عون المعبود
العظيم آبادي ج 11
[ 1 ]
عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية محتوى الجزء الحادي عشر : كتاب الحروف والقراءات - كتاب الحمام - كتاب اللباس - كتاب الترجل - كتاب الخاتم - كتاب الفتن والملاحم - كتاب المهدي - كتاب الملاحم
[ 2 ]
الطبعة الثانية 1415 ه . 1995 دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 3 ]
أول كتاب الحروف والقراءات (عن جعفر بن محمد) فحاتم بن إسماعيل ويحيى بن سعيد كلاهما يرويان عن جعفر بن محمد (قرأ واتخذوا) أي بصيغة الأمر كما هو القراءة المشهورة وقد جاءت القراءة بصيغة الماضي أيضا ولفظ الترمذي عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله حين قدم مكة طاف بالبيت سبعا فقرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فصلى خلف المقام الحديث قال السيوطي في الدر المنثور أخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق أن أصحاب عبد الله كانوا يقرأون (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال أمرهم أن يتخذوا وأخرج عن عبد الملك بن أبي سليمان قال سمعت سعيد بن جبير قرأها (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) بخفض الخاء انتهى . وفي غيث النفع في القراءات السبع (واتخذوا) قرأ نافع والشامي بفتح الخاء فعلا ماضيا والباقون بكسر الخاء على الأمر انتهى وقوله تعالى واتخذوا) الآية هو في سورة البقرة قيل الحرم كله مقام إبراهيم وقيل أراد بمقام إبراهيم جميع مشاهد الحج مثل عرفة والمزدلفة والرمي وسائر المشاهد والصحيح أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي يصلى عنده الأئمة وذلك الحجر هو الذي قام إبراهيم عليه السلام عند بناء البيت وإنما أمروا بالصلاة عنده ولم يؤمروا بمسحه وتقبيله والمراد به الركعتان بعد الطواف وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين
[ 4 ]
وعند بي داود عن أبي هريرة أن رسول الله لما دخل مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام . قال المنذرى وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (حماد) هو ابن سلمة ذكره المزي وأخرج الشيخان هذا الحديث من طريق حماد بن أسامة أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (أن رجلا قام من الليل) اسمه عبد الله بن يزيد الأنصاري (يقرأ فرفع صوته بالقرآن) وعند البخاري في فضائل القرآن سمع رسول الله رجلا يقرأ في سورة بالليل (كائن) على وزن قائم كذا في النسخ وهو لغة في كأي وفي بعضها كأين وفي بعضها كأي قال السيوطي في مرقاة الصمود أي كم من آية وفيها لغات أشهرها كأي بالتشديد ومنها كائن بوزن قائم انتهى وقال في غيث النفع تحت قوله تعالى (وكأين من نبي قاتل معه) الآية وكائن مع قرئ المسكى سعيد بالألف وبعده همزة مكسورة والباقون بهمزة مفتوحة وياء مكسورة مشددة انتهى (اذكرنيها الليلة) وعند البخاري ومسلم فقال يرحمه الله لقد أذكرني آية كذا وكذا وفي لفظ للبخاري سمع النبي رجلا يقرأ في المسجد فقال يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا قال الحافظ لم أقف على تعيين الآيات المذكورة (كنت قد أسقطتها) بصيغة المجهول أو المعروف من باب الأفعال وعند البخاري كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا ورواية البخاري مفسرة لقوله أسقطتها فكأنه قاله أسقطتها نسيانا لا عمدا قال الحافظ قال العلماء ويجوز النسيان على رسول الله فيما ليس طريقه البلاغ والتعليم قاله عياض والنووي وابن حجر رحمه الله . قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وقد تقدم في كتاب الصلاة (أي في أبواب قيام الليل) انتهى . (نزلت هذه الآية) التي في آل عمران هكذا روي عن عكرمة ومقسم عن بن عباس وقال الكلبي ومقاتل نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز للغنيمة وقالوا نخشى أن يقول
[ 5 ]
رسول الله من أخذ شيئا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم فقال لهم النبي ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري قالوا تركنا بقية إخواننا وقوفا فقال بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم فأنزل الله تعالى هذه الآية (وما كان لنبي أن يغل) قرأ ابن كثير وأهل البصرة وعاصم يغل بفتح الياء وضم الغين معناه أن يخون والمراد منه الأمة وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الغين وله وجهان أحدهما أن يكون من الغلول أيضا ومعناه وما كان لنبي أن يخان أي تخونه أمته . والثاني أن يكون من الإغلال ومعناه وما كان لنبي أن يخون أي ينسب إلى الخيانة كذا في المعالم والخازن وفي غيث النفع أن يغل قرأ نافع والشامي بضم الياء وفتح الغين والباقون بفتح الياء وضم الغين انتهى (قال أبو داود يغل مفتوحة الياء) هذه العبارة وجدت في النسختين قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب وقال وروى بعضهم هذا الحديث عن خصيف عن مقسم ولم يذكر فيه عن ابن عباس هذا آخر كلامه وفي إسناده خصيف وهو ابن عبد الرحمن الحراني وقد تكلم فيه غير واحد انتهى (من البخل) بضم الباء كذا بخط الخطيب هكذا في بعض النسخ وفي بعض نسخ الكتاب هذه العبارة قال أبو داود البخل مفتوحة الباء والخاء انتهى وفي سورة الحديد (ويأمرون بالبخل) قال المفسرون قرأ الجمهور بضم الباء وسكون الخاء وقرئ بفتحتين وهي لغة الأنصار وقرئ بفتح الباء وإسكان الخاء وضمهما كلها لغات وفي القاموس وشرحه أنه قرئ باللغات الأربع وهي البخل والبخل كقفل وعنق والبخل والبخل كنجم وجبل انتهى . قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بطوله وأخرجه البخاري أتم منه من حديث عمرو بن أبي عمرو عن أنس وأخرج مسلم طرفا منه وليس فيه ذكر الدعاء وقد تقدم حديث عمرو بن أبي عمرو في كتاب الصلاة انتهى
[ 6 ]
لا تحسبن) يعني بكسر السين (ولم يقل لا تحسبن) أي بفتح السين قاله النووي والسيوطي وتقدم شرح هذا الحديث في باب الاستنثار من كتاب الطهارة وقال الله تعالى في آل عمران (لا تحسبن الذين يفرحون) فالشامي وحمزة وعاصم قرؤوا بفتح السين والباقون بالكسر كذا في الغيث وفي لسان العرب وقرئ قوله تعالى (لا تحسبن ولا تحسبن) أي بفتح السين وكسرها قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح . (في غنيمة له) تصغير غنم أي في غنم قليل له (فنزلت) الآية التي في سورة النساء (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام) بإثبات الألف يعني التحية يعني لا تقولوا لمن حياكم بهذه التحية أنه إنما قالها تعوذا فتقدموا عليه بالسيف لتأخذوا ماله ولكن كفوا عنه واقبلوا منه ما أظهره لكم . وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبخاري والنسائي هذا الحديث وفيه قال قرأ ابن عباس السلام كذا في الدر المنثور وقرئ السلم بفتح السين من غير ألف ومعناه الاستسلام والانقياد أي استسلم وانقاد لكم وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله (لست مؤمنا) يعني لست من أهل الإيمان قتقتلوه بكر بذلك . قال العلماء إذا رأى الغزاة في بلد أو قرية أو حي من العرب شعار الإسلام يجب عليهم أن يكفوا عنهم ولا يغيروا عليهم لما روي عن عصام المزني قال كان رسول الله إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا رواه أبو داود والترمذي (تبتغون عرض الحياة الدنيا) أي تطلبون الغنيمة التي هي سريعة النفاد والذهاب وعرض الدنيا منافعها ومتاعها (تلك الغنيمة) هو تفسير من ابن عباس لقوله تعالى (عرض الحياة الدنيا)
[ 7 ]
قلت والحديث أخرجه البخاري في التفسير بقوله حدثني علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس فذكر نحوه . (ابن أبي الزناد) بالنون هو عبد الرحمن بن أبي الزناد وقد تكلم فيه غير واحد . قاله المنذري (وهو أشبع) أي حديث أبي الزناد عن خارجة أتم من غيره وقد أورد السيوطي حديثه في الدر المنثور فقال أخرج سعيد بن منصور وابن سعد وأحمد وأبو داود وابن المنذر وابن الأنباري والطبراني والحاكم وصححه من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت قال كنت إلى جنب رسول الله فغشيته السكينة فوقعت فخذ رسول الله على فخذي فما وجدت ثقل شئ أثقل من فخذ رسول الله ثم سري عنه فقال اكتب فكتبت في كتف (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) إلى آخر الآية فقال ابن أم مكتوم وكان رجلا أعمى لما سمع فضل المجاهدين يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين فلما قضى كلامه غشيت رسول الله السكينة فوقعت فخذه على فخذي فوجدت ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى ثم سري عن رسول الله فقال اقرأ يا زيد فقرأت (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) فقال رسول الله اكتب (غير أولى الضرر) الآية قال زيد أنزلها الله وحدها فألحقها والذي نفسي بيده لكأنى أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف انتهى (كان يقرأ غير أولى الضرر) غير بالحركات الثلاث قرأ بالرفع ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم على أنه صفة للقاعدون لأن القاعدون غير معين أو بدل منه وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب على الحال أو الاستثناء وقرئ في الرواية الشاذة بالجر على أنه صفة للمؤمنين أو بدل منه كذا في البيضاوي وغيره وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي من حديث ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي عن مروان بن الحكم عن زيد بن ثابت فذكره (والعين بالعين) أي بالرفع لا بالنصب
[ 8 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب قال محمد يعني البخاري تفرد ابن المبارك بهذا الحديث عن يونس بن يزيد انتهى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) يعني وفرضنا على بني إسرائيل في التوراة أن نفس القاتل بنفس المقتول وفاقا فيقتل به (والعين بالعين) بالرفع وسيجئ بيان اختلاف القراءة والمعنى أي تفقأ العين بالعين وتمام الآية (والأنف بالأنف) يعني يجدع به (والأذن بالأذن) يعني تقطع بها (والسن بالسن) يعني تقلع بها وأما سائر الأطراف والأعضاء فيجري فيها القصاص كذلك (والجروح قصاص) يعني فيما يمكن أن يقتص منه وهذا تعميم بعد التخصيص لأن الله تعالى ذكر النفس والعين والأنف والأذن فخص هذه الأربعة بالذكر ثم قال تعالى والجروح قصاص على سبيل العموم فيما يمكن أن يقتص منه كاليد والرجل والذكر والأنثيين وغيرها وأما ما لا يمكن القصاص فيه كرض في لحم أو كسر في عظم أو جراحة في بطن يخاف منها التلف فلا قصاص في ذلك وفيه الأرش والحكومة قاله الخازن قال البغوي في المعالم وقرأ الكسائي والعين وما بعدها بالرفع وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو جعفر وعمرو والجروح بالرفع فقط وقرأ الآخرون كلها بالنصب كالنفس انتهى (عند عبد الله بن عمر) الآية التي في سورة الروم (الله الذي خلقكم من ضعف) أي بفتح الضاد والمعنى أي بدأكم وأنشأكم على ضعف وقيل من ماء ضعيف وقيل هو إشارة إلى أحوال الإنسان كان جنينا ثم طفلا مولودا ومفطوما فهذه أحوال غاية الضعيف (فقال) ابن عمر (من ضعف) أي بضم الضاد قاله السيوطي قال البغوي قرئ بضم الضاد وفتحها فالضم لغة قريش والفتح لغة تميم انتهى وقال النسفي فتح الضاد عاصم وحمزة غيرهما وهو اختيار حفص وهما لغتان والضم أقوى في القراءة لما روي عن ابن عمر قال قرأتها على رسول الله من ضعف فأقر أني من ضعف انتهى . قال المنذري وعطية بن سعد هذا لا يحتج بحديثه
[ 9 ]
(عن أبي سعيد عن النبي من ضعف) أي بضم الضاد قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فضيل بن مرزوق هذا آخر كلامه وفيه عطية بن سعد هكذا ذكر الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأشراف أن الترمذي أخرجه من حديث عطية عن أبي سعيد والذي شاهدناه في غير نسخة من كتاب الترمذي إنما ذكره عن عطية عن عبد الله بن عمر انتهى (قال أبي بن كعب) أي قرأ أبي قول الله تعالى في سورة يونس هكذا (بفضل الله وبرحمته فبذلك) أي بذلك القرآن لأن المراد بالموعظة والشفاء القرآن وقيل إشارة إلى معنى الفضل والرحمة أي فبذلك التطول والإنعام (فلتفرحوا) أي بالمثناة الفوقية على الخطاب وفي بعض النسخ قال أبو داود بالتاء انتهى قلت قراءة الأكثر (فليفرحوا) بالياء أي ليفرح المؤمنون أن جعلهم من أهله وقرأ يعقوب وحده بالتاء خطابا للمؤمنين والحديث سكت عنه المنذري (عن الأجلح) هو أبو حجية الكندي الكوفي يحيى بن عبد الله ولا يحتج بحديثه (فبذلك فلتفرحوا) قال السندي بالمثناة الفوقية على الخطاب وقد جاء صيغة الأمر للمخاطب باللام على قلة وهذا على هذه القراءة انتهى (هو خير مما تجمعون) قال البغوي قرأ أبو جعفر وابن عامر فليفرحوا بالياء وتجمعون بالتاء وقرأ يعقوب كلاهما بالتاء خطابا للمؤمنين والباقون بالياء فيهما أي القرآن والفضل من الله هو خير مما تجمعون من متاع الدنيا ولذاتها الفانية قال المنذري أجلح لا يحتج به (يقرأ) أي في سورة هود (إنه عمل) بلفظ الماضي (غير صالح) بالنصب قال الخازن :
[ 10 ]
قرأ الكسائي ويعقوب عمل بكسر الميم وفتح اللام وغير بفتح الراء على عود الفعل على الابن ومعناه أنه عمل الشرك والكفر والتكذيب وكل هذا غير صالح وقرأ الباقون من القراء عمل بفتح الميم ورفع اللام مع التنوين وغير بضم الراء ومعناه أن سؤالك إياي أن أنجيه من الغرق عمل غير صالح لأن طلب نجاة الكافر بعد ما حكم بالهلاك بعيد قال المنذري وأخرجه الترمذي وشهر بن حوشب قد تكلم فيه غير واحد ووثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين (هذه الآية إنه عمل غير صالح) بفتح الميم ورفع اللام مع التنوين وغير بضم الراء (قرأها إنه عمل غير صالح) بصيغة الماضي وغير بنصب الراء قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال سمعت عبد بن حميد يقول أسماء بنت يزيد هي أم سلمة الأنصارية وقال الترمذي كلا الحديثين عندي واحد هذا آخر كلامه وكانت أم سلمة هذه خطيبة النساء وقد روى شهر بن حوشب أيضا عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي عدة أحاديث (لو صبر) أي موسى عليه السلام (من صاحبه) أي الخضر (العجب) ولفظ الشيخين عن أبي بن كعب قال قال رسول الله رحمة الله علينا وعلى موسى وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه لولا أنه عجل لرأي العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة (أي حياء وإشفاق) (فلا تصاحبني) بالألف أي فارقني ولا تصاحبني
[ 11 ]
قال البيضاوي فلا تصاحبني وإن سألتك صحبتك وعن يعقوب فلا تصحبني أي فلا تجعلني صاحبك (قد بلغت من لدني) عذرا اي قد وجدت عذرا من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات . قال البغوي قرأ أبو جعفر ونافع وأبو بكر من لدني خفيفة النون وقرأ آخرون بتشديدها انتهى . وفي البيضاوي وقرأ نافع (لدني) بتحريك النون والاكتفاء بها عن نون الوقاية وقرأ أبو بكر (لدني) بتحريك النون وإسكان الدال انتهى (طولها) بصيغة الماضي أي قرأ جملة من لدني مثقلة أي بضم الدال وبتشديد النون (حمزة) الزيات هو فاعل طول . قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي (أنه قرأها) أي في سورة الكهف (قد بلغت من لدني وثقلها) أي قرأ النون في لدني مثقلة مشددة فبضم الدال وتشديد النون قراءة الأكثر قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وأمية بن خالد وأبو الجارية العبدي شيخ مجهول ولا يعرف اسمه (في عين حمئة) بكسر الميم وفتح الهمزة أي ذات حمأة وهي الطينة السوداء وسأل معاوية كعبا كيف تجد في التوراة تغرب الشمس وأين تغرب قال نجد في التوراة أنها تغرب في ماء وطين وقيل يجوز أن يكون معنى (في عين حمئة) أي عندها عين حمئة أو في رأي العين وذلك أنه بلغ موضعا من المغرب لم يبق بعده شئ من العمران فوجد الشمس كأنها تغرب في وهدة مظلمة كما أن راكب البحر يرى أن الشمس كأنها تغيب في البحر قاله الخازن وفي البيضاوي (في عين حمئة) أي ذات حمأة من حميت البئر إذا صارت ذات حمأة وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر حامية أي حارة ولا تنافي بينهما لجواز أن
[ 12 ]
تكون العين جامعة للوصفين أو حمئة على أن ياءها مقلوبة من الهمزة بكسر ما قبلها (مخففة) أي بحذف الألف بعد الحاء أي لا حامية كما في قراءة قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والصحيح ما روي عن ابن عباس قراءته ويروى أن ابن عباس وعمرو بن العاص اختلفا في قراءة هذه الآية وارتفعا إلى كعب الأحبار في ذلك فلو كانت عنده رواية عن النبي لاستغنى بروايته ولم يحتج إلى كعب انتهى . (إن الرجل من أهل عليين) أي من أهل أشرف الجنان وأعلاها من العلو وكلما علا الشئ وارتفع عظم قدره (ليشرف) بضم المثناة التحتية وكسر الراء والإشراف الاطلاع يقال أشرفت عليه اطلعت عليه كذا في المصباح (على) من تحته من (أهل الجنة فتضئ الجنة) أي تستنير استنارة مفرطة (بوجهه) أي من أجل إشراق إضاءة وجهه عليها (كأنها) أي كأن وجوه أهل عليين (كوكب) أي ككوكب (دري) نسبة للدر لبياضه وصفائه أي كأنها كوكب من در في غاية الصفاء والإشراق والضياء قاله المناوي (دري مرفوعة الدال لا تهمز) بصيغة المجهول أي بغير همزة قال البغوي في تفسير سورة النور دري بضم الدال وتشديد الياء بلا همز أي شديد الإنارة نسب إلى الدر في صفائه وحسنه وإن كان الكوكب أكثر ضوءا من الدر . وقرأ أبو عمر والكسائي درئ بكسر الدال والهمزة وقرأ حمزة وأبو بكر بضم الدال والهمزة فمن كسر الدال فهو فعيل من الدر أو هو الدفع لأن الكوكب يدفع الشياطين من السماء وشبهه بحالة الدفع لأنه يكون في تلك الحالة أضوأ وأنور ويقال هو من درأ الكوكب إذا اندفع منقضا فيتضاعف ضوءه في ذلك الوقت وقيل درئ أي طالع يقال درأ النجم إذا طلع وارتفع ويقال درأ علينا فلان أي طلع وظهر فأما رفع
[ 13 ]
الدال مع الهمزة كما قرأ حمزة قال أكثر النحاة هو لحن لأنه ليس في كلام العرب انتهى (وإن أبا بكر وعمر لمنهم) أي من أهل عليين (وأنعما) أي وزادا وفضلا عن كونهما أهل عليين ومن قوله وإن أبا بكر الخ من ألفاظ بقية الحديث قال ابن الأثير أي زادا وفضلا يقال أحسنت إلي وأنعمت أي زدت على الإنعام وقيل معناه صارا إلى النعيم ودخلا فيه كما يقال أشمل إذا دخل في الشمال انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن وقد تقدم الكلام على عطية العوفي انتهى (فذكر الحديث) وتمام الحديث في الترمذي ولفظه في تفسير سورة سبأ قال أتيت النبي فقلت يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم فأذن لي في قتالهم وأمرني فلما خرجت من عنده سأل عني ما فعل الغطيفي فأخبر أني قد سرت قال فأرسل في أثري فردني فأتيته وهو في نفر من أصحابه فقال ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك قال وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل يا رسول الله الحديث (فتيامن) منهم (ستة) أي أخذوا ناحية اليمن وسكنوا بها (وتشاءم) منهم (أربعة) أي قصدوا جهة الشام زاد الترمذي فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة وأما الذين تيامنوا فلأزد قد والأشعرون وحمير وكندة ومذحج وإنما فقال رجل يا رسول الله وما إنما قال الذين منهم خثعم وبجيلة . قال الترمذي هذا حديث غريب حسن انتهى وهكذا في مختصر المنذري (وقال) عثمان روايته (حدثنا الحسن بن الحكم) أي بصيغة الجمع وأما هارون فقال حدثني بصيغة الإفراد والله أعلم
[ 14 ]
(فذلك قوله تعالى) أي في سورة سبأ (حتى إذا فزع عن قلوبهم) بصيغا وفي المجهول من التفزيع هكذا في جميع النسخ . قال السيوطي هو في نسختي بالزاي والعين المهملة أنه بالراء والغين المعجمة فإن أبا هريرة كان يقرؤها كذلك انتهى وفي الدر المنثور أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة أن النبي قرأ فرغ عن قلوبهم يعني بالراء والغين المعجمة انتهى وقال البغوي قرأ ابن عامر ويعقوب بفتح الفاء والزاي وقرأ الآخرون بضم الفاء وكسر الزاي أي كشف الفزع وأخرج عن قلوبهم فالتفزيع إزالة الفزع واختلفوا في الموصوفين بهذه الصفة فقال قوم هم الملائكة ثم اختلفوا في ذلك السبب فقال بعضهم إنما يفزع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله عز وجل انتهى وقال النسفي في المدارك حتى إذا فزع عن قلوبهم أي كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن وفزع شامي أي الله تعالى والتفزيع إزالة الفزع انتهى وفي الغيث فزع قرأ الشامي بفتح الفاء والزاي والباقون بضم الفاء وكسر الزاي مشددة انتهى وأخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي قال إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير وللترمذي إذا قضى الله في السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير قال الترمذي حديث حسن صحيح انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي بتمامة انتهى (عن الربيع بن أنس) هو البكري البصري نزيل الخرسان كل روى عن أنس والحسن
[ 15 ]
وأرسل عن أم سلمة قال العجلي ثقة صدوق وقال أبو حاتم صدوق (قالت قراءة النبي) أي في سورة الزمر (بلى قد جائتك) بكسر الكاف (آياتي) أي القرآن (فكذبت بها) بكسر التاء وقلت إنها ليست من الله تعالى (واستكبرت) بكسر التاء أي تكبرت عن الإيمان بها (وكنت من الكافرين) بكسر التاء كما في الأولين على خطاب النفس والمعنى كأنه يقول بلى قد جاءتك آياتي وبينت لك الهداية من الغواية وسبيل الحق من الباطل ومكنتك من اختيار الهداية على الغواية واختيار الحق على الباطل ولكن تركت ذلك وضيعته واستكبرت عن قبوله وآثرت الضلالة على الهدى واشتغلت بضد ما أمرت به فإنما جاء التضييع من قبلك فلا عذر لك قاله النسفي . وقال البيضاوي وتذكير الخطاب على المعنى وقرئ بالتأنيث للنفس انتهى وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ بلى قد جاءتك آياتي بنصب الكاف فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين بنصب التاء فيهن كأنهن انتهى وقال شيخ شيخنا السيد محمود الآلوسي في تفسيره روح المعاني وتذكير الخطاب في جاءتك على المعنى لأن المراد بالنفس الشخص وإن لفظها مؤنث سماعي وقرأ ابن الجحدري وأبو حيوة والزعفراني وابن مقسم ومسعود بن صالح والشافعي عن ابن كثير ومحمد بن عيسى في اختياره والعبسي جاءتك إلخ بكسر الكاف والتاء وهي قراءة أبي بكر الصديق وابنته عائشة رضي الله عنه وروتها أم سلمة عن النبي وقرأ الحسن والأعمش والأعرج جاءتك بالهمزة من غير مد بوزن فعتك وهو على ما قال أبو حيان مقلوب من جاءتك قدمت لام الكلمة وأخرت العين فسقطت الألف انتهى . قال المنذري قال أبو داود هذا مرسل الربيع لم يدرك أم سلمة (قال) أحمد (ابن حنبل يعني عن عطاء) أي يروي عمرو عن عطاء فكأن الأمام أحمد لم يتيقن على ذلك وشك بأن عمرا رواه عن عطاء أو غيره ولذلك صرح بقوله (لم أفهم جيدا) أي لم أفهم فهما كاملا إسناد هذا الحديث عن سفيان بأن عمرا رواه عن عطاء أو غيره لكن روى الحديث ستة من الحفاظ عن سفيان وكلهم رووه عن سفيان عن عمرو عن عطاء بلا شك قال المزي في الأطراف حديث سمعت النبي يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك
[ 16 ]
أخرجه البخاري في بدء الخلق عن علي بن عبد الله وفي صفة النار عن قتيبة وفي التفسير عن الحجاج بن منهال وأخرجه مسلم في الصلاة عن قتيبة وأبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود في الحروف عن أحمد بن حنبل وأحمد بن عبدة وأخرجه النسائي فيه وفي التفسير عن قتيبة وفي التفسير أيضا عن إسحاق بن إبراهيم سبعتهم عن سفيان عن عمرو عن عطاء قال ابن حنبل لم أفهمه جيدا عنه انتهى (عن صفوان) يروي عطاء عن صفوان (قال) أحمد (بن عبدة) في روايته (بن يعلى) أي صفوان بن يعلى ولم ينسبه أحمد بن حنبل إلى أبيه يعلى (عن أبيه) يعلى بن مية التميمي قاله الزي (نادوا يا مالك) أي بإثبات الكاف بلا ترخيم وفي الآية يا مال بالترخيم وهذه الآية الكريمة في سورة الزخرف قال البضاوي (ونادوا يا مالك) وقرئ يا مال على الترخيم مكسورا ومضموما انتهى وفي روح المعاني وقرأ علي وابن مسعود رضي الله عنهما وابن ثابت والأعمش يا مال بالترخيم انتهى والمعنى أي يدعون مالكا خازن النار يستغيثون به قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح غريب عن عبد الله بن مسعود (أقرأ ني رسول الله) أي في سورة والذاريات (إني أنا الرزاق ذو القوة المتين) شديدة القوة والمتين بالفرع صفة لذو وقرأ الأعمش بالجر صفة للقوة قاله النسفي قال البضاوي وقرئ إني أنا الرزاق وقرئ بالجر صفة للقوة انتهى قلت والقراءة المشهورة (إن الله هو الرزاق) قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح انتهى . وفي الدر المنثور وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن الأنباري في المصاحف وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردوية والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال أقرأني فذكره
[ 17 ]
(عن عبد الله) هو ابن مسعود (كان يقرأها) أي سورة القمر (فهل من مدكر) بالدال المهملة وأصله مذتكر بذال معجمة فاستثقل الخروج من حرف مجهور وهو الذال إلى حرف مهموس وهو التاء فأبدلت التاء دالا مهملة لتقارب مخرجيهما ثم أدفعت المعجمة في المهملة بعد قلب المعجمة إليها للتقارب وقرأ بعضهم مذكر بالمعجمة ولذا قال ابن مسعود رضي الله عنه إن النبي قرأها مدكر يعني بالمهملة قاله القسطلاني في شرح البخاري . وقال النسفي (فهل من مدكر) أي متعظ بتعظ % ويعتبر وأصله مذتكر بالذال والتاء ولكن التاء أبدلت منها الدال والدال والذال من موضع فأدغمت الذال في الدال انتهى . قال الخازن أي متعظ بموعظة ومتذكر معتبر وأخرج الشيخان عن ابن مسعود قال قرأت على رسول الله مذكر فردها علي وفي رواية أخرى سمعته يقول مدكر دالا انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح انتهى (سمعت رسول الله يقرؤها) أي في سورة الواقعة (فروح) أي بضم الراء قاله السيوطي والقراءة المشهورة بفتح الراء قال البغوي قرأ يعقوب بضم الراء والباقون بفتحها فمن قرأ بالضم قال الحسن معناه يخرج روحه في الريحان وقال قتادة الروح الرحمة أي له الرحمة وقيل معناه فحياة وبقاء لهم ومن قرأ بالفتح معناه فله روح وهو الراحة وهو قول مجاهد وقال سعيد بن جبير فرح وقال الضحاك مغفرة ورحمة انتهى (وريحان) أي وله استراحة وقيل رزق . قال في الدر المنثور أخرج أبو عبيد في فضائله وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والحكيم الترمذي في النوادر والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية وابن مردوية عن عائشة أنها سمعت رسول الله يقرأ (فروح وريحان) برفع الراء انتهى وفي بعض النسخ قال أبو عيسى أي الرملي أحد رواة أبي داود بلغني عن أبي داود أنه قال هذا حديث منكر انتهى .
[ 18 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث هارون الأعور هذا آخر كلامه وهارون الأعور هو أبو عبد الله ويقال أبو موسى هارون بن موسى المقري النحوي البصري وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه انتهى . (الذماري) بالكسر والتخفيف وراء منسوب إلى ذمار قرية باليمن كذا في لب اللباب (عن جابر) هو ابن عبد الله (قال رأيت النبي يقرأ) سورة الهمزة (أيحسب) هكذا في جميع النسخ بإثبات حرف الاستفهام قبل يحسب لكن ما وجدنا هذه القراءة في كتب التجويد والتفسير بل القراءة المشهورة بحذف حرف الاستفهام كما في نسخة المنذري ونسخة واحدة من السنن . وقال السيوطي في الدر أخرج ابن حبان والحاكم وصححه وابن مردوية والخطيب في تاريخه عن جابر بن عبد الله أن النبي قرأ (يحسب أن ماله أخلده) بكسر السين انتهى . وفي غيث النفع في القراءات السبع يحسب قرأ الشامي وعاصم وحمزة بفتح السين والباقون بالكسر انتهى (أن ماله أخلده) أي يظن أنه يخلد في الدنيا ولا يموت ليساره وغناه قال الحسن ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت ومعناه أن الناس لا يشكون في الموت مع أنهم يعملون عمل من يظن أنه يخلد في الدنيا ولا يموت قال المنذري في إسناده عبد الملك بن عبد الرحمن أبو هشام الذماري الأنباري وثقه عمرو بن علي وقال أبو زرعة الرازي منكر الحديث وقال الإمام أحمد بن حنبل كان يصحف ولا يحسن يقرأ كتابه وقال أبو حاتم الرازي وأبو الحسن الدارقطني ليس بقوي وقال الموصلي أحاديثه عن سفيان منا كبر انتهى وقال الذهبي في الميزان عبد الملك بن عبد الرحمن شامي نزل البصرة وروى عن الأوزاعي ضعفه الفلاس جدا وقيل إنه كذبه وقال البخاري منكر الحديث وقال أبو حاتم ليس بالقوي والظاهر أنه غير عبد الملك بن عبد الرحمن الصنعاني الذمار الأنباري أبو هشام الذي ولي القضاء فقتله الخوارج يروي أيضا عن الثوري وإبراهيم بن عبلة وثقة الفلاس وحدث عنه أحمد بن حنبل وابن راهوية نزل البصرة انتهى
[ 19 ]
وقال الحافظ في التهذيب وفرق البخاري وأبو حاتم بين الشامي والذماري وكلاهما يروي عنه عمرو بن علي والشامي هو الضعيف انتهى . (عن أبي قلابة) هو عبد الله بن زيد الجرمي من ثقات التابعين (عمن أقرأه رسول الله) أي أبو قلابة يروي عن بعض الصحابة الذي أقرأه رسول الله فجهالة الصحابة لا تقدح في صحة الحديث (فيومئذ لا يعذب) بفتح الذال على بناء المفعول (عذابه أحد ولا يوثق) بفتح الثاء على بناء المفعول (أحد) والمشهور الكسر فيهما قال البغوي قرأ الكسائي ويعقوب لا يعذب ولا يوثق بفتح الذال والثاء على معنى لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ ولا يوثق وثاقه يومئذ أحد وقرأ الآخرون بكسر الذال والثاء أي لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله الكافر يومئذ ولا يوثق وثاقه أحد يعني لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله تعالى في العذاب والوثاق وهو الإسار في السلاسل والأغلال انتهى وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى وتبارك (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) قال لا يعذب بعذاب الله أحد ولا يوثق وثاق الله أحد وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مردوية وابن جرير والبغوي والحاكم وصححه وأبو نعيم عن أبي قلابة عمن أقرأه النبي وفي رواية مالك بن الحويرث أن النبي أقرأه وفي لفظ أقرأ إياه (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) منصوبة الذال والثاء انتهى والحديث سكت عنه المنذري (عن حماد) هو ابن زيد قاله المزي (أو من أقرأه من أقرأه النبي) وهذا شك من
[ 20 ]
الراوي والمراد بقوله من أقرأه في الأول التابعي وبالثاني الصحابي فعلى هذا يكون بين أبي قلابة وبين الصحابة واسطة واحدة (ذكر فيه جبريل وميكال) هكذا في عدة من النسخ الصحيحة وفي نسخة جبرائيل وميكائيل (فقال) وفي أكثر النسخ فقرأ أي النبي (جبرائيل وميكائيل) هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها جبرائيل وميكائيل قال العلامة الخفاجي في حاشية البيضاوي في جبريل ثلاث عشرة لغة أشهرها وأفصحها جبريل كقنديل وهي قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم وهي لغة الحجاز الثانية كذلك إلا أنها بفتح الجيم وهي قراءة ابن كثير والحسن وتضعيف الفراء لها بأنه ليس في كلامهم فعليل ليس بشئ لأن الأعجمي إذا عرب قد يلحقونه بأوزانهم وقد لا يلحقونه مع أنه سمويل الطائر الثالثة جبرئيل كسلسبيل وبها قرأ حمزة والكسائي وهي لغة قيس وتميم . الرابعة كذلك إلا أنها بدون ياء بعد الهمزة وتروى عن عاصم . الخامسة كذلك إلا أن اللام مشددة وتروى عن عاصم أيضا وقيل إنه إسم الله في لغتهم . السادسة جبرائل بألف وهمزة بعدها مكسورة بدون ياء وبها قرأ عكرمة . السابعة مثلها مع زيادة ياء بعد الهمزة . الثامنة جبراييل بياءين بعد الألف وبها قرأ الأعمش . التاسعة جبرال . العاشرة وجبريل بالياء والقصر وهي قراءة طلحة بن مصرف . الحادية عشرة جبرين بفتح الجيم والنون . الثانية عشرة كذلك إلا أنها بكسر الجيم . الثالثة عشرة جبراين . وفي الكشاف جبراييل بوزن جبراعيل فلا انتهى . وفي البيضاوي وفي جبريل ثماني لغات قرئ بهن أربع في المشهورة جبرئيل كسلسبيل قراءة حمزة والكسائي وجبريل بكسر الراء وحذف الهمزة قراءة ابن كثير وجبريل كجحمرش قراءة عاصم برواية أبي بكر وجبريل كقنديل قراءة الباقين وأربع في الشواذ
[ 21 ]
جبرئل وجبرائيل كجبراعيل وجبرائل وجبرائن منه ومنع صرفه للعجمة والتعريف ومعناه عبد الله انتهى وفي غيث النفع قرأ نافع والبصري والشامي وحفص بكسر الجيم والراء بلا همزة كقنديل وهي لغة أهل الحجاز والمكي مثلهم إلا أنه بفتح الجيم وشعبة بفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة والأخوان مثله إلا أنهما يزيدان ياء تحتية بعد الهمزة انتهى واختلاف القراءة في ميكال سيأتي قال المنذري في إسناده عطية العوفي وهو ضعيف (قال ذكر) بصيغة المجهول (عند الأعمش) ظرف لقوله ذكر (فحدثنا الأعمش) هذه مقولة لمحمد بن خازم (ذكر رسول الله صاحب الصورة) وهو إسرافيل عليه السلام وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله إسرافيل صاحب الصور وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وهو بينهما كذا في الدر المنثور (وعن يساره ميكائل) قال البيضاوي وقرأ نافع ميكائل كميكاعل وأبو عمرو ويعقوب وعاصم برواية حفص ميكال كميعاد والباقون ميكائيل بالهمزة والياء بعدها وقرئ ميكئل كميكعل وميكئيل كميكعيل وميكاءل انتهى وفي الغيث قرأ نافع بهمزة مكسورة بعد الألف من غير ياء وحفص والبصري من غير همز ولا ياء كميزان والباقون بالهمز والياء انتهى والحديث فيه عطية العوفي (قال أبو داود) هذه العبارة إلى آخرها وجدت في نسختين عن النسخ الحاضرة لكن ليست هذه الزيادة من رواية اللؤلؤي (قال خلف) هو ابن هشام البغدادي له اختيارات في القراءات (ما أعياني جبريل وميكائل) أي لكثرة القراءة فيهما كما عرفت (أنبأنا معمر عن الزهري) عن النبي (قال المعمر وربما ذكر) أي الزهري في سنده
[ 22 ]
(ابن المسيب) مفعول ذكر وهو سعيد قال الترمذي في جامعة وقد روى بعض أصحاب الزهري هذا الحديث عن الزهري أن النبي وأبا بكر وعمر كانوا يقرؤن (مالك يوم الدين) انتهى كلام الترمذي (يقرؤون مالك يوم الدين) أي بإثبات الألف بعد الميم قال في الغيث قرأ عاصم وعلي بإثبات ألف بعد الميم والباقون بحذفها انتهى وقال البغوي قرأ عاصم والكسائي ويعقوب (مالك) وقرأ الآخرون (ملك) قال قوم معناهما واحد مثل فرهين وفارهين وحذرين وحاذرين انتهى (وأول من قرأها ملك يوم الدين) أي بحذف الألف بعد الميم (مروان) بن الحكم وهذه مقولة للزهريوفي غير الدر أخرج وكيع في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود وابنه عن الزهري أن رسول الله وأبا بكر وعمر كانوا يقرؤونها (مالك يوم الدين) وأول من قرأها ملك بغير ألف مروان انتهى . قال الحافظ عماد الدين بن كثير في تفسيره قرأ بعض القراء (ملك يوم الدين) وقرأ آخرون (مالك) وكلاهما صحيح متواتر في السبع ويقال مالك بكسر اللام وبإسكانها ويقال مليك أيضا وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ ملكي يوم الدين وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى وكلاهما صحيحة حسنة ورجح الزمخشري ملك لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله (لمن الملك اليوم) (قوله الحق وله الملك) وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ (ملك يوم الدين) على أنه فعل وفاعل ومفعول وهذا شاذ غريب جدا وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئا غريبا حيث قال حدثنا أبو عبد الرحمن الأزدي حدثنا عبد الوهاب بن عدي بن الفضل عن أبي المطرف عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرأون (مالك يوم الدين) قال ابن شهاب وأول من أحدث (ملك) مروان قلت مروان عنده علم بصحتها قرأه لم يطلع عليه ابن شهاب والله أعلم وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول الله كان يقرأها (مالك يوم الدين) انتهى كلام الحافظ بن كثير (قال أبو داود هذا) أي حديث الزهري المرسل (أصح من) حيث الإسناد من (حديث الزهري عن أنس) المتصل وحديث أنس هذا أخرجه الترمذي بقوله حدثنا أبو بكر محمد بن أبان أخبرنا أيوب بن سويد الرملي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن
[ 23 ]
أنس أن النبي وأبا بكر وعمر وأراه قال وعثمان كانوا يقرأون (مالك يوم الدين) هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث الزهري عن أنس بن مالك إلا من حديث هذا الشيخ أيوب بن سويد الرملي انتهى . قال المنذري وأيوب بن سويد هذا قال عبد الله بن الملك ارم به وضعفه غير واحد انتهى . وفي الدر المنثور أخرج أحمد في الزهد والترمذي وابن أبي داود وابن الأنباري عن أنس أن النبي وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرأون (مالك يوم الدين) بالألف انتهى (والزهري) عطف على قوله السابق الزهري والمعنى أن حديث الزهري المرسل أصح من حديث الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر المتصل . قال المنذري وحديث الزهري عن سالم عن أبيه أخرجه الدارقطني في الإفراد انتهى وفي الدر وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي داود في المصاحف من طريق سالم عن أبيه أن النبي وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرأون (مالك يوم الدين) وأخرج الطبراني في معجمه الكبير عن ابن مسعود أنه قال قرأ رسول الله (مالك يوم الدين) بالألف وأخرج وكيع والفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طرق عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ (مالك يوم الدين) بالألف وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي داود عن أبي هريرة أنه كان يقرؤها (مالك يوم الدين) بالألف انتهى . (حدثني أبي) يحيى بن سعيد الأموي (أنها ذكرت) أي أم سلمة رضي الله عنها (أو كلمة غيرها) هذا شك من ابن جريج أو من دونه هل قال عبد الله بن أبي مليكة لفظ ذكرت أو غير هذا اللفظ . وفي رواية الترمذي عن أم سلمة قالت كان رسول الله (قراءة رسول الله) مفعول ذكرت (ملك يوم الدين) هكذا في بعض النسخ بحذف الألف وفي بعضها بإثبات الألف بعد الميم وأما في الترمذي فبحذف الألف والله أعلم وفي الدر المنثور وأخرج الترمذي وابن أبي الدنيا وابن الأنباري كلاهما في المصاحف
[ 24 ]
عن أم سلمة أن النبي كان يقرأ (ملك يوم الدين) بغير ألف انتهى (يقطع قراءته آية آية) أي يقف عند كل آية وأخرج الترمذي بقوله حدثنا علي بن حجر أخبرنا يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة قالت كان رسول الله يقطع قراءته يقرأ الحمد لله رب العالمين ثم يقف الرحمن الرحيم ثم يقف وكان يقرؤها (ملك يوم الدين) هذا حديث غريب وبه يقرأ أبو عبيد ويختاره هكذا روى يحيى بن سعيد الأموي وغيره عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة وليس إسناده بمتصل لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة أنها وصفت قراءة النبي حرفا حرفا وحديث الليث أصح وليس في حديث الليث وكان يقرأ (ملك يوم الدين) انتهى كلامه قلت كلام الإمام الترمذي وحديث الليث أصح يعني أصح من رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة وكأنه يريد أن ابن أبي مليكة إنما سمعه من يعلى بن مملك كما حدث به الليث وأقول لا مانع أن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة سمع الحديث من يعلى فحدث به الليث كما سمعه وسمعه من أم سلمة فحدث به ابن جريج فإن صاحب الخلاصة صرح أنه روى عن عائشة وأم سلمة وأسماء وابن عباس وأدرك ثلاثين من الصحابة وثقه أبو حاتم وأبو زرعة انتهى فمع ثقته فما المانع أنه سمع الحديث منهما جميعا وعلى فرض أنه سمعه من يعلى بن مملك فقد وثق يعلى بن مملك ابن حبان فالحديث ثابت على كل تقدير كذا قاله بعض العلماء والله أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي ولم يذكر التسمية وقال حديث غريب ثم ذكر كلام الترمذي رحمه الله . (تغرب في عين حامية) بإثبات الألف بعد الحاء قال البغوي قرأ أبو جعفر وأبو عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر حامية بالألف غير مهموزة أي حارة وقرأ آخرون (حمئة) مهموزا بغير ألف أي ذات حمأة وهي الطينة السوداء وقال بعضهم يجوز أن يكون معنى قوله (في عين حمئة) أي عند عين حمئة أو في رأي العين انتهى وتقدم شرح هذا القول تحت حديث ابن عباس عن أبي بن كعب مع بيان اختلاف القراءة فليرجع إليه .
[ 25 ]
وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن مردوية والحاكم وصححه عن أبي ذر قال كنت ردف رسول الله وهو على حمار فرأى الشمس حين غربت فقال أتدري أين تغرب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تغرب في عين حامية غير مهموزة وأخرج عبد الرزاق بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عثمان بن أبي حاضر أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية التي في سورة الكهف (تغرب في عين حامية) قال ابن عباس فقلت لمعاوية ما نقرأها إلا حمئة فسأل معاوية عبد الله بن عمرو وكيف نقرؤها فقال عبد الله كما قرأتها قال ابن عباس فقلنا لمعاوية في بيتي نزل القرآن فأرسل إلى كعب فقال له أين تجد الشمس تغرب في التوراة فقال له كعب سل أهل العربية فإنهم أعلم بها وأما أنا فإني أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء وطين وأشار بيده إلى المغرب . وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال خالفت عمرو بن العاص عند معاوية في حمئة وحامية قرأتها في عين حمئة فقال عمرو حامية فسألنا كعبا فقال إنها في كتاب الله المنزل تغرب في طينة سوداء انتهى والحديث سكت عنه المنذري . (أن مولى لابن الأسقع) وصفه عمر بن عطاء بالصدق وقال المنذري مولى بن الأسقع مجهول (عن ابن الأسقع) قال المنذري ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أن ابن الأسقع هذا فيمن لا يعرف اسمه وقال فيه البكري من أصحاب الصفة وذكر له هذا الحديث وذكر الحافظ أبو القاسم الدمشقي أنه واثلة بن الأسقع وذكر هذا الحديث في ترجمة واثلة بن الأسقع وقال هو واثلة بغير شك لأنه من بني ليث بن بكر ابن عبد مناة ومن أهل الصفة هذا آخر كلامه (هو الحي القيوم) قال البغوي قرأ عمر وابن مسعود القيام وقرأ علقمة القيم وكلها لغات بمعنى واحد انتهى وفي روح المعاني القيوم صيغة مبالغة للقيام وأصله قيووم على فيعول فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت ولا يجوز أن يكون فعولا وإلا لكان قووما لأنه واوي ويجوز فيه قيام وقيم وبهما قرئ وروي أولهما عن عمر رضي الله عنه وقرئ القائم والقيوم بالنصب انتهى . وفي الدر المنثور وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني وأبو نعيم في المعرفة بسند رجاله ثقات عن ابن الأسقع البكري أن النبي جاءهم في صفة المهاجرين فذكر مثله .
[ 26 ]
قال المنذري وقد أخرج مسلم في صحيحه وأبو داود في كتاب الصلاة قوله لأبي بن كعب رضي الله عنه يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله عز وجل معك أعظم ؟ الحديث . (أنه قرأ) أي في سورة يوسف (هيت لك) بفتح الهاء قال البغوي أي هلم وأقبل وهي قراءة أهل الكوفة والبصرة بفتح الهاء والتاء . وقرأ أهل المدينة والشام بكسر الهاء وفتح التاء وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء وقرأ السلمي وقتادة هئت لك بكسر الهاء وضم التاء مهموزا يعني تهيأت لك وأنكره أبو عمرو والكسائي وقالا لم يحك هذا عن العرب والأول هو المعروف عند العرب قال ابن مسعود رضي الله عنه أقرأني النبي (هيت لك) قال أبو عبيدة كأن الكسائي يقول هي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز معناها تعال وقال عكرمة أيضا بالحورانية هلم وقال مجاهد وغيره هي لغة غريبة وهي كلمة حث وإقبال على الشئ مال أبو عبيدة إن العرب لا تثنى هيت ولا تجمع ولا تؤنث وإنها بصورة واحدة في كل حال انتهى وفي صحيح البخاري عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قالت (هيت لك) قال وإنما نقرؤها كما علمناها انتهى وفي الدر المنثور وأخرج عبد الرزاق والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردوية عن أبي وائل قال قرأها عبد الله (هيت لك) بفتح الهاء والتاء فقلنا إن ناسا يقرأونها (هيت لك) فقال دعوني فإني أقرأكما أقرئت أحب إلي وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ (هيت لك) ينصب الهاء والتاء ولا يهمز وأخرج أبو عبيدة وابن المنذر وأبو الشيخ عن يحيى بن وثاب إنه قرأها (هيت لك) يعني بكسر الهاء وضم التاء يعني تهيأت لك وأخرج أبو عبيدة وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ (هئت لك) مكسورة الهاء مضمومة التاء مهموزة قال تهيأت لك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي وائل أنه كان يقرأ (هئت لك) رفع أي تهيأت لك . وأخرج ابن جرير عن عكرمة عن زر بن حبيش أنه كان يقرأ (هيت لك) نصبا أي هلم
[ 27 ]
لك وقال أبو عبيد كذلك كان الكسائي يحكيها قال هي لغة لأهل نجد وقعت إلى الحجاز معناها تعاله وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن عبد الله بن عامر البحصي أحمد أنه قرأ هيت لك بكسر الهاء وفتح التاء انتهى . قلت أورده البخاري مختصرا وقد أخرجه عبد الرزاق كما قاله الحافظان بن كثير وابن حجر عن الثوري عن الأعمش بلفظ إني سمعت القراءة فسمعتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم وإياكم والتنطع والاختلاف فإنما هو كقول الرجل هلم وتعال ثم قرأ وقالت (هيت لك) فقلت إن ناسا يقرأونها (هيت لك) قال لأن أقرأها كما علمت أحب إلي وكذا أخرجه ابن مردوية من طريق طلحة ابن مصرف عن أبي وائل أن ابن مسعود قرأها (هيت لك) بالفتح ومن طريق سليمان التيمي عن الأعمش بإسناده لكن قال بالضم وروى عبد بن حميد من طريق أبي وائل قال قرأها عبد الله بالفتح فقلت له إن الناس يقرأونها بالضم فذكره قال في الفتح وهذا أقوى وقراءة ابن مسعود بكسر الهاء وبالضم أو بالفتح بغير همز وروى عبد بن حميد عن أبي وائل أنه كان يقرأها كذلك لكن بالهمز . وفي هذه اللفظة خمس قراءات فنافع وابن ذكوان وأبو جعفر بكسر الهاء وياء ساكنة وتاء مفتوحة وابن كثير بفتح الهاء وياء ساكنة وتاء مضمومة وهشام بهاء مكسورة وهمزة ساكنة وتاء مفتوحة أو مضمومة والباقون بفتح الهاء وياء ساكنة وتاء مفتوحة وعن ابن محيصن فتح الهاء وسكون الياء وكسر التاء وكسر الهاء والتاء بينهما ياء ساكنة وكسر الهاء وسكون الياء وضم التاء وعن ابن عباس (هييت) بضم الهاء وكسر الياء ياء بعدها ساكنة ثم تاء مضمومة بوزن حييت فهي أربعة في الشاذ فصارت تسعة قاله القسطلاني في شرح البخاري (إنا نقرؤها هيت لك) بكسر الهاء ثم ياء وفي بعض النسخ هئت (كما علمت) بضم العين مبنيا للمفعول . قال المنذري وأخرجه البخاري بنحوه (أخبرنا ابن وهب) فأحمد وسليمان كلاهما يرويان عن عبد الله بن وهب (أدخلوا
[ 28 ]
الباب) أي باب القرية وهي بيت المقدس (سجدا) أي ساجدين لله تعالى شكرا على إخراجهم من التيه (وقولوا حطة) أي مسألتنا حطة وهي فعلة من الحط كالجلسة وقرئ بالنصب على الأصل بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة أو على أنه مفعول قولوا أي قولوا هذه الكلمة (تغفر لكم) بالتاء الفوقية بصيغة المجهول قال في المعالم قرأ نافع بالياء وضمها وفتح الفاء وقرأها ابن عامر بالتاء وضمها وفتح الفاء انتهى . وفي البيضاوي قرأ نافع بالياء وابن عامر بالتاء على البناء للمفعول انتهى . وفي الغيث قرأ نافع بضم الياء وفتح الفاء والشامي مثله إلا أنه يجعل موضع التحتية تاء فوقية والباقون بنون مفتوحة مع كسر الفاء ولا خلاف بينهم هنا أن خطاياكم على وزن قضاياكم . قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة . (فقرأ علينا) أي في سورة النور (سورة) خبر مبتدأ محذوف أي هذه سورة أنزلناها) صفة لها وقرأ طلحة بالنصب أي اتل سورة (وفرضناها) أي وفرضنا ما فيها من الأحكام وألزمناكم العمل بها (يعني مخففة) كما هو قراءة الأكثرين قال البغوي قرأ ابن كثير وأبو عمر (وفرضناها) بتشديد الراء وقرأ الآخرون بالتخفيف أما التشديد فمعناه فصلناه وبيناه انتهى (حتى أتى على هذه الآيات) التي بعد قوله تعالى وفرضناها والحديث سكت عنه المنذري فائدة وأما إخراج الضاد من مخرجها فعسير لا يقدر عليه العوام وفي شرح الشاطبية الموسوم بكنز المعاني شرح حرز الأماني للشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد المعروف بشعلة
[ 29 ]
الموصلي الحنبلي أن الضاد والظاء والذال متشابهة في السمع والضاد لا تفترق عن الظاء إلا باختلاف المخرج وزيادة الاستطالة في الضاد ولولاهما لكانت إحداهما عين الأخرى انتهى . وقال محمد بن محمد الجزري في التمهيد في علم التجويد والناس يتفاوتون في النطق بالضاد فمنهم من يجعله ظاء لأن الضاد يشارك الظاء في صفاتها كلها ويزيد على الطاء بالاستطالة فلولا الاستطالة واختلاف المخرجين لكانت ظاؤهم بعد أكثر الشاميين وبعض أهل الشرق وحكى ابن جني في كتاب التنبيه وغيره أن من العرب من يجعل الضاد ظاء مطلقا في جميع كلامهم وهذا قريب وفيه توسع للعامة انتهى . وقال فخر الرازي في تفسيره المسألة العاشرة المختار عندنا أن اشتباه الضاد بالظاء لا يبطل الصلاة ويدل عليه أن المشابهة حاصلة فيهما جدا والتميز عسير فوجب أن يسقط التكليف بالفرق . وبيان المشابهة من وجوه الأول أنهما من الحروف المجهورة والثاني أنهما من الحروف الرخوة والثالث أنهما من الحروف المطبقة والرابع إن الظاء وإن كان مخرجه من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ومخرج الضاد من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس إلا أنه حصل في الضاد انبساط لأجل رخاوتها ولهذا السبب يقرب مخرجه الظاء والخامس أن النطق بحرف الضاد مخصوص بالعرب مثبت بما ذكرنا أن المشابهة بين الضاد والظاء شديدة وأن التميز عسير وإذا ثبت هذا فنقول لو كان الفرق معتبرا لوقع السؤال عنه في زمن رسول الله وآله وسلم وفي أزمنة الصحابة لا سيما عند دخول العجم فلما لم ينقل وقوع السؤال عن هذا البتة علمنا أن التمييز بين هذين الحرفين ليس في محل التكليف انتهى وفي فتاوى قاضي خان لو قرأ الضالين بالظاء مكان الضاد أو بالذال لا تفسد صلاته ولو قرأ الدالين بالدال تفسد صلاته انتهى . وقد طال النزاع في هذة المسألة قديما وحديثا فقيل لا يقرأ الضاد مشابهة بالظاء ومن قرأ هكذا فسدت صلاته بل يقرأ الضاد مشابهة بالدال المهملة وهذا كلام باطل مردود وقال جماعة من الأئمة من لم يقدر على إخراج الضاد من مخرجها فله أن يقرأ الضاد مشابهة بالظاء لأن الضاد تشارك الظاء في صفاتها كلها ويزيد عليها بالاستطالة فلولا اختلاف المخرجين والاستطالة في الضاد لكانت ظاء ولا يقرأ الضاد مشابهة بالدال أبدا وهذا قول شيخنا العلامة السيد نذير حسين الدهلوي وشيخنا العلامة القاضي بشير الدين القنوجي رحمه الله تعالى والتحقيق في هذا الباب أن قراءة الدال مكان الضاد تبطل بها الصلاة قطعا لفساد المعنى .
[ 30 ]
وأما قراءة الظاء مكان الضاد لا تفسد بها الصلاة أصلا لمشاركة الظاء بالضاد وأما من سعى واجتهد في أداء الضاد من مخرجها ولم يقدر عليه فقرأ بين الدل والضاد بحيث لم ينطق بالدال الخالص لا تفسد صلاته أيضا وهذا اختيار بعض شيوخنا المحققين وهو الصواب عندي والله أعلم .
[ 31 ]
(اول كتاب الحمام) قال في المصباح الحمام مثقل معروف والتأنيث أغلب فيقال هي الحمام وجمعها حمامات على القياس ويذكر فيقال هو الحمام انتهى . (عن أبي عذرة) بضم العين وسكون الذال وفي رواية ابن ماجه والترمذي عن أبي عذرة وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم (في الميازر) جمع مئزر وهو الإزار قال بعض الشراح وإنما يرخص للنساء في دخول الحمام لأن جميع أعضائهن عورة وكشفها غير جائز إلا عند الضرورة مثل أن تكون مريضة تدخل للدواء أو تكون قد انقطع نفاسها تدخل للتنظيف أو تكون جنبا والبرد شديد ولم تقدر على تسخين الماء وتخاف من استعمال الماء البارد ضررا ولا يجوز للرجال الدخول بغير إزار ساتر لما بين سرته وركبته انتهى . وفي النيل والحديث يدل على جواز الدخول للذكور بشرط لبس المآزر وتحريم الدخول بدون مئزر وعلى تحريمه على النساء مطلقا فالظاهر المنع مطلقا ويؤيد ذلك حديث عائشة الاتي وهو أصح ما في الباب إلا لمريضة أو نفساء انتهى كما في حديث عبد الله بن عمرو انتهى . قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة وإسناده ليس بذاك القائم وسئل أبو زرعة عن أبي عذرة هل يسمى فقال لا أعلم أحدا سماه هذا آخر كلامه وقيل إن أبا عذرة أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 32 ]
وقال أبو بكر بن حازم الحافظ لا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه وأبو عذرة غير مشهور وأحاديث الحمام كلها معلولة وإنما يصح منها عن الصحابة رضي الله عنهم فإن كان هذا الحديث محفوظا فهو صريح انتهى (نسوة) بكسر النون اسم جمع للنساء (من أهل الشام) وفي رواية ابن ماجه من أهل حمص وهو بلدة من الشام (من الكورة) بضم الكاف أي البلدة أو الناحية (تخلع) بفتح اللام أي تنزع (ثيابها) أي الساترة لها (في غير بيتها) أي ولو في بيت أبيها وأمها قاله القاري في رواية الترمذي وابن ماجه في غير بيت زوجها (إلا هتكت) الستر وحجاب الحياة وجلباب الأدب ومعنى الهتك خرق الستر عما وراءه (ما بينها وبين الله) تعالى لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ من أن يراها أجنبي حتى لا ينبغي لهن أن يكشفن عورتهن في الخلوة أيضا إلا عند أزواجهن فإذا كشفت أعضاؤها في الحمام من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به قال الطيبي وذلك لأن الله تعالى أنزل لباسا ليوارى به سوأتهن وهو لباس التقوى فإذا لم يتقين الله تعالى وكشفن سوأتهن هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن (هذا حديث جرير) بن عبد الحميد عن منصور (وهو أتم) من حديث شعبة عن منصور (ولم يذكر جرير) في روايته (أبا المليح) بل قال جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن عائشة وقيل أن سالم بن أبي الجعد الغطفاني لم يسمع من عائشة قاله المزي في الأطراف وقال المنذري وذكر أبو داود أن جرير بن عبد الحميد لم يذكر أبا المليح فيكون مرسلا انتهى .
[ 33 ]
وقال الشوكاني في النيل وهو من حديث شعبة عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبي المليح عن عائشة وكلهم رجال الصحيح وروي عن جرير عن سالم عنها وكان سالم يدلس ويرسل انتهى (قال) أي سالم بن أبي الجعد عن عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وظاهر كلام المؤلف يدل على أن حديث شعبة ليس بتمام مثل حديث جرير لكن أخرج الترمذي من طريق شعبة بأتم وجه ولفظة حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا أبو داود أنبانأ شعبة عن منصور قال سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن أبي المليح الهذلي أن نساء من أهل حمص أو من أهل الشام دخلن على عائشة فقالت أنتن اللاتي يدخلن نساؤكم الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها هذا حديث حسن وأخرج ابن ماجه من طريقي سفيان بلفظ حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبي المليح الهذلي أن نسوة من أهل حمص استأذن على عائشة فقالت لعلكن من اللواتي يدخلن الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله (إنها) الضمير للقصة (الحمامات) جمع حمام بالتشديد بيت معلوم . والحديث يدل على أنه لم يكن يومئذ فيهم حمام وفي الحديث إخبار عما سيكون وقد كان الآن ففيه معجزة له صلى الله عليه وسلم (فلا يدخلنها الرجال) نهي مؤكد (إلا بالأزر) بضمتين جمع إزار (وامنعوها) أي الحمامات (النساء) أي ولو بالأزر (إلا مريضة أو نفساء) فتدخلها أما وحدها أو بإزار عليها وتغتسل للتداوي . وفيه دليل على أنه لا يجوز للمرأة أن تدخل الحمام إلا بضرورة كذا في المرقاة وفي النيل والحديث يدل على تقييد الجواز للرجال بلبس الإزار ووجوب المنع على الرجال للنساء إلا لعذر المرض والنفاس انتهى . وأخرج أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام وفي إسناده أبو خيرة قال الذهبي لا يعرف
[ 34 ]
وأخرج الترمذي والنسائي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام بغير إزار وفي إحياء العلوم دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمامات الشام فقال بعضهم نعم البيت بيت الحمام يطهر البدن روي ذلك عن أبي الدرداء وأبي أيوب الأنصاري وقال بعضهم بئس البيت بيت الحمام يبدي العورات ويذهب الحياء ولا بأس لطالب فائدته عند الاحتراز عن آفته انتهى مختصرا قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد تكلم فيه غير واحد وعبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية وقد غمزه البخاري وابن أبي حاتم . (باب النهي عن التعري) (بالبراز) المراد به هنا الفضاء الواسع والباء للظرفية (حي) بكسر الياء الأولى كثير الحياء فلا يرد من سأله (ستير) بالكسر والتشديد تارك لحب القبائح ساتر للعيوب والفضائح قاله المناوي . وفي النهاية ستير فعيل بمعنى فاعل أي من شأنه وإرادته حب الستر والصون انتهى . وفي النيل ستير بسين مهملة مفتوحة وتاء مثناة من فوق مكسورة وياء تحتية ساكنة ثم راء مهملة انتهى (فليستتر) وجوبا إن كان ثم من يحرم نظره لعورته وندبا في غير ذلك واغتساله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان عريانا في المكان الخالي لبيان الجواز قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 35 ]
(عن أبيه) يعلى بن أمية قال المنذري وأخرجه النسائي . (جرهد) بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء هو الأسلمي
[ 36 ]
وفي المنتقى عن جرهد الأسلمي قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بردة وقد انكشفت فخذي فقال غط فخذك فإن الفخذ عورة رواه مالك في الموطأ وأحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن انتهى . قال في النيل : وأخرجه أيضا ابن حبان وصححه وعلقه البخاري في صحيحه وضعفه في تاريخه للاضطراب في إسناده . قال الحافظ في الفتح وقد ذكرت كثيرا من طرقه في تعليق التعليق انتهى والحديث من أدلة القائلين بأن الفخذ عورة وهم الجمهور وسيأتي بعض بيانه قال المنذري وأخرجه أبو داود عن القعنبي عن الإمام مالك وهو عند القعنبي خارج الموطأ وهو في موطأ معن بن عيسى القزاز ويحيى بن بكير وسليمان ابن أبرد وليس عند غيرهم من رواة الموطأ هكذا ذكر ابن الورد وذكر غيره أن عبد الله بن نافع الصائغ رواه عن مالك فقال فيه عن زرعة عن أبيه عن جده ورواه معن وإسحاق بن الطباع وابن وهب وابن أبي أويس عن مالك عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر البخاري في التاريخ الكبير وذكر الاختلاف فيه وقال في الصحيح وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط يشير إلى حديث أنس بن مالك قال حسر النبي صلى الله عليه وسلم عن فخذه وذكر ابن الحذاء أن فيه اضطرابا في إسناده هذا آخر كلامه . وأخرجه الترمذي في جامعة من حديث سفيان بن عيينة عن أبي النضر عن زرعة عن جده جرهد وقال حديث حسن ما أرى إسناده بمتصل وذكره أيضا من طريقين وفيهما مقال انتهى كلام المنذري . (أخبرت) بصيغة المجهول قال أبو حاتم في العلل إن الواسطة بين ابن جريج وحبيب هو الحسن بن ذكوان قال ولا يثبت لحبيب رواية عن عاصم قال الحافظ فهذه علة أخرى
[ 37 ]
وكذا قال ابن معين أن حبيبا لم يسمعه من عاصم وإن بينهما رجلا ليس بثقة وبين البزار أن الواسطة بينهما هو عمرو بن خالد الواسطي ووقع في زيادات المسند وفي الدارقطني ومسند الهيثم بن كليب تصريح ابن جريج بإخبار حبيب له وهو وهم كما قال الحافظ (لا تكشف فخذك) وفيه دلالة على أن الفخذ عورة وقد ذهب إلى ذلك الشافعي وأبو حنيفة قال النووي ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة وعن أحمد ومالك في رواية العورة القبل والدبر فقط وبه قال أهل الظاهر (ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت) فيه دليل على أن الحي والميت سواء في حكم العورة (قال أبو داود هذا الحديث فيه نكارة) قال في شرح النخبة والقسم الثاني من أقسام المردود وهو ما يكون بسبب تهمة الراوي بالكذب هو المتروك والثالث المنكر على رأي من لا يشترط في المنكر قيد المخالفة فمن فحش غلطه أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه فحديثه منكر انتهى . قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وعاصم بن ضمرة قد وثقه يحيى بن معين وعلي بن المديني وتكلم فيه غير واحد وقال البخاري في الصحيح ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم الفخذ عورة هذا آخر كلامه فأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي وقال حسن غريب هذا آخر كلامه وفي إسناده أبو يحيى القتات واسمه عبد الرحمن بن دينار وقيل اسمه زاذان وقيل عمران وقيل غير ذلك وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة . وأما حديث جرهد فقد تقدم الكلام عليه وأما حديث محمد بن جحش فأخرجه البخاري في تاريخه الكبير وأشار إلى اختلاف فيه انتهى قلت أخرج أحمد عن محمد بن جحش قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة وكذا أخرجه البخاري في التاريخ والحاكم في المستدرك كلهم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه فذكره قال الحافظ في الفتح رجاله رجال الصحيح غير أبي كثير فقد روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحا بتعديل انتهى واحتج من لم ير الفخذ من العورة وقال هي السوأتان فقط بما أخرجه مسلم من حديث عائشة بلفظ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه الحديث وفيه استأذن عثمان جلس وأخرج أحمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر
[ 38 ]
فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه فلما قاموا قلت يا رسول الله استأذن أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك فلما استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك فقال يا عائشة ألا أستحي من رجل والله إن الملائكة لتستحي منه وروى أحمد هذه القصة من حديث حفصة بنحو ذلك ولفظه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فوضع ثوبه بين فخذيه وفيه فلما استأذن عثمان تجلل بثوبه وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذه رواه أحمد والبخاري وزاد البخاري في هذا الحديث عن أنس بلفظ وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله وهو من جملة حجج القائلين بأن الفخذ ليست بعورة لأن ظاهره أن المس كا بدون الحائل ومس العورة بدون حائل لا يجوز والله أعلم (باب في التعري) أي في حكم كشف العورة والتجرد عن اللباس . (حملت حجرا ثقيلا) ولفظ مسلم قال أقبلت بحجر أحمله وعلي إزار خفيف قال فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه (خذ عليك ثوبك) وعند مسلم ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة انتهى وقوله خذ عليك ثوبك أفرد الخطاب لاختصاصه ثم عمم بقوله ولا تمشوا عراة لعموم الأمة . قال المنذري وأخرجه مسلم انتهى أي في كتاب الطهارة والله أعلم . (أخبرنا أبي) هو مسلمة القعنبى . (أخبرنا يحيى) هو ابن سعيد .
[ 39 ]
قال المزي وأخرج النسائي في عشرة النساء عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد عن بهز انتهى قلت هو في السنن الكبرى للنسائي وليس في السنن الصغرى له ولذا قال ابن تيمية في المنتقى أخرجه الخمسة إلا النسائي (نحوه) أي حديث مسلمة القعنبي فمسلمة ويحيى كلاهما يرويان عن بهز (عن أبيه) حكيم ابن معاوية عن جده) أي جد بهز وهو معاوية بن حيدة القشيري (عوراتنا) أي أي عورة نسترها وأي عورة نترك سترها (احفظ عورتك) أي استرها كلها (إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) فيه دليل على أنه يجوز لهما النظر إلى ذلك منه وقياسه أنه يجوز له النظر . قال الشوكاني ويدل أيضا على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة وكما دل مفهوم الاستثناء على ذلك فقد دل عليه منطوق قوله فإذا كان القوم بعضهم في بعض ويدل على أن التعري في الخلاء غير جائز مطلقا وقد استدل البخاري على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب ومما يدل على عدم الجواز مطلقا حديث ابن عمر عند الترمذي بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم (بعضهم في بعض) أي مختلطون فيما بينهم مجتمعون في موضع واحد ولا يقومون من موضعهم فلا نقدر على ستر العورة وعلى الحجاب منهم على الوجه الأتم والكمال في بعض الأحيان لضيق الإزار أو لانحلاله لبعض الضرورة فكيف نصنع بستر العورة وكيف نحجب منهم (أن لا يرينها أحد فلا يرينها) ولفظ الترمذي في الاستئذان أن لا يراها أحد فلا ترينها ولفظ ابن ماجه في النكاح أن لا تريها أحدا فلا ترينها وفيه دليل على وجوب الستر للعورة لقوله فلا يرينها ولقوله إحفظ عورتك (أن يستحيى منه) بصيغة المجهول أي فاستر طاعة له وطلبا لما يحبه منك ويرضيه وليس المراد فاستر منه إذ لا يمكن الاستثار منه تعالى قال السندي . قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن هذا آخر كلامه وقد تقدم الاختلاف في بهز بن حكيم وجده هو معاوية بن حيدة القشيري له صحبة
[ 40 ]
(إلى عرية الرجل) قال النووي ضبطناها على ثلاثة أوجه عرية بكسر العين وإسكان الراء وعرية بضم العين وإسكان الراء وعرية بضم العين وفتح الراء وتشديد الياء وكلها صحيحة . قال أهل اللغة عرية الرجل بضم العين وكسرها هي متجردة والثالثة على التصغير انتهى . وفي النهاية لا ينظر الرجل إلى عرية المرأة هكذا جاء في بعض روايات مسلم يريد ما يعرى منها وينكشف والمشهور في الرواية لا ينظر إلى عورة المرأة انتهى . والحديث فيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة وهذا لا خلاف فيه وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع ونبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل على نظره إلى عورة المرأة وذلك بالتحريم أولى وهذا التحريم في حق غير الأزواج والسادة أما الزوجان فلكل واحد منهما النظر إلى عورة صاحبه جميعها وأما السيد مع أمته فإن كان يملك وطأها فهما كالزوجين قاله النووي في شرح مسلم وأطال الكلام فيه (ولا يفضي الرجل إلى الرجل) من باب الإفعال قال في المصباح أفضى الرجل بيده إلى الأرض مسها ببطن راحته وأفضى إلى امرأته باشرها وجامعها وأفضيت إلى الشئ وصلت إليه وفيه النهي عن اضطجاع الرجل مع الرجل في ثوب واحد وكذلك المرأة مع المرأة سواء كان بينهما حائل أو لم يكن بينهما حائل بأن يكونا متجردين قال الطيبي لا يجوز أن يضطجع رجلان في ثوب واحد متجردين وكذا المرأتان ومن فعل يعزر انتهى . قال النووي فهو نهي تحريم إذا لم يكن بينهما حائل وفيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان وهذا متفق عليه وهذا مما تعم به البلوى ويتساهل فيه كثير من الناس باجتماع الناس في الحمام فيجب على الحاضر فيه أن يصون بصره ويده وغيرها عن عورة غيره وأن يصون عورته عن بصر غيره ويد غيره من قيم وغيره ويجب عليه إذا رأى
[ 41 ]
من يخل بشئ من هذا أن ينكر عليه قال العلماء ولا يسقط عنه الإنكار بكونه يظن أن لا يقبل منه بل يجب عليه الإنكار إلا أن يخاف على نفسه أو غيره فتنة والله أعلم . وأما كشف الرجل عورته في حال الخلوة بحيث لا يراه آدمي فان كان لحاجة جاز وإن كان لغير حاجة ففيه خلاف العلماء انتهى مختصرا قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن رجل من الطفاوة) بضم الطاء وفتح الفاء قال في القاموس هي حي من قيس عيلان انتهى قال في تاج العروس وهي طفاوة بنت جرم بن ربان أم ثعلبة ومعاوية وعامر أولاد أعصر بن سعد بن قيس عيلان ولا خلاف أنهم نسبوا إلى أمهم وأنهم من أولاد أعصر وإن اختلفوا في أسماء أولادها وفي المقدمة لابن الجوانى الحافظ في النسب أو طفاوة اسمه الحارث بن أعصر إليه ينسب كل طفاوى الذي انتهى (لا يفضين إلى رجل إلى رجل ولا امرأة إلى امرأة) قال في اللمعات شرح المشكاة لما كان هذان القسمان محل أن يتوهم جوازهما والمسامحة منهما خصهما بالذكر فنظر الرجل إلى عورة المرأة ونظر المرأة إلى عورة الرجل أشد وأغلظ إلى الحرمة فلذا لم يتعرض لذكرهما وعورة الرجل ما بين سرته إلى ركبتيه وكذا عورة المرأة في حق المرأة وأما في حق الرجل فكلها إلا الوجه والكفين ولذلك سمى المرأة عورة والنظر إلى المرأة الأجنبية حرام بشهوة أو بغير شهوة انتهى ملخصا (إلا إلى ولد أو والد) ظاهره أن يكون ذلك بشرط الصغر أي إذا كان الولد صغيرا فيجوز للمرأة أن تباشره وتضطجع معه وكذا إذا كانت المرأة صبية صغيرة فلا جناح على الوالد أن يفضى إليها ويضطجع معها قال المنذري فيه رجل مجهول انتهى وقال المزي في الأطراف رجل من الطفاوة لم يسم عن أبي هريرة حديث لقيت أبا هريرة بالمدينة فلم أر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أشد تشميرا ولا أقوم على ضيف منه الحديث بطوله وفيه ألا إن طيب الرجال ما ظهر ريحه ولم يظهر لونه ألا وأن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه ألا لا يفضين رجل إلى رجل ولا امرأة إلى امرأة إلا إلى ولد أو والد وذكر ثالثة فنسيتها أخرجه أبو داود في النكاح عن مسدد
[ 42 ]
عن بشر وعن مؤمل بن هشام عن ابن علية وعن موسى بن إسماعيل عن حماد ثلاثتهم عن الجريري عن أبي نضرة قال حدثني رجل من طفاوة وفي حديث موسى عن أبي نضرة عن الطفاوي فذكره وأخرجه في الحمام عن إبراهيم بن موسى ومؤمل بن هشام كلاهما عن إسماعيل بن علية ببعضه لا يفضين رجل إلى رجل إلى آخره وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن علي بن حجر عن ابن علية وعن محمود بن غيلان عن أبي داود الحفري عن سفيان كلاهما عن الجريري بقصة الطيب ولم يقل ألا وإن وقال حسن ألا إن الطفاوي لا يعرف إلا في هذا الحديث ولا يعرف اسمه وأخرجه النسائي في الزينة عن أحمد بن سليمان عن أبي داود الحفري وعن محمد بن علي بن ميمون عن محمد بن يوسف الفريابى كلاهما عن سفيان بقصة الطيب انتهى
[ 43 ]
(اول كتاب اللباس) في القاموس لبس الثوب كسمع لبسا بالضم واللباس بالكسر وأما لبس كضرب لبسا بالفتح فمعناه خلط ومنه قوله تعالى (ولا تلبسوا الحق بالباطل) (عن الجريري) بضم الجيم هو سعيد بن إياس البصري ثقة من الخامسة واختلط قبل موته بثلاث سنين (إذا استجد ثوبا) أي لبس ثوبا جديدا وأصله على ما في القاموس صير ثوبه جديدا وأغرب من قال معناه طلب ثوبا جديدا (سماه) أي الثوب المراد به الجنس باسمه) أي المتعارف المتعين المشخص الموضوع له (إما قميصا أو عمامة) أي أو غيرهما كالإزار والرداء ونحوهما والمقصود التعميم فالتخصيص للتمثيل وصورة التسمية باسمه بأن يقول رزقني الله أو أعطاني أو كساني هذه العمامة أو القميص أو يقول هذا قميص أو عمامة والأول أظهر والفائدة به أتم وأكثر وهو قول المظهر والثاني مختار الطيبي فتدبر (أسألك من خيره) ولفظ الترمذي أسألك خيره بحذف كلمة من وهو أعم وأجمع ولفظ المؤلف أنسب لما فيه من المطابقة لقوله في آخر الحديث وأعوذ بك من شره (وخير ما صنع له) هو استعماله في طاعة الله تعالى وعبادته ليكون عونا له عليها (وشر ما صنع له) هو استعماله في معصية الله ومخالفة أمره
[ 44 ]
وقال القاري ناقلا عن ميرك خير الثوب بقاؤه ونقاؤه وكونه ملبوسا للضرورة والحاجة وخير ما صنع له هو الضرورات التي من أجلها يصنع اللباس من الحر والبرد وستر العورة والمراد سؤال الخير في هذه الأمور وأن يكون مبلغا إلى المطلوب الذي صنع لأجله الثوب من العون على العبادة والطاعة لمولاه وفي الشر عكس هذه المذكورات وهو كونه حراما ونجسا ولا يبقى زمانا طويلا أو يكون سببا للمعاصي والشرور والانتحار وقد والعجب والغرور وعدم القناعة بثوب الدون وأمثال ذلك انتهى والحديث يدل على استحباب حمد الله تعالى عند لبس الثوب الجديد (قال أبو نضرة) هو موصول بالسند المذكور (قيل له تبلى) من الابلاء بمعنى الإخلاق وهذا دعاء اللابس بأن يعمر ويلبس ذلك الثوب حتى يبلى ويصير خلقا (ويخلف الله تعالى) عطف على تبلى من أخلف الله عليه أي أبدلهما ذهب عنه وعوضه عنه والمقصود الدعاء بطول الحياة قال المنذري وأخرج الترمذي والنسائي المسند منه فقط وقال الترمذي حديث حسن . (وعبد الوهاب الثقفي) أي رواه عبد الوهاب الثقفي وهكذا وقع في بعض النسخ (لم يذكر فيه أبا سعيد) أي الخدري الصحابي فروايته مرسلة (وحماد بن سلمة قال عن الجريري) أي روى الحديث حماد بن سلمة أيضا ولم يذكر فيه أبا سعيد فصارت روايته أيضا مرسلة (عن أبي العلاء) هو يزيد بن عبد الله بن الشخير البصري قال المنذري بعد قوله قال أبو داود وعبد الوهاب الثقفي الخ يعني أنهما أرسلاه .
[ 45 ]
(نصير بن الفرج) بضم النون وفتح المهملة الأسلمي أبو حمزة الثغري (من أكل طعاما ثم قال إلى قوله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) كذا وقع في بعض النسخ وليس في بعضها ها هنا لفظ وما تأخر وكذا وقع هذا الحديث في المشكاة بحذف لفظ وما تأخر من هذا الموضع قال القاري قال الطيبي ليس هنا لفظ وما تأخر في الترمذي وأبي داود وقد ألحق في بعض نسخ المصابيح توهما من القرينة الأخيرة انتهى (ومن لبس ثوبا إلى قوله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) كذا وقع هنا في جميع النسخ بزيادة لفظ وما تأخر قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب وليس في حديثهما وما تأخر وسهل بن معاذ مصري ضعيف والراوي عنه أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون مصري أيضا لا يحتج به . (باب في ما يدعى) بصيغة المجهول من الدعاء لمن لبس ثوبا جديدا (إسحاق بن الجراح الأذني) بفتحتين مخفف صدوق قاله الحافظ (أتى) بضم الهمزة مبنيا للمفعول (فيها خميصة) بالخاء المفتوحة والميم المكسورة والتحتية الساكنة والصاد المهملة ثوب من حرير أو صوف معلم أو كساء مربع له غلمان أو كساء رقيق من أي لون كان أو لا تكون خميصة إلا إذا كانت سوداء معلمة كذا قال القسطلاني (من ترون) بفتح التاء والراء (أحق) بالنصب على أنه مفعول ثان لقوله ترون ومفعوله الأول محذوف أي من
[ 46 ]
ترونه أحق بهذه الخميصة وفي رواية للبخاري من ترون نكسوا هذه الخميصة (فأتى بها) فيه التفات وفي رواية للبخاري فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم (فألبسها) أي أم خالد (إياها) أي الخميصة وفي بعض النسخ إياه بالتذكير بتأويل الثوب (ثم قال أبلي وأخلقي) قال الحافظ في الفتح أبلي بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام أمر بالإبلاء وكذا قوله أخلقي بالمعجمة والقاف أمر بالإخلاق وهما بمعنى والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق قال الخليل أبل وأخلق معناه عش وأخرق ثيابك وأرقعها قال ووقع في رواية أبي المروزي عن الفربري وأخلقي بالفاء وهي أوجه من التي بالقاف لأن الأولى تستلزم التأكيد إذا الإبلاء والإخلاق بمعنى لكن جاز العطف لتغاير اللفظين والثانية تفيد معنى زائدا وهو أنها إذا أبلته أخلقت غيره ويؤيدها ما أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبي نضرة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم الخ انتهى (أحمر أو أصفر) وفي رواية البخاري أخضر بدل أحمر والشك من الراوي (ويقول) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (سناه سناه) بفتح السين المهملة والنون وبعد الألف هاء ساكنة أي حسن حسن وفي رواية البخاري هذا سناه والمشار إليه علم الخميصة (وسناه في كلام الحبشة الحسن) قال القسطلاني وكلمها عليه الصلاة والسلام بلسان الحبشة لأنها ولدت بأرض الحبشة انتهى قال السيوطي قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح قد استخرج بعض المشائخ للبس الخرقة أصلا من هذا الحديث وقد أشار بذلك إلى السهروردي فإنه ذكره في عوارف المعارف فقال وأصل لبس الخرقة هذا الحديث قال ولبس الخرقة ارتباط بين الشيخ والمريد فيكون لبس الخرفة علامة للتفويض والتسليم في حكم الله ورسوله وإحياء سنة المبايعة ثم قال ولا خفاء في أن لبس الخرقة على الهيئة التي يعتمدها الشيوخ في هذا الزمان لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم وقد رأينا من المشائخ من لا يلبس الخرفة وكان طبقة من السلف الصالحين لا يعرفون الخرقة ولا يلبسون المريدين فمن يلبسها فله مقصد صحيح ومن لم يلبسها فله رأيه وكل تصاريف المشائخ محمولة على السداد والصواب ولا تخلو عن نية صالحة قال السيوطي وقد استنبطت للخرقة أصلا أوضح من هذا الحديث وهو ما أخرجه
[ 47 ]
البيهقي في شعب الإيمان من طريق عطاء الخراساني أن رجلا أتى ابن عمر فسأله عن إرخاء طرف العمامة فقال له عبد الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليها عبد الرحمن بن عوف وعقد لواء وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة من كرابيس مصبوغة بسواد فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحل عمامته فعممه بيده وأفضل من عمامته موضع أربعة أصابع أو نحوه فقال هكذا فاعتم فهو أحسن وأجمل فهذا أوضح في كونه أصلا للبس الخرقة من وجهين الأول أن الصوفية إنما يلبسون طاقية على رأس لا ثوبا عاما لكل بدنه الثاني أن حديث أم عطية في اللباس غطاء وقسمة وكسوة وهذا بالرأس تشريف وهو السبب للبس الخرقة ووجه ثالث أن لبس الخرقة نوع من المبايعة كما أشار له السهروردي وأم خالد كانت صغيرة لا تصلح للمبايعة بخلاف حديث عبد الرحمن بن عوف انتهى كلام السيوطي . قال المنذري وأخرجه البخاري . (باب ما جاء في القميص) (كان أحب الثياب) بالرفع والنصب والأول أظهر وأشهر ولذا لم يتأخر والثوب اسم لما يستر به الشخص نفسه مخيطا كان أو غيره وأحب أفعل بمعنى المفعول أي أفضلها (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص) بالنصب أو الرفع على ما تقدم على أن الأول اسم كان والثاني خبرها أو بالعكس والقميص اسم لما يلبس من المخيط الذي له كمان وجيب هذا وقد قال ميرك في شرح الشمائل نصب القميص هو المشهور في الرواية ويجوز أن يكون القميص مرفوعا بالاسمية وأحب منصوبا بالخيرية ونقل غيره من الشراح أنهما روايتان كذا في المرقاة . وقال العلامة العزيزي أي كانت نفسه تميل إلى لبسه أكثر من غيره من نحو رداء أو ازار لأنه أستر منهما ولأنهما يحتاجان إلى الربط والامساك بخلاف القميص لأنه يستر عورته ويباشر جسمه بخلاف ما يلبس فوقه من الدثار انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد تفرد به وهو مروزي وروى بعضهم هذا الحديث عن أبي تميلة عن عبد المؤمن بن خالد بن عبد الله بن
[ 48 ]
بريدة عن أمه عن أم سلمة وقال سمعت محمد بن إسماعيل يقول حديث عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة أصح هذا آخر كلامه وعبد المؤمن هذا قاضي مرو لا بأس به وأبو تميلة يحيى بن واضح أدخله البخاري في الضعفاء وقال أبو حاتم الرازي يحول من هناك ووثقه يحيى بن معين انتهى كلام المنذري (أخبرنا أبو تميلة) بمثناة مصغرا هو يحيى بن واضح الأنصاري المروزي قال ابن خراش صدوق وقال أحمد ويحيى ليس به بأس وقال أبو حاتم ثقة يحول من كتاب الضعفاء للبخاري قال الذهبي ليس ذكره في الضعفاء (لم يكن ثوب أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قميص) قيل وجه أحبية القميص إليه صلى الله عليه وسلم أنه أستر للأعضاء عن الإزار والرداء ولأنه أقل مؤنة وأخف على البدن ولابسه أكثر تواضعا وحديث زياد بن أيوب ليس من رواية اللؤلؤي قال الحافظ المزي في الأطراف حديث أبي داود عن زياد بن أيوب في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى (كانت يدكم قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية الترمذي كان كم يد قميص رسول الله صلى الله عليه و سلم (إلى الرسغ) بالسين وفي بعض النسخ بالصاد المهملة قال التوربشتي هو بالسين المهملة والصاد لغة فيه وكذا في النهاية هو بالسين المهملة والصاد لغة فيه وهو مفصل ما بين الكف والساعد ذكره القاري وفي القاموس الرسغ بالضم وبضمتين ثم قال الرصغ بالضم الرسغ والحديث يدل على أن السنة في الأكمام أن لا تجاوز الرسغ قال الحافظ بن شمس الدين ابن القيم في الهدي وأما الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالأخراج فلم يلبسها هو ولا أحد من أصحابه البتة وهي مخالفة لسنته وفي جوازها نظر فإنها من جنس الخيلاء انتهى
[ 49 ]
وقال الجزري فيه دليل على أن السنة أن لا يتجاوز كم القميص الرسغ وأما غير القميص فقالوا السنة فيه أن لا يتجاوز رؤوس الأصابع من جبة وغيرها ونقل في شرح السنة أن أبا الشيخ بن حبان أخرج بهذا الإسناد بلفظ كان يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل من الرسغ . وأخرج ابن حبان أيضا من طريق مسلم بن يسار عن مجاهد عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا فوق الكعبين مستوى الكمين بأطراف أصابعه وفي الجامع الصغير برواية الحاكم عن ابن عباس كان قميصه فوق الكعبين وكان كمه مع الأصابع قال العزيزي أي مساويا لها قال قال الشيخ حديث صحيح . قلت ويجمع بين هذه الروايات وبين حديث الكتاب إما بالحمل على تعدد القميص أو بحمل رواية الكتاب على رواية التخمين أو بحمل الرسغ على بيان الأفضل وحمل الرؤوس على بيان الجواز وقيل يحتمل أن يكون الاختلاف باختلاف أحوال الكم فعقيب غسل الكم لم يكن فيه تثن فيكون أطول وإذا بعد عن الغسل ووقع فيه التثني كان أقصر والله تعالى أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب هذا آخر كلامه وقد تقدم الكلام في الاختلاف في شهر بن حوشب (باب ما جاء في الأقبية) جمع القباء بفتح القاف والموحدة المخففة ممدودا فارسي معرب وقيل عربي اشتقاقه من القبو وهو الضم (عن المسور) بكسر الميم وسكون المهملة له صحبة وكان فقيها ولد بعد الهجرة بسنتين (بن مخرمة) بفتح الميمين بينهما معجمة ساكنة ثم راء مفتوحة ابن نوفل الزهري شهد حنينا وأسلم يوم الفتح (ولم يعط مخرمة شيئا) أي في حال تلك القسمة وفي رواية البخاري في الخمس أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم أقبية من ديباج مزررة بالذهب
[ 50 ]
فقسمها في ناس من أصحابه وعزل منها واحدا لمخرمة قال أي مخرمة (أدخل فادعه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أي المسور (فدعوته فخرج) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وعليه) أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (قباء منها) أي من الأقبية (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (خبأت) أي أخفيت (قال) أي المسور (فنظر إليه) أي إلى القباء (زاد ابن موهب مخرمة) أي زاد يزيد بن خالد بن موهب في روايته بعد قوله فنظر إليه لفظ مخرمة بأن قال فنظر إليه مخرمة (ثم اتفقا) أي قتيبة ويزيد (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جزم به الداودي أو مخرمة كما رجحه الحافظ بن حجر (قال قتيبة) أي في روايته (عن ابن أبي مليكة لم يسمه) أي لم يذكر اسم ابن أبي مليكة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي . (باب في لبس الشهرة) (عن عثمان بن أبي زرعة) هو عثمان بن المغيرة الثقفي فأبو عوانة وشريك كلاهما يرويان عن عثمان بن أبي زرعة (قال في حديث شريك يرفعه) حاصله أنه وقع في رواية شريك بعد قوله عن ابن عمر لفظ يرفعه والضمير المرفوع يرجع إلى ابن عمر والمنصوب إلى الحديث وقال المنذري أي ولم يرفعه أبو عوانة انتهى وما قاله المنذري فيه نظر لما سيأتي . ولفظ ابن ماجه من طريق يزيد بن هارون أنبأنا شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن مهاجر عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة (من لبس ثوب شهرة) قال ابن الأثير الشهرة ظهور الشئ والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم فيرفع الناس إليه أبصارهم ويختال عليهم بالعجب والتكبر كذا في النيل (ثوبا مثله) أي في شهرته بين الناس
[ 51 ]
قال ابن رسلان لأنه لبس الشهرة في الدنيا ليعز به ويفتخر على غيره ويلبسه الله يوم القيامة ثوبا يشتهر مذلته واحتقاره بينهم عقوبة له والعقوبة من جنس العمل انتهى (زاد) أي محمد بن عيسى في روايته (ثم تلهب) أي تشتعل (فيه) أي في الثوب الذي ألبسه الله يوم القيامة (قال ثوب مذلة) أي ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة والمراد به ثوب يوجب ذلته يوم القيامة كما لبس في الدنيا ثوبا يتعزز به على الناس ويترفع به عليهم والحديث أخرجه ابن ماجه بتمامه ولفظه حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن المهاجر عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة والحديث يدل على تحريم لبس ثوب الشهرة وليس هذا الحديث مختصا بنفيس الثياب بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوبا يخالف ملبوس الناس من الفقراء ليراه الناس فيتعجبوا من لباسه ويعتقدوه قاله ابن رسلان قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (عن أبي منيب الجرشي) بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة الدمشقي ثقة من الرابعة (من تشبه بقوم) قال المناوي والعلقمي أي تزي في ظاهره بزيهم وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم انتهى وقال القاري أي من شبه نفسه بالكفار مثلا من اللباس وغيره أو بالفساق أو الفجار أو بأهل التصوف والصلحاء الأبرار (فهو منهم) أي في الإثم والخير قاله القاري قال العلقمي أي من تشبه بالصالحين يكرم كما يكرمون ومن تشبه بالفساق لم يكرم ومن وضع عليه علامة الشرفاء أكرم وإن لم يتحقق شرفه انتهى .
[ 52 ]
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في الصراط المستقيم وقد احتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم كما في قوله (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) وهو نظير قول عبد الله بن عمرو أنه قال من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر ويقتضي تحريم أبعاض ذلك وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي يشابههم فيه فإن كان كفرا أو معصية أو شعارا لها كان حكمه كذلك وقد روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بالأعاجم وقال من تشبه بقوم فهو منهم وذكره القاضي أبو يعلى وبهذا احتج غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين وأخرج الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من تشبه بغيرنا انتهى كلامه مختصرا وقد أشبع الكلام في ذلك الإمام ابن تيمية في الصراط المستقيم والعلامة المناوي في فتح القدير ثم شيخنا القاضي بشير الدين القنوجي في مؤلفاته قال المنذري في إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهو ضعيف انتهى وقال المناوي في الفتح حديث ابن عمر أخرجه أبو داود في اللباس قال السخاوي فيه ضعف لكن له شواهد وقال ابن تيمية سنده جيد وقال ابن حجر في الفتح سنده حسن وأخرجه الطبراني في الأوسط عن حذيفة بن اليمان قال الحافظ العراقي سنده ضعيف . وقال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط وفيه علي بن غراب وثقه غير واحد وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات انتهى وبه عرف أن سند الطبراني أمثل من طريق أبي داود انتهى كلام المناوي وقال ابن تيمية في الصراط المستقيم بعد ما ساق رواية سنن أبي داود وهذا إسناد جيد فإن ابن أبي شيبة وأبا النضر وحسان بن عطية مشاهير أجلاء من رجال الصحيحين وهم أجل من أن يحتاج أن يقال هم من رجال الصحيحين وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فقال يحيى بن معين وأبو زرعة وأحمد بن عبد الله ليس فيه بأس وقال عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم هو ثقة وقال أبو حاتم هو مستقيم الحديث وأما أبو منيب الجرشي فقال فيه أحمد بن عبد الله العجلي هو ثقة وما علمت أحدا ذكره بسوء وقد سمع منه حسان بن عطية انتهى كلامه
[ 53 ]
(باب في لبس الصوف والشعر) (وعليه مرط) بكسر الميم وإسكان الراء هو كساء يكون تارة من صوف وتارة من شعر أو كتان أو خز قال الخطابي هو كساء يؤتزر به (مرحل) بميم مضمومة وراء مهملة مفتوحة وحاء مهملة مشددة ولام كمعظم قال النووي هو بفتح الراء وفتح الحاء المهملة المشددة هذا هو الصواب الذي رواه الجمهور وضبطه المتقنون وحكى القاضي أن بعضهم رواه بالجيم أي عليه صور الرجال والصواب الأول ومعناه عليه صورة رحال الإبل ولا بأس بهذه الصور وإنما يحرم تصوير الحيوان انتهى . قال الخطابي المرحل هو الذي فيه خطوط ويقال إنما سمي مرحلا لأن عليه تصاوير رحل أو ما يشبهه (وقال حسين حدثنا يحيى بن زكريا) قال في التقريب يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الهمداني ثقة متقن انتهى أي قال حسين بن علي في روايته حدثنا يحيى بن زكريا مكان ابن أبي زائدة وأما يزيد فقال في روايته حدثنا ابن أبي زائدة ولم يسمه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي (عقيل بن مدرك) بقتح السين وكسر القاف السلمي أو الخولاني أبو الأزهر الشامي مقبول من السابعة (استكسيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي طلبت الكسوة منه صلى الله عليه وسلم (فكساني خيشتين) في القاموس الخيش ثياب في نسجها رقة وخيوطها عمر غلاظ من مشاق الكتان أو من أغلظ العصب .
[ 54 ]
وقال في فتح الودود عن ثياب من أردأ الكتان وفي الصراح خيش كتان خشك (وأنا أكسى أصحابي) أكسى أفعل التفضيل أي وأنا أفضلهم كسوة قال المنذري في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال (يا بني) بضم الباء وفتح النون وشدة الياء (لو رأيتنا إلى قوله قد أصابتنا السماء) أي لو رأيتنا حال كوننا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال كوننا قد أصابتنا السماء فالجملتان وقعتا حالين مترادفين أو متداخلين (حسبت أن ريحنا ريح الضأن) أي لما علينا من ثياب الصوف وأحاديث الباب تدل على جواز لبس الصوف والشعر قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال كره مالك لبس الصوف لمن يجد غيره لما فيه من الشهرة بالزهد لأن إخفاء العمل أولى قال ولم ينحصر التواضع في لبسه بل في القطن وغيره ما هو بدون ثمنه انتهى . قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي صحيح . (باب لبس المرتفع) وإن أي الرفيع من الثياب (أن ملك ذي يزن) في القاموس يزن محركة واد ويمنع لوزن الفعل والتعريف وأصله يزان وبطن من حمير وذو يزن ملك لحمير لأنه حمي ذلك الوادي (أخذها) الضمير المرفوع يرجع إلى ملك ذي يزن والمنصوب إلى الحلة (فقبلها) أي فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحلة قال المنذري في إسناده عمارة بن زاذان أبو سلمة وقد تكلم فيه غير واحد
[ 55 ]
(اشترى حلة ببضعة وعشرين قلوصا) بفتح القا ف قال في القاموس القلوص من الإبل الشابة أو الباقية على السير أو أول ما يركب من إناثها إلى أن تثنى قال المنذري وهذا مرسل وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان ولا يحتج بحديثه . (باب لباس الغليظ) (وكساء من التي يسمونها الملبدة) قال الحافظ اسم مفعول من التلبيد وقال ثعلب يقال للرقعة التي يرقع بها القميص لبدة وقال غيره التي ضرب بعضها في بعض حتى تتراكب وتجتمع انتهى وقال النووي قال العلماء الملبد هو المرقع يقال لبدت القميص ألبده بالتخفيف فيها ولبدته ألبده بالتشديد وقيل هو الذي ثخن وسطه حتى صار كاللبد انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه . (أخبرنا أبو زميل) بضم الزاي مصغرا (لما خرجت) أي على علي رضي الله عنه (الحرورية) هم طائفة من الخوارج نسبوا إلى حرورا بالمد والقصر وهو موضع قريب من الكوفة كان أول مجمعهم وتحكيمهم فيه وهو أحد الخوارج الذين قاتلهم علي رضي الله عنه (وكان ابن عباس رجلا جميلا جهيرا) بفتح الجيم وكسر الهاء أي ذا منظر بهى قال في النهاية رجل جهير أي ذو منظر وقال في القاموس الجهر بالضم هيئة
[ 56 ]
الرجل وحسن منظره (مرحبا بك) أي لقيت رحبا وسعة (لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل) وأعلم أنه كان هدية صلى الله عليه وسلم كما قال الحافظ ابن القيم أن يلبس ما تيسر من اللباس الصوف تارة والقطن أخرى والكتان تارة ولبس البرود اليمانية والبرد الأخضر ولبس الجبة والقباء والقميص إلى أن قال فالذين يمتنعون عما أباح الله من الملابس والمطاعم والمناكح تزهدا وتعبدا بإزائهم طائفة قابلوهم فلم يلبسوا إلا أشرف الثياب ولم يأكلوا إلا أطيب وألين الطعام فلم يروا لبس الخشن ولا أكله تكبرا وتجبرا وكلا الطائفتين مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم انتهى . وقال الشوكاني في النيل إن الأعمال بالنيات فلبس المنخفض من الثياب تواضعا وكسرا لثورة النفس التي لا يؤمن عليها من التكبر إن لبست غالي الثياب من المقاصد الصالحة الموجبات للمثوبة من الله ولبس الغالي من الثياب عند الأمن على النفس من التسامي المشوب بنوع من التكبر لقصد التوصل بذلك إلى تمام المطالب الدينية من أمر بمعروف أو نهي عن منكر عند من لا يلتفت إلا إلى ذوي الهيئات كما هو الغالب على عوام زماننا وبعض خواصه لا شك أنه من الموجبات للأجر لكنه لا بد من تقييد ذلك بما يحل لبسه شرعا انتهى والحديث سكت عنه المنذري (باب ما جاء في الخز) بفتح المعجمة وتشديد الزاي قال ابن الأثير الخز ثياب تنسج من صوف وإبريسم وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون وقال غيره الخز اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها وقال المنذري : أصله من وبر الأرنب ويسمى ذكره الخز وقيل إن الخز ضرب من ثياب ابريسم وفي النهاية ما معناه أن الخز الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مخلوط من صوف وحرير
[ 57 ]
وقال عياض في المشارق إن الخز ما خلط من الحرير والوبر وذكر أنه من وبر الأرنب ثم قال تسمى ما خالط الحرير من سائر الأوبار خزا كذا في النيل (أخبرني أبي عبد الله بن سعد) بضم دال عبد الله فإنه بدل من أبي (قال رأيت رجلا) وأخرج الحاكم من طريق عبد الله بن سعد عن أبيه قال رأيت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ببخاري عليه عمامة خز سوداء هو يقول كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن خازم انتهى وقال في الأطراف قيل إن هذا الرجل عبد الله بن خازم السلمي أمير خراسان (عليه) أي على الرجل (فقال كسانيها رسول وسلم الله صلى الله عليه وسلم) قد استدل بهذا على جواز لبس الخز وأنت خبير بأن غاية ما في الحديث أنه أخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساه عمامة الخز وذلك لا يستلزم جواز اللبس وقد ثبت من حديث علي رضي الله عنه عند البخاري قال كساني النبي صلى الله عليه وسلم حملة سيراء فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي فلم يلزم من قول علي رضي الله عنه جواز اللبس وهكذا قال عمر رضي الله عنه لما بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم بحلة سيراء يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أكسكها لتلبسها هذا لفظ أبي داود . وبهذا يتبين لك أنه لا يلزم من قوله كساني جواز اللبس والله تعالى أعلم وقال الزيلعي والحديث ذكره عبد الحق في أحكامه من جهة أبي داود وسكت عنه وتعقبه ابن القطان فقال عبد الله بن سعد وأبوه والرجل الذي ادعى الصحبة كلهم لا يعرفون أما سعد والد عبد الله فلا يعرف روى عنه غير ابنه عبد الله هذا الحديث الواحد وأما ابنه عبد الله فقد روى عنه جماعة وله ابن يقال له عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الدشتكي مروزي صدوق وله ابن اسمه أحمد ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد وهو شيخ لأبي داود وعنه يروى هذا الحديث انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال النسائي وقال بعضهم إن هذا الرجل عبد الله بن خازم السلمي أمير خراسان هذا آخر كلامه وعبد الله بن خازم هذا بالخاء المعجمة والزاي كنيته أبو صالح ذكر بعضهم أن له صحبة وأنكرها بعضهم وذكر البخاري هذا الحديث في التاريخ الكبير ورواه عن مخلد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الدشتكي وقال عبد الرحمن نراه ابن خازم السلمي وقال البخاري ابن خازم ما أرى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهذا شيخ آخر .
[ 58 ]
أخبرنا عبد الرحمن بن غنم بفتح الغين المعجمة وسكون النون (حدثني أبو عامر أو أبو مالك) بالشك والشك في اسم الصحابي لا يضر وقال البخاري بعد أن رواه على الشك أيضا وإنما يعرف هذا عن أبي مالك الأشعري كذا قال القسطلاني قلت هكذا بالشك في نسخ الكتاب وكذا في المنذري . وقال الشوكاني في رسالته إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع رواه أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي مالك بغير شك ورواه أبو داود من حديث أبي عامر وأبي مالك وهي رواية ابن داسة عن أبي داود وفي رواية الرملي عنه بالشك وفي رواية ابن حبان سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعري انتهى (والله يمين أخرى ما كذبني) بتخفيف المعجمة وهو مبالغة في كمال صدقه (يستحلون الخز) بالخاء المعجمة والزاي وهو الذي نص عليه الحميدي وابن الأثير وذكره أبو موسى في باب الحاء والراء المهملتين وهو الفرج وكذلك ابن رسلان في شرح السنن ضبطه بالمهملتين قال وأصله حرح فحذف أحد الحائين عنه وجمعه أحراح كفرخ وأفراخ ومنهم من شدد الراء وليس بجيد يريد أنه يكثر فيهم الزنا قال في النهاية والمشهور الأول كذا في النيل وقد تقدم تفسير الخز والحديث رواه البخاري تعليقا بلفظ ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير والخمر وللمعارف إن الحديث (والحرير) أي ويستحلون الحرير ومعنى استحلالها أنهم يعتقدون حلهما أو هو مجاز عن الاسترسال أي يسترسلون فيهما كالاسترسال في الحلال (وذكر كلاما) هو ما ذكره البخاري بلفظ ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم يعني الفقير لحاجة فيقولون ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم عليهم انتهى وقوله إلى جنب علم بفتحتين هو الجبل العالي وقيل رأس الجبل وقوله يروح عليهم أي الراعي وقوله بسارحة بمهملتين أي الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها وتروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها وقوله فيبيتهم الله أي يهلكهم الله ليلا وقوله يضع العلم أي يوقعه عليهم (قال يمسخ منهم آخرين) كذا في جميع النسخ . وقال الشوكاني وفي رواية آخرون (قردة) بكسر القاف وفتح الراء جمع قرد وفي ذلك
[ 59 ]
دليل على أن المسخ واقع في هذه الأمة كما وقع لبعض الأمم السالفة وقيل هو كناية عن تبدل أخلاقهم . قال الحافظ والأول أليق بالسياق والحديث يدل على تحريم الخز وكذلك يدل على تحريمه حديث معاوية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تركبوا الخز ولا النمار رواه أبو داود ورجال إسناده ثقات وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الملاهي عن أبي هريرة مرفوعا يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير فقالوا يا رسول الله أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال بلى ويصومون ويصلون ويحجون قالوا فما بالهم قال اتخذوا المعازف والدفوف والقينات فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير وليمرن الرجل على الرجل في حانوته يبيع فيرجع إليه وقد مسخ قردا أو خنزيرا قال أبو هريرة لا تقوم الساعة حتى يمشي الرجلان في الأمر فيمسخ أحدهما قردا أو خنزيرا ولا يمنع الذي نجا منهما ما رأى بصاحبه أن يمضي إلى شأنه حتى يقضي شهوته قاله الشوكاني قال المنذري وأخرجه البخاري تعليقا (قال أبو داود وعشرون نفسا الخ) لم توجد هذه العبارة في عامة النسخ وكذا ليست في أطراف المزي وكذا في مختصر المنذري وإنما وجدت في بعض النسخ من السنن . قال في منتقى الأخبار وقد صح لبسه عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم قال الشوكاني تحت هذا القول لا يخفاك أنه لا حجة في فعل بعض الصحابة وإن كانوا عددا كثيرا والحجة إنما هي في إجماعهم عند القائلين بحجية الاجماع وقد أخبر الصادق المصدوق أنه سيكون من أمته أقوام يستحلون الخز والحرير وذكر الوعيد الشديد في آخر هذا الحديث من المسخ إلى القردة والخنازير انتهى وفي فتح الباري وقد ثبت لبس الخز عن جماعة من الصحابة وغيرهم قال أبو داود لبسه عشرون نفسا من الصحابة وأكثر وأورده ابن أبي شيبة عن جمع منهم وعن طائفة من التابعين بأسانيد جياد وأعلى ما ورد في ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن سعد الدشتكي عن أبيه قال رأيت رجلا على بغلة وعليه عمامة خز سوداء وهو يقول كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عمار بن أبي عمار قال أتت مروان بن الحكم مطارف خز فكساها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصح في تفسير الخزانة ثياب سداها من حرير ولحمتها
[ 60 ]
من غيره وقيل تنسج مخلوطة من حرير وصوف أو نحوه وقيل أصله اسم دابة يقال لها الخز سمي الثوب المتخذ من وبره خزا لنعومته ثم أطلق على ما يخلط بالحرير لنعومة الحرير وعلى هذا فلا يصح الاستدلال بلبسه على جواز لبس ما يخالطه الحرير ما لم يتحقق أن الخز الذي لبسه السلف كان من المخلوط بالحرير وأجاز الحنفية والحنابلة لبس الخز ما لم يكن فيه شهرة وعن مالك الكراهة وهذا كله في الخز انتهى كلام الحافظ . (باب ما جاء في لبس الحرير) (رأى حلة سيراء) بسين مهملة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة ثم راء ثم ألف ممدودة قال النووي ضبطوا الحلة هاهنا بالتنوين على أن سيراء صفة وبغير تنوين على الإضافة وهما وجهان مشهوران والمحققون ومتقنوا إلا العربية يختارون الاضافة قال سيبوبه لم تأت فعلاء صفة وأكثر المحدثين ينونون قالوا هي برود يخالطها حرير وهي مضلعة بالحرير وكذا قاله الخليل والأصمعي وآخرون قالوا كأنها شبهت خطوطها بالسيور وقال ابن شهاب : مضلعة بالقز وقيل إنها حرير محض وقد ذكر مسلم في الرواية الأخرى حلة من استبرق وفي الأخرى من ديباج أو حرير وفي رواية حلة سندس فهذه الألفاظ تبين أن الحلة كانت حريرا محضا وهو الصحيح الذي يتعين القول به في هذا الحديث جمعا بين الروايات والحلة لا تكون إلا ثوبين وتكون غالبا إزارا ورداء انتهى باختصار يسير (عند باب المسجد تباع) وكانت تلك الحلة لعطارد التميمي كساه إياها كسرى (وللوفود) وفي رواية عند مسلم لوفود العرب قال الحافظ وكأنه خصه بالعرب لأنهم كانوا إذ ذاك الوفود في الغالب لأن مكة لما فتحت بادر العرب بإسلامهم فكان كل قبيلة ترسل كبراءها ليسلموا ويتعلموا ويرجعوا إلى قومهم فيدعوهم إلى الإسلام ويعلموهم (من لا خلاق له) أي لاحظ له أو لا نصيب له (ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب (منها حلل) بالرفع على الفاعلية (فأعطى) أي
[ 61 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقد قلت في حلة عطارد) هو صاحب الحلة ابن حاجب التميمي (ما قلت) ما موصولة وجملة وقد قلت حالية (أخاله مشركا بمكة) وعند النسائي أخاله من أمه وسماه ابن بشكوال عثمان بن حكيم قاله القسطلاني والحديث يدل على تحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء وجواز إهداء المسلم إلى المشرك ثوبا وغيره . قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وهذا الأخ الذي كساه عمر كان أخاه من أمه وقد جاء ذلك مبينا في كتاب النسائي وقيل إن اسمه عثمان بن حكيم فأما أخوه زيد بن الخطاب فإنه أسلم قبل عمر رضي الله عنهما (حلة إستبرق) بكسر الهمزة هو ما غلظ من الحرير (ثم أرسل إليه) أي إلى عمر رضي الله عنه (بجبة ديباج) بكسر الدال هو ما رق من الحرير (وتصيب بها أي تصيب بثمنها) . قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (إلى عتبة بن فرقد) صحابي مشهور سمي أبوه باسم النجم وكان عتبة أميرا لعمر في فتوح بلاد الجزيرة (إلا ما كان هكذا وهكذا إصبعين وثلاثة وأربعة) فيه دليل على أنه يحل من الحرير مقدار أربع أصابع كالطراز والسجاف من غير فرق بين المركب على الثوب والمنسوج والمعمول بالإبرة والترقيع كالتطريز ويحرم الزائد على الأربع من الحرير ومن الذهب بالأولى وهذا مذهب الجمهور وقد أغرب بعض المالكية فقال يجوز العلم وإن زاد على الأربع وروي عن مالك القول بالمنع من المقدار المستثنى في الحديث قال الشوكاني ولا أظن ذلك يصح عنه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه
[ 62 ]
(أهديت) بالبناء للمفعول أهداها له أكيدر دومة كما في رواية مسلم (إني لم بها أرسل إليك لتلبسها) زاد مسلم في رواية أبي صالح إنما بعثت بها لتشققها خمرا بين النساء وله في أخرى شققه خمرا بين الفواطم (فأمرني فأطرتها) أي قسمتها (بين نسائي) بأن شققتها وجعلت لكل واحدة منهن شقة يقال طار لفلان في القسمة سهم كذا أي طار له ووقع في حصته قال الشاعر : * فما طار لي في القسم إلا ثمينها * قاله الخطابي والمراد بقوله نسائي ما فسره في رواية أبي صالح حيث قال بين الفواطم والمراد بالفواطم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنه والثالثة قيل هي فاطمة بنت حمزة وذكرت لهن رابعة وهي فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب وقوله خمرا بضم الخاء المعجمة والميم جمع خمار بكسر أوله والتخفيف ما تغطي به المرأة رأسها قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (باب من كرهه) أي لبس الحرير قال الحافظ قال صلى ابن بطال اختلف في الحرير فقال قوم يحرم لبسه في كل الأحوال حتى على النساء نقل ذلك عن علي وابن عمر وحذيفة وأبي موسى وابن الزبير ومن التابعين عن الحسن وابن سيرين وقال قوم يجوز لبسه مطلقا وحملوا الأحاديث الواردة في النهي عن لبسه على من لبسه خيلاء أو على التنزيه قلت وهذا الثاني ساقط لثبوت الوعيد على لبسه انتهى (نهى) وفي رواية مسلم نهاني (عن لبس القسي) بفتح القاف وتشديد السين المهملة بعدها ياء نسبة وذكر أبو عبيد في غريب الحديث أن أهل الحديث يقولونه بكسر القاف وأهل مصر يفتحونها وهي نسبة إلى بلد يقال لها القس قاله الحافظ والقسي ثياب يؤتى بها من مصر
[ 63 ]
أو الشام مضلعة فيها حرير فيها أمثال الأترج وهذا التفسير رواه البخاري عن علي معلقا ورواه مسلم موصولا باختلاف بعض الألفاظ ومعنى قوله مضلعة أي فيها خطوط عريضة كالأضلاع وقوله فيها أمثال الأترج أي أن الأضلاع التي فيها غليظة معوجة وقوله فيها حرير يشعر بأنها ليست حريرا صرفا وحكى النووي عن العلماء أنها ثياب مخلوطة بالحرير وقيل من الخز وهو ردي الحرير (عن لبس المعصفر) هو المصبوغ بالعصفر (وعن تختم الذهب) قال النووي أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء وأجمعوا على تحريمه للرجال (وعن القراءة في الركوع) وزاد في الرواية الآية والسجود وفيه دليل على تحريم القراءة في هذين المحلين لأن وظيفتهما إنما هي التسبيح والدعاء لما في صحيح مسلم وغيره عنه نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء والحديث فيه دليل على تحريم الأشياء المذكورة فيه . قال الخطابي إنما حرمت هذه الأشياء على الرجال دون النساء قال وقد كره للنساء أن تتختم بالفضة لأن ذلك من زي الرجال فإذا لم يجدن ذهبا فليصفرنه بزعفران أو نحوه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا (بهذا) أي بهذا الحديث المذكور (زاد) أي محمد بن عمرو في روايته (ولا أقول نهاكم) أي قال علي رضي الله عنه : نهاني رسول الله ولا أقول نهاكم قد استدل بهذه الرواية من لم يقل بتحريم لبس المعصفر وظن أن النهي مختص بعلي رضي الله عنه كما تفيد هذه الرواية والجواب أن النهي ليس بمختص بعلي رضي الله عنه بل يعم جميع الناس يدل عليه حديث عبد الله بن العاص عند مسلم قال رأى رسول الله علي ثوبين معصفرين فقال هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها وقد قال البيهقي رادا لقول الشافعي إنه لم يحك أحد عن النبي النهي عن المعصفر إلا ما قال علي نهاني ولا أقول نهاكم أن الأحاديث تدل على أن النهي على العموم ثم ذكر أحاديث ثم قال بعد ذلك ولو بلغت هذه الأحاديث للشافعي رحمه الله لقال بها ثم ذكر بإسناده ما صح عن الشافعي أنه قال إذا صح الحديث خلاف قولي فاعملوا بالحديث
[ 64 ]
(مستقة) بضم الميم وسكون السين المهملة ومثناه فوقية وقاف قال الأصمعي المساتق فراء طوال الأكمام واحدها مستقة قال وأصلها في الفارسية مشته فعربت كذا في معالم السنن (من سندس) قال الخطابي يشبه أن تكون هذه المستقة مكففة بالسندس لأن نفس الفروة لا تكون سندسا انتهى وفي النهاية مستقة بضم التاء وفتحها فرو طويل الكمين وهي تعريب مشعه وقال وقوله من سندس يشبه أنها كانت مكففة بالسندس وهو الرفيع من الحرير والديباج لأن نفس الفرو لا يكون سندسا وجمعها مساتق انتهى (فلبسها) أي المستقة قبل التحريم ويؤيده ما رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي جبة سندس أو ديباج قبل أن ينهى عن الحرير فلبسها فتعجب الناس منها فقال والذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن منها وأخرج الشيخان عن عقبة بن عامر قال أهدى إلى رسول الله فروج حرير فلبسه ثم صلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعا عنيفا شديدا كالكاره له ثم قال لا ينبغي هذا للمتقين وأخرج مسلم من حديث جابر بن عبد الله يقول لبس النبي يوما قباء من ديباج أهدي له ثم أوشك أن ينزعه فأرسل به إلى عمر بن الخطاب فقيل قد أوشك ما نزعته يا رسول الله فقال نهاني عنه جبرئيل عليه الصلاة والسلام فجاءه عمر يبكي فقال يا رسول الله كرهت أمرا وأعطيتنيه فمالي فقال إني لم أعطكه لتلبسه إنما أعطيتك تبيعه فباعه بألفي درهم وهذه الأحاديث تدل على أن النبي كان يلبس الحرير ثم كان التحريم آخر الأمرين (فكأني أنظر إلى يديه تذبذبان) قال الخطابي معناه تتحركان وتضطربان أنه يريد الكمين (ثم بعث بها) أي بالمستقة وهو (إلى جعفر) بن أبي طالب (فلبسها) جعفر (إلى أخيك النجاشي) ملك الحبشة مكافأة حسانة وبدلا للصنيع المعروف الذي فعله بك فهذه هدية ملك الروم لائق بحال ملك الحبشة وفيه توجيه آخر وهو أن النبي لبس المستقة بعد تحريم الحرير لكونها مكففة بالسندس وليس جميعها حريرا خالصا لأن نفس الفروة لا تكون سندسا ومع ذلك ترك لبسها على الورع والتقوى وعلى هذا التوجيه يطابق الحديث بالباب ويحتمل أن يكون عطاؤها لجعفر بعد التحريم وكان قدر ما كف هنا أكثر من القدر المرخص ثم إهداءها لملك الحبشة لينتفع بها بأن يكسوها النساء والله أعلم
[ 65 ]
قال المنذري وعلي بن زيد بن جدعان القرشي التيمي مكي نزل البصرة ولا يحتج بحديثه (ولا أركب الأرجوان) بضم الهمزة والجيم بينهما راء ساكنة ثم واو خفيفة قال الخطابي في المعالم الأرجوان الأحمر وأراه أراد به المياثر الحمر وقد تتخذ من ديباج وحرير وقد ورد فيه النهي لما في ذلك من السرف وليست من لباس الرجال (ولا ألبس المعصفر) أي المصبوغ بالعصفر قال القاري وهو بإطلاقه يشمل ما صبغ بعد النسج وقبله فقول الخطابي ما صبغ غزله ثم نسج فليس بداخل يحتاج إلى دليل من خارج (ولا ألبس القميص المكفف بالحرير) المكفف بفتح الفاء الأولى المشددة قال في النهاية أي الذي عمل على ذيله وأكمامه وجيبه كفاف من حرير وكفة كل شئ بالضم طرفه وحاشيته وكل مستدير كفة بالكسر ككفة الميزان وكل مستطيل كفة ككفة الثوب قال القاضي وهذا لا يعارض حديث أسماء لها لبسة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج وقالت هذه جبة رسول الله رواه مسلم لأنه ربما لم يلبس القميص المكفف بالحرير لأن فيه مزيد تجمل وترفه وربما لبس الجبة المكففة قال القاري والأظهر في التوفيق بينهما أن قدر ما كف هنا أكثر من القدر المرخص ثمة وهو أربع أصابع أو يحمل هذا على الورع والتقوى وذاك على الرخصة وبيان الجواز والفتوى وقبل هذا متقدم على لبس الجبة والله أعلم (وأومأ) أي أشار (الحسن) هو البصري (إلى جيب قميصه) الجيب بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها موحدة هو ما يقطع من الثوب ليخرج منه الرأس أو اليد أو غير ذلك (قال) أي عمران بن حصين (وقال) أي رسول الله (ألا) للتنبيه (وطيب الرجال) أي المأذون فيه (ريح) أي ما فيه ريح (لا لون له) كمسك وكافور وعود (وطيب النساء لون لا ريح له) كالزعفران والخلوق (قال سيد) أي ابن أبي عروبة (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (قال إنما حملوا) أي العلماء (قوله) (في طيب النساء) يعني وطيب النساء لون لا ريح له (إذا خرجت) أي من بيتها فلا يجوز لها التطيب بما له رائحة طيبة عند الخروج من بيوتها (بما شاءت) أي بما له رائحة طيبة أو لا
[ 66 ]
قال المنذري وأخرج الترمذي أن النبي قال إن خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ونهى عن ميثرة الأرجوان وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه هذا آخر كلامه والحسن لم يسمع من عمران بن حصين (يعني الهيثم بن شفي) بمعجمة وفاء بوزن على في الأصح قاله الحافظ (من المعافر) في القاموس معافر بلد وأبو حي من حمدان والظاهر أن المراد هنا هو الأول (لنصلي) علة لقوله خرجت (بإيليا) على وزن كيميا بالمد والقصر مدينة بيت المقدس (وكان قاصهم) بالنصب خبر كان والقاص من يأتي بالقصة والمراد من قاصهم وأعظمهم (رجل) اسم كان (إلى جنبه) أي إلى جنب صاحبي (أدركت قصص أبي ريحانة) أي وعظة وبيانه (عن عشر) أي عشر خصال (عن الوشر) بواو مفتوحة فمعجمة ساكنة فراء وهو على ما في النهاية تحديد الأسنان وترقيق أطرافها تفعله المرأة تتشبه بالشواب وإنما نهى عنه لما فيه من التغرير وتغيير خلق الله (والوشم) وهو أن يغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو يخضر (والنتف) أي وعن نتف النساء الشعور من وجوههن أو نتف اللحية أو الحاجب بأن ينتف البياض منهما أو نتف الشعر عند المصيبة (وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار) بكسر أوله أي ثوب يتصل بشعر البدن قال في النهاية هو أن يضاجع الرجل صاحبه في ثوب واحد لا حاجز بينهما وقال الخطابي المكامعة هي المضاجعة وروى أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال المكامعة مضاجعة العراة المحرمين (وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه) أي في ذيلها وأطرافها (حريرا) أي كثيرا زائدا على أربع أصابع لما مر من جوازه وبدل عليه تقييده بقوله (مثل الأعاجم) أي مثل ثيابهم في تكثير سجافها صلى الله عليه وسلم ولعلهم كانوا يفعلونها أيضا على ظهارة ثيابهم تكبرا وافتخارا
[ 67 ]
قال المظهر يعني لبس الحرير حرام على الرجال سواء كانت تحت الثياب أو فوقها وعادة جهال العجم أن يلبسوا تحت الثياب ثوبا قصيرا من الحرير ليلين أعضاءهم وكذا قوله (أو يجعل على منكبيه حريرا) أي علما من حرير زائدا على قدر أربع أصابع (وعن النهي) بضم فسكون مصدر بمعنى النهب والإغارة وقد يكون إسما لما ينهب والمراد النهي عن إغارة المسلمين (وركوب النمور) بضمتين جمع نمر أي جلودها قيل لأنها من زي الأعاجم (ولبوس الخاتم) بضم اللام مصدر كالدخول والخاتم بكسر التاء ويفتح (إلا لذي سلطان) . قال الخطابي ويشبه أن يكون إثما كره الخاتم لغير ذي سلطان لأنه حينئذ يكون زينة محضة لا لحاجة ولا لإرب غير الزينة قال الحافظ في الفتح قال الطحاوي بعد أن أخرج حديث أبي ريحانة ذهب قوم إلى كراهة لبس الخاتم إلا لذي سلطان وخالفهم آخرون فأباحوه ومن حجتهم حديث أنس أن النبي لما ألقى خاتمه ألقى الناس خواتيمهم فإنه يدل على أنه كان يلبس الخاتم في العهد النبوي من ليس ذا سلطان قان قيل هو منسوخ قلنا الذي نسخ منه خاتم الذهب ثم أورد عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يلبسون الخواتم ممن ليس له سلطان انتهى ولم يجب عن حديث أبي ريحانة والذي يظهر أن لبسه لغير ذي سلطان خلاف الأولى لأنه ضرب من التزين واللائق بالرجال خلافة وتكون الأدلة الدالة على الجواز هي الصارفة للنهي عن التحريم ويؤيده أن في بعض طرقه نهى عن الزينة والخاتم الحديث ويمكن أن يكون المراد بالسلطان من له سلطنة على شئ ما يحتاج إلى الختم عليه لا السلطان الأكبر خاصة والمراد بالخاتم ما يختم به فيكون لبسه عبثا وأما من لبس الخاتم الذي لا يختم به وكان من الفضة للزينة فلا يدخل في النهي وعلى ذلك يحمل حال من لبسه وقد سئل مالك عن حديث أبي ريحانة فضعفه انتهى كلام الحافظ باختصار . قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وفيه مقال وأبو ريحانة هذا اسمه شمعون بالشين المعجمة والعين المهملة ويقال شمغون بالشين والغين المعجمتين ورجحة بعضهم وهو أنصاري وقيل قرشي ويقال له مولى رسول الله قدم بصرة وروى عنه من أهلها غير واحد . (قال نهى) قال في الفتح وقد أخرج أحمد والنسائي وأصله عند أبي داود بسند صحيح
[ 68 ]
عن علي قال نهى عن مياثر الأرجوان هكذا عندهم بلفظ نهى على البناء للمجهول وهو محمول على الرفع انتهى (عن مياثر الأرجوان) جمع ميثرة بالكسر وهي مفعلة من الوثارة بالمثلثة وكان أصلها مؤثرة قلبت الواو ياء كميزان قال إمام المحدثين البخاري في صحيحه الميثرة كانت النساء يصنعنه لبعولتهن أمثال القطائف يصفونها قال الحافظ معنى يصفونها أي يجعلونها كالصفة وقال الزبيدي والميثرة مرفقة كصفة السرج وقال الطبري هو وطأ يوضع على سرج الفرس أو رحل البعير كانت النساء تصنعه لأزواجهن من الأرجوان الأحمر ومن الديباج وكانت مراكب العجم انتهى . والأرجوان بضم الهمزة والجيم هو الصوف الأحمر كذا قال ابن رسلان وقيل الأرجوان الحمرة وقيل الشديد الحمرة وقيل الصباغ الأحمر ذكره في النيل وقال السيوطي الأرجوان صبغ أحمر ويتخذ كالفراش الصغير ويحشى بقطن يجعلها الراكب تحته على الرحال فوق الجمال ويدخل فيه مياثر السرج لأن النهي يشمل كل ميثرة حمراء كانت على رحل أو سرج انتهى وليس هذا الحديث في نسخة المنذري ولكن وجد في عامة نسخ السنن وقال المزي في الأطراف حديث نهى عن مياثر الأرجوان أخرجه أبو داود في اللباس عن يحيى بن حبيب عن روح بن عبادة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمر والسلماني عن علي انتهى (عن لبس القسى) تقدم ضبطه وتفسيره (والميثرة الحمراء) قال في المرقاة الميثرة هي وسادة صغيرة حمراء يجعلها الراكب تحته والنهي إذا كانت من حرير قال ويحتمل أن يكون النهي لما فيه من الترفه والتنعم نهي تنزيه ولكونها من مراكب العجم والمفهوم من كلام بعضهم أن الميثرة لا تكون إلا حمراء فالتقييد إما للتأكيد أو بناء على التجريد قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (صلى في خميصة) بفتح المعجمة وكسر الميم وبالصاد المهملة قال في المصباح الخميصة كساء أسود معلم الطرفين ويكون من خز أو صوف فإن لم يكن معلما فليس خميصة انتهى وفي النهاية هي ثوب خز أو صوف معلم وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء
[ 69 ]
معلمة وكانت من لباس الناس قديما انتهى (إلى أبي جهم) هو عبيد ويقال عامر بن حذيفة القرشي العدوي صحابي مشهور وإنما خصه بإرسال الخميصة لأنه كان أهداها للنبي كما رواه مالك في الموطأ (فإنها ألهتني) أي شغلتني يقال لهى بالكسر إذا غفل ولهى بالفتح إذا لعب (آنفا) أي قريبا وهو مأخوذ من ائتناف الشئ أي ابتدائه (في صلاتي) أي عن كمال ا لحضور فيها (وائتوني بأنبجانيته) بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم وبعد النون ياء النسبة كساء غليظ لا علم له ولعله أراد بذلك تطييب خاطره لئلا ينكسر ويرى أن هديته رد عليه (أخبرنا سفيان) هو ابن عيينة ذكره المزي (والأول أشبع) أي الحديث الأول أتم . قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأبو جهم اسمه عامر وقيل عبيد . (باب الرخصة في العلم وخيط الحرير) العلم محركة رسم الثوب ورقمه قاله في القاموس وذلك كالطراز والسجاف (اشترى ثوبا شافيا فرأى فيه خيطا أحمر) والظاهر أن الخيط كان من الحرير (فرده) أي ذلك الثوب وفي رواية ابن ماجه اشترى عمامة لها علم فدعا بالقلمين فقصه ولعلهما قصتان (فذكرت ذلك) أي اشتراء ابن عمر الثوب ورده بعد ما رأى فيه الخيط الأحمر (لها) أي لأسماء رضي الله عنها (ناوليني) أي أعطيني (فأخرجت جبة طيالسة) بإضافة جبة إلى طيالسة كما ذكره ابن رسلان في شرح السنن والطيالسة جمع طيلسان وهو كساء غليظ والمراد أن الجبة غليظة كأنها من
[ 70 ]
طيلسان (مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج) أي مرقع جيبها وكماها إذا وفرجاها بشئ من الديباج والكف عطف أطراف الثوب وقال النووي أي جعل لها كفة بضم الكاف هو ما يكف به جوانبها ويعطف عليها ويكون ذلك في الذيل وفي الفرجين وفي الكمين قال وأما إخراج أسماء جبة النبي صلى الله عليه وسلم فقصدت بها بيان أن هذا ليس محرما وهكذا الحكم عند الشافعي وغيره أن الثوب والجبة والعمامة ونحوها إذا كان مكفوف الطرف بالحرير جازما لم يزد على أربع أصابع فإن زاد فهو حرام لحديث عمر يعني ما مر في باب ما جاء في لبس الحرير عن أبي عثمان النهدي قال كتب عمر إلى عتبة ابن فرقد الحديث قال وفي هذا الحديث دليل على استحباب التبرك بأثار الصالحين وثيابهم وفيه جواز لباس الجبة ولباس ماله فرجان وأنه لا كراهة فيه انتهى واعلم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يكره العلم من الحرير في الثوب ويقول إني سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما يلبس الحرير من لا خلاق له فخفت أن يكون العلم منه رواه مسلم وحديث الباب وحديث عمر المذكور يدلان على الجواز إذا لم يزد على أربع أصابع كما لا يخفي وهو مذهب الجمهور قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه نحوه مختصرا . (عن الثوب المصمت) بضم الميم الأولى وفتح الثانية المخففة وهو الذي جميعه حرير لا يخالطه قطن ولا غيره قاله ابن رسلان وقال الطيبي هو الثو ب الذي يكون سداه ولحمته من الحرير لا شئ غيره ومفاد العبارتين واحد (وسدى الثوب) بفتح السين والدال بوزن الحصى ويقال ستى بمثناة من فوق بدل الدال لغتان بمعنى واحد وهو خلاف اللحمة وهي التي تنسج من العرض وذاك من الطول والحاصل أنه إذا كان السدى من الحرير واللحمة من غيره كالقطن والصوف (فلا بأس) لأن تمام الثوب لا يكون إلا بلحمته والحديث بدل على جواز لبس ما خالطه الحرير إذا كان غير الحرير الأغلب وهو مذهب الجمهور وذهب بعض الصحابة كابن عمر والتابعين كابن سيرين إلى تحريمه واستدلوا بحديث علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسى الحديث لتفسير القسى بأنه ما خالط غير الحرير فيه الحرير كما مر قال الحافظ الذي يظهر من سياق طرق الحديث في تفسير القسى أنه الذي يخالطه الحرير لا أنه الحرير الصرف . ومن أدلة الجمهور الرخصة في العلم من الحرير في الثوب قالوا إذا جاز الحرير الخالص
[ 71 ]
قدر أربع أصابع فما يمنع من الجواز إذا كان ذلك المقدار مفرقا كما في الثوب المختلط قال ابن دقيق العيد وهو قياس في معنى الأصل لكن لا يلزم من جواز ذلك جواز كل مختلط وإنما يجوز منه ما كان مجموع الحرير فيه قدر أربع أصابع لو كانت منفردة بالنسبة لجميع الثوب فيكون المنع من لبس الحرير شاملا للخالص والمختلط وبعد الاستثناء يقتصر على القدر المستثنى وهو أربع أصابع إذا كانت منفردة ويلتحق بها في المعنى ما إذا كانت مختلطة واستدل ابن العربي للجواز أيضا بأن النهي عن الحرير حقيلة فقال في الخالص والإذن في القطن ونحوه صريح فإذا خلطا بحيث لا يسمى حريرا بحيث لا يتناوله اسم ولا تشمله علة التحريم خرج عن الممنوع فجاز ومن أدلة الجمهور أنه ثبت لبس الخز عن جماعة من الصحابة كما مر والأصح في تفسير الخز أنه ثياب سداها من حرير ولحمتها من غيره وفيه أن هذا أحد تفاسير الخز وقد سلف الاختلاف في تفسيره فما لم يتحقق أن الخز الذي لبسه الصحابة كان من المخلوط بالحرير لا يصح الاستدلال بلبسه على جواز لبس ما يخالطه الحرير كذا قرر الحافظ قلت قال في النهاية ما معناه إن الخز الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مخلوط من صوف وحرير ولكن قد ظهر لك مما سلف أن الخز حرام وأنه لا يثبت من لبس بعض الصحابة إباحته فما لم يتحقق أن لبس الخز مباح لا يصح الاستدلال بمجرد لبس بعض الصحابة إياه على إباحة لبس ما يخالطه الحرير فإن قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلة السيراء إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة كما مر في حديث عمر وقد رأى علي الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم حين أتاه لابسا لها كما سلف في حديث علي فهذان الحديثان يدلان على تحريم المختلط لأن السيراء عند أهل اللغة هي التي يخالطها الحرير قلت قال الحافظ الذي يتبين أن السيراء قد تكون حريرا صرفا وقد غير محض فالتي في قصة عمر جاء التصريح بأنها كانت من حرير محض ولهذا وقع في حديثه إنما يلبس هذه من لا خلاق له والتي في قصة علي لم تكن حريرا صرفا لما روى ابن أبي شيبة عن علي قال أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة بحرير إما سداها أو لحمتها فأرسل بها إلي فقلت ما أصنع بها ألبسها قال لا أرضى لك إلا ما أرضى لنفسي ولكن اجعلها خمرا بين الفواطم قال ولم يقع في قصة علي وعيد على لبسها كما وقع في قصة عمر بل لا أرضى لك إلا ما أرضى لنفسي قال ولا ريب أن ترك لبس ما خالطه الحرير أولى من لبسه عند من يقول بجوازه انتهى كلام الحافظ ملخصا قال المنذري في إسناده خصيف بن عبد الرحمن وقد ضعفه غير واحد انتهى كلام المنذري
[ 72 ]
قلت وفي التقريب ما لفظه صدوق سيئ الحفظ خلط بآخره ورمي بالإرجاء انتهى . وفي الخلاصة ضعفه أحمد ووثقه ابن معين وأبو زرعة وقال ابن عدي إذا حدث عنه ثقة فلا بأس به انتهى . وقال الحافظ في الفتح والحديث أخرجه الطبراني بسند حسن وأخرجه الحاكم بسند صحيح . (باب في لبس الحرير لعذر) (في قمص الحرير) بضم القاف والميم جمع قميص وفي نسخة بالافراد (من حكة) بكسر الحاء وتشديد الكاف قال الجوهري هي الجرب وقيل هي غيره والحديث يدل على أنه يجوز للرجل لبس الحرير إذا كانت به حكة وهكذا يجوز لبسه للقمل لما في رواية مسلم أنهما شكوا القمل فرخص لهما في قميص الحرير وهو مذهب الجمهور وقد خالف في ذلك مالك والحديث حجة عليه ويقاس غيرهما من الأعذار عليهما والتقييد بالسفر بيان للحال الذي كانا عليه لا للتقييد وقد جعل السفر بعض الشافعية قيدا في الترخيص وضعفه النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وذكر السفر عبد مسلم وحده وأخرج البخاري من حديث أنس أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا لى النبي صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما (باب في الحرير للنساء) (عن عبد الله بن زرير) بضم الزاي مصغرا (إن هذين حرام) قال الخطابي إشارة إلى جنسهما لا إلى عينهما
[ 73 ]
وقال ابن مالك في شرح الكافية أراد استعمال هذين فحذف الاستعمال وأقام هذين مقامه فأفرد الخبر (على ذكور أمتي) أي وحل لإناثهم كما في رواية ابن ماجه والحديث دليل للجماهير القائلين بتحريم الحرير والذهب على الرجال وتحليلهما للنساء . قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي حديث ابن ماجه حل لنسائهم وفي إسناد حديث ابن ماجه محمد بن إسحاق وأخرج الترمذي من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم وقال حسن صحيح وأخرجه النسائي بمعناه (على أم كلثوم) هي بنت خديجة بنت خويلد تزوجها عثمان بعد رقية (برداء سيراء) بكسر السين المهملة بعدها مثناة تحتية ثم راء مهملة ثم ألف ممدودة كعنباء وقد تقدم تفسيره (قال والسيراء المضلع) أي الذي فيه خطوط عريضة كالأضلاع (بالقز) بالقاف وتشديد الزاي هو نوع من الحرير وهذا أحد تفاسير السيراء والحديث من أدلة جواز الحرير للنساء إن فرض اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره . قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه ولفظه لابن ماجه وفي لفظ النسائي رأيت على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قميص حرير سيراء وأخرجه النسائي من حديث شعيب وغيره عن الزهري وقال لم يذكروا أن السيراء المضلع بالقز (عن جابر) هو ابن عبد الله رضي الله عنهما (كنا ننزعه) أي الحرير (عن الغلمان) بكسر الغين جمع الغلام أي عن الصبيان (على الجواري) جمع جارية وهي من النساء من لم تبلغ الحلم
[ 74 ]
قال الشوكاني في النيل قد اختلفوا في الصغار هل يحرم إلباسهم الحرير أم لا فذهب الأكثر إلى التحريم قالوا لأن قوله على ذكور أمتي في الحديث المتقدم يعمهم وقد روي أن إسماعيل بن عبد الرحمن دخل على عمر وعليه قميص من حرير وسواران من ذهب فشق القميص وفك السوارين وقال اذهب إلى أمك وقال محمد بن الحسن إنه يجوز إلباسهم الحرير وقال أصحاب الشافعي يجوز في يوم العيد لأنه لا تكليف عليهم وفي جواز إلباسهم في باقي السنة ثلاثة أوجه أصحها جوازه والثاني تحريمه والثالث يحرم بعد سن التمييز انتهى ملخصا وقال القاري في المرقاة قوله على ذكور أمتي بعمومه يشمل الصبيان أيضا لكنهم حيث لم يكونوا من أهل التكليف حرم على من ألبسهم انتهى (قال مسعر فسألت الخ) قال المنذري يعني أن مسعرا سمع الحديث من عبد الملك بن ميسرة الزراد الكوفي عن عمرو بن دينار فسأله عن الحديث فلم يعرفه فلعله نسيه والله عز وجل أعلم انتهى كلام المنذري (باب في لبس الحبرة) أي بكسر المهملة وفتح الموحدة . قال الجوهري الحبرة بوزن عتبة برديمان . وقال الهروي موشية مخططة . وقال الداودي لونها أخضر لأنها لباس أهل الجنة كذا قال وقال ابن بطال هي من برود اليمن تصنع من قطن وكانت أشرف الثياب عندهم وقال القرطبي سميت حبرة لأنها تحبر أي تزين والتحبير والتزيين والتحسين كذا في فتح الباري (أو أعجب) شك من الراوي (قال الحبرة) لأنه ليس فيها كثير زينة ولأنها أكثر احتمالا للوسخ من غيرها
[ 75 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (باب في البياض) (أخبرنا عبد الله بن عثمان بن خثيم) بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة مصغرا (إلبسوا من ثيابكم البيض) جمع الأبيض وأصله فعل بضم أوله كحمر وصفر وسود فكان القياس بوض لكن كسر أوله إبقاء على أصل الياء فيه (فإنها من خير ثيابكم) لدلالته غالبا على التواضع وعدم الكبر والخيلاء والعجب وسائر الأخلاق الطيبة وبين في كونها من خير الثياب وجوه أخر (وكفنوا فيها موتاكم) عطف على إلبسوا أي إلبسوها في حياتكم وكفنوا فيها موتاكم (وإن خير أكحالكم الإثمد) بكسر الهمزة والميم بينهما مثلثة ساكنة وحكى فيه بضم الهمزة حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يكون ببلاد الحجاز وأجوده يؤتى به من أصبهان (يجلو البصر) من الجلاء أي يحسن النظر ويزيد نور العين بدفعه المواد الرديئة المنحدرة من الرأس (وينبت الشعر) من الإنبات والمراد بالشعر هنا الهدب وهو بالفارسية مثره ثنا وهو الذي ينبت على أشفار العين . والحديث يدل على استحباب لبس البيض من الثياب وتكفين الموتى بها قال في النيل والأمر في الحديث ليس للوجوب أما في اللباس فلما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من لبس غيره وإلباس جماعة من الصحابة ثيابا غير بيض وتقريره لجماعة منهم على غير لبس البياض وأما في الكفن فلما ثبت عند أبي داود قال الحافظ بإسناد حسن من حديث جابر مرفوعا إذا توفي أحدكم فوجد شيئا فليكفن في ثوب حبرة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه مختصرا وقال الترمذي حسن صحيح .
[ 76 ]
(باب في الخلقان وفي غسل الثوب) الخلقان بضم فسكون جمع خلق بفتحتين يقال ثوب خلق أي بال (في الفارسية كهنة) . (شعثا) بفتح فكسر في الفارسية برا كنده موى (قد تفرق شعره) هذا تفسير لقوله شعثا (أما كان) ما نافية أي ألم يكن (هذا) يعني الرجل الشعث (ما يسكن به شعره) أي ما يلم شعثه ويجمع تفرقه فعبر بالتسكين عنه (وعليه ثياب وسخة) بفتح فكسر قال في القاموس وسخ الثوب كوجل يوسخ هذا وياسخ ثم وبيسخ رسول واستوسخ ولا وتوسخ واتسخ علاه الدرن (ما يغسل به ثوبه) أي من الصابون أو الأشنان أو نفس الماء وفي بعض النسخ ماء يغسل به ثوبه بالمد والتنوين وفي الحديث استحباب تنظيف شعر الرأس بالغسل والرجيل لم بالزيت ونحوه وفيه طلب النظافة من الأوساخ الظاهرة على الثوب والبدن قال الشافعي رضي الله عنه من نظف ثوبه قل همه وفيه الأمر بغسل الثوب ولو بماء فقط كذا قال العلامة العزيزي في السراج المنير . قال المنذري وأخرجه النسائي (في ثوب دون) أي دنئ غير لائق بحالي من الغنى ففي القاموس دون بمعنى الشريف والخسيس ضد (قال من أي المال) أي من أي صنف من جنس الأموال (قد أتاني) بالمد أي أعطاني (والرقيق) أي من المماليك من نوع انسان (فلير) بصيغة المجهول أي فليبصر ولينظر (أثر نعمة الله عليك وكرامته) أي الظاهرة والمعنى
[ 77 ]
البس ثوبا جيدا ليعرف الناس أنك غنى وأن الله أنعم عليك بأنواع النعم قال المنذري وأخرجه النسائي . (باب في المصبوغ بالصفرة) حدثنا ليس في بعض النسخ لفظ بالصفرة . (كان يصبغ بضم الموحدة ويفتح ويكسر) لحيته بالصفرة أي بالورس وهو نبت يشبه الزعفران وقد يخلط به (حتى تمتلئ ثيابه) أي من القناع أو غيره من أعاليه (فقيل له لم تصبغ) أي والحال أن غيرك لم يصبغ (فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها) أي بالصفرة . قال المنذري واختلف الناس في ذلك فقال بعضهم أراد الخضاب للحيته بالصفرة وقال اخرون أراد كان يصفر ثيابه ويلبس ثيابا صفرا انتهى قال الشوكاني في النيل ويؤيد القول الثاني تلك الزيادة التي أخرجها أبو داود والنسائي انتهى والزيادة التي أشار إليها هي قوله وقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته وهذه الزيادة ليست في رواية الشيخين وقال في فتح الودود الظاهر أن المراد يصبغ بها الشعر وأما الثياب فذكر صبغها في ما بعد ولعله كان يصبغ بالورس فقد جاء ذلك وجاء أنه لبس ملحفة ورسية رواه ابن سعد فلا ينافي نهى التزعفر وجاء أن الملائكة لا تحضر جنازة المتضمخ بالزعفران لكن يشكل عليه ما جاء أنه يصبغ بالورس والزعفران ثيابه حتى عمامته . وفي المواهب جاء ذلك من حديث زيد بن أسلم وأم سلمة وابن عمر أجيب لعله يصبغ بالزعفران بعض الثوب والنهي عن استيعاب الثوب بالصبغ كذا ذكره في حاشية المواهب . وأجاب ابن بطال وابن التين بأن النهي عن التزعفر مخصوص بالجسد ومحمول على الكراهة لأن تزعفر الجسد من الرفاهية التي نهى الشارع عنها دون التحريم لحديث عبد الرحمن أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة أي زعفران كما في رواية فلم ينكر عليه
[ 78 ]
النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمره بغسلها انتهى (ولم يكن شئ أحب إليه) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم (منها) أي من الصفرة (وقد كان) قال على القارى في المرقاة أي ابن عمر فأرجع الضمير إلى بن عمر والصواب أن الضمير يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو الظاهر من عبارتي النيل وفتح الودود المذكورتين (حتى عمامته) بالنصب قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده اختلاف وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبيد بن جريج عن ابن عمر قال وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها . (باب في الخضرة) (يعني ابن إياد) بكسر الهمزة وفتح التحتية المخففة (عن أبي رمثة) بكسر راء فسكون ميم ممثلثة قوله اسمه رفاعة بن يثربي كذا قال صاحب التقريب وقال الترمذي اسمه حبيب بن وهب (نحو النبي صلى الله عليه وسلم) أي إليه صلى الله عليه وسلم (فرأيت عليه بردين أخضرين) أي مصبوغين بلون الخضرة وهو أكثر لباس أهل الجنة كما ورد به اخبار وقد قال تعالى (عاليهم ثياب سندس خضر) وهو أيضا من أنفع الوان للأبصار ومن أجملها في أعين الناظرين والظاهر أنهما كانا أخضرين بحتين وقال القارى ويحتمل أنهما كانا مخوطين له بخطوط خضر لأن البرود تكون غالبا ذوات الخطوط قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن إياد وهذا اخر كلامه وعبيد الله وأبوه ثقتان وإياد بكسر الهمزة وفتح الياء اخر الحروف وبعد الألف دال مهملة
[ 79 ]
(باب في الحمرة (هبطنا) أي نزلنا (من ثنية) هي الطريقة في الجبل وفي رواية ابن ماجه من ثنيه أذاخر وهو على وزن أفاعل ثنية بين مكة والمدينة (وعلى ريطة) بفتح الراء المهملة وسكون التحتية ثم طاء مهملة ويقال رائطة قال المنذري جاءت الرواية بهما وهي كل ملاءة منسوجة بنسخ واحد وقيل كل ثوب رقيق لين والجمع ريط ورياط (مضرجة) بفتح الراء المشددة أي الملطخة وقال في المجمع ريطة مضرجة أي ليس صبغها بالمشبع (يسجرون) أي يوقدون والسجر محمد في الفارسية تافتن إلى تنور (فقذفها) أي ألقيت الريطة (فيه) أي في التنور والحديث يدل على جواز لبس المعصفر للنساء وعدم جوازه للرجال وقد تقدم الكلام في هذه المسألة . قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وقد تقدم الكلام على عمرو بن شعيب
[ 80 ]
(قال هشام يعني ابن الغاز المضرجة التي ليست بمشبعة) بتشديد الباء المفتوحة (ولا الموردة) بتشديد الراء المفتوحة وفي بعض النسخ ولا بموردة وفي بعضها ليست بالمشبعة ولا الموردة ومعنى مشبعة وافرة ما يكون صبغة وافرا تاما والمورد ما صبغ على لون الورد والمعنى أن المضرجة هي التي ليس صبغها مشبعا ولا موردا بل دون المشبع وفوق المورد قال المنذري وقال غيره أي غير هشام وضرجت كان الثوب إذا صبغته بالحمرة وهو دون المشبع وهو المورد انتهى (عن شفعة) بضم أوله السهمي الحمصي عن عبد الله بن عمرو وعنه شرحبيل بن مسلم وثقه ابن حبان كذا في الخلاصة (قال أبو علي الؤلؤي) هو صاحب أبي داود المؤلف (أراه) بضم الهمزة أي أظن أنه قال (موردا) بتشديد الراء المفتوحة قال التوربشتي أي صعبا موردا أقام الوصف مقام المصدر الموصوف والمورد ما صبغ على لون الورد انتهى ذكره القارى ويحتمل أن يكون حالا من الضمير في مصبوغ (أفلا كسوته بعض أهلك) يعني زوجته أو بعض نساء محارمة وأقاربه
[ 81 ]
(قال أبو داود رواه ثور) بن يزيد (عن خالد) بن معدان أحد علماء التابعين (فقال) في روايته وعلى ثوب (مورد) وعند مسلم في صحيحه من طريق محمد بن إبراهيم بن الحارث عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير أن عبد الله بن عمرو بن العاص أخبره قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها (وطاؤس قال معصفر) أخرج مسلم من طريق سليمان الأحول عن طاؤس عن عبد الله بن عمرو وقال رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين الحديث . قال المنذري في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال وفيه أيضا شرحبيل بن مسلم الخولاني وقد ضعفه يحي بن معين . (حدثنا محمد بن حزابة) بضم المهملة ثم الزاي وبعد الألف موحدة المروزي ثم البغدادي وثقه الخطيب (مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل الحديث) احتج بهذا الحديث القائلون بكراهة لبس الأحمر وأجاب المبيحون عنه بأنه لا ينتهض للاستدلال به في مقابلة الأحاديث القاضية با لإباحة لما فيه من المقال وبأنه واقعة عين فيحتمل أن يكون ترك الرد عليه بسبب آخر كذا قال المبيحون وفي الحديث جواز ترك الرد على من سلم وهو مرتكب لمنهي عنه ردعا له وزجرا على معصيته قال ابن رسلان ويستحب أن يقول المسلم عليه أنا لم أرد عليك لأنك مرتكب لمنهي عنه وكذلك يستحب ترك السلام على أهل البدع والمعاصي الظاهرة تحقيرا لهم وزجرا ولذلك قال كعب بن مالك فسلمت عليه فوالله ما رد السلام علي قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب من هذا الوجه هذا اخر كلامه وفي إسناده أبو يحيى القتات وقد اختلف في اسمه فقيل عبد الرحمن بن دينار ويقال اسمه زاذان ويقال عمران ويقال مسلم ويقال زياد ويقال يزيد وهو كوفي ولا يحتج بحديثه وهو منسوب إلى بيع القت وقال أبو بكر البزار وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بن عمرو
[ 82 ]
ولا نعلم له طريقا إلا هذا الطريق ولا نعلم رواه عن إسرائيل إلا إسحاق بن منصور انتهى كلام المنذري وقال الحافظ في الفتح وهو حديث ضعيف الإسناد وإن وقع في نسخ الترمذي أنه حسن إنتهى . (على رواحلنا وعلى إبلنا) هكذا في أكثر النسخ فقوله على إبلنا عطف تفسيري لقوله على رواحلنا وهي جمع راحلة قال أصحاب اللغة الراحلة النجيب الصالح لأن يرحل من الإبل والقوي على الأسفار والأحمال للذكر والأنثي والهاء للمبالغة وفي المصباح الراحلة المركب من الابل ذكرا كان أو أنثى وبعضهم بقول الراحلة الناقة التي تصلح أن ترحل وجمعها رواحل والرحل مركب للبعير وحلس ورسن وجمعه أرحل ورحال مثل أفلس وسهام ورحلت البعير رحلا من باب نفع شددت عليه رحله انتهى وفي بعض نسخ الكتاب وعلى رواحلنا وهي على إبلنا وهذا ليس بواضح لأن مركب البعير يقال له الرحل وجمعه أرحل ورحال ولو كان كذا لقال الرواي وعلى رحالنا وهي على إبلنا والله أعلم (أكسية) جمع كساء بالكسر والمد (خيوط عهن) بكسر العين المهملة وسكون الهاء هو الصوف مطلقا أو مصبوغا (حمر) بالرفع صفة لخيوط أو (قد علتكم) أي غلبتكم (فقمنا سراعا) بكسر السين جمع سريع أي مسرعين حال من ضمير قمنا (حتى نفر بعض إبلنا) أي لشدة إسراعنا (فنزعناها) أي الأكسية (عنها) أي عن الرواحل والإبل والحديث من أدلة القائلين بكراهة لبس الأحمر ولكنه لا تقوم به حجة لأن في إسناده رجلا مجهولا قال المنذري في إسناده رجل مجهول
[ 83 ]
(ابن عوف الطائي) هو محمد بن عوف (محمد بن إسماعيل) بن عياش (حدثني أبي) إسماعيل بن عياش الحمصي (عن حريث بن الأبج السليحي) بفتح المهملة وكسر اللام وسكون الياء بعدها مهملة شامي مجهول كذا في التقريب ووقع في بعض النسخ عن حريث بن الأبلج بزيادة اللام بين الموحدة والجيم وكذا وقع في التقريب والخلاصة ولكن قال في هامش الخلاصة كذا في أخرى وفي التهذيب والميزان الأبج انتهى وحريث بضم الحاء وفتح الراء المهملتين واخره مثلثة (بمغرة) بسكون غين وقد يحرك قال في القاموس المغرة طين أحمر وقال في المجمع هو المدر الأحمر الذي يصبغ به الثياب (ووارت) أي أخفت وسترت وفي الحديث دلالة على كراهة لبس الثوب الأحمر لكنه ضعيف قال المنذري في إسناده إسماعيل بن عياش وابنه محمد بن إسماعيل بن عياش وفيهما مقال وهكذا وقع في أصل سماعنا وفي غيره عن حبيب بن عبيد عن حريث بن الأبلج السليحي ووقع عند غير واحد عن حبيب بن عبيد عن عبيد بن الأبلج السليحي ولم يذكر الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأشراف سواه وسماه عبيد بن الأبج والنفس لما قاله أميل انتهى وقال المزي في الأطراف حريث بن الأبج السليحي عن امرأة من بني أسد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثه أخرجه أبو داود في اللباس وهكذا هو في الأصول القديمة الصحيحة من سنن أبي داود حريث بن الأبج وفي حديث أبي القاسم عبيد الله بن الأبج وهو وهم انتهى
[ 84 ]
(باب في الرخصة في ذلك) أي في الحمرة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعر يبلغ شحمة أذنيه) شحمة الأذن هي اللين من الأذن في أسفلها وهو معلق القرط منها (ورأيته) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (في حلة حمراء) في القاموس الحلة بالضم إزار ورداء برد أو غيره ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة انتهى . وقال النووي الحلة هي ثوبان إزار ورداء قال أهل اللغة لا تكون إلا ثوبين سميت بذلك لأن أحدهما يحل على الآخر وقيل لا تكون الحلة إلا الثوب الجديد الذي يحل من طيه انتهى . قال الحافظ بن القيم وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتا لا يخالطها غيرها وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمانية وهي معروفة بهذا الإسم باعتبار ما فيها من الخطوط وإنما وقعت شبهة من لفظ الحلة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي بمعناه (بمنى) بالألف منصرف ويكتب بالياء ويمنع عن الصرف قاله القاري (وعليه برد أحمر) وفي بعض النسخ رداء مكان برد (وعلي) أي ابن أبي طالب (أمامه) بفتح الهمزة منصوب على الظرف أي قدامه (يعبر عنه) أي يبلغ عنه الكلام إلى الناس لاجتماعهم وازدحامهم وذلك لأن القول لم يكن ليبلغ أهل الموسم ويسمع سائرهم الصوت الواحد لما فيهم من الكثرة واحتج بحديثي الباب من قال بجواز لبس الأحمر وهم الشافعية والمالكية وغيرهم وذهبت الحنفية إلى كراهة ذلك واستدلوا بنوعين من الأحاديث الأول ما ورد في تحريم لبس المصبوغ بالعصفر قالوا لأن العصفر يصبغ صباغا أحمر والثاني ما جاء في النهي عن لبس مطلق الأحمر
[ 85 ]
أما استدلالهم بالنوع الأول أعني الأحاديث التي وردت في تحريم لبس المصبوغ بالعصفر فغير صحيح لأن تلك الأحاديث أخص من الدعوى وقد عرفت فيما سبق أن الحق أن المصبوغ بالعصفر لا يحل لبسه وأما النوع الثاني فمنه حديث عبد الله بن عمرو وحديث رافع بن خديج وحديث حريث بن الابج وهذه الأحاديث الثلاثة تقدمت في باب الحمرة وقد عرفت أن واحدا منها لا يصلح للاحتجاج لما في أسانيدها من المقال الذي ذكرنا ومنه ما في صحيح البخاري وغيره من النهي عن المياثر الحمر ولكنه لا يخفي عليك أن هذا الدليل أخص من الدعوى وغاية ما في ذلك تحريم الميثر الحمراء فما الدليل على تحريم ما عداها مع ثبوت لبس النبي صلى الله عليه وسلم للحلة الحمراة) في غير مرة ومنه حديث رافع بن بردا ورافع ابن خديج بلفظ إن الشيطان يحب الحمرة فإياكم والحمرة الحديث أخرجه الحاكم في الكني وأبو نعيم في المعرفة وغيرهما والحديث على ما قال الشوكاني ضعيف لا يصلح للحجية وقد بسط في النيل في عدم حجيته رواية ودراية فليراجع إليه قال وقد زعم شمس الدين ابن القيم أن الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود وغلط من قال أنها كانت حمراء بحتا قال وهي معروفة بهذا الإسم ولا يخفاك أن الصحابي قد وصفها بأنها حمراء وهو من أهل اللسان والواجب الحمل على المعنى الحقيقي وهو الحمراء البحت والمصير إلى المجاز أعني كون بعضها أحمر دون بعض لا يحمل ذلك الوصف عليه إلا لموجب فإن أراد أن ذلك معنى الحلة الحمراء لغة فليس في كتب اللغة ما يشهد لذلك وإن أراد أن ذلك حقيقة شرعية فيها فالحقائق الشرعية لا تثبت بمجرد الدعوى والواجب حمل مقالة ذلك الصحابي على لغة العرب لأنها لسانه ولسان قومه انتهى وقد أطال الكلام في هذه المسألة الحافظ الناقد ابن حجر في فتح الباري والعلامة العيني في عمدة القاري والصواب أن لبس الثوب المشبع بالحمرة يكره للرجال دون ما كان صبغه خفيفا والله أعلم وحديث هلال بن عامر عن أبيه . قال المنذري اختلف في إسناده فقيل انفرد بحديثه أبو معاوية الضرير وقيل إنه أخطأ فيه لأن يعلى بن عبيد قال فيه عن هلال بن عمرو عن أبيه وصوب بعضهم الأول وعمرو هذا هو ابن رافع المزني مذكور في الصحابة وذكر له هذا الحديث وقال بعضهم فيه عن عمرو بن أبي رافع عن أبيه
[ 86 ]
(باب في السواد) (صبغت) بالصاد المهملة والموحدة والغين المعجمة قد ضبط بالقلم في بعض النسخ بسكون التاء على صيغة المجهول وفي بعضها بضم التاء على صيغة المتكلم وفي بعض النسخ بالصاد المهملة والنون والعين المهملة وعلى هذه النسخة ليس هو إلا على صيغة المجهول (بردة) بالنصب أو الرفع على أنه مفعول أو نائب الفاعل (فقذفها) أي أخرجها وطرحها والحديث يدل على مشروعية لبس السواد وأنه لا كراهة فيه قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا . (باب في الهدب) في القاموس : عبد الهدب بالضم وبضمتين شعر أشفار العين وخمل الثوب واحدتهما بهاء وقال الحافظ هي أطراف من سدى بغير لحمة ربما قصد بها التجمل وقد تفتل صيانة لها من الفساد وقال الداودي هي ما يبقى من الخيوط من أطراف الأردية (وهو محتب بشملة) بفتح المعجمة وسكون الميم ما يشتمل به من الأكسية أي يلتحف ومحتب اسم فاعل من الاحتباء والمعنى أنه كان جالسا على هيئة الاحتباء وألقى شملته خلف ركبتيه وأخذ بكل يد طرفا من تلك الشملة ليكون كالمتكئ عليه على شئ وهذا عادة العرب إذا لم يتكئوا أبي على شئ كذا في المرقاة وقال في المجمع الاحتباء هو أن يضم رجليه إلى بطنه بثوب يجمعها به مع ظهره ويشده عليها وقد يكون باليدين انتهى والنهي عن الاحتباء في ثوب واحد إنما هو إذا لم يكن على فرجه منه شئ (وقد وقع هدبها على قدميه) أي على قدمي النبي صلى الله عليه وسلم والحديث يدل على مشروعية استعمال الثوب المهدب وقد ترجم البخاري باب الإزار المهدب وأورد
[ 87 ]
فيه حديث عائشة في قصة امرأة رفاعة القرظي وفيه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل الهدبة وأخذت هدبة من جلبابها . وقال العلامة الأردييلي (في شرح المصابيح حديث جابر فيه مسائل الأولى في بيان الحديث هذا حديث رواه النسائي وأبو داود مسندا إلى جابر الثانية في اللفظ الشملة الكساء الكبير الذي يشمل البدن والهدب الحاشية الثالثة فيه جواز الاحتباء والاشتمال بالكساء ونحوة بلا كراهة انتهى . ولقد سقط الحديث من نسخة المنذري ولعله من سهو الكاتب والله أعلم (باب في العمائم) جمع العمامة يكسر العين قال القاري وقول العصام بفتحها على وزن الغمامة هو سهو قلم من العلامة (وعليه عمامة سوداء) قال الحافظ بن القيم في زاد المعاد لم يذكر في حديث جابر يعني هذا الحديث ذؤابة فدل على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائما بين كتفيه انتهى وفيه نظر إذ لا يلزم من عدم ذكر الذؤابة في هذا الحديث عدمها في الواقع حتى يستدل به على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يرخي الذؤابة دائما والحديث يدل على استحباب لبس العمامة السوداء قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه (قد أرخى) أي أرسل (طرفها) وفي بعض النسخ طرفيها بالتثنية والحديث يدل على استحباب إرخاء طرف العمامة بين الكتفين وقال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 88 ]
(صارع) الصرع الطرح على الأرض والمفاعلة للمشاركة والمصارعة بالفارسية كشتى كرفتن والضمير المرفوع يرجع إلى ركانة النبي (صلى الله عليه وسلم) بالنصب (فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم) أي غلبه في الصرع ففيه المغالبة وعلى ذكر فعل بعد المفاعلة لإظهار غلبه أحد الطرفين المتغالبين (فرق ما بيننا وبين المشركين) أي الفارق فيما بيننا معشر المسلمين وبين المشركين (العمائم) جمع العمامة أي لبس العمائم (على القلانس) بفتح القاف وكسر النون جمع قلنسوة قال العزيزي فالمسلمون يلبسون القلنسوة وفوقها العمامة ولبس القلنسوة وحدها زي المشركين انتهى وكذا نقل الجزري عن بعض العلماء وبه صرح القاضي أبو بكر في شرح الترمذي وقيل أي نحن نتعمم على القلانس وهم يكتفون بالعمائم ذكره الطيبي وغيره من الشراح وتبعهما ابن الملك كذا قال القاري في المرقاة وقال روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس القلانس تحت العمائم ويلبس العمائم بغير القلانس ولم يرو أنه صلى الله عليه وسلم لبس القلنسوة بغير العمائم فيتعين أن يكون هذا زي المشركين انتهى قلت قال الحافظ بن القيم في زاد المعاد وكان يلبسها يعني العمامة ويلبس تحتها القلنسوة وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة انتهى وفي الجامع الصغير برواية الطبراني عن ابن عباس قال كان يلبس قلنسوة بيضاء قال العزيزي إسناده حسن وفيه برواية الروياني وابن عساكر عن ابن عباس كان يلبس القلانس تحت العمائم وبغير العمائم ويلبس العمائم بغير القلانس وكان يلبس القلانس اليمانية وهن البيض المضربة ويلبس القلانس ذوات الآذان في الحرب وكان ربما نزع قلنسوة فجعلها سترة بين يديه وهو يصلي الحديث قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حديث غريب وإسناده ليس بالقائم ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني ولا ابن ركانة (أخبرنا سليمان بن خربوذ) بفتح المعجمة وتشديد الراء بعد هاء موحدة مضمومة مجهول كذا في التقريب (عممني) بممين لا أي لف عمامتي على رأسي (فسد لها بين يدي ومن
[ 89 ]
خلفي) أي أرسل لعمامتي أن طرفين أحدهما على صدري والآخر من خلفي والحديث ضعيف فالأولى أن يرسل طرف العمامة الذي يسمى العلامة والعذبة والذبابة بين الكتفين كما يدل عليه حديث عمرو بن حريث المذكور وهو حديث صحيح وفي جامع الترمذي عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه قال نافع وكان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه قال عبيد الله ورأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك قال في السبل من آداب العمامة تقصير العذبة فلا تطول طولا فاحشا وإرسالها بين الكتفين ويجوز تركها بالأصالة وقال النووي في شرح المهذب يجوز لبس العمامة بإرسال طرفها وبغير إرساله ولا كراهة في واحد منهما ولم يصح في النهي عن ترك إرسالها شئ وإرسالها إرسالا فاحشا كإرسال الثوب يحرم للخيلاء ويكره لغيره انتهى وقد أخرج ابن أبي شيبة أن عبد الله بن الزبير كان يعتم بعمامة سوداء قد أرخاها من خلفه نحوا من ذراع وروى سعد بن سعيد عن رشدين قال رأيت عبد الله بن الزبير يعتم بعمامة سوداء ويرخيها شبرا أو أقل من شبر وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف فأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوها ثم قال هكذا فاعتم فانه أعرب وأحسن قال السيوطي وإسناده حسن وفي المرقاة قال الجزري في تصحيح المصابيح قد تتبعت الكتب وتطلبت من السير والتواريخ لأقف على قدر عمامة النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقف على شئ حتى أخبرني من أثق به أنه وقف على شئ من كلام النووي ذكر فيه أنه كان له صلى الله عليه وسلم عمامة قصيرة وعمامة طويلة وأن القصيرة كانت سبعة أذرع والطويلة اثني عشر ذراعا ذكره القاري وقال وظاهر كلام المدخل أن عمامته كانت سبعة أذرع مطلقا من غير تقييد بالقصير والطويل انتهى وفي النيل قال ابن رسلان في شرح السنن عند ذكر حديث عبد الرحمن وهي التي صارت شعار الصالحين المتمسكين بالسنة يعني إرسال العلامة على الصدر انتهى والله تعالى أعلم وعلمه أتم قال المنذري شيخ من أهل اليمن مجهول (باب في لبسة الصماء) بالصاد المهملة وتشديد الميم وبالمد (عن لبستين) بصيغة التثنية وهو بكسر اللام لأن
[ 90 ]
المراد بالنهي الهيئة المخصوصة لا المرة الواحدة من اللبس (أن يحتبي الرجل) الاحتباء أن يقعد على إليتيه وينصب ساقيه ويلف عليه ثوبا ويقال له الحبوة وكانت من شأن العرب (مفضيا بفرجه إلى السماء) أي لم يكن بين فرجه وبين السماء شئ يواريه فالنهي عن الاحتباء إنما هو بقيد كشف الفرج وإلا فهو جائز (ويلبس ثوبه الخ) عطف على قوله يحتبي وهذا هو اللبسة الثانية وهو الصماء والمعنى ويلبس الرجل ثوبه ويلقيه على أحد عاتقيه فيخرج أحد جانبيه عن الثوب ويبدو وجاء تفسير الصماء في رواية البخاري بلفظ والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب قال المنذري وقد أخرج البخاري والنسائي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اشتمال الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد وليس على فرجه منه شئ (عن جابر) هو ابن عبد الله رضي الله عنهما (عن الصماء) قال أهل اللغة هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبا ولا يبقى ما يخرج منه يده قال ابن قتيبة سميت صماء لأنه يسد المنافذ كلها فتصير كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق وقال الفقهاء هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا قال النووي فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروها لئلا يعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر وعلى تفسير الفقهاء يحرم لأجل انكشاف العورة قال الحافظ ظاهر سياق المصنف يعني البخاري من رواية يونس في اللباس أن التفسير المذكور فيها مرفوع وهو موافق لما قال الفقهاء وعلى تقدير أن يكون موقوفا فهو حجة على الصحيح لأنه تفسير من الراوي لا يخالف الخبر انتهى . قلت التفسير المذكور في حديث أبي هريرة المذكور مرفوع بلا شك وهو موافق للتفسير المذكور في رواية يونس عند البخاري فهو المعتمد (وعن الاحتباء في ثوب واحد) تقدم معنى الاحتباء والمطلق ههنا محمول على المقيد في الحديث الذي قبله قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 91 ]
(باب في حل الأزرار) على جمع زر بكسر الزاي وتشديد الراء هو الذي يوضع في القميص قال في القاموس وقال في الصراح زر بالكسر كوبك كربيان وجزآن ويقال له بالهندية كهندي الله (حدثنا النفيلي) هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل بنون وفاء مصغرا (قال ابن نفيل) هو النفيلي المذكور أي قال النفيلي في روايته بعد قوله عروة بن عبد الله (ابن قشير) بالقاف والمعجمة مصغرا (أبو مهل) لفتح الميم والهاء وتخفيف اللام (الجعفي) بضم الجيم والحاصل أن النفلي قال أخبرنا عروة بن عبد الله بن قشير أبو مهل الجعفي وأما أحمد بن يونس فقال في روايته أخبرنا عروة بن عبد الله فقط (أخبرنا معاوية بن قرة) بضم قاف وتشديد راء (في رهط) أي مع طائفة وفي تأتي بمعنى كما في قوله تعالى أدخلوا في أمم والرهط بسكون الهاء ويحرك قوم الرجل وقبيلته أو من ثلاثة إلى عشرة كذا في القاموس وقيل إلى الأربعين على ما في النهاية (من مزينة) بالتصغير قبيلة من مضر والجار صفة لرهط (وإن قميصه لمطلق الأزرار) جمع زر القميص وفي بعض النسخ وإن قميصه لمطلق بغير ذكر الأزرار وفي رواية الترمذي في شمائله وإن قميصه لمطلق أو قال زر قميصه مطلق قال القاري مفسرا لقوله لطلق الأزرار أي محلولها قال أو متروكها مركبة قال ميرك أي غير مشدود الأزرار وقال العسقلاني أي غير مزرور قال ولعل هذا الاختلاف مبني على ما في الشمائل ثم نقل رواية الشمائل إلى قوله وإن قميصه لمطلق أو قال زر قميصه مطلق وقال أي غير مركبة بزرار عن أو غير مربوط والشك من شيخ الترمذي انتهى (في جيب قميصه) بفتح الجيم وسكون التحتية بعدها موحدة ما يقطع من الثوب ليخرج الرأس أو اليد أو غير ذلك قال الحافظ في الفتح قوله أدخلت يدي الخ يقتضي أن جيب قميصه كان في صدره لما في صدر الحديث أنه رؤى مطلق القميص أي غير مزرور انتهى (فمسست) بكسر السين الأولى ويفتح والأولى هي اللغة الفصيحة أي لمست (الخاتم) بفتح التاء وبكسر أي خاتم النبوة
[ 92 ]
(إلا مطلقي أزرارها) بفتح القاف وسكون التحتية على صيغة التثنية سقطت النون بالإضافة (ولا يزرران أزرارهما أبدا) وفي بعض النسخ ولا يزران من الثلائي في الصراح زر بالفتح كوبك يستن بيراهن من رابرخود في من باب نصر وإنما تركا الزر لشدة اتباعهما لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك كان ابن عمر رضي الله عنه يكون محلول الأزرار وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم محلول الأزرار رواه البزار بسند حسن قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه ووالد معاوية هو قرة بن إياس المزني له صحبة وكنيته أبو معاوية وهو جد إياس بن معاوية بن قرة قاضي البصرة وذكر الدارقطني أن هذا الحديث تفرد به وذكر أبو عمر النمري أن قرة بن إياس لم يرو عنه غير ابنه معاوية بن قرة هذا آخر كلامه وأبو مهل بفتح الميم وبعدها هاء مفتوحة ولام مخففة ابن عبد الله بن بشير جعفي كوفي وثقه أبو زرعة الرازي رضي الله عنهم (باب في التقنع) بن بقاف ونون ثقيلة هو تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره (بينا نحن) أي آل أبي بكر (جلوس) أي جالسون (في بيتنا) أي بمكة (في نحر الظهيرة) بفتح الظاء المعجمة وكسر الهاء المهملة أي أول الهاجرة وقال في النهاية أي حين تبلغ الشمس منتهاها من الارتفاع كأنها وصلت إلى النحر وهو أعلى الصدر ونحر الشئ أوله (مقبلا) أي متوجها (متقنعا) بكسر النون المشددة أي مغطيا رأسه بالقناع أي بطرف ردائه على ما هو عادة العرب لحر الظهيرة ويمكن أنه أراد به التستر لكيلا يعرفه كل أحد وهما حالان مترادفان أو متداخلان والعامل معنى اسم الإشارة والحديث طويل في شأن الهجرة أتى أبو داود بطرف منه وفيه دلالة على مشروعية التقنع قال المنذري وأخرجه البخاري بنحوه في الحديث الطويل في الهجرة
[ 93 ]
(باب ما جاء في إسبال الإزار) أي في إرساله وإرخائه (الهجيمي) بضم الهاء وفتح الجيم (وأبو تميمة اسمه طريف بن مجالد) أبو تميمة مبتدأ وقوله اسمه طريف بن مجالد خبره (عن أبي جري) بضم الجيم وفتح الراء وتشديد الياء مصغرا (جابر بن سليم) بالجر بدل من أبي جري (يصدر الناس عن رأيه) أي يرجعون عن قبول قوله يعني يقبلون قوله قال في المجمع شبه المنصرفين عنه بعد توجههم إليه لسؤال معادهم ومعاشهم بواردة هذه صدروا عن المنهل بعد الري أي ينصرفون عما يراه ويستصوبونه سنة ويعملون به (لا يقول شيئا إلا صدروا عنه) قال في فتح الودود أي يأخذون منه كل ما حكم به ويقبلون حكمه (قال لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الميت) قال الخطابي هذا يوهم أن السنة في تحية
[ 94 ]
الميت أن يقال له عليك السلام كما يفعله كثير من العامة وقد ثبت عن النبي أنه دخل المقبرة فقال السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين فقدم الدعاء على اسم المدعو له كهو في تحية الأحياء وإنما كان ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة منهم في تحية الأموات إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم كقول الشاعر عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته إن شاء أن يترحما وكقول الشماخ عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق والسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات بدليل حديث أبي هريرة الذي ذكرناه والله أعلم انتهى (الذي إذا أصابك الخ) صفة لله عز وجل (فدعوته) بصيغة الخطاب (كشفه عنك) أي دفعه عنك (عام سنة) أي قحط وجدب (أنبتها لك) أي صيرها ذات نبات أي بدلها خصبا (بأرض قفر) بفتح القاف وسكون الفاء أي خالية عن الماء والشجر (أو فلاة عمرو) أي مفازة (فضلت راحلتك) أي ضاعت وغابت عنك (إعهد إلي) أي أوصني بما أنفع به (إن ذلك) أي كلامك على الوجه المذكور (وإياك وإسبال الإزار) أي أحذر إرسال الإزار وإرخاءه قبل من الكعبين (فإنها) أي إسبال الإزار (من المخيلة) بوزن عظيمة وهي بمعنى الخيلاء والتكبر (فلا تعيرة يحيى) من التعيير وهو التوبيخ والتعييب على ذنب سبق لأحد من قديم العهد سواء علم توبته منه أم لا وأما التعبير
[ 95 ]
في حال المباشرة أو بعيده قبل ظهور التوبة فواجب لمن قدر عليه وربما يجب الحد أو التعزير فهو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال القاري والحديث يدل على أن القدر المستحب فيما ينزل إليه الإزار هو نصف الساقين والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين وما نزل بحيث يغطي الكعبين فهو حرام وأخرج النسائي من حديث حذيفة قال قال رسول الله موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة فإن أبيت فأسفل فإن أبيت فمن وراء الساق ولا حق للكعبين في الإزار وقال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي مختصرا وقال الترمذي حسن صحيح انتهى وقال النووي في رياض الصالحين رواه أبو داود والترمذي بالإسناد الصحيح انتهى (من جر ثوبه خيلاء) بضم الخاء المعجمة وفتح التحتية وبالمد قال النووي هو والمخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر كلها بمعنى واحد (لم ينظر الله إليه يوم القيامة) النظر حقيقة في إدراك العين للمرئي وهو هنا مجاز عن الرحمة أي لا يرحمه الله لامتناع حقيقة النظر في حقه تعالى والعلاقة هي السببية فإن نظر إلى غيره وهو في حالة ممتهنة رحمه وقال العراقي في شرح الترمذي عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته فالرحمة والمقت متسببان عن النظر كذا في النيل (إن أحد جانبي إزاري) بفتح الباء وسكون الياء بصيغة التثنية سقطت النون بالإضافة (يسترخي) بالخاء المعجمة وكانت سبب استرخائه نحافة جسم أبي بكر رضي الله عنه (إني لأتعاهد ذلك منه) من التعاهد وهو بمعنى الحفظ والرعاية وفي بعض النسخ إلا أن أتعاهد ذلك منه وكذلك في
[ 96 ]
رواية الشيخين ومعناه أنه كان يسترخي أحد جانبي إزاره إذا تحرك يمشي أو غيره بغير اختياره فإذا كان محافظا عليه لا يسترخي لأنه كلما كاد يسترخي شده (قال) أي رسول الله (إنك لست ممن يفعله خيلاء) قال القاري المعنى أن استرخاءه الرحمن من غير قصد لا يضر لا سيما ممن لا يكون من شيمته الخيلاء ولكن الأفضل هو المتابعة وبه يظهر أن سبب الحرمة في جر الإزار هو الخيلاء كما هو مقيد في الشرطية من الحديث المصدر به انتهى والحديث يدل على تحريم جر الثوب خيلاء والمراد بجره هو جره على وجه الأرض وهو الموافق لقوله ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار كما سيأتي وظاهر الحديث أن الإسبال محرم على الرجال والنساء لما في صيغة من في قوله من جر من العموم ولكنه قد أجمع المسلمون على جواز الإسبال للنساء كما صرح بذلك ابن رسلان في شرح السنن وظاهر التقييد بقوله خيلاء يدل بمفهومه أن جر الثوب لغير الخيلاء لا يكون داخلا في هذا الوعيد قال ابن عبد البر مفهومه أن الجار لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد إلا أنه مذموم وقال النووي لا يجوز الإسبال تحت الكعبين إن كان للخيلاء فإن كان لغيرها فهو مكروه قال ابن العربي لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول لا أجره خيلاء لإن النهي قد تناوله لفظا ولا يجوز تناوله لفظا أن يخالفه إذ صار حكمه أن يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست في فإنها دعوى غير مسلمة بل إطالة ذيله دالة على تكبره انتهى وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصده اللابس ويدل على عدم اعتبار التقييد بالخيلاء قوله إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة كما سبق في حديث جابر بن سليم وحديث أبي أمامة قال بينما نحن مع رسول الله إذ لحلقنا وكان عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل فجعل يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله عز وجل ويقول عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو فقال يا رسول الله أني أحمش الساقين فقال يا عمرو إن الله تعالى أحسن كل شئ خلقه يا عمرو إن الله لا يحب المسبل أخرجه الطبراني ورجاله ثقات قال الشوكاني في النيل إن قوله لأبي بكر إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء وأن الإسبال قد يكون للخيلاء وقد يكون لغيره فلا بد من حمل قوله فانها من المخيلة في حديث جابر بن سليم على أنه خرج مخرج الغالب فيكون الوعيد المذكور في حديث ابن عمر متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذا بظاهر حديث جابر ترده الضرورة فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله ويرده ما تقدم من قوله لأبي بكر لما عرفت وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين قال وأما حديث أبي أمامة فغاية ما فيه التصريح بأن الله لا يحب المسبل وحديث ابن عمر مقيد
[ 97 ]
بالخيلاء وحمل المطلق على المقيد واجب وأما كون الظاهر من عمرو أنه لم يقصد الخيلاء فما بمثل هذا الظاهر تعارض الأحاديث الصحيحة انتهى كلام الشوكاني وهو قول ضعيف والصحيح أن كل إسبال من الخيلة إن فعله قصدا وقد أشبع الكلام الحافظ بن حجر رحمه الله في الفتح فأجاد وأصاب والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (مسبلا إزاره) أي مرسلا إزاره تحت الكعبين (إذهب فتوضأ) قيل إنما أمره بالوضوء ليعلم أنه مرتكب معصية لما استقر في نفوسهم أن الوضوء يكفر الخطايا ويزيل أسبابها كالغضب ونحوه وقال الطيبي لعل السر في أمره بالتوضي وهو طاهر أن يتفكر الرجل في سبب ذلك الأمر فيقف على شناعة ما ارتكبه وأن الله تعالى ببركة أمر رسول الله بطهارة الظاهر يطهر باطنه من التكبر والخيلاء لأن الطهارة الظاهرة مؤثرة في طهارة الباطن (مالك أمرته أن يتوضأ) أي والحال أنه طاهر والحديث يدل على تشديد أمر الإسبال وأن الله تعالى لا يقبل صلاة المسبل وأن عليه أن يعيد الوضوء والصلاة قال المنذري وفي إسناده أبو جعفر رجل من أهل المدينة لا يعرف اسمه انتهى قلت والحديث سنده حسن وتقدم الكلام فيه في باب من قال يتزر به إذا كان ضيقا من كتاب الصلاة وقال النووي في رياض الصالحين رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم انتهى (عن علي بن مدرك) بضم الميم وإسكان الدال المهملة وكسر الراء المهملة (عن خرشة) بخاء معجمة ثم راء مفتوحتين ثم شين معجمة (لا يكلمهم الله) أي لا يكلمهم بكلام أهل الخير وبإظهار الرضى بل بكلام أهل السخط والغضب وقيل المراد الإعراض عنهم وقال جمهور المفسرين لا يكلمهم كلاما ينفعهم ويسرهم (ولا ينظر إليهم) أي يعرض عنهم
[ 98 ]
ونظره تعالى لعباده رحمته ولطفه بهم (ولا يزكيهم) أي لا يطهرهم من دنس ذنوبهم (أليم) أي مؤلم (قد خابوا) أي حرموا من الخير (وخسروا) أي أنفسهم وأهليهم (المسبل) أي إزاره عن كعبيه كبرا واختيالا (والمنان) أي الذي إذا أعطى من وقيل الذي إذا كال أو وزن نقص (والمنفق) قال القاري بالتشديد في أصولنا . وقال الطيبي رحمه الله بالتخفيف أي المروج (بالحلف) بكسر اللام وإسكانها قاله النووي (الكاذب أو الفاجر) شك من الراوي والمراد من الفاجر الكاذب وفي الحديث دلاله على أن الإسبال من أشد الذنوب قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (بهذا) أي بهذا الحديث المذكور (والأول) أي الحديث الأول المذكور (قال) أي سليمان بن مسهر (المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منه) قال الخطابي في المعالم المنان يتأول على وجهين أحدهما من المنة وهي إن وقعت الصدقة أبطلت الأجر وإن كانت في المعروف كدرت الصنيعة وأفسدتها والوجه الآخر أن يراد بالمن النقص يريد النقص من الحق والخيانة في الوزن والكيل ونحوهما ومن هذا قال الله سبحانه (وإن لك لأجرا غير ممنون) أي غير منقوص قالوا ومن ذلك يسمى الموت منونا لأنه ينقص الأعداد ويقطع الأعمار انتهى (وكان رجلا متوحدا) أي منفردا عن الناس معتزلا منهم (إنما هو) أي شغله (صلاة فإذا
[ 99 ]
فرغ فإنما هو تسبيح وتكبير) المعنى إنما شغله عن مجالسة الناس الصلاة فإذا فرغ عن الصلاة شغله التسبيح والتكبير وعن أحمد في مسنده قال كان بدمشق رجل يقال له ابن الحنظلية متوحدا لا يكاد يكلم أحدا إنما هو في صلاة فإذا فرغ يسبح ويكبر ويهلل حتى يرجع إلى أهله انتهى (قال فمر بنا) أي قال أبي فمر ابن الحنظلية بنا (ونحن عند أبي الدرداء) جملة حالية (فقال له) أي لابن الحنظلية (كلمة) بالنصب أي قل لنا كلمة (سرية) هي طائفة من جيش أقصاها أربع مائة تبعث إلى العدو وجمعها السرايا سموا به لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشئ السري أي النفيس (فحمل فلان) أي على العدو (فطعن) أي بالرمح (فقال) ذلك فلان وكان من بني الغفار للعدو (خذها) أي الطعنة بالرمح (مني وأنا الغلام الغفاري) قاله ذلك ليحمده الناس على ذلك الفعل (كيف ترى) الخطاب للرجل الذي كان إلى جنب الرجل القائل (قوله) المذكور وهو خذها مني وأنا الغلام الغفاري (قال ما أراه) بضم الهمزة أي ما أظنه (لا بأس أن يؤجر) أي من الله تعالى على نبيه (ويحمد) أي من الناس (سر) على البناء للمجهول من السرور (فما زال يعيد) أبو الدرداء (عليه) أي علي بن الحنظلية تلك المقالة أي أنت سمعت ذلك من رسول الله (ليبركن) بلام التأكد والنون الثقلية أي أبو الدرداء (على ركبتيه) أي ابن الحنظلية والمعنى أن أبا الدرداء قد بالغ في السؤال عن ابن الحنظلية وقرب منه قربة شديدة حتى أني لأقول ليبركن أبو الدرداء على ركبتي ابن الحنظلية من شدة المقاربة وفي رواية لأحمد فسر بذلك أبو الدرداء حتى هم أن يبحثو روى على ركبتيه فقال أنت سمعته مرارا إنتهى والله أعلم
[ 100 ]
(المنفق على الخيل) أي إذا كان ربطه بقصد الجهاد في سبيل الله (نعم الرجل خريم) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء مصغرا (لولا طول جمته) بضم الجيم وتشديد الميم هو من شعر الرأس ما سقط على المنكبين (وإسبال إزاره) أي عن الكعبين وفيه جواز ذكر المسلم أخاه الغائب بما فيه من مكروه شرعا إذا علم أنه يرتدع عنه ويتركه عند سماعه (فأخذ شفرة) بفتح فسكون أي سكينا (إنكم قادمون على إخوانكم) أي داخلون عليهم الظاهر أنه قال حين دخولهم بلادهم من السفر (كأنكم شامة) بتخفيف الميم وهي الخال أي كالأمر المتبين الذي يعرفه كل من يقصده إذ العادة دخول الإخوان على القادم قصدا لزيارته (فإن الله تعالى لا يحب الفحش) قال في النهاية هو كل ما يشتد قبحه من ذنوب ومعاصي ويكثر وروده في الزنا وكل خصلة قبيحة فاحشة من الأقوال والأفعال (ولا التفحش) هو تكلف الفحش وتعمده فالهيئة الردية والحالة الكثيفة داخلة أيضا تحت الفحش والتفحش وإن الله جميل يحب الجمال قال المنذري وابن الحنظلية هو سهل بن الربيع بن عمرو ويقال سهل بن عمرو أنصاري حارثي سكن الشام والحنظلية أمه وقيل هي أم جده وهي من بني حنظلة بن تميم انتهى قال النووي في رياض الصالحين رواه أبو داود بإسناد حسن إلا قيس بن بشر فاختلفوا في توثيقه وتضعيفه وقد روى له مسلم (وكذلك) أي كما روى عبد الملك بن عمر وعن هشام (قال أبو نعيم) الفضل بن دكين عن هشام بن سعد القرشي بإسناده (قال حتى تكونوا كالشامة في الناس) واعلم أن هذا الحديث روي عن هشام بن سعد أبو عامر عبد الملك بن عمرو وأبو نعيم كما عند المؤلف ووكيع كما عند أحمد في رواية له وكلهم أي عبد الملك وأبو نعيم ووكيع روى عن هشام هذه الجملة أي حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس لكن عبد الملك
[ 101 ]
اختلف عليه فروى عنه هارون بن عبد الله هذه الجملة كما عند المؤلف ولم يذكر أحمد بن حنبل عن عبد الملك هذه الجملة فأراد تقوية رواية من رواه بإثباتها وأن أبا نعيم قد تابع عبد الملك وكذلك تابعه وكيع ثم إن عبد الملك قد رواها عنه هارون بن عبد الله وإن لم يروها أحمد بن حنبل عن عبد الملك فالاعتبار لمن حفظها لا لمن لم يحفظها وأما أحمد بن حنبل عن وكيع فرواه بإثبات هذه الجملة والله أعلم (باب ما جاء في الكبر) (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري) قال الخطابي معنى هذا الكلام أن الكبرياء والعظمة صفتان لله سبحانه واختص بهما لا يشركه أحد فيهما ولا ينبغي لمخلوق أن يتعاطاهما ولم لأن صفة المخلوق التواضع والتذلل وضرب الردار وا لإزار مثلا في ذلك يقول والله أعلم كما لا يشرك الانسان في ردائه وإزاره فكذلك لا يشركني في الكبرياء والعظمة مخلوق (فمن نازعني واحدا منهما) أي من الوصفين ومعنى نازعني تخلق بذلك فيصير في معنى المشارك (قذفته) أي رميته من غير مبالاة به قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه وفيه عذبته مكان قذفته في النار (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة) أي مقدار وزن حبة (من خردل) قيل إنه الحبة السوداء وهو تمثيل للقلة كما جاء مثقال ذرة (من كبر) قال الخطابي هذا يتأول على وجهين أحدهما أن يكون أراد به كبر الكفر والشرك ألا ترى أنه قد قابله في نقيضه بالإيمان والوجه الآخر أن الله سبحانه إذا أراد أن يدخله
[ 102 ]
الجنة نزع ما في قلبه من الكبر حتى يدخلها بلا كبر ولا غل في قلبه كقوله سبحانه (ونزعنا ما في صدورهم من غل) انتهى قال النووي في هذين التأويلين بعد فإن هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على الناس واحتقارهم ودفع الحق بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين أنه لا يدخلها دون مجازاة إن جازاه وقيل هذا جزاؤه لو جازاه وقد تكرم بأنه لا يجازيه بل لا بد أن يدخل كل الموحدين الجنة إما أولا وإما ثانيا بعد تعذيب أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها وقيل لا يدخلها مع المتقين أول وهلة (ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردل من إيمان) وقال الخطابي معناه أنه لا يدخلها دخول تخليد وتأبيد قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه (إني رجل حبب) بصيغة المجهول من التحبيب (إلى) بتشديد الياء (إما قال بشراك نعلي) بكسر الشين بالفارسية بند نعل ازدوال بين (وإما قال بشسع نعلي) بكسر الشين هو بالفارسية دوال نعل (ولكن الكبر من بطرا الحق) بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة أي تضييعه من قولهم ذهب دم فلان بطرا هدرا يعني الكبر هو تضييع الحق من أوامر الله تعالى ونواهيه وعدم التفاته كذا قال ابن مالك وقال النووي بطر الحق هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا (وغمط الناس) بفتح الغين المعجمة وفتح الميم وكسرها وبالطاء المهملة أي استحقارهم وتعييبهم أهل قال المنذري وأخرج مسلم في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل إن الرجل يجب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس
[ 103 ]
(باب في قدر موضع الإزار) (على الخبير سقطت) أي على العارف به وقعت وهو مثل (إلإزرة حديث المسلم) ا زرة بكسر همز وسكون زاي الحالة وهيئة الاتزار مثل الركبة والجلسة كذا في النهاية (إلى نصف الساق) أي منتهية إليه يعني الحالة والهيئة التي يرتضي منها المؤمن في الاتزار هي أن يكون على هذه الصفة (ولا حرج أو لا جناح) شك من الراوي أي لا إثم على المسلم (فيما بينه) أي بين نصف الساق (ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار) أي صاحبه في النار قال الخطابي قوله فهو في النار يتأول على وجهين أحدهما أن ما دون الكعبين من قدم صاحبه في النار عقوبة له على فعله والوجه الآخر أن يكون معناه أن صنيعه ذلك وفعله الذي فعله في النار على معنى أنه معدود ومحسوب من أفعال أهل النار انتهى (من جر إزاره) على وجه الأرض (بطرا) بفتحتين أي تكبرا أو فرحا وطغيانا بالغنى (لم ينظر الله إليه) تقدم معناه والحديث فيه دلالة على أن المستحب أن يكون إزار المسلم إلى نصف الساق والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين وما كان أسفل من الكعبين فهو حرام وممنوع قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه انتهى وقال النووي في رياض الصالحين رواه أبو داود بإسناد صحيح (الإسبال في الإزار والقميص الخ) في هذا الحديث دلالة على عدم اختصاص الإسبال بالإزار بل يكون في القميص والعمامة كما في الحديث قال ابن رسلان والطيلسان والرداء والشملة قال ابن بطال وإسبال العمامة المراد به إرسال العذبة زائدا على ما جرت به العادة انتهى وتطويل أكمام القميص تطويلا زائدا على المعتاد من الإسبال وقد نقل القاضي
[ 104 ]
عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على المعتاد في اللباس في الطول والسعة كذا في النيل قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي إسناده عبد العزيز بن أبي رواد وقد تكلم فيه غير واحد وقال ابن ماجه قال أبو بكر يعني ابن أبي شيبة ما أعرفه انتهى وقال النووي في رياض الصالحين رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح انتهى (ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص) أي ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار من حكم الإسبال فهو في القميص أيضا وليس بمختص بالإزار كما يدل عليه حديث ابن عمر المرفوع المذكور آنفا واعلم أن أكثر الأحاديث إنما ورد بذكر إسبال الإزار وحده لأن أكثر الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يلبسون الإزار والأردية فلما لبس الناس القميص والدراريع كان حكمها حكم الإزار في النهي كذا قال الطبري والحديث سكت عنه المنذري (أنه رأى ابن عباس يأتزر) أي يلبس الإزار ثم بين كيفية ائتزاره فقال (فيضع حاشية إزاره) أي طرفه الأسفل (على ظهر قدمه) أي نازلا وواقعا على ظهر قدمه (ويرفع من مؤخره) أي من جهة القفا بحيث لا يبلغ الكعبين بأن يكون منتهاه إلى نصف الساق كما تقدم قريبا في حديث أبي سعيد الخدري قال في فتح الودود لعله وقت الركوع انتهى قلت نشأ هذا القول من قلة التدبر في ألفاظ الحديث كما لا يخفى (قلت) أي لابن عباس (لم تأتزر هذه الإزرة) بكسر الهمزة وسكون الزاي وهي للحالة كالجلسة والركبة كما تقدم أي لم تأتزر على هذه الهيئة التي رأيتها منك (قال) أي ابن عباس مجيبا لعكرمة عن وجه ائتزاره بالهيئة المذكورة (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتزرها) الضمير يرجع إلى الإزرة أي يلبس إزارة على الهيئة التي رأيتها منى بأن يكون طرفه الأسفل من مقدمة على ظهر قدمه ومن جهة مؤخره مرفوعا بحيث لا يبلغ الكعبين والحديث يدل على أن الائتزار بهذه الهيئة ليس بداخل في الإسبال المحرم وفي الجامع الصغير للسيوطي كان يرخي الإزار من بين يديه ويرفعه من ورائه رواه ابن سعد عن يزيد بن أبي حبيب
[ 105 ]
قلت قد تكلم الناس في معنى هذا الحديث بأنواع الكلام لا تطمئن به القلب وهذا الذي قلت به هو من أحسن المعاني ورضى به شيخنا حسين بن محسن اليماني وإليه جنح الشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح المشكاة والله أعلم وحديث ابن عباس سكت عنه المنذري . (باب في لباس النساء) (أنه لعن المتشبهات من النساء بالرجال الخ) قال الطبري المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس قال الحافظ وكذا في الكلام والمشي فأما هيئة عند اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار وأما ذم التشبه بالكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك وأما من كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم ولا سيما إن بدا منه ما يدل على الرضى به وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين وأما إطلاق من أطلق كالنووي أن المخنث الخلقي لا يتجه عليه اللوم فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثني والتكسر في المشي والكلام بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك وإلا متى كان ترك ذلك ممكنا ولو بالتدريج فتركه بغير عذر لحقه اللوم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة) بكسر اللام والجملة صفة أو حال كقوله تعالى كمثل الحمار يحمل أسفارا (والمرأة) بالنصب عطف على الرجل أي ولعن المرأة قال المنذري وأخرجه النسائي (لوين) بالتصغير هو لقب محمد بن سليمان (أن امرأة تلبس النعل) أي التي يختص
[ 106 ]
بالرجال فما حكمها (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة) بفتح الراء وضم الجيم وفتح اللام (من النساء) بيان للرجلة قال في النهاية إنه لعن المترجلات من النساء يعني اللاتي يتشبهن بالرجال في زيهم وهيأتهم فأما في العلم والرأي فمحمود وفي رواية لعن الرجلة من النساء بمعنى المترجلة ويقال امرأة رجلة إذا شبهت بالرجال في الرأي والمعرفة انتهى وفي المرقاة والتاء في الرجلة للوصفية في الكلام واللباس بالرجال انتهى قال السندي الرجلة تأنيث الرجل أي المتشبهة انتهى والحديث سكت عنه المنذري (باب في قول الله تعالى يدنين عليهن من جلابيبهن) الآية بتمامها لأنه في الأحزاب هكذا يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما وقوله جلابيهن أخبرنا جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة كذا في الجلالين وقال في جامع البيان الجلباب رداء فوق الخمار تستر من فوق إلى أسفل يعني يرخينها يا عليهن ويغطين لو وجوههن وأبدانهن انتهى (ذلك أدنى) أقرب إلى (أن يعرفن) بأنهن حرائر (فلا يؤذين) بالتعرض لهن بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن وكان المنافقون يتعرضون لهن قال السيوطي هذه آية الحجاب في حق سائر النساء ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن (لما نزلت سورة النور عمدن) أي قصدن (إلى حجور) بالراء المهملة (أو حجوز) بالزاء المعجمة
[ 107 ]
قال الخطابي في المعالم الحجور لا معنى له ههنا وإنما هي بالزاي المعجمة هكذا حدثني عبد الله بن أحمد المسيكي قال حدثنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة فذكر الحديث قال عمدن إلى حجز أو حجوز مناطقهن فشققنهن والحجز جمع الحجزة وأصل الحجزة موضع ملاث يكون الإزار ثم قيل للازار مع الحجزة وأما الحجوز فهو جمع الجمع ويقال احتجز الرجل بالإزار إذا شده على وسطه انتهى (فشققنهن) أي الحجوز (فاتخذنه) وفي بعض النسخ فاتخذنهن سعيد (خمرا) بضمتين جمع خمار بكسر أوله وهو المقنعة ونصبه على الحال كقوله خطته قميصا قال المنذري في إسناده إبراهيم بن مهاجر بن جابر أبو إسحاق البجلي الكوفي وقد تكلم فيه غير واحد (ابن ثور) هو محمد بن ثور قال المزي (كأن على رؤوسهن الغربان) جمع غراب (من الأكسية) جمع كساء شبهت الخمر في سوادها بالغراب والحديث سكت عنه المنذري (باب في قول الله تعالى وليضربن بخمرهن على جيوبهن) أي يسترن الرؤوس والأعناق والصدور بالمقانع (يرحم الله نساء المهاجرات) إضافة الموصوف إلى الصفة (الأول) بضم الهمزة وفتح الواو جمع الأولى أي السابقات من المهاجرات (لما أنزل الله وليضربن الخ) هذه الآية في
[ 108 ]
سورة النور (شققن أكنف) بالنون بعد الكاف (قال ابن صالح) هو أحمد (أكثف مروطهن) بالثاء المثلثة بعد الكاف ومروط بكر جمع مرط وهو كساء يتزر به أي قال سليمان بن داود وابن السرح وأحمد بن سعيد في رواياتهم شققن أكنف مروطهن بالنون أي الأستر والأصفق قد منها ومن هذا قيل للوعاء الذي يحرر فيه الشئ كنف وللبناء الساتر لما رواه كنف قاله الخطابي وقال أحمد بن صالح في روايته شققن أكنف مروطهن بالمثلثة أي أغلظها وأثخنها وفي (فاختمرن بها) أي تقنعن بها قال المنذري في إسناده قرة بن عبد الرحمن بن حيويل المعافري المصري قال الإمام أحمد منكر الحديث جدا (حدثنا ابن السرح) هو أحمد بن عمرو بن السرح (قال رأيت في كتاب خالي) قال المزي اسم خاله عبد الرحمن عبد الحميد بن سالم (عن عقيل) ابن خالد (عن ابن شهاب) عن عروة عن عائشة الحديث فقرة بن عبد الرحمن وعقيل بن خالد كلاهما يرويان عن الزهري ونظير هذا الإسناد ما أخرجه النسائي في الصوم عن أحمد بن عمرو بن السرح قال وجدت في كتاب خالي عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم انتهى والله أعلم (باب فيما تبدي المرأة من زينتها) هي ما تتزين به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب والمراد مواضعها (قال يعقوب بن دريك) أي قال يعقوب بن كعب في روايته عن خالد ابن دريك بزيادة لفظ ابن دريك بعد خالد ودريك بضم الدال وفتح الراء مصغرا (وعليها ثياب رقاق) بكسر
[ 109 ]
الراء جمع رقيق (فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال) أي حال كونه معرضا (إذا بلغت المحيض) أي زمان البلوغ وخص المحيض للغالب (لم يصح) بفتح الياء وضم اللام (أي يرى) بصيغة المجهول أي يبصر (منها) أي من بدنها وأعضائها والحديث فيه دلالة على أنه ليس الوجه والكعبان من العورة فيجوز لللأجنبي أن ينظر إلى وجه المرأة الأجنبية وكفيها عند أمن الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو ما دونه أما عند خوف الفتنة فظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق قاله ابن رسلان ويدل على أن الوجه والكفين ليستا من العورة قوله تعالى في سورة النور ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال في تفسير الجلالين وهو يعني ما ظهر منها الوجه والكفان فيجوز نظره لأجنبي إن لم يخف فتنة في أحد الوجهين (أي للشافعية وهو قول أبي حنيفة رحمه الله) والثاني يحرم لأنه مظنه الفتنة ورجح حسما للباب انتهى وقد جاء تفسير قوله إلا ما ظهر منها بالوجه والكفين عن ابن عباس رضي الله عنه أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي وأخرجه إسماعيل القاضي عن ابن عباس مرفوعا بسند جيد قال المنذري في إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن النصري نزيل دمشق مولى بني نصر وقد تكلم فيه غير واحد وذكر الحافظ أبو بكر أحمد الجرجاني هذا الحديث وقال لا أعلم رواه عن قتادة غير سعيد بن بشير وقال مرة فيه عن خالد بن دريك عن أم سلمة بدل عائشة (باب في العبد ينظر إلى شعر مولاته) أي هل يجوز ذلك له أم لا ؟
[ 110 ]
(استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم الخ) الحديث لا يطابق الباب صريحا إلا أن يقال إن المؤلف الإمام قاس العبد على الغلام الذي لم يحتلم فإن حكمهما واحد فكما جاز للغلام الدخول على المرأة الأجنبية من غير الأستئذان في غير الأوقات الثلاثة المذكورة في القران جاز أيضا للعبد الدخول على سيدته سواء لأن الله تبارك وتعالى قرن العبد والغلام في هذا الحكم وجعل لهما حكما واحدا كما قال في سورة النور يا أيها الذين امنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم الآية فالله تعالى خاطب الرجال والنساء جميعا بهذا الحكم وقال ليس على العبيد وعلى الصبيان الذين لم يبلغوا من الأحرار بأس أن يدخلوا عليكم أيها الرجال والنساء أي وقت من الأوقات شاءوا ولا حاجة لهم إلى الاستئذان إلا أنه لا بد عليهم أن يستأذنوا منكم وقت الدخول عليكم ثلاث مرات في اليوم والليلة مرة من قبل صلاة الفجر لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة ومرة حين تضعون ثيابكم من الظهيرة للقيلولة ومرة بعد صلاة العشاء لأنه وقت التجرد عن اللباس والالتحاف باللحاف وقال ثلاث عورات لكم أي هي ثلاثة أوقات يختل (يحتمل) فيها تستركم وليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن أي بعد هذه الأوقات في ترك الاستئذان وليس فيه ما ينافي آية الاستئذان فينسخها لأنه في الصبيان ومماليك المدخول عليه وتلك في الأحرار البالغين قاله البيضاوي في تفسيره وقوله طوافون عليكم أي هم طوافون عليكم وهذا بيان للعذر المرخص في ترك الاستئذان وهو المخالطة وكثرة المداخلة قاله البيضاوي فلما أذن للعبد الدخول على سيدته فكيف يمكن التحرز عن نظره إلى شعر مولاته فإن غالب الأحوال أن المرأة تكشف الرأس في بيتها عند ضرورة الحر أو غيره والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه وأبو طيبة بفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف بعدها باء بواحدة مفتوحة وتاء تأنيث اسمه دينار وقيل نافع وقيل ميسرة وهو مولى لبني حارثة (أخبرنا أبو جميع) بضم الجيم وفتح الميم مصغرا (سالم بن دينار) بالرفع بدل من أبو
[ 111 ]
جميع (أتى فاطمة بعبد) أي مصاحبا به (وعلى فاطمة ثوب) أي قصير (إذا قنعت) أي سترت (فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى) أي ما تلقاه فاطمة من التحير والخجل وتحمل المشقة في التستر من جر الثوب من رجلها إلى رأسها من رأسها إلى رجلها حياء أو تنزها (قال إنه) الضمير للشأن (إنما هو) أي من استحييت منه (أبوك وغلامك) أي عبدك والحديث فيه دليل على أنه يجوز للعبد النظر إلى سيدته وأنه من محارمها يخلو بها ويسافر معها وينظر منها ما ينظر إليه محارمها وإلى ذلك ذهبت عائشة وسعيد بن المسيب والشافعي في أحد قوليه وأصحابه وهو قول أكثر السلف وذهب الجمهور إلى أن المملوك كالأجنبي بدليل صحة تزوجها إياه بعد العتق وحمل الشيخ أبو حامد هذا الحديث على أن العبد كان صغيرا لإطلاق لفظ الغلام ولأنها واقعة حال واحتج أهل القول الأول أيضا بحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وبقوله تعالى أو ما ملكت أيمانكم وأجاب الجمهور عن الآية بما روي عن سعيد بن المسيب أنه قال لا تغرنكم آية النور فالمراد بها الإماء قال المنذري في إسناده أبو جميع سالم بن دينار ألهجيمى فلا البصري قال ابن معين ثقة وقال أبو زرعة الرازي بصري لين الحديث وهو سالم بن أبي راشد (باب في قوله تعالى غير أولى الإربة) الإربة والإرب الحاجة والشهوة والمراد من غير أولى الإربة الذين ليس لهم حاجة إلى النساء لكبر أو تخنيث أو عنة (عن معمر) بن راشد (عن الزهري وهشام بن عروة) فمعمر يروي عن شيخين الزهري وهشام وهما يرويان عن عروة بن الزبير (كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث) بفتح النون
[ 112 ]
وكسرها والفتح المشهور وهو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته وينثني فيها كالنساء وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعا من الفسقة ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا إرب له في النساء ولذلك كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يعددن هذا المخنث من غير أولى الإربة وكن لا يحجبنه إلى أن ظهر منه ما ظهر من هذا الكلام (إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان) المراد بالأربع هي العكن جمع عكنة وهي الطية التي تكون في البطن من كثرة السمن يقال تعكن البطن إذا صار ذلك فيه ولكل عكنة طرفان فإذا رآهن الرائي من جهة البطن وجدهن أربعا وإذا رآهن من جهة الظهر وجدهن ثمانيا وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة (هذا) أي المخنث (فحجبوه) أي منعوه قال النووي في الحديث منع المخنث من الدخول على النساء ومنعهن من الظهور عليه وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين في النساء في هذا المعنى وكذا حكم الخصي والمجبوب ذكره انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي انتهى وقال المزي حديث كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث الحديث أخرجه مسلم في الاستئذان عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر ابن راشد عن الزهري عن عروة عن عائشة . وأبو داود في اللباس عن محمد بن داود بن سفيان عن عبد الرزاق عن معمر به وعن محمد بن عبيد عن محمد بن ثور عن معمر به والنسائي في عشرة النساء عن محمد بن يحيى بن عبد الله عن عبد الرزاق به وعن نوح بن حبيب عن إبراهيم بن خالد عن رباح بن زيد عن معمر به ورواه معمر أيضا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ورواه حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن سلمة
[ 113 ]
ورواه جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة انتهى كلام المزي . (زاد) أي يونس في روايته (وأخرجه) أي أخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المخنث (فكان) أي المخنث (بالبيداء) بالمد القفر وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها أي تكاد تهلكه (يستطعم) أي يطلب الطعام وهو حال من ضمير يدخل وفيه دليل على جواز العقوبة بالإخراج من الوطن لما يخاف من الفساد والفسق (إنه) أي ذلك المخنث (إذا يموت من الجوع) أي بسببه (فيسأل ثم يرجع) أي يسأل الناس شيئا ثم يرجع إلى البيداء قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة وأخرجه أبو داود كذلك في كتاب الأدب وسيأتي إن شاء الله تعالى . (باب في قوله وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) في القاموس غض طرفه خفضه (فنسخ واستثنى من ذلك) أي المذكور وهو قوله تعالى وقل للمؤمنات آية والفعلان على البناء للمفعول ونائب فاعلهما هو قوله القواعد من النساء الخ (القواعد من النساء) أي اللاتي قعدن عن الحيض والولد لكبرهن (اللاتي لا يرجون نكاحا آية) وتمام آية
[ 114 ]
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم والحاصل أن الآية الأولى بعمومها كانت شاملة للقواعد من النساء أيضا فلما نزلت الآية الثانية خرجن من حكم الآية الأولى فلهن أن لا يغضضن من أبصارهن قال المنذري في إسناده على بن الحسين بن واقد وفيه مقال (حدثني نبهان) بنون مفتوحة ثم موحدة ساكنة (احتجبا) الخطاب لأم سلمة وميمونة رضي الله عنهما (منه) أي من ابن أم مكتوم (أفعمياوان) تثنية عمياء تأنيث أعمى وقد استدل بحديث أم سلمة هذا من قال إنه يحرم على المرأة نظر الرجل كما يحرم على الرجل نظر المرأة وهو أحد قول الشافعي وأحمد قال النووي وهو الأصح ولقوله تعالى قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ولأن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال ويحققه أن المعنى المحرم للنظر هو خوف الفتنة وهذا في المرأة أبلغ فإنها أشد شهوة وأقل عقلا فتسارع إليها الفتنة أكثر من الرجل واحتج من قال بالجواز فيما عدا ما بين سرته وركبته بحديث عائشة قالت رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأمه فأقد وأقدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو رواه الشيخان ويجاب عنه بأن عائشة كانت يومئذ غير مكلفة على ما تقتضي به عبارة الحديث وقد جزم النووي بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان ذلك قبل الحجاب وتعقبه الحافظ بأن في بعض طرق الحديث أن ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وأن قدومهم كان سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة واحتجوا أيضا بحديث فاطمة بنت قيس المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم وقال إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ويجاب بأنه يمكن ذلك مع غض البصر منها ولا ملازمة بين الاجتماع في البيت والنظر (قال أبو داود هذا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة إلخ) أي حديث أم سلمة مختص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وحديث فاطمة بنت قيس لجميع النساء هكذا جمع المؤلف أبو داود بين الأحاديث
[ 115 ]
قال الحافظ في التخليص قلت وهذا جمع حسن وبه جمع المنذري في حواشية منه واستحسنه شيخنا انتهى وجمع في الفتح بأن الأمر بالاحتجاب من ابن أم مكتوم لعله لكون الأعمى مظنة أن ينكشف منه شئ ولا يشعر به فلا يستلزم عدم جواز النظر مطلقا قال ويؤيد الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قط بالإنتقاب لئلا يراهم النساء فدل على مغايرة الحكم بين الطائفتين وبهذا احتج الغزالي قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح (إذا زوج أحدكم عبده أمته) أي مملوكته (فلا ينظر إلى عورتها) لأنها حرمت عليه ويجئ تفسير العورة في الحديث الذي بعده قال المنذري وقد تقدم الكلام في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب (إذا زوج أحدكم خادمة) أي أمته وفي بعض النسخ خادمته (فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة) هذا تفسير العورة وظاهر الحديث أن السرة والركبة كلتاهما ليست بعورة وكذا ما وقع في بعض الأحاديث ما بين السرة والركبة قال في المرقاة ذكر في كتاب الرحمة في اختلاف الأمة اتفقوا على أن السرة من الرجل ليست بعورة وأما الركبة فقال مالك والشافعي وأحمد ليست من العورة وقال أبو حنيفة رحمه الله وبعض أصحاب الشافعي إنها منها وأما عورة الأمة فقال مالك والشافعي هي كعورة الرجل زاد أبو حنيفة بطنها وظهرها انتهى (وصوابه) الضمير يرجع إلى داود بن سوار المذكور في الإسناد (سوار بن داود) لا داود بن سوار كما وهم وكيع
[ 116 ]
(باب كيف الاختمار) (وهي تختمر) الواو للحال والتقدير دخل عليها حال كونها تلبس خمارها يقال اختمرت المرأة وتخمرت إذا لبست الخمار كما قال اعتم وتعمم إذا لبس العمامة والخمار بالكسر المقنعة (فقال لية) بفتح اللام وتشديد الياء والنصب على المصدر والناصب فعل مقدر أي لويه لية (لا ليتين) أمرها أن تلوي خمارها على رأسها وتدير مرة واحدة لا مرتين لئلا يشبه اختمارها تدوير عمائم الرجال إذا اعتموا فيكون ذلك من التشبيه المحرم كذا في النهاية وغيره وقال القاضي أمرها بأن تجعل الخمار على رأسها وتحت حنكها عطفة واحدة لا عطفتين حذرا عن الإسراف أو التشبه بالمتعممين انتهى (لا تكرره) أي لا تكرر اللي أو الخمار (طاقا أو طاقين) ومعنى الطاق في الهندية بيج وته وفي الصحاح ويقال طاق نعل وجاء في الهداية لفظ طاق في محل حيث قال القرطق الذي ذو طاق انتهى قال العيني في شرحه هو تعريب كرته يكتاهي غير انتهى والمعنى لا تكرر اللي بل تقتصر على اللي مرة واحدة وتكرار اللي إنما يحصل بفعله مرتين فإن تكرار الشئ هو فعله مرة بعد أخرى فإن فعل أحد شيئا مرة فقط لم يكن ذلك تكرارا نعم إن فعله مرتين أي مرة بعد أخرى كان ذلك تكرارا واحدا وإن فعله ثلاث مرار كان ذلك تكرارين أحمد وإن فعله أربع مرات كان ذلك ثلاث تكرارت بعد وهكذا فإذا فعل اللي مرة واحدة لم يكن ذلك تكرارا له وكان هذا جائزا وإذا فعل مرتين كان ذلك تكرارا له واحدا ولم يكن هذا جائز وكذلك إن فعل ثلاث مرارا وأكثر من ذلك وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله لا تكرره طاقا أو طاقين أي لا تكرر اللي سواء كان ذلك التكرار مرة أو مرتين أي لا تكرر اللي أصلا وإنما اقتصر المؤلف على ذكر التكرار مرة أو مرتين تنبيها على أنه إذا لم يجز مرة أو مرتين فعدم جوازه أكثر من ذلك أولى لا لأنه إذا كان أكثر من ذلك كان جائزا والحاصل لا تكرر لي الخمار مرة أي مرتين والله أعلم قال المنذري وهب هذا يشبه المجهول انتهى وفي الخلاصة وثقة بن حبان
[ 117 ]
(باب في لبس القباطي للنساء) القباطي بفتح القاف وموحدة وكسر طاء مهملة وتحتية مشددة جمع قبطية وهي على ما في النهاية ثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء كأنه منسوب إلى القبط وهم أهل مصر وضم القاف من تغيير النسب وهذا في الثياب فأما في الناس فقبطي بالكسر وفي المصباح والقبطي ثوب من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة إلى القبط انتهى (عن دحية) يكسر الدال المهملة ويفتح وسكون الحاء المهملة فتحتية من كبار الصحابة شهد أحدا وما بعدها من المشاهد وهو الذي كان ينزل جبريل في صورته روى عنه نفر من التابعين (أتى) بصيغة المجهول أي جئ (بقباطي) غير منصرف كأماني يقول (فأعطاني منها قبطية) بضم القاف ويكسر (أصدعها الذي) بفتح الدال المهملة أي شقها (صدعين) بفتح أوله مصدر وبكسره اسم والمعنى إقطعها نصفين (تختمر به) أي بالآخر وهو مرفوع للاستئناف أو مجزوم جوابا كذا قوله لا يصفها (فلما أدبر) أي دحية ففيه التفات أو نقل بالمعنى (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وأمر) أمر من الأمر (لا يصفها) أي لا ينعتها ولا يبين لون بشرتها لكون ذلك القبطي رقيقا ولعل وجه تخصيصها بهذا اهتماما بحالها ولأنها قد تسامح في لبسها بخلاف الرجل فإنه غالبا يلبس القميص فوق السراويل والإزار قال المنذري في إسناده عبد الله بن لهيعة ولا يحتج بحديثه وقد تابع ابن لهيعة على روايته هذه أبو العباس يحي بن أيوب المصري وفيه مقال وقد احتج به مسلم واستشهد به البخاري (رواه يحي بن أيوب) المصري عن موسى بن جبير (فقال عباس بن عبيد الله بن عباس) أي مكان عبيد الله بن عباس
[ 118 ]
(باب في قدر الذيل) (حين ذكر الإزار) أي ذم إسباله (فالمرأة يا رسول الله) عطف على الكلام المقدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل المقدر قوله إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه أي فما تصنع المرأة أو فالمرأة ما حكمها كذا قال القاري في المرقاة (قال ترخي) بضم أوله أي ترسل المرأة من ثوبها (شبرا) أي من نصف الساقين (قالت أم سلمة إذا) بالتنوين (ينكشف) وفي بعض النسخ تنكشف أي القدم (عنها) أي المرأة إذا مشت (فذراع) أي فالقدر المأذون فيه ذراع وفي بعض النسخ فذراعا أي فترخي لأن ذراعا (لا تزيد) أي المرأة (عليه) أي على قدر الذراع قال الطيبي المراد به الذراع الشرعي إذ هو أقصر من العرفي قال المنذري وأخرجه النسائي (حدثنا إبراهيم بن موسى الخ) المقصود من هذه الرواية بيان الاختلاف على نافع فروى أبو بكر عن نافع عن صفية عن أم سلمة كما في رواية الأولى وروى عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة كما في هذه الرواية وروى ابن إسحاق وأيوب بن موسى عن نافع عن صفية عن أم سلمة مثل رواية أبي بكر كما أشار إليه المؤلف بقوله قال أبو داود الخ والحديث أخرجه النسائي من رواية يحي بن أبي كثير عن نافع عن أم سلمة نفسها قال الحافظ وفيه اختلافات أخرى ومع ذلك فله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود من رواية أبي الصديق عن ابن عمر انتهى وحديث ابن عمر الذي أشار إليه الحافظ هو الحديث الآتي في الباب (أخبرني زيد العمي) بفتح العين وتشديد الميم (فزادهن شبرا) أي شبرا آخر فصار ذراعا
[ 119 ]
قال الحافظ أفادت هذه الرواية قدر الذراع المأذون فيه وأنه شبران بشبر اليد المعتدلة (فنذرع لهن ذراعا) وفي رواية ابن ماجه فنذرع لهن بالقصب ذراعا قال ابن رسلان الظاهر أن المراد بالشبر والذراع أن يكون هذا القدر زائدا على قميص الرجل لا أنه زائد على الأرض انتهى وقال الحافظ في فتح الباري ما لفظه إن للرجال حالين حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق وحال جواز وهو إلى الكعبين وكذلك للنساء حالان حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر وحال جواز بقدر ذراع ويؤيد هذا التفصيل في حق النساء ما أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق معتمر عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شبر لفاطمة من عقبها وقال هذا ذيل المرأة وأخرجه أبو يعلى بلفظ شبر من ذيلها شبرا أو شبرين وقال لا تزدن على هذا ولم يسم فاطمة قال الطبراني تفرد به معتمر عن حميد قال الحافظ وأوشك من الراوي والذي جزم بالشبر هو المعتمد ويأيده ما أخرجه الترمذي من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم شبر لفاطمة شبرا انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وأخرجه النسائي من حديث ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهم وفي إسناد الحديثين زيد العمي وهو أبو الحواري زيد بن الحواري العمي البصري قاضي هراة لا يحتج بحديثه وقيل له العمي لأنه كلما سئل عن شئ قال حتى أسأل عمي والعمي أيضا منسوب إلى العم بطن من بني تميم منهم غير واحد من الرواة فأما أبو محمد عبد الرحمن بن محمود العمي فقيل له هذا لأنه كان يعرف بابن العم وهو من أهل مرو . (باب في أهب الميتة) بفتح الهمزة والهاء وبضمها لغتان جمع إهاب بكس الهمزة قال النووي اختلف أهل اللغة في الأهاب فقيل هو الجلد مطلقا وقيل هو الجلد قبل
[ 120 ]
الدباغ فأما بعده فلا يسمى إهابا انتهى وسيجئ عن النضر بن شميل أنه فأما بعده فلا يسمى إهابا ما لم يدبغ فإذا دبغ لا يقال له إهاب (قال مسدد ووهب عن ميمونة) أي قالا في روايتهما عن ابن عباس عن ميمونة بزيادة واسطة ميمونة وأما عثمان وابن أبي خلف فلم يذكرا ميمونة (أهدي) بصيغة المجهول (ألا) هو للتحضيض (فاستمتعتم) أي استنفعتم (به) أي بإهابها (إنما حرم أكلها) يؤخذ منه جواز تخصيص الكتاب بالسنة لأن لفظ القرآن (حرمت عليكم الميتة) وهو شامل لجميع أجزائها في كل حال فخصت السنة ذلك بالأكل والحديث يدل على أن الدباغ مطهر لجلود الميتة واختلف العلماء في المسألة على سبعة مذاهب أحدها مذهب الشافعي أنه يطهر بالدباغ جميع جلود الميتة إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وغيره ويطهر بالدباغ ظاهر الجلد وباطنه ويجوز استعماله في الأشياء المائعة واليابسة ولا فرق بين مأكول اللحم وغيره وروي هذا المذهب عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما والمذهب الثاني لا يطهر شئ من الجلود بالدباغ وروي هذا عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعائشة رضي الله عنهم وهو أشهر الروايتين عن أحمد وإحدى الروايتين عن مالك والمذهب الثالث يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم ولا يطهر غيره وهو مذهب الأوزاعي وابن المبارك وأبي ثور وإسحاق بن راهوية والمذهب الرابع يطهر جلود جميع الميتات إلا الخنزيز وهو مذهب أبي حنيفة والمذهب الخامس يطهر الجميع إلا أنه يطهر ظاهر لا دون باطنه ويستعمل في اليابسات دون المائعات ويصلي عليه لا فيه وهذا مذهب مالك المشهور في حكاية أصحابنا عنه والمذهب السادس يطهر الجميع والكلب والخنزير ظاهرا وباطنا وهو مذهب داود وأهل الظاهر وحكى عن أبي يوسف والمذهب السابع أنه ينتفع جلود الميتة وإن لم تدبغ ويجوز استعمالها في المائعات واليابسات وهو مذهب الزهري وهو وجه شاذ لبعض أصحابنا لا تفريع ولا التفات إليه كذا في النووي في شرح مسلم
[ 121 ]
قال المنذري وحديث ميمونة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وحديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأخرجه مسلم من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس وفيه فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلا أخذتم إهابها فد بغتموه وقد الحديث انتهى (أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الحديث) أي المذكور (لم يذكر ميمونة) أي لم يذكر معمر في روايته ميمونة قال الحافظ في الفتح الراجح عند الحافظ في حديث الزهري ليس فيه ميمونة نعم أخرج مسلم والنسائي من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أن ميمونة أخبرته (لم يذكر الدباغ) أي لم يذكر معمر قوله ألا دبغتم إهابها (وكان الزهري ينكر الدباغ ويقول يستمتع به على كل حال) هذا هو المشهور من مذهب الزهري أنه يقول ينتفع بجلود الميتة على كل حال دبغت أو لم تدبغ وتمسك بالرواية التي ليس فيها ذكر الدباغ ويجاب بأنها مطلقة وجاءت الروايات الباقية ببيان الدباغ وأن دباغه طهوره (عن عبد الرحمن بن وعلة) بفتح الواو وسكون المهملة (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح قاله النووي ولفظ الترمذي وغيره بهذا الوجه أيما إهاب دبغ فقد طهر والحديث دليل لمن قال إن الدباغ مطهر لجلد ميتة كل حيوان كما يفيده لفظ عموم كلمة أيما وكذلك لفظ الإهاب يشمل بعمومة جلد المأكول اللحم وغيره . قال الخطابي وزعم قوم أن جلد ما لا يؤكل لحمه لا يسمى إهابا وذهبوا إلى أن الدباغ
[ 122 ]
لا يعمل من الميتة إلا في جلد الجنس المأكول اللحم ومما يدل على أن اسم الإهاب يتناول جلد ما لا يؤكل لحمه كتناوله جلد المأكول اللحم قول عائشة حين وصفت أباها وحقن الدماء في أهبها تريد به الناس وقد قال ذو الرمة يصف كلبين : لا يذخران علي من الإيغال باقية حتى يكاد تفرى عنهما الأهب انتهى ملخصا قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (قسيط) بالقاف والسين المهملة والتحتية والطاء المهملة مصغرا (أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت) هذا الحديث أيضا يدل على أن جلود الميتة كلها طاهرة بعد الدباغ يحل الاستمتاع بها قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وأم محمد بن عبد الرحمن لم تنسب ولم تسم . (عن جون بن قتادة) يفتح الجيم وسكون الواو وبعدها نون (عن سلمة بن المحبق) ويجئ ضبط في كلام المنذري (فسأل) أي طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنها ميتة) المعنى أن القربة من جلد الميتة (فقال دباغها طهورها) أي طهارتها قال الخطابي في المعالم هذا يدل على بطلان قول من زعم أن إهاب الميتة إذا مسه الماء بعد الدباغ ينجس ويبين أنه طاهر كطهارة المذكى وأنه إذا بسط وصلى عليه أو خرز منه خف فصلى فيه جاز انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وسئل أحمد بن حنبل عن جون بن قتادة فقال لا نعرف هذا آخر كلامه وجون بفتح الجيم وسكون الواو بعدها نون وسلمة بن المحبق له صحبة وهو هذلي سكن البصرة كنيته أبو سنان واسم المحبق صخر وهو بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعدها باء موحدة وقاف وأصحاب الحديث يفتحون الباء
[ 123 ]
ويقول بعض أهل اللغة هي مكسورة وإنما سماه أبو المحبق تفاؤلا بشجاعته أنه يضرط أعداءه (عن أمه العالية) بالجر بدل من أمه (فقالت أو يحل ذلك) الانتفاع بجلودها (مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال الخ) هذا تعليل لقولها نعم (مثل الحمار) أي مثل جره أو كونها ميتة منتفخة (يطهرها الماء والقرظ) بفتحتين قال الخطابي القرظ شجر يدبغ به الأهب وهو لما فيه من العفوصة والقبض ينشف الملة ويذهب الرخاوة ويجفف الجلد ويصلحه ويطيبه فكل شئ عمل عمل القرظ كان حكمه في التطهير حكمه وذكر الماء مع القرظ قد يحتمل أن يكون إنما أراد بذلك أن القرظ يختلط به حين يستعمل في الجلد ويحتمل أن يكون إنما أراد أن الجلد إذا خرج من الدباغ غسل بالماء حتى يزول عنه ما خالطه من وضر الدبغ ودرنه وفيه حجة لمن ذهب إلى أن غير الماء لا يزيل النجاسة ولا يطهرها في حال من الأحوال انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي . (باب من روى أن لا يستنفع بإهاب الميتة) (عن عبد الله بن عكيم) بالتصغير (قال قرئ) بصيغة المجهول (أن لا تستمتعوا) أن
[ 124 ]
مفسرة أو مخففة (بإها تعالى ولا عصب) بفتحتين هو إطناب مفاصل الحيوان والحديث سكت عنه المنذري (رجل من جهينة) بالجر بدل من عبد الله بن عكيم (كتب إلى جهينة قبل موته) الضمير المجرور يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث تمسك به من ذهب إلى أنه لا ينتفع من الميتة بشئ سواء دبغ الجلد أو لم يدبغ وزعم أن هذا الحديث ناسخ لسائر الأحاديث وأجيب عن هذا الحديث بأجوبة فصلها العلامة الشوكاني في النيل وقال بعد تفصيلها ومحصل الأجوبة على هذا الحديث الإرسال لعدم سماع عبد الله بن عكيم من النبي صلى الله عليه وسلم ثم الانقطاع لعدم سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من عبد الله بن عكيم ثم الاضطراب في سنده فإنه تارة قال عن كتاب
[ 125 ]
النبي صلى الله عليه وسلم وتارة عن مشيخة من جهينة وتارة عمن قرأ الكتاب ثم الاضطراب في متنه فرواه الأكثر من غير تقييد ومنهم من رواه بتقييد شهر أو شهرين أو أربعين يوما أو ثلاثة أيام ثم الترجيح بالمعارضة بأن أحاديث الدباغ أصح ثم القول بموجبه بأن الإهاب اسم للجلد قبل الدباغ لا بعده حمله على ذلك ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما انتهى وقال الحافظ في الفتح بعد ما تكلم على بعض الأجوبة وأقوى ما تمسك به من لم يأخذ بظاهر الحديث معارضة الأحاديث الصحيحة له وأنها عن سماع وهذا عن كتابة وأنها أصح مخارج وأقوى من ذلك الجمع بين الحديثين بحمل الإهاب على الجلد قبل الدباغ وأنه بعد الدباغ لا يسمى إهابا إنما يسمى قربة وغير ذلك وقد نقل ذلك عن أئمة اللغة كالنضر بن شميل انتهى وقد وقع في نسخة بعد تمام الحديث قال أبو داود وإليه ذهب أحمد أي ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى ما يدل عليه حديث عبد الله بن عكيم من أنه لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ولكن ثم ترك الحديث للاضطراب في الإسناد كما قال الترمذي ويجئ قول الترمذي في عبارة المنذري (إنما يسمى شنا) بفتح الشين المعجمة بعدها نون أي قربة خلقة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن ويروي عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ له هذا الحديث وقال الترمذي أيضا وسمعت أحمد بن الحسن يقول كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهر وكان يقول كان هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم ثم ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده وقال أبو بكر بن حازم الحافظ وقد حكى الخلال في كتابه أن أحمد توقف في حديث
[ 126 ]
بن عكيم لما رأى تزلزل الرواة فيه وقال بعضهم رجع عنه وقال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي في الناسخ والمنسوخ تصنيفه وحديث ابن عكيم مضطرب جدا فلا يقاوم الأول لأنه في الصحيحين يعني حديث ميمونة وقال أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب السنن أصح ما في هذا الباب في جلود الميتة إذا دبغت حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة والله أعلم انتهى كلام المنذري (باب في جلود النمور والسباع) جمع نمر بفتح النون وكسر الميم ويجوز التخفيف بكسر النون وسكون الميم وهو سبع أجرأ وأخبث من الأسد وهو منقط الجلد نقط سود وبيض وفيه شبه من الأسد إلا أنه أصغر منه ورائحة فمه طيبة بخلاف الأسد وبينه وبين الأسد عداوة وهو بعيد الوثبة فربما وثب أربعين ذراعا (لا تركبوا الخز ولا النمار) جمع نمر والنمر ككتف وبالكسر سبع معروف جمعه أنمر وأنمار ونمار ونمارة ونمورة فإن وإنما نهى عن استعمال جلوده لما فيها من الزينة والخيلاء ولأنه زي العجم وعموم النهي شامل للمذكى عمر وغيره والكلام على الخز تفسيرا وحكما قد تقدم قال في النهاية نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ركوب النمار وفي رواية النمور أي جلود النمور وهي السباع المعروفة واحدها نمر إنما نهى عن استعمالها لما فيها من الزينة والخيلاء ولأنه زي الأعاجم أو لأن شعره لا يقبل الدباغ عند أحد الأئمة إذا كان غير زكي ولعل أكثر ما كانوا يأخذون جلود النمور إذا ماتت لأن اصطيادها عسير انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن ركوب النمور (لا تصحب الملائكة رفقة) بضم الراء وكسرها جماعة ترافقهم في سفرك (فيها) أي في الرفقة والحديث فيه يكره اتخاذ جلود النمور واستصحابها في السفر وإدخالها البيوت لأن
[ 127 ]
مفارقة الملائكة للرفقة التي فيها جلد نمر تدل على أنها لا تجامع جماعة أو منزلا وجد فيه ذلك ولا يكون إلا لعدم جواز استعمالها كما ورد أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير وجعل ذلك من أدلة تحريم التصاوير وجعلها في البيوت كذا في النيل قال المنذري في إسناده أبو العوام عمران بن داور القطان وثقه عفان بن مسلم واستشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد وداور آخره راء مهملة (وفد المقدام) أي قدم قال في القاموس وفد إليه وعليه يفد وفدا وقدم وورد انتهى والمقدام بن معد يكرب هو ابن عمرو الكندي الصحابي المشهور نزل الشام (وعمرو بن الأسود) العنسي حمصي مخضرم ثقة عابد (ورجل من بني أسد من أهل قنسرين) بكسر القاف وفتح النون المشددة وكسر الراء المهملة كورة بالشام (إلى معاوية بن أبي سفيان) حين إمارته (أعلمت) بضم التاء على البناء للمفعول من الإعلام أي أخبرت أو بفتح التاء بصيغة المعلوم من الثلاثي المجرد وبهمزة استفهام (توفي) بصيغة المجهول أي مات وكان الحسن رضي الله عنه ولى الخلافة بعد قتل أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان مستحقا للخلافة وبايعه أكثر من أربيعن ألفا ثم جرى ما جرى بين الحسن بن علي وبين معاوية رضي الله عنهم وسار إليه معاوية من الشام إلى العراق وسار هو إلى معاوية فلما تقاربا رأي الحسن رضي الله عنه الفتنة وأن الأمر عظيم تراق فيه الدماء ورأى اختلاف أهل العراق وعلم الحسن رضي الله عنه أنه لن تغلب إحدى الطائفتين حتى يقتل أكثر الأخرى فأرسل إلى معاوية يسلم له أمر الخلافة وعاد إلى المدينة فظهرت المعجزة في قوله صلى الله عليه وسلم إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين وأي شرف أعظم من شرف من سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدا وكان وفاة الحسن رضي الله عنه مسموما سمته زوجته جعدة بإشارة يزيد بن معاوية سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين أو بعدها وكانت مدة خلافته ستة أشهر وشيئا وعلى قول نحو ثمانية أشهر رضي الله تعالى عنه وعن جميع أهل البيت (فرجع) من الترجيع أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون (فقال له فلان) وفي بعض النسخ وقع رجل مكان فلان والمراد بفلان هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه والمؤلف لم يصرح باسمه وهذا دأبه في مثل ذلك وقد أخرج أحمد في مسنده من طريق حيوة بن شريح حدثنا بقية حدثنا بحير بن سعد عن خالد بن معدان قال وفد المقدام بن معد يكرب وفيه فقال له معاوية أيراها مصيبة الحديث
[ 128 ]
(أتعدها) وفي بعض النسخ أتراها أي أنعد النبي يا أيها المقدام حادثة موت الحسن رضي الله تعالى عنه مصيبة والعجب كل العجب من معاوية فإنه ما عرف قدر أهل البيت حتى قال ما قال فإن موت الحسن بن علي رضي الله عنه من أعظم المصائب وجزى الله المقدام ورضي عنه فإنه ما سكت عن تكلم الحق حتى أظهره وهكذا شأن المؤمن الكامل المخلص (فقال) أي المقدام (له) أي لذلك الفلان وهو معاوية رضي الله عنه (وقد وضعه) أي الحسن رضي الله عنه والواو للحال (فقال هذا) أي الحسن (مني وحسين من علي) أي الحسن يشبهني والحسين يشبه عليا وكان الغالب على الحسن الحلم والأناة كالنبي صلى الله عليه وسلم وعلى الحسين الشدة كعلي قاله في شرح الجامع الصغير (فقال الأسدي) أي طلبا لرضاء معاوية وتقربا إليه (جمرة) قال في المصباح جمرة النار القطعة المتلهبة وإن وفي القاموس النار المتقدة (أطفأها الله) أي خمد الله تعالى تلك الجمرة وأماتها فلم يبق منها شئ ومعنى قوله والعياذ بالله أن حياة الحسن رضي الله عنه كانت فتنة فلما توفاه الله تعالى سكنت الفتنة فاستعار من الجمرة بحياة الحسن ومن إطفائها بموته رضي الله عنه وإنما قال الأسدي ذلك القول الشديد السخيف لأن معاوية رضي الله عنه كان يخاف على نفسه من زوال الخلافة عنه وخروج الحسن رضي الله عنه عليه وكذا خروج الحسين رضي الله عنه ولذا خطب مرة فقال مخاطبا لابنه يزيد وإني لست أخاف عليك أن ينازعنك في هذا الأمر إلا أربعة نفر من قريش الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فقال الأسدي ذلك القول ليرضي به معاوية ويفرح به (قال) خالد بن الوليد (فقال المقدام) مخاطبا لمعاوية (أما أنا) فلا أقول قولا باطلا الذي يسخط به الرب كما قال الأسدي طلبا للدنيا وتقربا إليك ومريدا لرضاك بل أقول كلاما صحيحا وقولا حقا (فلا أبرح) أي فلا أزال (اليوم حتى أغيظك) من باب التفعيل أي أغضبك وأسخطك كما (وأسمعك) من باب الأفعال (ما تكره) من القول فإني لا أبالي بسخطك وغضبك وإني جرئ على إظهار الحق فأقول عندك ما هو الحق وإن كنت تكره وتغضب علي (ثم قال) المقدام (يا معاوية) اسمع مني ما أقول (إن أنا صدقت) في كلامي (فصدقني) فيه وهو أمر من التفعيل (وإن أنا كذبت) في كلامي (فكذبني) فيه (قال) معاوية (افعل) كذلك (فأنشدك بالله) أي أسألك به وأذكرك إياه
[ 129 ]
(فوالله لقد رأيت هذا) المذكور من لبس الذهب والحرير ولبس جلود السباع والركوب عليها (كله) بالنصب تأكيد (في بيتك يا معاوية) فإن أبناءك هو ومن تقدر عليه لا يحترزون عن استعمالها وأنت لا تنكر عليهم وتطعن في الحسن بن علي (أني لن أنجو منك) لأن كلامك حق صحيح (فأمر له) أي للمقدام من العطاء والإنعام (بما لم يأمر لصاحبيه) وهما عمرو بن الأسود والرجل الأسدي (وفرض لابنه) أي لابن المقدام (في المائتين) أي قدر هذا المقدار من بيت المال رزقا له وفي بعض النسخ في المئين فكان المائتين (ففرقها) من التفريق أي قسم العطية التي أعطاها معاوية على أصحابه وأعطاهم والحديث يدل على النهي عن لبس الذهب والحرير وقد تقدم أن النهي خاص بالرجال وعلى النهي عن لبس جلود السباع والركوب عليها وهذا هو المقصود من إيراد الحديث وأخرج أيضا أحمد في مسنده من طريق بقية عن المقدام بن معدى كرب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير والذهب وعن مياثر النمور (لشيئه) هكذا في أكثر النسخ أي حسن الإمساك لما له ومتاعه قال في المصباح الشئ في اللغة عبارة عن كل موجود إما حسا كالأجسام أو حكما كالأقوال نحو قلت شيئا وجمع الشئ أشياء وفي بعض نسخ الكتاب حسن الأمساك كسبه فالكسب مفعول للامساك قال في المجمع من أطيب كسبكم أي من أطيب ما وجد بتوسط سعيكم . قال المنذري وأخرجه النسائي مختصرا وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال انتهى . قلت وفي إسناد مسند أحمد صرح بقية بن الوليد بالتحديث
[ 130 ]
(نهى عن جلود السباع) قد استدل به على أن جلود السباع لا يجوز الانتفاع بها وقد اختلف في حكمه النهي فقال البيهقي يحتمل أن النهي وقع لما يبقى عليها من الشعر لأن الدباغ لا يؤثر فيه وقال غيره يحتمل أن النهي عما لم يدبغ منها لأجل النجاسة أو أن النهي لأجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء قال الشوكاني ما محصلة إن الاستدلال بحديث النهي عن جلود السباع وما في معناه على أن الدباغ لا يطهر جلود السباع بناء على أنه مخصص للأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم غير ظاهر لأن غاية ما فيه مجرد النهي عن الإنتفاع بها ولا ملازمة بين ذلك وبين النجاسة كما لا ملازمة بين النهي عن الذهب والحرير ونجاستهما انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وزاد الترمذي أن تفترش وقال لا نعلم أحدا قال عن أبي المليح عن أبيه غير سعيد بن أبي عروبة وأخرجه عن أبي المليح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وقال هذا أصح (باب في الانتعال) (أكثروا من النعال) وفي رواية مسلم استكثروا أي اتخذوا كثيرا (فإن الرجل لا يزال راكبا ما انتعل) أي ما دام الرجل لابس النعل يكون كالراكب قال النووي معناه أنه شبيه بالراكب في خفة المشقة عليه وقلة تعبه وسلامة رجله ما يلقي في الطريق من خشونة وشوك وأذى وفيه استحباب الاستظهار في السفر بالنعال وغيرها مما يحتاج إليه المسافر قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (أن نعل النبي صلى الله عليه وسلم كان لها قبالان) القبال بكسر القاف وتخفيف الموحدة وآخره لام هو الزمام وهو السير الذي يعقد فيه الشسع الذي يكون بين أصبعي الرجل والمعنى أنه كان لنعله زمامان يجعلان بين أصابع الرجلين والمراد بالإصبعين الوسطى والتي تليها وقال الجزري
[ 131 ]
كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيران يضع أحدهما بين إبهام رجله والتي تليها ويضع آخر بين الوسطى والتى تليها ومجمع السيرين إلى السير الذي على وجه قدمه صلى الله عليه وسلم وهو الشراك عنه كذا في المرقاة وفي الصحاح للجوهري قبال النعل الزمام الذي يكون بين الأصبع الوسطى والتي تليها انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائما) من باب الافتعال أي يلبس النعل قال الخطابي إنما نهى عن لبس النعل قائما لأن لبسها قاعدا أسهل عليه وأمكن له وربما كان ذلك سببا لانقلابه إذا لبسها قائما فأمر بالقعود له والاستعانة باليد فيه ليأمن غائلته انتهى والحديث سكت عنه المنذري (لا يمشي أحدكم في النعل الواحدة) نفى بمعنى النهي وفي رواية البخاري لا يمش (لينتعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا) أي ليلبسهما جميعا أو لينتزعهما إن جميعا قال الحافظ في الفتح قال الخطابي الحكمة في النهي أن النعل شرعت وقاية الرجل عما يكون في الأرض من شوك أو نحوه فإذا انفردت إحدى الرجلين احتاج الماشي أن يتوقى لإحدى رجليه ما لا يتوقى لأخرى فيخرج بذلك عن سجية مشيه ولا يأمن مع ذلك من العثار وقيل لأنه لم يعدل بين جوارحه وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي أو ضعفه وقال البيهقي الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار لمن ترى ذلك منه وقد ورد النهي عن الشهرة في اللباس فكل شئ صير صاحبه شهرة فحقه أن يجتنب انتهى باختصار قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (إذا انقطع شسع أحدكم) بكسر معجمة وسكون مهملة قال في النهاية هو أحد سيور النعل وهو الذي يدخل بين الإصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود
[ 132 ]
في الزمام والزمام السير الذي يعقد فيه الشسع (فلا يمشي) وفي بعض النسخ فلا يمش وكذا اختلف النسخ في الفعلين الآتيين ففي بعضها بالنفي وفي بعضها بالنهي (حتى يصلح شسعه) قال الطيبي ومعنى حتى إنه لا يمشي في نعل واحدة إذا قطع شسع نعله الأخرى حتى يصلح شسعه فيمشي بالنعلين انتهى قال الحافظ ما محصله إن الحديث لا مفهوم له حتى يدل على الإذن في غير هذه الصورة وإنما هو تصوير خرج مخرج الغالب ويمكن أن يكون من مفهوم الموافقة وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا منع مع الاحتجاج فمع عدم الاحتجاج أولى قال وهو دال على ضعف ما أخرجه الترمذي عن عائشة قالت ربما انقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى في النعل الواحدة حتى يصلحها وقد رجح البخاري وغير واحد وقفه على عائشة وقال وقد ورد عن علي وابن عمر أيضا أنهما فعلا ذلك وهو إما أن يكون بلغهما النهي فحملاه على التنزيه أو كان زمن فعلهما يسيرا بحيث يؤمن معه المحذور أو لم يبلغهما النهي انتهى (ولا يمشي في خف واحد) قد ألحق بعضهم بالمشي في النعل الواحدة والخف الواحد إخراج أحد اليدين من الكم وإلقاء الرداء على أحد المنكبين والله تعالى أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (من السنة) خبر مقدم (إذا جلس الرجل) ظرف للمبتدأ وهو قوله (أن يخلع نعليه فيضعهما بجنبه) أي الأيسر تعظيما للأيمن ولا يضع قدامه تعظيما للقبلة ولا وراءه خوفا من السرقة كذا قال القاري قال المنذري أبو نهيك لا يعرف اسمه سمع من عبد الله بن عباس وأبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري روى عنه قتادة بن دعامة وزياد بن سعد والحسين بن واقد وهو بفتح النون وكسر الهاء وسكون الياء وبعدها كاف (إذا انتعل أحدكم) أي أراد لبس النعل (فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال) قال الحافظ نقل عياض وغيره الإجماع على أن الأمر فيه للاستحباب (ولتكن اليمين أولهما تنعل وآخرهما تنزع) الفعلان مبنيان للمفعول قال الحافظ زعم ابن وضاح فيما حكاه ابن التين أن
[ 133 ]
هذا القدر مدرج وأن المرفوع انتهى عند قوله بالشمال وضبط أولهما وآخرهما بالنصب على أنه خبر كان أو على الحال والخبر تنعل وتنزع وضبطا بمثناتين فوقانيتين وتحتانيتين مذكرين باعتبار النعل والخلع انتهى قال الخطابي الحذاء كرامة للرجل حيث أنه وقاية من الأذى وإذا كانت اليمنى أفضل من اليسرى استحب التبدئة بها في لبس النعل والتأخير في نزعه ليتوفر بدوام لبسها حظها من الكرامة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وأخرج مسلم من حديث محمد بن زياد الجمحي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا خلع فليبدأ بالشمال وأخرجه ابن ماجه بنحوه (يحب التيمن) أي الشروع باليمين قيل لأنه كان يحب الفال الحسن إذ أصحاب اليمين أهل الجنة (ما استطاع) فيه إشارة إلى شدة المحافظة على التيمن (في شأنه) أي أمره (كله) بالجر تأكيد (وترجله) أي ترجيل شعره وهو تسريحه ودهنه قال في المشارق رجل شعره إذا مشطه بماء أو دهن ليلين ويرسل الثائر ويمد المنقبض قاله الحافظ (ونعله) أي لبس نعله (قال مسلم وسواكه) ولم يذكر في شأن كله أي زاد مسلم بن إبراهيم في روايته لفظ وسواكه ولم يذكر قوله في شأنه كله قال النووي هذه قاعدة مستمرة في الشرع هي أن ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود وغير ذلك مما هو في معناه يستحب التيامن فيه وأما ما كان بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها والله أعلم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 134 ]
(فابدأوا بأيامنكم) وفي بعض النسخ بميامنكم والحديث فيه دليل على البداءة بالميامن عند لبس الثياب والوضوء قال النووي أجمع العلماء على أن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة لو خالفها فاته الفضل وصح وضوءه وقالت الشيعة هو واجب ولا اعتداد بخلاف الشيعة قال ثم اعلم أن من أعضاء الوضوء ما لا يستحب فيه التيامن وهو الأذنان والكفان والخدان بل يطهران دفعة فإن تعذر ذلك كما في حق الأقطع ونحوه قدم اليمين انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي وقد روى غير واحد هذا الحديث عن شعبة بهذا الإسناد عن أبي هريرة موقوفا فلا نعلم أحدا رفعه غير عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة . (باب في الفرش) بضمتين جمع فراش (فراش للرجل) أي فراش واحد كاف للرجل (والرابع للشيطان) قال النووي معناه أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والالتهاء بزينة الدنيا وما كان بهذه الصفة فهو مذموم وكل مذموم يضاف إلى الشيطان لأنه يرتضيه ويحسنه وقيل إنه على ظاهره وأنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت ومقيل وأما تعديد الفراش للزوج والزوجة فلا بأس به لأنه قد يحتاج كل واحد منهما إلى فراش عند المرض ونحوه وغير ذلك واستدل بعضهم بهذا على أنه لا يلزمه النوم مع امرأته وأن له الانفراد عنها بفراش والاستدلال به في هذا ضعيف لأن المراد بهذا وقت الحاجة بالمرض وغيره وإن كان النوم مع الزوجة ليس واجبا لكنه بدليل آخر والصواب في النوم مع الزوجة أنه إذا لم يكن لواحد منهما عذر في الانفراد فاجتماعهما في
[ 135 ]
فرش واحد أفضل وهو ظاهر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي واظب عليه مع مواظبته صلى الله عليه وسلم على قيام الليل فينام معها فإذا أراد القيام لوظيفته قام وتركها فيجمع بين وظيفته وقضاء حقها المندوب وعشرتها بالمعروف لاسيما إن عرف من حالها حرصها على هذا ثم إنه لا يلزم من النوم معها الجماع انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (فرأيته متكئا على وسادة) بكسر الواو (زاد ابن الجراح على يساره أي) زاد عبد الله بن الجراح في روايته لفظ على يساره بعد قوله على وسادة وتابعه على ذلك إسحاق بن منصور قال المزي في الأطراف حديث إسرائيل بن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي عن سماك عن جابر بن سمرة قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته فرأيته متكئا على وسادة أخرجه أبو داود في اللباس عن أحمد بن حنبل وعبد الله ابن الجراح وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن يوسف بن عيسى ثلاثتهم عن وكيع وعن عباس بن محمد الدوري عن إسحاق بن منصور كلاهما عن إسرائيل به وفي حديث إسحاق على يساره قال الترمذي هكذا روى غير واحد عن إسرائيل نحو رواية وكيع ولا نعلم أحدا ذكر فيه عن يساره إلا ما روى إسحاق بن منصور عن إسرائيل انتهى كلام المزي (أنه رأى رفقة) بضم الراء وكسرها جماعة ترافقك فيه في السفر (رحالهم) قال في الصحاح رحل البعير هو أصغر من القتب والجمع الرحال انتهى وفي الفارسية بالان شتر (الآدم) بفتحتين جمع أديم بمعنى الجلد المدبوغ (من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة) بضم الراء وكسرها أي إلى رفقة هم أشبه (كانوا) لفظ كانوا زائدة كما في قول الشاعر جيادابني صلى أبي بكر تسامى على كان المسومة العراب (بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق بأشبه فهؤلاء الرفقة هم أشبه بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالهم (فلينظر إلى هؤلاء) أي إلى الرفقة الذين هم من أهل اليمن الذين رآهم ابن عمر
[ 136 ]
رضي الله عنه ويجوز أن لا تكون زائدة فالمعنى من أحب أن ينظر إلى رفقة كانوا هم أشبه بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هؤلاء كذا قاله بعض الأماجد في تعليقات السنن والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري (اتخذتم) بفتح الهمزة حذف منه همزة الوصل استغناء بهمزة الاستفهام (أنماطا) بفتح الهمزة جمع نمط بفتح النون والميم وهو ظهارة الفراش وقيل ظهر الفراش ويطلق أيضا على بساط لطيف له خمل يجعل على الهودج وقد يجعل سترا والمراد في الحديث هو النوع الأول (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما) بالتخفيف للتنبيه (إنها) الضمير للقصة (ستكون) تامة قال النووي وفي الحديث جواز اتخاذ الأنماط إذا لم تكن من حرير فيه معجزة ظاهرة بإخبار بها وكانت كما أخبر انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وفي لفظ لمسلم قال جابر وعند امرأتي نمط فأنا أقول نحيه عني وتقول فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها ستكون وفي البخاري والترمذي نحوه (كان وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم) الوسادة بكسر الواو المتكأ والمخدة (الذي ينام عليه بالليل) أي يتوسد عليه عند النوم وفي بعض النسخ التي ينام عليها وهو الظاهر (من أدم حشوها ليف) في القاموس ليف النخل الكسر معروف انتهى وفي الصراح ليف يوست درخت خرما قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي بمعناه (كان ضجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الضاد للمعجمة من الإضطجاع وهو النوم كالجلسة من الجلوس وبفتحها المرة وأراد ما كان يضطجع به فحذف مضاف أي كانت ذات ضجعته كذا في المجمع قال المنذري وأخرجه ابن ماجه بنحوه
[ 137 ]
(حيال مسجد النبي صلى الله عليه وسلم) بكسر مهملة وفتح تحتية خفيفة أي بجنب مصلاه وأحاديث الباب تدل على جواز اتخاذ الفرش والوسائد والنوم عليها والارتفاق بها وجواز المحشو وجواز اتخاذ ذلك من الجلود والله أعلم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وقال عن أم سلمة (باب في اتخاذ الستور) جمع ستر بكسر السين (فوجد على بابها سترا) أي موشيا كما في الرواية الآتية (إلا بدأ بها) أي بفاطمة (فرآها مهتمة) أي ذات هم (أنك جئتها فلم تدخل عليها) في محل الرفع فاعل لاشتد (وما أنا والدنيا) أي ليس لي ألفة مع الدنيا ولا للدنيا ألفة ومحبة معي حتى أرغب إليها وأبسط عليها أو استفهامية أي أي ألفة ومحبة مع الدنيا (وما أنا والرقم) بفتح فسكون النقش والوشى قال الخطابي أصل الرقم الكتابة قال الشاعر سأرقم في الماء القراح إليكم ع على بعدكم إن كان للماءراقم (ما تأمرني به) أي بذلك الستر أي ما أفعل به (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (قل) أي يا علي (لها) أي لفاطمة (فلترسل به إلى بني فلان) يكونون فقراء وذوي الحاجة إلى لبسه والحديث سكت عنه المنذري
[ 138 ]
(وكان سترا موشيا) أي منقشا وفي بعض النسخ موشى من باب التفعيل (باب في الصليب في الثوب أي صورة الصليب فيه) والصليب بفتح الصاد وكسر اللام هو الذي للنصارى وصورته أن توضع خشبة على أخرى على صورة التقاطع يحدث منه المثلثان أنه على صورة المصلوب وأصله أن النصارى يزعمون أن اليهود صلبوا عيسى عليه السلام فحفظوا هذا الشكل تذكرا لتلك الصورة الغريبة الفظيعة وتحسرا عليها وعبدوه وفي الصراح الصليب جليباي وهو ترسايان (أخبرنا عمران بن حطان) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين (فيه تصليب) وفي رواية البخاري تصاليب قال الحافظ وفي رواية الكشميهني تصاوير تصاليب قال ورواية الجماعة أثبت فقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن هشام فقال تصاليب وكذا أخرجه أبو داود من رواية أبان عن يحيى انتهى والمراد من تصليب ما فيه صورة الصليب وقيل بل المراد مطلق التصوير كما في رواية والله تعالى أعلم (إلا قضبه) بالقاف والضاد المعجمة والموحدة أي قطعه وأزاله وفي رواية البخاري نقضه مكان قضبه قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (باب في الصور) بضم الصاد المهملة وفتح الواو جمع الصورة
[ 139 ]
(عن عبد الله بن نجي) بالتصغير (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب) قال الخطابي في المعالم المراد من الجنب في هذا الحديث هو الذي يترك الاغتسال من الجنابة ويتخذه عادة وأما الكلب إنما يكره إذا كان اتخذه صاحبه للهو ولعب لا لحاجة وضرورة كمن اتخذ لحراسة زرع أو لغنم أو لقنص فقال وصيد فأما الصورة فهو كل ما تصورت من الحيوان سواء في ذلك الصور المنصوبة القائمة التي لها أشخاص وما لا شخص له من المنقوشة في الجدر والصورة فيها وفي الفرش والأنماط وقد رخص فيما كان منها في الأنماط التي توطأ وتداس بالأرجل انتهى قال النووي والأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الحديث والحديث مع شرحه قد تقدم في أول الكتاب في أبواب الجنب قال النووي وأخرجه النسائي وابن ماجه وليس في حديث ابن ماجه ولا جنب وقد تقدم في كتاب الطهارة في إسناده عبد الله بن نجي الحضرمي قال البخاري فيه نظر هذا آخر كلامه ونجي بضم النون وفتح الجيم وتشديد الياء آخر الحروف (بيتا فيه كلب ولا تمثال) بكسر التاء هو الصورة مطلقا والمراد صورة الحيوان (وقال انطلق بنا) القائل زيد بن خالد والخطاب لسعيد بن يسار (وكنت أتحين) بصيغة المتكلم من باب التفعل أي أطلب وأنتظر حين رجوعه صلى الله عليه وسلم (قفوله) أي رجوعه (فأخذت نمطا) بفتحتين قال النووي المراد بالنمط هنا بساط لطيف له خمل وفي فتح الودود ثوب من صوف يفرش ويجعل سترا ويطرح على الهودج (فسترته على العرض) بالضاد المعجمة قال الخطابي في المعالم العرض الخشبة المعترضة يسقف بها البيت ثم يوضع عليها الخشب الصغار يقال عرضت البيت تعريضا انتهى
[ 140 ]
وفي النهاية لابن الأثير رحمه الله تعالى حديث عائشة نصبت على باب حجرتي عباءة مقدمة من غزاة خيبر أو تبوك فهتك العرض حتى وقع بالأرض قال الهروي المحدثون يروونه بالضاد المعجمة وهو بالصاد المهملة وبالصين وهو خشب توضع على البيت عرضا إذا أرداوا تسقيفه ثم توضع عليها أطراف الخشب الصغار يقال عرصت أي البيت تعريصا وذكره أبو عبيدة بالسين وقال والبيت المعرس الذي له عرس وهو الحائط يجعل بين حائطي البيت لا يبلغ به أقصاه والحديث جاء في سنن أبي داود بالضاد المعجمة وشرحه الخطابي في المعالم وفي غريب الحديث بالصاد المهملة وقال قال الراوي العرض وهو غلط وقال الزمخشري إنه العرص بالمهملة وشرح نحو ما تقدم قال وقد روي بالضاد المعجمة لأنه يوضع على البيت عرضا انتهى كلام ابن الأثير (فرأى النمط) وفي بعض روايات مسلم تصريح بأن هذا النمط كان فيه صور الخيل ذوات الأجنحة (حتى هتكه) أي قطعه وأتلف الصورة التي فيه (إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة واللبن) وفي رواية مسلم والطين مكان واللبن قال النووي استدلوا به على أنه يمنع من ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب وهو منع كراهة تنزيه لا تحريم هذا هو الصحيح قال وليس في هذا الحديث ما يقتضي تحريمه لأن حقيقة اللفظ أن الله لم يأمرنا بذلك وهذا يقتضي أنه ليس بواجب ولا مندوب ولا يقتضي التحريم انتهى (فقطعته وجعلته وسادتين) فيه أن الصورة إذ غيرت لم يكن بها بأس بعد ذلك وجاز افتراشها والارتفاق عليها وقال عبد الحق المحدث الدهلوي ولا يخفى أن سياق الحديث يدل على أن المنع والهتك لم يكن من جهة التصوير بل لكراهة كسوة الجدار انتهى قلت التصوير وكسوة الجدار كلاهما أمران منكران أنكر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم بطوله وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه ببعضه عن (بكير) بالتصغير (عن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (عن زيد بن خالد) وفي
[ 141 ]
رواية للبخاري أن زيد بن خالد الجهني حدثه ومع بسر بن سعيد عبيد الله الخولاني الذي كان في حجر ميمونة (ثم اشتكى) أي مرض (زيد) أي ابن خالد المذكور (فعدناه) من العيادة (ربيب ميمونة) بالجر بدل من عبيد الله وإنما يقال له ربيب ميمونة لأنها كانت ربته وكان من مواليها ولم يكن ابن زوجها (يوم الأول) من باب إضافة الموصوف إلى صفته (ألم تسمعه) أي زيدا (إلا رقما في ثوب) أي نقشا فيه وزاد في رواية للبخاري قلت لا قال بلى قال النووي يجمع بين الأحاديث بأن المراد باستثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأرواح كصورة الشجرة قال الحافظ ويحتمل أن يكون ذلك قبل النهي كما يدل عليه حديث أبي هريرة وأراد به آخر أحاديث الباب وقال ابن العربي حاصل ما في اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم با لإجماع وإن كانت رقما فأربعة أقوال الأول الجواز مطلقا لظاهر حديث الباب الثاني المنع مطلقا الثالث إن كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل حرم وإن قطعت الرأس أو تفرقت الأجزاء جاز قال وهذا هو الأصح الرابع إن كان مما يمتهن جازوا وإن كان معلقا لم يجز انتهى قال المنذري وهو بعض الحديث الأول بمعناه (زمن الفتح) أي فتح مكة (فيمحو) بنصب الواو (كل صورة فيها) أي في الكعبة وكان تلك الصور صورة إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام فقال صلى الله عليه وسلم قاتلهم الله والله إن استقسما بالإزلام قط كما رواه البخاري عن ابن عباس (حتى محيت) بصيغة المجهول من المحو والحديث سكت عنه المنذري
[ 142 ]
(ثم وقع في نفسه) أي في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض النسخ في نفسي (جر وكلب) بكسر الجيم وضمها وفتحها ثلاث لغات مشهورات وهو الصغير من أولاد الكلب وسائر السباع قاله النووي (فأمر به) أي بإخراج الجر (فأخرج) بصيغة المجهول (ثم أخذ) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فنضح) أي رش أو غسل غسلا خفيفا (مكانه) أي مرقد الجرو (فما لقيه) الضمير المنصوب للنبي صلى الله عليه وسلم (فأصبح) أي دخل في الصباح (فأمر بقتل الكلاب) أي جميعها في سائر أماكنها (حتى إنه) بكسر الهمزة والضمير للشأن أو للنبي صلى الله عليه وسلم (ليأمر بقتل كلب الحائط الصغير) لأنه لا يحتاج لحراسة الكلب لصغره والحائط البستان (ويترك كلب الحائط الكبير) لعسر حفظه بلا كلب قال النووي الأمر بقتل الكلاب منسوخ قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وعند أبي داود هكذا وقع تحت بساط لنا وفي صحيح مسلم تحت فسطاط لنا وهو موافق شبه الخبا ويريد به ههنا بعض حجال البيت بدليل قوله في الحديث الآخر تحت سرير عائشة وقيل الفسطاط بيت من الشعر وأصل الفسطاط عمود الأبنية التي تقام عليها وفيه ست لغات (أتيتك البارحة) أي الليلة الماضية (فلم يمنعني) أي مانع (أن أكون) أي من أن أكون (دخلت) أي في البيت (إلا أنه) أي الشأن (كان على الباب تماثيل) قال القاري أي ستر فيه تماثيل إذ كونها على الباب بعيد عن صوب الصواب وهو جمع تمثال بكسر أوله والمراد بها صورة الحيوان (قرام ستر) بكسر القاف وتخفيف الراء والتنوين وروي حذف التنوين والإضافة هو الستر الرقيق من صوف ذو ألوان (فمر) بضم الميم أي فقال جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم مر (يقطع) بصيغة المجهول (فيصير) أي التمثال المقطع رأسه (كهيئة الشجرة) لأن الشجر ونحوه مما لا روح فيه لا يحرم صنعته ولا التكسب به من غير فرق بين الشجر المثمرة وغيرها
[ 143 ]
قال ابن رسلان وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدا فإنه جعل الشجر المثمرة من المكروه لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال حاكيا عن الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي (منبوذتين) أي مطروحتين مفروشتين (توطان) بصيغة أي تهانان المجهول بالوطأ عليهما والقعود فوقهما والإستناد إليهما وأصل الوطأ الضرب بالرجل قال القاري والمراد بقطع الستر التوصل إلى جعله وسادتين كما هو ظاهر من الحديث فيفيد جواز استعمال ما فيه الصورة بنحو الوسادة والفراش والبساط انتهى وقال الخطابي في معالم السنن فيه دليل على أن الصورة إذا غيرت بأن يقطع رأسها أو تحل أوصالها حتى بغير هيئتها عما كانت لم يكن بها بعد ذلك بأس (تحت نضد لهم) بنون وضاد معجمة مفتوحتين ودال مهملة (فأمر به) أي بإخرج ثنا الكلب (فأخرج بصيغة المجهول) (قال أبو داود والنضد شئ توضع عليه الثياب شبه السرير) هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ قال الخطابي النضد متاع البيت ينضد بعضه على بعض أي يرفع بعضه فوق آخر وفي النهاية هو السرير الذي ينضد عليه الثياب أي يجعل بعضها فوق بعض وهو أيضا متاع البيت المنضود انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح
[ 144 ]
(اول كتاب الترجل) الترجل والترجيل تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه (عن عبد الله بن مغفل) بتشديد الفاء المفتوحة (نهى عن الترجل) أي التمشط (إلا غبا) بكسر الغين المعجمة وتشديد الموحدة قال في النهاية يقال غب الرجل إذا جاء زائرا بعد أيام وقال الحسن أي في كل أسبوع مرة انتهى وفسره الإمام أحمد بأن يسرحه يوما ويدعه يوما وتبعه غيره وقيل المراد به في وقت دون وقت وأصل الغب في إيراد الإبل أن ترد الماء يوما وتدعه يوما وفي القاموس الغب في الزيارة أن تكون كل أسبوع ومن الحمى ما تأخذ يوما وتدع يوما والحديث يدل على كراهة الاشتغال بالترجيل في كل يوم لأنه نوع من الترفه وقد ثبت النهى عن كثير من الإرفاه في الحديث الآتي قاله الشوكاني وقال العلقمي قال عبد الغافر الفارسي في مجمع الغرائب أراد الامتشاط وتعهد الشعر وتربيته كأنه كره المداومة وقال ابن رسلان ترجيل الشعر مشطه وتسريحه وفيه النهي عن تسريح الشعر ودهنه كل وقت لما يحصل منه الفساد وفيه تنظيف الشعر من القمل والدرن وغيره كل يوم لإزالة التفث ولما روى الترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ذكره في الشمائل انتهى وقال المناوي في فتح القدير نهى عن الترجل أي التمشط أي تسريح الشعر فيكره لأنه من زي العجم وأهل الدنيا وقوله إلا غبا أي يوما بعد يوم فلا يكره بل يسن فالمراد النهي عن
[ 145 ]
المواظبة عليه والاهتمام به لأنه مبالغة في التزيين وأما خبر النسائي عن أبي قتادة أنه كانت له جمة فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم فحمل على أنه كان محتاجا لذلك لغزارة شعره أو هو لبيان الجواز انتهى والحديث الذي أشار إليه أخرجه النسائي بلفظ عن أبي قتادة أنه كانت له جمة ضخمة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم ورجال إسناده كلهم رجال الصحيح وأخرجه أيضا مالك في الموطأ ولفظ الحديث عن أبي قتادة قال قلت يا رسول الله إن لي جمة أفأرجلها قال نعم وأكرمها فكأن أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قوله صلى الله عليه وسلم نعم وأكرمها انتهى وسيجئ الجمع بين حديث ابن مغفل وأبي قتادة من كلام المنذري أيضا وقال الحافظ ولي الدين العراقي ولا فرق في النهي عن التسريح كل يوم بين الرأس واللحية وأما حديث أنه كان يسرح لحيته كل يوم مرتين فلم أقف عليه بإسناد ولم أراه إلا في الإحياء ولا يخفى ما فيها من الأحاديث التي لا أصل لها ولا فرق بين الرجل والمرأة لكن الكراهة فيها أخف لأن باب التزيين في حقهن أوسع منه في حق الرجال ومع هذا فترك الترفه والتنعم لهن أولى كذا في شرح المناوي والله أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح وأخرجه النسائي أيضا مرسلا وأخرجه عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين قولهما وقال أبو الوليد الباجي وهذا الحديث وإن كان رواته ثقات إلا أنه لا يثبت وأحاديث الحسن عن عبد الله بن مغفل فيها نظر هذا آخر كلامه وفي ما قاله نظر وقد قال الإمام أحمد ويحي بن معين وأبو حاتم الرازي إن الحسن سمع من عبد الله بن مغفل وقد صحح الترمذي حديثه عنه كما ذكرنا غير أن الحديث في إسناده اضطراب (ما لي أراك) ما استفهامية تعجبية أي كيف الحال (شعثا) بفتح فكسر أي متفرق الشعر غير مترجل في شعرك ولا متمشط هذا في لحيتك (كان ينهانا عن كثير من الإرفاه) بكسر الهمزة على
[ 146 ]
المصدر بمعنى التنعم أصله من الرفه وهو أن ترد الإبل الماء متى شاءت ومنه أخذت الرفاهية وهي السعة والدعة والتنعم كره النبي صلى الله عليه وسلم الإفراط في التنعم من التدهين والترجيل على ما هو عادة الأعاجم وأمر بالقصد في جميع ذلك وليس في معناه الطهارة والنظافة فإن النظافة من الدين قال الحافظ القيد بالكثير في الحديث إشارة إلى أن الوسط المعتدل من الإرفاه لا يذم وبذلك يجمع بين الأخبار انتهى ووقع في بعض النسخ الإرفاءا ثم بالهمزة ومعناه الامتشاط كما في القاموس قال العلقمي في شرح الجامع وفي أبي داود كان ينهانا عن كثير الإرفاه بكسر الهمزة وسكون الراء وبعد الألف المقصورة هاء وهذا هو المشهور وفي بعض نسخ أبي داود المعتمدة الإرفة رسول بكسر الهمزة وضمها وسكون الراء وتخفيف الفاء أيضا لكن محذوف الألف اختصارا انتهى (حذاء) بكسر المهملة والذال المعجمة والمد النعل (أن نحتفي) أن نمشي حفاة (أحيانا) أي حينا بعد حين وهو أوسع معنى من غبا قاله القاري والحديث سكت عنه المنذري . (عنده) أي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تسمعون ألا تسمعون) كرره للتأكيد وألا بالتخفيف أي اسمعوا (إن البذاذة) بفتح الموحدة ذالين ولا معجمتين قال الخطابي البذاذة سوء الهيئة والتجوز في الثياب ونحوها يقال رجل باذ الهيئة إذا كان رث الهيئة واللباس (يعني التقحل) بقاف وحاء مهملة تكلف اليبس والبلى والمتقحل الرجل اليابس الجلد السئ الحال (أبو داود وهو) أي أبو أمامة المذكرو شيخ عبد الله (أبو أمامة بن ثعلبة الأنصاري) وإسمه إياس وهو صحابي قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه وقال أبو عمر النمري اختلف في إسناد قوله البذاذة من الإيمان اختلافا سقط معه الاحتجاج به ولا يصح من جهة الإسناد
[ 147 ]
(باب في استحباب الطيب) (سكة) بضم السين المهملة وتشديد الكاف نوع من الطيب عزيز وقيل الظاهر أن المراد بها ظرف فيها طيب ويشعر به قوله يتطيب منها لأنه لو أراد بها نفس الطيب لقال يتطيب بها قال المنذري وأخرجه الترمذي (باب في إصلاح الشعر) (المهري) بفتح الميم وسكون الهاء (من كان له شعر فليكرمه) أي فليزينه حدثنا ولينظفه ابن بالغسل والتدهين والترجيل ولا يتركه متفرقا فإن النظافة وحسن المنظر محبوب قال المنذري يعارضه ظاهر حديث الترجل إلا غبا وحديث البذاذة على تقدير صحتهما فجمع بينهما بأنه يحتمل أن يكون النهي عن الترجل إلا غبا محمولا على من يتأذى بإدمان ذلك المرض أو شدة برد فنهاه عن تكلف ما يضره ويحتمل أنه نهى عن أن يعتقد أن ما كان يفعله أبو قتادة من دهنه مرتين أنه لازم فأعلمه أن السنة من ذلك الإغباب به لا سيما لمن يمنعه ذلك من تصرفه وشغله وأن ما زاد على ذلك ليس بلازم وإنما يعتقد أنه مباح من شاء فعله ومن شاء تركه انتهى كلام المنذري
[ 148 ]
(باب في الخضاب للنساء) (كريمة بن همام) بضم هاء وتخفيف ميم كذا ضبطه مؤلف المشكاة قاله القاري (عن خضاب الحناء) بكسر وتشديد النون (لا بأس به) أي لا بأس بفعله فإنه مباح (كان حبيبي) وفي بعض النسخ حبي بكسر المهملة وتشديد الباء المكسورة وهما بمعنى (يكره ريحه) استدل الشافعي به على أن الحناء ليس بطيب لأنه كان يحب الطيب وفيه أنه لا دلالة لاحتمال أن هذا النوع من الطيب لم يكن يلائم طبعه كما لا يلائم الزباد مثلا طبع البعض كذا قال القاري (قال أبو داود تعني خضاب شعر الرأس) لأن خضاب اليد لم يكن يكرهه صلى الله عليه وسلم كما في الحديثين الآتيين قال المنذري وأخرجه النسائي وقد وقع لنا هذا الحديث وفيه وليس عليكن إخواتي أن تختضبن (إن هند ابنة عتبة) بضم أوله هي امرأة أبي سفيان أم معاوية أسلمت يوم الفتح بعد إسلام زوجها فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على نكاحهما (حتى تغيري كفيك) أي بالحناء (كأنهما كفا سبع) شبه يديها حين لم تخضبهما قوله بكفي سبع في الكراهية لأنها حينئذ شبيهة بالرجال ويؤيده الحديث الذي يليه بيان كراهية خضاب الكفين للرجال تشبها بالنساء والحديث سكت عنه المنذري
[ 149 ]
(أومأت) في القاموس ومأ إليه كأومأ له وفي بعض النسخ أومت بغير الهمزة بعد الميم وهو موهم إلى أنه معتل اللام لكن لم يذكر صاحب القاموس مادته مطلقا وقالوا في توجيهه إن أصله أوماأت ذلك بالهمز فخفف بإبداله ألفا فحذف لالتقاء الساكنين (من وراء ستر) أي حجاب (بيدها كتاب) الجملة من المبتدأ المؤخر والخبر المقدم صفة للمرأة كأنها جاءت بكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيد رجل) أي هي (قالت) أي المرأة (بل امرأة) بالرفع أي صاحبتها امرأة وأنا إمرأة (لو كنت امرأة) مراعية محمد شعار النساء (لغيرت أظفارك) أي خضبتها (يعني بالحناء) تفسير من عائشة أو غيرها من الرواة وفي الحديث شدة استحباب الخضاب بالحناء للنساء قال المنذري وأخرجه النسائي (باب في صلة الشعر) (وهو على المنبر) أي في المدينة (وتناول) أي أخذ (قصة) بضم وتشديد الخصلة من الشعر (كانت في يد حرسي) بفتح الحاء والراء وبالسين المهملات نسبة إلى الحرس وهم خدم الأمير الذين يحرسونه ويقال للواحد حرسي لأنه اسم جنس (أين علماؤكم) فيه إشارة إلى قلة العلماء يومئذ بالمدينة ويحتمل أنه أراد بذلك إحضارهم ليستعين بهم على ما أراد من إنكار ذلك أو لينكر عليهم سكوتهم عن إنكارهم هذا الفعل قبل ذلك (عن مثل هذه) أي القصة التي توصلها المرأة بشعرها (حين اتخذ هذه) أي القصة والحديث حجة للجمهور في منع وصل الشعر بشئ آخر سواء كان شعرا أم لا ويؤيده حديث جابر زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة بشعرها شيئا أخرجه مسلم وذهب الليث وكثير من الفقهاء أن الممتنع وصل الشعر
[ 150 ]
بالشعر وأما وصل الشعر بغيره من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي ويأتي في آخر الباب عن سعيد بن جبير أنه قال لا بأس بالقرامل والمراد بها خيوط من حرير أو صوف يعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها وإليه ذهب الإمام أحمد كما يأتي ولبعضهم تفصيل اخر ذكره الحافظ في الفتح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (الواصلة) أي التي تصل الشعر سواء كان لنفسها أو لغيرها (والمستوصلة) أي التي تطلب فعل ذلك ويفعل بها (والواشمة) اسم فاعل من الوشم وهو غرز الإبرة أو نحوها في الجلد حتى يسيل الدم ثم حشوه بالكحل أو النيل أو النورة فيخضر (والمستوشمة) أي التي تطلب الوشمة قال النووي وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها والموضع الذي وشم يصير نجسا فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت وإن لم يمكن إلا بالجرح فإن خاف منه التلف أو فوت إلى عضوا ومنفعته أو شيئا فاحشا في عضو ظاهر لم يجب إزالته وإذا تاب لم يبق عليه اثم وإن لم يخف شيئا من ذلك لزمه إزالته ويعصي بتأخير انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن عبد الله) هو ابن مسعود (قال محمد) أي ابن عيسى في روايته (والواصلات تقدم معناه (وقال عثمان) هو ابن أبي شيبة (والمتنمصات) بتشديد الميم المكسورة هي التي تطلب إزالة الشعر من الوجه بالمنماص أي المنقاش والتي تفعله نامصة كان قال في النهاية النامصة التي تنتف الشعر من وجهها والمتنمصة التي تأمر من يفعل بها ذلك ومنه قيل للمنقاش منماص انتهى قال النووي وهو حرام إلا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب (ثم اتفقا) أي محمد وعثمان (والمتفلجات) بكسر اللام المشددة وهي التي تطلب الفلج وهو بالتحريك فرجة ما بين الثنايا
[ 151 ]
والرباعيات والفرق فرجة بين الثنيتين على ما في النهاية والمراد بهن النساء اللاتي تفعل ذلك بأسنانهن رغبة في التحسين وقال بعضهم هي التي تباعد مابين الثنايا والرباعيات بترقيق الاسنان بنحو المبربد ، وقيل هي التي ترقق الاسنان وتزينها (للحسن) اللام للتعليل ويجوز أن يكون التنازع فيه بين الأفعال المذكورة والأظهر أن يتعلق بالأخير (المغيرات) صفة للمذكورات (خلق الله) مفعول (فبلغ ذلك) المذكور من اللعن على الواشمات وغيرها (امرأة) بالنصب على المفعولية (فأتته) أي عبد الله بن مسعود (وما لي) ما نافية أو استفهامية والمعنى كيف (هو في كتاب الله) أي هو ملعون فيه (ما بين الوحي المصحف) أي ما بين دفتيه والمراد أول القرآن وأخره على وجه الاستيعاب بذكر الطرفين وكأنها أرادت باللوحين أبو جلدي أول المصحف وآخره أي قرأت جميع القرآن (فما وجدته) أي صريحا (لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أو) اللام في لئن موطئة للقسم والثانية لجواب القسم الذي سد مسد جواب الشرط والياء التحتية في قرأتيه ووجدتيه) تولدت من إشباع كسرة التاء الفوقية قاله القسطلاني أي لو قرأتيه بالتدبر والتأمل لعرفت ذلك (ثم قرأ) أي ابن مسعود (وما آتاكم الرسول فخذوه ومانها كم عنه فانتهوا) والمقصود أنه إذا كان العباد مأمورين بانتهاء ما نهاهم الرسول وقد نهاهم عن الأشياء المذكورة في هذا الحديث وغيره فكأن جميع منصياته عبد صلى الله عليه وسلم منهيا مذكورا في القرآن إني أرى بعض هذا أي المذكور من الأشياء المنهية (على امرأتك) اسمها زينب بنت عبد الله الثقفية (ما كانت معنا) هو كناية عن الطلاق وفي رواية مسلم لو كان ذلك لم نجامعها قال النووي قال جماهير العلماء معنا لا لم نصاحبها ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها قال ويحتج به في أن من عنده امرأة مرتكب معصية كالوصل أو ترك الصلاة أو غيرها ينبغي له أن يطلقها انتهى
[ 152 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (لعنت) بصيغة المجهول (من غير داء) قال القاري متعلق بالوشم قال المظهر إن احتاجت إلى الوشم للمداواة جاز وإن بقى منه أثر وقيل متعلق بكل ما تقدم أي لو كان بها علة فاحتاجت إلى أحدها لجاز أنتهى والحديث سكت عنه المنذري (التي تنقش الحاجب) أي تخرج شعره بالمنقاش قال في المصباح النقش النتف بالمنقاش انتهى والمنقاش عليه هو المنتاف أبي أي آلة النتف (حتى ترقه) من الإرقاق (والواشمة التي تجعل الخيلان) جمع خال (في وجهها بكحل أو مداد) بكسر الميم معروف ويقال له بالفارسية سياهي (وذكر الوجه ليس قيدا فقد يكون في اليد وغيرها من الجسد وقد يفعل ذلك نقشا وقد يجعل دوائر وقد يكتب اسم المحبوب قاله الحافظ (لا بأس بالقرامل) جمع قرمل بفتح القاف وسكون الراء نبات طويل الفروع لين والمراد به هنا خيوط من حرير أو صوف يعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها (كأنه يذهب) أي سعيد بن جبير (أن المنهي عنه شعور النساء) أي أن الممنوع هو أن تصل المرأة شعرها بشعور النساء وأما إذا وصلت بغيرها من الخرقة وخيوط الحرير وغيرهما فليس بممنوع قال الخطابي رخص أهل العلم في القرامل لأن الغرور لا يقع بها لأن من نظر إليها لم يشك في أن
[ 153 ]
ذلك مستعار انتهى وأثر سعيد بن جبير هذا ليس في رواية اللؤلؤي وأورده المزي في الأطراف في المراسيل ثم قال في رواية ابن العبد وغيره انتهى (باب في رد الطيب) (من عرض عليه) بصيغة المجهول (فإنه طيب الريح خفيف المحمل) قال القرطبي هو بفتح الميمين ويعني به الحمل والحديث يدل على أن رد الطيب خلاف السنة لأنه باعتبار ذاته خفيف لا ينقل حامله وباعتبار عرضه طيب لا يتأذى به من يعرض عليه فلم يبق حامل على الرد فإن كل ما كان بهذه الصفة محبب إلى كل قلب مطلوب لكل نفس قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي ولفظ مسلم من عرض عليه ريحان فلا يرده (باب في طيب المرأة للخروج) (إذا استعطرت المرأة) أي استعملت العطر وهو الطيب الذي يظهر ريحه (ليجدوا ريحها) أي لأجل أن يشموا ريح عطرها (فهي كذا وكذا) كناية عن كونها زانية قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال حسن صحيح ولفظ النسائي فهي زانية
[ 154 ]
(عن عبيد) هو ابن أبي عبيد (مولى أبي زهم) بضم الراء وسكون الهاء (ولذيلها) أي لذيل المرأة (إعصار) بكسر الهمزة ريح ترتفع بتراب بين السماء والأرض وتستدير كأنها عمود (فقال يا أمة الجبار) ناداها بهذا الإسم تخويفا لها (حبى) أي محبوبي لا (فتغتسل عسلها من الجنابة) أي كغسلها من الجنابة قال القاري بأن يعم جميع بدنها بالماء إن كانت تطيبت جميع بدنها ليزول عنها الطيب وأما إذا أصاب موضعا مخصوصا فتغسل ذلك الموضع انتهى قلت ظاهر الحديث يدل على الإغتسال في كلتا الصورتين والله أعلم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده عاصم بن عبيد الله العمري ولا يحتج بحديثه (أبو علقمة) هو كنية عبد الله (أصابت بخورا) بفتح الموحدة وخفة الخاء المعجمة المضمومة ما يتبخر به والمراد ههنا ما ظهر ريحه (فلا تشهدن) أي لا تحضرن أن (معنا العشاء) أي العشاء آخرة لأن الليل مظنه الفتنة فالتخصيص بالعشاء آخرة لمزيد التأكيد أو لأن النساء يخرجن في العشاء آخرة إلى المسجد فأمرهن بذلك قال المنذري وأخرجه النسائي وقال النسائي لا أعلم أحدا تابع يزيد بن خصيفة عن بسر بن سعيد على قوله عن أبي هريرة وقد خالفه يعقوب بن عبد الله بن الأشج رواه عن زينب الثقفية ثم ساق حديث بسر عن زينب الثقفية من طرق
[ 155 ]
(باب في الخلوق للرجال) بفتح الخاء المعجمة وضم اللام قال في المجمع طيب مركب من الزعفران وغيره وتغلب عليه الحمرة والصفرة ورد إباحته تارة والنهي عنه أخرى لأنه من طيب النساء والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة انتهى قد تشققت يداي) أي من إصابة الرياح واستعمال الماء كما يكون في الشتاء قال في الصراح شق كفتكى على جمعه شقوق يقال بيد فلان وبرجله شقوق (فخنقوني) بتشديد اللام أي جعلوا الخلوق في شقوق يدي لمداواة فقوله (بزعفران) للتأكيد أو بناء على التجريد ذكره في المرقاة (ولم يرحب بي) أي لم يقل مرحبا (وقد بقي على منه ردع) أي لطخ من بقية لون الزعفران (بخير) أي ببشر ورحمة بل يوعدونهم الله بالعذاب الشديد والهوان الوبيل (ولا المتضمخ بالزعفران) أي المتلطخ به لأنه متلبس بمعصية حتى يقلع عنها (ولا الجنب) أي لا تدخل البيت الذي فيه جنب قال ابن رسلان يحتمل أن يراد به الجنابة من الزنا وقيل الذي لا تحضره الملائكة هو الذي لا يتؤضأ قال بعد الجنابة وضوءا كاملا وقيل هو الذي يتهاون في غسل الجنابة فيمكث من الجمعة إلى الجمعة لا يغتسل إلا للجمعة قال المنذري في إسناده عطاء الخراساني وقد أخرج له مسلم متابعة ووثقه يحيى بن معين وقال أبو حاتم الرازي لا بأس به صدوق يحتج به وكذبه سعيد بن المسيب وقال ابن حبان كان ردئ الحفظ يخطئ ولا يعلم فبطل الاحتجاج به
[ 156 ]
(بهذه القصة) أي المذكورة في الحديث السابق (والأول) أي الحديث الساب من طريق موسى بن إسماعيل (أتم بكثير) أي من هذا الحديث من طريق نصر بن علي (فيه ذكر الغسل) كذا في عامة النسخ أي في الحديث الأول ذكر الغسل وليس في هذا الحديث ذكره ولذا صار الأول أتم من هذا وفي نسخة المنذري والأول أتم لم يذكر فيه ذكر الغسل فعلى هذه النسخة الضمير المجرور في فيه يرجع إلى هذا الحديث الثاني (قال) أي ابن جريج (قلت لعمر) يعنى ابن عطاء بن أبي الخوار (وهم) ضمير الجمع يرجع إلى عمار بن ياسر وأهله (حرم) بالحاء والراء المضمومتين أي محرمون بإحرام الحج أو العمرة (قال) عمر (لا) أي ما كانوا محرمين بل (القوم مقيمون) في بيتهم والمعنى أن ابن جريج فهم من إعراضه صلى الله عليه وسلم عن عمار لأجل استعمال الخلوق لعل عمارا ومن كان معه كان محرما فلذا زجره النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه عمربن عطاء بأن الزجر عن استعمال الخلوق ليس لأجل الإحرام بل القوم كانوا مقيمين ولم يكونوا محرمين قال المنذري في إسناده مجهول (سمعنا أبا موسى) هو الأشعري (في جسده شئ من خلوق) قال القاري في تنكير شئ الشامل للقليل والكثير رد على من قال إن النهي مختص بالكثير قال السيد جمال الدين المراد نفي ثواب الصلاة الكاملة للتشبه بالنساء وقال ابن مالك فيه تهديد وزجر عن استعمال الخلوق انتهى (جداه) أي جد الربيع بن أنس وفي بعض النسخ جديه ففيه الإعراب الحكائي عن قال المنذري في إسناده أبو جعفر الرازي عيسى بن عبد الله بن ماهان وقد اختلف فيه
[ 157 ]
قول علي بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين فقال ابن المديني مرة ثقة ومرة كان يخلط وقال الإمام أحمد مرة ليس بالقوي ومرة صالح الحديث وقال يحيى بن معين مرة ثقة ومرة يكتب حديثه إلا أنه يخطئ وقال أبو زرعة الرازي يهم كثيرا وقال الفلاس سئ الحفظ (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) أي عن استعمال الزعفران في الثوب والبدن والحديث دليل لأبي حنيفة والشافعي ومن تبعهما في تحريم استعمال الرجل الزعفران في ثوبه وبدنه ولهما أحاديث أخر صحيحة ومذهب المالكية أن الممنوع إنما هو استعماله في البدن دون الثوب ودليلهم حديث أبي موسى المتقدم فإن مفهومه أن ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد فإن قلت قد ثبت في الصحيحين من حديث أنس أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج امرأة الحديث وفي رواية وعليه ردع زعفران فهذا الحديث يدل على جواز التزعفر فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على عبد الرحمن بن عوف فكيف التوفيق بين الأحاديث قلت أشار البخاري إلى الجمع بأن حديث عبد الرحمن للمتزوج وأحاديث النهي لغيره حيث ترجم بقوله باب الصفرة للمتزوج وقال الحافظ إن أثر الصفرة التي كانت على عبد الرحمن تعلقت به من جهة زوجته فكان ذلك غير مقصود له قال ورجحه النووي وأجيب عن حديث عبد الرحمن بوجوه أخر ذكرها الحافظ في الفتح (وقال) أي مسدد في روايته التي (عن إسماعيل) أي ابن إبراهيم بلفظ (أن يتزعفر الرجل) أي يستعمل الزعفران قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (الأويسي) بضم الهمزة وفتح الواو (ثلاثة لا تقربهم الملائكة) أي النازلون بالرحمة
[ 158 ]
والبركة على بني آدم لا الكتبة فإنهم لا يفارقون المكلفين (جيفة الكافر) أي جسد من مات كافرا (والمتضمخ بالخلوق) أي المتلطخ به (والجنب) أي من أجنب وترك الغسل مع وجود الماء (إلا أن يتوضأ) فإن الوضوء يخفف الحدث قال المنذري الحسن لم يسمع من عمار فهو منقطع (فيدعو لهم) أي لصبيانهم من أو لأهل مكة في صبيانهم (ويمسح رؤوسهم) هذا يؤيد الاحتمال الأول (وأنا مخلق) بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام أي ملطخ بالخلوق والحديث فيه أن النهي عن الخلوق عام للصغير والكبير من الذكور قال المنذري هكذا ذكره أبو داود عن عبد الله الهمداني عن الوليد بن عقبة وقال البخاري عبد الله الهمداني عن أبي موسى الهمداني ويقال الهمذاني قال جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج ولا يصح حديثه وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي وعندي أن عبد الله الهمداني هو أبو موسى وقال ابن أبي خيثمة أبو موسى الهمداني اسمه عبد الله قال الحاكم أبو أحمد الكرابيسي وليس يعرف أبو موسى الهمداني ولا عبد الله الهمداني وقد خولف في هذا الإسناد وهذا حديث مضطرب الإسناد ولا يستقيم عن أصحاب التواريخ أن الوليد كان يوم فتح مكة صغيرا فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ساعيا إلى بني المصطلق وشكته زوجته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى أنه قدم في نداء من أسر يوم بدر وقال أبو عمر النمري وهذا الحديث رواه جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج عن أبي موسى الهمداني وقال الهمداني كذلك ذكره البخاري على الشك عن الوليد ابن عقبة قال وأبو موسى هذا مجهول والحديث منكر مضطرب لا يصح ولا يمكن أن يكون من بعث مصدقا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صبيا يوم الفتح ويدل على فساد ما رواه أبو موسى أن الزبير وغيره ذكروا أن الوليد وعمارة ابني عقبة خرجا ليردا أختهما كلثوم عن الهجرة وكانت هجرتها في الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة ومن كان غلاما مخلقا يوم الفتح ليس يجئ منه مثل هذا ثم قال وله أخبار فيها نكارة وشناعة
[ 159 ]
(أخبرنا سلم) بفتح أوله وسكون اللام هو ابن قيس ضعيف (لو أمرتم هذا) أي الرجل الذي عليه أثر الصفرة (أن يغسل هذا) أي أثر الصفرة (عنه) أي عن بدنه أو عن ثوبه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال أبو داود وليس هو علويا كان ينظر في النجوم وشهد عند عدي بن أرطأة على رؤية الهلال فلم يجز شهادته وقال يحيى بن معين ثقة وقال مرة ضعيف وقال ابن عدي لم يكن من أولاد علي بن أبي طالب إلا أن قوما بالبصرة كانوا بني علي فنسب هذا إليه وقال ابن حبان كان شعبة تحمل عليه ويقول كان سالم العلوي يرى الهلال قبل الناس بيومين منكر الحديث على ظنه لا يحتج به إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد (باب ما جاء في الشعر) إعلم أن لشعر الإنسان ثلاثة أسماء الجمة بضم الجيم وتشديد الميم والوفرة بفتح الواو وسكون الفاء واللمة بكسر اللام وتشديد الميم فالجمة إلى المنكبين والوفرة إلى شحمة الأذن واللمة بين بين نزل من الأذن وألم إلى المنكبين ولم يصل إليهما قال الإمام إبن الأثير في النهاية الجمة من شعر الرأس ما سقط على المنكبين واللمة من شعر الرأس دون الجمة سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين فإذا زادت فهي الجمة والوفرة من شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن انتهى
[ 160 ]
(له شعر يضرب منكبيه) أي إذا تدلى شعره الشريف يبلغ منكبيه (وقال شعبة يبلغ شحمة أذنيه) وقع في نسخة قال أبو داود وهم شعبة فيه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (له شعر يبلغ شحمة أذنيه) شحمة الأذن هو اللين منها في أسفلها وهو معلق القرط منها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شحمة أذنيه) قال المنذري وأخرجه النسائي (أخبرنا حميد) وهو الطويل (كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه) قال النووي تبعا للقاضي والجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه قال وقيل بل ذلك لاختلاف الأوقات فإذا غفل عن تقصيرها بلغت المنكب وإذا قصرها كانت إلى أنصاف الأذنين فكان يقصر ويطول بحسب ذلك انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (فوق الوفرة ودون الجمة) ووقع في رواية الترمذي فوق الجمة دون الوفرة عكس ما في رواية أبي داود وابن ماجه فتحمل رواية الترمذي على أن المراد بقوله فوق ودون بالنسبة إلى محل وصول الشعر أي أن شعره صلى الله عليه وسلم كان أرفع في المحل من الجمة وأنزل فيه من الوفرة وفي
[ 161 ]
رواية أبي داود بالنسبة إلى طول الشعر وقصرها أي أطول من الوفرة وأقصر من الجمة فلا تعارض بين الروايتين كذا في فتح الودود قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه ولفظه فوق الجمة وفي حديث الترمذي كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد روي من غير وجه عن عائشة أنها قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ولم يذكروا فيه هذا الحرف وكان له شعر فوق الجمة وإنما ذكره عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ثقة حافظ هذا آخر كلامه وعبد الرحمن بن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان أبو محمد مدني سكن بغداد وحدث بها إلى حين وفاته وثقة الإمام مالك بن أنس واستشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد انتهى كلام المنذري (باب ما جاء في الفرق) بفتح فسكون أي فرق شعر الرأس وهو قسمته في المفرق وهو وسط الرأس (يسدلون أشعارهم) من باب نصر وضرب أي يرسلون أشعارهم قال القاري المراد بسدل الشعر هاهنا إرساله حول الرأس من غير أن يقسم نصفين نصف من جانب يمينه ونحو صدره ونصف من جانب يساره كذلك انتهى وقال النووي المراد إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة (وكان المشركون يفرقون رؤوسهم) أي يقسمون شعر رؤوسهم من وسطها ويفرقون بكسر الراء ويضم وبعضهم شدد الراء والتخفيف أشهر (تعجبه موافقة أهل الكتاب) أي اليهود والنصاري استئلافا لهم (فيما لم يؤمر به) أي بشئ من مخالفته وقال ابن الملك أي فيما لم ينزل عليه حكم بالمخالفة ذكره القاري (فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته) أي موافقة لأهل الكتاب والناصية شعر مقدم الرأس ثم فرق) أي شعر رأسه (بعد) بضم الدال أي بعد ذلك من الزمان قال الحافظ في رواية معمر ثم أمر بالفرق ففرق وكان الفرق آخر الأمرين قال وقد جزم الحازمي بأن السدل نسخ بالفرق واستدل برواية معمر قال وهو ظاهر وقال النووي الصحيح جواز السدل والفرق
[ 162 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (كنت إذا أردت أن أفرق) الفرق الفصل بين الشيئين والمعنى إذا أردت أن أقسم شعر رأسه الشريف قسمين أحدهما من جانب يمينه والآخر من جانب يساره (صدعت) أي شققت (الفرق) بسكون الراء وهو الخط الذي يظهر بين شعر الرأس إذا قسم قسمين وذلك الخط هو بياض بشرة الرأس الذي يكون بين الشعر (من يافوخه) في القاموس حيث التقى عظم مقدم الرأس ومؤخره انتهى وقال الأردبيلي من يافوخه أي من أعلى طرف رأسه وذروته انتهى (وأرسل ناصيته بين عينيه) وفي بعض النسخ أرسلت قال القاري أي محاذيا لما بينهما من قبل الوجه وقال الطيبي والمعنى كان أحد طرفي ذلك الخط عند اليافوخ والطرف الآخر عند جبهته محاذيا لما بين عينيه وقولها وأرسلت ناصيته بين عينيه أي جعلت رأس فرقه محاذيا لما بين عينيه بحيث يكون نصف شعر ناصيته من جانب يمين ذلك الفرق والنصف الآخر من جانب يسار ذلك الفرق انتهى وقال الأردبيلي معنى الحديث أن عائشة قالت جعلت أحد طرفي الخط الممتد عن اليافوخ عند جبهته محاذيا لما بين عينيه بحيث يكون نصف شعر ناصيته من جانب ونصفه الآخر من جانب وهو المراد بقولها فأرسلت ناصيته بين عينيه ويحتمل الإرسال حقيقة لقصر شعر الناصية انتهى قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد تقدم الكلام عليه (باب في تطويل الجمة) بضم الجيم وشدة الميم هو من شعر الرأس ما سقط على المنكبين كما مر وقد جاءت الجمة بمعنى مطلق الشعر
[ 163 ]
(السوائي) بضم السين المهملة وخفة الواو والمد (هو) أي سفيان (أخو قبيصة) يعني ابن عقبة بن محمد بن سفيان السوائي (وحميد بن خوار) بضم المعجمة وتخفيف الواو لين الحديث (قال ذباب ذباب) قال الخطابي الذباب الشؤم وقال في المجمع وقيل الشر الدائم أي هذا شؤم دائم انتهى وفي النهاية الذباب الشؤم أي لهذا شؤم وقيل الذباب الشر الدائم يقال أصابك ذباب من هذا الأمر انتهى (فجززته) بالزائين المعجمتين أي قطعته (لم أعنك) أي ما أقصدتك هذه بسوء قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه في إسناده عاصم بن كليب الجرمي وقد احتج به مسلم في صحيحه وقال الإمام أحمد بن حنبل لا بأس بحديثه وقال أبو حاتم الرازي صالح وقال علي بن المديني لا يحتج به إذا انفرد . (باب في الرجل يضفر شعره) وفي بعض النسخ يعقص مكان يضفر وهما بمعنى ففي القاموس ضفر الشعر نسج بعضه على بعض وعقص شعره ضفره وفتله (أم هانئ) أي بنت طالب (وله أربع غدائر) جمع غديرة وهي الشعر المضفور وبالفسية كيسوئ سنة بافته (تعني عقائص) جمع عقيصة بمعنى ضفيرة وهو تفسير من بعض الرواة قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وفي حديث ابن ماجه تعني ضفائر وقال الترمذي غريب وأخرجه الترمذي أيضا من حديث إبراهيم بن نافع المكي وهو من الثقات وفيه وله أربع ضفائر وقال حسن وقال محمد يعني البخاري لا أعرف لمجاهد سماعا من أم هانئ
[ 164 ]
(باب في حلق الرأس) (عن عبيد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (أمهل آل جعفر) أي ترك أهله بعد وفاته يبكون ويحزنون عليه (ثلاثا) أي ثلاث ليال قال القاري وهذا هو الظاهر المناسب لظلمات الحزن مع أن الليالي والأيام متلازمان وفيه دلالة على أن البكاء والتحزن على الميت من غير ندبة ونياحة جائز ثلاثة أيام (على أخي) يعني جعفر (بعد اليوم) أي هذا اليوم (ثم قال أدعوا لي) أي لأجلي (بني أخي) وهم عبد الله وعون ومحمد أولاد جعفر (كأنا أفرخ) بفتح فسكون فضم جمع فرخ وهو صغير ولد الطير ووجه التشبيه أن شعرهم يشبه زغب الطير وهو أول ما يطلع من ريشه (فأمره) أي الحلاق بعد مجيئه (فحلق رؤوسنا) وإنما حلق رؤوسهم مع أن إبقاء الشعر أفضل إلا بعد فراغ أحد النسكين لما رأى من اشتغال أمهم أسماء بنت عميس عن ترجيل شعورهم بما أصابها من قتل زوجها في سبيل الله فأشفق عليهم من الوسخ والقمل ذكره القاري وفي الحديث دليل على جواز حلق الرأس جميعه وسيأتي الكلام على هذه المسألة في آخر أحاديث الباب الآتي قال المنذري وأخرجه النسائي (باب في الصبي له ذؤابة) بضم المعجمة وفتح الهمزة قال في النهاية الذؤابة هي الشعر المضفور من شعر الرأس انتهى وفي القاموس الذؤابة الناصية أو منبتها من الرأس انتهى وفي منتهى الأرب ذؤابة بالضم كيسو قبل وبيشاني يحيى يا جاي روئيدي الرحمن موي بيشاني وكان درسر روى انتهى
[ 165 ]
وفي فتح الباري الذؤابة ما يتدلى من شعر الرأس انتهى وهو المراد من الباب (قال أحمد) أي ابن حنبل (كان) أي عثمان بن عثمان (قال) أي عثمان (عن القزع) بفتح القاف والزاي ثم المهملة جمع قزعة وهي القطعة من السحاب وسمي شعر الرأس إذا حلق بعضه وترك بعضه قزعا تشبيها بالسحاب المتفرق (والقزع أن يحلق رأس الصبي الخ) هذا التفسير من كلام نافع كما في رواية مسلم قال النووي الأصح أن القزع ما فسروه به نافع وهو حلق بعض رأس الصبي مطلقا ومنهم من قال هو حلق مواضع متفرقة منه والصحيح الأول لأنه تفسير الراوي وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به قال الحافظ إلا أن تخصيصه بالصبي ليس قيدا قال النووي وأجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة إلا أن يكون لمداواة ونحوها وهي كراهة تنزيه وكرهه مالك في الجارية والغلام مطلقا وقال بعض أصحابه لا بأس به في القصة أو القفا للغلام ومذهبنا كراهته مطلقا للرجل والمرأة لعموم الحديث انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وحكى في صحيح مسلم التفسير من كلام نافع وفي رواية من كلام عبيد الله بن عمر وفي البخاري وما القزع فأشار لنا عبيد الله قال إذا حلق الصبي ترك ها هنا شعر وها هنا وها هنا فأشار عبيد الله إلى ناصيته وجاني رأسه فقيل لعبيد الله فالجارية والغلام قال لا أدري هكذا قال الصبي قال عبيد الله فعاودته فقال أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر وليس في رأسه غيره وكذلك شق رأسه هذا أو هذا (نهى عن القزع وهو أن يحلق رأس الصبي ويترك له ذؤابة) هكذا جاء تفسير القزع في هذا الحديث والصحيح ما فسر به نافع كما قال النووي وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث ما أعرف الذي فسر القزع بذلك فقد أخرج أبو داود من حديث أنس كانت لي ذؤابة فقالت أمي لا أجزها الحديث انتهى والحديث سكت عنه المنذري
[ 166 ]
(وقد حلق) بصيغة المجهول (فنهاهم) أي أهل الصبي (عن ذلك) أي عما ذكر من حلق البعض وترك البعض واختلف في علة النهي فقيل لكونه يشوه الخلقة وقيل لأنه زي الشيطان وقيل لأنه زي اليهود وقد جاء هذا مصرحا به في رواية أنس الآتية في الباب الذي يليه (احلقوه) أي رأسه (كله) أي كل الرأس أي شعره قال القاري فيه إشارة إلى أن الحلق في غير الحج والعمرة جائز وأن الرجل مخير بين الحلق وتركه لكن الأفضل أن لا يحلق إلا في أحد النسكين كما كان عليه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم وانفرد منهم علي كرم الله وجهه وفي بعض الشروح أفاد الحديث أن حلق بعض الرأس وترك بعضه على أي شكل كان من قبل ودبر منهي عنه وأن الجائز في حق الصبيان أن يحلق رؤوسهم كلها أو يترك كلها انتهى (وقال الشوكاني في النيل) في الحديث رد على من كره حلق الرأس لما رواه الدارقطني في الافراد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة ولقول عمر لضبيع لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف ولحديث الخوارج أن سيماهم التحليق قال أحمد إنما كرهوا الحلق بالموسى أما بالمقراض فليس به بأمن لأن أدلة الكراهة تختص بالحلق انتهى كلام الشوكاني ولم يجب عما تمسك به القائلون بالكراهة وأقواها حديث الخوارج وأجاب النووي عنه بأنه لا دلالة فيه على كراهة حلق الرأس وإنما هو علامة لهم وقد تكون بحرام والعلامة قد تكون بمباح كما قال صلى الله عليه وسلم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ومعلوم أن هذا ليس بحرام وقد ثبت في سنن أبي داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وذكر الحديث قال وهذا صريح في إباحة حلق الرأس لا يحتمل تأويلا انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرجه مسلم بالإسناد الذي خرجه به أبو داود ولم يذكر لفظه وذكر أبو مسعود الدمشقي في تعليقه أن مسلما أخرجه بهذا اللفظ (باب ما جاء في الرخصة) أي في رخصة الذؤابة للصبي
[ 167 ]
(لا أجزها) بضم الجيم والزاي المشددة أي لا أقطعها (يمدها) أي الذؤاب (ويأخذ بها) أي بالذؤابة قال القاري أي يلعب بها لأنه كان ينبسط معه وقيل يمدها حتى تصل الأذن ثم يأخذ الزائد من الأذان فيقطعه وجملة كان استئناف تعليل انتهى والحديث يدل على جواز اتخاذ الذؤابة وقد أخرج النسائي بسند صحيح عن زياد بن حصين عن أبيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده على ذؤابته وسمت عليه ودعا له ومن حديث ابن مسعود وأصله في الصحيحين قال قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لمع الغلمان له ذؤابتان ويمكن الجمع بين هذه الأحاديث وبين حديث ابن عمر الماضي القاضي بمنع اتخاذ الذؤابة بأن الذؤابة الجائز اتخاذها ما يفرد من الشعر فيرسل ويجمع ما عداها بالضفر وغيره والتي تمنع أن يحلق الرأس كله ويترك ما في وسطه فيتخذ ذؤابة وقد صرح الخطابي بأن هذا مما يدخل في معنى القزع كذا في فتح الباري والحديث سكت عنه المنذري (دخلنا) أي أنا وأهلي (فحدثتني أختي المغيرة) بدل أو عطف ولم بيان فهو اسم مشترك بين الرجل والمرأة (قال) بدل من حديث أو استئناف بيان (وأنت يومئذ) أي حين دخلنا على أنس (غلام) أي ولد صغير قال الطيبي الجملة حال عن مقدر يعني أنا أذكر أنا دخلنا على أنس مع جماعة ولكن أنسيت كيفية الدخول فحدثتني أختي وقالت أنت يوم دخولك على أنس غلام الخ كذا في المرقاة (ولك قرنان) أي ضفيرتان من شعر الرأس (أو قصتان) بضم القاف وتشديد الصاد شعر الناصية وأو للشك من بعض الرواة (فمسح) أي أنس بن مالك ووهم العلامة القاري فأرجع الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو وهم فاحش والله أعلم (برك عليك) بتشديد الراء أي دعا لك
[ 168 ]
بالبركة (احلقوا هذين) أي القرنين (أو قصوهما) أو للتنويع خلافا لمن زعم أنه للشك (فإن هذا زي اليهود) بكسر الزاي وتشديد الياء أي شعارهم وعادتهم في رؤس أولادهم فخالفوهم قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصراط المستقيم علل النهي عنهما بأن ذلك زي اليهود وتعليل النهي بعلة يوجب أن تكون العلة مكروهة مطلوبا عدمها فعلم أن زي اليهود حتى في الشعر مما يطلب عدمه وهو المقصود انتهى ومطابقة الحديث من ترجمة الباب بأن القرنين أو القصتين هما من زي اليهود وأما القصة الواحدة أو القرن الواحد فليس من زيها لأن أنس بن مالك القائل لهذا القول كان له ذؤابة وكان صلى الله عليه وسلم يأخذها فعلم أن القصة الواحدة لا بأس بها وهو المراد من الرخصة والله أعلم وفي بعض الشروح والحديث دل على أن التلوين في شعور الرأس من شيمة اليهود وليس من سنة الإسلام وينبغي اجتناب الصبيان عنه بحلق رؤسهم والحديث سكت عنه المنذري (باب في أخذ الشارب) هو الشعر النابت على الشفة العلياء (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة) أو للشك وهو من سفيان قاله الحافظ (الختان) بكسر أوله اسم لفعل الخاتن وهو قطع الجلدة التي تغطي الحشفة من الذكر وقطع الجلدة التي تكون في أعلى فرج المرأة فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك و (الاستحداد) هو حلق العانة سمي استحدادا لاستعمال الحديدة وهي الموسى ويكون بالحلق والقص والنتف والنورة قال النووي والأفضل الحلق وقال في شرح المشارق إن أزال شعره بغير الحديد لا يكون عن وجه السنة (ونتف الإبط) بكسر الهمزة وسكون الموحدة قال في شرح المشارق المفهوم من حديث أبي هريرة أن حلق الإبط ليس بسنة بل السنة نتفه لأن شعره يغلظ بالحلق ويكون أعون للرائحة الكريهة ذكر القاري
[ 169 ]
وقال النووي الأفضل فيه النتف إن قوي عليه ويحصل أيضا بالحلق والنورة وحكي عن يونس بن عبد الأعلى قال دخلت على الشافعي وعنده المزين يحلق إبطه فقال الشافعي علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع (وتقليم الأظفار) التقليم تفعيل من القلم وهو القطع والأظفار جمع ظفر بضم الظاء والفاء وبسكونها ولم يثبت في ترتيب الأصابع عند التقليم شئ من الأحاديث قاله الحافظ (وقص الشارب) أي قطع الشعر النابت على الشفة العليا من غير استئصال واعلم أنه ورد في قطع الشارب لفظ القص والحلق والتقصير والجز والإحفاء والنهيك بين ولأجل هذا الاختلاف وقع الاختلاف بين العلماء فبعضهم قالوا بقص الشارب وبعضهم باستئصاله وبعضهم بالتخيير في ذلك قال القرطبي وقص الشارب أن يأخذ ما طال على الشفة بحيث لا يؤذي الأكل ولا يجتمع فيه الوسخ قال والجز والإحفاء هو القص المذكور وليس بالاستئصال عند مالك قال وذهب الكوفيون إلى أنه الاستئصال وبعض العلماء إلى التخيير في ذلك قال الحافظ هو الطبري فإنه حكي قول مالك وقول الكوفيين ونقل عن أهل اللغة أن الإحفاء الاستئصال ثم قال دلت السنة على الأمرين ولا تعارض فإن القص يدل على أخذ البعض والإحفاء يدل على أخذ الكل وكلاهما ثابت فيتخير فيما شاء قال الحافظ ويرجح قول الطبري ثبوت الأمرين معا في الأحاديث المرفوعة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (أمر بإحفاء الشارب وإعفاء اللحية) قال الخطابي إحفاء الشارب أن يؤخذ منه حتى يحفي ويرق ويكون أيضا معناه الاستقصاء في أخذه من قولك أحفيت في المسألة إذا استقصيت فيها وإعفاء اللحية توفيرها من قولك عفي اللبث إذا طال ويقال عفي الشئ بمعنى كبر قال الله تعالى (حتى عفوا) أي كثروا انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 170 ]
(وقت) أي بين وعين (أربعين يوما مرة) فلا يجوز التأخير عن هذه المدة قال في النيل ولا يعد مخالفا للسنة من ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء تلك الغاية (قال وقت لنا) أي بصيغة المجهول قال المنذري وأخرجه الترمذي وفي إسناده صدقة بن موسى أبو المغيرة ويقال أبو محمد السلمي البصري الدقيقي قال بن يحي بن معين ليس بشئ وقال مرة ضعيف وقال النسائي ضعيف وقال الترمذي وصدقة بن موسى ليس عندهم بالحافظ وقال أبو محمد حاتم الرازي لين الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بقوي وقال أبو حاتم محمد بن حبان البستي كان شيخا صالحا إلا أن الحديث لم يكن صناعته فكان إذا روى قلب الأخبار حتى خرج عن حد الإحتجاج به وقال أبو داود رواه جعفر بن سليمان عن أبي عمران عن أنس لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال وقت لنا وهذا الذي ذكره أبو داود معلق أخرجه مسلم في صحيحه وابن ماجه في سننه كذلك وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث جعفر بن سليمان وفيه وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الترمذي هذا أصح من الحديث الأول يريد بالأول حديث صدقة بن موسى وقال أبو عمر النمري لم يروه إلا جعفر بن سليمان وليس بحجة لسوء حفظه وكثرة غلطه وفيما قاله نظر فقد وافقه عليه الجرجاني رواه عن أبي عمران صدقة بن موسى وجعفر بن سليمان فقال صدقة وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال جعفر لنا في حلق العانة فذكره ما أعلم رواه عن أبي عمران غيرهما هذا آخر كلامه وقد اختلف على جعفر فيه وأخرجه مسلم في صحيحه وابن ماجة من حديثه ولفظه وقت لنا وأخرجه الترمذي والنسائي ولفظه وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمناه انتهى كلام المنذرى (كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة) قال الحافظ في الفتح بعد إيراد هذا الحديث نعفي
[ 171 ]
بضم أوله وتشديد الناء والسبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية قال أي نترك السبال وافرا وقال في مرقاة الصعود سبال جمع سبلة بالتحريك وهي مقدم اللحية وما أسبل منها على الصدر انتهى وفي الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانو يقصرون من اللحية في النسك وفي صحيح البخاري كان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه والحديث سكت عنه المنذري (باب في نتف الشيب) (لا تنتفوا) بكسر التاء الثانية (الشيب) أي الشعر الأبيض (يشيب شيبة) أي شعرة واحدة بيضاء (قال عن سفيان) أي قال مسدد في روايته عن سفيان (إلا كانت) أي تلك الشيبة (له نورا يوم القيامة) أي سببا للنور وفيه ترغيب بليغ في إبقاء الشيب وترك التعرض لإزالته وكذا في قوله (إلا كتب الله له) أي للمسلم (بها) أي بالشيبة أهل فإن قلت فإذا كان حال الشيب كذلك فلم شرع ستره بالخضاب قلنا ذلك لمصلحة أخرى دينية وهو إرغام الأعداء وإظهار الجلادة لهم وقال ابن العربي وإنما نهى عن النتف دون الخضب لأن فيه تغيير الخلقة من أصلها بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليها انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال كنا نكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته
[ 172 ]
(باب في الخضاب) أي تغيير شيب الرأس واللحية (يبلغ به) أي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم (إن اليهود والنصارى لا يصبغون) أي لا يخضبون لحاهم وجاء صبغ من باب منع وضرب ونصر كما في القاموس (فخالفوهم) أي فأخضبوا لحاكم والحديث يدل على أن العلة في شرعية الخضاب هي مخالفة أهل الكتاب وبهذا يتأكد استحباب الخضاب وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبالغ في مخالفتهم ويأمر بها وهذه السنة قد كثر إشغال السلف بها ولهذا ترى المؤرخين في التراجم لهم يقولون وكان يخضب ولا تخضب قال النووي مذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة ويحرم بالسواد على الأصح انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة
[ 173 ]
(أتى) بصيغة المجهول (بأبي قحافة) بضم القاف وهو والد أبي بكر الصديق أسلم يوم الفتح وعاش إلى خلافة عمر (كالثغامة) بثاء مثلثة مفتوحة ثم غين معجمة مخففة هو نبت أبيض الزهر والثمر يشبه به الشيب كذا في النهاية (بياضا) تمييز عن النسبة التي هي التشبيه (غيروا هذا) أي البياض (بشئ) أي من الخضاب والحديث يدل على أن الخضاب غير مختص باللحية وعلى كراهة الخضاب بالسواد وسيأتي الكلام عليه في بابه قال المنذري وآخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة (إن أحسن ما غير) بصيغة المجهول (به) الباء للسببية (هذا الشيب) نائب الفاعل (الحناء) بالرفع خبر إن (والكتم) بفتحتين نبات باليمين يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة وصبغ الحناء أحمر والصبغ بهما معا يخرج بين السواد والحمرة والحديث يدل على أن الحناء والكتم من أحسن الصباغات التي يغير بها الشيب وإن الصبغ غير مقصور عليهما لدلالة صيغة التفضيل على مشاركة غيرهما من الصباغات لهما في أصل الحسن وهو يحتمل أن يكون على التعاقب ويحتمل الجمع وقد أخرج مسلم من حديث أنس قال واختضب أبو بكر بالحناء والكتم اختضب عمر بالحناء بحتا أي منفردا وهذا يشعر بأن أبا بكر كان يجمع بينهما دائما قال الإمام ابن الأثير الكتم هو نبت يخلط مع الوسمة ويصبغ به الشعر أسود وقيل هو الوسمة ومنه الحديث إن أبا بكر كان يصبغ بالحناء والكتم ويشبه أن يراد به استعمال الكتم
[ 174 ]
مفردا عن الحناء فإن الحناء إذا خضب به مع الكتم جاء أسود وقد صح النهي عن السواد ولعل الحديث بالحناء أو الكتم على التخيير ولكن الروايات على اختلافها بالحناء والكتم وقال أبو عبيد الكتم مشددة التاء والمشهور التخفيف والوسمة بكسر السين نبت وقيل شجر باليمن يخضب بورقة الشعر أسود انتهى وقال الأردبيلي في الأزهار ويشبه أن يكون المراد استعمال الكتم مفردا عن الحناء وبه قطع الخطابي لأنهما إذا خلطا أو خضب بالحناء ثم بالكتم جاء أسود وقد نهى عن الأسود وقال بعض العلماء بالمراد بالحديث تفضيل الحناء والكتم على غيرهما في تغيير الشيب لا بيان كيفية التغيير فلا بأس بالواو ويكون معنى الحديث الحناء والكتم من أفضل ما غير به الشيب لا بيان كيفية التغيير انتهى كلام الأردبيلي وقال العلامة المناوي في شرح الجامع الصغير الكتم بالتحريك نبت يخلط بالوسمة ويخضب به ذكره في الصحاح وورقة كورق الزيتون وثمره قدر الفلفل وليس هو ورق النيل كما وهم ولا يشكل بالنهي عن الخضاب بالسواد لأن الكتم إنما يسود منفردا فإذا ضم للحناء صير الشعر بين أحمر وأسود والمنهي عنه الأسود البحت وقال المناوي في شرح الشمائل الكتم بفتحتين ومثناة فوقية وأبو عبيد شددها نبت فيه حمرة يخلط بالوسمة ويخضب به وفي كتب الطب الكتم من نبات الجبال ورقة كورق الإس يخضب به مدقوقا وله ثمر كقدر الفلفل ويسود إذا نضج ويعتصر منه دهن يستصبح به في البوادي ثم قال ففيه إشعار بأن أبا بكر كان يجمع بينهما لا بالكتم الصرف الموجب للسواد الصرف لأنه مذموم انتهى وفي القاموس نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيبقى لونه وأصله إذا طبخ بالماء كان منه مداد للكتابة انتهى وقال الحافظ الكتم الصرف يوجب سوادا مائلا إلى الحمرة والحناء يوجب الحمرة فاستعمالهما يوجب ما بين السواد والحمرة انتهى وسيجئ في الباب الآتي من حديث ابن عباس أن رجلا قد خضب بالحناء والكتم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أحسن الحديث وهو ينتقض به قول الخطابي وقول ابن الأثير ومن تابعهما والله أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (يعني ابن إياد) بكسر أوله (عن أبي رمثة) بكسر أوله وسكون الميم بعدها مثلثة (فإذا هو)
[ 175 ]
أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذو وفرة) هي شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن (بها) أي بالوفرة عند (ردع حناء) بفتح الراء المهملة وسكون الدال المهملة بعدها عين مهملة أي لطخ حناء يقال به ردع من دم أو زعفران وعند أحمد في مسنده وعليه بردان أخضران وشيبه أحمر وفي رواية له ورأيت الشيب أحمر والحديث سكت عنه المنذري (فقال له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أرني) أمر من الإراءة (هذا الذي بظهرك) المشارك إليه هو خاتم النبوة الذي كان بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم مثل زر الحجلة ولم يعرف أبو أبي رمثة أنه خاتم النبوي ولذا قال ما قال (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله الطبيب) مبتدأ وخبر (بل أنت رجل رفيق) أي أنت ترفق بالمريض وتتلطفه لأنه والله هو يبرئه ويعافيه (طبيبها) مبتدأ (الذي خلقها) خبر وفي مسند أحمد قال انطلقت مع أبي وأنا غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال فقال له أبي إني رجل طبيب فإرني أخبرنا هذه السلعة التي بظهرك قال وما تصنع بها قال أقطعها قال لست بطبيب ولكنك رفيق طبيبها الذي وضعها وفي رواية له فقلت له يا نبي الله إني رجل طبيب من أهل بيت أطباء فأرني ظهرك فإن تكن سلعة أبطها وإن تك غير ذلك أخبرتك فإنه ليس من إنسان أعلم مني قال طبيبها الله . وفي رواية أخرى له فقلت يا رسول الله إني رجل طبيب وإن أبي كان طبيبا وإنا أهل بيت طب والله ما يخفى علينا من الجسد عرق ولا عظم فأرني هذه التي على كتفك فإن كانت سلعة قطعتها ثم داويتها قال لا طبيبها الله ثم قال من هذا الذي معك قلت ابني قال ابنك هذا لا يجني عليك ولا تجني عليه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي مختصرا ومطولا وقال الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن إياد أبو رمثة التيمي اسمه حبيب بن حيان ويقال اسمه رفاعة بن يثربي هذا آخر كلامه وقد قيل في اسمه غير ذلك وقوله التيمي يريد تيم الرباب
[ 176 ]
وذكر أبو موسى الأصبهاني حديث أبي رمثة وفيه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعر مخضوب بالحناء والكتم قال وهذا حديث ثابت رواه الثوري وغيره واحد عن إياد وقد قيل إن أبا رمثة هذا تميمي من ولد امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم (لا تجني عليه) أي على ابنك والجناية الذنب والجرم مما يوجب العقاب أو القصاص أي لا يطالب ابنك بجنايتك ولا يجني جان إلا على نفسه (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وهذا رد لما اعتادته العرب من مؤاخذة أحد المتوالدين بالآخر قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي بإسناد ما قبله (فذكر أنه لم يخضب) وفي رواية للشيخين لم يكن شاب إلا يسيرا ولكن يا أبا بكر وعمر بعده خضبا بالحناء والكتم وحديث أنس هذا وإنكاره لخضاب النبي صلى الله عليه وسلم يعارضه ما سبق من حديث أبي رمثة وما سيأتي من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران وما في الصحيحين وإن كان أرجح مما كان خارجا عنهما لو ولكن عدم علم أنس بوقوع الخضاب منه صلى الله عليه وسلم لا يستلزم العدم ورواية من أثبت أولى من روايته لأن غاية ما في روايته أنه لم يعلم وقد علم غيره والله تعالى أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم وفيه قد اختضب أبو بكر رضي الله عنه بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتا البحت بفتح الباء
[ 177 ]
(باب في خضاب الصفرة) (كان يلبس النعال) جمع نعل (السبتية) بكسر المهملة وسكون الموحدة بعدها مثناة نسبة إلى السبت قال أبو عبيد هي المدبوغة التي حلق شعرها (ويصفر لحيته بالورس) بفتح فسكون نبت أصفر باليمين يصبغ به وفي الحديث مشروعية الخضاب بالصفرة وقد تقدم وجه الجمع بين هذا الحديث وحديث أنس المذكور وقال الحافظ والجمع بين حديث أبي رمثة وابن عمر وحديث أنس أن يحمل نفي الصبغ على غلبة الشيب حتى يحتاج إلى خضابه ولم يتفق أنه رآه وهو يخضب ويحمل حديث من أثبت الخضاب على أنه فعله لإرادة ذلك الجواز ولم يواظب عليه انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي في إسناده عبد العزيز بن أبي رواد وقد استشهد به البخاري وقال يحي بن معين ثقة كان يعلن بالأرجاء وتكلم فيه غير واحد وذكر ابن حبان أنه قد روى عن نافع أشياء لا يشك من الحديث صناعته إذا سمعها أنها موضوعة فحدث بها توهما لا تعمدا ومن حدث على الحسبان وروى على التوهم حتى كثر ذلك منه سقط الاحتجاج به هذا آخر كلامه وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها بالصفرة انتهى كلام المنذري (فقال ما أحسن هذا) وهو إحدى صيغتي التعجب والحديث يدل على حسن الخضب بالحناء على انفراده فإن انضم إليه الكتم كان أحسن وفيه رد على قول الخطابي وابن الأثير
[ 178 ]
ومن تابعهما من أن الحناء والكتم إذا خلطا جاء اللون أسود لأن الرجل قد خضب الحناء والكتم والنبي صلى الله عليه وسلم قد أثنى عليه فعلم أن لونه لم يكن بالأسود الخالص لأنه اللون الأسود منهي عنه و الله أعلم ويدل على أن الخضب بالصفرة أحب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأحسن في عينه من الحناء على انفراده ومع الكتم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي حديث ابن ماجه قال وكان طاؤس يصفر في إسناده حميد بن وهب القرشي الكوفي قال البخاري حميد بن وهب القرشي الكوفي عن ابن طاؤس في الخضاب منكر الحديث روى عنه محمد بن طلحة الكوفي كان ممن يخطئ حتى خرج عن حد التعديل ولم يغلب خطؤه صوابه حتى استحق الترك وهو ممن يحتج به إلا بما انفرد . (باب ما جاء في خضاب السواد) (يخضبون) بكسر الضاد المعجمة أي يغيرون الشعر الأبيض من الشيب الواقع في الرأس واللحية (بالسواد) أي باللون الأسود (كحواصل الحمام) أي كصدورها مع فإنها سود غالبا وأصل سعيد الحوصلة المعدة والمراد هنا صدره الأسود قال الطيبي معناه كحواصل الحمام في الغالب لأن حواصل بعض الحمامات ليست بسود (لا يريحون) أي لا يشمون ولا يجدون (رائحة الجنة) يعني وريحها توجد من مسيرة خمس مائة عام كما في حديث فالمراد به التهديد أو محمول على المستحل أو مقيد بما قبل دخول الجنة من القبر أو الموقف أو النار قال ميرك ذهب أكثر العلماء إلى كراهة الخضاب بالسواد وجنح النووي إلى أنها كراهة تحريم وأن من العلماء من رخص فيه في الجهاد ولم يرخص في غيره ومنهم من فرق في ذلك بين الرجل والمرأة فأجازه لها دون الرجل واختاره الحليمي وأما خضب اليدين والرجلين فيستحب في حق النساء ويحرم في حق الرجال إلا للتداوي كذا في المرقاة وقال الحافظ في الفتح تحت قوله صلى الله عليه وسلم إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم هكذا أطلق ولأحمد بسند حسن عن أبي أمامة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال يا معشر
[ 179 ]
الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب وأخرج الطبراني في الأوسط نحوه من حديث أنس وفي الكبير من حديث عتبة بن عبد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتغيير الشعر مخالفة للأعاجم وقد تمسك به من أجاز الخضاب بالسواد وقد تقدمت في باب ذكر بني إسرائيل من أحاديث الأنبياء مسألة استثناء الخضب بالسواد لحديثي جابر وابن عباس وأن من العلماء من رخص فيه في الجهاد ومنهم من رخص فيه مطلقا وأن الأولى كراهته وجنح النووي إلى أنه كراهة تحريم وقد رخص فيه طائفة من السلف منهم سعد بن أبي وقاص وعقبة بن عامر والحسن والحسين وجرير وغير واحد واختاره ابن أبي عاصم في كتاب الخضاب له وأجاب عن حديث ابن عباس رفعه يكون قوم يخضبون بالسواد لا يجدون ريح الجنة بأنه لادلالة فيه على كراهة الخضاب بالسواد بل فيه الإخبار عن قوم هذه صفتهم وعن أحاديث جابر جنبوه السواد بأنه في حق من صار شيب رأسه مستبشعا ولا بكر يطرد ذلك في حق كل أحد انتهى وقاله خلاف ما يتبادر من سياق الحديثين نعم يشهد له ما أخرجه هو عن ابن شهاب قال كنا نخضب بالسواد إذا كان الوجه جديدا فلما قد نفض الوجه والأسنان تركناه وقد أخرج الطبراني وابن أبي عاصم من حديث أبي الدرداء رفعه من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة وسنده لين انتهى كلام الحافظ قال المنذري وأخرجه النسائي في إسناده عبد الكريم ولم ينسبه أبو داود ولا النسائي وذكر بعضهم أنه عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية ولا يحتج بحديثه وضعف الحديث بسببه وذكر بعضهم أنه عبد الكريم بن مالك الجزري أبو سعيد وهو من الثقات اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه وقوى من قال إنه عبد الكريم الجزري وعبد الكريم بن أبي المخارق من أهل البصرة نزل مكة وأيضا فإن وفي الذي روى عن عبد الكريم هذا الحديث هو عبد الله بن عمرو الرقي وهو مشهور بالرواية عن عبد الكريم الجزري وهو أيضامن أهل الجزيرة والله عز وجل أعلم . (باب في الانتفاع بالعاج) (عن محمد بن جحادة) بضم الجيم وتخفيف المهملة ثقة (عن سليمان المنبهي) ضبطه في الخلاصة بفتح الميم وإسكان النون واقتصر على هذا
[ 180 ]
وفي التقريب بنون ثم موحدة مكسورة (كان آخر عهده) أي آخر أمره بالوداع والكلام والوصية وفاطمة خبر كان بحذف المضاف أي عهد فاطمة وقال القاري وصيته وأمره وحديثة وموادعته (بإنسان من أهله) أي من بين بناته ونسائه (فاطمة) أي عهدها ليصح الحمل وهي خبر كان (فقدم من غزاة) أصلها غزوة نقلت حركة الواو إلى ما قبلها وقلبت ألفا (وقد علقت مسحا) بالكسر هو البلاس وهو كساء معروف (أو سترا) بالكسروأو % للشك (على بابها) أي للزينة لأنها لو كانت للسترة لم ينكر عليها اللهم إن كان فيها تماثيل فالإنكار بسببها والله أعلم (وحلت) بتشديد اللام وأصله حليت من التحلية فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت للإتقاء الساكنين أي زينت (الحسن والحسين قلبين) يضم القاف أي سوارين أي زينت الحسن والحسين بإلباسهما فلا (ولم يدخل) أي بيت فاطمة (إنما منعه أن يدخل ما رأى) يحتمل أن يكون ما في أنهما موصوله ومنعه صلته وما رأى خبر أن وأن يكون ما كافة وما رأى فاعل منه وحقها على الأول أن تكتب مفصولة وعلى الثاني موصوله (فهتكت الستر) أي شقته (وفكت القلبين) بتشديد الكاف أي تقليبهما وتطويقهما منه وفي بعض النسخ فككت (وقطعته) أي كل واحد من القلبين (بينهما) أي بين الحسنين (فأخذه) أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ما في أيدي الحسنين أو كل واحد من القلبين (منهما) أي من الحسنين (أذهب بهذا) أي بكل من القلبين (أهل بيت) بدل من آل فلان (إن هؤلاء) أي الحسنان ووالدهما (أكره أن يأكلو طيباتهم في حياتهم الدنيا) أي يتلذذوا بطيب طعام ولبس نفيس ونحوهما بل اختار لهم الفقر والرياضة في حياتهم ليكون درجاتهم في الجنة أعلى (قلادة) بكسر القاف ما يعلق في العنق (من عصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين وبفتح قال الخطابي في المعالم العصب في هذا الحديث إن لم يكن هذه الثياب اليمانية فلست أدري ما هو وما أدري أن القلادة تكون منه انتهى
[ 181 ]
وقال في النهاية قال أبو موسى يحتمل عندي أن الرواية إنما هي العصب بفتح الصاد وهو إطناب مفاصل الحيوانات وهو شئ مدور فيحتمل أنهم كانو يأخذون عصب بعض الحيوانات الطاهرة فيقطعونه ويجعلونه شبه الخرز فإذا يبس يتخذون منه القلائد وإذا أمكن وجاز أن يتخذ الأسورة من عظام السلحفاة جاز من عصب أشباهها اتخاذ خرز القلائد وذكر أن العصب سن دابة بحرية تسمى فرس فرعون يتخذ منه الخرز ونصاب السكين ويكون أبيض انتهى (وسوارين من عاج) قال الخطابي في المعالم العاج الذبل وهو عظيم ظهر السلحفاة البحرية فأما العاج الذي تعرفه العامه فهو أنياب الفيل وهو ميتة لا يجوز استعماله انتهى قال التوربشتي بعد ما نقل عبارة الخطابي هذه من العجيب العدول عن اللغة المشهورة إلى ما لم يشتهر بين أهل اللسان والمشهور أن العاج عظم أنياب الفيلة وعلى هذا يفسره الناس أولهم وآخرهم انتهى قال القاري لعل وجه العدول أن عظم الميت نجس عنده انتهى قلت لا شك أن وجه العدول هو ما قال القاري كما يظهر من عبارة الخطابي وقد وقع الاختلاف في عظم الفيل فعند الشافعي نجس وعند أبي حنيفه طاهر ونقل عن شيخ الإسلام الحافظ بن تيمية رحمه الله أنه قال عظم الميتة ليس بنجس ولا تحله الحياة وقد اتخذ الصحابة رضي الله عنهم أمشطة من عظام الفيل فلو كان نجسا ما اتخذوه انتهى وفي صحيح البخاري قال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون فيها لا يرون به باسا قال ابن سيرين وإبراهيم لا بأس بتجارة العاج قال الحافظ في الفتح والعاج هو ناب الفيل قال ابن سيده لا يسمى غيره عاجا وقال القزاز أنكر الخليل أن يسمي غير ناب الفيل عاجا وقال ابن فارس والجوهري العاج عظم الفيل فلم يخصصاه بالناب وقال الخطابي العاح : الذبل وهو ظهر السلحفاة البحرية قال الحافظ وفيه نظر ففي الصحاح المسك السوار من عاج أو ذيل فغاير بينهما لكن قال القالي العرب تسمي كل عظم عاجا فإن ثبت هذا فلا حجة في الأثر المذكور على طهارة
[ 182 ]
عظم الفيل لكن إيراد البخاري له عقب أثر الزهري في عظم الفيل يدل على اعتبار ما قال الخليل انتهى وإذا عرفت هذا كله ظهر لك أنه لا حاجة إلى العدول عن معنى العاج المشهور بين أهل اللغة والعامة إلى ما لم يشتهر بينهم كما قال التوريشتي والله تعالى أعلم قال المنذري في إسناده حميد الشامي وسليمان المنبهي قال عثمان بن سعيد الدارمي قلت ليحي بن معين حميد الشامي الذي يروي حديث ثوبان عن سليمان المنبهي فقال ما أعرفهما وسئل الإمام أحمد عن حميد الشامي هذا من هو قال لا أعرفه
[ 183 ]
(باب ما جاء في اتخاذ الخاتم) قال الحافظ في الخاتم ثمان لغات فتح التاء وكسرها وهما واضحتان ثم ذكر باقيتها (إلى بعض الأعاجم) وفي رواية لمسلم إلى كسرى وقصير والنجاشي (لا يقرؤن كتابا إلا بخاتم) أي موضوعا عليه بخاتم (ونقش) أي أمر بنقشه (فيه) أي في الخاتم (محمد رسول الله) وفي رواية البخاري كان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر (زاد) أي خالد في روايته (فكان) أي الخاتم (في يده) أي في يد النبي صلى الله عليه وسلم (حتى قبض) بصيغة المجهول أي توفي (وفي يد عثمان) أي ست سنين كما في رواية (فبينما هو) أي عثمان (عند بئر) وهو بئر أريس (إذ سقط) أي الخاتم (فأمر) أي عثمان (بها) أي بالبئر (فنرحت) بصيغة المجهول (فلم يقدر عليه) أي على الخاتم أي لم يوجد قال الحافظ قال بعض العلماء كان في خاتمه صلى الله عليه وسلم من السر شئ مما كان في خاتم
[ 184 ]
سليمان عليه السلام لأنه لما فقد خاتمه ذهب ملكه وعثمان لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر وخرج عليه الخارجون وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أمضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي بنحوه مختصرا (من ورق) بفتح فكسر أي فضة (فصه حبشي) قال في فتح الودود أي على الوضع الحبشي أو صانعه الحبشي وعلى هذا لا مخالفة بين هذا الحديث وبين الحديث الذي بعده بلفظ فصه منه وإن قلنا إنه كان حجرا أو جزعا أو عقيقا أو نحوه يكون بالحبشة لظهر المخالفة وبهذا يندفع القول بتعدد الخاتم كما نقل عن البيهقي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة (كله) بالرفع للتأكيد أي كان الخاتم من فضة (فصه منه) أي الخاتم من الفضة وتذكير الضمير بتأويل الورق والحديث نص في أن الخاتم كان كله من فضة وأما الحديث الذي يأتي في باب خاتم الحديد بلفظ كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة فيحمل على التعدد على ما قال الحافظ في الفتح والله أعلم قال المنذري وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي بنحوه (اتخذ) أي أمر بصياغته فصيغ له فلبسه أو وجد مصوغا فاتخذه (وجعل فصه مما يلي بطن كفه) قال النووي لأنه أبعد من الزهو والإعجاب ولما لم يأمر بذلك جاز جعل فصه في ظاهر الكف وقد عمل السلف بالوجهين وممن اتخذه في ظاهرها ابن عباس رضي الله عنه قالوا ولكن الباطن أفضل اقتداء به صلى الله عليه وسلم انتهى قال القاري لعل وجه بعض السلف في المخالفة عدم بلوغهم الحديث المقتضي للمتابعة انتهى (ونقش) أي أمر بنقشه (محمد)
[ 185 ]
بالرفع على الحكاية (رمى به) أي بخاتمه الشريف (وقال لا ألبسه أبدا) كراهة للمشاركة أو لما رأى من زهوهم بلبسه أو لكونه من ذهب وكان حينئذ وقت تحريم لبس الذهب على الرجال قاله القسطلاني (في بئر أريس) على وزن عظيم لا ينصرف على الأصح حديقة بالقرب من مسجد قباء قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي بنحوه (قال أبو داود ولم يختلف الناس إلخ) ليست هذه العبارة في بعض النسخ (لا ينقش أحد على نقش خاتمي) سبب النهي أنه صلى الله عليه وسلم إنما اتخذ الخاتم ونقش فيه ليختم به كتبه إلى ملوك العجم وغيرهم فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل قاله النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فالتمسوه) أي الخاتم وكان الالتماس ثلاثة أيام كما في رواية للبخاري (يختم به أو يتختم به) شك من الراوي قال المنذري وأخرجه النسائي في إسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي وقد وثقه وكيع بن الجراح ووثقه يحيى بن معين مرة وقال مرة لا بأس به له حديث واحد منكر وقال
[ 186 ]
الإمام أحمد مضطرب الحد يث منكر الحديث وقال أيضا كل حديث رفعه مغيرة بن زياد فهو منكر وسئل أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان عنه فقالا شيخ فقلت يحتج بحديثه قالا لا (باب ما جاء في ترك الخاتم) (لوين) بالتصغير لقب محمد بن سليمان (رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق الحديث) هكذا روى الحديث الزهري عن أنس واتفق الشيخان على تخريجه من طريقه ونسب فيه إلى الغلط لأن المعروف أن الخاتم الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم بسبب اتخاذ الناس مثله إنما هو خاتم الذهب كما صرح به في حديث ابن عمر قال النووي تبعا لعياض قال جميع أهل الحديث هذا وهم من ابن شهاب لأن المطروح ما كان إلا خاتم الذهب ومنهم من تأوله وجمع بيه وبين الروايات فقال لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم تحريم خاتم الذهب اتخذ خاتم فضة فلما لبس خاتم الفضة أراه الناس في ذلك اليوم ليعلمهم إباحته ثم طرح الذهب وأعلمهم تحريمه فطرح الناس خواتيمهم من الذهب فيكون قوله فطرح الناس خواتمهم أي خواتم
[ 187 ]
الذهب وهذا التأويل هو الصحيح وليس في هذا الحديث ما يمنعه قال وأما قوله فصنع الناس الخواتم من الورق فلبسوه ثم قال فطرح خاتمه فطرحوا خواتمهم فيحتمل أنهم لما علموا أنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يصطنع لنفسه خاتم فضة اصطنعوا لأنفسهم خواتيم فضة وبقيت معهم خواتيم الذهب كما بقي مع النبيصلى الله عليه وسلم إلى أن طرح خاتم الذهب واستبدلوا الفضة انتهى وذكر الحافظ في الفتح تأويلات أخر أيضا (قال أبو داود رواه عن الزهري زياد بن سعد إلخ) الحاصل أن هؤلاء كلهم تابعوا إبراهيم بن سعد قوله من ورق فكما قال إبراهيم في روايته عن الزهري لفظه من ورق كذلك قال زياد بن سعد وشعيب وابن مسافر لفظه من ورق في رواياتهم عنه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وقال أبو داود رواه عن الزهري زياد بن سعد وشعيب وابن مسافر كلهم قال من ورق هذا آخر كلامه وهؤلاء الذين ذكرهم أبو داود قد أشار إليهم البخاري في صحيحه وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث يونس بن يزيد عن الزهري وفيه من ورق فهؤلاء خمسة من ثقات أصحاب الزهري رووه عنه كذلك وقد قيل إن هذا عند جميع أصحاب الحديث وهم عن ابن شهاب من خاتم الذهب (باب ما جاء في خاتم الذهب) (الركين) بالتصغير ثقة (يكره عشر خلال) بكسر أوله جمع خلة بمعنى خصلة
[ 188 ]
(الصفرة) بالنصب وجوز رفعه وجره (يعني الخلوق) وهو تفسير من ابن مسعود أو من بعده من الرواة وهو طيب مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة وكراهيته مختص بالرجال (وتغيير الشيب) قال الخطابي تغيير الشيب إنما يكره بالسواد دون الحمرة والصفرة انتهى وقيل أراد تغييره بالنتف (وجر الإزار) أي إسباله خيلاء (والتختم بالذهب) أي للرجال (والتبرج بالزينة) أي إظهار المرأة زينتها ومحسانها بعد للرجال (لغير محلها) بكسر الحاء وبفتح أي لغير زوجها ومحارمها والمحل حيث يحل لها إظهار الزينة (والضرب بالكعاب) بكسر الكاف جمع كعب وهو فصوص النرد ويضرب بها على عادتهم والمراد النهي عن اللعب بالنرد وهو حرام كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وفي الجامع الصغير برواية أحمد وأبي داود وابن ماجه والحاكم من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله كذا في المرقاة (والرقي) بضم الراء وفتح القاف وجمع رقية (إلا بالمعوذات) بكسر الواو المشددة ويفتح وهي المعوذتان وما في معناهما من الأدعية المأثورة والتعوذ بأسمائه سبحانه وقيل المعوذتان والإخلاص والكافرون (وعقد التمائم) جمع تميمة والمراد بها التعاويذ التي تحتوي على رقي الجاهلية من أسماء الشياطين وألفاظ لا يعرف معناها وقيل التمائم خرزات كانت العرب في الجاهلية تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطله الإسلام (وعزل الماء لغير أو غير محله أو عن محله) شك من الرواي بين هذه الألفاظ الثلاثة أي قال عزل الماء لغير محله باللام أو قال عزل الماء غير محله بحذف اللام أو قال عزل الماء عن محله (قال الخطابي في المعالم) قد سمعت في هذا الحديث عزل الماء عن محله وهو أن يعزل الرجل ماءه عن فرج المرأة وهو محل الماء وإنما كره ذلك لأن فيه قطع النسل والمكروه منه ما كان ذلك في الحرائر بغير إذنهن فأما المماليك فلا بأس بالعزل عنهن انتهى قال الطيبي يرجع معنى الروايتين أعني إثبات لفظ وغيره إلى معنى واحد لأن الضمير المجرور في محله يرجع إلى لفظ الماء وإذا روي لغير محله يرجع إلى لفظ العزل ذكره في المرقاة (وفساد الصبي) قال الخطابي هو أن يطأ المرأة المرضع فإذا حملت فسد لبنها وكان في ذلك فساد الصبي (غير محرمة) بتشديد الراء المكسورة قال القاضي غير منصوب على الحال من فاعل يكره أي
[ 189 ]
يكرهه غير محرم إياه والضمير المجرور لفساد الصبي فإنه أقرب وقال في جامع الأصول يعني جميع هذه الخصال ولم يبلغ حد التحريم كذا في المرقاة (قال أبو داود انفرد إلخ) أي رواة هذا الحديث كلهم بصريون والحديث يدل على كراهة التختم بالذهب وقد جاء في تحريمه أحاديث صحيحة صريحة في الصحيحين وغيرهما قال النووي أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء وأجمعوا على تحريمه على الرجال قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده قاسم بن حسان الكوفي عن عبد الرحمن بن حرملة قال البخاري القاسم بن حسان سمع من زيد بن ثابت وعن عمه عبد الرحمن بن حرملة روى عنه قاسم بن حسان لم يصح حديثه في الكوفيين قال علي بن المديني حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خلال هذا حديث كوفي وفي إسناده من لا يعرف وقال ابن المديني أيضا عبد الرحمن بن حرملة روى عنه الركين بن ربيع لا أعلم روى عن عبد الرحمن هذا شئ من هذا الطريق ولا نعرفه من أصحاب عبد الله وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال ليس بحديثه بأس وإنما روى حديثا واحدا ما يمكن أن يقاس به ولم أسمع أحدا ينكره أو يطعن عليه وأدخله البخاري في كتاب الضعفاء وقال أبي تحول منه هذا آخر كلامه وفي الرواة عبد الرحمن بن حرملة بن حمزة وأبو حرملة الأسلمي مدني روى عن سعيد بن المسيب وغيره أخرج له مسلم والأربعة وتكلم فيه غير واحد انتهى كلام المنذري (باب ما جاء في خاتم الحديد) (ابي رزمة) بكسر المهملة وسكون المعجمة (وعليه خاتم من شبه) بفتح الشين المعجمة والموحدة شئ يشبه الصفر وبالفارسية يقال له برنج سمي به لشبهه بالذهب لونا وفي القاموس الشبه محركة النحاس الأصفر ويكسر انتهى وفي كتاب الفروق النحاس
[ 190 ]
معدن معروف يقرب الفضة ليس بينهما تبائن يقول إلا بالحمرة واليبس وكثرة الأوساخ والقبرص الذي أجود النحاس وقبرص معرب يوناني اسم جزيرة ومنها كان يجلب النحاس قديما قال ابن بيطار النحاس أنواعه ثلاثة فمنه أحمر إلى الصفرة ومعادنه بقبرص وهو أفضله انتهى والصفر النحاس الذي تعمل منه الأواني وهو الذهب أيضا انتهى (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (له) أي للرجل (ما لي) ما استفهام إنكار ونسبه إلى نفسه والمراد به المخاطب أي مالك (أجد منك ريح الأصنام) لأن الأصنام كانت تتخذ من الشبه قاله الخطابي (فطرحه) أي فطرح الرجل خاتم الشبه وقيل الضمير المرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم (حلية أهل النار) بكسر الحاء جمع الحلي أي زينة بعض الكفار في الدنيا أو زينتهم في النار بملابسة السلاسل والأغلال وتلك في المتعارف بيننا متخذة من الحديد وقيل إنما كرهه لأجل نتنه (ولا تتمه) بضم أوله وتشديد الميم المفتوحة أي لا تكمل وزن الخاتم من الورق (مثقالا) قال ابن الملك تبعا للمظهر هذا نهي إرشاد إلى الورع فإن الأول أن يكون الخاتم أقل من مثقال لأنه أبعد من السرف وذهب جمع من الشافعية إلى تحريم ما زاد على المثقال ورجح الآخرون الجواز منهم الحافظ العراقي في شرح الترمذي فإنه حمل النهي المذكور على التنزيه قلت والحديث مع ضعفه يعارض حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها أخرجه أبو داود وسيأتي وإسناده صحيح فإن هذا الحديث يدل على الرخصة في إستعمال الفضة للرجال وأن في تحريم الفضة على الرجال لم يثبت فيه شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما جاءت الأخبار المتواترة في تحريم الذهب والحرير على الرجال فلا يحرم عليهم استعمال الفضة إلا بدليل ولم يثبت فيه دليل والله أعلم والحديث يدل على كراهة لبس خاتم الحديد والصفر قال القاري وبه صرح علماؤنا قال ونقل النووي في شرح المهذب عن صاحب الإبانة كراهتهما وعن المتولي لا يكره واختاره فيه وصححه في شرح مسلم لخبر الصحيحين في قصة الواهبة اطلب ولو خاتما من حديد انتهى قال النووي في شرح مسلم لأصحابنا في كراهة خاتم الحديد وجهان أصحهما لا يكره لأن الحديث في النهي عنه ضعيف قال الحافظ لا حجة في قصة الواهبة بقوله صلى الله عليه وسلم اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد
[ 191 ]
على جواز لبس خاتم الحديث لأنه لا يلزم من جواز الاتحاذ لأن جواز اللبس فيحتمل أنه أراد وجوده لتنتفع المرأة بقيمته انتهى كلام الحافظ ولا يخفى ما فيه من الضعف والوهن (ولم يقل محمد) أي ابن عبد العزيز شيخ المصنف (عبد الله بن مسلم) أي لم يذكر محمد اسم أبيه (ولم يقل الحسن السلمي المروزي) أي لم يذكر الحسن ابن علي نسبة عبد الله وذكر اسم أبيه وذكر محمد النسبة ولم يذكر اسم أبيه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي هذا حديث غريب وقال وعبد الله بن مسلم أبو طيبة السلمي المرزوي قاضي مرو روى عن عبد الله بن بريدة وغيره قال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه ولا يحتج به انتهى وقال السيوطي في مرقاة الصعود قال ابن حبان في كتاب الثقات هو يخطئ ويخالف انتهى (أبو عتاب) كنية سهل (أخبرنا أبو مكين) بفتح الميم وكسر الكاف كنيته بن ربيعة (وجده) بالرفع ويرجع الضمير إلى إياس وهذا تفسير من نوح بن ربيعة أو ممن دونه لأن إياس بن الحارث روى هذا الحديث عن جده فكان يلتبس على السامع هل يروي عن جده من قبل أبيه وهو المعيقيب بن أبي فاطمة الدومي أو يروي عن جده من قبل أمه أبي ذباب فصرح بأن المراد يجده في هذا الحديث هو المعيقيب وأما أبو ذباب فهو جده من قبل أمه والحديث أخرجه النسائي بلفظ أخبرنا عمرو بن علي عن أبي عتاب سهل بن حماد وأخبرنا أبو داود حدثنا إسماعيل بن حماد حدثنا أبو مكين حدثني إياس بن الحارث بن المعيقيب عن جده معيقيب فذكر الحديث (وقال المزي في الأطراف) حديث كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد أخرجه أبو داود في الخاتم عن ابن المثنى وزياد بن يحيى والحسن بن علي وأخرجه النسائي في الزينة عن عمرو بن علي وأبي داود سليمان بن سيف الحراني خمستهم عن سهل بن حماد أبي عتاب عن أبي مكين نوح بن ربيعة عن إياس بن الحارث بن المعيقيب عن جده به انتهى والله أعلم (ملوي عليه) أي معطوف عليه (وكان المعيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم) أي كان أمينا
[ 192 ]
عليه قال في فتح الودود هذا الحديث أجود إسنادا مما قبله ويعضده حديث التمس ولو خاتما من حديد ولو كان مكروها لم يأذن فيه وقيل إن كان المنع محفوظا يحمل على ما كان حديدا صرفا وههنا بالفضة التي لويت عليه ترتفع الكراهة انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي (واذكر بالهداية هداية الطريق) معناه أن سالك الطريق في الفلاة إنما يؤم سمت الطريق ولا يكاد يفارق الجادة ولا يعدل عنها يمنة ويسرة خوفا من الضلال وبذلك يصيب الهداية وينال السلامة يقول إذا سألت الله الهدى فاحضر بقلبك هداية الطريق وسل الهداية والاستقامة كما تتحراه وقد في هداية الطريق إذا سلكتها (واذكر بالسداد تسديدك السهم) معناه أن الرامي إذا رمى غرضا سدد بالسهم نحو الغرض ولم يعدل عنه يمينا ولا شمالا ليصيب الرمية فلا يبطش سهمه ولا يخنق سعيه بقول فأحضر هذا المعنى بقلبك حتى تسأل الله السداد ليكون ما تنويه من ذلك على مشكلة ما تستعمله من الرمي كذا في معالم السنن للخطابي رحمه الله (أن أضع الخاتم وفي رواية لمسلم أن أتختم شك عاصم) ولمسلم لم يدر عاصم في أي الثنيتين (عن القسية) بفتح القاف وتشديد المهملة بعدها ياء نسبة (والميثرة) بكسر الميم وسكون الثانية وفتح المثلثة بعدها راء (مضلعة) أي فيها خطوط عريضة كالأضلاع (فيها أمثال الأترج) أي أن الأضلاع التي فيها غليظة معوجة وقد تقدم الكلام على القسية والميثرة والحديث يدل على كراهة جعل الخاتم في السبابة والوسطى قال القاري ناقلا عن ميرك لم يثبت في الإبهام والبنصر رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم فيثبت ندبه في الخنصر وإليه جنح الشافعية والحنفية انتهى قال النووي أجمع المسلمون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر وأما المرأة فلها التختم في الأصابع كلها انتهى
[ 193 ]
قال المنذري أخرج البخاري قول أبي بردة إلى آخره تعليقا وأخرج مسلم من حديث وضع الخاتم وما بعده في اللباس وحديث الدعاء في الدعوات وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا (باب ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار) علي اعلم أنه قد ثبت الأحاديث في التختم في اليمين واليسار فاختلف العلماء في وجه الجمع فجنحت طائفة إلى استواء الأمرين وجمعوا بذلك بين مختلف الأحاديث وإلى ذلك أشار أبو داود بترجمة بابه ثم إيراد الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح وجمع بعضهم بأنه لبس الخاتم أولا في يمينه ثم حوله في يساره واستدل بما أخرجه أبو الشيخ وابن عدي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه ثم إنه حوله في يساره قال الحافظ لو صح هذا لكان قاطعا للنزاع ولكن سنده ضعيف وجمع البيهقي بأن الذي لبسه في يمينه هو خاتم الذهب والذي في يساره هو خاتم الفضة قال النووي أجمعوا على جواز التختم في اليمين واليسار واختلفوا في أيتهما أفضل واستحب مالك اليسار وكره اليمين قال والصحيح في مذهبنا أن اليمين أفضل (قال شريك) بن عبد الله بن أبي نمر (وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري من التابعين مرسلا فشريك روى هذا الحديث من طريقين من طريق إبراهيم متصلا ومن طريق أبي سلمة مرسلا وأخرج أيضا أبو داود في المراسيل عن أبي الجماهر محمد بن عثمان عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بيمينه ذكره المزي في الأطراف (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه) رجح بعضهم التختم في اليمين وعلل بأنه زينة واليمين أحق بالزينة والإكرام وبأن اليسار آلة الاستنجاء فيصان الخاتم إذا كان في اليمين عن أن تصيبه النجاسة (قال المنذري) وأخرجه الترمذي والنسائي
[ 194 ]
(كان يتختم في يساره) قيل في ترجيح التختم في اليسار إن الخاتم إذا كان في اليسار يحصل التناول منها باليمين وكذا وضعه فيها (قال أبو داود قال ابن إسحاق وأسامة الخ) حاصلة أن ابن إسحاق وأسامة ابن زيد رويا الحديث عن نافع فقالا في روايتهما في يمينه وأما رواية عبد العزيز ابن أبي رواد المذكورة ففيها في يساره (قال الحافظ) رواية اليسار في حديث نافع شاذة ومن رواها أيضا أقل عددا وألين حفظا ممن روى اليمين انتهى (قال المنذري) عبد العزيز بن أبي رواد تكلم فيه غير واحد من الأئمة وهو مشهور بالإرجاء استشهد به البخاري ومحمد بن إسحاق فيه مقال وقد تقدم الكلام على ذلك وأسامة بن زيد هذا هو الليثي مولاهم المدني وقد احتج به مسلم واستشهد به البخاري (عن نافع أن ابن عمر) هذا حديث موقوف وسنده صحيح والله أعلم (في خنصره اليمنى) الخنصر أصغر أصابع اليد (يلبس خاتمه هكذا) أي في خنصره اليمنى (وجعل فصه على ظهرها) في فتح الودود قال العلماء حديث الباطن أكثر وأصح وهو الأفضل (ولا يخال) أي لا يظن (كذلك) أي في خنصره اليمنى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري حديث
[ 195 ]
محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد الله بن نوفل حديث حسن وأخرج مسلم في صحيحه من حديث ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى وأخرجه النسائي بنحوه وأخرج الضيائي أيضا من حديث قتادة عن أنس قال كأني أنظر إلى بياض خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في إصبعه اليسرى ورجال إسناده محتج بهم في الصحيح وأخرج الترمذي من حديث أبي جعفر محمد عن أبيه قال كان الحسن والحسين يتختمان في يسارهما وقال هذا صحيح وأخرجه مسلم أيضا في صحيحه من حديث يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه فيه حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه قال الدارقطني وهذا حديث محفوظ عن يونس حدث به الليث وابن وهب وعثمان بن عمر وغيرهم عنه ولم يذكروا فيه في يمينه والليث وابن وهب أحفظ من سليمان يعني ابن بلال ومن طلحة بن يحيى ومع ذلك فالراوي له عن سليمان إسماعيل يعني ابن أبي أويس وهو ضعيف رماه النسائي بأمر قبيح حكاه عن سلمة عنه فلا يحتج براويته إذا انفرد عن سليمان ولا عن غيره وأما طلحة بن يحيى فشيخ والليث وابن وهب ثقتان متقنان صاحبا كتاب فلا يقبل زيادة ابن أبي أويس عن سليمان إذا انفرد بها فإن كان مسلم أجاز هذا فقد ناقض في حديثه بهذا الإسناد رواه ثقتان حافظان عن عمرو بن الحارث عن الزهري عن أنس فزاد أحدهما على الآخر زيادة حسنة غير منكرة فأخرج الحديث الناقص دون التام والرجلان موسى بن أعين وعبد الله بن وهب روياه عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا وضع العشاء زاد موسى وأحدكم صائم فابدؤا به قبل أن تصلوا فأخرج حديث ابن وهب ولم يخرج حديث موسى اللهم إلا أن يكون لم يبلغه حديث موسى بن أعين الذي فيه الزيادة فيكون عذرا له في تركه وأما حديث الخاتم فقد رواه جماعة عن الزهري حفاظ منهم زياد وسعد وعقيل وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر وإبراهيم بن سعد وابن أخي الزهري وشعيب وموسى بن عقبة وابن أبي عتيق وغيرهم ولم يقل أحد منهم في يمينه هذا آخر كلامه وهذا فصل مفيد جدا وقد كان الدارقطني رضي الله عنه من أئمة هذا الشأن ونقاده وبالخصوص في معرفة العلل فإنه تقدم فيها على أقرانه ويمكن أن يقال إن مسلما قد أخرج حديث إبراهيم بن سعد وزياد بن سعد عن الزهري وليس فيهما ذكر الزيادة وأخرج أيضا حديث عبد الله بن وهب عن يونس ابن يزيد وليس فيه ذكر الزيادة وأتى بحديث الزيادة بعد ذلك ليبين اطلاعه على ألفاظ الحديث واختلاف الرواة وجاء به في الطبقة الثانية وأما إسماعيل بن أبي أويس فإن البخاري ومسلما قد حدثا عنه في صحيحيهما محتجين وروى مسلم من رجل عنه وهذا في غاية التعظيم له ولم يؤثر عندهما ما قيل فيه وطلحة بن يحيى قد احتج به مسلم فالحديث ثابت على شرطه على ما قد قررناه والزيادة من الثقة مقبولة وهما عنده ثقتان
[ 196 ]
وأما إخراج مسلم الزيادة في حديث الخاتم وتركه الزيادة في حديث العشاء ففيه ما يدل على تبحره في هذا الشأن وجودة قريحته فإن الزيادة في حديث الخاتم لها شواهد منها حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم صنع حتى خاتما من ذهب فتختم به في يمينه ثم جلس على المنبر الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وقد روي هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر نحو هذا من غير هذا الوجه ولم يذكر فيه أنه تختم يمينه ومنها حديث حماد بن سلمة قال رأيت ابن أبي رافع يتختم في يمينه فسألته عن ذلك فقال رأيت عبد الله بن جعفر يتختم في يمينه وقال عبد الله بن جعفر كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم تعالى في يمينه أخرجه الترمذي وقال قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري هذا أصح شئ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وأخرج النسائي وابن ماجه المسند منه فقط ومنها حديث قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه أخرجه الترمذي في الشمائل وأخرجه النسائي في سننه ورجال إسناده ثقات وأما حديث العشاء فقد روي من حديث أنس بن مالك و عبد الله بن عمر وعائشة وغيرهم من طرق ليس فيها شئ من هذه الزيادة وهي زيادة غريبة من كلام الدارقطني ما يدل على غرابتها فإنه جوز على مسلم أن لا يكون بلغته مع معرفة الدارقطني بسعة رحلة مسلم وكثرة ما حصل من السنن فقوله صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة والله عز وجل أعلم انتهى كلام المنذري (باب ما جاء في الجلاجل) فإن جمع جلجل بضمتين وهو ما يعلق بعنق الدابة أو برجل البازي والصبيان (قال علي بن سهل بن الزبير) أي ذكر علي بن سهل في روايته اسم جد عامر أيضا بأن قال إن عامر بن عبد الله بن الزبير أخبره وأما إبراهيم بن الحسن فقال في روايته إن عامر بن عبد الله أخبره ولم يذكر اسم جد عامر (أن مولاة) أي معتقة (لهم) أي للزبيريين عمر أو لأهل ابن الزبير (وفي رجلها أجراس) جمع جرس بفتحتين وهو الجلجل (إن مع كل جرس شيطانا) قيل
[ 197 ]
لدلالته على أصحابه بصوته وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن لا يعلم العدو به حتى يأتيهم فجأة فيكره تعليق الجرس على الدواب وظاهر اللفظ العموم فيدخل فيه الجرس الكبير والصغير سواء كان في الأذن أو الرجل أو عنق الحيوان وسواء كان من نحاس أو حديد أو فضة أو ذهب قال المنذري مولاة لهم مجهولة وعامر بن عبد الله بن الزبير لم يدرك عمر (عن بنانة) بضم الموحدة (مولاة عبد الرحمن بن حيان) بفتح حاء وتشديد تحتية وفي بعض النسخ حسان بالسين المهملة (بينما هي) أي بنانة (عندها أي عند عائشة (إذ دخل) بصيغة المجهول (عليها) أي على عائشة (بجارية) أي بنت (وعليها) أي على البنت (جلاجل) جمع جلجل بمعنى الجرس (يصوتن) بتشديد الواو أي يتحركن ويحصل من تحركهن النبي أصوات لهن (لا تدخل الملائكة بيتا فيه جرس) قال العلقمي وفي معناه ما يعلق في أرجل النساء وآذانهن والبنات والصبيان (قال المنذري) بنانه بضم الباء الموحدة وبعدها نون مفتوحة وبعد الألف مثلثها وتاء تأنيث وقد تقدم في الجزء السادس عشر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب وجرس وأخرجه مسلم والترمذي وتقدم الكلام عليه هناك والجلجل كل شئ علق في عنق دابة أو رجل صبي يصوت وجمعه جلاجل وصوته الجلجلة (باب ما جاء في ربط الأسنان بالذهب) (عن عبد الرحمن بن طرفة) بفتحتين (عرفجة) بفتح العين وسكون الراء وفتح الفاء (قطع أنفه) أي أنف جدة عرفجة (يوم الكلاب) بضم الكاف وتخفيف اللام إسم كان هناك
[ 198 ]
وقعة بل وقعتان مشهورتان يقال لهما الكلاب الأول والثاني (من ورق) قال الخطابي الورقة مكسورة الراء الفضة وبفتح الراء المال من الإبل والغنم (فاتخذ أنفا من ذهب) قال الخطابي فيه إستباحة إستعمال اليسير من الذهب للرجال عند الضرورة كربط الإسنان وما جرى مجراهه وإن مما لا يجري غيره فيه مجراه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن إنما نعرفه من حديث عبد الرحمن ابن طرفة وقد روى سلم بن زرير عن عبد الرحمن بن طرفة نحو حديث أبي الأشهب هذا اخر كلامه وأبو الأشهب هذا هو جعفر بن الحارث أصله من الكوفة سكن واسط مكفوفا ضعفه غير واحد وسلم بن زرير أبو يونس العطاردي البصري احتج به البخاري ومسلم والكلاب بضم الكاف وتخفيف اللام وباء بواحدة موضع كان فيه يومان من أيام العرب المشهورة الكلاب الأول والكلاب الثاني واليومان في موضع واحد وقيل هو ما بين الكوفة والبصرة على سبع ليال من اليمامة وكانت به وقعة في الجاهلية والكلاب أيضا اسم واد بنهلان كما لبني العرجاء من بني نمر به نخل ومياه (باب ما جاء في الذهب للنساء) (أهداها له) أي أهدى النجاشي الحلية للنبي صلى الله عليه وسلم (بنت أبي العاص) صفة أولى لأمامة (بنت ابنته) صفة ثانية لها
[ 199 ]
والضمير المجرور في ابنته للنبي صلى الله عليه وسلم (زينب) بدل من ابنته والحديث فيه دليل على أن الذهب مباح للنساء قال المنذري وأخرجه ابن ماجه في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار انتهى قلت صرح بالتحديث فيكون حديثه حجة والله أعلم (عن أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين (من أحب أن يحلق) من التحليق (حبيبه) أي محبوبه من زوجة أو ولد أو غيرهما (حلقة) بسكون اللام ويفتح ونصبها على أنه مفعول ثان (من نار) أي حلقة كائنة من نار أي باعتبار مالها (فليحلقه حلقة من ذهب) أي لأذنه أو لأنفه (ومن أحب أن يطوق) بكسر الواو المشددة (ومن أحب أن يسور حبيبة سوارا) السوار من الحلي معروف وتكسر السين وتضم وسورته السوار إذا ألبسته إياه (فالعبوا بها) قال ابن الملك اللعب بالشئ التصرف فيه كيف شاء أي اجعلوا الفضة في أي نوع شئتم من الأنواع للنساء دون الرجال إلا التختم وتحلية السيف وغيره من آلات الحرب انتهى وقد استدل العلامة الشوكاني في رسالته الوشى المرقوم في تحريم حلية الذهب على العموم بهذا الحديث على إباحة استعمال الفضة للرجال بقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بالفضة فالعبوا بها وقال إسناده صحيح ورواتهم محتج بهم وأخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي موسى الأشعري حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار حدثني أسيد بن أبي أسيد عن ابن أبي موسى عن أبيه عن ابن قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سره أن يحلق حبيبته حلقة من نار فليحلقها حلقة من ذهب ومن سره أن يسور حبيبته سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ولكن الفضة فالعبوا بها لعبا انتهى وحسن إسناده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث سهل بن سعد مرفوعا بلفظ من أحب أن يسور ولده سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ولكن الفضة العبوا بها كيف شئتم قال الهيثمي في مجمع الزوائد في إسناده عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم وهو ضعيف
[ 200 ]
وحديث الباب سكت عنه المنذري ثم ابن القيم في حاشية السنن (أما لكن) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار وما نافية أي أليس لكن كفاية ويحتمل أن يكون أما حرف التنبيه (ما تحلين به) بفتحتين وتشديد لام مفتوحة وسكون باء وما موصولة (أما) بتخفيف الميم بمعنى ألا (إنه) أي الشأن (تحلى) بحذف إحدى التائين (ذهبا) أي تلبس حلي ذهب (تظهره) أي للأجانب أو تكبرا أو افتخارا (إلا عذبت به) قال القاري التعذيب مرتب على التحلية والإظهار معا انتهى قال في مرقاة الصعود هذا الحديث وما بعده وما شاكله منسوخ قال المنذري وأخرجه النسائي وامرأة ربعى مجهولة وأخت حذيفة اسمها فاطمة وقيل خولة وفي بعض طرقه عن ربعى عن امرأة عن أخت حذيفة وكان له أخوات قد أدركن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرها أبو عمر النمري وسماها فاطمة وقال وروي عنها حديث في كراهة تحلي النساء بالذهب إن صح فهو منسوخ وقال ولحذيفة أخوات قد أدركن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ذكرها في حرف الفاء وقال في حرف الخاء خولة بنت اليمان أخت حذيفة روى عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا خير في جماعة النساء إلا عند ميت إذا اجتمعن قلن وقلن فهما عنده اثنتان خلاف ما تقدم وحراش بكسر الحاء وفتح الراء المهملتين وبعد الألف شين معجمة (تقلدت قلادة) بكسر القاف (قلدت) بصيغة المجهول (خرصا) قال في النهاية الخرص بالضم والكسر الحلقة الصغيرة وهي حلي الأذن
[ 201 ]
قال الخطابي الخرص الحلقة قال وهذا الحديث يتأول على وجهين أحدهما أنه إنما قال ذلك في الزمان الأول ثم نسخ وأبيح للنساء الحلي بالذهب والوجه الآخر أن هذا الوعيد إنما جاء في من لا يؤدي زكاة الذهب دون من أداها والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي والخرص الحلقة وحمله بعضهم على أنه قال ذلك في الزمان الأول ثم نسخ وأبيح للنساء التحلي بالذهب لقوله صلى الله عليه وسلم هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها وقيل هذا الوعيد فيمن لا يؤدي زكاة الذهب وأما من أداها فلا والله أعلم انتهى كلام المنذري
[ 202 ]
قلت أخرج أحمد في مسنده وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه والحاكم وصححه والطبراني عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها والحديث قد صححه أيضا ابن حزم كما ذكره الحافظ وعند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان بلفظ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حريرا
[ 203 ]
فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتي زاد ابن ماجه حل لإناثهم ونقل الحافظ عبد الحق عن ابن المديني أنه قال حديث حسن ورجاله معروفون والله أعلم (نهى عن ركوب النمار) جمع نمر أي جلود النمار وهي السباع المعروفة وقد سبق الكلام عليه (وعن لبس الذهب إلا مقطعا) بفتح الطاء المهملة المشددة أي مكسرا قال في النيل لا بد فيه من تقييد القطع بالقدر المعفو عنه لا بما فوقه جمعا بين الأحاديث قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود والمراد بالنهي الذهب الكثير لا المقطع قطعا يسيرة منه تجعل حلقة أو قرطا أو خاتما للنساء أو في سيف الرجل وكره الكثير منه الذي هو عادة أهل السرف والخيلاء والتكبير وقد يضبط الكثير منه بما كان نصابا تجب فيه الزكاة واليسير بما لا تجب فيه انتهى وقد ذكر مثل هذا الكلام الخطابي في المعالم وجعل هذا الاستثناء خاصا بالنساء قال لأن جنس الذهب ليس بمحرم عليهم كما حرم على الرجال قليله وكثيره وقال ابن الأثير في النهاية أراد الشئ منه كالحلقة والشنف ونحو ذلك وكره الكثير الذي هو عادة أهل السرف والخيلاء والكبر واليسير هو ما لا تجب فيه الزكاة ويشبه أن يكون إنما كره استعمال الكثير منه لأن صاحبه ربما بخل بإخراج زكاته فيأثم بذلك عند من أوجب فيه الزكاة انتهى وقال الحافظ بن القيم في حاشية السنن وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول حديث معاوية في إباحة الذهب مطلقا هو في التابع غير الفرد كالعلم ونحوه انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وقال الإمام أحمد بن حنبل ميمون القناد قد روى هذا الحديث وليس بمعروف وقال البخاري ميمون القناد عن سعيد بن المسيب وأبي قلابة مراسيل وقال أبو حاتم الرازي أبو قلابة لم يسمع من معاوية بن أبي سفيان هذا آخر كلامه ففيه الانقطاع في موضعين والقناد هو بفتح القاف وبعدها نون مفتوحة مشددة وبعد الألف دال مهملة
[ 204 ]
(اول كتاب الفتن الملاحم) قال العيني : الفتن بكسر الفاء جمع فتنه وهي المحنة والفضيحة والعذاب ويقال اصل الفتنة الاختبار ثم استعملت فيما اخرجته المحنه والاختبار الى المكروه ثم اطلقت على كل مكروه وائل إليه كالكفر والاثم والفضيحة والفجور وغير ذلك انتهى الملاحم جمع ملحمه وهو موضع القتال اما من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيها أو من لحمه الثوب لاشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمه الثوب لسداه والاول انسب واقرب وفي مشارق الانوار . ملاحم القتال معاركها وهي مواضع القتال ولكن قال في القاموس الملحمة والعظيمة وفي الصراح ملحمة فتنه وحرب بزركك . (باب ذكر الفتن ودلائلها) عنه (قام) أي خطيبا واعظا (فينا) أي فيما بيننا أو لأجل أن يعظنا ويخبرنا بما سيظهر من الفتن لنكون على حذر منها في كل الزمن (قائما) هكذا في جميع نسخ الكتاب والظاهر قياما وفي رواية مسلم مقاما (شيئا يكون) بمعنى يوجد صفة شيئا وقوله (في مقامه) متعلق بترك
[ 205 ]
(ذلك) صفة مقامه إشارة إلى زمانه وقوله (إلى يسار الساعة) غاية ليكون والمعنى قام قائما فما ترك شيئا يحدث فيه وينبغي أن يخبر بما يظهر من الفتن من ذلك الوقت إلى قيام الساعة (إلا حدثه) أي ذلك الشئ الكائن (حفظه من حفظه) أي المحدث به (قد علمه) أي هذا القيام أو هذا الكلام بطريق الإجمال (هؤلاء) أي الموجودون من جملة الصحابة لكن بعضهم لا يعلمونه مفصلا لما وقع لهم بعض النسيان الذي هو من خواص الإنسان وأنا الآخر إن ممن نسي بعضه وهذا معنى قوله (وإنه) أي الشأن (ليكون) منه الشئ واللام في ليكون مفتوحة على أنه جواب لقسم مقدر والمعنى ليقع شئ مما ذكره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقد نسيته وفي رواية البخاري ومسلم وإنه ليكون منه الشئ قد نسيته (فأذكره) أي فإذا عاينته تذكرت ما نسيته (إذا غاب عنه) أي ثم ينس وفيه كمال علمه بما يكون وكمال علم حذيفة واهتمامه بذلك واجتنابه من الآفات والفتن وقد استدل بهذا الحديث بعض أهل البدع والهوى على إثبات الغيب لرسول الله وهذا جهل من هؤلاء لأن علم الغيب مختص بالله تعالى وما وقع منه على لسان رسول الله فمن الله بوحي والشاهد لهذا قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول أي ليكون معجزة له فكل ما ورد عنه من الأنباء المنبئة عن الغيوب ليس هو إلا من أعلام الله له به إعلاما على ثبوت نبوته ودليلا على صدق رسالته قال على القاري في شرح الفقه الأكبر إن الأنبياء لم يعلموا المغيبات من الأشياء إلا ما
[ 206 ]
أعلمهم الله أحيانا وذكر الحنفية تصريحا بالتكفير باعتقاد أن النبي يعلم الغيب لمعارضة قوله تعالى قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله كذا في المسائرة وقال بعض الأعلام في إبطال الباطل من ضروريات الدين إن علم الغيب مخصوص بالله تعالى والنصوص في ذلك كثيرة وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر الآية وإن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث الآية فلا يصح لغير الله تعالى أن يقال له إنه يعلم الغيب ولهذا لما قيل عند رسول الله في الرجز وفينا نبي يعلم ما في غد أنكر على قائله وقال دع هذا وقل غير هذا وبالجملة لا يجوز أن يقال لأحد إنه يعلم الغيب نعم الإخبار بالغيب بتعليم الله تعالى جائز وطريق هذا التعليم إما الوحي أو الإلهام عند من يجعله طريقا إلى علم الغيب انتهى وفي البحر الرائق لو تزوج بشهادة الله ورسوله لا ينعقد النكاح ويكفر لاعتقاده أن النبي يعلم الغيب انتهى قال المزي في الأطراف وأخرجه البخاري في القدر وأخرجه مسلم وأبو داود الفتن إنتهى (قال حذيفة بن اليمان) قال في شرح مسلم المشهور في الاستعمال حذيفة بن اليمان من غير ياء في آخر اليمان وهو لغة قليلة والصحيح اليماني بالياء وكذا عمرو بن العاص وشبههما قاله في الأزهار (أصحابي) أي من الصحابة (أم تناسوا) أي أظهروا النسيان لمصلحة من غير نسيان كذا في الإزهار (من قائد فتنة) أي داعي ضلالة وباعث بدعة ويأمر الناس بالبدعة ويدعوهم الناس إليها ويحارب المسلمين قاله القاري وفي الأزهار والمراد بقائد الفتنة باعثها والبادي بها وهو المتبوع والمطاع فيها انتهى ومن زائدة لتأكيد الاستغراق في النفي (إلى أن تنقضي الدنيا) أي إلى انقضائها وانتهائها (يبلغ) صفة للقائد أي يصل (من معه) أي مقدار أتباعه قال في اللمعات ومن معه فاعل يبلغ وثلاثمائة مفعول انتهى (فصاعدا) أي فزائدا عليه (إلا قد سماه) أي ذكر ذلك القائد (لنا باسمه) أي القائد (واسم أبيه واسم قبيلته)
[ 207 ]
والمعنى ما جعله متصفا بوصف إلا بوصف تسميته الخ يعني وصفا واضحا مفصلا لا مبهما مجملا فالاستثناء متصل وقال الطيبي قوله إلى أن تنقضي متعلق بمحذوف أي ما ترك رسول الله ذكر قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا مهملا لكن قد سماه فالاستثناء منقطع انتهى كلام القاري وقال العلامة الأردبيلي في الأزهار ومعنى الحديث أنه ذكر لنا القائدين للفتنة الذين يبلغ أتباعهم ثلاثمائة فصاعدا بإسمه ونسبه وقبيلته ولم يذكر الذين لا يبلغ أتباعهم ثلاثمائة وفيه كمال علم النبي وكمال شفقته على أمته وفيه علم للنبوة وإعجاز انتهى وابن لقبيصة مجهول وقيل هو إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي الشامي صدوق يرسل وقال المزي في الأطراف حديث قبيصة بن ذؤيب أبي سعيد الخزاعي عن حذيفة أخرجه أبو داود في الفتن عن محمد بن يحيى بن فارس عن سعيد بن أبي مريم عن عبد الله بن فروخ عن أسامة بن زيد أخبرني ابن لقبيصة بن ذؤيب عن أبيه قال قال حذيفة فذكره انتهى كلام المزي (عن عبد الله) هو ابن مسعود والراوي عنه مجهول وعامر هو الشعبي (أربع فتن) كأن المراد بها الوقائع الكبار جدا وفي كنز العمال أخرج نعيم بن حماد في الفتن عن حذيفة يكون في أمتي أربع فتن وفي الرابعة الفناء وأخرج عن عمران بن حصين تكون أربع فتن الأولى يستحل فيها الدم والثانية يستحل فيها الدم والمال والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفرج والرابعة الدجال وكذا أخرجه الطبراني قال المزي في الأطراف حديث رجل لم يسم عن ابن مسعود أخرجه أبو داود في الفتن (العنسي) بمفتوحة وسكون النون قال في لب اللباب منسوب إلى عنس حي من مذحج (كنا قعودا) أي قاعدين (فذكر) النبي (الفتن) أي الواقعة في آخر الزمان (فأكثر) أي البيان
[ 208 ]
(في ذكرها) أي الفتن (حتى ذكر) النبي (فتنة الأحلاس) قال في النهاية الأحلاس جمع حلس وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب شبهها به للزومها ودوامها انتهى وقال الخطابي إنما أضيفت إلى الأحلاس لدوامها وطول فيه لبثها أو لسواد لونها وظلمتها (قال) النبي (هي) أي فتنة الأحلاس (هرب) بفتحتين أي يفر بعضهم من بعض لما بينهم من العداوة والمحاربة قاله القاري (وحرب) في النهاية الحرب بالتحريك نهب مال الإنسان وتركه لا شئ له انتهى وقال الخطابي الحرب ذهاب المال والأهل (ثم فتنة السراء) قال القاري والمراد بالسراء النعماء التي تسر الناس من الصحة والرخاء والعافية من البلاء والوباء وأضيفت إلى السراء لأن السبب في وقوعها ارتكاب المعاصي بسبب كثرة التنعم أو لأنها تسر العدو انتهى وفي النهاية السراء البطحاء وقال بعضهم هي التي تدخل الباطن وتزلزله ولا أدري ما وجهه انتهى (دخنها) يعني ظهورها وإثارتها شبهها بالدخان المرتفع والدخن بالتحريك مصدر دخلت النار تدخن إذا ألقى عليها حطب رطب فكثر دخانها وقيل أصل الدخن أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سوداء قاله في النهاية وإنما قال (من تحت قدمي رجل من أهل بيتي) تنبيها على أنه هو الذي يسعى في إثارتها أو إلى أنه يملك أمرها (يزعم أنه مني) أي في الفعل وإن كان مني في النسب والحاصل أن تلك الفتنة بسببه وأنه باعث على إقامتها (وليس مني) أي من أخلائي أو من أهلي في الفعل لأنه لو كان من أهلي لم يهيج الفتنة ونظيره قوله تعالى إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح أو ليس من أوليائي في الحقيقة ويؤيده قوله (وإنما أوليائي المتقون) قال الأردبيلي فيه إعجاز وعلم للنبوة وفيه أن الاعتبار كل الاعتبار للمتقي وإن بعد عن الرسول في النسب وأن لا اعتبار للفاسق والفتان عند رسول الله وإن قرب منه في النسب انتهى (ثم يصطلح الناس على رجل) أي يجتمعون على بيعة رجل (كورك) بفتح وكسر قاله القري (على ضلع) بكسر ففتح ويسكن واحد الضلوع أو الأضلاع قاله القاري قال الخطابي هو مثل ومعناه الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك وبالجملة يريد أن هذا الرجل غير خليق للملك ولا مستقل به انتهى وفي النهاية أي يصطلحون على أمر واه لا نظام له ولا استقامة لأن الورك لا يستقيم على الضلع ولا يتركب عليه لاختلاف ما بينهما وبعده والورك ما فوق الفخذ انتهى
[ 209 ]
وقال القاري هذا مثل والمراد أنه لا يكون على ثبات لأن الورك لثقله لا يثبت على الضلع لدقته والمعنى أنه يكون غير أهل الولاية لقلة عمله وخفة رأيه انتهى وقال الأردبيلي في الأزهار يقال في التمثيل للموافقة والملائمة كف في ساعد وللمخالفة والمغايرة ورك على ضلع انتهى وفي شرح السنة معناه أن الأمر لا يثبت ولا يستقيم له وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك ولا يحمله وحاصله أنه لا يستعد ولا يستهد صلى لذلك فلا يقع عنه الأمر موقعه كما أن الورك على ضلع يقع غير موقعه (ثم فتنة الدهيماء) وهي بضم ففتح والدهماء السوداء والتصغير للذم أي الفتنة العظماء والطامة العمياء قاله القاري وفي النهاية تصغير الدهماء الفتنة المظلمة والتصغير فيها للتعظيم وقيل أراد بالدهيماء وقال الداهية ومن أسمائها الدهيم زعموا أن الدهيم اسم ناقة كان غزا عليها سبعة إخوة فقتلوا عن آخرهم وحملوا عليها حتى رجعت بهم فصارت مثلا في كل داهية (لا تدع) أي لا تترك تلك الفتنة (إلا لطمته لطمة) أي أصابته بمحنة ومسته ببلية وأصل اللطم هو الضرب على الوجه ببطن الكف والمراد أن أثر تلك الفتنة يعم الناس ويصل لكل أحد من ضررها (فإذا قيل انقضت) أي فمهما توهموا أن تلك الفتنة انتهت (تمادت) بتخفيف الدال أي بلغت المدى أي الغاية من التمادي وبتشديد الدال من التمادد أنه تفاعل من المد أي استطالت واستمرت واستقرت قاله القاري (مؤمنا) أي لتحريمه دم أخيه وعرضه وماله (ويمسي كافرا) أي لتحليله ما ذكر ويستمر ذلك (إلى فسطاطين) بضم الفاء وتكسر أي فرقتين وقيل مدينتين وأصل الفسطاط الخيمة فهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال قاله القاري (فسطاط إيمان) بالجر على أنه بدل وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي إيمان خالص قال الطيبي الفسطاط بالضم والكسر المدينة التي فيها يجتمع الناس وكل مدينة فسطاط وإضافة الفسطاط إلى الإيمان إما يجعل المؤمنين نفس الإيمان مبالغة وإما يجعل الفسطاط مستعارا للكتف والوقاية على المصرحة أي هم في كتف الإيمان ووقايته قاله القاري (لا نفاق فيه) أي لا في أصله ولا في فصله من اعتقاده وعمله (لا إيمان فيه) أي أصلا أو كمالا لما فيه من أعمال المنافقين من الكذب والخيانة ونقض العهد وأمثال ذلك (فانتظروا الدجال) أي ظهوره
[ 210 ]
قال المزي حديث عمير بن هاني العنسي أبي الوليد الدارزاني وهو عن ابن عمر أخرجه أبو داود في الفتن عن يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج عن عبد الله بن سالم عن العلاء بن عتبة عن عمير بن هاني به انتهى والحديث عنه المنذري ورواه الحاكم وصححه وأقره الذهبي والله أعلم (تستر) بالضم ثم السكون وفتح التاء الأخرى وراء أعظم مدينة بخوزستان اليوم كذا في المراصد (منها) أي من الكوفة (بغالا) جمع بغل (فإذا صدع من الرجال) قال الخطابي بفتح الدال هو الرجل الشاب المعتدل انتهى وفي النهاية أي رجل بين الرجلين انتهى وفي المجمع هو بسكون الدال وربما حرك انتهى (تعرف) على صيغة الخطاب (قال) سبيع (فتجهمني القوم) أي أظهروا إلى آثار الكراهة في وجوههم وفي النهاية يتهجمني صلى الله عليه وسلم أي يلقاني بالغلظة والوجه الكريه (أسأله عن الشر) لعل المراد ما يقع في الناس من الفتن (فأحدقه القوم بأبصارهم) أي رموه بأحداقهم وفي النهاية فحدقني القوم بأبصارهم أي رموني بحدقتهم إذا جمع حدقة وهي العين والتحديق شدة النظر (فقال) حذيفة (أرأيت) أي أخبرني (هذا الخير) أي الإسلام والنظام التام المشار إليه بقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم (أيكون بعده) أي بعد هذا الخير والمعنى أيوجد ويحدث بعد وجود هذا الخير (شر كما كان قبله) أي قبل الخير من الإسلام شر وهو زمن الجاهلية (قال) النبي (فما العصمة) أي فما طريق النجاة من الثبات على الخير والمحافظة عن الوقوع في ذلك الشر (قال) النبي (السيف) أي تحصل العصمة باستعمال السيف أو طريقها أن تضربهم بالسيف
[ 211 ]
قال قتادة المراد بهذه الطائفة هم الذين ارتدوا بعد وفاة النبي في زمن خلافة الصديق رضي الله عنه قاله القاري (قال) أي النبي (خليفة في الأرض) أي موجودا فيها ولو من صفته أنه كذا وكذا (فضرب ظهرك) بالباطل وظلمك في نفسك (وأخذ مالك) بالغصب أو مالك من المنصب النصيب بالتعدي قاله القاري (فأطعه) أي ولا تخالفه لئلا تثور فتنة (وإلا) أي وإن لم يكن لله في الأرض خليفة (فمت) أمر من مات يموت كأنه عبر عن الخمول والعزلة بالموت فإن غالب لذة الحياة تكون بالشهرة والخلطة والجلوة (وأنت عاض) بتشديد الضاد والجملة حالية أي حال كونك آخذا بقوة وماسكا فقال بشدة (بجذل شجرة) بكسر الجيم وفتحها أي بأصلها أي أخرج منهم إلى البوادي وكل فيها أصول الشجر واكتف بها قاله السندي قال في الفتح والجذل بكسر الجيم وسكون المعجمة بعدها لام عود ينصب لتحتك به الإبل قال البيضاوي المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة كقولهم فلان يعض الحجارة من شدة الألم أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر عضوا عليها بالنواجذ (قلت ثم ماذا) أي من الفتن (قال) النبي (معه) أي مع الدجال (نهر) بسكون الهاء وفتحها أي نهر ماء (ونار) أي خندق نار قيل إنهما على وجه التخيل من طريق السحر والسيمياء وقيل ماؤه في الحقيقة نار وناره ماء (فمن وقع في ناره) أي من خالفه حتى يلقيه في ناره وأضاف النار إليه إيماء إلى أنه ليس بنار حقيقة بل سحر (وجب أجره) أي ثبت وتحقق أجر الواقع (وحط) أي ورفع وسومح (وزره) أي إثمة السابق (ومن وقع في نهره) أي حديث وافقه في أمره (وجب وزره) أي اللاحق (وحط أجره) أي بطل عمله السابق (قال) حذيفة (قال) النبي (ثم هي) أي الفتنة قال الحافظ في الحديث حكمة الله في عباده كيف أقام كلا منهم فيما شاء فحبب إلى أكثر الصحابة السؤال عن وجوه الخير ليعملوا بها ويبلغوها غيرهم وحبب لحذيفة السؤال
[ 212 ]
عن الشر ليجتنبه ويكون سببا في دفعه عمن أراد الله له النجاة وفيه سعة صدر النبي ومعرفته بوجوه الحكم كلها حتى كان يجيب كل من سأله بما يناسبه ويؤخذ منه أن كل من حبب إليه شئ فإنه يفوق فيه غيره ومن ثم كان حذيفة صاحب السر الذي لا يعلمه غيره حتى خص بمعرفة أسماء المنافقين وبكثير من الأمور الآتية انتهى قال المزي في الأطراف حديث سبيع بن خالد ويقال خالد بن خالد اليشكري عن حذيفة أخرجه أبو داود في الفتن عن مسدد عن أبي عوانة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن سبيع به وعن مسدد عن عبد الوارث عن أبي التياح عن صخر بن بدر العجلي عن سبيع بمعناه انتهى . قلت سيجئ حديث عبد الوارث (بهذا الحديث) السابق (قال) أي حذيفة (قلت) أي ماذا (قال) أي النبي (بقية على أقذاء) أي يبقى الناس بقية على فساد قلوبهم فشبه ذلك الفساد بالأقذاء أي جمع قذى وهو ما يقع في العين والشراب من غبار ووسخ قاله السندي (وهدنة) بضم الهاء أي صلح (على دخن) بفتحتين أي مع خداع ونفاق وخيانة يعني صلح في الظاهر مع خيانة القلوب وخداعها ونفاقها وقال الخطابي أي صلح على بقايا من الضغن قال القاري وأصل الدخن هو الكدورة واللون الذي يضرب إلى السواد فيكون فيه إشعار إلى أنه صلاح مشوب بالفساد انتهى (قال) معمر (يضعه) أي هذا الحديث (يقول) أي قتادة (قذى) هو ما يقع في العين والشراب من غبار ووسخ وهو تفسير لقوله على أقذاء (على ضغائن) جمع ضغن وهو الحقد وسيجئ كلام المزي بعد هذا
[ 213 ]
(أتينا اليشكري) وهو خالد بن خالد اليشكري (فقال) أي اليشكري (قال) حذيفة (قال يا حذيفة) أي النبي (هدنة على دخن) أي على فساد واختلاف تشبيها بدخان الحطب الرطب لما بينهم من الفساد الباطن تحت الصلاح الظاهر قاله في النهاية (وجماعة على أقذاء) هي كائنة (فيها) أي في الجماعة (أو فيهم) شك من الراوي قال القاري أي واجتماع على أهواء مختلفة أو عيوب مؤتلفة وفي النهاية أراد أن اجتماعهم يكون على فساد في قلوبهم فشبهه بقذى العين والماء والشراب (قال) النبي (لا ترجع قلوب أقوام) برفع قلوب وهو الأصح وبنصبه بناء على أن رجع لازم أو متعد أي لا تصير قلوب جماعات أو لا ترد الهدنة قلوبهم (على الذي) أي على الوجه الذى أو على الصفاء الذي (كانت) أي تلك القلوب (عليه) أي لا تكون قلوبهم صافية عن الحقد والبغض كما كانت صافية قبل ذلك (قال فتنة) أي قال النبي نعم يقع شر هو فتنة عظيمة وبلية جسيمة (عمياء) أي يعمى فيها الإنسان عن أن يرى الحق (صماء) أي يصم أهلها عن أن يسمع فيها كلمة الحق أو النصيحة قال القاضي المراد بكونها عمياء صماء أن تكون بحيث لا يرى منها مخرجا ولا يوجد دونها مستغاثا أو أن يقع الناس فيها على غرة من غير بصيرة فيعمون فيها ويصمون عن تأمل قول الحق واستماع النصح قال القاري أقول ويمكن أن يكون وصف الفتنة بهما كناية عن ظلمتها وعدم ظهور الحق فيها وعن شدة أمرها وصلابة أهلها (عليها) أي على تلك الفتنة (دعاة) بضم الدال جمع داع أي جماعة قائمة بأمرها وداعية للناس إلى قبولها (على أبواب النار) حال أي فكأنهم كائنون على شفا جرف من النار يدعون الخلق إليها حتى يتفقوا على الدخول فيها (وأنت عاض) أي آخذ بقوة (على جذل) أي أصل شجر يعني والحال
[ 214 ]
أنك على هذا المنوال من اختيار الاعتزال (من أن تتبع) بتشديد التاء الثانية وكسر الموحدة ويجوز تخفيفها وفتح الباء (أحدا منهم) أي من أهل الفتنة أو من دعاتهم قال المزي في الأطراف حديث خالد بن خالد ويقال سبيع بن خالد اليشكري الكوفي عن حذيفة أخرجه أبو داود في الفتن عن محمد بن يحيى بن فارس عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن نصر بن عاصم عن خالد بن خالد اليشكري به وعن القعنبي عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن نصر بن عاصم قال أتينا اليشكري في رهط فذكر نحوه انتهى (وقال) الرواي (في آخره) أي الحديث (قال) حذيفة (قال) النبي (نتج فرسا) أي سعى في تحصيل ولدها بمباشرة الأسباب (لم تنتج) أي ما يجئ لها ولد (حتى تقوم الساعة) المراد بيان قرب الساعة وفي رواية كما في المشكاة قلت ثم ماذا قال ثم ينتج المهر فلا يركب حتى تقوم الساعة أي ثم يولد ولد الفرس فلا يركب لأجل الفتن أو لقرب الزمن حتى تقوم الساعة قيل المراد به زمن عيسى عليه السلام فلا يركب المهر لعدم احتياج الناس فيه إلى محاربة بعضهم بعضا أو المراد أن بعد خروج الدجال لا يكون زمان طويل حتى تقوم الساعة أي يكون حينئذ قيام الساعة قريبا قدر زمان إنتاج المهر وإركابه كذا في المرقاة وتقدم تخريج هذا الحديث والله أعلم (فأعطاه) أي الإمام إياه وبالعكس (صفقة يده) في النهاية الصفقة المرة من التصفيق باليد لأن المتبايعين يضع أحدهما يده في يد الآخر عند يمينه وبيعته كما يفعل المتبايعان (وثمرة قلبه) كناية عن الإخلاص في العهد والتزامه قاله في مجمع البحار (فليطعه) أي الإمام (فإن جاء آخر) أي إمام آخر (ينازعه) أي الإمام الأول أو المبائع (فاضربوا) خطاب
[ 215 ]
عام يشمل المبائع وغيره وقال الطيبي جمع الضمير فيه بعد ما أفرد في فليطعه نظرا إلى لفظ من تارة ومعناها أخرى (قلت أنت) القائل عبد الرحمن (قال) أي عبد الله بن عمرو (قلت) القائل عبد الرحمن (يأمرنا أن نفعل) كأنه أراد به أنه يأمرنا بمنازعة علي رضي الله عنه مع أن عليا هو الأول ومعاوية هو الآخر الذي قام منازعا (قال) عبد الله (أطعه) أي معاوية (وأعصه) أي معاوية قال المزي الحديث أخرجه مسلم بطوله في المغازي وأخرجه أبو داود في الفتن وأخرجه النسائي في البيعة وفي السير وأخرجه ابن ماجه في الفتن والله أعلم (ويل للعرب) الويل حلول الشر وهو تفجيع أو ويل كلمة عذاب أو واد في جهنم وخص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم (من شر) عظيم (قد اقترب) ظهوره والأظهر أن المراد به ما أشار إليه في الحديث المتفق عليه بقوله فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج الحديث والله أعلم قال الطيبي أراد به اختلاف الذي ظهر بين المسلمين من وقعة عثمان رضي الله عنه أو ما وقع بين علي رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه قال القاري أو أراد به قضية يزيد مع الحسين رضي الله عنه وهو في المعنى أقرب لأن شره ظاهر عند كل أحد من العجم والعرب (أفلح) أي نجا (من كف يده) أي عن القتال والأذى أو ترك القتال إذا لم يتميز الحق من الباطل قال المزي والحديث أخرجه أبو داود في الفتن عن محمد بن يحيى بن فارس عن عبيد الله بن موسى عن شيبان بن عبد الرحمن عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة انتهى وفي المرقاة أخرجه داود بإسناد رجاله رجال الصحيح والحديث متفق عليه من حديث طويل خلا قوله قد أفلح من كف يده انتهى
[ 216 ]
(يوشك المسلمون أن يحاصروا) على بناء المجهول أي يحبسوا ويضطروا ويلتجؤا ثنا (إلى المدينة) أي مدينة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لمحاصرة العدو إياهم أو يفر المسلمون من الكفار ويجتمعون بين المدينة وسلاح وهو موضع قريب من خيبر أو بعضهم دخلوا في حصن المدينة وبعضهم ثبتوا حواليها احتراسا عليها قاله القاري وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي الظاهر أن هذا إخبار عن حال المسلمين زمن الدجال حين يأرز الإسلام إلى المدينة المطهرة أو يكون هذا في زمان آخر (أبعد مسالحهم) بفتح الميم جمع مسلحة وأصله موضع السلاح ثم استعمل للثغر وهو المراد ها هنا أي أبعد ثغورهم هذا الموضع القريب من خيبر القريب من المدينة على عدة مراحل وقد يستعمل لقوم يحفظون الثغور من العدو قال ابن الأثير في النهاية المسالح جمع المسلح والمسلحة القوم الذين يحفظون الثغور من العدو وسموا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح أو لأنهم يسكنون المسلحة وهي كالثغور والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له انتهى وفي المصباح المنير الثغر من البلاد الموضع الذي يخاف منه هجوم العدو فهو كالثلمة به في الحائط يخاف هجوم السارق منها والجمع ثغور مثل فلس وفلوس (سلاح) بفتح السين قال في المرقاة وقد ضبط مضموما على أنه اسم مؤخر والخبر قوله أبعد وفي نسخة برفعه منونا وفي أخرى بكسر الحاء ففي القاموس سلاح كسحاب وقطام موضع أسفل خيبر وقال ابن الملك هو منون في نسخة ومبني على الكسر في أخرى وقيل مبني على الكسر في الحجاز غير منصرف في بني تميم والمعنى أبعد ثغورهم هذا الموضع القريب من خيبر وهذا يدل على كمال التضييق عليهم وإحاطة الكفار حواليهم قاله القاري قال المزي حديث جرير بن حازم الأزدي البصري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أخرجه أبو داود في الفتن عن ابن وهب عن جرير انتهى قلت وفيه مجهول لأن أبا داود قال حدثت ولم يبين من حدث به وأخرجه الحاكم في المستدرك والله أعلم
[ 217 ]
(زوى لي الأرض) قال الخطابي معناه قبضها وجمعها يقال انزوى السئ إذا انقبض وتجمع (مشارقها) أي الأرض (ما زوي لي منها) أي من الأرض قال الخطابي يتوهم بعض الناس أن من ها هنا معناها التبعيض فيقول كيف شرط هاهنا في أول الكلام الإستيعاب ورد آخره إلى التبعيض وليس ذلك على ما يقدرونه وإنما معناه التفصيل للجملة المتقدمة والتفصيل لا يناقض الجملة ولا يبطل شيئا منها لكنه يأتي عليها شيئا فشيئا ويستوفيها جزءا جزءا والمعنى أن الأرض زويت جملتها مرة واحدة فرآها ثم يفتح له جزء جزء منها حتى يأتي عليها كلها فيكون هذا معنى التبعيض فيها قال النووي فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب وهكذا وقع وأما في حهتي هذا الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب انتهى (الأحمر والأبيض) أي الذهب والفضة وفي النهاية فالأحمر ملك الشام والأبيض ملك فارس وإنما قال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم ولأن الغالب على أموالهم الفضة كما أن الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة وعلى أموالهم الذهب انتهى قال النووي المراد بالكنزين الذهب والفضة والمراد كنز كسرى وقيصر ملكي العراق والشام (أن لا يهلكها) أي أن لا يهلك الله الأمة (بسنة) قحط (بعامة) يعم الكل وفي رواية مسلم بسنة عامة (فيستبيج ثم بيضتهم) أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم أي يجعلهم له مباحا لا تبعة عليه فيهم ويسبيهم وينهبهم رسول يقال أباحه يبيحه واستباحه يستبيحه والمباح خلاف المحذور وبيضة الدار وسطها ومعظمها أراد عدوا يستأصلهم ويهلكهم جميعهم كذا في النهاية (فإنه) أي القضاء (ولا أهلكهم بسنة بعامة) أي لأهلكهم بقحط يعمهم بل إن وقع قحط وقع في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام قاله النووي
[ 218 ]
(ولو اجتمع) أي العدو (أقطارها) أي نواحي الأرض (الأئمة المضلين) أي الداعين إلى البدع والفسق والفجور (في أمتي) أي من بعضهم لبعض (لم يرفع) السيف (عنها) أي عن الأمة (إلى يوم القيامة) فإن لم يكن في بلد يكون في بلد آخر وقد ابتدئ في زمن معاوية وهلم جرا لا يخلو عنه طائفة من الأمة والحديث مقتبس من قوله تعالى أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض (بالمشركين) منها ما وقع بعد وفاته في خلافة الصديق رضي الله عنه (الأوثان) أي الأصنام حقيقة ولعله يكون فيما سيأتي أو معنى ومنه تعس عبد الدينار وعبد الدرهم (وإنه) أي الشأن (كذابون) أي في دعوتهم النبوة (ثلاثون) أي هم أو عددهم ثلاثون (وأنا خاتم النبيين) بكسر التاء وفتحها والجملة حالية (لا نبي بعدي) تفسير لما قبله (على الحق) خبر لقوله لا تزال أي ثابتين على الحق علما وعملا (ظاهرين) أي غالبين على أهل الباطل ولو حجة قال الطيبي يجوز أن يكون خبرا بعد خبر وأن يكون حالا من ضمير الفاعل في ثابتين أي ثابتين على الحق في حالة كونهم غالبين على العدو (ثم اتفقا) أي سليمان بن حرب ومحمد بن عيسى (من خالفهم) أي لثباتهم على دينهم (حتى يأتي أمر الله تعالى) متعلق بقوله لا تزال قال في فتح الودود أي الريح الذي يقبض عندها روح كل مؤمن ومؤمنة وفي رواية الشيخين من حديث المغيرة بن شعبة لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وأخرج الحاكم في المستدرك عن عمر لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة قال المناوي أي إلى قرب قيامها لأن الساعة لا تقوم حتى لا يقال في الأرض الله الله انتهى قلت حديث ثوبان مطولا هو عند المؤلف وأما غير المؤلف فأخرجه مفرقا في المواضع فحديث إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها إلى قوله يكون بعضهم يسبي بعضا أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي كلهم في الفتن وقال الترمذي حسن
[ 219 ]
صحيح وحديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله على ذلك أخرجه مسلم في الجهاد وابن ماجه في السنة والترمذي في الفتن وزاد في أوله إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وقال صحيح وأخرجه أبو داود في الفتن ذكره المزي في الأطراف وحديث إذا وضع السيف أخرجه أبو داود والترمذي (محمد بن إسماعيل) بن عياش (حدثني أبي) إسماعيل بن عياش (قال ابن عوف) أي محمد بن عوف الطائي الحمصي (وقرأت في أصل إسماعيل) أي في كتاب إسماعيل (قال) إسماعيل (حدثني ضمضم) بن زرعة (عن شريح) بن عبيد الحضرمي (عن أبي مالك يعني الأشعري) قال المزي في الأطراف واختلف اسمه فقيل الحارث بن الحارث وقيل عبيد وقيل عمرو وقيل كعب بن عاصم وقيل عبيد الله وقيل كعب بن كعب وقيل عامر بن الحارث بن هاني بن كلثوم نزل الشام انتهى والمعنى أن هذا الحديث روى ابن عوف أولا عن محمد بن إسماعيل عن أبيه إسماعيل عن ضمضم كل منهم بالتحديث والسماع وروى ابن عوف ثانيا عاليا بدرجة عن كتاب إسماعيل قال حدثني ضمضم فلا بن عوف في هذا الحديث إسنادان عن محمد بن إسماعيل عن أبيه عن ضمضم وعن كتاب إسماعيل عن ضمضم لكن قال المناوي محمد بن إسماعيل عن أبيه قال أبو حاتم لم يسمع من أبيه وقال المنذري أبوه تكلم فيه غير واحد وقال الحافظ في التلخيص في إسناده انقطاع وله طرق لا يخلو واحد منها من مقال وقال في موضع آخر سنده حسن فإنه من رواية ابن عياش عن الشاميين وهي مقبولة وله شاهد عند أحمد رجاله ثقات لكن فيه راو لم يسم وقال في تخريج المختصر اختلف في أبي مالك راوي هذا الحديث من هو فإن في الصحب ثلاثة يقال لكل منهم أبو مالك الأشعري أحدهم راوي حديث المعارف وهو مشهور بكنيته وفي اسمه خلاف الثاني الحارث بن الحارث مشهور باسمه أكثر الثالث كعب بن عاصم مشهور باسمه دون كنيته وذكر المزي هذا الحديث في ترجمة أبي مالك الأشعري الأول وذكره الطبراني في ترجمة الثاني قال الحافظ وصح لي أنه الثالث انتهى كلام المناوي (إن الله أجاركم) حماكم ومنعكم وأنقذكم (من ثلاث خلال) خصال الأولى (أن لا يدعو
[ 220 ]
عليكم نبيكم) كما دعا نوح على قومه (فتهلكوا) بكسر اللام (جميعا) أي بل كان النبي كثير الدعاء لأمته (و) الثانية (أن لا يظهر) أي لا يغلب (أهل) دين (الباطل) وهو الكفر (على) دين (أهل الحق) وهو الإسلام بحيث يمحقه ويطفئ نوره (و) الثالثة (أن لا تجتمعوا على ضلالة) وفيه أن إجماع أمته حجة وهو من خصائصهم والحديث تفرد به أبو داود وفيه انقطاع وكلام كما تقدم وأخرجه أيضا الطبراني والله أعلم (تدور رحى الإسلام بخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين) إعلم أن العلماء اختلفوا في بيان معنى دوران رحى الإسلام على قولين الأول أن المراد منه استقامة أمر الدين واستمراره وهذا قول الأكثرين والثاني أن المراد منه الحرب والقتال وهذا قول الخطابي والبغوي قال العلامة الأردبيلي في الأزهار وشرح المصابيح قال الأكثرون المراد بدوران رحى الإسلام استمرار أمر النبوة والخلافة واستقامة أمر الولاة وإقامة الحدود والأحكام من غير فتور ولا فطور إلى سنة خمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين من الهجرة بدليل قوله في آخر الحديث مما مضى وقال الخطابي في المعالم والشيخ في شرح السنة المراد بدوران رحى الإسلام الحرب والقتال وشبهها بالرحى الدوارة بالحب لما فيها من تلف الأرواح والأشباح انتهى فإن قلت إرادة الحرب من دوران رحى الإسلام أظهر وأوضح من إرادة استقامة أمر الدين واستمراره لأن العرب يكنون عن الحرب بدوران الرحى قال الشاعر فدارت رحانا واستدارت رحاهم فكيف اختار الأكثرون الأول دون الثاني قلت لا شك أن العرب يكنون عن الحرب بدوران الرحى لكن إذا كان في الكلام ذكر الحرب صراحة أو إشارة وليس في الحديث ذكر الحرب أصلا قال التوربشتي رحمه الله إنهم يكنون عن اشتداد الحرب بدوران الرحى ويقولون دارت رحى الحرب أي استتب أمرها ولم تجدهم استعملوا دوران الرحى في أمر الحرب من غير جريان ذكرها أو الإشارة إليها وفي هذا الحديث لم يذكر الحرب وإنما قال رحى الإسلام فالأشبه أنه أراد بذلك أن الإسلام يستتب أمره ويدوم على ما كان عليه المدة المذكورة في الحديث
[ 221 ]
ويصح أن يستعار دوران الرحى في الأمر الذي يقوم لصاحبه ويستمر له فإن الرحى توجد على نعت الكمال ما دامت دائرة مستمرة ويقال فلان صاحب دارتهم ولا إذا كان أمرهم يدور عليه ورحى الغيث معظمه ويؤيد ما ذهبنا إليه ما رواه الحربي في بعض طرقه تزول رحى الإسلام مكان تدور ثم قال كأن تزول أقرب لأنها تزول عن ثبوتها واستقرارها وكلام التوربشتي هذا ذكره القاري في المرقاة وقال ابن الأثير في النهاية يقال دارت رحى الحرب إذا قامت على ساقها وأصل الرحى التي يطحن بها والمعنى أن الإسلام يمتد قيام أمره على سنن الاستقامة والبعد من إحداثات الظلمة إلى تقضي هذه المدة التي هي بضع وثمانون انتهى ثم اعلم أن اللام في قوله لخمس للوقت أو بمعنى إلى قال الأردبيلي واللام في لخمس للوقت كما لو قال أنت طالق لرمضان أي وقته قال الله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس وقيل بمعنى إلى لأن حروف الجارة يوضع بعضها موضع بعض انتهى قلت كون اللام في لخمس بمعنى إلى هو الأظهر كما لا يخفى فإن قلت قد ذكر في الحديث انتهاء مدة دوران رحى الإسلام ولم يذكر فيه ابتداء مدته فمن أي وقت يراد الابتداء قلت يجوز أن يراد الابتداء من الهجرة أو من الزمان الذي بقيت فيه من عمره خمس سنين أو ست سنين قال في جامع الأصول قيل إن الإسلام عند قيام أمره على سنن الاستقامة والبعد من إحداثات الظلمة إلى أن ينقضي مدة خمس وثلاثين سنة ووجهه أن يكون قد قاله وقد بقيت من عمره خمس سنين أو ست فإذا انضمت إلى مدة خلافة الخلفاء الراشدين وهي ثلاثون سنة كانت بالغة ذلك المبلغ وإن كان أراد سنة خمس وثلاثين من الهجرة ففيها خرج أهل مصر وحصروا عثمان رضي الله عنه وإن كانت سنة ست وثلاثين ففيها كانت وقعة الجمل وإن كانت سنة سبع وثلاثين ففيها كانت وقعة الصفين انتهى (فإن يهلكوا من هلك وأن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما) إعلم أنهم لما اختلفوا في المراد بدوران رحى الإسلام على القولين المذكورين اختلفوا في بيان معنى هذا الكلام وتفسيره أيضا على قولين فتفسير هذا الكلام على قول الأكثرين هكذا فقوله فإن
[ 222 ]
يهلكوا يعني بالتغيير والتبديل والتحريف والخروج على الإمام وبالمعاصي والمظالم وترك الحدود وإقامتها وقوله فسبيل من هلك أي فسبيلهم في الهلاك بالتغيير والتبديل والوهن في الدين سبيل من هلك من الأمم السالفة والقرون الماضية في الهلاك بالتغيير والتبديل والوهن في الدين وقوله وإن يقم لهم دينهم أي لعدم التغيير والتبديل والتحريف والوهن يقم لهم سبعين عاما . وعلى قول الخطابي والشيخ معناه فإن يهلكوا بترك الحرب والقتال فسبيلهم سبيل من هلك بذلك من الأمم السالفة والقرون الماضية وإن يقم لهم دينهم بإقامة الحرب والقتل والقتال يقم لهم سبعين عاما هكذا قرر الأردبيلي رحمه الله وليس الهلاك فيه على حقيقتة بل سمى أسباب الهلاك والاشتغال بما يؤدي إليه هلاكا فإن قلت في هذا الكلام موعدان الأول أنهم إن يهلكوا فسبيلهم سبيل من هلك والثاني أنهم إن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما وهذان الموعدان لم لا يوجدان معا بل إن وجد الأول لا يوجد الثاني وإن وجد الثاني لا يوجد الأول فأي من هذين الموعدين حدثنا وجد ووقع قلت قال القاري في المرقاة قد وقع المحذور في الموعد الأول ولم يزل ذلك كذلك إلى الآن انتهى قلت لا شك في وقوعه فقد ظهر بعد انقضاء مدة الخلفاء الراشدين ما ظهر وجرى ما جرى فلما ما وقع في الموعد الأول ارتفع الموعد الثاني كما لا يخفى على المتأمل فإن قلت قال الخطابي يحتمل أن يكون المراد بالدين هنا الملك قال ويشبه أن يكون أراد بهذا ملك بني أمية وانتقاله عنهم إلى بني العباس وكان ما بين استقرار الملك لبني أمية إلى أن ظهرت دعاة الدولة العباسية بخراسان وضعف أمر بني أمية ودخل الوهن فيه نحوا من سبعين سنة فعلى قول الخطابي هذا يظهر أن الوعد الثاني قد وقع قلت قول الخطابي هذا ضعيف جدا بل باطل قطعا ولذلك تعقب عليه من وجوه قال ابن الأثير بعد نقل قوله هذا التأويل كما تراه فإن المدة التي أشار إليها لم تكن سبعين سنة ولا كان الدين فيها قائما انتهى وقال الأردبيلي بعد نقل كلامه وضعفوه بأن ملك بني أمية كان ألف شهر وهو ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر انتهى وقال التوربشتي بعد نقل قوله يرحم الله أبا سليمان أي الخطابي فإنه لو تأمل الحديث كل
[ 223 ]
التأمل وبنى التأويل على سياقه لعلم أن النبي لم يرد بذلك ملك بني أمية دون غيرهم من الأمة بل أراد به استقامة أمر الأمة في طاعة الولاة وإقامة الحدود والأحكام وجعل المبدأ فيه أول زمان الهجرة وأخبرهم أنهم يلبثون على ما هم عليه خمسا وثلاثين أو ستا وثلاثين أو سبعا وثلاثين ثم يشقون عصا الخلاف فتفرق كلمتهم فإن هلكوا فسبيلهم سبيل من قد هلك قبلهم وإن عاد أمرهم إلى ما كان عليه من إيثار الطاعة ونصرة الحق يتم لهم ذلك إلى تمام السبعين هذا مقتضى اللفظ أيضا غير ذلك لم يستقم لهم ذلك القول فإن الملك في أيام بعض العباسية لم يكن أقل استقامة منه في أيام المروانية ومدة إمارة بني أمية من معاوية إلى مروان بن محمد كانت نحوا من تسع وثمانين سنة والتواريخ تشهد له مع أن بقية الحديث ينقض كل تأويل يخالف تأويلنا هذا وهي قول ابن مسعود (قلت) أي يا رسول الله (أمما بقي أو مما مضى) يريد أن السبعين تتم لهم مستأنفة بعد خمس وثلاثين أم تدخل الأعوام المذكورة في جملتها (قال مما مضى) يعني يقوم لهم أمر دينهم إلى تمام سبعين سنة من أول دولة الإسلام لا من انقضاء خمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين إلى انقضاء سبعين قال المزي في الأطراف حديث البراء بن ناجية الكاهلي ويقال المحاربي عن ابن مسعود أخرجه أبو داود في الفتن عن محمد بن سليمان الأنباري عن ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عنه به انتهى قلت هذا حديث إسناده صحيح والله أعلم (يتقارب الزمان) قد يراد به اقتراب الساعة أو تقارب أهل الزمان بعضهم من بعض في الشر والفتنة أو قصر أعمار أهله أو قرب مدة الأيام والليالي حتى يكون السنة كالشهر قال الإمام أبو سليمان الخطابي معناه قصر زمان الأعمار وقلة البركة فيها وقيل هو دنو زمان الساعة وقيل قصر مدة هذه الأيام والليالي على ما روي أن الزمان يتقارب حتى يكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السفعة انتهى قال البيضاوي يحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان تسارع الدول إلى الانقضاء والقرون إلى الانقراض فيتقارب زمانهم وتتدانى أيامهم وقال ابن بطال معناه والله أعلم تقارب أحواله في أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله (وينقض العلم) أي في ذلك
[ 224 ]
الزمان بموت العلماء الأعيان (وتظهر الفتن) أي ويترتب عليها المحن (ويلقي الشح) في قلوب أهله أي على اختلاف أحوالهم حتى يبخل العالم بعلمه والصانع بصنعته والغني بماله وليس المراد وجود أصل الشح لأنه موجود في جبلة الإنسان إلا من حفظه الله ولذا قال تعالى (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (ويكثر الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء وبالجيم (أية هو) أي الهرج أي شئ (قال) أي النبي قال المزي والحديث أخرجه البخاري في الأدب وفي الفتن ومسلم في القدر وأبو داود في الفتن (باب النهي عن السعي في الفتنة) (إنها) أي القصة (ستكون) أي ستوجد وتحدث وتقع (المضطجع فيها) أي في الفتنة (من الجالس) لأنه يرى ويسمع ما لا يراه ولا يسمعه المضطجع فيكون أقرب من عذاب تلك الفتنة بمشاهدته ما لا يشاهده المضطجع (والجالس) في الفتنة يكون (خيرا من القائم) لأنه يرى ويسمع ما لا يراه ولا يسمعه الجالس ويمكن أن يكون المراد بالجالس هو الثابت في مكانه غير متحرك لما يقع من الفتنة في زمانه والمراد بالقائم ما يكون فيه نوع باعث وداعية لكنه متردد في إثارة الفتنة (والقائم) في الفتنة أي من بعيد متشرف عليها أو القائم بمكانه في تلك الحالة (من الماشي) أي من الذاهب على رجله إليها (من الساعي) أي من المسرع إليها ماشيا أو راكبا (قال يا رسول الله) أي أبو بكرة (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (إبل) أي في البرية (له أرض) أي عقار أو مزرعة بعيدة عن الخلق (فليلحق بأرضه) فإن الاعتزال والاشتغال بخويصة الحال حينئذ واجب لوقوع عموم الفتنة العمياء بين الرجال (قال) أي أبو بكرة (فمن لم يكن له شئ من ذلك) أي فأين يذهب وكيف يفعل (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فليعمد) بكسر الميم أي
[ 225 ]
فليقصد (إلى سيفه) أي إن كان له (فليضرب بحده) أي جانب سيفه الحاد (على حرة) في المصباح الحرة بالفتح أرض ذات حجارة سود انتهى وهو كناية عن ترك القتال والمعنى فليكسر سلاحه كيلا يذهب به إلى الحرب لأن تلك الحروب بين المسلمين فلا يجوز حضورها (ثم لينج) بكسر اللام ويسكن وبفتح الياء وسكون النون وضم الجيم أي ليفر ويسرع هربا حتى لا تصيبه الفتن (النجاء) بفتح النون والمد أي الإسراع قاله القاري وفي فتح الودود النجاء الخلاص أي ليخرج من بين أهل الفتنة انتهى وفي النهاية والنجاء السرعة يقال نجا ينجو نجاء إذا أسرع ونجا من الأمر إذا خلص انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة بنحوه وأبو بكرة اسمه نفيع بن الحارث كني بأبي بكرة لأنه تدلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف ببكرة وقيل في اسمه غير ذلك (في هذا الحديث) المذكور آنفا (قال) سعد (أرأيت) أي أخبرني (كابن آدم) المطلق ينصرف إلى الكامل وفيه إشارة لطيفة إلى أن هابيل المقتول المظلوم هو ابن آدم لا قابيل القاتل الظالم كما قال تعالى في حق ولد نوح عليه الصلاة والسلام إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح كذا في المرقاة وفي بعض النسخ كابني آدم وفي بعض النسخ كخير آبني ابن ادم أي فلتستسلم قوله حتى تكون قتيلا كهايبل له ولا تكن قاتلا كقابيل (وتلا) أي قرأ (يزيد) بن خالد المذكور والحديث سكت عنه المنذري (أخبرنا شهاب بن خراش) بكسر المعجمة ثم راء (عن أبيه وابصة) له صحبة وهو بفتح الواو وبعد الألف ياء موحدة مكسورة وصاد مهملة مفتوحة وتاء تأنيث قاله المنذري
[ 226 ]
(قتلاها) جمع قتيل والضمير للفتنة (كلهم في النار) قال القاضي رحمه الله المراد بقتلاها من قتل في تلك الفتنة وإنما هم من أهل النار لأنهم ما قصدوا بتلك المقاتلة والخروج إليها إعلاء دين أو دفع ظالم أو إعانة محق وإنما كان قصدهم التباغي والتشاجر طمعا في المال والملك كذا في المرقاة (أيام الهرج) بفتح فسكون الفتنة (وتكون حلسا من أحلاس بيتك) أحلاس البيوت ما يبسط تحت حر الثياب فلا تزال ملقاة تحتها وقيل الحلس هو الكساء على ظهر البعير تحت القتب والبرذعة شبهها به للزومها ودوامها والمعنى الزموا بيوتكم والتزموا سكوتكم كيلا تقعوا في الفتنة التي بها دينكم يفوتكم (فلما قتل) قائله هو وابصة (طار قلبي مطاره) أي مال إلئ ذلك جهة يهواها وتعلق بها والمطار محمد موضع الطيران كذا في المجمع (خريم) بالتصغير قال المنذري في إسناده القاسم بن غزوان وهو شبه مجهول وفيه أيضا شهاب بن خراش أبو الصلت الجرشي قال ابن مبارك ثقة وقال الإمام أحمد وأبو حاتم الرازي لا بأس به وقال ابن حبان كان رجلا صالحا وكان ممن يخطئ كثيرا حتى خرج عن حد الاحتجاج به عند الاعتبار وقال ابن عدي وفي بعض رواياته ما ينكر عليه انتهى كلام المنذري (محمد بن جحادة) بضم الجيم وتخفيف المهملة ثقة من الخامسة (إن بين يدي الساعة) أي قدامها من أشراطها (فتنا) أي فتنا عظاما ومحنا جساما (كقطع الليل المظلم) بكسر القاف وفتح الطاء ويسكن أي كل فتنة كقطعة من الليل المظلم في شدتها وظلمتها وعدم تبين أمرها قال الطيبي رحمه الله يريد بذلك التباسها وفظاعتها وشيوعها واستمرارها (فيها) أي في تلك الفتن انتهى ويصبح كافرا الظاهر أن المراد بالإصباح والإمساء تقلب الناس فيها وقت دون وقت لا بخصوص الزمانين فكأنه كناية عن تردد أحوالهم وتذبذب أقوالهم وتنوع أفعالهم من
[ 227 ]
عهد ونقض وأمانة وخيانة ومعروف ومنكر وسنة وبدعة وإيمان وكفر (القاعد فيها خير من القائم والماشي فيه خير من الساعي) أي كلما بعد الشخص عنها وعن أهلها خير له من قربها واختلاط أهلها لما سيؤل إلى أمرها إلى محاربة أهلها فإذا رأيتم الأمر كذلك (فكسروا قسيكم) بكسرتين وتشديد التحتية جمع القوس وفي العدول عن الكسر إلى التكسير مبالغة لأن باب التفعيل للتكثير (وقطعوا) من التقطيع (أو تاركم كان) جمع وتر بفتحتين قال القاري فيه زيادة من المبالغة إذ لا منفعة لوجود الأوتار مع كسر القسي أو المراد به أنه لا ينتفع بها الغير (واضربوا سيوفكم بالحجارة) أي حتى تنكسر أو حتى تذهب حدتها وعلى هذا القياس الأرماح وسائر السلاح (فإن دخل) بصيغة المجهول ونائب الفاعل قوله (على أحد منكم) من بيانية (فليكن) أي ذلك لأحد (كخير ابني آدم) أي فليستسلم حتى يكون قتيلا كهابيل ولا يكون قاتلا كقابيل قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب وعبد الرحمن بن ثروان هذا تكلم فيه بعضهم ووثقه يحيى بن معين واحتج به البخاري (عن رقبة) بقاف وموحدة مفتوحتين (عن عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة (على رأس منصوب) لعله رأس ابن الزبير رحمه الله (فقال) أي ابن عمر (فليقل هكذا) أي فليقل هكذا وفي بعض النسخ يعني فليمد عنقه وهو تفسير لقوله هكذا من مشى إلى رجل لقتله فليمد ذلك الرجل عنقه إليه ليقتله لأن القاتل في النار والمقتول في الجنة فمد العنق إليه سبب لدخول الجنة (قال أبو داود إلخ) غرض المصنف رحمه الله من هذا الكلام بيان الاختلاف في اسم والد عبد الرحمن (رواه الثوري عن عون عن عبد الرحمن بن سمير أو سميرة) أي روى
[ 228 ]
بالشك بين سمير مصغرا وبين سميرة مصغرا مع التاء (ورواه ليث بن أبي سليم عن عون عن عبد الرحمن بن سميرة) أي روى ليث بلفظ سميرة مصغرا مع التاء ولم يشك كما شك الثوري (وقال هو في كتابي ابن سبرة إلخ) يعني قال أبو الوليد إن اسم والد عبد الرحمن في كتابي سبرة بفتح السين المهملة وفتح الموحدة وقال بعضهم سمرة بفتح السين وضم الميم وقال بعضهم سميرة بالتصغير مع التاء قال المنذري وحكى أبو داود اختلاف الرواة في اسم والد عبد الرحمن بن سمير أو سميرة وسبرة وسمرة وذكر البخاري في تاريخه الكبير عبد الرحمن هذا وذكر الخلاف في اسم أبيه وقال حديثه في الكوفيين وذكر له هذا الحديث مقتصرا منه على المسند وقال الدارقطني تفرد به أبو عوانة عن رقبة عن عون بن أبي جحيفة عنه يعني عبد الرحمن بن سمير انتهى كلام المنذري (عن المشعث) بتشديد بعدها مثلثة ويقال منبعث بسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة ثم مثلثة كذا في التقريب (فذكر الحديث) أورد البغوي في المصابيح عن أبي ذر قال كنت رديفا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على حمار فلما جاوزنا بيوت المدينة قال كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة جوع تقوم عن فراشك ولا تبلغ مسجدك حتى يجهدك الجوع قال قلت الله ورسوله أعلم قال تعفف يا أبا ذر قال كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد حتى أنه يباع القبر بالعبد قال قلت الله أعلم ورسوله قال تصبر يا أبا ذر قال كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة قتل تغمر الدماء أحجار الزيت قال الله أعلم ورسوله قال تأتي من أنت منه قال قلت وألبس السلاح قال شاركت القوم إذا قلت فكيف أصنع يا رسول الله قال إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فالق ناحية ثوبك على وجهك ليبوء بإثمك وإثمه قال صاحب المشكاة والعلامة الأردبيلي في الأزهار شرح المصابيح الحديث رواه أبو داود وقال ميرك وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين انتهى
[ 229 ]
قلت حديث أبي ذر باللفظ الذي ساقه البغوي في المصابيح وعزاه مخرجوه إلى أبي داود ليس في النسخ التي بأيدينا من رواية اللؤلؤي فلعله من رواية غير اللؤلؤي ولم أقف على ذلك والله أعلم (إذا أصاب الناس موت) أي بسبب القحط أو وباء من عفونة هواء أو غيرها (يكون البيت فيه بالوصيف) قال الخطابي البيت ها هنا القبر والوصيف الخادم يريد أن الناس يشتغلون عن دفن موتاهم حتى لا يوجد فيهم من يحفر قبر الميت أو دفنه إلا أن يعطي وصيفا أو قيمته والله أعلم وقد يكون معناه أن يكون مواضع القبور عنهم فيبتاعون لموتاهم القبور كل قبر بوصيف انتهى وقد تعقب التوربشتي رحمه الله على هذا المعنى الثاني حيث قال وفيه نظر لأن الموت وإن استمر بالأحياء وفشا فيهم كل الفشو لم ينته بهم إلى ذلك وقد وسع الله عليهم الأمكنة وأجيب بأن المراد بموضع القبور الجبانة المعهودة وقد جرت العادة بأنهم لا يتجاوزون كذا في المرقاة قلت وقع في رواية المصابيح والمشكاة المذكورة آنفا كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد حتى إنه يباع القبر بالعبد فهذه الرواية تؤيد المعنى الثاني وهذا المعنى هو المتعين لأن الحديث يفسر بعضه بعضا والله أعلم وقيل معناه أن البيوت تصير رخيصة لكثرة الموت وقلة من يسكنها فيباع بيت بعبد مع أن قيمة البيت تكون أكثر من قيمة العبد على الغالب المتعارف وقيل معناه أنه لا يبقى في كل بيت كان فيه كثير من الناس إلا عبد يقوم بمصالح ضعفة أهل ذلك البيت وأنت تعلم أن هذين المعنيين يحتملهما لفظ المؤلف أبي داود وأما لفظ المصابيح والمشكاة المذكور فكلا كما لا يخفى على المتأمل (يعني القبر) تفسير للبيت من بعض الرواة (والله ورسوله أعلم) أي بحالي وحال غيري في تلك الحال وسائر الأحوال (أو قال) للشك (ما خار الله) أي اختار (تصبر) قال القاري بتشديد الموحدة المفتوحة أمر من باب التفعل وفي نسخة تصبر مضارع صبر على أنه خبر بمعنى الأمر (أحجار الزيت) قيل هي محلة بالمدينة وقيل موضع بها قال التوربشتي هي من الحرة التي
[ 230 ]
كانت بها الوقعة زمن يزيد والأمير على تلك الجيوش العاتية مسلم بن عقبة المري المستبيح بحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان نزوله بعسكره في الحرة الغربية من المدينة فاستباح حرمتها وقتل رجالها وعاث فيها ثلاثة أيام وقيل خمسة فلا جرم أنه انماع كما ينماع الملح في الماء ولم يلبث أن أدركه الموت وهو بين الحرمين وخسر هنالك المبطلون كذا في المرقاة (غرقت بالدم) بالغين المعجمة وفي بعض النسخ عرقت بالعين المهملة أي لزمت والعروق اللزوم (عليك بمن أنت منه) أي الزم أهلك وعشيرتك الذين أنت منهم وقيل المراد بمن أنت منه الإمام أي الزم إمامك ومن بايعته (شاركت القوم) أي في الإثم (إذا) بالتنوين أي إذا أخذت السيف ووضعته على عاتقك قال ابن الملك رحمه الله قوله شاركت لتأكيد الزجر عن إراقة الدماء وإلا فالدفع واجب قال القاري والصواب أن الدفع جائز إذا كان الخصم مسلما إن لم يترتب عليه فساد بخلاف ما إذا كان العدو كافرا فإنه يجب الدفع مهما أمكن (أن يبهرك) بفتح الهاء أي يغلبك (شعاع السيف) بفتح أوله أي بريقه ولمعانه وهو كناية عن إعمال السيف (فألق ثوبك على وجهك) أي لئلا ترى ولا تفزع ولا تجزع والمعنى لا تحاربهم وإن حاربوك أبو بل استسلم نفسك للقتل (يبوء) أي يرجع القاتل (بإثمك) أي بإثم قتلك (وبإثمه أو) أي وبسائر إثمه (ولم يذكر المشعث) مفعول والفاعل قوله غير حماد قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (إن بين أيديكم) أي قدامكم (كقطع الليل المظلم) من حيث أنها شاعت ولا يعرف سببها ولا طريق للخلاص منها قال في النهاية قطع الليل طائفة منه وقطعة وجمع القطعة قطع أراد فتنة مظلمة سوداء تعظيما لشأنها انتهى (يصبح الرجل فيها مؤمنا إلخ) يجوز أن يكون معناه
[ 231 ]
مؤمنا لتحريمه دم أخيه وعرضه وماله كافرا لتحليله والله أعلم (والماشي فيه خير من الساعي) السعي دويدن وشتاب كردن وكسب وكار كردن والمقصود من الحديث أن التباعد عنها خير في أي مرتبة كانت فالقاعد أبعد ثم الواقف في مكانه ثم الماشي من الساعي وعند مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا (كونوا أحلاس بيوتكم) جمع حلس وهو الكساء الذي يلى ظهر البعير تحت القتب أي الزموا بيوتكم ومنه حديث أبي بكر رضي الله عنه كن حلس بيتك قال المنذري قال الحافظ أبو الكرابيسي فيمن نعرفه بكنيته ولا نقف على اسمه أبو كبشة سمع أبا موسى روى عنه عاصم كناه لنا أبو الحسن العارمي) حدثنا محمد يعني ابن إسماعيل وقال الحافظ أبو القاسم في الأشراف أبو كبشة أظنه البداء بن قيس السكوني عن أبي موسى وذكر هذا الحديث وذكر الأمير أبو نصر بن ماكولا أبا كبشة البراء بن قيس وذكر بعده أبا كبشه الكوفي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ثم قال وأبو كبشة عن أبي موسى الأشعري روى عنه عاصم الأحول وذكره الدارقطني أخشى أن يكون الذي قبله وقال البراء بن مالك من قال غير ذلك فقد صحف يشير بذلك إلى الرد على من قال في البراء بن مالك أنه أبو كيسة بالياء آخر الحروف والسين المهملة انتهى كلام المنذري (إن السعيد لمن) باللام المفتوحة للتأكيد في خبر إن (جنب) بضم الجيم وتشديد النون المكسورة أي بعد والتكرار للمبالغة في التأكيد ويمكن أن يكون التكرار باعتبار أول الفتن وآخرها (ولمن ابتلي وصبر) بفتح اللام عطف على لمن جنب (فواها) معناه التلهف والتحسر أي واها لمن باشر الفتنة وسعى فيها وقيل معناه الإعجاب والإستطابة ولمن بكسر اللام ما
[ 232 ]
أحسن وما أطيب صبر من صبر عليها ولا يخفى أنه لو حمل على معنى التعجب لصح بالفتح أيضا كذا في اللمعات قال في النهاية قيل معنى هذه الكلمة التلهف وقد توضع موضع الإعجاب بالشئ يقال واها له وقد ترد بمعنى التوجع وقيل التوجع يقال فيه آها ومنه حديث أبي الدرادء ما أنكرتم من زمانكم فيما غيرتم من أعمالكم إن يكن خيرا فواها وآها وإن يكن شرا فاها آها والألف فيها غير مهموزة انتهى وقال في القاموس واها ويترك تنوينه كلمة تعجب من طيب شئ وكلمة تلهف والحديث سكت عنه المنذري (باب في كف اللسان) (عن عبد الرحمن بن البيلماني) بفتح الموحدة وسكون التحتية وفتح اللام (ستكون فتنة صماء بكماء عمياء) وصفت الفتنة بهذه الأوصاف بأوصاف أصحابها أي لا يسمع فيها الحق ولا ينطق به ولا يتضح الباطل عن الحق كذا في اللمعات وقال القاري المعنى لا يميزون فيها بين الحق والباطل ولا يسمعون النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل من تكلم فيها بحق أو ذي ووقع في الفتن والمحن (من أشرف لها) أي من اطلع عليها وقرب منها (استشرفت له) أي اطلعت تلك الفتنة عليه وجذبته إليها (وإشراف اللسان) أي إطلاقه وإطالته (كوقوع السيف) أي في التأثير قال المنذري في إسناده عبد الرحمن بن البيلماني ولا يحتج بحديثه
[ 233 ]
(تستنظف العرب) بالظاء المعجمة أي تستوعبهم هلاكا من استنظفت الشئ أخذته كله كذا في النهاية (قتلاها) جمع قتيل بمعنى مقتول مبتدأ وخبره (في النار) لقتالهم على الدنيا واتباعهم الشيطان والهوى أي سيكونون في النار أو هم حينئذ في النار لأنهم يباشرون ما يوجب دخولهم فيها كقوله تعالى إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم وقد تقدم شرح هذه الجملة (اللسان إلخ) أي وقعه وطعنه على تقدير مضاف وقال الطيبي رحمه الله القول والتكلم فيها إطلاقا للمحل وإرادة الحال قال القرطبي في التذكرة بالكذب عند أئمة الحور ونقل الأخبار إليهم فربما ينشأ من ذلك الغضب والقتل والجلاء والمفاسد العظيمة أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها وقال السيد رحمه الله في حاشيته على المشكاة أي الطعن في إحدى الطائفتين ومدح الأخرى مما يثير الفتنة فالكف واجب انتهى قال القاري نقلا عن المظهر يحتمل هذا احتمالين أحدهما أن من ذكر أهل تلك الحرب بسوء يكون كمن حاربهم لأنهم مسلمون وغيبة المسلمين إثم ولعل المراد بهذه الفتنة الحرب التي وقعت بين أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وبين معاوية رضي الله عنه ولا شك أن من ذكر أحدا من هذين الصدرين وأصحابهما يكون مبتدعا لأن أكثرهم كانوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني أن المراد به أن من مد لسانه فيه بشتم أو غيبة يقصدنه عبد بالضرب والقتل ويفعلون به ما يفعلون بمن حاربهم قال القاري في الاحتمال الأول أنه ورد اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس ولا غيبة لفاسق ونحو ذلك فلا يصح هذا على إطلاقه ولذا استدرك كلامه بقوله ولعل المراد بهذه إلخ قال وحاصل الاحتمال الثاني أن الطعن في إحدى الطائفتين ومدح الأخرى حينئذ مما يثير الفتنة فالواجب كف اللسان وهذا المعنى في غاية من الظهور انتهى (رواه الثوري عن ليث عن طاؤس عن الأعجم) أي قال الثوري عن الأعجم مكان عن رجل يقال له زياد والأعجم لقبه (قال زياد سيمين كوش) أي قال عبد القدوس في روايته زياد سيمين كوش مكان رجل يقال له زياد وسيمين كوش لفظ فارسي معناه أبيض الأذن
[ 234 ]
قال المنذري وحكى أبو داود عن بعضهم أنه الأعجم يعني زيادا وحكى أيضا زياد بن سيمين كوش وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث غريب سمعت محمد بن إسماعيل يقول لا نعرف لزياد بن سمين كوش غير هذا الحديث ورواه حماد بن سلمة عن ليث فرفعه ورواه حماد بن زيد عن ليث فوقفه هذا آخر كلامه وذكر البخاري في تاريخه أن حماد بن سلمة رواه عن ليث ورفعه ورواه حماد بن زيد وغيره عليه زيد عن عبد الله بن عمر وقوله قال وهذا أصح من الأول وهكذا قال فيه زياد بن سيمين كوش وقال غيره زياد سيمين كوش واستشهد به البخاري وكان من العباد ولكنه اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به وتكلم فيه غير واحد وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فستكون فتن القاعد فيها خير من القائم وفيه من تشرف لها تستشرفه قيل هو من الأشراف يقال تشرفت الشئ واستشرفته أبي أي علوته يريد من انتصب لها انتصبت له وصرعته وقال الهروي أشرفته أي علوته واستشرفت على الشئ اطلعت عليه من فوق وقيل هو من المخاطرة والتغرير والإشفاء (على الهلاك أي من خاطر بنفسه فيها أهلكته يقال أشرف المريض إذا أشفى على الموت انتهى كلام المنذري (باب الرخصة في التبدي في الفتنة) التبدي تفعل من البداوة أي الخروج إلى البادية (يوشك) أي يقرب (يتبع) بتشديد التاء (بها) أي مع الغنم أو بسببها (شعف الجبال) بفتح الشين والعين أي رؤس الجبال وأعاليها واحدها شعفة (ومواقع القطر) بفتح فسكون أي مواضع المطر وآثاره من النبات وأوراق الشجر يريد بها المرعى من الصحراء والجبال فهو تعميم بعد تخصيص (يفر بدينه) أي بسبب حفظه قال الكرماني هذه الجملة حالية وذو الحال الضمير المستتر في يقبع أو المسلم إذا جوزنا الحال من المضاف إليه فقد وجد شرطه وهو شدة الملابسة وكأنه جزء منه واتخاذ الخير بالمال واضح ويجوز أن تكون استئنافية وهو واضح انتهى
[ 235 ]
والحديث دال على فضيلة العزلة لمن خاف على دينه كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه (باب النهي عن القتال في الفتنة) (يعني في القتال) أي في الحرب التي وقعت بين علي ومن معه وعائشة ومن معها وفي بعض النسخ في قتال الجمل والمراد به الحرب المذكورة سميت به لأن عائشة رضي الله عنها كانت يومئذ على الجمل وفي بعض النسخ في قتال وفي بعض النسخ هذا الرجل لأنصره ما والمراد منه علي بن أبي طالب رضي الله عنه (إذا تواجه المسلمان بسيفهما) قال القسطلاني أي ضرب كل واحد منهما وجه الآخر أي ذاته (فالقاتل والمقتول في النار) أي يستحقانه وقد يعفو الله عنهما أو ذلك محمول على من استحل ذلك (هذا القاتل) أي يستحق النار (فما بال المقتول) أي فما ذنبه حتى يدخلها (إنه أراد قتل صاحبه) وفي رواية البخاري إنه كان حريصا على قتل صاحبه قال القسطلاني وبه استدل من قال بالمؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل وأجاب من لم يقل بذلك أن في هذا فعلا وهو المواجهة بالسلاح ووقوع القتال ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكونا في مرتبة واحدة فالقاتل يعذب على القتال والقاتل والمقتول يعذب على القتال فقط فلم يقع التعذيب على العزم المجرد انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (عن الحسن) هو البصري
[ 236 ]
(باب في تعظيم قتل المؤمن) (في غزوة القسطنطينية) بضم وزيادة ياء مشددة ويقال قسطنطينية بإسقاط ياء النسبة وقد يضم الطاء الأولى منهما كان إسمها بزنطية فنزلها قسطنطين الأكبر وبنى عليها سورا ارتفاعه أحد وعشرون ذراعا وسماها باسمه وصارت دار ملك الروم إلى الآن واسمها اصطنبول أيضا كذا في المراصد (بذلقية) بضم الذال واللام وسكون القاف وفتح الياء التحتية اسم مدينة بالروم كذا في شرح القاموس والمجمع (فلسطين) بالكسر ثم الفتح وسكون السين وطاء مهملة وآخره نون اخر كور الشام من ناحية مصر قصبتها بيت المقدس ومن مشهور مدنها عسقلان والرملة والغزة لا ونابلس وعمان ويافة كذا في المراصد مختصرا (ذلك) أي الشرف والعلو (له) أي للرجل المذكور (وكان) أي عبد الله بن أبي زكريا (له) أي لهانئ (حقه) أي فضله وقدره (عسى الله أن يغفره) أي ترجى مغفرته (إلا من مات مشركا) أي إلا ذنب من مات مشركا (أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا) قال العزيزي في شرح الجامع الصغير هذا محمول على من استحل القتل أو على الزجر والتنفير إذا ما عد الشرك من الكبائر يجوز أن يغفر وإن مات صاحبه بلا توبة انتهى واعلم أن هذا الحديث بظاهره يدل على أنه لا يغفر للمؤمن الذي قتل مؤمنا متعمدا وعليه يدل قوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) وهذا هو مذهب ابن عباس لكن جمهور السلف وجميع أهل السنة حملوا ما ورد من ذلك على التغليظ وصححوا توبة القاتل كغيره وقالوا معنى قوله (فجزؤاه أن جهنم) أي إن شاء أن يجازيه تمسكا بقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن الحجة في ذلك حديث
[ 237 ]
الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم أتى تمام المائة إلى الراهب فقال لا توبة لك فقتله فأكمل به مائة ثم جاء اخر فقال له ومن يحول بينك وبين التوبة الحديث وإذا ثبت ذلك لمن قبل هذه الأمة فمثله لهم أولى لما خفف عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم فاعتبط وفي بعض النسخ الموجودة فاغتبط بالغين المعجمة قال العزيزي بعين مهملة أي قتله ظلما لا عن قصاص وقيل بمعجمة من الغبطة الفرح لأن القاتل يفرح بقتل عدوه انتهى وقال الخطابي يريد أن قتله ظلما لا عن قصاص يقال عبطت الناقة واعتبطها إذا نحرتها من غير داء ولا آفة يكون بها وقال في الناية هكذا جاء الحديث في سنن أبي داود ثم جاء في آخر الحديث قال خالد بن دهقان وهو راوي الحديث سألت يحيى بن يحيى عن قوله اعتبط بقتله قال الذين يقاتلون في الفتنة فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى فلا يستغفر الله قال وهذا التفسير يدل على أنه من الغبطة بالغين المعجمة وهي الفرح والسرور وحسن الحال لأن القاتل يفرح بقتل خصمه فإذا كان المقتول مؤمنا وفرح بقتله دخل في هذا الوعيد قال وشرحه الخطابي على أنه من العين المهملة ولم يذكر قول خالد ولا تفسير يحيى (صرفا ولا عدلا) قال العلقمي أي نافلة ولا فريضة وقيل غير ذلك (معنقا) بصيغة اسم الفاعل من الإعناق أي خفيف الظهر سريع السير قال الخطابي يريد خفيف الظهر يعنق مشيه أي يسير سير العنق والعنق ضرب من السير وسيع يقال أعنق الرجل في سيره فهو معنق وقال في النهاية أي مسرعا في طاعته منبسطا في عمله وقيل أراد يوم القيامة انتهى (بلح) بموحدة وتشديد اللام وحاء مهملة أي أعيى وانقطع قاله الخطابي وقال في النهاية يقال بلح الرجل إذا انقطع من الإعياء فلم يقدر أن يتحرك وقد أبلحه الله السير فانقطع به يريد وقوعه في الهلاك بإصابة الدم الحرام وقد يخفف اللام كذا في مرقاة الصعود (عن قوله اعتبط بقتله) بالعين المهملة وفي بعض النسخ بالغين المعجمة (قال) أي
[ 238 ]
يحيى في تفسير اغتبط بقتله (الذين يقاتلون إلخ) هذا التفسير يدل على أنه من الغبطة كما قال صاحب النهاية قال المنذري أم الدرداء هذه هي الصغرى واسمها عجيمة ويقال جهيمة ويقال حمانة بنت حيى الوصابية قبيلة من حمير شامية وليست لها صحبة فأما أم الدرداء الكبرى فاسمها خيرة على المشهور ولها صحبة وكانت من فضلاء النساء مع العبادة والنسك (أنزلت هذه الآية إلخ) حاصله أن الآية (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) ناسخ للآية التي في الفرقان وهي والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيأتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما لأن الآية الأولى نزلت بعد الآية التي في الفرقان بستة أشهر قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد وهو الملقب بعباد القرشي مولاهم ويقال ثقفي مدني نزل بالبصرة أخرج له مسلم عن الزهري واستشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد وقال الإمام أحمد وروى عن أبي الزناد أحاديث منكرة (فهذه لأولئك إلخ) مقصود ابن عباس رضي الله عنه أن الآية التي في الفرقان نزلت في أهل الشرك والآية التي في النساء نزلت في أهل الإسلام الذين علموا أحكام الإسلام وتحريم
[ 239 ]
القتل فجعل رضي الله عنه محل الآيتين مختلفا وفي رواية للبخاري فقال أي ابن عباس هذه مكية أراه نسختها آية مدنية التي في سورة النساء فمن هذه الرواية يظهران محل الآيتين عند ابن عباس واحد قال الحافظ في الفتح إن ابن عباس كان تارة يجعل الآيتين في محل واحد فلذلك يجزم بنسخ إحداهما وتارة يجعل محلهما مختلفا ويمكن الجمع بين كلاميه بأن عموم التي في الفرقان خص منها مباشرة المؤمن القتل متعمدا وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض وأولى من دعوى أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه إنتهى (فلا توبة له) قال النووي هذا هو المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما وروي عنه أن له توبة وجواز المغفرة له لقوله تعالى ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وهذه الرواية الثانية هي مذهب جميع أهل السنة والصحابة والتابعيين ومن بعدهم وما روي عن بعض السلف مما يخالف هذا محمول على التغليظ والتحذير من القتل وليس في هذه الآية التي احتج بها ابن عباس تصريح بأنه يخلد وإنما فيها أنه جزاؤه ولا يلزم منه أن يجازى انتهى (فقال إلا من ندم) أي فإن له توبة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه (ما نسخها شئ) بل هي محكمة باقية على ظاهرها كما هو مذهبه رضي الله عنه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم أتم منه (عن أبي مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وبعد اللام المفتوحة زاي قاله المنذري
[ 240 ]
(قال هي جزاؤه إلخ) إلى هذا التأويل ذهب جمهور السلف والخلف غير ابن عباس رضي الله عنه المشهور عنه كما تقدم والحديث سكت عنه المنذري (باب ما يرجى في القتل) ما موصولة أي باب الذي يرجى في القتل من المغفرة (فقلنا وقالوا) شك من الراوي (هذه) أي هذه الفتنة (لتهلكنا من الإهلاك) أي تهلك تلك الفتنة دنيانا وعاقبتنا قال (إن بحسبكم القتل) قال السيوطي في مرقاة الصعود هذا بزيادة الباء في المبتدأ عند النجاة قالوا لا يحفظ زيادة الباء في المبتدأ إلا في بحسبك زيد أي حسبك ومثله قوله بحسبك أن تفعل الخيرات قال ابن يعيش وعناه حسبك فعل الخير والجار والمجرور في موضع رفع في الابتداء قال ولا يعلم مبتدأ دخل عليه حرف الجر في الإيجاب غير هذا الحرف انتهى وعلى هذا ههنا هو اسم إن والقتل مرفوع خبرها انتهى كلام السيوطي ومعنى هذه الجملة أن هذه الفتنة لو أدركتكم ليكفيكم عن فيها القتل أي كونكم مقتولين والضرر الذي يحصلكم من منها ليس إلا القتل وأما هلاك عاقبتكم فكلا بل يرحم الله عليكم هناك ويغفر لكم هذا ظهر لي في معنى هذه الجملة والله تعالى أعلم (قتلوا) بصيغة المجهول والحديث سكت عنه المنذري (أمتي هذه) أي الموجودون الآن وهم قرنه أو أعم (أمة مرحومة) أي مخصوصة بمزيد الرحمة وإتمام النعمة أو بتخفيف الإصر والأثقال التي كانت على الأمم قبلها من قتل النفس
[ 241 ]
في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة (ليس عليها عذاب في الآخرة) أي من عذب منهم لا تعذب مثل عذاب الكفار قال المناوي ومن زعم أن المراد لا عذاب عليها في عموم الأعضاء لأن أعضاء الوضوء لا يمسها النار فتكلف مستغنى عنه وقال صاحب فتح الودود أي إن الغالب في حق هؤلاء المغفرة وقال القاري في المرقاة بل غالب عذابهم أنهم مجزيون بأعمالهم في الدنيا بالمحن والأمراض وأنواع البلايا كما حقق في قوله تعالى (من يعمل سوءا يجز به) انتهى (عذابها في الدنيا الفتن) أي الحروب الواقعة بينهم (والزلازل) أي الشدائد والأهوال (والقتل) أي قتل بعضهم بعضا وعذاب الدنيا أخف من عذاب الآخرة قال المناوي لأن شأن الأمم السابقة جار على منهاج العدل وأساس الربوبية وشأن هذه الأمة ماش على منهج الفضل وجود الإلاهية قال القاري وقيل الحديث خاص بجماعة لم تأت كبيرة ويمكن أن تكون الإشارة إلى جماعة خاصة من الأمة وهم المشاهدون من الصحابة أو المشيئة مقدرة لقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال المظهر هذا حديث مشكل لأن مفهومه أن لا يعذب أحد من أمته صلى الله عليه وسلم سواء فيه من ارتكب الكبائر وغيره فقد وردت الأحاديث بتعذيب مرتكب الكبيرة اللهم إلا أن يأول بأن المراد بالأمة هنا من اقتدى به صلى الله عليه وسلم كما ينبغي ويمتثل بما أمر الله وينتهي عما نهاه وقال الطيبي رحمه الله الحديث وارد في مدح أمته صلى الله عليه وسلم واختصاصهم من بين سائر الأمم بعناية الله تعالى ورحمته عليهم وأنهم إن أصيبوا بمصيبة في الدنيا حتى الشوكة يشاكها أن الله يكفر بها في الآخرة ذنبا من ذنوبهم وليست هذه الخاصية لسائر الأمم ويؤيده ذكر هذه وتعقيبها بقوله مرحومة فإنه يدل على مزية تمييزهم بعناية الله تعالى ورحمته والذهاب إلى المفهوم مهجور في مثل هذا المقام وهذه الرحمة هي المشار إليها بقوله ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون إلى قوله الذين يتبعون الرسول النبي الأمي انتهى قال القاري ولا يخفى عليك أن هذا كله مما لا يدفع الإشكال فإنه لا شك عند أرباب الحال أن رحمة هذه الأمة إنما هي على وجه الكمال وإنما الكلام في أن هذا الحديث بظاهره يدل على أن أحدا منهم لا يعذب في الآخرة وقد تواترت الأحاديث في أن جماعة من هذه الأمة من أهل الكبائر يعذبون في النار ثم يخرجون إما بالشفاعة وإما بعفو الملك الغفار وهذا منطوق الحديث ومعناه المأخوذ من ألفاظه ومبناه وليس بمفهومه المتعارف المختلف في اعتباره حتى يصح قوله إن هذا المفهوم مهجور بل المراد بمفهومه في كلام المظهر المعلوم في العبارة ثم قول الطيبي رحمه الله وليست هذه الخاصية وهي كفارة الذنوب بالبلية لسائر الأمم
[ 242 ]
يحتاج إلى دليل مثبت ولا عبرة بما فيهم من المفهوم من قوله عذابها في الدنيا الفتن إلى آخره فإنه قابل للتقييد بكون وقوع عذابها بها غالبا انتهى قال المنذري في إسناده المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله مسعود الهذلي الكوفي استشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد وقال العقيلي تغير في آخر عمره في حديثه اضطراب وقال ابن حبان البستي اختلط حديثه فلم يتميز فاستحق الترك انتهى كلام المنذري والحديث أخرجه الحاكم وصححه وأقره الذهبي وفي مقدمة الفتح عبد الرحمن الكوفي المسعودي مشهور من كبار المحدثين إلا أنه اختلط في آخر عمره وقال أحمد وغيره من سمع منه بالكوفة قبل أن يخرج إلى بغداد فسماعه صحيح انتهى والله أعلم
[ 243 ]
(أول كتاب المهدي) وأعلم أن المشهرو بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدم ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي ويكون خرج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره وأن عيسى عليه السلام ينل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته وخرجوا أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم أبو داود والترمذي وابن ماجة والبزار والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي وأسندوها الى جماعة من الصحابة مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخضري نوأم في حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف وقد بالغ الإمام المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها فلم يصب بل أخطأ
[ 244 ]
وما روي مرفوعا من رواية محمد بن المنكدر عن جابر من كذب بالمهدي فقد كفر فموضوع والمتهم فيه أبو بكر الإسكاف وربما تمسك المنكرون لشأن المهدي بما روى مرفوعا أنه قال لا مهدي إلا عيسى ابن مريم والحديث ضعفه البيهقي والحاكم وفيه أبان بن صالح وهو متروك الحديث والله أعلم (لا يزال هذا الدين قائما) اي مستقيما سديدا جاريا على الصواب والحق (حتى يكون عليكم اثنا عشر) وفي الرواية الآتية لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة ولفظ مسلم لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا (كلهم تجتمع عليه الأمة) المراد باجتماع الأمة عليه انقيادها له وإطاعته قال بعض المحققين قد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة
[ 245 ]
وقيل إنهم يكونون في زمان واحد يفترق الناس عليهم وقال التوربشتي السبيل في هذا الحديث وما يعتقبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم فإنهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة ولا يلزم أن يكونوا على الولاء وأن قدر أنهم على الولاء فإن المراد منه المسمون بها على المجاز كذا في المرقاة وقال النووي في شرح مسلم قال القاضي قد توجه هنا سؤالان أحدهما أنه قد جاء في الحديث الآخر الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا وهذا مخالف لحديث اثني عشر خليفة فإنه لم يكن في ثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي قال والجواب عن هذا أن المراد في حديث الخلافة ثلاثون سنة خلافة النبوة وقد جاء مفسرا في بعض الروايات خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا ولم يشترط هذا في الاثني عشر والسؤال الثاني أنه قد ولى أكثر من هذا العدد قال وهذا اعتراض باطل لأنه لم يقل لا يلي إلا اثنا عشر خليفة وإنما قال يلي وقد ولى هذا العدد ولا يضر كونه وجد بعدهم غيرهم انتهى قال هذا إن جعل المراد باللفظ كل وال ويحتمل أن يكون المراد مستحقي الخلافة العادلين وقد مضى منهم من علم ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة انتهى وقال الشيخ الأجل ولي الله المحدث في قرة العينين في تفضيل الشيخين وقد استشكل في حديث لا يزال هذا الدين ظاهرا إلى أن يبعث الله اثني عشر خليفة كلهم من قريش ووجه الإستشكال أن هذا الحديث ناظر إلى مذهب الإثنا عشرية الذين أثبتوا إثني عشر إماما والأصل إن كلامه بمنزلة القرآن يفسر بعضه بعضا فقد ثبت من حديث عبد الله بن مسعود تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين سنة أو ست وثلاثين سنة فإن يهلكوا فسبيل من قد هلك وإن يقم لهم دينهم يقم سبعين سنة مما مضى وقد وقعت أغلاط كثيرة في بيان معنى هذا الحديث ونحن نقول ما فهمناه على وجه التحقيق أن ابتداء هذه المدة من ابتداء الجهاد في السنة الثانية من الهجرة ومعنى فإن يهلكوا ليس على سبيل الشك والترتيب بل بيان أنها تقع وقائع عظيمة يرى نظرا إلى القرائن الظاهرة أن أمر الإسلام قد اضمحل وشوكة الإسلام وانتظام الجهاد قد انقطع ثم يظهر الله تعالى ما ينتظم به أمر الخلافة والإسلام وإلى سبعين سنة لا يزال هذا الإنتظام وقد وقع ما أخبر به النبي ففي سنة خمس وثلاثين من ابتداء الجهاد وقعت حادثة قتل ذي النورين وتفرق المسلمين وأيضا في سنة ست وثلاثين وقعة الجمل وصفين
[ 246 ]
وفي هذه الحوادث لما ظهر الفساد والتقاتل فيما بين المسلمين وجعل جهاد الكفار متروكا ومهجورا إلى حين علم نظرا إلى القرائن الظاهرة أن الإسلام قد وهن واضمحل وكوكبه بن قد أفل ولكن الله تعالى بعد ذلك جعل أمر الخلافة منتظما وأمضى الجهاد إلى ظهور بني العباس وتلاشي دولة بني أمية ففي ذلك الوقت أيضا فهم بالقرائن الظاهرة أن الإسلام قد أبيد ويفعل الله ما يريد ثم أيد الله الإسلام وأشاد مناره وجلى نهاره حتى حدثت الحادثة الجنكيزية وإليها إشارة في حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي قال إني لأرجو أن لا يعجز أمتي عند ربي أن يؤخرها نصف يوم فقيل لسعد وكم نصف يوم قال خمس مائة سنة رواه أحمد فتارة أخبر النبي عن خلافة النبوة وخصصه بثلاثين سنة والتي بعدهم عبرها بملك عضوض وتارة عن خلافة النبوة والتي تتصل بها كليهما معا وعبرها بإثني عشر خليفة وتارة عن الثلاثة كلها معا وعبرها بخمس مائة سنة وأما ما فهم هذا المستشكل فلا يستقيم أصلا بوجوه الأول أن المذكور ههنا الخلافة لا الإمامة ولم يكن أكثر من هؤلاء إثنى عشر خليفة بالاتفاق بين الفريقين الثاني أن نسبتهم إلى قريش تدل على أن كلهم ليسوا من بني هاشم فإن العادة قد جرت على أن الجماعة لما فعلوا أمرا وكلهم من بطن واحد يسمونهم بذلك البطن ولما كانوا من بطون شتى يسمونهم بالقبيلة الفوقانية التي تجمعهم الثالث أن القائلين باثني عشر أئمة لم يقولوا بظهور الدين بهم بل يزعمون أن الدين قد اختفى بعد وفاته والأئمة كانوا يعملون بالتقية وما استطاعوا على أن يظهروه حتى إن عليا رضي الله عنه لم يقدر على إظهار مذهبه ومشربه الرابع أن المفهوم من حرف إلى أن تقع فترة بعد ما ينقضي عصر اثني عشر خليفة وهم قائلون بظهور عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام وكمال الدين بعدهم فلا يستقيم معنى الغاية والمغيا كما لا يخفى فالتحقيق في هذه المسألة أن يعتبروا بمعاوية وعبد الملك وبنيه الأربع وعمر بن عبد العزيز ووليد بن يزيد بن عبد الملك بعد الخلفاء الأربعة الراشدين وقد نقل عن الإمام مالك أن عبد الله بن الزبير أحق بالخلافة من مخالفيه ولنا فيه نظر فإن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما قد ذكرا عن النبي ما يدل على أن تسلط ابن الزبير واستحلال الحرم به مصيبة من مصائب الأمة أخرج حديثهما أحمد عن قيس بن أبي حازم قال جاء ابن الزبير إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في الغزو فقال عمر اجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول الله قال فرد ذلك عليه فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها اقعد في بيتك والله إني لأجد بطرف
[ 247 ]
المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد وأخرجه الحاكم فمن لفظه بطرف المدينة يفهم أن واقعة الجمل غير مراد ههنا بل المراد خروجه للخلافة وإلى هذا المعنى قد أشار علي رضي الله عنه في قصة جواب الحسن رضي الله عنه ولم ينتظم الخلافة عليه ويزيد بن معاوية ساقط من هذا البين لعدم استقراره مدة يعتد بها وسوء سيرته والله أعلم قال الحافظ عماد الدين بن كثير في تفسيره تحت قوله تعالى وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا بعد إيراد حديث جابر بن سمرة من رواية الشيخين واللفظ لمسلم ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم بل قد وجد أربعة على نسق واحد وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة وبعض بني العباس ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره أنه يواطئ اسمه اسم النبي واسم أبيه اسم أبيه فيملأ عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وليس هذا بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامرا فإن ذلك ليس له حقيقة ولاجود بالكلية بل هو من هوس العقول السخيفة وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الإثني عشر الأئمة الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم انتهى قلت زعمت الشيعة خصوصا الإمامية منهم أن الإمام الحق بعد رسول الله علي رضي الله عنه ثم ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ثم ابنه علي زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق ثم ابنه موسى الكاظم ثم ابنه علي الرضا ثم ابنه محمد التقي ثم ابنه الحسن العسكري ثم ابنه محمد القائم المنتظر المهدي وزعموا أنه قد اختفى خوفا من أعدائه وسيظهر فيملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ولا امتناع في طول عمره وامتداد أيام حياته كعيسى والخضر وأنت خبير بأن اختفاء الإمام وعدمه سواء في عدم حصول الأغراض المطلوبة من وجود الإمام وإن خوفه من الأعداء لا يوجب الإختفاء بحيث لا يوجد منه إلا الإسم بل غاية الأمران يوجب اختفاء دعوى الإمامة كما في حق آبائه الذين كانوا ظاهرين على الناس ولا يدعون الإمامة وأيضا فعند فساد الزمان واختلاف الآراء واستيلاء الظلمة احتياج الناس إلى الإمام أشد وانقيادهم له أسهل كذا في شرح العقائد قلت لا شك في أن ما زعمت الشيعة من أن المهدي المبشر به في الأحاديث هو محمد بن الحسن العسكري القائم المنتظر وأنه مختف وسيظهر هي عقيدة باطلة لا دليل عليه ويقرب من هذا ما زعم أكثر العوام وبعض الخواص في حق الغازي الشهيد الإمام
[ 248 ]
الأمجد السيد أحمد البريلوي رضي الله تعالى عنه أنه المهدي الموعود المبشر به في الأحاديث وأنه لم يستشهد في معركة الغزو بل إنه اختفى عن أعين الناس وهو حي موجود في هذا العالم إلى الآن حتى أفرط بعضهم فقال إنا لقيناه في مكة المعظمة حول المطاف ثم غاب بعد ذلك ويزعمون إنه سيعود وسيخرج بعد مرور الزمان فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وهذا غلط وباطل والحق الصحيح أن السيد الإمام استشهد ونال منازل الشهداء ولم يختف عن أعين الناس قط والحكايات المروية في ذلك كلها مكذوبة مخترعة وما صح منها فهو محمول على محمل حسن وقد طال النزاع قي أمر السيد الشهيد من حياته واختفائه حتى جعلوه جزء من العقيدة ويجادلون من ينكره وإلى الله المشتكى من صنيع هؤلاء ونعوذ بالله من هذه العقيدة المنكرة والواهية والله أعلم قال المنذري بعد إخراج حديث الجابر ذكر البخاري أن أبا خالد سعيدا والد إسماعيل سمع أبا هريرة وسمع منه ابنه إسماعيل وقوله كلهم من قريش مسند سمرة بن جنادة وقيل سمرة بن عمرو السوائي والد جابر بن سمرة عن رسول الله وأخرجه الترمذي وفيه فسألت الذي يليني فقال كل من قريش وليس فيه قلت لأبي وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وذكر أبو عمر النمري سمرة هذا وقال روى عنه ابنه حديثا واحدا ليس له غيره عن النبي يكون بعدي اثني عشر خليفة كلهم من قريش لم يرو عنه غيره وابنه جابر ابن سمرة صاحب له رواية انتهى (عزيزا) وفي رواية لمسلم عزيزا منيعا قال القاري أي قويا شديدا أو مستقيما سديدا (وضجوا) أي صاحوا والضج هذه الصياح عند المكروه والمشقة والجزع (ثم قال) أي رسول الله (كلمة خفيفة) وفي بعض النسخ خفية وهو الظاهر وفي رواية لمسلم بكلمة خفيت علي (قلت لأبي) أي سمرة رضي الله عنه (يا أبت) بكسر التاء وكان في الأصل يا أبي فأبدلت الياء بالتاء (ما قال) أي رسول الله (قال) أي أبي (كلهم) أي كل الخلفاء قال المنذري وأخرجه مسلم
[ 249 ]
(ثم يكون ماذا) أي أي شئ يكون بعد الخلفاء الإثني عشر (الهرج) أي الفتنة والقتال قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي من حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة (كلهم عن عاصم) أي كل من عمر بن عبيد وأبو بكر وسفيان الثوري وزائدة وفطر رووا عن عاصم وهو ابن بهدلة (عن زر) أي ابن حبيش (قال زائدة) أي وحده (مني أو من أهل بيتي) شك من الراوي واعلم أنه اختلف في أن المهدي من بني الحسن أو من بني الحسين قال القاري في المرقاة ويمكن أن يكون جامعا بين النسبتين الحسنين والأظهر أنه من جهة الأب حسني ومن جانب الأم حسيني قياسا على ما وقع في ولدي إبراهيم وهما إسماعيل وإسحاق عليهم الصلاة والسلام حيث كان أنبياء بني إسرائيل كلهم من بني إسحاق وإنما نبي من ذرية إسماعيل نبينا وقام مقام الكل ونعم العوض وصار خاتم الأنبياء فكذلك لما ظهرت أكثر الأئمة وأكابر الأمة من أولاد الحسين فناسب أن ينجبر الحسن بأن أعطى له ولد يكون خاتم الأولياء ويقوم مقام سائر الأصفياء على أنه قد قيل لما نزل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة الصورية كما ورد في منقبته في الأحاديث النبوية أعطى له لواء ولاية المرتبة القطبية فالمناسب أن يكون من جملتها النسبة المهدوية المقارنة لنبوة العيسوية واتفاقهما على إعلاء كلمة الملة النبوية وسيأتي في حديث أبي إسحاق عن علي رضي الله عنه ما هو صريح في هذا المعنى والله تعالى أعلم انتهى
[ 250 ]
قلت حديث أبي إسحاق عن علي رضي الله عنه يأتي عن قريب ولفظه قال علي رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال إن ابني هذا سيد كما سماه النبي وسيخرج من صلبه رجل الخ (يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) فيكون محمد بن عبد الله وفيه رد على الشيعة حيث يقولون المهدي الموعود هو القائم المنتظر وهو محمد بن الحسن العسكري (يملأ الأرض) استئناف مبين لحسبه كما أن ما قبله معين لنسبة أي يملأ وجه الأرض جميعا أو أرض العرب وما يتبعها والمراد أهلها (قسطا) بكسر القاف وتفسيره قوله (وعدلا) أتى بهما تأكيدا (كما ملئت) أي الأرض قبل ظهوره (لا تذهب) أي لا تفني (أو لا تنقضي) شك من الراوي (حتى يملك العرب) قال في فتح الودود خص العرب بالذكر لأنهم الأصل والأشرف انتهى وقال الطيبي لم يذكر العجم وهم مرادون أيضا لأنه إذا ملك العرب واتفقت كلمتهم وكانوا يدا واحدة قهروا سائر الأمم ويؤيده حديث أم سلمة انتهى وهذا الحديث يأتي في هذا الباب قال القاري ويمكن أن يقال ذكر العرب لغلبتهم في زمنه أو لكونهم أشرف أو هو من باب الاكتفاء ومراده العرب والعجم كقوله تعالى سرابيل تقيكم الحر أي والبرد والأظهر أنه إقتصر على ذكر العرب لأنهم كلهم يطيعونه بخلاف العجم بمعنى ضد العرب فإنه قد يقع منهم خلاف في إطاعته والله تعالى أعلم انتهى (يواطئ اسمه اسمي) أي يوافق ويطابق اسمه اسمي (لفظ عمر وأبي بكر بمعنى سفيان) هو الثوري قاله المنذري أي لفظ حديث عمر وأبي بكر بمعنى حديث سفيان قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح قلت حديث عبد الله بن مسعود قال الترمذي هو حديث حسن صحيح وسكت عنه أبو داود والمنذري وابن القيم وقال الحاكم رواه الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم قال وطرق عاصم عن زر عن عبد الله كلها صحيحة إذ عاصم إمام من أئمة المسلمين انتهى وعاصم هذا هو ابن أبي النجود واسم أبي النجود بهدلة أحد القراء السبعة قال أحمد بن حنبل كان رجلا صالحا وأنا أختار قرائته وقال أحمد أيضا وأبو زرعة ثقة وقال أبو حاتم محله عندي محل الصدق صالح الحديث ولم يكن بذلك الحافظ وقال أبو جعفر العقيلي لم يكن فيه إلا سوء الحفظ وقال الدارقطني في حفظه شئ وأخرج له البخاري في صحيحه مقرونا بغيره
[ 251 ]
وأخرج له مسلم قال الذهبي ثبت في القراءة وهو في الحديث دون الثبت صدوق يهم وهو حسن الحديث والحاصل أن عاصم بن بهدلة ثقة على رأي أحمد وأبي زرعة وحسن الحديث صالح الاحتجاج على رأي غيرهما ولم يكن فيه إلا سوء الحفظ فرد الحديث بعاصم ليس من دأب المنصفين على أن الحديث قد جاء من غير طريق عاصم أيضا فارتفعت عن عاصم مظنة الوهم والله أعلم (حدثنا الفضل بن دكين) بالتصغير (أخبرنا فطر) هو ابن خليفة القرشي المخزومي وثقه أحمد وابن معين والعجلي (عن القاسم بن أبي بزة) بفتح الموحدة وتشديد الزاي (لبعث الله رجلا) هو المهدي (يملأها) أي الأرض والحديث أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي يملك جبال الديلم والقسطنطينية وفي القاموس الديلم جبل معروف والحديث سكت عنه المنذري قلت الحديث سنده حسن قوي وأما فطر بن خليفة الكوفي فوثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين والنسائي والعجلي وابن سعد والساجي وقال أبو حاتم صالح الحديث وأخرج له البخاري ويكفي توثيق هؤلاء الأئمة لعدالته فلا يلتفت إلى قول ابن يونس وأبي بكر بن عياش والجوزجاني في تضعيفه بل هو قول مردود والله أعلم (المهدي من عترتي) قال الخطابي العترة ولد الرجل لصلبه وقد يكون العترة أيضا الأقرباء وبنو العمومة ومن قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة نحن عترة رسول الله انتهى وقال في النهاية عترة الرجل أخص أقاربه وعترة النبي بنو عبد المطلب وقيل قريش والمشهور المعروف أنهم الذين حرمت عليهم الزكاة انتهى (من ولد فاطمة) ضبط بفتح الواو واللام وبضم الواو وسكون اللام قال في المجتمع بضم واو وسكون لام جمع ولد وفي المشكاة من أولاد فاطمة قال الحافظ عماد الدين الأحاديث دالة على أن المهدي يكون بعد دولة بني العباس وأنه يكون من أهل البيت من ذرية فاطمة من ولد الحسن لا الحسين كذا في مرقاة الصعود وقال السندي في حاشية ابن ماجه قال ابن كثير فأما الحديث
[ 252 ]
الذي أخرجه الدارقطني في الأفراد عن عثمان بن عفان مرفوعا المهدي من ولد العباس عمي فإنه حديث غريب كما قاله الدارقطني تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم انتهى وقال المناوي في إسناده كذاب (يذكر منه صلاحا) الضمير المجرور لعلي بن نفيل أي يذكر أبو المليح صلاحه قال المنذري وأخرجه ابن ماجه ولفظه من ولد فاطمة وفي حديث أبي داود قال عبد الله بن جعفر وهو الرقي وسمعت أبا المليح يعني الحسن بن عمر الرقي يثنى على علي بن نفيل ويذكر منه صلاحا وقال أبو حاتم الرازي علي بن نفيل جد النفيلي لا بأس به وقال أبو جعفر العقيلي علي بن نفيل حراني هو جد النفيلي عن سعيد بن المسيب في المهدي لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به وساق هذا الحديث وقال في المهدي أحاديث خيار من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ بلفظ رجل من أهل بيته على الجملة مجملا هذا آخر كلامه وفي إسناده هذا الحديث أيضا زياد بن بيان قال الحافظ أبو أحمد بن عدي زياد بن بيان سمع علي بن النفيلي جد النفيلي في إسناده نظر سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري وساق الحديث وقال والبخاري إنما أنكر من حديث زياد بن بيان هذا الحديث وهو معروف به هذا آخر كلامه وقال غيره وهو كلام غير معروف من كلام سعيد بن المسيب والظاهر أن زياد بن بيان وهم في رفعه انتهى كلام المنذري (المهدي مني) أي من نسلي وذريتي (أجلي الجبهة) قال في النهاية الجلا مقصورا انحسار مقدم الرأس من الشعر أو نصف الرأس أو هو دون الصلع والنعت أجلى وجلواء سنة وجبهة جلواء عمرو واسعة وكذلك في القاموس فمعنى أجلى الجبهة منحسر الشعر من مقدم رأسه أو واسع الجبهة قال القاري وهو الموافق للمقام (أقنى الأنف) قال في النهاية القنافي الأنف طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه يقال رجل وامرأة قنواء انتهى قلت للأرنبة قبل طرف الأنف والحدب الارتفاع قال القاري والمراد أنه لم يكن أفطس فإنه مكروه الهيئة (ويملك سبع سنين) قال المناوي زاد في رواية أو تسع وفي أخرى يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة قال المنذري في إسناده عمران القطان وهو أبو العوام عمران بن داور
[ 253 ]
القطان البصري استشهد به البخاري ووثقه عفان بن مسلم وأحسن عليه الثناء بن سعيد القطان وضعفه يحيى بن معين والنسائي انتهى وفي الخلاصة وقال أحمد أرجو أن يكون صالح الحديث انتهى (يكون) أي يقع (اختلاف) أي في ما بين أهل الحل والعقد (عند موت خليفة) أي حكمية وهي الحكومة السلطانية بالغلبة التسليطية يحيى (فيخرج رجل من أهل المدينة) أي كراهية لأخذ منصب الإمارة أو خوفا من الفتنة الواقعة فيها وهي المدينة المعطرة أو المدينة التي فيها الخليفة (هاربا إلى مكة) لأنها مأمن كل من التجأ إليها ومعبد كل من سكن فيها قال الطيبي رحمه الله وهو المهدي بدليل إيراد هذا الحديث أبو داود في باب المهدي (فيأتيه ناس من أهل مكة) أي بعد ظهور أمره ومعرفة نور قدره (فيخرجونه) أي من بيته (وهو كاره) إما بلية امارة وإما خشية الفتنة والجملة حالية معترضة (بين الركن) أي الحجر الأسود (والمقام) أي مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام (ويبعث) بصيغة المجهول أي يرسل إلى حربه وقتاله مع أنه من أولاد سيد الأنام وأقام في بلد الله الحرام (بعث) أي جيش (من الشام) وفي بعض النسخ من أهل الشام (بهم) أي بالجيش (بالبيداء) بفتح الموحدة وسكون التحتية قال التوربشتي رحمه الله هي أرض ملساء بين الحرمين وقال في المجمع اسم موضع بين مكة والمدينة وهو أكثر ما يراد بها (فإذا رأى الناس ذلك) أي ما ذكر من خرق العادة وما جعل للمهدي من العلاوة (أتاه أبدال الشام) جمع بدل بفتحتين قال في النهاية هم الأولياء والعباد الواحد بدل سموا بذلك لأنهم كلما مات منهم واحدا بدل بآخر قال السيوطي في مرقاة الصعود لم يرد في الكتب الستة ذكر الأبدال إلا في هذا الحديث عند أبي داود وقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وورد فيهم أحاديث كثيرة خارج الستة جمعتها في مؤلف انتهى قلت إنا نذكر ههنا بعض الأحاديث الواردة في شأن الأبدال تتميما للفائدة فمنها ما رواه أحمد في مسنده عن عبادة بن الصامت مرفوعا الأبدال في هذه الأمة ثلاثون رجلا قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا أورده
[ 254 ]
السيوطي في الجامع الصغير وقال العزيزي والمناوي في شرحه بإسناد صحيح ومنها ما رواه عبادة بن الصامت الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض وبهم تمطرون وبهم تنصرون رواه الطبراني في الكبير أورده السيوطي في الكتاب المذكور وقال العزيزي والمناوي بإسناد صحيح ومنها ما رواه عوف بن مالك الأبدال في أهل الشام وبهم ينصرون وبهم يرزقون أخرجه الطبراني في الكبير أورده السيوطي في الكتاب المذكور قال العزيزي والمناوي إسناده حسن ومنا ما رواه علي رضي الله عنه الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب أخرجه أحمد وقال العزيزي والمناوي بإسناد حسن قال المناوي زاد في رواية الحكيم لم يسبقوا الناس بكثرة صلاة ولا صوم ولا تسبيح ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر أولئك حزب الله وقال لا ينافي خبر الأربعين خبر الثلاثين لأن الجملة أربعون رجلا فثلاثون على قلب إبراهيم وعشرة ليسوا كذلك ومنها ما ذكر أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله خيار أمتي في كل قرن خمس مائة والأبدال أربعون فلا الخمس مائة ينقصون ولا الأربعون كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمس مائة مكانه وأدخل في الأربعين وكأنهم قالوا يا رسول الله دلنا على أعمالهم قال يعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من أساء إليهم ويتواسون في ما اتاهم الله عز وجل أورده القاري في المرقاة ولم يذكر تمام إسناده واعلم أن العلماء ذكروا في وجه تسمية الأبدال وجوها متعددة وما يفهم من هذه الأحاديث من وجه التسمية هو المعتمد (وعصائب أهل العراق) أي خيارهم من قولهم عصبة القوم خيارهم قاله القاري وقال في النهاية جمع عصابة وهم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها ومنه حديث علي رضي الله عنه الأبدال بالشام والنجباء بمصر والعصائب بالعراق أراد أن التجمع للحروب يكون بالعراق وقيل أراد جماعة من الزهاد وسماهم بالعصائب لأنه قربهم بالأبدال والنجباء انتهى والمعنى أن الأبدال والعصائب يأتون المهدي (ثم ينشأ) أي يظهر (رجل من قريش) هذا هو الذي يخالف المهدي (أخواله) أي أخوال الرجل القرشي (كلب) فتكون أمة كلبية قال التوربشتي رحمه الله يريد أن أم القرشي تكون كلبية فينازع الرحمن المهدي في أمره ويستعين عليه بأخواله من بني كلب (فيبعث) أي ذلك الرجل القرشي الكلبي (إليهم) أي المبايعين للمهدي (بعثا) أي جيشا (فيظهرون عليهم) أي فيغلب المبايعون على البعث الذي بعثه الرجل القرشي الكلبي (وذلك) أي البعث (بعث كلب) أي جيش كلب باعثه هوى نفس
[ 255 ]
الكلبي (ويعمل) أي المهدي (في الناس بسنة نبيهم) فيصير جميع الناس عاملين بالحديث ومتبعيه (ويلقي) من الإلقاء (الإسلام بجرانه) بكسر الجيم ثم راء بعدها ألف ثم نون هو مقدم العنق قال في النهاية الجران باطن العنق ومنه حديث عائشة رضي الله عنها حتى ضرب الحق بجرانه أي قر قراره واستقام كما أن البعير إذا برك واستراح مد عنقه على الأرض انتهى قال المنذري قال أبو داود قال بعضهم عن هشام يعني الدستوائي تسع سنين وقال بعضهم سبع سنين وذكره أيضا من حديث همام وهو ابن يحيى عن قتادة وقال سبع سنين والرجل الذي لم يسم سمي فيه في الحديث الذي بعده ورفع الحديث انتهى كلام المنذري (عن أبي خليل عن عبد الله بن الحارث إلخ) قال المنذري في هذا الإسناد أبو العوام وهو عمران بن داود وقد تقدم الكلام عليه وأبو الخليل هو صالح بن أبي مريم الضبعي البصري أخرج له البخاري ومسلم وهو بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة ولام انتهى قال ابن خلدون خرج أبو داود عن أم سلمة من رواية صالح أبي الخليل عن صاحب أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة ثم رواه أبو داود من رواية أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة فتبين بذلك المبهم في الإسناد الأول ورجاله رجال الصحيحين لا مطعن فيهم ولا مغمز وقد يقال إنه من رواية قتادة عن أبي الخليل وقتادة مدلس وقد عنعنه والمدلس لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع مع أن الحديث ليس فيه تصريح بذكر المهدي نعم ذكره أبو داود في أبوابه انتهى قلت لا شك أن أبا داود يعلم تدليس قتادة بل هو أعرف بهذه القاعدة
[ 256 ]
من ابن خلدون ومع ذلك سكت عنه ثم المنذري وابن القيم ولم يتكلموا على هذا الحديث فعلم أن عندهم علما بثبوت سماع قتادة من أبي الخليل لهذا الحديث والله أعلم (بقصة جيش الخسف) وفي رواية مسلم عن عبيد الله بن القبطية قال دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أم سلمة أم المؤمنين فسألاها عن الجيش الذي يخسف به وكان ذلك في أيام ابن الزبير فقالت قال رسول الله يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم فقلت يا رسول الله فكيف بمن كان كارها إلخ (كيف بمن كان كارها) أي غير راض كأن يكون مكرها أو سالك الطريق معهم ولكن لا يكون راضيا بما قصدوا (قال يخسف بهم) وفي رواية مسلم يخسف به معهم وفي رواية أخرى لمسلم فقلنا يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس قال نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا قال النووي أما المستبصر فهو المستبين لذلك القاصد له عمدا وأما المجبور فهو المكره وأما ابن السبيل فالمراد به سالك الطريق معهم وليس منهم (ولكن يبعث) أي الكاره (على نيته) فيجازي على حسبها وفي رواية مسلم المذكورة بعد قوله يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم قال النووي أي يقع الهلاك في الدنيا على جميعهم ويصدرون يوم القيامة مصادر شتى يبعثون مختلفين على نياتهم فيجازون بحسبها قال وفي هذا الحديث ان من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا قال المنذري وأخرجه مسلم (وحديث) بصيغة المجهول (إن ابني هذا) إشارة إلى تخصيص الحسن لئلا يتوهم أن المراد هو الحسين أو الحسن (كما سماه النبي) أي بقوله إن ابني هذا سيد ولعل الله أن
[ 257 ]
يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (من صلبه) أي من ذريته (يشبهه في الخلق) بضم الخاء واللام وتكن (ولا يشبهه في الخلق) بفتح الخاء وسكون اللام أي يشبه في السيرة ولا يشبه في الصورة والحديث دليل صريح على أن المهدي من أولاد الحسن ويكون له انتساب من جهة الأم إلى الحسين جمعا بين الأدلة وبه يبطل قول الشيعة إن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري القائم المنتظر فإنه حسيني بالاتفاق قاله القاري قال المنذري هذا منقطع أبو إسحاق السبيعي رأى عليا عليه السلام رؤية (عن أبي الحسن) هكذا في نسخة واحدة من النسخ الموجودة وهو الصحيح قال المزي في الأطراف حديث يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث حراث أخرجه أبو داود في المهدي عن هارون بن المغبرة عن عمرو بن أبي قيس عن مطرف بن طريف عن أبي الحسن عن هلال بن عمرو وهو غير مشهور عن علي انتهى وقال الذهبي في الميزان : أبو الحسن عن هلال لن عمرو عن علي : " يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث " تفرد به مطرف بن طريف انتهى وفي الخلاصة هلال بن عمرو الكوفي عن علي وعنه أبو الحسن شيخ لمطرف مجهول انتهى وقال ابن خلدون والحديث سكت عنه أبو داود وقال في موضع آخر في هارون هو من ولد الشيعة وقال أبو داود في عمرو بن قيس لا بأس به في حديثه خطأ وقال الذهبي صدوق له أوهام وأما أبو إسحاق السبيعي فروايته عن علي منقطعة وأما السند الثاني فأبو الحسن فيه وهلال بن عمرو مجهولان ولم يعرف أبو الحسن إلا من رواية مطرف بن طريف عنه انتهى كلام ابن خلدون وأما في سائر النسخ الموجودة ففيه عن الحسن عن هلال بن عمرو والله أعلم (يخرج رجل) أي صالح (من وراء النهر) أي مما وراءه من البلدان كبخاري وسمرقند
[ 258 ]
ونحوها (يقال له الحارث) اسم له وقوله (حراث) بتشديد الراء صفة له أي زراع هكذا في أكثر النسخ وهو المعتمد وفي بعض النسخ الحارث بن حراث والله أعلم (على مقدمته) أي على مقدمة جيشه (يقال له منصور) الظاهر أنه اسم له (يوطئ أو يمكن) شك من الراوي الأول من التوطئة والثاني من التمكين قال القاري أو هي بمعنى الواو أي يهيئ الأسباب بأمواله وخزائنه وسلاحه ويمكن أمر الخلافة ويقويها ويساعده بكسره (لآل محمد) أي لذريته وأهل بيته عموما وللمهدي خصوصا أو لآل مقحم والمعنى لمحمد المهدي قاله القاري قلت كون لفظ آل مقحما غير ظاهر بل الظاهر هو أن المراد بآل محمد ذريته وأهل بيته وقال في فتح الودود أي يجعلهم في الأرض مكانا وبسطا في الأموال ونصرة على الأعداء (كما مكنت قريش لرسول الله) قال القاري والمراد من امن منهم ودخل في التمكين أبو طالب أيضا وإن لم يؤمن عند أهل السنة وقال في فتح الودود أي في آخر الأمر وكذا قال الطيبي (وجب على كل مؤمن نصره) أي نصر الحارث وهو الظاهر أو نصر المنصور وهو الأبلغ أو نصر من ذكر منهما أو نصر المهدي بقرينة المقام إذ وجوب نصرهما على أهل بلادهما ومن يمر بهما لكونهما من أنصار المهدي (أو قال إجابته) شك من الراوي والمعنى قبول دعوته والقيام بنصرته قال المنذري وهذا منقطع قال فيه أبو داود قال هارون بن المغيرة وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي هلال بن عمرو وهو غير مشهور عن علي انتهى
[ 259 ]
(اول كتاب الملاحم) بفتح الميم وكسر الحاء ، جمع الملحمة ، وهي المقتلة أو هي الواقعة العظيمة وفي النهاية هي الحرب وموضع القتال مأخوذة من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمه الثوب بالسدى وقيل هي من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيها (باب ما يذكر في قرن المائة) (ابن وهب) هو عبد الله بن وهب قال الحافظ في توالي التأسيس بمعالي ابن إدريس أخرجه أبو داود في السنن عن أبي الربيع سليمان بن داود المهري وأخرجه الحسن بن سفيان في المسند عن حرملة بن يحيى وعن عمرو بن سواد جميعا وأخرجه الحاكم في المستدرك عن الأصم عن الربيع بن سليمان المؤذن وأخرجه ابن عدي في مقدمة الكامل من رواية عمرو بن سواد وحرملة وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب ابن أخي ابن وهب كلهم عن عبد الله بن وهب بهذا الإسناد قال ابن عدي لا أعلم رواه عن ابن وهب عن سعيد بن أبي أيوب ولا عن ابن يزيد غير هؤلاء الثلاثة قال الحافظ ورواية عثمان بن صالح المذكورة سابقا ورواية الأصم وأبي الربيع ترد عليه فهم ستة أنفس رووه عن ابن وهب انتهى وأخرجه البيهقي أيضا في المعرفة من طريق عمرو بن سواد السرحي وحرملة وأحمد بن عبد الرحمن كلهم عن ابن وهب (فيما أعلم) الظاهر أن قائله أبو علقمة يقول في علمي أن أبا هريرة حدثني هذا الحديث مرفوعا لا موقوفا عليه (إن الله يبعث لهذه الأمة) أي أمة الإجابة ويحتمل أمة
[ 260 ]
الدعوة قاله القاري (على رأس كل مائة سنة) أي انتهائه أو ابتدائه إذا قل العلم والسنة وكثر الجهل والبدعة قاله القاري وقال المناوي في مقدمة فتح القدير واختلف في رأس المائة هل يعتبر من المولد النبوي أو البعثة أو الهجرة أو الوفاة ولو قيل بأقربية الثاني لم يبعد لكن صنيع السبكي وغيره مصرح بأن المراد الثالث انتهى (من يجدد) مفعول يبعث (لها) أي لهذه الأمة (دينها) أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم وينصر أهله ويكسر أهل البدعة ويذلهم قالوا ولا يكون إلا عالما بالعلوم الدينية الظاهرة والباطلة قاله المناوي في فتح القدير شرح الجامع الصغير وقال العلقمي في شرحه معنى التجديد إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما (تنبيه) اعلم أن المراد من رأس المائة في هذا الحديث آخرها قال في مجمع البحار والمراد من انقضت المائة وهو حي عالم مشهور انتهى وقال الطيبي المراد بالبعث من انقضت المائة وهو حي عالم يشار إليه كذا في مقدمة فتح القدير للمناوي وخلاصة الأثر للمحبي روى وقال السيوطي في قصيدته في المجددين والشرط في ذلك أن يمضي المائة ع وهو على حياته بين الفئة يشار بالعلم إلى مقامه وينشر السنة في كلامه وقال في مرقاة الصعود نقلا عن ابن الأثير وإنما المراد بالمذكور من انقضت المائة وهو حي معلوم مشهور مشار إليه انتهى والدليل الواضح على أن المراد برأس المائة هو آخرها لا أولها أن الزهري وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة المتقدمين والمتأخرين اتفقوا على أن من المجددين على رأس المائة الاولى عمر بن عبد العزيز رحمه الله وعلى رأس المائة الثانية امام الشافعي رحمه الله وقد توفي عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة وله أربعون سنة ومدة خلافته سنتان ونصف وتوفي الشافعي سنة أربع ومائتين وله أربع وخمسون سنة قال الحافظ بن حجر في توالي التأسيس قال أبو بكر البزار سمعت عبد الملك ابن عبد الحميد الميموني يقول كنت عند أحمد بن حنبل فجرى ذكر الشافعي فرأيت أحمد يرفعه وقال روي عن النبي يقول إن الله تعالى يقيض في رأس كل مائة سنة من يعلم الناس دينهم قال فكان عمر بن عبد العزيز في رأس المائة الأولى وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الأخرى
[ 261 ]
وقال أحمد أيضا فيما أخرجه البيهقي من طريق أبي بكر المروزي قال قال أحمد بن حنبل إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبرا قلت فيها بقول الشافعي لأنه إمام عالم من قريش وقد روي عن النبي أنه قال عالم قريش يملأ الأرض علما وذكر في الخبر إن الله يقيض في رأس كل مائة سنة من يعلم الناس دينهم قال أحمد فكان في المائة الأولى عمر بن عبد العزيز وفي المائة الثانية الشافعي ومن طريق أبي سعيد الفريابي قال قال أحمد بن حنبل إن الله يقيض للناس في كل رأس مائة سنة من يعلم الناس السنن وينفي عن النبي الكذب فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي وبهذا الإسناد إلى أبي إسماعيل الهروي أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبو إسحاق القراب حدثنا أبو يحيى الساجي بني جعفر بن محمد بن ياسين حدثنا أبو بكر بن الحسن حدثنا حميد بن زنجويه سمعت أحمد بن حنبل يقول يروي في الحديث عن النبي أن الله يمن على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي يبين لهم أمر دينهم وإني نظرت في مائة سنة فإذا هو رجل من آل رسول الله وهو عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائة الثانية فإذا هو محمد بن إدريس الشافعي وقال ابن عدي سمعت محمد بن علي بن الحسين يقول سمعت أصحابنا يقولون كان في المائة الأولى عمر بن عبد العزيز وفي الثانية محمد بن إدريس الشافعي وقد سبق أحمد ومن تابعه إلى عد عمر بن عبد العزيز في المائة الأولى الزهري فأخرج الحاكم من طريق أحمد بن عبد العزيز بن وهب عقب روايته عن عمه عن سعيد بن أبي أيوب للحديث المذكور قال ابن أخي ابن وهب قال عمي عن يونس عن الزهري أنه قال فلما كان في رأس المائة من الله على هذه الأمة بعمر بن عبد العزيز قال الحافظ بن حجر وهذا يشعر بأن الحديث كان مشهورا في ذلك العصر ففيه تقوية للسند المذكور مع أنه قوي لثقة رجاله قال وقال الحاكم سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول غير مرة سمعت شيخا من أهل العلم يقول لأبي العباس بن سريح يقول أبشر أيها القاضي فإن الله من على المسلمين بعمر بن عبد العزيز على رأس المائة فأظهر كل سنة وأمات كل بدعة ومن الله على رأس المائتين بالشافعي حتى أظهر السنة وأخفى البدعة من الله على رأس الثلاثمائة بك انتهى قلت فلو لم يكن المراد من رأس المائة اخرها بل كان المراد أولها لما عدوا عمر بن
[ 262 ]
عبد العزيز من المجددين على رأس المائة الأولى ولا الإمام الشافعي على رأس المائة الثانية لأنه لم يكن ولادة عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى فضلا عن أن يكون مجددا عليه وكذلك لم يكن ولادة الشافعي على رأس المائة الثانية فكيف يصح كونه مجددا عليه فإن قلت الظاهر من رأس المائة من حيث اللغة هو أولها لا آخرها فكيف يراد آخرها قلت كلا بل جاء في اللغة رأس الشئ بمعنى آخره أيضا قال في تاج العروس رأس الشئ طرفه وقيل آخره انتهى قلت وعليه حديث ابن عمر أريتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد أخرجه الشيخان فإنه لا مرية في أن المراد من رأس المائة في هذا الحديث هو آخر المائة قال الحافظ في فتح الباري في تفسير رأس مائة سنة أي عند انتهاء مائة سنة انتهى وقال الطيبي الرأس مجاز عن آخر السنة وتسميته رأسا باعتبار أنه مبدأ لسنة أخرى انتهى وعليه حديث أنس بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله على رأس ستين سنة الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل قال في مجمع البحار توفاه على رأس ستين أي آخره ورأس أية آخرها انتهى وفيه نقلا عن الكرماني وقيل إنه (أي أبو الطفيل) مات سنة عشر ومائة وهي رأس مائة سنة من مقالته انتهى فإذن ظهر حق الظهور أن المراد من رأس كل مائة آخر كل مائة ثم اعلم أن ابن الأثير والطيبي وغيرهما زعموا أن المجدد هو الذي انقضت المائة وهو حي معلوم مشهور مشار إليه فجعلوا حياة المجدد وبقاءه بعد انقضاء المائة شرطا له فعلى هذا من كان على رأس المائة أي آخرها ووجد فيه جميع أوصاف المجدد إلا أنه لم يبق بعد انقضاء المائة بل توفي على رأس المائة الموجودة قبل المائة الآتية بخمسة أيام مثلا لا يكون مجددا لكن لم يظهر لي على هذا الاشتراط دليل وما قال بعض السادات الأعاظم إن قيد الرأس اتفاقي وإن المراد أن الله تعالى يبعث في كل مائة سواء كان في أول المائة أو وسطها أو آخرها واختاره ليس بظاهر بل الظاهر أن القيد احترازي ولذلك لم يعد كثير من الأكابر الذين كانوا في وسط المائة من المجددين وإن كان أفضل من المجدد الذي كان على رأس المائة ففي مرقاة الصعود قد يكون في أثناء المائة من هو أفضل من المجدد على رأسها نعم لو ثبت كون قيد الرأس اتفاقيا بدليل صحيح لكان دائرة المجددية أوسع ولدخل كثير من الأكابر المشهورين المستجمعين بين لصفات المجددية في المجددين كالإمام أحمد بن حنبل
[ 263 ]
ومحمد بن إسماعيل البخاري ومالك بن أنس ومسلم النيسابوري وأبي داود السجستاني وغيرهم من أئمة الهدى وقال المناوي في مقدمة فتح القدير تحت قوله على رأس كل مائة سنة أي أوله ورأس الشئ أعلاه ورأس الشهر أوله ثم قال بعد ذلك وهنا تنبيه ينبغي التفطن له وهو أن كل من تكلم على حديث إن الله يبعث إنما يقرره بناء على أن المبعوث على رأس القرن يكون موته على رأسه وأنت خبير بأن المتبادر من الحديث إنما هو هو أن البعث وهو الإرسال يكون على رأس القرن أي أوله ومعنى إرسال العالم تأهله للتصدي لنفع الأنام وانتصابه لنشر الأحكام وموته على رأس القرن أخذ لا بعث فتدبر ثم رأيت الطيبي قال المراد بالبعث من انقضت المائة وهو حي عالم مشهور مشار إليه وقال الكرماني قد كان قبيل كل مائة أيضا من يصحح ويقوم بأمر الدين وإنما المراد من انقضت المدة وهو حي عالم مشار إليه ولما كان ربما يتوهم متوهم من تخصيص البعث برأس القرن أن العالم بالحجة لا يوجد إلا عنده أردف ذلك بما يبين أنه قد يكون في أثناء المائة من هو كذلك بل قد يكون أفضل من المبعوث على الرأس وأن تخصيص الرأس إنما هو لكونه مظنة انخرام علمائه غالبا وظهور البدع وخروج الدجالين انتهى كلامه (تنبيه آخر) قد عرفت مما سبق أن المراد من التجديد إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما وإماتة ما ظهر من البدع والمحدثات قال في مجالس الأبرار والمراد من تجديد الدين للأمة إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما وقال فيه ولا يعلم ذلك المجدد إلا بغلبة الظن ممن عاصره من العلماء بقرائن أحواله والانتفاع بعلمه إذ المجدد للدين لا بد أن يكون عالما بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة قاصرا للسنة قامعا للبدعة وأن يعم علمه أهل زمانه وإنما كان بالتحديد على رأس كل مائة سنة لانخرام العلماء فيه غالبا واندراس السنن وظهور البدع فيحتاج حينئذ إلى تجديد الدين فيأتي الله تعالى من الخلق بعوض من السلف إما واحدا أو متعددا انتهى وقال القاري في المرقاة أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم ويعز أهله ويقمع البدعة ويكسر أهلها انتهى فظهر أن المجدد لا يكون إلا من كان عالما بالعلوم الدينية ومع ذلك من كان عزمه وهمته آناء الليل والنهار إحياء السنن ونشرها ونصر صاحبها وإماتة البدع ومحدثات الأمور ومحوها
[ 264 ]
وكسر أهلها باللسان أو تصنيف الكتب و التدريس أو غير ذلك ومن لا يكون كذلك لا يكون مجددا البتة وإن كان عالما بالعلوم مشهورا بين الناس مرجعا لهم فالعجب كل العجب من صاحب جامع الأصول أنه عد أبا جعفر الإمامي الشيعي والمرتضى أخا الرضا الإمامي الشيعي من المجددين حيث قال الحديث إشارة إلى جماعة من الأكابر على رأس كل مائة ففي رأس الأولى عمر بن عبد العزيز إلى أن قال وعلى الثالثة تقتدر وأبو جعفر الطحاوي الحنفي وأبو جعفر الإمامي وأبو الحسن الأشعري والنسائي وعلى الرابعة القادر بالله وأبو حامد الإسفرائيني وأبو بكر محمد الخوارزمي الحنفي والمرتضى أخو الرضا الإمامي إلخ وقد ذكره العلامة محمد طاهر في مجمع البحار ولم يتعرض بذكر مسامحته ولم ينبه على خطائه ولا شبهة في أن عدهما من المجددين خطأ فاحش وغلط بين لأن علماء الشيعة وإن وصلوا إلى مرتبة الاجتهاد وبلغوا أقصى مراتب من أنواع العلوم واشتهروا غاية الاشتهار لكنهم لا يستأهلون المجددية كيف وهم يخربون الدين فكيف يجددون ويميتون السنن فكيف يحيونها ويروجون البدع فكيف يمحونها وليسوا إلا من الغالين المبطلين الجاهلين وجل صناعتهم التحريف والانتحال والتأويل لا تجديد الدين ولا إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة هداهم الله تعالى إلى سواء السبيل (تنبيه آخر) واعلم أنه لا يلزم أن يكون على رأس كل مائة سنة مجدد واحد فقط بل يمكن أن يكون أكثر من واحد قال الحافظ بن حجر في توالي التأسيس حمل بعض الأئمة من في الحديث على أكثر من الواحد وهو ممكن بالنسبة للفظ الحديث الذي سقته وكذا لفظه عند من أشرت إلى أنه أخرجه لكن الرواية عن أحمد تقدمت بلفظ رجل وهو أصرح في رواية الواحد من الرواية التي جاءت بلفظ من لصلاحية من للواحد وما فوقه ولكن الذي يتعين في من تأخر الحمل على أكثر من الواحد لأن في الحديث إشارة إلى أن المجدد المذكور يكون تجديده عاما في جميع أهل ذلك العصر وهذا ممكن في حق عمر بن عبد العزيز جدا ثم الشافعي أما من جاء بعد ذلك فلا يعدم من يشاركه في ذلك انتهى وقال في فتح الباري وهو (أي حمل الحديث على أكثر من واحد) متجه فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها ومن ثم أطلق أحمد أنهم
[ 265 ]
كانوا يحملون الحديث عليه وأما من جاء بعده فالشافعي وإن كان متصفا بالصفات الجميلة إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل فعلى هذا كل من كان متصفا بشئ من ذلك عند رأس المائة هو المراد سواء تعدد أم لا انتهى تنبيه آخر اعلم أنهم قد بينوا أسماء المجددين الماضين وقد صنف السيوطي في ذلك أرجوزة سماها (تحفة المهتدين بأخبار المجددين) فنحن نذكرها ها هنا وهذه هي الحمد لله العظيم المنة ع المانح الفضل لأهل السنة ثم الصلاة والسلام نلتمس ع على نبي دينه لا يندرس لقد أتى في خبر مشتهر ع رواه كل حافظ معتبر بأنه في رأس كل مائة ع يبعث ربنا لهذى الأمة منا عليها عالما يجدد ع دين الهدى لأنه مجتهد فكان عند المائة الأولى عمر ع خليفة العدل بإجماع وقر والشافعي كان عند الثانية ع لما له من العلوم السامية وابن سريج ثالث الأئمة ع والأشعري عدة من أمه والباقلاني رابع أو سهل أو ع الاسفراني خلف قد حكوا والخامس الحبر هو الغزالي ع وعده ما فيه من جدال والسادس الفخر الإمام الرازي ع والرافعي مثله يوازي والسابع الراقي إلى المراقي ع ابن دقيق العميد باتفاق والثامن الحبر هو البلقيني ع أو حافظ الأنام زين الدين والشرط في ذلك أن تمضي المائة ع وهو على حياته بين الفئة يشار بالعلم إلى مقامه ع وينصر السنة في كلامه وأن يكون جامعا لكل فن ع وأن يعم علمه أهل الزمن وأن يكون في حديث قد روى ع من أهل بيت المصطفى وقد قوى وكونه فردا هو المشهور ع قد نطق الحديث والجمهور وهذه تاسعة المئين قد ع أتت ولا يخلف ما الهادي وعد وقد رجوت أنني المجدد ع فيها ففضل الله ليس يجحد وآخر المئين فيما يأتي ع عيسى نبي الله ذو آيات يجدد الدين لهذي الأمة ع وفي الصلاة بعضنا قدامه مقررا لشرعنا ويحكم ع بحكمنا إذ في السماء يعلم وبعده لم يبق من مجدد ع ويرفع القرآن مثل ما بدى
[ 266 ]
وتكثر الأشرار والإضاعة ع من رفعه إلى قيام الساعة شعإ وأحمد الله على ما علما ع وما جلا من الخفا وأنعما مصليا على نبي الرحمة ع والآل مع أصحابه المكرمة انتهت الأرجوزة قلت وقد عد من المجددين على رأسه المائة الأولى ابن شهاب الزهري والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله والحسن البصري ومحمد بن سيرين ومحمد الباقر وعلى رأس المائة الثانية يحيى بن معين إمام الجرح والتعديل وعلى رأس الثالثة النسائي صاحب السنن وعلى رأس الرابعة الحاكم صاحب المستدرك والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري وعلى رأس التاسعة السيوطي كما ادعاه وعلى رأس العاشرة شمس الدين بن شهاب الدين الرملي قال المحبي في خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر في ترجمته ذهب جماعة من العلماء إلى أنه مجدد القرن العاشر انتهى ومن المجددين على رأس الحادية عشر إبراهيم بن حسن الكردي الكوراني خاتمة المحققين عمدة المسندين نزيل المدينة وعلى رأس الثانية عشر الشيخ صالح بن محمد بن نوح الفلاني نزيل المدينة والسيد المرتضى الحسيني الزبيدي وعلى رأس الثالثة عشر شيخنا العلامة النبيل والفهامة الجليل نبراس العلماء الأعلام سامي المجد الأثيل والمقام ذو القدر المحمود والفخر المشهور حسن الاسم والصفات رب الفضائل والمكرمات المحدث الفقيه المفسر التقي الورع النبيه الشيخ الأكمل الأسعد السيد الأجل الأمجد رحلة الآفاق شيخ العرب والعجم بالاتفاق صاحب كمالات الباطن والظاهر ملحق الأصاغر بالأكابر شيخنا وبركتنا السيد نذير حسين جعله الله تعالى ممن يؤتى أجره مرتين ولا زالت أنوار معارفه مدى الأيام لامعة وشموس عوارفه في فلك المعالي ساطعة وحماه الله من حوادث الأزمان ونكباتها حديث وأعز محله في الجنان بأعلى درجاتها وشيخنا العلامة البدر المنير الفهامة العمدة النحرير ذو المناقب الجليلة والمحامد الشريفة المدقق الكامل والبحر الذي ليس له في سعة النظر من ساحل جمال العلماء الصالحين شيخ الإسلام والمسلمين المحدث المتقن المتبحر الفطن القاضي حسين بن محمد الأنصاري الخزرجي السعدي اليماني أدام الله بركاته علينا والعلامة الأجل المحدث الفاضل الأكمل جامع العلوم الغزيرة ذو التصانيف الكثيرة النواب صديق الحسن خان البوفالي عند القنوجي تغمده الله بغفرانه وأدخله بحبوحة جنانه
[ 267 ]
هذا هو ظني في هؤلاء الأكابر الثلاثة أنهم من المجددين على رأس المائة الثالثة عشر والله تعالى أعلم وعلمه أتم وحديث أبي هريرة سكت عنه المنذري وقال السيوطي في مرقاة الصعود اتفق الحفاظ على تصحيحه منهم الحاكم في المستدرك والبيهقي في المدخل وممن نص على صحته من المتأخرين الحافظ بن حجر انتهى وقال العلقمي في شرح الجامع الصغير قال شيخنا اتفق الحفاظ على أنه حديث صحيح وممن نص على صحته من المتأخرين أبو الفضل العراقي وابن حجر ومن المتقدمين الحاكم في المستدرك والبيهقي في المدخل انتهى وقال المناوي في فتح القدير أخرجه أبو داود في الملاحم والحاكم في الفتن وصححه والبيهقي في كتاب المعرفة كلهم عن أبي هريرة قال الزين العراقي وغيره سنده صحيح انتهى (رواه عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني) عن شراحيل بن يزيد المعافري (لم يجز به شراحيل) أي لم يجاوز بهذا الحديث على شراحيل فعبد الرحمن قد أعضل هذا الحديث وأسقط أبا علقمة وأبا هريرة والحديث المعضل هو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر بشرط التوالي قال المنذري وعبد الرحمن بن شريح الإسكندارني ثقة اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه وقد عضله انتهى والحاصل أن الحديث مروي من وجهين من وجه متصل ومن وجه معضل وأما قول أبي علقمة فيما أعلم عن رسول الله فقال المنذري الراوي لم يجزم برفعه انتهى قلت نعم ولكن ذلك لا يقال من قبل الرأي إنما هو من شأن النبوة فتعين كونه مرفوعا إلى النبي والله أعلم (باب ما يذكر من ملاحم الروم) قال في مراصد الاطلاع الروم جيل معروف في بلاد واسعة تضاف إليهم فيقال بلاد الروم ومشارق بلادهم وشمالهم الترك والروس والخزري (الخزري بالتحريك وآخره راء بلاد
[ 268 ]
الترك كذا في المراصد) وجنوبهم الشام والإسكندرية ومغاربهم البحر والأندلس وكانت الرقة والشامات كلها تعد في حدودهم أيام الأكاسرة وكانت أنطاكية دار ملكهم إلى أن نفاهم المسلمون إلى أقصى بلادهم انتهى مال مكحول وابن أبي زكريا إلى خالد بن معدان) أي ذهبا إليه (وملت معهم) الظاهر معهما كما في رواية ابن ماجه أي ذهبت أنا أيضا إليه (فحدثنا) الضمير المرفوع لخالد (عن الهدنة) بضم هاء وسكون دال مهملة الصلح (قال) أي خالد (إلى ذي مخبر) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة ابن أبي النجاشي خادم النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه جبير بن نفير وغيره يعد في الشاميين ذكره مؤلف المشكاة وفي التهذيب ويقال بالميم بدل الموحدة انتهى قلت كذلك في ابن ماجه بالميم بدل الموحدة ووقع في بعض النسخ أو قال ذي مخمر الشك من أبي داود يعني شك أبو داود المؤلف في أنه قال ذي مخبر بالموحدة أو قال ذي مخمر بالميم بدل الموحدة (فسأله جبير عن الهدنة) أي الهدنة التي تكون بين المسلمين وبين الروم كما أخبر سول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تكون بينكم وبين بني الأصفر هدنة فيغدرون بكم رواه ابن ماجه فاللام في الهدنة للعهد (ستصالحون) الخطاب للمسلمين (صلحا) مفعول مطلق من غير بابه أو بحذف الزوائد (آمنا) أي ذا أمن فالصيغة للنسبة أو جعل آمنا للنسبة المجازية (فتغزون أنتم) أي فتقاتلون أيها المسلمون (وهم) أي الروم المصالحون معكم (عدوا من ورائكم) أي من خلفكم وقال السندي في حاشية ابن ماجه أي عدوا آخرين بالمشاركة والاجتماع بسبب الصلح الذي بينكم وبينهم أو أنتم تغزون عدوكم وهم يغزون عدوهم بالانفراد انتهى قلت الاحتمال الأول هو الظاهر (فتنصرون) بصيغة المجهول (وتغنمون) بصيغة المعلوم أي الأموال (وتسلمون) من السلامة أي تسلمون من القتل والجرح في القتال (ثم ترجعون) أي من عدوكم (حتى تنزلوا) أي أنتم وأهل الروم (بمرج) بفتح فسكون وآخره جيم أي الموضع الذي ترعى فيه الدواب قاله السندي
[ 269 ]
وفي النهاية أرض واسعة ذات نبات كثيرة (ذي تلول) بضم التاء جمع تل بفتحها وهو موضع مرتفع قاله القاري وقال السندي كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل انتهى قلت هذا هو الظاهر في معنى التل (من أهل النصرانية) وهم الأروام حينئذ قاله القاري (الصليب) بالنصب مفعول يرفع وهو خشبة مربعة يدعون أن عيسى عليه السلام صلب على خشبة كانت على تلك الصورة (فيقول) أي الرجل منهم (غلب الصليب) أي دين النصارى قصدا بطال الصلح أو لمجرد الإفتخار وإيقاع المسلمين في الغيظ (فيدقه) أي فيكسر المسلم الصليب (تغدر الروم) بكسر الدال أي تنقض العهد (وتجمع) أي رجالهم ويجتمعون (للملحمة) أي للحرب (ويثور) الثور الهيجان والوثب (إلى أسلحتهم) جمع سلاح أي يعدون ويقومون مسرعين إلى أسلحتهم (فيقتلون) وفي بعض النسخ فيقتتلون أي معهم (تلك العصابة) أي جماعة المسلمين . قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وقد تقدم في الجهاد انتهى وقال القاري نقلا عن ميرك ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح (باب في أمارات الملاحم) جمع أمارة بوزن علامة وبمعناه
[ 270 ]
(عن مالك بن يخامر) بضم أوله وفتح الخاء المعجمة وكسر الميم صاحب معاذ مخضرم ويقال له صحبة (عمران بيت المقدس) بالتخفيف والتشديد وعمرانه بضم العين وسكون الميم أي عمارته بكثرة الرجال والعقار والمال (خراب يثرب) بفتح تحتية وسكون مثلثة وكسر راء اسم المدينة المشرفة أي سبب خراب المدينة وقال القاري أي وقت خراب المدينة قيل لأن عمرانه باستيلاء الكفار وقال الأردبيلي في الأزهار قال بعض الشارحين المراد بعمران بيت المقدس عمرانه بعد خرابه فإنه يخرب في آخر الزمان ثم يعمره الكفار والأصح أن المراد بالعمران الكمال في العمارة أي عمران بيت المقدس كاملا مجاوزا عن الحد وقت خراب يثرب فإن بيت المقدس لا يخرب (وخراب يثرب خروج الملحمة) أي ظهور الحرب العظيم قال ابن مالك بين أهل الشام والروم والظاهر أنه يكون بين تاتار والشام قال القاري الأظهر هو الأول (وخروج الملحمة إلخ) قال القاري نقلا عن الأشرف لما كان بيت المقدس باستيلاء الكفار عليه وكثرة عمارتهم فيها أمارة مستعقبة بخراب يثرب وهو أمارة مستعقبة بخروج الملحمة وهو أمارة مستعقبة بفتح قسطنطينية وهو أمارة مستعقبة بخروج الدجال جعل النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد عين ما بعده وعبر به عنه قال وخلاصته أن كل واحد من هذه الأمور أمارة لوقوع ما بعده وإن وقع هناك مهملة انتهى (ثم ضرب) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (على فخذ الذي حدثه) هو معاذ رضي الله عنه (أو منكبه) شك من الراوي (ثم قال) صلى الله عليه وسلم (إن هذا) أي ما ذكر في الحديث من أخبار عمر أن بيت المقدس سبب خراب المدينة إلخ (لحق) أي يقيني لا شك في وقوعه وتحققه (كما أنك) يا معاذ (ههنا أو كما أنك قاعد) شك من الراوي والمعنى تحقق الأخبار المذكور في الحديث قطعي يقيني كما أن جلوسك ههنا قطعي ويقيني (يعني معاذ بن جبل) يعني الخطاب لمعاذ بن جبل قال المنذري في إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وكان رجلا صالحا وثقه بعضهم وتكلم فيه غير واحد
[ 271 ]
(باب في تواتر الملاحم) عن يزيد بن قطيب) بفتح الطاء مصغرا وثقه ابن حبان (عن أبي بحرية) بتشديد التحتانية اسمه عبد الله بن قيس (الملحمة الكبرى) أي الحرب العظيم (في سبعة أشهر) أي يكون ذلك كله في سبعة أشهر قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه هذا آخر كلامه في إسناده أبو بكر بن أبي مريم وهو أبو بكر بن عبد الله أبي مريم الغساني الشامي قيل اسمه بكير وقيل اسمه كنيته وقيل بكر وقيل عبد السلام ولا يحتج بحديثه بين الملحمة وفتح المدينة) أي القسطنطينية قاله السندي وغيره ست سنين ويخرج المسيح الدجال في السابعة) أي في السنة السابعة وهذا مشكل مخالف للحديث السابق قال العلقمي في شرح الجامع الصغير تحت الحديث السابق قال شيخنا وفي حديث أحمد وأبي داود وابن ماجه عن عبد الله بن بسر بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين قال ابن كثير هذا مشكل اللهم إلا أن يكون بين أول الملحمة وآخرها ست سنين ويكون بين آخرها وفتح المدينة وهي القسطنطينية مدة قريبة يكون ذلك مع خروج الدجال في سبعة أشهر انتهى (قال أبو داود هذا) أي هذا الحديث يعني حديث بحير عن خالد عن عبد الله بن أبي بلال عن عبد الله بن بسر (أصح من حديث عيسى) يعني ابن يونس يريد الحديث الذي قبل هذا قاله المنذري
[ 272 ]
قال في فتح الودود هذا إشارة إلى جواب ما يقال بين الحديثين تناف فأشار إلى أن الثاني إسنادا فلا يعارضه الأول انتهى وقال القاري ففيه (أي في قول أبي داود هذا أصح) دلالة على أن التعارض ثابت والجمع ممتنع والأصح هو المرجح وحاصله أن بين الملحمة العظمى وبين خروج الدجال سبع سنين أصح من سبعة أشهر انتهى قال المنذري في إسناده هذا بقية بن الوليد وفيه مقال وقد تقدم الكلام عليه وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبعدها راء مهملة ولعبد الله هذا صحبة ولأخته الصماء صحبة ولأبيهم بسر صحبة وعبد الله آخر من توفى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشام انتهى (باب في تداعي الأمم على الإسلام) التداعي الاجتماع ودعاء البعض بعضا والمراد من الأمم فرق الكفر والضلالة يوشك الأمم) أي يقرب فرق الكفر وأمم الضلالة (أن تداعي عليكم) بحذف إحدى التائين أي تداعي بأن يدعو بعضهم بعضا لمقاتلتكم وكسر شوكتكم وسلب ما ملكتموه من الديار والأموال (كما تداعى الأكلة) ضبط في بعض النسخ الصحيحة بفتحتين بوزن طلبة وهو جمع آكل وقال في المجمع نقلا عن المفاتيح في شرح المصابيح ويروي الأكلة بفتحتين أيضا جمع آكل انتهى وقال فيه قبيل هذا ورواية أبي داود لنا الآكلة بوزن فاعله وقال القاري في المرقاة آكلة بالمد وهي الرواية على نعت الفئة والجماعة أو نحو ذلك كذا روي لنا عن كتاب أبي داود وهذا الحديث من أفراده ذكره الطيبي رحمه الله ولو روى الأكلة بفتحتين على أنه جمع آكل إسم فاعل لكان له وجه وجيه انتهى قلت قد روي بفتحتين أيضا كما عرفت والمعنى كما يدعو أكلة الطعام بعضهم بعضا (إلى قصعتها) الضمير للأكلة أي التي يتناولون منها بلا مانع ولا منازع فيأكلونها عفوا صفوا كذلك يأخذون ما في أيديكم بلا تعب ينالهم أو ضرر يلحقهم أو بأس يمنعهم قاله القاري قال في المجمع أي يقرب أن فرق الكفر وأمم الضلالة أن تداعى عليكم أي يدعو بعضهم بعضا إلى الاجتماع لقتالكم وكسر شوكتكم ليغلبوا أخبرنا على ما ملكتموها من الديار كما أن الفئة آكلة
[ 273 ]
يتداعى بعضهم بعضا إلى قصعتهم التي يتناولونها من غير مانع فيأكلونها صفوا من غير تعب انتهى (ومن قلة) خبر مبتدأ محذوف وقوله (نحن يومئذ) مبتدأ وخبر صفة لها أي أن ذلك التداعي لأجل قلة نحن عليها يومئذ (كثير) أي عددا وقليل مددا (ولكنكم غثاء كغثاء السيل) بالضم والمد وبالتشديد أيضا ما يحمله السيل من زبد ووسخ شبههم به لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم (ولينزعن) أي ليخرجن (المهابة) أي الخوف والرعب (وليقذفن) بفتح الياء أي وليرمين الله (الوهن) أي الضعف وكأنه أراد بالوهن ما يوجبه ولذلك فسره بحب الدنيا وكراهة الموت قاله القاري (وما الوهن) أي ما يوجبه وما سببه قال الطيبي رحمه الله سؤال عن نوع الوهن أو كأنه أراد من أي وجه يكون ذلك الوهن (قال حب الدنيا وكراهية الموت) وهما متلازمان فكأنهما شئ واحد يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين من العدو المبين ونسأل الله العافية قال المنذري أبو عبد السلام هذا هو صالح بن رستم الهاشمي الدمشقي سئل عنه أبو حاتم فقال مجهول لا نعرفه (باب في المعقل من الملاحم) المعقل بفتح الميم وسكون العين وكسر القاف والمراد منه الملجأ الذي يتحصن المسلمون ويلتجئون إليه إن فسطاط المسلمين) بضم الفاء وسكون السين المهملة وطائين مهملتين بينهما ألف أي حصن المسلمين الذي يتخصنون يا به وأصله الخيمة (يوم الملحمة) أي المقتلة العظمى في الفتن الآتية (بالغوطة) بضم الغين المعجمة موضع بالشام كثير الماء والشجر كائن (إلى جانب مدينة يقال لها دمشق) بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسميت بذلك
[ 274 ]
لأن دمشاق بن نمرود بن كنعان هو الذي بناها فسميت باسمه وكان آمن بإبراهيم عليه والسلام وسار معه وكان أبوه نمرود دفعه إليه لما رأى له من الآيات قاله العزيزي (من خير مدائن الشام) بسكون الهمز ويجوز تسهيله كالرأس قال المناوي بل هي خيرها وبعض الأفضل قد يكون أفضل انتهى قال العلقمي وهذا الحديث يدل على فضيلة دمشق وعلى فضيلة سكانها في آخر الزمان وأنها حصن من الفتن ومن فضائلها أنه دخلتها عشرة آلاف عين رأت النبي صلى الله عليه وسلم كما أفاده ابن عساكر ودخله النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها في غزوة تبوك وفي ليلة الإسراء كذا في شرح الجامع الصغير للعزيزي قال القاري وله طرق وقد روي مرسلا عن جبير بن نفير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقال يحي بن معين وقد ذكروا عنده أحاديث من ملاحم الروم فقال يحيى ليس من حديث الشاميين شئ أصح من حديث صدقة بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم معقل المسلمين أيام الملاحم دمشق (حدثت) بصيغة المجهول المتكلم قال المنذري قال فيه أبو داود حدثت عن ابن وهب وهي رواية عن مجهول وقد تقدم في الجزء السادس والعشرين (باب في ارتفاع الفتنة في الملاحم) حاصله أن الفتنة بين المسلمين والقتال فيما بينهم يرتفع إذا كان القتال مع الكفار فالمراد
[ 275 ]
بالفتنة قتال بعض المسلمين مع بعضهم وبالملاحم لو قتال المسلمين مع الكفار (على هذه الأمة) أي أمة الإجابة (سيفا) بدل مما قبله (منها) أي من هذه الأمة في قتال بعضهم لبعض في أيام الفتن والملاحم وكل باغ من البغاة (وسيفا من عدوها) أي الكفار الذين يقاتلونهم في الجهاد فمن خصائص هذه الأمة ورحمة الله تعالى لها أن لا يجتمع قتال كفار ومسلمين في وقت واحد بل إما كفار وإما مسلمين ولو كانوا في وقت في قتال مسلمين ووقع قتال كفار رجع المسلمون عن القتال واجتمعوا على قتال الكفار لتكون كلمة الله هي العليا قال المناوي يعني أن السيفين لا يجتمعان فيؤدي إلى استئصالهم لكن إذا جعلوا بأسهم بينهم سلط الله عليهم العدو وكف بأسهم عن أنفسهم وقيل معناه محاربتهم إما معهم أو مع الكفار انتهى قال المنذري في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال وقد تقدم الكلام عليه ومن الحفاظ من فرق بين حديثه عن الشاميين وحديثه عن غيرهم فصحح حديثه عن الشاميين وهذا الحديث شامي الإسناد (باب في النهي عن تهييج الترك والحبشة) التهييج الإثارة والترك بضم فسكون جيل من الناس والجمع الأتراك و الواحد تركي كرومي والحبشة بالتحريك جيل من السودان معروف والواحد حبشي والحبش بن كوش بن حام بن نوح وهم مجاورون لأهل اليمن يقطع بينهم البحر قاله المناوي عن السيباني) بفتح المهملة والموحدة بينهما تحتانية وسيبان بطن من حمير أبو زرعة الحمصي وثقه أحمد ودحيم كذا في الخلاصة (عن أبي سكينة) بسين وكاف ونون مصغرا كذا ضبطه العلامة محمد ظاهر في المغنى (من المحررين) أي المعتقين (دعوا الحبشة) أي اتركوا التعرض لابتدائهم بالقتال (ما ودعكم مع) بتخفيف الدال أي ما تركوكم قال الطيبي رحمه الله قيل قال ما يستعملون الماضي من ودع إلا ما روي في بعض الأشعار بقوله
[ 276 ]
ليت شعري عن خليلي ما الذي ع غاله في الحب حتى ودعه ويحتمل أن يكون الحديث ما وادعكم أي سالموكم فسقطت الألف من قلم بعض الرواة قال ولا افتقار إلى هذا مع ورودوه سعيد في التنزيل في قوله تعالى ما ودعك قرئ بالتخفيف كذا في شرح الجامع الصغير للعلقمي (واتركوا الترك ما تركوكم) أي مدة تركهم لكم فلا تتعرضوا لهم إلا إن تعرضوا لكم قال الخطابي إن الجمع بين قوله تعالى قاتلوا المشركين كافة وبين هذا الحديث أن الآية مطلقة والحديث مقيد فيحمل المطلق على المقيد ويجعل الحديث مخصصا لعموم الآية كما خص ذلك في حق المجوس فإنهم كفرة ومع ذلك أخذ منهم الجزية لقوله صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب قال الطيبي رحمه الله ويحتمل أن تكون الآية ناسخة للحديث لضعف الإسلام وأما تخصيص الحبشة والترك بالترك والودع فلأن بلاد الحبشة وغيره بين المسلمين وبينهم مهامه وقفار فلم يكلف المسلمين دخول ديارهم لكثرة التعب وعظمة المشقة وأما الترك فبأسهم شديد وبلادهم باردة والعرب وهم جند الإسلام كانوا من البلاد الحارة فلم يكلفهم دخول البلاد فلهذين السرين خصصهم وأما إذا دخلوا بلاد المسلمين قهرا والعياذ بالله فلا يجوز لأحدهم ترك القتال لأن الجهاد في هذه الحالة فرض عين وفي الأولى فرض كفاية ذكره القار وقال وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حيث قال ما تركوكم انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي أتم منه وأبو سكينة هذا روى حديثه يحيى بن أبي عمرو السيباني ولم أجد من رواه غيره ولا من سماه (باب في قتال الترك) قوما بدل من الترك وفي بعض النسخ قوم بالرفع أي هم قوم (وجوههم كالمجان) بفتح الميم وتشديد النون جمع المجن بكسر الميم وهو الترس (المطرقة) بضم الميم وفتح الراء المخففة المجلدة طبقا فوق طبق وقيل هي التي ألبست طراقا أي جلدا يغشاها وقيل هي اسم مفعول من الإطراق وهو جعل الطراق بكسر الطاء أي الجلد على وجه الترس ذكره القاري
[ 277 ]
وقال النووي المطرقة بإسكان الطاء وتخفيف الراء هذا الفصيح المشهور في الرواية وفي كتب اللغة والغريب وحكى فتح الطاء وتشديد الراء والمعروف الأول قال ومعناه تشبيه وجوه الترك في عرضها ونتوء وجناتها بالترسة المطرقة انتهى وقال القاري شبه وجوههم بالترس لتبسطها بكر وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها انتهى (يلبسون الشعر) زاد في رواية مسلم ويمشون في الشعر قال النووي معناه ينتعلون الشعر كما صرح به في الرواية الأخرى نعالهم الشعر وقد وجدوا في زماننا هكذا انتهى قلت رواية مسلم بلفظ يلبسون الشعر ويمشون قد في الشعر تدل دلالة واضحة على أنه يكون لباسهم أيضا من الشعر كما أن نعالهم تكون من الشعر وهو الظاهر لما في بلادهم من ثلج عظيم لا يكون في غيرها على ما قال ابن دحية وغيره قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي عن أبي هريرة رواية) أي مرفوعا (قال ابن السرح إن النبي صلى الله عليه وسلم قال) مقصود المؤلف بيان ما وقع في رواية قتيبة وابن السرح من الاختلاف وهو أنه وقع في رواية قتيبة عن أبي هريرة رواية لا تقوم الساعة إلخ ووقع في رواية ابن السرح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة إلخ (نعالهم الشعر) بفتحتين وسكون العين قال القرطبي في التذكرة يصنعون من شعر حبالا ويصنعون من الحبال نعالا كما يصنعون منها ثيابا هذا ظاهره أو أن شعورهم كثيفة طويلة فهي إذا أسدلوها وفي صارت كاللباس لوصولها إلى أرجلهم كالنعال والأول أظهر قال السيوطي بل هو المتعين فإنهم بالبلاد الباردة الثلجية لا ينفعهم إلا ذلك وقال القاري أي من جلود مشعرة غير مدبوغة (ذلف الأنوف) بضم الذال وإسكان اللام جمع أذلف كأحمر وحمر ومعناه فطس الأنوف قصارها مع انبطاح وقيل هو غلظ في أرنبة الأنف وقيل تطامن فيها وكله متقارب قاله النووي وفي مجمع الذلف بالحركة قصر الأنف وانبطاحه وقيل ارتفاع طرفه مع صغر أرنبته وروي بالمهملة أيضا انتهى قال النووي في شرح مسلم وهذه كلها معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وجد قتال هؤلاء الترك بجميع صفاتهم التي ذكرها صلى الله عليه وسلم فوجدوا بهذه الصفات كلها في زماننا وقاتلهم المسلمون مرات وقتالهم الآن ونسأل الله الكريم إحسان العاقبة للمسلمين انتهى مختصرا
[ 278 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه في حديث يقاتلكم) قال القاري ظاهره أن يكون بالإضافة لكنه في جميع النسخ بالتنوين وفك الإضافة فالوجه أن قوله يقاتلكم خبر مبتدأ محذوف أي هو يقاتلكم الخ والجملة صفة حديث والمعنى في حديث هو أن ذلك الحديث يقاتلكم (يعني الترك) تفسير من الراوي وهو الصحابي أو التابعي (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (تسوقونهم) من السوق أي يصيرون مغلوبين مقهورين منهزمين بحيث أنكم تسوقونهم (ثلاث مرار) أي من السوق (حتى تلحقوهم) من الإلحاق أي توصلوهم كل آخرا (بجزيرة العرب) قيل هي اسم لبلاد العرب سميت بذلك لإحاطة البحار والأنهار بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات وقال مالك هي الحجاز واليمامة واليمن وما لم يبلغه ملك فارس والروم ذكره الطيبي رحمه الله وتبعه ابن الملك (فينجو) أي يخلص (من هرب منهم) أي من الترك (ويهلك بعض) إما بنفسه أو بأخذه وإهلاكه وهو الظاهر (فيصطلمون) بصيغة المجهول أي يحصدون بالسيف ويستأصلون من الصلم وهو القطع المستأصل واعلم أن هذا الحديث يدل صراحة على أن المسلمين من أمة النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين يسوقون الترك ثلاث مرار حتى يلحقوهم بجزيرة العرب ففي السياق الأول ينجو من هرب من الترك وفي الثانية ينجو بعض منهم ويهلك بعض وفي الثالثة يستأصلون وأخرج هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده وسياقه مخالف لسياق أبي داود مخالفة ظاهرة فإن سياق أحمد يدل صراحة وعلى رأس أن الترك هم الذين يسوقون المسلمين ثلاث مرار حتى يلحقوهم بجزيرة العرب ففي السياقة الأولى ينجو من هرب من المسلمين وفي الثانية ينجو بعض منهم ويهلك بعض وفي الثالثة يستأصلون كلهم قال أحمد في مسنده حدثنا أبو نعيم حدثنا بشير بن مهاجر حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن أمتي يسوقها قوم عراض الأوجه صغار الأعين كأن وجوههم الحجف ثلاث مرار حتى يلحقونهم بجزيرة العرب أما السابقة الأولى فينجو من هرب منهم وأما الثانية فيهلك بعض وينجو بعض وأما الثالثة فيصطلون كلهم من بقي منهم قالوا يا نبي الله من هم قال هم
[ 279 ]
الترك قال وأما الذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين قال وكان بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية بعد ذلك للحرب مما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم من البلاء من أمراء الترك قال القرطبي إسناده صحيح فانظر إلى سياق أحمد كيف خالف سياق أبي داود مخالفة بينة لا يظهر وجه الجمع بينهما وبوب القرطبي في التذكرة بلفظ باب في سياقة الترك للمسلمين وسياقة المسلمين لهم ثم أورد فيه رواية أحمد ورواية أبي داود المذكورتين وإني لست أدري ما مراده من تبويبه بهذا اللفظ إن أراد به الجمع بين روايتي أبي داود وأحمد بأنهما محمولان على زمانين مختلفين ففي زمان يكون سياقة النزل للمسلمين وفي زمان آخر يكون سياقه المسلمين لهم فهذا بعيد جدا كما لا يخفى على المتأمل وإن أراد غير هذا فالله تعالى أعلم بما أراد وعندي أن الصواب هي رواية أحمد وأما رواية أبي داود فالظاهر أنه قد وقع الوهم فيه من بعض الرواة ويؤيده ما في رواية أحمد من أنه بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية بعد ذلك للهرب مما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم من البلاء من أمراء الترك ويؤيده أيضا أنه وقع الشك لبعض رواة أبي داود ولذا قال في آخر الحديث أو كما قال ويؤيده ايضا انه وقعت الحوادث على نحو ما ورد رواية فقد قال القرطبي في التذكرة والحديث الأول أي حديث أحمد على خروجهم وقتالهم المسلمين وقتلهم وقد وقع على نحو ما أخبر صلى الله عليه وسلم فخرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصهم إلا الله يردهم عن المسلمين إلا الله حتى كأنهم يأجوج ومأجوج فخرج منهم في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وست مائة جيش من الترك يقال له الططر عظم في قتله الخطب والخطر وقضى له في قتل النفوس المؤمنة الوطر فقتلوا ما وراء النهر وما دونه من جميع بلاد خراسان ومحوا رسوم ملك بني ساسان وخربوا مدينة نشاور وأطلقوا فيها النيران وحاد عنهم من أهل خوارزم كل إنسان ولم يبق منهم إلا من اختبأ في المغارات والكهفان حتى وصلوا إليها وقتلوا وسبوا وخربوا البنيان وأطلقوا الماء على المدينة من نهر جيحان فغرق منها مباني الدار والأركان ثم وصلوا إلى بلاد نهشان % فخربوا مدينة الري وقزوين ومدينة أردبيل ومدينة مراغة كرسي بلاد آذربيجان وغير ذلك واستأصلوا ساقة من هذه البلاد من العلماء والأعيان واستباحوا قتل النساء وذبح الولدان ثم وصلوا إلى العراق الثاني وأعظم مدنه مدينة أصبهان ودور سورها أربعون ألف ذراع في غاية الارتفاع والإتقان وأهلها مشتغلون بعلم الحديث فحفظهم الله بهذا الشأن وأنزل عليهم مواد التأييد والإحسان فتلقوهم بصدور هي في الحقيقة صدور الشجعان وحققوا الخبر بأنها بلد الفرسان واجتمع فيها مائة ألف إنسان وأبرز الططر القتل في مضاجعهم وساقهم القدر المحتوم إلى مصارعهم فمرقوا عن أصبهان مروق السهم من الرمى ففروا منهم فرار
[ 280 ]
الشيطان في يوم بدر وله حصاص ورأوا أنهم إن وقفوا لم يكن من الهلاك خلاص وواصلوا السير بالسير إلى أن صعدوا جبل أربد فقتلوا جميع من فيه من صلحاء المسلمين وخربوا ما فيه من الجنات والبساتين وكانت استطالتهم على ثلثي بلاد المشرق الأعلى وقتلوا من الخلائق ما لا يحصى وقتلوا في العراق الثاني عدة يبعد أن تحصى وربطوا خيولهم إلى سواري المساجد والجوامع كما جاء في الحديث المنذر بخروجهم إلى أن قال وقطعوا السبيل وأخافوها فلا وجاسوا خلال الديار وطافوها منه وملأوا قلوب المسلمين رعبا وسحبوا ذيل الغلبة على تلك البلاد سحبا ولا شك أنهم هم المنذر بهم في الحديث وأن لهم ثلاث خرجات يصطلمون في الأخيرة منها قال القرطبي فقد كملت بحمد الله خرجاتهم : ولم يبق قتلتهم وقتالهم فخرجوا عن العراق الثاني والأول كما ذكرنا وخرجوا من هذا الوقت على العراق الثالث بغداد وما اتصل بها من البلاد وقتلوا جميع من فيها من الملوك والعلماء والفضلاء والعباد واستباحوا جميع من فيها من المسلمين وعبروا الفلاة إلى حلب وقتلوا جميع من فيها وخربوا إلى أن تركوها خالية ثم أو غلوا إلى أن ملكوا جميع الشام في مدة يسيرة من الأيام وفلقوا بسيوفهم الرؤوس والهام ودخل رعبهم الديار المصرية ولم يبق إلا اللحوق بالديار الأخروية فخرج إليهم من مصر الملك المظفر الملقب بظفر رضي الله عنه بجميع من معه من العساكر وقد بلغت القلوب الحناجر إلى أن التقى بهم بعين جالوت فكان له عليهم من النصر والظفر كما كان لطالوت فقتل منهم جمع كثير وعدد غزير وارتحلوا عن الشام من ساعتهم ورجع جميعه كما كان للإسلام وعدوا الفرات منهزمين ورأوا ما لم يشاهدوه منذ زمان ولا حين وراحوا خائبين وخاسئين مدحورين أذلاء صاغرين إنتهى كلام القرطبي بإختصار وقال الإمام ابن الأثير في الكامل حادثة التتار من الحوادث العظمى والمصائب الكبرى التي عقمت الدهور عن مثلها عمت الخلائق وخصت المسلمين فلو قال قائل إن العالم منذ خلقه الله تعالى إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها انتهى وقال الذهبي وكانت بلية لم يصب الإسلام بمثلها انتهى (أو كما قال) أي قال غير هذا اللفظ فهذا يدل على أن الراوي لم يضبط لفظ الحديث ولذا رجحت رواية أحمد والحديث سكت عنه المنذري
[ 281 ]
(باب في ذكر البصرة) (سعيد بن جمهان) بضم الجيم الأسلمي أبو حفص البصري وثقه ابن معين وأبو داود وابن حبان وقال أبو حاتم شيخ لا يحتج به وقال النسائي ليس به بأس (بغائط) الغائط المطمئن الواسع من الأرض (يسمونه البصرة) قال في القاموس البصرة بلدة معروفة ويكسر ويحرك ويكسر الصاد أو هو معرب بس راه أي كثير الطرق (عند نهر) بفتح الهاء ويسكن (دجله) بكسر الدال وبفتح نهر بغداد (جسر) أي قنطرة ومعبر (يكثر أهلها) أي أهل البصرة قال القاري في المرقاة في حاشية الشفاء للحلبي البصرة مثلث الباء والفتح أفصح بناها عتبة بن غزوان في خلافة عمر رضي الله عنه ولم يعبد الصنم قط على ظهرها والنسبة إليها بالكسر والفتح قال بعض والكسر في النسبة أفصح من الفتح قال ولعله لمجاورة كسر الراء (وتكون) أي البصرة (من أمصار المهاجرين) هذا لفظ محمد بن يحيى عن عبد الصمد وروى محمد بن يحيى عن أبي معمر من أمصار المسلمين وإليه أشار أبو داود بقوله قال ابن يحيى إلخ قال الأشراف أراد صلى الله عليه وسلم بهذه المدينة مدينة السلام بغداد فإن الدجلة هي الشط وجسرها أحمد في وسطها لا في وسط البصرة وإنما عرفها النبي صلى الله عليه وسلم ببصرة لأن في بغداد موضعا خارجيا منه قريبا من بابه يدعى باب البصرة فسمى النبي صلى الله عليه وسلم بغداد باسم بعضها أو على حذف المضاف كقوله تعالى واسأل القرية وبغداد ما كانت مبنية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الهيئة ولا كان مصرا من الأمصار في عهده صلى الله عليه وسلم ولذا قال صلى الله عليه وسلم ويكون من أمصار المسلمين بلفظ الاستقبال بل كان في عهده قرى متفرقة بعد ما خرجت مدائن كسرى منسوبة إلى البصرة محسوبة من أعمالها هذا وإن أحدا لم يسمع في زماننا بدخول الترك البصرة قط على سبيل القتال والحرب ومعنى الحديث أن بعضا من أمتي ينزلون عند دجلة ويتوطنون بعد ثمة ويصير ذلك الموضع مصرا من أمصار المسلمين وهو بغداد ذكره القاري (فإذا كان) أي الأمر والحال فاسمه مضمر (جاء بنو قنطوراء) بفتح القاف وسكون النون
[ 282 ]
ممدودا كذا ضبط وقال القاري مقصورا وقد يمد أي يجيئون ليقاتلوا أهل بغداد وقال بلفظ جاء دون يجئ إيذانا بوقوعه فكأنه قد وقع وبنو قنطوراء اسم أبي الترك وقيل اسم جارية كانت للخليل عليه الصلاة والسلام ولدت له أولادا جاء من نسلهم الترك وفيه نظر فإن الترك من أولاد يافث بن نوح وهو قبل الخليل بكثير كذا ذكره بعضهم ويمكن دفعه بأن الجارية كانت من أولاد يافث أو المراد بالجارية بنت منسوبة للخليل لكونها من بنات أولاده وقد تزوجها واحد من أولاد يافث فأتت بأبي هذا الجيل فيرتفع الإشكال انتهى (عراض الوجوه) بدل أو عطف بيان (على شط النهر) أي على جانب النهر قال في المصباح الشط جانب النهر وجانب الوادي (ثلاث فرق) بكسر ففتح جمع فرقة (يأخذون أذناب البقر) أي أن فرقة يعرضون عن المقاتلة هربا منها وطلبا لخلاص أنفسهم ومواشيهم ويحملون على البقر فيهيمون يقول في البوادي ويهلكون فيها أو يعرضون عن المقاتلة ويشتغلون بالزراعة ويتبعون البقر للحراثة إلى البلاد الشاسعة فيهلكون (وفرقة يأخذون لأنفسهم) أي يطلبون أو يقبلون من بني قنطوراء (فرقة يجعلون ذراريهم) أي أولادهم الصغار والنساء (ويقاتلوهم وهم الشهداء) أي الكاملون قال القاري وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم فإنه وقع كما أخبر وكانت هذه الواقعة في صفر سنة ست وخمسين وست مائة انتهى قال المنذري في إسناده سعيد بن جمهان وثقة يحيى بن معين وأبو داود السجستاني وقال أبو حاتم الرازي شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به (الحناط) بالمهملة وهو موسى بن أبي عيسى (يمصرون أمصارا) أي يتخذون بلادا والتمصير الذي اتخاذ المصر (وإن مصرا منها) أي من الأمصار (فإن أنت مررت بها أو دخلتها) أو للتنويع لا للشك (فإياك وسباخها) أي فاحذر سباخها لأن وهو بكسر السين جمع سبخة بفتح فكسر أي أرض ذات ملح وقال الطيبي هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر (وكلاءها) ككتاب موضع بالبصرة قاله في فتح الودود وقال القاري بفتح الكاف وتشديد اللام ممدودا موضع بالبصرة انتهى قال الحافظ بن الأثير في النهاية الكلاء بالتشديد والمد الموضع الذي تربط فيه السفن
[ 283 ]
ومنه سوق الكلاء بالبصرة انتهى (وسوقها) إما لحصول الغفلة فيها أو لكثرة اللغو بها أو فساد العقود ونحوها (وباب أمرائها) أي لكثرة الظلم الواقع بها (وعليك بضواحيها) جمع الضاحية وهي الناحية البارزة للشمس وقيل المراد بها جبالها وهذا أمر بالعزلة فالمعنى الزم نواحيها (فإنه يكون بها) أي بالمواضع المذكورة (خسف) أي ذهاب في الأرض وغيبوبة فيها (وقذف) أي ريح شديدة باردة أو قذف الأرض الموتى بعد دفنها أو رمى أهلها بالحجارة بأن تمطر عليهم قاله القاري قلت الظاهر المناسب ههنا هو المعنى الأخير كما لا يخفى (ورجف) أي زلزلة شديدة (وقوم) أي فيها قوم (يبيتون) أي طيبين (يصبحون قردة وخنازير) قال الطيبي المراد به المسخ وعبر عنه بما هو أشنع انتهى وقيل في هذا إشارة إلى أن بها قدرية لأن الخسف والمسخ إنما يكون في هذه الأمة للمكذبين بالقدر قال السيوطي في مرقاة الصعود هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات من غير الطريق الذي أخرجه منها المصنف وغفل عن هذا الطريق وقد تعقبه فيما كتبته على كتابه وقال الحافظ صلاح الدين العلائي هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات من طريق أبي يعلى الموصلي أخبرنا عمار بن زوبى أخبرنا النضر بن أنس عن أبيه عن جده عن أنس وتعلق فيه بعمار بن زوبى وهو متهم وهم كما قال لكنه لم يتفرد به عمار بل له سند اخر عند أبي داود رجاله كلهم رجال الصحيح وليس به إلا عدم الجزم باتصاله لقول عبد العزيز فيه لا أعلمه إلا ذكره عن موسى بن أنس ولكن هذا يقتضي غلبة الظن به وذلك كاف في أمثاله انتهى قال المنذري لم يجزم الرواي به قال لا أعلمه إلا ذكره عن موسى بن أنس أخبرنا إبراهيم بن صالح بن درهم) بكسر الدال الباهلي أبو محمد البصري فيه ضعف وأبوه صالح بن درهم وثقه بن معين قاله الحافظ في التقريب (حاجين) أي مريدين الحج (فإذا رجل) أي واقف والمراد به أبو هريرة (إلى جنبكم قرية) بحذف الاستفهام (يقال لها الأبلة) بضم الهمزة وتشديد اللام البلد المعروف قرب البصرة من جانبها البحري كذا في النهاية وهي أحد المنتزهات الأربع وهي أقدم من البصرة ذكره القاري (من يضمن) استفهام
[ 284 ]
للالتماس وقد والسؤال والمعنى من يتقبل ويتكفل (لي) أي لأجلي (أن يصلي لي) أي بنيتي (في مسجد العشار) بفتح العين المهملة وتشديد الشين مسجد مشهور يتبرك بالصلاة فيه ذكره ميرك (ركعتين أو أربعا) أي أربع ركعات أو للتنويع أو بمعنى بل (ويقول) أي عند النية أو بعد فراغ الصلاة (هذه) أي الصلاة أو ثوابها (للأبي هريرة) فإن قيل الصلاة عبادة بدنية ولا تقبل النيابة فما معنى قول أبي هريرة قلنا يحتمل أن يكون هذا مذهب أبي هريرة قاس الصلاة على الحج وإن كان في الحج شائبة مالية ويحتمل أن يكون معناه ثواب هذه الصلاة لأبي هريرة فإن ذلك جوزه بعضهم كذا ذكره الطيبي رحمه الله قال القاري وقال علماؤنا الأصل في الحج عن الغير أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره من الأموات والأحياء حجا أو صلاة أو صوما أو صدقة أو غيرها كتلاوة القرآن والأذكار فإذا فعل شيئا من هذا وجعل ثوابه لغيره جاز ويصل إليه عند أهل السنة والجماعة انتهى قلت قد حقق هذا البحث في موضعه وليس هذا موضعه (أبا القاسم) بدل أو عطف بيان (لا يقوم) أي من القبور أو في المرتبة (مع شهداء بدر غيرهم) ولم يعرف أنهم من شهداء هذه الأمة أو من الأمم السابقة قاله القاري (هذا المسجد مما يلي النهر) أي نهر الفرات قال المنذري إبراهيم بن صالح بن درهم ذكره البخاري في التاريخ الكبير وذكر له هذا الحديث وقال لا يتابع عليه وذكره أبو جعفر العقيلي وقال فيه إبراهيم هذا وأبوه ليسا بمشهورين والحديث غير محفوظ وذكر الدارقطني أن إبراهيم هذا ضعيف (باب ذكر الحبشة) (موسى بن جبير) هكذا في أكثر النسخ وكذا في أطراف المزي وفي بعض الأصول
[ 285 ]
محمد بن جبير والله أعلم (اتركوا الحبشة) بالتحريك جيل من السودان معروف (ما تركوكم) أي مدة دوام تركهم لكم لما يخاف من شرهم إليه بقوله (فإنه لا يستخرج كنز الكعبة) أي المال المدفون فيها (إلا) عبد حبشي لقبه (ذو السويقتين) بالتصغير تثنية سويقة أي هو دقيقهما جدا والحبشة وإن كان شأنهم دقة السوق لكن هذا متميز بمزيد من ذلك يعرف به وقال النووي هما تصغير ساقي الإنسان لرقتهما وهي صفة سوق السودان غالبا ولا يعارض هذا قوله تعالى حرما آمنا لأن معناه آمنا إلى قرب القيامة وخراب الدنيا وقيل يخص منه قصة ذي السويقتين قال القاضي القول الأول أظهر انتهى وقال السيوطي ذكر الحليمي وغيره أن ظهور ذي السويقتين في وقت عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام بعد هلاك يأجوج ومأجوج فيبعث عيسى إليه طليعة ما بين السبعمائة إلى ثمان مائة فبينما هم يسيرون إليه إذ بعث الله ريحا يمانية طيبة فتقبض فيها روح كل مؤمن انتهى قلت لا بد لهذا من سند صحيح وإلا فالله تعالى أعلم بوقت خروجه قال المنذري وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة (باب أمارت الساعة) جمع أمارة كعلامة وزنا ومعنى أي علامات القيامة (عن أبي زرعة) قال المنذري هو ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي واسمه هرم ويقال عمرو ويقال عبد الرحمن ويقال عبيد الله وقال الحافظ في التقريب أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي قيل اسمه هرم وقيل عمرو وقيل عبد الله وقيل عبد الرحمن وقيل جرير ثقة من الثالثة (إلى مروان) هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو عبد الملك الأموي المدني ولي الخلافة في آخر سنة أربع وستين ومات سنة خمس في رمضان لا يثبت له صحبة (فسموه) أي مروان (في الآيات) أي علامات القيامة (قال) أي أبو زرعة
[ 286 ]
(فحدثته) أي ذكرت له ما حدث مروان من أول الآيات الدجال (فقال عبد الله) بن عمرو (لم يقل) أي مروان (شيئا) أي لم يقل شيئا يعتبر به ويعتد وقال في فتح الودود يريد أن ما قاله باطل لا أصل له لكن نقل البيهقي عن الحليمي أن أول الآيات ظهور الدجال ثم نزول عيسى عليه الصلاة والسلام ثم خروج يأجوج ومأجوج ثم خروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها وذلك لأن الكفار يسلمون في زمان عيسى عليه السلام حتى تكون الدعوة واحدة فلو كانت الشمس طلعت من مغربها قبل خروج الدجال ونزل عيسى لم ينفع الكفار إيمانهم أيام عيسى ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا ولذلك أول بعضهم هذا الحديث بأن الآيات إما أمارات دالة على قرب القيامة وعلى وجودها ومن الأول الدجال ونحوه ومن الثاني طلوع الشمس ونحوه فأولية طلوع الشمس إنما هي بالنسبة إلى القسم الثاني (إن أول الآيات خروجا أي) ظهورا ضحى بالتنوين أي وقت ارتفاع النهار قال العلقمي قال ابن كثير أي أول الآيات التي ليست مألوفة وإن كان الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام قبل ذلك وكذلك خروج يأجوج ومأجوج كل ذلك أمور مألوفة لأنهم بشر مشاهدتهم وأمثالهم مألوفة فإن خروج الدابة على شكل غريب غير مألوف ومخاطبتها الناس ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر فأمر خارج عن مجاري العادات وذلك أول الآيات الأرضية كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية إنتهى (وقال القرطبي في التذكرة) روى ابن الزبير أنها جمعت من كل حيوان فرأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إبل وعنقها عنق النعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصل ومفصل اثني عشر ذراعا ذكره الثعلبي والماوردي وغيرهما ذكره العزيزي (فأيتهما) بشدة الثناة التحتية (فالأخرى على أثرها) بفتحتين وبكسر فسكون أي تحصل عقبها (قال عبد الله) أي ابن عمرو (وكان يقرأ الكتب) جملة حالية وقائلها أبو زرعة أي والحال أن عبد الله بن عمرو كان يقرأ الكتب أي التوراة ونحوها من الكتب السماوية فالظاهر أن ما قاله عبد الله يكون مكتوبا فيها أو مستنبطا منها (وأظن أولهما خروجا إلخ) مقوله قال قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه قصة مروان
[ 287 ]
عامر بن واثلة) الكنائي الليثي أبو الطفيل ولد عام أحد وهو آخر من مات من جميع الصحابة على الإطلاق رضي الله تعالى عنهم (عن أبي الطفيل) هو عامر بن واثلة أي قال مسدد في روايته عن عامر بن واثلة وقال هناد عن أبي الطفيل (عن حذيفة بن أبي أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين (الغفاري) بكسر الغين المعجمة نسبة إلى قبيلة منهم أبو ذر (في ظل غرفة) بالضم العلية قاله في القاموس وفي الفارسية برواره أي بالإخانة بركناه علي بام (لرسول الله) صفة لغرفة أي غرفة كائنة لرسول الله وفي رواية لمسلم كان رسول الله في غرفة ونحن تحتها نتحدث (فذكرنا الساعة) أي أمر القيامة واحتمال قيامها في كل ساعة (لن تكون أو لن تقوم) شك من الراوي (طلوع الشمس من مغربها) قال السيوطي قال الكرماني فإن قلت إن أهل الهيئة بينوا أن الفلكيات بسيطة لا تختلف مقتضياتها ولا يتطرق إليها خلاف ما هي عليه قلت قواعدهم منقوضة ومقدماتهم ممنوعة وإن سلمنا صحتها فلا امتناع في انطباق منطقة البروج على معدل النهار بحيث يصير المشرق مغربا وعكسه انتهى وروى البخاري في تاريخه وأبو الشيخ في العظمة عن كعب قال إذا أراد الله أن يطلع الشمس من مغربها أدارها بالقطب فجعل مشرقها مغربها ومغربها مشرقها قلت إنا نشاهد كل يوم الفلك دائرا بقدرته تعالى من المشرق للمغرب فإذا قال له كم مقهقرا دورانك حتى من المغرب للمشرق كما قال ذلك بعكسه فكان فأي مانع يمنعه عند كل مؤمن وقد قال إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الله تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا انتهى قلت ما ذكر الكرماني من عدم الامتناع في انطباق منطقة البروج على المعدل بحيث يصير المشرق مغربا وعكسه ففيه نظر قد بينه العلامة الألوسي في تفسيره روح المعاني تحت الآية يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها الآية وخروج الدابة وهي المذكورة في قوله تعالى وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم الآية قال المفسرون هي دابة عظيمة تخرج من صدع في الصفا وعن ابن عمرو بن العاص أنها الجساسة المذكورة في حديث الدجال قاله النووي (وعيسى ابن مريم)
[ 288 ]
أي خروج عيسى عليه السلام وهو نزوله من السماء وفيه رد على من أنكر نزول عيسى بن مريم وهذا المنكر ضال مضل وسيأتي بحثه وقد سألني بعض الملاحدة هل جاء التصريح في الحديث بأن عيسى بن مريم عليه السلام تولد من غير أب قلت نعم أخرج عبد بن حميد الكشي في مسنده أنبأنا عبيد الله بن موسى قال أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال أمرنا رسول الله أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي فذكر الحديث وفيه قال النجاشي لجعفر ما يقول صاحبك في ابن مريم قال يقول فيه قول الله عز وجل وهو روح الله وكلمته أخرجه من العذراء البتول التي لم يقربها بشر قال فتناول النجاشي عودا من الأرض وقال يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده فأنا أشهد أنه رسول الله وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه أمكثوا في أرضي ما شئتم الحديث قلت هذا حديث إسناده صحيح والله أعلم (والدخان) قال الطيبي رحمه الله هو الذي ذكر في قوله تعالى يوم تأتي السماء بدخان مبين وذلك كان في عهد رسول الله انتهى وقال النووي في شرح مسلم تحت هذا الحديث هذا الحديث يؤيد قول من قال إن الدخان يأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام وأنه لم يأت بعد وإنما يكون قريبا من قيام الساعة وقال ابن مسعود إنما هو عبارة عما نال قريشا من القحط حتى كانوا يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدخان وقد وافق ابن مسعود جماعة وقال بالقول الآخر حذيفة وابن عمر والحسن ورواه حذيفة عن النبي وأنه يمكث في الأرض أربعين يوما ويحتمل أنهما دخانان للجمع بين هذه الآثار انتهى وقال القرطبي في التذكرة قال ابن دحية والذي يقتضيه النظر الصحيح حمل ذلك على قضيتين إحداهما وقعت وكانت الأخرى ستقع وتكون فأما التي كانت فهي التي كانوا يرون فيها كهيئة الدخان غير الدخان الحقيقي الذي يكون عند ظهور الآيات التي هي من الأشراط والعلامات ولا يمتنع إذا ظهرت هذه العلامة أن يقولوا (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) فيكشف عنهم ثم يعودون لقرب الساعة وقول ابن مسعود رضي الله عنه لم يسنده إلى النبي إنما هو من تفسيره وقد جاء النص عن رسول الله بخلافه
[ 289 ]
قال القرطبي وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنهما دخانان قال مجاهد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول هما دخانان قد أمضى أحدهما والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض انتهى (وثلاث خسوف) قال ابن الملك قد وجد الخسف في مواضع لكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد كأن يكون أعظم مكانا وقدرا (خسف) بالجر على أنه بدل مما قبله وبالرفع على تقدير أحدها أو منها (وآخر ذلك) أي ما ذكر من الآيات (من قعر عدن) أي أقصى أرضها وهو غير منصرف وقيل منصرف باعتبار البقعة والموضع ففي المشارق عدن مدينة مشهورة باليمن وفي القاموس عدن محركة جزيرة باليمن (تسوق) أي تطرد النار (إلى المحشر) بفتح الشين ويكسر أي إلى المجمع والمواقف قيل المراد من المحشر أرض الشام إذ صح في الخبر أن الحشر يكون في أرض الشام لكن الظاهر أن المراد أن يكون مبتدؤه منها أو تجعل واسعة تسع خلق العالم فيها قاله القاري وقد قيل إن أول الآيات الدخان ثم خروج الدجال ثم نزول عيسى عليه السلام ثم خروج يأجوج ومأجوج ثم خروج الدابة ثم طلوع الشمس من مغربها فإن الكفار يسلمون في زمن عيسى عليه السلام حتى تكون الدعوة واحدة ولو كانت الشمس طلعت من مغربها قبل خروج الدجال ونزوله لم يكن الإيمان مقبولا من الكفار فالواو لمطلق الجمع فلا يرد أن نزوله قبل طلوعها ولا ما ورد أن طلوع الشمس أول الآيات وقال في فتح الودود قيل أول الآيات الخسوفات ثم خروج الدجال ثم نزول عيسى عليه السلام ثم خروج يأجوج ومأجوج ثم الريح التي تقبض عندها أرواح أهل الإيمان فعند ذلك تخرج الشمس من مغربها ثم تخرج دابة الأرض ثم يأتي الدخان قال صاحب فتح الودود والأقرب في مثله التوقف والتفويض إلى عالمه انتهى قلت ذكر القرطبي في تذكرته مثل هذا الترتيب إلا أنه جعل الدجال مكان الدخان وذكر البيهقي عن الحاكم مثل ترتيب القرطبي وجعل خروج الدابة قبل طلوع الشمس من مغربها فالظاهر بل المتعين هو ما قال صاحب فتح الودود من أن الأقرب في مثله هو التوقف والتفويض إلى عالمه وإني أسرد كلام القرطبي بعينه لتكميل الفائدة قال القرطبي في التذكرة في كشف أحوال الموتى وأمور الآخرة باب العشر الآيات التي تكون قبل الساعة وبيان قوله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر روي عن حذيفة أنه قال كنا جلوسا بالمدينة في ظل حائط وكان رسول الله في غرفة فأشرف علينا فقال ما يجلسكم فقلنا نتحدث قال فيماذا فقلنا عن الساعة فقال إنكم لا ترون الساعة حتى ترون
[ 290 ]
قبلها عشر آيات أولها طلوع الشمس من مغربها ثم الدخان ثم الدجال ثم الدابة ثم ثلاث خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وخروج عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج ويكون آخر ذلك نار تخرج من اليمن من قعرة لا تدع أحدا خلفها إلا تسوقه إلى المحشر ذكره القتيبي في عيون الأخبار له وخرجه مسلم بمعناه وعن حذيفة قال اطلع علينا رسول الله من غرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال لا تقوم الساعة حتى يكون عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدجال والدخان والدابة ويأجوج ومأجوج وخروج عيسى بن مريم وثلاث خسوفات خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا خرجه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن وفي رواية الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم وثلاث خسوفات خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم وفي البخاري عن أنس قال قال النبي أول إشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وفي مسلم عن عبد الله بن عمرو قال حفظت من رسول الله يقول أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا منها وفي حديث حذيفة مرفوعا ثم قال كأني أنظر إلى حبشي الحديث قال القرطبي جاءت هذه الآيات في هذه الأحاديث مجموعة غير مرتبة ما عدا حديث حذيفة المذكور أولا فإن الترتيب فيه بثم وليس الأمر كذلك على ما سنبينه وقد جاء ترتيبها من حديث حذيفة أيضا قال كان رسول الله في غرفة ونحن في أسفل منه فاطلع إلينا فقال ما تذكرون قلنا الساعة قال إن الساعة لا تكون حتى تروا عشر آيات خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس وقال بعض الرواة في العاشرة نزول عيسى بن مريم وقال بعضهم وريح تلقي الناس في البحر أخرجه مسلم فأول الآيات على ما في هذه الرواية الخسوفات الثلاث وقد وقع بعضعها في زمن
[ 291 ]
النبي ذكره ابن وهب وذكر أبو الفرج ابن الجوزي أنه وقع بعراق العجم زلازل وخسوفات تعالى هلك بسببها خلق كثير قال القرطبي وقد وقع ذلك عندنا بشرق الأندلس فيما سمعناه من بعض مشائخنا ووقع في هذا الحديث دابة الأرض قبل يأجوج ومأجوج وليس كذلك فإن أول الآيات ظهور الدجال ثم نزول عيسى عليه السلام ثم خروج يأجوج ومأجوج فإذا قتلهم الله بالنغف في أعناقهم وقبض الله تعالى نبيه عيسى عليه السلام وخلت الأرض منه وتطاولت الأيام على الناس وذهب معظم دين الإسلام أخذ الناس في الرجوع إلى عاداتهم وأحدثوا الأحداث من الكفر والفسوق كما أحدثوه بعد كل قائم نصبه الله تعالى بينه وبينهم حجة عليهم ثم قبضه الله تعالى فيخرج الله تعالى لهم دابة الأرض فتميز المؤمن من الكافر ليرتدع بذلك الكفار عن كفرهم والفساق عن فسقهم ويستبصروا وينزعوا عن ما هم فيه من الفسوق والعصيان ثم تغيب الدابة عنهم ويمهلون فإذا أصروا على طغيانهم وعصيانهم طلعت الشمس من مغربها ولم يقبل بعد ذلك لكافر ولا فاسق توبة وأزيل الخطاب والتكليف عنهم ثم كان قيام الساعة على أثر ذلك قريبا لأن الله تعالى قال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فإذا قطع عنهم التعبد لم يقرهم بعد ذلك في الأرض زمانا طويلا وأما الدخان فروي من حديث حذيفة أن من أشراط الساعة دخانا يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث في الأرض أربعين يوما فأما المؤمن فيصيبه منه شبه الزكام وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج الدخان من أنفه وعينيه وأذنيه ودبره انتهى كلام القرطبي قلت حديث حذيفة بن أسيد إسناده صحيح ورجاله رجال ثقات الصحيحين مسدد بن مسرهد البصري أخرج عنه الأئمة الستة غير مسلم وابن ماجه وقال فيه ابن معين ثقه متقن وأما هناد بن السري فأخرج عنه مسلم وأصحاب السنن ووثقه النسائي وأما أبو الأحوص فهو سلام بن سليم الحافظ أخرج له الأئمة الستة قال فيه ابن معين ثقه ثقه وأما فرات البصري القزاز فأخرج له الأئمة الستة ووثقه النسائي وأما عامر بن واثلة أبو الطفيل فصحابي أخرج له الأئمة الستة وأما حذيفة بن أسيد أبو سريحة فصحابي أخرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة والحديث أخرجه مسلم بقوله حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر المكي قالوا أخبرنا سفيان بن عيينة عن فرات القزاز عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال اطلع النبي علينا ونحن نتذاكر فقال ما تذكرون قالوا نذكر الساعة قال إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة
[ 292 ]
وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم الحديث ثم قال حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري أخبرنا أبي أخبرنا شعبة عن فرات القزاز عن أبي الطفيل عن أبي سريحة قال كان النبي في غرفة فذكر الحديث قال شعبة وحدثني عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عن أبي سريحة مثل ذلك لا يذكر النبي وقال أحدهما في العاشرة نزول عيسى بن مريم وقال اخر ريح تلقي الناس في البحر وحدثنا محمد بن بشار أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن فرات قال سمعت أبا الطفيل عن أبي سريحة قال كان رسول الله في غرفة فذكر الحديث قال شعبة وحدثني رجل هذا الحديث عن أبي الطفيل عن أبي سريحة ولم يرفعه قال أحد هذين الرجلين نزول عيسى بن مريم وقال آخر ريح تلقيهم في البحر وحدثنا محمد بن مثنى أخبرنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي أخبرنا شعبة عن فرات قال سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة قال كنا نتحدث فأشرف علينا رسول الله بنحو حديث معاذ وابن جعفر وقال ابن مثنى أخبرنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله أخبرنا شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عن أبي سريحة بنحوه قال والعاشرة نزول عيسى بن مريم قال شعبة ولم يرفعه عبد العزيز انتهى من صحيح مسلم وإسناده فرات القزاز مما استدركه الإمام الدارقطني وقال ولم يرفعه غير فرات عن أبي الطفيل من وجه صحيح قال ورواه عبد العزيز بن رفيع وعبد الملك بن ميسرة موقوفا كلام الدارقطني وقد ذكر الإمام الحجة مسلم رواية ابن رفيع موقوفة كما قال الدارقطني ولكن لا يقدح هذا في رفع الحديث فإن فرات القزاز ثقه متقن متفق على توثيقه فزيادته مقبولة وروي عن الفرات سفيان بن عينية وأبو الأحوص وهما إمامان حافظان ثقتان وذكر في حديثهما عن الفرات ذكر نزول عيسى بن مريم عليه السلام متصلا مرفوعا إلى النبي والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي لفظ مسلم موضع نزول عيسى بن مريم عليه السلام وريح تلقي الناس في البحر وأخرجه هكذا من كلام حذيفة موقوفا لا يذكر النبي وفي لفظ الترمذي والعاشرة إما ريح تطرحهم في البحر وإما نزول
[ 293 ]
عيسى بن مريم ولفظ النسائي يخرج من قعر عدن أبين وأسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة ودال مهملة (وراها) أي الشمس طالعة من مغربها (آمن من عليها) أي من على الأرض وهي وإن لم تكن مذكورة في الحديث لكنه يفهم من السياق (فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانهم لم تكن آمنت من قبل) الجملة صفة نفس (أو) نفسا لم تكن (كسبت في إيمانها خيرا) طاعة أي لا تنفعها توبتها كما في الحديث كذا في تفسير الجلالين وقال الشيخ سليمان الجمل قوله (لا ينفع نفسا) أي نفسا كافرة أو مؤمنة عاصية ويكون قوله (لم تكن آمنت) راجعا للأولى وقوله (أو كسبت) راجعا للثانية ويكون التقدير لا ينفع نفسا إيمانها ولا توبتها من المعاصي ففي الكلام حذف دل عليه قوله أو كسبت ويكون فاعل لا ينفع أمران حذف منهما واحد وقد أشار الشارح للحذف بقوله أي لا تفعها فإن توبتها وقال قوله (نفسا) لم تكن كسبت إلخ أشار بهذا إلى أنه معطوف على المنفى وظاهر الآية يدل للمعتزلة القائلين بأن الإيمان المجرد عن الطاعة لا ينفع صاحبه وذلك لأن قوله لا ينفع نفسا إيمانهم لم تكن كسبت فيه خيرا صريح في ذلك ورد بأن في الآية حذفا كما تقدم تقديره فمبنى الشبهة أن الفاعل واحد هو المذكور فقط ومبنى ردها على أنه متعدد المذكور مقدر انتهى قلت لا شك في أن ظاهر الآية يدل على ما ذهب إليه المعتزلة وقد أطال الكلام في تأويل الآية والجواب عن المعتزلة (ذكره) العلامة الألوسي في تفسيره روح المعاني وقد بسط العلامة القاضي الشوكاني رحمه الله في الجواب عن التأويلات في تفسيره فتح القدير فعليك بمطالعتهما لينجلي عمر لك الحق وقال في جامع البيان أو كسبت في إيمانها خيرا عطف على آمنت أي لا ينفع الكافر إيمانه في ذلك الحين ولا الفاسق الذي ما كسب خيرا في إيمانه توبته فحاصله أنه من باب اللف التقديري أي لا ينفع نفسا إيمانها ولا كسبها في الإيمان إن لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فيه أي لا ينفعهم تلهفهم على ترك الإيمان بالكتاب ولا على ترك العمل بما فيه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه انتهى
[ 294 ]
(باب حسر الفرات عن كنز) الفرات كغراب النهر المشهور وهو بالتاء ويقال يجوز بالهاء كالتابوت والتابوه والعنكبوت والعنكبوه ذكر الحافظ والحسر الانكشاف يوشك) بكسر الشين أي يقرب (أن يحسر) بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه والحاء والسين مهملتان أي ينكشف (فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا) هذا يشعر بأن الأخذ منه ممكن وعلى هذا فيجوز أن يكون دنانير ويجوز أن يكون قطعا ويجوز أن يكون تبرا والذي يظهر أن النهي عن أخذه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه فقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتل عليه الناس فيقتل من كل مائة تسعة وتسعين ويقول كل رجل منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو وأخرج مسلم أيضا عن أبي بن كعب قال لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوشك أن ينحسر الفرات عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه فيقول من عنده لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله قال فيقتتلون عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون هذا تلخيص ما قال الحافظ في الفتح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (إلا أنه قال يحسر عن جبل من ذهب) يعني أن عبيد الله روى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مثل حديثه السابق إلا أن في هذه الرواية وقع لفظ عن جبل من ذهب وكان في الرواية السابقة لفظ عن كنز من ذهب قال الحافظ تسميته كنزا باعتبار حاله قبل أن ينكشف وتسميته جبلا للإشارة إلى كثرته
[ 295 ]
انتهى وقال القاري الظاهر أن القضية متحدة والرواية متعددة فالمعنى عن كنز عظيم مقدار جبل من ذهب ويحتمل أن يكون هذا غير الأول ويكون الجبل معدنا من ذهب انتهى قلت هذا الاحتمال غير ظاهر والظاهر هو الأول بل هو المتعين قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وقال المزي في الأطراف حديث يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب أخرجه البخاري في الفتن ومسلم فيه وأبو داود في الملاحم والترمذي في صفة الجنة وقال حسن صحيح انتهى (باب خروج الدجال) هو فعال بفتح أوله والتشديد من الدجل وهو التغطية وسمي الكذاب دجالا لأنه يغطي الحق بباطله وقال ابن دريد سمي دجالا لأنه يغطي الحق بالكذب وقيل لضربه نواحي الأرض يقال دجل مخففا ومشددا إذا فعل ذلك وقيل بل قيل ذلك لأنه يغطي الأرض فرجع إلى الأول وقال القرطبي في التذكرة اختلف في تسميته دجالا على عشرة أقوال عن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة اسم بلفظ النسب (بن حراش) بكسر المهملة وآخره معجمة (اجتمع حذيفة) هو ابن اليمان (وأبو مسعود) أي الأنصاري (لأنا بما مع الدجال أعلم منه) يحتمل أن الضمير للدجال فهذا مبني على أن الدجال لا يعلم باطن أمر الماء والنار كما يعلم حذيفة ويحتمل أنه لأبي مسعود بناء على ظن حذيفة أنه ما سمع هذا الحديث ثم ذكر أبو مسعود أنه أيضا سمع كذا في فتح الودود قلت الظاهر من رواية أبي داود هذه أن جملة لأنا بما مع لدجال وإن أعلم منه مقولة حذيفة وكذلك في رواية لمسلم ولكن في رواية أخرى لمسلم عن حذيفة قال قال رسول الله لأنا أعلم بما مع الدجال منه فهذه الرواية صريحة في أن هذه الجملة مقولة رسول الله فعلى هذا لا يتمشى الاحتمالان المذكوران في فتح الودود بل الاحتمال الأول هو المتعين فتفكر (إن معه) أي مع الدجال (فالذي ترون أنه نار ماء الخ) وفي حديث سفينة عند أحمد والطبراني معه واديان أحدهم جنة والآخر نار فناره جنة وجنته نار وفي حديث أبي سلمة عن أبي هريرة وأنه يجي معه مثل الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار أخرجه أحمد قال الحافظ في فتح الباري هذا كله يرجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي فإما أن يكون الدجال ساحرا
[ 296 ]
فيخيل الشئ بصورة عكسه وإما أن يجعل الله باطن الجنة التي يسخرها الدجال نارا وباطن النار جنة وهذا الراجح وإما أن يكون ذلك كناية عن النعمة والرحمة بالجنة وعن المحنة والنقمة بالنار فمن أطاعه فأنعم عليه بجنته يؤول أمره إلى دخول نار الآخرة وبالعكس ويحتمل ان يكون ذلك من جملة المحنة والفتنة فيرى الناظر الى ذلك من دهشته النار فيظنها جنة وبالعكس انتهى (فمن أدرك منكم ذلك) أي الدجال أو ما ذكر من تلبيسه (سيجده ماء) أي في الحقيقة أو بالقلب أو بحسب المال والله تعالى أعلم بالحال قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بمعناه مختصرا ومطولا ما بعث نبي إلا قد أنذر أمته الدجال) أي خوفهم به قال الحافظ في الفتح وفي حديث أبي عبيدة عند أبي داود والترمذي وحسنه لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر قومه الدجال وعند أحمد لقد أنذره نوح أمته والنبيون من بعده أخرجه من وجه آخر عن ابن عمر وقد استشكل إنذار نوح من قومه بالدجال مع أن الأحاديث قد ثبتت أنه يخرج بعد أمور ذكرت وأن عيسى يقتله بعد أن ينزل من السماء فيحكم بالشريعة المحمدية والجواب أنه كان وقت خروجه أخفى على نوح ومن بعده فكأنهم أنذروا به ولم يذكر لهم وقت خروجه فحذروا قومهم من فتنته ويؤيده قوله في بعض طرقه إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه فإنه محمول على أن ذلك كان قبل أن يتبين له وقت خروجه وعلاماته فكان يجوز أن يخرج في حياته ثم بين له بعد ذلك حاله ووقت خروجه فأخبر به فبذلك تجتمع الأخبار انتهى (ألا) حرف التنبيه (وإنه) أي الدجال (أعور وإن ربكم تعالى ليس بأعور) إنما اقتصر على ذلك مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة لكون العور أثر محسوس يدركه العالم والعامي ومن لا يهتدي إلى الأدلة العقلية فإذا ادعى الربوبية وهو ناقص الخلقة والإله يتعالى عن النقص علم أنه كاذب ذكره في الفتح (وإن بين عينيه مكتوب كافر) وفي بعض النسخ مكتوبا بالنصب وفي بعض نسخ البخاري الذي شرح الحافظ بن حجر عليه وإن بين عينيه مكتوب كافر قال الحافظ كذا للأكثر وللجمهور مكتوبا ولا إشكال فيه لأنه إما اسم إن وإما حال وتوجيه الأول
[ 297 ]
أنه حذف اسم إن والجملة بعده مبتدأ وخبر في موضع خبر إن والاسم المحذوف إما ضمير الشأن أو يعود على الدجال ويجوز أن يكون كافر مبتدأ والخبر بين عينيه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي في هذا الحديث) أي السابق (يقرؤه كل مسلم) وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب قال الحافظ وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء فهذا يراه المؤمن بغير بصره وإن كان لا يعرف الكتابة ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة كما يرى المؤمن الأدلة بغير (بعين) بصيرته ولا يراها الكافر فيخلق الله للمؤمن الإدراك دون تعلم لأن ذلك الزمان تنخرق فيه العادات في ذلك انتهى وقال النووي الصحيح الذي عليه المحققون أن الكتابة المذكورة حقيقة جعلها الله علامة قاطعة بكذب الدجال فيظهر الله المؤمن عليها ويخفيها على من أراد شقاوته وحكى عياض خلافا وأن بعضهم قال هي مجاز عن سمة الحدوث عليه وهو مذهب ضعيف ولا يلزم من قوله يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب أن لا تكون الكتابة حقيقة بل يقدر الله على غير الكاتب علم الإدراك فيقرأ ذلك وإن لم يكن سبق له معرفة الكتاب وكان السر اللطيف في أن الكاتب وغير الكاتب يقرأ ذلك لمناسبة أن كونه أعور يدركه كل من رآه فالله أعلم انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والحبحاب بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وبعدها حاء مهملة أيضا مفتوحة وبعد الألف باء بواحدة عن أبي الدهماء) بفتح المهملة وسكون الهاء والمد اسمه قرفة بكسر أوله وسكون الراء بعدها فاء بصري ثقة من الثالثة قاله الحافظ (من سمع بالدجال) أي بخروجه وظهوره (فلينأ) بفتح الياء وسكون النون وفتح الهمزة أمر غائب من نأى ينأى حذف الألف للجزم أي فليبعد (عنه) أي من الدجال (وهو) أي الرجل (يحسب) بكسر السين وفتحها أي يظن (أنه)
[ 298 ]
أي الرجل بنفسه (فيتبعه) بالتخفيف ويشدد أي فيطيع الدجال (مما يبعث به) بضم أوله ويفتح أي من أجل ما يثيره ويباشره (من الشبهات) أي المشكلات كالسحر وإحياء الموتى وغير ذلك فيصير تابعه كافرا وهو لا يدري (أو لما يبعث به من الشبهات) شك من الراوي (هكذا قال) هذا قول بعض الرواة أي هكذا قال شيخي على الشك وفي بعض النسخ قال هكذا قال نعم أي هل قال شيخك هكذا على الشك فقال نعم هكذا قال شيخي على الشك والحديث سكت عنه المنذري حدثني بحير) بكسر المهملة ابن سعيد السحولي وثقه النسائي (عن جنادة) بضم أوله ثم نون ابن أبي أمية الأزدي أبو عبد الله الشامي يقال اسم أبيه كثير مختلف في صحبته فقال العجلي تابعي ثقة والحق أنهما اثنان صحابي وتابعي متفقان في الأسم وكنية الأب ورواية جنادة الأزدي عن النبي في سنن النسائي ورواية جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت في الكتب الستة كذا في التقريب (حتى خشيت أن لا تعقلوا) أي لا تفهموا ما حدثتكم في شأن الدجال أو تنسوه لكثرة ما قلت في حقه قال الطيبي رحمه الله حتى غاية حدثتكم أي حدثتكم أحاديث شتى حتى خشيت أن يلتبس عليكم الأمر فلا تعقلوه فاعقلوه وقوله (إن المسيح الدجال) أي بكسر إن استئناف وقع تأكيدا لما عسى أن يلتبس عليهم انتهى وقيل خشيت بمعنى رجوت وكلمة لا زائدة ذكره القاري (قصير) هذا يدل على قصر قامة الدجال وقد ورد في حديث تميم الداري في شأن الدجال أنه أعظم انسان ووجه الجمع أنه لا يبعد أن يكون قصيرا بطينا عظيم الخلقة قال القاري وهو المناسب لكونه كثير الفتنة أو العظمة مصروفة إلى الهيبة قيل يحتمل أن الله تعالى يغيره عند الخروج (أفحج) بفاء فحاء فجيم كأسود هو الذي إذا مشى باعد بين رجليه كالمختتن فهو من جملة عيوبه كذا في مرقاة الصعود (جعد) بفتح جيم فسكون عين وهو من الشعر خلاف السبط أو القصير منه كذا في القاموس (أعور) أي إحدى عينيه (مطموس العين) أي ممسوحها بالنظر إلى
[ 299 ]
الأخرى قال في النهاية إن الدجال مطموس العين أي ممسوحها من غير بخص والطمس استئصال أثر الشئ والدجال سمي بالمسيح لأن عينه الواحدة ممسوحة ويقال رجل ممسوح الوجه ومسيح وهو أن لا يبقى على أحد شقي وجهه عين ولا حاجب إلا استوى انتهى وفي المصباح قال ابن فارس المسيح الذي مسح أحد شقي وجهه ولا عين ولا حاجب وسمي الدجال مسيحا لأنه كذلك انتهى وبالفارسية كور محو كرده شده جشم وعند الشيخين من حديث عبد الله قال قال رسول الله إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية (ليس بناتئة) أي مرتفعة فاعلة من النتوء (ولا جحراء) بفتح جيم وسكون حاء أي ولا غائرة والجملة المنفية مؤكدة ثبات العين الممسوحة وهي لا تنافي أن الأخرى ناتئة بارزة كنتوء حبة العنب قاله القاري وفي بعض النسخ ولا جخراء بجيم فخاء قال في المجمع هي الضيقة ذات غمص ورمص وامرأته جخراء إذا لم تكن نظيفة المكان وقال في النهاية في باب الجيم مع الحاء ولا جحراء أي غائرة منجحرة كما في نقرتها وقال الأزهري هي بالخاء وأنكر الحاء انتهى (فإن ألبس عليكم) بصيغة المجهول أي إن اشتبه عليكم أمر الدجال بنسيان ما بينت لكم من الحال أو إن لبس عليكم أمره بما يدعيه من الألوهية بالأمور الخارقة عن العادة قاله القاري قلت وفي بعض النسخ فإن التبس وهذا يؤيد الاحتمال الثاني من الاحتمالين اللذين ذكرهما القاري بل يعينه (فاعلموا أن ربكم ليس بأعور) أي أقل ما يجب عليكم من معرفة صفات الربوبية هو التنزيه عن الحدوث والعيوب لا سيما النقائص الظاهرة المرئية (قال أبو داود عمرو بن الأسود ولي القضاء) هو عمرو بن الأسود العنسي الدمشقي أحد زهاد الشام مخضرم ثقة عابد مات في خلافة معاوية أخرج أحمد في مسنده عن عمر من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله فلينظر إلى هدي عمر بن الأسود قال المنذري واخرجه النسائي وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال صفوان بن صالح الدمشقي) قال أبو داود حجة (أخبرنا الوليد) بن مسلم الدمشقي عالم الشام وثقه ابن مسهر والعجلي ويعقوب بن شيبة وصرح بالتحديث (أخبرنا ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي وثقه يحيى بن معين والعجلي وابن داود (حدثني يحيى بن جابر الطائي) وثقه العجلي ودحيم وقال أبو حاتم صالح الحديث (عن عبد
[ 300 ]
الرحمن بن جبير بن نفير) الحضرمي الشامي وثقه أبو زرعة والنسائي وابن سعد (عن أبيه) جبير بن نفير الشامي مخضرم وثقه أبو حاتم وهذا الحديث أخرجه مسلم من عدة طرق وهذا لفظه حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب أخبرنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص حدثني عبد الرحمن بن جبير عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي أنه سمع النواس بن سمع ان الكلابي وحدثني محمد بن مهران الرازي أخبرنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن يحيى بن جابر الطائي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه جبير بن نفير عن النواس بن سمعان فذكر الحديث بطوله حدثنا علي بن حجر الساعدي أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بهذا الإسناد (عن النواس) بتشديد الواو (ابن سمعان) بكسر السين وتفتح (إن يخرج وأنا فيكم) أي موجود فيما بينكم فرضا وتقديرا (فأنا حجيجه) فعيل بمعنى الفاعل من الحجة وهي البرهان أي غالب عليه بالحجة وفي المجمع أي محاجة ومغالبة بإظهار الحجة عليه والحجة الدليل والبرهان حاججته حجاجا ومحاجة فأنا محاج وحجيج (دونكم) أي قدامكم ودافعه عنكم وأنا إمامكم وأمامكم وفيه إرشاد إلى أنه كان في المحاجة معه غير محتاج إلى معاونة معاون من أمته في غلبته عليه بالحجة كذا ذكره الطيبي فإن قيل أو ليس قد ثبت في الصحيح أنه يخرج بعد خروج المهدي وأن عيسى يقتله وغيرها من الوقائع الدالة على أنه لا يخرج في زمنه يقال هو تورية للتخويف ليلجئوا إلى الله من شره وينالوا فضله أو يريد عدم علمه بوقت خروجه كما أنه لا يدري متى الساعة قاله في المجمع وقال القاري نقلا عن المظهر يحتمل أن يريد تحقق خروجه والمعنى لا تشكوا في خروجه فإنه سيخرج لا محالة وأن يريد به عدم علمه بوقت خروجه كما أنه كان لا يدري متى الساعة قال الطيبي رحمه الله والوجه الثاني من الوجهين هو الصواب لأنه يمكن أن يكون قوله هذا قبل علمه بذلك انتهى قلت وهذا هو الظاهر وبذلك تجتمع الأخبار كما تقدم (فامرؤ) مبتدأ وخبره ما بعده (حجيج نفسه) بالرفع فاعل حجيج أي فكل امرئ يحاجه ويحاوره ويغالبه لنفسه قاله الطيبي قال القاري أي ليدفع شره عن نفسه بما عنده من الحجة لكن هذا على تقدير أنه يسمع الحجة وإلا فالمعنى أن كل أحد يدفع عن نفسه شره بتكذيبه واختيار صورة تعذيبه انتهى (والله خليفتي على كل مسلم) يعني والله سبحانه ولي كل مسلم وحافظه فيعينه عليه
[ 301 ]
ويدفع شره (فليقرأ عليه بفواتح سورة الكهف) أي أوائلها (فإنها جواركم) بكسر الجيم أي أمانكم (وما لبثه) بفتح لام وسكون موحدة أي ما قدر مكثه وتوقفه (قال أربعون يوما يوم) أي من تلك الأربعين (كسنة) أي في الطول (وسائر أيامه) أي بواقي أيامه قال النووي قال العلماء هذا الحديث على ظاهره وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القدر المذكور في الحديث يدل عليه قول وسائر أيامه كأيامكم انتهى قلت فما قيل المراد منه أن اليوم الأول لكثرة غموم المؤمنين وشدة بلاء اللعين يرى لهم كالسنة وفي اليوم الثاني يهون كيده ويضعف مبتدأ أمره فيرى كشهر والثالث يرى كجمعه لأن الحق في كل وقت يزيد قدرا والباطل ينقص حتى ينمحق أثرا أو لأن الناس كلما اعتادوا بالفتنة والمحنة يهون عليهم إلى أن تضمحل شدتها مردود وباطل (أقدروا له قدره) قال القاري نقلا عن بعض الشراح أي أقدروا الوقت صلاة يوم في يوم كسنة مثلا قدره أي قدره الذي كان له في سائر الأيام كمحبوس اشتبه عليه الوقت انتهى وقال النووي معنى أقدروا له قدره أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب وكذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم وقد وقع فيه صلوات سنة فرائض كلها مؤادة في وقتها وأما الثاني الذي كشهر والثالث الذي كجمعة فقياس اليوم الأول أي يقدر لهما كاليوم على ما ذكرناه انتهى وقال القاضي وغيره هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع قالوا ولولا هذا الحديث ووكلنا إلى اجتهادنا لاقتصرنا فيه على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام نقله النووي (عند المنارة البيضاء شرقي دمشق) المنارة بفتح الميم قال النووي وهذه المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق انتهى وفي مرقاة الصعود للسيوطي قال الحافظ عماد الدين بن كثير قد جدد بناء منارة في زماننا في سنة إحدى وأربعين وسبع مائة من حجارة بيض وكان بناؤها من أموال النصارى الذين حرقوا المنارة التي كانت مكانها ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة حيث قيض الله تعالى بناء هذه المنارة البيضاء من أموال النصارى لينزل عيسى عليه السلام (شرقي) بالنصب على الظرفية وهو مضاف إلى (دمشق) بكسر الدال وفتح الميم وتكسر (فيدركه) أي يدرك عيسى عليه السلام
[ 302 ]
الدجال (عند باب لد) بضم لام وتشديد دال مصروف وهو بلدة قر يبة من بيت المقدس قاله النووي وقال في المجمع موضع بالشام وقيل بفلسطين ولفظ مسلم فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم عليه السلام فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدرك بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى عليه السلام أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها فيمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ويحصر نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملاه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه فذكر الحديث بطوله فهذا الحديث الصحيح صريح في أن نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام ينزل من السماء واضعا كفيه على أجنحة ملكين عند قرب الساعة فيقتل الدجال الموعود المنذر به وهو حجة قاطعة على من أنكر من أهل الضلال والفساد نزول عيسى بن مريم من السماء والله تعالى أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا ولفظ الترمذي من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال ولفظ النسائي وابن ماجه من قرأ عشر ايات من الكهف عصم من فتنة الدجال (عن السيباني) بالسين المهملة أبي زرعة ويحيى بن أبي عمر وكذا نسبه في الأطراف (نحوه) أي نحو الحديث المتقدم والمؤلف أورد حديث أبي أمامة الباهلي مختصرا وأحال على ما قبله وساقه ابن ماجه بتمامه وفيه فقالت أم شريك يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصل
[ 303 ]
بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام افتحوا الباب فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربا ويقول عيسى عليه السلام إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله فذكر الحديث وفيه قال رسول الله فيكون عيسى بن مريم عليه السلام في أمتي حكما عدلا وإماما مقسطا يدق الصليب ويذبح الخنزير ويضع الجزية فذكره بطوله ورواية ابن ماجه فيها ضعف إسماعيل بن رافع قد ضعف وأما إسناد المؤلف لحديث أبي أمامة فصحيح ورواته كلهم ثقات عيسى ابن محمد الرملي وثقه أبو زرعة وأما ضمرة بن ربيعة الرملي فوثقه يحيى بن معين وأحمد والنسائي وابن سعد وأما يحيى بن أبي عمرو السيباني فوثقه أحمد ودحيم وابن خراش والعجلي وأما عمرو بن عبد الله السيباني فوثقه ابن حبان وذكره في ثقات التابعين والله أعلم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه عن معدان بن أبي طلحة عن حديث أبي الدرداء) وفي صحيح مسلم عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء أن نبي الله وهكذا في سنن الترمذي (عصم) بصيغة المجهول أي وفي وحفظ (من فتنة الدجال) أي من آفاته (قال أبو داود وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة) عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء كما رواه همام عن قتادة بإسناده مثله (إلا أنه) أي هشام الدستوائي (قال من حفظ من خواتيم سورة الكهف إلخ) فهشام الدستوائي وهمام كلاهما اتفقا في إسناد هذا الحديث عن قتادة إلى أبي الدرداء لكن إختلفا في متن الحديث فقال همام في روايته من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف وقال هشام من حفظ من
[ 304 ]
خواتيم سورة الكهف وتابع هشاما شعبة فقال عن قتادة من آخر سورة الكهف هذا معنى كلام المؤلف الإمام وهو مخالف لما في صحيح مسلم فإن مسلما أخرجه في فضائل القرآن من كتاب الصلاة بقوله حدثنا محمد بن المثنى قال أخبرنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرادء أن نبي الله قال من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرنا شعبة ح وحدثني زهير بن حرب قال أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي قال أخبرنا همام جميعا عن قتادة بهذا الإسناد قال شعبة من آخر الكهف وقال همام من أول الكهف كما قال هشام فرواية مسلم هذه تنادي أن هماما وهشاما كليهما متفقان في الإسناد والمتن وقالا عشر آيات من أول الكهف وأما شعبة فقال من آخر الكهف هو وأما في رواية الترمذي في فضائل القرآن فقال محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن قتادة بإسناده من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف وقال المزي في الأطراف وأخرج النسائي أي في السنن الكبرى في فضائل القرآن وفي عمل اليوم والليلة عن عمرو بن علي عن غندر عن شعبة بإسناده وقال من قرأ عشر آيات من الكهف وقال في عمل اليوم والليلة العشر الأواخر وعن أحمد بن سليمان عن عفان عن همام عن قتادة به مثل الأول عشر آيات من أول سورة الكهف انتهى قال النووي قيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال وكذا في آخرها أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا إلخ وقال القرطبي اختلف المتأولون في سبب ذلك فقيل لما في قصة أصحاب الكهف من العجائب والآيات فمن وقف عليها لم يستغرب أمر الدجال ولم يهله ذلك فلم يفتتن به وقيل لقوله تعالى لينذر بأسا شديدا من لدنه تمسكا بتخصيص البأس بالشدة واللدنية وهو مناسب لما يكون من الدجال من دعوى الإلهية واستيلائه وعظم فتنته ولذلك عظم أمره وحذر عنه وتعوذ من فتنته فيكون معنى الحديث أن من قرأ هذه الآيات وتدبرها ووقف على معناها حذره فأمن منه وقيل ذلك من خصائص هذه السورة كلها فقد روي من حفظ سورة الكهف ثم أدركه الدجال لم يسلط عليه وعلى هذا يجتمع رواية من روى أول سورة الكهف مع من روى من آخرها ويكون ذكر العشر على جهة الا ستدراج في حفظها كلها انتهى كلام السيوطي
[ 305 ]
قلت وعلى هذا يجتمع أيضا رواية عشر آيات مع من روى ثلاث آيات كما أخرجه الترمذي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي النسائي فلفظ مسلم من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال وفي لفظ من آخر الكهفوفي وسلم لفظ من أول الكهف يعني (عيسى عليه السلام) هذا تفسير للضمير المجرور في بينه من بعض الرواة (نبي) اسم مؤخر لليس قال السيوطي في مرقاة الصعود أول الحديث عند أحمد الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وإني أولى الناس بعيسى بن مريم لم يكن بيني وبينه نبي انتهى وأخرج أبو داود في باب التخيير بين الأنبياء من كتاب السنة عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول أنا أولى الناس بابن مريم الأنبياء أولاد علات وليس بيني وبينه نبي و (إنه) أي عيسى عليه السلام (نازل) وأخرج أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا هشام عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة عن النبي قال يمكث عيسى في الأرض بعد ما ينزل أربعون سنة ثم يموت ويصلي عليه المسلمين ويدفنوه وهذا حديث إسناده قوي أبو داود الطيالسي هو سليمان بن داود البصري قال عبد الرحمن بن مهدي هو أصدق الناس وقال أحمد ثقه وقال وكيع جبل العلم وشيخه هشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي أمير المؤمنين في الحديث قال العجلي ثقه ثبت أخرج له الأئمة الستة وقتادة بن دعامة البصري ثقة ثبت أحد الأئمة الأعلام أخرج له الأئمة الستة وأما عبد الرحمن بن آدم فهو من رجال مسلم ووثقه ابن حبان والله أعلم قال القرطبي في التذكرة ذهب قوم إلى أن بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكاليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله وينهاهم وهذا مردود لقوله تعالى وخاتم النبيين وقوله لا نبي من بعدي وغير ذلك من الأخبار وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى عليه السلام ينزل نبيا بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا بل إذا نزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد كما أخبر حيث قال لعمر لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي فعيسى عليه السلام إنما ينزل مقررا لهذه الشريعة مجددا لها إذ هي آخر الشرائع
[ 306 ]
ومحمد آخر الرسل فينزل حكما مقسطا وإذا صار حكما فإنه لا سلطان يومئذ للمسلمين ولا إمام ولا قاضي ولا مفتي غيره وقد قبض الله العلم وخلا الناس منه فينزل وقد علم بأمر الله تعالى في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم بين الناس والعمل به في نفسه فيجتمع المؤمنون عند ذكر ذلك إليه ويحكمونه على أنفسهم إذ لا أحد يصلح لذلك غيره قال السيوطي ما قاله ككون العلماء يسلبون علمهم باطل قطعا بل لا تزال الأمة بعلمائهم وقضاتهم وغيرهم إلا أن الإمام الأكبر المرجوع إليه هو نبي الله عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام وقبض العلم إنما يكون بعد موت المؤمنين (رجل) أي هو رجل (مربوع) أي بين الطويل والقصير (بين ممصرتين) قال في النهاية الممصرة عنه من الثياب التي فيها صفرة خفيفة أي ينزل عيسى عليه السلام بين ثوبين فيهما صفرة خفيفة (كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل) كناية عن النظافة والنضارة (فيدق الصليب) أي يكسره قال في شرح السنة وغيره أي فيبطل النصرانية ويحكم بالملة الحنيفية وقال ابن الملك الصليب في اصطلاح النصارى خشبة مثلثة يدعون أن عيسى عليه الصلاة والسلام صلب على خشبة مثلثة على تلك الصورة وقد يكون فيه صورة المسيح (ويقتل الخنزير) أي يحرم اقتناءه وأكله ويبيح قتله (ويضع الجزية) قال الخطابي أي يكره أهل الكتاب على الإسلام فلا يقبل منهم الجزية بل الإسلام أو القتل وقال في النهاية فلا يبقى ذمي تجرى عليه جزية أي لا يبقى فقير لاستغناء الناس بكثرة الأموال فتسقط الجزية لأنها إنما شرعت لترد في مصالح المسلمين تقوية لهم فإذا لم يبق محتاج لم تؤخذ وقال القاضي عياض أو أراد بوضع الجزية تقريرها على الكفار بلا محاباة فيكثر المال بسببه وتعقبه النووي بأن صوابه أن عيسى لا يقبل غير الإسلام ويؤيده ما في رواية أحمد وتكون الدعوة واحدة قال النووي فليس بإسقاط الجزية نسخ لما تقرر بشريعتنا لأنه مقيد بأنها تستمر إلى نزوله فتوضع فنبينا محمد بين غاية استمرارها فلا نسخ لشريعته بل هو عمل بما بينه كذا في مرقاة الصعود (ويهلك) من الإهلاك أي عيسى عليه السلام (المسيح الدجال) مفعول يهلك زاد أحمد ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسد مع الإبل والنمار مع البقر والذئاب مع الغنم وتلعب الصبيان بالحيات (فيمكث) أي عيسى عليه السلام (في الأرض أربعين سنة) قال
[ 307 ]
الحافظ عماد الدين بن كثير ويشكل بما في رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه يمكث في الأرض سبع سنين قال اللهم أن تحمل هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله فيكون ذلك مضافا لمكثه بها قبل رفعه إلى السماء فعمره ذاك ثلاث وثلاثون سنة بالمشهور انتهى وفي فتح الباري في كتاب الأنبياء وعند أحمد من حديث عائشة ويمكث عيسى في الأرض أربعين سنة وروى مسلم من حديث ابن عمرو في مدة إقامة عيسى بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين وروى نعيم بن حماد في كتاب الفتن من حديث ابن عباس أن عيسى إذ ذاك يتزوج في الأرض ويقيم بها تسع عشر سنة وبإسناد فيه مبهم عن أبي هريرة بها أربعين سنة وروى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مثله مرفوعا انتهى . (ثم يتوفى) بصيغة المجهول قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر يتوفى بطيبة فيصلي عليه هنالك ويدفن بالحجرة النبوية وقد روى الترمذي عن عبد الله بن سلام مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى بن مريم يدفن معه كذا في مرقاة الصعود قال المنذري عبد الرحمن بن آدم هذا أخرج له مسلم في صحيحه حديثا عن جابر بن عبد الله وهو بصري يقال فيه ابن برثن بضم الباء الموحدة وتسكين الراء المهملة وضم الثاء المثلثة وبعدها نون في قول ويعرف بصاحب السقاية وقال الدارقطني عبد الرحمن بن آدم إنما نسب إلى آدم أبي البشر ولم يكن له أب يعرف انتهى كلام المنذري مختصرا وقال الحافظ في التقريب عبد الرحمن بن آدم البصري صاحب السقاية صدوق وقال في فتح الباري إسناده صحيح كما تقدم آنفا وأخرج الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة مرفوعا إن روح الله عيسى نازل فيكم فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض عليه ثوبان ممصران كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس إلى الإسلام فيهلك الله في زمانه المسيح الدجال وتقع الأمنة على الأرض فذكر الحديث وفيه فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون قلت تواترت الأخبار عن النبي في نزول عيسى بن مريم من السماء بجسده العنصري إلى الأرض عند قرب الساعة وهذا هو مذهب أهل السنة قال النووي قال القاضي نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته
[ 308 ]
وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية ومن وافقهم وزعموا أن هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى وخاتم النبيين وبقوله لا نبي بعدي وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة لا تنسخ وهذا استدلال فاسد لأنه ليس المراد بنزول عيسى عليه السلام أنه ينزل نبيا بشرع ينسخ شرعنا ولا في هذه الأحاديث ولا في غيرها شئ من هذا بل صحت هذه الأحاديث هنا أي في كتاب الفتن وما سبق في كتاب الأيمان وغيرها أنه ينزل حكما مقسطا يحكم بشرعنا ويحيى من أمور شرعنا ما هجره الناس انتهى وفي فتح الباري تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى عليه السلام يصلي خلفه وقال الحافظ أيضا الصحيح أن عيسى رفع وهو حي انتهى وقال الشوكاني في رسالته المسماة بالتوضيح في تواتر ما جاء في الأحاديث في المهدي والدجال والمسيح وقد ورد في نزول عيسى عليه السلام من الأحاديث تسعة وعشرون حديثا ثم سردها وقال بعد ذلك وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع فتقرر بجميع ما سقناه أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة والأحاديث الواردة في الدجال متواترة والأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام متواترة انتهى وإني أسرد بعض الأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام غير ما تقدم ذكره في المتن والشرح لشدة الاحتياج إليه في عصرنا هذا فأقول أخرج البخاري في باب قتل الخنزير من كتاب البيوع ومسلم في كتاب الأيمان واللفظ للبخاري حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد وقال مسلم حدثنا قتيبة بن سعيد قال أخبرنا ليث ح وحدثنا محمد بن رمح قال حدثنا الليث عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد وأخرجه الترمذي عن قتيبة عن الليث مثله سندا ومتنا وقال حديث حسن صحيح انتهى وقال مسلم وحدثناه عبد الأعلى بن عماد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالوا أخبرنا سفيان بن عيينة ح وحدثنيه حرملة بن يحيى قال أخبرنا ابن وهب قال حدثني يونس ح وحدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال أخبرنا أبي عن
[ 309 ]
صالح كلهم عن الزهري بهذا الإسناد وفي رواية ابن عيينة إماما مقسطا وحكما عدلا وفي رواية يونس حكما عادلا ولم يذكر إماما مقسطا وفي حديث صالح حكما مقسطا كما قال الليث وفي حديثه من الزيادة وحتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها ثم يقول أبو هريرة اقرأوا إن شئتم وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته انتهى وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة بنحو إسناد مسلم بلفظ لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم حكما مقسطا الحديث وأخرج البخاري في باب كسر الصليب من كتاب المظالم حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا الزهري أخبرني سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة عن رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب فذكر الحديث وأخرج في باب نزول عيسى بن مريم من كتاب الأنبياء حدثنا إسحاق أنبأنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة قال قال رسول الله والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فذكر الحديث وفيه ثم يقول أبو هريرة واقرأوا إن شئتم وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا حدثنا ابن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال قال رسول الله كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم تابعه عقيل والأوزاعي انتهى كلام البخاري وحديث نافع عن أبي هريرة أخرجه مسلم في كتاب الأيمان من ثلاثة طرق وأخرج من حديث عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد وأخرج مسلم من حديث ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت يقول لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة وأخرج مسلم في حديث طويل في الفتن عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة فذكر الحديث بطوله
[ 310 ]
وعند أحمد من حديث جابر في قصة الدجال ونزول عيسى وإذا هم بعيسى فيقال تقدم يا روح الله فيقول ليتقدم إمامكم فليصل بكم ولابن ماجه في حديث أبي أمامة الطويل في الدجال قال وكلهم أي المسلمون ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح فقد تقدم ليصلي بهم إذ نزل عيسى فرجع الإمام ينكص ليتقدم عيسى فيقف عيسى بين كتفيه ثم يقول تقدم فإنها لك أقيمت انتهى وأخرج مسلم في الفتن من حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم فيقول المسلمون لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية فبيناهم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل فإذا جائوا الشام خرج فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم فأمهم الحديث وقال الشوكاني في التوضيح أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد بإسناد فيه كثير بن زيد وثقه أحمد وجماعة وبقية رجاله رجال الصحيح بلفظ يوشك المسيح بن مريم أن ينزل حكما مقسطا فيقتل الخنزير ويكسر الصليب وتكون الدعوة واحدة فأقرؤه من رسول الله وأخرج أحمد بإسنادين رجالهما رجال الصحيح من حديث أبي هريرة إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى بن مريم فإن عجل بي موت فمن لقيه فليقرأه مني السلام انتهى قلت لفظ أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي أنه قال إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى بن مريم عليه السلام فإن عجل بي موت فمن لقيه منكم فليقرأه مني السلام حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة فذكره وأخرج الحاكم من حديث أبي هريرة أيضا بلفظ ليهبطن عيسى بن مريم حكما وإماما مقسطا وليسلكن فجاجا حاجا أو معتمرا وليأتين قبري حتى يسلم ولأردن عليه انتهى وأخرج الترمذي في باب قتل عيسى بن مريم الدجال من حديث عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري قال سمعت عمي مجمع بن جارية الأنصاري يقول سمعت رسول الله يقول يقتل ابن مريم الدجال بباب لد هذا حديث صحيح
[ 311 ]
وفي الباب عن عمران بن حصين ونافع بن علبة وأبي برزة وحذيفة بن أسيد وأبي هريرة وكيسان وعثمان بن أبي العاص وجابر وأبي أمامة وابن مسعود وعبد الله بن عمرو وسمرة بن جندب والنواس بن سمعان وعمرو بن عوف وحذيفة بن اليمان انتهى فلا يخفى على كل منصف أن نزول عيسى بن مريم عليه السلام إلى الأرض حكما مقسطا بذاته الشريفة ثابت بالأحاديث الصحيحة والسنة المطهرة واتفاق أهل السنة وأنه الآن حي في السماء لم يمت بيقين وأما ثبوته من الكتاب فقال الله عز وجل ردا على اليهود المغضوب عليهم الزاعمين أنهم قتلوا عيسى بن مريم عليه السلام وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه ففي هذه الآية الكريمة أخبرنا الله تعالى أن الذي أراد اليهود قتله وأخذه وهو عيسى بجسمه العنصري لا غير رفعه الله إليه ولم يظفروا منه بشئ كما وعده الله تعالى قبل رفعه بقوله وما يضرونك من شئ وبرفع جسده حيا فسره ابن عباس كما ثبت عنه بإسناد صحيح فثبت بهذا أن عيسى عليه السلام رفع حيا ويدل على ما ذكرناه الأحاديث الصحيحة المتواترة المذكورة المصرحة بنزوله بذاته الشريفة التي لا تحتمل التأويل وقال الله تعالى وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته أي قبل موت عيسى عليه السلام كما قال أبو هريرة وعبد الله بن عباس وغيرهما من الصحابة والسلف الصالحين وهو الظاهر كما في تفسير ابن كثير فثبت أن عيسى عليه السلام لم يمت بل يموت في آخر الزمان ويؤمن به كل أهل الكتاب وقد ذكر الله تعالى في كتابه أن نزوله إلى الأرض من علامات الساعة قال الله تعالى وإنه لعلم للساعة وقال الإمام ابن كثير في تفسيره الصحيح أن الضمير عائد إلى عيسى عليه السلام فإن السياق في ذكره وأن المراد نزوله قبل يوم القيامة كما قال تعالى وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته أي قبل موت عيسى عليه السلام ويؤيد هذا المعنى القراءة وإنه لعلم للساعة يعني بفتح العين واللام أي أمارة ودليل على وقوع الساعة وقال مجاهد وإنه لعلم للساعة أي آية للساعة خروج عيسى بن مريم قبل يوم القيامة وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عباس وأبي العالية وأبي مالك وعكرمة والحسن وقتادة وغيرهم وقد تواترت الأخبار عن رسول الله أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا انتهى
[ 312 ]
فهذه الآيات الكريمة والنصوص الثابتة عن رسول الله تدل دلالة واضحة على نزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء إلى الأرض عند قرب الساعة ولا ينكر نزوله إلا ضال مضل معاند للشرع مخالف لكتاب الله وسنة رسوله واتفاق أهل السنة ومن المصائب العظمى والبلايا الكبرى على الإسلام أن رجلا من الملحدين الدجالين الكذابين خرج من الفنجاب من إقليم الهند وهو مع كونه مدعيا للإ سلام كذب الشريعة وعصى الله ورسوله وطغى وآثر الحياة الدنيا وكان أول ما ادعاه أنه محدث وملهم من الله تعالى ثم كثرت فتنته وعظمت بليته من سنة ست وألف وثلاث مائة إلى السنة الحاضرة وهي سنة عشرين بعد الألف وثلاث مائة وآلف الرسائل العديدة (منها توضيح المراد ومنها إزالة الأوهام ومنها فتح الإسلام وغير ذلك من التحريرات) في إثبات ما ادعاه من الهامات الكاذبة والدعاوي العقلية الواهية وأقوال الزندقة والإلحاد وحرف الكلم والنصوص الظاهرة عن مواضعها وتفوه بما تقشعر منه الجلود وبما لم تجترئ عليه إلا غير أهل الإسلام أعاذنا الله تعالى والمسلمين من شروره ونفثه ونفخه فمن أقواله الواهية المردودة التي صرح بها في رسائله أن نزول عيسى بن مريم ورفعه إلى السماء بجسده العنصري من الخرافات والمستحيلات وادعى أن عيسى المسيح الموعود في الشريعة المحمدية والخارج في آخر الزمان لقتل الدجال ليس هو عيسى بن مريم الذي توفى بل المسيح الموعود مثيله وهو أنا الذي أنزلني الله تعالى في القاديان إن وأنا هو الذي جاء به القرآن العظيم ونطقت به السنة النبوية وأما عيسى بن مريم فليس بحي في السماء وأنكر وجود الملائكة على الوجه الذي أخبرنا به رسول الله وأنكر نزول جبرئيل عليه السلام على النبي وأنكر نزول ملك الموت وأنكر ليلة القدر ويذهب في وجود الملائكة مذهب الفلاسفة والملاحدة ويقول إن النبوة التامة قد انقطعت ولكن النبوة التي ليس فيها إلا المبشرات فهي باقية إلى يوم القيامة لا انقطاع لها أبدا وأن أبواب النبوة الجزئية مفتوحة أبدا ويقول إن ظواهر الكتاب والسنة مصروفة عن ظواهرها وإن الله تعالى لم يزل يبين مراده بالاستعارات إلا والكنايات وغير ذلك من الخرافات والعقائد الباطلة قلت وأكثر عقائده ومعظم مقالاته موافق لمقالات الفرقة النيجرية الطاغية ومطابق لمذهب هؤلاء الطائفة الزائغة فإن الطائفة النيجرية أفسدت في أرض الهند وتقولت فيه على الله بما لم يقل به وصنف رئيس النيجرية وإمامهم تفسيرا للقرآن الكريم بلغة الهند ففسره برأيه الفاسد وحرف في معاني القرآن وصرف إلى غير محله وجاء بالطامة الكبرى وأنكر معظم
[ 313 ]
عقائد الإسلام وأحكم وأتقن مذاهب الفلاسفة وأهل الأهواء وعكف على تأليفات هؤلاء فاستخرج عنها ما أراد من الأقوال المضادة للشريعة والمخالفة للسنة النبوية عليه أفضل الصلاة والتحية ورد الأحاديث الصحيحة الثابتة وأنكر وجود الملائكة والجن والشياطين والجنة والنار وأنكر المعجزات بأسرها وأثبت الأب لعيسى بن مريم عليه السلام وغير ذلك من المقالات الباطلة المردودة وصنف ثبات هذه المقالات رسائل كثيرة وحرر التحريرات فضل وأضل كثيرا من الناس لكن علماء الإسلام لم يزل دأبهم وهمتهم لرد مقالات أهل الإلحاد والزيغ والفساد ويعدون ذلك خير ذخيرة للمعاد فقام على رد مقالاته الفاسدة شيخنا العلامة القاضي بشير الدين القنوجي فصنف كتابا سماه بإمداد (1) الآفاق برجم أهل النفاق في رد تهذيب الأخلاق وغير ذلك من التحريرات العجيبة والمضامين البالغة وجرى بين شيخي وبين رئيس تلك الطائفة تحريرات شتى إلى عدة سنين يطول بذكرها المقام ثم بعد ذلك تعاقب تعاقبا حسنا ورد كلامه ردا بليغا الفاضل (2) اللاهوري وشفا صدور المؤمنين فرئيس صلى النيجرية متبوع وإمام صراط الضلالة أي المدعي لمثيل المسيح تابع له في أكثر الأقوال الباطلة وإنما الاختلاف بينهما في تلك الإلهامات الكاذبة والادعاء لمثيل المسيح فالواجب على كل مسلم أن يبين للناس ضلال هذا الرجل المفتري المدعي أن المسيح عليه السلام قد مات وأنه مثيل عيسى بل عيسى عليه السلام حي في السماء وينزل في آخر الزمان بذاته الشريفة وقد تقدم أن عيسى عليه السلام ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق وليست مدينة دمشق ولا المنارة البيضاء بلدة القادياني ولا منارته وتقدم أيضا أن رسول الله قال في وصف عيسى عليه السلام بأنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض وأنه ينزل بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل وأنه بنزوله تذهب الشحناء والتباغض والتحاسد وأنه يدعو إلى المال فلا يقبله أحد وأنه يحثو المال حثوا وأنه يقاتل على الإسلام ولا وجود لهذه الأوصاف الشريفة المذكورة في هذا الرجل المدعي أنه مثيل عيسى وأن عيسى عليه السلام لا أب له كما دلت عليه الأخبار الصحيحة وهذا الرجل له أب وجد وليس فيه من الصفات ما يصحح دعواه كلها أكاذيب واهية تدل على ضلالة وسخف عقله وفساد رأيه ومن يضلل الله فما له من هاد
[ 314 ]
وقد رد عليه جماعة من العلماء منهم شيخنا الإمام الرحلة الآفاق السيد (1) محمد نذير حسين الدهلوي أدام الله بركاته ومنهم شيخنا المحدث القاضي حسين بن محسن الأنصاري ألف رسالة سماها بالفتح الرباني في الرد على القادياني وغيرهما (2) من العلماء الكرام الحامي لدين الإسلام واتفقت كلمتهم بأن الرجل المذكور قد أظهر في رسائله عقائد كفرية ومقالات بدعية خرج بها عن اتباع السنن والإسلام وتبع فيها الفلاسفة والاريه وقال والنصارى والملاحدة الباطنية اللئام وأنه قد عارض الحق الصريح وأنكر كثيرا من ضروريات الدين وإجماع السلف الصالحين فلا ينبغي للمسلمين أن يجالسوه ويخالطوه أنه والله تعالى أعلم ومثل هذا الرجل المدعي خرج رجل في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وادعى بأنه عيسى بن مريم كما قال الشيخ أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله في رسالته المسماة ببغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد من القائلين بالحلول والاتحاد وقد كان عندنا بدمشق الشيخ المشهور الذي يقال له ابن هود وكان من أعظم من رأيناه من هؤلاء الاتحادية زهدا ومعرفة ورياضة وكان من أشد الناس تعظيما لابن سبعين ومفصلا له عنده على ابن عربي وغلامه ابن إسحاق وأكثر الناس من الكبار والصغار كانوا يطيعون أمره وكان أصحابه الخواص به يعتقدون فيه أنه أي ابن هود المسيح بن مريم ويقولون إن أمه اسمها مريم وكانت نصرانية ويعتقدون أن قول النبي ينزل فيكم ابن مريم هو هذا وأن روحانية عيسى عليه السلام تنزل عليه وقد ناظرني في ذلك من كان أفضل الناس عندهم في معرفته بالعلوم الفلسفية وغيرها مع دخوله في الزهد والتصوف وجرت بيني وبينهم مخاطبات ومناظرات يطول ذكرها حتى بينت لهم فساد دعواهم بالأحاديث الصحيحة الواردة في نزول عيسى المسيح وأن ذلك الوصف لا ينطبق على هذا
[ 315 ]
الرجل وبينت لهم فساد ما دخلوا فيه من القرمطة حتى أظهرت مباهلتهم وحلفت لهم أن ما ينتظرونه من هذا الرجل لا يكون ولا يتم وأن الله لا يتم أمر هذا الشيخ فأبر الله تلك الأقسام والحمد لله رب العالمين هذا مع تعظيمهم لي وبمعرفتي وهو عندهم وإلا فهم يعتقدون أن سائر الناس محجوبون بحال حقيقتهم وغوامضهم صلى الله عليه وسلم وإنما الناس عندهم كالبهائم انتهى كلامه مختصرا (باب في خبر الجساسة) هي بفتح الجيم فتشديد المهملة الأولى قيل سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال قاله النووي (العشاء آخرة) أي صلاة العشاء (إنه) أي الشأن (حبسني) أي منعني من الخروج (عن رجل) أي عن حال رجل وهو الدجال (تجر شعرها) صفة لامرأة وهو كناية عن طول شعرها (قالت) أي تلك المرأة (أنا الجساسة) وفي الحديث الآتي فلقيتهم دابة أهلب كثيرة الشعر قالوا ويلك ما أنت قالت أنا الجساسة قيل في الجمع بينهما يحتمل أن للدجال جساستين إحداهما دابة والثانية امرأة ويحتمل أن الجساسة كانت شيطانة تمثلت تارة في صورة دابة وأخرى في صورة امرأة وللشيطان التشكل في أي تشكل أراد ويحتمل أن تسمى المرأة دابة مجازا كما في قوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ولفظ مسلم فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر قالوا ويلك ما أنت قالت أنا الجساسة انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق قال لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة وسيجئ هذا اللفظ في الحديث الآتي (مسلسل) صفة ثانية لرجل أي مقيد بالسلاسل (في الأغلال) أي معها (ينزو) بسكون النون وضم الزاي أي يثب وثوبا (فيما بين السماء والأرض) قال في فتح الودود متعلق بقوله ينزو أو بمسلسل انتهى قال القاري
[ 316 ]
أبعد من قال أنه متعلق بمسلسل (خرج) بحذف حرف الاستفهام وفي بعض النسخ أخرج بذكره (نبي الأميين) أي العرب قال ابن الملك في شرح المشارق أراد الدجال بالأميين العرب لأنه لا يكتبون ولا يقرؤون غالبا (بعد) مبني على الضم (قال ذاك خير لهم) قال الطيبي رحمه الله المشار إليه ما يفهم من قوله وأطاعوه قال التوربشتي رحمه الله هذا القول قول من عرف الحق والمخذول من البعد من الله بمكان لم ير له فيه مساهم أي فما وجه قوله هذا قلنا يحتمل أنه أراد به الخير في الدنيا أي طاعتهم له خير لهم فإنهم إن خالفوا اجتاحهم واستأصلهم ويحتمل أنه من باب الصرفة صرفه الله تعالى عن الطعن فيه والتكبر عليه وتفوه بما ذكر عنه كالمغلوب عليه والمأخوذ عليه فلا يستطيع أن يتكلم بغيره تأييدا لنبيه صلى الله عليه وسلم والفضل ما شهدت به الأعداء انتهى قال المنذري في إسناده عثمان بن عبد الرحمن القرشي مولاه الحراني المعروف بالطرائفي قيل له ذلك لأنه كان يتبع طرائف الحديث قال ابن نمير كذاب وقال أبو عروبة عجائب وقال ابن حبان البستي لا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها على حال من الأحوال وقال إسحاق بن منصور ثقة وقال أبو حاتم الرازي صدوق وأنكر على البخاري إدخال اسمه في كتاب الضعفاء وقال يحول منه انتهى قلت وأخرجه مسلم من طرق كثيرة فيها عثمان بن عبد الرحمن (جلس على المنبر) فيه دلالة على جواز وعظ الواعظ الناس جالسا على المنبر وأما الخطبة يوم الجمعة فلا بد للخطيب أن يخطبها قائما (وهو يضحك) أي يتبسم ضاحكا على عادته الشريفة (ليلزم) بفتح الزاي (كل إنسان مصلاه) أي موضع صلاته فلا يغير ولا يتقدم ولا يتأخر (لرهبة) أي لخوف من عدو (ولا رغبة) أي ولا لأمر مرغوب فيه من عطاء كغنيمة (أن
[ 317 ]
تميما الداري) أي لأن كما في رواية مسلم وهو منسوب إلى جد له اسمه الدار (وافق الذي حدثتكم) أي طابق الحديث الذي حدثتكم (حدثني) قال النووي هذا معدود في مناقب تميم لأن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه هذه القصة وفيه رواية الفاضل عن المفضول ورواية المتبوع عن تابعه وفيه قبول خبر الواحد (في سفينة بحرية) أي لا برية احترازا عن الإبل فإنها تسمى سفينة البر وقيل أي مركبا كبيرا بحريا لا زورقا صغيرا نهريا قاله القاري (من لخم) بفتح لام وسكون خاء معجمة مصروف وقد لا يصرف قبيلة معروفة وكذا قوله (وجذام) بضم الجيم (فلعب بهم الموج) أي دار بهم واللعب في الأصل ما لا فائدة فيه من فعل أو قول فاستعير لصد الأمواج السفن عن صوب المقصد وتحويلها يمينا وشمالا (وأرفأوا) أي قربوا السفينة قال الأصمعي أرفأت ثنا السفينة أرفئها به إرفاء هذا وبعضهم يقول أر فيها ثم بالياء على الإبدال وهذا مرفأ السفن أي الموضع الذي تشد إليه وتوقف عنده كذا في المرقاة (فجلسوا) أي بعدما تحولوا من المركب الكبير (في أقرب السفينة) بفتح الهمزة وضم الراء جمع قارب بكسر الراء وفتحه أشهر وأكثر وحكى ضمها وهو جمع على غير قياس والقياس قوراب رسول قال النووي رحمه الله أقرب السفينة هو بضم الراء جمع قارب بكسر الراء وفتحها وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجينبة ولا يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم (فدخلوا الجزيرة) اللام للعهد أي في الجزيرة التي هناك (دابة أهلب) والهلب الشعر وقيل ما غلظ من الشعر وقيل ما كثر من شعر الذنب وإنما ذكره لأن الدابة يطلق على الذكر والأنثى لقوله تعالى ما من دابة في الأرض كذا قالوا والأظهر أنه بتأويل الحيوان قاله القاري قال النووي الأهلب غليظ الشعر كثيره انتهى (كثير الشعر) صفة لما قبله وعطف بيان زاد في رواية مسلم لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر (قالوا ويلك) هي كلمة تجري من غير قصد إلى معناه وقد ترد للتعجب وللتفجع قال القاري خاطبوها مخاطبة المتعجب المتفجع (أنا الجساسة) سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال (في هذا الدير) بفتح الدال وسكون التحتية أي دير النصارى ففي المغرب صومعة الراهب والمراد هنا القصر كما في الرواية الآتية في آخر الباب (فإنه) أي
[ 318 ]
الرجل الذي في الدير (إلى خبركم) متعلق بقوله (بالأشواق) بفتح الهمزة جمع شوق أي كثير الشوق وعظيم الاشتياق والباء للالصاق قال التوربشتي رحمه الله أي شديد نزاع النفس إلى ما عندكم من الخبر حتى كأن الأشواق ملصقة به أو كأنه مهتم بها (لما سمعت) أي ذكرت ووضعت (فرقنا) بكسر الراء خفنا (منها) أي من الدابة (أن تكون شيطانة) أي كراهة أن تكون شيطانة وقال الطيبي رحمه الله أن تكون شيطانة بدل من الضمير المجرور (سراعا) أي حال كوننا مسرعين (أعظم إنسان) أي أكبره جثة أو أهيبة لم هيئة (رأيناه) صفة إنسان احتراز عن من لم يروه ولما كان هذا الكلام في معنى ما رأيناه مثله صح قوله (قط) الذي يختص بنفي الماضي وهو بفتح القاف وتشديد الطاء المضمومة في أفصح اللغات (خلقا) تمييز أعظم (وأشده) أي أقوى إنسان (وثاقا) بفتح الواو وبكسر أي قيدا من السلاسل والأغلال (مجموعة) بالرفع أي مضمومة (فذكر) أي الرواي (الحديث) بطوله وقد اختصره أبو داود وذكره مسلم بطوله وإن شئت الاطلاع على ما حذفه أبو داود فارجع إلى صحيح مسلم (وسألهم) الضمير المرفوع لأعظم إنسان الذي كان في الدير (عن نخل بيسان) بفتح موحدة وسكون تحتية وهي قرية بالشام ذكره الطيبي رحمه الله قريبة من الأردن ذكره ابن الملك زاد في رواية مسلم هل تثمر قلنا نعم قال أما إنها توشك أن لا تثمر (وعن عين زغر) بزاي فغين معجمتين فراء كزفر بلدة بالشام قليلة النبات قيل عدم صرفه للتعريف والتأنيث لأنه في الأصل اسم امرأة ثم نقل يعني ليس تأنيثه باعتبار البلدة والبقعة فإنه قد يذكر مثله ويصرف باعتبار البلد والمكان وقال النووي رحمه الله هي بلدة في الجانب القبلي من الشام انتهى وزاد في رواية مسلم هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين قلنا نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها (قال إني أنا المسيح) زاد في رواية مسلم الدجال وسمي به لأن عينه الواحدة ممسوحة وفي تسميته وجوه أخر (وإنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو) قال القرطبي في التذكرة هو شك أو ظن منه صلى الله عليه وسلم أو قصد الإبهام على السامع ثم نفى ذلك وأضرب عنه بالتحقيق فقال لا بل من
[ 319 ]
قبل المشرق ثم أكد ذلك بما الزائدة والتكرار اللفظي فما زائدة لا نافية فاعلم ذلك انتهى وقال النووي في شرح مسلم قال القاضي لفظة ما هو زائدة صلة للكلام ليست بنافية والمراد إثبات أنه في جهات المشرق انتهى وفي فتح الودود قيل هذا شك أو ظن منه عليه السلام أو قصد الإبهام على السامع ثم نفى ذلك وأضرب عنه فقال لا بل من قبل المشرق ثم أكد ذلك بقوله ما هو وما زائدة لا نافية والمراد إثبات أنه في جهة المشرق قيل يجوز أن تكون موصولة أي الذي هو فيه المشرق قلت ويحتمل أنها نافية أي ما هو إلا فيه والله سبحانه وتعالى أعلم انتهى (مرتين) ولفظ مسلم ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو وأومئ بيده (وأومأ) أي أشار صلى الله عليه وسلم (قالت) أي فاطمة بنت قيس قال المنذري وأخرجه مسلم (محمد بن صدران) هو محمد بن إبراهيم بن صدران بضم المهملة والسكون وقد ينسب لجده صدوق من العاشرة (عن عامر) هو الشعبي قاله المنذري (لم يسلم) أي ما نجى (منهم) أي المغرقين معه (غيره) أي غير ابن صدران قال المنذري وأخرجه ابن ماجه ومجالد بن سعيد فيه مقال وقد تقدم الكلام عليه وأخرجه الترمذي من حديث قتادة بن دعامة عن الشعبي بنحوه وفي ألفاظه اختلاف وقال حسن صحيح غريب من حديث قتادة عن الشعبي وقد رواه غير واحد انتهى كلام المنذري عن (أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني ثقة (عن جابر) هو ابن عبد الله قاله المنذري (فنفد طعامهم) أي نفى ولم يبق (فرفعت لهم الجزيرة) بصيغة المجهول
[ 320 ]
والمعنى ظهرت لهم (فخرجوا) أي إلى تلك الجزيرة (الخبز) بالخاء والزاي وبينهما موحدة وفي بعض النسخ الخبر بالخاء والراء بينهما موحدة (فقلت لأبي سلمة) قائله وليد بن عبد الله (في هذا القصر) وقد عبر به في الرواية المتقدمة بالدير (فقال لي ابن أبي سلمة) هو عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو يروي عن أبيه أبي سلمة والقائل لهذه المقولة هو الوليد (قال) أي أبو سلمة بن عبد الرحمن (شهد جابر) ابن عبد الله رضي الله عنه (أنه) أي الدجال (قال وإن دخل المدينة) قال السيوطي رحمه الله في مرقاة الصعود يعني عدم دخوله إياها إنما هو بعد خروجه قال الحافظ عماد الدين بن كثير قال بعض العلماء كان بعض الصحابة يظن أن ابن صياد هو الدجال الأكبر الموعود آخر الزمان وليس به وإنما هو دجال صغير قطعا لحديث فاطمة بنت قيس وقال البيهقي في خبر فاطمة أن الدجال الأكبر غير ابن الصياد ولكنه أحد الدجاجلة الكذابين الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروجهم وقد خرج أكثرهم فكأن من جزموا بأنه ابن الصياد لم يسمعوا بقصة تميم وإلا فالجمع بينهما بعيد جدا فكيف يلتئم أن يكون من كان في أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به صلى الله عليه وسلم ويسائله أن يكون بآخرها شيخا مسجونا في جزيرة من جزائر البحر موثقا بالحديد يستفهم في خبره صلى الله عليه وسلم هل خرج أم لا فالأولى أن يحمل على عدم الاطلاع وأما قول عمر فلعله كان قبل سماعه قصة تميم فلما لم يعد لحلفه المذكور وأما جابر فشهد حلفه عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستصحب ما كان اطلع عليه عمر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم انتهى قال المنذري في إسناده الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري الكوفي احتج به مسلم في صحيحه وقال الإمام أحمد ويحيى بن معين ليس به بأس وقال عمرو بن علي كان يحيى بن سعيد لا يحدثنا عن الوليد بن جميع فلما كان قبل وفاته بقليل حدثنا عنه
[ 321 ]
وقال محمد بن حبان البستي ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الثقات فلما تحقق ذلك منه بطل الاحتجاج به وذكره أبو جعفر العقيلي في كتاب الضعفاء وقال ابن عدي الجرجاني وللوليد بن جميع أحاديث وروى عن أبي سلمة عن جابر ومنهم من يقول عنه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري حديث الجساسة بطوله ولا يرويه غير الوليد بن جميع هذا خبر ابن صائد انتهى قلت ابن فضيل هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي وثقه يحيى بن معين وقال النسائي ليس به بأس وقال علي بن المديني كان ثقة ثبتا في الحديث وأما شيخه الوليد بن عبد الله بن جميع فقال أحمد وأبو داود ليس به بأس وقال ابن معين والعجلي ثقة وقال أبو زرعة لا بأس به وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال عمرو بن علي كان يحيى بن سعيد لا يحدثنا عنه فلما كان قبل موته بقليل حدثنا عنه وذكره ابن حبان في الثقات وذكره أيضا في الضعفاء وقال ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج به وقال ابن سعد كان ثقة له أحاديث وقال البزار احتملوا حديثه وكان فيه تشيع وقال العقيلي في حديثه اضطراب وقال الحاكم لو لم يخرج له مسلم لكان أولى كذا في التهذيب للحافظ بن حجر رحمه الله وفي التقريب صدوق يهم ورمى بالتشيع انتهى (باب خبر ابن الصائد) حدثنا وفي بعض النسخ ابن صياد قال النووي قال العلماء وقصته مشكلة وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة قال العلماء وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره وإنما أوحى بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ولهذا قال لعمر رضي الله عنه إن يكن هو فلن تستطيع قتله وأما احتجاجه هو بأنه مسلم والدجال كافر وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو وأنه لا يدخل مكة والمدينة وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة فلا دلالة له فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض انتهى
[ 322 ]
قلت قد أطنب الحافظ بن حجر الكلام في أن ابن الصياد هو الدجال أو غيره في كتاب الاعتصام في باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة الخ فإن شئت الوقوف عليه فأرجع إليه (وهو) أي ابن صائد والواو للحال (يلعب مع الغلمان) جمع الغلام (عند أطم بني مغالة) قال النووي المغالة ابن بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة قال القاضي وبنو مغالة كل ما كان على يمينك إذا وقفت آخر البلاط مستقبل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصم بضم الهمزة والطاء هو الحصن جمعه آطام انتهى وقال القاري بفتح الميم وبضم العين المعجمة ونقل بالضم والمهملة وهو قبيلة والأطم القصر وكل حصن مبني بحجارة وكل بيت مربع مسطح الجمع آطام وأطوم كذا في القاموس وقال النووي رحمه الله المشهور مقالة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة انتهى (فلم يشعر) بضم العين أي لم يدر ابن الصياد مروره صلى الله عليه وسلم به وإتيانه لأنه النبي صلى الله عليه وسلم جاءه على غفلة منه (ظهره) أي ظهر ابن صياد (بيده) أي الكريمة (ثم قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) أي ابن صياد (إنك رسول الأميين) قال القاضي يريد بهم العرب لأن أكثرهم كانوا لا يكتبون ولا يقرءون وما ذكره وإن كان حقا من قبل المنطوق لكنه يشعر بباطل من حيث المفهوم وهو أنه مخصوص بالعرب غير مبعوث إلى المعجم كما زعمه بعض اليهود وهو إن قصد به ذلك فهو من جملة ما يلقي إليه الكاذب الذي يأتيه وهو شيطانه انتهى كذا في المرقاة (ثم قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم أتشهد أني رسول الله) زاد في رواية مسلم والبخاري فرفضه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي أي ترك سؤاله الإسلام ليأسه منه حينئذ ثم شرع في سؤاله عما يرى وفي المشكاة فرصه بتشديد الصاد المهملة قال القاري أي ضغطه حتى ضم بعضه إلى بعض انتهى (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم آمنت بالله ورسله) فإن قيل كيف لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ادعى بحضرته النبوة فالجواب من وجهين أحدهما أنه كان غير بالغ والثاني أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم وجزم الخطابي في معالم السنن بهذا الجواب الثاني قال والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وحلفائهم وذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه
[ 323 ]
وبين اليهود كتابا وصالحهم فيه على أن لا يهاجموا ويتركوا أمرهم وكان ابن صياد منهم أو دخيلا في جملتهم وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب فامتحنه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ليروز قوله أمره ويخبر شأنه فلما كلمه علم أنه مبطل وأنه من جملة السحرة أو الكهنة أو ممن يأتيه رئي من الجن أو يتعاهده شيطان فيلقي على لسانه بعض ما يتكلم مختصرا (ما يأتيك) أي من أخبار الغيب ونحوه (قال) أي ابن صياد (صادق) أي خبر صادق (وكاذب) أي خبر كاذب قال القاري وقيل حاصل السؤال أن الذي يأتيك ما يقول لك ومجمل الجواب أنه يحدثني بشئ قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا (خلط عليك الأمر) بصيغة المجهول مشددا للمبالغة والتكثير ويجوز تخفيفه أي شبه عليك الأمر أي الكذب بالصدق قال النووي رحمه الله أي ما يأتيك به الشيطان مخلط قال الخطابي معناه أنه كان له تارات يصيب في بعضها ويخطئ في بعضها فذلك التبس عليه الأمر (قد خبأت لك) أي أضمرت لك في نفسي (خبيئة) أي كلمة مضمرة لتخبرني بها (هو الدخ) قال النووي هو بضم الدال وتشديد الخاء وهي لغة في الدخان والجمهور على أن المراد بالدخ هنا الدخان وأنها لغة فيه وخالفهم الخطابي وقال لا معنى للدخان هنا لأنه ليس مما يخبأ في كف أو كم كما قال إلا أن يكون معنى خبأت أضمرت لك اسم الدخان فيجوز والصحيح المشهور أنه صلى الله عليه وسلم أضمر له آية الدخان وهي قوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين قال القاضي وأصح الأقوال أنه لم يهتد من الآية التي أضمرها النبي صلى الله عليه وسلم إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب انتهى (اخسأ) بفتح السين وسكون الهمزة كلمة تستعمل عند طرد الكلب من الخسوء وهو زجر الكلب (فلن تعدو) بضم الدال أي فلن تجاوز (قدرك) أي القدر الذي يدركه الكهان من الاهتداء إلى بعض الشئ قاله النووي وقال الطيبي أي لا تتجاوز عن إظهار الخبيئات على هذا الوجه كما هو دأب الكهنة إلى دعوى النبوة فتقول أتشهد أني رسول الله انتهى (إن يكن) أي
[ 324 ]
إن يكن هذا دجالا (فلن تسلط عليه) بصيغة المجهول أي لا تقدر (يعني الدجال) هذا تفسير للضمير المجرور في قوله عليه من بعض الرواة (وإن لا يكن هو) ليس في بعض النسخ لفظ هو وهو خبر كان واسمه مستكن فيه وكان حقه إن يكنه فوضع المرفوع المنفصل موضع المنصوب المتصل عكس قولهم لولاه ويحتمل أن يكون تأكيدا للمستكن والخبر محذوفا على تقديران لا يكن هو الدجال (فلا خير في قتله) أي لكونه صغيرا أو ذميا أو كون كلامه محتملا فيه أقوال وقد تقدم أن الخطابي رحمه الله جزم بالقول الثاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وليس في حديثهم خبأ له (يوم تأتي السماء بدخان مبين) والإسناد الذي خرج به أبو داود رجاله ثقات (ما أشك) أي لا أتردد (أن المسيح الدجال بن صياد) أي هو هو والحديث سكت عنه المنذري أن (ابن الصياد الدجال) أي أن ابن الصياد هو الدجال (فقلت تحلف بالله) أي أتحلف بالله مع أنه أمر مظنون غير مجزوم به (على ذلك) أي على أن ابن الصياد الدجال (فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ولو لم يكن مقطوعا لأنكره أي ولم يجز اليمين على ما يغلب به الظن لما سكت عنه قيل لعل عمر أراد بذلك أن ابن الصياد من الدجالين الذين يخرجون فيدعون النبوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم تردد حيث قال إن يكن هو وإن لم يكن هو ولكن فيه أن الظاهر المتبادر من إطلاق الدجال هو الفرد الأكمل فالوجه حمل يمينه على الجواز عند غلبة الظن والله تعالى أعلم قاله القاري وقال النووي استدل به جماعة على جواز اليمين بالظن وأن لا يشترط فيها اليقين قال البيهقي في كتابه البعث والنشور اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا كثيرا هل هو
[ 325 ]
الدجال قال ومن ذهب إلى أنه غيره احتج بحديث تميم الداري قال ويجوز أن توافق صفة ابن صياد صفة الدجال كما ثبت في الصحيح أن أشبه الناس بالدجال عبد العزى بن قطن وليس هو كما قال وكان أمر ابن صياد فتنة ابتلى الله تعالى بها عباده فعصم الله تعالى منها المسلمين ووقاهم شرها قال وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم لقول عمر فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان كالمتوقف في أمره ثم جاءه البيان أنه غيره كما صرح به في حديث تميم هذا كلام البيهقي وقد اختار أنه غيره انتهى كلام النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (سالم) هو ابن أبي الجعد (جابر) هو ابن عبد الله (فقدنا ابن صياد يوم الحرة) هو يوم غلبة يزيد بن معاوية على أهل المدينة ومحاربته إياهم وهذا يخالف ما في رواية جابر المتقدمة من أنه قد مات قال القاري نقلا عن الطيبي قيل هذا يخالف رواية من روى أنه مات بالمدينة وليس بمخالف قال وهو مخالف إذ يلزم من فقده المحتمل موته بها وبغيرها وكذا بقاؤه في الدنيا إلى حين خروجه عدم جزم موته بالمدينة انتهى وقال الحافظ بن حجر في الفتح بعد ذكر أثر جابر هذا وهذا يضعف ما تقدم أنه مات بالمدينة وأنهم صلوا عليه وكشفوا عن وجهه وأثر جابر رضي الله عنه سكت عنه المنذري وصحح الحافظ بن حجر في الفتح حتى (يخرج) أي يظهر (ثلاثون دجالا) من الدجل وهو التلبيس وهو كثير المكر والتلبيس قال السيوطي في مرقاة الصعود في رواية البخاري قريب من ثلاثين فجاء ههنا على طريق جبر الكسر ولأحمد من حديث حذيفة بسند جيد سبعة وعشرون منهم أربعة نسوة كلهم يزعم أنه رسول الله زاد أحمد وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي وزاد أيضا آخرهم الأعور الدجال وللطبراني سبعون كذابا وسنده ضعيف قال ابن حجر ويحتمل أن يكون الذين يدعون النبوة منهم ما ذكر من الثلاثين أو نحوها وأن من زاد على العدد المذكور يكون كذابا فقط لكن يدعو إلى الضلالة من غير ادعاء النبوة انتهى وهذا القدر نقل السيوطي من عبارة الحافظ بن
[ 326 ]
حجر وفي فتح الباري بعد هذا كغلاة الرافضة والباطنية وأهل الوحدة والحلولية وسائر الفرق الدعاة إلى ما يعلم بالضرورة أنه خلاف ما جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤيده أن في حديث علي عند أحمد فقال علي لعبد الله بن الكواء وإنك لمنهم وابن الكواء لم يدع النبوة وإنما كان يغلو في الرفض انتهى قلت وكذا رئيس الفرقة النيجيرية ذلك الذي خرج من كول من إقليم الهند كان دجالا من الدجاجلة وكذا الدجال القادياني الكذاب الأشر الذي عمت فتنته وكثرت بليته فإنهما من الدعاة إلى ما يعلم بالضرورة أنه خلاف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم (كلهم يزعم أنه رسول الله) قال الحافظ هذا ظاهر في أن كلا منهم يدعي النبوة وهذا هو السر في قوله في آخر الحديث الماضي وإني خاتم النبيين انتهى وأراد بالحديث الماضي حديث أحمد المذكور والحديث سكت عنه المنذري (أخبرنا محمد يعني ابن عمرو) هو ابن علقمة الليثي قاله المنذري (كلهم يكذب على الله وعلى رسوله) أي يتحدث بالأحاديث الموضوعة الكاذبة كما في رواية لمسلم يكون في اخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم الحديث والحديث سكت عنه المنذري عن (إبراهيم) هو ابن يزيد النخعي قاله المنذري (فقلت) قائله إبراهيم (له) أي لعبيدة (هذا) يعني المختار الثقفي (منهم) أي من الدجالين الكذابين (أما) بالتخفيف حرف التنبيه (إنه) أي المختار (من الرؤوس) أي من رؤوس الدجالين وكبارهم قال النووي وقد وجد من هؤلاء خلق كثيرون في الأعصار وأهلكهم الله تعالى وقلع آثارهم وكذلك يفعل بمن بقي منهم انتهى قال المنذري وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن بين يدي الساعة كذابين وفي رواية قال جابر فاحذروهم
[ 327 ]
(باب الأمر والنهي) عن علي بن يذيمة محمد) بفتح الموحدة وكسر المعجمة الخفيفة بعدها تحتانية ساكنة الجزري ثقة رمي بالتشيع (عن أبي عبيدة) هو ابن عبد الله بن مسعود قاله المنذري (فلا يمنعه ذلك) أي ما راه من ذلك أمس (أن يكون أكيله وشريبه وقعيده) أي من يكون أكيله وشربيه وقعيده والكل على وزن فعيل بمعنى فاعل هو من يصاحبك في الأكل والشرب والقعود (ضرب الله قلوب بعضهم ببعض) يقال ضرب اللبن بعضه ببعض أي خلطه ذكره الراغب وقال ابن الملك رحمه الله الباء السببية أي سود الله قلب من لم يعص بشؤم من عصى فصارت قلوب جميعهم قاسية بعيدة عن قبول الحق والخير أو الرحمة بسبب المعاصي ومخالطة بعضهم بعضا انتهى قال القار وقوله قلب من لم يعص ليس على إطلاقه لأن مؤاكلتهم ومشاربتهم من غير إكراه وإلجاء بعد عدم انتهائهم عن معاصيهم معصية ظاهرة لأن مقتضى البغض في الله أن يبعدوا عنهم ويهاجروهم انتهى قلت ما قال القاري حق صراح (لعن الذين كفروا إلخ) هذه الآية في اخر سورة المائدة (ثم قال) أي النبي (بالمعروف) المعروف ما عرف في الشرع يعني أمر معروف بين الناس يعرفونه ولا ينكرونه إذا رأوه والمنكر أمر لا يعرف في الشرع بل منكر ينكره من رآه كالشخص الذي لا يعرفه الناس وينكرونه إذا رأوه (ولتأطرنه على الحق أطرأ) قال الخطابي أي لتردنه على الحق وأصل الأطر كان العطف والتثني وقال في النهاية وتأطروه على الحق أطرا تعطفوه أبو عليه (ولتقصرنه على الحق قصرا) أي لتحبسنه عليه وتلزمنه) إياه كذا في مرقاة الصعود وفي النهاية يقال قصرت نفسي على الشئ إذا حبستها عليه وألزمتها إياه ومنه الحديث وليقصرنه عبد على الحق قصرا
[ 328 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب وذكر أن بعضهم رواه عن أبي عبيدة عن النبي مرسلا وأخرجه ابن ماجه أيضا مرسلا وقد تقدم أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه فهو منقطع (أخبرنا أبو شهاب الحناط) اسمه عبد ربه بن نافع الكناني وهو الأصغر وثقه ابن معين قال النسائي ليس بالقوي (زاد) أي سالم بعد قوله ولتقصرنه على الحق قصرا (أو ليضربن الله) أي ليخلطن عليه (بقلوب بعضكم على بعض) الباء زائدة لتأكيد التعدية (ثم ليلعننكم) أي الله (كما لعنهم) أي بني إسرائيل على كفرهم ومعاصيهم والمعنى أن أحد الأمرين واقع قطعا (رواه المحاربي عن العلاء بن المسيب إلخ) حاصله أن المحاربي خالف أبا شهاب الحناط لأنه ذكر بين العلاء بن المسيب وسالم عبد الله بن عمرو بن مرة مكان عمرو بن مرة وخالفهما خالد الطحان لأنه لم يذكر سالما (قال أبو بكر) أي الصديق رضي الله عنه (تقرؤون هذه الآية) أي عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم (وتضعونها) أي الآية (على غير مواضعها) بأن تجرونها على عمومها وتمتنعون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقا وليس كذلك (عليكم أنفسكم) انتصب أنفسكم بعليكم وهو من أسماء الأفعال أي الزموا إصلاح أنفسكم (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال النووي وأما قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم الآية فليس مخالفا لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن المذهب الصحيح عند المحققين في
[ 329 ]
معنى الآية أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم مثل قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وإذا كان كذلك فما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه (قال عن خالد) أي قال وهب بن بقية عن خالد عن إسماعيل عن قيس عن أبي بكر رضي الله عنه وإنا سمعنا النبي يقول إلخ فمقولة أبي القول هو قوله وإنا سمعنا النبي يقول إلخ وخالد هذا هو الطحان قاله المنذري (فلم يأخذوا على يديه) أي لم يمنعوه عن ظلمه مع القدرة على منعه (أن يعمهم الله بعقاب) أي بنوع من العذاب (وقال عمرو) أي ابن عون في روايته (عن هشيم) عن إسماعيل عن قيس عن أبي بكر ومقولة القول هو قوله وإني سمعت إلخ (يعمل فيهم) بصيغة المجهول والجار والمجرور نائب الفاعل (قال أبو داود ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة) أي روئ (هذا الحديث أبو أسامة وجماعة مثل رواية خالد (هم أكثر ممن يعمله) صفة قوم أي إذا كان الذين لا يعملون المعاصي أكثر من الذين يعملونها فلم يمنعوهم عنها عمهم العذاب قاله القاري وقال العزيزي لأن من لم يعمل إذ كانوا أكثر من يعمل كانوا قادرين على تغيير المنكر غالبا فتركهم له رضي به انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه (عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي قاله المنذري (يعمل) بفتح الياء صفة ثانية لرجل أو حال منه أي يفعل (يقدرون) أي القوم (على أن يغيروا عليه) أي على الرجل باليد أو اللسان فإنه لا مانع من إنكار الجنان
[ 330 ]
قال المنذري وابن جرير هذا لم يسم وقد روى المنذر بن جرير عن أبيه أحاديث واحتج به مسلم (وعن قيس بن مسلم) معطوف على إسماعيل معناه رواه الأعمش عن إسماعيل وعن قيس قاله النووي في كتاب الأيمان من شرح مسلم (من رأى) أي من علم (منكرا) أي في غيره من المؤمنين وفي منكم كما في رواية مسلم إشعار بأنه من فروض الكفاية والمنكر ما أنكره الشرع (فليغيره بيده) أي بأن يمنعه بالفعل بأن يكسر الآلات ويربق ما الخمر ويرد المغصوب إلى مالكه (وقطع هناد بقية الحديث) أي لم يذكرها بل اقتصر على القدر المذكور (وفاه ابن العلاء) أي ذكره وافيا تاما (فإن لم يستطع) أي التغيير باليد وإزالته بالفعل لكون فاعله أقوى منه (فبلسانه) أي فليغيره بالقول وتلاوة ما أنزل الله من الوعيد عليه وذكر الوعظ والتخويف والنصيحة (فبقلبه) بأن لا يرضى به وينكر في باطنه على متعاطيه فيكون تغييرا معنويا إذ ليس في وسعه إلا هذا القدر من التغيير وقيل التقدير فلينكره بقلبه لأن التغيير لا يتصور بالقلب فيكون التركيب من باب علفتها تبنا وماءا باردا (وذلك) أي الإنكار بالقلب (أضعف الإيمان) قال النووي أي أقله ثمرة وقال المناوي أضعف الإيمان أي خصاله فالمراد به الإسلام أو اثاره وثمراته وقال القاري أو ذلك الشخص المنكر بالقلب فقط أضعف أهل الإيمان فإنه لو كان قويا صلبا في الدين لما اكتفى به يؤيده الحديث المشهور أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر انتهى قلت وعلى هذا فالمشار إليه من رأى والحديث الذي ذكره القاري سيأتي في هذا الباب قال النووي في شرح مسلم ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من إزالته إلا هو قال العلماء ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين والذي عليه الأمر والنهي لا القبول ولا يشترط في الأمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه بل عليه الأمر وإن
[ 331 ]
كان مخلا بما يأمر به والنهي وإن كان متلبسا بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان أن يأمر نفسه وينهاها ويأمر غيره وينهاه فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال باخر وينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب فقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشأنه قال وهذا الباب أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح فينبغي لطالب لآاخرة لا والساعي في تحصيل رضا الله تعالى أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته ولا يهاب من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى قال ولينصرن الله من ينصره وقال ولا يتاركه أيضا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقا ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها وصديق الإنسان ومحبه هو من يسعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه وعدوه من سعى في ذهاب دينه أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه انتهى ملخصا قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا وقد تقدم في كتاب الصلاة كيف تقول في هذه الآية عليكم أنفسكم) أي ما معنى هذه الآية وما تقول فيه فإن ظاهرها يدل على أنه لا حاجة إلى الأمر والنهي بل على كل مسلم إصلاح نفسه (أما) بالتخفيف حرف التنبيه (بل ائتمروا) أي امتثلوا (بالمعروف) أي ومنه الأمر بالمعروف (وتناهوا عن المنكر) أي انتهوا واجتنبوا عنه ومنه الامتناع عن نهيه أو الائتمار بمعنى التأمر كالاختصام بمعنى التخاصم ويأيده التناهي والمعنى ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف وتنه طائفة منكم طائفة عن المنكر وقال الطيبي قوله بل ائتمروا إضراب عن مقدر أي سألت عنها رسول الله وقلت أما نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على ظاهر الآية فقال عليه الصلاة والسلام لا
[ 332 ]
تتركوا بل ائتمروا بالمعروف إلخ (حتى إذا رأيت) الخطاب عام لكل مسلم (شحا مطاعا) أي بخلا مطاعا بأن أطاعته نفسك وطاوعه غيرك قاله القاري وفي النهاية هو أشد البخل وقيل البخل مع الحرص وقيل البخل في أفراد الأمور وآحادها والشح عام وقيل البخل بالمال والشح بالمال والمعروف (وهوى متبعا) بصيغة المفعول أي وهوى للنفس متبوعا وطريق الهدى مدفوعا والحاصل أن كلا يتبع هواه (ودنيا) بالتنوين كذا ضبط في بعض النسخ بالقلم وقال القاري في شرح المشكاة بالقصر وفي نسخة بالتنوين قال وهي عبارة عن المال والجاه في الدار الدنية (مؤثرة) أي مختارة على أمور الدين (وإعجاب كل ذي رأي برأيه) أي من غير نظر إلى الكتاب والسنة وإجماع الأمة وترك الاقتداء بالصحابة والتابعين والإعجاب بكسر الهمزة هو وجدان الشئ حسنا ورؤيته مستحسنا بحيث يصير صاحبه به معجبا وعن قبول كلام الغير مجنبا وإن كان قبيحا في نفس الأمر (فعليك يعني بنفسك) كأن في الحديث لفظ فعليك فقط فزاد بعض الرواة يعني بنفسك إيضاحا لقوله فعليك أي يريد بقوله فعليك فعليك بنفسك وفي رواية الترمذي فعليك نفسك (ودع عنك العوام) أي واترك عامة الناس الخارجين عن طريق الخواص (فإن من ورائكم) أي خلفكم (أيام الصبر) أي أياما لا طريق لكم فيها إلا الصبر أو أياما يحمد فيها الصبر وهو الحبس على خلاف النفس (الصبر فيه) كذا في عامة النسخ التي في أيدينا وفي نسخة فيهن وهو الظاهر وأما تذكير الضمير كما في عامة النسخ فلا يستقيم إلا أن يأول أيام الصبر بوقت الصبر واعلم أنه وقع في بعض النسخ فإن من ورائكم أيام الصبر فيه مثل قبض على الجمر قال في فتح الودود قوله فإن من ورائكم أيام هكذا هو في بعض النسخ وفي بعضها أياما بالنصب وهو الظاهر والأول محمول على مسامحة أهل الحديث فإنهم كثيرا ما يكتبون المنصوب بصورة المرفوع أو على لغة من يرفع اسم إن أو على حذف ضمير الشأن والله تعالى أعلم انتهى (مثل قبض على الجمر) يعني يلحقه المشقة بالصبر كمشقة الصابر على قبض الجمر بيده (يعملون مثل عمله) أي في غير زمانه (وزادني غيره) وفي رواية الترمذي قال عبد الله بن المبارك وزادني غير عتبة (قال يا رسول الله أجر خمسين) بتقدير الاستفهام (منهم) قال القار فيه تأويلان أحدهما أن يكون أجر كل واحد منهم على تقدير أنه غير مبتلى ولم يضاعف أجره وثانيهما أن يراد أجر خمسين منهم أجمعين لم يبتلوا ببلائه انتهى (قال أجر خمسين منكم) قال في فتح الودود هذا في الأعمال التي يشق فعلها في تلك الأيام لا
[ 333 ]
مطلقا وقد جاء لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ولأن الصحابي أفضل من غيره مطلقا انتهى وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ليس هذا على إطلاقه بل هو مبني على قاعدتين إحداهما أن الأعمال تشرف بثمراتها والثانية أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوله وبالعكس لقوله عليه السلام بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء من أمتي يريد المنفردين عن أهل زمانهم إذا تقرر ذلك فنقول الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه أي مد الحنطة والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين وقلة أنصارهم فكان جهادهم أفضل ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها ولذلك قال عليه السلام أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر جعله أفضل الجهاد ليأسه من حياته وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام فإن ذلك شاق على المتأخرين لعدم المعين وكثرة المنكر فيهم كالمنكر على السلطان الجائر ولذلك قال عليه السلام يكون القابض كالقابض على الجمر لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة فكذلك المتأخر في حفظ دينه وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر فعلى هذا ينزل الحديث انتهى كذا في مرقاة الصعود قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب وأبو ثعلبة اسمه جرثوم وأبو أمية يحمد هذا آخر كلامه وفي اسم أبي ثعلبة اختلاف كثير قيل جرثومة وقيل جرهم وقيل عمرو وقيل لاش وقيل لاشو أن وقيل غير ذلك وفي اسم أبيه اختلاف قيل ناشر وناشب وجرهم وقيل غير ذلك وفي حديث الترمذي قال عبد الله بن المبارك وزادني غير عتبة وذكر ما تقدم وعتبة هذا هو العباس بن عتبة بن أبي حكيم الهمداني الشامي وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد ويحمد بضم الياء آخر الحروف وسكون الحاء المهملة وبعدها ميم مكسورة ودال مهملة هكذا قيده الأمير أبو نصر وغيره وقيده بعضهم بفتح الياء والخشني منسوب إلى خشن بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين وياء آخر الحروف ساكنة ونون وهو خشين بن نمر بن وبرة بطن من قضاعة وعامتهم بالشام وفي فزارة أيضا خشين
[ 334 ]
(أو يوشك أن يأتي زمان) شك من الراوي (يغربل الناس) أي يذهب خيارهم ويبقى أراذلهم كأنه نقى بالغربال كذا في المجمع (فيه) أي في ذلك الزمان (غربلة) مفعول مطلق (تبقى حثاله) بمثلثة كغرابة (من الناس) أي أرذالهم قاله السيوطي وفي المرقاة للقاري بضم الحاء وبالثاء المثلثة وهي ما سقط من قشر الشعير والأرز والتمر والردئ من كل شئ (قد مرجت) أي اختلطت وفسدت قال القاري بفتح الميم وكسر الراء أي فسدت (عهودهم وأمانتهم) أي لا يكون أمرهم مستقيما بل يكون كل واحد في كل لحظة على طبع وعلى عهد ينقضون العهود ويخون الأمانات (واختلفوا فكانوا هكذا وشبك بين أصابعه) أي يمزج بعضهم ببعض وتلبس أمر دينهم فلا يعرف الأمين من الخائن ولا البر من الفاجر كذا في المجمع (فقالوا كيف بنا يا رسول الله) أي فما نفعل عند ذلك وبم تأمرنا (ما تعرفون) أي ما تعرفون كونه حقا (وتذرون) أي تتركون (ما تنكرون) أي ما تنكرون أنه حق قال المنذري وأخرجه النسائي (عن هلال بن خباب) بمعجمة وموحدتين (مرجت عهودهم) تقدم شرحه في الحديث السابق (وخفت) بتشديد الفاء أي قلت (وأملك) أمر من الأملاك بمعنى الشد والإحكام أي أمسك (عليك لسانك) ولا تتكلم في أحوال الناس كيلا يؤذوك (وعليك بأمر خاصة نفسك ودع
[ 335 ]
عنك أمر العامة) أي الزم أمر نفسك واحفظ دينك واترك الناس ولا تتبعهم وهذا رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده هلال بن حباب أبو العلاء وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين وقال أبو حاتم الرازي ثقه صدوق وكان يقال تغير قبل موته من كبر السن قال ابن حبان لا يجوز احتجاج به إذا انفرد وقال أبو جعفر العقيل كوفي في حديثه وهم وتغير بآخره وذكر له هذا الحديث وحباب بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى انتهى كلام المنذري (أفضل الجهاد) أي من أفضله بدليل رواية الترمذي إن أعظم الجهاد (كلمة عدل) وفي رواية لابن ماجه كلمة حق والمراد بالكلمة ما أفاد أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر من لفظ أو ما في معناه ككتابه ونحوها (عند سلطان جائر) أي ظالم إنما صار ذلك أفضل الجهاد لأن من جاهد العدو كان مترددا بين رجاء وخوف لا يدري هل يغلب أو يغلب وصاحب السلطان مقهور في يده فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل الخوف قاله الخطابي وغيره (أو أمير جائر) الظاهر أنه شك من الراوي قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه هذا آخر كلامه وعطية العوفي لا يحتج بحديثه (عن العرس) بضم العين وسكون الراء المهملتين وسين مهملة (بن عميرة) بفتح العين المهملة وكسر الميم وسكون الياء وبعدها راء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث قاله المنذري وقال المناوي وعميرة أمه واسم أبيه قيس وقال العلقمي العرس هذا والعرس بن قيس وهما صحابيان انتهى وقال الذهبي في التجريد عرس بن عميرة الكندي أخو عدي روى عنه ابن أخيه عدي بن عدي وغيره وعرس بن قيس بن سعيد بن الأرقم الكندي صحابي انتهى (الكندي)
[ 336 ]
بكسر الكاف وسكون النون لقب ثور بن عفير أبو حي من اليمن (إذا عملت) بالبناء للمفعول (الخطيئة) أي المعصية (من شهدها) أي حضرها (فكرهها) أي بقلبه (كمن غاب عنها) أي في عدم لحوق الإثم له وهذا في عجز عن إزالتها بيده ولسانه والافضل أن يضيف إلى القلب اللسان فيقول اللهم هذا منكر لا أرتضيه قاله العزيزي (ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) أي في المشاركة في الإثم وإن بعدت المسافة بينهما والحديث سكت عنه المنذري عن عدي بن عدي عن النبي) قال المنذري وهذا مرسل عدي بن عدي هو ابن عميرة بن أخي العرس تابعي وفي الحديث الأول والثاني المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي قال الإمام أحمد ضعيف الحديث كل حديث رفعه المغيرة فهو منكر والمغيرة بن زياد مضطرب الحديث قال البخاري قال وكيع وكان ثقة وقال غيره في حديثه اضطراب وقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان لا يحتج بحديثه وقال النسائي والدارقطني ليس بالقوي وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم وأدخله البخاري في كتاب الضعفاء فسمعت أبي يقول يحول اسمه من كتاب الضعفاء واختلف فيه قول يحيى بن معين والعرس بضم العين وسكون الراء المهملتين وسين مهملة أيضا وعميرة بفتح العين المهملة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث انتهى كلام المنذري حدثني رجل من أصحاب النبي) قال السيوطي وأخرج ابن جرير الطبري في تفسيره من طريق عبد الملك بن ميسرة الزراد عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم قيل لعبد الله كيف ذلك فقرأ هذه الآية فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين انتهى (لن يهلك الناس حتى يعذروا)) بفتح التحتية
[ 337 ]
وكسر الذال المعجمة (أو يعذروا من أنفسهم) بضم التحتية من باب الأفعال أو للشك أي قال حتى يعذروا من أنفسهم أو قال حتى يعذروا من أنفسهم قال الخطابي فسره أبو عبيد في كتابه وحكى عن أبي عبيدة أنه قال معنى يعذروا أي تكثر ذنوبهم وعيوبهم قال وفيه لغتان يقال أعذر الرجل إعذارا إذ صار ذا عيب وفساد قال وكان بعضهم يقول عذر يعذر بمعناه ولم يعرفه الأصمعي قال أبو عبيدة وقد يكون بعذر بفتح الياء بمعنى يكون لمن يعذرهم العذر في ذلك وقال في النهاية يقال أعذر فلان من نفسه إذا أمكن منها يعني وأخرجه أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم فيستوجبون العقوبة ويكون لمن يعذبهم عذر كأنهم قاموا بعذرهم في ذلك ويروى بفتح الياء من عذرته وهو بمعناه وحقيقة عذرت محوت الإساءة وطمستها انتهى وقال في فتح الودود المشهور أنه بضم الياء من أعذر فقيل معناه حتى يكثر ذنوبهم من أعذر إذا صار ذا عيب وقيل معناه حتى لم يبق لهم عذر بإظهار الحق لهم وتركهم العمل به بلا عذر ومانع من أعذر إذا زال عذره فكأنهم أزالوا عذرهم وأقاموا الحجة لمن يعذرهم حيث تركوا العمل بالحق بعد ظهوره وقيل عذره إذا جعله معذورا في العقاب وإليه يشير تفسير الصحابي فإنه جاء هذا الحديث عن ابن مسعود فقيل له كيف يكون ذلك فقرأ هذه الآية فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين انتهى والحديث سكت عنه المنذري (باب قيام الساعة) أي الساعة الكبرى هل يكون بعد هذه المدة المذكورة في أحاديث الباب في آخر حياته) قبل موته بشهر كما في حديث جابر عند مسلم (أرأيتم) وفي بعض النسخ أرأيتكم أي أخبروني وهو من إطلاق السبب على المسبب لأن مشاهدة هذه الأشياء طريق إلى الإخبار عنها والهمزة فيه مقررة أي قد رأيتم ذلك فأخبروني (ليلتكم) أي شأن ليلتكم (هذه) هل تدرون ما يحدث بعدها من الأمور العجيبة وتاء أرأيتكم فاعل والكاف حرف خطاب لا محل لها من الإعراب ولا تستعمل إلا في الإستخبار عن حالة عجيبة
[ 338 ]
وليلتكم بالنصب مفعول ثان لأخبروني على قاله القسطلاني (فإن على رأس مائة سنة) أي عند انتهاء مائة سنة كذا في الفتح وقال السندي واسم إن ضمير الشأن وللبخاري فإن رأس انتهى (منها) أي من تلك الليلة (لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) قال النووي في شرح مسلم المراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعدها أكثر من مائة سنة سواء قل عمره قبل ذلك أو كثر وليس فيه نفي عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة قال وفيه احتراز من الملائكة وقد احتج بهذا الحديث من شذ من المحدثين فقال بموت خضر عليه السلام والجمهور على حياته لإمكان أنه كان على البحر لا على الأرض وقيل هذا على سبيل الغالب وقال النووي في تهذيب الأسماء واختلفوا في حياة الخضر ونبوته فقال الأكثرون من العلماء هو حي موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن يحصر وأشهر من أن يذكر قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم في ذلك قال وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين انتهى قلت ما قاله النووي من أن حياة الخضر قول الجمهور ليس بصحيح وقد رد عليه الحافظ بن حجر في الإصابة فقال اعتنى بعض المتأخرين بجمع الحكايات المأثورة عن الصالحين وغيرهم ممن بعد الثالث مائة فما بلغت العشرين مع ما في أسانيد بعضها من يضعف لكثرة أغلاطه أو إيهامه بالكذب كأبي عبد الرحمن السلمي وأبي الحسن بن جهضم وقال السهيلي قال البخاري وطائفة من أهل الحديث مات الخضر قبل انقضاء مائة سنة من الهجرة قال ونصر شيخنا أبو بكر بن العربي هذا لقوله صلى الله عليه وسلم على رأس مائة سنة لا يبقى على الأرض ممن هو عليها أحد يريد ممن كان حيا حين هذه المقالة انتهى وقال أبو الخطاب بن دحية ولا يثبت اجتماع الخضر مع أحد من الأنبياء إلا مع موسى عليه السلام كما قصه الله تعالى من خبره وجميع ما ورد في حياته لا يصح منها شئ باتفاق أهل النقل وأما ما جاء من المشائخ فهو مما يتعجب منه كيف يجوز لعاقل أن يلقى شخصا لا يعرفه فيقول له أنا فلان فيصدقه انتهى
[ 339 ]
ونقل أبو بكر النقاش في تفسيره عن علي بن موسى الرضا وعن محمد بن إسماعيل البخاري أن الخضر مات وأن البخاري سئل عن حياة الخضر فأنكر ذلك واستدل بحديث ابن عمر المذكور وهو عمدة من تمسك بأنه مات وأنكر أن يكون باقيا وقال أبو حيان في تفسيره الجمهور على أنه مات ونقل عن ابن أبي الفضل المرسي أن الخضر صاحب موسى مات لأنه لو كان حيا لزمه المجئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به واتباعه وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ونقل أبو الحسن بن مبارك عن إبراهيم الحربي أن الخضر مات وبذلك جزم ابن المنادي وذكر ابن الجوزي عن أبي يعلى بن العراء الحنبلي قال سئل بعض أصحابنا عن الخضر هل مات فقال نعم قال وبلغني مثل هذا عن أبي طاهر بن العبادي وكان يحتج بأنه لو كان حيا لجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ بن حجر ومنهم أبو الفضل بن ناصر والقاضي أبو بكر بن العربي وأبو بكر محمد بن الحسن النقاش ومنهم ابن الجوزي واستدل بما أخرجه أحمد عن الشعبي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني قال فإذا كان هذا في حق موسى فكيف لم يتبعه الخضر أن لو كان حيا فيصلي معه الجمعة والجماعة ويجاهد تحت رايته كما ثبت أن عيسى عليه السلام يصلي خلف إمام هذه الأمة وقال أبو الحسين بن المنادي بحثت عن تعمير الخضر وهل هو باق أم لا فإذا أكثر المغفلين مغترون بأنه باق من أجل ما روى في ذلك قال والأحاديث المرفوعة في ذلك واهية والسند إلى أهل الكتاب ساقط لعدم ثقتهم وما عدا ذلك من الأخبار كلها واهية لا يخلو حالها من أحد الأمرين إما أن تكون أدخلت على الثقات استغفالا أو يكون بعضهم تعمد ذلك وفي تفسير الأصبهاني روى عن الحسن أنه كان يذهب إلى أن الخضر مات انتهى كلام الحافظ من الإصابة مختصرا وقد أطال الحافظ الكلام في ذلك فأجاد وأحسن والله أعلم (فوهل الناس) بفتح الواو والهاء ويجوز كسرها أي غلطوا وذهب وهمهم إلى خلاف الصواب في تأويل (مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في حديثه (تلك) وهي قوله فإن على رأس مائة سنة منها إلخ (فيما يتحدثون عن هذه الأحاديث عن مائة سنة) ولفظ البخاري في باب السمر في الفقه والخير بعد صلاة العشاء من كتاب الصلاة في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يتحدثون في هذه الأحاديث عن مائة سنة قال العيني في شرح البخاري أي حيث تؤولونها بهذه التأويلات التي كانت مشهورة
[ 340 ]
بينهم إليها عندهم في معنى المراد عن مائة سنة مثل أن المراد بها انقراض العالم بالكلية ونحوه لأن بعضهم كان يقول إن الساعة تقوم عند انقضاء مائة سنة كما روى ذلك الطبراني وغيره من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه ورد عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغرض ابن عمر رضي الله عنه أن الناس ما فهموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه المقالة وحملوها على محامل كلها باطل وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بذلك انخرام القرن عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك وهو القرن الذي كان هو فيه بأن تنقضي أهاليه الله ولا يبقى منهم أحد بعد مائة سنة وليس مراده أن ينقرض العالم بالكلية وكذلك وقع بالاستقراء فكان آخر من ضبط عمره ممن كان موجودا حينئذ أبو الطفيل عامر بن واثلة وقد أجمع أهل الحديث على أنه كان آخر الصحابة موتا وغاية ما قيل فيه أنه بقي إلى سنة عشر ومائة وهي رأس مائة سنة من مقالة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا إعلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أعمار أمته ليست تطول كأعمار قال من تقدم من الأمم السالفة ليجتهدوا في العمل انتهى (يريد) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله مائة سنة (أن ينخرم) أي ينقطع (ذلك القرن) الذي هو فيه فلا يبقى أحد ممن كان موجودا حال تلك المقالة قال في النهاية القرن أهل زمن وانخرامه ذهابه وانقضاؤه انتهى وقال العلامة العيني والقرن بفتح القاف كل طبقة مقترنين في وقت ومنه قيل لأهل كل مدة أو طبقة بعث فيها نبي قرن قلت السنون أو كثرت انتهى وأخرج مسلم من حديث جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر تسألون عن الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة هذه رواية أبي الزبير عنه وفي رواية أبي نضرة عنه قال ذلك قبل موته بشهر أو نحو ذلك ما من نفس وزاد في آخره وهي حية يومئذ وأخرجه الترمذي من طريق أبي سفيان عن جابر نحو رواية أبي الزبير وأخرج مسلم من أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم وأخرج الشيخان عن عائشة قالت كان رجال من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه عن الساعة فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم أي قيامتكم وهي الساعة الصغرى والمراد موت جميعهم قال القاضي عياض أراد بالساعة انقراض القرن الذين هم من عدادهم ولذلك أضاف إليهم
[ 341 ]
وقال بعضهم أراد موت كل واحد منهم والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم) قال المناوي تمامه عند الطبراني من حديث المقدام يعني خمس مائة سنة ويأتي شرحه مفصلا في الحديث الذي بعده والحديث سكت عنه المنذري إني لأرجو) أي أؤمل (أن لا تعجز) بفتح المثناة الفوقية وكسر الجيم من عجز عن الشئ عجزا كضرب ضربا (أمتي) أي أغنياؤها عن الصبر على الوقوف للحساب (عند ربها) في الموقف (أن) بفتح الهمزة وسكون النون (يؤخرهم) أي بتأخيرهم عن لحاق فقراء أمتي السابقين إلى الجنة (نصف يوم) من أيام آخرة (قيل لسعد) بن أبي وقاص (وكم نصف يوم) وفي بعض النسخ وكم نصف ذلك اليوم (قال) سعد (خمس مائة سنة) إنما فسر الراوي نصف اليوم بخمس مائة نظرا إلى قوله تعالى وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وقوله تعالى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة واعلم أنه هكذا شرح هذا الحديث العلقمي وغيره من شراح الجامع الصغير فالحديث على هذا محمول على أمر القيامة وقال المناوي وقيل المعنى إني لأرجو أن يكون لأمتي عند الله مكانة يمهلهم من زماني هذا إلى انتهاء خمس مائة سنة بحيث لا يكون أقل من ذلك إلى قيام الساعة وقد شرحه علي القاري في المرقاة شرح المشكاة هكذا (إني لأرجو أن لا تعجز أمتي) بكسر الجيم ويجوز ضمها وهو مفعول أرجو أي أرجو عدم عجز أمتي (عند ربها) من كمال قربها (أن يؤخرهم نصف يوم) يوم بدل من أن لا تعجز واختاره ابن الملك أو متعلق به بحذف عن كما اقتصر عليه الطيبي ثم قال وعدم العجز هنا كناية عن التمكن من القربة
[ 342 ]
والمكانة عند الله تعالى مثال ذلك قول المقرب عند السلطان إني لا أعجز أن يوليني الملك كذا وكذا يعني به أن لي عنده مكانة وقربة يحصل بها كل ما أرجوه عنده فالمعنى إني أرجو أن يكون لأمتي عند الله مكانة ومنزلة يمهلهم من زماني هذا إلى انتهاء خمس مائة سنة بحيث لا يكون أقل من ذلك إلى قيام الساعة انتهى والحديث على هذا محمول على قرب الساعة وعلى هذا حمله أبو داود ولذلك أورده في هذا الباب وعلى هذا حمله صاحب المصابيح أيضا ولذلك أورده في باب قرب الساعة واختاره الطيبي رحمه الله وزيف المعنى الأول واختار الداودي المعنى الأول ورد على المعنى الثاني قال العلقمي في شرح الجامع الصغير تمسك الطبري بهذا الحديث على أنه بقي من الدنيا بعد هجرة المصطفى نصف يوم وهو خمس مائة سنة قال وتقوم الساعة ويعود الأمر إلى ما كان عليه قبل أن يكون شئ غير الباري ولم يبين وجهه ورد عليه الداودي قال وقت الساعة لا يعلمه إلا الله ويكفي في الرد عليه أن الأمر بخلاف قوله فقد مضت خمس مائة سنة وثلاث مائة وحديث أبي داود ليس صريحا في أنها لا تؤخر أكثر من ذلك والله أعلم كما قال تعالى وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون يعني من عددكم فإن هذا اليوم الذي هو كألف سنة بالنسبة إلى الكفار قليل وأن مقداره عليهم خمسين ألف سنة وإنه ليخفف عن من اختاره الله تعالى حتى يصير كمقدار ركعتي الفجر المسنونة انتهى من شرح السنن لابن رسلان قال شيخنا قال السهيلي ليس في هذا الحديث ما ينفي الزيادة على خمس مائة قال وقد جاء بيان ذلك في ما رواه جعفر بن عبد الواحد إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام آخرة وذلك ألف سنة وإن أساءت فنصف يوم وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه هذا التحديد بهذه الأمة لا ينفي ما يزيد عليها إن صح رفع الحديث فأما ما يورده كثير من العامة أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤلف تحت الأرض فليس له أصل ولا ذكر في كتب الحديث وقال الحافظ بن حجر قد حمل بعض شراح المصابيح حديث لن يعجز الله هذه الأمة في نصف يوم على حال يوم القيامة وزيفه الطيبي فأصاب قال وأما زيادة جعفر فهي موضوعة لأنها لا تعرف إلا من جهته وهو مشهور بوضع الحديث وقد كذبه الأئمة مع أنه لم يسق سنده بذلك فالعجب من السهيلي كيف سكت عنه مع معرفته بحاله انتهى كلام العلقمي قلت قال الطيبي على ما ذكره القاري وقد وهم بعضهم ونزل الحديث على أمر القيامة وحمل اليوم على يوم المحشر فهب أنه غفل عما حققناه ونبهنا عليه فهلا انتبه لمكان الحديث وأنه في أي باب من أبواب الكتاب فإنه مكتوب في باب قرب الساعة فأين هو منه انتهى قال
[ 343 ]
القاري ولعله صلى الله عليه وسلم أراد بالخمسمائة أن يكون بعد الألف السابع فإن اليوم نحن في سابع سنة من الألف الثامن وفيه إشارة إلى أنه لا يتعدى عن الخمس مائة فيوافق حديث عمر الدنيا سبعة آلاف سنة فالكسر الزائد يلغى ونهايته إلى النصف وأما ما بعده فيعد ألفا ثامنا بإلغاء الكسر الناقص وقيل أراد بقاء دينه ونظام ملته في الدنيا مدة خمس مائة سنة فقوله أن يؤخرهم أي عن أن يؤخرهم الله سالمين عن العيوب من ارتكاب الذنوب والشدائد الناشئة من الكروب انتهى كلامه وتقدم كلام الشيخ ولي الله المحدث الدهلوي ما يتعلق بهذا الحديث في شرح حديث لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة والحديث سكت عنه المنذري عن وقال المناوي سنده جيد (آخر كتاب الملاحم) تم - بحمد الله - الجزء الحادي عشر النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤلف تحت الأرض فليس له أصل ولا ذكر في كتب الحديث وقال الحافظ بن حجر قد حمل بعض شراح المصابيح حديث لن يعجز الله هذه الأمة في نصف يوم على حال يوم القيامة وزيفه الطيبي فأصاب قال وأما زيادة جعفر فهي موضوعة لأنها لا تعرف إلا من جهته وهو مشهور بوضع الحديث وقد كذبه الأئمة مع أنه لم يسق سنده بذلك فالعجب من السهيلي كيف سكت عنه مع معرفته بحاله انتهى كلام العلقمي قلت قال الطيبي على ما ذكره القاري وقد وهم بعضهم ونزل الحديث على أمر القيامة وحمل اليوم على يوم المحشر فهب أنه غفل عما حققناه ونبهنا عليه فهلا انتبه لمكان الحديث وأنه في أي باب من أبواب الكتاب فإنه مكتوب في باب قرب الساعة فأين هو منه انتهى قال
[ 343 ]
القاري ولعله صلى الله عليه وسلم أراد بالخمسمائة أن يكون بعد الألف السابع فإن اليوم نحن في سابع سنة من الألف الثامن وفيه إشارة إلى أنه لا يتعدى عن الخمس مائة فيوافق حديث عمر الدنيا سبعة آلاف سنة فالكسر الزائد يلغى ونهايته إلى النصف وأما ما بعده فيعد ألفا ثامنا بإلغاء الكسر الناقص وقيل أراد بقاء دينه ونظام ملته في الدنيا مدة خمس مائة سنة فقوله أن يؤخرهم أي عن أن يؤخرهم الله سالمين عن العيوب من ارتكاب الذنوب والشدائد الناشئة من الكروب انتهى كلامه وتقدم كلام الشيخ ولي الله المحدث الدهلوي ما يتعلق بهذا الحديث في شرح حديث لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة والحديث سكت عنه المنذري عن وقال المناوي سنده جيد (آخر كتاب الملاحم) تم - بحمد الله - الجزء الحادي عشر ويليه الجزء الثاني عشر واوله (كتاب الحدود)