجما وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها رواه الطبراني وغيره كذا في إرشاد الساري والفتح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (حدثنا مسدد أخبرنا عبد الواحد بن زياد الخ) هذا الحديث ليس في نسخة اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري قال في الأطراف حديث مسدد في رواية أبي سعيد بن الأعرابي وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم (قد حمم وجهه) من التحميم أي سود وجهه بالحمم بضم الحاء وفتح الميم وهو الفحم (فناشدهم) أي سألهم وأقسم عليهم (ما حد الزاني في كتابهم) قال النووي قال العلماء هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم فإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم ولعله قد أوحي إليه أن الرجل في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه أو أخبره من أسلم منهم (على رجل منهم) وهو عبد الله بن صوريا (فنشده) أي فسأله (فكرهنا أن نترك الشريف) أي لم نقم عليه الحد (فوضعنا هذا عنا) أي أسقطنا الرجم عنا (اللهم) أصله يا ألله حذفت ياء حرف النداء وعوض منها الميم المشددة (إني أول من أحيى ما أماتوا من كتابك) أي أول من أظهر وأشاع ما تركوا من كتابك التوراة من حكم الرجم (مر) بصيغة المجهول (محمم) بالتشديد اسم مفعول من التحميم بمعنى التسويد أي مسود وجهه بالحمم (مجلود) من الجلد بالجيم (فدعاهم) أي اليهود (فقال هكذا تجدون حد الزاني قالوا نعم) هذا يخالف حديث ابن عمر المذكور من حيث أن فيه أنهم ابتدؤوا السؤال قبل إقامة الحد وفي هذا أنهم أقاموا الحد قبل السؤال قال الحافظ ويمكن الجمع بالتعدد بأن يكون اللذين سألوا عنهما غير الذي جلدوه ويحتمل أن يكون بادروا فجلدوه ثم بدا لهم فسألوا فاتفق المرور بالمجلود في حال سؤالهم عن ذلك فأمرهم بإحضارهما فوقع ما وقع والعلم عند
[ 88 ]
الله ويؤيد الجمع ما وقع عند الطبراني من حديث ابن عباس أن رهطا من اليهود أتوا النبي ومعهم امرأة فقالوا يا محمد ما أنزل عليك في الزنا فيتجه أنهم جلدوا الرجل ثم بدا لهم أن يسألوا عن الحكم فأحضروا المرأة وذكروا القصة والسؤال انتهى (فدعا رجلا) هو عبد الله بن صوريا (نشدتك بالله) يقال نشدتك الله وأنشدتك الله وبالله وناشدتك الله وبالله أي سألتك وأقسمت عليك ونشدته نشدة ونشدانا ومناشدة وتعديته إلى مفعولين لأنه كدعوت زيدا وبزيدا عمر ولأنه ضمن معنى ذكرت وأنشدت بالله خطأ انتهى كذا في المجمع (ولكنه) أي الزنا (في أشرافنا) جمع شريف (تركناه) أي لم نقم عليه الحد (فاجتمعنا على التحميم) أي تسويد الوجه بالحمم وهو الفحم يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر أي في موالاة الكفار فإنهم لن يعجزوا الله تعالى أو لا يحزنك الذين يقعون في الكفر بسرعة وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهيا للكفرة عن أن يحزنوه ولكنه في الحقيقة نهي له عن التأثر من ذلك والمبالاة به على أبلغ وجه وأوكده فإن النهي عن أسباب الشئ ومباديه نهي عنه بالطريق البرهاني وقطع له من أصله واقرؤا هذه الآية إلى قوله تعالى يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ولفظ مسلم في تفسير هذا القول يقول أيتوا النبي محمدا فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا انتهى أي يقول المرسلون وهم يهود خيبر وفدك لمن أرسلوهم وهم يهود المدينة إيتوا محمدا فإن أوتيتم هذا أي الحكم المحرف وهو التحميم والجلد وترك الرجم أي فإن أفتاكم محمد بذلك الحكم فخذوه أي فاقبلوه واعملوا به وإن لم تؤتوه أي الحكم المحرف المذكور بل أفتاكم بالرجم فاحذورا من قبوله والعمل به وهذا القول أعني قوله تعالى يا أيها الرسول (إلى قوله) تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون نزل (في اليهود) في قصة رجم اليهوديين اللذين زنيا المذكورة في هذا الحديث
[ 89 ]
وكذلك قوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس (إلى قوله) تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) نزل (في اليهود) أي يهود المدينة وهم قريظة والنضير فإن النضير قد قاتلت قريظة في الجاهلية وقهرتهم فكان إذا قتل النضيري القرظي لا يقتل به بل يفادى بمائة وسق من التمر وإذا قتل القرظي النضيري قتل فإن فادوه فدوه بمائتي وسق من التمر ضعفي دية القرظي فغيروا بذلك حكم الله تعالى في التوراة والحاصل أن هذه الآية والتي تقدمت نزلت في اليهود وأما الآية التالية أعني وقفينا على ثارهم بعيسى بن مريم (إلى قوله) تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون قال فنزلت (هي في الكفار كلها) تأكيدا للكفار و (يعني) بقوله هي (هذه الآية) التالية ولفظ مسلم فأنزل الله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون في الكفار كلها انتهى ولا اختلاف بين هذه الرواية وبين رواية الكتاب بحسب الحقيقة فإن هذه الآيات كلها نزلت في اليهود ولكن حكمها غير مختص بهم بل هو عام فيهم وفي غيرهم فرواية مسلم ناظرة إلى الحكم ورواية الكتاب في الآيتين الأوليين ناظرة إلى سبب النزول وأما الآية الأخيرة فهي أيضا ناظرة إلى الحكم كذا أفاده بعض الأماجد والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه بنحوه انتهى (إلى القف) بضم القاف وتشديد الفاء اسم واد بالمدينة (فأتاهم في بيت المدراس) قال في النهاية هو البيت الذي يدرسون فيه ومفعال غريب في المكان انتهى (ووضع التوراة عليها) أي على الوسادة والظاهر أنه وضع التوراة على الوسادة تكريما لها ويؤيده قوله منت بك وبمن أنزلك (منت بك) الخطاب للتوراة (بفتى شاب) هو عبد الله بن صوريا (ثم
[ 90 ]
ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع) قال المنذري وحديث مالك عن نافع بعض الحديث المذكور في أول هذا الباب (قال قال محمد بن مسلم) هو الزهري (رجلا من مزينة ممن يتبع العلم) أي يطلبه (ويعيه) أي يحفظه (ثم اتفقا) أي معمر ويونس وحاصل الاختلاف الذي قبل هذا الاتفاق أن معمرا قال في روايته عن الزهري قال أخبرنا رجل من مزينة ولم يزد على هذا وأما يونس فقال في روايته قال محمد بن مسلم سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه فزاد لفظ ممن يتبع العلم ويعيه (ونحن عند سعيد بن المسيب) جملة حالية يعني قال الزهري سمعت رجلا من مزينة والحال أننا كنا عند سعيد بن المسيب (وهذا حديث معمر) أي هذا الحديث الذي ذكر في الكتاب هو حديث معمر (وهو أتم) أي من حديث يونس (دون الرجم) أي سوى الرجم (قلنا فتيا نبي من أنبيائك) هذا بيان صورة الاحتجاج عند الله (حتى أتى بيت مدراسهم) أي بيتا يدرسون فيه (على الباب) أي على باب بيت المدراس (أنشدكم بالله) أي أسألكم وأقسمت عليكم بالله (إذا أحصن) ضبط بصيغة المعروف والمجهول (قالوا يحمم) بصيغة المجهول أي يسود وجه الزاني بالفحم (ويجبه) بضم التحتيه وفتح الجيم وتشديد الموحدة وبالهاء بصيغة المجهول من باب التفعيل (والتجبيه أن يحمل الزانيان على حمار ويقابل) كلا الفعلين على البناء للمفعول (أقفيتهما) جمع قفا ومعناه وراء العنق وتفسير التجبيه هذا على ما قال الحافظ في الفتح من كلام الزهري
[ 91 ]
وقال في النهاية أصل التجبيه أن يحمل اثنان على دابة ويجعل قفا أحدهما إلى قفا آخر والقياس أن يقابل بين وجوههما لأنه مأخوذ من الجبهة والتجبيه أيضا أن ينكس رأسه فيحتمل أن يكون المحمول على الدابة إذا فعل به ذلك نكس رأسه فسمي ذلك الفعل تجبيها وإن ويحتمل أن يكون من الجبه وهو الاستقبال بالمكروه وأصله من إصابة الجبهة يقال جبهته إذا أصبت جبهته انتهى (ألظ) بفتح الهمزة واللام وتشديد الظاء المعجمة المفتوحة (به النشدة) بكسر النون وسكون الشين قال السيوطي أي ألزمه القسم وألح عليه في ذلك (فقال) أي الشاب وهو عبد الله بن صوريا (إذ نشدتنا) أي أقسمتنا كما (فما أول ما ارتخصتم) أي جعلتموه رخيصا وسهلا (فأخر) أي الملك (عنه) أي عن ذي القرابة (في أسرة) بضم الهمزة وسكون السين قال في النهاية الأسرة عشيرة الرجل وأهل بيته لأنه يتقوى بهم انتهى وقال السندي رهطه الأقربون (فحال قومه) أي قوم الرجل الزاني (دونه) أي دون الملك أي حجزوه ومنعوه من الرجم (حتى تجئ بصاحبك) أي قريبك الذي زنى وأخرت عنه الرجم (فأصلحوا على هذه العقوبة) وفي بعض النسخ فاصطلحوا وهو الظاهر والمعنى فاصطلح الملك وجميع رعيته على هذه العقوبة أي التحميم والتجبيه والجلد واختاروها وتركوا الرجم (أن هذه الآية) اتي ذكرها (نزلت فيهم) أي في اليهود في قصة رجم اليهوديين الزانيين المذكورين والمراد بهذه الآية هي قوله تعالى إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون أي يحكمون بأحكامها ويحملون الناس عليها والمراد بالنبيين الذين بعثوا بعد موسى عليه السلام وذلك أن الله تعالى بعث في بني إسرائيل ألوفا من الأنبياء ليس معهم كتاب إنما بعثوا بإقامة التوراة وأحكامها وحمل الناس عليها (الذين أسلموا) انقادوا لله تعالى وهذه صفة أجريت على النبيين على سبيل المدح فإن النبوة أعظم من الإسلام قطعا وفيه رفع لشأن المسلمين وتعريض باليهود المعاصرين له بأن أنبياءهم كانوا يدينون بدين الإسلام الذي دان به محمد واليهود
[ 92 ]
بمعزل من الإسلام والاقتداء بدين الأنبياء عليهم السلام (كان النبي منهم) أي من النبيين الذين أسلموا وحكموا بالتوراة فإنه قد حكم بالتوراة قال فإني أحكم بما في التوراة كما في الحديث والله أعلم قال المنذري فيه رجل من مزينة وهو مجهول (حين قدم) ظرف لقوله زنى (رسول الله المدينة) ليس أنه وقع واقعة الزنا حين قدم المدينة على الفور لما في الروايات الصحيحة على ما قال الحافظ أنهم تحاكموا إليه وهو في المسجد بين أصحابه والمسجد لم يكن بناؤه إلا بعد مدة من دخوله (بحبل مطلي) اسم مفعول بوزن مرمي أي بحبل ملطخ (بقار) قال في القاموس القير بالكسر والقار شئ أسود يطلى به السفن والإبل أو هما الزفت انتهى (فاجتمع أحبار) جمع حبر بمعنى العالم أي علماء من علمائهم (فقالوا) أي الأحبار للذين بعثوهم (ولم يكونوا من أهل دينه) لأنهم كانوا يهود (فخير) بصيغة المجهول من التخيير (في ذلك) أي في الحكم (قال) أي أبو هريرة أو دونه قال الله تعالى (فإن جاءوك) أي جاءك اليهود وتحاكموا إليك (فاحكم بينهم) أي اقض بينهم (أو أعرض عنهم) أي عن الحكم والقضاء بينهم وفيه تخيير لرسول الله بين الحكم بينهم وبين اعراض عنهم وقد استدل به على أن حكام المسلمين مخيرون بين الأمرين وقد أجمع العلماء على أنه يجب على حكام المسلمين أن يحكموا بين المسلم والذمي إذا ترافعا إليهم واختلفوا في أهل الذمة إذا ترافعوا فيما بينهم فذهب قوم إلى التخيير وبه قال الحسن والشعبي والنخعي والزهري وبه قال أحمد وذهب آخرون إلى الوجوب وقالوا إن هذه الآية منسوخة بقوله وأن احكم بينهم بما
[ 93 ]
أنزل الله وبه قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي وهو الصحيح من قولي الشافعي وحكاه القرطبي عن أكثر العلماء وليس في هذه السورة منسوخ إلا هذا وقوله ولا أمين البيت انتهى قال المنذري وفيه أيضا مجهول (زنيا) صفة رجل وامرأة (قال) أي النبي (ائتوني بأعلم رجلين منكم) زاد الطبري في حديث ابن عباس ائتوني برجلين من علماء بني إسرائيل فأتوه برجلين أحدهما شاب وآخر شيخ قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ذكره الحافظ في الفتح (بابني صوريا) بصيغة التثنية في الابن وبضم الصاد وسكون الواو (هذين) أي الزانيين (إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما) زاد البزار من هذا الوجه فإن وجدوا الرجل مع المرأة في بيت أو في ثوبها أو على بطنها فهي ريبة وفيها عقوبة ذكره الحافظ (ذهب سلطاننا) أي غلبتنا وملكنا من الأرض (فكرهنا القتل) أي خوفا من أن نقل (فدعا رسول الله بالشهود فجاءوا بأربعة) فيه قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وزعم ابن العربي أن معنى قوله في حديث جابر فدعا بالشهود أي شهود اسلام على اعترافهما وقوله فرجمهما بشهادة الشهود أي البينة على اعترافهما ورد هذا التأويل بقوله في نفس الحديث أنهم رأوا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة وهو صريح في أن الشهادة بالمشاهدة لا بالاعتراف وقال القرطبي الجمهور على أن الكافر لا تقبل شهادته على مسلم ولا كافر لا في حد ولا في غيره ولا فرق بين السفر والحضر في ذلك وقبل شهادتهم جماعة من التابعين وبعض الفقهاء إذا لم يوجد مسلم واستثنى أحمد حالة السفر إذا لم يوجد مسلم وأجاب القرطبي عن الجمهور عن واقعة اليهود أنه نفذ عليهم ما علم أنه حكم التوراة وألزمهم العمل به إظهارا لتحريفهم كتابهم وتغييرهم حكمه أو كان ذلك خاصا بهذه الواقعة كذا قال والثاني مردود وقال النووي الظاهر أنه رجمهما بالاعتراف فإن ثبت حديث جابر فلعل الشهود كانوا
[ 94 ]
مسلمين وإلا فلا عبرة بشهادتهم ويتعين أنهما أقرا بالزنا قال الحافظ بعد ذكر هذا كله لم يثبت أنهم كانوا مسلمين ويحتمل أن يكون الشهود أخبروا بذلك السؤال بقية اليهود لهم فسمع النبي كلامهم ولم يحكم فيهم إلا مستندا لما أطلعه الله تعالى فحكم في ذلك بالوحي وألزمهم الحجة بينهم كما قال تعالى وشهد شاهد من أهلها أو أن شهودهم شهدوا عليهم عند أحبارهم بما ذكر فلما رفعوا الأمر إلى النبي استعلم القصة على وجهها فذكر كل من حضره من الرواة ما حفظه في ذلك ولم يكن مستند حكم النبي إلا ما أطلعه الله عليه انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجة مختصرا وفي إسناده مجالد بن سعيد وهو ضعيف (حدثنا وهب بن بقية الخ) قال المنذري هذا مرسل وعن الشعبي بنحوه وهذا أيضا مرسل انتهى كلام المنذري (حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي) بكسر ميم وشدة صاد مهملة أولى ويقال بفتح ميم وخفة صاد نسبة إلى مصيصة بلد في الشام كذا في المغني وهذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال المزي في الأطراف حديث رجم رسول الله رجلا من أسلم ورجلا من اليهود وامرأة عند مسلم في الحدود وأبي داود فيه وحديث أبي داود من رواية ابن الأعرابي وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم (باب في الرجل يزني بحريمه) هو أي التي لم يحل له نكاحها (بينما أنا أطوف على إبل لي) أي لطلب إبل لي (ضلت)
[ 95 ]
صفة إبل أي ضاعت وغابت (ركب) جماعة الركبان (أو فوارس) جمع فارس بمعنى راكب الفرس (فجعل الأعراب يطيفون بي) الظاهر أنه من باب الأفعال وقال في المجمع طاف به وأطاف بمعنى (لمنزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم) أي لقرب درجتي عنده صلى الله عليه وسلم (إذا أتوا) أي الركب (قبة) قال في المصباح القبة من البنيان معروفة وتطلق على البيت المدور (فاستخرجوا منها) أي أخرجوا منها (فسألت عنه) أي عن حال المقتول وسبب قتله (أعرس بامرأة أبيه) أي نكحها على قواعد الجاهلية وعد ذلك حلالا فصار مرتدا قاله في فتح الودود والحديث سكت عنه المنذري (لقيت عمي) وفي رواية ابن ماجة مربي خالي سماه هشيم في حديثه الحارث بن عمرو (ومعه راية) وفي رواية ابن ماجة وقد عقد له النبي صلى الله عليه وسلم لواء واللواء هو الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش وإنما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء
[ 96 ]
ليكون علامة على كونه مبعوثا من جهته صلى الله عليه وسلم (إلى رجل نكح امرأة أبيه) قال السندي أي نكحها على قواعد الجاهلية فإنهم كانوا يتزوجون بأزواج ابائهم يعدون ذلك من باب ارث ولذلك ذكر الله تعالى النهي عن ذلك بخصوصه بقوله ولا تنكحوا ما نكح اباؤكم مبالغة في الزجر عن ذلك فالرجل سلك مسلكهم في عد ذلك حلالا فصار مرتدا فقتل لذلك وهذا تأويل الحديث من يقول بظاهره انتهى (فأمرني أن أضرب عنقه واخذ ماله) قال في النيل فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعيا من قطعيات الشريعة كهذه المسألة فإن الله تعالى يقول ولا تنكحوا ما نكح اباؤكم من النساء ولكنه لا بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر صلى الله عليه وسلم بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلا وذلك من موجبات الكفر والمرتد يقتل وفيه أيضا متمسك لقول مالك أنه يجوز التعزير بالقتل وفيه دليل أيضا على أنه يجوز أخذ مال من ارتكب معصية مستحلا لها بعد إراقة دمه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حسن غريب هذا آخر كلامه وقد اختلف في هذا اختلافا كثيرا فروي عن البراء كما تقدم وروى عنه عن عمه كما ذكرنا أيضا وروى عنه قال مربي خالي أبو بردة بن نيار ومعه لواء وهذا لفظ الترمذي فيه وروى عنه عن خاله وسماه هشيم في حديثه الحارث بن عمرو وهذا لفظ ابن ماجة فيه وروى عنه قال مر بنا ناس ينطلقون وروى عنه إني لأطوف على إبل ضلت في تلك الأحياء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءهم رهط معهم لواء وهذا لفظ النسائي انتهى كلام المنذري (باب في الرجل يزني بجارية امرأته) (عن خالد بن عرفطة) بضم عين وسكون راء وضم فاء وفتح طاء (يقال له عبد الرحمن بن حنين) بالتصغير (فرفع إلى النعمان بن بشير) الأنصاري الخزرجي له ولأبويه صحبة ثم سكن الشام ثم ولي امرة الكوفة ثم قتل بحمص رضي الله عنهم (لأقضين فيك)
[ 97 ]
الخطاب لذلك الرجل الذي وقع على جارية امرأته (إن كانت) أي امرأته (أحلتها) أي جعلت جاريتها حلالا لك وأذنت لك فيها (جلدتك مائة) قال ابن العربي يعني أدبته تعزيرا وأبلغ به الحد تنكيلا لا أنه رأى حده بالجلد حدا له قال السندي بعد ذكر كلام ابن العربي هذا لأن المحصن حده الرجم لا الجلد ولعل سبب ذلك أن المرأة إذا أحلت جاريتها لزوجها فهو إعارة الفروج فلا يصح لكن العارية تصير شبهة ضعيفة فيعزر صاحبها قال الخطابي هذا الحديث غير متصل وليس العمل عليه انتهى (فجلده مائة) أي مائة جلدة (قال قتادة كتبت إلى حبيب بن سالم) أي بعدما حدثني هذا الحديث خالد بن عرفطة عنه (فكتب) أي حبيب بن سالم (إلي) بشدة الياء (بهذا) أي بهذا الحديث فصار الحديث عنده من حبيب بن سالم حينئذ بغير واسطة وقد اختلف أهل العلم في الرجل يقع على جارية امرأته فقال الترمذي روي عن غير واحد من الصحابة منهم أمير المؤمنين علي وابن عمر أن عليه الرجم وقال ابن مسعود ليس عليه حد ولكن يعزر وذهب أحمد وإسحاق إلى ما رواه النعمان بن بشير انتهى قال الشوكاني وهذا هو الراجح لأن الحديث وإن كان فيه المقال فأقل أحواله أن يكون شبهة يدرأ بها الحد قال المنذري وحنين بضم الحاء المهملة وفتح النون وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة ونون أيضا (في الرجل يأتي جارية امرأته الخ) قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حديث النعمان في إسناده اضطراب سمعت محمدا يعني البخاري يقول لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث إنما رواه عن خالد بن عرفطة
[ 98 ]
وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا الحديث أيضا إنما رواه عن خالد بن عرفطة هذا آخر كلامه وخالد بن عرفطة قال أبو حاتم الرازي هو مجهول وقال الترمذي أيضا سألت محمد بن إسماعيل عنه فقال أنا أتقي هذا الحديث وقال النسائي أحاديث النعمان كلها مضطربة وقال الخطابي هذا الحديث غير متصل وليس العمل عليه هذا آخر كلامه وعرفطة بضم العين وسكون الراء المهملتين وضم الفاء وبعدها طاء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث (عن سلمة بن المحبق) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعدها باء موحدة مشددة مفتوحة ومن أهل اللغة من يكسرها والمحبق لقب واسمه صخر بن عبيد قاله في النيل (استكرهها) أي أكرهها وألجأها (فهي) أي الجارية (وعليه) أي الرجل الواقع (مثلها) أي مثل الجارية (وإن كانت) الجارية (طاوعته) أي وافقته وتابعته (فهي) أي الجارية (له) أي للرجل قال الخطابي لا أعلم أحدا من الفقهاء يقول به وخليق أن يكون منسوخا وقال البيهقي في سننه حصول اجماع من فقهاء الأمصار بعد التابعين على ترك القول به دليل على أنه إن ثبت صار منسوخا بما ورد من الأخبار في الحدود ثم أخرج عن أشعث قال بلغني أن هذا كان قبل الحدود والله أعلم كذا في فتح الودود قال المنذري وأخرجه النسائي وقال لا تصح هذه الأحاديث وقال البيهقي وقبيصة ابن حريث غير معروف وقد روينا عن أبي داود أنه قال سمعت أحمد بن حنبل يقول الذي رواه عن سلمة بن المحبق شيخ لا يعرف لا يحدث عنه غير الحسن يعني قبيصة بن حريث وقال البخاري في التاريخ قبيصة بن حريث سمع سلمة بن المحبق في حديثه نظر وقال ابن المنذر لا يثبت حديث سلمة بن المحبق وقال الخطابي هذا حديث منكر وقبيصة بن حريث غير معروف والحجة لا تقوم بمثله وكان الحسن لا يبالي أن يروي هذا الحديث ممن سمع وقال بعضهم هذا كان قبل الحدود انتهى كلام المنذري (عن الحسن) هو البصري قاله المنذري (نحوه) أي نحو الحديث المتقدم
[ 99 ]
(إلا أنه قال وإن كانت) أي الجارية (طاوعته) أي وافقته وتابعته (فهي ومثلها من ماله لسيدتها) هذا يخالف لما في الرواية المتقدمة من أنها إن كانت طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجة وقد اختلف في هذا الحديث عن الحسن فقيل عنه عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق وقيل عنه عن سلمة من غير ذكر قبيصة وقيل عنه عن جون بن قتادة عن سلمة وجون بن قتادة قال الإمام أحمد لا يعرف والمحبق بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعدها باء بواحدة مشددة مفتوحة ومن أهل اللغة من يكسرها والمحبق لقب واسمه صخر بن عبيد وسلمة له صحبة سكن البصرة كنيته أبو سنان كني بابنه سنان وذكر أبو عبد الله بن منده أن لابنه سنان صحبة أيضا وجون بفتح الجيم وسكون الواو وبعدها نون (باب في من عمل عمل قوم لوط) المراد من عمل قوم لوط اللواطة (من وجدتموه) أي علمتوه (فاقتلوا الفاعل والمفعول به) في شرح السنة اختلفوا في حد اللوطي فذهب الشافعي في أظهر قوليه وأبو يوسف ومحمد إلى أن حد الفاعل حد الزنا أي إن كان محصنا يرجم وإن لم يكن محصنا يجلد مائة وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلد مائة وتغريب عام رجلا كان أو امرأة محصنا كان أو غير محصن وذهب قوم إلى أن اللوطي يرجم محصنا كان أو غير محصن وبه قال مالك وأحمد والقول الآخر للشافعي أنه يقتل الفاعل والمفعول به كما هو ظاهر الحديث وقد قيل في كيفية قتلهما هدم بناء عليهما وقيل رميهما من شاهق كما فعل بقوم لوط وعند أبي حنيفة يعزر ولا يحد انتهى (قال أبو داود رواه سليمان بن بلال) التيمي أحد الحفاظ (عن عمرو بن أبي عمرو مثله) أي مثل رواية عبد العزيز الدراوردي فقال في روايته عن عمرو بن
[ 100 ]
أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورواه عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس رفعه) أي لم يقل في حديثه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قال رفعه قال الزيلعي وأخرج الحاكم عن عبادة بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الذي يأتي البهيمة اقتلوا الفاعل والمفعول به وسكت عنه وأخرجه أحمد في مسنده أعني حديث عباد بن منصور انتهى (ورواه ابن جريج عن إبراهيم) هو ابن إسماعيل بن أبي حبيبة كما في سنن ابن ماجة وسنن الدارقطني أو هو ابن محمد بن أبي يحيى كما عند عبد الرزاق وكلاهما يرويان عن داود بن الحصين (عن عكرمة عن ابن عباس رفعه) فابن جريج أيضا قال في روايته عن ابن عباس رفعه ولم يقل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ابن أبي فديك فروى عن إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن ماجة والدارقطني ثم اعلم أن مفاد قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله رفعه واحد غير أن المحدثين لهم اعتناء في أداء ألفاظ الحديث فلذا نبه عليه المؤلف رحمه الله تعالى والله أعلم ورأيت بخط بعض القدماء على هامش السنن ما نصه رواه إسماعيل بن إسحاق في كتاب الفوائد أخبرنا إسحاق بن محمد قال أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس فذكر معناه وإبراهيم هذا هو ابن أبي حبيبة قال البخاري منكر الحديث انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وفي لفظ النسائي لعن الله من عمل عمل قوم لوط وقال الترمذي وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال من عمل عمل قوم لوط ولم يذكر القتل هذا آخر كلامه وقد أخرجه النسائي بلفظ اللعنة كما قدمناه من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو وقال عمرو ليس بالقوي هذا آخر كلامه وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي المدني كنيته أبو عثمان واسم أبي عمرو ميسرة قد احتج به البخاري ومسلم وروى عنه عن الإمام مالك وتكلم فيه غير واحد وقال يحيى بن معين عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ثقة ينكر عليه حديث
[ 101 ]
عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا الفاعل والمفعول به انتهى كلام المنذري (يوجد على اللوطية) أي اللواطة (قال أبو داود حديث عاصم يضعف) بصيغة المعروف من التضعيف (حديث عمرو بن أبي عمرو) مفعول يضعف قال المنذري يريد حديث عاصم بن أبي النجود الذي يأتي بعد انتهى قلت قد وقع هذه العبارة في أكثر النسخ في هذا المقام وفي آخر الباب الآتي أيضا وفي بعض النسخ وجد ههنا ولم يوجد في آخر الباب الآتي والظاهر أن موقعها في آخر الباب الآتي كما لا يخفى على المتأمل قال في فتح الودود حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو كأنه يشير إلى حديث عاصم في الباب الآتي لكن حديث عاصم إنما هو في إتيان البهيمة لا في عمل قوم لوط فلو أخره إلى هناك لكان أتم إلا أن يكون قصد القياس ثم رأيته في نسخة مذكورا في الباب الآتي ولعله أليق انتهى قلت لا شك في كونه أليق بل هو الصواب ومراد المؤلف تضعيف حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتى بهيمة الحديث بحديث عاصم بن أبي النجود عن أبي رزين عن ابن عباس قال ليس على الذي يأتي البهيمة حد قال الزيلعي وضعف أبو داود هذا الحديث بحديث أخرجه عن عاصم بن أبي النجود عن أبي رزين عن ابن عباس موقوفا وكذلك أخرجه الترمذي والنسائي قال الترمذي وهذا أصح من الأول ولفظه من أتى بهيمة فلا شئ عليه وقال البيهقي وقد رويناه من أوجه عن عكرمة ولا أرى عمرو بن أبي عمرو يقصر عن عاصم بن بهدلة في الحفظ كيف وقد تابعه جماعة وعكرمة عند أكثر الأئمة من الثقات الأثبات انتهى وأخرجه الحاكم في المستدرك عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ومن وجدتموه يأتي بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة معه وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شاهد في ذكر البهيمة انتهى والله تعالى أعلم
[ 102 ]
(باب في من أتى بهيمة) أي جامعها (من أتى بهيمة فاقتلوه) أي الآتي (واقتلوها) أي البهيمة (معه) أي مع الآتي قال في اللمعات ذهب الأئمة الأربع إلى أن من أتى بهيمة يعزر ولا يقتل والحديث محمول على الزجر والتشديد انتهى (قال) أي عكرمة (قلت له) أي لابن عباس (ما شأن البهيمة) أي أنها لا عقل لها ولا تكليف عليها فما بالها تقتل (قال) أي ابن عباس (ما أراه) بضم الهمزة بصيغة المجهول أي ما أظن النبي صلى الله عليه وسلم (وقد عمل بها) أي بتلك البهيمة (ذلك العمل) أي القبيح الشنيع والجملة حالية وقال السندي نقلا عن السيوطي قيل حكمة قتلها خوف أن تأتي بصورة قبيحة يشبه بعضها ادمي وبعضها البهيمة وأكثر الفقهاء كما حكاه الخطابي على عدم العمل بهذا الحديث فلا يقتل البهيمة ومن وقع عليها وإنما عليه التعزير ترجيحا لما رواه الترمذي عن ابن عباس قال من أتى بهيمة فلا حد عليه قال الترمذي هذا أصح من الحديث الأول والعمل على هذا عند أهل العلم انتهى وقال الحافظ في التلخيص حديث من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به رواه أحمد وأبو داود واللفظ له والترمذي وابن ماجة والحاكم والبيهقي من حديث عكرمة عن ابن عبا س واستنكره النسائي ورواه ابن ماجة والحاكم من حديث أبي هريرة وإسناده أضعف من الأول بكثير وقال ابن الطلاع في أحكامه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم في اللواط ولا أنه حكم فيه وثبت عنه أنه قال اقتلوا الفاعل والمفعول به رواه عنه ابن عباس وأبو هريرة وفي حديث أبي هريرة أحصنا أم لم يحصنا كذا قال وحديث أبي هريرة لا يصح وقد أخرجه البزار من طريق عاصم بن عمر العمري عن سهيل عن أبيه عنه وعاصم متروك وقد رواه ابن ماجة من طريقه بلفظ فارجموا الأعلى والأسفل وحديث ابن عباس مختلف في ثبوته وأما حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى بهيمة فاقتلوه الحديث ففي إسناد هذا الحديث كلام رواه أحمد وأصحاب السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو وغيره عن
[ 103 ]
عكرمة عن ابن عباس وعند البيهقي بلفظ ملعون من وقع على بهيمة وقال اقتلوه واقتلوها لئلا يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا قال أبو داود وفي رواية عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ليس على الذي يأتي البهيمة حد فهذا يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو وقال الترمذي حديث عاصم أصح ولما رواه الشافعي في كتاب اختلاف علي وعبد الله من جهة عمرو بن أبي عمرو قال إن صح قلت به ومال البيهقي إلى تصحيحه لما عضد طريق عمرو بن أبي عمرو عنده من رواية عباد ابن منصور عن عكرمة وكذا أخرجه عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن عكرمة ويقال إن أحاديث عباد بن منصور عن عكرمة إنما سمعها من إبراهيم بن أبي يحيى عن داود عن عكرمة فكان يدلسها بإسقاط رجلين وإبراهيم ضعيف عندهم وإن كان الشافعي يقوي أمره انتهى (قال أبو داود ليس هذا بالقوي) ليست هذه العبارة في أكثر النسخ قال المنذري وأخرجه النسائي وقال البخاري عمرو صدوق ولكنه روى عن عكرمة مناكير وقال أيضا ويروي عمرو عن عكرمة في قصة البهيمة فلا أدري سمع أم لا وأخرج هذا الحديث ابن ماجة في سننه من حديث إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وقع على ذات محرم فاقتلوه ومن وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة وإبراهيم بن إسماعيل هذا هو أبو حبيبة الأنصارية مولاهم المدني كنيته أبو إسماعيل قال الإمام أحمد ثقة وقال البخاري منكر الحديث وضعفه غير واحد من الحفاظ (حدثوهم) أي أحمد بن يونس وغيره (عن عاصم) هو ابن أبي النجود (عن أبي رزين) هو مسعود بن مالك الأسدي (ليس على الذي يأتي البهيمة حد) قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم (وكذا) أي مثل قول ابن عباس (قال عطاء) تابعي جليل مشهور (وقال الحكم) بن عتيبة الكوفي أحد الأئمة الفقهاء (وقال الحسن) هو البصري (هو بمنزله الزاني) أي فإن كان
[ 104 ]
محصنا يرجم وإن لم يكن محصنا يجلد وذكر الإمام الخطابي الاختلاف في هذا الفعل ثم قال وأكثر الفقهاء على أنه يعزر وكذلك قال عطاء والنخعي وبه قال مالك والثوري وأحمد وأصحاب الرأي وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله انتهى مختصرا واستدل الإمام أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن على أن اللواط زنا وفيه الحد بأن الله تعالى سماه في القرآن فاحشة فقال أتأتون الفاحشة وفي حديث مسلم عن أبي سعيد الخدري جاء رجل يقال له ماعز فقال يا رسول الله إني أصبت فاحشة فطهرني الحديث قال أهل اللغة الفاحشة الزنا ذكره في الصحاح وغيره وقال إبراهيم الحربي في كتاب غريب الحديث في قوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم أجمع المفسرون أنه الزنا انتهى وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى عن القاسم بن الوليد عن يزيد بن قيس أن عليا رجم لوطيا وأخرج البيهقي عن عطاء بن أبي رباح قال أتى ابن الزبير بسبعة في لواطة أربعة منهم قد أحصنوا وثلاثة لم يحصنوا فأمر بالأربعة فرضخوا بالحجارة وأمر بالثلاثة فضربوا الحد وابن عباس وابن عمر في المسجد ذكره الزيلعي (قال أبو داود حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو) المقصود أنه يظهر من حديث عاصم الذي هو موقوف على ابن عباس ضعف حديث عمرو بن أبي عمرو المرفوع لأنه لو كان صحيحا لم يقل ابن عباس خلافه البتة قال الخطابي يريد أن ابن عباس لو كان عنده في هذا الباب حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لما يخالفه انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وهذا هو حديث عاصم الذي أشار إليه أبو داود في الباب الذي قبله وعاصم هو ابن أبي النجود وأبو رزين هو مسعود بن مالك الأسدي مولاهم الكوفي انتهى كلام المنذري (باب إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة) (أن رجلا أتاه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فبعث) أي أحدا (عن ذلك) أي عما أقر ذلك الرجل من
[ 105 ]
الزنا بها (فجلده الحد) أي جلده حد الزنا وهو مائة جلدة فظهر من هذا أنه كان غير محصن (وتركها) أي المرأة لأنها أنكرت وتقدم هذا الحديث في أول باب الرجم على ما في بعض النسخ وأما في عامة النسخ فهذا الحديث في هذا المحل وهو الصواب والله أعلم قال المنذري في إسناده عبد الله بن سلام بن حفص أبو مصعب المدني قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم الرازي ليس بمعروف (أخبرنا موسى بن هارون البردي) بضم الموحدة صدوق ربما أخطأ قاله الحافظ (عن القاسم بن فياض الأبناوي) بفتح الهمزة بعدها موحدة ساكنة ثم نون الصنعاني مجهول قاله الحافظ وفي هامش الخلاصة منسوب إلى ابني بضم الهمزة وسكون الموحدة بوزن لبنى قال في القاموس موضع انتهى وقد وقع في بعض النسخ الأنباري والظاهر أنه غلط والله تعالى أعلم (أربع مرات) أي أقر أربع مرات (فجلده مائة) أي حد الزنا وكان ذلك الرجل المقر (ثم سأله البينة على المرأة) أي على أنها زنت به لأنه إذا أقر أنه زنى بها فقذفها بأنها زنت به واتهمها به (فقالت) المرأة بعد عجز الرجل عن البينة (كذب) أي الرجل (فجلده) أي ثمانين جلدة (حد الفرية) بكسر الفاء وسكون الراء أي الكذب والبهتان وقد استدل بحديث سهل بن سعد المذكور مالك والشافعي فقالا يحد من أقر بالزنا بامرأة معينة للزنا لا للقذف وقال الأوزاعي وأبو حنيفة يحد للقذف فقط قالا لأن إنكارها شبهة وأجيب بأنه لا يبطل به إقراره وذهب محمد وروي عن الشافعي وغيره إلى أنه يحد للزنا والقذف واستدلوا بحديث ابن عباس هذا قال الشوكاني هذا هو الظاهر لوجهين الأول أن غاية ما في حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد ذلك الرجل للقذف وذلك لا ينتهض للاستدلال به على السقوط لاحتمال أن يكون ذلك لعدم الطلب من المرأة أو لوجود مسقط بخلاف حديث ابن عباس فإن فيه أنه أقام الحد عليه
[ 106 ]
الوجه الثاني أن ظاهر أدلة القذف العموم فلا يخرج من ذلك إلا ما خرج بدليل وقد صدق على من كان كذلك أنه قاذف انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وقال هذا حديث منكر هذا آخر كلامه وفي إسناده القاسم بن فياض الأنباري الصنعاني تكلم فيه غير واحد وقال ابن حبان بطل الاحتجاج به (باب في الرجل يصيب من المرأة ما دون الجماع الخ) (قال عبد الله) هو ابن مسعود رضي الله عنه (جاء رجل) هو أبو اليسر بفتح المثناة التحتية والسين المهملة كعب بن عمرو الأنصاري وقيل نبهان التمار وقيل عمرو بن غزية (إني عالجت امرأة) أي داعبتها وزاولت عنه منها ما يكون بين الرجل والمرأة غير أني ما جامعتها قاله الطيبي وقال النووي معنى عالجها أي تناولها واستمتع بها والمراد بالمس الجماع ومعناه استمتعت بها بالقبلة والمعانقة وغيرهما من جميع أنواع الاستمتاع إلا الجماع (من أقصى المدينة) أي أسفلها وأبعدها عن المسجد لأظفر منها بجماعها (فأصبت منها ما دون أن أمسها) ما موصولة أي الذي تجاوز المس أي الجماع (فأنا هذا) أي حاضر بين يديك (فأقم علي ما شئت) أي أردته مما يجب علي كناية عن غاية التسليم والانقياد إلى حكم الله ورسوله (لو سترت على نفسك) أي لكان حسنا (فلم يرد عليه) أي على الرجل أو على عمر (شيئا) من الكلام وصلى الرجل مع النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس ذكره القسطلاني (فانطلق الرجل) أي ذهب (فأتبعه) أي أرسل عقبه (فتلا) أي قرأ (عليه) أي على الرجل السائل (وأقم الصلاة) المفروضة (طرفي النهار) ظرف لأقم إن (وزلفا من الليل) عطف على طرفي فينتصب على الظرف إذ المراد به ساعات الليل القريبة من النهار واختلف في طرفي النهار وزلف الليل فقيل الطرف الأول الصبح والثاني الظهر والعصر
[ 107 ]
والزلف المغرب والعشاء وقيل الطرف الأول الصبح والثاني العصر والزلف المغرب والعشاء وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول بل في غيرها وقيل الطرفان الصبح والمغرب وقيل غير ذلك وأحسنها الأول قاله القسطلاني (إلى آخر الآية) وتمام الآية مع تفسيرها هكذا (إن الحسنات يذهبن السيئات) أي تكفرها والمراد من السيئات الصغائر أن الصلاة إلى الصلاة مكفرات ما بينهما ما اجتنبت الكبائر (ذلك) أي ما ذكر في هذه الآية (ذكرى) أي تذكير وموعظة (للذاكرين) أي لنعمة الله أو للمتعظين (أله خاصة) بهمزة الاستفهام أي أهذا الحكم للسائل يخصه خصوصا أم للناس عامة (فقال للناس كافة) أي يعمهم جميعا وهو منهم قال النووي هكذا تستعمل كافة حالا أي كلهم ولا يضاف فيقال كافة الناس ولا الكافة بالألف واللام وهو معدود في تصحيف العوام ومن أشبههم انتهى والحديث دليل ظاهر لما ترجم له المؤلف رحمه الله قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وهذا الرجل هو أبو اليسر كعب بن عمرو وقيل غير ذلك (باب في الأمة تزني ولم تحصن) (سئل عن الأمة إذا زنت) أي تحد أم لا (ولم تحصن) بفتح الصاد حال من فاعل زنت وتقييد حدها بالإحصان ليس بقيد وإنما هو حكاية حال والمراد بالإحصان هنا ما هي عليه من عفة وحرية لا الإحصان بالتزويج لأن حدها الجلد سواء تزوجت أم لا قاله القسطلاني (قال إن زنت فاجلدوها) قيل أعاد الزنا في الجواب غير مقيد بالإحصان للتنبيه على أنه لا أثر له وأن موجب الحد في الأمة مطلق الزنا ومعنى اجلدوها الحد اللائق بها المبين في الآية وهو نصف ما على الحرة قاله الحافظ
[ 108 ]
وقال القسطلاني والخطاب في فاجلدوها لملاك الأمة فيدل على أن السيد يقيم على عبده وأمته الحد ويسمع البينة عليهما وبه قال مالك والشافعي وأحمد والجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم خلافا لأبي حنيفة في آخرين واستثنى مالك القطع في السرقة لأن في القطع مثلة فلا يؤمن السيد أن يريد أن يمثل بعبده فيخشى أن يتصل الأمر بمن يعتقد أنه يعتق بذلك فيمنع من مباشرته القطع سدا للذريعة (ولو بضفير) بالضاد المعجمة فعيل بمعنى مفعول وهو الحبل المضفور وعبر بالحبل للمبالغة في التنفير عنها وعن مثلها لما في ذلك من الفساد (قال ابن شهاب لا أدري في الثالثة أو الرابعة) أي لا أدري هل يجلدها ثم يبيعها ولو بضفير بعد الزنية الثالثة أو الرابعة قاله القسطلاني قال النووي ما محصله إنه قال الطحاوي لم يذكر في هذه الرواية قوله ولم تحصن غير مالك وأشار بذلك إلى تضعيفها وأنكر الحفاظ هذا على الطحاوي قالوا بل روى هذه اللفظة أيضا ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب كما قال مالك فهذه اللفظة صحيحة وليس فيها حكم مخالف لأن الأمة تجلد نصف جلد الحرة سواء كانت الأمة محصنة بالتزويج أم لا وفي هذا الحديث بيان لمن لم يحصن وفي قوله تعالى فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب بيان من أحصنت فحصل من الآية والحديث بيان أن الأمة المحصنة بالتزويج وغير المحصنة تجلد وهو معنى ما قال علي رضي الله عنه يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن والحكمة في التقييد في الآية بقوله فإذا أحصن التنبيه على أن الأمة وإن كانت مزوجة لا يجب عليها إلا نصف جلد الحرة لأنه الذي ينتصف وأما الرجم فلا ينتصف فليس مرادا في الآية بلا شك وهذا هو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وجماهير العلماء وقال جماعة من السلف لا حد على من لم تكن مزوجة من الإماء والعبيد وممن قاله ابن عباس وطاوس وعطاء وابن جريج وأبو عبيد انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (فليحدها) أي الحد الواجب المعروف من صريح الآية فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب (ولا يعيرها) من التعيير وهو التوبيخ واللوم والتثريب
[ 109 ]
قال البيضاوي كان تأديب الزناة قبل مشروعية الحد التثريب وحده فأمرهم بالحد ونهاهم عن الاقتصار على التثريب وقيل المراد به النهي عن التثريب بعد الجلد فإنه كفارة لما ارتكبته فلا يجمع عليها العقوبة بالحد والتعيير انتهى قال النووي فيه دليل على أن السيد يقيم الحد على عبده وأمته وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وقال أبو حنيفة في طائفة ليس له ذلك وهذا الحديث صريح في الدلالة للجمهور انتهى (ثلاث مرار) أي قال صلى الله عليه وسلم قوله إذا زنت الخ ثلاث مرات (وليبعها) قال النووي هذا البيع المأمور به مستحب عندنا وعند الجمهور وقال داود وأهل الظاهر هو واجب (بضفير أو بحبل من شعر) شك من الراوي وفي رواية البخاري ولو بحبل من شعر قال القسطلاني قيد بالشعر لأنه كان الأكثر في حبالهم قال الحافظ واستشكل الأمر ببيع الرقيق إذا زنى مع أن كل مؤمن مأمور أن يرى لأخيه ما يرى لنفسه ومن لازم البيع أن يوافق أخاه المؤمن على أن يقتني ما لا يرضى اقتناؤه لنفسه وأجيب بأن السبب الذي باعه لأجله ليس محقق الوقوع عند المشتري لجواز أن يرتدع الرقيق إذا علم أنه متى عاد أخرج فإن الإخراج من الوطن المألوف شاق ولجواز أن يقع الإعفاف عند المشتري بنفسه أو بغيره قال ابن العربي يرجى عند تبديل المحل تبديل الحال ومن المعلوم أن للمجاورة تأثيرا في الطاعة وفي المعصية انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وأخرجه البخاري تعليقا (فليضربها كتاب الله) وفي رواية للنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة فليجلدها بكتاب الله والمقصود من هذين اللفظين فليجلدها الحد المذكور في كتاب
[ 110 ]
الله وهو قوله تعالى فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب (ولا يثرب عليها) التثريب التعيير أي لا يجمع عليها العقوبة بالجلد وبالتعيير وقيل المراد لا يقتنع بالتوبيخ دون الجلد قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث محمد بن إسحاق عن سعيد وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث الليث بن سعد عن سعد (باب في إقامة الحد على المريض) (اشتكى رجل) أي مرض (حتى أضني) بصيغة المجهول قال الخطابي أي أصابه الضنا وهو شدة المرض وسوء الحال حتى ينحل بدنه ويهزل ويقال إن الضنا انتكاس العلة انتهى وفي القاموس ضنى كرضى ضنى مرض مرضا مخاطرا كلما ظن برؤه نكس وأضناه المرض (فعاد) أي صار (جلدة على عظم) أي لم يبق شئ من اللحم بل بقي عظم عليه جلدة (فهش) أي ارتاح وخف (لها) أي لتلك الجارية قال في القاموس الهشاشة والهشاش الارتياح والخفة والنشاط والفعل كدب ومل انتهى وفي النهاية يقال هش لهذا الأمر يهش هشاشة إذا فرح به واستسر وارتاح له وخف ومنه حديث عمر هششت يوما فقبلت وأنا صائم انتهى (فوقع عليها) أي جامعها (يعودونه) من العيادة والجملة حالية (أخبرهم بذلك) أي وقوعه على تلك الجارية والجماع بها (من الضر) أي المرض (مثل الذي هو) أي الضر (به) أي بذلك الرجل المريض الواقع على تلك الجارية (لتفسخت عظامه) أي تكسرت وتفرقت (أن يأخذوا له مائة شمراخ) بكسر أوله وفي رواية شرح السنة على ما في المشكاة خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ قاله
[ 111 ]
الطيبي العثكال الغصن الكبير الذي يكون عليه أغصان صغار ويسمى كل واحد من تلك الأغصان شمراخا انتهى وقال في النهاية العثكال العذق وكل غصن من أغصانه شمراخ وهو الذي عليه البسر (فيضربوه بها) عطف على يأخذوا وفي بعض النسخ فيضربونها والضمير المجرور لمائة شمراخ (ضربة واحدة) أي مرة واحدة والحديث دليل على أن المريض إذا لم يحتمل الجلد ضرب بعثكال فيه مائة شمراخ أو ما يشابهه ويشترط أن تباشره جميع الشماريخ وقيل يكفي الاعتماد وهذا العمل من الحيل الجائزة شرعا وقد جوز الله مثله في قوله وخذ بيدك ضغثا الآية قاله الشوكاني وقال ابن الهمام وإذا زنى المريض وحده الرجم بأن كان محصنا حد لأن المستحق قتله ورجمه في هذه الحالة أقرب إليه وإن كان حده الجلد لا يجلد حتى يبرأ لأن جلده في هذه الحالة قد يؤدي إلى هلاكه وهو غير المستحق عليه ولو كان المرض لا يرجى زواله كالسل أو كان خداجا ضعيف الخلقة فعندنا وعند الشافعي يضرب بعثكال فيه مائة شمراخ فيضرب به دفعة ولا بد من وصول كل شمراخ إلى بدنه ولذا قيل لا بد حينئذ أن تكون مبسوطة انتهى قال المنذري وقد روي عن أبي أمامة عن أبيه وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي أمامة عن سعيد بن سعيد عن عبادة وروي أيضا عن أبي حازم عن سهل بن سعد انتهى كلام المنذري (عن أبي جميلة) قال المنذري اسمه ميسرة الطهوي الكوفي (فجرت) أي زنت (جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية مسلم أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت (فإذا) هي للمفاجأة (دم) أي دم النفاس (يسيل) أي يجري وفي رواية مسلم فإذا هي حديثة عهد بنفاس (أفرغت) بهمزة الاستفهام أي أفرغت عن إقامة الحد عليها (دعها) أي اتركها (حتى ينقطع دمها) أي دم نفاسها (ثم أقم عليها الحد) فيه دليل على أن المريض يمهل حتى يبرأ وظاهر الحديث الأول أنه لا يمهل والجمع أن من يرجى برؤه يمهل ومن لا يرجى برؤه لا يؤخر والله تعالى أعلم (وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) فيه دليل على أن السيد يقيم الحد على مملوكه وتقدم الاختلاف فيه
[ 112 ]
قال المنذري وأخرجه النسائي با للفظ الأول واللفظ الثاني وفي إسناده عبد الأعلى ابن عامر الثعلبي ولا يحتج به وهو كوفي وأبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي الكوفي ثقة والثعلبي بالثاء المثلثة والعين المهملة وأبو الأحوص بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وبعد الواو المفتوحة صاد مهملة وأبو جميلة بفتح الجيم وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبعد اللام المفتوحة تاء تأنيث والطهوي بضم الطاء وفتح الهاء وكسر الواو منسوب إلى طهية بنت عبسمس فيه بن سعد بن زيد مناة بن تميم وفي النسبة إلى طهية لغات منها ما ذكرناه والثانية بفتح الطاء وفتح الهاء معا والثالثة بفتح الطاء وسكون الهاء والرابعة بضم الطاء وسكون الهاء وعبسمس صلى هذا بفتح العين المهملة وفتح الباء الموحدة ومنهم من يسكنها وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب قال خطب علي رضي الله عنه فقال يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمر بي أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت وأخرجه الترمذي وفي رواية لمسلم اتركها حتى تماثل ولم يذكر من أحصن منهم ومن لم يحصن انتهى كلام المنذري (باب في حد القاذف) وفي بعض النسخ حد القذف وهو الرمي بالزنا والاتهام به وحده ثمانون جلدة (لما نزل عذري) أي الآيات الدالة على براءتها شبهتها بالعذر الذي يبرئ المعذور من الجرم ذكره القاضي وغيره (فذكر ذلك) أي عذري (تلا) أي قرأ (تعني) أي تريد عائشة رضي الله عنها (القرآن) بالنصب مفعول تلا وهذا تفسير من بعض الرواة لمفعول تلا المحذوف والمراد من القرآن قوله تعالى إن الذين جاؤوا بالإفك
[ 113 ]
إلى آخر الآيات (أمر بالرجلين) أي بحدهما أو بإحضارهما وهما حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة (والمرأة) بالجر أي وبالمرأة وهي حمنة بنت جحش (فضربوا) بصيغة المجهول (حدهم) أي حد المفترين وهو مفعول مطلق أي فحدوا حدهم (ولم يذكر) أي النفيلي (ممن تكلم بالفاحشة) أي القذف (حسان بن ثابت) بفتح الحاء والسين المشددة الصحابي الأنصاري شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال صلى الله عليه وسلم في شأنه إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومسطح بن أثاثة) بكسر الميم وسكون السين المهملة وبضم الهمزة في أثاثة (يقولون) أي المحدثون (المرأة) أي المذكورة في الحديث هي (حمنة بنت جحش) أي أخت زينب رضي الله عنها قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق هذا آخر كلامه وقد أسنده ابن إسحاق مرة وأرسله أخرى وقد تقدم الكلام على الاحتجاج بحديث محمد بن إسحاق (باب في الحد في الخمر) قال العيني الحد المنع لغة يقال للبواب حداد لمنعه الناس عن الدخول وفي الشرع الحد عقوبة مقدرة لله تعالى (عن محمد بن علي) بن يزيد بن ركانة المطلبي عن عكرمة وعنه ابن جريج وثقه ابن حبان (لم يقت في الخمر) أي لم يوقت ولم يعين يقال وقت بالتخفيف يقت فهو موقوت وليس المراد أنه ما قرر حدا أصلا حتى يقال لا تثبت بالرأي فكيف أثبت الناس في الخمر حدا بل معناه أنه لم يعين فيه قدرا معينا بل كان يضرب فيه ما بين أربعين إلى ثمانين وعلى هذا فحين شاور عمر الصحابة اتفق رأيهم على تقرير أقصى المراتب قيل سببه أنه كتب إليه خالد بن الوليد أن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا العقوبة فاندفع توهم أنهم كيف زادوا في حد من
[ 114 ]
حدود الله مع عدم جواز الزيادة في الحد والله أعلم كذا في فتح الودود (فسكر) بكسر الكاف (فلقي) بصيغة المجهول أي رؤي (يميل) حال من المستسكن في لقي أي مائلا (في الفج) بفتح الفاء وتشديد الجيم أي الطريق الواسع بين الجبلين (فانطلق به) بصيغة المفعول أي فأخذ وأريد أن يذهب بالرجل (فلما حاذى) أي قابل الشارب (انفلت) أي تخلص وفر (فالتزمه) أي التجأ الشارب إلى العباس وتمسك به أو اعتنقه متشفعا لديه (فذكر ذلك) بالبناء للمجهول أي فحكى ما ذكر (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (أفعلها) بهمزة الاستفهام التعجبي الضمير للمذكورات من الانفلات والدخول والالتزام ويجوز أن يكون للمصدر أي أفعل الفعلة (ولم يأمر فيه بشئ) قال الخطابي هذا دليل على أن حد الخمر أخف الحدود وأن الخطر فيه أيسر منه في سائر الفواحش ويحتمل أن يكون إنما لم يعرض له بعد دخوله دار العباس من أجل أنه لم يكن ثبت عليه الحد بإقرار منه أو شهادة عدول وإنما لقي في الطريق يميل فظن به السكر فلم يكشف عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه على ذلك (قال أبو داود هذا مما تفرد به إلخ) يشبه أن يكون المعنى أن حديث الحسن بن علي الخلال هذا تفرد به عكرمة عن ابن عباس وعكرمة مولى ابن عباس معدود في أهل المدينة وما روى هذا الحديث غير أهل المدينة والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري (قد شرب) أي الخمر (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (اضربوه) أي الشارب ولم يعين فيه العدد لأنه لم يكن موقتا حينئذ (الضارب بيده) أي بكفه (والضارب بثوبه) أي بعد فتله للأيلام وقال (فلما انصرف) من الضرب (قال بعض القوم) قيل إنه عمر رضي الله عنه (أخزاك الله) أي أذلك الله (لا تقولوا هكذا) أي لا تدعوا عليه بالخزي وهو الذل والهوان (لا تعينوا عليه) أي على الشارب (الشيطان) لأن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي فإذا دعوا عليه بالخزي
[ 115 ]
فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان وقال البيضاوي لا تدعوا عليه بهذا الدعاء فإن الله إذا أخزاه استحوذ عليه الشيطان أو لأنه إذا سمع منكم انهمك في المعاصي وحمله اللجاج والغضب على الإصرار فيصير الدعاء وصلة ومعونة في إغوائه وتسويله قاله القسطلاني ويستفاد من هذا الحديث منع الدعاء على العاصي بالإبعاد عن رحمة الله كاللعن قال المنذري والحديث أخرجه البخاري (بإسناده) السابق (ومعناه) أي الحديث السابق (قال) الراوي (فيه) أي في هذا الحديث (بكتوه) بتشديد الكاف من التبكيت وهو التوبيخ والتعيير باللسان وقد فسر في الحديث بقوله (فأقبلوا عليه) بفتح الهمزة والموحدة ماض من الإقبال أي توجهوا إليه (ما اتقيت الله) أي مخالفته (ما خشيت الله) أي ما لاحظت عظمته أو ما خفت عقوبته (وما استحييت من رسول الله) أي من ترك متابعته أو مواجهته ومقابلته (ثم أرسلوه) أي الشارب (وقال) الراوي (في آخره) أي الحديث (اللهم اغفر له) أي بمحو المعصية (اللهم ارحمه) أي بتوفيق الطاعة أو اغفر له في الدنيا وارحمه في العقبى (وبعضهم) أي بعض الرواة (يزيد الكلمة) في حديثه (ونحوها) أي نحو هذه الكلمة وهي اللهم اغفر له وهو معطوف على قوله اللهم اغفر له والحديث سكت عنه المنذري (أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد) لعل فيه تجريدا أي أمر بالضرب (في الخمر) أي في شاربها أو التقدير جلد شارب الخمر لأجل شربها (بالجريد) وهو جمع جريدة وهي السعفة سميت بها لكونها مجردة عن الخوص وهو ورق النخل (والنعال) بكسر أوله جمع النعل وهو ما يلبس في الرجل والمعنى أنه ضربه ضربا من غير تعيين عدد وهذا مجمل بينته الرواية الآتية التي رواها ابن أبي عروبة عن قتادة (وجلد) أي ضرب (أبو بكر أربعين) أي جلدة أو ضربة قال السندي أي كانوا يكتفون على أربعين أيضا في زمانهما إلا أنهم ما كانوا يزيدون عليه قط انتهى
[ 116 ]
قال العيني احتج به الشافعي وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر على أن حد السكران أربعون سوطا وقال ابن حزم وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن بن علي وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه وبه يقول الشافعي وأبو سليمان وأصحابنا وقال الحسن البصري والشعبي وأبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد في رواية ثمانون سوطا وروي ذلك عن علي وخالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان انتهى قال في الفتح وقد استقر الإجماع على ثبوت حد الخمر وأن لاقتل فيه واستمر الاختلاف في الأربعين والثمانين وذلك خاص بالحر المسلم وأما الذمي فلا يحد فيه (فلما ولي عمر) بتشديد اللام على صيغة المجهول وبتخفيف اللام المكسورة على صيغة المعروف من الولاية أي ملك أمر الناس وقام به (دعا الناس) أي الصحابة (قد دنوا من الريف) في النهاية الريف كل أرض فيها زرع ونخل وقيل هو ما قارب الماء من أرض العرب ومن غيرها انتهى وقال النووي الريف المواضع التي فيها المياه أو هي قرية منها ومعناه لما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحت الشام والعراق وسكن الناس في الريف ومواضع الخصب وسعة العيش وكثرة الأعناب والثمار أكثروا من شرب الخمر فزاد عمر في حد الخمر تغليظا عليهم وزجرا لهم عنها (فقال له) أي لعمر (نرى أن تجعله) أي حد الخمر (كأخف الحدود) يعني المنصوص عليها في القرآن وهي حد السرقة بقطع اليد وحد الزنا جلد مائة وحد القذف ثمانون وهو أخف الحدود قال النووي هكذا هو في مسلم وغيره أن عبد الرحمن بن عوف هو الذي أشار بهذا وفي الموطأ وغيره أنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكلاهما صحيح وأشارا جميعا ولعل عبد الرحمن بدأ بهذا القول فوافقه علي وغيره فنسب ذلك في رواية إلى عبد الرحمن رضي الله عنه لسبقه به ونسب في رواية إلى علي رضي الله عنه لفضيلته وكثرة علمه ورجحانه على عبد الرحمن رضي الله عنه وفي هذا جواز القياس واستحباب مشاورة القاضي والمفتي أصحابه وحاضري مجلسه في الأحكام (فجلد) عمر (فيه) أي في حد الخمر قال المنذري والحديث أخرجه مسلم بتمامه وأخرج البخاري المسند وفعل الصديق فقط وأخرج ابن ماجه المسند منه فقط (أنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (جلد بالجريد) معناه بالفارسية شاخ خرما (ضرب بجريدتين نحو أربعين) قال النووي اختلفوا في معناه فأصحابنا يقولون معناه أن الجريدتين كانتا مفردتين جلد بكل واحدة منهما عددا حتى كمل من
[ 117 ]
الجميع أربعون وقال آخرون ممن يقول جلد الخمر ثمانون معناه أنه جمعهما فجلده بهما أربعين جلدة فيكون المبلغ ثمانين انتهى قال المنذري وحديث شعبة الذي علقه أبو داود أخرجه مسلم والترمذي وأخرجه البخاري ولم يذكر فيه اللفظ (عبد الله الداناج) هو بالدال المهملة والنون والجيم ويقال له أيضا الدانا بحذف الجيم والداناه بالهاء ومعناه بالفارسية العالم قاله النووي (حدثني حضين) بمهملة وضاد معجمة مصغرا قاله في الفتح (شهدت) أي حضرت (عثمان بن عفان) أي عنده (وأتي) بضم الهمزة (فشهد عليه) أي على الوليد (حمران) بضم أوله ابن أبان مولى عثمان بن عفان اشتراه في زمن أبي بكر الصديق ثقة (أنه رآه) أي الوليد (وشهد الآخر أنه راه) أي الوليد (يتقيأها) أي الخمر (إنه) الوليد (لم يتقيأها) أي الخمر (حتى شربها) أي الخمر (فقال) عثمان (لعلي) بن أبي طالب (أقم عليه) أي على الوليد (الحد) قال النووي هذا دليل لمالك وموافقيه في أنه من تقيأ الخمر يحد حد الشارب (فقال علي للحسن) بن علي معناه أنه لما ثبت الحد على الوليد بن عقبة قال عثمان رضي الله عنه وهو الإمام لعلي على سبيل التكرمة له وتفويض الأمر إليه في استيفاء الحد قم فاجلده أي أقم عليه الحد بأن تأمر من ترى بذلك فقبل علي رضي الله عنه ذلك فقال للحسن قم فاجلده فامتنع الحسن فقال لابن جعفر فقبل فجلده وكان علي مأذونا له في التفويض إلى من رأى قاله النووي (ول) أمر من التولية (حارها) أي الخلافة والولاية الحار الشديد المكروه (من تولى قارها) أي الخلافة والولاية القار البارد والهنئ الطيب وهذا مثل من أمثال العرب قال الأصمعي وغيره معناه ول شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها أي كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنئ الخلافة ويختصون به يتولون نكدها وقاذوراتها ومعناه ليتولى هذا الجلد عثمان بنفسه أو بعض خاصة أقاربه الأدنين قال الخطابي هذا مثل يقول ول العقوبة والضرب من توليه العمل والنفع انتهى
[ 118 ]
(لعبد الله بن جعفر) الطيار (أقم عليه) أي على الوليد (فأخذ) عبد الله (السوط فجلده) أي الوليد (وعلي يعد) ضربات السوط (فلما بلغ) الجلاد (أربعين) سوطا (قال) علي مخاطبا لعبد الله (حسبك) وفي رواية لمسلم فقال أمسك (وكل سنة) أي كل واحد من الأربعين والثمانين سنة وقال الخطابي وقوله وكل سنة يقول إن الأربعين سنة قد عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه والثمانين سنة قد عمل بها عمر رضي الله عنه في زمانه انتهى وقال في الفتح وأما قول علي وكل سنة فمعناه أن الاقتصار على الأربعين سنة النبي صلى الله عليه وسلم فصار إليه أبو بكر والوصول إلى الثمانين سنة عمر ردعا للشاربين الذين احتقروا العقوبة الأولى انتهى وقال النووي معناه أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سنة يعمل بها وكذا فعل عمر ولكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر أحب إلي (وهذا أحب إلى) إشارة إلى الأربعين التي كان جلدها وقال لجلاد حسبك ومعناه هذا الذي قد جلدته وهو الأربعون أحب إلي من الثمانين قال في الفتح قال صاحب المفهم وحاصل ما وقع من استنباط الصحابة أنهم أقاموا السكر مقام القذف لأنه لا يخلو عنه غالبا فأعطوه حكمه وهو من أقوى حجج القائلين بالقياس فقد اشتهرت هذه القصة ولم ينكرها في ذلك الزمان منكر انتهى وتمسك من قال لا يزاد على الأربعين بأن أبا بكر تحرى ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فوجده أربعين فعمل به ولا يعلم له في زمنه مخالف فإن كان السكوت إجماعا فهذا الإجماع سابق على ما وقع في عهد عمر والتمسك به أولى لأن مستنده فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم رجع إليه علي ففعله في زمن عثمان بحضرته وبحضرة من كان عنده من الصحابة منهم عبد الله بن جعفر الذي باشر ذلك والحسن بن علي فإن كان السكوت إجماعا فهذا هو الأخير فينبغي ترجيحه وتمسك من قال بجواز الزيادة بما صنع في عهد عمر من الزيادة ومنهم من أجاب عن الأربعين بأن المضروب كان عبدا وهو بعيد فاحتمل الأمرين أن يكون حدا أو تعزيرا وتمسك من قال بجواز الزيادة على الثمانين تعزيرا بما تقدم في الصيام أن عمر حد الشارب في رمضان ثم نفاه إلى الشام وبما أخرجه ابن أبي شيبة أن عليا جلد النجاشي الشاعر ثمانين ثم أصبح فجلده عشرين بجراءته بالشرب في رمضان انتهى
[ 119 ]
قال المنذري والحديث أخرجه مسلم وابن ماجه (جلد) أي ضرب (في الخمر) أي في شرب الخمر (وأبو بكر أربعين) جلدة أو ضربة (وكملها) من التكميل أي عقوبة حد الخمر (ول شديدها) تفسير لقوله ول حارها (من تولى هينها) أي سهلها ولينها وهو تفسير لقوله من تولى قارها والحديث سكت عنه المنذري (باب إذا تتابع في شرب الخمر) أي توالى في شربها أنه ومقصود المصنف أنه إذا شرب رجل الخمر مرة فجلد ثم شرب فجلد وهكذا فعل مرارا فما حكمه هل يجلد كل مرة أم له حكم آخر وفي بعض النسخ تتايع بالتحتية وهو أيضا صحيح فإن التتايع اسراع في الشر واللجاجة (ذكوان) بدل من أبي صالح وهو السمان الزيات المدني ثقة ثبت وكان يجلب الزيت إلى الكوفة قاله الحافظ (ثم إن شربوا فاقتلوهم) قال الترمذي في كتاب العلل أجمع الناس على تركه أي أنه منسوخ وقيل مؤول بالضرب الشديد وقال الزيلعي قال ابن حبان في صحيحه معناه إذا استحل ولم يقبل التحريم انتهى وبسط السيوطي الكلام في حاشية الترمذي وقصد به إثبات أنه ينبغي العمل به كذا قال العلامة السندي في حاشية ابن ماجه
[ 120 ]
قلت قال السيوطي فيها بعد اشارة إلى عدة أحاديث هكذا فهذه بضعة عشر حديثا كلها صحيحة صريحة في قتله بالرابعة وليس لها معارض صريح وقول من قال بالنسخ لا يعضده دليل وقولهم إنه أتى برجل قد شرب بالرابعة فضربه ولم يقتله لا يصلح لرد هذه الأحاديث لوجوه الأول أنه مرسل إذ رواية قبيصة ولد يوم الفتح فكان عمره عند موته سنتين وأشهرا فلم يدرك شيئا يرويه الثاني أنه لو كان متصلا صحيحا لكانت تلك الأحاديث مقدمة عليه لأنها أصح وأكثر الثالث أن هذه واقعة عين لا عموم لها والرابع أن هذا فعل والقول مقدم عليه لأن القول تشريع عام والفعل قد يكون خاصا الخامس أن الصحابة خصوا في ترك الحدود بما لم يخص به غيرهم فلأجل ذلك لا يفسقون بما يفسق به غيرهم خصوصية لهم وقد ورد بقصة نعمان لما قال عمر أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي لا تطعنه وهو فإنه يحب الله ورسوله فعلم النبي من باطنه صدق محبته لله ورسوله فأكرمه بترك القتل فله أن يخص من شاء بما شاء من الأحكام فلا أقبل هذا الحديث إلا بنص صريح من قوله وهو لا يوجد وقد ترك عمر إقامة حد الخمر على فلان لأنه من أهل بدر وقد ورد فيهم إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وترك سعد بن أبي وقاص إقامته على أبي محجن لحسن بلائه في قتال الكفار فالصحابة رضي الله عنهم جميعا جديرون بالرخصة إذا بدت من أحدهم زلة وأما هؤلاء المدمنون صلى الله عليه وسلم للخمر الفسقة المعروفون بأنواع الفساد وظلم العباد وترك الصلاة ومجاوزة أحكام الشريعة وإطلاق أنفسهم بحال سكرهم بالكفريات إذا وما قاربها فإنهم يقتلون بالرابعة لا شك فيه ولا ارتياب وقول المصنف لا نعلم خلافا رده حق بأن الخلاف ثابت محكي عن طائفة فروى أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص فقال ائتوني برجل أقيم عليه حد الخمر فإن لم أقتله فأنا كذاب ومن وجه آخر عنه ائتوني بمن شرب خمرا في الرابعة ولكم علي أن أقتله انتهى كلام السيوطي قال الزيلعي قال الترمذي سمعت محمد بن إسماعيل يقول حديث أبي صالح عن
[ 121 ]
معاوية أصح من حديث أبي صالح عن أبي هريرة ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وسكت عنه وقال الذهبي في مختصره هو صحيح وأخرجه النسائي في سننه الكبرى انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وذكر الترمذي أنه روي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال سمعت محمدا يعني البخاري يقول حديث أبي صالح عن معاوية عن النبي إنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ هذا (بهذا المعنى) أي بمعنى حديث معاوية رضي الله عنه المذكور (قال) أي موسى بن إسماعيل (وأحسبه) أي أظنه والظاهر أن الضمير المنصوب راجع إلى حماد (إن شربها) الخمر والخمر مؤنث وأخرج النسائي في الأشربة من حديث مغيرة عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن ابن عمر ونفر من أصحاب محمد قالوا قال رسول الله من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه انتهى ففيه ذكر القتل في الرابعة وعبد الرحمن هذا ضعيف ضعفه ابن معين قاله ابن القطان وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ذكره الزيلعي (وكذا في حديث أبي غطيف) بالتصغير الهذلي مجهول من الثالثة وقيل هو غطيف أو غضيف بالضاد المعجمة كذا في التقريب وحديث أبي غطيف أخرجه الطبراني وابن مندة في المعرفة صرح به الحافظ السيوطي في حاشيته على جامع الترمذي (في الخامسة) بيان لقوله كذا وعند الأكثر ذكر القتل في الرابعة كما سيظهر لك وقال الحافظ في الإصابة غطيف بن الحارث الكندي والد عياض قال أبو نعيم له صحبة وأخرج له ابن السكن والطبراني من طريق إسماعيل بن عياش عن سعيد بن سالم الكندي عن معاوية بن عياض بن غطيف عن أبيه عن جده سمعت رسول الله يقول إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه وأخرجه ابن شاهين وابن أبي خيثمة من طريق إسماعيل المذكور انتهى فذكر القتل في الثالثة وأخرج البزار في مسنده من طريق إسماعيل المذكور وفيه من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه ثم إن عاد فاجلدوه ولم يذكر فيه القتل قال البزار لا نعلم روى غطيف غير هذا الحديث كذا في نصب الراية للزيلعي قال المنذري وأبو غطيف هذا لا يعرف اسمه وهو هذلي وغطيف بضم الغين المعجمة وبعدها طاء مهملة مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة
[ 122 ]
(إذا سكر) أي من الشراب قال في أقرب الموارد سكر من الشراب سكرا نقيض صحا (فإن عاد الرابعة فاقتلوه) فيه دليل ظاهر لمن قال إن الشارب يقتل بعد الرابعة وهم بعض أهل الظاهر ونصره ابن حزم وقواه السيوطي أيضا كما تقدم ويجئ بعض الكلام في هذا قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه انتهى وقال الزيلعي وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه انتهى (قال أبو داود وكذا حديث عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد الرابعة فاقتلوه) قال المنذري وعمر بن أبي سلمة هذا هو ابن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري مدني لا يحتج بحديثه وقع لنا حديثه هذا من رواية أبي عوانة (وكذا حديث سهيل) قال المنذري هذا وقع من حديث عبد الرزاق عن معمر عن سهيل وفيه قال فحدثت به ابن المنكدر قال قد ترك ذلك قد أتى رسول الله بابن النعمان فجلده ثلاثا ثم أتى به الرابعة فجلده ولم يزد انتهى قال الزيلعي ورواه عبد الرزاق في مصنفه حدثنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا من شرب الخمر فاجلدوه الحديث وعن عبد الرزاق رواه أحمد في مسنده (وكذا حديث ابن أبي نعم الخ)
[ 123 ]
قال المنذري فأما حديث ابن أبي نعم وهو عبد الرحمن البجلي الكوفي فأخرجه النسائي في سننه وأما حديث عبد الله بن عمرو فوقع لنا من حديث الحسن البصري عنه وهو منقطع قال علي بن المديني الحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو شيئا وأما حديث الجدلي هذا عبد بن عبد ويقال عبد الرحمن بن عبد وكنيته أبو عبد الله وقد تقدم حديث أبي صالح ذكوان عن معاوية انتهى قلت حديث عبد الله بن عمر من طريق عبد الرحمن بن أبي نعم تقدم آنفا من رواية النسائي وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق إسحاق بن راهويه أنبأ معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو مرفوعا فذكره وسكت عنه ورواه عبد الرزاق في مصنفه حدثنا وكيع عن قرة عن الحسن عن عبد الله بن عمرو ورواه أحمد في مسنده حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا قتادة عن شهر بن حوشب به ورواه ابن راهويه في مسنده حدثنا النضر بن شميل حدثنا قرة بن خالد عن الحسن به وزاد فكان عبد الله بن عمرو يقول ائتوني برجل شرب الخمر أربع مرات فلكم علي أن أضرب عنقه وكذلك لفظ عبد الرزاق ائتوني برجل قد جلد فيه ثلاثا فلكم علي الحديث ومن طريق ابن راهويه رواه الطبراني في معجمه وأما حديث الشريد فأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن إسحاق عن الزهري عن عمرو بن الشريد عن أبيه الشريد بن سويد مرفوعا فذكره وقال صحيح على شرط مسلم انتهى ذكره الإمام الزيلعي (قال الزهري أخبرنا عن قبيصة بن ذؤيب) بضم الذال المعجمة مصغرا والضمير في قال لسفيان وفي أخبرنا للزهري أي قال سفيان أخبرنا الزهري عن قبيصة (فإن عاد في الثالثة أو الرابعة) شك من الراوي
[ 124 ]
(فأتي) بصيغة المجهول (قد شرب الخمر) والجملة حال من رجل (ورفع القتل) أي رفع رسول الله القتل عن ذلك الرجل أي لم يقتله وفي رواية الترمذي من طريق جابر ثم أتي النبي بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله (فكانت رخصة) هذا دليل ظاهر على أن القتل بشرب الخمر في الرابعة منسوخ إن ثبت الحديث وسيظهر لك حاله في كلام المنذري قال الطيبي هذا أي قوله لم يقتله قرينة ناهضة على أن قوله فاقتلوه مجاز عن الضرب المبرح مبالغة لما عتا وتمرد ولا يبعد أن عمر رضي الله عنه أخذ جلد ثمانين من هذا المعنى انتهى (وعنده) أي الزهري والواو للحال (منصور بن المعتمر) أحد الأعلام المشهور الكوفي (ومخول) بضم أوله وفتح المعجمة كمعظم (ابن راشد) النهدي مولاهم أبو راشد الكوفي (فقال) الزهري (كونا) أمر من الكون بصيغة التثنية (وافدي أهل العراق بهذا الحديث) وافدي بصيغة التثنية سقطت النون للأضافة قال في القاموس وفد إليه وعليه قدم وورد والمقصود أن منصور بن المعتمر ومخول بن راشد لما كانا من أهل العراق قال الزهري لهما بعدما حدثهما هذا الحديث اذهبا بهذا الحديث إلى أهل العراق وأخبراهم به ليعلموا أن القتل بشرب الخمر في الرابعة منسوخ وأن الناسخ له هو هذا الحديث والله تعالى أعلم قال المنذري قال الإمام الشافعي رضي الله عنه والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره وقال غيره قد يراد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل وإنما يقصد به الردع والتحذير وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبا ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل هذا آخر كلامه وقال غيره أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه إلا طائفة شاذة قالت يقتل بعد حده أربع مرات للحديث وهو عند الكافة منسوخ هذا آخر كلامه وقبيصة بن ذؤيب ولد عام الفتح وقيل إنه ولد أول سنة من الهجرة ولم يذكر له سماع من رسول الله وعده الأئمة من التابعين وذكروا أنه سمع من الصحابة فإذا ثبت أن مولده في أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من رسول الله وقد قيل إنه أتي به النبي وهو غلام يدعو له وذكر عن الزهري أنه كان إذا ذكر قبيصة بن ذؤيب قال كان من علماء هذه الأمة وأما أبوه ذؤيب بن حلحلة فله صحبة انتهى كلام المنذري وأخرج النسائي في السنن الكبرى عن محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا من شرب الخمر فاجلدوه إلى آخره قال ثم أتي النبي برجل قد شرب في الرابعة فجلده ولم يقتله ورواه البزار في مسنده عن محمد بن إسحاق به أن النبي أتي
[ 125 ]
بالنعمان قد شرب الخمر ثلاثا فأمر بضربه فلما كان في الرابعة أمر به فجلد الحد فكان نسخا انتهى (قال أبو داود الخ) هذه العبارة إلى قوله عن أبي هريرة ليست في عامة النسخ (روى هذا الحديث) أي حديث القتل في الرابعة (وشرحبيل بن أوس) وحديثه عند الطبراني والحاكم ومقصود المؤلف أن جماعة من الصحابة رووا عن النبي أنه أمر بالقتل في الرابعة وأما قبيصة فروى عنه رخصة في ذلك والله أعلم (قال لا أدي) من الدية كذا في أكثر النسخ وهو الصحيح والصواب وفي بعض النسخ لا أدري وهو غلط (أو ما كنت أدي) شك من الراوي أي ما كنت أغرم الدية (من أقمت عليه حدا) أي فمات (إلا شارب الخمر) الاستثناء منقطع أي لكن وديت شارب الخمر لو أقمت عليه الحد فمات وفي رواية النسائي وابن ماجه من طريق أخرى من أقمنا عليه حدا فمات فلا دية له إلا من ضربناه في الخمر (لم يسن) بفتح فضم فنون مشددة مفتوحة (فيه شيئا) أي لم يقدر فيه حدا مضبوطا معينا (إنما هو) أي الحد الذي نقيم على الشارب (شئ قلناه نحن) أي ولم يقله رسول الله قال الحافظ اتفقوا على أن من مات من الضرب في الحد لا ضمان على قاتله إلا في حد الخمر فعن علي ما تقدم وقال الشافعي إن ضرب بغير السوط فلا ضمان وإن جلد بالسوط ضمن قيل الدية وقيل قدر تفاوت ما بين الجلد بالسوط وبغيره والدية في ذلك على عاقلة الإمام وكذلك لو مات في ما زاد على الأربعين انتهى فإن قلت كيف الجمع بين حديث علي هذا وبين حديثه المتقدم من طريق أبي ساسان المصرح بأن النبي جلد أربعين قلت جمع الحافظ بينهما بأن يحمل النفي على أنه لم يحد الثمانين أي لم يسن شيئا زائدا على الأربعين ويؤيده قوله وإنما هو شئ صنعناه نحن يشير إلى ما أشار به على عمر وعلى هذا فقوله لو مات لوديته أي في الأربعين
[ 126 ]
الزائدة وبذلك جزم البيهقي وابن حزم ويحتمل أن يكون قوله لم يسنه أي الثمانين لقوله في الرواية الأخرى وإنما هو شئ صنعناه فكأنه خاف من الذي صنعوه باجتهادهم أن لا يكون مطابقا واختص هو بذلك لكونه الذي كان أشار بذلك واستدل له ثم ظهر له أن الوقوف عن ما كان الأمر عليه أولا أولى فرجع إلى ترجيحه وأخبر بأنه لو أقام الحد ثمانين فمات المضروب وداه للعلة المذكورة ويحتمل أن يكون الضمير في قوله لم يسنه لصفة الضرب وكونها بسوط الجلد أي لم يسن الجلد بالسوط وإنما كان يضرب فيه بالنعال وغيرها مما تقدم ذكره أشار إلى ذلك البيهقي وقال ابن حزم أيضا لو جاء عن غير علي من الصحابة في حكم واحد أنه مسنون وأنه غير مسنون لوجب حمل أحدهما على غير ما حمل عليه اخر فضلا عن علي مع سعة علمه وقوة فهمه وإذا تعارض خبر عمير بن سعيد وخبر أبي ساسان فخبر أبي ساسان أولى بالقبول لأنه مصرح فيه برفع الحديث وإذا تعارض المرفوع والموقوف قدم المرفوع وأما دعوى ضعف سند أبي ساسان فمردودة والجمع أولى مهما أمكن من توهين الأخبار الصحيحة وعلى تقدير أن تكون إحدى الروايتين وهما فرواية الإثبات مقدمة على رواية النفي وقد ساعدتها رواية أنس انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه بنحوه قال بعضهم لم يختلف العلماء في من مات من ضرب حد وجب عليه أنه لا دية فيه على الإمام ولا على بيت المال واختلفوا في من مات من التعزير فقال الشافعي عقله على عاقلة الإمام وعليه الكفارة وقيل على بيت المال وجمهور العلماء أنه لا شئ عليه هذا آخر كلامه فإذا ضرب الإمام شارب الخمر الحد أربعين ومات لم يضمنه ومن جلده ثمانين ومات ضمن نصف الدية فإن جلده واحدا وأربعين ومات ضمن نصف الدية وقيل يضمن جزءا من أحد وأربعين جزءا من الدية انتهى كلام المنذري (عن عبد الرحمن بن الأزهر) أي القرشي وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف شهد حنينا روى عنه ابنه عبد الحميد وغيره مات بالحرة ذكره صاحب المشكاة في الأكمال في الصحابة (كأني أنظر إلى رسول الله الآن) المقصود بيان استحضار القصة كالعيان (وهو) أي
[ 127 ]
رسول الله (ومنهم من ضربه بالميتخة) بكسر الميم وسكون التحتية وبعدها تاء مثناة فوقية ثم خاء معجمة كذا ضبط في النسخ وقال في النهاية قد اختلف في ضبطها فقيل هي بكسر الميم وتشديد التاء وبفتح الميم مع التشديد وكسر الميم وسكون التاء قبل الياء وبكسر الميم وتقديم الياء الساكنة على التاء قال الأزهري وهذه كلها أسماء لجرائد فقال النخل وأصل العرجون وقيل هي اسم للعصا وقيل القضيب الدقيق اللين وقيل كل ما ضرب به من جريد أو عصا أو درة وغير ذلك وأصلها فيما قيل من متخ أي الله رقبته بالسهم إذا ضربه وقيل من تيخه العذاب وطيخه ثنا إذا ألح عليه فأبدلت التاء من الطاء انتهى (قال ابن وهب الجريدة الرطبة) الجريدة هي السعفة سميت بها لسكونها مجردة عن الخوص وهو ورق النخل أي قال ابن وهب في تفسير الميتخة به الجريدة الرطبة وفي المشكاة قال ابن وهب يعني الجريدة الرطبة بزيادة لفظ يعني (فرمى به) أي بالتراب والباء للتعدية أي رماه في وجهه قال الطيبي رمى به إرغاما له واستهجانا لما ارتكبه والحديث سكت عنه المنذري (وهو بحنين) كزبير موضع بين الطائف ومكة (فحثى في وجهه التراب) أي رمى به (وما كان في أيديهم) عطف على نعالهم أي ضربوه بنعالهم وما كان في أيديهم من العصا والقضيب وغيرهما (حتى قال لهم ارفعوا) أي كفوا عن ضربه (صدر من إمارته) أي في أول خلافته (ثم جلد ثمانين في آخر خلافته) أي إذا عتوا وفسقوا كما في رواية البخاري (ثمانين وأربعين) بدل من الحدين أي جلد عثمان مرة ثمانين ومرة أربعين (ثم أثبت معاوية) أي ابن أبي سفيان (الحد ثمانين) أي عينه وأقره قال المنذري في هذه الطرق انقطاع
[ 128 ]
(قال رأيت رسول الله الخ) حديث الحسن بن علي إلى آخر قول أبي داود ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري في مختصره وقال الحافظ في التلخيص رواه أبو داود والنسائي من طرق والحاكم وقال ابن أبي حاتم في العلل سألت أبي عنه وأبا زرعة فقالا لم يسمعه الزهري من عبد الرحمن بن أزهر انتهى وقال المزي في الأطراف حديث عبد الرحمن بن الأزهر أخرجه أبو داود والنسائي في الحدود فحديث الحسن بن علي في رواية أبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم وحديث النسائي في رواية ابن الأحمر ولم يذكره أبو القاسم انتهى (فحرزوه هذا) أي حفظوه أربعين يقال أحرزت الشئ أحرزه إحرازا إذا حفظته وضممته وصنته عن الأخذ كذا في النهاية (كحد الفرية) أي كحد القذف وهو ثمانون سوطا والفرية بكسر الفاء اسم يقال افترى عليه كذبا أي اختلقه كذا في المصباح (أدخل عقيل بن خالد الخ) فصار الحديث متصلا وعقيل بن خالد هذا بضم العين ثبت ثقة حجة روى عن الزهري وقاسم وسالم وعنه الليث ويحيى بن أيوب وثقه أحمد وقال أبو حاتم أثبت من معمر والله أعلم
[ 129 ]
(باب في إقامة الحد في المسجد) أي هل يجوز أم لا (أخبرنا الشعيثي) بالمعجمة ثم المهملة ثم المثلثة مصغرا صدوق من السابعة واسمه محمد بن عبد الله بن المهاجر (عن زفر بن وثيمة) بفتح أوله وكسر المثلثة مقبول من الثالثة (عن حكيم بن حزام) بن خويلد المكي ابن أخي خديجة أم المؤمنين أسلم يوم الفتح وصحب وله أربع وسبعون سنة ثم عاش إلى سنة أربع وخمسين أو بعدها قاله الحافظ (أن يستقاد) أي يطلب القود أي القصاص وقتل القاتل بدل القتيل أي يقتص (في المسجد) لئلا يقطر الدم فيه كذا قيل قلت ولأن المسجد لم يبن لهذا (وأن تنشد) بصيغة المجهول أي تقرأ (فيه) أي المسجد (الأشعار) أي المذمومة (وأن تقام فيه الحدود) أي سائرها أي تعميم بعد تخصيص أي الحدود المتعلقة بالله أو بالآدمي لأن في ذلك نوع هتك لحرمته ولاحتمال تلوثه بجرح أو حدث قاله القاري ولأنه إنما بني المسجد للصلاة والذكر لا لإقامة الحدود والحديث دليل ظاهر لما بوب له المصنف رحمه الله قال المنذري في إسناده محمد بن عبد الله بن مهاجر الشعيثي النصري الدمشقي وقد وثقه غير واحد وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه ولا يحتج به هذا آخر كلامه والشعيثي بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها ثاء مثلثة والنصري بفتح النون وسكون الصاد المهملة ويقال فيه أيضا العقيلي انتهى كلام المنذري (باب في ضرب الوجه في الحد) هذا الباب مع حديثه (أي حديث أبي كامل) قد وقع في بعض النسخ ههنا وقد وقع
[ 130 ]
حديثه في آخر باب التعزير أيضا لكن بدون ذكر هذا الباب وليس في بعض النسخ ههنا هذا الباب ولا حديثه لكن وقع حديثه في آخر باب التعزير (فليتق الوجه) أي فليجتنب عن ضرب الوجه فإنه أشرف أعضاء الإنسان ومعدن جماله ومنبع حواسه فلا بد أن يحترز عن ضربه وتجريحه وتقبيحه قال المنذري فيه تشريف هذه الصورة عن الشين سريعا ولأن فيه أعضاء نفيسة وفيها المحاسن وأكثر الإدراكات وقد يبطلها بفعله والشين فيه أشد منه في غيرها سيما الأسنان والبادي منه وهو الصورة التي خلقها الله تعالى وكرم بها بني آدم وفي إسناده عمر ابن أبي سلمة وقد تقدم أنه يحتج بحديثه وقد أخرجه مسلم من حديث الأعرج عن أبي هريرة وأخرجه أيضا من طرق بمعناه أتم منه (باب في التعزير) التعزير مصدر عزر قال في الصحاح التعزير التأديب ومنه سمي الضرب دون الحد تعزيرا وقال في المدارك وأصل العزر المنع ومنه التعزير لأنه منع عن معاودة القبيح انتهى ومنه عزره القاضي أي أدبه لئلا يعود إلى القبيح ويكون بالقول والفعل بحسب ما يليق به كذا في إرشاد الساري (لا يجلد) بصيغة المجهول من الجلد أي لا يجلد أحد (فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله) الاستثناء مفرغ قال في الفتح ظاهره أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد من الجلد أو الضرب مخصوص أو عقوبة مخصوصة والمتفق عليه من ذلك أصل الزنا والسرقة وشرب المسكر
[ 131 ]
والحرابة والقذف بالزنا والقتل والقصا ص في النفس والأطراف والقتل في الارتداد واختلف في تسمية الأخيرين حدا واختلف في مدلول هذا الحديث فأخذ بظاهره الإمام أحمد في المشهور عنه وبعض الشافعية وقال مالك والشافعي وصاحبا أبي حنيفة تجوز الزيادة على العشرة ثم اختلفوا فقال الشافعي لا يبلغ أدنى الحدود وهل الاعتبار بحد الحر أو العبد قولان وقال آخرون هو إلى رأي الإمام بالغا ما بلغ وأجابوا عن ظاهر الحديث بوجوه منها الطعن فيه وتعقب بأنه اتفق الشيخان على تصحيحه وهما العمدة في التصحيح ومنها أن عمل الصحابة بخلافه يقتضي نسخه فقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري أن لا تبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطا وعن عثمان ثلاثين وضرب عمر أكثر من الحد أو من مائة وأقره الصحابة وأجيب بأنه لا يلزم في مثل ذلك النسخ ومنها حمله على واقعة عين بذنب معين أو رجل معين قاله الماوردي وفيه نظر ذكره القسطلاني قلت ومن وجوه الجواب قصره على الجلد وأما الضرب بالعصا مثلا وباليد فتجوز الزيادة لكن لا يجاوز أدنى الحدود وهذا رأي الاصطخري من الشافعية قال الحافظ كأنه لم يقف على الرواية الواردة بلفظ الضرب انتهى وليس في أيدي الذين ليسوا بقائلين بظاهر الحديث جواب شاف قال في النيل قال البيهقي عن الصحابة آثار مختلفة في مقدار التعزير وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديث أبي بردة المذكور قال الحافظ فتبين بما نقله البيهقي عن الصحابة أن لا اتفاق على عمل في ذلك فكيف يدعي نسخ الحديث الثابت ويصار إلى ما يخالفه من غير برهان انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (فذكر معناه) قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (حدثنا أبو كامل) تقدم هذا الحديث مع شرحه قريبا
[ 132 ]
(اول كتاب الديات) بتخفيف التحتانية جمع دية مثل عداة وعدة واصلها ودية بفتح الواو وسكون الدال تقول ودي القتيل يديه إذا اعطى وليه ديته وهي ما جعل في مقابلة النفس وسمي دية تسمية بالمصدر وفاؤها محذوفة والهاء عوض وفي الامرد القتيل بدل مكسورة حسب فإن وقفت قلت ده قاله في الفتح (باب النفس بالنفس) أي هذا باب في بيان أن النفس مأخوذة بالنفس مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق (كان قريظة) بالتصغير (والنضير) كالأمير وهما قبيلتان وخبر كان محذوف أي في المدينة أو بينهما فرق في الشرف ونحو ذلك (قتل) بصيغة المجهول أي رجل من قريظة (به) أي بسبب قتله رجلا من النضير (فودي) أي ولي المقتول الذي كان من قريظة على صيغة المجهول من الفداء قال في النهاية الفداء بالكسر والمد والفتح مع القصر فكاك الأسير يقال فداه يفديه فداء وفدى وفاداه يفاديه مفاداة إذا أعطى فداءه وأنقذه (بمائة وسق) بفتح واو وسكون سين وكسر
[ 133 ]
الواو لغة ستون صاعا (فقالوا) أي بنو قريظة (ادفعوه) أي القاتل من النضير (نقتله) أي القاتل (فقالوا بيننا وبينكم) أي قالت قريظة ذاك حين أبي النضير دفع القاتل إليهم جريا على العادة السالفة (فأتوه) أي بنو قريظة والنضير عند النبي صلى الله عليه وسلم (فنزلت) هذه الآية (بالقسط) أي العدل (والقسط النفس بالنفس) وهذا تفسير من ابن عباس أي قتل النفس بدل قتل النفس وأخرج الطبراني وغيره كما في الدر المنثور عن عكرمة عن ابن عباس أن الآيات من المائدة التي قال الله فيها فاحكم بينهم أو أعرض عنهم إلى قوله المقسطين إنما نزلت في الدية من بني النضير وقريظة وذلك أن قتلي بني النضير كان لهم شرف يريدون الدية كاملة وأن بني قريظة كانوا يريدون نصف الدية فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ذلك فيهم فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق فجعل الدية سواء وأخرج عبد الرزاق عن الزهري في الآية قال مضت السنة أن يردوا في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم إلا أن يأتوا راغبين في حد يحكم بينهم فيه فيحكم بينهم بكتاب الله وقد قال لرسوله وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط انتهى (أفحكم الجاهلية يبغون) أي أفحكم الجاهلية يطلب هؤلاء اليهود قال النسفي بنو النضير يطلبون تفاضلهم على بني قريظة وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القتلى سواء فقال بنو النضير نحن لا نرضى بذلك فنزلت انتهى وفي الخازن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أحكم أن دم القرظي وفاء من دم النضيري ودم النضيري وفاء من دم القرظي ليس لأحدهما فضل على آخر في دم ولا عقل ولا جراحة فغضبت بنو النضير وقالوا لا نرضى بحكمك فأنزل الله أفحكم الجاهلية يبغون انتهى قال المنذري والحديث أخرجه النسائي (باب لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه أو أخيه) قال في النهاية الجريرة الجناية والذنب (حدثنا إياد) بكسر الهمزة ابن لقيط السدوسي الكوفي (عن أبي رمثة) بكسر الراء
[ 134 ]
المهملة وبعدها ميم ساكنة وثاء مثلثه مفتوحة وتاء تأنيث قال في أسد الغابة أبو رمثة التيمي من تميم بن عبد مناة بن أدوهم ثم تيم الرباب ويقال التميمي من ولد امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم وقد اختلف في اسم أبي رمثة كثيرا قاله أبو عمرو قال الترمذي أبو رمثه التيمي اسمه حبيب بن حيان وقيل رفاعة بن يثربي انتهى (آبنك) بالمد لأنها همزتان الأولى همزة الاستفهام والثانية همزة لفظة ابنك وهو مرفوع بالابتداء (قال) أبي (إي) من حروف ايجاب (قال) أبي حقا أن نقول حقا إنه ولدي (قال) أبي (أشهد به) بهمزة وصل وفتح هاء أي كن شاهدا بأنه ابني من صلبي وبصيغة المتكلم أيضا وهو تقرير أنه ابنه والمقصود التزام ضمان الجنايات عنه على ما كانوا عليه في الجاهلية من مؤاخذة كل من الوالد والولد بجناية آخر (قال) أي أبو رمثة (فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ابتداء (ضاحكا) أي انتهاء (من ثبت شبهي) أي من أجل ثبوت مشابهتي رسول في أبي بحيث يغني ذلك عن الحلف ومع ذلك حلف أبي (علي) بتشديد الياء (ثم قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم ردا لزعمه (أما) بالتخفيف للتنبيه (إنه) للشأن أو الابن (لا يجني عليك) أي لا يؤاخذ بذنبك كذا في المرقاة وقال السندي أي جناية كل منهما قاصرة عليه لا تتعداه إلى غيره ولعل المراد الإثم وإلا فالدية متعدية انتهى (ولا تجني عليه) أي لا تؤاخذ بذنبه قال في النهاية الجناية الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العذاب أو القصاص في الدنيا والآخرة والمعنى أنه لا يطالب بجناية غيره من أقاربه وأباعده فإذا جنى أحدهما جناية لا يعاقب بها الآخر (وقرأ) استشهادا (ولا تزر) أي لا تحمل نفس (وازرة) اثمة (وزر) إثم نفس (أخرى) قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي مختصرا ومطولا وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن إياد (باب الإمام يأمر بالعفو في الدم) (عن أبي شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء المهملة وسكون الياء آخر الحروف
[ 135 ]
وبعدها حاء مهملة اسمه خويلد بن عمرو ويقال كعب بن عمرو ويقال هاني ويقال عبد الرحمن بن عمرو وقيل غير ذلك والأول المشهور قاله المنذري (الخزاعي) بضم أولى المعجمتين (من أصيب بقتل) أي ابتلي بقتل نفس محرمة ممن يرثه (أو خبل) بفتح الخاء المعجمة وسكون الموحدة والخبل الجرح بضم الجيم قاله القاري وقال في النهاية الخبل بسكون الباء فساد الأعضاء يقال خبل الحب قلبه إذا أفسده يخبله ويخبله ولا خبلا ورجل خبل ومختبل أي من أصيب بقتل نفس أو قطع عضو يقال بنو فلان يطالبون بدماء وخبل أي بقطع يد أو رجل (فإنه) أي المصاب الذي أصابته المصيبة وهو الوارث قاله القاري (إحدى ثلاث) أي خصال (إما أن يقتص) أي يقتاد من خصمه (وإما أن يعفو) عنه (فإن أراد) أي المصاب (الرابعة) أي الزائدة على الثلاث (فخذوا على يديه) أي امنعوه عنها (ومن اعتدى) أي إلى الرابعة (بعد ذلك) أي بعد بلوغ هذا البيان أو بعد منع الناس إياه والأول أحسن قاله في فتح الودود أو أن من اعتدى إلى الرابعة أي تجاوز الثلاث وطلب شيئا آخر بأن قتل القاتل بعد ذلك أي بعد العفو أو أخذ الدية أو بأن عفا ثم طلب الدية (فله) أي للمعتدي (عذاب أليم) أي موجع شديد قال الحافظ في الفتح إن المخير في القود أو أخذ الدية هو الولي وهو قول الجمهور وقرره الخطابي وذهب مالك والثوري وأبو حنيفة إلى أن الخيار في القصاص أو الدية للقاتل انتهى وأطال الحافظ الكلام في ذلك في باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين فليرجع إليه قال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجة وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه وفي إسناده أيضا سفيان بن أبي العوجاء السلمي قال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور انتهى قلت وأخرجه الدارمي بتغيير يسير (إلا أمر) رسول الله (فيه) أي في القصاص (بالعفو) قال في النيل والترغيب
[ 136 ]
في العفو ثابت بالأحاديث الصحيحة ونصوص القرآن الكريم ولا خلاف في مشروعية العفو في الجملة وإنما وقع الخلاف فيما هو الأولى للمظلوم هل العفو عن ظالمه أو ترك العفو قال المنذري والحديث أخرجه النسائي (فرفع) على صيغة المجهول (ذلك) الأمر (فدفعه) أي دفع النبي القاتل (ما أردت قتله) أي ما كان القتل عمدا (قال) أبو هريرة (أما) بالتخفيف للتنبيه (إنه) أي القاتل (إن كان صادقا) يفيد أن ما كان ظاهره العمد لا يسمع فيه كلام القاتل أنه ليس بعمد في الحكم نعم ينبغي لولي المقتول أن لا يقتله خوفا من لحوق الإثم به على تقدير صدق دعوى القاتل (فخلى سبيله) أي ترك ولي المقتول القاتل (وكان) أي القاتل (مكتوفا) قال في النهاية المكتوف الذي شدت يداه من خلفه (بنسعة) بكسر نون قطعة جلد تجعل زماما للبعير وغيره قاله السندي وفي النهاية النسعة بالكسر سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره وقد تنسج عريضة تجعل على صدر البعير (فخرج) القاتل (فسمي) على صيغة المجهول أي القاتل قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حسن صحيح (الجشمي) بضم الجيم وفتح الشين منسوب إلى قبيلة (العائذي) منسوب إلى قبيلة (برجل قاتل) بالكسر صفة لرجل (قال) وائل (فدعا) النبي (ولي المقتول) بفتح الياء (فقال) النبي لولي المقتول (أتعفو) عنه (قال) النبي للولي (اذهب به) أي القاتل (فلما ولى)
[ 137 ]
وأدبر الولي (قال) النبي (إن عفوت) خطاب للولي (عنه) أي عن القاتل (يبوء) بهمزة بعد الواو أي يلتزم ويرجع القاتل (بإثمه) أي القاتل (وإثم صاحبه) يعني المقتول قال في النهاية أصل البواء اللزوم ومعنى يبوء الخ أي كان عليه عقوبة ذنبه وعقوبة قتل صاحبه فأضاف الإثم إلى صاحبه لأن قتله سبب لإثمه انتهى قال الخطابي معناه أنه يتحمل إثمه في قتل صاحبه فأضاف الإثم إلى صاحبه إذ صار بكونه محلا للقتل سببا ثمه وهذا كقوله تعالى إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون فأضاف الرسول إليهم وإنما هو في الحقيقة رسول الله أرسله إليهم وأما الإثم المذكور ثانيا فهو إثمه فيما قارفه من الذنوب التي بينه وبين الله سوى الإثم الذي قارفه من القتل فهو يبوء به إذا عفا عن القتيل ولو قتل لكان كفارة له انتهى وقال السندي في حاشية النسائي وقيل في تأويله أي يرجع ملتبسا بإثمه السابق وبالإثم الحاصل له بقتل صاحبه فأضيف إلى الصاحب لأدنى ملابسة بخلاف ما لو قتل فإن القتل يكون كفارة له عن إثم القتل انتهى وفي رواية لمسلم والنسائي أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك قال النووي معناه يتحمل إثم المقتول لإتلافه مهجته وإثم الولي لكونه فجعه في أخيه ويكون قد أوحي إليه بذلك في هذا الرجل خاصة ويحتمل أن معناه يكون عفوك عنه سببا لسقوط إثمك وإثم أخيك المقتول والمراد إثمهما السابق بمعاص لهما متقدمة لا تعلق لها بهذا القاتل فيكون معنى يبوء يسقط وأطلق هذا اللفظ عليه مجازا انتهى قال السندي لعل الوجه في هذا الحديث أن يقال المراد برجوعه بإثمهما لم هو رجوعه ملتبسا بزوال إثمهما عنهما ويحتمل أنه تعالى يرضى بعفو الولي فيغفر له ولمقتوله فيرجع القاتل وقد أزيل عنهما إثمهما بالمغفرة (قال) وائل (فعفا) أي الولي (عنه) عن القاتل قال الخطابي فيه من الفقه أن الولي مخير بين القصاص وأخذ الدية وفيه دليل على أن دية العمد تجب حالة في مال الجاني وفيه دليل على أن الإمام يشفع إلى ولي الدم في العفو بعد وجوب القصاص وفيه إباحة الاستيثاق بالشد والرباط ممن يجب عليه القصاص إذا خشي انفلاته وذهابه وفيه جواز إقرار من جئ به في حبل أو رباط وفيه دليل على أن القاتل إذا عفي عنه لم يلزمه تعزير ويحكى عن مالك بن أنس أنه قال يضرب بعد العفو مائة سوط ويحبس سنة انتهى قال المنذري والحديث أخرجه النسائي
[ 138 ]
(بإسناده) السابق (ومعناه) أي الحديث السابق (فقال) الرجل (إن هذا) أي الحبشي (قال) النبي للحبشي (بالفأس) آلة ذات هراوة قصيرة يقطع بها الخشب وغيره (ولم أرد قتله) أي ما كان القتل عمدا (قال) النبي (ديته) أي المقتول وفي رواية مسلم قال كيف قتلته قال كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته فقال له النبي هل لك من شئ تؤديه عن نفسك قال ما لي مال إلا كسائي وفأسي قال فترى قومك يشترونك قال أنا أهون على قومي من ذاك الحديث (أفرأيت) أي أخبرني (فمواليك) الموالي جمع المولى والمراد به ههنا السيد قال في النهاية المولى اسم يقع على جماعة كثيرة فهو الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه وأكثرها قد جاءت في الحديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه وكل من ولي أمرا وقام به فهو مولاه ووليه وقد تختلف مصادر هذه الأسماء فالولاية بالفتح في النسب والنصرة والعتق والولاية بالكسر في الإمارة والولاء في المعتق والموالاة من والى القوم (ديته) أي المقتول (خذه) أي القاتل (فخرج) الرجل (به) أي بالقاتل (ليقتله) أي القاتل (أما إنه) أي ولي المقتول (إن قتله) أي القاتل (كان) ولي المقتول (مثله) أي القاتل قال النووي فالصحيح في تأويله أنه مثله في أنه لا فضل ولا منة لأحدهما على الآخر لأنه استوفى حقه منه بخلاف ما لو عفا عنه فإنه كان له الفضل والمنة وجزيل ثواب الآخرة وجميل الثناء في الدنيا وقيل فهو مثله في أنه قاتل وإن اختلفا في التحريم والإباحة لكنهما استويا في طاعتهما الغضب ومتابعة الهوى لاسيما وقد طلب النبي منه العفو انتهى قال الخطابي يحتمل وجهين أحدهما أنه لم ير لصاحب الدم أن يقتله لأنه ادعى أن قتله
[ 139 ]
كان خطأ أو شبه العمد فأورث ذلك شبهة في وجوب القتل والأخرى أن يكون معناه أنه إذا قتله كان مثله في حكم البواء فصارا متساويين لا فضل للمقتص إذا استوفي حقه على المقتص منه انتهى (فبلغ به) أي بالقاتل والباء للتعدية (الرجل) فاعل بلغ والمراد بالرجل ولي المقتول والمعنى فأبلغ الرجل الذي هو ولي المقتول القاتل عند رسول الله (حيث) أي حين (يسمع) ولي المقتول (قوله) أي قول رسول الله إما بلا واسطة أو بواسطة رجل آخر وهذا هو الصحيح كما في رواية مسلم ونصه فرجع فقال يا رسول الله بلغني أنك قلت إن قتله فهو مثله وفي لفظ له قال فأتى رجل الرجل فقال له مقالة رسول الله (فقال) الرجل (هو) أي القاتل (ذا) أي حاضر (فمر فيه) أي القاتل (أرسله) أي القاتل (فيكون) أي القاتل (من أصحاب النار) أي إن مات بلا توبة ولم يغفر له تفضلا أو المعنى فيكون منهم جزاء واستحقاقا وأما وصول الجزاء إليه فموقوف على عدم التوبة وعدم عفو الرب الكريم وعند أحدهما يرتفع هذا الجزاء قاله في فتح الودود (قال) وائل (فأرسله) أي أرسل الرجل الذي هو ولي المقتول القاتل قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والنسائي (وهو محصور في الدار) أي محبوس فيها يقال حصره إذا حبسه فهو محصور كذا في النهاية (وكان في الدار مدخل) هو اسم كان ومدخل البيت بفتح الميم لموضع الدخول إليه (من) بفتح الميم (دخله) أي ذلك المدخل (سمع) أي الداخل (كلام) بفتح الميم مفعول لسمع مضاف إلى (من) بفتح الميم (على البلاط) قال في النهاية البلاط ضرب من الحجارة تفرش به الأرض ثم سمي المكان بلاطا اتساعا وهو موضع معروف بالمدينة انتهى قلت وهو المراد ههنا (فدخله) وفي رواية لأحمد فدخل ذلك المدخل (عثمان) ليسمع كلام الناس الذين كانوا عند البلاط (فخرج) عثمان (إلينا) من المدخل (و) الواو للحال
[ 140 ]
(إنهم) أي الذين كانوا عند البلاط (قال) أبو أمامة (يكفيكهم الله) أي يكفي الله ويرفع ويمنع عنك شرهم (قال) عثمان (إلا بإحدى ثلاث) أي من الخصال (بعد إحصان) أي بعد تزويج (ولا أحببت أن لي بديني) وفي لفظ لأحمد ولا تمنيت بدلا بديني (ولا قتلت نفسا) أي بغير حق (فبم يقتلونني) أي فبأي سبب يريدون قتلي ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن عثمان رضي الله عنه كان مظلوما فقال لهم لم أردتم قتلي إني ما صنعت شيئا قط يوجب القتل فقال ما زنيت الخ فاعتذر بهذه الكلمات وطلب عنهم العفو والصفح إن صدرت منه زلة والحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال المزي في الأطراف والحديث أخرجه أبو داود في الديات والترمذي في الفتن والنسائي في المحاربة وابن ماجة في الحدود وحديث أبي داود في رواية أبي بكر بن داسة وغيره ولم يذكره أبو القاسم انتهى قال صاحب المشكاة رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وللدارمي لفظ الحديث (زياد بن ضميرة) بضم الضاد المعجمة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث قاله المنذري (عبد الرحمن بن أبي الزناد) قال المنذري وقد وثقه الإمام مالك واستشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد (زياد بن سعد ابن ضميرة السلمي) قال في التقريب زياد ويقال زيد بن سعد بن ضميرة ويقال زياد بن
[ 141 ]
ضميرة بن سعد مقبول من الرابعة (وهو أتم) أي حديث وهب (يحدث) أي زياد ابن سعد (عروة) بفتح التاء مفعول يحدث (عن) أبيه أي ناقلا عن أبيه وهو سعد (قال موسى) بن إسماعيل (وجده) بكسر الدال أي يحدث زياد عن أبيه سعد وعن جده ضميرة (وكانا) أي سعد وضميرة (أن محلم) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد اللام وكسرها وبعدها ميم قاله المنذري (ابن جثامة) بفتح الجيم وتشديد الثاء المثلثة وفتحها وبعد الألف ميم مفتوحة وتاء تأنيث قاله المنذري (من أشجع) بسكون الشين المعجمة وبعدها جيم مفتوحة وعين مهملة هو ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بطن وقال الجوهري قبيلة من غطفان وريث بفتح الراء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها ثاء مثلثة قاله المنذري (أول غير) الغير بكسر الغين المعجمة وفتح المثناة التحتية وراء الدية قيل هي جمع غيرة وقيل مفرد جمعها أغيار كضلع حدثنا وأضلاع وأصلها من المغايرة لأنها بدل من القتل كذا في مرقاة الصعود (قضى به) أي بالغير (فتكلم عيينة في قتل الأشجعي) قال في أسد الغابة الأشجعي هو عامر بن الأضبط الأشجعي الذي قتلته سرية رسول الله متعوذا بالشهادة انتهى وفي رواية لابن إسحاق في المغازي يقول حدثني أبي وجدي وكانا شهدا حنينا مع النبي قالا صلى بنا النبي الظهر يوم حنين ثم جلس إلى ظل شجرة فقام إليه الأقرع ابن حابس وعيينة بن حصن وعيينة يومئذ يطلب بدم عامر بن الأضبط المقتول الحديث (لأنه) أي الأشجعي (من غطفان) وعيينة أيضا كان من غطفان قال في أسد الغابة عيينة ابن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جويرية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان الفزاري انتهى فكانا من قبيلة واحدة (دون محلم) بن جثامة أي من جانبه وفي رواية ابن إسحاق في المغازي والأقرع بدافع عن محلم بن جثامة القاتل (لأنه) أي محلما (من خندف) وأقرع بن حابس أيضا من خندف وهي بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وبعدها الدال المهملة المكسورة وهي زوج إلياس بن مضر واسمها ليلى انتسب إليها ولد إلياس بن مضر وهي أمهم وكان سبب تلقبها ابن بذلك أن إلياس بن مضر خرج منتجعا (قال في المصباح انتجع القوم إذا ذهبوا لطب الكلاء منه) فنفرت إبله من أرنب فطلبها ابنه عمرو بن إلياس فأدركها فسمي مدركة وخرج عامر بن إلياس في طلبها فأخذها
[ 142 ]
فطبخها فسمي طابخة وانقمع عمير بن إلياس في الخباء فلم يخرج فسمي قمعة فخرجت أمه ليلى تنظر مشي الخندفة قوله وهو ضرب من المشي فيه تبختر فقال لها إلياس أين تخندفين وقد ردت الإبل فسميت خندفا قاله المنذري (واللغط) بفتحتين قال في النهاية اللغط صوت وضجة لا يفهم معناها (أ) همزة الاستفهام (لا تقبل الغير) أي الدية والاستفهام للتقرير (لا والله) أي لا أقبل والواو للقسم (حتى أدخل) من الإدخال (على نسائه) أي القاتل (من الحرب) بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين أي المقاتلة (والحزن) بفتح الحاء المهملة وفتح الزاي المعجمة وبضم الحاء وسكون الزاي (ما) موصولة (أدخل) أي القاتل (قال) أي سعدا وضميرة (مثل ذلك) أي القول السابق (مكيتل) بمثناة مصغر وقيل بكسر المثلثة وآخره راء الليثي قاله في اصابة (عليه شكة) بكسر الشين المعجمة السلاح (وفي يده) أي مكيتل (درقة) الدرقة الحجفة وهي الترس من جلود ليس فيها خشب ولا عصب (فقال) مكيتل (لما فعل هذا) أي محلم (في غرة الإسلام) قال في النهاية غرة الإسلام أوله وغرة كل شئ أوله (إلا غنما وردت) على الماء للشرب (فرمي) بصيغة المجهول أي بالنبل أو الحجارة لقتلها أو لطردها (أولها) أي الغنم (فنفر آخرها) أي بقية الغنم لخوف القتل فكذلك ينبغي لك أن تقتل هذا الأول حتى يكون قتله عظة وعبرة للآخرين قاله السندي (اسنن اليوم) صيغة أمر من سن سنة من باب نصر (وغير غدا) صيغة أمر من التغيير وهذا مثل ثان ضربه لترك القتل كما أن الأول ضربه للقتل ولذلك ترك العطف أي وإلا قولهم هذا ومعناه وقرر حكمك اليوم وغيره غدا أي إن تركت القصاص اليوم في أول ما شرع واكتفيت بالدية ثم أجريت القصاص على أحد يصير ذلك كهذا المثل والحاصل إن قتلت اليوم يصير مثله كمثل غنم وإن تركت اليوم يصير مثله كهذا المثل قاله السندي وقال الإمام ابن الأثير في النهاية أسنن اليوم وغير غدا أي اعمل بسنتك التي سننتها في القصاص ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغير فغير أي تغير ما سننت وقيل تغير من أخذ الغير وهي الدية انتهى
[ 143 ]
وقال الخطابي هذا مثل يقول إن لم تقتص منه اليوم لم تثبت سنتك غدا ولم ينفذ حكمك بعدك أو إن لم تفعل ذلك وجد القاتل سبيلا إلى أن يقول مثل هذا القول أعني قوله اسنن اليوم وغير غدا فتتغير لذلك سنتك وتبدل أحكامها انتهى وقال السيوطي في مرقاة الصعود إن مثل محلم في قتله الرجل وطلبه أن لا يقتص منه وتؤخذ منه الدية والوقت أول الإسلام وصدره كمثل هذه الغنم النافرة يعني إن جرى الأمر مع أولياء هذا القتيل على ما يريد محلم ثبط الناس عن الدخول في الإسلام معرفتهم أن القود يغير بالدية والعوض خصوصا وهم حراص على درك الأوثار له وفيهم الأنفة من قبول الديات ثم حث رسول الله على الإقادة منه بقوله اسنن اليوم وغير غدا يريد إن لم تقتص منه غيرت سنتك ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه (خمسون) أي إبلا لولي المقتول (في فورنا هذا) أي على الوقت الحاضر لا تأخير فيه (وخمسون) إبلا والمعنى أن النبي رضي بالدية بدل القصاص فقال إن على القاتل مائة إبل في الدية لولي المقتول خمسون إبلا في الوقت الحاضر وخمسون إبلا بعد الرجوع إلى المدينة (وذلك) أي القتل والقصة كان (طويل آدم) أي أسمر اللون (وهو) أي محلم جالس (في طرف الناس) أي في جانبهم (فلم يزالوا) أي معاونون لمحلم انتصروا له (حتى تخلص) بفتح الخاء وشدة اللام بصيغة الماضي أي نجا محلم من القتل (وعيناه) أي محلم (تدمعان) أي تسيلان الدمع وهو ماء العين (بصوت عال) أي قال النبي هذه الجملة اللهم الخ بصوت عال (فقام) محلم (وإنه) أي محلما (ليتلقى) أي ليأخذ ويمسح قال في لسان العرب وتلقاه أي استقبله وأما قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فمعناه أنه أخذها عنه انتهى (فزعم قومه) أي محلم (استغفر له) أي لمحلم مطابقة الحديث للترجمة من حيث أن رسول الله لما أمر عيينة بأخذ الدية عوض القصاص فهو أمر بالعفو أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس
[ 144 ]
رضي الله عنه قال كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله لهذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى إلى هذه الآية فمن عفي له من أخيه شئ قال ابن عباس فالعفو أن يقبل الدية في العمد قال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه مختصرا وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه انتهى كلامه (باب ولي العمد يأخذ الدية) أي هذا باب في بيان أن ولي المقتول بالقتل العمد يأخذ الدية ويرضى بها (سمعت أبا شريح) بالتصغير (الكعبي) هو أبو شريح خويلد بن عمرو الكعبي العدوي الخزاعي أسلم قبل الفتح ومات بالمدينة سنه ثمان وستين روى عنه جماعة وهو مشهور بكنيته (ألا) بفتح الهمزة واللام المخففة وهي كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها وتأتي لمعان أخر (خزاعة) بضم الخاء المعجمة وبالزاي وهي قبيلة كانوا غلبوا على مكة وحكموا فيها ثم أخرجوا منها فصاروا في ظاهرها وهذا من تتمة خطبته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وكانت خزاعة قتلوا في تلك الأيام رجلا من قبيلة بني هذيل بقتيل لهم في الجاهلية فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ديته لإطفاء الفتنة بين الفئتين (هذا القتيل) أي المقتول (من هذيل) بالتصغير (وإني عاقله) أي مؤد ديته من العقل وهو الدية سميت به لأن إبلها تعقل بفناء ولي الدم أو لأنها تعقل أي تمنع دم القاتل عن السفك (فأهله) أي وارث القتيل (بين خيرتين) بكسر ففتح ويسكن أي اختيارين والمعنى مخير بين أمرين وقال بعض شراح المصابيح الخيرة الإثم من الاختيار (بين أن يأخذوا) أي أولياء المقتول (العقل) أي الدية من عاقلة القاتل (أو يقتلوا) أي قاتله قال الخطابي فيه بيان أن الخيرة إلى ولي الدم في القصاص وأخذ الدية وأن القاتل إذا قال لأعطينكم المال فاستفيدوا ذلك مني واختار أولياء الدم المال كان لهم مطالبته به ولو قتله جماعة كان لولي الدم أن يقتل منهم من شاء ويطالب بالدية من شاء وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق
[ 145 ]
وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس وهو قول سعيد بن المسيب والشعبي وابن سيرين وعطاء وقتادة وقال الحسن والنخعي ليس لأولياء الدم إلا الدم إلا أن يشاء القاتل أن يعطي الدية انتهى قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح (من قتل له قتيل) أي القتيل بهذا القتل لا بقتل سابق لأن قتل القتيل محال قال في العمدة قتيل فعيل بمعنى مفعول سمي بما آل إليه حاله وهو في الأصل صفة لمحذوف أي لولي قتيل ويحتمل أن يضمن قتل معنى وجد له قتيل قال ولا يصح هذا التقدير في قوله عليه السلام من قتل قتيلا فله سلبه والأول من قبيل تسمية العصير خمرا وجواب من الشرطية قوله (فهو) أي ولي القتيل (بخير النظرين) وهما الدية والقصاص (إما أن يؤدي) بضم التحتية وسكون الواو وفتح الدال المهملة أي يعطي القاتل أو أولياءه لأولياء المقتول الدية (وإما أن يقاد) بضم أوله من القود وهو القصاص أي يقتص من القاتل يعني يقتل القاتل به (أبو شاه) بالهاء لا غير على المشهور وقيل بالتاء قاله العيني (قال العباس) هو ابن الوليد في حديثه (اكتبوا لي) بصيغة الجمع قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا (لا يقتل مؤمن بكافر) قال في الفتح وأما ترك قتل المسلم بالكافر فأخذ به الجمهور إلا أنه يلزم من قول مالك في قاطع الطريق ومن في معناه إذا قتل غيلة أن يقتل ولو كان المقتول ذميا
[ 146 ]
استثناء هذه الصورة من منع قتل المسلم بالكافر وهي لا تستثنى في الحقيقة لأن فيه معنى آخر وهو الفساد في الأرض وخالف الحنفية فقالوا يقتل المسلم بالذمي إذا قتله بغير استحقاق ولا يقتل بالمستأمن وعن الشعبي والنخعي يقتل باليهودي والنصراني دون المجوسي (دفع) بصيغة المجهول أي القاتل (فإن شاءوا) أي أولياء المقتول (قتلوه) أي القاتل (وإن شاءوا) أي أولياء المقتول والحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال المزي في الأطراف حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه أبو داود في الديات وكذا الترمذي وابن ماجه فيه وقال الترمذي حسن غريب وحديث أبي داود في رواية ابن الأعرابي وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى (باب من قتل بعد أخذ الدية) (مطر الوراق) قال المنذري مطر بن طهمان الوراق ضعفه غير واحد ولم يجزم (لم يخرج) سماعه من الحسن وقد روي هذا عن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا (عن الحسن) قال المنذري الحسن هذا هو البصري ولم يسمع من جابر بن عبد الله فهو منقطع (لا أعفي) قال في النهاية هذا دعاء عليه أي لا كثر ماله ولا استغنى انتهى قال السندي وهذا يدل على أن أعفى ماض مبني للمفعول وهو كذلك في نسخ صحيحة وفي بعض النسخ والأصول الصحيحة بضم الهمز وكسر الفاء أي بصيغة المتكلم من اعفاء لغة في العفو أي لا أدع ولا أتركه بل أقتص منه ويؤيده ما أخرجه أبو داود الطيالسي بلفظ لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية انتهى وكان الولي في الجاهلية يؤمن القاتل بقبول الدية ثم يظفر به فيقتله فيرد الدية فزجر عنه النبي صلى الله عليه وسلم
[ 147 ]
(باب فيمن سقى رجلا سما) محمد قال النووي أما السم فبفتح السين وضمها وكسرها ثلاث لغات الفتح أفصح جمعه سمام وسموم أو أطعمه فمات أي الرجل أيقاد أي أيقتص منه أي من الساقي (أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم) في خيبر (بشاة مسمومة) وأكثرت من السم في الذراع لما قيل لها إنه عليه الصلاة والسلام يحبها (فأكل) أي النبي صلى الله عليه وسلم (منها) أي من الشاة وأكل معه بشر بن البراء ثم قال لأصحابه امسكوا فإنها مسمومة (فجئ بها) أي باليهودية (فسألها) أي اليهودية (عن ذلك) الأمر (فقالت) اليهودية (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (ليسلطك) بكسر الكاف (على ذلك) أي على قتلي فيه بيان عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم كما قال الله والله يعصمك من الناس وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته من السم المهلك لغيره وفي إعلام الله تعالى بأنها مسمومة وكلام عضو ميت له كما جاء في الرواية الآتية أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الذراع تخبرني أنها مسمومة (أو قال علي) شك من الراوي (قال) أي أنس (فقالوا) أي الصحابة (ألا نقتلها) أي اليهودية بهمزة الاستفهام والاستفهام للتقرير (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا) لأنه كان لا ينتقم لنفسه ثم مات بشر فقتلها به قصاصا (فما زلت) قول أنس (أعرفها) أي العلامة كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره (في لهوات) بفتح اللام والهاء والواو جمع لهاة وهي اللحمة المعلقة في أصل الحنك وقيل هي ما بين منقطع اللسان إلى منقطع أصل الفم ومراد أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتريه المرض من تلك الأكلة أحيانا ويحتمل أنه كان يعرف ذلك في اللهوات بتغير لونها أو بنتو فيها أو تحفير قاله القسطلاني قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم (سفيان بن حسين) قال المنذري هو أبو محمد السلمي الواسطي وقد استشهد به
[ 148 ]
البخاري وأخرج له مسلم في المقدمة وتكلم فيه غير واحد (قال) أبو هريرة (فما عرض) بتخفيف الراء ما نافية أي ما تعرض (لها) أي لليهودية بشئ أي في أول الأمر فلما مات بشر الذي أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فقتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودية قصاصا قال أبو داود هذه أخت مرحب قال المنذري وقد ذكر غيره أنها ابنة أخي مرحب وأن اسمها زينب بنت الحارث وذكر الزهري أنها أسلمت (شاة مصلية) أي مشوية (ثم أهدتها) أي الشاة المسمومة (فأكل منها) أي من الذراع (وأكل رهط) أي جماعة (معه) صلى الله عليه وسلم (ثم قال لهم) أي لأصحابه الأكلين (ارفعوا أيديكم) ولا تأكلوا منها (وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم) رجلا (فدعاها) أي دعا الرجل اليهودية فجاءت (أسممت هذه الشاة) بهمزة الاستفهام أي أجعلت فيها السم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (هذه في يدي الذراع) بضم العين بدل من هذه (قالت) اليهود (قلت) أي في نفسي (إن كان) أي محمد (نبيا) ويأكل الشاة المسمومة (فلم يضره) صلى الله عليه وسلم أكل السم (وإن لم يكن) أي محمد (نبيا) فيأكله فيموت (استرحنا منه) أي من محمد صلى الله عليه وسلم (فعفا عنها) أي عن اليهودية (ولم يعاقبها) أي لم يؤاخذ النبي صلى الله عليه وسلم اليهودية بهذا الفعل قال في مرقاة الصعود وفي الحديث الذي يليه فأمر بقتلها فقتلت قال الواقدي الثابت عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها وأمر بلحم الشاة فأحرق
[ 149 ]
وقال البيهقي في سننه اختلفت الروايات في قتلها وما روي عن أنس أصح قال ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم في الابتداء لم يعاقبها حين لم يمت أحد من الصحابة ممن أكل فلما مات بشر بن البراء أمر بقتلها فروى كل واحد من الرواة ما شاهد انتهى قال النووي قال القاضي عياض واختلف آثار والعلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا فوقع في صحيح مسلم أنهم قالوا ألا نقتلها قال لا ومثله عن أبي هريرة وجابر وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قتلها وفي رواية ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل منها فمات بها فقتلوها وقال ابن سحنون أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها قال القاضي عياض وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها أولا حين أطلع على سمها وقيل له اقتلها فقال لا فلما مات بشر بن البراء من ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا فيصح قولهم لم يقتلها أي في الحال ويصح قولهم قتلها أي بعد ذلك والله أعلم انتهى (على كاهله) قال في المصباح الكاهل مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق وقال أبو زيد الكاهل من الإنسان خاصة ويستعار لغيره وهو ما بين كتفيه (حجمه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (بالقرن) قال في النهاية وهو اسم موضع فإما هو الميقات أو غيره وقيل هو قرن ثور جعل كالمحجمة إلى انتهى وبالفارسية شاخ كاو (والشفرة) قال في النهاية الشفرة السكين العريضة (وهو) أي أبو هند (مولى لبني بياضة من الأنصار) قال المنذري هذا الحديث منقطع الزهري لم يسمع من جابر بن عبد الله وذكر بعضهم أنه ليس في الحديث أكثر من أن اليهودية أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعثتها إليه فصارت ملكا له وكان أصحابه أضيافا له ولم تكن هي قدمتها إليه وإليهم وما كان هذا سبيله فالقود فيه ساقط لما ذكرنا من علة المباشرة وتقديمها على السبب وأشار إلى أن حديث أبي سلمة مرسل وحديث جابر منقطع كما ذكرنا (عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) مرسلا وفي بعض النسخ زيادة أبي هريرة بعد أبي سلمة وهو غلط لأن هذا الحديث من هذه الطريق مرسل ذكره المنذري وقال المزي في الأطراف رواه أبو داود عن وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله الطحان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية شاة الحديث
[ 150 ]
وقال في كتاب المراسيل من الأطراف محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية الحديث انتهى (أهدت له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (مصلية) أي مشوية (نحو حديث جابر) السابق (قال) الراوي (فأرسل) أي النبي صلى الله عليه وسلم رجلا (فأمر بها) أي باليهودية (فقتلت) قصاصا من بشر قال الخطابي وقد اختلف الناس فيما يجب على من جعل في طعام رجل سما فأكله فمات فقال مالك عليه القود وأوجبه الشافعي في أحد قوليه إذا جعل في طعامه سما وأطعمه إياه وفي شرابه فسقاه ولم يعلمه أن فيه سما فمات قال الشافعي ولو خلطه بطعام فوضعه ولم يقل له كله فأكله أو شربه فمات فلا قود عليه (ولم يذكر) الراوي (أمر الحجامة) قال المنذري وهذا مرسل ورويناه عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقال البيهقي أيضا ويحتمل أنه لم يقتلها في الابتداء ثم لما مات بشر بن البراء أمر بقتلها والله عز وجل أعلم (حدثنا وهب بن بقية عن خالد) الحديث ليس من رواية اللؤلؤي وإنما هو في رواية ابن داسة هكذا مختصرا وأما في رواية ابن الأعرابي فهو أتم من هذا والله أعلم (وإن كنت) بالخطاب (ملكا) من الملوك (فأمر بها) أي باليهودية (ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم (في
[ 151 ]
وجعه) أي مرضه (مازلت أجد) أي ألما (من الأكلة) الأكلة بالفتح المرة وبالضم اللقمة وهي المراد ههنا (فهذا أوان) قال في المصباح الأوان بفتح الهمزة وكسرها لغة الحين والزمان انتهى وفي النهاية ويجوز في أوان الضم والفتح فالضم لأنه خبر المبتدأ والفتح على البناء لإضافته إلى مبني (قطعت أبهري) قال في النهاية الأبهر عرق في الظهر وهما أبهران كان وقيل هما الأكحلان أبو اللذان في الذراعين وقيل هو عرق مستبطن القلب فإذا انقطع لم تبق معه حياة انتهى هذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال المزي في الأطراف حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فأهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية الحديث أخرجه أبو داود في الديات عن وهب ابن بقية عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به قال وهب في موضع آخر عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أبا هريرة (أي بذكر أبي هريرة) هكذا وقع هذا الحديث في رواية أبي سعيد بن الأعرابي عن أبي داود وعند باقي الرواة عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه أبو هريرة وقد جوده ابن الأعرابي عن أبي داود ولم يذكره أبو القاسم (ما يتهم بك) على صيغة المجهول وما استفهامية أي أي شئ من المرض يظن بك قال في المصباح اتهمته بالتثقيل أي ظننت به سوء (فإني لا أتهم) أي لا أظن (بابني شيئا) من المرض (وأنا) أيضا (لا أتهم) أي لا أظن (بنفسي) من المرض (إلا ذلك) أي أثر السم هذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري
[ 152 ]
وقال المزي في الأطراف حديث أم مبشر أخرجه أبو داود في الديات عن مخلد بن خالد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه به وعن أحمد ابن حنبل عن إبراهيم بن خالد عن رباح عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب بن مالك أن أم مبشر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر معنى حديث مخلد بن خالد قال أبو سعيد ابن الأعرابي كذا قال عن أمه والصواب عن أبيه عن أم مبشر وهذا الحديث في رواية أبي سعيد بن الأعرابي وأبي بكر بن داسة عن أبي داود ولم يذكره أبو القاسم انتهى (باب من قتل عبده أو مثل به أيقاد منه) (حدثنا حماد) فشعبة وحماد يرويان عن قتادة (عن الحسن) هو البصري (عن سمرة) بن جندب (من قتل عبده قتلناه) قال الترمذي قد ذهب بعض أهل العلم من التابعين منهم إبراهيم النخعي إلى هذا وقال بعض أهل العلم منهم الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح ليس بين الحر والعبد قصاص في النفس ولا في دون النفس وهو قول أحمد وإسحاق وقال بعضهم إذا قتل عبده لا يقتل به وإذا قتل عبد غيره قتل به وهو قول سفيان الثوري انتهى وقال القاري قال الخطابي هذا زجر ليرتدعوا فلا يقدموا على ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم في شارب الخمر إذا شرب فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه ثم قال في الرابعة أو الخامسة فإن عاد فاقتلوه ثم لم يقتله حين جئ به وقد شرب رابعا أو خامسا وقد تأوله بعضهم على أنه إنما جاء
[ 153 ]
في عبد كان يملكه فزال عنه ملكه فصار كفؤا له بالحرية وذهب بعضهم إلى أن الحديث منسوخ بقوله تعالى الحر بالحر والعبد بالعبد إلى والجروح قصاص انتهى ومذهب أصحاب أبي حنيفة أن الحر يقتل بعبد غيره دون عبد نفسه وذهب الشافعي ومالك أنه لا يقتل الحر بالعبد وإن كان عبد غيره وذهب إبراهيم النخعي وسفيان الثوري إلى أنه يقتل بالعبد وإن كان عبد نفسه (ومن جدع) بفتح الدال المهلمة (عبده) أي قطع أطرافه (جدعناه) قال في النهاية الجدع قطع الأنف والأذن والشفة وهو بالأنف أخص فإذا أطلق غلب عليه يقال رجل أجدع ومجدوع إذا كان مقطوع الأنف انتهى وفي شرح السنة ذهب عامة أهل العلم إلى أن طرف الحر لا يقطع بطرف العبد فثبت بهذا الاتفاق أن الحديث محمول على الزجر والردع أو هو منسوخ انتهى قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب وقد تقدم الكلام في سماع الحسن من سمرة (بإسناده) أي الحديث السابق (خصيناه) في المصباح خصيت العبد أخصيه خصاء بالكسر والمد سللت خصييه وقد مر تأويله في الحديث الذي قبله قال السندي المراد بقوله قتلناه وأمثاله عاقبناه وجازيناه على سوء صنيعه إلا أنه عبر بلفظ القتل ونحوه للمشاكلة كما في قوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وفائدة هذا التعبير الزجر والردع وليس المراد أنه تكلم بهذه الكلمة لمجرد الزجر من غير أن يريد به معنى أو أنه أراد حقيقته لقصد الزجر فإن الأول يقتضي أن تكون هذه الكلمة مهملة والثاني يؤدي إلى الكذب لمصلحة الزجر وكل ذلك لا يجوز وكذا كل ما جاء في كلامهم من نحو قولهم هذا وارد على سبيل التغليظ والتشديد فمرادهم أن اللفظ يحمل على معنى مجازي مناسب للمقام انتهى (ثم ذكر مثل حديث شعبة) ولفظ النسائي من طريق محمد بن بشار عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال من خصى عبده خصيناه ومن جدع عبده جدعناه انتهى قال المنذري والحديث أخرجه النسائي
[ 154 ]
(بإسناد شعبة مثله) أي مثل حديث شعبة ولفظ ابن ماجه من طريق وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه انتهى (نسي هذا الحديث) أي حديث سمرة من قتل عبده قتلناه قال الخطابي يحتمل أنه لم ينس الحديث ولكنه كان يتأوله على غير معنى ايجاب ويراه نوعا من الزجر ليرتدعوا فلا يقدموا على ذلك وذهب بعض أهل العلم إلى أن حديث سمرة منسوخ (لا يقاد الحر بالعبد) أي لا يقتص من الحر إذا قتل الحر العبد (محمد بن الحسن بن تسنيم) قال في التقريب محمد بن الحسن بن تسنيم بفتح المثناة وسكون المهملة وكسر النون بعدها تحتانية ساكنة الأزدي العتكي بفتح المهملة والمثناة البصري نزيل الكوفة صدوق انتهى (حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) قال المنذري وقد تقدم الكلام على اختلاف الأئمة في حديث عمرو بن شعيب (جاء رجل) أي عبد (مستصرخ) أي مستغيث في النهاية الاستصراخ الاستغاثة (فقال) أي المستصرخ هذه جارية) له أي لفلان يعني لسيدي وقد أوجعني السيد من أجلها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويحك) في النهاية ويح كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر وقد ترفع وتضاف ولا تضاف يقال ويح زيد وويحا له وويح له (فقال) العبد المستصرخ (شر) أي حصل شر (أبصر) بيان للشر أي نظر العبد (لسيده جارية له) أي للسيد أي نظر العبد جارية لسيده وفي رواية ابن ماجه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم صارخا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك قال سيدي رآني أقبل جارية له فجب مذاكيري الحديث (فغار) من الغيرة وهي الحمية والأنفة يقال رجل غيور وامرأة غيور
[ 155 ]
أي غار السيد عليه (فجب مذاكيره) أي قطع السيد ذكر عبده (علي) أي ائتوني (بالرجل) أي السيد (فطلب) على بناء المفعول أي السيد (فلم يقدر عليه) على صيغة المجهول أي لم يتمكن منه وفي المصباح قدرت على الشئ قويت عليه وتمكنت منه (اذهب) للعبد المقطوع مذاكيره (فأنت حر) كأنه صلى الله عليه وسلم اعتق عليه لئلا يجترئ الناس على مثله قاله السندي في حاشية ابن ماجه والصحيح أن من يفعل ذلك الفعل الشنيع بعبده يعتق عليه العبد ويصير حرا وبوب ابن ماجه باب من مثل بعبده فهو حرا انتهى والأمر كما قال والله أعلم (فقال) العبد (على من نصرتي) وفي رواية لابن ماجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب فأنت حر قال على من نصرتي يا رسول الله قال يقول أرأيت إن استرقني مولاي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل مؤمن أو مسلم (أو قال) شك من الراوي (قال أبو داود الذي عتق كان اسمه إلخ) هذه العبارة إلى آخرها وجدت في بعض النسخ وأخرج ابن ماجه من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن سلمة بن روح بن زنباع عن جده أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخصى غلاما له فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم بالمثلة انتهى (باب القسامة) بفتح القاف وتخفيف المهملة مصدر أقسم وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم أو على المدعى عليهم الدم وخص القسم على الدم بالقسامة وقد حكى إمام الحرمين أن القسامة عند الفقهاء اسم للأيمان وعند أهل اللغة اسم للحالفين وقد صرح بذلك في القاموس قال النووي قال القاضي عياض حديث القسامة أصل من أصول الشرع وقاعدة من أحكام الدين وبه أخذ العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وإن اختلفوا في كيفية الأخذ به
[ 156 ]
وروي عن جماعة إبطال القسامة واختلف القائلون بها فيما إذا كان القتل عمدا هل يجب القصاص بها أم لا فقال جماعة من العلماء يجب وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وقول الشافعي في القديم وقال الكوفيون والشافعي في أصح قوليه لا يجب بل تجب الدية واختلفوا فيمن يحلف في القسامة فقال مالك والشافعي والجمهور يحلف الورثة ويجب الحق بحلفهم وقال أصحاب أبي حنيفة يستحلف خمسون من أهل المدينة ويتحراهم الولي يحلفون بالله ما قتلناه وما علمنا قاتله فإذا حلفوا قضى عليهم وعلى أهل المحلة وعلى عاقلتهم بالدية انتهى (بشير بن يسار) بالتصغير (عن سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة (ورافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة والجيم (أن محيصة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر الياء المشددة وفتح الصاد المهملة وقد يسكن الياء وكذلك حويصة الآتي ذكره وقال في القاموس حويصة ومحيصة ابنا مسعود مشددتي أو الصاد صحابيان ولا شك أن تشديد الصاد إنما يكون عند سكون الياء (1) (قبل خيبر) بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى خيبر (في النخل) اسم جنس بمعنى النخيل (فقتل) بصيغة المجهول (فجاء أخوه) أي أخو عبد الله بن سهل (عبد الرحمن بن سهل) بدل من أخوه (وابنا عمه) الضمير المجرور لعبد الله (حويصة ومحيصة) بالرفع فيهما على البدلية من ابنا عمه (في أمر أخيه) أي المقتول (وهو) أي عبد الرحمن (أصغرهم) أي أصغر من الثلاثة (الكبر الكبر) بضم فسكون وبالنصب فيهما على الإغراء أي ليبدأ الأكبر بالكلام أو قدموا الأكبر إرشادا إلى الأدب في تقديم الأسن والتكرير للتأكيد (أو) للشك (فتكلما) أي حويصة ومحيصة (في أمر صاحبهما) أي المقتول (خمسون) أي رجلا (على رجل منهم) أي من اليهود (فليدفع) بصيغة المجهول (برمته) بضم الراء وتشديد الميم الحبل والمراد ها هنا الحبل الذي يربط في ربقة القاتل ويسلم فيه إلى ولي القتيل
[ 157 ]
وفيه دليل لمن قال إن القسامة يثبت فيها القصاص وقد سبق بيان مذهب العلماء فيه وتأول القائلون بعدم القصاص فيها بأن المراد أن يسلم ليستوفي منه الدية لكونها ثبتت عليه (فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم) أي تبرأ إليكم من دعوا كم بخمسين يمينا وقيل معناه يخلصونكم من اليمين بأن يحلفوا فإذا حلفوا انتهت الخصومة ولم يثبت عليهم شئ وخلصتم أنتم من اليمين كذا قال النووي (قوم كفار) أي هم قوم كفار لا تقبل أيمانهم أو كيف نعتبر أيمانهم (فوداه) بتخفيف الدال أي أعطى دية القتيل (من قبله) بكسر ففتح أي من عنده وإنما وداه صلى الله عليه وسلم من عنده قطعا للنزاع وإصلاحا لذات البين فإن أهل القتيل لا يستحقون إلا أن يحلفوا أو يستحلفوا المدعى عليهم وقد امتنعوا من الأمرين وهم مكسورون بقتل صاحبهم فأراد صلى الله عليه وسلم جبرهم وقطع المنازعة بدفع ديته من عنده (قال سهل) أي ابن أبي حثمة (مربدا) بكسر الميم وفتح الباء وهو الموضع الذي يحبس فيه لإابل) والغنم والذي يجعل فيه التمر ليجف (فركضتني) أي ضربتني بالرجل والركض الضرب بالرجل وأراد بهذا الكلام أنه ضبط الحديث وحفظه حفظا بليغا (قال حماد) أي ابن زيد (هذا أو نحوه) أي هذا الحديث هكذا كما رويناه أو فيه تغير بعض الألفاظ مع اتحاد المعنى والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم) أي يثبت حقكم على من حلفتم عليه وهل ذلك الحق قصاص أو دية فيه الخلاف السابق وكلمة أو للشك ثم اعلم أن حكم القسامة مخالف لسائر الدعاوي من جهة أن اليمين على المدعي وأنها خمسون يمينا وهو يخص قوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على من أنكر (ولم يذكر بشر دم) بفتح الميم من غير تنوين على الحكاية وفي بعض النسخ دما بالتنوين أي قال بشر في روايته تستحقون صاحبكم بحذف لفظة دم
[ 158 ]
(وقال عبدة عن يحيى) هو ابن سعيد أي في روايته (كما قال حماد) أي ابن زيد في روايته المذكورة (ولم يذكر الاستحقاق) أي لم يذكر ابن عيينة قوله وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم (وهذا وهم من ابن عيينة) المشار إليه هو بداءته بقوله تبرئكم يهود بخمسين يمينا يحلفون ووقع في بعض نسخ الكتاب هذه العبارة قال أبو عيسى بلغني عن أبي داود أنه قال هذا الحديث وهم من ابن عيينة يعني التبدئة انتهى وأبو عيسى هذا هو الرملي أحد رواة أبي داود قال المنذري قال الشافعي رضي الله عنه إلا أن ابن عيينة لا يثبت أقدم (إقدام) النبي صلى الله عليه وسلم الأنصاريين في الأيمان أو يهود فيقال في الحديث إنه قدم الأنصاريين فيقول هو ذلك وما أشبهه هذا وحديث الإمام الشافعي أيضا عن ابن عيينة أنه بدأ بالأنصار وقال وكان سفيان يحدثه هكذا وربما قال لا أدري أبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار في أمر يهودي فيقال له إن الناس يحدثون أنه بدأ بالأنصار قال فهو ذاك وربما حدثه ولم يشك وذكر البيهقي أن البخاري ومسلما أخرجا هذا الحديث من حديث الليث بن سعد وحماد بن زيد وبشر بن المفضل عن يحيى بن سعيد واتفقوا كلهم على البداءة بالأنصار (أنه أخبره) أي أن سهل بن أبي حثمة أخبر أبا ليلى (هو) تأكيد للضمير المرفوع في أخبر (ورجال من كبراء قومه) الضمير لسهل بن أبي حثمة (من جهد) بفتح الجيم وضمه أي قحط وفقر ومشقة (فأتي محيصة) بصيغة المجهول وكذا ما بعده (في فقير) بفاء ثم قاف هو البير القريبة القعر الواسعة الفم وقيل الحفرة التي تكون حول النخل (أو عين) شك من الراوي (فأتى) أي محيصة (يهود) بالنصب وهو غير منصرف لأنه اسم للقبيلة ففيه التأنيث والعلمية (حتى قدم) أي في المدينة (فذكر لهم ذلك) أي ما جرى له (ثم أقبل هو) أي محيصة (وهو) أي
[ 159 ]
حويصة (أكبر منه) أي من محيصة (وعبد الرحمن بن سهل) هو أخو المقتول (فذهب محيصة ليتكلم) وإنما بدر لكونه حاضرا في الوقعة (كبر كبر) أي عظم من هو أكبر منك وقدمه في التكلم (يريد السن) أي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله كبر كبر كبير السن وفيه إرشاد إلى الأدب يعني أنه ينبغي أن يتكلم الأكبر سنا أولا (إما أن يدوا صاحبكم) بفتح الياء وضم الدال المخففة من ودى يدي دية كوعد يعد عدة أي إما أن يعطوا دية صاحبكم المقتول (وإما أن يؤذنوا) أي يخبروا ويعلموا (بحرب) أي من الله ورسوله والضميران لليهود (إليهم) أي إلى يهود خيبر (ليسوا مسلمين) أي فكيف نقبل أيمانهم (فوداه) أي أعطى ديته (حتى أدخلت) بصيغة المجهول والضمير للناقة (لقد ركضتني) أي ضربتني برجلها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (حدثنا محمود بن خالد الخ) قال المزي في الأطراف هذا الحديث أخرجه أبو داود في المراسيل عن محمود بن خالد وكثير بن عبيد ومحمد بن الصباح بن سفيان ثلاثتهم عن الوليد عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ابن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى (من بني نصر بن مالك) بالصاد المهملة وفي بعض النسخ بالضاد المعجمة وروى ابن عبد البر عن عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن الزبير أنهما قضيا بذلك ذكره الزرقاني في شرح الموطأ (ببحرة الرغاء) في القاموس بحرة الرغاء بالضم موضع بلية الطائف بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم مسجدا وإلى اليوم عامر يزار وفي المعالم للخطابي البحرة البلدة تقول العرب هذه بحرتنا أي بلدتنا قال الشاعر كأن بقاياه ببحرة مالك بقية سحق من رداء محبر
[ 160 ]
(على شط لية البحرة) الشط شاطئ النهر ولية بالكسر واد لثقيف أو جبل بالطائف أعلاه لثقيف وأسفله لنصر بن معاوية والبحرة البلدة والمنخفض من الأرض والروضة العظيمة ومستنقع الماء واسم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وقرية بالبحرين وكل قرية لها نهر جار وماء ناقع كذا في القاموس (قال) أي محمود بن خالد في روايته دون كثير ومحمد (القاتل والمقتول منهم) أي من بني نصر بن مالك (وهذا لفظ محمود) بن خالد (ببحرة) أي قال محمود في روايته ببحرة الرغاء على شط لية البحرة وزاد فيه القاتل والمقتول منهم وأما كثير بن عبيد ومحمد فقالا في روايتهما إنه قتل بالقسامة رجلا من بني نصر بن مالك بالرغاء عبد ولم يذكر القاتل والمقتول منهم وعبارة الكتاب فيها تقديم وتأخير وقع من النساخ وحق العبارة هكذا وهذا لفظ محمود ببحرة الرغاء على شط لية البحرة الخ فقوله ببحرة بدل من قوله هذا لفظ محمود وأما قوله أقامه محمود وحده فمعناه كما قاله المزي في الأطراف أي محمود أقومهم بهذا الحديث انتهى ولفظ أبي داود في كتاب المراسيل من هذا الوجه عن عمرو بن شعيب أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قتل بالقسامة رجلا من بني نصر بن مالك ببحرة الرغاء قال محمود على شط لية القاتل والمقتول منهم وقال كثير الرغاء انتهى قال المنذري هذا معضل وعمرو بن شعيب اختلف في الاحتجاج بحديثه انتهى (باب في ترك القود بالقسامة) القود القصاص وقتل القاتل بدل القتيل (فتفرقوا فيها) أي في خيبر (فوجدوا أحدهم) أي أحدا من النفر الذين انطلقوا إلى خيبر
[ 161 ]
(فقالوا للذين وجدوه) أي القتيل (عندهم) وهم يهود خيبر (من إبل الصدقة) وتقدم في الروايات المتقدمة أنه صلى الله عليه وسلم وداه من عنده وجمع باحتمال أنه اشتراها من إبل الصدقة وقال في المفهم رواية من عنده أصح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي ولم يذكر مسلم لفظ الحديث وبشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وراء مهملة ويسار بياء مفتوحة وسين مهملة مفتوحة وبعد الألف راء مهملة (أصبح رجل من الأنصار) وهو عبد الله بن سهل (لم يكن ثم) بفتح المثلثة أي هناك
[ 162 ]
وهو موضع القتل (وقد يجترئون على أعظم من هذا) أي من النفاق ومخادعة الله ورسوله وقتل الأنبياء بغير حق وتحريف الكلم عن مواضعه (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فاستحلفوهم) بكسر اللام وهو وما قبله أمران (فأبوا) أي أولياء المقتول عن اسحتلاف اليهود والحديث دليل لمن ذهب إلى أن المدعى عليهم يبدءون في القسامة قال المنذري عباية بفتح العين المهملة وبعدها باء موحدة مفتوحة وبعد الألف ياء آخر الحروف وتاء تأنيث (عن عبد الرحمن بن بجيد) بضم الموحدة وفتح الجيم وسكون الياء وبعدها دال مهملة (قال) أي محمد بن إبراهيم وليست هذه المقولة لعبد الرحمن بن بجيد (إن سهلا) يعني ابن أبي حثمة (أوهم الحديث) أي وهم فيه قال الحافظ في الإصابة قد أخرج أبو داود وابن مندة وقاسم بن أصبغ حديث القسامة من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن بجيد أنه حدثه قال محمد بن إبراهيم وما كان سهل بن أبي حثمة بأكثر منه علما ولكنه كان أسن منه انتهى (فدوه) أمر من الدية (فكتبوا) أي يهود قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه فقال قائل ما منعك أن تأخذ بحديث ابن بجيد قلت لا أعلم ابن بجيد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن سمع منه فهو مرسل فلسنا وإياك نثبت المرسل وقد علمت سهل صحب النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه وساق الحديث سياقا يثبت به الإثبات فأخذت به لما وصفت انتهى كلام المنذري
[ 163 ]
وفي الإصابة في ترجمة عبد الرحمن بن بجيد قال أبو بكر بن أبي داود له صحبة وقال ابن أبي حاتم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جدته وقال ابن حبان يقال له صحبة ثم ذكره في ثقات التابعين وقال البغوي لا أدري له صحبة أم لا وقال أبو عمر أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه في ما أحسب وفي صحبته نظر إلا أنه روى فمنهم من يقول إن حديثه مرسل وكان يذكر بالعلم انتهى (فقال للأنصار استحقوا) في القاموس استحقه استوجبه والمراد ههنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأنصار بأن يستوجبوا الحق الذي يدعونه على اليهود بأيمانهم فأجابوا بأنهم لا يحلفون على الغيب (دية على يهود) وفي رواية سهل بن أبي حثمة المتقدمة أنه صلى الله عليه وسلم وداه من عنده
[ 164 ]
ورواية سهل في الصحيحين فإن أمكن حمل ذلك على قصتين فلا إشكال وإن لم يمكن وكان المخرج متحدا فالمصير إلى ما في الصحيحين هو المتعين قال الخطابي في المعالم في الحديث حجة لمن رأى أن اليمين على المدعى عليهم إلا أن أسانيد الأحاديث المتقدمة أحسن اتصالا وأصح متونا
[ 165 ]
وقد روى ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بدأ في اليمين بالمدعين سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج وسويد بن النعمان وقال الشافعي لا يحلف في القسامة إلا وارث لأنه لا يملك بها إلا دية القتيل ولا يحلف انسان إلا على ما يستحقه والورثة يقتسمون على قدر مواريثهم انتهى
[ 166 ]
قال المنذري قال بعضهم وهذا حديث ضعيف لا يلتفت إليه وقد قيل للإمام الشافعي رضي الله عنه ما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب فقال مرسل والقتيل أنصاري والأنصاريون بالعناية أولى بالعلم به من غيرهم إذ كان كل ثقة وكل عندنا بنعمة الله ثقة قال البيهقي رضي الله عنه وأظنه أراد بحديث الزهري ما روى عنه معمر عن أبي سلمة وسليمان ابن يسار عن رجال من الأنصار وذكر هذا الحديث (باب يقاد من القاتل) وفي بعض النسخ أيقاد من القاتل بحجر أو بمثل ما قتل وهذا أنسب (أن جارية) أي بنتا والجارية من النساء ما لم تبلغ (وجدت) بصيغة المجهول (قد رض) على البناء للمفعول أي كسر ودق (من فعل بك هذا) أي الرض (أفلان) أي فعل بك كناية عن أسماء بعضهم (حتى سمي) بصيغة المجهول (فأومت) من الإيماء وفي بعض النسخ فأومأت أي أشارت (برأسها) أي قالت نعم (أن يرض) بصيغة المجهول وفي هذا الحديث فوائد منها قتل الرجل بالمرأة وهو إجماع من يعتد به ومنها أن الجاني عمدا يقتل قصاصا على الصفة التي قتل فإن قتل بسيف قتل هو بالسيف وإن قتل بحجر أو خشب أو نحوهما قتل بمثله لأن اليهودي رضخها فرضخ هو ومنها ثبوت القصاص في القتل بالمثقلات ولا يختص بالمحددات وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء وقال أبو حنيفة رحمه الله لا قصاص إلا في القتل بمحدد من حديد أو حجر أو خشب أو كان معروفا بقتل الناس بالمنجنيق وبالإلقاء في النار كذا قال النووي قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (ومسلم والنسائي) وابن ماجه وفي بعض طرق البخاري فرض رأسه بالحجر الذي رض به بعد أن وضع رأسه على الآخر
[ 167 ]
(على حلي لها) بضم الحاء المهملة وكسر اللام وتشديد التحتية جمع حلية (في قليب) أي بير (فأخذ) بصيغة المجهول أي اليهودي (فأتي) على البناء للمفعول (أن يرجم) أي يكسر ويدق رأسه قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي قيل إن هذا لا يخالف الأحاديث التي ذكرنا فيها الرضخ والرض لأن الرجم والرضخ والرض كله عبارة عن الضرب بالحجارة ثم بين قتادة الموضع الذي ضرب عليه ولم يبينه أبو قلابة فيؤخذ بالبيان وقيل رماه (رميه) بالحجر الأعلى أو الحجارة ورأسه على آخر رجم بالحجارة وقد يكون رجمه أنواعا مما فعل بها لما جاء في الحديث الآخر ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة وهذا رجم لا يشك فيه وقال بعضهم قيل إن هذا كان الحكم أول اسلام يقبل قول القتيل وأن هذا معنى الحديث وما جاء من اعترافه وإنما جاء من رواية قتادة ولم يقله غيره وهو مما عد عليه وفيما قاله نظر فإن لفظة الاعتراف قد أخرجها البخاري في صحيحه وأبو داود والترمذي وفي صحيح مسلم فأخذ اليهودي فأقر وفي لفظ البخاري فلم يزل به حتى أقر وقال البيهقي ولا يجوز دعوى النسخ فيه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة إذ ليس فيه تاريخ ولا سبب يدل على النسخ ولكن (يمكن) الجمع بينهما بأنه إنما نهى عن المثلة فيمن وجب قتله ابتداء لا على طريق المكافأة والمجازاة انتهى كلام المنذري (كان عليها أوضاح لها) جمع وضح بفتحتين قال الخطابي يريد حليا لها وفي النهاية هي نوع من الحلى يعمل من الفضة سميت بها لبياضها واحدها وضح (وبها رمق) بفتحتين هو بقية الحياة والروح (فقالت لا برأسها) وفي رواية مسلم فأشارت برأسها أن لا
[ 168 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه فيه دليل على قتل الرجل بالمرأة وقال به أئمة الأمصار إلا الحسن البصري وعطاء وما روي عن علي وفيه صحة القصاص بالمثقل وفيه بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل اليهودي بأيمان المدعي أو بقوله وقتله باعترافه بالحجر على أنه أراد الحجر الذي رماها به بعد أن وضع رأسه على الآخر (باب أيقاد المسلم من الكافر) (عن قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة مخضرم (والأشتر) بالمعجمة الساكنة والمثناة المفتوحة كذا ضبطه الحافظ وهو مالك بن الحارث (إلى علي) أي ابن أبي طالب رضي الله عنه (هل عهد إليك) أي أوصاك (فأخرج كتابا) وليس يخفى أن ما في كتابه ما كان من الأمور المخصوصة (وقال أحمد كتابا من قراب سيفه) أي زاد أحمد بن حنبل في روايته بعد قوله كتابا لفظ من قراب سيفه والقراب بكسر القاف وعاء من جلد شبه الجراب يطرح فيه الراكب سيفه بغمده وسوطه (فإذا فيه) أي في الكتاب (المؤمنون تكافأ) بحذف إحدى التاءين أي تتساوى (دماؤهم) أي في الديات والقصاص في شرح السنة يريد به أن دماء المسلمين متساوية في القصاص يقاد الشريف منهم بالوضيع والكبير بالصغير والعالم بالجاهل والمرأة بالرجل وإن كان المقتول شريفا أو عالما والقاتل وضيعا أو جاهلا ولا يقتل به غير قاتله على خلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية وكانوا لا يرضون في دم الشريف بالاستقادة عليه من قاتله الوضيع حتى يقتلوا عدة من قبيلة القاتل (وهم) أي المؤمنون (يد) أي كأنهم يد واحدة في التعاون والتناصر (على من سواهم) قال أبو عبيدة أي المسلمون لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضا على جميع الأديان والملل (ويسعى بذمتهم أدناهم) الذمة الأمان ومنها سمي المعاهد ذميا لأنه أو من على ماله ودمه للجزية ومعنى أن واحدا من المسلمين إذا أمن كافرا حرم على عامة المسلمين دمه وإن كان هذا المجير أدناهم مثل أن يكون عبدا أو امرأة أو عسيفا تابعا أو نحو ذلك فلا يخفر ذمته (ألا) بالتخفيف للتنبيه (لا يقتل مؤمن بكافر)
[ 169 ]
قال الخطابي فيه بيان واضح أن المسلم لا يقتل بأحد من الكفار سواء كان المقتول منهم ذميا أو مستأمنا أو غير ذلك لأنه نفي عن نكرة فاشتمل على جنس الكفار عموما (ولا ذو عهد في عهده) قال القاضي أي لا يقتل لكفره ما دام معاهدا غير ناقض وقال ابن الملك أي لا يجوز قتله ابتداء ما دام في العهد وفي الحديث دليل على أن المسلم لا يقاد بالكافر أما الكافر الحربي فذلك إجماع وأما الذمي فذهب إليه الجمهور لصدق اسم الكافر عليه وذهب الشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يقتل المسلم بالذمي وقالوا إن قوله ولا ذو عهد في عهده معطوف على قوله مؤمن فيكون التقدير ولا ذو عهد في عهده بكافر كما في المعطوف عليه والمراد بالكافر المذكور في المعطوف هو الحربي فقط بدليل جعله مقابلا للمعاهد لأن المعاهد يقتل بمن كان معاهدا مثله من الذميين إجماعا فيلزم أن يقيد الكافر في المعطوف عليه بالحربي كما قيد في المعطوف فيكون التقدير لا يقتل مؤمن بكافر حربي ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي وهو يدل بمفهومه على أن المسلم يقتل بالكافر الذمي ويجاب بأن هذا مفهوم صفة وفي العمل به خلاف مشهور والحنفية ليسوا بقائلين به وبأن الجملة المعطوفة أعنى قوله ولا ذو عهد في عهده لمجرد النهي عن قتل المعاهد فلا تقدير فيها أصلا وبأن الصحيح المعلوم من كلام المحققين من النحاة وهو الذي نص عليه الرضى أنه لا يلزم اشتراك المعطوف والمعطوف عليه إلا في الحكم الذي لأجله وقع العطف وهو هاهنا النهي عن القتل مطلقا من غير نظر إلى كونه قصاصا أو غير قصاص فلا يستلزم كون إحدى الجملتين في القصاص أن تكون الأخرى مثلها حتى يثبت ذلك التقدير المدعى (من أحدث حدثا فعلى نفسه) أي من جنى جناية كان مأخوذا بها ولا يؤخذ بجرم غيره وهذا في العمد الذي يلزمه في ماله دون الخطأ الذي يلزم عاقلته قاله الخطابي (أو آوى محدثا) أي آوى جانيا أو أجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه قال المنذري وأخرجه النسائي وقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال سألت عليا هل عندكم شئ مما ليس في القرآن فقال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 170 ]
(ويجير) من الإجارة أي يعطى الأمان (أقصاهم) أي أبعدهم (ويرد مشدهم) أي قويهم (على مضعفهم) أي ضعيفهم قال في النهاية المشد الذي دوابه شديدة قوية والمضعف الذي دوابه ضعيفة يريد أن القوي من الغزاة يساهم الضعيف فيما يكسبه من الغنيمة انتهى (ومتسريهم) أي الخارج من الجيش إلى القتال (على قاعدهم) أي بشرط كونه في الجيش قاله السندي وقال الإمام ابن الأثير في النهاية في مادة سرى يرد متسريهم على قاعدهم المتسري الذي يخرج في السرية وهي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السرايا سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشئ السري النفيس وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية وليس بالوجه لأن لام السر راء وهذه ياء ومعنى الحديث أن الإمام أو أمير الجيش يبعثهم وهو خارج إلى بلاد العدو فإذا غنموا شيئا كان بينهم وبين الجيش عامة لأنهم ردء لهم وفئة فإذا بعثهم وهو مقيم فإن القاعدين معه لا يشاركونهم في المغنم فإن كان جعل لهم نفلا من الغنيمة لم يشركهم غيرهم في شئ منه على الوجهين معا انتهى كلامه قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (باب فيمن وجد مع أهله رجلا أيقتله) (وعبد الوهاب بن نجدة) بفتح النون وسكون الجيم (الحوطي) بفتح المهملة بعدها واو
[ 171 ]
ساكنة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا) أي لا يقتل (قال سعد بلى والذي أكرمك بالحق) الواو للقسم وليس هو ردا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ومخالفة لأمره وإنما معناه اخبار عن حالة انسان عند رؤيته الرجل عند امرأته واستيلاء الغضب عليه فإنه حينئذ يعالجه بالسيف (اسمعوا إلى ما يقول سيدكم) عدي السمع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء زاد مسلم في رواية بعد هذا إنه لغيور وأنا أغير منه والله أغير مني قال القاري وفيه اعتذار منه صلى الله عليه وسلم لسعد وأن ما قاله سعد قاله لغيرته (قال عبد الوهاب الخ) أي قال عبد الوهاب في روايته سعد مكان سيدكم قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه (أرأيت) أي أخبرني وليس هذا اللفظ في بعض النسخ (رجلا) أي أجنبيا (حتى آتى) بهمزة ممدودة وكسر الفوقية أي أجئ (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) أي يمهله ويأتي بأربعة شهداء قال النووي اختلف العلماء فيمن قتل رجلا وزعم أنه وجده قد زنى بامرأته فقال جمهورهم لا يقبل قوله بل يلزمه القصاص إلا أن تقوم بذلك بينة أو يعترف به ورثة القتيل والبينة أربعة من عدول الرجال يشهدون على نفس الزنا ويكون القتيل محصنا وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان صادقا فلا شئ عليه وقال بعض أصحابنا يجب على كل من قتل زانيا محصنا القصاص ما لم يأمر السلطان بقتله والصواب الأول وجاء عن بعض السلف تصديقه في أنه زنى بإمرأته وقتله بذلك انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 172 ]
(باب العامل) أي عامل الصدقة يصاب أحد على يديه خطأ فهل فيه قود (فلاجة) نازعه وخاصمه من اللجاج وفي نسخة الخطابي فلاحاه بالحاء المهملة منقوصا وهما بمعنى (فشجه) جرح رأسه وشقه والشج ضرب الرأس خاصة وجرحه وشقه (فأتوا) أي أهل الرجل المشجوج (فقالوا القود) بالنصب بفعل مقدر أي نحن نريد القصاص ونطلبه (لكم كذا وكذا) أي من المال والمعنى اتركوا القصاص واعفوا عنه وخذوا في عوضه كذا وكذا من المال (إني خاطب) من الخطبة بالضم (العشية) أي في وقتها وهي ما بعد الزوال (فهم المهاجرون بهم) أي قصدوا زجرهم قال الخطابي في المعالم في هذا الحديث من الفقه وجوب الإفادة من الوالي والعامل إذا تناول دما بغير حق كوجوبها على من ليس بوال وجواز إرضاء المشجوج بأكثر من الدية في دية الشجة إذا طلب المشجوج القصاص وأن القول في الصدقة قول رب المال وليس للساعي ضربه وإكراهه على ما لم يظهر له من ماله وقوله فلا حاه معناه نازعه وخاصمه وفي بعض الأمثال عاداك من لاحاك وروي عن أبي بكر وعمر أقادا من العمال وممن رأى عليهم القود الشافعي وأحمد وإسحاق انتهى ملخصا
[ 173 ]
قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه ورواه يونس بن يزيد عن الزهري منقطعا قال البيهقي ومعمر بن راشد حافظ قد أقام إسناده فقامت به الحجة (باب القود بغير حديد) (قد وجد هذا الباب مع حديثه في نسخة واحدة وقد تقدم حديث الباب في باب يقاد من القاتل بهذا الإسناد واللفظ (باب القود من الضربة وقص الأمير من نفسه) وسيجئ معنى القص (عن بكير) بالتصغير (فأكب عليه) في القاموس أكب عليه أقبل ولزم (فطعنه) أي ضربه ووخزه (بالعرجون) بضم العين وسكون الراء المهملتين وضم الجيم هو عود أصفر فيه شماريخ العذق (فاستقد) أي خذ القصاص مني
[ 174 ]
قال المنذري وأخرجه النسائي (أنبأنا أبو إسحاق الفزاري) بفتح الفاء والزاي المعجمة بعدهما ألف فراء مهملة (عن الجريري) بالتصغير (عن أبي فراس) بكسر الفاء (أبشاركم) أي أجسامكم (فمن فعل به) بصيغة المجهول (ذلك) أي الضرب وأخذ الأموال (أقصه منه) في القاموس أقص الأمير فلانا من فلان اقتص له منه فجرحه مثل جرحه أو قتله قودا (قال إي) بكسر الهمزة وسكون الياء أي بلى (أقص من نفسه) في القاموس أقص الرجل من نفسه مكن من الاقتصاص منه قال المنذري وأخرجه النسائي وأبو فراس قيل هو الربيع بن زياد بن أنس الحارثي
[ 175 ]
وقيل كنيته أبو عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن وسئل أبو زرعة الرازي عن أبي فراس هذا الذي روى عنه أبو نضرة عن عمر فقال لا أعرفه وقال الحافظ أبو أحمد الكرابيسي ولا أعرف أبا نضرة
[ 176 ]
روى عن الربيع بن زياد شيئا إنما روى عنه أبو مجلز وقتادة وذكره الشعبي في بعض أخباره وأبو فراس الذي روى عنه أبو نضرة هو النهدي هذا آخر كلامه وأبو نضرة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هو المنذر بن مالك العوقي
[ 180 ]
(باب عفو النساء عن الدم) (داود بن رشيد) بالتصغير (سمع حصنا) بكسر ثم مهملة ساكنة ثم نون ابن عبد الرحمن
[ 181 ]
أو ابن محصن مقبول قاله الحافظ في التقريب (على المقتتلين) أي أولياء المقتول الطالبين القود وهو على صيغة إسم فاعل وإنما سماهم مقتتلين لما ذكره الخطابي فقال يشبه أن يكون معنى المقتتلين ههنا أن يطلب أولياء القتيل القود فيمتنع القتلة فينشأ بينهم الحرب والقتال من أجل ذلك فجعلهم مقتتلين لما ذكرنا قال ويحتمل أن تكون الرواية بنصب التاءين يقال اقتتل فهو مقتتل غير أن هذا يستعمل أكثره فيمن قتله الحب (أن ينحجزوا) بحاء مهملة ثم جيم ثم زاي أي يمتنعوا ويكفوا عن القود بعفو أحدهم (الأول فالأول) أي الأقرب فالأقرب (وإن كانت امرأة) كلمة إن وصلية قال الخطابي تفسيره أن يقتل رجل وله ورثة رجال ونساء فأيهم عفا وإن كان امرأة سقط القود وصار دية قال وقد اختلف الناس في عفو النساء فقال أكثر أهل العلم عفو النساء عن الدم جائز كعفو الرجال
[ 182 ]
وقال الأوزاعي وابن شبرمة ليس للنساء عفو وعن الحسن وإبراهيم النخعي ليس للزوج ولا للمرأة عفو في الدم انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وحصن هذا قال أبو حاتم الرازي لا أعلم روى عنه غير الأوزاعي ولا أعلم أحدا نسبه وقال غيره حصن بن عبد الرحمن ويقال ابن محصن أبو حذيفة التراغمي من أهل دمشق روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن روى عنه الأوزاعي وذكر له هذا الحديث (باب من قتل في عميا بين قوم) هذا الباب إنما وقع ههنا في نسخة وسائر النسخ خالية منه (عن طاوس قال من قتل) هذا لفظ رواية ابن السرح فلم يرفع الحديث وأما محمد بن عبيد فرفعه كما قال المؤلف وقال ابن عبيد الخ (من قتل في عميا) بكسر عين وتشديد ميم مكسورة وقصر فعيلا من العمي كالرميا من الرمي أي من قتل في حال يعمى أمره فلا يتبين قاتله ولا حال قتله (في رمي يكون بينهم) هذا بيان لما قبله أي ترامى القوم فوجد بينهم قتيل (فهو خطأ) أي حكمه حكم الخطأ حيث يجب الدية لا القصاص (وعقله عقل الخطأ) أي ديته دية الخطأ (فهو قود) بفتحتين أي فحكمه القصاص (وقال ابن عبيد قود يد) أي زاد في روايته لفظ يد بعد قود قال في فتح الودود أي فحكم قتله قود نفسه وعبر عن النفس باليد مجازا (ثم اتفقا) أي محمد بن عبيد وابن السرح (ومن حال دونه) أي صار حائلا ومانعا من الإقتصاص (لا يقبل منه صرف ولا عدل) قال الخطابي فسروا العدل الفريضة والصرف التطوع انتهى وقيل الصرف التوبة والعدل الفدية
[ 183 ]
قال في المعالم وقد اختلف العلماء فيمن تلزمه دية هذا القتيل فقال مالك ابن أنس ديته على الذين نازعوهم وقال أحمد بن حنبل ديته على عواقل الآخرين إلا أن يدعوا على رجل بعينه فيكون قسامة وكذلك قال إسحاق وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ديته على عاقلة الفريقين الذين اقتتلوا معا وقال الأوزاعي عقله على الفريقين جميعا إلا أن تقوم بينة من غير الفريقين أن فلانا قتله فعليه القود والقصاص وقال الشافعي هو قسامة إن ادعوه على رجل بعينه أو طائفة بعينها وإلا فلا عقل ولا قود وقال أبو حنيفة هو على عاقلة القبيلة التي وجد فيهم إن لم يدع أولياء القتيل على غيرهم انتهى (فذكر معنى حديث سفيان) قال المنذري يعني ابن عيينة يعني الحديث المرسل الذي قبله وأخرجه النسائي وابن ماجه مرفوعا وقال البيهقي وقوله خطأ وعقله عقل الخطأ يشبه أن يكون المراد به هو شبه خطأ لا يجب فيه القود كالحديث الأول والله أعلم يريد الحديث الذي فيه إلا أن قتيل الخطأ وسيأتي إن شاء الله تعالى (باب الدية كم هي) الدية مصدر ودى القاتل المقتول إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس ثم قيل لذلك المال الدية تسمية بالمصدر واعلم أن القتل على ثلاثة أضرب عمد وخطأ وشبه عمد وإليه ذهب الشافعية والحنفية والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فجعلوا في العمد القصاص وفي الخطأ الدية وفي شبه العمد الدية مغلظة ويأتي تفصيل الدية وبيان تغليظها في الباب قال في الهداية العمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجري السلاح كالمحدد من
[ 184 ]
الخشب وليطه ما القصب وشبه العمد عند أبي حنيفة رحمه الله أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجرى مجرى السلاح وقال أبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي رحمه الله إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد وشبه العمد أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا (حدثنا مسلم بن إبراهيم) حديث هارون بن زيد في رواية اللؤلؤي وأما حديث مسلم بن إبراهيم ففي رواية ابن الأعرابي وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم ذكره المزي في الأطراف (قضى أن من قتل خطأ الخ) قال الخطابي في المعالم لا أعرف أحدا قال بهذا الحديث من الفقهاء (ثلاثون بنت مخاض) وهي التي طعنت في الثانية سميت بها لأن أمها صارت ذات مخاض بأخرى (بنت لبون) وهي التي طعنت في الثالثة سميت بها لأن أمها تلد أخرى وتكون ذات لبن (حقة) وهي التي طعنت في الرابعة وحق لها أن تركب وتحمل قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقد تقدم الكلام على عمرو بن شعيب ثم ذكر قول الخطابي وسكت عنه (قيمة الدية) أي قيمة الإبل التي هي الأصل في الدية (النصف) بالنصب على أنه خبر كان وبالرفع على أنه خبر المبتدأ (من دية المسلمين) من تبعيضية متعلقة بالنصف (قال) أي جده (حتى استخلف عمر) بصيغة المجهول أي جعل خليفة (فقام) أي عمر (ألا) بالتخفيف للتنبيه (قد غلت) من الغلاء وهو ارتفاع الثمن أي ازدادت قيمتها (قال) أي جده (ففرضها) أي قدر الدية (وعلى أهل الورق) بكسر الراء ويسكن أي أهل الفضة (اثني عشر الفا) أي من
[ 185 ]
الدراهم (وعلى أهل الشاء) بالهمز في آخره اسم جنس (ألفي شاة) بالتاء لواحدة من الجنس (وعلى أهل الحلل) بضم ففتح جمع حلة وهي إزار ورداء من أي نوع من أنواع الثياب وقيل الحلل برود اليمن ولا يسمى حلة حتى يكون ثوبين (قال) أي جده (وترك دية أهل الذمة) أي وترك عمر دية أهل الذمة على ما كان عليه في عهده صلى الله عليه وسلم قال الطيبي يعني لما كانت قيمة دية المسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية آلاف درهم مثلا وقيمة دية أهل الذمة نصفه أربعة آلاف درهم فلما رفع عمر دية المسلم إلى اثني عشر ألفا وقرر دية الذمي على ما كان عليه من أربعة آلاف درهم صار دية الذمي كثلث دية المسلم مطلقا ولعل من أوجب الثلث نظر إلى هذا انتهى وقال الخطابي وإنما قومها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل القرى لعزة الإبل عندهم فبلغت القيمة في زمانه من الذهب ثماني مائة دينار ومن الورق ثمانية آلاف درهم فجرى الأمر كذلك إلى أن كان عمر وعزت الإبل في زمانه فبلغ بقيمتها من الذهب ألف دينار ومن الورق اثنا عشر ألفا وعلى هذا بنى الشافعي أصل قوله في دية العمد فأوجب فيه الإبل وإن كان لا يصار إلى النقود إلا عند إعواز الإبل فإذا أعوزت كانت فيها قيمتها ما بلغت ولم تعتبر فيها قيمة عمر التى قومها في زمانه لأن كانت قيمة تعديل في ذلك الوقت والقيم تختلف فتزيد وتنقص باختلاف الأزمنة وهذا على قوله الجديد وقال في قوله القديم بقيمة عمر رضي الله عنه وهو اثنا عشر ألفا أو ألف دينار وقد روي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الورق انتهى والحديث سكت عنه المنذري (وعلى أهل القمح) بفتح فسكون البر (لم يحفظه محمد) أي ابن إسحاق
[ 186 ]
قال المنذري هذا مرسل وفيه محمد يعني ابن إسحاق (وذكر مثل حديث موسى) يعني المرسل الذي قبله والحديث استدل به من قال إن الدية من الإبل مائة ومن البقر مائتان ومن الشاة ألفان ومن الحلل مائتان كل حلة إزار ورداء وقميص وسراويل وفيه رد على من قال إن الأصل في الدية ابل وبقية الأصناف مصالحه لا تقدير شرعي كذا في النيل قال المنذري وهذا منقطع لم يذكر فيه من حدثه عن عطاء فهو رواية عن مجهول (عن خشف) بكسر الخاء وسكون الشين المعجمة وبالفاء (جذعة) وهي التي طعنت في الخامسة وهي أكبر سن يؤخذ في الزكاة (وعشرون بني مخاض ذكر) بضمتين لعله تخفيف ذكور وفي بعض النسخ ذكورا (وهو قول عبد الله) أي ابن مسعود وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وذهب الليث ومالك والشافعي إلى أن دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة
[ 187 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وقد روي عن عبد الله مرفوعا وقال أبو بكر البزار وهذا الحديث لا نعلمه روي عن عبد الله مرفوعا إلا بهذا الإسناد هذا آخر كلامه وذكر الخطابي أن خشف بن مالك مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث وعدل الشافعي
[ 188 ]
عن القول به لما ذكرنا من العلة في رواته ولأن فيه بني مخاض ولا مدخل لبني مخاض في شئ من أسنان الصدقات وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة القسامة أنه ودى قتيل خيبر بمائة من إبل الصدقة وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض وقال الدارقطني هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث وبسط الكلام في ذلك وقال لا نعلمه رواه إلا خشف بن مالك عن ابن مسعود وهو رجل مجهول لم يرو عنه إلا زيد بن جبير ثم قال لا نعلم أحدا رواه عن زيد بن جبير إلا حجاج بن أرطاة والحجاج رجل مشهور بالتدليس وبأنه يحدث عن من لم يلقه ولم يسمع منه ثم ذكر أنه قد اختلف فيه على الحجاج بن أرطاة وقال البيهقي وخشف بن مالك مجهول وقال الموصلي خشف بن مالك ليس بذلك وذكر له هذا الحديث وخشف بكسر الخاء وسكون الشين المعجمة وفاء واختلف على الحجاج بن أرطاة والحجاج غير محتج به والله أعلم (أن رجلا من بني عدي قتل) بصيغة المجهول (ديته اثني عشر ألفا) أي من الدراهم (رواه ابن عيينة الخ) حاصلة أن الحديث رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة مرسلا فإنه لم يذكر ابن عباس وفي الحديث دليل على أن الدية من الفضة اثنا عشر ألف درهم قال الخطابي قال مالك وأحمد وإسحاق أن الدية إذا كانت نقدا فمن الذهب ألف دينار ومن الورق اثنا عشر ألفا وروي ذلك عن الحسن البصري وعروة بن الزبير وعند أبي
[ 189 ]
حنيفة من الذهب ألف دينار ومن الدراهم عشرة آلاف وكذلك قال سفيان الثوري وحكي ذلك عن ابن شبرمة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي مرفوعا ومرسلا وأرسله النسائي وابن ماجه مرفوعا وقال الترمذي ولا نعلم أحدا يذكر في هذا الحديث عن ابن عباس غير محمد بن مسلم هذا آخر كلامه ومحمد بن مسلم هذا هو الطائفي وقد أخرج له البخاري في المتابعة ومسلم في الاستشهاد وقال يحيى بن معين ثقة وقال مرة إذا حدث من حفظه يخطئ وإذا حدث من كتابه فليس به بأس وضعفه الإمام أحمد بن حنبل وذكر أبو داود أن ابن عيينة لم يذكر ابن عباس وذكر الترمذي أنه لا يعلم أحدا ذكر ابن عباس في هذا الحديث غير محمد بن مسلم وقد أخرج النسائي عن محمد بن ميمون عن ابن عيينة وقال فيه سمعناه مرة يقول عن ابن عباس وأخرجه الدارقطني في سننه عن أبي محمد بن صاعد عن محمد بن ميمون وقال فيه عن ابن عباس وقال الدارقطني قال ابن ميمون وإنما قال لنا فيه عن ابن عباس مرة واحدة وأكثر ذلك كان يقول عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره البيهقي من حديث الطائفي موصولا وقال ورواه أيضا سفيان عن عمرو بن دينار موصولا ومحمد بن ميمون هذا هو أبو عبد الله المكي الخياط روى عن ابن عيينة وغيره قال النسائي صالح وقال أبو حاتم الرازي كان أميا مغفلا ذكر لي أنه روى عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن شعبة حديثا باطلا وما أبعد أن يكون وضع للشيخ فإنه كان أميا انتهى كلام المنذري (باب في دية الخطأ شبه العمد) تكرر هذا الباب في بعض النسخ وقع ها هنا وبعد باب فيمن تطبب الخ ولم يقع في بعض النسخ إلا بعد الباب المذكور والله أعلم (فكبر) أي قال الله أكبر (وهزم الأحزاب وحده) قال في المجمع أي من غير قتال
[ 190 ]
من الأدميين بأن أرسل ريحا وجنودا وهم أحزاب اجتمعوا يوم الخندق ويحتمل أحزاب الكفار في جميع الدهر والمواطن (إلى ها هنا حفظته من مسدد) أي إلى هذا الموضع من الحديث حدثني مسدد وحده وحفظته منه ومن بعد هذا الموضع إلى آخر الحديث قد حدثني سليمان ومسدد كلاهما (ثم اتفقا) أي سليمان ومسدد (ألا إن كل مأثرة) المأثرة هي ما يؤثر ويذكر من مكارم أهل الجاهلية ومفاخرهم (تحت قدمي) خبر أن أي باطل وساقط قال الخطابي معناه إبطالها وإسقاطها (إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت) بكسر السين وبالدال المهملة وهي خدمته والقيام بأمره أي فهما باقيان على ما كانا قال الخطابي وكانت الحجابة في الجاهلية في بني عبد الدار والسقاية في بني هاشم فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار بنو شيبة يحجبون البيت وبنو العباس يسقون الحجيج (ثم قال ألا) بالتخفيف للتنبيه (شبه العمد) بدل من الخطأ (ما كان بالسوط والعصا) بدل من البدل (مائة) خبر (في بطونها أولادها) يعني الحوامل قال الخطابي في الحديث إثبات قتل شبه العمد وقد زعم بعض أهل العلم أن ليس القتل إلا العمد المحض أو الخطأ المحض وفيه بيان أن دية شبه العمد مغلظة على العاقلة واختلف الناس في دية شبه العمد فقال بظاهر الحديث عطاء والشافعي وإليه ذهب محمد بن الحسن وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد وإسحاق هي أرباع وقال أبو ثور دية شبه العمد أخماس وقال مالك بن أنس ليس في كتاب الله عز وجل إلا الخطأ والعمد وأما شبه العمد فلا نعرفه ويشبه أن يكون الشافعي إنما جعل الدية في العمد أثلاثا بهذا الحديث وذلك أنه ليس في العمد حديث مفسر أو الدية في العمد مغلظة وفي شبه العمد كذلك فحمل أحدهما على الآخر وهذه الدية تلزم العاقلة عند الشافعي لما فيه من شبه الخطأ كدية الجنين انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير وساق اختلاف الرواة فيه وأخرجه الدارقطني في سننه وساق أيضا اختلاف الرواة فيه
[ 191 ]
(على درجة البيت) قال في المجمع الدرجة المرقاة (أو الكعبة) شك من الراوي (قال أبو داود كذا رواه ابن عيينة إلى قوله عن يعقوب السدوسي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرض المؤلف من ذكر هذه الأسانيد بيان اختلاف الرواة وحاصله أن القاسم بن ربيعة يقول مرة عن عبد الله بن عمرو أي ابن العاص ومرة عن عبد الله بن عمر ثم هو قد يذكر بينه وبين عبد الله بن عمرو بن العاص واسطة عقبة بن أوس كما في رواية خالد وقد لا يذكر كما في رواية أيوب وقد أشار المنذري إلى وجه الجمع (وقول زيد) أي ابن ثابت (وأبي موسى) أي الأشعري (مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم وحديث عمر رضي الله عنه) بالجر عطف على حديث النبي أي مذهب زيد وأبي موسى ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث عمر وحديث عمر هو مذكور بعد هذا قال المنذري وحديث القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه النسائي وابن ماجه وعلي بن زيد هذا هو ابن جدعان القرشي التيمي المكي نزل البصرة ولا يحتج بحديثه ويعقوب السدوسي هو عقبة بن أوس الذي تقدم في الحديث قبله يقال فيه عقبة بن أوس ويعقوب بن أوس وأراد أن مذهب زيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث عمر رضي الله عنه وحديث عمر الذي أشار إليه أبو داود وهو الذي ذكره بعد هذا وقد قيل يحتمل أن يكون القاسم بن ربيعة سمعه من عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص فروى عن هذا مرة وعن هذا مرة وأما رواية خالد الحذاء عن عبد الله بن عمرو وسمعه من عبد الله بن عمرو فرواه مرة عن عقبة ومرة عن عبد الله بن عمرو انتهى كلام المنذري
[ 192 ]
(خلفة) بفتح فكسر أي حامله قال في المصباح الخلفة بكسر اللام هي الحامل من الإبل وجمعها مخاض من غير لفظها كما تجمع المرأة على النساء من غير لفظها (ما بين ثنية) الثني الجمل يدخل في السنة السادسة والناقة ثنية ولفظ كتاب الخراج لأبي يوسف القاضي قال عمر بن الخطاب في شبه العمد ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وأربعون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة (إلى بازل عامها) متعلق بثنية في القاموس بزل ناب البعير بزلا وبزولا لا طلع وذلك في ابتداء السنة التاسعة وليس بعده سن يسمى انتهى وإليه ذهب الشافعي رحمه الله وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى حديث عبد الله بن مسعود الآتي قال المنذري مجاهد لم يسمع من عمر فهو منقطع (قال في شبه العمد) أي في دية شبه العمد (أثلاثا) حال أو تمييز وفي بعض النسخ أثلاث بالرفع (كلها) أي جميع الأربع والثلاثين (خلفة) هي الناقة الحاملة إلى نصف أجلها ثم هي عشار قال المنذري عاصم بن ضمرة تكلم فيه غير واحد وقد تقدم الكلام عليه (قال علي في الخطأ) أي الخطأ المحض كما هو الظاهر وإلى هذا ذهب الحسن البصري والشعبي في دية الخطأ المحض والحديث سكت عنه المنذري ولكنه قد تكلم في عاصم بن ضمرة كما مر آنفا (قال عبد الله في شبه العمد الخ) هو ابن مسعود قال في اللمعات والتغليظ في شبه
[ 193 ]
العمد عند ابن مسعود رضي الله عنه وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وأحمد أن يوجب الإبل أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة والتغليظ عند الشافعي ومحمد بأن يوجب ثلاثين جذعة وثلاثين حقة وأربعين ثنية كلها خلفات وأما الخطأ المحض فلا تغليظ فيه بالاتفاق انتهى والحديث سكت عنه المنذري (عن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت في المغلظة) وهي دية شبه العمد قال المنذري أبو عياض هذا يقال كنيته أبو عبد الرحمن واسمه عمرو بن الأسود ويقال عمر بن الأسود ويقال قيس بن ثعلبة عنسي بالنون حمصي سكن داران أدرك الجاهلية وسمع من غير واحد من الصحابة وهو ثقة وقد احتج البخاري به في صحيحه وتوفي وهو صائم رضي الله عنه (باب أسنان الإبل) (قال أبو عبيد) القاسم بن سلام البغدادي (وغير واحد) من أهل اللغة (فهو حق) بالكسر سمي بذلك لاستحقاقه أن يحمل عليه وأن ينتفع به (وألقى) أي طرح يقال ألقيت الشئ طرحته واللقى على وزن عصا الشئ الملقى المطروح كذا في المصباح (ثنية) الثنية واحدة الثنايا من السن قال ابن سيدة وللانسان والخف والسبع ثنيتان من فوق ثنيتان من
[ 194 ]
أسفل والثني من الإبل الذي يلقى ثنيته وذلك في السادسة وإنما سمي البعير ثنيا لأنه ألقى ثنيته انتهى (بعد الرباعية) الرباعية مثل الثمانية إحدى الأسنان الأربعة التي تلي الثنايا بين الثنية والناب تكون للإنسان وغيره والجمع رباعيات كذا في اللسان (فهو سديس) بفتح السين وكسر الدال (وسدس) بفتح السين وفتح الدال المهملتين ولفظ المؤلف في كتاب الزكاة فإذا دخل في الثامنة وألقى السن السديس الذي بعد الرباعية فهو سديس وسدس إلى تمام الثامنة انتهى قال في اللسان السن السديس هو السن أن التي بعد الرباعية والسديس والسدس من الإبل والغنم الملقى سديسه وقد أسدس البعير إذا ألقى السن بعد الرباعية وذلك في السنة الثامنة (وفطر) أي ظهر وطلع (نابه) هي السن التي خلف الرباعية (وطلع) عطف تفسير لفطر (فهو بازل) وكذلك الأنثى بغير هاء وجمل بازل وناقة بازل وهو أقصى أسنان البعير (فهو مخلف) بضم الميم وسكون الخاء وكسر اللام وفي اللسان والاخلاف أن يأتي على البعير البازل سنة بعد بزوله يقال بعير مخلف والمخلف من الإبل الذي جاز البازل (بازل عام) بالإضافة (وبازل عامين) قال في شرح القاموس وقولهم بازل عام وبازل عامين إذا مضى له بعد البزول عام أو عامان انتهى وكذا معنى قولهم مخلف عام ومخلف عامين ومخلف ثلاثة أعوام إلى خمس سنين إذا مضى له بعد الإخلاف عام أو عامان أو ثلاثة أعوام إلى خمس سنين (والجذوعة وقت وليس بسن) قال في اللسان الجذع اسم له في زمن ليس بسن تنبت ولا تسقط وتعاقبها أخرى (ألقحت) بصيغة المجهول أي أحبلت (فهي خلفة) بفتح الخاء وكسر اللام الحامل من النوق
[ 195 ]
وتجمع على الخلفات (فهي عشراء) بضم العين وفتح الشين يقال عشرت الناقة بالتثقيل فهي عشراء أتى على حملها عشرة أشهر كذا في المصباح وقد مر تفسير هذا الباب مفصلا في كتاب الزكاة فليراجع إليه (باب ديات الأعضاء) (الأصابع سواء) أي حتى الإبهام والخنصر وإن كانا مختلفين في المفاصل (عشر عشر من الإبل) أي في كل إصبع من الأصابع عشر من الإبل وأصابع الرجل واليد في ذلك سواء والحديث سكت عنه المنذري (قلت عشر عشر) أي هل في كل إصبع عشر من الإبل (قال أبو داود رواه محمد بن جعفر الخ) المقصود من هذا الكلام بيان اختلاف ألفاظ الرواية ففي رواية محمد بن جعفر روى غالب عن مسروق بلفظ السماع وفي رواية أبي الوليد المذكورة بالعنعنة ولم يجعل شعبة وإسماعيل بين غالب ومسروق واسطة وجعل سعيد بن أبي عروبة بينهما واسطة حميد بن هلال ثم روى سعيد وشعبة عن غالب بالعنعنة وروى إسماعيل وحنظلة عن غالب بالتحديث والله تعالى أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه
[ 196 ]
(هذه وهذه سواء قال يعني الإبهام والخنصر) قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (والأسنان سواء) ففي كل سن خمس من الإبل (الثنية والضرس سواء) الثنية واحدة الثنايا وهي الأسنان المتقدمة اثنتان فوق واثنتان أسفل والضرس واحد الأضراس وهي ما سوى الثنايا من الأسنان يعني أن الأسنان كلها سواء لا تفاوت فيما ظهر منها وما بطن وما يفتقر إليها كل الافتقار وما ليس كذلك (هذه وهذه سواء) يعني الإبهام والخنصر (حدثناه الدارمي عن النضر) أي ابن شميل والضمير المنصوب في حدثناه يرجع إلى ما رواه النضر بن شميل قال المنذري وأخرجه الترمذي ولفظه دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشرة من الإبل لكل إصبع وقال حسن صحيح غريب وأخرجه ابن ماجه ولفظه الأسنان سواء الثنية والضرس سواء في لفظه أنه قضى في السن خمسا من الإبل (الأسنان سواء والأصابع سواء) الحديث سكت عنه المنذري
[ 197 ]
(جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) الحديث سكت عنه المنذري (وهو مسند ظهره إلى الكعبة) الجملة حالية قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (قال في الأسنان خمس خمس) قال المنذري وأخرجه النسائي (قال أبو داود وجدت) أي حديث عمرو بن شعيب المذكور بعد هذا المصدر بقوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم دية الخطأ (ولم أسمعه منه) أي من شيبان (صاحب لنا) أي تلميذ لنا وهو بدل من أبو بكر (ثقة) صفة لصاحب (يقوم دية الخطأ الخ) من التقويم أي يجعل قيمة دية الخطأ (على أهل القرى) جمع قرية (أو عدلها) بفتح أوله ويكسر قيل العدل بالفتح مثل الشئ في القيمة وبالكسر مثله في المنظر وقال الفراء بالفتح ما عدل الشئ من غير جنسه وبالكسر من جنسه قال الحافظ ابن حجر في هذه الرواية للأكثر بالفتح فالمعنى أو مثلها في القيمة (من الورق) بكسر الراء ويسكن أي الفضة (ويقومها) أي وكان يقوم دية الخطأ (على أثمان الإبل) جمع ثمن بفتحتين وهذه الجملة بيان لقوله يقوم دية الخطأ يعني أن المراد من تقويم دية الخطأ
[ 198 ]
تقويم إبلها (فإذا غلت) أي الإبل يعني زاد ثمنها (رفع في قيمتها) أي زاد في قيمة الدية (وإذا هاجت) من هاج إذا ثار أي ظهرت قيمتها (رخصا) بضم فسكون ضد الغلاء حال والمعنى إذا رخصت ونقصت قيمتها (نقص) أي النبي صلى الله عليه وسلم (من قيمتها) أي قيمة الدية (وبلغت) أي قيمة الدية للخطأ (ومن كان دية عقله) وفي بعض الروايات كما في المشكاة وعلى أهل الشاة ألفي شاة (في الشاء) جمع شاة (إن العقل) أي الدية (ميراث بين ورثة القتيل على قرابتهم) معناه أن دية القتيل تركة يقسم بين ورثته كسائر تركته (فما فضل) أي من سهام أصحاب الفرائض وهم الذين لهم سهام مقدرة في كتاب الله تعالى (فللعصبة) العصبة كل من يأخذ من التركة ما أبقته أصحاب الفرائض وعند الانفراد يحرز جميع المال (إذا جدع) أي قطع والمراد إذا استوعب في القطع (الدية) بالنصب على المفعولية (كاملة) حال من الدية (وإن جدعت ثندؤته) بضم مثلثة مهموزا وفتحها بلا همز وبعد المثلثة نون والمراد بها ههنا أرنبة الأنف أي طرفه ومقدمه كذا في فتح الودود (خمسون من الإبل) بيان النصف (أو عدلها) بالرفع عطف على خمسون (وفي المأمومة) أي الشجة التي تصل إلى جلدة تسمى أم الدماغ واشتقاق المأمومة منه (ثلاث وثلاثون من الإبل) بيان ثلث العقل (ثلث) أي ثلث قيمة إبل (والجائفة) أي وفي الجائفة وهي الطعنة التي تصل إلى جوف الرأس أو البطن أو الظهر قال الخطابي فإن نفذت الجائفة حتى خرجت من الجانب الآخر فإن فيها ثلثي الدية لأنهما حينئذ جائفتان (أن عقل المرأة) أي الدية التي وجبت بسبب جنايتها (بين عصبتها) أي هم يتحملونها (من كانوا لا يرثون منها) أي من المرأة وهذه صفة كاشفة للعصبة أي دية المرأة القاتلة يتحملها عصبتها الذين لا يرثون منها (إلا ما فضل عن ورثتها) أي ذوي الفرائض
[ 199 ]
قال الخطابي يقول إن العصبة يتحملون عقلها كما يتحملون عن الرجل وأنها ليست كالعبد الذي لا يحمل العاقلة جنايته وإنما هي في رقبته وفيه دليل على أن الأب والجد لا يدخلان في العاقلة لأنه يسهم لهما السدس وإنما العاقلة الأعمام وأبناء العمومة ومن كان في معناهم من العصبة انتهى (فإن قتلت) بصيغة المجهول أي المرأة (فعقلها) أي ديتها (بين ورثتها) أي سواء كانوا أصحاب الفرائض أو عصبة فإن دية المرأة المقتولة كسائر تركتها فلا تختص بالعصبة بل تقسم أولا بين أصحاب الفرائض فإن فضل منها شئ يقسم بين العصبة بخلاف دية المرأة القاتلة التي وجبت عليها بسبب قتلها فإن العصبة يتحملونها خاصة دون أصحاب الفرائض قال الخطابي يريد أن الدية موروثة كسائر الأموال التي تملكها أيام حياتها يرثها زوجها وقد ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها (وهم) أي ورثتها (يقتلون قاتلهم) الظاهر أن يكون قاتلها أي قاتل المرأة ولكن أضيف القاتل إلى الورثة لأنهم هم المستحقون بقتله فالإضافة لأدنى مناسبة والمعنى أن الورثة يرثون دية المرأة المقتولة ويأخذونها وهم يقتلون قاتلها فهم مختارون إن شاؤوا أخذوا الدية ولم يقتلوا قاتلها وإن شاؤا قتلوا قاتلها وليس لغيرهم حق في واحد من هذين الأمرين (ليس للقاتل شئ) أي من دية المقتول ولا من تركته (وإن لم يكن له) أي للمقتول (وارث) أي سوى القاتل (فوارثه أقرب الناس إليه) أي إلى المقتول قال الخطابي معنى قوله فإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه أن بعض الورثة إذا قتل المورث حرم ميراثه وورثه من لم يقتل من سائر الورثة وإن لم يكن له وارث إلا القاتل فإنه يحرم الميراث وتدفع تركته إلى أقرب الناس من بعد القاتل وهذا كالرجل يقتله ابنه وليس له وارث غير ابنه القاتل وللقاتل إبن فإن ميراث المقتول يدفع إلى ابن القاتل ويحرم القاتل انتهى وقيل المراد من قوله وارث ذو فرض والمعنى وإن لم يكن للمقتول ذو فرض فوارثه أقرب الناس إليه من العصابات كذا قيل قلت هذا غير ظاهر بل ليس بصحيح والظاهر هو ما قال الإمام الخطابي فتدبر (قال
[ 200 ]
محمد) يعني ابن راشد وهذه مقولة شيبان (هذا كله) أي كل حديث رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذا المتن الطويل المتقدم قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد (عقل شبه العمد مغلظ) قد مر بحثه (ولا يقتل صاحبه) أي صاحب شبه العمد وهو القاتل سماه صاحبه لصدور القتل عنه وإنما قال صلى الله عليه وسلم هذا دفعا لتوهم جواز الاقتصاص في شبه العمد حيث جعله كالعمد المحض في العقل (قال) هذا مقول أبي داود المؤلف والقائل هو محمد بن يحيى بن فارس شيخه ذكره المزي (وزادنا خليل) بن زياد المحاربي روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم الرازي ولفظ أحمد في مسنده حدثنا أبو النضر وعبد الصمد قالا حدثنا محمد يعني ابن راشد حدثنا سليمان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس قال أبو النضر فيكون رميا في عميا في غير فتنة ولا حمل سلاح (وذلك) أي قتل شبه العمد الذي لا يقتل صاحبه (أن ينزو الشيطان بين الناس) النزو الوثوب والتسرع إلى الشر (فتكون دماء) ضبط بضم الهمزة في نسخة شيخنا العلامة الدهلوي وكذلك ضبط في بعض النسخ الأخر أي فتوجد دماء فكلمة تكون تامة وفي بعض النسخ فيكون دما بالإفراد والنصب ولا يظهر وجهه اللهم إلا أن يقال إن ضمير يكون راجع إلى نزو الشيطان وهو اسمه ودما خبره والمعنى يكون نزو الشيطان بين الناس دما أي سبب دم وفيه تكلف كما لا يخفى (في عميا) بكسر العين والميم المشددة وتشديد الياء أي في حال يعمى أمره فلا يتبين قاتله ولا حال قتله وقد تقدم ضبطه ومعناه (في غير ضغينة) الضغينة الحقد والعداوة والبغضاء
[ 201 ]
والحاصل أن قتل شبه العمد يحصل بسبب وثوب الشيطان بين الناس فيكون القتال بينهم من غير حقد وعداوة ولا حمل سلاح بل في حال يعمى أمره ولا يتبين قاتله ولا حال قتله ففي مثل هذه الصورة لا يقتل القاتل بل عليه دية مغلظة مثل دية قتل العمد قال المنذري وخليل هذا لم ينسب وقد تقدم الكلام على محمد بن راشد وعمرو بن شعيب انتهى وفي التهذيب خليل غير منسوب عن محمد بن راشد في ترجمة الخليل بن زياد المحاربي انتهى (فضيل) بالتصغير اسم أبي كامل (في المواضح خمس) جمع موضحة بكسر الضاد أي الجراحة التي ترفع اللحم من العظم وتوضحه أي في كل موضحة خمس من الإبل كذا في المرقاة وفي المجمع والوضح البياض من كل شئ ومنه الحديث أمر بصيام الأواضح أي أيام الليالي الأواضح أي البيض جمع واضحة والموضحة التي تبدي وضح العظم أي بياضه وجمعه المواضح انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن (في العين القائمة السادة لمكانها) بتشديد الدال المهملة أي الباقية في مكانها صحيحة لكن ذهب نظرها وإبصارها وقال التوربشتي أراد بها العين التي لم تخرج من الحدقة ولم يخل موضعها فبقيت في رأى العين على ما كانت لم يشوه خلقتها ولم يذهب بها جمال الوجه (بثلث الدية) وإنما وجب فيها ثلث دية العين الصحيحة لأنها كانت بعد ذهاب بصرها باقية الجمال فإذا قلعت أو فقئت ذهب ذلك قال ابن الملك عمل بظاهر الحديث إسحاق وأوجب الثلث في العين المذكورة وعامة العلماء أوجبوا حكومة العدل لأن المنفعة لم تفت بكمالها فصارت كالسن إذا سودت بالضرب وحملوا الحديث على معنى الحكومة إذ الحكومة بلغت ثلث الدية
[ 202 ]
وفي الطيبي وكان ذلك بطريق الحكومة وإلا فاللازم في ذهاب ضوئهما الدية وفي ذهاب ضوء إحداهما نصف الدية عند الفقهاء وفي شرح السنة معنى الحكومة أن يقال لو كان هذا المجروح عبدا كم كان ينتقص بهذه الجراحة من قيمته فيجب من ديته بذلك القدر وحكومة كل عضو لا تبلغ فيه المقدرة حتى لو جرح رأسه جراحة دون الموضحة لا تبلغ حكومتها أرش الموضحة وإن قبح شينها وقال الشمني حكومة العدل هي أن يقوم المجني عليه عبدا بلا هذا الأثر ثم يقوم عبدا مع هذا الأثر فقدر التفاوت بين القيمتين من الدية هو هي أي ذلك القدر هي حكومة العدل وهذا تفسير الحكومة عند الطحاوي وبه أخذ الحلواني وهو قول مالك والشافعي وأحمد وكل من يحفظ عنه العلم كذا قال ابن المنذر ذكره في المرقاة وفي فتح الودود وقد عمل بظاهره بعض العلماء لكن عامتهم أوجبوا فيها حكومة عدل وحملوا الحديث على أن الحكومة في تلك الواقعة بلغت هذا القدر لا أنه شرع الثلث في الدية على الإطلاق انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وزاد وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها وفي السن السوداء إذا نزعت بثلث ديتها (باب دية الجنين) الجنين على وزن عظيم هو حمل المرأة ما دام في بطنها سمي بذلك لاستتاره فإن خرج حيا فهو ولد أو ميتا فهو سقط وقد يطلق عليه جنين (عن عبيد بن نضلة) بفتح النون وسكون المعجمة الخزاعي أبو معاوية الكوفي ثقة كذا في التقريب وفي نسخ الصحيح لمسلم نضيلة مصغرا وكذا ذكره مصغرا الذهبي في كتاب المشتبه وقال عبيد بن نضيلة الخزاعي المقري أحد التابعين بالكوفة انتهى ونقل بعض العلماء عن ابن حبان أنه قال نضلة وقيل نضيلة انتهى والله أعلم (من هذيل) بالتصغير قبيلة (بعمود) بفتح العين أي خشب (فقتلتها) وفي بعض النسخ فقتلتها وجنينها (فاختصما) أي ولي القاتلة والمقتولة وفي بعض النسخ فاختصموا أي أولياؤهما (فقال أحد الرجلين) وهو ولي القاتلة (كيف ندي) ودي يدي دية (من لا صاح) أي ما صرخ (ولا أكل)
[ 203 ]
يوقف عليه بالسكون مراعاة للسجع الآتي (ولا شرب ولا استهل) بتشديد اللام من الاستهلال وهو رفع الصوت والمعنى كيف نعطي دية الجنين الذي لم يظهر منه شئ مما يلزم الأحياء من الصياح والأكل وغيرهما (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أسجع كسجع الأعراب) أي أهل البوادي والسجع الكلام المقفى والهمزة للإنكار وإنما أنكره وذمه صلى الله عليه وسلم لأنه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله ولأنه تكلفه في مخاطبته (وقضى فيه) أي في الجنين (بغرة) بضم الغين المعجمة وشدة الراء وأصلها البياض في وجه الفرس والمراد هاهنا العبد أو الأمة كما فسر بهما في الروايات الآتية (وجعله) أي العقل (على عاقلة المرأة) أي القاتلة ولم يذكر في هذا الحديث دية المرأة المقتولة ويأتي ذكرها في الرواية الآتية قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وكذلك) أي بذكر دية المقتولة على عصبة القاتلة وبذكر غرة لما في بطنها رواه الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن المغيرة كما رواه جرير عن منصور بذكر الجملتين فهذه متابعة لمنصور وأما شعبة عن منصور فلم يذكر دية المرأة المقتولة كما صرح به مسلم في صحيحه وأشار إليه المؤلف وتابع جريرا بذكر الجملتين مفضل وسفيان كما عند مسلم وغيره وشعبة قد تفرد بين أصحاب منصور بعدم ذكر الجملة المذكورة والله أعلم (استشار الناس في إملاص المرأة) أي إسقاطها الولد قال النووي أمصلت المرأة بالولد إذا وضعته قبل أوانه وكل ما زلق من اليد فقد ملص بفتح الميم وكسر اللام وأملص أيضا لغتان (قضى فيها) أي في إملاص المرأة (بغرة عبد أو أمة) قال النووي الرواية فيه غرة بالتنوين وما بعده بدل منه ورواه بعضهم بالإضافة والأول أوجه وأو في قوله أو أمة للتقسيم لا للشك (يعني ضرب الرجل
[ 204 ]
بطن امرأته) هذا تفسير الإملاص من أحد الرواة ووقع تفسيره في الاعتصام من البخاري رحمه الله هو أن تضرب المرأة في بطنها فتلقي جنينها (لأن المرأة تزلقه) بكسر اللام في القاموس زلقه عن مكانه يزلقه بعده ونحاه (فقد ملص) بفتح الميم وكسر اللام قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه وقد قيل إن عمر لما جاءه خلاف ما يعلم في الديات أراد التثبت لا أنه يرد خبر الواحد وقيل كان يفعل ذلك مع الصحابة حتى يبالغ غيرهم في التثبت فيما يحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه يفعل ذلك مع الصحابة (أخبرنا وهيب) بالتصغير هو ابن خالد البصري وهكذا في كتاب الديات من صحيح البخاري وفي بعض النسخ وهب وهو غلط (عن عمر بمعناه) قال المنذري وأخرجه البخاري (أنه سأل) أي الناس (في ذلك) زاد في رواية ابن ماجه يعني في الجنين (فقام حمل) بفتح الحاء المهملة والميم (بن مالك بن النابغة) بالموحدة المكسورة وبالغين المعجمة (كنت بين امرأتين) زاد في رواية ابن ماجه لي (بمسطح) بكسر الميم أي عود من أعواد الخباء (بغرة) أي عبد أو أمة (وأن تقتل) بصيغة المجهول أي القاتلة قصاصا قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقوله وأن تقتل لم يذكر في غير هذه
[ 205 ]
الرواية وقد روى عن ابن دينار أنه شك في قتل المرأة بالمرأة (هو الصوبج) بفتح الصاد ويضم الذي يخبز به معرب كذا في القاموس (عود من أعواد الخباء) بكسر الخاء المعجمة والمد هو الخيمة (ولم يذكر وأن تقتل) أي لم يذكر سفيان في روايته لفظ وأن تقتل كما ذكره ابن جريج في روايته المذكورة (زاد بغرة عبد أو أمة) أي زاد سفيان بعد غرة لفظ عبد أو أمة بخلاف رواية ابن جريج المذكورة فإنه اقتصر فيها على قوله غرة (لو لم أسمع بهذا) أي بما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه النسائي هذا منقطع طاوس لم يسمع من عمر (قد نبت شعره) صفة أولى لقوله غلاما (ميتا) صفة ثانية له (فقال عمها) أي عم المقتولة (فقال أبو القاتلة) وفي بعض الروايات الآتية فقال حمل بن مالك بن النابغة وهو زوج القاتلة وفي رواية للطبراني فقال أخوها العلاء بن مسروح ويجمع بين الروايات بأن كل واحد من أبيها وأخيها وزوجها قال ذلك والله تعالى أعلم (ما استهل) أي ما صاح (فمثله يطل) بصيغة المضارع المجهول من طل دمه إذا أهدر وفي بعض النسخ بطل بصيغة الماضي المعلوم من البطلان قال الخطابي يروى هذا الحرف على وجهين أحدهما بطل على وزن الفعل الماضي من البطلان والثاني على وزن الفعل الغابر من قولهم طل دمه إذا أهدر (وكهانتها) بالنصب عطف على سجع الجاهلية (أد) أمر من التأدية (قال ابن عباس كان اسم إحداهما إلخ)
[ 206 ]
قال المنذري غطيف بضم الغين المعجمة وفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفاء آخره ومليكة بضم الميم وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وكاف مفتوحة وتاء تأنيث (وبرأ زوجها وولدها) أي برأهما من تحمل الدية وفيه دليل على أن الزوج والولد ليسا من العاقلة وإليه ذهب مالك والشافعي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا) أي ليس ميراثها لكم بل (ميراثها لزوجها وولدها) كان تخصيص التوريث بين زوجها وولدها لأجل أنهم هم كانوا من الورثة في الواقع وإلا فالظاهر أن ميراثها لورثتها أياما كان كما قال في الرواية الآتية وورثها ولدها ومن معهم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه مختصرا وفي إسناده مجالد بن سعيد وقد تكلم فيه غير واحد (وقضى بدية المرأة) أي المقتولة (على عاقلتها) أي عاقلة القاتلة (وورثها) أي الدية (ولدها ومن معهم) الضمير للولد لأنه جنس يطلق على الواحد والجمع (كيف أغرم) بفتح الراء أي أضمن (إنما هذا) أي القائل أو القائل هذا (من إخوان الكهان) بضم كاف وتشديد هاء جمع كاهن وكانوا يروجون مزخرفاتهم قال بالأسجاع ويزوقون أكاذيبهم بها في الأسماع (من أجل سجعه) أي قاله صلى الله عليه وسلم من أجل سجعه قال الطيبي ولم يعبه بمجرد السجع دون ما تضمن سجعه من الباطل أما إذا وضع السجع في مواضعه من الكلام فلا ذم فيه وكيف يذم وقد جاء
[ 207 ]
في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا قلت ومنه ما ورد اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمع ومن هؤلاء الأربع قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (ثم إن المرأة التي قضى عليها إلخ) قال النووي قال العلماء هذا الكلام قد يوهم خلاف مراده فالصواب أن المرأة التي ماتت هي المجني عليها أم الجنين لا الجانية وقد صرح به في حديث آخر بقوله فقتلتها وما في بطنها فيكون المراد بقوله التي قضى عليها أي التي قضى لها فعبر بعليها عن لها وأما قوله والعقل على عصبتها فالمراد القاتلة أي على عصبة القاتلة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي (حذفت امرأة) بالحاء المهملة والذال المعجمة أي رمتها وفي بعض النسخ خذفت بالخاء المعجمة قال في المجمع الخذف هو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها أو تتخذ مخذفة (مخذفة بالكسر فلاخن عن) من خشب ثم ترمي بها الحصاة بين إبهامك من والسبابة انتهى (فأسقطت) أي حملها (فرفع) بصيغة المجهول (ونهى يومئذ عن الحذف) أي الرمي بالحجر والعصا ونحوهما وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة (كذا الحديث خمس مائة شاة الخ) أي وقع في هذا الحديث لفظ خمس مائة شاة وهو وهم والصواب مائة شاة قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا وقال هذا وهم وينبغي أن يكون أراد مائة من الغنم وقد روي النهي عن الحذف عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل هذا آخر كلامه وحديث عبد الله بن مغفل الذي أشار إليه النسائي أخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 208 ]
(قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل) قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وليس في حديثهما أو فرس أو بغل وقال الترمذي (قال أبو داود روى) بصيغة الماضي المعلوم وفاعله حماد بن سلمة وخالد بن عبد الله (عن محمد بن عمرو) بفتح العين وبالتنوين (لم يذكرا) أي حماد بن سلمة وخالد بن عبد الله قال الخطابي في المعالم يقال أن عيسى بن يونس قد وهم فيه وهو يغلط أحيانا فيما يرويه إلا أنه قد روى عن عطاء وطاوس ومجاهد وعروة بن الزبير أنهم قالوا الغرة عبد أو أمة أو فرس فيشبه أن يكون الأصل عندهم فيما ذهبوا إليه حديث أبي هريرة والله أعلم وأما البغل فأمره أعجب وقد يحتمل أن تكون هذه الزيادة إنما جاءت من قبل بعض الرواة على سبيل القيمة إذا عدمت الغرة من الرقاب والله أعلم انتهى قال المنذري قال الخطابي يقال إن عيسى بن يونس قد وهم فيه وقد يغلط أحيانا فيما يروي قال البيهقي ذكر البغل والفرس غير محفوظ وروي من وجه آخر ضعيف ومرسل وهو تفسير طاوس (حدثنا محمد بن سنان) بكسر السين (العوقي) بفتح المهملة والواو بعدها قاف (عن إبراهيم) هو ابن يزيد النخعي (قال ربيعة) هو ابن أبي عبد الرحمن وهذان الأثران سكت عنهما المنذري وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن إسماعيل بن عياش عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قوم لغرة خمسين دينارا وأخرج البزار في مسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن امرأة حذفت امرأة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولدها بخمس مائة ونهى عن الحذف كذا في تخريج الهداية
[ 209 ]
(باب في دية المكاتب) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) من عثمان إلى قوله عن يحيى بن أبي كثير في عامة النسخ ومنها نسخة صحيحة لشيخنا الدهلوي وأما في بعض النسخ فهكذا حدثنا مسدد أخبرنا يحيى بن سعيد وإسماعيل عن هشام وحدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا يعلى ابن عبيد أخبرنا حجاج الصواف جميعا عن يحيى بن أبي كثير لكن ما وجدنا إسناد مسدد عن يحيى بن سعيد وإسماعيل عن هشام عن يحيى ابن أبي كثير في أطراف المزي والله أعلم (يقتل) بصيغة المجهول حال من المكاتب أي قضى صلى الله عليه وسلم في دية المكاتب حال كونه مقتولا (يؤدى) بتخفيف الدال مضارع مجهول من ودى يدي دية أي يعطي دية المكاتب (ما أدى) بفتح الهمزة وتشديد الدال أي قضى ووفى (من مكاتبته) أي من مال الكتابة (دية الحر) بالنصب والمعنى أن المكاتب إذا قتل يعطى دية حر بقدر ما أدى من مال الكتابة ويعطى دية عبد بقدر ما بقي فإن أدى نصفه مثلا فيعطى نصف دية الحر ونصف دية العبد قال الخطابي أجمع عامة الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه ولم يذهب إلى هذا الحديث أحد من العلماء فيما بلغنا إلا إبراهيم النخعي وقد روي في ذلك أيضا شئ عن علي بن أبي طالب وإذا صح الحديث وجب القول به إذا لم يكن منسوخا أو معارضا بما هو أولى منه والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا (إذا أصاب المكاتب حدا) أي استحق دية (أو ورث) بفتح فكسر راء مخفف (يرث على قدر ما عتق منه) أي بحسبه ومقداره والمعنى إذا ثبت للمكاتب دية أو ميراث ثبت له من الدية والميراث بحسب ما عتق منه كما لو أدى نصف كتابته ثم مات أبوه وهو حر ولم يخلف غيره فإنه يرث منه نصف ماله أو كما إذا جنى على المكاتب جناية وقد أدى بعض كتابته فإن الجاني عليه يدفع إلى ورثته بقدر ما أدى من كتابته دية حر ويدفع إلى مولاه بقدر ما بقي من كتابته دية عبد
[ 210 ]
مثلا إذا كاتبه على ألف وقيمته مائة فأدى خمس مائة ثم قتل فلورثة العبد خمس مائة من ألف نصف دية حر ولمولاه خمسون نصف قيمته كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن (باب في دية الذمي) (دية المعاهد) بكسر الهاء وقيل بفتحها أي الذمي (نصف دية الحر) أي المسلم قال الخطابي ليس في دية أهل الكتاب شئ أبين من هذا وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وهو قول مالك بن أنس وابن شبرمة وأحمد بن حنبل غير أن أحمد قال إذا كان
[ 211 ]
القتل خطأ فإن كان عمدا لم يقد به ويضاعف عليه باثني عشر ألفا وقال أصحاب الرأي وسفيان الثوري ديته دية المسلم وهو قول الشعبي والنخعي ومجاهد ويروى ذلك عن عمر وابن مسعود وقال الشافعي وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه ديته الثلث من دية المسلم وهو قول ابن المسيب والحسن وعكرمة وروي ذلك أيضا عن عمر خلاف الرواية الأولى وكذلك قال عثمان بن عفان قال الخطابي وقول رسول الله أولى ولا بأس بإسناده وقد قال به أحمد ويعضده حديث آخر وقد رويناه فيما تقدم من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان مائة دينار وثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذ النصف انتهى
[ 212 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن ولفظه دية عقل الكافر نصف عقل المؤمن ولفظ النسائي نحو هو لفظ في ابن ماجه قضى أن عقل اهل الكتابين نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى وقد تقدم الكلام على الاختلاف بحديث عمرو بن شعيب
[ 213 ]
(باب في الرجل يقاتل الرجل فيدفعه عن نفسه) (فعض) العض بالفارسية كزيدن والضمير المرفوع للأجير (يده) أي يد الرجل (فانتزعها) أي جذب الرجل يده (فندرت) بالنون والدال المهملة أي سقطت (ثنيته) أي ثنية الأجير والثنية وحدة الثنايا وهي الأسنان المتقدمة اثنتان فوق واثنتان أسفل (فأتى) الأجير العاض طالبا قصاص ثنيته (فأهدرها) أي أبطلها أي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يوجب فيها شيئا (أن يضع) أي الرجل (تقضمها) بفتح الضاد المعجمة ويكسر من قضم كفرح أكل بأطراف أسنانه (كالفحل) أي كقضم الفحل وهو الذكر من كل حيوان والمراد ههنا الذكر من الإبل (قال) أي عطاء (وأخبرني ابن ابي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن زهير وهو أبو مليكة بن عبد الله بن جدعان (عن جده) زهير بن عبد الله بن جدعان صحابي مدني (أن أبا بكر أهدرها) أي الثنية (وقال بعدت سنه) هكذا في أكثر النسخ بعدت من البعد وسنه أي سن العاض التي عض بها وهذا دعاء عليه
[ 214 ]
وفي بعض النسخ نفذت سنه أي هكذا جرت سنة النبي صلى الله عليه وسلم في حق العاض ولم يوجب له شيئا والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وليس فيه قصة أبي بكر وأخرجه ابن ماجه من حديث محمد بن إسحاق وقال فيه يعلى وسلمة ابني أمية (إن شئت أن تمكنه من يدك) من التمكين والضمير المنصوب للرجل المعضوض قال في القاموس مكنته من الشئ وأمكنته منه فتمكن واستمكن وحديث الباب يدل على أن هذه الجناية التي وقعت لأجل الدفع عن الضرر تهدر ولا دية على الجاني وإلى هذا ذهب الجمهور وقالوا لا يلزمه شئ لأنه في حكم الصائل وروي عن مالك أنه يجب الضمان في مثل ذلك وهو محجوج بالحديث الصحيح قال المنذري وقد صح من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال قاتل يعلى بن أمية أو أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه قال بعضهم المعروف أنه لأجير يعلى لا ليعلى انتهى (باب فيمن تطبب ولا يعلم منه طب فأعنت) أي أضر بالمريض
[ 215 ]
(من تطبب) بتشديد الموحدة الأولى أي تعاطى علم الطب وعالج مريضا (ولا يعلم منه طب) أي معالجة صحيحة غالبة على الخطأ فأخطأ في طبه وأتلف شيئا من المريض (فهو ضامن) لأنه تولد من فعله الهلاك وهو متعد فيه إذ لا يعرف ذلك فتكون جنايته مضمونة على عاقلته قال الخطابي لا أعلم خلافا في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنا والمتعاطي علما أو عملا لا يعرفه متعد فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية وسقط القود عنه لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض وجناية الطبيب في قول عامة الفقهاء على عاقلته انتهى (قال نصر) بن عاصم في روايته عن الوليد بن مسلم حدثني ابن جريج وأما محمد بن الصباح فقال عن ابن جريج (لم يروه) أي الحديث مسندا (إلا الوليد) بن مسلم (لا ندري أصحيح هو أم لا) أي لا ندري هو صحيح مسند أم لا ورواه الدارقطني من طريقين عن عبد الله بن عمرو وقال لم يسنده عن ابن جريج غير الوليد بن مسلم وغيره يرويه مرسلا وأخرجه الحاكم في المستدرك في الطب وقال صحيح وأقره الذهبي قاله المناوي قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومنقطعا وأخرجه ابن ماجه انتهى (فأعنت) أي أضر بالمريض وأفسده (فهو ضامن) أي لمن طبه بالدية على عاقلته إن مات بسببه لهوره هذه بالإقدام على ما يقتل بغير معرفة وأما من سبق له بذلك تجارب فهو حقيق بالصواب وإن أخطأ فعن بذل الجهد الصناعي أو قصور الصناعة وعند ذلك لا يكون ملوما كذا قال العلامة العلقمي (قال عبد العزيز) أي الراوي المذكور (أما) بالتخفيف للتنبيه (إنه) أي الطبيب (إنما هو قطع العروق) أي الفصد (والبط) أي الشق يقال بططت سنة القرحة شققتها (والكي) قال في القاموس كواه يكويه كيا أحرق جلده بحديدة ونحوها ومراد عبد العزيز والله أعلم بمراده
[ 216 ]
أن لفظ الطبيب الواقع في الحديث ليس المقصود منه معناه الوصفي العام الشامل لكل من يعالج بل المقصود منه قاطع العروق والباط عمرو الكاوي ولكن أنت تعلم أن لفظ الطبيب في اللغة عام لكل من يعالج الجسم فلا بد للتخصيص ببعض الأنواع من دليل قال المنذري بعض الوفد مجهول ولا يعلم هل له صحبة أم لا انتهى وقال المزي في الأطراف عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان عن بعض من قدم على أبيه ولا يعلم هل له صحبة أم لا انتهى وعبد العزيز بن عمر من طبقة تبع التابعين لم يلق أحدا من الصحابة والله أعلم (باب في دية الخطأ شبه العمد) هذا الباب مع هذا الحديث ثابت في بعض النسخ في هذا المحل وكذا ثابت في مختصر المنذري ثم قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجة وتقدم في باب الدية كم هي وذكر اختلاف الرواة فيه انتهى وأما في أكثر النسخ فهذا الباب مع هذا الحديث ساقط من هذا المحل وتقدم بيان ذلك مشروحا في باب الدية كم هي فليرجع إليه والله أعلم (باب القصاص من السن) (كسرت الربيع) بضم راء وفتح موحدة وتشديد تحتية مكسورة هي عمة أنس بن مالك
[ 217 ]
(أخت أنس بن النضر) بدل من الربيع وهو عم أنس بن مالك (فقضى بكتاب الله القصاص) بالجر بدل من كتاب الله وبالنصب على المفعولية (لا تكسر) بصيغة المجهول (ثنيتها) أي ثنية الربيع ولم يرد أنس الرد على النبي صلى الله عليه وسلم والإنكار بحكمه وإنما قاله توقعا ورجاء من فضله تعالى أن يرضي خصمها ويلقي في قلبه أن يعفو عنها ابتغاء مرضاته ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم حين رضي القوم بالأرش ما قال (قال يا أنس) أي ابن النضر (كتاب الله القصاص) الأشهر فيهما الرفع على أن كتاب الله مبتدأ والقصاص خبره قال الخطابي معناه فرض الله الذي فرضه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزله من وحيه وتكلم به وقال بضمهم أراد به قوله عز وجل وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس إلى قوله والسن بالسن وهذا على قول من يقول إن شرائع الأنبياء لازمة لنا وقيل إشارة إلى قوله وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به إلى قوله سبحانه والجروح قصاص انتهى مختصرا (فرضوا) أي أولياء المرأة المجني عليها (بأرش) بفتح الهمزة أي بالدية (لأبره) أي جعله بارا في يمينه لا حانثا (قال تبرد) بصيغة المجهول قال في شرح القاموس وبرد الحديد بالمبرد ونحوه من الجواهر يبرده بردا سحله والبرادة بالضم السحالة وفي الصحاح البرادة ما سقط منه والمبرد كمنبر ما برد به وهو السوهان قبل بالفارسية انتهى والحديث يدل على وجوب القصاص في السن وظاهره وجوب القصاص ولو كان ذلك كسرا لا قلعا ولكن بشرط أن يعرف مقدار المكسور ويمكن أخذ مثله من سن الكافر فيكون الاقتصاص بأن تبرد سن الجاني إلى الحد الذاهب من سن المجني عليه كما قال أحمد بن حنبل كذا في النيل قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه والربيع بضم الراء المهملة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف وكسرها وبعدها عين مهملة وكذا وقع في لفظ أبي داود والبخاري والنسائي وابن ماجه (كسرت الربيع) وفي صحيح مسلم وسنن النسائي من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانا ورجح بعضهم الأول
[ 218 ]
(باب في الدابة تنفح برجلها) يحيى يقال نفحت الدابة أي ضربت برجلها (الرجل جبار) بضم الجيم أي هدر أي ما أصابته الدابة برجلها فلا قود على صاحبها قال الخطابي قد تكلم الناس في هذا الحديث وقيل إنه غير محفوظ وسفيان بن حسين معروف بسوء الحفظ قالوا وإنما هو العجماء جرحها جبار ولو صح الحديث كان القول به واجبا وقد قال به أصحاب الرأي وذهبوا إلى أن الراكب إذا رمحت دابته إنسانا برجلها فهو هدر وإن نفتحه بيدها فهو ضامن وذلك أن الراكب يملك تصريفها من قدامها ولا يملك ذلك منها فيما ورائها انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وقال الدارقطني لم يروه غير سفيان بن حسين وخالفه الحفاظ عن الزهري منهم مالك وابن عيينة ويونس ومعمر وابن جريج والزبيدي وعقيل وليث بن سعد وغيرهم كلهم رووه عن الزهري فقالوا العجماء جبار والبير جبار والمعدن جبار ولم يذكروا الرجل وهو الصواب ثم ذكر المنذري بعد هذا عبارة الخطابي المذكورة بحروفها ثم قال وذكر غيرة أن أبا صالح السمان وعبد الرحمن الأعرج ومحمد بن سيرين ومحمد بن زياد لم يذكروا الرجل وهو المحفوظ عن أبي هريرة وروى آدم بن أبي إياس عن شعيبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل جبار وقال الدارقطني تفرد به آدم بن أبي إياس عن شعبة هذا آخر كلامه وسفيان بن حسين هو أبو محمد السلمي الوسطي استشهد به البخاري وأخرج له مسلم في المقدمة ولم يحتج به واحد منهما وتكلم فيه غير واحد انتهى كلام المنذري (باب العجماء والمعدن والبئر جبار) (العجماء) أي البهيمة والدابة وسميت بها لعجمتها وكان وكل من لم يقدر على الكلام فهو
[ 219 ]
أعجمي (جرحها) بفتح الجيم على المصدر لاغير قال الأزهري وأما بالضم فهو اسم كذا في النهاية والقاموس (جبار) بضم الجيم أي هدر قال الخطابي وإنما يكون جرحها هدرا إذا كانت منفلتة عائرة على وجهها ليس لها قائد ولا سائق ولا عليها راكب (والمعدن) بكسر الدال (جبار) معناه أن الرجل يحفر المعدن في ملكه أو في موات فيمر بها مار فيسقط فيها فيموت أو يستأجر أجراء يعملون فيها فيقع عليهم فيموتون فلا ضمان في ذلك وكذا قوله (والبئر جبار) معناه أنه يحفرها في ملكه أو في موات فيقع فيها إنسان أو غيره ويتلف فلا ضمان وكذا لو استأجره لحفرها فوقعت عليه فمات فلا ضمان (وفي الركاز الخمس) قال النووي فيه تصريح بوجوب الخمس في الركاز وهو دفين الجاهلية وهذا مذهبنا ومذهب أهل الحجاز وجمهور العلماء وقال أبو حنيفة وغيره من أهل العراق هو المعدن وهما عندهم لفظان مترادفان وهذا الحديث يرد عليهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما وعطف أحدهما على الآخر انتهى (قال أبو داود العجماء) أي التي يكون جرحها جبارا (المنفلتة) أي المسرحة (التي لا يكون معها) أي العجماء (أحد) أي من القائد والسائق والراكب (وتكون بالنهار لا تكون بالليل) قال النووي أجمع العلماء على أن جناية البهائم بالنهار لا ضمان فيها فإن كان معها راكب أو سائق أو قائد فجمهور العلماء على ضمان ما أتلفته وأما إذا أتلفت ليلا فقال مالك يضمن صاحبها ما أتلفته وقال الشافعي وأصحابه يضمن إن فرط في حفظها وإلا فلا انتهى مختصرا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة (باب في النار تعدى) بحذف أحدى التاءين (النار جبار) قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجة قال
[ 220 ]
الخطابي لم أزل أسمع أصحاب الحديث يقولون غلط فيه عبد الرزاق إنما هو البئر جبار حتى وجدته لأبي داود عن عبد الملك الصنعاني عن معمر فدل على أن الحديث لم ينفرد به عبد الرزاق هذا آخر كلامه وعبد الملك الصنعاني ضعفه هشام بن يوسف وأبو الفتح الأزدي وقال بعضهم هو تصحيف البئر فإن أهل اليمن يميلون النار ويكسرون النون فسمع بعضهم على الإمالة فكتبه بالياء فنقلوه مصحفا فعلى هذا الذي ذكره هو على العكس مما قاله فإن صح نقله فهي النار يوقدها الرجل في ملكه لإرب له فيها فتطيرها الريح فتشتعلها روى في مال أو متاع لغيره بحيث لا يملك ردها فيكون هدرا انتهى كلام المنذري (باب جناية العبد يكون للفقراء) (فأتى أهله) أي أهل الغلام القاطع (النبي) بالنصب (فلم يجعل عليه) وفي بعض النسخ عليهم قال الخطابي معنى هذا أن الغلام الجاني كان جرا وكانت جنايته خطأ وكانت عاقلته فقراء وإنما تواسى العاقلة عن وجد وسعة ولا شئ على الفقير منهم ويشبه أن الغلام المجني عليه أيضا كان حرا لأنه لو كان عبدا لم يكن لاعتذار أهله بالفقر معنى لأن العاقلة لا تحمل عبدا كما لا تحمل عمدا ولا اعترافا وذلك في قول أكثر أهل العلم فأما الغلام المملوك إذا جنى على عبد أو حر فجنايته في رقبته في قول عامة أهل العلم انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي (باب فيمن قتل الخ) وقد تقدم هذا الباب مع حديثه وقد مر الكلام عليه هناك قال المنذري وأخرجه
[ 221 ]
النسائي وابن ماجة وقد تقدم وأخرجه أبو داود فيما تقدم مسندا وقال ههنا حدثت عن سعيد بن سليمان ولم يسم من حدثه فهي رواية مجهول انتهى هذا آخر كتاب الديات
[ 222 ]
(اول كتاب السنة) (افترقت اليهود الخ) هذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر عن غيب وقع قال العلقمي قال شيخنا ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث كتابا قال فيه قد علم أصحاب المقاولات أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقة من أبواب الحلال والحرام وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد وفي تقدير الخير والشر وفي شروط النبوة والرسالة وفي موالاة الصحابة وما جرى مجرى هذه الأبواب لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضا بخلاف النوع الأول فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تفسيق للمخالف فيه فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الاختلاف وقد حدث في آخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهني وأتباعه ثم حدث الخلاف بعد
[ 223 ]
ذلك شيئا فشيئا إلى أن تكاملت الفرق الضالة اثنين وسبعين فرقة والثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة وهي الفرقة الناجية انتهى باختصار ولم يسير قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وحديث ابن ماجة مختصر وقال الترمذي حسن صحيح (الحرازي) قال في المغني الحرازي بمفتوحة وخفة راء وبزاي بعد ألف منسوب إلى حراز بن عوف وقيل هو حران بشدة راء وبنون منه أزهر بن عبد الله انتهى (الهوزني) بمفتوحة وسكون واو وبزاي ونون نسبة إلى هوزن بن عوف كذا في المغني (فقال ألا) بالتخفيف للتنبيه (وإن هذه الملة) يعني أمته صلى الله عليه وسلم (وهي) أي الواحدة التي في الجنة (الجماعة) أي أهل القرآن والحديث والفقه والعلم الذين اجتمعوا على اتباع آثاره صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال كلها ولم يبتدعوا بالتخريف بين والتغيير ولم يبدلوا بالآراء الفاسدة (تجاري) بحذف إحدى التاءين أي تدخل وتسري (تلك الأهواء) أي البدع (كما يتجارى أهل الكلب) بالكاف واللام المفتوحتين داء يعرض للإنسان من عض الكلب الكلب وهو داء يصيب الكلب فيصيبه شبه الجنون فلا يعض أحد إلا كلب ويعرض له أعراض ردية ويمتنع من شرب الماء حتى يموت عطشا كذا في النهاية (قال عمرو الكلب بصاحبه) أي قال عمرو بن عثمان بصاحبه بالموحدة وأما ابن يحي فقال باللام (منه) أي من صاحبه (عرق) بكسر العين والحديث سكت عنه المنذري
[ 224 ]
(باب النهي عن الجدال واتباع المتشابه من القرآن) (عن عبد الله بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد) قال الحافظ ابن كثير أخرج أحمد في مسنده حدثنا إسماعيل حدثنا يعقوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي الحديث هكذا وقع هذا الحديث في سنة الإمام أحمد من رواية ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها ليس بينهما أحد وهكذا رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن علية وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن أيوب به ورواه أبو بكر بن المنذر في تفسيره من طريقين عن أبي النعمان محمد بن الفضل السدوسي حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة به وتابع أيوب أبو عامر الخزاز وغيره عن ابن أبي مليكة فرواه الترمذي عن بندار عن أبي داود الطيالسي عن أبي عامر الخزاز فذكره ورواه سعيد بن منصور في سننه عن حماد بن يحيى عن عبد الله بن أبي ملكية عن عائشة ورواه ابن جرير من حديث روح بن القاسم ونافع بن عمر الجمحي كلاهما عن ابن أبي مليكة عن عائشة وقال نافع في روايته عن ابن أبي مليكة حدثتني عائشة فذكره وقد روى هذا الحديث البخاري عند تفسير هذه الآية ومسلم في كتاب القدر من صحيحه وأبو داود في السنة من سننه ثلاثتهم عن القعنبي عن يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية الحديث وكذا رواه الترمذي أيضا عن بندار عن أبي داود الطيالسي عن يزيد بن إبراهيم به وقال حسن صحيح وذكر أن يزيد بن إبراهيم التستري تفرد بذكر القاسم في هذا الإسناد وقد رواه غير واحد عن ابن أبي مليكة عن عائشة ولم يذكر القاسم كذا قال وقد رواه ابن أبي حاتم فقال حدثنا أبي حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري وحماد بن سلمة عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة فذكره انتهى كلامه هو الذي أنزل عليك الكتاب يعني القرآن منه آيات محكمات قال الخازن في
[ 225 ]
تفسيره يعني مبينات مفصلات أحكمت عبارتها من احتمال التأويل والاشتباه سميت محكمة من الإحكام كأنه تعالى أحكمها فمنع الخلق من التصرف فيها لظهورها ووضوح معناها إلى أولي الألباب وتمام الآية مع تفسيرها هكذا هن أم الكتاب يعني هن أصل الكتاب الذي يعول عليه في الأحكام ويعمل به في الحلال والحرام فإن قلت كيف قال هن أم الكتاب ولم يقل أمهات الكتاب قلت لأن الآيات في اجتماعها وتكاملها كالآية الواحدة وكلام الله كله شئ واحد وقيل إن كل آية منهن أم الكتاب كما قال وجعلنا ابن مريم وأمه آية يعني أن كل واحد منهما آية وأخر جمع أخرى متشبهات يعني أن لفظه يشبه لفظ غيره ومعناه يخالف معناه فإن قلت قد جعله هنا محكما ومتشابها وجعله في موضع آخر كله محكما فقال في أول هود الر كتاب حديث أحكمت آياته وجعله في موضع آخر كله متشابها فقال تعالى في الزمر الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها فكيف الجمع بين هذه الآيات قلت حيث جعله كله محكما أراد أنه كله حق وصدق ليس فيه عبث ولا هزل وحيث جعله كله متشابها أراد أن بعضه يشبه بعضا في الحسن والحق والصدق وحيث جعله هنا بعضه محكما وبعضه متشابها فقد اختلفت عبارات العلماء فيه فقال ابن عباس رضي الله عنه إن الآيات المحكمة هي الناسخ والمتشابهات هي الآيات المنسوخة وبه قال ابن مسعود وقتادة والسدي وقيل إن المحكمات ما فيه أحكام الحلال والحرام والمتشابهات ما سوى ذلك يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا وقيل إن المحكمات ما أطلع الله عباده على معناه والمتشابه ما استأثر الله بعلمه فلا سبيل لأحد إلى معرفته نحو الخبر عن أشراط الساعة مثل الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليه السلام وطلوع الشمس من مغربها وفناء الدنيا وقيام الساعة فجميع هذا مما استأثر الله بعلمه وقيل إن المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا والمتشابه ما يحتمل أوجها وروي ذلك عن الشافعي وقيل إن المحكم سائر القرآن والمتشابه هي الحروف المقطعة في أوائل السور قال ابن عباس إن رهطا من اليهود منهم حيى بن أخطب وكعب بن الأشرف ونظراؤهما
[ 226 ]
أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له حيى بلغنا أنك أنزل عليك ألم فأنشدك الله أأنزلت عند عليك قال نعم قال إن كان ذلك حقا فإني أعلم مدة ملك أمتك هي إحدى وسبعون سنة فهل أنزل عليك غيرها قال نعم المص قال فهذه أكثر هي إحدى وستون ومائة فهل أنزل عليك غيرها قال نعم الر قال هذه أكثر هي مائتان وإحدى وثلاثون سنة فهل من غيرها قال نعم المر قال هذه أكثر هي مائتان وإحدى وسبعون سنة ولقد اختلط علينا فلا ندري أبكثيره لأنه نأخذ أم بقليله ونحن ممن لا يؤمن بهذا فأنزل الله هذه الآية قوله تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه قاله الخازن في تفسيره وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه فروى عن السلف عبارات كثيرة وأحسن ما قيل فيه هو الذي نص عليه محمد بن إسحاق بن يسار حيث قال منه آيات محكمات فهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه قال والمتشابهات في الصدق ليس لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام لا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق ولهذا قال تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل فيتبعون ما تشابه منه أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ولهذا قال تعالى ابتغاء الفتنة أي الإضلال لأتباعهم أما إنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم كما قالوا احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وتركوا الاحتجاج بقوله إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وبقوله إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله تعالى وعبد ورسول من رسل الله انتهى فأما الذين في قلوبهم زيغ أي ميل عن الحق قال الإمام الراغب في مفردات القرآن الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين انتهى واختلفوا في المشار إليهم فقيل هم وفد نجران الذين خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيسى عليه السلام وقالوا ألست تزعم أن عيسى روح الله وكلمته قال بلى قالوا حسبنا فأنزل الله هذه الآية وقيل هم اليهود لأنهم طلبوا معرفة مدة بقاء هذه الأمة واستخرجه بحساب الجمل من الحروف المقطعة في اوائل السور وقيل هم المنافقون قاله الخازن فيتبعون ما تشابه منه أي يحيلون المحكم على المتشابه والمتشابه على المحكم وهذه الآية تعم كل طائفة من الطوائف الخارجة عن الحق من طوائف البدعة فإنهم يتلاعبون
[ 227 ]
بكتاب الله تلاعبا شديدا ويوردون منه لتنفيق جهلهم ما ليس من الدلالة في شئ ابتغاء الفتنة أي طلبا منهم لفتنة الناس في دينهم والتلبس عليهم وإفساد ذوات بينهم لا تحريا للحق وابتغاء تأويله أي تفسيره على الوجه الذي يريدونه ويوافق مذاهبهم الفاسدة قال الزجاج المعنى أنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم فأعلم الله عز وجل أن تأويل ذلك ووقته لا يعلمه إلا الله (وما يعلم تأويله إلا الله) يعني تأويل المتشابه وقيل لا يعلم انقضاء ملك هذه الأمة إلا الله تعالى لأن انقضاء ملكها مع قيام الساعة ولا يعلم ذلك إلا الله وقيل يجوز أن يكون للقران تأويل استأثره الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه كعلم قيام الساعة ووقت طلوع الشمس من مغربها وخروج الدجال ونزول عيسى بن مريم وعلم الحروف المقطعة وأشباه ذلك مما استأثر الله بعلمه فالإيمان به واجب وحقائق علومه مفوضة إلى الله تعالى وهذا قول أكثر المفسرين وهو مذهب عبد الله بن مسعود وابن عباس في رواية عنه وأبي بن كعب وعائشة وأكثر التابعين فعلى هذا القول تم الكلام عند قوله إلا الله فيوقف عليه قاله الخازن والراسخون في العلم أي الثابتون في العلم وهم الذين أتقنوا علمهم بحيث لا يدخل في علمهم شك يقولون آمنا به كل من عند ربنا يعني المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وما علمنا منه وما لم نعلم ونحن معتمدون في المتشابه بالإيمان به ونكل معرفته إلى الله تعالى وفي المحكم يجب علينا الإيمان به والعمل بمقتضاه وما يذكر إلا أولوا الألباب أي وما يتعظ بما في القرآن إلا ذوو العقول وهذا ثناء من الله تعالى على الذين قالوا امنا به كل من عند ربنا وقال النووي اختلف المفسرون والأصوليون وغيرهم في المحكم والمتشابه اختلافا كثيرا قال الغزالي في المستصفى الصحيح أن المحكم يرجع إلى معنيين أحدهما المكشوف المعنى الذي لا يتطرق إليه إشكال واحتمال والمتشابه ما يتعارض فيه الاحتمال والثاني أن المحكم ما انتظم ترتيبه مفيدا إما ظاهرا وإما بتأويل وأما المتشابه فالأسماء المشتركة كالقرء فإنه متردد بين الحيض والطهر انتهى ملخصا يتبعون ما تشابه منه أي من الكتاب يعني يبحثون في آيات المتشابهة لطلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم أخبرنا (فأولئك الذين سمى الله) كلا مفعوليه محذوفان أي سماهم الله أهل الزيغ كذا قال ابن الملك في المبارق صلى الله عليه وسلم (فاحذروهم) يعني لا تجالسوهم ولا تكالموهم فإنهم أهل الزيغ والبدع وفي الصحيحين عن عائشة قالت تلا رسول الله لله هو الذي أنزل عليك الكتاب إلى قوله أولو الألباب قالت قال إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم وفي لفظ فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه أولئك سماهم الله فاحذروهم هذا لفظ البخاري ولفظ ابن جرير وغيره فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فلا تجالسوهم
[ 228 ]
وأخرج الطبراني وأحمد والبيهقي وغيرهم عن أبي أمامة عنه صلى الله عليه وسلم قال هم الخوارج قال ابن القيم في اعلام الموقعين إذا سئل أحد عن تفسير آية من كتاب الله تعالى أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له أن يخرجها عن ظاهرها بوجوه التأويلات الفاسدة لموافقة نحلته وهواه ومن فعل ذلك استحق المنع من الإفتاء والحجر عليه وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به أئمة الكلام قديما وحديثا وقال أبو المعالي الجويني في الرسالة النظامية ذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب تعالى والذي نرتضيه رأينا وندين الله به اتباع سلف الأمة وقد درج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض بمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة الإسلام وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه ومنها ولو كان تأويل هذه الظواهر مسوغا أو محبوبا لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين على اضراب عن التأويل كان ذلك قاطعا بأنه الوجه المتبع فحق على ذى الدين أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل معناها إلى الرب تعالى انتهى كذا في فتح البيان والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم) (أفضل الأعمال الحب في الله) أي لأجله لا لغرض آخر كميل وإحسان ومن لازم الحب في الله حب أوليائه وأصفيائه ومن شرط محبتهم اقتفاء آثارهم وطاعتهم (والبغض في الله) أي لأمر يسوغ له البغض كالفسقة والظلمة وأرباب المعاصي قال ابن رسلان في شرح السنن فيه دليل على أنه يجب أن يكون للرجل أعداء يبغضهم في الله كما يكون له أصدقاء يحبهم في الله بيانه أنك إذا أحببت إنسانا لأنه مطيع لله ومحبوب عند الله فإن عصاه فلا بد أن تبغضه لأنه عاص لله وممقوت عند الله فمن أحب لسبب فبالضرورة يبغض لضده وهذان وصفان متلازمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر وهو مطرد في الحب والبغض في العادات انتهى وأخرج الطبراني في الكبير مرفوعا عن ابن عباس أوثق
[ 229 ]
عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله عز وجل انتهى قال المنذري في إسناده يزيد بن أبي زياد الكوفي ولا يحتج بحديثه وقد أخرج له مسلم متابعة وفيه أيضا رجل مجهول (وكان) أي عبد الله (قائد كعب) خبر كان (من بنيه) بفتح الموحدة وكسر النون وسكون التحتية جمع ابن أي من بينهم (حين عمي) أي كعب وكان أبناؤه أربعة عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعبيد الله وجملة كان معترضة بين اسم أن وهو عبد الله وخبرها وهو قال (قصة تخلفه) أي كعب (أيها الثلاثة) هو من باب الاختصاص المشابه للنداء لفظا لا معنى (حتى إذا طال) أي المكث (علي) بتشديد الياء (تسورت) أي ارتقيت (جدار حائط أبي قتادة) الحائط البستان (وهو) أي أبو قتادة (ثم ساق) أي ابن السرح (خبر تنزيل توبته) أي كعب وخبره طويل أورده المؤلف ههنا مختصرا مقتصرا على المحتاج منه قال الخطابي فيه أن تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث إنما هو فيما يكون بينهما من قبل عتب وموجدة أو لتقصير يقع في حقوق العشرة ونحوها دون ما كان ذلك من حق الدين فإن هجرة أهل الهواء والبدعة دائمة على ممر الأوقات والأزمان ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مطولا ومختصرا (باب ترك السلام على أهل الأهواء) لو قال في المصباح الهوى مقصور مصدر ميل النفس وانحرافها نحو الشئ ثم استعمل في ميل مذموم فيقال اتبع هواه وهي من أهل الأهواء انتهى (حدثنا موسى بن إسماعيل الخ) الحديث قد مر شرحه في باب الترجل والمقصود من
[ 230 ]
إيراده ههنا قوله فسلمت عليه فلم يرد علي قال المنذري وقد تقدم في كتاب الترجل أتم من هذا (عن سمية) مصغرا هي البصرية وحديثها عند المؤلف والنسائي وابن ماجه قال الحافظ هي مقبولة (اعتل بعير) أي حصل له علة (لصفية بنت حيي) بالتصغير وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم (وعند زينب) أي بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها (فضل ظهر) أي مركب فاضل عن حاجتها (فقالت) أي زينب (تلك اليهودية) تعني صفية وكانت من ولد هارون عليه السلام (فهجرها ذا الحجة الخ) أي ترك صحبتها هذه المدة قال المنذري سمية لم تنسب (باب النهي عن الجدال في القرآن) (المراء) بكسر الميم والمد (في القرآن كفر) قال المناوي أي الشك في كونه كلام الله
[ 231 ]
أو أراد الخوض فيه بأنه محدث أو قديم أو المجادلة في الآي المتشابهة وذلك يؤدي إلى الجحود فسماه كفرا باسم ما يخاف عاقبته انتهى وقال الإمام ابن الأثير في النهاية المراء الجدال والتماري والمماراة المجادلة على مذهب الشك والريبة ويقال للمناظرة مماراة لأن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه ويمتريه يكون كما يمتري الحالب اللبن من الضرع قال أبو عبيد ليس وجه الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل ولكنه على الاختلاف في اللفظ وهو أن يقول الرجل على حرف فيقول الآخر ليس هو هكذا ولكنه على خلافه وكلاهما منزل مقروء به فإذا جحد كل واحد منهما قراءة صاحبه لم يؤمن أن يكون ذلك يخرجه إلى الكفر لأنه نفى حرفا أنزله الله على نبيه وقيل إنما جاء هذا في الجدال والمراء في الآيات التي فيها ذكر القدر ونحوه من المعاني على مذهب أهل الكلام وأصحاب الأهواء والآراء دون ما تضمنته من الأحكام وأبواب الحلال والحرام فإن ذلك قد جرى بين الصحابة فمن بعدهم من العلماء وذلك فيما يكون الغرض منه والباعث عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة والتعجيز انتهى كلامه وقال الطيبي هو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن ليدفع بعضه ببعض فينبغي أن يجتهد في التوفيق بين المتخالفين على وجه يوافق عقيدة السلف فإن لم يتيسر له فليكله إلى الله تعالى وقيل هو المجادلة فيه وإنكار بعضها انتهى (باب في لزوم السنة) (عن حريز) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وآخره زاي (ابن عثمان) الرحبي الحمصي وفي بعض نسخ الكتاب جرير بالجيم وهو غلط فإن جرير بن عثمان بالجيم ليس في الكتب الستة أحدا من الرواة والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري (أوتيت الكتاب) أي القرآن (ومثله معه) أي الوحي الباطن غير المتلو أو تأويل الوحي الظاهر وبيانه بتعميم وتخصيص وزيادة ونقص أو أحكاما ومواعظ وأمثالا تماثل القرآن في وجوب العمل أو في المقدار قال البيهقي هذا الحديث يحتمل وجهين أحدهما أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أوتي من الظاهر المتلو والثاني أن معناه أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى وأوتي مثله من البيان أي أذن له أن يبين ما في الكتاب
[ 232 ]
فيعم ويخص وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس في الكتاب له ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن (ألا يوشك) قال الخطابي يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس له ذكر في القرآن على ما ذهب إليه الخوارج والروافض من الفرق الضالة فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي ضمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا انتهى (رجل شبعان) هو كناية عن البلادة وسوء الفهم الناشئ عن الشبع أو عن الحماقة اللازمة للتنعم والغرور بالمال والجاه (على أريكته) أي سريره المزين بالحلل والأثواب وأراد بهذه الصفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلم من مظانه (فأحلوه) أي اعتقدوه حلالا (فحرموه) أي اعتقدوه حراما واجتنبوه (ألا لا يحل لكم) بيان للقسم الذي ثبت بالسنة وليس له ذكر في القرآن (ولا لقطة) بضم اللام وفتح القاف ما يلتقط مما ضاع من شخص بسقوط أو غفلة (معاهد) أي كافر بينه وبين المسلمين عهد بأمان وهذا تخصيص بالإضافة ويثبت الحكم في لقطة المسلم بالطريق الأولى (إلا أن يستغني عنها صاحبها) أي يتركها لمن أخذها استغناء عنها (فعليهم أن يقروه) بفتح الياء وضم الراء أي يضيفوه من قريت الضيف إذا أحسنت إليه (فله أن يعقبهم) من الإعقاب بأن يتبعهم ويجازيهم من صنيعه يقال أعقبه بطاعته إذا جازاه وروي بالتشديد يقال عقبهم مشددا ومخففا وأعقبهم إذا أخذ منهم عقبى وعقبة وهو أن يأخذ منهم بدلا عما فاته كذا في المرقاة (بمثل قراه) بالكسر والقصر أي فله أن يأخذ منهم عوضا عما حرموه من القرى قيل هذا في المضطر أو هو منسوخ وقد سبق الكلام عليه في كتاب الأطعمة قال الخطابي في الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ كان حجة بنفسه فأما ما رواه بعضهم أنه قال إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه فإنه حديث باطل لا أصل له وقد حكى زكريا الساجي عن يحيى بن معين أنه قال هذا حديث وضعته الزنادقة قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه وحديث أبي داود أتم من حديثهما
[ 233 ]
(لا ألفين) أي لاأجدن مع من ألفيته وجدته (متكئا) حال (على أريكته) أي سريره المزين (يأتيه الأمر) أي الشأن من شؤون الدين (من أمري) بيان الأمر وقيل اللازم في الأمر زائدة ومعناه أمر من أمري (مما أمرت به أو نهيت عنه) بيان أمري (لا ندري) أي لا نعلم غير القرآن ولا أتبع غيره (ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) ما موصولة أي الذي وجدناه في القرآن اتبعناه وعملنا به ولقد ظهرت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ووقع بما أخبر به فإن رجلا خرج من الفنجاب من إقليم الهند وانتسب نفسه بأهل القرآن وشتان بينه وبين أهل القرآن بل هو من أهل الإلحاد والمرتدين وكان قبل ذلك من الصالحين فأضله الشيطان وأغواه وأبعده عن الصراط المستقيم فتفوه بما لا يتكلم به أهل الإسلام فأطال لسانه في إهانة النبي صلى الله عليه وسلم ورد الأحاديث الصحيحة بأسرها وقال هذه كلها مكذوبة ومفتريات على الله تعالى وإنما يجب العمل على القرآن العظيم فقط دون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت صحيحة متواترة ومن عمل على غير القرآن فهو داخل تحت قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وغير ذلك من أقواله الكفرية وتبعه على ذلك كثير من الجهال وجعله إماما وقد أفتى علماء العصر بكفره وإلحاده وخروجه عن دائرة الإسلام والامر كما قالوا والله أعلم وأيضا في الحديثين توبيخ من غضب عظيم على من ترك السنة استغناء عنها بالكتاب فكيف بمن رجح الرأي عليها أو قال لا علي أن أعمل بها فإن لي مذهبا أتبعه قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي حسن وذكر أن بعضهم رواه مرسلا (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (من أحدث) أي أتى بأمر جديد (في أمرنا هذا) أي في دين الإسلام (ما ليس فيه) أي شيئا لم يكن له سند ظاهر أو خفي من الكتاب والسنة (فهو) أي الذي أحدثه (رد) أي مردود وباطل
[ 234 ]
قال الخطابي في هذا الحديث بيان أن كل شئ نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عقد نكاح وبيع وغيرهما من العقود فإنه منقوض مردود لأن قوله فهو رد يوجب ظاهره إفساده وإبطاله إلا أن يقوم الدليل على أن المراد به غير الظاهر فينزل الكلام عليه لقيام الدليل فيه انتهى (قال ابن عيسى) هو محمد (من صنع أمرا) أي عمل عملا (على غير أمرنا) أي ليس في ديننا عبر عن الدين به تنبيها على أن الدين هو أمرنا الذي نشتغل به قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة بنحوه (وهو) أي العرباض ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم أي معك إلى الغزو والمعنى لا حرج عليهم في التخلف عن الجهاد (قلت لا أجد ما أحملكم عليه) حال من الكاف في أتوك بتقدير قد ويجوز أن يكون استئنافا كأنه قيل ما بالهم توالوا قلت لا أجد وتمام الآية (تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) وقوله (تولوا) جواب إذا ومعناه انصرفوا (فسلمنا) أي على العرباض (زائرين) من الزيارة (وعائدين) من العيادة (ومقتبسين) أي محصلين العلم منك (ذرفت) أي دمعت (ووجلت) بكسر الجيم أي خافت (كأن هذه موعظة مودع) بالإضافة فإن المودع بكسر الدال عند الوداع لا يترك شيئا مما يهم المودع بفتح الدال أي كأنك تودعنا بها لما رأى من مبالغته صلى الله عليه وسلم في الموعظة (فماذا تعهد) أي توصى (وإن عبدا حبشيا) أي وإن كان المطاع عبدا حبشيا قال الخطابي يريد به طاعة من ولاه الإمام عليكم وإن كان عبدا حبشيا ولم يرد بذلك أن يكون الإمام عبدا حبشيا وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الأئمة من قريش وقد يضرب المثل في الشئ بما لا يكاد يصح في الوجود كقوله صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجداولو سعيد مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة وقدر مفحص القطاة لا يكون مسجدا لشخص آدمي ونظائر هذا الكلام كثير
[ 235 ]
(وعضوا عليها بالنواجذ) جمع ناجذة بالذال المعجمة قيل هو الضرس الأخير وقيل هو مرادف السن وهو كناية عن شدة ملازمة السنة والتمسك بها وقال الخطابي وقد يكون معناه أيضا الأمر بالصبر على ما يصيبه من المضض في ذات الله كما يفعله المتألم بالوجع يصيبه (وإياكم ومحدثات الامور الخ) قال الحافظ ابن رجب في كتاب جامع العلوم والحكم فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله كل بدعة ضلالة والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة فقوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة من جوامع الكلم لا يخرج عنه شئ وهو أصل عظيم من أصول الدين وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه في التراويح نعمت البدعة هذه وروى عنه أنه قال إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة ومن ذلك أذان الجمعة الأول زاده عثمان لحاجة الناس إليه وأقره علي واستمر عمل المسلمين عليه وروي عن ابن عمر أنه قال هو بدعة ولعله أراد ما أراد أبوه في التراويح انتهى ملخصا قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجة وليس في حديثهما ذكر حجر بن حجر غير أن الترمذي أشار إليه تعليقا وقال الترمذي حسن صحيح هذا اخر كلامه والخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وقال صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر فخص اثنين وقال فإن لم تجديني فأتي أبا بكر فخصه فإذا قال أحدهم قولا وخالفه فيه غيره من الصحابة كان المصير إلى قوله أولى والمحدث على قسمين محدث ليس له أصل إلا الشهرة (الشهوة) والعمل بالإرادة فهذا باطل وما كان على قواعد الأصول أو مردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة انتهى كلام المنذري (ألا) بالتخفيف للتنبيه (هلك المتنطعون) أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم قاله النووي قال الخطابي المتنطع المتعمق في الشئ المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل
[ 236 ]
الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم وفيه دليل على أن الحكم بظاهر الكلام وأنه لا يترك الظاهر إلى غيره ما كان له مساغ وأمكن فيه الاستعمال انتهى (ثلاث مرات) أي قال هذه الكلمة ثلاث مرات (باب من دعا إلى السنة) (من دعا إلى هدى) أي إلى ما يهتدى به من الأعمال الصالحة (كان له من الأجر مثل أجور من تبعه) إنما استحق الداعي إلى الهدى ذلك الأجر لكون الدعاء إلى الهدى خصلة من خصال الأنبياء (لا ينقص) بضم القاف (ذلك) أي الأجر وقيل هو إشارة إلى مصدر كان (من أجورهم شيئا) هذا دفع لما يتوهم أن أجر الداعي إنما يكون مثلا بالتنقيص من أجر التابع وبضم أجر التابع إلى أجر الداعي وضمير الجمع في أجورهم راجع إلى من باعتبار المعنى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما) الجار والمجرور حال جرما معناه أن أعظم من أجرم جرما كائنا في حق المسلمين (من سأل عن أمر الخ) اعلم أن المسألة على نوعين أحدهما ما كان على وجه التبيين فيما يحتاج إليه من أمر الدين وذلك جائز كسؤال عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة في أمر الخمر حتى حرمت بعدما كانت حلالا لأن الحاجة دعت إليه
[ 237 ]
وثانيهما ما كان على وجه التعنت وهو السؤال عما لم يقع ولا دعت إليه حاجة فسكوت النبي في مثل هذا عن جوابه ردع لسائله وإن أجاب عنه كان تغليظ له فيكون بسببه تغليظ على غيره وإنما كان هذا من أعظم الكبائر لتعدي جنايته إلى جميع المسلمين ولا كذلك غيره كذا قال ابن الملك في المبارق قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (عائذ الله) بالنصب اسم أبي إدريس (أن يزيد بن عميرة) بفتح العين وكسر الميم وخبر أن قوله أخبره وقوله وكان من أصحاب معاذ بن جبل جملة معترضة بين اسم أن وخبرها (قال كان) أي معاذ بن جبل (للذكر) أي الوعظ (الله حكم قسط) أي حاكم عادل (هلك المرتابون) أي الشاكون (إن من ورائكم) أي بعدكم (فتنا) بكسر ففتح جمع فتنة وهي الامتحان والاختبار بالبلية (ويفتح) بصيغة المجهول وهو كناية عن شيوع إقراء القرآن وقراءته وكثرة تلاوته لأن من لازم شيوع الإقراء والقراءة وكثرة التلاوة أن يفتح القرآن والمعنى أن في أيام هذه الفتن يشيع إقراء القرآن وقراءته ويروج تلاوته بحيث يقرؤه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والكبير والصغير والعبد والحر (حتى أبتدع لهم) أي أخترع لهم البدعة (غيره) أي غير القرآن ويقول ذلك لما رآهم يتركون القرآن والسنة ويتبعون الشيطان والبدعة (فإياكم وما ابتدع) أي احذروا من بدعته (فإن ما ابتدع) بصيغة المجهول أو المعلوم (زيغة الحكيم) أي انحراف العالم عن الحق والمعنى أحذركم مما صدر من لسان العلماء من الزيغة بكر والزلة وخلاف الحق فلا تتبعوه (قال قلت) ضمير قال راجع إلى يزيد (ما يدريني) بضم التحتية وكسر الراء أي أي شئ يعلمني (رحمك الله) جملة معترضة دعائية (أن الحكيم) بفتح الهمزة مفعول ثان ليدريني قد (قال) أي
[ 238 ]
معاذ رضي الله عنه (بلى) أي قد يقول الحكيم كلمة الضلالة والمنافق كلمة الحق (اجتنب) بصيغة الأمر (من كلام الحكيم المشتهرات) أي الكلمات المشتهرات بالبطلان (التي يقال لها ما هذه) أي يقول الناس إنكارا في شأن تلك المشتهرات ما هذه (ولا ينئينك) أي لا يصرفنك عن الصراط المستقيم (ذلك) المذكور من مشتهرات وفي الحكيم (عنه) أي عن الحكيم (فإنه لعله) أي الحكيم (أن يراجع) أي يرجع عن المشتهرات (وتلق الحق) أي خذه (فإن على الحق نورا) أي فلا يخفى عليك كلمة الحق وإن سمعتها من المنافق لما عليها من النور والضياء وكذلك كلمات الحكيم الباطلة لا تخفى عليك لأن الناس إذا يسمعونها ينكرونها لما عليها من ظلام البدعة والبطلان ويقولون إنكارا ما هذه وتشتهر تلك الكلمات بين الناس بالبطلان فعليك أن تجتنب من كلمات الحكيم المنكرة الباطلة ولكن لا تترك صحبة الحكيم فإنه لعله يرجع عنها (ولا ينئينك) بضم الياء وسكون النون وكسر الهمزة أي لا يباعدنك كل ففي القاموس نأيته وعنه كسعيت بعدت وأنأينة فانتأى قال المنذري وهذا موقوف (يسأله عن القدر) بفتحتين هو المشهور وقد يسكن الدال (أخبرنا حماد بن دليل) بالتصغير (فكتب) أي عمر بن عبد العزيز (أما بعد أوصيك) أيها المخاطب الذي سألتني عن القدر (بتقوى الله والاقتصاد) أي التوسيط بين الإفراط والتفريط (في أمره) أي أمر الله أو
[ 239 ]
الاستقامة في أمره (و) أو صيك (اتباع) أي باتباع (سنة نبيه وترك ما أحدث المحدثون) بكسر الدال أي ابتدع المبتدعون والحاصل أنه أوصاه بأمور أربعة أن يتقي الله تعالى وأن يقتصد أي يتوسط بين الإفراط والتفريط في أمر الله أي فيما أمره الله تعالى لا يزيد على ذلك ولا ينقص منه وأن يستقيم فيما أمره الله تعالى لا يرغب عنه إلى اليمين ولا إلى اليسار وأن يتبع سنة نبيه وطريقته وأن يترك ما ابتدعه المبتدعون (بعدما جرت به سنته وكفوا مؤنته) ظرف لأحدث وقوله كفوا بصيغة الماضي المجهول من الكفاية والمؤنة الثقل يقال كفى فلانا مؤنته أي قام بها دونه فأغناه عن القيام بها فمعنى كفوا مؤنته أي كفاهم الله تعالى مؤنة ما أحدثوا أي أغناهم الله تعالى عن أن يحملوا على ظهورهم ثقل الإحداث والإبتداع فإنه تعالى قد أكمل لعباده دينهم وأتم عليهم نعمته ورضي لهم الإسلام دينا فلم يترك إليهم حاجة للعباد في أن يحدثوا لهم في دينهم أي يزيدوا عليه شيئا أو ينقصوا منه شيئا وقد قال شر الأمور محدثاتها (فعليك) أيها المخاطب (بلزوم السنة) أي سنة النبي وطريقته (فإنها) أي السنة أي لزومها (لك بإذن الله عصمة) من الضلالة والمهلكات وعذاب الله تعالى ونقمته (ثم اعلم) أيها المخاطب (أنه لم يبتدع الناس بدعه إلا قد مضى) في الكتاب أو السنة (قبلها) أي قبل تلك البدعة (ما هو دليل عليها) أي على تلك البدعة أي على أنها بدعة وضلالة (أو) مضى في الكتاب أو السنة قبلها ما هو (عبرة فيها) أي في تلك البدعة أي في أنها بدعة وضلالة والدليل على ذلك ما ذكره بقوله (فإن السنة إنما سنها) أي وضعها (من) هو الله تعالى أو النبي (قد علم ما في خلافها) أي خلاف السنة أي البدعة (ولم يقل ابن كثير) هو محمد أحد شيوخ المؤلف في هذا الحديث لفظ (من قد علم) وإنما قاله الربيع وهناد وأما محمد بن كثير فقال مكانه لفظا آخر بمعناه ولم يذكر المؤلف ذلك اللفظ والله أعلم (من الخطأ والزلل والحمق والتعمق) بيان لما في خلافها فإذا كانت السنة إنما سنها ووضعها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق وهو الله تعالى أو النبي فكيف يترك بيان ما في خلافها في كتابه أو سنة نبيه هذا مما لا يصح والتعمق المبالغة في الأمر
[ 240 ]
قال في النهاية المتعمق المبالغ في الأمر المتشدد فيه الذي يطلب أقصى غايته انتهى (فارض لنفسك ما رضي به القوم) أي الطريقة التي رضي بها السلف الصالحون أي النبي وأصحابه (لأنفسهم) على ما ورد في حديث افتراق الأمة على ثلاث وسبعين ملة ما أنا عليه وأصحابي وعلله بقوله (فإنهم) أي القوم المذكورين (على علم) عظيم على ما يفيده التنكير متعلق بقوله (وقفوا) أي اطلعوا وقوله (ببصر نافذ) أي ماض في الأمور متعلق بقوله (كفوا) بصيغة المعروف من باب نصر أي منعوا عما منعوا من الإحداث والابتداع (ولهم) بفتح لام الابتداء للتأكيد والضمير للسلف الصالحين (على كشف الأمور) أي أمور الدين متعلق بقوله (أقوى) قدم عليه للاهتمام أي هم أشد قوة على كشف أمور الدين من الخلف وكذا قوله (وبفضل ما كانوا) أي السلف الصالحون (فيه) من أمر الدين متعلق بقوله (أولى) قدم عليه لما ذكر أي هم أحق بفضل ما كانوا فيه من الخلف وإذا كان الأمر كذلك فاختر لنفسك ما اختاروا لأنفسهم فإنهم كانوا على الطريق القويم (فإن كان الهدى ما أنتم عليه) أي الطريقة التي أنتم عليها أيها المحدثون المبتدعون (لقد سبقتموهم إليه) أي إلى الهدى وتقدمتموهم فلا وخلفتموهم منه وهذا صريح البطلان فإن السلف الصالحين هم الذين سبقوكم إلى الهدى لا أنتم سبقتموهم إليه فثبت أن الهدى ليس ما أنتم عليه وقوله لقد سبقتموهم إليه جواب القسم المقدر وذلك لأنه إذا تقدم القسم أول الكلام ظاهرا أو مقدرا وبعده كلمة الشرط فالأكثر والأولى اعتبار القسم دون الشرط فيجعل الجواب للقسم ويستغنى عن جواب الشرط لقيام جواب القسم مقامه كقوله تعالى لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم وقوله تعالى وإن أطعتموهم إنكم لمشركون (ولئن قلتم) أيها المحدثون المبتدعون فيما حدث بعد السلف الصالحين (إن ما حدث) ما موصوله أي الشئ الذي حدث (بعدهم) أي بعد السلف الصالحين (ما أحدثه) ما نافية أي لم يحدث ذلك الشئ (إلا من اتبع غير سبيلهم) أي سبيل السلف الصالحين (ورغب بنفسه عنهم) أي عن السلف الصالحين وهو معطوف على اتبع أي فضل نفسه عليهم والحاصل أنكم إن قلتم إن الحادث بعد السلف الصالحين ليس بضلال بل هو الهدى وإن كان ذلك مخالفا لسبيلهم وجواب الشرط محذوف تقديره فذلك باطل غير صحيح وقوله
[ 241 ]
(فإنهم) أي السلف (هم السابقون) إلى الهدى علة للجواب المحذوف قائمة مقامه ولا يجوز أن يكون هذا جوابا للشرط فإن كون السلف هم السابقين متحقق المضي والجزاء لا يكون إلا مستقبلا (فقد تكلموا) أي السلف (فيه) أي فيما يحتاج إليه من أمر الدين (بما يكفى) للخلف (ووصفوا) أي بينوا السلف (منه) أي مما يحتاج إليه من أمر الدين (ما يشفي) للخلف (فما دونهم) أي فليس دون السلف الصالحين أن تحتهم أي تحت قصرهم (من مقصر) مصدر ميمي أو اسم ظرف أي حبس أو محل حبس من قصر الشئ قصرا أي حبسه (وما فوقهم) أي وليس فوقهم أي فوق حسرهم (من محسر) مصدر ميمي أو اسم ظرف أيضا أي كشف أو محل كشف من حسر الشئ حسرا أي كشفة يقال حسر كمه من ذراعه أي كشفها وحسرت الجارية خمارها من وجهها أي كشفته وحاصله أن السلف الصالحين قد حبسوا أنفسهم عن كشف ما لم يحتج إلى كشفه من أمر الدين حبسا لا مزيد عليه وكذلك كشفوا ما احتيج إلى كشفه من أمر الدين كشفا لا مزيد عليه (وقد قصر) من التقصير (قوم دونهم) أي دون قصر السلف الصالحين أي قصروا قصرا أزيد من قصرهم (فجفوا) أي لم يلزموا مكانهم الواجب قيامهم فيه من جفا جفاء إذا لم يلزم مكانه أي انحدروا وانحطوا : من علو إلى سفل بهذا الفعل وهو زيادة القصر (وطمح) أي ارتفع من طمح بصره إذا ارتفع وكل مرتفع طامح (عنهم) أي السلف (أقوام) أي ارتفعوا عنهم في الكشف أي كشفوا كشفا أزيد من كشفهم (فغلوا) في الكشف أي شددوا حتى جاوزوا فيه الحد فهؤلاء قد أفرطوا وأسرفوا في الكشف كما أن أولئك قد فرطوا وقتروا غير فيه (وإنهم) أي السلف (بين ذلك) أي بين القصر والطمح أحمد أي بين الإفراط والتفريط (لعلى هدى مستقيم) يعني أن السلف لعلى طريق مستقيم وهو الاقتصاد والتوسط بين الإفراط والتفريط ليسوا بمفرطين كالقوم القاصرين دونهم ولا بمفرطين كالأقوام بعد الطامحين يقول عنهم (كتبت تسأل) أيها المخاطب (عن الإقرار بالقدر) هل هو سنة أو بدعة (فعلى الخبير) أي العارف بخبره (بإذن الله) تعالى (وقعت) أي سألت باذن الله تعالى عن ذلك الإقرار من هو عارف بخبر ذلك الإقرار يريد بذلك نفسه (ما أعلم ما أحدث الناس) مفعول أول لأعلم (من محدثة) بيان لما أحدثه الناس (ولا ابتدعوا من بدعة) عطف تفسير على أحدث الناس من محدثة (هي)
[ 242 ]
فصل بين مفعولي أعلم (أبين أثرا) مفعول ثان له (ولا أثبت أمرا) عطف على أبين أثرا (من الإقرار بالقدر) متعلق بأبين وأثبت على التنازع يقول إن الإقرار بالقدر هو أبين أثرا وأثبت أمرا في علمي من كل ما أحدثه الناس من محدثة وابتدعوه من بدعة لا أعلم شيئا مما أحدثوه وابتدعوه أبين أثرا وأثبت أمرا منه أي من الإقرار بالقدر وإنما سمي الإقرار بالقدر محدثا وبدعة لغة نظرا إلى تأليفه وتدوينه فإن تأليفه وتدوينه محدث وبدعة لغة بلا ريب فإن النبي لم يدونه ولا أحد من أصحابه ولم يسمه محدثا وبدعة باعتبار نفسه وذاته فإنه باعتبار نفسه وذاته سنة ثابتة ليس ببدعة أصلا كما صرح به فيما بعد (لقد كان ذكره) أي الإقرار بالقدر (في الجاهلية) أي قبل الإسلام (الجهلاء) بالرفع فاعل ذكر (يتكلمون به) أي بالإقرار بالقدر (في كلامهم) المنثور (وفي شعرهم) أي كلامهم المنظوم (يعزون) من التعزية وهو التسلية والتصبير أي يسلون ويصيرون (به) أي بالإقرار بالقدر (أنفسهم على ما فاتهم) في نعمة (ثم لم يزده) أي الأقرار بالقدر (الإسلام بعد) مبني على الضم أي بعد الجاهلية (إلا شدة) وإحكاما حيث فرضه على العباد (ولقد ذكره) أي الإقرار بالقدر (رسول الله في غير حديث ولا حديثين) بل في أحاديث كثيرة (وقد سمعه) أي الإقرار بالقدر (منه) صلى الله عليه وآله وسلم (المسلمون) أي الصحابة رضي الله عنهم (فتكلموا) أي الصحابة رضي الله عنهم (به) أي بالإقرار بالقدر (في حياته وبعد وفاته) صلى الله عليه واله وسلم (يقينا وتسليما لربهم وتضعيفا لأنفسهم) قال في القاموس ضعفه تضعيفا عده تضعيفا (أن يكون شئ) من الأشياء لم يحط من الإحاطة (به) أي بذلك الشئ (علمه) أي علم الله تعالى (ولم يحصه) أي ذلك الشئ من الإحصاء وهو العد والضبط أي لم يضبطه (كتابه) أي كتاب الله تعالى وهو اللوح المحفوظ (ولم يمض) أي لم ينفذ (فيه) أي في ذلك الشئ (قدره) أي قدر الله تعالى والحاصل أن المسلمين أي الصحابة رضي الله عنهم أقروا بالقدر وتيقنوا به وسلموا ذلك لربهم وضعفوا أنفسهم أي استحالوا أن يكون شئ من الأشياء مما عزب وغاب عن علمه تعالى لم يحط به علمه تعالى ولم يضبطه كتابه ولم ينفذ فيه أمره (وإنه) أي الإقرار بالقدر (مع ذلك) أي مع كونه مما ذكره الجهلاء في الجاهلية وذكره رسول الله في أحاديث كثيرة وأقر به الصحابة وتيقنوا به وسلموه واستحلوا نفيه (لفي محكم كتابه) أي لمذكور في القرآن المجيد
[ 243 ]
(منه) أي من محكم كتابه لا من غيره (اقتبسوه) أي اقتبس الإقرار بالقدر واستفاده السلف الصالحون رسول الله وأصحابه (ومنه) أي من محكم كتابه لا من غيره (تعلموه) أي تعلموا الإقرار بالقدر (ولئن قلتم) أيها المبتدعون (لم أنزل الله آية كذا ولم قال كذا) في شأن آيات التي ظاهرها يخالف القدر (لقد قرأوا) أي السلف (منه) من كتابه المحكم (ما قرأتم وعلموا) أي السلف (من تأويله) أي تأويل محكم كتابه (ما جهلتم وقالوا) أي السلف أي أقروا (بعد ذلك كله) أي بعد ما قرأوا من محكم كتابه ما قرأتم وعلموا من تأويله ما جهلتم (بكتاب وقدر) أي أقروا بكتاب وقدر أي بأن الله تعالى كتب كل شئ وقدره قبل أن يخلق السموات والأرض بمدة طويلة (و) أقروا بأن (ما يقدر) بصيغة المجهول وما شرطية (يكن و) أقروا بأن (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن و) بأنا (لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ثم رغبوا) أي السلف الصالحون (بعد ذلك) أي بعد الإقرار بالقدر في الأعمال الصالحة ولم يمنعهم هذا الإقرار عن الرغبة فيها (ورهبوا) الأعمال السيئة أي خافوها واتقوها الذي وقوله لقد قرأوا الخ جواب القسم المقدر واستغنى عن جواب الشرط لقيامه مقامه كما تقدم هكذا أفاده بعض الأعلام في تعليقات السنن ثم اعلم أن البدعة هي عمل على غير مثل سبق قال في القاموس هي الحدث في الدين بعد الإكمال والبدعة أصغر من الكفر وأكبر من الفسق وكل بدعة تخالف دليلا يوجب العلم والعمل به فهي كفر وكل بدعة تخالف دليلا يوجب العمل ظاهرا فهي ضلالة وليست بكفر قال السيد في التعريفات البدعة هي الفعلة المخالفة للسنة سميت بدعة لأن قائلها ابتدعها من غير مثال انتهى وهذه فائدة جليلة فاحفظها والحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وذكره المزي في الأطراف في المراسيل وعزاه لأبي داود ثم قال في رواية ابن الأعرابي وأبي بكر بن داسة انتهى (أخبرني أبو صخر) هو حميد ين زياد (كان لابن عمر صديق) بفتح الصاد وكسر الدال
[ 244 ]
المخففة على وزن أمير أي حبيب من الصداقة وهي المحبة (فإياك أن تكتب إلي) أي فاحذر عن الكتابة إلي لأني تركت حبك والمكاتبة إليك قال المزي في الأطراف هو في رواية ابن الأعرابي وأبي بكر بن داسة انتهى (قلت للحسن) أي البصري قال في فتح الودود سأله عن بعض فروع مسألة القدر ليعرف عقيدته فيها لأن الناس كانوا يتهمونه قدريا إما لأن بعض تلامذته مال إلى ذلك أو لأنه قد تكلم بكلام اشتبه على الناس تأويله فظنوا أنه قاله لاعتقاده مذهب القدرية فإن المسألة من مظان الاشتباه انتهى (أخبرني عن آدم) هو أبو البشر على نبينا وعليه الصلاة والسلام (للسماء) أي لأن يسكن ويعيش في الجنة (أرأيت) أي أخبرني (لو اعتصم) أي لم يذنب ولم يأثم (لم يكن له) أي دم (منه) أي من أكلها أخبرني عن قوله تعالى ما أنتم عليه بفاتنين آية وقبله فإنكم وما تعبدون والخطاب للمشركين والضمير المجرور في عليه راجع إلى ما تعبدون والمعنى فإنكم أيها المشركون والذي تعبدونه من الأصنام ما أنتم على عبادة الأصنام بمضلين أحدا إلا أصحاب النار في علمه تعالى وقيل الضمير في عليه لله تعالى والمعنى لستم تضلون أحدا على الله إلا أصحاب النار في علمه تعالى قال المزي الحديث في رواية ابن الأعرابي وابن داسة (ولذلك خلقهم) وقبله (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) أي أهل دين واحد (ولا يزالون مختلفين) أي في الدين (إلا من رحم ربك) أي أراد لهم الخير فلا يختلفون فيه (ولذلك خلقهم) أي أهل الاختلاف له وأهل الرحمة لها كذا في تفسير الجلالين
[ 245 ]
(قال) أي الحسن البصري في تفسير قوله تعالى المذكور (خلق) أي الله تعالى (هؤلاء لهذه) أي للجنة (وهؤلاء لهذه) أي للنار قال المزي الحديث في رواية ابن الأعرابي وابن داسة انتهى (قلت للحسن ما أنتم عليه بفاتنين) أي قلت له ما تقول في تفسير قوله تعالى ما أنتم عليه الخ (إلا من هو صال الجحيم) أي داخلها (حماد) هو ابن زيد نسبه المزي في الأطراف (أخبرني حميد) هو ابن أبي حميد الطويل (أن يقول الأمر بيدي) أي يقول بنفي القدر (قال أخبرنا حماد) هو ابن سلمة هكذا نسبه المزي (قدم علينا الحسن) أي البصري (أن أكلمه) أي الحسن (فما رأيت أخطب) أي أحسن خطبة ووعظا (منه) أي من الحسن (على هذا الشيخ) أي الحسن البصري (كذلك) أي مثل إدخالنا التكذيب في قلوب الأولين (نسلكه) أي ندخل التكذيب
[ 246 ]
(في قلوب المجرمين) أي كفار مكة كذا في تفسير الجلالين (قال) أي الحسن (الشرك) أي أن المراد من الضمير المنصوب في نسلكه الشرك (عن عبيد الصيد) بكسر الصاد المهملة وسكون التحتانية هو عبيد بن عبد الرحمن المزني يعرف بالصيد قاله الحافظ (وحيل بينهم) أي بين الكفار (وبين ما يشتهون) من الإيمان وذلك عند البعث حين يفزعون ويقولون امنا به إذ محل الإيمان هو الدنيا لا آخرة (قال) الحسن (بينهم وبين الإيمان) يعني أن المراد بما الموصولة الإيمان والحائل هو القدر الذي كتب الله لهم والذي أحاله بينهم وبين الإيمان هو الله تعالى وقوله تعالى كما فعل بأشياعهم من قبل أي بأن القدر الذي كتب الله لهم قد حيل بينهم وبين الإيمان وتمام الآية هكذا ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب وقالوا امنا به وأني لهم التناوش من مكان بعيد وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب وحاصل معنى الآية الكريمة أن تناوشهم وقولهم في ذلك الوقت أن امنا به لا يفيدهم ولا يغنيهم من إيمانهم لأنهم في الدنيا قد كفروا به ويقذفون بالغيب والقدر الذي كتب الله لهم بكفرهم كان في الدنيا حائلا بينهم وبين الإيمان الذي يشتهونه في الآخرة كما حال القدر بين أشياعهم وبين الإيمان فكفروا وكانوا في شك من هذا اليوم (سليم) مصغرا هو ابن أخضر قاله المزي (ضربان) أي قسمان (قوم القدر رأيهم) أي رأيهم وعقيدتهم نفي القدر وهم القدرية (أن ينفقوا) من التنفيق أي يروجوا (وقوم له) أي للحسن (شنآن) أي عداوة
[ 247 ]
(يا فتيان) جمع فتى (لا تغلبوا) بصيغة المجهول أي لا يغلبنكم القدرية في أن الحسن منهم قاله السندي (إن كلمة الحسن) البصري التي قالها وحملها بعض السامعين على نفي القدر (تبلغ) تلك الكلمة (ما بلغت) أي تبلغ في المحل الذي بلغت وشاعت بين الناس على خلاف ما أراد به الحسن البصري رحمه الله تعالى (لكتبنا برجوعه) أي برجوع الحسن عن تلك المقالة (وأشهدنا عليه) أي ذلك الرجوع (لكنا قلنا) هي (كلمة خرجت) من لسان الحسن البصري (لا تحمل) بصيغة المجهول أي تلك الكلمة على ذلك المعنى الذي اشتهر بين الناس (ما أنا بعائد) من العود (إلى شئ منه) أي من الكلام الذي يوهم إلى نفي القدر (عن عثمان البتي) بفتح الموحدة وتشديد المثناة المكسورة (إلا على الإثبات) أي على إثبات القدر وفي بعض النسخ عن مكان على واعلم أن هذه الروايات كلها أي من حديث أبي كامل عن إسماعيل إلى حديث هلال بن بشر عن عثمان بن عثمان وهو أحد عشر حديثا ليست من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكرها المنذري بل هذه كلها من رواية ابن الأعرابي وأبي بكر بن داسة ذكره الحافظ جمال الدين المزي في الأطراف والله أعلم
[ 248 ]
(باب في التفضيل) (لا نعدل) أي لا نساوي (بأبي بكر أحدا) أي من الصحابة بل نفضله على غيره (ثم عمر ثم عثمان) أي ثم لانعدل بهما أحدا أو ثم نفضلهما وقد على غيرهما (لا تفاضل بينهم) كذا في بعض النسخ وفي بعضها لا نفاضل بصيغة المتكلم أي لا نوقع المفاضلة بينهم والمعنى لا نفضل بعضهم على بعض قال الخطابي في المعالم وجه ذلك والله أعلم أنه أراد به الشيوخ وذوي الأسنان منهم الذين كان رسول الله إذا حز به أمر شاورهم فيه وكان علي رضي الله عنه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث السن ولم يرد ابن عمر الإزدراء بعلي ولا تأخيره ودفعه عن الفضيلة بعد عثمان وفضله مشهور ولا ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة وإنما اختلفوا في تقديم عثمان عليه فذهب الجمهور من السلف إلى تقديم عثمان عليه وذهب أهل الكوفة إلى تقديم علي على عثمان قال وللمتأخرين في هذا مذاهب منهم من قال بتقديم أبي بكر من جهة الصحابة وبتقديم علي من وجهة القرابة وقال قوم لا يقدم بعضهم على بعض وكان بعض مشائخنا يقول أبو بكر خير وعلي أفضل قال وباب الخيرية غير باب الفضيلة وهذا كما يقول إن الحر الهاشمي أفضل من العبد الرومي والحبشي وقد يكون العبد الحبشي خير من هاشمي في معنى الطاعة لله والمنفعة للناس فباب الخيرية متعد وباب الفضيلة لازم وقد ثبت عن علي أنه قال خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر فقال ابنه محمد بن الحنفية ثم أنت يا أبت فكان يقول ما أبوك إلا رجل من المسلمين انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي (كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي) الواو للحال (بعده) قال القاري أي بعد النبي وأمثاله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو بعد وجوده انتهى
[ 249 ]
والحديث سكت عنه المنذري (عن محمد بن الحنفية) هو ابن أبي طالب والحنفية أمة (قلت لأبي) أي لعلي بن أبي طالب (قال) أي علي (أبو بكر) أي هو أبو بكر أو أبو بكر هو الخير (ما أنا إلا رجل من المسلمين) وهذا على سبيل التواضع منه مع العلم بأنه حين المسألة خير الناس بلا نزاع لأنه بعد قتل عثمان رضي الله عنهم قال المنذري وأخرجه البخاري (قال سمعت سفيان) هو الثوري قاله المزي (من زعم) كما تزعم الشيعة (منهما) أي من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (فقد خطأ) من التفعيل (يرفع له) أي لهذا الزاعم (مع هذا) الزعم والعقيدة الفاسدة (عمل) صالح (إلى السماء) كما في قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والحديث سكت عنه المنذري (الخلفاء) الراشدون القائمون بأمر الله والحديث سكت عنه المنذري
[ 250 ]
(باب في الخلفاء) (ظلة) بضم الظاء المعجمة أي سحابة لها ظل وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة (ينطق) بنون وطاء مكسورة ويجوز ضمها أي يقطر (يتكففون) أي يأخذون بأكفهم قال الخليل تكفف بسط كفه ليأخذ (فالمستكثر والمستقل) أي فمنهم آخذ كثيرا ومنهم آخذ قليلا (سببا) أي حبلا (واصلا) أي موصولا فاعل بمعنى مفعول قاله الخطابي (أخذت به) أي بذلك السبب (ثم وصل) بصيغة المجهول (قال أبو بكر بأبي وأمي) أي أنت مفدى بأبي وأمي (لتدعني) بفتح اللام للتأكيد والدال والعين وكسر النون المشددة أي لتتركني (فلا أعبرتها علي) بضم
[ 251 ]
الموحدة من عبرت الرؤيا بالخفة إذا فسرتها (فيعليك الله) أي يرفعك (ثم يأخذ به بعدك رجل) هو أبو بكر رضي الله عنه (ثم يأخذ به رجل آخر) هو عمر رضي الله عنه (ثم يأخذ به رجل آخر) هو عثمان رضي الله عنه (فينقطع ثم يوصل له فيعلو به) يعني أن عثمان كاد أن ينقطع عن اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة فاتصل فالتحق بهم قاله القسطاني (أي رسول الله) أي حرف نداء (أصبت بعضا وأخطأت بعضا) اختلف العلماء في تعيين موضع الخطأ فقيل أخطأ لكونه عبر السمن والعسل بالقرآن فقط وهما شيئان وكان من حقه أن يعبرهما بالقرآن والسنة وقيل غير ذلك والأولى السكوت في تعيين موضع الخطأ بل هو الواجب لأنه سكت عن بيان ذلك مع سؤال أبي بكر رضي الله عنه (لا يقسم) قال الداودي أي لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك وقيل معناه إنك إذا تفكرت فيما أخطأت به علمته قال النووي قيل إنما لم يبر النبي قسم أبي بكر لأن إبرار القسم مخصوص بما إذا
[ 252 ]
لم يكن هناك مفسدة ولا مشقة ظاهرة قال ولعل المفسدة في ذلك ما علمه من انقطاع السبب بعثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المريبة فكره ذكرها خوف شيوعها انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه قوله ثم يأخذ بعدك به بعدك رجل هو أبو بكر ثم يأخذ به رجل آخر هو عمر ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع هو عثمان فإن قيل لو كان معنى فينقطع قتل لكان سبب عمر مقطوعا أيضا قيل لم ينقطع سبب عمر لأجل العلو إنما هو قطع لعداوة مخصوصة وأما قتل عثمان من الجهة التي علا بها وهي الولاية فجعل قتله قطعا وقوله ثم وصل يعني بولاية علي وقيل إن معنى كتمان النبي موضع الخطأ لئلا يحزن الناس بالعارض لعثمان وفيه جواز سكوت العابر وكتمه عبارة الرؤيا إذا كان فيها ما يكره وفي السكوت عنها مصلحة انتهى كلام المنذري (فأبى أن يخبره) أي امتنع أن يخبر أبا بكر بما أخطأ قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (ذات يوم) أي يوما ولفظة ذات لدفع توهم التجوز بأن يراد باليوم مطلق الزمان لا النهار وقيل ذات مقحم قاله القارى (كان) حرف مشبه بالفعل (فوزنت) بصيغة المجهول المخاطب (أنت) ضمير فصل وتأكيد لتصحيح العطف (فرجحت) ضبط بالقلم في بعض النسخ بضم الراء وكسر الجيم وفي بعضها بفتح الراء والجيم (ثم رفع الميزان) قال القارى فيه إيماء إلى وجه ما اختلف في تفضيل علي وعثمان (فرأينا الكراهية في وجه رسول الله) وذلك لما علم من أن تأويل رفع الميزان انحطاط رتبة الأمور وظهور الفتن بعد خلافة عمر ومعنى رجحان كل من الآخر أن الراجح أفضل من المرجوح
[ 253 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن قيل يحتمل أن يكون النبي كره وقوف التخبير وحصر درجات الفضائل في ثلاثة ورجا أن يكون في أكثر من ذلك فأعلمه الله أن التفضيل انتهى إلى المذكور فيه فساءه ذلك انتهى كلام المنذري (فذكر معناه) أي معنى الحديث السابق (فاستاء) أي حزن وانختم حتى وهو افتعل من السوء (لها) أي للرؤيا قال الخطابي معناه كرهها حتى تبينت المساءة في وجهه (يعني) هذا قول الراوي (فساءه) أي فأحزن النبي (ذلك) أي ما ذكره الرجل من رؤياه (فقال) أي النبي (خلافة نبوة) بالإضافة ورفع خلافة على الخبر أي الذي رأيته خلافة نبوة وقيل التقدير هذه خلافة (ثم يؤتي الله الملك من يشاء) وقيل أي انقضت خلافة النبوة يعني هذه الرؤيا دالة على أن الخلافة بالحق تنقضي حقيقتها وتنتهي بانقضاء خلافة عمر رضي الله عنه كذا في المرقاة قال الطيبي دل إضافة الخلافة إلى النبوة على أن لا ثبوت فيها من طلب الملك والمنازعة فيه لأحد وكانت خلافة الشيخين رضي الله عنهما على هذا وكون المرجوحية انتهت إلى عثمان رضي الله عنه دل على حصول المنازعة فيها وأن الخلاقة في زمن عثمان وعلي رضي الله عنهما مشوبة بالملك فأما بعدهما فكانت ملكا عضوضا انتهى وقد بسط الكلام فيما يتعلق بالخلافة الذي لا مزيد عليه الشيخ الأجل المحدث ولي الله الدهلوي في إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء وهو كتاب لم يؤلف مثله في هذا الباب وفي كتابه قرة العينين في تفضيل الشيخين والله أعلم قال المنذري في إسناده علي بن زيد بن جدعان القرشي التيمي ولا يحتج بحديثه (أرى) بضم الهمزة وكسر الراء وفتح الياء أي أبصر في منامه (نيط) بكسر أوله أي علق
[ 254 ]
قال الخطابي النوط التعليق والتنوط تعالى التعلق قال الطيبي كان من الظاهر أن يقول رأيت نفسي الليلة وأبو بكر نيط بي فجرد منه لكونه رسول الله وحبيبه رجلا صالحا ووضع رسول الله موضع رجلا تفخيما غب تفخيم انتهى (وأما تنوط بعضهم ببعض) أي تعلقهم واتصالهم (فهم ولاة هذا الأمر) أي أمر الدين (قال أبو داود رواه يونس وشعيب) يعني عن الزهري (لم يذكرا عمرا) أي عمرو بن أبان قال المنذري فعلى ما ذكره أبو داود عنهما يكون الحديث منقطعا لأن الزهري لم يسمع من جابر بن عبد الله (رأيت) أي في المنام (دلي) بصيغة المجهول من التدلية أي أرسل (فأخذ بعراقيها) قال الخطابي هي أعواد تخالف بينها ثم تشد في عرى الدلو وتعلق بها الحبل واحدتها عرقوة (حتى تضلع) أي شرب وافرا حتى روي فتمدد جنب وضلوعه فإن (فانتشطت) قال الخطابي انتشاط عمر الدلو اضطرابها حتى ينتضح ماؤها (وانتضح عليه) أي على علي (منها) أي من الدلو (شئ) أي شئ من الماء قال الخطابي وأما قوله في أبي بكر فشرب شربا ضعيفا فإنما هو إشارة إلى قصر مدة أمر ولايته وذلك أنه لم يعش بعد الخلافة أكثر من سنتين وشئ وبقي عمر عشر سنين وشيئا فذلك معنى تضلعه والله أعلم الحديث سكت عنه المنذري
[ 255 ]
(لتمخرن) بالنون المثقلة من مخرت السفينة وتمخر كيمنع وينصر إذا جرت تشق الماء مع صوت وكأن مراده بهذه الآثار في هذا الباب بيان انقضاء الخلافة وظهور الفتن بعد زمان الخلفاء الراشدين كما أخبر به النبي كذا في فتح الودود (الروم) فاعل (الشام) مفعول والمعنى تدخل الروم الشام وتخوضه وتجوس خلاله فشبهها بمخر النبي السفينة البحر (لا يمتنع منها إلا دمشق وعمان) قال في القاموس عمان كغراب بلد باليمن ويصرف وكشداد وإن بلد بالشام وهذا الحديث ليس في نسخة المنذري وأورده المزي في المراسيل وقال أخرجه أبو داود ولم ينسبه إلى أحد من الرواة (أنه سمع أبا الأعيس) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وفتح الياء التحتية (يظهر على المدائن) أي يغلب عليها وهذا الحديث أيضا ليس في نسخة المنذري وقال المزي في المراسيل وقيل إنه في رواية اللؤلؤي وحده انتهى (موضع فسطاط المسلمين) الفسطاط بضم الفاء وسكون السين وبطاءين مهملتين الخباء من شعر أو غيره (في الملاحم) جمع ملحمة وهي الحرب وموضع القتال (أرض يقال لها الغوطة) بضم الغين المعجمة اسم البساتين والمياه حول دمشق والمعنى ينزل جيش المسلمين ويجتمعون هناك وهذا الحديث أيضا ليس في نسخة المنذري قال المزي في كتاب المراسيل من الأطراف أخرجه أبو داود وقيل إنه في رواية اللؤلؤي فقط انتهى وتقدم الحديث متصلا مرفوعا من حديث أبي الدرداء أتم من هذا في باب المعقل من الملاحم
[ 256 ]
(إن مثل عثمان) بن عفان (ومطهرك من الذين كفروا) وتمام الآية هكذا (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) (يشير) أي الحجاج عند قراءة قوله تعالى وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا (إلينا) أي إلى أهل العراق (بيده) الضمير للحجاج وهذا مقول عوف بن أبي جميلة وهو بصري (وإلى أهل الشام) عطف على قوله إلينا ومقصود الحجاج من تمثيل عثمان رضي الله عنه بعيسى عليه السلام إظهار عظمة الشأن لعثمان ومن تبعه من أمراء بني أمية ومن تبعهم الذين كانوا في الشام والعراق وتنقيص غيرهم يعني مثل عثمان كمثل عيسى عليه السلام ومثل متبعيه كمثل متبعيه فكما أن الله تعالى جعل متبعي عيسى عليه السلام فوق الذين كفروا كذلك جعل متبعي عثمان رضي الله عنه من أهل الشام وأهل العراق فوق غيرهم بحيث جعل فيهم الخلافة ورفعها عن غيرهم فصاروا غالبين على غيرهم قال السندي لعله أشار بهذه الإشارة عند قوله تعالى وجاعل الذين اتبعوك وأراد بهذا أن أهل الشام تبعوا عثمان فرفعهم ووضع فيهم الخلافة وغيرهم اتبعوا عليا فأذلهم كما الله ورفع عنهم الخلافة انتهى وهذا الأثر أيضا ليس في نسخة المنذري وقال المزي في الأطراف في كتاب المراسيل أخرجه أبو داود في السنة عن أبي ظفر عبد السلام بن مطهر عن جعفر بن سليمان عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي وهو في رواية ابن داسة وغيره انتهى (رسول أحدكم في حاجته) صفة رسول أي الذي أرسله في حاجته (أكرم عليه) الضمير المجرور لأحدكم (أم خليفته في أهله) أي خليفته الذي استخلفه في أهله وحاصله أن خليفة الرجل الذي استخلفه في أهله يكون أكرم عنده وأحب وأفضل من رسوله الذي أرسله في حاجته
[ 257 ]
والظاهر أن مقصود الحجاج الظالم عن هذا الكلام الاستدلال على تفضيل عبد الملك بن مروان وغيره من أمراء بني أمية على الأنبياء عليهم السلام بأن الأنبياء إنما كانوا رسلا من الله تعالى ومبلغين هو أحكامه فحسب وأما عبد الملك وغيره من أمراء بني أمية فهم خلفاء الله تعالى ورتبة الخلفاء يكون أعلى من الرسل فإن كان مراد الحجاج هذا كما هو الظاهر وليس إرادته هذا ببعيد منه كما لا يخفى على من اطلع على تفاصيل حالاته فهذه مغالطة منه شنيعة تكفره بلا مرية ألم يعلم الحجاج أن جميع الرسل خلفاء الله تعالى في الأرض ولم يعلم أن جميع الأنبياء أكرم عند الله من سائر الناس ولم أن سيد الأنبياء محمد سيد ولد آدم عليه السلام ويلزم على كلامه هذا ما يلزم فنعوذ بالله من أمثال هذا الكلام قال السندي وكأنه أراد نعوذ بالله تعالى من ذلك تفضيل المروانيين على الأنبياء بأنهم خلفاء الله فإن أراد ذلك فقد كفر حينئذ وما أبعده عن الحق وأضله نسأل الله العفو والعافية وإلا فلا يظهر لكلامه معنى انتهى (فقاتل) أي الربيع بن خالد (في الجماجم) قال في النهاية الجمجمة قدح من خشب والجمع الجماجم وبه سمي دير الجماجم وهو الذي كانت به وقعة عبد الرحمن بن الأشعث مع الحجاج بالعراق لأنه كان يعمل به أقداح من خشب وفي حديث طلحة أنه رأى رجلا يضحك فقال إن هذا يشهد الجماجم يريد وقعة دير الجماجم أي أنه لو رأى كثرة من قتل به من قراء المسلمين وساداتهم لم يضحك انتهى وهذا الأثر أيضا ليس في نسخة المنذري وقال المزي في الأطراف قيل إنه في رواية اللؤلؤي وحده انتهى (قال سمعت الحجاج) وكان واليا من جانب عبد الملك بن مروان (ليس فيها) أي في هذه الآية (منثويه وسلم) بفتح الميم وسكون المثلثة المثلية وفتح النون وكسر الواو وتشديد الياء أي استثناء (لأمير المؤمنين) متعلق باسمعوا وأطيعوا (عبد الملك) بدل من أمير المؤمنين (والله لو أخذت ربيعة بمضر) أي بجريرتهم يريد أن الأحكام مفوضة إلى آراء الأمراء والسلاطين
[ 258 ]
وكلامه هذا مردود باطل مخالف للشريعة (ويا عذيري من عبد هذيل) أراد به عبد الله بن مسعود الهذلي أي من الذي يعذرني في أمره ولا يلومني قاله السندي (والله) الواو للقسم (ما هي) أي ليس قراءته (إلا رجز من رجز الإعراب) الرجز بحر من بحور الشعر معروف ونوع من أنواعه يكون كل مصراع منه مفردا وتسمى قصائدة عنه أراجيز واحدها أرجوزة فهو كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر كذا في النهاية (ما أنزلها الله) أي القراءة التي يقرأها عبد هذيل ويزعم أنها من عند الله ما أنزلها الله تعالى أي ليست تلك القراءة بقرآن منزل من الله تعالى بل هي رجز من أراجيز العرب وما قاله الحجاج كذب صريح وافتراء قبيح على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ولا ريب في أن قراءة ابن مسعود كانت مما أنزلها الله تعالى على نبيه كيف وقد قال إستقرؤوا إن القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو قال السندي وأراد به عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لكونه ثبت على قراءته وما رجع إلى مصحف عثمان رضي الله عنه (من هذه الحمراء) يعني العجم والعرب تسمي الموالي الحمراء (يزعم أحدهم أنه يرمي بالحجر فيقول إلى أن يقع الحجر) أي على الأرض (قد حدث أمر) هذا مفعول يقول لعل مراد الحجاج أن الموالي يوقعون الفساد والشر والفتنة ويقولون عقيب إيقاع الشر والفساد قد حدث أمر ويزعمون أنهم يرمون الحجارة (فوالله لأدعنهم) أي لأتركنهم (كالأمس الدابر) أي كاليوم الماضي أي أتركهم معدومين هالكين قال المزي أثر عاصم بن أبي النجود وأثران للأعمش قيل من رواية اللؤلؤي وحده عن أبي داود انتهى ولم يذكره المنذري في مختصره (هذه الحمراء) أي الموالي (هبر هبر) الهبر الضرب والقطع أي هذه الموالي يستحقون القطع والضرب (أما) بالتخفيف حرف تنبيه (لو قد قرعت عصا بعصا)
[ 259 ]
أي ضربت العصا بالعصا والمعنى لو أريد قتلهم وهلاكهم (لأذرنهم) أي لأتركنهم وأجعلنهم إلا معدومين (يعني الموالي) هذا تفسير للحمراء من بعض الرواة (قطن بن نسير) بنون ومهملة مصغرا (قال جمعت) بتشديد الجيم أي صليت الجمعة وهذه آثار الحجاج ليست في أكثر النسخ الموجودة وكذا ليست في مختصر المنذري وهذه الآثار لا تستحق أن توضع في كتاب السنة وإنما ساق المؤلف الإمام آثار هذا الرجل الفاسق لإظهار جوره وفسقه ولبيان أن أمراء بني أمية وإن صاروا خلفاء متغلبين لكن ليسو أهلا لها وإنما هم الأمراء الظالمون لا الخلفاء العادلون والله أعلم (عن سفينة) مولى النبي أو مولى أم سلمة وهي أعتقته (خلافة النبوة ثلاثون سنة) قال العلقمي قال شيخنا لم يكن في الثلاثين بعده إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن قلت بل الثلاثون سنة هي مدة الخلفاء الأربعة كما حررته فمدة خلافة أبي بكر سنتان وثلاثة أشهر وعشرة أيام ومدة عمر عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام ومدة عثمان أحد عشر سنة وأحد عشر شهرا وتسعة أيام ومدة خلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر وسبعة أيام هذا هو التحرير فلعلهم ألغوا الأيام وبعض الشهور وقال النووي في تهذيب الأسماء مدة خلافة عمر عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين يوما وعثمان ثنتي عشرة سنة إلا ست ليال وعلي خمس سنين وقيل خمس سنين إلا أشهرا والحسن نحو سبعة أشهر انتهى كلام النووي والأمر في ذلك سهل هذا آخر كلام العلقمي
[ 260 ]
(ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء) شك من الراوي وعند أحمد في مسنده من حديث سفينة الخلافة في أمتي ثلاثون سنه ثم ملكا بعد ذلك قال المناوي أي بعد انقضاء زمان خلافة النبوة يكون ملكا لأن اسم الخلافة إنما هو لمن صدق عليه هذا الإسم بعمله للسنة والمخالفون ملوك لا خلفاء وإنما تسموا بالخلفاء لخلفهم الماضي وأخرج البيهقي في المدخل عن سفينة أن أول الملوك معاوية رضي الله عنه والمراد بخلافة النبوة هي الخلافة الكاملة وهي منحصرة في الخمسة فلا يعارض الحديث لا يزال هذا الدين قائما حتى يملك إثني عشر خليفة لأن المراد به مطلق الخلافة والله أعلم انتهى كلامه بتغير (أمسك عليك أبا بكر سنتين) أي عده واحسب مدة خلافته (وعلي كذا) أي كذا عد خلافته وكان هو من الخلفاء الراشدين ولم يذكر سفينة مدة خلافة علي رضي الله عنه وتقدم ذكر مدة الخلافة لهؤلاء الخلفاء والله أعلم ولفظ أحمد في مسنده من حديث حماد بن سلمة وعبد الصمد كلاهما عن سعيد بن جمهان قال سفينة أمسك خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين وخلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين وخلافة عثمان رضي الله عنه اثني عشر سنة وخلافة علي رضي الله عنه ست سنين (إن هؤلاء) أي بني مروان (كذبت أستاه بني الزرقاء) الأستاه جمع أست وهو العجز ويطلق على حلقة الدبر وأصله سته بفتحتين والجمع أستاه والمراد أنه كلمة خرجت من دبرهم والزرقاء امرأة من أمهات بني أمية كذا في فتح الودود قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن لا نعرفه إلا من حديث سعيد هذا آخر كلامه وسعيد بن جمهان وثقه يحيى بن معين وأبو داود السجستاني وقال أبو حاتم الرازي شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به هذا آخر كلامه وجمهان بضم الجيم وسكون الميم وهاء مفتوحة وبعد الألف نون وسفينة لقب واسمه مهران وقيل رومان وقيل نجران وقيل قيس وقيل عمير وقيل غير ذلك وكنيته أبو عبد الرحمن وقيل أبو البختري والأول أشهر وهو مولى رسول الله وقيل مولى أم سلمة رضي الله عنهاج (أخبرنا عمرو بن عون) قال المزي في الأطراف حديث عمرو بن عون في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى
[ 261 ]
(عن ابن إدريس) هو عبد الله (وسفيان) هو ابن عيينة أو الثوري وهو معطوف على ابن إدريس أي محمد بن العلاء يروي عن عبد الله بن إدريس وسفيان بن عيينه (قال) أي محمد بن العلاء (فيما بينه) أي بين هلال بن يساف (سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) هو أحد العشرة المبشرة بالجنة (لما قدم فلان إلى الكوفة أقام فلان خطيبا) قال في فتح الودود ولقد أحسن أبو داود في الكناية عن اسم معاوية ومغيرة بفلان سترا عليهما في مثل هذا المحل لكونهما صاحبيين فيه (فأخذ بيدي سعيد بن زيد) هذا مقول عبد الله بن ظالم (فقال) أي سعيد (إلى هذا الظالم) يعني الخطيب قال بعض العلماء كان في الخطبة تعريضا بسبب علي رضي الله عنه أو بتفضيل معاوية رضي الله عنه عليه ونحوه ولذلك قال سعيد ما قال انتهى (لم أيثم) بالإمالة أي لم آثم قال الخطابي لم أيثم لغة لبعض العرب يقولون أيثم مكان آثم (قلت ومن التسعة) من استفهامية (وهو على حراء) بكسر الحاء وبالمد جبل بمكة قال النووي الصحيح أنه مذكر ممدود مصروف (قال رسول الله) أي قال سعيد بن زيد أحدهم رسول الله (فتلكأ) أي تأخر (هنية) أي ساعة يسيرة (رواه الأشجعي) هو
[ 262 ]
عبيد الله بن عبد الرحمن قال الحافظ ثقة مأمون أثبت الناس كتابا في الثوري انتهى وزاد الأشجعي في روايته بين هلال بن يساف وبين عبد الله بن ظالم واسطة ابن حيان قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حسن صحيح وقد أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة (حدثنا حفص بن عمر النمري) بفتح النون والميم قال الحافظ ثقة ثبت عيب بأخذ الأجرة على الحديث (عن الحر) بضم الحاء وتشديد الراء (بن الصياح) بمهملة ثم تحتانية وآخرة مهملة (وسعد بن مالك في الجنة) هو سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك (قال فقالوا من هو) أي قال عبد الرحمن بن الأخنس فقال الناس من العاشر (فسكت) أي سعيد بن زيد (قال هو) أي العاشر (سعيد بن زيد) يعني نفسه قال المنذري وأخرجه الترمذي النسائي (رياح بن الحارث) بكسر الراء ثم التحتانية وهو بدل من جدي (عند فلان) قال في فتح الودود هو المغيرة بن شعبة (فرحب به) قال في المصباح رحب به بالتشديد قال له مرحبا أي قال مغيرة بن شعبة لسعيد بن زيد مرحبا (وحياه) بتشديد الياء في المصباح وحياه تحية أصله الدعاء بالحياة ثم كثر حتى استعمل في مطلق الدعاء ثم استعمله الشرع في دعاء مخصوص وهو سلام عليك انتهى
[ 263 ]
(وأقعده) الضمير المنصوب إلى سعيد بن زيد (فاستقبله) أي استقبل مغيرة قيسا (يسبون) بصيغة المجهول (إني لغني أن أقول عليه) أي على النبي (ما لم يقل) أي النبي (فيسألني عنه) الضمير المجرور يرجع إلى ما (غدا إذا لقيته) أي يوم القيامة والواو في قوله وإني للحال والجملة حال وقعت بين قوله يقول ومقولته صلى وهو أبو بكر في الجنة الخ (وساق معناه) أي معنى الحديث السابق (قال لمشهد) اللام للتأكيد ومشهد مضاف إلى رجل في المصباح المشهد المحضر وزنا ومعنى انتهى وجمعه مشاهد وفي المجمع المغازي المشاهد لأنها موضع الشهادة (منهم) من أصحاب النبي (يغبر فيه) أي في ذلك المشهد (وجهه) فاعل يغبر والمعنى أن حضور رجل من الصحابة مع رسول الله في موضع الغزو لأجل الجهاد حال كون الرجل يصيب التراب في وجهه هو خير من عمل أحدكم ما دام عمره (ولو عمر عمر نوح) بصيغة المجهول أعطى عمر نوح قال المنذري وأخرجه النسائي (صعد) بكسر العين أي طلع (أحدا) أي جبل أحد (فتبعه) أي النبي في الصعود (فرجف) أي تحرك جبل أحد (فضربه) أي أحدا (وقال اثبت أحد) بالضم حذف عنه حرف النداء (نبي وصديق وشهيدان) أي عليك نبي وصديق وهو أبو بكر رضي الله عنه وشهيدان أي عمر وعثمان رضي الله عنهما وتحرك أحد كان من المباهاة قال المزي في الأطراف الحديث أخرجه البخاري في فضل أبي بكر وفي فضل عمر وأبو داود في السنة والترمذي في المناقب وقال حسن صحيح وأخرجه النسائي انتهى
[ 264 ]
(لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة) وهم أهل بيعة الرضوان قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح هذا آخر كلامه وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله عن أم مبشر أنها سمعت رسول الله يقول عند حفصة لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها وذكر قصة حفصة بنت عمر رضي الله عنهما انتهى كلام المنذري (قال موسى) هو ابن إسماعيل (فلعل الله) أي اطلع على أهل بدر الحديث (وقال ابن سنان) هو أحمد (اطلع الله) أي لم يقل ابن سنان في روايته لفظ فلعل الله كما قال موسى بل بدأ الحديث من قوله اطلع الله ومعنى اطلع أقبل أي لعل الله أقبل على أهل بدر ونظر إليهم نظر الرحمة والمغفرة (فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) هذا كناية عن كمال الرضى وصلاح الحال وتوفيقهم للخير لا الترخص لهم في كل فعل قيل ذكر لعل لئلا يتكل من شهد بدر على ذلك وينقطع عن العمل بقوله اعملوا ما شئتم قال النووي معناه الغفران لهم في الآخرة وإلا فإن توجه على أحد منهم حد أو غيره أقيم عليه في الدنيا ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد وأقامه عمر على بعضهم قال وضرب النبي مسطحا الحد وكان بدريا قال المنذري وهذا الفصل قد أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في الحديث الطويل من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه (فكلما كلمه أخذ بلحيته) أي بلحية النبي (قائم على رأس النبي) فيه جواز القيام
[ 265 ]
على رأس الأمير بالسيف بقصد الحراسة ونحوها من ترهيب العدو ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس لأن محله ما إذا كان على وجه العظمة والكبر (بنعل السيف) هو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها (أخر) فعل أمر من التأخير وكانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير لكن كان النبي يغضي لعورة عن ذلك استمالة له وتأليفا والمغيرة يمنعه إجلالا للنبي وتعظيما قاله الحافظ قال المنذري وأخرجه البخاري مطولا (أتاني جبرائيل عليه السلام فأخذ بيدي الخ) وذلك إما في ليلة المعراج أو في وقت اخر (وددت) بكسر الدال أي أحببت (حتى أنظر إليه) أي إلى باب الجنة (أما) بالتخفيف للتنبيه (إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي) قال الطيبي لما تمنى رضي الله عنه بقوله
[ 266 ]
وددت والتمني إنما يستعمل فيما لا يستدعي إمكان حصوله قيل له لا تتمن النظر إلى الباب فإن لك ما هو أعلى منه وأجل وهو دخولك فيه أول أمتي وحرف التنبيه ينبهك على الرمزة التي لوحنا بها قال المنذري أبو خالد الدالاني بن عبد الرحمن وثقه أبو حاتم الرازي وقال ابن معين ليس به بأس وعن الإمام أحمد نحوه وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات (العقيلي) بالتصغير (بعثني عمر إلى الأسقف) بضم همزة وقاف وبينهما سين ساكنة وآخره فاء مشددة ويجئ مخففة عالم النصارى ورئيسهم (قال أجدك قرنا) قال في المجمع وحديث عمر والأسقف أجدك قرنا هو بفتح قاف الحصن وجمعه قرون ولذا قيل لها صياصي انتهى (فقال) أي عمر رضي الله عنه (قرن مه) أي ما تريد بالقرن (يؤثر) بضم الياء وكسر المثلثة أي يختار (قال أجده صداء حديد) صداء الحديد بفتح الصاد وسخه والمراد أنه لكثرة مباشرته بالسيف ومحاربته به يتوسخ به بدنه ويداه حتى يصير كأنه عين الصداء وبالنظر إلى ظاهره قال عمر ما قال ففسر له الأسقف ما هو المراد والله تعالى أعلم كذا في فتح الودود (فقال يا دفراه يا دفراه) قال الخطابي الدفر بفتح الدال المهملة وسكون الفاء النتن ومنه قيل للدنيا أم دفر (فقال) أي الأسقف (إنه) أي علي رضي الله عنه (والدم مهراق) أي مصبوب من أهرقه يهريقه صبه وكان أصله أراقه يريقه كذا في القاموس وهذا الحديث ليس في نسخة المنذري وإنما هو من رواية أبي بكر بن داسة ولذا أورده الخطابي في المعالم وقال المزي في الأطراف بعد أن عزاه بهذا السند لأبي داود لم يذكره أبو القاسم وهو في الرواية انتهى
[ 267 ]
(باب في فضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) (خير أمتى القرن الذي بعثت فيهم) وهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين (ثم الذين يلونهم) أي يقربونهم في الرتبة أو يتبعونهم في الإيمان والإيقان وهم التابعون (ثم الذين يلونهم) وهم أتباع التابعين والقرن أهل كل زمان وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان وقيل القرن أربعون سنة وقيل ثمانون وقيل مائة سنة قال السيوطي والأصح أنه لا ينضبط بمدة فقرنه صلى الله عليه وسلم هم الصحابة وكانت مدتهم من المبعث إلى آخر من مات من الصحابة مائة وعشرين سنة وقرن التابعين من مائة سنة إلى نحو سبعين وقرن أتباع التابعين من ثم إلى نحو العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا وأطلقت المعتزلة ألسنتها
[ 268 ]
ورفعت الفلاسفة رؤوسها وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ولم يزل الأمر في نقص إلى آن وظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم ثم يفشو الكذب (والله أعلم أذكر) أي النبي صلى الله عليه وسلم (الثالث) وهو قوله ثم الذين يلونهم المذكور مرة ثالثة (أم لا) أي أم لم يذكر (يشهدون ولا يستشهدون) أي والحال أنه لا يطلب منهم الشهادة ولا يبعد أن تكون الواو عاطفة والجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم خير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يطلب أن الذم في حق من بادر بالشهادة لمن هو عالم بها قبل الطلب والمدح فيمن كانت عنده شهادة لا يعلم بها صاحبها فيخبره بها ليستشهد عند القاضي (وينذرون) بضم الذال ويكسر أي يوجبون على أنفسهم أشياء (ولا يوفون) أي لا يقومون بالخروج عن عهدتها ولا يبالون بتركها (ويخونون ولا يؤتمنون) قال النووي معنى الجمع في قوله يخونون ولا يؤتمنون أنهم يخونون خيانة ظاهرة
[ 269 ]
بحيث لا يبقى معها ثقة بخلاف من خان حقيرا مرة فإنه لا يخرج به عن أن يكون مؤتمنا في بعض المواطن (ويفشو فيهم السمن) بكسر السين وفتح الميم أي يظهر فيهم السمن بالتوسع في المآكل والمشارب قيل كنى به عن الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الدين فإن الغالب على ذوي السمانة أن لا يهتموا بارتياض النفوس بل معظم همتهم تناول الحظوظ والتفرغ للدعة والنوم قيل والمذموم من السمن ما يستكسب لا ما هو خلقه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وقد أخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث زهدم بن مضرب عن عمران بن حصين (باب في النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) (لا تسبوا أصحابي) وقع في رواية جرير ومحاضر عن الأعمش ذكر سبب لهذا الحديث وهو ما وقع في أوله قال كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شئ فسبه خالد فذكر الحديث كذا في فتح الباري فعلم أن المراد بأصحابي أصحاب مخصوصون وهم السابقون على المخاطبين في الإسلام وقيل نزل الساب منهم لتعاطيه ما لا يليق به من السب منزلة غيرهم فخاطبه خطاب غير الصحابة ذكره السيوطي (ولا نصيفه) النصيف بمعنى النصف والمعنى لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبا من الأجر والفضل ما ينال أحدكم بإنفاق مد طعام أو نصفه لما يقارنه من مزيد الإخلاص وصدق النية مع ما كانوا من القلة وكثرة الحاجة والضرورة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (أخبرنا عمر بن قيس الماصر) بكسر المهملة وتخفيف الراء وفي بعض النسخ
[ 270 ]
الماصري وفي التقريب والخلاصة عمر بن قيس بن الماصر الكوفي قال في الخلاصة وثقة ابن معين وقال في التقريب صدوق وربما وهم ورمي بالإرجاء (فكان يذكر) أي حذيفة (قالها) صفة أشياء (فينطلق ناس ممن سمع ذلك) أي ما ذكر من الأشياء التى قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن بعض الصحابة في حالة الغضب (وهو في مبقلة) أي في أرض ذات بقل (أما تنتهى) أي ألا تمتنع عما تذكر هذه مقولة سلمان الفارسي قالها لحذيفة (حتى تورث رجالا حب رجال ورجالا بغض رجال) المعنى حتى تدخل في قلوب بعض الرجال محبة بعض الرجال وفي قلوب بعضهم بغض بعضهم (فاجعلها) بصيغة الأمر أي فاجعل يا الله تلك اللعنة (صلاة) أي رحمة كما في رواية مسلم والصلاة من الله تعالى الرحمة وأخرج مسلم في باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه من كتاب الأدب عن عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم أو ما علمت ما شارطت عليه ربي قلت اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا وأخرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة وفي لفظ له عن أبي هريرة قال اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة وفي لفظ له اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عند الله عهدا فذكره وفي لفظ له فاجعل ذلك كفارة له يوم القيامة
[ 271 ]
وأخرج عن جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما أنا بشر وإني اشترطت على ربي أي عبد من المسلمين سببته أو شتمته أن يكون ذلك له زكاة وأجرا وأخرج عن أم سليم قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة تقربه بها منه يوم القيامة انتهى والمعنى إنما وقع من سبه ودعائه صلى الله عليه وسلم على أحد ونحوه ليس بمقصود بل هو مما جرت به العادة فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شئ من ذلك إجابة فسأل ربه سبحانه ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهورا وأجرا وإنما كان يقع هذا منه صلى الله عليه وسلم نادرا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشا ولا لعانا والله أعلم (والله لتنتهين) والحاصل أن سلمان رضي الله عنه ما رضى بإظهار ما صدر في شأن الصحابة لأنه ربما يخل بالتعظيم الواجب في شأنهم بما لهم من الصحبة قاله السندي قال المنذري وهذا الفصل الأخير قوله صلى الله عليه وسلم أيما مؤمن سببته قد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (باب في استخلاف أبي بكر رضي الله عنه) (لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم) بصيغة المجهول أي اشتد به المرض قال في فتح الودود استعز بالعليل اشتد وجعه وغلب على عقله انتهى وأصله من العز
[ 272 ]
وهو الغلبة والاستيلاء على الشئ (وكان عمر رجلا مجهرا) قال في فتح الودود إجهار الكلام إعلانه ورجل مجهر بكسر الميم وفتح الهاء إذا كان من عادته أن يجهر بكلامه وهو الوجه ههنا وقد ضبط بعضهم على اسم الفاعل من الإجهار وهو ممكن على بعد انتهى وقال الخطابي أي صاحب جهر ورفع بصوته ويقال جهر الرجل صوته ورجل جهير الصوت وأجهر إذا عرف بشدة جهر الصوت فهو مجهر (يأبى الله ذلك) أي تقدم غير أبي بكر قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الاختلاف فيه انتهى قلت هو صرح بالتحديث (حتى أطلع رأسه) أي أخرجه (ثم قال لا لا لا) أي لا يصلى عمر رضي الله عنه بالناس (ليصل للناس ابن أبي قحافة) هو أبو بكر رضي الله عنه (يقول ذلك) أي الكلام المذكور وفي الحديث دليل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه وذلك أن قوله يأبى الله ذلك والمسلمون معقول منه أنه لم يرد به نفي جواز الصلاة خلف عمر رضي الله عنه فإن الصلاة خلف عمر ومن دونه من المسلمين جائزة وإنما أراد به الإمامة التي دليل الخلافة والنيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيام بأمر الأمة قال الخطابي في المعالم قلت حديث محمد بن إسحاق عن الزهري فيه أن الصلاة التي صليت خلف عمر رضي الله عنه أعيدت بعد مجئ أبي بكر رضي الله عنه فصلى الناس ثانيا خلف أبي بكر ولفظ أحمد في مسنده حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن إسحاق قال وقال ابن شهاب الزهري حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين قال دعا بلال للصلاة فقال مروا من يصلي بالناس قال فخرجت فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائبا فقال قم يا عمر فصل بالناس قال فقام فلما كبر عمر سمع
[ 273 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته وكان عمر رجلا مجهرا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون يأبى الله ذلك والمسلمون قال فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس قال وقال عبد الله بن زمعة قال لي عمر ويحك ماذا صنعت بي يا ابن زمعة والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك ولولا ذلك ما صليت بالناس قال قلت والله ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة انتهى وقال وليست هذه الزيادة أي ذكر إعادة الصلاة في حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري وإن صحت هذه الزيادة ولم تكن شاذة فيكون المعنى ما قاله الخطابي وما قاله حسن جدا والله أعلم قال المنذري في إسناده موسى بن يعقوب الزمعي قال النسائي ليس بالقوى وفي إسناده أيضا عبد الرحمن بن إسحاق ويقال عباد بن إسحاق وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج له مسلم واستشهد به البخاري (باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة) وفي نسخة الخطابي في الفتنة الأولى (إن ابني هذا سيد) أي حليم كريم متجمل (بين فئتين من أمتي) هما طائفة الحسن وطائفة معاوية وكان الحسن رضي الله عنه حليما فاضلا ورعا دعاه ورعه إلى أن ترك الملك رغبة فيما عند الله تعالى لا لقلة ولا لعلة فإنه لما قتل علي رضي الله عنه بايعه أكثر من أربعين ألفا فبقى خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان ستة أشهر وأياما ثم سار إلى معاوية في أهل الحجاز وسار إليه معاوية في أهل الشام فلما التقى الجمعان بمنزل من أرض الكوفة وأرسل إليه معاوية في الصلح أجاب على شروط منها أن يكون له الأمر بعده وأن يكون له من المال ما يكفيه في كل عام كذا في السراج المنير (وقال عن حماد) وفي بعض النسخ في حديث حماد
[ 274 ]
مكان عن حماد (ولعل الله أن يصلح به) أي بسبب تكرمه وعزله نفسه عن الأمر وتركه لمعاوية اختيارا (بين فئتين من المسلمين عظيمتين) فيه دليل على أن واحدا من الفريقين لم يخرج بما كان منه في تلك الفتنة من قول أو فعل عن ملة الإسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم كلهم مسلمين مع كون إحدى الطائفتين مصيبة والأخرى مخطئة وهكذا سبيل كل متأول فيما يتعاطاه من رأى ومذهب إذا كان له فيما تناوله شبهة وإن كان مخطئا في ذلك واختار السلف ترك الكلام في الفتنة الأولى وقالوا تلك دماء طهر الله عنها أيدينا فلا نلوث به ألسنتنا كذا في المرقاة نقلا عن شرح السنة قال المنذري وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان رواه عن الحسن البصري ولا يحتج به وأخرجه أبو داود والترمذي من حديث سعيد بن عبد الملك الحمراني عن الحسن وقد استشهد به البخاري ووثقه غير واحد وأخرجه البخاري والنسائي من حديث أبي موسى إسرائيل بن موسى عن الحسن (عن محمد) هو ابن سيرين (إلا أنا أخافها عليه) أي أخاف مضرة تلك الفتنة عليه (إلا محمد بن مسلمة) هو من أكابر الصحابة شهد بدرا والمشاهد كلها استوطن المدينة واعتزل الفتنة كذا في الخلاصة والحديث سكت عنه المنذري (عن ثعلبة بن ضبيعة) بالتصغير (فإذا فسطاط) بالضم أي خباء (فأذا فيه) أي في الفسطاط (فسألناه عن ذلك) أي عن سبب خروجه وإقامته في الفسطاط (فقال) أي محمد بن مسلمة (ما أريد أن يشتمل علي) بتشديد الياء (شئ) فاعل يشتمل (من أمصاركم) المعنى لا أريد أن أسكن وأقيم في أمصاركم (حتى تنجلي) أي تنكشف وتزول يقال انجلى الظلام إذا كشف (عما) ما مصدرية (انجلت) أي تجلت وتبينت يقال للشمس إذا خرجت من الكسوف تجلت وانجلت وهو انفعال من التجلية والتجلية التبيين
[ 275 ]
قال الزجاج في قوله تعالى إذا جلاها إذا بين الشمس فكأن المعنى حتى تزول الفتن عن تبينها وظهورها ويمكن أن يكون ما موصولة والمراد من المصر وانجلت بمعنى تجلت على ما تقدم والتجلى يجئ بمعنى التغطية أيضا كما في حديث الكسوف فقمت حتى تجلاني الغشى أي غطاني فانجلت ههنا بمعنى غطت والضمير المرفوع راجع إلى الفتن والضمير المنصوب الذي يعود إلى ما الموصولة محذوف فيكون معنى الحديث حتى تنكشف الفتن عن الأمصار الذي غطته الفتن ويمكن أن لا يقال انجلت الذي هو من اللازم بمعنى غطت الذي هو من باب التعدية بل يقال بمعنى تغطت من اللازم والضمير راجع إلى ما الموصولة والمراد منه الأمصار لا المصر فيكون المعنى حتى تنكشف الفتن عن الأمصار التى تغطت أي بالفتن لكن أظهر المعاني هو الأول والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري (عن ضبيعة بن حصين الثعلبي بمعناه) أي بمعنى الحديث السابق قال في التقريب ضبيعة بالتصغير ابن حصين الثعلبي ويقال ثعلبة بن ضبيعة مقبول من الثالثة قال المنذري وفي كلام البخاري ما يدل على أن ثعلبة وضبيعة واحد اختلف فيه (قلت لعلي) أي ابن أبي طالب رضي الله عنه (عن مسيرك هذا) أي إلى بلاد العراق لقتال معاوية أو مسيرك إلى البصرة لقتال الزبير رضي الله عنهم وبيانه كما قال ابن سعد أن عليا رضي الله عنه بويع بالخلافة الغد من قتل عثمان بالمدينة فبايعه جميع من كان بها من الصحابة رضي الله عنهم ويقال إن طلحة رضي الله عنه والزبير رضي الله عنه بايعا كارهين غير طائعين ثم خرجا إلى مكة وعائشة رضي الله عنها بها فأخذاها وخرجا بها إلى البصرة فبلغ ذلك عليا فخرج إلى العراق فلقي بالبصرة طلحة والزبير وعائشة ومن معهم وهي وقعة الجمل وكانت في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وقتل بها طلحة والزبير وغيرهما وبلغت القتلى ثلاثة عشر ألفا وقام علي بالبصرة خمس عشرة ليلة ثم انصرف إلى الكوفة ثم خرج عليه معاوية بن أبي سفيان ومن معه بالشام فبلغ عليا فسار فالتقوا بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين ودام القتال بها
[ 276 ]
أياما انتهى مختصرا من تاريخ الخلفاء (رأى رأيته) ولما منع الحسن بن علي أباه عليا عن هذا العزم أجابه علي إنك لا تزال تخن خنين الجارية وأنا مقاتل من خالفني بمن أطاعني كذا في الكامل والحديث سكت عنه المنذري (تمرق) كتخرج أنه وزنا ومعنى (مارقة) يعني الخوارج قال في جامع الأصول من مرق السهم في الهدف إذا نفذ فيه وخرج والمراد أن يخرج طائفة من المسلمين فيحاربهم وجاء في بعض الروايات يكون أمتي فرقتين فيخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق قال الطيبي قوله يلي صفة مارقة أي يباشره قتل الخوارج أولى أمتي بالحق قال الخطابي اجمعوا أن الخوارج على ضلالتهم فرقة من المسلمين يجوز مناكحتهم وذبحهم وشهادتهم كذا في المجمع (عند فرقة من المسلمين) أي عند افتراق المسلمين واختلافهم فيما بينهم وقد وقع الأمر كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم لأن في سنة ست وثلاثين وسبع وثلاثين وقعت المقاتلة بين على والزبير وطلحة وبين علي ومعاوية رضي الله عنهم وكان علي إماما حقا فخرجت الخوارج من نهروان وكان إمامهم ذا الثدية الخارجي فقاتل علي رضي الله عنه معهم (يقتلها) أي المارقة وهي الخوارج (أولى الطائفتين بالحق) متعلق بأولى أي أقرب الطائفتين بالحق والصواب وهو علي رضي الله عنه ومن كان معه من الصحابة والتابعين وهذا يدل على أن الطائفة الأخرى من الصحابة ومن كان معها التي قاتلت عليا ما كانت على الحق وأما المارقة إنما كانت من الفرق الباطلة لا منهما والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري
[ 277 ]
(باب في التخيير بين الأنبياء عليهم السلام) (لا تخيروا بين الأنبياء) يعني لا تفضلوا بعضهم على بعض من عند أنفسكم أو معناه لا تفضلوا يؤدى إلى تنقيص المفضول منهم والإزراء به وهو كفر أو معناه لا تفضلوا في نفس النبوة فإنهم متساوون فيها وإنما التفاضل بالخصائص وفضائل أخرى كما قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض الآية كذا في المبارق وقال الخطابي معنى هذا ترك التخيير بينهم على وجه الإزراء ببعضهم فإنه ربما أدى ذلك إلى فساد الاعتقاد فيهم والاخلال بالواجب من حقوقهم وليس معناه أن يعتقد التسوية بينهم في درجاتهم فإن الله تعالى قال تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض الآية انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم أتم منه وعبد الرحمن الأعرج هو معطوف على أبي سلمة أي ابن شهاب الزهري يروي عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج كليهما عن أبي هريرة رضي الله عنه ويعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد ذكره المزي (قال رجل من اليهود والذي اصطفى موسى) زاد في رواية الصحيحين على العالمين والواو للقسم والمحلوف عليه مقدر (فلطم وجه اليهودي) أي ضربه بكفه كفالة وتأديبا وإنما صنع المسلم ذلك لما فهمه من عموم لفظ العالمين فدخل فيه محمد صلى الله عليه وسلم وقد تقرر عند المسلم أن محمدا أفضل وقد جاء ذلك مبينا في بعض الروايات أن الضارب قال أي خبيث على محمد كذا قال الحافظ (لا تخيروني على موسى) أي ونحوه من أصحاب النبوة والمعنى لا تقضلوني وهو عليه تفضيلا يؤدي إلى إيهام المنقصة أو إلى تسبب الخصومة (فإن الناس يصعقون) بفتح العين يقال صعق الرجل إذا أصابه فزع فأغمي عليه وربما مات منه ثم يستعمل في الموت كثيرا لكن هذه الصعقة صعقه صلى الله عليه وسلم فزع يكون قبل البعث يؤيده ذكر الإفاقة بعده لأن
[ 278 ]
الإفاقة إنما تستعمل في الغشي والبعث في الموت (فإذا موسى باطش) أي آخذ بقوة والبطش الأخذ بقوة (في جانب العرش) أي بشئ منه (فلا أدري أكان) أي موسى (أم كان ممن استثنى الله تعالى) أي في قوله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال الحافظ يعني فإن كان أفاق قبلى فهي فضيلة ظاهرة وإن كان ممن استثنى الله فلم يصعق فهي فضيلة أيضا (وحديث ابن يحيى) هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (أنا سيد ولد آدم) قال النووي قال الهروي السيد هو الذي يفوق قومه في الخير وقال غيره هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم (وأول شافع وأول مشفع) بتشديد الفاء أي مقبول الشفاعة قال النووي في الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة وهو صلى الله عليه وسلم أفضل من الآدميين وغيرهم وأما الحديث الآخر لا تفضلوا بين الأنبياء فجوابه من خمسة أوجه الأول أنه صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم فلما علم أخبر به والثاني قاله أدبا وتواضعا وذكر باقي الأجوبة من شاء الاطلاع فليرجع إلى شرح صحيح مسلم له قال المنذري وأخرجه مسلم ويجمع بينه وبين حديث أبي هريرة بأن يكون قوله فلا أدري قبل أن يعلم أنه من تنشق الأرض عنه إن حمل اللفظ على ظاهره وانفراده بذلك أو يحمل على أنه من الزمرة الذين هم أول من تنشق عنهم الأرض لا سيما على رواية من روى أو من أول من يبعث فيكون موسى أيضا من تلك الزمرة وهي والله أعلم زمرة الأنبياء انتهى كلام المنذري
[ 279 ]
(ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى) بفتح الميم وتشديد المنثناة الفوقية المقصورة وهو اسم والد يونس وقيل هو اسم امه والصحيح الاول وانما قال (ص) ذلك تواضعا ان كان قال بعد ان اعلم انه افضل الخلق ان كان قاله قبل علمه بذلك فلا اشكال وانما خص يونس عليه السلام بالذكر لما قص الله في كتابه من امر يونس وتوليه عن قومه وضجرته عن تثبطهم في الاجابة وقلة الاحتمال عنهم والاحتفال بهم حين راموا التنصل فقال تعالى (ولا تكن كصاحب الحوت) وقال (وهو سليم) فلم يأمن (ص) أن يقع تنقيص له في نفس من سمع قصته فبالغ في ذكر فضله لسد هذه الذريعة قاله القاري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (عن إسماعيل بن أبي حكيم) هكذا في بعض النسخ إسماعيل بن أبي حكيم وهذا هو
[ 280 ]
الصواب كما يظهر من التقريب والخلاصة وفي بعض النسخ إسماعيل بن حكيم والله أعلم (ما ينبغي لنبي الحديث) قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار (ذاك إبراهيم عليه السلام) أي المشار إليه الموصوف بخير البرية هو إبراهيم عليه السلام قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي قيل يحتمل أنه قاله قبل أن يوحى إليه بأنه خير منه أو يكون على جهة التواضع وكره إظهار المطاولة على الأنبياء انتهى كلام المنذري (ما أدري أتبع لعين هو أم لا) هذا قبل أن يوحى إليه شأن تبع وقد روى أحمد من حديث سهل بن سعد الساعدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم وروى الطبراني من حديث ابن عباس مثله وروى ابن مردويه من حديث أبي هريرة مثله كذا في مرقاة الصعود (وما أدري أعزير نبي هو أم لا) قال الحافظ أبو الفضل العراقي في أماليه في رواية الحاكم في المستدرك بدله وما أدري ذا القرنين نبيا كان ام لا وزاد فيه (وما ادري الحدود كفارات لاهلها أم لا ورويناه بتمامه بذكر تبع وعزير وذى القرنين والخدود في تفسير ابن مردوية من رواية محمد بن أبي السرى عن عبد الرزاق قال ثم أعلم الله نبيه أن الحدود كفارات وأن تبعا أسلم كذا في مرقاة الصعود وقال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الدخان أخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن معمر عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أدري الحدود طهارة لأهلها أو لا ولا أدري تبع لعينا كان أم لا ولا أدري ذو القرنين
[ 281 ]
نبيا كان أم ملكا وقال غيره عزيرا كان نبيا أم لا كذا رواه ابن أبي حاتم عن محمد ابن حماد الظهراني عن عبد الرزاق قال الدارقطني تفرد به عبد الرزاق ثم روى ابن عساكر من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا عزير لا أدري أنبيا كان أم لا ولا أدري ألعن تبعا أم لا ثم أورد ما جاء في النهي عن سبه ولعنته وقال قتادة ذكر لنا أن كعبا كان يقول في تبع الرجل الصالح ذم الله تعالى قومه ولم يذمه قال وكانت عائشة رضي الله عنها تقول لا تسبوا تبعا فإنه قد كان رجلا صالحا وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي زرعة يعني عمرو بن جابر الحضرمي قال سمعت سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا تبعا فإنه قد كان أسلم ورواه الإمام أحمد في مسنده عن حسن بن موسى عن ابن لهيعة به وقال الطبراني حدثنا أحمد بن علي الأبار حدثنا أحمد بن محمد بن أبي برزة حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا سفيان عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم وقال عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدري تبع نبيا كان أم غير نبي وتقدم بهذا السند من رواية ابن أبي حاتم كما أورده ابن عساكر لاأدري تبع كان لعينا أم لا ورواه ابن عساكر من طريق زكريا بن يحيى المدني عن عكرمة عن ابن عباس موقوفا وقال عبد الرزاق أخبرنا عمران أبو الهذيل أخبرني تميم بن عبد الرحمن قال قال عطاء بن أبي رباح لا تسبوا تبعا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سبه انتهى كلامه والحديث سكت عنه المنذري (أنا أولى الناس بابن مريم) أي أخص الناس به وأقربهم إليه لأنه بشر بأنه يأتي من بعده (الأنبياء أولاد علات) بفتح فتشديد أي هم إخوة من أب واحد فإن العلة الضرة وبنو العلات أولاد الرجل من نسوة شتى
[ 282 ]
والمعنى أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد وفروع الشرائع مختلفة وقيل المراد أن أزمنتهم مختلفة (وليس بيني وبينه نبي) قال الحافظ هذا أورده كالشاهد لقوله إنه أقرب الناس إليه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (باب في رد الإرجاء) وفي نسخة الخطابي باب الرد على المرجئة قال في النهاية المرجئة فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي أي أخره عنهم والمرجئة تهمز ولا تهمز وكلاهما بمعنى التأخير كذا في السراج المنير (الإيمان بضع وسبعون) أي شعبة والبضع بكسر الموحدة وفتحها هو عدد مبهم مقيد بما بين الثلاث إلى التسع هذا هو الأشهر وقيل إلى العشرة وقيل من الواحد إلى تسعة وقيل من اثنين إلى عشرة وعن الخليل البضع السبع (وأدناها) أي أدونها مقدارا (إماطة العظم) أي إزالته وفي بعض النسخ إماطة الأذى والأذى ما يؤذي كشوك وحجر (والحياء شعبة من الإيمان) الحياء بالمد وهو في اللغة تغير وانكسار يتعرى الإنسان من خوف ما يعاب به وفي
[ 283 ]
الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق وإنما أفرده بالذكر لأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذا الحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر قال الخطابي في المعالم في هذا الحديث بيان أن الإيمان الشرعي اسم بمعنى ذى شعب وأجزاء لها أعلى وأدنى وأقوال وأفعال وزيادة ونقصان فالاسم يتعلق ببعضها كما يتعلق بكلها والحقيقة تقتضي جميع شعبها وتستوفي جملة أجزائها كالصلاة الشرعية لها شعب وأحزاء إذا والإسم يتعلق ببعضها والحقيقة تقتضي جميع أجزائها وتستوفيها ويدل على
[ 284 ]
صحة ذلك قوله الحياء شعبة من الإيمان فأخبر أن الحياء أحد الشعب وفيه إثبات التفاصيل في الإيمان وتباين المؤمنين في درجاتهم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (إن وفد عبد القيس) الوفد جمع وافد وهو الذي أتى إلى الأمير برسالة من قوم وقيل رهط كرام وعبد القيس أبو قبيلة عظيمة تنتهي إلى ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان (لما قدموا) أي أتوا (وأن تعطوا الخمس) بضم الميم وسكونها (من المغنم) بفتح الميم والنون أي الغنيمة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) مبتدأ والظرف خبره ومتعلقه محذوف تقديره ترك الصلاة وصلة بين العبد والكفر والمعنى يوصله إليه وبهذا التقدير زال الإشكال فإن المتبادر أن الحاجز بين الإيمان والكفر فعل الصلاة لا تركها قاله العزيزي واختلف في تكفير تارك الصلاة الفرض عمدا قال عمر رضي الله عنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وقال ابن مسعود تركها كفر وقال عبد الله بن شقيق كان أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة وقال بعض العلماء الحديث محمول على تركها جحودا أو على الزجر والوعيد وقال حماد بن زيد ومكحول ومالك والشافعي تارك الصلاة كالمرتد ولا يخرج من الدين وقال صاحب الرأي لا يقتل بل يحبس حتى يصلي وبه قال الزهري كذا في المرقاة نقلا عن شرح السنة وقد أطال الكلام في هذه المسألة الإمام ابن القيم في كتاب الصلاة له فأطاب وأحسن وأجاد
[ 285 ]
قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه ولفظ مسلم بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه) وقد وقع هذا الباب في بعض النسخ بعد حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال الحافظ ذهب السلف إلى أن الإيمان يزيد وينقص وأنكر ذلك أكثر المتكلمين وقالوا متى قبل ذلك كان شكا وقال الشيخ محي الدين والأظهر المختار أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الأدلة لهذا كان إيمان الصديق أقوى من إيمان غيره لا يعتريه الشبهة ويؤيده أن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى أنه يكون في بعض الأحيان الإيمان أعظم يقينا وإخلاصا وتوكلا منه في بعضها وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها انتهى (لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة) أي توجه للصلاة إلى جهة الكعبة بعد تحويل القبلة من بيت المقدس (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي صلاتكم قال في فتح الودود فسميت الصلاة إيمانا فعلم أنها من الإيمان بمكان انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح (أخبرنا محمد بن شعيب بن شابور) بالمعجمة والموحدة (عن أبي أمامة) وهو الباهلي صدى بن عجلان رضي الله عنه (من أحب) أي شيئا أو شخصا فخذف المفعول (لله) أي لأجله ولوجهه مخلصا لا لميل قلبه ولا لهواة (وأبغض لله) لإيذاء من أبغضه له بل لكفره وعصيانه (وأعطى لله) أي لثوابه ورضاه لا لنحو رياء (ومنع لله) أي لأمر الله كأن لم يصرف الزكاة لكافر لخسته ولا لهاشمي لشرفه بل لمنع الله لهما منها قاله المناوي (فقد استكمل الإيمان) بالنصب أي أكمله وقيل بالرفع أي تكمل إيمانه
[ 286 ]
قال المنذري في إسناده القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الشامي وقد تكلم فيه واحد (لذي لب) بضم اللام وتشديد الموحدة بمعنى العقل (قالت) أي امرأة من النساء التي خاطبهن النبي صلى الله عليه وسلم (فشهادة امرأتين بشهادة رجل) أي تعدل بشهادة رجل (وتقيم أياما) أي أيام الحيض والنقاس فقال (لا تصلي) أي في تلك الأيام قال النووي وصفه صلى الله عليه وسلم النساء نقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم في زمن الحيض قد يستشكل معناه وليس بمشكل بل هو ظاهر فإن الدين والإيمان مشتركة في معنى واحد وقد قدمنا أن الطاعات تسمى إيمانا ودينا وإذا ثبت هذا علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه ومن نقصت عبادته نقص دينه ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به كمن ترك الصلاة أو غيرها من العبادات الواجبة عليه بلا عذر وقد يكون على وجه لاإثم فيه كمن ترك الجمعة أو غيرها مما لا يجب عليه العذر وقد يكون على وجه هو مكلف به كترك الحائض الصلاة والصوم انتهى كلام النووي وبهذا الكلام ظهر أيضا وجه مناسبة الحديث بالباب قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه وأخرجه البخاري ومسلم من حديث عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) بضم اللام قال ابن رسلان وهو عبارة عن أوصاف انسان التي يعامل بها غيره وهي منقسمة إلى محمودة ومذمومة فالمحمودة منها صفات الأنبياء والأولياء والصالحين كالصبر عند المكارة والحمل عند الجفا وحمل الأذى والإحسان للناس والتودد إليهم والرحمة بهم والشفقة عليهم واللين في القول ومجانبة المفاسد والشرور وغير ذلك قال الحسن البصري حقيقة حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه
[ 287 ]
قال المنذري وقال حسن صحيح وزاد في آخره وخياركم خياركم لنسائهم (قال أو مسلم) قال في فتح الباري بإسكان الواو لا بفتحها وفي رواية ابن الأعرابي في هذا الحديث فقال لا تقل مؤمن بل مسلم فوضح أنها للاضراب وليس معناه انكار بل المعنى أن إطلاق المسلم على من يختبر حاله الخبرة الباطنة أولى من إطلاق المؤمن لأن الإسلام معلوم بحكم الظاهر انتهى مخلصا (مخافة أن يكب) ضبط في بعض النسخ بضم الياء وكسر الكاف من الإكباب قال الحافظ أكب الرجل إذا أطرق وكبه غيره إذا قبله وهذا على خلاف القياس لأن الفعل اللازم يتعدى بالهمزة وهذا زيدت عليه الهمزة فقصر انتهى والمعنى مخافة أن يقع في النار على وجهه إن لم يعط لكونه من المؤلفة قلوبهم ويحتمل أن يكون بصيغة المجهول من المجرد وهذا الحديث وقع في نسخة المنذري بعد الحديث الذي يليه فقال وهو طرف من الذي قبله (حتى أعادها) أي هذه الكلمة (ثلاثا) أي ثلاث مرات (وأدع) بفتح الدال أي أترك (مخافة أن يكبوا) بصيغة المعلوم من باب الأفعال أو بصيغة المجهول من المجرد قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (قال) أي الزهري (نرى) بضم النون وبفتح (أن الإسلام الكلمة) أي كلمة الشهادة (والإيمان العمل) أي الصالح
[ 288 ]
قال الخطابي في المعالم ما أكثر ما يغلط الناس في هذه المسألة فأما الزهري فقد ذهب إلى ما حكاه معمر عنه واحتج بالآية وذهب غيره إلى أن الإيمان والإسلام شئ واحد واحتج بقوله تعالى فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين قال فدل ذلك على أن المسلمين هم المؤمنون إذ كان الله سبحانه قد وعد أن يخلص المؤمنين من قوم لوط وأن يخرجهم من بين ظهراني من وجب عليه العذاب منهم ثم أخبر أنه قد فعل ذلك بمن وجده فيهم من المسلمين إنجازا للوعد فثبت أن المسلمين هم المؤمنون قال والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق على أحد الوجهين وذلك أن المسلم قد يكون مؤمنا في بعض الأحوال ولا يكون مؤمنا في بعضها والمؤمن مسلم في جميع الأحوال فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا فإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الآيات واعتدل القول فيها ولم يختلف شئ منها وأصل الإيمان التصديق وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد وقد يكون المرء مستسلما في الظاهر غير مننقاد أي في الباطن ولا مصدق وقد يكون صادق الباطن غير منقاد في الظاهر انتهى وحاصل ما صححه الخطابي أن النسبة بين المؤمن والمسلم عموم وخصوص مطلق والحديث سكت عنه المنذري (لا ترجعوا بعدي كفارا الخ) قال الخطابي هذا يتأول على وجهين أحدهما أن يكون معنى الكفار المتكفرين بالسلاح يقال تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه فكفر نفسه أي سترها وأصل الكفر الستر وقال بعضهم معناه لا ترجعوا بعدي فرقا مختلفين يضرب بعضكم رقاب بعض فتكونوا في ذلك مضاهين للكفار فإن الكفار متعادون يضرب بعضهم رقاب بعض والمسلمون متواخون ثنا يحقن بعضهم دم بعض وأخبرني إبراهيم بن فراس قال سألت موسى بن هارون عن هذا فقال هؤلاء أهل الردة قتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا (أكفر رجلا مسلما) أي نسبة إلى الكفر (فإن كان) الرجل الذي نسب إليه الكفر (كافرا) فلا شئ
[ 289 ]
على الناسب (وإلا) أي لم يكن هو كافرا (كان هو) أي الناسب (الكافر) أي يخاف عليه شؤم كلامه قاله السندي والحديث سكت عنه المنذري (أربع) أي خصال أربع أو أربع من الخصال فساغ الابتداء به (من كن) أي تلك الأربع (فيه) الضمير لمن (فهو منافق خالص) قال العلقمي أي في هذه الخصال فقط لا في غيرها أو شديد الشبه بالمنافقين ووصفه بالخلوص يؤيد قول من قال إن المراد بالنفاق العملي دون الإيماني أن النفاق العرفي لا الشرعي لأن الخلوص بهذين المعنيين لا يستلزم الكفر الملقى في الدرك الأسفل من النار (حتى يدعها) أي إلى أن يتركها (إذا حدث كذب) أي عمدا بغير عذر (وإذا وعد أخلف) أي إذا وعد بالخير في المستقبل لم يف بذلك (وإذا عاهد غدر) أي نقض العهد وترك الوفاء بما عاهد به عليه وأما الفرق بين الوعد والعهد فلم أر من ذكر الفرق بين الوعد والعهد صريحا والظاهر من صفيع هذا الإمام البخاري رحمه الله أنه لا فرق بينهما بل هما مترادفان فإنه قال في كتاب الشهادات من صحيحه باب من أمر بإنجاز الوعد ثم استدل على مضمون الباب بأربعة أحاديث أولها حديث أبي سفيان بن حرب في قصة هرقل أورد منه طرفا وهو أن هرقل قال له سألتك ماذا يأمركم فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد الحديث ولولا أن الوعد والعهد متحدان لما تم هذا الاستدلال فثبت من صنيعه هذا أنهما متحدان والظاهر من كلام الحافظ رحمه الله في الفتح أن بينهما فرقا فإنه قال إن معناهما قد يتحد ونصه في شرح باب علامات المنافق من كتاب الإيمان قال القرطبي والنووي حصل في مجموع الروايتين خمس خصال لأنهما تواردتا على الكذب في الحديث والخيانة في الأمانة وزاد الأول الخلف في الوعد والثاني العذر في المعاهدة والفجور في الخصومة قلت وفي رواية مسلم الثاني بدل الغدر في المعاهدة الخلف في الوعد كما في الأول فكأن بعض الرواة تصرف في لفظه لأن معناهما قد يتحد الخ فلفظه قد تدل دلالة ظاهرة على أن بينهما فرقا ولكن لم يبين أنه أي فرق بينهما ولعل الفرق هو أن الوعد أعم من العهد مطلقا فإن العهد هو الوعد الموثق فأينما وجد العهد وجد الوعد من غير عكس لجواز أن يوجد الوعد من غير توثيق
[ 290 ]
ويمكن أن يكون بينهما عموم وخصوص من وجه فالوعد أعم من العهد بأن العهد لا يطلق إلا إذا كان الوعد موثقا والوعد أعم من أن يكون موثقا أو لا يكون كذلك ويشهد على ذلك لفظ الحديث لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق على إخلاف الوعد لفظ الإخلاف وعلى إخلاف العهد لفظ الغدر ولا شك أن الغدر أشد من الإخلاف فعلم أن العهد أشد وأوثق من الوعد ويؤيده قول الله عز وجل (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) الآية وأما العهد أعم من الوعد فبأن الوعد لا يطلق إلا على ما يكون لشخص اخر والعهد يطلق على ما يكون لشخص آخر أو لنفسه كما لا يخفي قال الله عز وجل (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) فههنا عهدهم ليس إلا على أنفسهم بالإيمان وقال الله تعالى (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) الآية فههنا معاهدة المؤمنين لا على أنفسهم بل من المشركين وأما الوعد فلا يوجد في كلام العرب إلا لرجل اخر كما قال الله عز وجل في القران (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم) الآية وقال الله تعالى (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) الآية وقال تعالى (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم) اية وغير ذلك من ايات والأحاديث وكلام أهل العرب فلعل مراد البخاري ثم الحافظ بأتحاد ثم الوعد والعهد اجتماعهما في مادة الوعد من غير نظر إلى الوثوق وغير الوثوق وكذلك إلى أنه لرجل آخر أو لنفسه والله تعالى أعلم (وإذا خاصم فجر) أي شتم ورمى بالأشياء القبيحة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) الواو للحال أي والحال أنه مؤمن كامل أو
[ 291 ]
محمول على المستحل مع العلم بالتحريم أو هو خبر بمعنى النهي أو أنه شابه الكافر في عمله وموقع التشبيه أنه مثله في جواز قتاله في تلك الحالة ليكف عن المعصية ولو أدى إلى قتله قاله القسطلاني قال النووي والصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان وأنما تأولناه لحديث أبي ذر من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق الخ
[ 292 ]
وإن شئت الوقوف على تمام كلامه فارجع إلى شرح صحيح مسلم له (والتوبة معروضة) أي على فاعلها (بعد) بالضم أي بعد ذلك قال النووي قد أجمع العلماء على قبول التوبة ما لم يغرغر كما جاء في الحديث قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
[ 295 ]
(كان) أي الإيمان عليه رسول كالظلة أي كالسحابة (فإذا انقلع) أي فرغ من فعله وفي بعض النسخ أقلع قال في القاموس الإقلاع عن الأمر الكف واعلم أن العلماء قد بينوا للحديث السابق تأويلات كثيرة وهذه إحداها وهو أنه يسلب الإيمان حال تلبس الرجال بالزنا فإذا فارقه عاد إليه وفي رواية البخاري في باب إثم الزنا من كتاب المحاربين قال عكرمة قلت لابن عباس كيف ينزع منه الإيمان قال هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فإذا تاب عاد إليه هكذا وشبك بين أصابعه وأخرج الحاكم من طريق ابن حجيرة أنه سمع أبا هريرة يقول من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع انسان القميص من رأسه كذا في فتح الباري والحديث سكت عنه المنذري (باب في القدر) بفتح الدال ويسكن قال في شرح السنة الإيمان بالقدر فرض لازم وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق أعمال العباد خيرها وشرها وكتبها في اللوح المحفوظ قبل أن خلقهم والكل بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته غير أنه يرضى الإيمان والطاعة ووعد عليهما الثواب ولا يرضى الكفر والمعصية وأوعد عليهما العقاب والقدر سر من أسرار الله تعالى لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا يجوز الخوض فيه والبحث عنه بطريق العقل بل يجب أن يعتقد أن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم فرقتين فرقة خلقهم للنعيم فضلا وفرقة للجحيم عدلا (القدرية مجوس هذه الأمة) قال الخطابي في المعالم إنما جعلهم مجوسا لمضاهاة
[ 296 ]
مذهبهم مذاهب المجوس في قولهم بالأصلين وهما النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله والشر إلى غيره والله سبحانه خالق الخير والشر لا يكون شئ منهما إلا بمشيئته وخلقه الشر شرا في الحكمة كخلقه الخير خيرا فإن الأمرين جميعا مضافان إليه خلقا وإيجادا وإلى الفاعلين لهما فعلا واكتسابا انتهى (وإن ماتوا فلا تشهدوهم) أي لا تحضروا جنازتهم قال المنذري هذا منقطع أبو حازم سلمة بن دينار لم يسمع من ابن عمر وقد روي هذا الحديث من طرق عن ابن عمر ليس منها شئ مثبت انتهى وقال السيوطي في مرقاة الصعود هذا أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على المصابيح وزعم أنه موضوع وقال الحافظ ابن حجر فيما تعقبه عليه هذا الحديث حسنه الترمذي وصححه الحاكم ورجاله من رجال الصحيح إلا أن له علتين الأولى الاختلاف في بعض رواته عن عبد العزيز بن أبي حازم وهو زكريا بن منظور فرواه عن عبد العزيز بن أبي حازم فقال عن نافع عن ابن عمر والأخرى ما ذكره المنذري وغيره من أن سنده منقطع لأن أبا حاتم لم يسمع من ابن عمر فالجواب عن الثانية أن أبا الحسن بن القطان القابسي الحافظ صحح سنده فقال إن أبا حازم عاصر ابن عمر فكان معه بالمدينة ومسلم يكتفي في الاتصال بالمعاصرة فهو صحيح على شرطه وعن الأولى بأن زكريا وصف بالوهم فلعله وهم فأبدل راويا بآخر وعلى تقدير أن لا يكون وهم فيكون لعبد العزيز فيه شيخان وإذا تقرر هذا لا يسوغ الحكم بأنه موضوع ولعل مستند من أطلق عليه الوضع تسميتهم المجوس وهم مسلمون وجوابه أن المراد أنهم كالمجوس في إثبات فاعلين لا في جميع معتقد المجوس ومن ثم ساغت أضافتهم إلى هذه انتهى (مولى غفرة) بضم المعجمة وسكون الفاء (ويقولون لا قدر) يعني ينفون القدر (وهم
[ 297 ]
شيعة الدجال) أي أولياؤه وأنصاره وأصله الفرقة من الناس ويقع على الواحد وغيره بلفظ واحد وغلب على كل من تولى عليا وأهل بيته حتى اختص به وجمعه شيع من المشايعة المتابعة والمطاوعة (أن يلحقهم) بضم الياء وكسر الحاء قال المنذري عمر مولى غفرة لا يحتج بحديثه ورجل من الأنصار مجهول وقد روي من طرق أخر عن حذيفة ولا يثبت (خلق آدم من قبضة) القبضة بالضم ملأ الكف وربما جاء بفتح القاف كذا في الصحاح وقال في النهاية القبض الأخذ بجميع الكف والقبضة المرة منه وبالضم الاسم منه (قبضها من جميع الأرض) أي من جميع أجزائها (فجاء بنو آدم على قدر الأرض) أي مبلغها من
[ 298 ]
الألوان والطباع (جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود) بحسب ترابهم وهذه الثلاثة هي أصول الألوان وما عداها مركب منها وهو المراد بقوله (وبين ذلك) أي بين الأحمر والأبيض والأسود باعتبار أجزاء أرضه قاله القاري (والسهل) أي ومنهم السهل أي اللين المنقاد (والحزن) بفتح الحاء وسكون الزاي أي الغليظ الطبع (والخبيث) أي خبيث الخصال (والطيب) قال الطيبي أراد بالخبيث من الأرض الخبيثة السبخة ومن بني آدم الكافر وبالطيب من الأرض العذبة ومن بني آدم المؤمن ذكره العزيزي (زاد في حديث يحي) هو ابن سعيد (وبين ذلك) أي بين السهل والحزن والخبيث والطيب
[ 299 ]
قال العزيزي يحتمل أن المراد به المؤمن المرتكب المعاصي قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح (ببقيع الغرقد) هو مقبرة أهل المدينة والغرقد نوع من الشجر وكان بالبقيع فأضيف إليه (ومعه مخصرة) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الصاد المهملة هي عصا أو قضيب يمسكه الرئيس ليتوكأ عليه ويدفع به عنه ويشير به لما يريد وسميت بذلك لأنها تحمل تحت الخصر غالبا للإتكاء عليها قاله الحافظ (فجعل ينكت) بفتح الياء وضم الكاف واخره تاء مثناة فوق أي يخط بالمخصرة خطا يسيرا مرة بعد مرة وهذا فعل المفكر المهموم (ما من نفس منفوسة) أي مولودة وهو بدل من قوله ما منكم من أحد (أو من الجنة) أو للتنويع (إلا قد كتبت شقية أو سعيدة) بدل من قوله إلا قد كتب الله مكانها الخ والضمير في كتبت للنفس (قال) أي علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أفلا نمكث على كتابنا) أي أفلا نعتمد على المقدر لنا في الأزل (وندع العمل) أي نتركه (فمن كان من أهل السعادة) أي في علم الله تعالى (ليكونن) أي ليصيرن (إلى السعادة) أي إلى عمل السعادة (من أهل الشقوة) بكسر الشين بمعنى الشقاوة وهي ضد السعادة (اعملوا فكل ميسر) أي لما خلق له (فييسرون للسعادة) بصيغة المجهول أي يسهلون
[ 300 ]
ويهيئون وحاصل السؤال ألا نترك مشقة العمل فإنا سنصير إلى ما قدر علينا وحاصل الجواب لا مشقة لأن كل أحد ميسر لما خلق له وهو يسير على من يسره الله قال الطيبي الجواب من الأسلوب الحكيم منعهم عن ترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية وزجرهم عن التصرف في الأمور المغيبة فلا يجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار بل هي علامات فقط (فأما من أعطى) أي حق الله من المال أو الامتثال (واتقى) أي خاف مخالفته أو عقوبته واجتنب معصيته (وصدق بالحسنى) أي بكلمة لا إله إلا الله (فسنيسره) أي نهيئه في الدنيا (لليسرى) أي للخلة اليسرى وهو العمل بما يرضاه (وأما من بخل) أي بالنفقة في الخير (واستغنى) أي بشهوات الدنيا عن نعيم العقبي (وكذب بالحسنى) أي بكلمة لا إله إلا الله (فسنيسره للعسرى) أي للخلة المؤدية إلى العسر والشدة وهي خلاف اليسرى وفي الكشاف سمى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبته اليسر وطريقة الشر بالعسرى لأن عاقبته العسر قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (أخبرنا كهمس) بفتح الكاف وسكون الهاء وفتح الميم وبالسين المهملة هو ابن الحسن أبو الحسن التميمي البصري (عن يحي بن يعمر) بفتح الميم ويقال بضمها وهو غير منصرف لوزن الفعل والعلمية (أول من قال في القدر) أي بنفي القدر (معبد الجهني) بضم الجيم نسبة إلى جهينة قبيلة من قضاعة (وحميد بن عبد الرحمن الحميري) بكسر الحاء وسكون الميم وفتح الياء وكسر الراء وبياء النسبة (فوفق الله تعالى لنا عبد الله بن عمر) وفي رواية مسلم فوفق لنا عبد الله بن عمر قال النووي هو بضم الواو وكسر الفاء المشددة قال صاحب التحرير معناه جعل وفقا لنا وهو من الموافقة التي هي كالالتحام يقال أتانا لميفاق ولا الهلال وميفاقه أي حين أهل لا قبله ولا بعده وهي لفظة تدل على صدق الاجتماع والالتئام وفي مسند أبي يعلى الموصلي فوافق
[ 301 ]
لنا بزيادة الألف والموافقة المصادفة انتهى كلام النووي (داخلا) حال من المفعول (فاكتنفته أنا وصاحبي) أي صرنا في ناحيته وأحطنا به وجلسنا حوله يقال اكتنفه الناس وتكنفوه أي أحاطوا به من جوانبه (فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي) أي يسكت ويفرضه إلى قدامي وجرأتي وبسطة لساني فقد جاء عنه في رواية لأني كنت أبسط لسانا قاله النووي (فقلت أبا عبد الرحمن) بحذف حرف النداء وهو كنية عبد الله بن عمر رضي الله عنه (إنه) أي الشأن (قد ظهر قبلنا) بكسر القاف وفتح الموحدة (ويتقفرون العلم) بتقديم القاف على الفاء أي يطلبونه ويتتبعونه وفي بعض النسخ بتقديم الفاء قال النووي وهو صحيح أيضا معناه يبحثون عن غامضه ويستخرجون خفية (والأمر أنف) بضم الهمزة والنون أي مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله وإنما يعلمه بعد وقوعه (والذي يحلف به) الواو للقسم (فأنفقه) أي في سبيل الله أي طاعته (إذ طلع) أي ظهر (علينا رجل) أي ملك في صورة رجل (شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر) صفة رجل واللام في الموضعين عوض عن المضاف إليه العائد إلى الرجل أي شديد بياض ثيابه شديد سواد شعره (لا يرى) بصيغة المجهول الغائب وفي بعض النسخ لا نرى بصيغة المتكلم المعلوم (أثر السفر) من ظهور التعب والتغير والغبار (فأسند ركبتيه) إلى ركبتيه أي ركبتي رسول الله (ووضع كفيه على فخذيه) أي فخذي النبي كما جاء في رواية النسائي وغيره (قال فعجبنا له) أي للسائل (يسأله ويصدقه) وجه التعجب السؤال أن يقتضي الجهل غالبا بالمسئول عنه والتصديق يقتضي علم السائل به لأن صدقت إنما يقال إذا عرف السائل أن المسؤول طابق ما
[ 302 ]
عنده جملة وتفصيلا وهذا خلاف عادة السائل ومما يزيد التعجب أن ما أجابه لا يعرف إلا من جهته وليس هذا الرجل ممن عرف بلقائه فضلا عن سماعه منه (وتؤمن بالقدر خيره وشره) والمراد بالقدر أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته (قال فأخبرني عن الإحسان) قال الحافظ تقول أحسنت كذا إذا أتقنته وأحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع والأول هو المراد لأن المقصود إتقان العبادة قال وإحسان العبادة الإخلاص فيها والخشوع وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود وأشار في الجواب إلى حالتين أرفعهما أن يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حتى كأنه يراه بعينيه وهو قوله كأنك تراه أي وهو يراك والثانية أن يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل وهو قوله فإنه يراك وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته انتهى ملخصا (فأخبرني عن الساعة) أي عن وقت قيامها (ما المسئول عنها) أي ليس الذي سئل عن القيامة (بأعلم من السائل) هذا وإن كان مشعرا بالتساوي في العلم لكن المراد التساوي في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها وعدل عن قوله لست بأعلم بها منك إلى لفظ يشعر بالتعميم تعريضا للسامعين أي أن كل سائل وكل مسئول فهو كذلك قاله الحافظ (عن أماراتها) بفتح الهمزة جمع أمارة بمعنى العلامة (أن تلد الأمة ربتها) أي سيدتها ومالكتها
[ 303 ]
قال الخطابي معناه أن يتسع الإسلام ويكثر السبي ويستولد لم الناس أمهات الأولاد فتكون ابنة الرجل من أمته في معنى السيدة لأمها إذ كانت مملوكة لأبيها وملك الأب راجع في التقدير إلى الوالد انتهى وقيل تحكم البنت على الأم من كثرة العقوق حكم السيدة على أمتها وقد جاء وجوه أخر في معناه (وأن ترى الحفاة) بضم الحاء جمع الحافي وهو من لا نعل له (العراة) جمع العاري وهو صادق على من يكون بعض بدنه مكشوفا مما يحسن وينبغي أن يكون ملبوسا (العالة) جمع عائل وهو الفقير من عال يعيل إذا افتقر أو من عال يعول إذا افتقر وكثر عياله (رعاة الشاء) بكسر الراء والمد جمع راع والشاء جمع شاة والأظهر أنه اسم جنس (يتطاولون في البنيان) أي يتفاخرون في تطويل البنيان ويتكاثرون حدثنا به قال النووي معناه أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان (ثم انطلق) أي ذلك الرجل السائل (فلبثت ثلاثا) أي ثلاث ليال (هل تدري) أي تعلم (أتاكم يعلمكم دينكم) فيه أن الإيمان والإسلام والإخلاص يسمى كلها دينا قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فذكر نحوه) أي نحو الحديث السابق (من مزينة أو جهينة) بالتصغير فيهما وهما قبيلتان وأو للشك (فيما نعمل) ما استفهامية (أو في شئ يستأنف الآن) بصيغة المجهول أي لم يتقدم به علم من الله وقدره والحديث سكت عنه المنذري
[ 304 ]
(أخبرنا الفريابي) بكسر الفاء هو محمد بن يوسف (يزيد وينقص) أي في ألفاظ الحديث والضمير فيهما لعلقمة بن مرثد (قال أبو داود علقمة مرجئ) قال الحافظ في مقدمة فتح الباري إلا رجاء بمعنى التأخير وهو عندهم على قسمين منهم من أراد به تأخير القول في تصويب أحد الطائفتين اللذين تقاتلوا بعد عثمان ومنهم من أراد تأخير القول في الحكم على من أتى الكبائر وترك الفرائض بالنار لأن الإيمان عندهم اقدار والاعتقاد ولا يضر العمل مع ذلك انتهى قال المنذري وعلقمة هذا هو راوي هذا الحديث وهو علقمة بن مرثد بن يزيد الحضرمي الكوفي وقد اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه (بين ظهري أصحابه) وفي رواية النسائي بين ظهراني أصحابه قال في القاموس وهو بين ظهريهم وظهرانيهم ولا تكسر النون وبين أظهرهم أي وسطهم وفي معظمهم (فيجئ الغريب) أي المسافر (فلا يدري أيهم هو) أي رسول الله (فبنينا له دكانا) بضم الدال وشدة الكاف قال في مجمع البحار الدكان الدكة وقيل نونه زائدة انتهى وقال في القاموس الدكة بالفتح والدكان بالضم بناء يسطح أعلاه للمقعد (بجنبتيه) أي بجانبيه (وذكر هيئته) أي ذكر الراوي هيئة الرجل المقبل (حتى سلم) أي ذلك الرجل (من طرف السماط) بكسر أوله أي الجماعة يعني الجماعة الذين كانوا جلوسا عن جانبيه (فرد عليه) أي السلام
[ 305 ]
قال المنذري وأخرجه النسائي مختصرا وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه بتمامه من حديث أبي هريرة وحده (عن ابن الديلمي) هو أبو بسر بالسين المهملة والباء المضمومة ويقال بشر بالشين المعجمة وكسر الباء والأول أصح واسمه عبد الله بن فيروز قاله المنذري (وقع في نفسي شئ من القدر) أي من بعض شبه القدر التي ربما تؤدي إلى الشك فيه (فحدثني بشئ) أي بحديث (فقال) أي أبي بن كعب (وهو غير ظالم لهم) لأنه مالك الجميع فله أن يتصرف كيف شاء ولا ظلم أصلا والجملة حال (كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم) أي الصالحة إشارة إلى أن رحمته ليست بسبب من الأعمال كيف وهي من جملة رحمته بهم فرحمته إياهم اشاره فضل منه تعالى فلو رحم الجميع فله ذلك (مثل أحد) بضمتين جبل عظيم قريب المدينة المعظمة (ذهبا) تمييز (ما قبله) أي ذلك الإنفاق أو مثل ذلك الجبل (ما اصابك) من النعمة والبلية أو الطاعة والمعصية مما قدره الله لك أو عليك (لم يكن ليخطئك) أي يجاوزك ابن (وأن ما أخطأك) أي من الخير والشر (على غير هذا) أي على اعتقاد غير هذا الذي ذكرت لك من الإيمان بالقدر (قال) أي ابن الديلمي (فحدثني عن النبي مثل ذلك) فصار الحديث مرفوعا قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده أبو سنان سعيد بن سنان الشيباني وثقه يحي بن معين وغيره وتكلم فيه الإمام أحمد وغيره (عن إبراهيم بن أبي عبلة) بسكون الموحدة ثقة كذا في التقريب (يا بني) بالتصغير
[ 306 ]
(القلم) بالرفع (وماذا أكتب) أي ما الذي أكتب (أكتب مقادير كل شئ) جمع مقدار وهو الشئ الذي يعرف به قدر الشئ وكميته كالمكيال والميزان وقد يستعمل بمعنى القدر نفسه وهو الكمية والكيفية (على غير هذا) أي على غير هذا الاعتقاد المذكور في الحديث والحديث سكت عنه المنذري (احتج آدم وموسى) أي عند ربهما كما في رواية مسلم أي طلب كل منهما الحجة من صاحبه على ما يقول (خيبتنا) أي أوقعتنا في الخيبة وهي الحرمان والخسران (وأخرجتنا من الجنة) أي بخطيئتك التي صدرت منك وهي أكلك من الشجرة (اصطفاك الله) أي اختارك (تلومني) بحذف همزة الاستفهام (على أمر قدره علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة) قال النووي المراد بالتقدير هنا الكتابة في اللوح المحفوظ أو في صحف التوراة وألواحها قوله أي كتبه علي قبل خلقي بأربعين سنة ولا يجوز أن يراد به حقيقة القدر فإن علم الله تعالى وما قدره على عباده وأراد من خلقه أزلي لا أول له انتهى ملخصا (فحج آدم موسى) برفع آدم وهو فاعل أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها فإن قيل فالعاصي منا لو قال هذه المعصية قدرها الله علي لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقا فيما قاله فالجواب أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها وفي لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن في القول المذكور له فائدة بل فيه إيذاء وتخجيل قاله النووي (قال
[ 307 ]
أحمد بن صالح عن عمرو عن طاوس) وأما مسدد فقال عن عمرو بن دينار سمع طاوسا ففي رواية أحمد بالعنعنة وفي رواية مسدد بلفظ السماع قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (ونفسه) بالنصب عطف على الضمير المنصوب في أخرجنا (من روحه) الإضافة للتشريف والتخصيص أي من الروح الذي هو مخلوق ولا بد لأحد فيه (لم يجعل بينك وبينه رسولا) أي لا ملكا ولا غيره (أفما وجدت أن ذلك) أي خروجنا من الجنة (قبل أن أخلق) بصيغة المجهول والحديث سكت عنه المنذري (عن زيد بن أبي أنيسة) بالتصغير (سئل عن هذه الآية) أي عن كيفية أخذ الله ذرية بني آدم من ظهورهم المذكور في الآية (وإذ أخذ) أي أخرج (من بني آدم من ظهورهم) قيل إنه بدل البعض وقيل أنه بدل الاشتمال (قال قرأ القعنبي الآية) أي بتمامها والقعبني هو عبد الله
[ 308 ]
شيخ أبي داود (ثم مسح ظهره) أي ظهر آدم (ففيم العمل) أي إذا كان كما ذكرت يا رسول الله من سبق القدر ففي أي شئ يفيد العمل أو بأي شئ يتعلق العمل أو فلأي شئ أمرنا بالعمل (استعمله بعمل أهل الجنة) أي جعله عاملا به ووفقه للعمل (حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة) إشارة إلى أن المدار على عمل مقارن بالموت قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي هذا حديث حسن ومسلم بن يسار لم يسمع من عمرو قال ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلا وقال أبو القاسم حمزة بن محمد الكناني لم يسمع مسلم بن يسار هذا من عمر رواه عن نعيم عن عمرو قال ابن الحذاء وقال أهل العلم بالحديث أن مسلم بن يسار لم يسمعه من عمر بن الخطاب إنما يرويه عن نعيم بن ربيعة عن عمر يشيرون إلى الحديث الذي بعده وقال ابن أبي خيثمة قرأت على ابن معين حديث مالك هذا عن زيد بن أبي أنيسة فكتب بيده على مسلم بن يسار لا يعرف وقال أبو عمر النمري هذا حديث منقطع بهذا الإسناد لأن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطاب وبينهما في هذا الحديث نعيم بن ربيعة وهذا أيضا مع الإسناد لا تقوم به حجة ومسلم بن يسار هذا مجهول قيل إنه مدني وليس بمسلم بن يسار البصري وقال أيضا وجملة القول في هذا الحديث إنه حديث ليس إسناده بالقائم لأن مسلم بن يسار ونعيم بن ربيعة جميعا غير معروفين بحمل العلم ولكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي من وجوه ثابتة كثيرة يطول ذكرها من حديث عمر بن الخطاب وغيره انتهى كلام المنذري (حدثني عمر بن جعثم) بضم الجيم وسكون المهملة وضم المثلثة كذا ضبطه الحافظ
[ 309 ]
في التقريب وفي بعض النسخ عمر بن جعفر وهو غلط وليس في التقريب ولا في الخلاصة ذكر عمر بن جعفر (وحديث مالك) أي الذي قبله (أتم) أي من حديث عمر بن جعثم (طبع كافرا) أي خلق على أنه لو عاش يصير كافرا كذا في فتح الودود (لأرهق أبويه طغيانا وكفرا) أي حملهما عليهما وألحقهما بهما والمراد بالطغيان ها هنا الزيادة في الضلال قاله النووي وقال السندي أي كلفهما الطغيان وحملهما عليه وعلى الكفر أي ما تركهما على الإيمان انتهى قال المنذري وأخرجه مسلمم والترمذي (يقول في قوله) أي في قول الله تعالى (وكان طبع يوم طبع كافرا) هذا مقول لقول يقول أي كان خلق يوم خلق كافرا والحديث سكت عنه المنذري (أبصر الخضر) أي رأى (فتناول رأسه) أي أخذ رأسه (فقلعه) قال في القاموس قلعه كمنعه انتزعه من أصله (أقتلت نفسا زاكية) وفي بعض النسخ زكية قال النووي قرئ في السبع زاكية زكية قالو ومعناه طاهرة من الذنوب انتهى قال المنذري وهذا الفصل قد يكون في أثناء الحديث الطويل وقد أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
[ 310 ]
(المعنى واحد والإخبار في حديث سفيان) الإخبار بالكسر مصدر والمراد أن حديث شعبة وسفيان واحد لا يختلفان إلا في بعض ألفاظ المتن وأما معناهما فواحد وأما في السند فبينهما فرق يسير وهو أن سفيان يروي بصيغة الإخبار دون العنعنة كما قال حدثنا زيد بن وهب حدثنا عبد الله حدثنا رسول الله وشعبة لم يرو بالإخبار والتحديث بل بالعنعنة هذا معنى قول المؤلف لكن هذا في رواية حفص بن عمر عن شعبة فقط وأما في رواية غير حفص كما عند البخاري فرواه شعبة أيضا بالإخبار وقيل في معنى هذا المراد بالإخبار الألفاظ أي معنى حديث شعبة وحديث سفيان واحد وأما ألفاظهما فمختلفة والألفاظ التي نذكر هي ألفاظ حديث سفيان لا ألفاظ حديث شعبة (وهو الصادق المصدوق) قال الطيبي يحتمل أن تكون الجملة حالية ويحتمل أن تكون اعتراضية وهو أولى لتعم الأحوال كلها والصادق معناه المخبر بالقول الحق ويطلق على الفعل يقال صدق القتال وهو صادق فيه والمصدوق معناه الذي يصدق له في القول يقال صدقته الحديث إذا أخبرته به إخبارا جازما أو معناه صدقه الله تعالى وعده كذا في فتح الباري (أن خلق أحدكم) أي مادة خلق أحدكم أو ما يخلق منه أحدكم (يجمع في بطن أمه) أي يقرر ويحرز في رحمها وقال في النهاية ويجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم (ثم يكون علقة) أي دما غليظا جامدا (مثل ذلك) أي مثل ذلك الزمان يعني أربعين يوما (ثم يكون مضغة) أي قطعة لحم قدر ما يمضغ (ثم يبعث الله إليه) أي إلى خلق أحدكم أو إلى أحدكم يعني في الطور الرابع حين ما يتكامل بنيانه ويتشكل أعضاؤه (بأربع كلمات) أي بكتابتها (فيكتب رزقه وأجله وعمله) المراد بكتابة الرزق تقديره قليلا أو كثيرا وصفته حلالا أو حراما وبالأجل هل هو طويل أو قصير وبالعمل هو صالح أو فاسد (ثم يكتب شقي أو سعيد) أي هو شقي أو سعيد والمراد أنه يكتب لكل أحد إما السعادة وإما الشقاوة ولا يكتبهما لواحد معا فلذلك اقتصر على أربع قال الطيبي كان من حق الظاهر أن يقول وشقاوته وسعادته ليوافق ما قبله فعدل عنه حكاية لصورة ما يكتبه الملك كذا في مبارق الازهار (حتى ما يكون بينه وبينها) أي بين الرجل
[ 311 ]
وبين الجنة (إلا ذراع) تمثيل لغاية قربها (أو قيد ذراع) بكسر القاف أي قدرها (فيسبق عليه الكتاب) أي كتاب الشقاوة قال المنذري واخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه قيد بكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف وبعدها دال مهملة أي قدر وكذلك قاد وقدى بكسر القاف وقدة وقيس وقاب (عن يزيد الرشك) بكسر الراء وسكون المعجمة قال بعض الأئمة كان يزيد كبير اللحية فلقب الرشك وهو بالفارسية كما زعم أبو علي الغساني وجزم به ابن الجوزي الكبير اللحية انتهى وقيل هو بمعنى القسام في لغة أهل البصرة (أعلم) بهمزة الاستفهام وبصيغة المجهول (قال ففيم يعمل العاملون) المعنى إذا سبق القلم بذلك فلا يحتاج العامل إلى العمل لأنه سيصير إلى ما قدر له (قال) أي النبي (كل ميسر لما خلق له) إشارة إلى أن المال محجوب عن المكلف فعليه أن يجتهد في عمل ما أمر به ولا يترك وكولا إلى ما يؤول إليه أمره فيلام على ترك المأمور ويستحق العقوبة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
[ 312 ]
(لا تجالسوا أهل القدر) قال المناوي فإنه لا يؤمن أن يغمسوكم في ضلالتهم (ولا تفاتحوهم) قال العلقمي أي لا تحاكموهم يعني لا ترفعوا الأمر إلى حكامهم وقيل لا
[ 313 ]
تبتدئوهم بالمجادلة والمناظرة في الاعتقاديات لئلا يقع أحدكم في شك فإن لهم قدرة على المجادلة بغير الحق والأول أظهر لقوله تعالى ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وقيل لا
[ 314 ]
تبتدئوهم بالسلام كذا في السراج المنير والحديث سكت عنه المنذري وهذا منه توثيق لحكيم بن شريك الهذلي البصري وقد وثقه ابن حبان البستي أيضا وقال الذهبي لا يعرف قاله العلقمي وقال ابن حجر مجهول وأخرجه أيضا أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك بهذا الإسناد وفي ميزان الاعتدال قواه ابن حبان وقال أبو حاتم مجهول انتهى
[ 316 ]
(باب في ذراري المشركين) أي أطفالهم إذا ماتوا قبل البلوغ وذراري جمع ذرية وهي نسل الإنس والجن قال النووي في أطفال المشركين ثلاثة مذاهب قال الأكثرون هم في النار تبعا لآبائهم وتوقفت طائفة فيهم والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة (والله أعلم بما كانوا عاملين) أي بما هم صائرون إليه من دخول الجنة أو النار أو الترك بين المنزلتين قاله القاري وقال الخطابي ظاهر هذا الكلام يوهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يفت السائل عنهم وأنه رد الأمر في ذلك إلى علم الله من غير أن يكون قد جعلهم من المسلمين أو ألحقهم بالكافرين وليس هذا وجه الحديث وإنما معناه أنهم كفار ملحقون بآبائهم لأن الله سبحانه قد علم لو بقوا أحياء حتى يكبروا لكانوا يعملون عمل الكفار يدل على صحة هذا التأويل حديث عائشة المذكور بعده انتهى
[ 317 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (المذحجي) بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة ثم جيم (قلت يا رسول الله ذراري المؤمنين) أي ما حكمهم أهم في الجنة أم في النار (فقال هم من آبائهم) فلهم حكمهم (فقلت يا رسول الله بلا عمل) أي أيدخلون الجنة بلا عمل وهذا وارد منها على سبيل التعجب (قال الله أعلم بما كانوا عاملين) أي لو بلغوا ردا لتعجبها له وإشارة إلى القدر والحديث سكت عنه المنذري
[ 318 ]
(أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصبي) أي بجنازة صبي (يصلي عليه) أي ليصلي عليه صلاة الجنازة (طوبى لهذا) طوبى فعلى من طاب يطيب قلبت الياء واوا أي الراحة وطيب العيش حاصل لهذا الصبي (ولم يدر به) من الدراية والباء للتعدية قاله في فتح الودود (أو غير ذلك) بفتح الواو وضم الراء وكسر الكاف هو الصحيح المشهور من الروايات والتقدير أتعتقدين ذلك ما قلت والحق غير ذلك وهو عدم الجزم بكونه من أهل الجنة فالواو للحال كذا قال القاري في المرقاة وذكر في قوله أو غير ذلك وجوها أخر (وخلق لها) أي للجنة (أهلا) أي يدخلونها ويتنعمون بها (وخلقها لهم) أي خلق الجنة لأهلها (وهم في أصلاب آبائهم) الجملة حال قال النووي أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال
[ 319 ]
المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفا وتوقف فيه بعض من لا يعتد به لحديث عائشة هذا وأجاب العلماء بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (كل مولود) أي من بني آدم (يولد على الفطرة) اختلف السلف في المراد بالفطرة على أقوال كثيرة وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام قال ابن عبد البر وهو المعروف عند عامة السلف (يهودانه) أي يعلمانه اليهودية ويجعلانه يهوديا (وينصرانه) أي يعلمانه النصرانية ويجعلانه نصرانيا (كما تناتج الإبل) أي تلد (جمعاء) أي سليمة الأعضاء كاملتها محمد (هل تحس) بضم التاء وكسر الحاء وقيل بفتح التاء وضم الحاء أي هل تدرك قال الطيبي هو في موضع الحال أي سليمة مقولا في حقها ذلك (في جدعاء) أي مقطوعة الأذن والمعنى أن البهيمة أول
[ 320 ]
ما تولد تكون سليمة من الجدع غير ذلك من العيوب حتى يحدث فيها أربابها النقائص كذلك الطفل يولد على الفطرة ولو ترك عليها لسلم من الآفات إلا أن والديه يزينان له الكفر ويحملانه إلى عليه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بمعناه من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة (إن أهل الأهواء) المراد بهم ها هنا القدرية (قال مالك احتج) بصيغة الأمر من الاحتجاج (عليهم) أي على أهل الأهواء (بآخره) أي بآخر الحديث (قالوا أرأيت الخ) هذا بيان آخر الحديث
[ 321 ]
قال ابن القيم سبب اختلاف العلماء في معنى الفطرة في هذا الحديث أن القدرية كانوا يحتجون به على أن الكفر والمعصية ليسا بقضاء الله بل مما ابتدأ الناس إحداثه فحاول جماعة من العلماء مخالفتهم بتأويل الفطرة على غير معنى الإسلام ولا حاجة لذلك لأن الآثار المنقولة عن السلف تدل على أنهم لم يفهموا من لفظ الفطرة إلا الإسلام ولا يلزم من حملها على ذلك موافقة مذهب القدرية لأن قوله فأبواه يهودانه الخ محمول على ذلك يقع بتقدير الله تعالى ومن ثم احتج عليهم مالك بقوله في اخر الحديث الله أعلم بما كانوا عاملين كذا في فتح الباري والحديث سكت عنه المنذري (قال هذا عندنا حيث أخذ الله العهد الخ) حاصله أن المراد بالفطرة عند حماد بن سلمة الإقرار الذي كان يوم الميثاق والحديث سكت عنه المنذري
[ 322 ]
(الوائدة والموءودة في النار) وأد بنته يئدها وأدا فهي موءودة إذا دفنها في القبر وهي حية وهذا كان من عادة العرب في الجاهلية خوفا من الفقر أو فرارا من العار قال القاضي كانت العرب في جاهليتهم يدفنون البنات حية فالوائدة كان في النار لكفرها وفعلها والموؤدة فيها لكفرها وفي الحديث دليل على تعذيب أطفال المشركين وقد تؤول الوائدة بالقابلة لرضاها به والموؤدة بالموؤدة أبو لها وهي أم الطفل فحذفت الصلة كذا في المرقاة وقال في السراج المنير ما محصله إن سبب هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن امرأة وأدت بنتا لها فقال الوائدة والموؤدة في النار فلا يجوز الحكم على أطفال الكفار بأن يكونوا من أهل النار بهذا الحديث لأن هذه واقعة عين في شخص معين انتهى (قال يحي بن زكريا) أي ابن أبي زائدة (فحدثني أبو إسحاق) يعني السبيعي (بذلك) أي الحديث المذكور والحديث سكت عنه المنذري
[ 323 ]
(فلما قفى) أي ولي قفاه منصرفا (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أبي وأباك في النار) قال النووي فيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة فإن هؤلاء قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء
[ 324 ]
صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين وكل ما ورد بإحياء والديه صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ونجاتهما أو أكثره موضوع مكذوب مفتري وبعضه ضعيف جدا لا يصح بحال لاتفاق أئمة الحديث على وضعه كالدارقطني والجوزقاني وابن شاهين والخطيب وابن عساكر وابن ناصر وابن الجوزي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري وفتح الدين بن سيد الناس وإبراهيم الحلبي وجماعة وقد بسط الكلام في عدم نجاة الوالدين العلامة إبراهيم الحلبي في رسالة مستقلة والعلامة على القاري في شرح الفقه الأكبر وفي رسالة مستقلة ويشهد لصحة هذا المسلك هذا الحديث الصحيح والشيخ جلال الدين السيوطي قد خالف الحافظ والعلماء المحققين وأثبت لهما الإيمان والنجاة فصنف الرسائل العديدة في ذلك منها رسالة التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله في الجنة قلت العلامة السيوطي متساهل جدا لا عبرة بكلامه في هذا الباب ما لم يوافقه كلام الأئمة النقاد وقال السندي من يقول بنجاة والديه صلى الله عليه وسلم يحمله على العم فإن اسم الأب يطلق على العم مع أن أبا طالب قد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستحق إطلاق اسم الأب من تلك الجهة انتهى وهذا أيضا كلام ضعيف باطل وقد ملأ مؤلف تفسير روح البيان تفسيره بهذه الأحاديث الموضوعة المكذوبة كما هو دأبه في كل موضع من تفسيره بإيراده للروايات المكذوبة فصار تفسيره مخزن الأحاديث الموضوعة وقال بعض العلماء التوقف في الباب هو الأسلم وهو كلام حسن والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم وهذا الرجل هو حصين بن عبيد والد عمران ابن حصين وقيل هو أبو رزين لقيط بن عامر العقيلي وقفي بفتح القاف وتشديد الفاء وفتحها ولي قفاه منصرفا قلت العلامة السيوطي متساهل جدا لا عبرة بكلامه في هذا الباب ما لم يوافقه كلام الأئمة النقاد وقال السندي من يقول بنجاة والديه صلى الله عليه وسلم يحمله على العم فإن اسم الأب يطلق على العم مع أن أبا طالب قد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستحق إطلاق اسم الأب من تلك الجهة انتهى وهذا أيضا كلام ضعيف باطل وقد ملأ مؤلف تفسير روح البيان تفسيره بهذه الأحاديث الموضوعة المكذوبة كما هو دأبه في كل موضع من تفسيره بإيراده للروايات المكذوبة فصار تفسيره مخزن الأحاديث الموضوعة وقال بعض العلماء التوقف في الباب هو الأسلم وهو كلام حسن والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم وهذا الرجل هو حصين بن عبيد والد عمران ابن حصين وقيل هو أبو رزين لقيط بن عامر العقيلي وقفي بفتح القاف وتشديد الفاء وفتحها ولي قفاه منصرفا (إن الشيطان يجري الخ) قال القاضي وغيره قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان مجاري دمه وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه كذا في شرح مسلم للنووي
[ 325 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث صفية بنت حيي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في كتاب الصيام (لا تجالسوا أهل القدر إلخ) تقدم شرح هذا الحديث في آخر باب القدر قال المنذري وقد تقدم تم - بحمد الله - الجزء الثاني عشر ويليه الجزء الثالث عشر وأوله (باب في الجهيمة) .