عون المعبود
العظيم آبادي ج 9
[ 1 ]
عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية محتوى الجزء التاسع : تتمة كتاب الجنائز - كتاب الايمان والنذور - كتاب البيوع - كتاب الاجارة - كتاب القضاء .
[ 2 ]
الطبعة الثانية 1415 ه . 1995 دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 3 ]
الصلاة على القبر قال الإمام أحمد بن حنبل رويت الصلاة على القبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه حسان كلها قال ابن عبد البر بل من تسعة كلها حسان وساقها كلها بأسانيده في تمهيده من حديث سهل بن حنيف وأبي هريرة وعامر ابن ربيعة وابن عباس وزيد بن ثابت والخمسة في صلاته على المسكينة وسعد بن عبادة في صلاة المصطفى على أم سعد بعد دفنها بشهر وحديث الحصين بن وحوح في صلاته صلى الله عليه وسلم على قبر طلحة بن البراء ثم رفع يديه وقال اللهم الق
[ 4 ]
طلحة يضحك إليك وتضحك إليه وحديث أبي أمامة بن ثعلبة أنه صلى الله عليه وسلم رجع من بدر وقد توفيت أم أبي أمامة فصلى عليها وحديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة بعد ما دفنت وهو محتمل للمسكينة وغيرها وكذا ورد من حديث بريدة عند البيهقي بإسناد حسن وهو في المسكينة في عشرة أوجه كذا في شرح الموطأ للزرقاني فالصلاة على قبر ذلك الميت لمن لم يصل عليه ثابت بالسنة المطهرة سواء صلي على ذلك الميت قبله أم لا وهذا هو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين قال في زاد المعاد وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر فصلى على قبر بعد ليلة ومرة بعد ثلاث ومرة بعد شهر ولم يوقت في ذلك وقتا وحد أحمد بن حنبل الصلاة على القبر بشهر إذ هو أكثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلى بعده وحد الشافعي بما إذا لم يبل الميت انتهى وتأول بعضهم بأن هذا مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا باطل فإن في رواية البخاري من طريق عامر عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر دفن ليلا وفيه فصففنا خلفه قال ابن عباس وأنا فيهم فصلى عليه وفي الموطأ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات (كان يقم) بضم القاف وتشديد الميم قال الخطابي معناه يكنس والقمامة الكناسة (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (ألا آذنتموني به) أي أخبرتموني بموته لأصلي عليه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (دلوني) بضم الدال أمر من الدلالة (فصلى عليه) أي على قبره قال الحافظ زاد ابن حبان في رواية حماد بن سلمة عن ثابت ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها عليهم بصلاتي وأشار إلى أن بعض المخالفين احتج بهذه الزيادة على أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم ثم ساق من طريق خارجة بن زيد بن ثابت نحو هذه القصة وفيها ثم أتى القبر فصففنا خلفه وكبر عليه أربعا قال ابن حبان في ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره وأنه ليس من خصائصه وتعقب بأن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلا للأصالة انتهى قلت لا يليق بشأن الحافظ أن ينقل قول هذا المتعقب فإن قوله هذا غلط باطل ويكفي لرده قوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وقال الخطابي وفيه بيان جواز الصلاة على القبر لمن لم يلحق الصلاة على الميت قبل الدفن وفي الصلاة اختلاف فمن العلماء
[ 5 ]
من قال يصلى على القبر ما لم يبل صاحبه ومنهم من قال إلى شهر ومنهم من قال أبدا انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك هكذا في نسخ الكتاب ولكن أورد المنذري والخطابي ترجمة الباب بلفظ آخر ولفظ المنذري باب الصلاة على المسلم قتله أهل الشرك في بلد آخر ولفظ الخطابي باب الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك وهكذا نقل الحافظ أيضا في الفتح ترجمة الباب عن أبي داود (نعى للناس النجاشي) أي أخبر الناس بموته وفي رواية للبخاري ومسلم عن جابر قال النبي قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلموا فصلوا عليه فصففنا خلفه فصلى رسول الله عليه ونحن صفوف وفي رواية الشيخين من حديث أبي هريرة أن النبي نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا وأخرجاه عن جابر أيضا أن النبي صلى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث انتهى وعند أحمد من حديث أبي هريرة نعى النجاشي لأصحابه ثم قال استغفروا له ثم خرج بأصحابه إلى المصلى ثم قام فصلى بهم كما يصلى على الجنازة وفي رواية لأحمد عن عمران بن حصين أن رسول الله قال إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه قال قمنا فصففنا عليه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت قال في الفتح النجاشي بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء ثقيلة كياء النسب وقيل بالتخفيف ورجحه الصغاني وهو لقب من ملك الحبشة وحكى المطرزي تشديد الجيم عن بعضهم وخطأه انتهى واسم النجاشي أصحمة قال النووي هو بفتح الهمزة وإسكان الصاد وفتح الحاء المهملتين وهذا الذي وقع في رواية مسلم هو الصواب المعروف فيه وهكذا هو في كتب الحديث والمغازي وغيرها ووقع في مسند ابن شيبة في هذا الحديث تسميته صحمة بفتح الصاد وإسكان الحاء وقال هكذا قال لنا يزيد وإنما هو صمحة يعني بتقديم الميم
[ 6 ]
على الحاء وهذان شاذان والصواب أصحمة بالألف قال ابن قتيبة وغيره ومعناه بالعربية عطية انتهى (إلى المصلى) بضم الميم وفتح اللام المشددة وهو الموضع الذي يتخذ للصلاة على الموتى فيه (وكبر أربع تكبيرات) قد استدل المؤلف بهذا الحديث على أنه لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس بها من يصلي عليه كما يلوح من ترجمة الباب وممن اختار هذا الشيخ الخطابي وشيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة المقبلي قال الحافظ في الفتح واستدل به على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف حتى قال ابن حزم لم يأت عن أحد من الصحابة منعه قال الشافعي الصلاة على الميت دعاء له وهو إذا كان ملففا يصلى عليه فكيف لا يدعى له وهو غائب أو في القبر بذلك الوجه الذي يدعى له به وهو ملفف وعن الحنفية والمالكية لا يشرع ذلك وقد اعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب عن قصة النجاشي بأمور منها أنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد فتعينت الصلاة عليه لذلك ومن ثم قال الخطابي لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس بها من يصلي عليه واستحسنه الروياني من الشافعية وبه ترجم أبو داود في السنن الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك ببلد آخر وهذا محتمل إلا أنني لم أقف في شئ من الأخبار على أنه لم يصل عليه في بلده انتهى وتعقبه الزرقاني في شرح الموطأ فقال وهو مشترك الإلزام فلم يرو في شئ من الأخبار أنه صلى عليه أحد في بلده كما جزم به أبو داود ومحله في اتساع الحفظ معلوم انتهى قلت نعم ما ورد فيه شئ نفيا ولا إثباتا لكن من المعلوم أن النجاشي أسلم وشاع إسلامه ووصل إليه جماعة من المسلمين مرة بعد مرة وكرة بعد كرة فيبعد كل البعد أنه ما صلى عليه أحد من بلده وأما ما رواه أبو داود الطيالسي وأحمد وابن ماجه وغيرهم واللفظ لابن ماجه عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد أن النبي خرج بهم فقال صلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم قالوا من هو قال النجاشي ولفظ غيره أن النبي قال إن أخاكم مات بغير أرضكم فقوموا فصلوا عليه فليس فيه
[ 7 ]
حجة للمانعين بل فيه حجة على المانعين فإن المراد بأرضكم هي المدينة كأن النبي قال إن النحاشي إن مات في أرضكم المدينة لصليتم عليه لكنه مات في غير أرضكم المدينة فصلوا عليه صلاة الغائب فهذا تشريع منه وسنة للأمة الصلاة على كل غائب والله أعلم قال الحافظ ومن ذلك قول بعضهم كشف له عنه حتى رآه فتكون صلاته عليه كصلاة الإمام على ميت رآه ولم يره المأمومون ولا خلاف في جوازها قال ابن دقيق العيد هذا يحتاج إلى نقل ولا يثبت بالاحتمال وتبعه بعض الحنفية بأن الاحتمال كاف في مثل هذا من جهة المانع وكأن مستند قائل ذلك ما ذكره الواحدي في أسبابه بغير إسناد عن ابن عباس قال كشف للنبي عن سرير النجاشي حتى رآه وصلى عليه ولابن حبان من حديث عمران بن حصين فقام وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه أخرجه من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب عنه ولأبي عوانة من طريق أبان وغيره عن يحيى فصلينا خلفه ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا ومن الاعتذارات أيضا أن ذلك خاص بالنجاشي لأنه لم يثبت أنه صلى على ميت غائب غيره قاله المهلب وكأنه لم يثبت عنده قصة معاوية الليثي وقد ذكرت في ترجمته في الصحابة أن خبره قوي بالنظر إلى مجموع طرقه واستند من قال بتخصيص النجاشي بذلك إلى ما تقدم من إرادة إشاعة أنه مات مسلما أو استئلاف قلوب الملوك الذين أسلموا في حياته قال النووي لو فتح باب هذا الخصو ص لانسد كثير من ظواهر الشرع مع أنه لو كان شئ مما ذكروه لتوفرت الدواعي على نقله وقال ابن العربي المالكي قال المالكية ليس ذلك إلا لمحمد قلنا وما عمل به محمد تعمل به أمته لأن الأصل عدم الخصوصية قالوا طويت له الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه قلنا إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا لأهل لذلك ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا حديثا من عند أنفسكم ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف فإنها سبيل تلاف إلى ما ليس له تلاف وقال الكرماني قولهم رفع الحجاب عنه ممنوع ولئن سلمنا فكان غائبا عن الصحابة الذين صلوا عليه مع النبي قلت وسبق إلى ذلك الشيخ أبو حامد في تعليقه ويؤيده
[ 8 ]
حديث مجمع بن جارية بالجيم والتحتانية في قصة الصلاة على النجاشي قال فصففنا خلفه صفين وما نرى شيئا أخرجه الطبراني وأصله في ابن ماجه لكن أجاب بعض الحنفية عن ذلك بما تقدم من أنه يصير كالميت الذي يصلي عليه الإمام وهو يراه ولا يراه المأمومون فإنه جائز اتفاقا انتهى وفي زاد المعاد ولم يكن من هديه وسنته الصلاة على كل ميت غائب فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غيب فلم يصل عليهم وصح عنه أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت فاختلف في ذلك على ثلاث طرق أحدها أن هذا تشريع منه وسنة للأمة الصلاة على كل غائب وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه وقال أبو حنيفة ومالك هذا خاص به وليس ذلك لغيره وقاله أصحابهما ومن الجائز أن يكون رفع له سريره فصلى عليه وهو يرى صلاته على الحاضر المشاهد وإن كان على مسافة من البعد والصحابة وإن لم يروه فهم تابعون للنبي في الصلاة قالوا ويدل على هذا أنه لم ينقل عنه أنه كان يصلي على كل الغائبين غيره وتركه سنة كما أن فعله سنة ولا سبيل إلى أحد بعده إلى أن يعاين سرير الميت من المسافة البعيدة ويرفع له حتى يصلي عليه فعلم أن ذلك مخصوص به وقد روي عنه أنه صلى على معاوية بن معاوية وهو غائب ولكن لا يصح فإن في إسناده العلاء بن زيد قال علي بن المديني كان يضع الحديث ورواه محبوب بن هلال عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس قال البخاري لا يتابع عليه وقال شيخ الإسلام ابن تيمى الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه صلي عليه صلاة الغائب كما صلى النبي على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يصل عليه وإن صلي عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب لأن الفرض قد سقط لصلاة المسلمين عليه والنبي صلى على الغائب وتركه وفعله وتركه سنة وهذا له موضع وهذا له موضع والمشهور عند أصحاب أحمد الصلاة عليه مطلقا انتهى وقال الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية ولأصحابنا عنه أجوبة أحدها أن النبي رفع له سريره فراه فيكون الصلاة عليه كميت رآه الإمام ولا يراه المأمومون قال الشيخ تقي الدين وهذا يحتاج إلى نقل بينة ولا يكتفى فيه بمجرد الاحتمال قلت ورد ما يدل على ذلك فروى ابن حبان في صحيحه من حديث عمران بن حصين أن النبي
[ 9 ]
قال إن أخاكم النجاشي توفى فقوموا صلوا عليه فقام رسول الله وصفوا خلفه فكبر أربعا وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه الثاني أنه من باب الضرورة لأنه مات بأرض لم يقم فيها عليه فريضة الصلاة فتعين فرض الصلاة عليه لعدم من يصلي عليه ثم يدل على ذلك أن النبي لم يصل على غائب غيره وقد مات من الصحابة خلق كثير وهم غائبون عنه وسمع بهم فلم يصل عليهم إلا غائبا واحدا انتهى وقال الزرقاني ودلائل الخصوصية واضحة لا يجوز أن يشركه فيها غيره لأنه والله أعلم أحضر روحه بين يديه أو رفعت له جنازته حتى شاهدها كما رفع له بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته انتهى قلت دعوى الخصوصية ليس عليها دليل ولا برهان بل قوله فهلموا فصلوا عليه وقوله فقوموا فصلوا عليه وقول جابر فصففنا خلفه فصلى عليه ونحن صفوف وقول أبي هريرة ثم قال استغفروا له ثم خرج بأصحابه فصلى بهم كما يصلى على الجنازة وقول عمران فقمنا فصففنا عليه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلي على الميت وتقدمت هذه الروايات ببطل دعوى الخصوصية لأن صلاة الغائب إن كانت خاصة بالنبي فلا معنى لأمره أصحابه بتلك الصلاة بل نهى عنها لأن ما كان خاصا به لا يجوز فعله لأمته ألا ترى صوم الوصال لم يرخص لهم به مع شدة حرصهم لأدائه والأصل في كل أمر من الأمور الشرعية عدم الخصوصية حتى يقوم الدليل عليها وليس هنا دليل على الخصوصية بل قام الدليل على عدمها وأما قولهم رفع له سريره أو أحضر روحه بين يديه فجوابه أن الله تبارك وتعالى لقادر عليه وأن محمدا لأهل لذلك لكن لم يثبت ذلك في حديث النجاشي بسند صحيح أو حسن وإنما ذكره الواحدي عن ابن عباس بلا سند فلا يحتج به ولذا قال ابن العربي ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف وأما ما رواه أبو عوانة وابن حبان من حديث عمران بن حصين فلا يدل على ذلك فإن لفظه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه وفي لفظ ونحن لا نرى إلا الجنازة قدامنا ومعنى هذا القول أنا صلينا عليه خلف النبي كما يصلى على الميت والحال أنا لم نر الميت لكن صففنا عليه كما يصف على الميت كأن الميت قدامنا ونظن أن جنازته بين يديه لصلاته كعلى الحاضر المشاهد فحينئذ يؤول معنى لفظ هذا الحديث إلى معنى
[ 10 ]
لفظ أحمد ويؤيد هذا المعنى حديث مجمع عند الطبراني فصففنا خلفه صفين وما نرى شيئا ومن ها هنا اندفع قول العلامة الزرقاني حيث شنع على ابن العربي وقال قد جاء ما يؤيد رفع الحجاب بإسنادين صحيحين من حديث عمران فما حدثنا إلا بالثابتات انتهى فإن هذا الحديث لا يدل على رفع الحجاب ولئن سلمنا فكان الميت غائبا عن أصحابه الذين صلوا عليه مع النبي وأما قولهم فيكوالصلاة عليه كميت رآه الإمام ولا يراه المأمومون فليس بشئ لأن هذا رأي وتصوير صورة في مقابلة النص الصريح وهو فاسد الاعتبار فلا يعبأ به وقولهم وتركه سنة كما أن فعله سنة فمنظور فيه لأن العدم والترك ليس بفعل نعم إذا كان العدم مستمرا في زمان النبي والخلفاء الراشدين ففعله يكون بدعة وها هنا ليس كذلك وإن كان المراد أن معنى كون العدم والترك سنة مع كون الفعل سنة أنه كان يكتفي بتركه أيضا فمسلم لكن لا شك أن مثل هذه السنة لا يثاب فاعله فإن مصلي الركعتين بعد الجمعة إنما يثاب على الركعتين اللتين صلاهما لا على ترك الآخرين نعم يكفيه في اتباع النبي تلك الركعتان ومصلي الأربعة فثوابه أكمل من ثواب الأول هذا ملخص كلام العلامة الشهيد محمد إسماعيل الدهلوي وأما قولهم أنه من باب الضرورة لأنه مات بأرض لم يقم فيها عليه فريضة الصلاة فتقدم جوابه في ضمن كلام الحافظ وقولهم ولم يصل النبي على غائب غير النجاشي وقد مات من الصحابة خلق كثير فجوابه من وجوه الوجه الأول ثبات السنية أو لاستحاب وكان فعل من الأفعال يكفي فيه ورود حديث واحد بالسند الصحيح سواء كان قوليا أو فعليا أو سكوتيا ولا يلزم ثبات السنية كون الحديث مرويا من جماعة من الصحابة في الواقعات المختلفة وإلا لا يثبت كثير من الأحكام الشرعية التي معمول بها عند جماع من الأئمة والوجه الثاني أن صلاة الجنازة استغفار ودعاء وقد بين لنا رسول الله أن طريق أدائها بثلاثة أنواع النوع الأول أن يكون الميت مشهودا حاضرا قدام المصلين فيصلون عليه وهذا النوع هو الأصل في هذا الباب والعمدة فيه ولا يجوز غير هذا النوع لمن قدر عليه لأنه لم يثبت عن النبي قط أنه صلى على الميت الحاضر الشاهد ثم صلى بعده على
[ 11 ]
قبره أو صلى صلاة الغائب عليه والنوع الثاني الصلاة على قبر الميت لمن كان حاضرا في تلك البلدة أو القرية لكن ما أمكن من الصلاة على ذلك الميت حتى دفن أو كان غائبا عن ذلك الموضع فلما دخل أخبر بموته فصلى على قبره كما فعل رسول الله في صلاته على المسكينة أم سعد وأم أبي أمامة وطلحة بن البراء رضي الله عنهم النوع الثالث أن يكون الميت في بلد آخر وجاء نعيه في بلد اخر فيصلون صلاة الغائب على ذلك الميت من المسافة البعيدة أو القصيرة كما فعل رسول الله بالنجاشي ومعاوية بن المزني ولا شك أن العمدة في هذا هو النوع الاول والفرض قد يسقط لصلاة المسلمين عليه وأما النوع الثاني والثالث فدعاء محض واستغفار خالص للميت على سبيل الاستحباب لا على سبيل الفرضية الوجه الثالث أن صلاة النبي على الميت الغائب فقد روي أنه صلى على أربعة من الصحابة الأول النجاشي رضي الله عنه وقصته في الكتب الستة وغيرها من حديث جماعة من الصحابة بأسانيد صحيحة والاعتماد في هذا الباب على حديث النجاشي ويضم إليه غيره من الروايات والغائب الثاني معاوية بن معاوية المزني والثالث والرابع زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب أما معاوية بن معاوية المزني فقد ذكره البغوي وجماعة في الصحابة وقالوا مات في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وردت قصته من حديث أبي أمامة وأنس مسندة ومن طريق سعيد بن المسيب والحسن البصري مرسلة فأخرج الطبراني ومحمد بن أيوب بن الضريس في فضائل القرآن وسمويه في فوائده وابن منده والبيهقي في الدلائل كلهم من طريق محبوب بن هلال عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك قال نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا محمد مات معاوية بن معاوية المزني أتحب أن تصلي عليه (قال نعم) فضرب بجناحيه فلم يبق أكمة ولا شجرة إلا تضعضعت فرفع سريره حتى نظر إليه فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة كل صف سبعون ألف ملك فقال يا جبرئيل بما نال معاوية هذه المنزلة قال بحب قل هو الله أحد وقراءته إياها جاثيا وذاهبا وقائما وقاعدا وعلى كل حال وأول حديث ابن الضريس كان النبي صلى الله عليه واله وسلم بالشام كذا ذكره الحافظ في الإصابة وأخرج ابن سعد في الطبقات أخبرنا عثمان بن الهيثم البصري حدثنا محبوب بن هلال المزني عن ابن ميمونة عن أنس فذكر نحوه كذا في نصب الراية قال هذا إسناد لا بأس
[ 12 ]
به عثمان بن الهيثم البصري قال أبو حاتم كان صدوقا غير أنه كان يتلقن بآخرة وقال الدارقطني كان صدوقا كثير الخطأ وروى عنه البخاري في صحيحه كذا في مقدمة الفتح وأما محبوب بن هلال المزني فقال الذهبي في الميزان محبوب بن هلال المزني عن عطاء بن أبي ميمونة لا يعرف وحديثه منكر انتهى وفي زاد المعاد قال البخاري لا يتابع عليه انتهى وقال الحافظ في الإصابة ومحبوب قال أبو حاتم ليس بالمشهور وذكره ابن حبان في الثقات انتهى وعطاء بن أبي ميمونة البصري مولى أنس وثقه يحيى بن معين والنسائي وأبو زرعة وقال البخاري كان يرى القدر وهو من رواة البخاري كذا في المقدمة والطريق الثانية لحديث أنس هي ما ذكرها ابن منده من رواية يحيى بن أبي محمد عن أنس قال ابن منده ورواه نوح بن عمرو عن بقية عن محمد بن زياد عن أبي أمامة نحوه كذا ذكره الحافظ في الإصابة ولم يتكلم عليه ويحيى بن أبي محمد هذا هو يحيى بن محمد بن قيس المحاربي أبو محمد المدني نزيل البصرة قد ضعف لكن قال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أبو زرعة أحاديثه متقاربة سوى حديثين وذكره ابن عدي في الكامل وذكر له أربعة أحاديث ثم قال عامة أحاديثه مستقيمة وروى له مسلم متابعة كذا في الميزان والخلاصة والطريق الثالثة هي ما رواها ابن سعد في الطبقات أخبرنا يزيد بن هارون حدثنا العلاء أبو محمد الثقفي سمعت أنس بن مالك قال كنا مع رسول الله فذكر نحوه كذا في نصب الراية وقال الحافظ في الإصابة وأخرجه ابن الأعرابي وابن عبد البر وغيرهما من طريق يزيد بن هارون أنبأنا العلاء أبو محمد الثقفي سمعت أنس بن مالك يقول غزونا مع رسول الله غزوة تبوك فطلعت الشمس يوما بنور وشعاع وضياء لم نره قبل ذلك فتعجب النبي من شأنها إذ أتاه جبريل فقال مات معاوية بن معاوية فبعث الله سبعين ألف ملك يصلون عليه قال بم ذاك قال بكثرة تلاوته قل هو الله أحد فذكر نحوه وفيه فهل لك أن تصلي عليه فأقبض لك الأرض قال نعم فصلى عليه والعلاء أبو محمد هو ابن زيد الثقفي هو واه انتهى ورواه البيهقي وضعفه وقال النووي في الخلاصة والعلاء هذا ابن زيد ويقال ابن زيد اتفقوا على ضعفه قال البخاري وابن عدي وأبو حاتم هو منكر الحديث قال البيهقي وروي من طرق أخرى ضعيفة قاله الزيلعي وقال الذهبي في الميزان العلاء بن زيد الثقفي بصري روى عن أنس قال ابن المديني يضع الحديث وقال أبو حاتم والدارقطني متروك الحديث وقال البخاري وغيره منكر الحديث وقال ابن حبان روي عن أنس نسخة موضوعة
[ 13 ]
منها الصلاة بتبوك صلاة الغائب على معاوية بن معاوية الليثي قال ابن حبان وهذا منكر ولا أحفظ في أصحاب رسول الله هذا والحديث فقد سرقه شيخ شامي فرواه عن بقية عن محمد بن زياد عن أبي أمامة انتهى وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني في معجمه الوسط وكتاب مسند الشاميين حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا نوح بن عمرو السكسكي حدثنا بقية ابن الوليد عن محمد بن زياد الالهاني عن أبي أمامة قال كنا مع رسول الله بتبوك فنزل عليه جبرئيل فقال يا رسول الله إن معاوية بن معاوية المزني مات بالمدينة أتحب أن أطوي لك الأرض فتصلي عليه قال نعم فضرب بجناحه على الأرض فرفع له سريره فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك ثم رجع وقال النبي لجبريل بم أدرك هذا قال بحب سورة قل هو الله أحد وقراءته إياها جائيا وقائما وقاعدا وعلى كل حال كذا في نصب الراية وأخرجه أبو أحمد الحاكم قال أنبأنا أبو الحسن أحمد بدمشق حدثنا نوح بن عمرو بن حوي حدثنا بقية حدثنا محمد بن زياد عن أبي أمامة قال أتى رسول الله جبرئيل وهو بتبوك فقال يا محمد اشهد جنازة معاوية بن معاوية المزني فخرج رسول الله في أصحابه ونزل جبرئيل في سبعين ألفا من الملائكة فوضع جناحه الأيمن على الجبال فتواضعت ووضع جناحه الأيسر على الأرضين فتواضعت حتى نظرنا إلى مكة والمدينة فصلى عليه رسول الله وجبرئيل والملائكة فذكره قال الذهبي في الميزان في ترجمة نوح هذا حديث منكر وفي الإصابة وأخرجه أبو أحمد الحاكم في فوائده والخلال في فضائل قل هو الله أحد وابن عبد البر جميعا من طريق نوح فذكر نحوه انتهى قال الذهبي في ترجمة نوح قال ابن حبان يقال إنه سرق هذا الحديث انتهى لكن قال الحافظ في الإصابة وقال ابن حبان في ترجمة العلاء من الضعفاء بعد أن ذكر له هذا الحديث سرقه شيخ من أهل الشام فرواه عن بقية فذكره قلت فما أدري عنى نوحا أو غيره فإنه لم يذكر نوحا في الضعفاء انتهى كلام الحافظ وقال الحافظ ابن الأثير في أسد الغابة معاوية بن معاوية بن مقرن المزني ويقال الليثي ويقال معاوية بن مقرن المزني قال أبو عمرو هو أولى بالصواب توفي في حياة رسول الله روى حديثه محبوب بن هلال المزني عن ابن أبي ميمونة عن أنس ورواه يزيد بن هارون عن العلاء
[ 14 ]
أبي محمد الثقفي عن أنس فقال معاوية بن معاوية الليثي ورواه بقية بن الوليد عن محمد بن زياد عن أبي أمامة الباهلي نحوه وقال معاوية بن مقرن المزني قال أبو عمر أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية قال ومعاوية بن مقرن المزني وإخوته النعمان وسويد ومعقل وكانوا سبعة معروفين في الصحابة مشهورين قال وأما معاوية بن معاوية المزني فلا أعرفه بغير ما ذكرت وفضل قل هو الله أحد لا ينكر انتهى وفي تجريد أسماء الصحابة للحافظ الذهبي معاوية بن معاوية المزني ويقال معاوية بن مقرن المزني توفي في حياة رسول الله إن صح فهو الذي قيل توفي بالمدينة فصلى عليه النبي وهو بتبوك ورفع له جبرئيل الأرض وله طرق كلها ضعيفة انتهى وفي الإصابة قال ابن عبد البر أسانيد هذا الحديث ليست بالقوية ولو أنها في الأحكام لم يكن شئ منها حجة ومعاوية بن مقرن المزني معروف هو وإخوته وأما معاوية بن معاوية فلا أعرفه قال ابن حجر قد يحتج به من يجيز الصلاة على الغائب ويدفعه ما ورد أنه رفعت الحجب حتى شهد جنازته فهذا يتعلق بالأحكام انتهى وأما طريق سعيد بن المسيب فقال الحافظ رويناها في فضائل القرآن لابن الضريس من طريق علي بن زيد بن جدعان عن سعيد وأما طريق الحسن البصري فأخرجها البغوي وابن منده من طريق صدقة بن أبي سهل عن يونس بن عبيد عن الحسن عن معاوية بن معاوية المزني أن رسول الله كان غازيا بتبوك فأتاه جبرئيل فقال يا محمد هل لك في جنازة معاوية بن معاوية المزني فدكر الحديث وهذا مرسل وليس المراد بقوله عن أداة الرواة وإنما تقدير الكلام أن الحسن أخبر عن قصة معاوية المزني انتهى والحاصل أن الأمر كما قال الحافظ ابن عبد البر والبيهقي والذهبي أن أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية لكن فيه التفصيل وهو أن حديث أنس روي من ثلاثة طرق فطريق أبي محمد العلاء الثقفي عنه ضعيفة جدا لا يجوز الاحتجاج بمثل هذا السند وأما طريق محبوب بن هلال فلا بأس به لا ينحط درجته عن الحديث الحسن لغيره
[ 15 ]
ومحبوب وإن لم يعرفه الذهبي وقال حديثه منكر فقد ذكره ابن حبان في الثقات وإنما قال البخاري لا يتابع عليه وقال أبو حاتم ليس بالمشهور وقد قال الذهبي في ترجمة علي بن المديني فانظر إلى أصحاب رسول الله الكبار والصغار ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة وكذلك التابعون كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم فإن تفرد الثقة المتقن يعد صحيحا غريبا وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرا انتهى مختصرا ومحبوب لا ينزل عن درجة الصدوق والله أعلم وأما طريق يحيى بن أبي محمد فهو أدون من طريق محبوب وأما سند حديث أبي أمامة أيضا فلا بأس به وعلي بن سعيد الرازي شيخ الطبراني هو حافظ رحال قال ابن يونس كان يفهم ويحفظ وقال الدارقطني ليس بذاك تفرد بأشياء انتهى وهذا ليس بجرح ونوح بن عمر ولم يثبت فيه جرح وروى عنه اثنان علي بن سعيد وأبو الحسن أحمد وأما بقية فصرح بالتحديث ومحمد بن زياد من الثقات الأثبات ولذا قال الحافظ في الفتح وخبر معاوية قوي بالنظر إلى مجموع طرقه انتهى قلت اعتمادي في هذا الباب على حديث النجاشي وأما غيره من الروايات فينضم إلى خبر النجاشي وتحدث له به القوة وأما كشف السرير للنبي كما في قصة معاوية فهو إكراما له كما كشف للنبي في صلاة الكسوف الجنة والنار فهل من قائل إن صلاة الكسوف لا تجوز إلا لمن كشف له الجنة والنار وأما الصلاة على زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب فأخرجها الواقدي في كتاب المغازي بإسناده إلى عبد الله بن أبي بكر قال لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى معركتهم فقال أخذ الراية زيد بن حارثة فمضى حتى استشهد وصلى عليه ودعا له وقال استغفروا له قد دخل الجنة وهو يسعى ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فمضى حتى استشهد فصلى عليه رسول الله ودعا له وقال استغفروا له وقد دخل الجنة فهو يطير فيها بجناحين حيث شاء والحديث مرسل والواقدي ضعيف جدا والله أعلم وقال الخطابي النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله وصدقه على نبوته إلا أنه كان يكتم إيمانه والمسلم إذا مات يجب على المسلمين أن يصلوا عليه إلا أنه كان بين
[ 16 ]
ظهراني أهل الكفر ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه فلزم رسول الله أن يفعل ذلك إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به فهذا والله أعلم هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظهر الغيب فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة انتهى قلت قوله إنه كان يكتم إيمانه منظور فيه وقال الخطابي وقد ذهب بعض العلماء إلى كراهة الصلاة على الميت الغائب وزعمو أن النبي كان مخصوصا بهذا الفعل إذ كان في حكم المشاهد للنجاشي لما روي في بعض الأخبار أنه قد سويت له الأرض حتى يبصر مكانه وهذا تأويل فاسد لأن رسول الله إذا فعل شيئا من أفعال الشريعة كان علينا المتابعة والإيتساء به والتخصيص لا يعلم إلا بدليل ومما يبين ذلك أن النبي خرج بالناس إلى الصلاة فصف بهم وصلوا معه فعلم أن هذا التأويل فاسد انتهى وقال الشوكاني في النيل لم يأت المانعون من الصلاة على الغائب بشئ يعتد به سوى الاعتذار بأن ذلك مخصوص بمن كان في أرض لا يصلى عليه فيها وهو أيضا جمود على قصة النجاشي يدفعه الأثر والنظر والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (أشهد أنه رسول الله) فيه دلالة واضحة أن النجاشي ملك الحبشة قد أسلم قال ابن الأثير أسلم في عهد النبي وأحسن إلى المسلمين الذين هاجروا إلى أرضه وأخباره معهم ومع كفار قريش الذين طلبوا منه أن يسلم إليهم المسلمين مشهورة توفي ببلاده قبل فتح مكة وصلى عليه النبي بالمدينة انتهى وفي الإصابة أسلم على عهد النبي ولم يهاجر إليه وكان ردا للمسلمين نافعا وقصته مشهورة في المغازي في إحسانه إلى المسلمين الذين هاجروا إليه في صدر الإسلام انتهى (ولولا ما أنا فيه من الملك) هذا محل الترجمة لأن النجاشي ما رحل إلى النبي لأجل مخافة ملكه وضياع سلطنته وبغاوة روى رعاياه الذين كانوا
[ 17 ]
على كفرهم وأقام في أرضه ومات فيها والحديث سكت عنه المنذري في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم بصيغة المجهول من الإعلام أي يجعل على القبر علامة يعرف القبر بها قال في لسان العرب والعلم رسم الثوب وعلمه رقمه في أطرافه وقد أعلمه جعل فيه علامة وجعل له علما وأعلم القصار الثوب فهو معلم والثوب معلم انتهى وبوب ابن ماجه باب ما جاء في العلامة في القبر انتهى (عن المطلب) هو ابن أبي وداعة أبو عبد الله المدني ولم (مظعون) بالظاء المعجمة (أخرج بجنازته) هو جواب لما (أن يأتيه بحجر) أي كبير لوضع العلامة (فلم يستطع) ذلك الرجل وحده (فقام إليها) وتأنيث الضمير على تأويل الصخرة (وحسر) أي كشف وأبعد كمه (عن ذراعيه) أي ساعديه (حين حسر) أي كشف الثوب (عنهما) أي عن الذراعين (فوضعها) أي الصخرة (عند رأسه) أي رأس قبر عثمان (وقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتعلم) بصيغة المتكلم من باب الفعل أي أتعرف (بها) أي بهذه الحجارة وفي بعض النسخ أعلم بها مضارع متكلم من الإعلام ومعناه أعلم الناس بهذه الحجارة (قبر أخي) وأجعل الصخرة علامة لقبر أخي وسماه أخا تشريفا له ولأنه كان قرشيا أو لأنه أخوه من الرضاعة وهو الأصح قاله في المرفاة بين (وأدفن إليه) أي إلى قربه وقال الطيبي أي أضم إليه في الدفن انتهى وبهذا المعنى يصح مطابقة الحديث للجزء الأول من الترجمة قال المنذري في إسناده كثير بن زيد مولى الأسلميين مدني كنيته أبو محمد وقد تكلم فيه غير واحد
[ 18 ]
في الحفار يجد العظم أي عظم الميت وقت الحفر (هل يتنكب) أي يتجنب ويعتزل (ذلك المكان) ويحفر في موضع اخر (كسر عظم الميت) قال السيوطي في بيان سبب الحديث عن جابر خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير القبر وجلسنا معه فأخرج الحفار عظما ساقا أو عضدا فذهب ليكسره فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تكسرها فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيا ولكن دسه في جانب القبر قاله في فتح الودود (ككسره حيا) يعني في الإثم كما في رواية قال الطيبي إشارة إلى أنه لا يهان ميتا كما لا يهان حيا قال ابن الملك وإلى أن الميت يتألم قال ابن حجر ومن لازمه أنه يستلذ بما يستلذ به الحي انتهى وقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته قاله في المرقاة وقال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه في اللحد (اللحد) بفتح اللام وضمها في النهاية اللحد الشق الذي يعمل في جانب القبر
[ 19 ]
لموضع الميت لأنه قد أميل عن وسط القبر إلى جانبه يقال لحدت وألحدت انتهى وقال النووي يقال لحد يلحد كذهب يذهب وألحد يلحد إذا حفر القبر واللحد بفتح اللام وضمها معروف وهو الشق تحت الجانب القبلي من القبر انتهى زاد المناوي قدر ما يسع الميت ويوضع فيه وينصب عليه اللبن (لنا) أي هو الذي نؤثره ونختاره أيها المسلمون قاله المناوي (والشق) بفتح الشين أن يحفر وسط أرض القبر ويبني حافتاه بلبن أو غيره ويوضع الميت بينهما ويسقف عليه (لغيرنا) من الأمم السابقة فاللحد من خصوصيات هذه الأمة وفيه دليل على أفضلية اللحد وليس فيه نهي عن الشق قال القاضي معناه أن اللحد أثر لنا والشق لهم وهذا يدل على اختيار اللحد فإنه أولى من الشق لا المنع منه لكن محل أفضلية اللحد في الأرض الصلبة وإلا فالشق أفضل قال ابن تيمية وفيه تنبيه على مخالفتنا لأهل الكتاب في كل ما هو شعارهم حتى في وضع الميت في أسفل القبر انتهى كذا في فتح القدير للمناوي قلت حديث ابن عباس هكذا مروي بلفظ اللحد لنا والشق لغيرنا وروى عند أحمد في مسنده من حديث جرير بن عبد الله البجلي بلفظ اللحد لنا والشق لغيرنا من أهل الكتاب قال العلقمي والمناوي فيه أبو اليقظان الأعمى عثمان بن عمير البجلي وهو ضعيف ولفظ أبي نعيم في الحلية بإسناده إلى جرير بن عبد الله الحدوا ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا قال العلقمي وإسناده ضعيف وأجمع العلماء على أن الدفن في اللحد والشق جائزان لكن إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها فاللحد أفضل وإن كانت رخوة فالشق أفضل وقال المتولي اللحد أفضل مطلقا لظاهر هذا الحديث وغيره انتهى والحاصل أن حديث ابن عباس يدل على استحباب اللحد وأنه أولى من الضرح وإلى ذلك ذهب الأكثر كما قال النووي وحكى في شرح مسلم إجماع العلماء على جواز اللحد والشق ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد وابن ماجه عن أنس قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجل يلحد وآخر يضرح فقالوا نستخير ربنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا له ولابن ماجه هذا المعنى من حديث ابن عباس وفيه أن أبا عبيدة بن الجراح كان يضرح وأن أبا طلحة كان يلحد وحديث أنس إسناده حسن وحديث ابن عباس فيه ضعف قاله الحافظ ومعنى قوله كان يضرح أي يشق في وسط القبر قال الجوهري الضرح الشق انتهى ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرر من كان يضرح ولم يمنعه وقال الشيخ عبد الحق
[ 20 ]
الدهلوي إن كان المراد بضمير الجمع في لنا المسلمين وبغيرنا اليهود والنصارى مثلا فلا شك أنه يدل على أفضلية اللحد بل على كراهية غيره وإن كان المراد بغيرنا الأمم السابقة ففيه إشعار بالأفضلية وعلى كل تقدير ليس اللحد واجبا والشق منهيا عنه وإلا لما كان يفعله أبو عبيدة وهو لا يكون إلا بأمر من الرسول أو تقرير منه ولم يتفقوا على أن أيهما جاء أولا عمل عمله انتهى كلامه وعند أحمد من حديث ابن عمر بلفظ أنهم ألحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم لحدا وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر بلفظ ألحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وحديث ابن عباس الذي في الباب لم يتكلم عليه المنذري وصححه ابن السكن قال الشوكاني وحسنه الترمذي كما وجدنا ذلك في بعض النسخ الصحيحة من جامعه وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر قال المناوي قال جمع لا يحتج بحديثه وقال أحمد منكر الحديث وقال ابن معين ليس بالقوي وقال ابن عدي حدث بأشياء لا يتابع عليها وقال ابن القطان فأرى هذا الحديث لا يصح من أجله وقال ابن حجر الحديث ضعيف من وجهين انتهى كلامه فإن قلت لما كان عند ابن عباس علم في ذلك لم تحير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته هل يلحدون له أو يضرحون قلت يمكن أن يكون من سمع منه صلى الله عليه وسلم ذلك لم يحضر عند لأنه موته وقد أغرب العيني في شرح البخاري حيث قال في معنى حديث ابن عباس ومعنى اللحد لنا أي لأجل أموات المسلمين والشق لأجل أموات الكفار انتهى وقد قال الحافظ زين الدين العراقي المراد بقوله لغيرنا أهل الكتاب كما ورد مصرحا به في بعض طرق حديث جرير في مسند الإمام أحمد والشق لأهل الكتاب انتهى وقال في الفتح وهو يؤيد فضيلة اللحد على الشق انتهى قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي غريب وأخرجه أيضا من حديث جرير بن عبد الله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم
[ 21 ]
باب كم يدخل القبر (عن عامر) وهو الشعبي (والفضل) ابن عباس (أدخ أخبرنا أي النبي صلى الله عليه وسلم (قال) أي عامر الشعبي (وحدثني مرحب) بصيغة المجهول من باب التفعيل فالشعبي أرسل الحديث أولا ثم ذكره متصلا من رواية مرحب قال ابن الأثير مرحب أو ابن مرحب يعد في الكوفيين من الصحابة روى زهير عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي هكذا على الشك قال حدثني مرحب أو أبو مرحب قال كأني أنظر إليهم في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة علي والفضل وعبد الرحمن بن عوف أو العباس وأسامة ورواه الثوري وابن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي عن أبي مرحب ولم يشك قال أبو عمر واختلفوا عن الشعبي كما ترى وليس يؤخد أن عبد الرحمن كان معهم إلا من هذا الوجه وأما ابن شهاب فروى عن ابن المسيب قال إنما دفنوه الذين غسلوه وكانوا أربعة علي و الفضل والعباس وصالح شقران قال ولحدوا له ونصبوا اللبن نصبا قال وقد نزل معهم في القبر خولي بن أوس الأنصاري انتهى (قال) أي علي (إنما يلي) أي يتولى (الرجل أهله) وهو بمعنى الاعتذار عن تولية أمره صلى الله عليه وسلم وعدم دخل سائر الصحابة فيه مع كونه أكبر منه سنا وأعلى منه درجة والله أعلم قاله في فتح الودود (عن أبي مرحب) قيل اسمه سويد بن قيس قاله المنذري (قال) أي أبو مرحب (أنظر ليهم) أي إلى الذين نزلوا في قبر النبي صلى الله عليه وسلم والحديث سكت عنه المنذري
[ 22 ]
كيف يدخل الميت قبره (فصلى) عبد الله (عليه) أي على الحارث (ثم أدخله) أي أدخل عبد الله الحارث يا (وقال) عبد الله (هذا من السنة) فيه دليل على أنه يستحب أن يدخل الميت من قبل رجلى القبر أي موضع رجلي الميت منه عند وضعه فيه وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة إنه يدخل القبر من جهة القبلة معرضا إذ هو أيسر واتباع السنة أولى من الرأي وقد استدل لأبي حنيفة بما رواه البيهقي من حديث ابن عباس وابن مسعود وبريدة أنهم أدخلوا النبي صلى الله عليه وسلم من جهة القبلة ويجاب بأن البيهقي ضعفها وقد روي عن الترمذي تحسين حديث ابن عباس منها وأنكر ذلك عليه لأن مداره على الحجاج بن أرطاة قال في ضوء النهار على أنه لا حاجة إلى التضعيف بذلك لأن قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عن يمين الداخل إلى البيت لاصقا بالجدار والجدار الذي ألحد تحته هو القبلة فهو مانع من إدخال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جهة القبلة ضروري قاله في النيل وقال في سبل السلام وفي المسألة ثلاثة أقوال الأول ما ذكر وإليه ذهب الشافعي وأحمد والثاني يسل من قبل رأسه لما روى الشافعي عن الثقة مرفوعا من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وآله وسلم سل ميتا من قبل رأسه وهذا أحد قولي الشافعي والثالث لأبي حنيفة أنه يسل من قبل القبلة معترضا إذ هو أيسر قلت بل ورد به النص فإنه أخرج الترمذي من حديث ابن عباس ما هو نص في إدخال الميت من قبل القبلة وأنه حديث حسن فيستفاد من المجموع أنه فعل مخير فيه انتهى والحديث سكت عنه المنذري
[ 23 ]
باب كيف يجلس عند القبر (فانتهينا إلى القبر) أي فوصلنا (ولم يلحد) بصيغة المجهول (بعد) أي لم يفرغ من حفر اللحد بعد مجيئنا (مستقبل القبلة) هو محل الترجمة قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره (حدثنا محمد بن كثير) وفي بعض النسخ زيادة لفظ سفيان بين محمد بن كثير وبين همام أي حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سفيان أخبرنا همام لكن هذه الزيادة غلط قال المزي في الأطراف حديث كان إذا وضع الميت أخرجه أبو داود في الجنائز عن مسلم بن ابراهيم
[ 24 ]
ومحمد بن كثير كلاهما عن همام عن قتادة عن أبي الصديق وأخرج النسائي في عمل اليوم والليلة عن أبي داود سليمان بن سيف عن سعيد بن عامر عن همام به وعن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن شعبة عن قتادة عن أبي الصديق موقوفا قاله في غاية المقصود (وعلى سنة رسول الله) أي شريعته وطريقته قال المنذري والحديث أخرجه النسائي مسندا وموقوفا الرجل يموت له قرابة كسحابة لو والقرابة في الرحم والقرابة في الأصل مصدر يقال هو قرابتي وهم قرابتي وعد هذا الرازي من كلام العوام وأنكره الحريري وقال الصواب هو ذو قرابتي وهما ذوا قرابتي وهم ذوو قرابتي ورد الخفاجي كلامه في شرح الدرة والقريب بمعنى القرابة قال الفراء إذا كان القريب في المسافة يذكر ويؤنث وإذا كان في معنى النسب يؤنث بلا اختلاف بينهم تقول هذه المرأة قريبتي أي ذات قرابتي (مشرك) أي هذا باب في بيان أن الرجل يكون له قرابة مشرك فيموت المشرك فماذا يصنع الرجل المسلم بالقرابة مع المشرك (إن عمك) يعني أباه أبا طالب (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ثم لا تحدثن) من الإحداث أي لا تفعلن (فواريته) أي أبا طالب (وجثته) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فأمرني) النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال قال في فتح الودود يحتمل أن يخص ذلك بالكافر انتهى قال العبد الضعيف أبو الطيب عفى عنه والحديث فيه دليل على أن أبا طالب مات على غير ملة الإسلام وفي هذا نصوص صريحة رواها مسلم في صحيحه وغيره وهذا القول هو الحق الصواب ولا يلتفت إلى قول من ذهب إلى إثبات إسلامه فهو غلط مردود مخالف للأحاديث الصحيحة والله أعلم قال المنذري والحديث أخرجه النسائي
[ 25 ]
في تعميق القبر (أصابنا قرح) بالفتح الجرح وقيل بالفتح المصدر وبالضم اسم قاله السندي (وجهد) بفتح الجيم المشقة والتعب (فكيف تأمرنا قال احفروا) وفي رواية النسائي عن هشام بن عامر قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد فقلنا يارسول الله الحفر علينا لكل إنسان شديد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احفروا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر الحديث (واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر) فيه جواز الجمع بين جماعة في قبر واحد ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كما في مثل هذه الواقعة (فأيهم يقدم) إلى جدار اللحد (أكثرهم قرآنا) فيه إرشاد إلى تعظيم المعظم علما وعملا حيا وميتا (قال) أي هشام (أصيب) ودفن (عامر) بدل من أبي (بين اثنين) ولفظ النسائي وكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد أو للشك قال واحد أي قال هشام دفن أبي مع رجل واحد قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (زاد فيه وأعمقوا) فيه دليل على مشروعية إعماق القبر وقد اختلف في حد الإعماق فقال الشافعي قامة وقال عمر بن عبد العزيز إلى السرة وقال مالك لاحد لإعماقه وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه قال أعمقوا القبر إلى قدر قامة وبسطة قاله في النيل
[ 26 ]
باب في تسوية القبر (عن أبي هياج الأسدى) هو بفتح الهاء وتشديد الياء واسمه حيان بن حصين قاله النووي (على ما بعثني عليه) أي أرسلني إلى تغييره ولذا عدى بعلي أو أرسلك للأمر الذي أرسلني له (أن لا أدع) أن مصدرية ولا نافية خبر مبتدأ محذوف أي هو أن لا أدع وقيل أن تفسيرية ولا ناهية أي لا أدع (قبرا مشرفا) هو الذي بنى عليه حتى ارتفع دون الذي أعلم عليه بالرمل والحصباء أو محسومة بالحجارة ليعرف ولا يوطأ قاله القاري (إلا سويته) قال النووي فيه أن السنة أن القبر لا يرفع على الأرض رفعا كثيرا ولا يسنم بل يرفع نحو شبر ويسطح وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسنيمها وهو مذهب مالك انتهى قلت وقوله لا يسنم فيه نظر وفي النيل والحديث فيه دلالة على أن السنة أن القبر لا يرفع رفعا كثيرا من غير فرق بين من كان فاضلا ومن كان غير فاضل والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير لا يصح وهو من اتخاذ القبور مساجد وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام
[ 27 ]
وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا وبالجملة أنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه فإنا لله وإنا إليه راجعون ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغتار يكون حمية للدين الحنيف لا عالما ولا متعلما ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا قد توارد إلينا من الأخبار ما لا شك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا فإذا قيل له بعد ذلك أحلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق وهذا من بين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا شعإ لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد انتهى وكلامه هذا حسن جدا لا مزية على حسنه جزاه الله خيرا وقال الحافظ بن القيم في زاد المعاد قدوم وفود العرب وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله ويشرك بأربابها مع الله لا يحل إبقاؤها في الإسلام ويجب هدمها ولا يصح وقفها ولا الوقف عليها ول مام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام ويستعين بها على مصالح المسلمين وكذلك ما فيها من الآلات والمتاع والنذور التي تساق إليها يضاهى بها الهدايا التي تساق إلى البيت للإمام أخذها كلها وصرفها في مصالح المسلمين كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال بيوت هذه الطواغيت وصرفها في مصالح الإسلام وكان يفعل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد سواء من النذور لها والتبرك بها وتقبيلها واستلامها هذا كان شرك القوم بها ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السموات والأرض بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه انتهى (ولا تمثالا) أي صورة ذي روح (إلا طمسته) أي محوته
[ 28 ]
وأبطلته فيه الأمر بتغيير صور ذوات الأرواح قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي (أن أبا علي الهمداني) هو ثمامة بن شفى كما في رواية مسلم والنسائي وهو من تابعي أهل مصر قاله المنذري (برودس) قال النووي هو براء مضمومة ثم واو ساكنة ثم دال مهملة مكسورة ثم سين مهملة هكذا ضبطناه في صحيح مسلم وكذا نقله القاضي عياض في المشارق عن الأكثرين ونقل عن بعضهم بفتح الراء وعن بعضهم بفتح الدال وعن بعضهم بالشين المعجمة وفي رواية أبي داود في السنن بذال معجمة وسين مهملة وقال هي جزيرة بأرض الروم انتهى وقال المنذري والمشهور أنه بضم المهملة وسكون الواو وبعدها دال مهملة مكسورة وسين مهملة وقد اختلفوا في تقييدها اختلافا كثيرا وقد قيل إنها قريبة من الإسكندرية (فسوى) أي جعل متصلا بالأرض أو المراد أنه لم يجعل مسنما بل جعل مسطحا وإن ارتفع عن الأرض بقليل قاله السندي في حاشية النسائي قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (يا أمه) بسكون الهاء وهي عمته لكن قال يا أمه لأنها بمنزلة أمه أو لكونها أم المؤمنين (اكشفي لي) أي أظهري وارفعي مع الستارة (وصاحبيه) أي ضجيعيه وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنه (فكشفت لي) أي لأجلي أو لرؤيتي (لا مشرفة) أي مرتفعة غاية الارتفاع وقيل أي عالية أكثر من شبر (ولا لاطئة) بالهمزة والياء أي مستوية على وجه الأرض يقل لطأ بالأرض أي لصق بها (مبطوحة) صفة القبور قال ابن الملك أي مسواة مبسوطة على الأرض قال القاري وفيه أنها تكون حينئذ بمعنى لاطئة وتقدم نفيها والصواب أن معناها ملقاة فيها البطحاء قال في النهاية بطح المكان تسويته وبطح
[ 29 ]
المسجد ألقى فيه البطحاء وهو الحصى الصغار العرصة جمعها عرصات وهي كل موضع واسع لا بناء فيه والبطحاء مسيل واسع فيه دقاق الحصى والمراد بها هنا الحصى ضافتها سعيد إلى العرصة (الحمراء) صفة للبطحاء أو العرصة قال الطيبي أي كشفت لي عن ثلاثة قبور لا مرتفعة ولا منخفضة لاصقة بالأرض مبسوطة مسواة والبطح أن يجعل ما ارتفع من الأرض مسطحا حتى يسوى ويذهب التفاوت كذا في المرقاة قال السيد جمال الدين والأولى أن يقال معناه ألقى فيها بطحاء العرصة الحمراء انتهى وأخرج أبو بكر النجاد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبرا وطين بطين أحمر من العرصة انتهى وأخرج الحاكم من هذا الوجه وزاد ورأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما وأبو بكر رأسه بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر رأسه عند رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الباب عن صالح بن أبي صالح عند أبي داود في المراسيل قال رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم شبرا أو نحو شبر وعن عيثم بن بسطام المديني عند أبي بكر الآجري في كتاب صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت قبره صلى الله عليه وسلم في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيته مرتفعا نحوا من أربع أصابع ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره ورأيت قبر عمر وراء أبي بكر أسفل منه وأخرج البخاري في صحيحه عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما انتهى أي مرتفعا قال في القاموس التسنيم ضد التسطيح وقال سطحه كمنعه بسطة وقد اختلف أهل العلم في الأفضل من التسنيم والتسطيح بعد الاتفاق على جواز الكل فذهب الشافعي وبعض أصحابه إلى أن التسطيح أفضل واستدلوا برواية القاسم بن محمد وما وافقها قالوا وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال أن قبره صلى الله عليه وسلم لم يكن في الأول مسنما بل كان في أول الأمر مسطحا ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة وبهذا يجمع بين الروايات ويرجح التسطيح أمره صلى الله عليه وسلم عليا أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية وادعى القاضي حسين اتفاق أصحاب الشافعي عليه ونقله القاضي عياض عن أكثر العلماء أن التسنيم أفضل وتمسكوا بقول سفيان التمار
[ 30 ]
قال الشوكاني والأرجح أن الأفضل التسطيح والله أعلم وحديث القاسم سكت عنه المنذري (قال أبو علي) هو اللؤلؤي راوي السنن (عند رأسه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (عند رجليه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (رأسه) أي عمر وهذه صفة القبور الثلاثة وجدت في بعض النسخ الصحيحة والله أعلم الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف (وقف عليه) أي على الميت (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (واسألوا له) أي للميت (بالتثبيت) أي أن يثبته الله في الجواب (فإنه) الميت في الحديث مشروعية الاستغفار للميت عند الفراغ من دفنه وسؤال للتثبيت له لأنه يسأل في تلك الحال وفيه دليل على ثبوت حياة القبر وقد وردت بذلك أيضا أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما والحديث سكت عنه المنذري كراهية الذبح عند القبر (لا عقر في الاسلام) قال الخطابي كان أهل الجاهلية يعقرون الإبل على قبر الرجل
[ 31 ]
الجواد يقولون نجازيه على فعله لأنه كان يعقرها في حياته فيطعمها الأضياف فنعقرها قد عند قبره فتأكلها السباع والطير فتكون مطعما بعد مماته كما كان مطعما في حياته ومنهم من كان يذهب في ذلك إلى أنه إذا عقرت راحلته حشر يوم القيامة راكبا ومن لم يعقر عنه حشر راجلا وكان هذا على مذهب من يرى منهم البعث بعد الموت انتهى وقال في النهاية كانوا يعقرون الإبل على قبور الموتى أي ينحرونها ويقولون إن صاحب القبر كان يعقر للأضياف أيام حياته فنكافئه وفي بمثل صنيعه بعد وفاته وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم انتهى والحديث سكت عنه المنذري الصلاة على القبر بعد حين أي بعد زمان كثير (صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين) وفي رواية لمسلم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فقال إني فرطكم على الحوض الحديث
[ 32 ]
واستدل به على مشروعية الصلاة على الشهداء وعلى مشروعية الصلاة على القبر بعد ثمان سنين قال في الفتح وكانت أحد في شوال سنة ثلاث ومات صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة فعلى هذا ففي قوله بعد ثمان سنين تجوز على طريق جبر الكسر وإلا فهي سبع سنين ودون النصف انتهى قال العيني قال الخطابي فيه أنه صلى الله عليه وسلم قد صلى على أهل أحد بعد مدة فدل على أن الشهيد يصلى عليه كما يصلى على من مات حتف أنفه وإليه ذهب أبو حنيفة وأول الخبر في ترك الصلاة عليهم يوم أحد على معنى اشتغاله عنهم وقلة فراغه لذلك وكان يوما صعبا على المسلمين فعذروا بترك الصلاة عليهم انتهى ومن العلماء من يحمل الصلاة في هذا الحديث على الدعاء لكن قوله صلاته على الميت في الرواية الماضية يدفعه ومنهم من قال إنه من الخصائص لأنه عليه السلام قصد بها التوديع والتوديع للأحياء التذكير والدعاء لهم وقت الوداع وللأموات الإستغفار لهم وقد مضى بعض بيانه في باب الصلاة على القبر قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي في البناء على القبر (نهى أن يقعد على القبر) بالبناء للمفعول قيل للتغوط والحدث وقيل للإحداد وهو أن يلازم القبر ولا يرجع عنه وقيل مطلقا لأن فيه استخفافا بحق أخيه المسلم وقال الطيبي المراد من القعود الجلوس كما هو الظاهر وقد نهى عنه لما فيه من الاستخفاف قاله القاري
[ 33 ]
وقال الخطابي نهيه عليه السلام عن القعود على القبر يتأول على وجهين أحدهما أن يكون ذلك في القعود للحدث والوجه الآخر كراهية أن يطأ القبر بشئ من بدنه وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد اتكأ على قبر فقال له لا تؤذ صاحب القبر (وأن يقصص) بالقاف وصادين مهملتين أي يجصص والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد هي الجص (ويبنى عليه) في هذا الحديث كراهية تجصيص القبور وكراهى القعود عليها والبناء عليها قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وليس في صحيح مسلم ذكر الزيادة والكتابة وفي حديث الترمذي وأن يكتب عليها وقال حسن صحيح وفي حديث النسائي أو يزاد عليه (عن سليمان بن موسى) وهو الأشدق قاله المنذري (قال عثمان أو يزاد عليه) بوب على هذه الزيادة البيهقي باب لا يزاد على القبر أكثر من ترابه لئلا ترفع وظاهره أن المراد بالزيادة عليه الزيادة على ترابه قاله في النيل (أو أن يكتب عليه) بالبناء للمفعول فيه كراهية الكتابة على القبور وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وأخرجه ابن ماجه مختصرا قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب على القبر شئ وسليمان بن موسى لم يسمع من جابر بن عبد الله فهو منقطع
[ 34 ]
(قاتل الله اليهود) زاد المسلم والنصارى ومعنى قاتل قتل وقيل لعن فإنه ورد بلفظ اللعن (اتخذوا) جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب المقاتلة كأنه قيل ما سبب مقاتلتهم فأجيب بقوله اتخذوا (مساجد) أي قبلة للصلاة يصلون إليها أو بنوا مساجد عليها يصلون فيها وإلى الثاني يميل كلام المصنف حيث ذكره في باب البناء على القبر ولعل وجه الكراه أنه قد يفضي إلى عبادة نفس القبر انتهى وتقدم بعض البيان في باب تسوية القبر قاله في فتح الودود قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 35 ]
في كراهية القعود على القبر (على جمرة) أي من النار (فتحرق) بضم التاء وكسر الراء (حتى تخلص) بضم اللام أي تصل (خير له) أي أحسن له وأهون (على قبر) فيه دليل على أنه لا يجوز الجلوس على القبر وذهب الجمهور إلى التحريم والمراد القعود وروى الطحاوي من حديث محمد بن كعب قال إنما قال أبو هريره من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة قال في الفتح لكن إسناده ضعيف وقال نافع كان ابن عمر يجلس على القبور ومخالفة الصحابي لما روي لا تعارض المروي قاله في النيل قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (أبا مرثد) بفتح الميم والمثلثة (الغنوي) بفتحتين (ولا تصلوا) أي مستقبلين (إليها) أي القبور لما فيه من التعظيم البالغ قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي
[ 36 ]
المشي بين القبور في النعل (بن سمير) بالتصغير (ابن نهيك) بفتح النون وكسر الهاء (عن بشير) هو ابن الخصاصية وهي أمه قاله المنذري (بينما أنا أماشي) أي أمشي معه هو من باب المفاعلة يقال تماشيا تماشيا أي مشيا معا (فقال) صلى الله عليه وسلم (لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا) أي كانوا قبل الخير فحاد عنهم ذلك الخير وما أدركوه أو أنهم سبقوه حتى جعلوه وراء ظهورهم (ثلاثا) أي قاله ثلاث مرات (ثم حانت) أي قربت ووقعت (يا صاحب السبتيتين الخ) وهما نعلان لا شعر عليهما قال الخطابي قال الأصمعي السبتية من النعال ما كان مدبوغا بالقرظ قلت السبتيتين بكسر السين نسبة إلى السبت وهو جلود البقر المدبوغة بالقرظ يتخذ منها النعال لأنه سبت شعرها أي حلق وأزيل وقيل لأنها انسبت كل بالدباغ أي لانت وأريد بهما النعلان المتخذان من السبت وأمره بالخلع احتراما للمقابر عن المشي بينها بهما أو لقذر بهما أو لاختياله في مشيه قيل وفي الحديث كراهة المشي بالنعال بين القبور ولا يتم ذلك إلا على بعض الوجوه المذكورة قاله السندي
[ 37 ]
وفي النيل وفي ذلك دليل على إنه لا يجوز المشي بين القبور بالنعلين ولا يختص عدم الجواز بكون النعلين سبتيتين لعدم الفارق بينها وبين غيرها وقال ابن حزم يجوز وطأ القبور بالنعال التي ليست سبتية لحديث إن الميت يسمع خفق نعالهم وخص المنع بالسبتية وجعل هذا جمعا بين الحديثين وهو وهم لأن سماع الميت لخفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي على قبر أو بين القبور فلا معارضة وقال الخطابي إن النهي عن السبتية لما فيها من الخيلاء ورد بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها انتهى قال العيني إنما اعترض عليه بالخلع احتراما للمقابر وقيل لاختياله في مشيه وقال الطحاوي إن أمره صلى الله عليه وسلم بالخلع لا لكون المشي بين القبور بالنعال مكروها ولكن لما رأى صلى الله عليه وسلم قذرا فيهما يقذر القبور أمر بالخلع انتهى قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه (وتولى) مبنيا للفاعل أي أدبر وذهب (قرع نعالهم) أي صوتها عند المشي قال
[ 38 ]
الخطابي خبر أنس (هذا) يدل على جواز لبس النعل لزائر القبور وللماشي بحضرتها وبين ظهرانيها فأما خبر السبتيتين (الذي مضى) فيشبه أن يكون إنما كره ذلك لما فيهما من الخيلاء وذلك أن نعال السبت من لباس أهل التنعم والترفه وأحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون دخوله المقابر على زي أهل التواضع ولباس أهل الخشوع انتهى قال الحافظ في الفتح وأما قول الخطابي يشبه أن يكون النهي عنهما لما فيهما من الخيلاء فإنه متعقب بأن ابن عمر كان يلبس النعال السبتية ويقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها وهو حديث صحيح وأغرب ابن حزم فقال يحرم المشي بين القبور بالنعال السبتية دون غيرهما وهو جمود شديد انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 39 ]
في تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث (فكان في نفسي من ذلك حاجة) أي إلى إخراجه وفي رواية البخاري فلم تطب نفسي حتى أخرجته فجعلته في قبر على حدة فيه دلالة على جواز الإخراج لأمر يتعلق بالحي لأنه لا ضرر على الميت في دفن ميت آخر معه وقد بين ذلك جابر بقوله فكان في نفسي (فما أنكرت منه شيئا) أي ما وجدت منكرا ومتغيرا من جسده شيئا فيه جواز نقل الميت من قبره إلى موضع آخر لسبب وفي الموطأ قال مالك أنه سمع غير واحد يقول إن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ماتا بالعقيق فحملا إلى المدينة ودفنا بها وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء في خلافة علي قال شريك نقله ابنه الحسن إلى المدينة وقال المبرد عن محمد بن حبيب أول من حول من قبر إلى قبر علي وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز قال لما قتل علي بن أبي طالب حملوه ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وهذه الآثار فيها جواز نقل الميت من الموطن الذي مات فيه إلى موطن آخر يدفن فيه والأصل الجواز فلا يمنع من ذلك إلا لدليل والحديث سكت عنه المنذري
[ 40 ]
في الثناء على الميت (مروا) أي الناس (فأثنوا عليها) أي ذكروها بأوصاف حميدة (خيرا) تأكيدا ودفع لما يتوهم من علي (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (وجبت) أي الجنة والمراد بالوجوب الثبوت إذ هو في صحة الوقوع كالشئ الواجب والأصل أنه لا يجب على الله شئ بل الثواب فضله والعقاب عدله (فأثنوا شرا) قال الطيبي استعمال الثناء في الشر مشاكلة أو تهكم انتهى ويمكن أن يكون أثنوا في الموضعين بمعنى وصفوا فيحتاج حينئذ إلى القيد ففي القاموس الثناء وصف بمدح أو ذم أو خاص بالمدح قاله القاري (فقال وجبت) أي النار أو العقوبة وحاصل المعنى أن ثناءهم عليه بالخير يدل على أن أفعاله كانت خيرا وجبت له الجنة وثناؤهم عليه بالشر يدل على أن أفعاله كانت شرا فوجبت له النار (إن بعضكم على بعض شهيد) أي المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الإيمان وحكى ابن التين أن ذلك مخصوص بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم ثم قال والصواب أن ذلك يختص بالمتقيات والمتقين قاله في الفتح قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وقد أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه من حديث ثابت البناني عن أنس في زيارة القبور (فبكى) بكاؤه صلى الله عليه وسلم على ما فاتها من إدراك أيامه والإيمان به أو على عذابها (فلم يأذن لي)
[ 41 ]
لأنها كافرة والاستغفار للكافرين لا يجوز (فأذن لي) بناء على المجهول أو يكون بصيغة الفاعل (فإنها) أي القبور أو زيارتها (تذكر بالموت) وذكر الموت يزهد في الدنيا ويرغب في العقبى فيه جواز زيارة قبور المشركين والنهي عن الاستغفار للكفار قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (معرف) بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الراء المكسورة قاله في التقريب (عن ابن بريدة) هو عبد الله قاله المنذري (نهيتكم) أي قبل هذا (فزوروها) الأمر للرخصة أو للاستحباب وظاهره الإذن في زيارة القبور للرجال قال الحافظ في الفتح واختلف في النساء فقيل دخلن في عموم الإذن وهو قول الأكثر ومحله ما إذا أمنت الفتنة وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة وقيل الإذن خاص بالرجال ولا يجوز للنساء زيارة القبور انتهى قال العيني وحاصل الكلام أن زيارة القبور مكروهة للنساء بل حرام في هذا الزمان ولا سيما نساء مصر لأن خروجهن على وجه الفساد والفتنة وإنما رخصت الزيارة لتذكر أمر الآخرة وللاعتبار بمن مضى وللتزهد في الدنيا انتهى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والنسائي بنحوه في زيارة النساء القبور (والمتخذين عليها) أي على القبور (المساجد والسرج) فيه تحريم زيارة القبور للنساء
[ 42 ]
واتخاذ القبور مساجد واتخاذ السرج على المقابر قال الترمذي قد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء وقال بعضهم إنما كره زيارة القبور في النساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن انتهى
[ 43 ]
قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنساء وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن وفيما قاله نظر فإن أبا صالح هذا هو باذام يقال باذان مولى أم هانئ بنت أبي طالب وهو
[ 44 ]
صاحب الكلبي وقد قيل إنه لم يسمع من ابن عباس وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة وقال ابن عدي ولا أعلم أحدا من المتقدمين رضيه وقد قيل عن يحيى بن سعيد القطان وغيره بخبر أمره ولعله يريد رضيه حجة أو قال هو ثقة
[ 45 ]
ما يقول إذا مر بالقبور (السلام عليكم) قال الخطابي فيه من العلم أن السلام على الموتى كهو على الأحياء في تقديم الدعاء على الاسم ولا يقدم الاسم على الدعاء كما يفعله العامة وكذلك هو في كل دعاء بخير كقوله تعالى رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت وكقوله تعالى سلام على الياسين وقال تعالى خلاف ذلك وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين فقدم الاسم على الدعاء (دار قوم) أي أهل دار قال الخطابي فيه أنه سمى المقابر دارا فدل على أن اسم الدار قد يقع على الربع العامر المسكون وعلى الخراب غير المأهول (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) قال
[ 46 ]
الخطابي فقد قيل إن ذلك ليس على معنى الاستثناء الذى يدخل الكلام لشك وارتياب ولكنه عادة المتكلم يحسن بذلك كلامه ويزينه به كما يقول الرجل لصاحبه إنك إن أحسنت إلي شكرتك إن شاء الله إن ائتمنتني لم أخنك منه إن شاء الله في نحو ذلك من الكلام وهو لا يريد الشك في كلامه وقد قال الله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله امنين الآية وقد علم دخولهم إياه ووعدهم به ووعده الحق وهو أصدق القائلين وقد قيل إنه دخل المقبرة ومعه قوم مؤمنون متحققون بالإيمان وآخرون يظن بهم النفاق فكان استثناؤه منصرفا إليهم دون المؤمنين ومعناه اللحوق بهم في الإيمان وقيل إن الاستثناء إنما وقع في استصحاب الإيمان إلى الموت انتهى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه كيف يصنع بالمحرم إذا مات (وقصته) الوقص كسر العنق أي أسقطته فاندق عنقه (راحلته) أي ناقته (فمات) أي الرجل (وهو) الرجل (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (كفنوه) أي الرجل (في ثوبيه) أي إزاره وردائه اللذين لبسهما في الإحرام (ولا تخمروا) بالتشديد أي لا تغطوا ولا تستروا (يلبي) أي يقول لبيك اللهم لبيك ليعلم الناس أنه مات محرما قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 47 ]
(عن ابن عباس نحوه) أي نحو حديث سفيان (ولا تحنطوه) أي لا تجعلوا الحنوط في كفنه وجسده قال في النهاية الحنوط والحناط واحد وهو ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة (بمعنى سليمان) أي بمعنى حديث سليمان (وقصت) قال الخطابي يريد به أنها صرعته فدقت عنقه وأصل الوقص الدق أو الكسر (ولا تغطوا رأسه) فيه من الفقه أن حرم الرجل في رأسه (ولا تقربوه طيبا) فيه أن المحرم إذا مات سن به سنة الأحياء في اجتناب الطيب (يهل) أي حال كونه يرفع صوته بلبيك قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي آخر كتاب الجنائز)
[ 48 ]
(اول كتاب لا لايمان والنذور) قال الحافظ في الفتح الايمان بفتح الهمزة جتمع بمين واصل اليمين في اللفة اليد واطلقت على الحلف لانهم كانوا إذا تحالفوا اخذ كل بيمين صاحبه وقيل الن اليد اليمنى من شانها حفظ الشئ فسمى الحلف بذلك لحفط المحلوف عليه وسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه بها ويجمع اليمين ايضا على ايمن كر غيف وارغف وعرفت شرعا بانها توكيد الشى بذكر اسم أو صفة لله وهذا اخضر التعاريف وافربها . ووالنذر جمع نذر واي له ال نذار بخمنى التخويف وعرفه الرافب بانه ايجاب ما ليس بواجب لحدوث امر انتهى . (باب التغليظ في اليمين الفاجرة أي الكاذبة (من حلف على يمين) أي محلوف يمين فأطلق عليه لفظ يمين للملابسة والمراد ما شأنه أن يكون محلوفا عليه فهو من مجا الاستعارة قاله في الفتح (مصبورة) أي ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم وقيل لها مصبورة وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها أي حبس فوصفت بالصبر وأضيفت إليه مجازا قاله في النهاية وقال الخطابي اليمين المصبورة هي اللازمة
[ 49 ]
لصاحبها من جهة الحكم فيصبر لأجلها أي يحبس وهي يمين الصبر وأصل الصبر الحبس ومن هذا قولهم قتل فلان صبرا أي حبسا على القتل وقهرا عليها (فليتبوأ بوجهه) أي بسببه أي بسبب هذا الحلف والباء للسببية أو على وجهه أي مكبا على وجهه فالباء للاستعلاء كما في قوله تعالى من إن تأمنه بقنطار والثاني أولى لأنه يكون هذا اللفظ أي لفظ بوجهه على الأول تأكيدا لما علم سابقا من أن الحلف سبب لهذا التبوأ لأنه إذا حكم على المشتق بشئ كان مأخذ الاشتقاق علة له وعلى الثاني يكون تأسيسا وهو أولى من التأكيد والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري (باب من حلف ليقتطع بها مالا (عن عبد الله) هو ابن مسعود (على يمين) والمراد به المحلوف عليه وفي روايه البخاري على يمين صبر قال العيني وهي التي يلزم ويجبر عليها حالفها ويقال هي أن يحبس السلطان رجلا على يمين حتى يحلف بها يقال صبرت يميني أي حلفت بالله وأصل الصبر الحبس ومعناه ما يجبر عليها وقال الداودي معناه وأن يوقف حتى يحلف على رؤوس الناس انتهى (هو) أي الحالف (فيها) أي في اليمين (فاجر) أي كاذب وقيد به ليخرج الجاهل والناسي والمكره (ليقتطع) بزيادة لام التعليل ويقتطع من يفتعل القطع كأنه يقطعه عن صاحبه أو يأخذ قطعة في ماله بالحلف المذكور (بها) بسبب اليمين (امرئ مسلم) أو ذمي ونحوه قاله القسطلاني (لقي الله) جواب من (هو) أي الله تعالى الواو للحال (عليه) أي على الحالف (غضبان) فيعامله معاملة المغضوب عليه فيعذبه وغضبان لا ينصرف لزيادة الألف والنون وقال الطيبي أي ينتقم منه (في) بكسر الفاء وتشديد الياء (كان ذلك) أي هذا الحديث (أرض) أي متنازع فيها (فجحدني) أي أنكر علي (فقدمته) بالتشديد أي جئت بالرجل وارفعت غير أمره
[ 50 ]
(قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا يحلف) قال القسطلاني والفعل هنا في الحديث إن أريد به الحال فهو مرفوع وإن أريد به الاستقبال فهو منصوب وكلاهما في الفرع كأصله والرفع رواية انتهى وقال العيني إذا يحلف جواب وجزاء فينصب يحلف (فأنزل الله تعالى) تصديق ذلك (إن الذين يشترون) أي يستبدلون (بعهد الله) أي بما عهد إليهم من أداء الأمانة وترك الخيانة (وأيمانهم) أي الكاذبة (ثمنا قليلا) شيئا يسيرا من حطام الدنيا مع أن متاعها كلها قليل قال العيني قال ابن بطال وبهذه الآية والحديث احتج الجمهور على أن الغموس لا كفارة فيها لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر في هذه اليمين المقصود بها الحنث والعصيان والعقوبة والإثم ولم يذكر فيها كفارة ولو كانت لذكرت كما ذكرت في اليمين المعقودة فقال فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير وقال ابن المنذر لا نعلم سنة تدل على قول من أوجب فيها الكفارة بل هي دالة على قول من لم يوجبها قلت هذا كله على الشافعية انتهى وقال في النهاية اليمين الغموس هي اليمين الكاذبة الفاجرة كالتي يقتطع بها الحالف مال غيره سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار وفعول للمبالغة انتهى وقال في الفتح وقد أخرج ابن الجوزى في التحقيق من طريق ابن شاهين بسنده إلى خالد بن معدان عن أبي المتوكل عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس فيها كفارة يمين صبر يقتطع بها مالا بغير حق وظاهر سنده الصحة لكنه معلول لأن فيه عنعنة بقية فقد أخرجه أحمد من هذا الوجه فقال في هذا السند عن المتوكل أو أبي المتوكل فظهر أنه ليس هو الناجي الثقة بل الآخر مجهول وأيضا فالمتن مختصر ولفظه عند أحمد من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة الحديث وفيه وخمس ليس لها كفارة الشرك بالله وذكر في آخرها ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق ونقل محمد بن نصر في اختلاف العلماء ثم ابن المنذر ثم ابن عبد البر اتفاق الصحابة على أن لا كفارة في اليمين الغموس وروى آدم بن أبي إياس في مسند شعبة وإسماعيل القاضي في الأحكام عن ابن مسعود كنا نعد الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس أن يحلف الرجل على مال أخيه كاذبا ليقتطعه قال ولا مخالف له من الصحابة واحتجوا بأنها أعظم من أن تكفر وقال الشافعي بالكفارة ومن حجته قوله في الحديث في أول كتاب الأيمان فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه فأمر من تعمد الحنث أن يكفر فيؤخذ منه مشروعية الكفارة لمن حلف حانثا وفي هذا الحديث من الفوائد منها
[ 51 ]
التشديد على من حلف باطلا ليأخذ حق مسلم ومنها البداءة بالسماع من الطالب ثم من المطلوب هل يقر أو ينكر ثم طلب البينة من الطالب إن أنكر المطلوب ثم توجيه اليمين على المطلوب إذا لم يجد الطالب البينة وأن الطالب إذا ادعى أن المدعى به في يد المطلوب فاعترف استغنى عن إقامة البينة بأن يد المطلوب عليه انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (إن رجلا من كندة) بكسر فسكون أبو قبيلة من اليمن (من حضرموت) بسكون الضاد والواو بين فتحات وهو موضع من أقصى اليمن (فقال الحضرمي) أي الرجل المنسوب إلى حضرموت (اغتصبنيها أبو هذا) قال القاري وفي نسخة من المشكاة اغتصبها أبوه (وهي) أي أرضي (في يده) أي تحت تصرفه الآن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال لا) أي الحضرمي (ولكن أحلفه) بتشديد اللام (والله ما يعلم) قال الطيبي هو اللفظ المحلوف به أي أحلفه بهذا والوجه أن تكون الجملة القسمية منصوبة المحل على المصدر أي أحلفه هذا الحلف قاله القارى (أنها أرضي) بفتح أنها (فتهيأ الكندي لليمين) أي أراد أن يحلف (أحد مالا) أي عن أحد (بيمين) أي بسبب يمين فاجرة (وهو أجذم) أي مقطوع اليد أو البركة أو الحركة أو الحجة وقال الطيبي أي أجذم الحجة لا لسان له يتكلم ولا حجة في يده يعني ليكون له عذر في أخذ مال مسلم ظلما وفي حلفه كاذبا قاله القاري قال المنذري وهذا قد ذكر في اثناء حديث عبد الله بن مسعود المتقدم
[ 52 ]
(على أرض كانت لأبي) أي بالغصب والتعدي (هي أرضي) أي ملك لي (في يدي) أي تحت تصرفي قال الخطابي فيه دليل على أن اليد تثبت على الأرض بالزراعة وعلى الدار بالسكنى وبعقد الإجارة عليهما وما أشبه ذلك من وجوه التصرف والتدبير (ليس له) أي للحضرمي (حق) أي من الحقوق (قال) أي وائل بن حجر (قال لا) أي الحضرمي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فلك) يا حضرمي (يمينه) أي الكندي قال الحضرمي أنه أي الكندي (فاجر) أي كاذب (لا يبالي) صفة كاشفة لفاجر (ليس يتورع) أصل الورع الكف عن الحرام والمضارع بمعنى النكرة في سياق النفي فيعم ويكون التقدير ليس له ورع عن شئ قاله في النيل (ليس لك منه) أي من الكندي (إلا ذاك) أي ما ذكر من اليمين (فانطلق) أي فذهب الكندي (ليحلف) أي على قصد أن يحلف (له) أي للحضرمي (فلما أدبر) أي حين ولى الكندي على هذا القصد قال الخطابي فيه دليل على أن اليمين إنما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنبر ولولا ذلك لم يكن لانطلاقه عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإدباره عنه معنى ويشهد لذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف عند منبري ولو على سواك أخضر تبوأ مقعده من النار (وهو) أي الله تعالى (عنه) أي عن الحالف الفاجر (معر مجاز عن الاستهانة به والسخط عليه والإبعاد عن رحمته وفيه أنواع من الفوائد منها أن صاحب اليد أولى من أجنبي يدعى عليه ومنها أن المدعى عليه ومنها أن المدعى عليه تلزمه اليمين إذا لم يقر ومنها أن البينة تقدم على اليد ويقضى لصاحبها بغير يمين ومنها أن يمين الفاجر المدعى عليه تقبل كيمين العدل وتسقط عنه المطالبة بها ومنها أن أحد الخصمين إذا قال لصاحبه إنه ظالم أو فاجر أو نحوه في حال المخاصمة يحتمل ذلك منه ومنها أن الوارث إذا ادعى شيئا لورثه وعلم الحاكم أن مورثه مات ولا وارث له سواه جاز الحكم له به ولم يكلفه حال الدعوى ببينة على ذلك وموضع الدلالة أنه قال غلبني على أرض لي كانت لأبي فقد أقر بأنها كانت لأبيه فلولا أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بأنه ورثها وحده لطالبه ببينة على كونه وارثا وبينة أخرى على كونه محقا في دعواه على خصمه قاله القاري وقال الخطابي في
[ 53 ]
هذا الحديث دليل على ما يجري بين المتخاصمين من كلام تشاجر وتنازع وإن خرج بهم الأمر في ذلك إلى أن ينسب كل واحد منهم صاحبه فيما يدعيه قبله إلى خيانة وفجور واستحلال ونحو ذلك من الأمور فإنه لا حكومة بينهما في ذلك وفيه دليل على أن الصالح المظنون به الصدق والصالح الموهوم به الكذب في ذلك الحكم سوى وأنه لا يحكم لهما ولا عليهما إلا بالبينة العادلة أو اليمين انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (باب ما جاء في تعظيم اليمين عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم (على يمين آثمة) أي كاذبة سميت بها كتسميتها أحمد فاجرة اتساعا حيث وصفت بوصف صاحبها أي ذات إثم (ولو على سواك أخضر) إنما خص الرطب لأنه كثير الوجود لا يباع بالثمن وهو لا يكون كذلك إلا في مواطن نباته بخلاف اليابس فإنه قد يحمل من بلد إلى بلد فيباع قاله الشوكاني (أو وجبت له النار) شك من الراوي أو للتنويع بأن يكون الأول وعيدا للفاجر والثاني للكافر والحديث دليل على عظمة إثم من حلف على منبره صلى الله عليه وآله وسلم كاذبا قال الشوكاني وقد استدل به على جواز التغليظ على الحالف بمكان معين كالحرم والمسجد ومنبره صلى الله عليه وآله وسلم وبالزمان كبعد العصر ويوم الجمعة ونحو ذلك وقد ذهب إلى ذلك الجمهور كما حكاه في الفتح وذهبت الحنفية إلى عدم جواز التغليظ بذلك وعليه دلت ترجمة البخاري فإنه قال في الصحيح باب يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين انتهى وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك موضع اجتهاد للحاكم وقد ورد عن جماعة من الصحابة طلب التغليظ على خصومهم في الأيمان بالحلف بين الركن والمقام وعلى منبره صلى الله عليه وسلم وورد عن بعضهم الامتناع من الإجابة إلى ذلك وروي عن بعض الصحابة التحليف على الصحف وقد قال ابن رسلان إنهم لم يختلفوا في جواز التغليظ على الذمي قال الشوكاني فغاية ما يجوز التغليظ به
[ 54 ]
هو ما ورد في حديث الباب وما يشبهه من التغليظ باللفظ وأما التغليظ بزمان معين أو مكان معين على أهل الذمة مثل أن يطلب منه أن يحلف في الكنائس أو نحوها فلا دليل على ذلك انتهى قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه (باب اليمين بغير الله) (في حلفه) بكسر اللام قاله القسطلاني (واللات) صنم معروف في الجاهلية (فليقل لا إله إلا الله) إنما أمر بذلك لأنه تعاطى صورة تعظيم الأصنام حين حلف بها وأن كفارته هو هذا القول لاغير قاله العيني وقال القاري له معنيان أحدهما أن يجري على لسانه سهوا جريا على المعتاد السابق للمؤمن المتجدد فليقل لا إله إلا الله أي فليتب كفارة لتلك الكلمات فإن الحسنات يذهبن السيئات فهذا توبة من الغفلة وثانيهما أن يقصد تعظيم اللات والعزى فليقل لا إله إلا الله تجديدا لإيمانه فهذا توبة من المعصية انتهى وقال الخطابي فيه دليل على أن الحالف باللات لا يلزمه كفارة اليمين وإنما يلزمه الإنابة والاستغفار وفي معناه إذا قال أنا يهودي أو نصراني أو برئ من الإسلام إن فعلت كذا فإنه يتصدق بشئ وهو قول مالك والشافعي وأبو عبيد وقال النخعي وأصحاب الرأي إن قال هو يهودي إن فعلت كذا فحنث فعليه كفارة يمين وبه قال الأوزاعي وسفيان الثوري وقول أحمد واسحاق بن راهويه نحو من ذلك (تعالى) بفتح اللام أمر من تعالى أي ائت (أقامرك) بالجزم على جواب الأمر أفعل القمار معك (فليتصدق بشئ) من ماله كفارة لمقاله وقال الخطابي معناه فليتصدق بقدر جعله حظا في القمار انتهى وقال العيني وإنما أمر بالصدقة تكفيرا للخطيئة في كلامه بهذه المعصية والأمر بالصدقة محمول عند الفقهاء على الندب انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 55 ]
وليس في حديث أحد منهم بشئ سوى مسلم وحده [ باب كراهية الحلف بالآباء ] (لا تحلفوا بآبائكم) أي بأصولكم يقول فبالفروع الذي أولى (ولا بالأنداد) أي الأصنام قال في النهاية الأنداد جمع ند بالكسر وهو مثل الشئ الذي يضاده في أموره ويناده لأن أي يخالفه ويريد بها ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله انتهى قال في الفتح وهل المنع للتحريم قولان عند المالكية كذا قال ابن دقيق العيد والمشهور عندهم الكراهة والخلاف أيضا عند الحنابلة لكن المشهور عندهم التحريم وبه جزم الظاهرية وقال ابن عبد البر لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع ومراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه فإنه قال في موضع اخر أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها والخلاف موجود عند الشافعية من أجل قول الشافعي أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية فأشعر بالتردد وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه وقال إمام الحرمين المذهب القطع بالكراهة وجزم غيره بالتفصيل فإن اعتقد في المحلوف فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان بذلك اعتقاد كافر انتهى والحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال المزي في الأطراف حديث عبيد الله بن معاذ في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم (أدركه) أي عمر (وهو) أي عمر (في ركب) قال في السبل الركب أي ركبان الإبل اسم جمع أو جمع وهم العشرة فصاعدا وقد يكون الخيل (وهو يحلف) أي عمر (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم
[ 56 ]
(فمن كان حالفا) أي مريدا للحلف (فليحلف بالله) أي بأسمائه وصفاته قال الحافظ وظاهرة تخصيص الحلف بالله خاصة لكن قد اتفق الفقهاء على أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية (أو ليسكت) قال العيني والحكمة في النهي عن الحلف بالآباء أنه يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله جلت عظمته فلا يضاهى به غيره وهكذا حكم غير الآباء من سائر الأشياء وما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال أفلح وأبيه فهي كلمة تجري على اللسان لا يقصد بها اليمين انتهى قلت أو أن هذا وقع قبل ورود النهي قال وأما قسم الله تعالى بمخلوقاته نحو الصافات والطور والسماء والطارق والتين والزيتون والعاديات فالله يقسم بما شاء من خلقه تنبيها على شرفه أو التقدير ورب الطور انتهى وقال النووي يكره الحلف بغير أسماء الله تعالى وصفاته سواء في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم والكعبة والملائكة والأمانة والحياة والروح وغيرها ومن أشدها كراهة الحلف بالأمانة انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (نحو معناه) أي بمعنى حديث أحمد بن يونس (بهذا) أي بأبي (ذاكرا) أي قائلا لها من قبل نفسي (ولا آثرا) بلفظ اسم الفاعل من الأثر يعني ولا حاكيا لها عن غيري ناقلا عنه وقال الطبري ومنه حديث مأثور عن فلان أي يحدث به عنه والأثر الرواية ونقل كلام الغير قاله العيني وقال الخطابي معنى قوله آثرا أي موثرا وقيل يريد مخبرا به من قولك أثرت الحديث أثرة إذا رويته يقول ما حلفت ذاكرا عن نفسي ولا مخبرا به عن غيره انتهى والحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال المزي حديث أحمد بن حنبل في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى
[ 57 ]
(فقال له) أي للرجل (فقد أشرك) قال القاري قيل معناه من أشرك به غيره في التعظيم البليغ فكأنه مشرك إشراكا جليا فيكون زجرا بطريق المبالغة قال ابن الهمام من حلف بغير الله كالنبي والكعبة لم يكن حالفا لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت متفق عليه انتهى قال الحافظ والتعبير بقول أشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك انتهى قال المزي حديث محمد بن العلاء في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى والحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري (عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر) قال المزي أخرجه أبو داود في الصلاة عن القعنبي عن مالك وفي الأيمان والنذور عن أبي الربيع سليمان بن داود عن إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله بن عثمان أحد العشرة المشهود لهم انتهى وليس هذا الحديث في نسخة المنذري والله أعلم (أفلح وأبيه) لعل هذا وقع قبل ورود النهي أو التقدير ورب أبيه أو كلمة جرت على اللسان من أن يقصد بها اليمين (باب كراهية الحلف بالأمانة) أي بلفظ الأمانة (من حلف بالأمانة فليس منا) أي ممن اقتدى بطريقتنا قال القاضي أي من ذوى أسوتنا
[ 58 ]
بل هو من المتشبهين بغيرنا فإنه من ديدن أهل الكتاب ولعله أراد به الوعيد عليه قاله القاري وقال في النهاية يشبه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله وصفاته والأمانة أمر من أموره فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء الله تعالى كما نهوا أن يحلفوا بابائهم وإذا قال الحالف وأمانة الله كانت يمينا عند أبي حنيفة والشافعي لا يعدها يمينا والأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والنقد والأمان وقد جاء في كل منها حديث قال المنذري وابن بريدة هو عبد الله وروي أيضا من حديث سليمان بن يزيد والحديث سكت عنه (باب المعاريض في الأيمان قال في النهاية المعاريض جمع من معراض التعريض وهو خلاف التصريح من القول انتهى وقال العيني التعريض نوع من الكناية ضد التصريح وقال الراغب هو كلام له ظاهر وباطن فقصد قائله الباطن ويظهر إرادة الظاهر انتهى (عن عباد بن أبي صالح) هكذا هذا الإسناد كما في المتن في النسخ الصحيحة في بعض النسح خلافه وهو غلط وقال المزي في الأطراف أخرجه أبو داود في الأيمان عن عمرو بن عون ومسدد كلاهما عن هشيم قال عمرو بن عون عن عباد بن أبي صالح وقال مسدد عن عبد الله بن أبي صالح عن أبي صالح قال أبو داود هما واحد انتهى قلت أبو صالح هو ذكوان وعبد الله كنيته أبو الزناد (يمينك) أي حلفك وهو مبتدأ خبره قوله (على ما) ما موصولة والمراد به النية (يصدقك عليها أي على النية (صاحبك) أي خصمك ومدعيك ومحاورك ولفظ مسلم يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك والمعنى أنه واقع عليه لا يؤثر فيه التورية فإن العبرة في اليمين بقصد المستحلف إن كان مستحقا لها وإلا فالعبرة بقصد الحالف فله التورية قاله القاري وفي فتح الودود معناه يمينك واقع على نية المستحلف ولا تؤثر التورية فيه وهذا إذا كان للمستحلف
[ 59 ]
حق الإستحلاف وإلا فالتورية نافعة قطعا وعليه يحمل حديث إنه أخي لذلك ذكره بعد هذا الحديث تنبيها على المراد انتهى وفي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمين على نية المستحلف قال القاري أي إذا كان مستحقا للتحليف والمعنى أن النظر والاعتبار في اليمين على نية طالب الحنث فإن أضمر الحالف تأويلا على غير نية المستحلف لم يستخلص من الحنث وبه قال أحمد انتهى قال في النيل فيه دليل على أن الاعتبار بقصد المحلف من غير فرق بين أن يكون المحلف هو الحاكم أو الغريم وبين أن يكون المحلف ظالما أو مظلوما صادقا أو كاذبا وقيل هو مقيد بصدق المحلف فيما ادعاه أما لو كان كاذبا كان الاعتبار بنية الحالف قال النووي والحاصل أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه قال والتورية وإن كان لا يحنث بها فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق المستحلف وهذا مجمع عليه وقد حكى القاضي عياض الإجماع على أن الحالف من غير استحلاف ومن غير تعلق حق بيمينه له نيته ويقبل قوله وأما إذا كان لغيره حق عليه فلا خلاف أنه يحكم عليه يمينه بظاهر سواء حلف متبرعا أو باستحلاف انتهى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه (عن جدته) أي لإبراهيم هي مجهولة لا تعرف (عن أبيها) أي للجدة (سويد) بدل عن أبيها (فأخذه) أي وائلا (عدوله) أي لوائل (فتحرج القوم) أي ضيقوا على أنفسهم والحرج الإثم والضيق قاله في النهاية (أن يحلفوا) يعني كرهوا الحلف وظنوه أثما (وحلفت أنه) أي وائل بن حجر (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم) ليس المراد بهذه الأخوة إلا أخوة
[ 60 ]
الإسلام فإن كل اتفاق بين شيئين يطلق بينهما اسم الأخوة ويشترك في ذلك الحر والعبد ويبر الحالف إذا حلف أن هذا المسلم أخوه ولا سيما إذا كان في ذلك قربة كما في حديث الباب ولهذا استحسن ذلك صلى الله عليه وآله وسلم من الحلف وقال صدقت قاله الشوكاني قال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه وسويد بن حنظلة لم ينسب ولا يعرف له غير هذا الحديث انتهى وفي الإصابة قال الأزدي ما روى عنه إلا ابنته قال ابن عبد البر لا أعلم له نسبا انتهى قال الشوكاني وعزاه المنذري إلى مسلم فينظر في صحة ذلك انتهى قلت ما وجدنا لفظ مسلم في نسخة المنذري ولعل ذلك باختلاف النسخ والله أعلم (باب ما جاء في الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام) (أن ثابت بن الضحاك) الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال الحافظ المزي في الأطراف الحديث أخرجه البخاري في الجنائز والأدب والنذور ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في الأيمان وابن ماجه في الكفارات وحديث أبي داود في رواية أبي الحسن ابن العبد ولم يذكره أبو القاسم (أخبره) أي أبا قلابة (أنه) ثابتا (من حلف بملة) الملة بكسر الميم وتشديد اللام الدين والشريعة وهي نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الملل من أهل الكتاب كاليهودية والنصرانية ومن لحق بهم من المجوسية والصابئة وأهل الأوثان والدهرية والمعطلة وعبدة الشياطين والملائكة وغيرهم قاله في الفتح (غير ملة الإسلام) صفة لمله كأن يقول إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني (كاذبا) أي في حلفه قال القسطلاني يستفاد منه أن الحالف إن كان مطمئن القلب بالإيمان وهو كاذب في تعظيم مالا يعتقد تعظيمه لم يكفر وإن قاله معتقدا لليمين بتلك الملة لكونها حقا كفر وإن قاله لمجرد التعظيم لها باعتبار ما كان قبل النسخ فلا يكفر (فهو) أي الحالف وهو جواب الشرط (كما قال) وقوله فهو مبتدأ وكما قال في موضع الخبر أي فهو كائن كما قال وظاهره أنه يكفر بذلك قال الحافظ ويحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم وكأنه قال فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال ونظيره من ترك الصلاة فقد كفر أي استوجب عقوبة من
[ 61 ]
كفر وقال ابن المنذر قوله فهو كما قال ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر بل المراد أنه كاذب ككذب المعظم لتلك الجهة انتهى (عذب به) بصيغة المجهول أي بالشئ الذي قتل نفسه به لأن جزاءه من جنس عمله قال الحافظ قال ابن دقيق العيد هذا من باب مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية ويؤخذ منه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكا له مطلقا بل هي لله تعالى فلا يتصرف فيها إلا بما أذن له فيه (وليس على رجل) أي لا يلزمه (نذر فيما لا يملكه) كأن يقول إن شفى الله مريضي ففلان حر وهو ليس في ملكه (حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه) الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال المزي حديث من قال إني برئ من الإسلام إلى آخره أخرجه أبو داود في الأيمان والنذور عن أحمد بن حنبل عن زيد بن الحباب عن حسين بن واقد المروزي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وأخرجه النسائي فيه وابن ماجه في الكفارات وحديث أبي داود ليس في الرواية ولم يذكره أبو القاسم (إني برئ من الإسلام) أي لو فعلت كذا أو لم أفعله (فإن كان كاذبا) أي في حلفه (فهو كما قال) فيه مبالغة تهديد وزجر مع التشديد عن ذلك القول قال الحافظ قال ابن المنذر اختلف فيمن قال أكفر بالله ونحو ذلك إن فعلت ثم فعل فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار لا كفارة عليه ولا يكون كافرا إلا إن أضمر ذلك بقلبه وقال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق هو يمين وعليه الكفارة قال ابن المنذر والأول أصح لقوله من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ولم يذكر كفارة زاد غيره ولذا قال من حلف بملة غير الإسلام فهو كما قال فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه انتهى قال الخطابي فيه دليل على أن من حلف بالبراءة من الإسلام فإنه يأثم ولا
[ 62 ]
تلزمه الكفارة وذلك لأنه جعل عقوبتها في دينه ولم يجعل في ماله شيئا وقد ذكرنا اختلاف أهل العلم في الباب الأول انتهى (وإن كان صادقا) أي في حلفه يعني مثلا حلف إن فعلت كذا فأنا برئ من الإسلام فلم يفعل فبر في يمينه (سالما) لأن فيه نوع استخفاف بالإسلام فيكون بنفس هذا الحلف آثما (باب الرجل يحلف أن لا يتأدم) أي أن لا يأكل الإدام فأكل تمرا بخبز هل يكون مؤتدما فيحنث أم لا (على كسرة) من خبز (هذه) أي تمرة (إدام هذه) أي كسرة قال العيني وبهذا يحتج أن كل ما يوجد في البيت غير الخبز فهو إدام سواء كان رطبا أو يابسا فعلى هذا أن من حلف أن لا يتأدم فأكل خبزا بتمر فإنه يحنث وقال أبو حنيفة وأبو يوسف الإدام ما يصطبغ به مثل الزيت والعسل والملح والخل وأما ما لا يصطبغ به مثل اللحم المشوي والجبن والبيض فليس بإدام وقال محمد هذه إدام وبه قال مالك والشافعي وأحمد وهو رواية عن أبي يوسف انتهى وقال الحافظ قال ابن القصار لا خلاف بين أهل اللسان أن من أكل خبزا بلحم مشوي أنه ائتدم به فلو قال أكلت خبزا بلا إدام كذب وإن قال أكلت خبزا بإدام صدق وأما قول الكوفيين الإدام اسم للجمع بين الشيئين فدل على أن المراد أن يستهلك الخبز فيه بحيث يكون تابعا له بأن تتداخل أجزاؤه في أجزائه وهذا لا يحصل إلا بما يصطبغ به فقد أجاب من خالفهم بأن الكلام الأول مسلم لكن دعوى التداخل لا دليل عليه قبل التناول وإنما المراد الجمع ثم الاستهلاك بالأكل فيتداخلان حينئذ انتهى قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي ويوسف قال البخاري وغيره إن له صحبة
[ 63 ]
وقال غيرهم ليس له صحبة له رواية ومنهم من عده في من ولد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه (باب الاستثناء في اليمين قال الحافظ الاستثناء في الإصلاح إخراج بعض ما يتناوله اللفظ وأداتها إلا وأخواتها وتطلق أيضا على التعاليق ومنها التعليق على المشيئة وهو المراد في هذه الترجمة فإذا قال لأفعلن كذا إن شاء الله تعالى استثنى وكذا إذا قال لا أفعل كذا إن شاء الله (على يمين) أي على محلوف عليه من فعل شئ أو تركه (فقال إن شاء الله) أي متصلا بيمينه (فقد استثنى) أي فلا حنث عليه قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن وذكر أنه روي عن نافع موقوفا وأنه روي عن سالم عن ابن عمر موقوفا وذكر عن أيوب السختياني أنه كان أحيانا يرفعه يعني عن نافع وأحيانا لا يرفعه وقال ولا نعلم أحدا رفعه عن أيوب السختياني
[ 64 ]
(وهذا حديثه) أي حديث مسدد (من حلف فاستثنى) قال الخطابي معناه أن يستثني بلسانه نطقا دون أن يستثني بقلبه لأن في هذا الحديث من غير رواية أبي داود من حلف فقال إن شاء الله وقد دخل في هذا كل يمين كانت بطلاق أو عتاق أو غيرهما لأنه صلى الله عليه وسلم عم ولم يخص ولم يختلف الناس في أنه إذا حلف بالله ليفعلن كذا أو لأفعلن كذا واستثنى أن الحنث عنه ساقط فأما إذا حلف بطلاق أو عتاق واستثنى فإن مالك بن أنس والأوزاعي ذهبا إلى أن الاستثناء لا يغني عنه شيئا فالطلاق والعتاق واقعان وعلة أصحاب مالك في هذا أن كل يمين تدخلها الكفارة فإن الاستثناء يعمل فيها وما لا تدخله الكفارة فالاستثناء فيه باطل قال مالك إذا حلف بالمشي إلى بيت الله الحرام واستثنى فإن استثناءه ساقط والحنث فيه لازم انتهى قال الحافظ قال ابن المنذر واختلفوا في وقت الاستثناء فالأكثر على أنه يشترط أن يتصل بالحلف قال مالك إذا سكت أو قطع كلامه فلا ثنيا وقال الشافعي يشترط وصل الاستثناء بالكلام الأول ووصله أن يكون نسقا فإن كان بينهما سكوت انقطع إلا إن كانت سكتة تذكر أو تنفس أوعي أو انقطاع صوت وكذا يقطعه الأخذ في كلام آخر ولخصه ابن الحاجب فقال شرطه الاتصال لفظا أوفي ما في حكمه كقطعه لتنفس أو سعال ونحوه مما لا يمنع الاتصال عرفا ومن الأدلة على اشتراط اتصال الاستثناء بالكلام قوله تعالى لأيوب (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) فإنه لو كان الاستثناء يفيد بعد قطع الكلام لقال استثن لأنه أسهل من التحيل لحل اليمين بالضرب وللزم منه بطلان الإقرارات والطلاق والعتق فيستثنى من أقر أو طلق أو عتق بعد زمان ويرتفع حكم ذلك انتهى هذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري قال المزي في الأطراف أخرج أبو داود في الأيمان والنذور عن أحمد بن حنبل عن سفيانوعن حتى محمد بن عيسى ومسدد كلاهما عن عبد الوارث وحديث محمد بن عيسى ومسدد في رواية ابن العبد وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم
[ 65 ]
(باب ما جاء في يمين النبي صلى الله عليه وسلم ما كانت) (لا ومقلب القلوب) قال العيني لا فيه حذف نحو لا أفعل أو لا أترك والواو فيه للقسم ومعنى مقلب القلوب تقليبه قلب عبده عن إيثار الإيمان إلى إيثار الكفر وعكسه انتهى وقال الحافظ ومقلب القلوب هو المقسم به والمراد بتقليب القلوب تقليب أعراضها وأحوالها لا تقليب ذات القلب وفي الحديث دلالة على أن أعمال القلب من الإرادات والدواعي وسائر الأعراض بخلق الله تعالى وفيه جواز تسمية الله تعالى بما ثبت من صفاته على الوجه الذي يليق به وفي هذا الحديث حجة لمن أوجب الكفارة على من حلف بصفة من صفات الله فحنث ولا نزاع في أصل ذلك وإنما الخلاف في أي صفة تنعقد بها اليمين والتحقيق أنها مختصة بالتي لا يشاركه فيها غيره كمقلب القلوب انتهى هذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري قال المزي في الأطراف أخرج أبو داود أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه سلم يحلف بهذه اليمين لا ومقلب القلوب وفي الأيمان والنذور عن عبد الله بن محمد النفيلي عن ابن المبارك عنه به وهذا الحديث في رواية بن العبد وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم قاله المزي في ترجمة موسى بن عقبة المدني عن نافع عن ابن عمر وقال في ترجمة موسى بن عقبة المدني عن سالم عن ابن عمر حديث كثيرا ما كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يحلف لا ومقلب القلوب أخرجه البخاري في القدر وفي التوحيد وفي الأيمان والنذور والترمذي في الأيمان والنذور والنسائي فيه وابن ماجه في الكفارات ورواه عبد الله بن محمد النفيلي عن ابن المبارك عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر وسيأتي (إذا اجتهد في اليمين) أي بالغ في اليمين (والذي نفس أبي القاسم) أي روحه أو ذاته
[ 66 ]
(بيده) أي يتصرف وتحت قدرته وإرادته هذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري قال المزي في الأطراف حديث عاصم بن شميخ الغيلاني أخرجه أبو داود في الأيمان ولم يذكره أبو القاسم وهو في رواية أبي الحسن وأبي بكر بن داسة (أبي رزمة) بكسر الراء وسكون الزاي (إذا حلف) يعني أحيانا (لا وأستغفر الله) أي أستغفر الله إن كان الأمر على خلاف ذلك وهو وإن لم يكن يمينا لكن شابهه من حيث أنه أكد الكلام وقرره وأعرب عن مخرجه بالكذب فيه وتحرزه عنه فلذلك سماه يمينا قال الطيبي والوجه أن يقال إن الواو في قوله وأستغفر الله للعطف وهو يقتضي معطوفا عليه محذوفا والقرينة لفظة لا لأنها لا تخلو إما أن تكون توطئة للقسم كما في قوله تعالى جل شأنه (لا أقسم) ردا للكلام السابق أو إنشاء قسم وعلى كلا التقديرين المعنى لا أقسم بالله وأستغفر الله ويمكن أن يكون التقدير كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف مقرونة لا وأستغفر الله يعني إذا حلف وبالغ بقوله لا قال وأستغفر الله مما يعلم به الله على خلاف ما وقع مني وصدر عني فإنه ولو لم يكن فيه المؤاخذة لكن حسنات الأبرار سيئات المقربين قاله القاري هذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري قال المزي في الأطراف هذا الحديث أخرجه أبو داود في الأيمان والنذور عن محمد بن عبد العزيز عن زيد بن الحباب وابن ماجه في الكفارات عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حماد بن خالد وعن يعقوب بن حميد عن معن بن عيسى ثلاثتهم عن محمد بن هلال عن أبيه هلال بن أبي هلال المدني مولى بني كعب عن أبي هريرة وحديث أبي داود في رواية أبي الحسن بن العبد وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم
[ 67 ]
(خرج وافدا) قال في النهاية الوفد وهم القوم يجتمعون ويردون البلاد وأحدهم وافد وكذلك الذين يقصدون الأمراء للزيارة والإسترفاد تعالى والإنتجاع فإن وغير ذلك (فذكر) أي لقيط (حديثا فيه) أي في الحديث (لعمر إلهك) هو قسم ببقاء الله ودوامه وهو رفع بالابتداء والخبر محذوف وتقديره لعمر الله قسمي أو ما أقسم به واللام للتوكيد فإن لم تأت باللام نصبته نصب المصادر فقلت عمر الله وعمرك الله أي بإقرارك لله وهو تعميرك له بالبقاء قاله في النهاية لعمر الله بفتح العين المهملة وسكون الميم هو العمر بضم العين ولا يقال في القسم إلا بالفتح وقال الراغب العمر بالضم وبالفتح واحد ولكن خص الحلف بالثاني وقال أبو القاسم الزجاج العمر الحياة فمن قال لعمر الله فكأنه قال أحلف ببقاء الله واللام للتوكيد ومن ثم قالت المالكية والحنفية تنعقد بها اليمين لأن بقاء الله تعالى من صفة ذاته وعن الإمام مالك لا يعجبني الحالف بذلك وقد أخرج إسحاق بن راهوية في مصنفه عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال كانت يمين عثمان بن أبي العاص لعمري وقال الشافعي وإسحاق لا يكون يمينا إلا بالنية وعن أحمد كالمذهبين والراجح عنه كالشافعي وأجابوا عن الآية التي فيها القسم بالعمر بأن الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه وليس ذلك لغيره لثبوت النهي عن الحلف بغير الله تعالى وقد عد الأئمة ذلك في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى أقسم به حيث قال لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون وأيضا فإن اللام ليست من أدوات القسم لأنها محصورة في الواو والباء والتاء وقد تقدم في أواخر الرقاق من حديث لقيط بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر إلهك وكررها وهو عند عبد الله بن أحمد وغيره كذا في الفتح وهذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال المزي في الأطراف حديث قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر إلهك أخرجه أبو داود في الأيمان والنذور عن الحسن بن علي عن إبراهيم بن حمزة عن عبد الملك بن عياش السمعي الأنصاري عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر قال دلهم وحدثنيه أيضا أبي الأسود بن عبد الله عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر خرج وافدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال لقيط فذكره قال المزي هكذا وجدت هذا الحديث في باب لغو اليمين في نسخة ابن كردوس بخطه من رواية أبي سعيد ابن الأعرابي وفي أوله حدثنا أبو داود حدثنا الحسن بن
[ 68 ]
علي وأخشى أن يكون من زيادات ابن الأعرابي فإني لم أجده في باقي الروايات ولم يذكره أبو القاسم وقد وقع فيه وهم في غير موضع رواه غير واحد عن إبراهيم بن حمزة الزبيري عن عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن الحرامي عن عبد الرحمن بن عياش السمعي عن دلهم عن أبيه عن جده عن عمه لقيط بن عامر وعن دلهم عن أبيه عن عاصم بن لقيط عن لقيط وتابعه إبراهيم بن المنذر الحزامي عن عبد الرحمن بن المغيرة انتهى كلام المزي بحروفه قلت وفي النسختين من السنن وجدت هذه العبارة حدثنا الحسن بن علي أخبرنا إبراهيم بن المغيرة الحزامي أخبرنا عبد الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري عن دلهم بن الأسود فذكر نحوه 12 (باب الحنث إذا كان خيرا) (غيلان) بفتح الغين المعجمة وسكون الياء (عن أبى بردة) هو بضم الباء الموحدة وسكون الراء قيل اسمه الحارث وقيل عامر (عن أبيه) هو أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري (إني والله إن شاء الله لا أحلف) اسم إن ياء الإضافة وخبرها قوله لا أحلف إلى آخره والجملتان معترضتان بين اسم إن وخبرها كذا في شرح البخاري للعيني (فأرى) بضم الهمزة وفتح الراء أي فأظن أو بفتح أوله أي فأعلم (غيرها) الضمير يرجع إلى اليمين باعتبار أن المقصود منها المحلوف عليه مثل الخصلة المفعولة أو المتروكة إذ لا معنى لقوله لا أحلف على الحلف (أو قال إلا أتيت الذي) إما شك من الراوي في تقديم أتيت على تقديم كفرت والعكس وإما تنويع من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إشارة إلى جواز تقديم الكفارة على الحنث وتأخيرها وهذا الحديث لم يذكره المنذري في مختصره وقال المزي في الأطراف غيلان بن جرير الأزدي البصري عن أبى بردة عن أبى
[ 69 ]
موسى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الأشعريين نستعمله فقال والله لا أحملكم الحديث وحديث سليمان بن حرب مختصرا إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين الحديث أخرجه البخاري في النذور وفي كفارة الأيمان ومسلم في الأيمان والنذور وأبو داود في الأيمان والنسائي في الأيمان والنذور وابن ماجه في الكفارات انتهى وصنيعه يدل أن الحديث من رواية اللؤلؤي ولذا لم ينسبه لأحد من رواة أبى داود كما هو دأبه والله أعلم (فأت الذي هو خير وكفر يمينك) فيه الحنث قبل الكفارة هذا الحديث لم يذكره المنذري في مختصره وقال المزي في الأطراف حديث عبد الرحمن ابن سمرة أخرجه البخاري في النذور وفي الأحكام وفي الكفارات ومسلم في الأيمان والنذور وأبو داود في الخراج عن محمد بن الصباح عن هشيم عن يونس ومنصور بقصة الإمارة وروي عن يحيى بن خلف عن عبد الأعلى عن سعيد ابن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن وأخرجه الترمذي في الأيمان والنذور والنسائي في القضاء وفي السير انتهى ولفظ البخاري حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل حدثنا جرير بن حازم حدثنا الحسن حدثنا عبد الرحمن بن سمرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير وقال العيني في شرح البخاري والحديث أخرجه البخاري في الأحكام عن حجاج بن منهال وفي الكفارات عن محمد بن عبد الله وأخرجه مسلم في الأيمان عن شيبان بن فروخ وغيره وأخرجه أبو داود في الخراج عن محمد بن الصباح وغيره وأخرجه الترمذي في الأيمان عن محمد بن عبد الأعلى وأخرج النسائي قصة الإمارة في القضاء وفي السير عن مجاهد بن موسى وقصة اليمين في الأيمان عن جماعة آخرين انتهى فالذي يظهر من كلام المزي أن أبا داود ما أخرج هذا الحديث في كتاب الأيمان بل
[ 70 ]
اخرج قصة اليمين مع قصة الإمارة في الخراج كما أخرجه البخاري مع القصتين في كتاب الأيمان والنذور ولكن في نسخة أبى داود التي بأيدينا وقعت القصتان بالسند الواحد مفرقا يعني وقعت قصة الإمارة في باب الخراج ووقعت قصة اليمين في الأيمان والله أعلم (ثم ائت الذي هو خير) قال الخطابي فيه دليل على جواز تقديم الكفارة على الحنث وهو قول أكثر العلم وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وهو مذهب الحسن البصري وابن سيرين وإليه ذهب مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق إلا أن الشافعي قال فإن كفر بالصوم قبل الحنث لم يجزه وإن كفر بالإطعام أجزأه واحتج أصحابه في ذلك بأن الصيام مرتب على الإطعام فلا يجوز إلا مع عدم الأصل كالتيمم لما كان مرتبا على الماء لم يجزه إلا مع عدم الماء وقال أصحاب الرأي لا تجزه الكفارة قبل الحنث على وجه من الوجوه لأنها لا تجب عليه بنفس اليمين وإنما يكون وجوبها بالحنث وأجازوا تقديم الزكاة قبل الحول ولم يجز مالك تقديمها قبل الحول كما جوز تقديم الكفارة قبل الحنث واختارهما الشافعي معا على الوجه الذي ذكرته لك انتهى وقال الحافظ قال ابن المنذر أي ربيعة والأوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي أن الكفارة تجزئ قبل الحنث إلا أن الشافعي استثنى الصيام فقال لا يجزئ إلا بعد الحنث وقال أصحاب الرأي لا تجزئ الكفارة قبل الحنث وقال المازري للكفارة ثلاث حالات أحدها قبل الحلف فلا تجزئ اتفاقا ثانيها بعد الحلف والحنث فتجزئ اتفاقا ثالثها بعد الحلف وقبل الحنث ففيها الخلاف وقد اختلف لفظ الحديث فقدم الكفارة مرة وأخرها أخرى لكن بحرف الواو الذي لا يوجب رتبة قال الحافظ قد ورد في بعض الطرق بلفظ ثم التي تقتضي الترتيب عند أبى داود والنسائي في حديث الباب ولفظ أبى داود من طريق سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن به كفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه لكن أحال بلفظ المتن على ما قبله وأخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق سعيد كأبي داود وأخرجه
[ 71 ]
النسائي من رواية جرير بن حازم عن الحسن مثله لكن أخرجه البخاري ومسلم من رواية جرير بالواو وهو في حديث عائشة عند الحاكم أيضا بلفظ ثم وفي حديث أم سلمة عند الطبراني نحوه ولفظه فليكفر عمر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خيرانتهى النبي وهذا الحديث لم يذكره المنذري في مختصره وسلف تحقيقه من كلام الحافظ المزي وغيره (قال أبو داود أحاديث أبى موسى الخ) قلت حديث أبى موسى أخرجه البخاري ومسلم والمؤلف وحديث عدي عند مسلم وحديث أبى هريرة عند مسلم أيضا والله أعلم باب في القسم هل يكون يمينا (أن أبا بكر أقسم) وهو طرف من الحديث الذي يأتي بعد ذلك (لا تقسم) نهى عن القسم فإن قلت أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بإبرار المقسم فلم ما أبره قلت ذلك مندوب عند عدم المانع فكان له صلى الله تعالى عليه وسلم مانع منه وقال المهلب إبرار المقسم إنما يستحب إذا لم يكن في ذلك ضرر على المحلوف عليه أو على جماعة أهل الدين لأن الذي سكت عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من بيان موضع الخطأ في تعبير الصديق هو عائد على المسلمين انتهى وقال الحافظ قال ابن المنذر اختلف فيمن قال أقسمت بالله أو أقسمت مجردة فقال
[ 72 ]
قوم هي يمين وإن لم يقصد وممن روي ذلك عنه ابن عمر وابن عباس وبه قال النخعي والثوري والكوفيون وقال الأكثرون لا تكون يمينا إلا أن ينوي وقال مالك أقسمت بالله يمين وأقسمت مجردة لا تكون يمينا إلا إن نوى وقال الإمام الشافعي المجردة لا تكون يمينا أصلا ولو نوى وأقسمت بالله إن نوى تكون يمينا انتهى (كتبته) أي هذا الحديث (من كتابه) أي عبد الرازق (فعبرها) أي رؤياه (فقال) أبو بكر (فقال له) أي لأبى بكر (لا تقسم) قال الخطابي فيه مستدل لمن ذهب إلى أن القسم لا يكون يمينا بمجرده حتى يقول أقسمت بالله وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإبرار المقسم فلو كان قوله أقسمت يمينا لأشبه أن يبره وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وقد يستدل به من يرى القسم يمينا على وجه فيقول آخر فيقول لولا أنه يمين ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له لا تقسم وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأصحابه انتهى وقال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه ومنهم من يذكر يه أبا هريرة ومنهم من لا يذكره انتهى (ولم يخبره) أي لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالذي أخطأ فيه وأصاب والحديث سكت عنه المنذري
[ 73 ]
(في الحلف كاذبا متعمدا) (الطالب) أي المدعي (فلم تكن له) أي للطالب (فاستحلف) النبي صلى الله عليه وسلم (المطلوب) أي المدعى عليه (فحلف) أي المطلوب (بالله الذي لا إله إلا هو) أي كاذبا بأن ليس للطالب عندي حق (بلى قد فعلت) أي حلفت كاذبا أو فعلت ما حلفت على عدم فعله قال في فتح الودود الظاهر أنه ألزمه بالدعوى وبطلان اليمين بوحي أو إلهام وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يقضي بالوحي ونحوه أيضا (ولكن قد غفر لك أي إثم الحلف الكاذب ففيه دليل على أن الكبائر تغفر بكلمة التوحيد قاله في فتح الودود (بإخلاص قول لا إله إلا هو) وأخرج أحمد في مسنده عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل فعلت كذا قال لا والذي لا إله إلا هو ما فعلت قال فقال له جبريل عليه السلام قد فعل ولكن الله عزوجل غفر له بقوله لا والذي لا إله إلا هو وأخرج عن ابن عباس قال اختصم إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم رجلان فوقعت اليمين على أحدهما فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عنده شئ قال فنزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال إنه كاذب أن له عنده حقه فأمره أن يعطيه حقه وكفارة يمينه معرفته أن لا إله إلا الله أو شهادته (أنه) صلى الله عليه وسلم (لم يأمره) أي الحالف الكاذب (بالكفارة) وأخرج أحمد من حديث أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس ليس لهن كفارة الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن والفرار يوم الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق ويشهد له ما أخرجه البخاري من حديث ابن عمر وقال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر فذكر الحديث وفيه اليمين الغموس وفيه قلت وما اليمين الغموس قال الذي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب
[ 74 ]
ومعنى قوله ليس لهن كفارة أي لا يمحو الإثم الحاصل بسببهن شي من الطاعات فالظاهر أن هذه الأمور لا كفارة لها إلا التوبة منها ولا توبة في مثل القتل إلا بتسليم النفس للقود فإن قلت قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس وكفارة يمينه أن لا إله إلا الله وهذا يعارض حديث أبى هريرة خمس كما ليس لهن كفارة لأنه قد نفى الكفارة عن الخمس التي من جملتها اليمين الفاجرة في اقتطاع حق وهذا أثبت له كفارة وهي التكلم بكلمة الشهادة ومعرفته لها قلت يجمع بينهما بأن النفي عام والإثبات خاص ذكره الشوكاني قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وفي إسناده عطاء بن السائب وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج له البخاري حديثا مقرونا بأبى بشر (كم الصاع في الكفارة أي كم يكون مقدار الصاع وأي صاع يعتبر في الكفارة (ثم كانت) أي أم حبيب (حدثتنا) أي أم حبيب (عن ابن أخي صفية) قال الحافظ لا يعرف (أنه) أي الصاع الموهوب (قال أنس) أي ابن غياض (فجربته) أي اختبرت الصاع الموهوب (بمد هشام) بن عبد الملك وكان عنده أيضا صاع مثله والحديث سكت عنه المنذري وتقدم بحث الصاع والرطل بما لا مزيد عليه في باب مقدار الماء الذي يجزئ به الغسل فليرجع إليه
[ 75 ]
(حدثنا محمد بن محمد بن خلاد أبو عمر) هو الباهلي (قال كان عندنا) وهذه الرواية ليست في مختصر السنن ولا في عامة نسخ السنن وإنما وجدناها في بعض النسخ الصحيحة وذكرها الحافظ المزي في الأطراف في ترجمة محمد بن محمد الباهلي لكن لم ينسبها لأحد من الرواة (مكوك) قال في النهاية المكوك المد وقيل الصاع والأول أشبهه لأنه جاء في حديث آخر مفسرا بالمد والمكوك اسم للمكيال ويختلف القدارة هو باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد (وكان) أي مكوك خالد (كيلجتين) قال في لسان العرب الكيلجة مكيال والجمع كيالج وكيالجة وسلم أيضا والهاء للعجمة انتهى (عن أمية بن خالد) والحديث ليس من رواية اللؤلؤي وذكره المزي في ترجمة خالد بن عبد الله القسري وقال هو في رواية ابن داسة وغيره (لما ولي خالد) بن عبد الله بن يزيد بن أسد أمير الحجاز ثم الكوفة (القسري) بفتح القاف وسكون المهملة كذا في التقريب (أضعف الصاع فصار الصاع ستة عشر رطلا) وهذا ليس فيه حجة والصحيح أن الصاع خمسة أرطال وثلث رطل فقط والدليل عليه نقل أهل المدينة خلفا عن سلف ولمالك مع أبى يوسف فيه قصة مشهورة والقصة رواها البيهقي بإسناد جيد انتهى وقال العيني في عمدة القاري لما اجتمع أبو يوسف مع مالك في المدينة فوقعت بينهما المناظرة في قدر الصاع فزعم أبو يوسف أنه ثمانية أرطال وقام مالك ودخل بيته وأخرج صاعا وقال هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو يوسف فوجدته خمسة أرطال وثلثا فرجع أبو يوسف إلى قول مالك وخالف صاحبيه انتهى (قتله الزنج) الزنج طائفة من السودان تسكن تحت خط الاستواء وجنوبيه وليس وراءهم عمارة قال بعضهم وتمتد بلادهم من المغرب إلى قرب الحبشة وبعض بلادهم على نيل مصر الواحد زنجي مثل روم ورومي وهو بكسر الزاي والفتح لغة كذا في المصباح (صبرا) قال في النهاية كل من قتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ فإنه مقتول صبرا (فقال بيده) أي أشار أبو داود بيده (قال) أبو داود (ورأيته) أي محمد بن خلاد (فقال) أي محمد (فلم يضرك الوقف) يشبه أن يكون
[ 76 ]
المعنى أي فلم يضرك الوقف بين يدي الزنج صبرا ولم تنقص درجتك عن هذا العمل بل إنما ازداد رفعتك ومنزلتك عند الله تعالى والله أعلم (في الرقبة المؤمنة) أي هذا باب في بيان أن تعتق الرقبة المؤمنة في الكفارة دون غيرها (قال) أي معاوية (صككتها) أي لطمت الجارية (صكة) أي لطمة (فعظم ذلك) أي عد ذلك اللطم عظيما (علي) بتشديد الياء (أفلا أعتقها) أي الجارية من الإعتاق (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ائتني بها) أي بالجارية (قال) معاوية (فجئت بها) أي بالجارية (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين الله) وفي رواية مسلم قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يارسول الله إن جارية لي كانت ترعى غنما لي فجئتها وقد فقدت شاة فسألتها فقالت أكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة أفأعتقها الحديث (قالت) الجارية (في السماء) فيه إثبات أن الله تبارك وتعالى في السماء قال الذهبي في كتاب العلو بإسناده إلى أبى مطيع الحكم بن عبد الله البلخي صاحب الفقه الأكبر قال سألت أبا حنيفة عمن يقول لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقال قد كفر لأن الله تعالى يقول (الرحمن على العرش استوى) وعرشه فوق سماواته فقلت إنه يقول أقول على العرش استوى ولكن قال لا يدري العرش في السماء أو في الأرض قال إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر انتهى إن ويقول الأوزاعي كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله عزوجل فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته أخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في الرد على الجهمية حدثني أبي حدثنا شريح بن النعمان عن عبد الله بن نافع قال قال مالك بن أنس الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شئ وروى يحيى بن يحيى التميمي وجعفر بن عبد الله وطائفة قالوا جاء رجل إلى مالك فقال يا أبا عبد الله (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى قال فما رأيت مالكا وجد من شئ كموجدته من مقالته وعلاه الرحضاء يعني
[ 77 ]
العرق وأطرق القوم فسري عن مالك وقال الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وإني أخاف أن تكون ضالا وأمر به فأخرج انتهى إلا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قالت) الجارية (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اعتقها) أي الجارية (فإنها) أي الجارية (مؤمنة) قال الخطابي قولها عتقها فيه فإنها مؤمنة خرج مخرج التعليل في كون الرقبة مجزية في الكفارات بشرط الإيمان لأن معقولا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره أن يعتقها على سبيل الكفارة عن ضربها ثم اشترط أن تكون مؤمنة فكذلك هي في كل كفارة وقد اختلف الناس في هذا فقال مالك والأوزاعي والشافعي وابن عبيد لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة في شئ من الكفارات وقال أصحاب الرأي يجزيه غير المؤمنة إلا في كفارة القتل وحكي ذلك أيضا عن عطاء انتهى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والنسائي أتم منه (عن الشريد) هو ابن سويد الثقفي (أن أمه) أي الشريد (أوصته) أي الشريد (أن يعتق) أي الشريد (عنها) أي عن أمه (فأتى) أي الشريد (فقال) أي الشريد (نوبية) بالضم بلاد واسعة للسودان بجنوب الصعيد كذا في القاموس ولفظ أحمد من حديث أبى هريرة بجارية صلى سوداء أعجمية (فذكر نحوه) وفي بعض النسخ الصحيحة ساق وقال العبارة قال المنذري وأخرجه النسائي (أرسله) أي حديث أبي سلمة (لم يذكر) أي خالد بن عبد الله (الشريد) الثقفي
[ 78 ]
(عن أبى هريرة أن رجلا) وليس الحديث في مختصر المنذري وأورده المزي في الأطراف ورمز عليه علامة أبى داود فقط ثم قال ولم يذكره أبو القاسم وهو في الرواية انتهى قال الشوكاني والحديث فيه دليل على أنه لا يجزئ في كفارة اليمين إلا رقبة مؤمنة وإن كانت الآية الواردة في كفارة اليمين لم تدل على ذلك لأنه قال تعالى أو تحرير رقبة بخلاف آية كفارة القتل فإنها قيدت بالإيمان قال ابن بطال حمل الجمهور ومنهم الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق المطلق على المقيد كما حملوا المطلق في قوله تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم على المقيد في قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وخالف الكوفيون فقالوا يجوز إعتاق الكافر ووافقهم أبو ثور وابن المنذر واحتج له في كتابه الكبير بأن كفارة القتل مغلظة بخلاف كفارة اليمين ومما يؤيد القول الأول أن المعتق للرقبة المؤمنة آخذ بالأحوط بخلاف المكفر بغير المؤمنة فإنه في شك من براءة الذمة (باب كراهية النذر) (ينهي عن النذر) قال الخطابي معنى نهيه عليه السلام عن النذر إنما هو تأكيد لأمره وتحذير التهاون به بعد إيجابه ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به إذا كان بالنهي عنه قد صار معصية فلا يلزم الوفاء به وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر مما لا يجلب لهم في العاجل نفعا ولا يدفع عنهم ضررا فلا يرد شيئا قضاه الله تعالى يقول لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدره الله لكم أو تصرفون
[ 79 ]
عن أنفسكم شيئا جرى القضاء به عليكم فإذا فعلتم ذلك فاخرجوا عنه بالوفاء به فإن الذي نذرتموه لازم لكم هذا معنى الحديث ووجهه وقوله عليه السلام إنما يستخرج به من البخيل فثبت بذلك وجوب استخراجه من ماله ولو كان غير لازم له لم يجز أن يكره عليه والله أعلم (لا يرد شيئا) قال الخطابي فيه دليل على أن النذر إنما يصح إذا كان معلقا بشئ كما يقول إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بألف درهم وإن قدم غائبي أو سلم مالي في نحو ذلك من الأمور فأما إذا قال علي أن أتصدق بألف درهم فليس هذا بنذر وإلى هذا ذهب الشافعي في أحد قوليه وهو غالب مذهبه وحكي عن أبى العباس أحمد بن يحيى أنه قال النذر وعد بشرط وقال أبو حنيفة النذر لازم وإن لم يعلق بشرط والله أعلم (وإنما يستخرج به) أي بسبب النذر (من البخيل) لأن غير البخيل يعطي باختياره بلا واسطة النذر قال العيني يعني أن من الناس من لا يسمح بالصدقة والصوم إلا إذا نذر شيئا لخوف أو طمع فكأنه لو لم يكن ذلك الشئ الذي طمع فيه أو خافه لم يسمح بإخراج ما قدره الله تعالى ما لم يكن يفعله فهو بخيل انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه انتهى قال المزي في الأطراف حديث عبد الله بن مرة الهمداني الحارثي الكوفى عن ابن عمر أخرجه البخاري في القدر وفي النذر ومسلم في النذور والنسائي فيه وابن ماجه في الكفارات وأبو داود في النذور عن عثمان ابن أبى شيبة عن جرير وعن مسدد عن أبى عوانة عن منصور عن عبد الله بن مرة وحديث مسدد في رواية أبى الحسن بن العبد وأبى بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى كلامه فجرير وأبو عوانة كلاهما يرو ان عن منصور والله أعلم (لا يأتي ابن آدم) منصوب لأنه مفعول (النذر) بالرفع فاعل لا يأتي (القدر) مفعول ثان (بشئ لم أكن قدرته) أي الشئ والجملة صفة لقوله بشئ وهو من الأحاديث القدسية ولكنه ما صرح برفعه إلى الله تعالى (له) أي لابن آدم (ولكن يلقيه) بضم الياء من القاء أي ابن آدم
[ 80 ]
(النذر فاعله (القدر) أي إلى القدر (قدرته) والجملة صفة لقوله القدر (يؤتي) أي يعطي البخيل (عليه) أي على ذلك الأمر الذي بسببه نذر كالشفاء (ما لم يكن بؤتي أنه) أي يعطي البخيل (عليه) أي من قبل النذر وفي رواية لمسلم فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرجه والحديث وجد في بعض النسخ الصحيحة وليس من رواية اللؤلؤي العبد عن أبى داود والعجب من الحافظ المزي فإنه لم يذكره أصلا في الأطراف فإنا راجعنا نسختين من الأطراف فلم نجد فيهما هذا الحديث في ترجمة مالك ابن أنس عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وقال الحافظ في الفتح في باب الوفاء بالنذر تحت قوله في رواية شعيب عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة لم أكن قدرته هذا من الأحاديث القدسية لكن سقط منه التصريح بنسبته إلى الله عزوجل وقد أخرجه أبو داود في رواية ابن العبد عنه من رواية مالك والنسائي وابن ماجه من رواية سفيان الثوري كلاهما عن أبى الزناد وأخرجه مسلم من رواية عمرو بن أبى عمرو عن الأعرج وعند البخاري في أواخر كتاب القدر من طريق همام عن أبى هريرة ولفظهلم وهو يكن قدرته وفي رواية للنسائي لم أقدره عليه وفي رواية ابن ماجه إلا ما قدر له ولكن يغلبه النذر فأقدر له وفي رواية مالك بشئ لم يكن قدر له ولكن يلقيه النذر إلى القدر قدرته وفي رواية مسلم لم يكن الله قدره له وكذا وقع الاختلاف في قوله فيستخرج صلى الله عليه وسلم الله به من البخيل ففي رواية مالك فيستخرج به على البناء لما لم يسم فاعله وكذا في رواية ابن ماجه والنسائي وعبدة ولكنه شئ يستخرج به من البخيل وفي رواية همام ولكن يلقيه النذر وقد قدرته له أستخرج به من البخيل وفي رواية مسلم ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج انتهى كلام الحافظ
[ 81 ]
(باب النذر في المعصية) (أن يطيع الله) كلمة أن مصدرية والإطاعة أعم من أن يكون في واجب أو مستحب (فليطعه) مجزوم لأنه جواب الشرط (فلا يعصه) مجزوم أيضا لأنه جواب الشرط قال الخطابي في هذا بيان أن النذر في المعصية غير لازم وأن صاحبه منهي عن الوفاء به وإذا كان كذلك لم يجب فيه كفارة ولو فيه كفارة لأشبه أن يجزي ذكرها في الحديث وأن يوجد بيانها مقرونا به وهذا على مذهب مالك والشافعي وقال أصحاب الرأي وسفيان الثوري إذا نذر في معصية فكفارته كفارة يمين قال واحتجوا في ذلك بحديث الزهري وقد رواه أبو داود في هذا الباب انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (فسأل) النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه (عنه) عن قيامه في الشمس أو عن اسمه (هذا أبو إسرائيل) أي هو ملقب بذلك وأبو إسرائيل هذا رجل من بني عامر بن لؤي من بطون قريش قال القاضي الظاهر من اللفظ أن المسئول عنه هو اسمه ولذا أجيب بذكر اسمه وأن ما بعده زيادة في الجواب (ولا يتكلم) مطلقا (وليتم) بسكون اللام وكسرها في الجميع (صومه) أي ليكمل صومه وفيه دليل على أن كل شئ يتأذى به الإنسان مما لم يرد بمشروعيته كتاب ولا سنة كالمشي حافيا والجلوس في الشمس ليس من طاعة الله تعالى فلا ينعقد النذر به فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا إسرائيل في هذا الحديث بإتمام الصوم دون غيره وهو محمول على أنه علم أنه لا يشق عليه
[ 82 ]
قال القرطبي في قصة أبى إسرائيل هذا أعظم حجة للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية أو ما لا طاقة فيه قال مالك لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة قال الخطابي قد تضمن نذره نوعين الطاعة والمعصية فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بما كان منها من طاعة وهو الصوم وأن يترك ما ليس بطاعة من القيام في الشمس وترك الكلام وترك الاستظلال بالظل وذلك أن هذه الأمور مشاق تتعب البدن وتؤذيه وليس د في شئ منها قربة إلى الله تعالى وقد وضع عن الأمة الأغلال التي كانت على من قبلهم وتنقلب النذر فيه معصية فلا يلزم الوفاء ولا تجب الكفارة فيه انتهى وقال العيني وإنما أمره بإتمام الصوم لأن الصوم قربة بخلاف أخواته وفيه دليل على أن السكوت عن المباح أو عن ذكر الله ليس بطاعة وكذلك الجلوس في الشمس وفي معناه كل ما يتأذى به الإنسان مما لا طاعة فيه ولا قربة بنص كتاب أو سنة كالجفاء وإنما الطاعة ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم انتهى وفيه دليل أيضا على إبطال ما أحدثته الجهلة المتصوفة من الأشغال الشديدة المحدثة والأعمال الشاقة المنكرة ويزعمون أنها طريقة تزكية أنفاسهم وهذا جهل منهم عن أحكام الشريعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك لنا شيئا إلا بينه فمن أين وجدوها ومن أين أخذوها والله أعلم والحديث أخرجه البخاري وابن ماجه من رأى عليه أي على الناذر (كفارة إذا كان) النذر (في معصية) كما هو مذهب أبى حنيفة وسفيان الثوري وروي ذلك عن أحمد وإسحاق ونقل الترمذي اختلاف الصحابة في ذلك (لا نذر في معصية) وفي رواية مسلم من حديث عمران لا وفاء لنذر في معصية وفي
[ 83 ]
رواية له لا نذر في معصية الله تعالى قال النووي في هذا دليل على أن من نذر معصية كشرب الخمر فنذره باطل لا ينعقد ولا يلزمه كفارة يمين ولا غيرها وبهذا قال مالك والشافعي وجمهور العلماء
[ 84 ]
وقال أحمد تجب فيه كفارة اليمين لحديث عائشة واحتج الجمهور بحديث عمران وأما حديث كفارته يمين فضعيف باتفاف إذا المحدثين انتهى لكن قال الحافظ قلت قد صححه الطحاوي وأبو علي بن السكن فأين الاتفاق انتهى قال السندي لا نذر في معصية ليس
[ 85 ]
معناه أنه لا ينعقد أصلا إذ لا يناسب ذلك قوله وكفارته الخ بل معناه ليس فيه وفاء وهذا هو صريح في بعض الروايات الصحيحة (وكفارته كفارة يمين) قال في المنتقى واحتج به أحمد وإسحاق انتهى وفي المرقاة وبه قال أبو حنيفة وهو حجة على الشافعي قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث لا يصح لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبى سلمة وقال غيره لم يسمعه الزهري من أبي سلمة وإنما سمعه من سليمان بن أرقم وسليمان بن أرقم متروك
[ 86 ]
(حدثنا ابن السرح) قال الحافظ المزي حديث ابن السرح في رواية ابن العبد وابن داسة عنه ولم يذكره أبو القاسم انتهى (في هذا الحديث) أي حديث يونس عن الزهري أنه قال (حدث أبو سلمة) ولم يقل الزهري حدثني أبو سلمة بل إنما روى خبره على سبيل الحكاية من غير سماع منه لهذا الحديث (فدل ذلك) القول المشعر بالتدليس (لم يسمعه من أبى سلمة) لكن في رواية النسائي من طريق هارون بن موسى الفروي حدثنا أبو ضمرة عن يونس عن ابن شهاب قال حدثنا أبو سلمة عن عائشة أن رسول الله قال لا نذر في معصية وكفارتها كفارة اليمين (وقال أحمد بن محمد) المروزي شيخ المؤلف (وتصديق ذلك) أي تدليس الزهري في هذا الحديث (ما حدثنا أيوب يعني ابن سليمان) وسيأتي حديثه بتمامه (أفسدوا علينا هذا الحديث)
[ 87 ]
أي حديث الزهري عن أبى سلمة من جهة إسناده (قيل له) أي لأحمد (و) هل (صح إفساده عندك) من جهة الإسناد وثبت عندك ضعفه (وهل رواه) أي حديث الزهري بزيادة سليمان بن أرقم ويحيى بن أبى كثير بين الزهري وأبى سلمة (غير ابن أبى أويس) أي غير أبى بكر بن أبى أويس عن سليمان بن بلال عن ابن أبى عتيق عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة وسيجئ حديثه فإن رواه غيره أيضا فيعتبر برواية أبى بكر بن أبى أويس ويستدل به على تدليس الزهري في هذا الحديث (قال) أحمد في جوابه (أيوب) مبتدأ وهو اسم كان (أمثل) أي أشبه وهو خبر كان (منه) أي من ابن أبى أويس في الثقة يقال ماثله مماثلة شابهه وماثل فلانا بفلان شبهه به ولا تكون المماثلة إلا بين المتفقين تقول نحوه كنحوه وفقهه كفقهه وإتقانه كإتقانه فقال ويشبه أن يكون المعنى أن تفرد أبي بكر بن أبى أويس لا يضر لأن أبا بكر ثقة روى هذا الحديث وروى عن أبي بكر أيوب بن سليمان أشبه في الثقة عن أبي بكر فهما ثقتان (وقد رواه أيوب) بن سليمان أحد الثقات عن مثله في الثقة وهو أبو بكر بن أبى أويس قلت أما أيوب بن سليمان بن بلال المدني فروى عنه البخاري ووثقه أبو داود فيما رواه الآجرى عنه والدارقطني وابن حبان وأما أبو بكر بن أبى أويس فقد وثقه ابن معين وأبو داود وابن حبان والدارقطني كذا في مقدمة الفتح (عن) أبيه (سليمان بن بلال) المدني (عن ابن أبى عتيق) هو محمد بن أبى عتيق كما في رواية النسائي قال المنذري وأخرجه الترمذي وفي إسناده سليمان بن أرقم قال الإمام أحمد ليس بشئ لا يساوي فلسا وقال البخاري تركوه وتكلم فيه أيضا عمرو بن على والسعدي وأبو داود وأبو زرعة والنسائي وابن حبان والدارقطني وذكر البيهقي حديث عمران بن حصين هذا لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين وقال لا تقوم الحجة بأمثال ذلك انتهى وقال الخطابي في المعالم لو صح هذا الحديث لكان القول به واجبا والمصير إليه لازما إلا أن أهل المعرفة بالحديث زعموا أنه حديث مقلوب وهم فيه سليمان بن أرقم فرواه
[ 88 ]
عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن عائشة فحمله عنه الزهري وأرسله عن أبى سلمة ولم يذكر فيه سليمان بن أرقم ولا يحيى بن أبى كثير وساق الشاهد على ذلك وذكر أيضا حديث عمران بن حصين في هذا وقال إن محمد بن الزبير هو الحنظلي وأبوه مجهول لا يعرف فالحديث من طريق الزهري مقلوب ومن هذه الطريق فيه رجل مجهول والاحتجاج به ساقطا انتهى (قال أحمد بن محمد المروزي) إن سليمان بن أرقم غلط في إسناد هذا الحديث مع كونه ضعيفا (إنما الحديث) المروي في هذا الباب (حديث على بن المبارك) البصري وثقه أبو داود (عن يحيى بن أبى كثير) اليمامي ثقة (عن محمد بن الزبير) الحنظلي البصري قال البخاري منكر الحديث وضعفه ابن معين والنسائي (عن أبيه) الزبير الحنظلي قال الخطابي هو مجهول لا يعرف وقال النسائي في سننه سليمان بن أرقم متروك الحديث وخالفه غير واحد من أصحاب يحيى بن أبى كثير في هذا الحديث ثم قال أخبرنا هناد بن السري عن وكيع عن ابن المبارك وهو علي عن يحيى بن أبى كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن الحصين قال قال رسول الله لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين (أراد) هذه مقولة أبى داود توضح مراد شيخه أحمد ابن محمد المروزي أي يقول أحمد المروزي أن سليمان وهم في هذا الحديث فجعله من رواية أبى سلمة عن عائشة وأما الزهري فرواه حقيقة عن سليمان بن أرقم لكن ترك ذكره لضعفه وأرسله عن أبى سلمة عن عائشة
[ 89 ]
وأجابه العلامة السندي في حاشية النسائي فقال وحديث عائشة في بعض إسناده عن الزهري عن أبى سلمة وفي بعضها حدثنا أبو سلمة وهذا يثبت سماع الزهري عن أبى سلمة وفي بعضها عن سليمان ابن أرقم أن يحيى بن أبى كثير حدثه أنه سمع أبا سلمة وهذا الاختلاف يمكن دفعه باثبا ت سماع الزهري مرة عن سليمان عن يحيى عن أبى سلمة ومرة عن أبى سلمة نفسه وعند ذلك لا قطع لضعفه سيما حديث عقبة وعمران يؤيد الثبوت انتهى (قال أبو داود روى بقية) وقال النسائي أخبرني عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن أبى عمرو وهو الأوزاعي عن يحيى بن أبى كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران ابن الحصين قال قال رسول الله لا نذر في معصية وكفارتها كفارة يمين انتهى (أن تحج حافية) أي ماشية غير لابسة في رجلها شيئا (غير مختمرة) بضم الميم الأولى وكسر الثانية أي غير مغطية رأسها بخمارها قال في المغرب الخمار ما تغطي به المرأة رأسها وقد اختمرت وتخمرت إذا لبست الخمار (فلتختمر) لأن كشف رأسها عورة وهي معصية لا نذر فيها (ولتركب) لعجزها لما سيجئ في رواية عكرمة عن ابن عباس من عدم طاقتها لا سيما مع الحفاء (ولتصم) أي عند العجز عن الهدي أو عن أنواع كفارة اليمين قاله القاري قال الإمام الخطابي وقوله ولتصم ثلاثة أيام فإن الصيام بدل من الهدي خيرت فيه كما يخير قاتل الصيد أن يفدي بمثله إذا كان له مثل وإن شاء قومه وأخرجه إلى المساكين وإن شاء صام بدل كل مد من الطعام يوما وذلك قوله تعالى أو عدل ذلك صياما انتهى قال في السبل ولعل الأمر بصيام ثلاثة أيام لأجل النذر بعدم الاختمار فإنه نذر بمعصية فوجب كفارة يمين وهو من أدلة من يوجب الكفارة في النذر بمعصية إلا أنه ذكر البيهقي أن في إسناده اختلاف وقد ثبت في رواية أبى داود عن ابن عباس بعد قوله فلتركب ولتهد بدنة قيل وهو على
[ 90 ]
شرط الشيخين إلا أنه قال البخاري لا يصح في حديث عقبة بن عامر الأمر بالإهداء فإن صح فكأنه أمر ندب وفي وجهه خفاء انتهى (ثلاثة أيام) أي متوالية إن كان عن كفارة اليمين وإلا فكيف شاءت قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه قال الترمذي حديث حسن انتهى وفي إسناده عبيد الله بن زحر تكلم فيه غير واحد من الأئمة انتهى (أن أبا سعيد الرعيني) براء مضمومة وعين مهملة مصغرا وهو جعثل بن هاعان المصري فقيه صدوق وهذه الرواية وجدت في بعض النسخ قال المزي في الاطراف أبو سعيد الرعيني جعثل بن هاعان مصري عن عقبة بن عامر وحديث مخلد بن خالد في رواية أبى الحسن بن العبد وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم وغير واحد أن عبد الله بن مالك المحصي المصري يروي عن عقبة بن عامر وروى عنه أبو سعيد الرعيني وأن عبد الله بن مالك أبا تميم الجيشاني الرعيني يروي عن عمر بن الخطاب وأبي ذر الغفاري وأبى نضرة الغفاري وروى عنه عبد الله بن هبيرة الحضرمي وغيره وجعلوهما اثنين وهو أولى بالصواب انتهى (نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله) واستدل به على صحة النذر بإتيان البيت الحرام لغير حج ولا عمرة وعن أبي حنيفة إذا لم ينو حجا ولا عمرة لم ينعقد ثم إن نذره راكبا لزمه فلو مشى لزمه دم لتوفر مؤنة الركوب وإن نذر ماشيا لزمه من حيث أحرم إلى أن ينتهي الحج أو العمرة فإن ركب لعذر أجزأه ولزم دم وفي أحد القولين للشافعي مثله واختلف هل يلزمه بدنة أو شاة وإن ركب بلا عذر ألزمه الدم وعن المالكية في العاجز يرجع من قابل فيمشي ما ركب إلا أن يعجز مطلقا فيلزمه الهدي وعن عبد الله بن الزبير لا يلزمه شئ مطلقا كذا في النيل (لتمش ولتركب) فيه أن النذر بالمشي ولو إلى مكان المشي إليه
[ 91 ]
طاعة فإنه لا يجب الوفاء به بل يجوز الركوب لأن المشي نفسه غير طاعة إنما الطاعة الوصول إلى ذلك المكان كالبيت العتيق من غير فرق بين المشي والركوب ولهذا سوغ للنبي الركوب للناذرة بالمشي فكان ذلك دالا على عدم لزوم النذر بالمشي وإن دخل تحت الطاقة قال الحافظ في الفتح وإنما أمر الناذر في حديث أنس أي الآتي أن يركب جزما وأمر أخت عقبة أن تمشي وأن تركب لأن الناذر في حديث أنس كان شيخا ظاهر العجز وأخت عقبة لم توصف بالعجز فكأنه أمرها أن تمشي إن قدرت وتركب إن عجزت انتهى قال النووي حديث أنس محمول على العاجز عن المشي فله الركوب وعليه دم وحديث أخت عقبة معناه تمشي في وقت قدرتها على المشي وتركب إذا عجزت عن المشي أو لحقتها مشقة ظاهرة فتركب وعليها دم وهذا الذي ذكرناه من وجوب الدم في الصورتين هو أرجح القولين للشافعي وبه قال جماعة والقول الثاني لا دم عليه بل يستحب الدم وأما المشي حافيا فلا يلزمه الحفاء بل له لبس النعلين وقد جاء في سنن أبي داود مبينا أنها ركبت للعجز قال إن أختي نذرت أن تحج ماشية وإنها لا تطيق ذلك الحديث انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأخت عقبة هي أم حبان بنت عامر بكسر الحاء المهملة وبعدها باء موحدة أسلمت وبايعت انتهى كلامه (أن تركب) أي للعجز (وتهدي هديا) وأقله شاة وأعلاه بدنة فالشاة كافية والأمر بالبدنة للندب قال القاضي لما كان المشي في الحج من عداد القربات وجب بالنذر والتحق بسائر أعماله التي لا يجوز تركها إلا لمن عجز ويتعلق بتركه الفدية واختلف في الواجب فقال علي رضي الله عنه تجب بدنة وقال بعضهم يجب دم شاة كما مجاوزة الميقات وحملوا الأمر بالبدنة على الاستحباب وهو قول مالك وأظهر قولي الشافعي وقيل لا يجب فيه شئ وإنما أمر بالهدي على وجه الاستحباب دون الوجوب كذا في المرقاة وتقدم بعض بيانه والحديث سكت عنه المنذري
[ 92 ]
(مرها فلتركب) والحديث سكت عنه المنذري (رواه سعيد بن أبي عروبة) عن قتادة عن عكرمة (نحو) أي مقتصرا على قوله فلتركب كما رواه هشام عن قتادة ولم يذكر الهدي كما ذكره همام عن قتادة (و) رواه (خالد عن عكرمة عن النبي) فهذه متابعة لقتادة (نحوه) أي نحو حديث قتادة من طريق هشام بغير ذكر الهدي (أن أخت عقبة بن عامر بمعنى هشام) قال الحافظ المزي حديث ابن عدى في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم واعلم أن حديث خالد عن عكرمة مرسل والله أعلم (أن تحج) من باب نصر (بشقاء أختك) بفتح الشين والمد أي بتعبها أو مشقتها أي لا حاجة لله تعالى به ولا يكون أجر لها بهذا الفعل الشاق عليها (شيئا) أي من الصنع فإنه منزه من الضرر وجلب النفع (فلتحج) بفتح الجيم ويجوز كسرها وضمها أي إذا عجزت عن المشي فلتحج (راكبة) بالنصب على الحال (ولتكفر عن يمينها) قال في المرقاة والظاهر أن المراد بالتكفير كفارة الجناية وهي الهدي أو ما يقوم مقامه من الصوم والحديث سكت عنه المنذري
[ 93 ]
(فلتركب ولتهد) بضم أوله أي لتنحر (بدنة) أي بعيرا أو بقرة عند أبي حنيفة وإبلا عند الشافعي وليس الحديث من رواية اللؤلؤي قال المزي هو في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى قلت وأخرجه الدارمي (حدثنا شعيب بن أيوب) الحديث ليس من رواية اللؤلؤي وقال المزي هو في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم (يهادى) بصيغة المجهول (بين ابنيه) أي يمشي بين ولديه معتمدا عليهما من ضعف (فسأل عنه) ولفظ البخاري ما بال هذا (فقالوا نذر أن يمشي) أي إلى البيت الحرام (هذا نفسه) نصب على المفعولية (وأمره أن يركب) أي لعجزه عن المشي وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة اركب أيها الشيخ فإن الله غني عنك قال ابن الملك عمل بظاهره الشافعي وقال أبو حنيفة وهو أحد قولى الشافعي عليه دم لأنه أدخل نقصا بعد التزامه قال المظهر اختلفوا فيمن نذر بأن يمشي إلى بيت الله تعالى فقال الشافعي يمشي إن أطاق المشي فإن عجز أراق دما وركب وقال أصحاب أبي حنيفة يركب ويريق دما سواء أطاق المشي أو لم يطقه انتهى قال المزي في الأطراف حديث أنس أخرجه البخاري في الحج وفي الأيمان والنذور
[ 94 ]
ومسلم في النذور وأبو داود والترمذي والنسائي في الأيمان والنذور انتهى مختصرا (ورواه عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج) وحديثه أخرج مسلم في النذور وابن ماجه في الكفارات أن النبي أدرك شيخا فذكر قصته (بخزامة في أنفه) بكسر الخاء المعجمة وفتح الزاي المخففة حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز الذي بين منخري البعير يشد بها الزمام ليسهل انقياده إذا كان صعبا (فقطعها) أي الخزامة أي (وأمره) أي القائد أن يقوده بيده وفي رواية النسائي عن ابن جريج التصريح بأنه نذر ذلك والحديث أخرجه البخاري في الحج والنذور وأخرجه النسائي والحديث لم يذكره المنذري لأنه ليس من رواية اللؤلؤي وقال المزي وهو في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس (صل ها هنا) وفيه دليل على أن من نذر بصلاة أو صدقة أو نحوهما في مكان ليس بأفضل من مكان الناذر فإنه لا يجب عليه الوفاء بإيقاع المنذور به في ذلك بل يكون الوفاء بالفعل في مكان الناذر
[ 95 ]
وقد أخرج أحمد عن كردم بن سفيان أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذر نذره في الجاهلية فقال له ألوثن أو لنصب قال لا ولكن لله فقال أوف لله ما جعلت له انحر على بوانة وأوف بنذرك وفي لفظ له قال يارسول الله إني نذرت أن أنحر ببوانة وسيجئ بعد الباب فدل ذلك على أنه يتعين مكان النذر ما لم يكن معصية والجمع بينهما أن المكان لا يتعين حتما بل يجوز فعل المنذور به في غيره فيكون ما هنا بيانا للجواز ويمكن الجمع بأن يتعين مكان النذر إذا كان مساويا للمكان الذي فيه الناذر أو أفضل منه لا إذا كان المكان الذي فيه الناذر فوقه في الفضيلة ويؤيد هذا الجمع ما أخرجه أحمد ومسلم من حديث ابن عباس أن امرأة شكت شكوى فقالت إن شفاني الله تعالى فلأخرجن فلأصلين في بيت المقدس فبرأت ثم تجهزت تريد الخروج فجاءت ميمونة تسلم عليها فأخبرتها بذلك فقالت اجلسي وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة ففي حديث ميمونة من تعليل ما أفتت به ببيان أفضلية المكان الذي فيه الناذرة في الشئ المنذور به وهو الصلاة (شأنك) بالنصب على المفعول به أي ألزم شأنك والمعنى أنت تعلم حالك (إذا) بالتنوين جواب وجزاء أي إذا أبيت أن تصلي هاهنا فافعل ما نذرت به من صلاتك في بيت المقدس والحديث سكت عنه المنذري وأخرجه أيضا الدارمي والبيهقي والحاكم وصححه أيضا الحافظ تقي الدين بن دقيق العيد والله أعلم (حدثنا مخلد بن خالد) قال الحافظ المزي الحديث أخرجه أبو داود في النذور عن مخلد بن خالد عن أبي عاصم وعن أبي العباس العنبري عن روح ابن عبادة كلاهما عن ابن جريج عن يوسف بن الحكم بن أبي سفيان أنه سمع حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف وعمرو بن حنة أخبراه عن عمر بن عبد الرحمن عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انتهى (أنه سمع) أي أن يوسف سمع من حفص بن عمر ومن عمرو بن حنة (وعمر) بضم العين هكذا مضبوط في بعض النسخ وأما في بعض النسخ فعمرو بفتح العين وهو معطوف على قوله حفص (وقال عباس) العنبري شيخ المؤلف في روايته ابن حنة أي عمرو بن حنة وأما مخلد بن
[ 96 ]
خالد شيخه فقال عمرو بغير ذكر اسم أبيه حنة وقال الحافظ في التقريب عمر بن حنة بنون صوابه عمرو انتهى وقال في موضع آخر عمرو بن حنة بالنون الثقيلة ويقال بالتحتانية ويقال فيه عمر مقبول انتهى وقال الذهبي في كتابه المشتبه حية بالتحتانية جماعة وبالنون عمرو بن حنة روى حديثه ابن جريج (أخبراه) الضمير المرفوع إلى حفص وعمرو بن حنة والضمير المنصوب إلى يوسف (بهذا الخبر) أي بخبر جابر بن عبد الله (زاد) أي زاد الراوي في هذا والحديث سكت عنه المنذري وقال الشوكاني وله طرق رجال بعضها ثقات وقد تقرر أن جهالة الصحابي لا تضر (رواه الأنصاري) أي محمد بن عبد الله بن المثنى (فقال جعفر بن عمر) مكان حفص بن عمر (وقال عمرو بن حية) أي بالياء التحتانية وجعله من مسندات عبد الرحمن بن عوف ومن مسندات بعض الصحابة والله أعلم 21 قضاء النذر عن الميت (و عليها نذر لم تقضه) والنذر المذكور وقيل كان صياما وقيل كان عتقا وقيل صدقة وقيل
[ 97 ]
نذرا مطلقا أو كان معينا عند سعد (اقضه عنها) والحديث فيه دليل على قضاء الحقوق الواجبة عن الميت وقد ذهب الجمهور إلى أنه من مات وعليه نذر مالي فإنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص إلا إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث وشرط المالكية والحنفية أن يوصي بذلك مطلقا قال الخطابي في هذا بيان أن النذور التي نذرها الميت والكفارات التي لزمته قبل الموت تقضى من ماله كالديون اللازمة وهذا على مذهب الشافعي وأصحابه وعند أبي حنيفة لا تقضى إلا أن يوصي بها انتهى وقال القسطلاني والجمهور على أن من مات وعليه نذر مالي أنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوصي إلا إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث ويحتمل أن يكون سعد قضى نذر أمه من تركتها إن كان ماليا أو تبرع به انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه انتهى قال في المنتقى الحديث رواه أبو داود والنسائي وهو على شرط الصحيح وقال شارحه حديث ابن عباس في قصة سعد بن عبادة أصله في الصحيحين (أن تصوم عنها) ومن لا يرى الصوم جائزا يأول الحديث بأن المراد الافتداء فإنها إذا افتدت فقد أدت الصوم عنها وهو تأويل بعيد جدا وأحمد ابن حنبل جوز الصوم في النذر والقول القديم للشافعي جوازه مطلقا ورجحه محققو أصحابه بأن الأوفق للدليل قاله القسطلاني وفي النيل والحديث فيه دليل على أنه يصوم الولي عن الميت إذا مات وعليه صوم أي صوم كان وبه قال أصحاب الحديث وجماعة من محدثي الشافعية وأبو ثور ونقل البيهقي عن الشافعي أنه علق القول على صحة الحديث وقد صح وبه قال الأوزاعي وأحمد والشافعي في أحد قوليه
[ 98 ]
قال البيهقي في الخلافيات هذه السنة ثابتة لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها والجمهور على أن صوم الولي عن الميت ليس بواجب وتعقب بأن بعض أهل الظاهر يقول بوجوبه وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد إلى أنه لا يصام عن الميت مطلقا وقال الليث وإسحاق وأبو عبيد إنه لا يصام عنه إلا النذر انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي (بوليدة) أي جارية (وتركت) أي أمي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (قد وجب) أي ثبت (ورجعت) الوليدة (نحو حديث عمرو) أي ابن عون المتقدم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي بعض طرق مسلم عن سليمان بن بريدة وفي بعض طرق النسائي عن ابن بريدة ولم يسمه وقال النسائي والصواب حديث عبد الله بن بريدة ما جاء فيمن مات وعليه صيام صام عنه وليه (فدين الله أحق يقضى) وفيه دليل على أن الصوم يقضي عن الميت سواء كان الصوم عن فرض أو عن نذر
[ 99 ]
قال المزي في الأطراف حديث مسدد في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى وحديث ابن عباس هذا أخرجه الشيخان عنه أن امرأة قالت يارسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر فأصوم عنها فقال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك (عن عروة عن عائشة) والحديث تقدم في الصوم وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وهذا الحديث في الأيمان والنذور في رواية ابن العبد كما في بعض نسخ الأطراف للمزي والله أعلم ما يؤمر به الخ (على رأسك) أي أقدامك أو عند قدومك (بالدف) بضم فتشديد (قال أوفي بنذرك) وأخرجه الترمذي في المناقب عن علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن ابن بريدة عن أبيه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يارسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب بين يديك بالدف الحديث وقال حديث حسن صحيح غريب ورواه ابن حبان في صحيحه وقال فيه أن أضرب على رأسك بالدف فقال صلى الله عليه وسلم إن كنت نذرت فافعلي وإلا فلا قالت بل نذرت فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت فضربت بالدف انتهى
[ 100 ]
قال ابن القطان في كتابه عندي أنه ضعيف لضعف علي بن حسين بن واقد قال أبو حاتم ضعيف وقال العقيلي كان مرجيا ولكن قد رواه غيره كما رواه ابن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب عن حسين بن واقد به وزاد فضربت فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل عمر وهي تضرب فألقت الدف وجلست عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأحسب الشيطان يفرق منك يا عمر قال وهذا حديث صحيح قاله الزيلعي قال الخطابي ضرب الدف ليس مما يعد في باب الطاعات التي يتعلق بها النذور وأحسن حاله أن يكون من باب المباح غير أنه لما اتصل بإظهار الفرح لسلامة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من بعض غزواته وكانت فيه مساءة الكفار وإرغام المنافقين صار فعله كبعض القرب ولهذا استحب ضرب الدف في النكاح لما فيه من إظهاره والخروج به عن معنى السفاح الذي لا يظهر ومما يشبه هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء الكفار اهجوا قريشا فإنه أشد عليهم من رشق النبل (كذا وكذا) كنايات عن التعيين (مكان) بالرفع أي هو أي المكان المعين مكان (كان يذبح فيه أهل الجاهلية) وكان ذلك المكان موضع ذبحهم (قال) صلى الله عليه وسلم (لصنم) أي كان يذبح أهل الجاهلية في ذلك المكان لصنم (قال) صلى الله عليه وسلم (لوثن) بفتح الواو والثاء المثلثة المفتوحة قال الإمام ابن الأثير في النهاية الفرق بين الوثن والصنم أن الوثن كل ماله جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي تعمل وتنصب فتعبد والصنم الصورة بلا جثة ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين وقد يطلق الوثن على غير الصورة ومنه حديث عدى بن حاتم قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال لي الق هذا الوثن عنك انتهى قال المنذري وقد تقدم الكلام على حديث عمرو بن شعيب (ثابت بن الضحاك) صحابي مشهور (ببوانة) بضم الموحدة وبعد الألف نون وقيل
[ 101 ]
بفتح الباء هضبة من وراء ينبع كذا في النهاية وكذا نقله الشوكاني عن المنذري وقال في التلخيص موضع بين الشام وديار بكر قاله أبو عبيدة وقال البغوي أسفل مكة دون يلملم انتهى (من أوثان الجاهلية يعبد) بصيغة المجهول (لا وفاء لنذر في معصية الله) استدل به على أنه يصح النذر في المباح لأنه لما نفى النذر في المعصية بقي ما عداه ثابتا فإن قلت قد أخرج أحمد وأبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى وهذا يدل على أن النذر لا ينعقد في المباح قلت أجاب البيهقي بأنه يمكن أن يقال إن من قسم المباح ما قد يصير بالقصد مندوبا كالنوم في القائلة للتقوى على قيام الليل وأكلة السحر للتقوي على صيام النهار فيمكن أن يقال إن إظهار الفرح بعود النبي صلى الله عليه وسلم سالما معنى مقصود يحصل به الثواب والحديث سكت عنه المنذري (بنت كردم) بفتح الكاف والدال (أبده بصري) من البدد يقال أبد يده أي مدها إلى الأرض وأبد العطاء بينهم أي أعطي كلا منهم بدته أي نصيبه وقال في النهاية في حديث حنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبد يده إلى الأرض فأخذ قبضة أي مدها وفي حديث وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فأبد بصره إلى السواك كأنه أعطاه بدته من النظر أي حظه وفي حديث ابن عباس دخلت على عمر وهو يبدني ثنا النظر انتهى وقال الخطابي قوله أبده بصري معناه أتبعه بصري وألزمه إياه لا أقطعه عنه يقال أبد فلان فلانا بصره وأباده بصره
[ 102 ]
بمعنى واحد (درة) بكسر الدال وتشديد الراء السوط يضرب به (الكتاب) بضم الكاف وتشديد التاء جمع الكاتب وموضع التعليم كذا في كتب اللغة (الطبطبية) بفتح المهملتين وسكون الموحدة الأولى وكسر الثانية وبعدها ياء مشددة قيل هما كناية عن الدرة فإنها إذا ضربت بها حكت صوت طبطب به وهي بالنصب على التحذير قال الخطابي والطبطبة هذا حكاية عن وقع الأقدام والحديث فيه دليل على أن من نذر طعاما أو ذبحا بمكة أو في غيرها من البلدان لم يجز أن يجعله لفقراء غير ذلك المكان وهذا على مذهب الشافعي وأجازه غيره لغير أهل ذلك المكان انتهى وتقدم ضبط هذا اللفظ وغيره الواقع في هذه الرواية في كتاب النكاح في باب تزويج من لم يولد فليرجع إليه (فأقر له) أي اعترف برسالته (في عقبة) بعين مهملة وقاف مفتوحة (من الثنايا) قال أصحاب اللغة العقبة مرقى صعب من الجبال والطريق في أعلى الجبال والثنية طريق العقبة وجمعه ثنايا والحديث ليس في رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وإنما هو من رواية ابن داسة ولذا أورده الخطابي في المعالم ولم يذكره المزي في الأطراف وأخرجه ابن ماجه في الكفارات بمعناه وتقدم هذا الإسناد بعينه في باب تزويج من لم يولد وساق فيه بعض مضمون هذا الحديث لكن ليس هناك قصة النذر بل هناك قصة التزويج والله أعلم (حدثنا محمد بن بشار) الحديث ليس في رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وإنما وجد في بعض النسخ الصحيحة وأيضا لم يذكره المزي في الأطراف وقال الذهبي في تجريد أسماء الصحابة كردم بن سفيان الثقفي روت عنه بنته ميمونة وعبد الله بن عمرو بن العاص انتهى وفي الإصابة قال البخاري وابن السكن وابن حبان له صحبه وأخرج أحمد
[ 103 ]
من طريق ميمونة بنت كردم عن أبيها أنه سأل رسول الله عن نذر نذره في الجاهلية فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أو لوثن أو لنصب قال لا ولكن لله قال أوف بنذرك وأخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه فقال عن ميمونة أن أباها لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي رديفة له فقال إني نذرت فذكر الحديث وأخرجه أحمد والبغوي مطولا ولفظه قال إني كنت نذرت في الجاهلية أن أذبح على بوانة عدة من الغنم فذكر القصة انتهى النذر فيما لا يملك (قال كانت العضباء) بفتح العين وسكون الضاد اسم ناقة هو علم لها منقول من قولهم ناقة عضباء أي مشقوقة الأذن ولم تكن مشقوقة الأذن وقال بعضهم إنها كانت مشقوقة الأذن والأولى أكثر وقال الزمخشري هو منقول من قولهم ناقة عضباء وهي القصيرة اليد كذا في النهاية (وكانت) العضباء (من سوابق الحاج) أي من النوق التي تسبق الحاج (فأسر) بصيغة المجهول أي الرجل ولفظ مسلم كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء الحديث (وهو) أي الرجل (علام) أي على أي ذنب وكان أصله على ما (قال) صلى الله عليه وسلم (نأخذك بجريرة) بفتح الجيم وكسر الراء المهملة معناه الذنب والجناية (حلفائك) جمع حليف قال الإمام الخطابي اختلفوا في تأويله فقال بعضهم هذا يدل على
[ 104 ]
أنهم عاهدوا بني عقيل على أن لا يعرضوا للمسلين ولا لأحد من حلفائهم فنقض حلفاؤهم العهد ولم ينكره بنو عقيل فأخذوا بجريرتهم وقال آخرون هذا رجل كافر لا عهد له وقد يجوز أخذه وأسره وقتله فإن جاز أن يؤخذ بجريرة نفسه وهي كفره جاز أن يؤخذ بجريرة غيره ممن كان على مثل حاله من حليف وغيره ويحكى معنى هذا عن الشافعي وفيه وجه ثالث وهو أن يكون في الكلام إضمار يريد أنك إنما إخذت ليدفع بك جريرة حلفائك فيفدى بك الأسيرين الذين أسرتهم ثقيف ألا تراه يقول ففودي الرجل بعد بالرجلين انتهى كلام الخطابي (وأنا مسلم) قال الخطابي ثم لم يخله النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك لكنه رده إلى دار الكفر فإنه يتأول على أنه قد كان أطلعه الله على كذبه وأعلم أنه تكلم به على التقية دون الإخلاص ألا تراه يقول هذه حاجتك حين قال إني جائع فأطعمني وإني ظمان فاسقني وليس هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قال الكافر إني مسلم قبل إسلامه ووكلت سريرته إلى ربه تعالى وقد انقطع الوحي وانسد باب علم الغيب انتهى (قال) صلى الله عليه وسلم (لو قلتها) أي هذه الكلمة (وأنت تملك أمرك) قال الخطابي يريد أنك لو تكلمت بكلمة الإسلام طائعا راغبا فيه قبل الإسار أفلحت في الدنيا بالخلاص من الرق وأفلحت ثم في الآخرة بالنجاة من النار انتهى وقال النووي معناه لو قلت كلمة الإسلام قبل الأسر حين كنت مالك أمرك أفلحت كل الفلاح لأنه لا يجوز أسرك لو أسلمت قبل الأسر فكنت فزت بالإسلام وبالسلامة من الأسر ومن اغتنام مالك وأما إذا أسلمت بعد الأسر فيسقط الخيار في قتلك ويبقى الخيار بين الاسترقاق والمن والفداء وفي هذا الحديث جواز المفاداة وأن إسلام الأسير لا يسقط حق الغانمين منه بخلاف ما لو أسلم قبل الأسر وليس في هذا الحديث أنه حين أسلم وفادى به رجع إلى دار الكفر ولو ثبت
[ 105 ]
رجوعه إلى دارهم وهو قادر على إظهار دينه لقوة شوكة أو نحو ذلك لم يحرم ذلك فلا إشكال في الحديث وقد استشكله المازري وقال كيف يرد المسلم إلى دار الكفر وهذا الإشكال باطل مردود بما ذكرته انتهى (على سرح المدينة) بفتح السين وسكون الراء المال السائم (امرأة من المسلمين) فكانت المرأة في الوثاق كما عند مسلم (في أفنيتهم) جمع فناء (فنوموا ليلة) بصيغة المجهول أي ألقي عليهم النوم ولفظ مسلم وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ (إلا رغا) الرغاء صوت الإبل وأرغى الناس للرحيل أي حملوا رواحلهم على الرغاء وهذا دأب الإبل عند رفع الأحمال عليها كذا في النهاية (مجرسة) بضم الميم وفتح الجيم والراء المشددة قال النووي المجرسة والذلول كله بمعنى واحد انتهى وفي النهاية ناقة مجرس أي مجربة مدربة في الركوب والسير والمجرس رسول من الناس الذي قد جرب الأمور وخبرها انتهى وفي هذا الحديث جواز سفر المرأة وحدها بلا زوج ولا محرم ولا غيرهما إذا كان سفر ضرورة كالهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام وكالهرب ممن يريد منها فاحشة ونحو ذلك والنهي عن سفرها وحدها محمول على غير الضرورة (عرفت) بصيغة المجهول وعند مسلم فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولا فيما لا يملك ابن ادم) قال الخطابي وفيه دليل على أن المسلم إذا حاز الكافر ماله ثم ظفر
[ 106 ]
به المسلمون فإنه يرد إلى صاحبه المسلم ولا يغنمه أحد ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للمرأة لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم انتهى وقال النووي في هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أن الكفار إذا غنموا مالا للمسلم لا يملكونه وقال أبو حنيفة وآخرون يملكون إذا أجازوه إلى دار الحرب وحجة الشافعي وموافقيه هذا الحديث وموضع الدلالة منه ظاهر انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي بطوله وأخرج الترمذي منه طرفا وأخرج النسائي وابن ماجه منه طرفا انتهى قال الحافظ المزي أخرج أبو داود في النذور عن سليمان بن حرب ومحمد ابن عيسى الطباع كلاهما عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عبد الله بن زيد عن عمه أبي المهلب عن عمران بن حصين وأخرج عن محمد بن عيسى عن إسماعيل بن علية عن أيوب نحوه وحديث محمد بن عيسى عن إسماعيل بن علية في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى قلت حديث محمد بن عيسى عن إسماعيل بن علية عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران ليس في النسخ التي بأيدينا من نذر أن يتصدق بماله هل ينفذ ذلك إذا نجزه أو علقه ويلزمه التصدق بجميع ماله واستشكل إيراد حديث كعب في النذور لأن كعبا لم يصرح بلفظ النذر ولا بمعناه والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر في صدور النذر منه وإنما الظاهر أنه يؤكد أمر توبته بالتصدق بجميع ماله شكر لله تعالى على ما أنعم به عليه ويمكن أن يقال بأن المناسبة للترجمة أن معنى الترجمة أن من تصدق بجميع ماله إذا تاب من ذنب أو إذا نذر هل ينفذ ذلك إذا نجزه أو علقه وقصة كعب هذه على التنجيز لكن كعب بن مالك لم يصدر منه تنجيز وإنما أستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشير عليه بإمساك البعض فالأولى لمن أراد أن ينجز التصدق بجميع ماله أو يعلقه أن يمسك بعضه ولا يلزم من ذلك أنه
[ 107 ]
لو نجزه لم ينفذ قاله الحافظ (وكان) عبد الله (قائد كعب) أبيه (من) بين (بنيه حين عمي) وكان بنوه أربعة عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعبيد الله (إن من) شكر (توبتي أن أنخلع) أي أن أعرى (من مالي) كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه (صدقة إلى الله وإلى رسوله) إلى بمعنى اللام أي صدقة خالصة لله ورسوله أو تتعلق بصفة مقدرة أي صدقة واصلة إلى الله أي إلى ثوابه وجزائه وإلى رسوله أي إلى رضاه وحكمه وتصرفه (أمسك) بكسر المهملة (فهو خير لك) واختلف في هذه المسألة فقيل يلزمه الثلث إذا نذر التصدق بجميع ماله وقيل يلزمه جميع ماله وقيل إن علقه بصفة فالقياس إخراجه كله قاله الإمام أبو حنيفة وقيل إن كان نذر تبرر كإن شفى الله مريضي لزمه كله وإن كان لجاجا وغضبا فهو بالخيار بين أن يفي بذلك كله أو يكفر كفارة يمين وهو قول الشافعي قاله القسطلاني وسيجئ كلام الزرقاني فيه قال المنذري وأخرجه النسائي أيضا مختصرا وأخرجه البخاري ومسلم في الحديث الطويل (حدثنا أحمد بن صالح) قال المزي حديث أحمد بن صالح في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى والحديث لم يذكره المنذري (حدثني عبيد الله بن عمر) القواريري والحديث لم يذكره المنذري وقال المزي حديث القواريري في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى (أن أهجر) وعند مالك في الموطأ في باب جامع الإيمان أن أبا لبابة بن عبد المنذر حين تاب الله عليه قال
[ 108 ]
يا رسول الله أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأجاورك أي في مسجدك أو أسكن ببيت بجوارك (صدقة) ولفظ الموطأ وأنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله أي يصرفها في وجوه البر (يجزي عنك الثلث) ولفظ الموطأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزيك من ذلك الثلث انتهى والحديث فيه دليل على أن الناذر لا يلزمه التصدق بجميع ماله قال مالك في الذي يقول مالي في سبيل الله ثم يحنث قال يجعل ثلث ماله في سبيل الله وذلك للذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أبي لبابة انتهى كلام مالك في الموطأ قال الزرقاني وإليه ذهب ابن المسيب والزهري وقال الشافعي وأحمد عليه كفارة يمين وقال أبو حنيفة عليه إخراج ماله كله ولا يترك إلا ما يواري عورته وبقومه فإذا أفاد قيمته أخرجه قال ابن عبد البر أظنه جعله كالمفلس يقسم ماله بين غرمائه ويترك ما لا بد منه حتى يستفيد فيؤدي إليهم انتهى وأطال الزرقاني الكلام في قصة توبة أبي لبابة فليرجع إليه (حدثنا محمد بن المتوكل) الحديث ليس في مختصر المنذري وقال المزي حديث أبي داود عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وأبو لبابة إني أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله صدقة قال يجزي عنك الثلث أخرجه في النذور عن عبيد الله بن عمر عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن كعب بن مالك به وعن محمد بن المتوكل العسقلاني عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك قال كان أبو لبابة فذكره والقصة لأبي لبابة قال رواه يونس عن ابن شهاب عن بعض بني السائب بن أبي لبابة ورواه محمد بن الوليد الزبيدي عن ابن شهاب فقال عن حسين بن السائب بن أبي لبابة مثله وهذا الحديث في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى بحروفه وحديث أبي لبابة أورده الحافظ في الفتح وعزاه إلى أبي داود وسكت عنه
[ 109 ]
(عن حسين بن السائب بن أبي لبابة مثله) وحديث حسين أخرجه أحمد في مسنده عن الحسين بن السائب بن أبي لبابة أن أبا لبابة بن عبد المنذر لما تاب الله عليه قال يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي وأساكنك وأن أنخلع من مالي صدقة لله عزوجل ولرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزي عنك الثلث وهذا الحديث أورده في الفتح وسكت عنه
[ 110 ]
(في قصته) أي قصة كعب بن مالك (قال) صلى الله عليه وسلم (لا) أي لا تفعل هكذا (فنصفه) أي فأتصدق نصفه وفي فتح الباري ونيل الأوطار وقد اختلف السلف فيمن نذر أن يتصدق بجميع ماله على عشرة مذاهب الأول أنه يلزمه الثلث فقط لهذا الحديث قاله مالك ونوزع في أن كعبا لم يصرح بلفظ النذر ولا بمعناه بل يحتمل أنه نجز النذر ويحتمل أن يكون أراده فاستأذ والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر في صدور النذر منه وعند الكثير من العلماء وجوب الوفاء ممن التزم أن يتصدق بجميع ماله إذا كان على سبيل القربة وقبل إن كان مليا لزمه وإن كان فقيرا فعليه كفارة يمين وهذا قول الليث ووافقه ابن وهب وزاد وإن كان متوسطا يخرج قدر زكاة ماله والأخير عن أبي حنيفة وهو قول ربيعة وأطال الكلام في ذكر المذاهب وإذا تقرر ذلك فقد دل حديث كعب أنه يشرع لمن أراد التصدق بجميع ماله أن يمسك بعضه ولا يلزم من ذلك أنه لو نجزه لم ينفذ وقيل إن التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال فمن كان قويا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يمنع وعليه يتنزل فعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإيثار الأنصار على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن لم يكن كذلك فلا وعليه يتنزل لا صدقة إلا عن ظهر غنى وفي لفظ أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى والله أعلم قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه انتهى قلت ها هنا صرح بالتحديث فيكون حديثه حجة (نذر الجاهلية الخ) (إني نذرت في الجاهلية) أي الحال التي كنت عليها قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين وغير ذلك ولفظ ابن ماجه نذرت نذرا في الجاهلية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم
[ 111 ]
بعد ما أسلمت فأمرني أن أوفي بنذري (أن أعتكف) أي الاعتكاف (في المسجد الحرام) حول الكعبة ولم يكن إذ ذاك جدار يحوط عليها قاله القسطلاني (ليلة) لا يعارضه رواية يوما لأن اليوم يطلق على مطلق الزمان ليلا كان أو نهارا أو أن النذر كان ليوم وليلة ولكن يكتفي بذكر أحدهما من ذكر آخر فرواية يوم أي بليلته ورواية ليلة أي مع يومها على الأول يكون حجة على من شرط الصوم في الاعتكاف لأن الليل ليس محلا للصوم (أوف بنذرك) وفي رواية للبخاري فاعتكف وفيه دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الإمام الشافعي وعند أكثر العلماء لا ينعقد النذر من الكافر وحديث عمر حجة عليهم وقد أجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف أن عمر قد تبرع بفعل ذلك أذن له به لأن الاعتكاف طاعة ولا يخفى ما في هذا الجواب من مخالفة الصواب وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء استحبابا لا وجوبا ويرد بأن هذا الجواب لا يصلح لمن ادعى عدم الانعقاد قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وقد وقع في الصحيح أيضا أن أعتكف يوما انتهى (من نذر نذرا لم يسمه) أي لم يعينه (كفارة النذر كفارة اليمين) أي قال لله علي نذر ولم يسم فكفارته كفارة يمين ولفظ الترمذي من هذا الوجه كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين انتهى وفي حديث ابن عباس من نذر نذرا لم يسمه ويأتي في آخر الباب وقال النووي اختلف العلماء في المراد فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج وهو أن يقول إنسان يريد لامتناع من كلام زيد مثلا إن كلمت
[ 112 ]
زيدا مثلا فلله علي حجة أو غيرها فيكلمه فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين ما التزمه هذا هو الصحيح في مذهب الشافعي وحمله مالك وكثيرون على النذر المطلق كقوله على نذر وحمله أحمد وبعض أصحاب الشافعي على نذر المعصية كمن نذر أن يشرب الخمر وحمله جماعة من فقهاء أصحاب الحديث على جميع أنواع النذر وقالوا هو مخير في جميع المنذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة يمين انتهى وسيجئ كلام الشوكاني معه قال المنذري وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني انتهى والحديث أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح غريب (رواه عمر بن الحارث) وحديثه عند النسائي من طريق أحمد بن يحيى والحارث بن مسكين عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كفارة النذر كفارة اليمين وأخرجه مسلم حديث عمرو بن الحارث بزيادة لفظ أبي الخير بين عبد الرحمن بن شماسة وعقبة بن عامر (حدثنا محمد بن عوف) والحديث أخرجه مسلم والنسائي من حديث عبد الرحمن ابن شماسة والله أعلم (لغو اليمين) اللغو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره ولغو اليمين الساقط الذي لا يعتد به في الأيمان قال الله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم أي لا يعاقبكم بلغو اليمين الذي
[ 113 ]
يحلفه أحدكم من غير قصد للحلف نحو لا والله بلى والله (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (هو) أي اللغو في اليمين (كلام الرجل في بيته) أي لم يكن صادرا عن عقد قلب وإنما جرى به اللسان على سبيل العادة (كلا والله وبلى والله) فيه دليل على أن اللغو من الأيمان ما لا يكون عن قصد الحلف وإنما جرى على اللسان من غير إرادة الحلف وإلى تفسير اللغو بهذا ذهب الشافعي ونقله ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما من الصحابة وجماعة من التابعين وأخرج البخاري موقوفا على عائشة قالت قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو أنزل في قوله لا والله وبلى والله وتفسير عائشة هذا أقرب لأنها شهدت التنزيل فهي أعلم غيرها وهي عارفة بلغة العرب وذهب الحنفية إلى أن لغو اليمين أن يحلف على الشئ يظن صدقه فينكشف خلافه وبه قال ربيعة ومالك ومكحول والأوزاعي والليث وعن أحمد روايتان وذهب طاوس إلى أنها لحلف وهو غضبان وفي ذلك تفسير آخر لا يقوم عليها دليل وعن عطاء والشعبي وطاوس والحسن وأبي قلابة لا والله وبلى والله لغة من لغات العرب لا يراد بها اليمين وهي من صلة الكلام كذا في الفتح والسبل والحديث سكت عنه المنذري وأخرجه أيضا البيهقي وابن حبان وصحح الدارقطني وقفه ورواه البخاري والشافعي ومالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة موقوفا ورواه الشافعي من حديث عطاء موقوفا (إبراهيم) بن ميمون المروزي (الصائغ) بالفارسية ذركر ولا هو أحد الثقات وثقه ابن معين (قتله أبو مسلم) عبد الرحمن بن مسلم الخراساني القائم بدعوة العباسية قال ابن خلكان قتل في دولته ستمائة ألف صبرا فقيل لعبد الله بن المبارك أبا مسلم خير أو الحجاج قال لا أقول إن أبا مسلم كان خيرا من أحد ولكن الحجاج كان شرا منه وقتل إبراهيم ابن ميمون سنة إحدى وثلاثين ومائة وتوفي أبو مسلم الخراساني الظالم مقتولا في سنة سبع وثلاثين ومائة والله أعلم (بعرندس) بالعين المهملة المفتوحة وبعدها راء مهملة مفتوحة كذا في النسخ قال أهل اللغة العرندس الأسد العظيم والنون والسين زائدتان انتهى وفي بعض النسخ الفرندس لم بالفاء قبل
[ 114 ]
الراء ولم يظهر لي معناه (قال) أبو داود (وكان) أي إبراهيم الصائغ (إذا رفع المطرقة) بكسر الميم آلة من حديد ونحوه يضرب بها الحديد ونحوه (فسمع) إبراهيم (النداء) أي الأذان للصلاة (سيبها) أي ترك إبراهيم المطرقة تهيأ للصلاة وهذا ثناء من المؤلف لإبراهيم من أن عمله كان لا يشغله عن ذكر الله تعالى بل لما سمع الأذان ترك العمل بالمطرقة والله أعلم (عن عائشة موقوفا) الحاصل أنه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم في رفعه ووقفه والله أعلم (باب فيمن حلف الخ) فأكل بعد ذلك هل يكفر (حدثنا إسماعيل) بن علية (عن الجريري) بضم الجيم مصغرا هو سعيد بن أبي إياس (عن أبي عثمان) عبد الرحمن ابن مل النهدي (أو عن أبي السليل) هو ضريب بالتصغير آخره موحدة ابن نقير أبو السليل بفتح المهملة وكسر اللام القيسي الجريري (عنه) أي عن أبي عثمان (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق والشك من مؤمل أو من إسماعيل بن علية يروي إسماعيل عن الجريري عن أبي عثمان عبد الرحمن بن أبي بكر أو يروي عن الجريري عن أبي السليل عن أبي عثمان عن عبد الرحمن بزيادة واسطة أبي السليل بين أبي عثمان وعبد الرحمن بن أبي بكر وأعلم أن هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه في ثلاثة مواضع وليس فيه واسطة أبي السليل الأول حدثنا في كتاب الصلاة في باب السمر مع الأهل والضيف حدثنا أبو النعمان حدثنا معتمر بن سليمان حدثنا أبي حدثنا أبو عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر والثاني في علامات النبوة حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا معتمر عن أبيه حدثنا أبو عثمان أنه حدثه عبد الرحمن بن أبي بكر والثالث في كتاب الأدب باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف حدثنا عياش بن
[ 115 ]
الوليد حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد الجريري عن أبي عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر فذكر الحديث وكذا ليست الواسطة في رواية مسلم وحديثه في كتاب الأطعمة وكذا ليست في السند الثاني لأبي داود (نزل بنا أضياف) أي من أصحاب الصفة فعند البخاري أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربع فخامس أو سادس وأن أبا بكر جاء بثلاثة (يتحدث) أي يتكلم ويمكث للحديث معه (لا أرجعن إليك الخ) وفي رواية البخاري أني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأفرغ من قراهم قبل أن أجئ (ومن قراهم) بكسر القاف أي من ضيافتهم (قالوا مكانك) أي منزلتك وقربك من النبي صلى الله عليه وسلم أو كونك رئيس البيت قاله السندي رحمه الله (لا أطعمه الليلة) لأنه اشتد عليه تأخير عشائهم (ما رأيت في الشر كالليلة) أي لم أر ليلة مثل هذه الليلة في الشر (فأخبرت) بصيغة المجهول (قال) صلى الله عليه وسلم (بل أنت أبرهم وأصدقهم) وفي رواية لمسلم فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله بروا وحنثت قال فأخبره فقال بل أنت أبرهم وأخيرهم انتهى والمعنى بروا في أيمانهم وحنثت في يميني فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أنت أبرهم أي أكثرهم طاعة وخير منهم وأصدقهم لأنك حنثت في يمينك حنثا مندوبا إليه محثوثا عليه فأنت أفضل منهم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه أتم منه (حدثنا ابن المثنى) هو محمد (وعبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي (نحوه) وساق مسلم بتمامه من هذا الوجه (زاد) أي محمد بن المثنى (عن سالم) ابن نوح دون عبد الأعلى
[ 116 ]
(ولم يبلغني كفارة) قال النووي يعني لم يبلغني أنه كفر قبل الحنث فأما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه لقوله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وكفر عن يمينه وهذا نص في عين المسألة مع عموم قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بمن عقدتم الأيمان فكفارته إطعام انتهى اليمين في قطيعة الرحم (أحدهما صاحبه أي أخاه المصاحب المشارك في الميراث (القسمة) أي في النخيل والعقار أو الدرهم والدينار (فقال) أي الآخر (إن عدت) بضم أوله أي رجعت (فكل مالي) بإضافة المال إلى ياء المتكلم أي فكل شئ لي من الملك (في رتاج الكعبة) بكسر أوله أي مصالحها أو زينتها قال في النهاية الرتاج الباب وفي هذا الحديث الكعبة لأنه أراد أن ماله هدي إلى الكعبة لا إلى بابها فكني بالباب لأنه منه يدخل (وكلم أخاك) أي في عودة إلى سؤال القسمة
[ 117 ]
(لا يمين عليك) أي على مثلك والمعنى لا يجب إلزام هذه اليمين عليك وأنما عليك الكفارة قال الطيبي أي سمعت ما يؤدي معناه إلى قولي لك لا يمين عليك يعني لا يجب الوفاء بما نذرت وسمي النذر يمينا لما يلزم من اليمين وفي شرح السنة اختلفوا في النذر إذا خرج مخرج اليمين مثل أن قال إن كلمت فلانا فلله علي عتق رقبة وإن دخلت الدار فلله علي صوم أو صلاة فهذا نذر خرج مخرج اليمين لأنه قصد به منع نفسه عن الفعل كالحالف يقصد بيمينه منع نفسه عن الفعل فذهب أكثر الصحابة ومن بعدهم إلى أنه إذا فعل ذلك الفعل يجب عليه كفارة اليمين كما لو حنث في يمينه وإليه ذهب الشافعي ويدل عليه هذا الحديث وغيره وقيل عليه الوفاء بما التزمه قياسا على سائر النذور انتهى (ولا نذر في معصية الرب) أي لا وفاء في هذا النذر (وفي قطيعة الرحم) وهو تخصيص بعد تعميم قال المنذري سعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر فهو منقطع وعمرو بن شعيب قد مضى الكلام عليه انتهى وفي الموطأ مالك عن أيوب بن موسى عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه عن عائشة أم المؤمنين أنها سئلت عن رجل قال مالي في رتاج الكعبة فقالت عائشة تكفره ما يكفر اليمين انتهى (لا نذر إلا فيما يبتغي به وجه الله) الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره لمنذري وأنما وجد في بعض النسخ الصحيحة وقال في المنتقى وعن عمرو بن شعيب عن بيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى رواه أحمد وأبو داود في رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى أعرابي قائما في الشمس وهو يخطب فقال ما شأنك قال نذرت يارسول الله أن لا أزال في الشمس حتى تفرغ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هذا نذرا إنما النذر ما ابتغى به وجه الله رواه أحمد انتهى وفي النيل حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا البيهقي وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وقد أخرجه بلفظ أحمد
[ 118 ]
الطبراني قال في مجمع الزوائد فيه عبد الله بن نافع المدني وهو ضعيف ولم يكن في إسناد أبي داود لأنه أخرجه عن أحمد بن عبدة الضبي عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده انتهى وقال المزي حديث لا طلاق فيما لا يملك الحديث بطوله وفيه النذر واليمين في قطيعة الرحم أخرجه أبو داود في الطلاق وابن ماجه فيه وأخرجه أبو داود في النذور عن أحمد بن عبدة الضبي عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو وحديث أحمد بن عبدة في رواية ابن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى (فإن تركها كفارتها) قال السندي ظاهره أنه لا حاجة إلى الكفارة لكن المشهور بين العلماء الموجود في غالب الحديث هو الكفارة فيمكن أن يقال في الكلام تقدير العبارة والتقدير فيكفر فإن تركها موجب كفارتها انتهى وقال المحدث محمد إسحاق الدهلوي فإن تركها كفارتها أي كفارة ارتكاب يمين على الشريعني ابن إثم ارتكابها يرتفع عن تركها أما لزوم كفارة الحنث فهو أمر آخر لازم عليه انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وقد تقدم الكلام على اختلاف الأئمة في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب وذكر أبو بكر البيهقي أن حديث عمرو هذا لم يثبت وأن حديث أبي هريرة فليأت الذي هو خير فهو كفارة لم يثبت انتهى (قال أبو داود الأحاديث) الصحاح (كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم) في كفارة الأيمان (وليكفر عن يمينه)
[ 119 ]
فالكفارة بعد الحنث هي ثابتة وإسقاط الكفارة بعده لم يثبت وإليه أشار بقوله (إلا فيما) في حديث الذي (لا يعبأ به) أي لا يعتبر به من جهة الإسناد ففيه إسقاط الكفارة ولا عبرة به ولا يحتج بمثله وكذلك قال البيهقي إن حديث عمرو هذا لم يثبت وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ورواته لا بأس بهم لكن اختلف في سند على عمرو انتهى (روى يحيى بن سعيد) القطان (عن يحيى بن عبيد الله) بن موهب التميمي عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ فليأت الذي هو خير فهو كفارة (فقال) أحمد (تركه) أي ترك يحيى القطان رواية الحديث عن يحيى بن عبيد فلم يرو عنه (وكان أهلا لذلك) يشبه أن يكون المعنى أي كان يحيى القطان عارفا بالرجال ناقدا للرواة فله أن يترك من لم يرض به فهو أهل لذلك (قال أحمد أحاديثه) أي يحيى بن عبيد الله (مناكير وأبوه) عبيد الله بن موهب (لا يعرف) مجهول قال الذهبي في الميزان يحيى بن عبيد الله بن موهب التميمي عن أبيه عن أبي هريرة بأحاديث وعنه يحيى القطان وطائفة وثقه القطان وقال شعبة رأيته يصلي صلاة لا يقيمها فتركت حديثه وقال ابن معين ليس بشئ وقال ابن المثنى حدث عنه يحيى القطان ثم تركه وقال أحمد أحاديثه مناكير وقال مرة ليس بثقة وقال ابن عيينة ضعيف وقال الجوزجاني هو كوفي وأبوه لا يعرف وأحاديثه من أحاديث أهل الصدق انتهى الحالف يستثنى بعد ما يتكلم قوله وفي بعض النسخ الاستثناء في اليمين بعد السكوت انتهى والاستثناء في الاصطلاح إخراج بعض ما تناوله اللفظ بإلا وأخواتها ويطلق أيضا على التعاليق على المشيئة وهو المراد بهذه الترجمة والفرق بين ما تقدم من باب الاستثناء في اليمين وبين هذا الباب أن الباب الأول في حكم الاستثناء في اليمين مطلقا وهذا في بيان استثناء اليمين بعد السكوت من
[ 120 ]
المستثنى منه أو بعد الفصل بكلام آخر وبوب البيهقي في السنن باب الحالف يسكت بين يمينه واستثنائه بسكتة يسيرة وانقطاع صوت أو أخذ نفس وذكر فيه هذا الحديث أي والله لأغزون قريشا ثم ذكر أثر ابن عباس أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد حين انتهى (ثم قال إن شاء الله) وهذا من أحاديثه الفعلية وأما من أحاديثه القولية فمنها ما أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يميني فقال إن شاء الله لم يحنث وعند أصحاب السنن عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه وهذه الأحاديث فيها دليل على أن التقييد بمشيئة الله تعالى مانع من انعقاد اليمين أو يحل انعقادها وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء وادعى عليه ابن العربي الإجماع قال أجمع المسلمون على أن قوله إن شاء الله يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلا قال ولو جاز منفصلا كما روى بعض السلف لم يحنث أحد قط في يمين ولم يحتج إلى كفارة قال واختلفوا في الاتصال فقال مالك والأوزاعي والشافعي والجمهور وهو أن يكون قوله إن شاء الله متصلا باليمين من غير سكوت بينهما ولا يضر سكتة النفس وقال طاوس والحسن وجماعة من التابعين إن له الاستثناء ما لم يقم من مجلسه وقال قتادة ما لم يقم أو يتكلم وقال عطاء قدر حلبة ناقة وقال سعيد ابن جبير يصح بعد أربعة أشهر و عن ابن عباس له الاستثناء أبدا ولا فرق بين الحلف بالله أو بالطلاق أو العتاق أن التقييد بالمشيئة يمنع الانعقاد وإلى ذلك ذهب الجمهور وبعضهم فصل واستثنى أحمد العتاق قال لحديث إذا قال أنت طالق إن شاء الله لم تطلق وإن قال لعبده أنت حر إن شاء الله فإنه حر وهذا الحديث أخرجه البيهقي في سننه وقال تفرد به حميد بن مالك وهو مجهول وقد بسط
[ 121 ]
الكلام الحافظ في الفتح والشوكاني في النيل آخذا منه والحديث سكت عنه المنذري (وقد أسند هذا الحديث غير واحد) قال الزيلعي في نصب الراية رواه ابن حبان في صحيحه مسندا وأخرجه أبو يعلى في مسنده عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس وعن مسعر بن كدام عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا ثم سكت ساعة ثم قال إن شاء الله قال ابن حبان في كتاب الضعفاء هذا حديث رواه شريك ومسعر فأسنداه مرة وأرسلاه أخرى وأخرجه ابن عدي في الكامل عن عبد الواحد بن صفوان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ أبي يعلى سواء وذكره ابن القطان في كتابه من جهة ابن عدي ثم قال وعبد الواحد هذا ليس حديثه بشئ والصحيح مرسل انتهى وقد رواه البيهقي موصولا ومرسلا قال ابن أبي حاتم في العلل الأشبه إرساله انتهى ويدل على اشتراط الاتصال ما أخرجه الدارقطني في سننه عن سالم عن ابن عمر قال كل استثناء غير موصول فصاحبه حانث وفيه عمر بن مدرك وهو ضعيف وفي المعرفة للبيهقي وروى سالم عن ابن عمر أنه قال كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه وكل استثناء غير موصول فصاحبه حانث وأخرج الطبراني في معجمه عن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى واذكر ربك إذا نسيت قال إذا شئت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا أن نستثني إلا بصلة اليمين ومما يدل على عدم اشتراط الاتصال ما رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري في حديث طويل قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة (هي غزوة ذات الرقاع) بني أنمار قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقال ماله ضرب الله عنقه قال فسمعه الرجل فقال يارسول الله في سبيل الله فقال صلى الله عليه وسلم في سبيل الله قال فقتل الرجل في سبيل الله قال الزيلعي وهذا الرجل لم يسم في الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم قال في سبيل الله بعد قول الرجل إياها دليل على أن الانفصال غير قاطع انتهى وقال الحافظ في الدراية وقصة العباس في قوله إلا الإذخر من هذا الوادي انتهى (ثم سكت) أي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقيد هذا السكوت بالعذر بل ظاهره السكوت اختيارا
[ 122 ]
إلا اضطرارا فيدل على جواز ذلك كذا في النيل وتقدم من رواية ابن حبان ثم سكت ساعة ثم قال إن شاء الله قال السندي ثم قال إن شاء الله بعد سكوت وهو مقتضى كلمة ثم أيضا لكونها للتراخي وبهذا يقول ابن عباس في الاستثناء المنفصل وجمهور الحنفية على اشتراط الاتصال وحمل هذا الحديث على أن سكوته كان لمانع وإلا فكيف يسكت وقد قال الله تعالى ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله انتهى قلت وزيادة البحث في هذا الباب في المطولات لا أطيل الكلام بذكره والحديث سكت عنه المنذري (ثم لم يغزهم) وفيه دليل واضح على أن من حلف بمشيئة الله فلم يفعله لا يحنث لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلف على غزوة قريش ثم قال إن شاء الله ولم يغزهم والله أعلم (باب من نذر نذرا لا يطيقه) (من نذر نذرا لم يسمه) أي الناذر بأن قال نذرت نذرا أو على نذر ولم يعين النذر أنه صوم أو غيره وفيه دليل على أن كفارة اليمين إنما تجب فيما كان من النذور غير مسمى قال النووي اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث فجعله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج فهو مخير بين الوفاء بالنذر أو الكفارة وحمله مالك وكثيرون على النذر المطلق كقوله على نذر وحمله جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذر وقالوا هو مخير في جميع أنواع المنذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة اليمين انتهى قال الشوكاني والظاهر اختصاص الحديث بالنذر الذي لم يسم لأن حمل المطلق على القيد واجب وأما النذور المساة إن كانت طاعة فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها
[ 123 ]
سواء كانت متعلقة بالبدن أو بالمال وإن كانت معصية لم يجز الوفاء بها ولا ينعقد ولا يلزم فيها الكفارة وإن كانت مباحة مقدورة فالظاهر الانعقاد ولزوم الكفارة لوقوع الأمر بها في قصة الناذرة بالمشي وإن كانت غير مقدورة ففيها الكفارة لعموم ومن نذر نذرا لم يطقه هذا خلاصة ما يستفاد من الأحاديث الصحيحة انتهى وكلامه هذا حسن جدا (ومن نذر نذرا لا يطيقه) كحمل جبل أو رفع حمل أو المشي إلى بيت الله ونحوه (فليف به) أمر غائب من وفى يفي والمعنى فليف به أو ليكفر وإنما اقتصر على الأول لأن البر في اليمين أولى إلا إذا كانت معصية قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي حديث إسناد ابن ماجه من لا يعتمد عليه وليس فيه ومن نذر نذرا في معصية انتهى (أوقفوه) أي أوقف هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد على عبد الله بن عباس ولم يرفعوه وأما طلحة بن يحيى الأنصاري فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
[ 124 ]
اول كتاب البيوع البيع لغة مبادلة المال بالمال وكذا في الشرع لكن زيد فيه قيد التراضي وإنما جمعه دلالة على اختلاف أنواعه والحكمة في شرعية البيع أن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبا وصاحبه قد لا يبذله ففي شرعية البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج (باب في التجارة إلخ (عن قيس بن أبي غرزة) بمعجمة وراء وزاي مفتوحتين غفاري صحابي نزل الكوفة (نسمى) بصيغة المجهول (السماسرة) بالنصب على أنه مفعول ثان وهو بفتح السين الأولى وكسر الثانية جمع سمسار قال في النهاية السمسار القيم بالأمر الحافظ له وهو اسم الذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطا مضاء البيع والسمسرة البيع والشراء انتهى (فسمانا باسم هو أحسن منه) أي من اسمنا الأول قال أبو سليمان الخطابي السمسار أعجمي وكان كثير ممن يعالج البيع والشراء فيهم عجما فتلقوا هذا الإسم عنهم فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التجارة التي هي من الأسماء العربية وذلك معنى قوله فسمانا باسم هو أحسن منه انتهى (إن البيع يحضره اللغو) أي غالبا وهو من الكلام ما لا يعتد به وقيل هو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغو وهو صوت العصافير ذكر الطيبي قال القاري والظاهر أن المراد منه ما لا يعنيه وما لا طائل تحته وما لا ينفعه في دينه ودنياه انتهى (والحلف) أي إكثاره أو الكاذب منه (فشوبوه) بضم أوله أي اخلطوا ما ذكر من اللغو والحلف قاله القاري ويحتمل أن يرجع
[ 125 ]
الضمير المنصوب إلى البيع (بالصدقة) فإنها تطفئ غضب الرب قال الخطابي وقد احتج بهذا الحديث بعض أهل الظاهر ممن لا يرى الزكاة في أموال التجارة وقال إنه لو كان يجب فيها صدقة كما يجب في سائر الأموال لأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها ولم يقتصر على قوله فشوبوه بالصدقة أو شئ من الصدقة وليس فيما ذكروه دليل على ما ادعوه لأنه أمرهم في هذا الحديث بشئ من الصدقة غير معلوم المقدار في تضاعيف الأيام من الأوقات ليكون كفارة عن اللغو والحلف فأما الصدقة التي هي ربع العشر الواجب عند تمام الحول فقد وقع البيان فيها من غير هذه الجهة وقد روى سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم أن يخرجوا الصدقة عن الأموال التي يعدونها للبيع وذكره أبو داود في كتاب الزكاة ثم هو عمل الأمة وإجماع أهل العلم انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح وقال ولا نعرف لقيس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا وأخرج له أبو القاسم البغوي هذا الحديث وقال لا أعلم ابن أبي غرزة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره هذا اخر كلامه وقد روي عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن التجار هم الفجار إلا من بر وصدق فمنهم من يجعلهما حديثين انتهى كلام المنذري (في استخراج المعادن جمع معدن قال في القاموس كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه انتهى
[ 126 ]
(أو تأتيني بحميل) أي ضامن (فتحمل) أي تكفل (فأتاه) الضمير المرف له للغريم والمنصوب للنبي صلى الله عليه وسلم (قال لا حاجة لنا فيها ليس فيها خير) قال الخطابي أما رده الذهب الذي استخرجه من المعدن وقوله لا حاجة لنا الخ فيشبه أن يكون ذلك لسبب علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه خاصة لا من جهة أن الذهب المستخرج لا يباح تموله وتملكه فإن عامة الذهب والورق مستخرجه من المعادن وقد أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال ابن الحارث المعادن القبلية وكانوا يؤدون عنها الحق وهو عمل المسلمين وعليه أمر الناس إلى اليوم وقد يحتمل أن يكون ذلك من أجل أن أصحاب المعادن يبيعون ترابها ممن يعالجه فيحصل ما فيه من ذهب أو فضة وهو غرر لا يدري هل يوجد فيه شئ منهما أو لا وقد كره بيع تراب المعادن جماعة من العلماء منهم عطاء والشعبي وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وفيه وجه اخر وهو أن معنى قوله لا حاجة لنا فيه ليس فيها خير أي ليس فيها رواج ولا لحاجتنا فيها نجاح وذلك أن الدين الذي كان تحمله عنه دنانير مضروبة والذي جاء به تبر غير مضروب وليس بحضرته من يضربه دنانير وإنما كان تحمل إليهم الدنانير من بلاد الروم فأول من وضع السكة في الإسلام وضرب الدنانير عبد الملك بن مروان فهي تدعي المروانية إلى هذا الزمان وفيه وجه آخر وهو أن يكون إنما كرهه لما يقع فيه من الشبهة ويدخله من الغرر عند استخراجهم إياه من المعدن وذلك أنهم استخرجوا بالعشر أو الخمس أو الثلث فما يصيبونه وهو غرر لا يدري هل يصيب العامل فيه شيئا أم لا فكان ذلك بمنزلة العقد على رد العبد الآبق والبعير الشارد لأنه لا يدري هل يظفر بهما أم لا وفي هذا الحديث إثبات الحمالة والضمان وفيه إثبات ملازمة الغريم ومنعه من التصرف حتى يخرج من الحق الذي عليه انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه
[ 127 ]
باب في اجتناب الشبهات (إن الحلال بين) أي واضح لا يخفى حله (وإن الحرام بين) أي لا يخفى حرمته وفيه تقسيم للأحكام إلى ثلاثة أشياء وهو تقسيم صحيح لأن الشئ إما أن ينص الشارع على طلبه مع الوعيد على تركه أو ينص على تركه مع الوعيد على فعله أو لا ينص على واحد منهما فالأول الحلال البين والثاني الحرام البين والثالث المشتبه لخفائه فلا يدرى أحلال هو أم حرام وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لأنه إن كان في نفس الأمر حراما فقد برئ من التبعة وإن كان حلالا فقد استحق الأجر على الترك لهذا القصد لأن الأصل مختلف فيه حظرا وإباحة وهذا التقسيم قد وافق قول من قال إن المباح والمكروه من المشبهات كذا في النيل وقال النووي الحلال بين والحرام بين معناه أن الأشياء ثلاثة أقسام حلال بين واضح لا يخفى حله كالخبز والفواكه والزيت وغير ذلك من المطعومات وكذلك الكلام والنظر والمشي من التصرفات فيها حلال بين واضح لا شك في حله وأما الحرام البين فكالخمر والخنزير والميتة والبول وكذلك الزنا والكذب والغيبة وأشباه ذلك (وبينهما أمور متشابهات) وفي بعض النسخ مشتبهات من باب الإفتعال وفي بعضها مشبهات من باب التفعيل وقال النووي وأما المشبهات فمعناه أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك وأطال النووي فيه الكلام (أحيانا) ظرف مقدم ليقول أي يقول في بعض الأوقات (مشتبهة) أي مكان متشابهات (وسأضرب لكم في ذلك مثلا) أي سأبين لإيضاح حكم تلك الأمور مثالا (إن الله حمى حمى) بكسر الحاء وفتح الميم هو ما يحميه الإمام لمواشيه ويمنع الغير (يوشك) بكسر الشين المعجمة أي يقرب (أن يخالطه) أي يقع في الحمى شبه المكلف
[ 128 ]
بالراعي والنفس البهيمية بالأنعام والمشبهات بهما حول الحمى والمعاصي بالحمى وتناوله المشبهات بالرتع حول الحمى فهو تشبيه بالمحسوس الذي لا يخفى حاله ووجه التشبيه حصول العقاب بعدم الاحتراز في ذلك كما أن الراعي إذا جره رعيه حول الحمى إلى وقوعه استحق العقاب لذلك فكذا من أكثر من الشبهات وتعرض لمقدماتها ذلك وقع في الحرام فاستحق العقاب ذكره القسطلاني (الريبة) أي الأمر المشتبه والمشكوك (أن يجسر) بالجيم من الجسارة أي على الوقوع في الحرام وفي بعض النسخ يخسر بالخاء المعجمة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس) قال الخطابي أي أنها تشتبه على بعض الناس دون بعض وليس أنها في ذوات أنفسها مشتبهة لا بيان لها في جملة أصول الشريعة فإن الله سبحانه لم يترك شيئا يجب له فيه حكم إلا وقد جعل فيه له بيانا ونصب عليه دليلا ولكن البيان ضربان بيان جلي يعرفه عامة الناس وخفي لا يعرفه إلا الخاص من العلماء قال والدليل على صحة ما قلنا قوله عليه السلام لا يعلمها كثير وقد عقل ببيان فحواه أن بعض الناس يعرفونها وإن كانوا قليل العدد وإذا صار معلوما عند بعضهم فليس بمشبه في نفسه انتهى مختصرا (فمن اتقى الشبهات) أي اجتنب عن الأمور المشتبهة قبل ظهور حكم الشرع فيها (استبرأ دينه وعرضه) يعني بالغ في براءة دينه من أن يختل بالمحارم وعرضه من أن يتهم بترك الورع والسين فيه للمبالغة كما قال صاحب الكشاف في قوله تعالى فمن كان غنيا فليستعفف استعف أبلغ من عف كأنه طالب زيادة العفة كذا قال ابن الملك في شرح المشارق (وقع في الحرام) يعني يوشك أن يقع فيه لأنه حول حريمه
[ 129 ]
(إلا أكل الربا) قال القاري بصيغة الفاعل أو الماضي والمستثنى صفة لأحد والمستثنى منه محذوف والتقدير ولا يبقى أحد منهم له وصف إلا وصف كونه آكل الربا فهو كناية عن انتشاره في الناس بحيث أنه يأكله كل أحد (من بخاره) أي يصل إليه أثره بأن يكون شاهدا في عقد الربا أو كاتبا أو آكلا من ضيافة أكله أو هديته والمعنى أنه لو فرض أن أحدا سلم من حقيقته لم يسلم من آثاره وإن قلت جدا قاله القاري قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه والحسن لم يسمع من أبي هريرة فهو منقطع (في جنازة) بكسر الجيم وفتحها (يوصي الحافر) أي الذي يحفر القبر (أوسع) أمر مخاطب للحافر (من قبل رجليه) بكسر القاف وفتح الباء أي من جانبهما (فلما رجع) أي عن المقبرة (استقبله) أي النبي صلى الله عليه وسلم (داعي امرأة) كذا في النسخ الحاضرة وفي المشكاة داعي امرأته بالإضافة إلى الضمير قال القاري أي زوجة المتوفي (فوضع) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يده) أي في الطعام (يلوك لقمة) أي يمضغها واللوك إدارة الشئ في الفم (إلى البقيع) بالموحدة وفي بعض النسخ بالنون ولفظ المشكاة إلى النقيع وهو موضع يباع فيه الغنم قال القاري النقيع بالنون والتفسير مدرج من بعض الرواة وفي المقدمة النقيع موضع بشرق المدينة وقال في التهذيب هو في صدر وادي العقيق على نحو عشرين ميلا من
[ 130 ]
المدينة قال الخطابي أخطأ من قال بالموحدة انتهى (أن أرسل إلي بها) أي بالشاة المشتراة لنفسه (بثمنها) أي الذي اشتراها به (فلم يوجد) أي الجار (فأرسلت) أي المرأة (إلي بها) أي بالشاة فظهر أن شراءها غير صحيح لأن إذن زوجته ورضاها غير صحيح وهو يقارب بيع الفضولي المتوقف على إجازة صاحبه وعلى كل فالشبهة قوية والمباشرة غير مرضية (أطعميه) أي هذا الطعام (الأسارى) جمع أسير والغالب أنه فقير وقال الطيبي وهم كفا وذلك أنه لما لم يوجد صاحب الشاة ليستحلوا محمد منه وكان الطعام في صدد الفساد ولم يكن بد من إطعام هؤلاء فأمر بإطعامهم انتهى والحديث سكت عنه المنذري باب في أكل الربا وموكله (أكل الربا) أي أخذه وإن لم يأكل وإنما خص بالأكل لأنه أعظم أنواع الانتفاع (وموكله) بهمز ويبدل أي معطيه لمن يأخذه (وشاهده وكاتبه) قال النووي فيه تصريح بتحريم كتابة المترابيين والشهادة عليهما وبتحريم الإعانة على الباطل قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح وأخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله بتمامه ومن حديث علقمة عن عبد الله بن مسعود في أكل الربا وموكله فقط وأخرج البخاري من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وعن ثمن الدم ونهى عن الواشمة والموشومة وأكل الربا وموكله ولعن المصور
[ 131 ]
5 في وضع الربا (موضوع) قال النووي المراد بالوضع الرد والإبطال (لا تظلمون ولا تظلمون) الأول معروف والثاني مجهول (دم الحارث بن عبد المطلب الخ) قال الخطابي هكذا روى أبو داود وإنما هو في سائر الروايات دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وحدثني عبد الله بن محمد المكي قال حدثنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال أخبرني ابن الكلبي أن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب لم يقتل وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمن عمر وإنما قتل ابن له صغير في الجاهلية فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه فيما أهدر ونسب الدم إليه لأن ولي الدم انتهى وفي الحديث أن ما أدركه الإسلام من أحكام الجاهلية فإنه يلقاه بالرد والتنكير وأن الكافر إذا أربى في كفره ثم لم يقبض المال حتى أسلم فإنه يأخذ رأس ماله ويضع الربا فأما ما كان قد مضى من أحكامهم فإن الإسلام يلقاه بالعفو فلا يعترض لهم في ذلك قاله الخطابي قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح وهذا مذكور في حديث جابر بن عبد الله الطويل وقد أخرجه مسلم وأبو داود بنحوه
[ 132 ]
6 (باب في كراهية اليمين في البيع (الحلف) بفتح المهملة وكسر اللام اليمين الكاذبة قاله السيوطي (منفقة) بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه وكذا ممحقة (للسلعة) بالكسر أي مظنة وسبب لنفاقها (النفاق ضد الفساد) أي رواجها في ظن الحالف (ممحقة للبركة) أي ظنة للمحق وهو النقص والمحو والإبطال وقال القاري أي سبب ذهاب بركة المكسوب إما بتلف يلحقه في ماله أو بانفاقه في غير ما يعود نفعه إليه في العاجل أو ثوابه في اجل أو بقي عنده وحرم نفعه أو ورثه من لا يحمده وروي بضم الميم وكسر ثالثه انتهى (وقال ابن السرح للكسب) أي مكان للسلعة (وقال) أي ابن السرح في حديثه سعيد بن المسيب وصرح باسم ابن المسيب قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (7 في الرجحان في الوزن والوزن بالأجر) (ومخرفة) بالفاء وفي بعض النسخ مخرمة بالميم مكان الفاء قال القاري بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة فراء ثم فاء ويقال بالميم والصحيح الأول كذا في الاستيعاب انتهى (بزا) بتشديد الزاي أي ثيابا (من هجر) بفتحتين موضع قريب من المدينة وهو مصروف وفي المغرب البز ضرب من الثياب (فأتينا به) أي بذلك البز
[ 133 ]
المجلوب (مكة) أي إليها (يمشي) حال أي جاءنا ماشيا (وثم) بفتح المثلثة أي هناك (يزن) أي الثمن (بالأجر) أي الأجرة (فقال له) أي للرجل (زن) بكسر الزاي أي تمنه (وارجح) بفتح الهمزة وكسر الجيم وفي القاموس رجح الميزان يرجح مثلثة رجوحا ورجحانا مال وأرجح له ورجح أعطاه راجحا قال الخطابي فيه دليل على جواز أخذ الأجرة على الوزن والكيل وفي معناهما أجرة القسام والحاسب وكان سعيد بن المسيب ينهى عن أجرة القسام وكرهها أحمد بن حنبل فكان في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وأمره إياه به كالدليل على أن وزن الثمن على المشتري وإذا كان الوزن عليه لأن الإيفاء يلزمه فقد دل على أن أجرة الوزان عليه وإذا كان ذلك على المشتري فقياسه في السلعة المبيعة أن يكون على البائع انتهى قال السيوطي ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى السراويل ولم يلبسها وفي الهدى لابن القيم الجوزي أنه لبسها فقيل إنه سبق قلم لكن في مسند أبي يعلى والمعجم الأوسط للطبراني بسند ضعيف عن أبي هريرة قال دخلت يوما السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم قلت يارسول الله وإنك لتلبس السروايل فقال أجل في السفر والحضر والليل والنهار فإني أمرت بالستر فلم أجد شيئا أستر منه كذا في فتح الودود قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح هذا آخر كلامه ومخرفة هذا بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وبعدها راء مهملة وفاء وتاء تأنيث (المعنى قريب) أي روايتهما متقاربتان في المعنى (بهذا الحديث) أي السابق ولفظ النسائي أخبرنا محمد بن المثني ومحمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة عن سماك بن حرب قال سمعت أبا صفوان قال بعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سراويل قبل الهجرة فأرجح لي (ولم يذكر يزن بأجر) أي لم يذكر شعبة في روايته هذا اللفظ (والقول قول سفيان) أي القول الأصح
[ 134 ]
والأوثق هو قول سفيان وقال البيهقي في السنن الكبرى بعد ما ذكر حديث سفيان وكذا رواه قيس بن الربيع عن سماك وخالفهما شعبة ثم أخرجه من طريقه عن سماك سمعت أبا صفوان مالك بن عميرة الحديث ثم ذكر البيهقي عن أبي داود أنه قال القول قول سفيان لكن أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق شعبة عن سماك سمعت أبا صفوان يقول سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ثم قال الحاكم أبو صفوان كنيته سويد بن قيس هما واحد صحابي من الأنصار والحديث صحيح على شرط مسلم انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه ووقع في حديث النسائي وابن ماجه سمعت مالكا أبا صفوان وقال النسائي حديث سفيان أشبه بالصواب يعني الحديث الأول الذي فيه سويد بن قيس وقال أبو داود والقول قول سفيان وقال الحاكم أبو أحمد الكرابيسي أبو صفوان مالك بن عميرة ويقال سويد بن قيس باع من النبي صلى الله عليه وسلم فأرجح له وقال أبو عمر النمري أبو صفوان مالك بن عميرة ويقال سويد بن قيس وذكر له هذا الحديث وهذا يدل على أنه عندهما رجل واحد كنيته أبو صفوان واختلف في اسمه والله عزوجل أعلم (دمغتني) دمغه كمنعه ونصره أي شجه حتى بلغت الشجة الدماغ كذا في القاموس
[ 135 ]
(8 باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم إلخ (ابن دكين) مصغر هو فضل بن دكين ثقة حافظ (أخبرنا سفيان) هو الثوري (عن حنضلة) ابن أبي سفيان الجمحي (الوزن) أي المعتبر (وزن أهل مكة) لأنهم أهل تجارات فعهدهم بالموازين وعلمهم بالأوزان أكثر كذا قاله القاضي (والمكيال) المعتبر (مكيال أهل المدينة) لأنهم أصحاب زراعات فهم أعلم بأحوال المكاييل وفي شرح السنة الحديث فيما يتعلق بالكيل والوزن من حقوق الله تعالى كالزكوات والكفارات ونحوها حتى لا تجب الزكاة في الدراهم حتى تبلغ مائتي درهم بوزن مكة والصاع في صدقة الفطر صاع أهل المدينة كل صاع خمسة أرطال وثلث رطل كذا في المرقاة وقال السندي في حاشية النسائي قوله المكيال على مكيال أهل المدينة أي الصاع الذي يتعلق به وجوب الكفارات ويجب إخراج صدقة الفطر به صاع المدينة وكانت الصيعان مختلفة في البلاد والمراد بالوزن وزن الذهب والفضة فقط أي الوزن المعتبر في باب الزكاة وزن أهل مكة وهي الدراهم التي العشرة منها بسبعة مثاقيل وكانت الدراهم مختلفة الأوزان في البلاد وكانت دراهم أهل مكة هي الدراهم المعتبرة في باب الزكاة فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى ذلك لهذا الكلام كما أرشد إلى بيان الصاع المعتبر في باب الكفارات وصدقة الفطر انتهى وفي نيل الأوطار والحديث فيه دليل على أنه يرجع عند الاختلاف في الكيل إلى مكيال المدينة وعند الاختلاف في الوزن إلى ميزان مكة أما مقدار ميزان مكة فقال ابن حزم بحثت غاية البحث عن كل من وثقت بتمييزه فوجدت كلا يقول إن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير والدرهم سبعة أعشار المثقال فوزن الدرهم سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة فالرطل مائة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور انتهى قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس مكان ابن عمر وفي رواية وزن المدينة ومكيال مكة انتهى
[ 136 ]
قلت حديث طاوس عن ابن عمر سكت عنه المؤلف والمنذري وأخرجه أيضا البزار وصححه ابن حبان والدارقطني (وكذا رواه الفريابي) بكسر الفاء منسوب إلى فرياب مدينة ببلاد الترك كذا في جامع الأصول هو محمد بن يوسف ثقة فاضل عابد من أجلة أصحاب الثوري (وأبو أحمد) الزبيري الكوفي ثقة (وافقهما) أي وافق فضل بن دكين في هذا المتن الفريابي وأبا أحمد الزبيري (وقال أبو أحمد عن ابن عباس) والمعنى أي رواه فضل بن دكين عن سفيان الثوري بلفظ الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة وهكذا رواه محمد بن يوسف الفريابي وأبو أحمد الزبيري عن الثوري فهؤلاء الثلاثة اتفقوا في روايتهم عن الثوري على هذا اللفظ أما أبو أحمد الزبيري فجعله من مسندات ابن عباس وأما فضل بن دكين والفريابي فجعلاه من مسندات ابن عمر قلت وكذا جعله أبو نعيم عن الثوري من حديث ابن عمر وروايته عند النسائي قال المحدثون طريق سفيان الثوري عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر هي أصح الروايات وروى الدارقطني من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس ورواه من طريق أبي نعيم عن الثوري عن حنظلة عن سالم بدل طاوس عن ابن عباس قال الدارقطني أخطأ أبو أحمد فيه (ورواه الوليد بن مسلم) الدمشقي ثقة لكنه كثير التدليس (فقال وزن المدينة ومكيال مكة) وهذا المتن مخالف لمتن سفيان ورجح المحدثون رواية سفيان في هذا (واختلف) بصيغة المجهول (في المتن) المروي (في حديث مالك بن دينار عن عطاء) مرسلا (عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا) الباب أي اختلف الرواة على مالك بن دينار في هذا الحديث المرسل في متنه فروى بعضهم عن مالك ابن دينار كما رواه سفيان عن حنظلة ورواه بعضهم عن مالك بن دينار كما رواه الوليد بن مسلم عن حنظلة والله أعلم
[ 137 ]
(باب في التشديد في الدين (ها هنا أحد) وفي رواية النسائي قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال أها ههنا من بني فلان أحد ثلاثا (إني لم أنوه بكم) بصيغة المضارع المتكلم من نوهته تنويها إذا رفعته والمعنى لا أرفع لكم ولا أذكر لكم إلا خيرا كذا في فتح الودود وقال في القاموس نوهه كان وبه دعاه ورفعه انتهى (مأسور) أي محبوس وممنوع عن دخوله الجنة قاله في فتح الودود (فلقد رأيته) أي الرجل من بني فلان وهذه مقولة سمرة (أدى) أي ذلك الرجل (عنه) أي عن المأسور بدينه قال المنذري وأخرجه النسائي وذكر أنه روى عن الشعبي مرسلا وذكر البخاري في التاريخ الكبير وقال لا يعلم لسمعان سماع عن سمرة ولا للشعبي من سمعان (قال أبو داود سمعان بن مشنج) بمعجمة ونون ثقيلة ثم جيم على وزن معظم قال في تهذيب التهذيب وروى عنه عامر الشعبي ولم يرو عنه غيره قال البخاري ولا نعلم لسمعان سماعا من سمرة ولا للشعبي من سمعان وثقه ابن حبان وأبو نصر بن ماكولا وقال ليس له غير حديث واحد انتهى (إن أعظم الذنوب عند الله) قال العلقمي أي من أعظمها فحذف من وهي مرادة كما بقال أعقل الناس ويراد أنه من أعقلهم (أن يلقاه) خبر إن قال المناوي أي أن يلقى الله متلبسا بها مصرا عليها وهو إما ظرف أو حال انتهى أي في حال لقيه بها (بها) أي بأعظم الذنوب
[ 138 ]
(عبد) فاعل يلقى (بعد الكبائر التي نهى الله عنها) بمنزلة الاستثناء من أعظم الذنوب (أن يموت رجل) بدل من أن يلقاه فإن لقاء العبد ربه إنما هو بعد الموت ولأنك إذا قلت إن أعظم الذنوب عند الله موت الرجل (وعليه دين) استقام ورجل مظهر أقيم مقام ضمير العبد قال الطيبي رحمه الله فإن قلت قد سبق أن حقوق الله مبناها على المساهلة وليس كذلك حقوق الآدميين في قوله يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين وها هنا جعله دون الكبائر فما وجه التوفيق قلت قد وجهناه أنه على سبيل المبالغة تحذيرا وتوقيا عن الدين وهذا مجرى على ظاهره انتهى (لا يدع له قضاء) صفة لدين أي لا يترك لذلك الدين مالا يقضي به قال المظهر فعل الكبائر عصيان الله تعالى وأخذ الدين ليس بعصيان بل الاقتراض والتزام الدين جائز وإنما شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من مات وعليه دين ولم يترك ما يقضي دينه كيلا تضيع حقوق الناس انتهى كذا في المرقاة قال العزيزي هذا محمول على ما إذا قصر في الوفاء أو استدان لمعصية انتهى والحديث سكت عن المنذري (لا يصلي على رجل مات وعليه دين) قال القاضي رحمه الله وغيره وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المديون الذي لم يدع وفاء إما للتحذير عن الدين والزجر عن المماطلة والتقصير في الأداء أو كراهة أن يوقف دعاؤه بسبب ما عليه من حقوق الناس ومظالمهم انتهى (أنا أولى بكل مؤمن إلخ) في كل شئ لأني الخليفة الأكبر الممد لكل موجود فحكمي عليهم أنفذ من حكمهم على أنفسهم وذا قاله لما نزلت الآية (فعلي قضاؤه) مما يفئ الله به من غنيمة وصدقة وذا ناسخ لتركه الصلاة على من مات وعليه دين وتقدم شرحه في كتاب الفرائض قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة
[ 139 ]
(اشترى) أي النبي صلى الله عليه وسلم (من عير) بكسر العين أي قافلة (بيعا) وفي بعض النسخ تبيعا (فأربح فيه) بصيغة المجهول أي أعطى النبي صلى الله عليه وسلم النفع والربح في ذلك المال الذي اشتراه من العير (فباعه) النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المال بالربح بعد أن قبضه وعند أحمد في مسنده حدثنا وكيع حدثنا شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال قدمت عير المدينة فاشترى النبي صلى الله عليه وسلم فربح أواقي فقسمها في أرامل بني عبد المطلب وقال لا أشتري شيئا ليس عندي ثمنه (على أرامل بني عبد المطلب) قال في القاموس رجل أرمل وامرأة أرملة محتاجة أو مسكينة جمع أرامل وأراملة أبو انتهى والحديث أخرجه أبو داود من وجه مرسلا ومن وجه متصلا ولم يتكلم عليه المنذري باب في المطل أي التسويف والتأخير أو (مطل الغني) أي تأخيره أداء الدين من وقت إلى وقت (ظلم) فإن المطل منع أداء ما استحق أداؤه وهو حرام من المتمكن ولو كان غنيا ولكنه ليس متمكنا جاز له التأخير إلى الإمكان ذكره النووي (فإذا أتبع) بضم الهمزة القطعية وسكون المثناة الفوقية وكسر الموحدة أي جعل تابعا للغير بطلب الحق وحاصله أنه إذا أحيل (أحدكم على ملئ) بفتح الميم وكسر اللام وياء ساكنة فهمز أي غني في النهاية الملئ بالهمزة الثقة الغني وقد أولع الناس فيه بترك الهمزة وتشديد الياء (فليتبع) بفتح الياء وسكون التاء وفتح الموحدة أي فليحتمل أي فليقبل الحوالة
[ 140 ]
قال النووي مذهب أصحابنا والجمهور أن الأمر للندب وقيل للاباحة وقيل للوجوب انتهى قال الخطابي في قوله مطل الغني ظلم دلالة على أنه إذا لم يكن غنيا لا يجد ما يقضيه لم يكن ظالما وإذا لم يكن ظالما لم يجز حبسه لأن الحبس عقوبة ولا عقوبة على غير الظالم وقوله أتبع يريد إذا أحيل وأصحاب الحديث يقولون أتبع بتشديد التاء وهو غلط وصوابه أتبع ساكنة التاء على وزن أفعل انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه باب في حسن القضاء (استسلف) أي استقرض (بكرا) بفتح موحدة وسكون كاف من الإبل بمنزلة الغلام من الإنسان (فجاءته) أي النبي صلى الله عليه وسلم (إبل من الصدقة) أي قطعة إبل من إبل الصدقة (إلا جملا خيارا) يقال جمل خيار وناقة خيارة أي مختارة (رباعيا) بفتح الراء وتخفيف الباء والياء وهو من الإبل ما أتى عليه ست سنين ودخل في السابعة حين طلعت رباعيته (أعطه) أي الجمل الخيار (إياه) أي الرجل وفي الحديث دليل على أن من استقرض شيئا فرد أحسن أو أكثر منه من غير شرطه كان محسنا ويحل ذلك للمقرض وقال النووي رحمه الله يجوز للمقرض أخذ الزيادة سواء زاد في الصفة أو في العدد ومذهب مالك أن الزيادة في العدد منهي عنها وحجة أصحابنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم فإن خير الناس أحسنهم قضاء وفي الحديث دليل على أن رد الأجود في القرض أو الدين من السنة ومكارم الأخلاق وليس هو من قرض جر منفعة لأن المنهي عنه ما كان مشروطا في عقد القرض قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 141 ]
(كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين الخ) قال المنذري وأخرجه النسائي (باب في الصرف) هو البيع إذا كان كل واحد من عوضيه من جنس الأثمان سمي به للحاجة إلى النقل في بدليه من يد إلى يد والصرف هو النقل والرد لغة كذا في الهداية (الذهب بالفضة) أي ولو متساويين هكذا في بعض النسخ وفي بعضها الذهب بالذهب وفي بعضها الذهب بالورق (ربا إلا هاء وهاء) أي مقبوضين ومأخوذين) في المجلس قبل التفرق بأن يقول أحدهما خذ هذا فيقول الآخر مثله وهاء بالمد والقصر اسم فعل بمعنى خذ والمد أفصح وأشهر والهمزة مفتوحة ويقال بالكسر ذكره النووي قال الخطابي وأصحاب الحديث يقولون ها وها مقصورين والصواب مدهما ونصب الألف منهما وهو من قول الرجل لصاحبه إذا ناوله الشئ هاك أي خذ فأسقطوا الكاف منه وعوضوه المدة بدلا من الكاف انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (تبرها وعينها) التبر الذهب الخالص والفضة قبل أن يضربا دنانير ودراهم فإذا ضربا كانا عينا قاله في المجمع قال الخطابي والمعنى كلاهما سواء فلا يجوز بيع مثقال ذهب عينا بمثقال وشئ من تبر غير مضروب وكذلك لا يجوز التفاوت بين المضروب من الفضة
[ 142 ]
وغير المضروب منها انتهى ملخصا (مدى بمدى) بضم الميم وسكون الدال مكيال يسع خمسة عشر مكوكا كذا في المجمع قال الخطابي والمدى مكيال معروف ببلاد الشام وبلاد مصر به يتعاملون وأحسبه خمسة عشر مكوكا والمكوك صاع ونصف انتهى والمعنى مكيال بمكيال (فمن زاد) أي أعطى الزيادة (أو ازداد) أي طلب الزيادة (فقد أربى) أي أوقع نفسه في الربا المحرم قال التوربشتي أي أتى الربا وتعاطاه ومعنى اللفظ أخذ أكثر مما أعطاه من ربا الشئ يربو إذا زاد (والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا) نسيئة بوزن كريمة وبالإدغام نحو مرية وبحذف الهمزة وكسر النون نحو جلسة قال الخطابي فيه بيان أن التقابض شرط في صحة البيع في كل ما يجري فيه الربا من ذهب وفضة وغيرهما من المطعوم وإن اختلف الجنسان ألا تراه يقول ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وأما النسيئة فلا فنص عليه كما ترى وجوز أهل العراق بيع البر بالشعير من غير تقابض وصاروا إلى أن القبض إنما يجب في الصرف دون ما سواه وقد اجتمعت بينهما النسيئة فلا معنى للتفريق بينهما وجملته أن الجنس الواحد مما فيه الربا لا يجوز فيه التفاضل نسئا ولا نقدا وأن الجنسين لا يجوز فيهما التفاضل نسئا ويجوز نقدا انتهى (قال أبو داود روى هذا الحديث الخ) يعني أن سعيدا وهشاما رويا هذا الحديث عن قتادة عن مسلم بلا واسطة أبي الخليل قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والنسائي بنحوه وفي ألفاظه زيادة ونقص
[ 143 ]
(إذا كان) أي للبيع (يدا بيد) أي حالا مقبوضا في المجلس قبل افتراق أحدهما عن الآخر (باب في حلية السيف تباع بالدراهم) (بقلادة) بكسر القاف ما يعلق في العنق ونحوه (وخرز) بفتح الخاء المعجمة والراء جمع خرزة بفتحتين وهي بالفارسية مهرة (معلقة) وفي بعض النسخ مغلقة بالغين المعجمة (ابتاعها) أي اشتراها (حتى تميز بينه وبينه) أي بين الذهب والخرز (إنما أردت الحجارة) يعني الخرزة أي المقصود الأصلي هو الخرز وليست الخرز من أموال الربا والذهب إنما هو بالتبع (قال ابن عيسى أردت التجارة) أي قال لفظ التجارة مكان لفظ الحجارة (وكان في كتابه الحجارة) أي في كتاب ابن عيسى ووقع في بعض النسخ فغيره فقال التجارة ولم يوجد هذا اللفظ في عامة النسخ الحاضرة قال الخطابي في هذا الحديث نهى عن بيع الذهب بالذهب مع أحدهما شئ غير الذهب وممن قال إن هذا البيع فاسد شريح ومحمد بن سيرين والنخعي وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وسواء عندهم كان الذهب الذي هو الثمن أكثر من الذهب الذي هو مع السلعة أو أقل وقال أبو حنيفة إن كان الثمن أكثر مما فيه من الذهب جاز وإن كان مثله أو أقل منه لم يجز وذهب مالك إلى نحو من هذا في القلة والكثرة إلا أنه حد الكثرة بالثلثين والقلة بالثلث قلت قال مالك في الموطأ من اشترى مصحفا أو سيفا أو خاتما وفي شئ من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم فإن ما اشتري من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان يدا بيد ولا يكون فيه تأخير وما اشتري من ذلك بالورق نظرا إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك بالثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدا بيد ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا بالمدينة انتهى
[ 144 ]
قال الخطابي وما ذهب إليه أبو حنيفة فإنه يخرج على القياس لأنه يجعل الذهب بالذهب سواء ويجعل ما فضل عن الثمن بإزاء السلعة غير أن السنة قد منعت هذا القياس أن يجري ألا تراه يقول إنما أردت الحجارة أو التجارة فقال لا حتى تميز بينهما فنفى صحة هذا البيع مع قصده إلى أن يكون الذهب الذي هو الثمن بعضه بإزاء الذهب الذي هو الخرز مصارفة وبعضه بإزاء الحجارة التي هي الخرز بيعا وتجارة حتى يميز بينهما فيكون حصة المصارفة متميزة عن حصة المتاجرة عبد فدل على أن هذا البيع على الوجهين فاسد انتهى مختصرا وذهب الشيخ ابن تيميه إلى جواز بيع ما يتخذ من الفضة للتحلي متفاضلا وجعل الزائد مقابلا للصنعة وقد أطال الكلام في أدلته شيخنا العلامة الفقيه خاتمة المحققين السيد نعمان خير الدين الشهير بابن الألوسي البغدادي في كتابه جلاء العينين في محاكمة الأحمدين والحديث سكت عنه المنذري (سعيد بن يزيد) بالجر عطف بيان (ففصلها) أي ميزت ذهبها وخرزها بعد العقد (لا تباع) أي القلادة نفى بمعنى نهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (عن الجلاح) بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره حاء مهملة (الوقية) وفي بعض النس
[ 145 ]
الأوقية قال النووي الوقية هي لغة قليلة والأشهر الأوقية بالهمزة فأوله (ثم اتفقا) أي قتيبة وغيره قال النووي يحتمل أن مراده كانوا يتبايعون الأوقية من ذهب وخرز وغيره بدينار أو بدينارين أو ثلاثة وإلا فالأوقية وزن أربعين درهما ومعلوم أن أحدا لا يبتاع هذا القدر من ذهب خالص بدينار أو بدينارين أو ثلاثة وهذا سبب مبايعة الصحابة على هذا الوجه ظنوا جوازه لاختلاط الذهب لغيره فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرام حتى يميز ويباع الذهب بوزنه ذهبا انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم (باب في اقتضاء الذهب من الورق) أي الفضة أي أخذ الذهب بدل الفضة يقال اقتضيت منه حقي أي أخذت (بالبقيع) بالموحدة قال في فتح الودود يراد به بقيع الغرقد وقيل بالنون وهو موضع قريب من المدينة (فأبيع) أي الإبل تارة (وأخذ الدراهم) أي مكان الدنانير (وأبيع بالدراهم) أي تارة أخرى (آخذ هذه من هذه) أي الدراهم من الدنانير (لا بأس أن تأخذها) أي أن تأخذ بدل الدنانير الدراهم وبالعكس بشرط التقابض في المجلس والتقييد بسعر اليوم على طريق الاستحباب قاله في فتح الودود (وبينكما شئ) أي غير مقبوض والواو للحال
[ 146 ]
قال الخطابي واشترط أن لا يتفرقا وبينهما شئ لأن اقتضاء الدراهم من الدنانير صرف وعقد الصرف لا يصح إلا بالتقابض وقد اختلف الناس في اقتضاء الدراهم من الدنانير فذهب أكثر أهل العلم إلى جوازه ومنع من ذلك أبو سلمة عبد الرحمن وابن شبرمة وكان ابن أبي ليلى يكره ذلك إلا بسعر يومه ولم يعتبر غيره السعر ولم يبالوا كان ذلك بأغلى أو أرخص من سعر اليوم والصواب ما ذهب إليه وهو منصوص عليه في الحديث انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث سماك بن حرب وذكر أنه روي عن ابن عمر موقوفا وأخرجه النسائي أيضا عن ابن عمر قوله وعن سعيد بن جبير قوله وقال البيهقي والحديث ينفرد برفعه سماك بن حرب وقال شعبة رفعه لنا سماك بن حرب وأنا أفرقه انتهى كلام المنذري (لم يذكر) أي اسرائيل (بسعر يومها) أي لم يذكر هذا اللفظ (باب في الحيوان بالحيوان نسيئه) أبي بوزن كريمة منصوب على التمييز (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئه) أي من الطرفين أو أحدهما وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه ترجيحا للمحرم على ما سيجئ من المبيح ومن لا يقول به يحمل النسيئة من
[ 147 ]
الطرفين كذا في فتح الودود قال الخطابي وجهه عندي أن يكون إنما نهى عما كان منه نسيئة في الطرفين فيكون من باب الكالئ بالكالئ بدليل حديث عبد الله بن عمر والذي يليه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح وسماع الحسن من سمرة صحيح هكذا قال علي بن المديني وغيره هذا آخر كلامه وقد تقدم اختلاف الأئمة في سماع الحسن من سمرة وقال الشافعي رضي الله عنه وأما قوله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الخطابي الحسن عن سمرة مختلف في اتصاله عند أهل الحديث وحكي عن يحيى بن معين أنه قال الحسن عن سمرة صحيفة وقال محمد بن إسماعيل يعني البخاري حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة من طريق عكرمة عن ابن عباس رواه الثقات عن ابن عباس موقوفا أو عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل قال وحديث زياد بن جبير عن ابن عمر إنما هو زياد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وطرق هذا الحديث واهية ليست بالقوية (باب في الرخصة في ذلك) (أن يجهز جيشا) أي يهئ ما يحتاج إليه العسكر من مركوب وسلاح وغيرهما (فنفدت الإبل) بفتح النون وكسر الفاء وبالدال المهملة أي فنيت أو نقصت والمعنى أنه أعطى كل رجل
[ 148 ]
جملا وبقي بعض الرجال بلا مركوب (فأمره أن يأخذ) أي لمن ليس له إبل (في قلاص الصداقة) جمع قلوص وهو الفتى من الإبل وفي بعض النسخ على مكان في (إلى إبل الصدقة) أي مؤجلا إلى أوان حصول قلائص الصدقة والحاصل أنه يستقرض عددا من الإبل حتى يتم ذلك الجيش ليرد بدلها من إبل الزكاة قاله القاري قال في النيل ذهب الجمهور إلى جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة متفاضلا مطلقا وشرط مالك أن يختلف الجنس ومنع من ذلك مطلقا مع النسيئة أحمد ابن حنبل وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين وتمسك الأولون بحديث ابن عمرو وما ورد في معناه من الآثار وأجابوا حديث سمرة بما فيه من المقال وقال الشافعي المراد به النسيئة من الطرفين وهي من بيع الكالئ بالكالئ وهو لا يصح عند الجميع واحتج المانعون بحديث سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس وما في معناها من الآثار وقالوا إن حديث ابن عمرو منسوخ ولا يخفى أن النسخ لا يثبت إلا بعد تقرر تأخر الناسخ ولم ينقل ذلك وقد أمكن الجمع بما سلف عن الشافعي ولكنه متوقف على صحة إطلاق النسيئة على بيع المعدوم بالمعدوم فإن ثبت ذلك في اللغة أو الشرع فذاك وإلا فلا شك أن أحاديث النهي أرجح من حديث ابن عمرو ثم ذكر وجوه الترجيح فإن شئت الوقوف فعليك بالنيل قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد اختلف أيضا على محمد بن إسحاق في هذا الحديث وذكر ذلك البخاري وغيره وحكى الخطابي أن في إسناد حديث عبد الله بن عمرو أيضا مقالا وجمع بعضهم بين الحديثين بأن يكون حديث النهي محمولا على أن يكون كلاهما نسيئة
[ 149 ]
(باب في ذلك إذا كان يدا بيد) (اشترى عبدا بعبدين) فيه دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان يدا بيد وهذا مما لا خلاف فيه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي أتم منه
[ 150 ]
باب في الثمر بالثمر) (عن البيضاء بالسلت) قال الخطابي البيضاء نوع من البر أبيض اللون وفيه رخاوة يكون ببلاد مصر والسلت نوع غير البر وهو أدق حبا منه وقال بعضهم البيضاء هو الرطيب من السلت والأول أعرف إلا أن هذا القول أليق بمعنى الحديث وعليه يتبين موضع النسيئة من الرطب بالتمر وإذا كان الرطيب منها جنسا واليابس جنسا آخر لم يصح النسيئة انتهى وقال في المجمع السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له وقيل هو نوع من الحنطة
[ 151 ]
والأول أصح لأن البيضاء هي الحنطة انتهى (يسأل) بصيغة المجهول (أينقص الرطب إذا يبس) قال القاضي رحمه الله ليس المراد من الاستفهام استعلام القضية فإنها جلية مستغنية عن الاستكشاف بل التنبيه على أن الشرط تحقق المماثلة حال اليبوسة فلا يكفي تماثل الرطب والتمر على رطوبته ولا على فرض اليبوسة لأنه تخمين وخرص لا تعين فيه فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر وبه قال أكثر أهل العلم وجوز أبو حنيفة بيع الرطب والتمر إذا تساويا كيلا وحمل الحديث على البيع نسيئة لما روي عن هذا الراوي أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة كذا في المرقاة
[ 152 ]
قلت هذا الحديث المروي عن هذا الراوي هو الحديث الآتي في الباب ولفظ نسيئة فيه غير محفوظ كما يظهر لك من كلام المنذري على هذا الحديث (فنهاه) أي السائل المدلول عليه بقوله يسأل (عن ذلك) أي عن شراء التمر بالرطب قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح وقال الخطابي وقد تكلم بعض الناس في إسناده إلى سعد بن أبي وقاص وقال زيد أبو عياش راويه ضعيف ومثل هذا الحديث على أصل الشافعي لا يجوز أن يحتج به وليس الأمر على ما توهمه وأبو عياش مولى لبني زهرة معروف وقد ذكره في الموطأ وهو لا يروي عن رجل متروك الحديث بوجه وهذا من شأن مالك وعادته معلوم هذا آخر كلامه وقد حكي عن بعضهم أنه قال زيد أبو عياش مجهول وكيف يكون مجهولا وقد روى عنه اثنان ثقتان عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان وعمران بن أبي أنس وهما ممن احتج بهما مسلم في صحيحه وقد عرفه أئمة هذا الشأن هذا الإمام مالك رضي الله عنه قد أخرج حديثه في موطئه مع شدة تحريه في الرجال ونقده وتتبعه لأحوالهم والترمذي قد أخرج حديثه وصححه كما ذكرناه وصحح حديثه أيضا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وقد ذكره مسلم بن الحجاج في كتاب الكنى وذكر أنه سمع من سعد بن أبي وقاص وذكره أيضا الحافظ أبو أحمد الكرابيسي في كتاب الكنى وذكر أنه سمع من سعد ابن أبي وقاص وذكره أيضا النسائي في كتاب الكنى وما علمت أحدا ضعفه والله عزوجل أعلم
[ 153 ]
(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة) قال المنذري قال أبو الحسن الدارقطني خالفه مالك وإسماعيل بن أمية والضحاك بن عثمان وأسامة بن يزيد رووه عن عبد الله بن يزيد ولم يقولوا فيه نسيئة وإجماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه يحيى يعني ابن أبي كثير يدل على ضبطهم للحديث وفيهم إمام حافظ وهو مالك بن أنس وقال أبو بكر البيهقي ورواه عمر بن أبي أنس عن أبي عياش نحو رواية مالك بن أنس وليس فيه هذه الزيادة انتهى كلام المنذري
[ 154 ]
(باب في المزابنة) (لم يوجد هذا الباب في بعض النسخ والمزابنة مفاعلة من الزبن بفتح الزاي وسكون الموحدة وهو الدفع الشديد وقيل للبيع المخصوص مزابنة كأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع لفسخه وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع وفي صحيح مسلم عن نافع المزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب كيلا وبيع الزرع بالحنطة كيلا وكذا في صحيح البخاري (نهى عن بيع الثمر) بفتح المثلثة والميم المراد به ثمر النخل (بالثمر) بالمثناة الفوقية (كيلا) بالنصب على التمييز وليس قيدا والعلة في النهي عن ذلك هو الربا لعدم التساوي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه
[ 155 ]
(باب في بيع العرايا) جمع عرية بتشديد الياء قال النووي العرية أن يخرص الخارص نخلات فيقول هذا الرطب الذي عليها إذا يبس يحصل منه ثلاثة أوسق من التمر مثلا فيبيعه لغيره بثلاثة أوسق تمر ويتقايضان ما في المجلس فيسلم المشتري التمر ويسلم البائع النخل وهذا جائز في ما دون خمسة أوسق ولا يجوز في ما زاد عليه وفي جوازه في خمسة أوسق قولان للشافعي أصحهما لا يجوز والأصح جوازه للأغنياء والفقراء وأنه لا يجوز في غير الرطب والعنب من الثمار وفيه قول ضعيف أنه مختص بالفقراء وقول أنه لا يختص بالرطب والعنب انتهى (رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب) وفي رواية للبخاري بالرطب أو بالتمر كذا في رواية لمسلم قال القسطلاني مقتضاه جواز بيع الرطب على النخل بالرطب على الأرض وهو وجه عند الشافعية فتكون أو للتخيير والجمهور على المنع فيتأولون هذه الرواية بأنها من شك الراوي أيهما قال النبي صلى الله عليه وسلم وما في أكثر الروايات يدل على أنه إنما قال التمر فلا يعول على غيره وقد وقع في رواية عند النسائي والطبراني ما يؤيد أن أو للتخيير لا للشك ولفظه بالرطب وبالتمر انتهى قلت ورواية أبي داود هذه أيضا تؤيد أن أو في رواية الشيخين للتخير لا للشك والله تعالى أعلم قال الخطابي العرايا مستثناة من جملة النهي عن المزابنة ألا تراه يقول رخص في بيع العرايا والرخصة إنما تقع بعد الحظر وقد قال بذلك أكثر الفقهاء مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وامتنع من القول به أصحاب الرأي وذهبوا إلى جملة النهي الوارد في تحريم المزابنة وفسروا العرية تفسيرا لا يليق بمعنى الحديث انتهى قال المنذري وقد أخرج مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجه في سننهما من حديث عبد الله بن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرية بخرصها
[ 156 ]
تمرا وأخرجه البخاري ولفظهأن لا رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غيره وأخرجه النسائي ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بالرطب وبالتمر ولم يرخص في غير ذلك (عن بشير) بضم الموحدة وفتح المعجمة (عن سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة (نهى عن بيع التمر) بالمثلثة أي الرطب (بالثمر) أي اليابس (أن تباع بخرصها) بفتح الخاء المعجمة بأن يقدر ما فيها إذا صار تمرا بتمر ولمسلم من حديث زيد بن ثابت بلفظ رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا وعند الطبراني أن يبيعها بخرصها كيلا ولا يجوز بيع ذلك بقدره من الرطب لانتفاء حاجة الرخصة إليه ولا بيعه على الأرض بقدره من اليابس لأن من جملة معاني بيع العرايا أكله طريا على التدريج وهو منتف في ذلك وافهم قوله كيلا أنه يمتنع بيعه بقدره يابسا خرصا وهو كذلك لئلا يعظم الغرر في البيع ((يأكلها أن أهلها) أي المشترون الذين صاروا ملاك الثمرة قاله القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (باب في مقدار العرية) أي مقدارها الذي يجوز فيه العرية (وقال لنا القعنبي) هو عبد الله بن مسلمة (واسمه) أي اسم أبي سفيان (قزمان) بضم
[ 157 ]
القاف وسكون الزاي مولى ابن أبي أحمد (رخص) من الترخيص (فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق) جمع وسق بفتح فسكون وهو ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي ذكره الطيبي وقد وقع الاتفاق بين الشافعي ومالك على صحته فيما دون الخمسة وامتناعه فيما فوقها والخلاف بينهما فيها والأقرب تحريمه فيها لحديث جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين أذن لأصحاب العرايا أن يبيعوها بخرصها يقول الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة أخرجه أحمد وترجم له ابن حبان الاحتياط على أن لا يزيد على أربعة أوسق كذا في السبل (قال أبو داود حديث جابر إلى أربعة أوسق) ليست هذه العبارة في بعض النسخ وحديث جابر أخرجه أحمد وتقدم لفظه قريبا قال ابن المنذر الرخصة في الخمسة الأوساق مشكوك فيها والنهي عن المزابنة ثابت فالواجب أن لا يباح منها إلا القدر المتيقن إباحته وقد شك الراوي وقد رواه جابر فانتهى به إلى أربعة أوساق فهو مباح وما زاد عليه محضور وهذا القول صحيح وقد ألزمه المزني الشافعي وهو لازم على أصله ومعناه قاله الخطابي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (باب في تفسير العرايا) جمع عرية كقضية وقضايا قال في الفتح وهي في الأصل عطية تمر النخل دون الرقبة كانت العرب في الجدب تتطو بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الإبل بالمنيحة وهي عطية اللبن دون الرقبة ويقال عريت النخلة بفتح العين وكسر الراء تعرى إذا أفردت عن حكم أخواتها بأن أعطاها المالك فقيرا (الرجل يعري) بضم الياء من الإعراء أي
[ 158 ]
يهب (أو الرجل يستثني من ماله) أي بستانه والحديث سكت عنه المنذري (فيشق عليه) أي على الواهب (أن يقوم) أي الموهوب له (بمثل خرصها) أي قدر ما عليها من التمر وتفسير ابن إسحاق هذا سكت عنه المنذري وقال مالك العرية أن يعري الرجل الرجل النخلة أي يهبها له أو يهب له ثمرها ثم يتأذى بدخوله عليه ويرخص الموهوب له للواهب أن يشتري رطبها منه بتمر يابس هكذا علقه البخاري عن مالك ووصله ابن عبد البر من رواية ابن وهب وروى الطحاوي عن مالك أن العرية النخلة للرجال في حائط غيره فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول أنا أعطيك بخرص نخلتك تمرا فيرخص له في ذلك فشرط العرية عند مالك أن يكون لأجل التضرر من المالك بدخول غيره إلى حائطه أو لدفع الضرر عن الآخر لقيام صاحب النخل بما يحتاج إليه وقال الشافعي في الأم وحكاه عنه البيهقي إن العرايا أن يشتري الرجل ثمر النخلة بخرصة من التمر بشرط التقابض في الحال واشترط مالك أن يكون التمر مؤجلا كذا في النيل وفي اللمعات ونقل عن أبي حنيفة أنه أن يهب ثمرة نخلة ويشق عليه تردد الموهوب له إلى بستانه وكره أن يرجع في هبته فيدفع إليه بدلها تمرا وهو صورة بيع انتهى وبسط الحافظ ابن حجر في تفسير العرايا الكلام فعليك بفتح الباري فإن فتح الباري من من الله تعالى على العلماء (باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها) (نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها) أي يظهر حمرتها وصفرتها وفي رواية لمسلم ما صلاحه قال تذهب عاهته كذا في النيل وقال القسطلاني وبدو الصلاح في كل شئ
[ 159 ]
هو صيرورته إلى الصفة التي يطلب فيها غالبا ومقتضاه جوازه وصحته بعد بدوه ولو بغير شرط القطع بأن يطلق أو يشترط إبقاءه أو قطعه والمعنى الفارق بينهما أمن العاهة يعده غالبا وقبله تسرع إليه لضعفه (نهى البائع) أي لئلا يأكل مال أخيه بالباطل (والمشتري) أي لئلا يضيع ماله وإلى الفرق بين ما قبل ظهور الصلاح وبعده ذهب الجمهور وصحح أبو حنيفة رحمه الله البيع حالة الإطلاق قبل مذهبه خلافا لما نقله عنه النووي في شرح مسلم وبدو الصلاح في شجرة ولو في حبة واحدة يستتبع الكل إذا اتحد البستان والعقد والجنس فيتبع ما لم يبد صلاحه ما بدا صلاحه إذا اتحد فيهما الثلاثة واكتفى ببدو صلاح بعضه لأن الله تعالى امتن علينا فجعل الثمار لا تطيب دفعة واحدة إطالة لزمن التفكه فلو اعتبرنا في البيع طيب الجميع لأدى إلى أن لا يباع شئ قبل كمال صلاحه أو تباع الحبة بعد الحبة وفي كل منهما حرج لا يخفى ويجوز البيع قبل الصلاح بشرط القطع إذا كان المقطوع منتفعا به كالحصرم إجماعا ذكره القسطلاني في شرح البخاري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (نهى عن بيع النخل) أي ما عليه من الثمر (حتى تزهو) بالتأنيث لأن النخل يؤنث ويذكر قال تعالى نخل خاوية ونخل منقعر قال الخطابي قوله حتى تزهو هكذا يروى والصواب في العربية حتى تزهي والإزهاء في الثمر أن يحمر أو يصفر وذلك أمارة الصلاح فيها ودليل خلاصها من الآفة انتهى وقال ابن الأثير ومنهم من أنكر تزهى ومنهم من أنكر تزهو والصواب الروايتان على اللغتين زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته وأزهى يزهى إذا احمر أو اصفر ذكره القسطلاني قلت والصواب ما قال ابن الأثير ففي القاموس زها النخل طال كأزهى والبسر تلون كأزهى وزهى على وذكر النخل في هذه الطريق لكونه الغالب عندهم وأطلق في غيرها فلا فرق بين النخل وغيره في الحكم (وعن السنبل) بضم السين وسكون النون وضم الباء الموحدة سنابل الزرع (حتى يبيض) بتشديد المعجمة قا النووي معناه يشتد حبه وذلك بدو صلاحه (ويأمن العاهة) هي الآفة تصيبه فيفسد قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي
[ 160 ]
(عن يزيد بن خمير) بضم الخاء المعجمة وفتح الميم مصغرا الهمداني الزبادي الحمصي صدوق من الخامسة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغنائم حتى تقسم) قال القاضي المقتضي للنهي عدم الملك عند من يرى أن الملك يتوقف على القسمة وعند من يرى الملك قبل القسمة المقتضي له الجهل بعين المبيع وصفته إذا كان في المغنم أجناس مختلفة انتهى (حتى تحرز) بتقديم الراء على الزاي على البناء للمفعول أي حتى تكون محفوظة ومصونة (من كل عارض) أي آفة وفي بعض النسخ من كل عاهة (بغير حزام) أي من غير أن يشد عليه ثوبه كذا في النهاية أي إذا خيف عليه كشف العورة بلا حزام كذا في فتح الودود قال في المجمع وإنما أمر به لأنهم كانوا قلما يتسرولون ومن كان عليه إزار وكان جيبه واسعا ولم يتلبب أو لم يشد وسطه ربما انكشف عورته ومنه نهى أن يصلي حتى يحتزم أي يتلبب ويشد وسطه انتهى قال المنذري في إسناده رجل مجهول (أخبرنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم ومد النون مولى أبي ذباب أبو الوليد المكي وثقه ابن معين وأبو حاتم (حتى تشقح) يقال أشقح وشقح بالتشديد كذا في فتح الودود قال في الفتح من الرباعي يقال أشقح ثمر النخل يشقح إشقاحا إذا احمر أو اصفر والإسم الشقحة بضم المعجمة وسكون القاف وقال الكرماني التشقيح بالمعجمة والقاف وبالمهملة تغير اللون إلى الصفرة أو الحمرة فجعله في الفتح من باب الإفعال والكرماني من باب التفعيل ذكره القسطلاني (قال تحمار وتصفار الخ) من باب الافعيلال الله من الثلاثي الذي زيدت فيه الألف والتضعيف لأن أصلهما حمر وصفر قال الجوهري احمر الشئ واحمار بمعنى
[ 161 ]
وقال في القاموس إحمر قال احمرارا صار أحمر كاحمار وهذا التفسير من قول سعيد بن ميناء كما بين ذلك أحمد في روايته لهذا الحديث عن بهز بن أسد عن سلم بن حيان أنه هو الذي سأل سعيد بن ميناء عن ذلك فأجابه بذلك ولفظ مسلم قال قلت لسعيد ما تشقح قال تحمار وتصفار ويؤكل منها وعند إسماعيل أن السائل سعيد والمفسر جابر ولفظه قلت لجابر ما تشقح الحديث قاله القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري وأخرجه مسلم أتم منه (حتى يسود) بتشديد الدال أي يبدو صلاحه وزاد مالك في الموطأ فإنه إذا اسود ينجو من العاهة والآفة (حتى يشتد) اشتداد الحب قوته وصلابته قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة (وما ذكر في ذلك) بصيغة المجهول وهو معطوف على بيع الثمر (كان الناس) أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا جد الناس) بالجيم والدال المهملة أي قطعوا الثمار قال في الصحاح جد النخل يجده أي صرمه وأجد النخل حان له أن يجد وهذا زمن الجد والجداد مثل الصرم والصرام وقال في باب الميم صرمت الشئ صرما إذا قطعته وصرم النخل أي جده وأصرم النخل حان أن يصرم انتهى (وحضر تقاضيهم) بالضاد المعجمة أي طلبهم (قال المبتاع) أي المشتري (قد أصاب الثمر) بالمثلثة (الدمان) بضم الدال وتخفيف الميم وبعد الالف النون وقال بعضهم بفتح الدال قال ابن الأثير وكأن الضم أشبه لأن ما كان من الأدواء والعاهات فهو بالضم كالسعال
[ 162 ]
والزكام وفسره أبو عبيد بأنه فساد الطلع وتعفنه وسواده وقال القزاز فساد النخل قبل إدراكه وإنما يقع ذلك في الطلع يخرج قلب النخلة أسود معفونا (وأصابه قشام) بضم القاف وتخفيف الشين المعجمة أي انتقض قبل أن يصير ما عليه بسرا قاله القسلاني عن وفي القاموس قشام كغراب أن ينتقض النخل قبل استواء بسره (وأصابه مراض) قال في المجمع هو بالضم داء يقع في الثمرة فتهلك وأمرض إذا وقع في ماله العاهة (عاهات) أي هذه الأمور الثلاثة افات تصيب الثمر (يحتجون بها) قال البرماوي كالكرماني جمع الضمير باعتبار جنس المبتاع الذي هو مفسره وقال العيني فيه نظر لا يخفى وإنما جمعه باعتبار المبتاع ومن معه من أهل الخصومات بقرينة يبتاعون (كالمشورة) بضم معجمة وسكون واو وبسكون معجمة وفتح واو لغتان قاله في المجمع وقال في القاموس المشورة مفعلة لا مفعولة قال القسطلاني والمراد بهذه المشورة أن لا يشتروا شيئا حتى يتكامل صلاح جميع هذه الثمرة لئلا تقع المنازعة انتهى (فإما لا) بكسر الهمزة وأصله فإن لا تتركوا هذه المبايعة فزيدت ما للتوكيد وأدغمت النون في الميم وحذف الفعل وقال الجواليقي العوام يفتحون الألف والصواب كسرها وأصله أن لا يكون كذلك الأمر فافعل هذا وما زائدة وعن سيبويه افعل هذا إن كنت لا تفعل غيره لكنهم حذفوا لكثرة استعمالهم إياه وقال ابن الأنباري دخلت ما صلة كقوله عزوجل فإما ترين من البشر أحدا فاكتفى بلا من الفعل كما تقول العرب من سلم عليك فسلم عليه ومن لا يعني ومن لا يسلم عليك فلا تسلم عليه فاكتفى بلا من الفعل قاله العيني في شرح البخاري قال المنذري وأخرجه البخاري تعليقا (ولا يباع إلا بالدنانير أو بالدراهم إلا العرايا) قال النووي معناه لا يباع الرطب بعد بدو
[ 163 ]
صلاحه بتمر بل يباع بالدينار والدرهم وغيرهما والممتنع إنما هو بيعه بالتمر إلا العرايا فيجوز بيع الرطب فيها بالتمر من بشرطه السابق في بابه انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه مختصرا (كذا في نسخة المنذري والحديث قد أخرجه مسلم مطولا ولا عجب إن كانت العبارة هكذا وأخرجه مسلم مطولا وابن ماجه مختصرا فسقط لفظ مسلم مطولا من قلم الناسخ والله أعلم وعلمه أتم منه) باب في بيع السنين في بكسر السين جمع السنة بفتحها والمراد بيع ما تحمله هذه الشجرة مثلا سنة فأكثر ويقال له بيع المعاومة (نهى عن بيع السنين) قال الخطابي هو أن يبيع الرجل ما تثمره النخلة أو النخلات بأعيانها سنين ثلاثا أو أربعا أو أكثر منها وهذا غرر لأنه بيع شئ غير موجود ولا مخلوق حال العقد ولا يدرى هل يكون ذلك أم لا وهل يثمر النخل أم لا وهذا في بيوع الأعيان وأما في بيوع الصفات فهو جائز مثل أن يسلف في شئ إلى ثلاث سنين أو أربع أو أكثر ما دامت المدة معلومة وكيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم بعيد أو قريب إذا كان الشئ المسلف فيه غالبا وجوده عند وقت محل السلف انتهى (ووضع الجوائح) بفتح الجيم جمع جائحة وهي الآفة المستأصلة تصيب الثمار ونحوها بعد الزهو فتهلكها بأن يترك البائع ثمن ما تلف قاله القاري وقال الخطابي هكذا رواه أبو داود ورواه الشافعي عن سفيان بإسناده فقال وأمر بوضع الجوائح والجوائح هي الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها وأمره عليه السلام بوضع الجوائح عند أكثر الفقهاء أمر ندب واستحباب من طريق المعروف والإحسان لا على سبيل الوجوب والإلزام وقال أحمد بن حنبل وأبو عبيد وجماعة من أصحاب الحديث وضع الجائحة لازم للبائع إذا باع الثمرة فأصابته الآفة فهلكت
[ 164 ]
وقال مالك توضع في الثلث فصاعدا ولا توضع في ما هو أقل من الثلث قال أصحابه ومعنى هذا الكلام أن الجائحة إذا كانت دون الثلث كان من مال المشتري وما كان أكثر من الثلث فهو من مال البائع واستدل من تأول الحديث على معنى الندب والاستحباب دون الإيجاب بأنه أمر حدث بعد استقرار ملك المشتري عليها ولو أراد أن يبيعها أو يهبها لصح ذلك منه فيها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن فإذا صح بيعها ثبت أنها من ضمانه وقد نهى عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها فلو كانت الجائحة بعد بدو الصلاح من مال البائع لم يكن لهذا النهي فائدة انتهى (قال أبو داود لم يصح الخ) لم توجد هذه العبارة في بعض النسخ وحاصله أن ما ذهب إليه أهل المدينة مالك وغيره من ان الجائحة إذا كانت دون الثلث كان من مال المشتري وما كان أكثر من الثلث فهو من مال البائع لم يصح فيه شئ من الأحاديث قال المنذري وأخرجه النسائي الفصلين مفرقين وأخرج مسلم وابن ماجه النهي عن بيع السنين وفي لفظ لمسلم ثمر السنين (وسعيد بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية بعدها نون (نهى عن المعاومة) هي مفاعلة من العام كالمسانهة من السنة والمشاهرة من الشهر أي بيع السنين قال في النهاية هي ثمر النخل أو الشجر سنتين أو ثلاثا فصاعدا قبل أن تظهر ثماره وهذا البيع باطل لأنه بيع ما لم يخلق فهو كبيع الولد قبل أن يخلق (وقال أحدهما) أي أبي الزبير وسعد بن ميناء قال المنذري وأخرجه مسلم أتم منه وأخرجه ابن ماجه
[ 165 ]
في بيع الغرر بفتح الغين وبراءين أي ما لا يعلم عاقبته من الخطر الذي لا يدرى أيكون أم لا كبيع الآبق والطير في الهواء والسمك في الماء والغائب المجهول ومجمله أن يكون المعقود عليه مجهولا أو معجوزا عنه مما انطوى بعينه من غر الثوب أي طيه أو من الغرة بالكسر أي الغفلة أو من الغرور قاله القاري (نهى عن بيع الغرر) قال الخطابي أصل الغرر هو ما طوي عنك وخفي عليك باطنه وهو مأخوذ من قولهم طويت الثوب على غرة أي كسره الأول وكل بيع كان المقصود منه مجهولا غير معلوم أو معجوزا عنه غير مقدور عليه فهو غرر وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر تحصينا للأموال أن تضيع وقطعا للخصومة بين الناس وأبواب الغرر كثيرة (والحصاة) قال النووي فيه ثلاث تأويلات أحدها أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة والثاني أن يقول بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة والثالث أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعا فيقول إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (نهى عن بيعتين) بفتح الموحدة وكسرها والفرق بينهما أن الفعلة بالفتح للمرة وبالكسر للحالة والهيئة قال القسطلاني (وعن ليستين بن) بكسر اللام على الهيئة لا بالفتح على المرة (فالملامسة) مفاعلة من اللمس (والمنابذة) مفاعلة من النبذ ويأتي تفسيرهما في الرواية الآتية (فاشتمال الصماء) بفتح مهملة وتشديد ميم ممدودة ويأتي تفسيره (وأن يحتبي الرجل الخ)
[ 166 ]
وهي اللبسة الثانية (أو ليس على فرجه منه) أي من الثوب (شئ) أي مما يستره والظاهر أن للشك من بعض الرواة أي قال كاشفا عن فرجه أو قال ليس على فرجه منه شئ وليس في بعض النسخ لفظ أو قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (ويبرز) من الإبراز أي يظهر (شقه الأيمن) أي جانبه الأيمن والمعنى يظهر جانبه الأيمن ليس عليه شئ من الثوب (إذا نبذت) أي ألقيت (والملامسة أن يمسه) أي يمس المستام الثوب وكذا وقع تفسير الملامسة والمنابذة عند المؤلف ووقع عند النسائي من حديث أبي هريرة والملامسة أن يقول الرجل للرجل أبيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسا والمنابذة أن يقول أنبذ ما معي وتنبذ ما معك ليشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر ونحو ذلك ولمسلم من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أما الملامسة فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر كل واحد منهما إلى ثوب صاحبه قال الحافظ وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنها مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين قال واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور وهي أوجه للشافعية أصحها أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا
[ 167 ]
بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته وهذا موافق للتفسير الذي في الأحاديث الثاني أن يجعل نفس اللمس بيعا بغير صيغة زائدة الثالث أن يجعل اللمس شرطا في قطع خيار المجلس والبيع على التأويلات كلها باطل ثم قال واختلفوا في المنابذة على ثلاثة أقوال وهي أوجه للشافعية أصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعا كما تقدم في الملامسة وهو الموافق للتفسير المذكور في الأحاديث والثاني أن يجعلا النبذ بيعا بغير صيغة والثالث أن يجعلا النبذ قاطعا للخيار هكذا في الفتح والعلة في النهي عن الملامسة والمنابذة الغرر والجهالة وإبطال خيار المجلس (عن بيع حبل الحبلة) الحبل بفتح الحاء المهملة والباء وغلط عياض من سكن الباء وهو مصدر حبلت تحبل والحبلة بفتحهما أيضا جمع حابل مثل ظلمة وظالم والهاء فيه للمبالغة وقيل هو مصدر سمي به الحيوان كذا في النيل ويأتي تفسير بيع حبل الحبلة في الباب من المؤلف والحديث أخرجه البخاري والنسائي (قال وحبل الحبلة) قال الزرقاني في شرح الموطأ وهذا التفسير من قول ابن عمر كما جزم به ابن عبد البر وغيره لما في مسلم من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ثم تحمل التي نتجت فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى (أن تنتج) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيا للمفعول من الأفعال
[ 168 ]
التي لم تسمع إلا كذلك نحو جن (الناقة) بالرفع بإسناد تنتج إليها (بطنها) أي ما في بطنها والمعنى تلد ولدها (ثم تحمل التي نتجت) ووقع في رواية للبخاري بعد الحديث المرفوع وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها قال القسطلاني وصفته كما قاله الشافعي ومالك وغيرهما أن يقول البائع بعتك هذه السلعة بثمن مؤجل إلى أن تنتج هذه الناقة ثم تنتج التي في بطنها لأن الأجل فيه مجهول وقيل هو بيع ولد ولد الناقة في الحال بأن يقول إذا نتجت هذه الناقة ثم نتجت التي في بطنها فقد بعتك ولدها لأنه بيع ما ليس بمملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه فيدخل في بيع الغرر وهذا الثاني تفسير أهل اللغة وهو أقرب لفظا وبه قال أحمد والأول أقوى لأنه تفسير الراوي وهو ابن عمر وهو أعرف وليس مخالفا للظاهر فإن ذلك هو الذي كان في الجاهلية والنهي وارد عليه قال النووي ومذهب الشافعي ومحققي الأصوليين أن تفسير الراوي مقدم إذا لم يخالف الظاهر ومحصل الخلاف كما قاله ابن التين هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أو ولادة ولدها وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو بيع جنين الجنين فصارت أربعة أقوال انتهى والحديث أخرجه مسلم باب في بيع المضطر مفتعل من الضر هذه وأصله مضترر سنة فأدغمت الراء وقلبت التاء طاء لأجل الضاد والمراد من المضطر المكره (أنبأنا صالح بن عامر) قال في التقريب صالح بن عامر عن شيخ من بني تميم صوابه صالح أبو عامر وهو الخزاز بينه سعيد بن منصور في سننه وهم المزي فقال صوابه صالح عن عامر أي ابن حي عن الشعبي وليس كما قال انتهى (أو قال قال علي) شك من هشيم أو صالح
[ 169 ]
(قال ابن عيسى) هو محمد (هكذا أي بالشك (قال) أي علي رضي الله عنه (زمان عضوض) قال في القاموس عضضته وعليه كسمع ومنع عضا وعضيضا أمسكته بأسناني أو بلساني وبصاحبي عمرو عضيضا قبل لزمته أو العضيض العض الشديد والقرين وعض الزمان والحرب شدتهما أو هما بالظاء وعض الأسنان بالضاد (يعض الموسر) أي صاحب يسار (على ما في يديه) أي بخلا (ولم يؤمر بذلك) بل أمر بالجود (ولا تنسوا الفضل بينكم) أي أن يتفضل بعضكم على بعض (ويبايع المضطرون) عطف على قوله يعض الموسر (وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر) قال في النهاية هذا يكون من وجهين أحدهما أن يضطر إلى العقد من طريق الإكراه عليه وهذا بيع فاسد لا ينعقد والثاني أن يضطر إلى البيع لدين ركبه أو مؤنة ترهقه فيبيع ما في يديه بالوكس للضرورة وهذا سبيله في حق الدين والمروءة أن لا يبايع على هذا الوجه ولكن يعار ويقرض إلى الميسرة أو يشتري إلى الميسرة أو يشتري السلعة بقيمتها فإن عقد البيع مع الضرورة على هذا الوجه صح مع كراهة أهل العلم ومعنى البيع ها هنا الشراء أو المبايعة أو قبول البيع (وبيع الغرر) تقدم تفسيره (قبل أن تدرك) بضم أوله وكسر الراء قال في القاموس وأدرك الشئ بلغ وقته والمراد قبل أن يبدو صلاحها قال المنذري في أسناده رجل مجهول باب في الشركة بكسر الشين وسكون الراء وذكر صاحب الفتح فيها أربع لغات فتح الشين وكسر الراء وكسر الشين وسكون الراء وقد تحذف الهاء وقد يفتح أوله مع ذلك وهي لغة الإختلاط وشرعا ثبوت الحق في شئ لإثنين فأكثر على جهة الشيوع وقد تحدث الشركة قهرا كالإرث أو باختيار كالشراء (عن أبي حيان التيمي عن أبيه الخ) قال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي هذا
[ 170 ]
الحديث صححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان والد أبي حيان فإنه لا يعرف له حال ولا يعرف روى عنه غير ابنه وقال الحافظ ابن حجر ذكره ابن حبان في الثقات وذكره أنه روى عنه أيضا الحارث بن يزيد كذا في مرقاة الصعود قلت اسم أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان قال في التقريب ثقة عابد وأبوه سعيد ابن حيان التيمي وثقه العجلي كما في التقريب (أنا ثالث الشريكين) أي معهما بالحفظ والبركة أحفظ أموالهما وأعطيهما يحيى الرزق والخير في معاملتهما (خرجت من بينهم) وفي بعض النسخ من بينهما بالتثنية وهو الظاهر أي زالت البركة بإخراج الحفظ عنهما وزاد رزين وجاء الشيطان أي ودخل بينهما وصار ثالثهما قال الطيبي رحمه الله الشركة عبارة عن اختلاط أموال بعضهم ببعض بحيث لا يتميز وشركة الله تعالى إياهما على الاستعارة كأنه تعالى جعل البركة والفضل والربح بمنزلة المال المخلوط فسمى ذاته تعالى ثالثهما وجعل خيانة الشيطان ومحقه البركة بمنزلة المخلوط وجعله ثالثهما وقوله خرجت من بينهما ترشيح الاستعارة وفيه استحباب الشركة فإن البركة منصبة من الله تعالى فيها بخلاف ما إذا كان منفردا لأن كل واحد من شريكين يسعى في غبطة صاحبه وأن الله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم والحديث سكت عنه المنذري باب في المضارب يخالف المضاربة هي قطع الرجل من أمواله دافعا إلى الغير ليعامل فيه ويقسم الربح قاله الطيبي وهي مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر لما كان الربح يحصل في الغالب
[ 171 ]
بالسفر أو من الضرب في المال وهو التصرف والعامل مضارب بكسر الراء وتسمى المضاربة في لغة أهل الحجاز قراضا بكسر القاف (عن شبيب بن غرقدة) بفتح المعجمة والقاف بينهما راء ساكنة (حدثني الحي) بفتح المهملة وتشديد التحتانية أي القبيلة وهم غير معروفين كما صرح به البيهقي والخطابي وسيجئ وفي بعض النسخ يحيى وهو غلط (يعني ابن الجعد) بفتح جيم وسكون عين مهملة وقيل ابن أبي الجعد (البارقي) نسبة إلى بارق بكسر الراء بطن من الأزد وهو بارق بن عدي بن حارثه وإنما قيل له بارنزل عند جبل يقال له بارق فنسب إليه قاله النووي في تهذيب الأسماء (أعطاه) أي عروة (دينارا يشتري به) فيه دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها أن يشتري به شاتين بالصفة المذكورة لأن مقصود الموكل قد حصل وزاد الوكيل خيرا ومثل هذا لو أمره يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بأن يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم وهو الصحيح عند الشافعية كما نقله النووي قاله الشوكاني (أو شاة) شك من الراوي (فباع إحداهما) فيه دليل على صحة بيع الفضولي وبه قال
[ 172 ]
مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعي في القديم وقواه النووي وهو مروي عن جماعة من السلف منهم علي ابن عباس وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم وقال الشافعي في الجديد إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان لقوله صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك وأجاب عن حديث عروة البارقي بما فيه من المقال وعلى تقدير الصحة فيمكن أنه كان وكيلا بالبيع بقرينة فهمه منه صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة إنه يكون البيت الموقوف صحيحا دون الشراء والوجه أن الإخراج عن ملك المالك مفتقر إلى إذنه بخلاف الإدخال ويجاب بأن الإدخال للمبيع في الملك يستلزم الإخراج من الملك للثمن وروي عن مالك العكس من قول أبي حنيفة فإن صح فهو قوي لأن فيه جمعا بين الأحاديث قاله الشوكاني (فكان لو اشترى) أي عروة (ترابا لربح فيه) هذا مبالغة في ربحه أو حقيقة فإن بعض أنواع التراب يباع والحديث لا يدل صريحا على ما ترجم به المؤلف رحمه الله لأن القصة المذكورة فيه ليست من باب المضاربة كما لا يخفى وبوب الشيخ ابن تيمية في المنتقى بقوله باب من وكل في شراء شئ فاشترى بالثمن أكثر منه وتصرف في الزيادة وأورد فيه هذا الحديث قال الخطابي واختلف الفقهاء في المضارب إذا خالف رب المال فروي عن ابن عمر أنه قال الربح لصاحب المال وعن أبي قلابة ونافع أنه ضامن والربح لرب المال وبه قال أحمد وإسحاق وكذلك الحكم عند أحمد في من استودع مالا فاتجر فيه بغير صاحبه أن الربح لرب المال وقال أصحاب الرأي الربح للمضارب ويتصدق به والوضيعة عليه وهو ضامن لرأس المال في الوجهين معا وقال الأوزاعي إن خالف وربح فالربح له في القضاء وهو يتصدق به في الورع والفتيا ولا يصلح لواحد منهما
[ 173 ]
وقال الشافعي إذا خالف المضارب نظرا فإن اشترى السلعة التي لم يؤمر بها بعين المال فالبيع باطل وإن اشتراها بغير العين فالسلعة ملك للمشتري وهو ضامن للمال انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه انتهى قلت وقد رواه (أي في صحيحه في كتاب بدء الخلق في الباب الذي قبل باب فضائل الصحابة) البخاري أيضا من طريق ابن عينية عن شبيب بن غرقدة سمعت الحي يحدثون عن عروة قال البيهقي هو مرسل لأن شبيب بن غرقدة لم يسمعه من عروة وإنما سمعه من الحي وقال الرافعي هو مرسل قال الحافظ الصواب أنه متصل في إسناده مبهم والله أعلم (أخبرنا الزبير بن الخريت) بكسر المعجمة والراء المشددة وآخره مثناة (فتصدق به) أي بالدينار جعل جماعة من أهل العلم هذا أصلا فقالوا من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقا فإنه يتصدق به ووجه الشبه ها هنا أنه لم يأذن لعروة ولا لحكيم بن حزام في بيع الأضحية ويحتمل أن يتصدق به لأنه قد خرج عنه للقربة لله تعالى في الأضحية فكره أكل ثمنها قاله في النيل قال الخطابي هذا الحديث مما يحتج به أصحاب الرأي لأنهم يجيزون بيع مال زيد من عمرو بغير إذن منه أو توكيل به ويتوقف البيع على إجازة المالك فإذا أجازه صح إلا أنهم لم يجيزوا الشراء له بغير إذنه وأجاز مالك بن أنس الشراء والبيع معا وكان الشافعي لا يجيز شيئا من ذلك لأنه غرر ولا يدري هل يجيزه أم لا وكذلك لا يجيز النكاح الموقوف على رضى المنكوحة أو إجازة الولي غير أن الخبرين معا غير متصلين لأن في أحدهما وهو خبر حكيم بن حزام رجلا مجهولا لا يدرى من هو وفي خبر عروة أن الحي حدثوه وما كان هذا سبيله من
[ 174 ]
الرواية لم تقم به الحجة وقد ذهب بعض من لم يجز البيع الموقوف في تأويل هذا الحديث إلى أن وكالته وكالة تفويض وإطلاق وإذا كانت الوكالة مطلقة فقد حصل البيع والشراء عن إذن انتهى قال المنذري وفي إسناده مجهول وأخرجه الترمذي من حديث حبيب ابن أبي ثابت عن حكيم بن حزام وقال ولا نعرفه إلا من هذا الوجه وحبيب ابن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم ابن حزام هذا آخر كلامه وحكى المزني عن الشافعي أن حديث البارقي ليس بثابت عنده قال أبو بكر البيهقي وإنما ضعف حديث البارقي لأن شبيب بن غرقدة رواه عن الحي وهم غير معروفين وحديث حكيم بن حزام إنما رواه شيخ غير مسمى وقال في موضع آخر الحي الذين أخبروا شبيب بن غرقدة عن عروة البارقي لا نعرفهم والشيخ الذي أخبر أبا حصين عن حكيم بن حزام لا نعرفه وليس هذا من شرط أصحاب الحديث في قبول الأخبار والله أعلم وذكر الخطابي أن الخبرين معا غير متصلين لأن في أحدهما وهو خبر حكيم بن حزام رجلا مجهولا لا يدري من هو وفي خبر عروة أن الحي حدثوه وما كان هذا سبيله من الرواية لم تقم به الحجة هذا آخر كلامه فأما تخرجه له في صدر حديث الخير معقود بنواصي الخيل فيحتمل أنه سمعه من علي بن المديني على التمام فحدث به كما سمعه وذكر فيه إنكار شبيب بن غرقدة بسماعه من عروة حديث شراء الشاة وإنما سمعه من الحي عن عروة وإنما سمع من عروة قوله صلى الله عليه وسلم الخير معقود بنواصي الخيل ويشبه أن الحديث في الشراء لو كان على شرطه لأخرجه في كتاب البيوع وكتاب الوكالة كما جرت عادته في الحديث الذي يشتمل على أحكام أن يذكره في الأبواب التي تصلح له ولم يخرجه إلا في هذا الموضع وذكر بعده حديث الخيل من رواية عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبي هريرة فدل ذلك على أن مراده حديث الخيل فقط إذ هو على شرطه وقد أخرج مسلم حديث شبيب بن غرقدة عن عروة مقتصرا على ذكر الخيل ولم يذكر حديث الشاة وقد أخرج الترمذي حديث شراء الشاة من رواية أبي لبيد لمازة بن زبار عن عروة وهو من هذا الطريق حسن والله أعلم انتهى كلام المنذري
[ 175 ]
باب في الرجل يتجر في مال الرجل الخ (مثل صاحب فرق الأرز) بفتح الفاء والراء بعدها قاف وقد تسكن الراء قال في القاموس مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع أو يسع ستة عشر رطلا والأرز فيه ست لغات فتح الألف وضمها مع ضم الراء وتضم الألف مع سكون الراء وتخفيف الزاي وتشديدها والرواية هنا بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي قاله القسطلاني وقال في القاموس الأرز حب معروف وقال في الصراح أرز برنج (فذكر حديث الغار) لم يدكره الرحمن أبو داود بطوله وذكره البخاري مطولا في ذكر بني إسرائيل والمزارعة والبيوع وغيرها وذكره مسلم في التوبة (فثمرته) من التثمير أي كثرت الأرز وزدته بالزراعة (له) أي للأجير (ورعائها) جمع راع واستدل أبو داود بهذا الحديث على جواز تجارة الرجل في مال الرجل بغير إذنه وقد تقدم اختلاف العلماء في هذه المسألة في الباب المتقدم وترجم البخاري في صحيحه باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي ثم ذكر هذا الحديث وقال القسطلاني في شرح البخاري وموضع الترجمة من هذا الحديث قوله إني استأجرت الخ فإن فيه تصرف الرجل في مال الأجير بغير إذنه فاستدل به المؤلف رحمه الله على جواز بيع الفضولي وشرائه والقول بصحة بيع الفضولي هو مذهب المالكية وهو القول القديم للشافعي رضي الله عنه فينعقد موقوفا على إجازة المالك إن أجازه نفد وإلا لغا والقول الجديد بطلانه وقد أجيب عما وقع هنا بأن الظاهر أن الرجل الأجير لم يملك الفرق لأن
[ 176 ]
المستأجر لم يستأجره بفرق معين وإنما استأجره بفرق في الذمف لما عرض عليه قبضه امتنع لرداءته فلم يدخل في ملكه بل بقي حقه متعلقا بذمة المستأجر لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح فالنتاج الذي حصل على ملك المستأجر تبرع به للأجير بتراضيهما وغاية ذلك أنه أحسن القضاء فأعطاه حقه وزيادات كثيرة ولو كان الفرق تعين للأجير لكان تصرف المستأجر فيه تعديا انتهى كلام القسطلاني مختصرا وهذا الجواب مدفوع من وجوه شتى وليس هذا المختصر محل لبيانه قال المنذري وأخرجه البخاري ولمسلم بنحوه أتم منه باب في الشركة على غير رأس مال أي الشركة بين الناس على غير أصل المال على الأجرة والعمل فما يحصل هم بعد العمل والأجرة فهو يشترك بينهم (عن عبد الله) هو ابن مسعود رضي الله عنه (اشتركت أنا وعمار وسعد إلخ) استدل بهذا الحديث على جواز شركة الأبدان وهي أن يشترك العاملان فيما يعملانه فيوكل كل واحد منهما صاحبه أن يتقبل ويعمل عنه في قدر معلوم مما استؤجر عليه ويعينان الصنعة وقد ذهب إلى صحتها مالك بشرط اتحاد الصنعة وإلى صحتها ذهب أبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي شركة الأبدان كلها باطلة لأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده وهذا كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فلا يصح وأجابت الشافعية عن هذا الحديث بأن غنائم بدر كانت لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم يدفعها لمن يشاء وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة وغيره ممن قال إن الوكالة في المباحات لا تصح كذا في النيل قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وهو منقطع وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه
[ 177 ]
باب في المزارعة هي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع كالثلث والربع وغير ذلك من الأجزاء المعلومة والبذر يكون من مالك الأرض قاله النووي (فذكرته) أي (ما سمعته من رافع بن خديج فقال) أي طاووس (لم ينه عنها) أي عن المزارعة (ليمنح) بفتح الياء والنون أي ليجعلها منيحة أي عارية (خراجا معلوما) أي أجرة معلومة قال الخطابي خبر رافع بن خديج من هذه الطريق خبر مجمل تفسره الأخبار التي رويت عن نافع بن خديج وعن غيره من طرق أخرى وقد عقل ابن عباس المعنى من الخبر وأن ليس المراد به تحريم المزارعة بشطر ما تخرجه الأرض وإنما أراد بذلك أن يتما نحو أرضهم وأن يرفق بعضهم بعضا وقد ذكر رافع بن خديج في رواية أخرى عنه النوع الذي حرم منها والعلة التي من أجلها نهي عنها وذكره أبو داود في هذا الباب قلت أراد بهذه الرواية رواية رافع بن خديج الآتية في الباب من طريق ربيعة بن أبي عبد الله عن حنظلة بن قيس الأنصاري عنه قال الخطابي وقد ذكر زيد بن ثابت العلة والسبب الذي خرج عليه الكلام في ذلك وبين الصفة التي وقع عليها النهي ورواه أبو داود في هذا الباب قلت أراد بهذه الرواية الرواية التالية من طريق عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت قال الخطابي وضعف أحمد ابن حنبل حديث رافع وقال هو كثير الألوان يريد اضطراب هذا الحديث واختلاف الروايات عنه فمرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرة يقول حدثني عمومتي عنه وجوز أحمد المزارعة وكان و احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى اليهود أرض خيبر مزارعة ونخلها مساقاة وأجازها ابن أبي ليلى ويعقوب ومحمد وهو قول ابن المسيب وابن سيرين والزهري وعمر بن عبد العزيز وأبطلها أبو حنيفة ومالك والشافعي قال الخطابي وإنما صار هؤلاء إلى ظاهر الحديث من رواية رافع بن خديج ولم يقفوا على علته كما وقف عليها أحمد فالمزراعة روى على النصف والثلث والربع وعلى
[ 178 ]
ما تراضى به الشريكان جائزة إذا كانت الحصص معلومة والشروط الفاسدة معدومة وهي عمل المسلمين في بلدان الإسلام وأقطار الأرض شرقها وغربها وقد أنعم بيان هذا الباب محمد بن إسحاق بن خزيمة وجوده وصنف في المزارعة مسألة ذكر فيها علل الأحاديث التي وردت فيها انتهى كلام الخطابي قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (إنما أتاه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قال مسدد من الأنصار) أي زاد مسدد في روايته هذا اللفظ بعد قوله رجلان (ثم اتفقا) أي أبو بكر ومسدد (فلا تكروا) من الإكراء (فسمع) أي رافع بن خديج (قوله) أي قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا تكروا الخ والمعنى أن رافع بن خديج سمع قوله لا تكروا المزارع ولم يعلم أنه معلق على الشرط السابق وهو صورة النزاع والجدال وتعميم رافع غير صحيح ولعل هذا الخبر لما بلغ رافعا رجع عن التعميم كما روي عن حنظلة بن قيس أنه سأل عن رافع فقال لم ننه أن نكري الأرض بالورق كذا في إنجاح الحاجة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (بما على السواقي من الزرع) في القاموس الساقية النهر الصغير أي بما ينبت على أطراف النهر (وما سعد) أي جرى (بالماء منها) أي من السواقي يريد أنا نجعل ما جرى عليه الماء من الزرع بلا طالب لصاحب الزرع كذا في فتح الودود
[ 179 ]
وقال في المجمع أي ما جاءنا من الماء سيحا لا يحتاج إلى دالية وقيل معناه ما جاءنا من غير طلب قال الأزهري السعيد النهر مأخوذ من هذا وجمعه سعد انتهى ولفظ النسائي من هذا الوجه عن سعد بن أبي وقاص قال كان أصحاب المزارع يكرون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مزارعهم بما يكون على الساقي من الزرع فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصموا في بعض ذلك فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكروا بذلك وقال اكروا بالذهب والفضة قال المنذري وأخرجه النسائي (بما على الماذيانات) قال النووي بذال معجمة مكسورة ثم ياء مثناة تحت ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم مثناة فوق هذا هو المشهور وحكى القاضي عن بعض الرواة فتح الذال في غير صحيح مسلم وهي مسائل المياه وقيل ما ينبت على حافتي مسيل الماء وقيل ما ينبت حول السواقي وهي لفظة معربة قال الخطابي هي الأنهار وهي من كلام العجم صارت دخيلا في كلامهم انتهى (وأقبال الجداول) أقبال بفتح الهمزة جمع قبل بالضم أي رؤوس الجداول وأوائلها والجداول جمع الجدول وهو النهر الصغير كالساقية والقبل أيضا رأس الجبل قال الخطابي قد أعلمك رافع بن خديج في هذا الحديث أن المنهي عنه هو المجهول منه دون المعلوم وأنه كان من عادتهم أن يشترطوا فيها شروطا فاسدة وأن يستثنوا من الزرع ما على السواقي والجداول ويكون خاصا لرب الأرض والمزارعة شركة وحصة الشريك لا يجوز أن تكون مجهولة وقد يسلم ما على السواقي ويهلك سائر الزرع فيبقى المزارع لا شئ له وهذا غرر وخطر انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه
[ 180 ]
(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض الخ) قال المنذري وهو طرف من الحديث الذي قبله باب في التشديد في ذلك أي في النهي عن المزارعة قال الخطابي ذكر أبو داود في هذا الباب طرقا لحديث رافع بن خديج بألفاظ مختلفة وسبيلها كلها أن يرد المجمل منها إلى المفسر من الأحاديث التي تقدم ذكرها وقد بينا عللها انتهى (كان يكري) بضم الياء من الإكراء (سمعت عمي) بتشديد الميم والياء المفتوحتين تثنية
[ 181 ]
العم مضافا إلى ياء المتكلم (أن الأرض تكري) بصيغة المجهول (أحدث في ذلك شيئا لم يكن علمه) أي حكم بما هو ناسخ لما كان يعلمه من جواز الكراء قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وعماه هما ظهير ومظهر ابنا رافع وذكر أبو داود أن رواة نافع يعني مولى ابن عمر رووه عن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن نافع عن رافع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي النجاشي عن رافع عن عمه ظهير بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الطرق التي ذكرناها كلها أسانيدها جيدة وقال الإمام أحمد بن حنبل كثير الألوان انتهى كلام المنذري (رواه أيوب) وحديثه عند مسلم من طريق يزيد بن زريع عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من خلافة معاوية حتى بلغه في آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأنا معه فسأله فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع فتركها ابن عمر بعد فكان أذا سئل عنها بعد قال زعم ابن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها وأخرجه النسائي أيضا (وعبيد الله) بن عمر وحديثه عند النسائي من طريق خالد بن الحارث حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع أن رجلا أخبر ابن عمر أن رافع بن خديج يأثر في كراء الأرض حديثا فانطلقت معه أنا والرجل الذي أخبره حتى أتى رافعا فأخبره رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض فترك عبد الله كراء الأرض والحديث أخرجه مسلم مختصرا (وكثير بن فرقد) وحديثه عند النسائي من طريق الليث عن كثير بن فرقد عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكري المزارع فحدث أن رافع بن خديج يأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك قال نافع فخرج إليه على البلاط وأنا معه فسأله فقال نعم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع فترك الله كراءها (ومالك) الإمام كلهم (عن نافع) مولى بن عمر (عن رافع) ابن خديج (عن النبي صلى الله عليه وسلم) من غير ذكر واسطة بين رافع وبين النبي صلى الله عليه وسلم ومن غير ذكر بيان السماع
[ 182 ]
لرافع عن النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث (عن حفص بن عنان) بكسر المهملة ونونين اليمامي وحديثه عند النسائي وفيه المذاكرة بين عبد الله بن عمر ورافع بن خديج فقال له عبد الله أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض فقال رافع سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تكروا الأرض بشئ والحديث فيه التصريح بسماع رافع لهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (وكذلك) أي بذكر السماع عن النبي صلى الله عليه وسلم (زيد بن أبي أنيسة) وحديثه عند مسلم مختصرا (وكذا) أي بذكر السماع (عكرمة بن عمار) وحديثه عند مسلم مختصرا (عن أبي النجاشي) ولفظ مسلم من طريق يحيى
[ 183 ]
ابن حمزة حدثني أبو عمرو الأوزاعي عن أبي النجاشي مولى رافع بن خديج عن رافع أن ظهير بن رافع وهو عمه قال أتاني ظهير قال لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان بنا رافقا فقلت وما ذاك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق قال سألني كيف تصنعون بمحاقلكم فقلت نؤاجرها يارسول الله صلى الله عليه وسلم على الربيع أو الأوسق من التمر أو الشعير قال فلا تفعلوا ازرعوها أو أزرعوها أو أمسكوها والحاصل أن سالم بن عبد الله بن عمر روى حديث رافع بن خديج فذكر فيه واسطة عمي رافع بن خديج وأما نافع مولى ابن عمر فاختلف عليه فمنهم من رواه عن نافع عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من رواه عن نافع عن ابن عمر عن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما أبو النجاشي فاختلف عليه أيضا فمنهم من رواه عنه عن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من رواه عنه عن رافع عن عمه ظهير عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال أبو داود أبو النجاشي الخ) بفتح النون وتخفيف الجيم وكسر الشين المعجمة أي اسم أبي النجاشي عطاء بن صهيب
[ 184 ]
(كنا نخابر) أي نزارع ولم أو نقول بجواز المزارعة ونعتقد صحتها قاله القاري (فذكر) أي رافع (أتاه) أي رافعا (فقال) أي بعض عمومته (وطواعية الله) أي طاعته وهو مبتدأ وخبره أنفع (وأنفع) كرر للتأكيد (وما ذاك) أي الأمر الذي كان لكم نافعا (فليزرعها) من زرع يزرع بفتح الراء أي ليزرعها بنفسه (أو ليزرعها) من باب الإفعال أي ليعطيها لغيره يزرعها بغير أجرة (ولا يكاريها) وفي بعض النسخ ولا يكارها بالنهي قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه
[ 185 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 186 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 187 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 188 ]
(أو منيحة يمنحها رجل) أي عطية يعطيها رجل والحديث سكت عنه المنذري (أن أسيد بن ظهير) بالتصغير فيهما (عن الحقل) أي الزرع يعني كراء المزارع كذا في فتح الودود (فليمنحها أخاه) أي بفتح النون وكسرها من باب ضرب يضرب والإسم المنحة بالكسر وهي العطية أي يجعلها منيحة أي عارية (أو ليدع) أي ليترك فارغة إن لم يزرعها بنفسه (هكذا) أي كما روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن أسيد بن ظهير عن رافع بن خديج (رواه شعبة ومفضل بن مهلهل عن منصور) عن مجاهد عن أسيد عن رافع فهؤلاء الثلاثة جعلوه من مسندات رافع بن خديج وكذا رواه جرير عن منصور مثل رواية سفيان وكذا سعيد بن عبد الرحمن عن مجاهد ورواية هؤلاء كلهم عند النسائي وأما عبد الحميد بن جرير فرواه عن أبيه عن رافع بن أسيد بن ظهير عن أبيه أسيد بن ظهير فجعله من مسندات أسيد بن ظهير وروايته عند النسائي وإلى هذا الاختلاف أشار المؤلف الإمام والله أعلم (قال شعبة) أي في بعض روايته (أسيد ابن أخي رافع بن خديج) ولم يذكر شعبة في بعض روايته هذا اللفظ بل قال أسيد بن ظهير كما عند النسائي قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه
[ 189 ]
(أخبرنا أبو جعفر الخطي) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء اسمه عمير بن يزيد (أنا وغلاما) أنا ضمير مرفوع استعير للمنصوب (شئ) مبتدأ خبره بلغنا (بها) أي بالمزارعة (وردوا عليه) أي على الفلان (أفقر أخاك) أي أعره أرضك للزراعة وأصل الإفقار بين في إعارة الظهر يقال أفقرت الرجل بعيري إذا أعرته ظهرا للركوب قاله الخطابي (أو أكره) أمر للمخاطب من الإكراء والضمير المنصوب لأخاك أهل قال المنذري وأخرجه النسائي (عن المحاقلة) هي اكتراء الأرض بالحنطة كذا فسر في الحديث وقيل هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما وقيل بيع الطعام في سنبله بالبر وقيل بيع الزرع قبل إدراكه قاله في المجمع (والمزابنة) هي بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر (ورجل منح أرضا) أي أعطى عارية قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا وأخرجه ابن ماجه (قال حدثني عثمان بن سهل) قال في الأطراف والصواب عيسى بن سهل كما رواه النسائي (معه) أي مع رافع (عمران بن سهل) بدل من أخي (عن كري الأرض) وفي بعض النسخ عن كراء الأرض قال المنذري
[ 190 ]
وأخرجه النسائي وقال عيسى بن سهل بن رافع وهو الصواب (فقال أربيتما) أي أتيتما بالربا أي بالعقد الغير الجائز وهذا الحديث يقتضي أن الزرع بالعقد الفاسد ملحق في أرض الغير بإذنه ثم قيل إن حديث رافع مضطرب فيجب تركه والرجوع إلى حديث خيبر وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من تمر أو زرع وهو يدل على جواز المزارعة وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد وكثير من العلماء أخذوا بالمنع مطلقا أو إلا تبعا للمساقاة كذا في فتح الودود قال القاري والفتوى على قولهما انتهى قال النووي وتأولوا أي القائلون بجواز المزارعة أحاديث النهي تأويلين أحدهما حملها على إجارتها بما على الماذيانات أو بزرع قطعة معينة أو بالثلث والربع ونحو ذلك كما فسره الرواة في هذه الأحاديث التي ذكرناها والثاني حملها على كراهة التنزيه والإرشاد إلى إعارتها وهذان التأويلان لا بد منهما أو من أحدهما للجمع بين الأحاديث وقد أشار إلى هذا التأويل الثاني البخاري وغيره انتهى قال المنذري في إسناده بكير بن عامر البجلي الكوفي وقد تكلم فيه غير واحد في زرع الأرض بغير إذن صاحبها (من زرع في أرض قوم إلخ) فيه دليل على أن من غصب أرضا وزرعها كان الزرع
[ 191 ]
للمالك للأرض وللغاصب ما غرمه في الزرع يسلمه له مالك الأرض قال الترمذي والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق قال ابن رسلان في شرح السنن وقد استدل به كما قال الترمذي أحمد على أن من زرع بذرا في أرض غيره واسترجعها صاحبها فلا يخلو إما أن يسترجعها مالكها ويأخذها بعد حصاد الزرع أو يسترجعها والزرع قائم قبل أن يحصد فإن أخذها مستحقها بعد حصاد الزرع فإن الزرع لغاصب الأرض لا نعلم فيها خلافا وذلك لأنه نماء ماله وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم وضمان نقص الأرض وتسوية حفرها وإن أخذ الأرض صاحبها من الغاصب والزرع قائم فيها لم يملك إجبار الغاصب على قلعه وخير المالك بين أن يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له أو يترك الزرع للغاضب وبهذا قال أبو عبيد وقال الشافعي وأكثر الفقهاء إن صاحب الأرض يملك إجبار الغاصب على قلعه واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق ويكون الزرع لمالك البذر عندهم على كل حال وعليه كراء الأرض ومن جملة ما استدل به الأولون ما أخرجه أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زرعا في أرض ظهير فأعجبه الحديث وقد تقدم آنفا فدل على أن الزرع تابع للأرض قال الشوكاني ولا يخفى أن حديث رافع بن خديج أخص من قوله ليس لعرق ظالم حق مطلقا فيبنى العام على الخاص وهذا فرض أن قوله صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق
[ 192 ]
يدل على أن الزرع لرب البذر فيكون الراجح ما ذهب إليه أهل القول الأول من أن الزرع لصاحب الأرض إذا استرجع أرضه والزرع فيها وأما إذا استرجعها بعد حصاد الزرع فظاهر الحديث أنه أيضا لرب الأرض ولكنه إذا صح الإجماع على أنه للغاضب كان مخصصا لهذه الصورة وقد روي عن مالك وأكثر علماء المدينة مثل ما قاله الأولون وقال ابن رسلان إن حديث ليس لعرق ظالم حق في ورد الغرس الذي له عرق مستطيل في الأرض وحديث رافع ورد في الزرع فيجمع بين الحديثين ويعمل بكل واحد منهما في موضعه انتهى ولكن قال الشوكاني ما ذكرناه من الجمع أرجح لأن بناء العام على الخاص أولى من المصير إلى قصر العام على السبب من غير ضرورة (وله نفقته) أي للغاصب ما أنفقه على الأرض من المؤنة في الحرث والسقي وقيمة البذر وغير ذلك وقيل المراد بالنفقة قيمة الزرع فتقدر قيمته ويسلمها المالك والظاهر الأول قال الإمام أبو سليمان الخطابي بعد ما ضعف الحديث ويشبه أن يكون معناه لو صح وثبت على العقوبة والحرمان للغاصب والزرع في قول عامة الفقهاء لصاحب البذر لأنه تولد من عين ماله وتكون منه وعلى الزارع كراء الأرض غير أن أحمد بن حنبل كان يقول إذا كان الزرع قائما فهو لصاحب الأرض فأما إذا حصد فإنما يكون له الأجرة وحكى ابن المنذر عن أبي داود قال سمعت أحمد بن حنبل سئل عن حديث رافع بن خديج فقال عن رافع ألوان ولكن أبا إسحاق زاد فيه زرع بغير إذنه وليس غيره يذكر هذا الحرف انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب لا نعرف من حديث أبي إسحاق إلا من هذا الوجه من حديث شريك بن عبد الله قال وسألت محمد بن إسماعيل يعني البخاري عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن وقال لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شريك وقال الخطابي هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث وحدثني الحسن بن يحيى عن موسى بن هارون الحمال أنه ينكر هذا الحديث ويضعفه ويقول لم يروه عن أبي إسحاق غير شريك ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق وعطاء لم يسمع من رافع بن خديج
[ 193 ]
شيئا وضعفه البخاري أيضا وقال تفرد بذلك شريك عن أبي إسحاق وشريك يهم كثيرا أو أحيانا وقال الخطابي أيضا وحكى ابن المنذر عن أبي داود قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن حديث رافع بن خديج فقال عن رافع ألوان ولكن أبا إسحاق زاد فيه زرع بغير إذنه وليس غيره يذكر هذا الحرف انتهى كلام المنذري في المخابرة قال النووي المخابرة والمزارعة متقاربتان وهما المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع كالثلث والربع وغير ذلك من الأجزاء المعلومة لكن في المزارعة يكون البذر من مالك الأرض وفي المخابرة يكون البذر من العامل هكذا قاله جمهور أصحابنا وهو ظاهر نص الشافعي وقال بعض أصحابنا وجماعة من أهل اللغة هما بمعنى انتهى (أخبرنا إسماعيل) هو ابن علية كما عند مسلم (أن حمادا) هو ابن زيد (حدثاهم) ضمير التثنية يرجع إلى حماد وعبد الوارث وضمير الجمع إلى مسدد وغيره ممن رواه عنهما كعبيد الله بن عمر القواريري ومحمد بن عبيد العنبري فإنهما روياه أيضا عن حماد بن زيد كمسدد وروايتهما عند مسلم (كلهم) أي إسماعيل وحماد وعبد الوارث (عن أبي الزبير) عن جابر بن عبد الله (قال) أي مسدد في روايته (عن حماد) بن زيد (وسعيد بن ميناء) فقرن حماد بن زيد بأبي الزبير سعيد بن ميناء ولفظ مسلم من طريق القواريري حدثنا حماد بن زيد قال أخبرنا أيوب عن أبي الزبير وسعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله (ثم اتفقوا) أي قال كلهم
[ 194 ]
عن جابر بن عبد الله (عن المحاقلة) قال في النهاية محاقلة مختلف فيها قيل هي اكتراء الأرض بالحنطة هكذا جاء مفسرا في الحديث وهو الذي يسميه الزراعون المحارثة حديث وقيل هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما وقيل هي بيع الطعام في سنبله بالبر وقيل بيع الزرع قبل إدراكه وإنما نهى عنها لأنها من المكيل ولا يجوز فيه إذا كانا من جنس واحد إلا مثلا بمثل ويدا بيد وهذا مجهول لا يدرى أيهما أكثر انتهى وتقدم أيضا معناه في الباب الذي قبله (والمعاومة) هي بيع السنين وتقدم معناه في باب بيع السنين (قال) أي مسدد (عن حماد) بن زيد (قال أحدهما) أي أبو الزبير أو سعيد بن ميناء فقال أحدهما لفظ المعاومة وقال الآخر لفظ بيع السنين (ثم اتفقوا) كلهم على هذا اللفظ أي ونهى عن الثنيا وتقدمت رواية مسدد عن حماد عن أيوب عن أبي الزبير وسعيد بن ميناء في باب بيع السنين (وعن الثنيا) أي الاستثناء المجهول كأن يقول بعتك هذه الصبرة إلا بعضها وهذه الأشجار والأغنام والثياب ونحوها إلا بعضها فلا يصح البيع لأن المستثنى مجهول وأما إذا كان الاستثناء معلوما فيصح البيع باتفاق العلماء قاله النووي (ورخص في العرايا) تقدم شرحه في باب العرايا قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه (السيارى) بفتح السين المهملة والياء المشددة بعدها منسوب إلى سيار هو من أجداده (وعن الثنيا إلا أن يعلم) أي إلا أن يكون الاستثناء معلوما كأن يقول بعتك هذه الأشجار إلا هذه الشجرة فيصح البيع قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه
[ 195 ]
(قال) أي ابن رجاء (ابن خثيم حدثني) مبتدأ وخبر (من لم يذر المخابرة أي لم يتركها وهي العمل على أرض ببعض ما يخرج منها (فليؤذن) بصيغة المجهول أي ليخبروا بالفارسية اكاه عند كرده شود والحديث فيه تهديد وتغليظ ووجه النهي أن منفعة الأرض ممكنة بالإجارة فلا حاجة للعمل عليها ببعض ما يخرج منها قاله المناوي والحديث سكت عنه المنذري (قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة الخ) قال الإمام بن تيمية في المنتقى وما ورد من النهي المطلق عن المخابرة والمزارعة يحمل على ما فيه مفسدة كما بينته هذه الأحاديث أي التي ذكرها أو يحمل على اجتنابها ندبا واستحبابا فقد جاء ما يدل على ذلك فروى عمرو بن دينار قال قلت لطاووس لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها فقال إن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها وقال لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما رواه أحمد والبخاري والحديث سكت عنه المنذري في المساقاة هي أن يدفع صاحب النخل نخلة إلى الرجل ليعمل بما فيه صلاحها وصلاح ثمرها ويكون له الشطر من ثمرها وللعامل الشطر فيكون من أحد الشقين رقاب الشجر ومن الشق الآخر العمل كالمزارعة قاله الخطابي (بشطر ما يخرج) أي بنصفه وفيه بيان الجزء المساقى عليه من نصف أو ربع وغيرهما
[ 196 ]
من الأجزاء المعلومة فلا يجوز على مجهول كقوله على أن لك بعض الثمر (من ثمر) بالمثلثة إشارة إلى المساقاة (أو زرع) إشارة إلى المزارعة والحديث يدل على جواز المساقاة وبه قال مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وجميع فقهاء المحدثين وأهل الظاهر وجماهير العلماء وقال أبو حنيفة لا يجوز قاله النووي قال الخطابي وخالف أبا حنيفة صاحباه فقالا بقول الجماعة من أهل العلم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (يعني ابن غنج) بفتح المعجمة والنون بعدها جيم مقبول من السابعة قاله في التقريب (وأرضها) أي أرض خيبر (على أن يعتملوها) أي يسعوا فيها بما فيه عمارة أرضها وإصلاحها ويستعملوا آلات العمل كلها من الفأس والمنجل وغيرهما (شطر ثمرتها) أي نصفها وكأن المراد من الثمر ما يعم الزرع قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (أخبرنا جعفر بن برقان) بضم الموحدة وسكون الراء (أن له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (وكل صفراء) أي الذهب (وبيضاء) أي الفضة (يصرم النخل) أي يقطع ثمرها ويجد والصرام قطع
[ 197 ]
الثمرة واجتناؤها لأنه (عبد الله بن رواحة) بفتح الراء (فحزر عليهم النخل) بتقديم الزاي على الراء والحزر هو الخرص والتقدير (فقال) أي ابن رواحة (في ذه) أي في هذه النخلات (ألى) بصيغة المتكلم من الولاية (قالوا) أي أهل خيبر (هذا الحق وبه تقوم السماء والأرض) أي بهذا الحق والعدل قامت السماوات فوق الرؤوس بغير عمد والأرض استقرت على الماء تحت الأقدم وفيه الدليل على العمل بخبر الواحد إذ لو لم يجب به الحكم ما بعث صلى الله عليه وسلم ابن رواحة وحده وفي الموطأ فجمعوا حليا من حلي نسائهم فقالوا هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسمة فقال يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي وما ذاك بحاملي أن أحيف عليكم أما الذي عرضتم من الرشوة فإنها سحت وإنا لا نأكلها قالوا بهذا قامت السماوات والأرض قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (قال فحزر) أي من غير ذكر النخل (يعني الذهب والفضة) أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله صفراء وبيضاء الذهب والفضة (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (فأنا ألى) بصيغة المتكلم (جذاذ النخل) بكسر الجيم وفتحها وبذالين معجمتين أي قطع ثمرها وصرامه أخبرنا قلت وهذه الأحاديث هي
[ 198 ]
عمدة من أجاز المزارعة والمخابرة لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك واستمراره على عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر وفيها دلالة على جواز المساقاة في النخل والكرم وجميع الشجر الذي من شأنه أن يثمر بجزء معلوم يجعل للعامل من الثمرة وبه قال الجمهور قال أبو حنيفة وزفر لا يجوز بحال لأنها إجارة بثمرة معدومة أو مجهولة وأجاب من جوزه بأنه عقد على عمل في المال ببعض نمائه فهو كالمضاربة لأن المضارب يعمل في المال بجزء من نمائه وهو معدوم ومجهول وقد صح عقد الإجارة مع أن المنافع معدومة فكذلك ها هنا وأيضا فالقياس في إبطال نص أو إجماع مردود واستدل من أجازه في جميع الثمر بأن في بعض طرق رواية البخاري بشطر ما يخرج منها من نخل وشجر وفي بعض روايته على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشجر واستدل بقوله على شطر ما يخرج منها لجوازه المساقاة بجزء معلوم لا مجهول واستدل به على جواز إخراج البذر من العامل أو المالك لعدم تقييده في الحديث بشئ من ذلك وفيه دليل على جواز دفع النخل مساقاة والأرض مزارعة من غير ذكر سنين معلومة فيكون للمالك أن يخرج العامل متى شاء كذا في فتح الباري في الخرص بفتح الخاء المعجمة وقد تكسر وبصاد مهملة هو حزر ما على النخلة من الرطب تمرا (قال أخبرت) بصيغة المجهول (فيخرص النخل) بضم الراء أشهر من كسرها (ثم يخير اليهود إلخ) أي يخير ابن رواحة يهود خيبر (إليهم) أي إلى المسلمين وفي الموطأ ثم يقول إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي قال فكانوا يأخذونه أي إن شئتم فلكم كله وتضمنون نصيب المسلمين وإن شئتم فلنا كله وأضمن مقدار نصيبكم فأخذوا التمرة كلها (لكي تحصى الزكاة) بصيغة
[ 199 ]
المجهول في الأفعال الثلاثة (وتفرق) الثمار في حوائج الناس ومراد عائشة رضي الله عنها أن ذلك البعث للخرص من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان لإحصاء الزكاة لأن المساكين ليسوا شركاء معينين فلو ترك اليهود وأكلها رطبا والتصرف فيها أضر ذلك سهم المسلمين قال الزرقاني في شرح الموطأ قال ابن مزين سألت عيسى عن فعل ابن رواحة أيجوز للمتساقيين أو الشريكين فقال لا ولا يصلح قسمه إلا كيلا إلا أن تختلف حاجتهما إليه فيقتسمانه بالخرص فتأول خرص ابن رواحة للقسمة خاصة وقال الباجي يحتمل أنه خرصها بتمييز حق الزكاة لأن مصرفها غير مصرف أرض العنوة لأنه يعطيها الإمام للمستحق من غني وفقير فيسلم مما خافه عيسى وأنكره وقوله في رواية مالك إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي حمله عيسى على أنه إليهم جميع الثمرة بعد الخرص ليضمنوا حصة المسلمين ولو كان هذا معناه لم يجز لأنه بيع الثمر بالخرص في غير العرية وإنما معناه خرص الزكاة فكأنه قال إن شئتم أن تأخذوا الثمرة على أن تؤدوا زكاتها على ما خرصته وإلا فأنا أشتريها من الفئ بما يشترى به فيخرج بهذا الخرص وذلك معروف لمعرفتهم بسعر الثمر وإن حمل على خرص القسمة لاختلاف الحاجة فمعناه إن شئتم هذا النصيب فلكم وإن شئتم فلي يبين ذلك أن الثمرة ما دامت في رؤوس النخل ليس بوقت قسمة ثمر المساقاة لأن على العامل جذها والقيام عليها حتى يجري فيها الكيل أو الوزن فثبت بهذا أن الخرص قبل ذلك لم يكن للقسمة إلا بمعنى اختلاف الأغراض وقال ابن عبد البر الخرص في المساقاة لا يجوز عند جميع العلماء لأن المساقين شريكان لا يقتسمان إلا بما يجوز به بيع الثمار بعضها ببعض وإلا دخلته المزابنة قالوا وإنما بعث صلى الله عليه وسلم من يخرص على اليهود لإحصاء الزكاة لأن يا المساكين ليسوا شركاء معينين فلو ترك اليهود وأكلها رطبا والتصرف فيها أضر ذلك سهم المسلمين قالت عائشة إنما أمر صلى الله عليه وسلم بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار انتهى كلامه قلت حديث عائشة فيه واسطة بين ابن جريج والزهري ولم يعرف قال المنذري في إسناده رجل مجهول انتهى وقد رواه عبد الرزاق والدارقطني بدون الواسطة المذكورة وابن جريج مدلس فلعله تركها
[ 200 ]
تدليسا وذكر الدارقطني الاختلاف فيه فقال رواه صالح عن أبي الأخضر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وأرسله معمر ومالك وعقيل ولم يذكروا أبا هريرة انتهى ويؤيده ما أخرجه الترمذي وابن ماجه والمؤلف عن عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم وأخرج أيضا أبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني عن عتاب قال أمرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل فتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ صدقة النخل تمرا ومدار الحديث على سعيد بن المسيب عن عتاب وهو مرسل لأن عتابا مات قبل مولد ابن المسيب وانفرد به عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد وليس بالقوي قاله ابن عبد البر وفي النيل قال أبو داود سعيد لم يسمع من عتاب وقال ابن قانع لم يدركه وقال المنذري انقطاعه ظاهر لأن مولد سعيد في خلافة عمر ومات عتاب يوم مات أبو بكر وسبقه إلى ذلك ابن عبد البر وقال ابن السكن لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه غير هذا وقد رواه الدارقطني بسند فيه الواقدي فقال عن سعيد بن المسيب عن المسور بن مخرمة عن عتاب ابن أسيد وقال أبو حاتم الصحيح عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عتابا مرسل وهذه رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري انتهى لكن قال الزرقاني في شرح الموطأ ودعوى الإرسال بمعنى الإنقطاع مبني على قول الواقدي إن عتابا مات يوم مات أبو بكر الصديق لكن ذكر ابن جرير الطبري أنه كان عاملا لعمر على مكة سنة إحدى وعشرين وقد ولد سعيد لسنتين مضتا من خلافة عمر على الأصح فسماعه من عتاب ممكن فلا انقطاع وأما عبد الرحمن بن إسحاق فصدوق احتج به مسلم وأصحاب السنن انتهى وأخرج أصحاب السنن عن سهل بن أبي حثمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع وأخرجه ابن حبان والحاكم وصححاه قال الحاكم وله شاهد بإسناد متفق على صحته أن عمر بن الخطاب أمر به ومن شواهده ما رواه ابن عبد البر عن جابر مرفوعا خففوا في الخرص الحديث وفيه ابن لهيعة وأخرج أبو نعيم في الصحابة من طريق الصلت بن يزيد بن الصلت عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الخرص فقال اثبت لنا النصف وابق لهم النصف فإنهم يسرقون ولا تصل إليهم وهذه الأحاديث كلها تدل على مشروعية الخرص في العنب والنخل وغيرهما من الفواكه مما يمكن ضبطه بالخرص وكذا يدل على مشروعية الخرص في الزرع لعموم قوله إذا خرصتم ولقوله اثبت لنا النصف
[ 201 ]
(لما أفاء الله) أي رد والفئ ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد وأصله الرجوع (فأقرهم) أي أهل خيبر أي أثبتهم (وجعلها) أي خيبر (بينه وبينهم) أي على التناصف كما في الصحيحين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع (فخرصها عليهم) قال الزرقاني أي لتمييز حق الزكاة من غيرها لاختلاف المصرفين أو للقسمة لاختلاف الحاجة كما مر وفيه جواز التخريص لذلك وبه قال الأكثر ولم يجزه سفيان الثوري بحال وفيه جواز المساقاة ومنعها أبو حنيفة مستدلا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر والأجرة هنا فيها غرر إذ لا يدري هل تسلم الثمرة أم لا وعلى سلامتها لا يدري كيف تكون وما مقدارها وأجيب بأن حديث الجواز خاص والنهي عن الغرر عام والخاص يقدم على العام وقال إن الخبر إذا ورد على خلاف القواعد رد إليها وحديث الجواز على خلاف ثلاث قواعد بيع الغرر والإجارة بمجهول وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها والكل حرام إجماعا وأجيب بأن الخبر إنما يجب رده إلى القواعد إذا لم يعمل به أما إذا عمل به قطعنا بإرادة معناه فيعتقد ولا يلزم الشارع إذا شرع حكما أن يشرعه مثل غيره بل له أن يشرع ماله نظير ومالا نظير له فدل ذلك على أنها مستثناة من تلك الأصول للضرورة إذ لا يقدر كل أحد على القيام بشجره ولا زرعه وقال مالك السنة في المساقاة أنها تكون في أصل كل نخل أو كرم أو زيتون أو رمان أو ما أشبه ذلك من الأصول جائز لا بأس به على أن لرب المال نصف الثمر أو ثلثه أو ربعه أو أكثر من ذلك أو أقل والمساقاة أيضا تجوز في الزرع إذا خرج من الأرض واستقل فعجز صاحبه عن سقيه وعمله وعلاجه فالمساقاة في ذلك أيضا جائز انتهى كلام مالك ومنعها الشافعي إلا في النخل والكرم لأن ثمرهما بائن من شجره يحيط النظر به قال ابن عبد البر وهذا ليس ببين لأ الكمثرى والتين والرمان والأترج وشبه ذلك لا يحيط النظر بها وإنما العلة له أن المساقاة إنما تجوز فيما يخرص والخرص لا يجوز إلا فيما وردت به السنة
[ 202 ]
فأخرجته عن المزابنة كما أخرجت العرايا عنها النخل والعنب خاصة انتهى كلامه والحديث سكت عنه المنذري (أربعين ألف وسق) بفتح الواو وسكون السين هو ستون صاعا والحديث سكت عنه المنذري
[ 203 ]
كتاب الإجارة بكسر الهمزة على المشهور وهي لغة إسم للأجرة وشرعا عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم قاله القسطلاني باب في كسب العلم (الرؤاسي) بضم الراء بعدها همزة خفيفة (عن عبادة بن نسى) بضم النون وفتح المهملة الخفيفة الكندي الشامي قاضي طبرية ثقة فاضل من الثالثة (والكتاب) أي الكتابة كذا قيل (قوسا) أي أعطانيها هدية وقد عد ابن الحاجب القوس في قصيدته مما لا بد من تأنيثه (ليست بمال) أي لم يعهد في العرف عد القوس من الأجرة فأخذها لا يضر كذا في فتح الودود (وليست بمال) أي عظيم قال الطيبي الجملة حال ولا يجوز أن يكون من قوسا لأنها نكرة صرفة فيكون حالا من
[ 204 ]
فاعل أهدي أو من ضمير المتكلم يريد أن القوس لم يعهد في التعارف أن تعد من الأجرة أو ليست بمال أقتنيه للبيع بل هي عدة كذا في المرقاة (أن تطوق) بفتح الواو المشددة قال الخطابي اختلف قوم من العلماء في معنى هذا الحديث وتأويله فذهب بعضهم إلى ظاهره فرأوا أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن غير مباح وإليه ذهب الزهري وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وقال طائفة لا بأس به ما لم يشترط وهو قول الحسن البصري وابن سيرين والشعبي وأباح ذلك آخرون وهو مذهب عطاء ومالك والشافعي وأبي ثور واحتجوا بحديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي خطب المرأة فلم يجد لها مهرا زوجتكها على ما معك من القرآن وتأولوا حديث عبادة على أنه كان تبرع به ونوى الاحتساب فيه ولم يكن قصده وقت التعليم إلى طلب عوض ونفع فحذره النبي صلى الله عليه وسلم إبطال أجره وتوعده عليه وكان سبيل عبادة في هذا سبيل من رد ضالة لرجل أو استخرج له متاعا قد غرق في بحر تبرعا وحسبة فليس له أن يأخذ عليه عوضا ولو أنه طلب لذلك أجرة قبل أن يفعله حسبة كان ذلك جائزا وأهل الصفة قوم فقراء كانوا يعيشون بصدقة الناس فأخذ المال منهم مكروه ودفعه إليهم مستحب وقال بعض العلماء أخذ الأجرة على تعليم القرآن له حالات فإذا كان في المسلمين غيره ممن يقوم به حل له أخذ الأجرة عليه لأن فرض ذلك لا يتعين عليه وإذا كان في حال أو في موضع لا يقوم به غيره لم تحل له الأجرة وعلى هذا يؤول اختلاف الأخبار فيه انتهى وقال في فتح الودود قال السيوطي أخذ بظاهر هذا الحديث قوم وتأوله آخرون وقالوا هو معارض بحديث زوجتكها على ما معك من القرآن وحديث ابن عباس إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله وقال البيهقي رجال إسناد عبادة كلهم معروفون إلا الأسود بن ثعلبة فإنا لا نحفظ عنه إلا هذا الحديث وهو حديث مختلف فيه على عبادة وحديث ابن عباس وأبي سعيد أصح إسنادا منه انتهى قلت المشهور عند المعارضة تقديم المحرم ولعلهم يقولون ذلك عند التساوي لكن كلام أبي داود يشير إلى دفع المعارضة بأن حديث ابن عباس وغيره في الطب وحديث عبادة في التعليم فيجوز أن يكون أخذ الأجرة جائزا في الطب دون التعليم وقيل هذا تهديد على فوت العزيمة والإخلاص وحديث ابن عباس لبيان الرخصة انتهى ما في فتح الودود
[ 205 ]
وأخرج البيهقي في سننه عن أبي الدرداء مرفوعا من أخذ على تعليم القرآن قوسا قلده الله مكانها قوسا من نار جهنم يوم القيامة قال البيهقي والحديث ضعيف وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة مرفوعا من أخذ على القرآن أجرا فذاك حظه من القرآن قال المناوي في إسناده كذاب وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي بن كعب وفي سنده أيضا ضعف قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وتكلم فيه جماعة وقال الإمام أحمد ضعيف الحديث حدث بأحاديث مناكير وكل حديث رفعه فهو منكر وقال أبو زرعة الرازي لا يحتج بحديثه (جمرة) في القاموس الجمرة النار المتقدة جمع جمر (تقلدتها) على بناء الفاعل أو المفعول كذا في بعض الحواشي قال المنذري وفي هذه الطريق بقية بن الوليد وقد تكلم فيه غير واحد في كسب الأطباء جمع طبيب (أن رهطا) في القاموس الرهط قوم الرجل وقبيلته ومن ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو ما دون العشرة وما فيهم امرأة ولا واحد له من لفظة (في سفرة سافروها) أي في سرية عليها أبو سعيد الخدري كما عند الدارقطني (فنزلوا) أي ليلا كما في الترمذي (بحي) أي قبيلة
[ 206 ]
(فاستضافوهم) أي طلبوا منهم الضيافة (فأبوا) أي امتنعوا (أن يضيفوهم) بفتح الضاد المعجمة وتشديد التحتية ويروى بضيوفهم بكسر الضاد والتخفيف قاله القسطلاني (فلدغ) بضم اللام وكسر الدال المهملة وبالغين المعجمة مبنيا للمفعول أي لسع (سيد ذلك الحي) أي بعقرب كما في الترمذي ولم يسم سيد الحي (فشفوا له) بفتح الشين المعجمة والفاء وسكون الواو أي طلبوا له الشفاء أي عالجوه بما يشفيه قاله القسطلاني وقال الخطابي معناه عالجوه بكل شئ مما يستشفى به والعرب تضع الشفاء موضع العلاج انتهى (رقية) الرقية كلام يستشفى به من كل عارض قال في القاموس والرقية بالضم العوذة والجمع رقى ورقاه رقيا ورقية نفث في عوذته (فقال رجل من القوم) هو أبو سعيد الراوي كما في بعض روايات مسلم (إني لأرقي) بفتح الهمزة وكسر القاف (جعلا) بضم الجيم وسكون العين هو ما يعطى على العمل (قطيعا من الشاء) قال ابن التين القطيع هو الطائفة من الغنم وتعقب بأن القطيع هو الشئ المنقطع من غنم كان أو غيرها وفي رواية للبخاري إنا نعطيكم ثلاثين شاة وهو مناسب لعدد الرهط المذكور سابقا فكأنهم جعلوا لكل رجل شاة (فقرأ عليه) أي على اللديغ بأم الكتاب أي الفاتحة وفي رواية أنه قرأها سبع مرات وفي أخرى ثلاث مرات والزيادة أرجح (ويتفل) بضم الفاء وكسرها أي ينفخ نفخا معه أدنى بزاق قال ابن أبي جمرة محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق انتهى وفي بعض النسخ تفل بصيغة الماضي (كأنما أنشط) بصيغة المجهول من باب الإفعال (من عقال) بكسر العين المهملة وبعدها قاف حبل يشد به ذراع البهيمة
[ 207 ]
قال الخطابي أي حل من وثاق ويقال نشطت الشئ إذا شددته وأنشطته إذا فككته والأنشوطة الحبل الذي يشد به الشئ (فأوفاهم) الضمير المرفوع لسيد ذلك الحي والمنصوب للرهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال في القاموس وفى فلانا حقه أعطاه وافيا كوفاه لو وأوفاه (لا تفعلوا) أي ما ذكرتم من القسمة (أحسنتم) أي في الرقية أو في توقفكم يكون عن التصرف في الجعل حتى استأذنتموني مع أو أعم من ذلك (واضربوا) أي اجعلوا (لي معكم بسهم) أي نصيب والأمر بالقسمة من باب مكارم الأخلاق وإلا فالجميع للراقي وإنما قال اضربوا لي تطييبا لقلوبهم ومبالغة في أنه حلال لا شبهة فيه قال النووي هذا تصريح لجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذكر وأنها حلال لا كراهة فيها وكذا الأجرة على تعليم القرآن وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وآخرين من السلف ومن بعدهم ومنعها أبو حنيفة في تعليم القرآن وأجازها في الرقية انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه (عن أخيه معبد بن سيرين) الأنصاري البصري أكبر إخوته ثقة (بهذا الحديث) أي المتقدم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بنحو حديث أبي المتوكل (عن خارجة بن الصلت) بفتح فسكون وفي بعض النسخ خارجة بن أبي الصلت بزيادة
[ 208 ]
لفظ أبي وهو غلط (من عند هذا الرجل) أي الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم (بخير) أي بالقرآن وذكر الله (برجل معتوه) أي مجنون وفي المغرب هو ناقص العقل وقيل المدهوش من غير جنون ذكره القاري وفي المجمع المعتوه هو المجنون المصاب بعقله وقد عته فهو معتوه (غدوة وعشية) أي أول النهار وآخره أو نهارا وليلا (وكلما ختمها) أي أم القرآن (جمع بزاقه) بضم الموحدة ماء الفم (كل) أمر من الأكل (فلعمري) بفتح العين أي لحياتي واللام فيه لام الابتداء وفي قوله (لمن أكل برقية باطل) جواب القسم أي واللام فيه لام الابتداء وفي قوله (لمن أكل برقية باطل) جواب القسم أي من الناس من يأكل برقية باطل كذكر الكواكب والاستعانة بها وبالجن (لقد أكلت برقية حق) أي بذكر الله تعالى وكلامه وإنما حلف بعمره لما أقسم الله تعالى به حيث قال لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون قال الطيبي لعله كان مأذونا بهذا الإقسام وأنه من خصائصه لقوله تعالى لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون قيل أقسم الله تعالى بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له ومن في لمن أكل شرطية واللام موطئة للقسم والثانية جواب للقسم ساد مسد الجزاء أي لعمري لإن كان ناس يأكلون برقية باطل لأنت أكلت برقية حق وإنما أتى بالماضي في قوله أكلت بعد قوله كل دلالة على استحقاقه وأنه حق ثابت وأجرته صحيحة كذا في المرقاة للقاري قال المنذري وأخرجه النسائي وعم خارجة هو علاقة بن صحار (بضم الصاد وتخفيف الحاء المهملة) التميمي السليطي له صحبة ورواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل اسمه العلاء وقيل عبد الله وقيل علاثة ويقال سحار (أي بالسين المهملة) بالتخفيف والأول أكثر انتهى كلام المنذري
[ 209 ]
باب في كسب الحجام (كسب الحجام خبيث) أي حرام (ومهر البغي) بفتح الموحدة وكسر المعجم تشديد الياء وهو فعول في الأصل بمعنى الفاعلة من بغت المرأة بغاء بالكسر إذا زنت ومنه قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ومهر البغي هو ما تأخذه الزانية على الزنا وسماه مهرا لكونه على صورته وهو حرام بإجماع المسلمين وأما ثمن الكلب ففي حرمته اختلاف وسيجئ بيانه في بابه وأما كسب الحجام ففيه أيضا اختلاف فقال بعض أصحاب الحديث على ما في النيل إنه حرام واستدلوا بهذا الحديث وما في معناه وذهب الجمهور إلى أنه حلال واستدلوا بحديث ابن عباس وحديث أنس ايتين في الباب وقالوا إن المراد بالخبيث في قوله كسب الحجام خبيث المكروه تنزيها لدناءته وخسته لا المحرم كما في قوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون فسمى راذل سعيد المال خبيثا ومنهم من ادعى النسخ وأنه كان حراما ثم أبيح وهو صحيح إذا عرف التاريخ وقال الخطابي ما محصله أن معنى الخبيث في قوله كسب الحجام خبيث الدني وأما قوله ثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث فمعناه المحرم وقد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ ويفرق بينهما في المعاني وذلك على حسب الأغراض والمقاصد فيها وقد يكون الكلام في الفصل الواحد بعضه على الوجوب وبعضه على الندب وبعضه على الحقيقة وبعضه على المجاز وإنما يعلم ذلك بدلائل الأصول وباعتبار معانيها انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (عن ابن محيصة) بفتح المهملة الأولى والثانية بينهما تحتانية ساكنة أو مكسورة مشددة (في إجارة الحجام) أي في أجرته كما في رواية الموطأ أي في أخذها أو أكلها (فنهاه عنها) قال النووي هذا نهي تنزيه للارتفاع عن
[ 210 ]
دنئ الاكتساب وللحث على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور ولو كان حراما لم يفرق فيه بين الحر والعبد فإنه لا يجوز للسيد أن يطعم عبده ما لا يحل (فلم يزل يسأله ويستأذنه) أي في أن يرخص له في أكلها فإن أكثر الصحابة كانت لهم أرقاء كثيرون وأنهم كانوا يأكلون من خراجهم ويعدون ذلك من أطيب المكاسب فلما سمع محيصة نهيه ذلك وشق ذلك عليه لاحتياجه إلى أكل أجرة الحجامة تكرر في أن يرخص له ذلك كذا في المرقاة (أعلفه) أي أطعمه قال في القاموس العلف كالضرب الشرب الكثير وإطعام الدابة كالاعلاف بكر (ناضحك) هو الجمل الذي يسقي به الماء (ورقيقك) أي عبدك لأن هذين ليس لهما شرف ينافيه دناءة هذا الكسب بخلاف الحر والحديث دليل على أن أجرة الحجام حلال للعبد دون الحر وإليه ذهب أحمد وجماعة فقالوا بالفرق بين الحر والعبد فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة وقالوا يحرم عليه الإنفاق على نفسه منها ويجوز له الإنفاق على الرقيق والدواب منها وأباحوها للعبد مطلقا وعمدتهم حديث محيصة هذا قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن وقال ابن ماجه حرام بن محيصة عن أبيه هذا آخر كلامه وهو أبو سعيد ويقال أبو سعيد حرام بن سعد ابن محيصة الأنصاري الحارثي المدني ويقال حرام بن محيصة ينسب إلى الجد ويقال حرام بن ساعدة وهو بالحاء والراء المهملتين انتهى كلام المنذري (ولو علمه) أي النبي صلى الله عليه وسلم أجر الحجام (خبيثا) أي حراما (لم يعطه) أي الحجام أجره وهو نص في إباحته وإليه ذهب الجمهور كما تقدم قال المنذري وأخرجه البخاري (حجم أبو طيبة) بفتح الطاء المهملة وسكون التحتية بعدها موحدة واسمه نافع (وأمر
[ 211 ]
أهله) أي ساداته وكان مملوكا لجماعة وهم بنو بياضة كما في رواية مسلم (عنه) أي عن أبي طيبة (من خراجه) بفتح الخاء المعجمة ما يقرر السيد على عبده أن يؤدي إليه كل يوم وكان خراجه ثلاثة آصع فوضع عنه صاعا كذا في المجمع قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي في كسب الإماء بكسر الهمزة جمع أمه (عن محمد بن جحادة) بضم الجيم قبل المهملة (عن كسب الإمام) أي بالفجور لا ما تكتسبه بالصنعة والعمل قال الخطابي كانت لأهل المدينة ولأهل مكة إماء معدة يخد من الناس عليهن ضرائب ويخبزن قد ويسقين الماء ويصنعن وفي غير ذلك من الصناعات ويؤدين كل الضريبة إلى سادتهن والإيماء إذا دخلن تلك المداخل وتبذلن ذلك البذل وهن مجارحات % وعليهن ضرائب لم يؤمن أن يكون منهن أو من بعضهن الفجور وأن يكتسبن بالسفاح فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزه عن كسبهن ومتى لم يكن لعملهن فلا وجه معلوم يكتسبنه منه به فهو أبلغ في النهي وأشد في الكراهة انتهى والحديث سكت عنه المنذري (جاء رافع بن رفاعة) قال المزي في الأطراف رافع هذا غير معروف وقال ابن عبد البر رافع بن رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان لا تصح له صحبة والحديث غلط وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة لم أره في الحديث منسوبا فلم يتعين كونه رافع بن رفاعة بن رافع بن مالك فإنه تابعي لا صحبة له بل يحتمل أن يكون غيره وأما كون الإسناد غلطا فلم يوضحه وقد أخرجه ابن منده من وجه آخر عن عكرمة فقال عن رفاعة بن رافع كذا في مرقاة
[ 212 ]
الصعود (وقال هكذا بأصابعه) يعني الثلاث قاله في النيل (نحو الخبز) بفتح الخاء وسكون الباء بعدها زاي يعني عجن العجين وخبزه (والغزل) أي غزل الصوف والقطن والكتان والشعر (والنفش) بفتح النون وسكون الفاء بعدها شين معجمة والمراد نفش به الصوف والشعر وندف القطن والصوف ونحو ذلك وفي رواية النقش بالقاف وهو التطريز قاله في النيل قال المنذري قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الإشراف عقيب هذا الحديث رافع هذا غير معروف وقال غيره هو مجهول (يعني ابن هرير) مصغرا برائين (من أين هو) أي من وجه الحلال أو الحرام والحديث سكت عنه المنذري حلوان الكاهن بضم الحاء المهملة وسكون اللام ما يعطاه على كهانته قال الهروي أصله من الحلاوة شبه المعطى بالشئ الحلو من حيث أنه يأخذه سهلا بلا كلفة ومشقة وهذا الباب مع حديثه ليس في نسخة المنذري وكذا في بعض النسخ الأخر وسيجئ هذا الحديث بهذا الإسناد في باب أثمان الكلاب (وحلوان الكاهن) هو الذي يتعاطى الإخبار عن الكائنات في المستقبل ويدعي معرفة الأسرار وكانت في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور الكائنة ويزعمون أن لهم تابعة من الجن تلقي إليهم الأخبار ومنهم من يدعي أنه يدرك الأمور بفهم أعطيه ومنهم من زعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بهما على مواقعها
[ 213 ]
كالشئ يسرق فيعرف المظنون به للسرقة ومتهم المرأة بالزنية فيعرف من صاحبها ونحو ذلك ومنهم من يسمي المنجم كاهنا حيث أنه يخبر عن الأمور كإتيان المطر ومجئ الوباء وظهور القتال وطالع نحس أو سعيد وأمثال ذلك وحديث النهي عن إتيان الكاهن يشتمل على النهي عن هؤلاء كلهم وعلى النهي عن تصديقهم والرجوع إلى قولهم كذا في المرقاة للقاري ومعالم السنن للخطابي في عسب الفحل بفتح العين المهملة وسكون السين وفي آخره موحدة والفحل الذكر من كل حيوان فرسا كان أو جملا أو تيسا أو غير ذلك وعسبه ماؤه وضرابه أيضا عسب الفحل الناقة يعسبها عسبا قال في النهاية عسب الفحل ماؤه فرسا كان أو بعيرا أو غيرهما وعسبه أيضا ضرابه انتهى (عن عسب الفحل) أي عن كراء ضرابه وأجرة مائه نهى عنه للغرر لأن الفحل قد يضرب وقد لا يضرب وقد لا يلقح الأنثى وبه ذهب الأكثرون إلى تحريمه وأما الإعارة فمندوب ثم لو أكرمه المستعير بشئ جاز قبول كرامته قال في النهاية ولم ينه عن واحد منهما وإنما أراد النهي عن الكراء الذي يؤخذ عليه فإن إعارة الفحل مندوب إليها وقد جاء في الحديث ومن حقها إطراق فحلها ووجه الحديث أنه نهى عن كراء عسب الفحل فحذف المضاف وهو كثير في الكلام وقيل يقال لكراء الفحل عسب وعسب الفحل يعسبه أي أكراه وعسبت الرجل إذا أعطيته كراء ضراب فحله فلا يحتاج إلى حذف مضاف وإنما نهى عنه للجهالة التي فيه ولا بد في الإجارة من تعيين العمل ومعرفة مقداره قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح في الصائغ (عن أبي ماجدة) قال المنذري وهو السهمي انتهى وقال في التقريب أبو ماجدة
[ 214 ]
السهمي أو ابن ماجدة قيل اسمه علي مجهول من الثالثة وروايته عن عمر مرسلة (أو قطع من أذني) شك من الراوي (فاجتمعنا إليه) أي إلى أبي بكر (فرفعنا) قيل فتح العين أظهر من سكونه كذا في بعض الحواشي (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) ذكر الحديث على تقريب ذكر الحجام لا للامتناع عن القصاص (إني وهبت لخالتي) ذكر الطبراني في المعجم الكبير اسمها فاخته بنت عمرو وأخرج من طريق عثمان عن محمد المكندر عن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهبت لخالتي فاخته بنت عمرو الزهرية خالة النبي صلى الله عليه وسلم وأورد الحديث المذكور كذا في مرقاة الصعود (لا تسلميه حجاما الخ) أي لا تعطيه لمن يعلمه إحدى هذه الصنائع إذ الحجام والقصاب يباشران نجاسة يتعذر الاحتراز منها والصائغ يدخل صنعته غش وربما يصنع آنية الذهب أو حليا للرجال ولكثرة الوعد والكذب في إنجاز ما يستعمل عنده كذا في المجمع قال المنذري في طرقه محمد بن إسحاق بن يسار وقد تكلم الكلام عليه وأبو ماجدة السهمي لم أجد من زاد فيه على هذا (قال أبو داود روى عبد الأعلى عن ابن إسحاق قال ابن ماجدة الخ) هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ وفي تهذيب التهذيب وفي رواية اللؤلؤي عن أبي داود ابن ماجدة وقال ابن أبي حاتم عن أبيه علي بن ماجدة السهمي عن عمر مرسل ويحتمل أن يكون كنية علي بن ماجدة أبا ماجدة فتكون الروايتان صحيحتين انتهى
[ 215 ]
في العبد يباع وله مال (من باع عبدا وله مال فماله للبائع) قال النووي فيه دلالة لمالك رحمه الله وقول الشافعي رحمه الله القديم أن العبد إذا ملكه سيده مالا ملكه لكنه إذا باعه بعد ذلك كان ماله للبائع إلا أن يشترط المشتري لظاهر هذا الحديث وقال الشافعي في الجديد وأبو حنيفة لا يملك العبد شيئا أصلا وتأولا الحديث على أن المراد أن يكون في يد العبد شئ من مال السيد فأضيف ذلك المال إلى العبد للاختصاص والانتفاع لا للملك كما يقال جل الدابة وسرج الفرس وإلا فإذا باع سيد العبد فذلك المال للبائع لأنه ملكه إلا أن يشترطه المبتاع فيصح لأنه يكون قد باع شيئين العبد والمال الذي في يده بثمن واحد وذلك جائز قالا ويشترط الاحتراز من الربا انتهى (إلا أن يشترطه المبتاع) أي المشتري (ومن باع نخلا مؤبرا الخ) من التأبير وهو التشقيق والتلقيح ومعناه شق طلع النخلة الأنثى ليذر فيها شئ من طلع النخلة الذكر وفيه دليل على أن من باع نخلا وعليها ثمرة مؤبرة لم تدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع ويدل بمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة تدخل في البيع وتكون للمشتري وبذلك قال جمهور العلماء وخالفهم الأوزاعي وأبو حنيفة فقالا تكون للبائع قبل التأبير وبعده وقال ابن أبي ليلى تكون للمشتري مطلقا وكلا الإطلاقين مخالف لهذا الحديث الصحيح وهذا إذا لم يقع شرط من المشتري بأنه اشترى الثمرة ولا من البائع بأنه استثنى لنفسه الثمرة فإن وقع ذلك كانت الثمرة للشارط من غير فرق بين أن تكون مؤبرة أو غير مؤبرة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 216 ]
(عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصة العبد) في بعض النسخ عن نافع عن ابن عمر عن عمر بقصة العبد وكذا في نسخة المنذري وفي بعض النسخ عن نافع عن ابن عمر بقصة العبد قال المنذري وأخرجه النسائي موقوفا (وعن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بقصة
[ 217 ]
النخل) قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه (قال أبو داود واختلف الزهري ونافع الخ) هذه العبارة لم توجد في أكثر النسخ قال الحافظ في الفتح واختلف على نافع وسالم في رفع ما عدا النخل فرواه الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعا في قصة النخل والعبد معا هكذا أخرجه الحفاظ عن الزهري وخالفهم سفيان بن حسين فزاد فيه ابن عمر عن عمر مرفوعا لجميع الأحاديث أخرجه النسائي وروى مالك والليث وأيوب وعبيد الله بن عمر وغيرهم عن نافع عن ابن عمر قصة النخل وعن ابن عمر عن عمر قصة العبد موقوفة كذلك أخرجه أبو داود من طريق مالك بالإسنادين معا وجزم مسلم والنسائي والدارقطني بترجيح رواية نافع المفصلة على رواية سالم ومال علي بن المديني والبخاري وابن عبد البر إلى ترجيح رواية سالم وروي عن نافع رفع القصتين أخرجه النسائي من طريق عبد ربه بن سعيد عنه وهو وهم وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال ما هو إلا عن عمر شأن العبد وهذا لا يدفع قول من صحح الطريقين وجوز أن يكون الحديث عند نافع عن ابن عمر على الوجهين انتهى (حدثني من سمع جابر بن عبد الله يقول الخ) قال المنذري في إسناده مجهول في التلقي (لا يبع بعضكم على بيع بعض) بأن يقول لمن اشترى سلعة في زمن خيار المجلس أو خيار الشرط افسخ لأبيعك خيرا منه بمثل ثمنه أو مثله بأنقص فإنه حرام وكذا الشراء على شرائه بأنه يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد قاله القسطلاني (ولا تلقوا السلع) بكسر
[ 218 ]
السين وفتح اللام جمع السلعة بكسر فسكون وهي المتاع وما يتجر به والمراد ها هنا المتاع المجلوب الذي يأتي به الركبان إلى البلدة ليبيعوا فيها (حتى يهبط) بصيغة المجهول أي ينزل (بها) أي السلع والباء للتعدية والمعنى حتى يسقطها عن ظهر الدواب في السوق قال الخطابي أما النهي عن تلقي السلع قبل ورودها السوق فالمعنى في ذلك كراهية الغبن ويشبه أن يكون قد تقدم من عادة أولئك أن يتلقوا الركبان قبل أن يقدموا البلد ويعرفوا سعر السوق فيخبروهم أن السعر ساقط والسوق كاسدة والرغبة قليلة حتى يخدعوهم عما في أيديهم ويبتاعون منهم بالوكس من الثمن فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وجعل للبائع الخيار إذا قدم السوق فوجد الأمر بخلاف ما قالوه انتهى قال في النيل وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الحديث الجمهور فقالوا لا يجوز تلقي الركبان واختلفوا هل هو محرم أو مكروه فقط وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه أجاز التلقي وتعقبه الحافظ بأن الذي في كتب الحنفية أنه يكره التلقي في حالتين أن يضر بأهل البلد وأن يلبس السعر على الواردين انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا (نهى عن تلقي الجلب) بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول المجلوب يقال جلب الشئ جاء به من بلد إلى بلد للتجارة (مشتري) ليس في بعض النسخ هذا اللفظ (فصاحب السلعة بالخيار) هذا يدل على انعقاد البيع ولو كان فاسدا لم ينعقد وقد قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية وبعض الحنابلة واختلفوا هل يثبت له الخيار مطلقا أو بشرط أن يقع له في البيع غبن ذهبت الحنابلة إلى الأول وهو الأصح عند الشافعية وهو الظاهر قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي
[ 219 ]
باب في النهي عن النجش بفتح النون وسكون الجيم بعدها شين معجمة (لا تناجشوا) بحذف إحدى التائين قال الخطابي النجش أن يرى الرجل السلع تباع فيزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها وإنما يريد بذلك ترغيب السوام فيها ليزيدوا في الثمن وفيه غرر للراغب فيها وترك لنصحته غير التي هو مأمور بها انتهى قال النووي وهذا حرام بالإجماع والبيع صحيح والإثم مختص بالناجش إن لم يعلم به البائع فإن واطأه على ذلك أثما جميعا ولا خيار للمشتري إن لم يكن من البائع مواطأة وكذا إن كانت في الأصح لأنه قصر في الاغترار وعن مالك رواية أن البيع باطل وجعل النهي عنه مقتضيا للفساد انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا في النهي أن يبيع حاضر لباد الحاضر ساكن الحضر والبادي ساكن البادية (أخبرنا محمد بن ثور) أي الصنعاني أبو عبد الله العابد ثقة وفي بعض النسخ أبو ثور وهو غلط (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد) فيه أنه لا يجوز بيع الحاضر للبادي قال النووي وبه قال الشافعي والأكثرون قال أصحابنا والمراد به أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول له البلدي اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأغلى قال أصحابنا وإنما يحرم بهذه الشروط وبشرط أن يكون عالما بالنهي فلو لم يعلم النهي أو كان المتاع مما لا يحتاح إليه في البلد أو لا يؤثر فيه لقلة ذلك المجلوب لم
[ 220 ]
يحرم ولو خالف وباع الحاضر للبادي صح البيع مع التحريم هذا مذهبنا وبه قال جماعة من المالكية وغيرهم قال بعض المالكية يفسخ البيع ما لم يفت وقال عطاء ومجاهد وأبو حنيفة يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقا لحديث الدين النصيحة قالوا وحديث النهى عن بيع حاضر لباد منسوخ قال بعضهم إنه على كراهة التنزية والصحيح الأول ولا يقبل النسخ ولا كراهة التنزية بمجرد الدعوى انتهى (فقلت) أي لابن عباس وهذا مقول طاووس (ما يبيع حاضر لباد) أي ما معناه (قال) أي ابن عباس (لا يكون له سمسارا) بكسر المهملة الأولى وبينهما ميم ساكنة أي دلالا قاله القسطلاني وقال في الفتح وهو في الأصل القيم بالأمر والحافظ ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيره انتهى وقد استنبط الإمام البخاري منه تخصيص النهي عن بيع الحاضر للبادي إذا كان بالأجر وقوى ذلك بعموم حديث النصح لكل مسلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (أن محمد بن زبرقان) بكسر زاي وسكون موحدة وكسر راء وبقا ف كذا في المغني (أبا همام) كنية محمد (وكان) أي محمد (وإن كان) أي البادي (أخاه أو أباه) أي أخا الحاضر وأباه والمعنى وإن كان البادي قريبا للحاضر أي قريب كان قال المنذري وأخرجه النسائي ومسلم ورجال إسناده ثقات (أخبرنا محمد) هو ابن سيرين أورد في الأطراف في ترجمته عن أنس (وهي) أي قوله صلى الله عليه وسلم لا يبيع حاضر لباد وتأنيث الضمير باعتبار الكلمة (ولا يبتاع) أي لا يشتري البلدي للبادي شيئا بالأجر ويكون دلاله بل يتركه ليشتري بنفسه في السوق
[ 221 ]
قال الشوكاني واعلم أنه كما لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي كذلك لا يجوز أن يشتري له وبه قال ابن سيرين والنخعي وعن مالك روايتان ويدل لذلك حديث أنس بن مالك هذا وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن ابن سيرين قال لقيت أنس بن مالك فقلت لا يبيع حاضر لباد أنهبتم أحمد أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم قال نعم قال محمد صدق إنها كلمة جامعة ويقوي ذلك العلة التي نبه عليها صلى الله عليه وسلم بقوله دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإن ذلك يحصل بشراء من لا خبرة له بالأثمان كما يحصل ببيعه انتهى وقال الخطابي قوله لا يبيع حاضر لباد كلمة تشتمل على البيع والشراء يقال بعت الشئ بمعنى اشتريت قال طرفة ويأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتا ولم تضرب له وقت موعد أي لم تشتر له متاعا ويقال شريت الشئ بمعنى بعته والكلمتان من الأضداد قال ابن مفرع الحميري وشريت بردا ليتني من بعد برد كنت هامه يريد بعت بردا وبرد غلامه فندم عليه انتهى قال في النيل والخلاف في جواز استعمال المشترك في معنييه أو معانيه معروف في الأصول والحق الجواز إن لم يتناقضا انتهى قال المنذري في إسناده أبو هلال واسمه محمد بن سليم الراسي لم يكن راسبيا وإنما نزل فيهم وهو مولى لقريش وقد تكلم فيه غير واحد (بحلوبة) بالحاء المهملة كذا في جميع النسخ الحاضرة قال في فتح الودود ضبطه أبو المديني بالجيم وهي ما تجلب للبيع من كل شئ انتهى قال في النهاية وفي حديث سالم قدم أعرابي بجلوبة فنزل على طلحة الحديث والجلوبة بالفتح ما يجلب للبيع من كل شئ وجمعه الجلائب وقيل الجلائب الإبل التي تحلب إلى الرجل النازل على الماء ليس له ما يحتمل عليه فيحملونه عليها والمراد في الحديث الأول كأنه أراد أن يبيعها له طلحة هكذا جاء في كتاب أبى موسى في حرف الجيم
[ 222 ]
والذي قرأنا ه في سنن أبى داود بحلوبة (أي بالحاء المهملة) وهي الناقة التي تحلب وسيجئ ذكرها في حرف الحاء انتهى (لكن اذهب إلى السوق) لبيع سلعتك ومتاعك (فانظر من يبايعك) أي من يشتري منك متاعك قال أبو عبيد البيع من حروف الأضداد في كلام العرب يقال باع فلان إذا اشترى كذا في اللسان (فشاورني) أمر من المشورة أي في أمر البيع (حتى آمرك) بإمضاء هذا البيع بهذا الثمن إن كان فيه منفعة لك (وأنهاك) عن إمضائه إن كان فيه ضرر لك وأما أنا فلا أذهب معك بطريق الدلال قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وفيه أيضا رجل مجهول وأخرجه أبو بكر البزار من حديث ابن إسحاق عن سالم المكي عن أبيه قال وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن طلحة إلا من هذا الوجه ولا نعلم أحدا قال عن سالم عن أبيه عن طلحة إلا مؤملا يعني ابن إسماعيل وغير مؤمل يرويه عن رجل انتهى كلام المنذري (وذروا الناس) أي اتركوهم ليبيعوا متاعهم رخيصا (يرزق الله) بكسر القاف على أنه مجزوم في جواب الأمر وبضمها على أنه مرفوع قاله القاري وفي مسند أحمد من طريق عطاء بن السائب عن حكيم بن أبى يزيد عن أبيه حدثني أبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعضهم فإذا استنصح الرجل فلينصح له ورواه البيهقي من حديث جابر مثله قال الشوكاني وهذه الأحاديث تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي من غير فرق بين أن يكون البادي قريبا له أو أجنبيا وسواء كان في زمن الغلاء أولا وسواء كان يحتاج
[ 223 ]
إليه أهل البلد أم لا وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة وقالت الحنفية إنه يختص المنع من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل المصر وقالت الشافعية والحنابلة إن الممنوع إنما هو أن يجئ البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه الحاضر فيقول ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر قال في الفتح فجعلوا الحكم منوطا بالبادي ومن شاركه في معناه قالوا وإنما ذكر البادي في الحديث لكونه الغالب فألحق به من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين وجعلت المالكية البداوة قيدا وعن مالك لا يلتحق بالبدوي في ذلك إلا من كان يشبهه فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق فليسوا داخلين في ذلك وحكى ابن المنذر عن الجمهور أن النهي للتحريم إذا كان البائع عالما والمبتاع مما تعم الحاجة إليه ولم يعرضه البدوي على الحضري وقد ذكر ابن دقيق العيد فيه تفصيلا حاصله أن يجوز التخصيص به حيث يظهر المعنى لا حيث يكون خفيا فاتباع اللفظ أولى ولكنه لا يطمئن الخاطر إلى التخصيص به مطلقا فالبقاء على ظواهر النصوص هو الأولى فيكون بيع الحاضر للبادي محرما على العموم وسواء كان بأجرة أم لا وروى عن البخاري أنه حمل النهي على البيع بالأجرة لا بغير أجرة فإنه من باب النصيحة وروى عن عطاء ومجاهد وأبي حنيفة أنه يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقا وتمسكوا بأحاديث النصيحة انتهى مختصرا والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه باب من اشترى مصراة فكرهها (لا تلقوا) بفتح التاء واللام والقاف المشددة وأصله لا تتلقوا (الركبان) بضم الراء جمع راكب (للبيع) أي لأجل البيع وتقدم الكلام على التلقي في باب التلقي (ولا يبع بعضكم على بيع بعض) تقدم شرحه في الباب المذكور (ولا تصروا) بضم أوله وفتح الصاد المهملة وضم الراء المشددة من صريت اللبن في الضرع إذا جمعته وظن بعضهم أنه من صررت فقيده بفتح أوله وضم ثانيه قال في الفتح والأول أصح انتهى قال الشافعي التصرية هي ربط أخلاف الشاة أو الناقة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظن المشتري أن ذلك عادتها فيزيد في ثمنها لما
[ 224 ]
يرى من كثرة لبنها وأصل التصرية حبس الماء يقال منه صريت الماء إذا حبسته قال أبو عبيدة وأكثر أهل اللغة التصرية حبس اللبن في الضرع حتى يجتمع (فمن ابتاعها) أي اشترى ابل أو الغنم المصراة (بعد ذلك) أي بعد ما ذكر من التصرية (فهو بخير النظرين) أي الرأيين من الإمساك والرد (بعد أن يحلبها) بضم اللام (أمسكها) أي على ملكه (وإن سخطها) بكسر المعجمة أي كرهها (وصاعا من تمر) أي مع صاع من تمر وقد أخذ بظاهر الحديث الجمهور قال في الفتح وأفتى ابن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهما في الصحابة وقال به من التابعين ومن بعدهم من لا يحصى عدده ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلا كان أو كثيرا ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا وخالف في أصل المسألة أكثر الحنفية وفي فروعها آخرون انتهى وقد اعتذر الحنفية عن حديث المصراة بأعذار بسطها الحافظ في الفتح وأجاب عن كل منها قلت أخذ الحنفية في هذه المسألة بالقياس وأنت تعلم أن القياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار فلا يعتبر به والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (وصاعا من طعام لا سمراء) وفي رواية لمسلم وغيره صاعا من تمر لا سمراء قال في النيل وينبغي أن يحمل الطعام على التمر المذكور في أكثر الروايات ثم لما كان المتبادر من لفظ الطعام القمح نفاه بقوله لا سمراء انتهى محصلا قال النووي السمراء بالسين المهملة هي الحنطة انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (ففي حلبتها) بسكون اللام (صاع من تمر) ظاهره أن الصاع في مقابلة المصراة سواء كانت واحدة أو أكثر لقوله من اشترى غنما لأنه اسم مؤنث موضوع للجنس ثم قال ففي
[ 225 ]
حلبتها صاع من تمر ونقل ابن عبد البر عمن استعمل الحديث وابن بطال عن أكثر العلماء وابن قدامة عن الشافعية والحنابلة وعن أكثر المالكية يرد عن كل واحدة صاعا قاله القسطلاني قال المنذري وأخرجه مسلم (من ابتاع محفلة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة والفاء المشددة من التحفيل وهو التجميع قال الخطابي المحفلة هي المصراة وسميت محفلة لحفول يقول اللبن واجتماعه في ضرعها (مثل أو مثلي لبنها) شك من الراوي أي قال مثل لبنها أو قال مثلي لبنها (قمحا) بفتح فسكون أي حنطة فإن قلت كيف التوفيق بين هذا الحديث وبين الحديث الأول من الباب قلت أجاب الحافظ بأن إسناد هذا الحديث ضعيف قال وقال ابن قدامة إنه متروك الظاهر بالإتفاق قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وقال الخطابي وليس إسناده بذلك والأمر كما قال رضي الله عنه فإن جميع بن عمير قال ابن نمير هو من أكذب الناس وقال ابن حبان كان رافضيا يضع الحديث في النهي عن الحكرة بضم الحاء المهملة وسكون الكاف قال في النهاية احتكر الطعام اشتراه وحبسه ليقل فيغلو والاسم الحكر والحكرة انتهى (إلا خاطئ) بالهمزة أي عاص وآثم (فقلت لسعيد) أي ابن المسيب (فإنك تحتكر قال ومعمر كان يحتكر) قال الخطابي هذا يدل على أن المحظور منه نوع دون نوع ولا يجوز على سعيد بن المسيب في فضله وعلمه أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ثم يخالفه كفاحا وهو
[ 226 ]
على الصحابي أقل جوازا وأبعد مكانا وقد اختلف الناس في الاحتكار فكرهه مالك والثوري في الطعام وغيره من السلع وقال مالك يمنع من احتكار الكتان والصوف والزيت وكل شئأضر بالسوق إلا أنه قال ليست الفواكه من الحكرة قال أحمد بن حنبل ليس الاحتكار إلا في الطعام خاصة لأنه قوت الناس وقال إنما يكون الاحتكار في مثل مكة والمدينة والثغور وفرق بينهما وبين بغداد والبصرة وقال إن السفن تخترقها وقال أحمد إذا أدخل الطعام من صنيعه فحبسه فليس بحكرة وقال الحسن والأوزاعي من جلب طعاما من بلد فحبسه ينتظر زيادة السعر فليس بمحتكر وإنما المحتكر من اعترض سوق المسلمين قال فاحتكار معمر وابن المسيب متأول على مثل الوجه الذي ذهب إليه أحمد بن حنبل والله أعلم (ما فيه عيش الناس) أي حياتهم وقوتهم (من يعترض السوق) أي ينصب نفسه للتردد إلى الأسواق ليشتري منها الطعام الذي يحتاجون إليه ليحتكره وقال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه (ابن المثنى) هو محمد (أخبرنا يحيى بن الفياض) الزماني لين الحديث (أخبرنا همام) ابن يحيى بن دينار (قال ابن المثنى) في روايته (قال) أي يحيى بن فياض (عن الحسن) أي قال يحيى حدثنا همام عن قتادة عن الحسن أنه قال ليس في التمر حكرة (فقلنا) هذه مقولة محمد بن المثنى (له) أي ليحيى (لا تقل عن الحسن) فإن هذه المقولة ليست من الحسن البصري وما قالها (قال أبو داود هذا الحديث) الذي من طريق يحيى بن الفياض سواء كان القول لقتادة أو الحسن (عندنا باطل) لجهة إسناده قال الذهبي في الميزان يحيى بن الفياض الزماني عن همام بن يحيى قال أبو داود عقب حديثه له هذا باطل انتهى (النوى) بفتحتين من التمر والعنب أي كل ما كان في جوف مأكول كالتمر والزبيب والعنب وما أشبهه ويقال
[ 227 ]
بالفارسية خسته خرما وانكور الذي (والخط) بالتحريك أي الورق الساقط والمراد به علف الدواب (والبزر) بالكسر واحدة بزرة كل حب يبذر للنبات كذا في بعض اللغة وفي المصباح البزر بزر البقل ونحوه بالكسر والفتح لغة ولا تقوله الفصحاء إلا بالكسر (عن كبس القت) الكبس بفتح الكاف وسكون الموحدة والقت بفتح القاف وتشديد التاء الفوقية وهو اليابس من القضب أي عن إخفاء القت وإدخاله في البيت أي عن حبسه قلت وأخرج أحمد في مسنده عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل في شئ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة وأخرج أحمد عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ وعند ابن ماجه عن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس قال الشوكاني وظاهر الأحاديث يدل على أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمى والدواب وبين غيره وقالت الشافعية إن المحرم إنما هو احتكار الأقوات خاصة لا غيرها ولا مقدار الكفاية منها قال ابن رسلان في شرح السنن ولا خلاف في أن ما يدخره الإنسان من قوت وما يحتاجون إليه من سمن وعسل وغير ذلك جائز لا بأس به انتهى ويدل على ذلك ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي كل واحدة من زوجاته مائة وسق من خيبر قال ابن رسلان وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنتهم من تمر وغيره قال ابن عبد البر وغيره إنما كان سعيد ومعمر يحتكران الزيت وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه وكذلك حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون ويدل على اعتبار الحاجة وقصد إغلاء السعر على المسلمين قوله في حديث معقل من دخل في شئ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم وقوله في حديث أبي هريرة يريد أن يغلي بها على المسلمين وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسأل عن أي شئ الاحتكار فقال إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره وهذا قول ابن عمر
[ 228 ]
قال السبكي الذي ينبغي أن يقال في ذلك إنه إن منع غيره من الشراء وحصل به ضيق حرم وإن كانت الأسعار رخيصة وكان القدر الذي يشتريه لا حاجة بالناس إليه فليس لمنعه من شرائه وادخاره إلى وقت حاجة الناس إليه معنى وأما إمساكه حالة استغناء أهل البلد عنه رغبة في أن يبيعه إليهم وقت حاجتهم إليه فينبغي أن لا يكره بل يستحب والحاصل أن العلة إذا كانت هي الإضرار بالمسلمين لم يحرم الاحتكار إلا على وجه يضربهم ويستوى في ذلك القوت وغيره لأنهم يتضررون بالجميع والله أعلم باب في كسر الدراهم (أن تكسر) بصيغة المجهول (سكة المسلمين) بكسر السين وشدة الكفاف قال في النهاية يعني الدراهم والدنانير المضروبة يسمى كل واحد منهما سكة لأنه طبع بسكة الحديد انتهى وسكة الحديد هي الحديدة المقوشة لأن التي تطبع عليها الدراهم والدنانير (الجائزة بينهم) يعني النافقة في معاملتهم (إلا من بأس) كأن تكون زيوفا قال الخطابي واختلفوا في علة النهي فقال بعضهم إنما كره لما فيه من ذكر اسم الله سبحانه وقال بعضهم كره من أجل الوضيعة وفيه تضييع المال وبلغني عن أبى العباس بن سريج أنه قال كانوا يقرضون الدراهم ويأخذون أطرافها فنهوا عنه وزعم بعض أهل العلم أنه إنما كره قطعها وكسرها من أجل التدنيق وقد قال الحسن البصري لعن الله الدانق وأول من أحدث الداق انتهى ملخصا وفي النيل وفي معنى كسر الدراهم كسر الدنانير والفلوس التي عليها سكة الإمام لا سيما إذا كان التعامل بذلك جاريا بين المسلمين كثيرا والحكمة في النهي ما في الكسر من الضرر بإضاعة المال لما يحصل من النقصان في الدراهم ونحوها إذا كسرت وأبطلت المعاملة بها
[ 229 ]
قال ابن رسلان في شرح السنن لو أبطل السلطان المعاملة بالدراهم التي ضربها السلطان الذي قبله وأخرج غيرها جاز كسر تلك الدراهم التي أبطلت وسبكها لإخراج الفضة التي فيها وقد يحصل في سبكها وكسرها ربح كثير لفاعله انتهى قال الشوكاني ولا يخفى أن الشارع لم يأذن في الكسر إلا إذا كان بها بأس ومجرد الابدال لنفع البعض ربما أفضى إلى الضرر بالكثير من الناس فالجزم بالجواز من غير تقييد بانتفاء الضرر لا ينبغي قال أبو العباس بن سريج إنهم كانوا يقرضون أطراف الدراهم والدنانير بالمقراض ويخرجونهما عن السعر الذي يأخذونهما به ويجمعون من تلك القراضة شيئا كثيرا بالسبك كما هو معهود في المملكة الشامية وغيرها وهذه الفعلة هي التي نهى الله عنها قوم شعيب بقولة ولا تبخسوا الناس أشياءهم فقالوا أتنهانا أن نفعل في أموالنا يعني الدراهم والدنانير ما نشاء من القرض ولم ينتهوا عن ذلك فأخذتهم الصيحة انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده محمد بن فضاء الأزدي الحمصي البصري المعبر للرؤيا كنيته أبو بحر ولا يحتج بحديثه باب في التسعير هو أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولي من أمور المسلمين أمرا أهل السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا فيمنع من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة قاله في النيل (يارسول الله سعر) أمر من التسعير وهو وضع السعر على المتاع قال الطيبي رحمه الله السعر القيمة ليشيع البيع في الأسواق بها ذكره القاري (بل ادعوا) أي الله تعالى لتوسعة الرزق (ثم جاء رجل) أي اخر (بل الله يخفض ويرفع) أي يبسط الرزق ويقدر (وليس لأحد عندي مظلمة) بكسر اللام وهي ما تطلبه من عند الظالم مما أخذه منك والجملة حالية
[ 230 ]
وفيه دليل على أن التسعير مظلمة وإذا كان مظلمة فهو محرم والحديث سكت عنه المنذري (غلا السعر) أي ارتفع على معتاده (إن الله هو المسعر) على وزن اسم الفاعل من التسعير (القابض الباسط) أي مضيق الرزق وغيره على من شاء ما شاء كيف شاء وموسعه وقد استدل بالحديث وما ورد في معناه على تحريم التسعير وأنه مظلمة ووجهه أن الناس مسلطون على أموالهم والتسعير حجر عليهم والإمام مأمور برعاية مصلح المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقوله تعالى إلا أن تكون تجارة عن تراض وإلى هذا ذهب جمهور العلماء وروي عن مالك أنه يجوز للإمام التسعير وأحاديث الباب ترد عليه كذا في النيل قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح باب في النهي عن الغش قال في المجمع الغش ضد النصح من الغشش وهو المشرب الكدر (فأوحي) بصيغة المجهول (فيه) أي في الطعام (فإذا هو مبلول) أي أصابته بلة (ليس منا م ن غش)
[ 231 ]
قال الخطابي معناه ليس على سيرتنا ومذهبنا يريد أن من غش أخاه وترك مناصحته فإنه قد ترك اتباعي والتمسك بسنتي وقد ذهب بعضهم إلى أنه أراد بذلك نفيه عن الإسلام وليس هذا التأويل بصحيح وإنما وجهه ما ذكرت لك وهذا كما يقول الرجل لصاحبه أنا منك وإليك يريد بذلك المتابعة والموافقة ويشهد لذلك قوله تعالى فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم انتهى والحديث دليل على تحريم الغش وهو مجمع عليه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه بنحوه (قال كان سفيان يكره هذا التفسير الخ) قال النووي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم ليس مني (كذا بالإفراد في رواية مسلم) معناه ليس ممن اهتدى بهديي واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقتي كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست مني قال وكان سفيان بن عيينة يكره تفسير مثل هذا ويقول بئس هذا القول بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر انتهى باب في خيار المتبايعين أي البائع والمشتري قال في النهاية الخيار هو الاسم من الاختيار وهو طلب خير الأمرين إما إمضاء البيع أو فسخه (كل واحد منهما بالخيار) مبتدأ وخبر والجملة خبر لقوله المتبايعان (على صاحبه) أي على الآخر منهما والجار متعلق بالخيار والمراد بالخيار خيار المجلس (ما لم يفترقا) وفي بعض النسخ يتفرقا أي ببدنهما فيثبت لهما خيار المجلس والمعنى أن الخيار ممتد زمن عدم تفرقهما وذلك لأن ما مصدرية ظرفية وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عند البيهقي والدارقطني ما لم يتفرقا عن مكانهما وذلك صريح في المقصود قاله القسطلاني قال الخطابي اختلف الناس في التفرق الذي يصح بوجوده البيع فقالت طائفة هو
[ 232 ]
التفرق بالأبدان وإليه ذهب عبد الله بن عمر وأبو برزة الأسلمي وبه قال شريح وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء بن أبى رباح والزهري وهو قول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وقال النخعي وأصحاب الرأي الافتراق بالكلام وإذا تعاقدا صح البيع وإليه ذهب مالك وظاهر الحديث يشهد لمن ذهب إلى أن التفرق هو تفرق الأبدان وعلى هذا فسره ابن عمر وهو راوي الخبر وكان إذا بايع رجلا فأراد أن يستحق الصفقة مشى خطوات حتى يفارقه وكذلك تأوله أبو برزة في شأن الفرس الذي باعه الرجل من صاحبه وهما في المنزل وعلى هذا وجدنا أمر الناس وعرف اللغة وظاهر الكلام إذا قيل تفرق الناس كان المفهوم منه التميز بالأبدان وإنما يعقل ما عداه من التفرق في الرأي والكلام بقيد وصلة قال ولو كان تأويل الحديث على الوجه الذي صار إليه النخعي لخلا الحديث عن الفائدة وسقط معناه وذلك أن العلم محيط بأن المشتري ما لم يوجد منه قبول البيع فهو بالخيار وكذلك البائع خياره ثابت في ملكه قبل أن يعقد البيع وهذا مع العلم العام الذي قد استقر بيانه انتهى مختصرا (إلا بيع الخيار) قال النووي فيه ثلاثة أقوال ذكرها أصحابنا وغيرهم من العلماء أصحها أن المراد التخيير بعد تمام العقد قبل مفارقة المجلس وتقديره يثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا إلا أن يتخايرا في المجلس ويختارا إمضاء البيع فيلزم البيع بنفس التخاير ولا يدوم إلى المفارقة والقول الثاني أن معناه إلا بيعا شرط فيه خيار الشرط ثلاثة أيام أو دونها فلا ينقضي الخيار فيه بالمفارقة بل يبقى حتى تنقضي المدة المشروطة والثالث معناه إلا بيعا شرط فيه أن لا خيار لهما في المجلس فيلزم البيع بنفس البيع ولا يكون فيه خيار وهذا تأويل من يصحح البيع على هذا الوجه والأصح عند أصحابنا بطلانه بهذا الشرط انتهى وكذا صحح الخطابي المعنى الأول والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (أو يقول أحدهما لصاحبه اختر) أي أمض البيع قال الخطابي ليس بعد العقد تفرق إلا التمييز بالأبدان ويشهد لصحة هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم إلا بيع الخيار ومعناه أن يخيره قبل
[ 233 ]
التفرق وهما بعد في المجلس فيقول له اختر وبيان ذلك في رواية أيوب عن نافع وهو قوله عليه السلام إلا أن يقول لصاحبه اختر انتهى (إلا أن تكون صفقة خيار) بالرفع على أن كان تامة وصفقة فاعلها والتقدير إلا أن توجد أو تحدث صفقة خيار والنصب على أن كان ناقصة واسمها مضمر وصفقة خبر والتقدير إلا أن تكون الصفقة خيار والمراد أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه اختر إمضاء البيع أو فسخه فاختار أحدهما تم البيع وإن لم يتفرقا كما تقدم (خشية أن يستقيله) بالنصب على أنه مفعول له واستدل بهذا القائلون بعدم ثبوت خيار المجلس قالوا لأن في هذا الحديث دليلا على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة وأجيب بأن الحديث حجة عليهم لا لهم ومعناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع وعلى هذا حمله الترمذي وغيره من العلماء قالوا ولو كانت الفرقة بالكلام لم يكن له خيار بعد البيع ولو كان المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد وقد أثبت في أول الحديث الخيار ومده إلى غاية التفرق ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها إلى الفسخ وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم لا أن اختيار الفسخ حرام كذا في الفتح والنيل قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن (عن أبى الوضئ) بفتح الواو وكسر المعجمة المخففة مهموز اسمه عباد بن نسيب بضم النون وفتح المهملة مصغرا ووقع في نسخة صحيحة بعد قوله عن أبى الوضئ اسمه عباد بن نسيب وقال بعضهم نصيف بالفاء ولكن القول عباد بن نسيب (بغلام) أي بعوض غلام فأعطى صاحبه فرسا له وأخذ الغلام عن الرجل (ثم أقاما) أي صاحب الفرس وصاحب الغلام
[ 234 ]
بعد ذلك العقد الذي كان بينهما (حضر) وآن وقت (الرحيل) للجيش (قام) أي صاحب الفرس (يسرجه) من الإفعال أي ليضع السرج على فرسه للركوب (فندم) صاحب الفرس على فعله وهو آخذ الغلام عوض الفرس (فأتى) أي صاحب الفرس نادما (الرجل) مفعول أتى أي صاحب الغلام (وأخذه بالبيع) الضمير المرفوع لصاحب الفرس والضمير المنصوب لصاحب الغلام أي أخذ صاحب الفرس صاحب الغلام لفسخ البيع ولرد مبيعه (فأبى الرجل) أي أنكر صاحب الغلام (أن يدفعه) الضمير المنصوب إلى الفرس أي يدفع الرجل فرسا (إليه) أي إلى صاحب الفرس (ما أراكما) ما نافية (افترقتما) من مكان البيع وموضعه بل أنتما تقيمان علي فيه فكيف لا تردان المبيع وفيه دليل على أن أبا برزة كان يرى التفرق بالأبدان وفيه أن أبا برزة وسع في المجلس ولا يتم التفرق بالأبدان عنده حتى يتفرقا جميعا من ذلك الموضع ويتركاه لأن أبا الوضئ قال ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما ومع ذلك قال أبو برزة ما أراكما افترقتما ومن المعلوم أن واحدا منهما أو كلاهما لا بد لهما أن يتفرقا لقضاء حاجتهما من أكل وشرب ونوم وبول وغائط وغيرها نعم لم يتفرقا من موضع قيامهما تفرق الخروج والانتشار إلا من الغد لكن الحديث في سنن الترمذي بلفظ آخر وهذه عبارته روى عن أبى برزة الأسلمي أن رجلين اختصما إليه في فرس بعد ما تبايعا فكانوا في سفينة فقال لا أراكما افترقتما وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا والله أعلم قال الحافظ ابن حجر فأبو برزة الصحابي حمل قوله صلى الله عليه وسلم ما لم يتفرقا على التفرق بالأبدان وكذلك حمله ابن عمر عليه ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة انتهى وفي صحيح البخاري وبه قال ابن عمر وشريح والشعبي وطاووس وعطاء وابن أبى مليكة انتهى ونقل ابن المنذر القول به أيضا عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبى ذئب من أهل
[ 235 ]
المدينة وعن الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج وغيرهم وقال ابن حزم لا نعلم لهم مخالفا من التابعين إلا إبراهيم النخعي وحده كذا في الفتح وقال الخطابي في المعالم أكثر شئ سمعت أصحاب مالك يحتجون به في رد الحديث هو أنه قال ليس العمل عليه عندنا وليس للتفرق حد محدود يعلم قال الخطابي هذا ليس بحجة أما قوله ليس العمل عليه عندنا فإنما هو كأنه قال أنا أرد هذا الحديث فلا أعمل به فيقال له الحديث حجة فلم رددته ولم لم تعمل به قال الشافعي رحم الله مالكا لست أدري من اتهم في إسناد هذا الحديث اتهم نفسه أو نافعا وأعظم أن يقول اتهم ابن عمر وأما قوله ليس للتفرق حد يعلم فليس الأمر على ما توهمه والأصل في هذا ونظائره أن يرجع إلى عادة الناس وعرفهم ويعتبر حال المكان الذي هما فيه مجتمعان فإذا كانا في بيت فإن التفرق إنما يقع بخروج أحدهما منه وإن كانا في دار واسعة فانتقل أحدهما من مجلسه إلى بيت أو صفة أو نحو ذلك فإنه قد فارق صاحبه وإن كانا في سوق أو على حانوت فهو أن يولي عن صاحبه ويخطو خطوات ونحوها وهذا كالعرف الجاري والعادة المعلومة في التقابض انتهى كلام الخطابي قال النووي تحت حديث ابن عمر هذا الحديث دليل لثبوت خيار المجلس لكل واحد من المتبايعين بعد انعقاد البيع حتى يتفرقا من ذلك المجلس بأبدانهما وبهذا قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وممن قال به علي بن أبى طالب وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأبو برزة الأسلمي وطاووس وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح القاضي والحسن البصري والشعبي والزهري والأوزاعي وابن أبى ذئب وسفيان بن عيينة والشافعي وابن المبارك وعلي بن المديني وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد والبخاري وسائر المحدثين وآخرون قال أبو حنيفة ومالك لا يثبت خيار المجلس بل يلزم البيع بنفس الإيجاب والقبول وبه قال ربيعة وحكي عن النخعي وهو رواية عن الثوري وهذه الأحاديث الصحيحة ترد على هؤلاء وليس لهم عنها جواب صحيح والصواب ثبوته كما قاله الجمهور انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه ورجال إسناده ثقات وأخرجه الترمذي مختصرا (قال) أي محمد بن حاتم (مروان الفزاري أخبرنا) مروان مبتدأ وأخبرنا خبره (يحيى ابن أيوب) بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير روى عن جده أبي زرعة وثقه أبو داود
[ 236 ]
وقال ابن معين ليس به بأس (قال كان أبو زرعة) ابن عمرو بن جرير البجلي الكوفي روى عن جده جرير وأبى هريرة من ثقات علماء التابعين (لا يفترقن اثنان) أي متبايعان (إلا عن تراض) قال الطيبي صفة مصدر محذوف والاستثناء متصل أي لا يتفرقن اثنان إلا تفرقا صادرا عن تراض قال القاري والمراد بالحديث والله تعالى أعلم أنهما لا يتفارقان إلا عن تراض بينهما فيما يتعلق بإعطاء الثمن وقبض المبيع وإلا فقد يحصل الضرر والضرار وهو منهي في الشرع أو المراد منه أن يشاور مريد الفراق صاحبه ألك رغبة في المبيع فإن أريد الإقاله أقاله وهذا نهي تنزية للإجماع على حل المفارقة من غير إذن الآخر ولا علمه قال الأشرف فيه دليل على أنه لا يجوز التفرق بين العاقدين لانقطاع خيار المجلس إلا برضاهما انتهى وتقدم أنه يجوز إجماعا والنهي للتنزيه قال وفيه دليل على ثبوت خيار المجلس لهما وإلا فلا معنى لهذا القول حينئذ انتهى وأنت علمت معنى القول فيما سبق وتحقق انتهى كلام القاري قلت لا ريب في أن الحديث يدل على ثبوت خيار المجلس كما قال الأشرف ولهذا كان أبو زرعة راوي الحديث إذا بايع رجلا خيره ثم يقول خيرني وأما ما ذكر القاري من مراد الحديث فهو غير ظاهر كما لا يخفى على المتأمل والله تعالى أعلم وعلمه أتم قال المنذري وأخرجه الترمذي ولم يذكر أبا زرعة وقال هذا حديث غريب (البيعان) بتشديد التحتية المكسورة بعد الموحدة المفتوحة أي البائع والمشتري (بالخيار) أي في المجلس (ما لم يفترقا) أي ببدنهما عن مكان التعاقد (فإن صدقا) أي البائع في صفة المبيع والمشتري في ما يعطي في عوض المبيع (وبينا) أي ما بالمبيع والثمن من عيب ونقص (وإن كتما) أي ما في المبيع والثمن من العيب والنقص (وكذبا) أي في وصف المبيع والثمن (محقت) بصيغة المجهول أي أزيلت وذهبت
[ 237 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (وكذلك رواه سعيد بن أبي عروبة) عن قتادة عن صالح أبى الخليل وحديثه عند النسائي (وحماد) عن قتادة (وأما همام) عن قتادة (فقال حتى يتفرقا) المتبايعان (أو يختارا) أي شرطا اختيار إمضاء البيع أو فسخه ثلاث مرات وحديث همام عند مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي قال أخبرنا همام عن أبي التياح قال سمعت عبد الله بن الحارث يحدث على حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ولم يسق مسلم لفظه وإنما أحال على ما قبله وعند النسائي من طريق همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ويأخذ أحدهما ما رضي من صاحبه أو هوى وعنده من طريق هشام عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار حتى يتفرقا أو يأخذ كل واحد منهما من البيع ما هوى ويتخايران ثلاث مرات باب في فضل الإقالة هي في الشرع رفع العقد الواقع بين المتعاقدين وهي مشروعة إجماعا ولا بد من لفظ يدل عليها وهو أقلت أو ما يفيد معناه عرفا (من أقال مسلما) أي بيعه (أقاله الله عثرته) أي غفر زلته وخطيئته قال في إنجاح الحاجة صورة إقالة البيع إذا اشترى أحد شيئا من رجل ثم ندم على اشترائه إما لظهور الغبن فيه أو لزوال حاجته إليه أو لانعدام الثمن فرد المبيع على البائع وقبل البائع رده أزال الله مشقته وعثرته يوم القيامة لأنه إحسان منه على المشتري لأن البيع كان قد بت فلا يستطيع المشتري فسخه انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه
[ 238 ]
باب فيمن باع بيعتين في بيعة (من باع بيعتين في بيعة) قال الخطابي لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث أو صحح البيع بأوكس الثمنين إلا شئ يحكى عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد وذلك لما يتضمنه هذا العقد من الغرر والجهل قلت قال في النيل ولا يخفى أن ما قاله هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بالأوكس يستلزم صحة البيع به قال الخطابي وإنما المشهور من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيعتين في بيعة رواه الشافعي عن الدراوردي عن محمد بن عمرو وأما رواية يحيى بن زكريا عن محمد بن عمرو على الوجه الذي ذكره أبو داود فيشبه أن يكون ذلك في حكومة في شئ بعينه كأنه أسلفه دينارا في قفيز بر إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالبر قال له بعني القفيز الذي لك علي بقفيزين إلى شهرين فهذا بيع ثان وقد دخل على البيع الأول فصار بيعتين في بيعة فيردان إلى أوكسهما أي أنقصهما وهو الأصل فإن تبايعا البيع الثاني قبل أن يتقابضا الأول كانا مربيين انتهى قلت وقد نقل هذا التفسير الإمام ابن الأثير في النهاية وابن رسلان في شرح السنن ثم قال الخطابي وتفسير ما نهى عنه من بيعتين في بيعة على وجهين أحدهما أن يقول بعتك هذا الثوب نقدا بعشرة أو نسيئة بخمسة عشر فهذا لا يجوز لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره منهما فيقع به العقد وإذا جهل الثمن بطل البيع انتهى قلت وبمثل هذا فسر سماك رواه أحمد ولفظه قال سماك هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنساء بكذا وهو بنقد بكذا وكذا وكذلك فسره الشافعي رحمه الله فقال بأن يقول بعتك بألف نقدا أو بألفين إلى سنة فخذ أيهما شئت أنت وشئت أنا ونقل ابن الرفعة عن القاضي أن المسألة مفروضة على أنه قبل على الإبهام أما لو قال قبلت
[ 239 ]
بألف نقدا أو بألفين بالنسيئة صح ذلك كذا في النيل ثم قال الخطابي والوجه الآخر أن يقول بعتك هذا العبد بعشرين دينارا على أن تبيعني جاريتك بعشرة دنانير فهذا أيضا فاسد لأنه جعل ثمن العبد عشرين دينارا وشرط عليه أن يبيعه جاريته بعشرة دنانير وذلك لا يلزمه وإذا لم يلزمه ذلك سقط بعض الثمن فإذا سقط بعضه صار الباقي مجهولا قال وعقد البيعتين في بيعة واحدة على الوجهين الذين ذكرناهما عند أكثر الفقهاء فاسد وحكي عن طاووس أنه قال لا بأس أن يقول له بعتك هذا الثوب نقدا بعشرة وإلى شهرين بخمسة عشر فيذهب به إلى إحداهما انتهى كلام الخطابي وقال في النهاية نهى عن بيعتين في بيعة هو أن يقول بعتك هذا الثوب نقدا بعشرة ونسيئة بخمسة عشر فلا يجوز لأنه لا يدرى أيهما الثمن الذي يختاره ليقع عليه العقد ومن صوره أن يقول بعتك هذا بعشرين على أن تبيعني ثوبك بعشرة فلا يصح للشرط الذي فيه ولأنه يسقط بسقوطه بعض الثمن فيصير الباقي مجهولا وقد نهى عن بيع وشرط وعن بيع وسلف وهما هذان الوجهان انتهى (فله أوكسهما) أي أنقصهما (أو الربا) قال في النيل يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ الأوكس بل أخذ الأكثر وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره ابن رسلان وغيره وأما في التفسير الذي ذكره أحمد عن سماك وذكره الشافعي ففيه متمسك لمن قال يحرم بيع الشئ بأكثر من سعر يومه لأجل النساء وقالت الشافعية والحنفية والجمهور أنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه وهو الظاهر ثم بين صاحب النيل وجه الظهور إن شئت الوقوف عليه فعليك بالنيل قال المنذري في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد (وثقه النسائي) والمشهور عن محمد بن عمرو من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم نهي عن بيعتين في بيعة انتهى كلام المنذري (وكذا أخرجه الترمذي وصححه النسائي في المجتبى) قلت وكذا رواه إسماعيل بن جعفر ومعاذ بن معاذ وعبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن عمرو المذكور ذكره البيهقي في السنن وعبدة بن سليمان في الترمذي ويحيى بن سعيد في المجتبى وبهذا يعرف أن رواية يحيى بن زكريا فيها شذوذ كما لا يخفى
[ 240 ]
في النهي عن العينة (أخبرنا عبد الله بن يحيى البرلسي) باللام بعد الراء المهملة كذا في النسخ الصحيحة قال الحافظ في التقريب بضم الموحدة والراء وتشديد اللام المضمومة بعدها مهملة انتهى وفي بعض النسخ بالنون دون اللام أي بضم الموحدة والنون بينهما مهملة ساكنة كذا ضبطه في الخلاصة وهو غلط
[ 241 ]
وقال السيوطي في لب اللباب في تحرير الأنساب البرلسي بضمات وتشديد اللام ومهملة إلى البرلس من بلاد مصر وفتح ياقوت أولها وثانيها انتهى وأما البرنسي بالنون فلم يذكره السيوطي فيه وكذا لم يذكره الحافظ عبد الغني المصري وكذا الذهبي وأبو طاهر المقدسي وأبو موسى الأصبهاني في كتبهم المشتبه والمختلف وقال الإمام الحافظ أبو علي الغساني الجياني في كتابه تقييد المهمل وتمييز المشكل البرلسي بضم الباء المعجمة بواحدة والراء المهملة المضمومة بعدها لام مضمومة مشددة هو عبد الله بن يحيى المعافري البرلسي عن حيوة بن شريح ينسب إلى برلس قرية من سواحل مصر انتهى وفي مراصد الاطلاع برلس بفتحتين وضم اللام وتشديدها بليدة على شاطئ نيل مصر قرب البحر من جهة الإسكندرية انتهى ولم يذكر بالنون (إذا تبايعتم بالعينة) قال الجوهري العين بالكسر السلف
[ 242 ]
وقال في القاموس وعين أخذ بالعينة بالكسر أي السلف أو أعطى بها قال والتاجر باع سلعته بثمن إلى أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن انتهى قال الرافعي وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر انتهى وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد وجوز ذلك الشافعي وأصحابه كذا في النيل وقد حقق الإمام ابن القيم عدم جواز العينة ونقل معنى كلامه العلامة الشوكاني في النيل (وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع) حمل هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد (وتركتم الجهاد) أي المتعين فعله (سلط الله عليكم ذلا) بضم الذال المعجمة وكسرها أي صغارا ومسكنة ومن أنواع الذل الخراج الذي يسلمونه كل سنة لملاك الأرض وسبب هذا الذل والله أعلم أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الإسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه وهو إنزال الذلة بهم فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان قاله في النيل قال المنذري وفي إسناده إسحاق بن أسيد أبو عبد الرحمن الخراساني نزيل مصر لا يحتج بحديثه وفيه أيضا عطاء الخراساني وفيه مقال
[ 243 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 244 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 245 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 246 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 247 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 248 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 249 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 250 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 251 ]
باب في السلف بفتح السين واللام على وزن السلم ومعناه وحكي في الفتح أن السلف لغة أهل العراق والسلم لغة أهل الحجاز وهو في الشرع بيع موصوف في الذمة وزيد في الحد ببدل يعطى عاجلا وفيه نظر لأنه ليس داخلا في حقيقته واتفق العلماء على مشروعيته إلا ما حكي عن ابن المسيب واختلفوا في بعض شروطه واتفقوا على أنه يشترط له ما يشترط للبيع وعلى تسليم رأس المال في المجلس واختلفوا هل هو عقد غرر جوز للحاجة أم لا كذا في الفتح (وهم يسلفون) بضم أوله وسكون السين من الإسلاف أي يعطون الثمن في الحال ويأخذون السلعة في المآل (في التمر) بالمثناة الفوقية وفي بعض النسخ بالمثلثة (السنة والسنتين والثلاثة) منصوبات إما على نزع الخافض أي يشترون إلى السنة وإما على المصدر أي إسلاف السنة (من أسلف في تمر) بالمثناة وفي بعض النسخ بالمثلثة قال في السبل روي بالمثناة والمثلثة فهو بها أعم (في كيل معلوم) أي إذا كان مما يكال (ووزن معلوم) أي إذا كان مما يوزن (إلى أجل معلوم) فيه دليل على اعتبار الأجل وإليه ذهب الجمهور وقالوا لا يجوز السلم حالا وقالت الشافعية يجوز قال النووي فيه جواز السلم وأنه يشترط أن يكون قدره معلوما بكيل أو وزن أو غيرهما مما يضبط به فإن كان مذروعا كالثوب اشترط ذكر ذرعات معلومة وإن كان معدودا كالحيوان اشترط ذكر عدد معلوم ومعنى الحديث أنه إن أسلم في مكيل فليكن كيله معلوما وإن كان في موزون فليكن وزنا معلوما وإن كان مؤجلا فليكن أجله معلوما ولا يلزم من هذا اشتراط كون السلم مؤجلا بل يجوز حالا لأنه إذا جاز مؤجلا مع الغرر فجواز الحال أولى لأنه أبعد من الغرر وليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل بل معناه إن كان أجل فليكن معلوما وقد اختلف العلماء في جواز السلم الحال مع إجماعهم على جواز المؤجل فجوز
[ 252 ]
الحال الشافعي وآخرون ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون وأجمعوا على اشتراط وصفه بما يضبط به انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (أخبرني محمد أو عبد الله بن مجالد) بالشك (وأبو بردة) بضم الموحدة (في السلف) أي في السلم هل يجوز السلم إلى من ليس عنده المسلم فيه في تلك الحالة أم لا (إن كنا) إن مخففة من المثقلة (إلى قوم ما هو عندهم) أي ليس عندهم أصل من أصول الحنطة والشعير والتمر والزبيب وفي رواية عند أهل السنن غير الترمذي كنا نسلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزيت والتمر وما نراه عندهم وقد اختلف العلماء في جواز السلم فيما ليس بموجود في وقت السلم إذا أمكن وجوده في وقت حلول الأجل فذهب إلى جوازه الجمهور قالوا ولا يضر انقطاعه قبل الحلول وقال أبو حنيفة لا يصح فيما ينقطع قبله بل لا بد أن يكون موجودا من العقد إلى المحل ووافقه الثوري والأوزاعي فلو أسلم في شئ فانقطع في محله لم ينفسخ عند الجمهور وفي وجه للشافعية ينفسخ واستدل أبو حنيفة ومن معه بحديث ابن عمر الآتي في باب السلم في ثمرة بعينها ويأتي حتى ما أجاب به الجمهور عنه هناك إن شاء الله تعالى قال المنذري وأخرجه البخاري وابن ماجه (وقال عبد الرحمن) هو ابن مهدي (وشعبة أخطأ فيه) أي بذكر لفظ عبد الله بن مجالد وإنما هو عبد الله بن أبي المجالد
[ 253 ]
قال الحافظ في التقريب عبد الله بن أبي المجالد بالجيم مول عبد الله بن أبي أوفى ويقال اسمه محمد ثقة انتهى ومراد المؤلف أن المحفوظ في اسناد لفظ ابن أبي المجالد أو عبد الله بن أبي المجالد دون عبد الله بن مجالد والله أعلم باب في السلم في ثمرة بعينها السلم بوزن السلف ومعناه (رجل نجراني) بالفتح والسكون وراء إلى نجران ناحية بين اليمن وهجر قاله السيوطي (فلم تخرج) من باب الإفعال والضمير للنخل (شيئا) أي من الثمر (ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسلفوا) أي لا تسلموا وقيل أي لا تبيعوا وهذا المعنى ضعيف واستدل الإمام أبو حنيفة بهذا الحديث على أنه لا يصح السلم فيما ينقطع قبل حلول الأجل بل لا بد أن يكون موجودا من العقد إلى المحل قال العلامة الشوكاني ولو صح هذا الحديث لكان المصير إليه أولى لأنه صريح في الدلالة على المطلوب بخلاف حديث عبد الله بن أبي أوفى يعني المذكور في الباب السابق فليس فيه إلا مظنة التقرير منه صلى الله عليه وسلم مع ملاحظة تنزيل ترك الاستفصال منزلة العموم ولكن حديث ابن عمر هذا في إسناده رجل مجهول ومثل هذا لا تقوم به حجة قال القائلون بالجواز ولو صح هذا الحديث لحمل على بيع الأعيان أو على السلم الحال عند من
[ 254 ]
يقول به أو على ما قرب أجله قالوا ومما يدل على الجواز ما تقدم من أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين والثلاث ومن المعلوم أن الثمار لا تبقى هذه المدة ولو اشترط الوجود لم يصح السلم في الرطب إلى هذه المدة وهذا أولى ما يتمسك به في الجواز انتهى قال المنذري في إسناده رجل مجهول (فكان يأتينا أنباط) جمع نبيط وهم قوم معروفون كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين قاله الجوهري وأصلهم قوم من العرب دخلوا في العجم واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم ويقال لهم النبط بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية وإنما سموا بذلك لمعرفتهم بإنباط الماء أي استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة وقيل هم نصارى الشام وهم عرب دخلوا في الروم ونزلوا بوادي الشام ويدل على هذا قوله من أنباط الشام كذا في النيل (فقيل له ممن له ذلك) أي ممن يملك البر والزيت ولفظ أحمد في مسنده من حديث عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفي قالا كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزيت إلى أجل مسمى قيل أكان لهم زرع أو لم يكن قالا ما كنا نسألهم عن ذلك ونحوه عند البخاري وفيه دليل على أنه لا يشترط في المسلم فيه أن يكون عند المسلم إليه وذلك مستفاد من تقريره صلى الله عليه وسلم لهم مع ترك الاستفصال قال ابن رسلان في شرح السنن وأما المعدوم عند المسلم إليه وهو موجود عند غيره فلا خلاف في جوازه انتهى والحديث سكت عنه المنذري في الجواز انتهى قال المندذرى في اسناده رجل مجهول باب السلف يحول من التحويل أي يصرف (من أسلف في شئ فلا يصرفه) بصيغة النهي وقيل بالنفي والضمير البارز إلى شئ (إلى غيره) أي بالبيع والهبة قبل أن يقبضه قال السندي رحمه الله أي بأن يبدل المبيع قبل
[ 255 ]
القبض بغيره قال الطيبي يجوز أن يرجع الضمير في غيره إلى من في قوله من أسلف يعني لا يبيعه من غيره قبل القبض أو إلى شئ أي لا يبدل المبيع قبل القبض بشئ آخر كذا في المرقاة قال الخطابي وإذا أسلفه دينارا في قفيز حنطة إلى شهر فحل الأجل فأعوزه البر فإن
[ 256 ]
أبا حنيفة يذهب إلى أنه يجوز له أن يبيعه عرضا بالدينار ولكن يرجع برأس المال عليه قولا بعموم الخبر وظاهره وعند الشافعي يجوز أن يشتري منه عرضا بالدينار إذا تقايلا وقبضه قبل التفرق لئلا يكون دينا بدين فأما قبل الإقالة فلا يجوز وهو معنى النهي عن صرف السلف إلى
[ 257 ]
غيره عنده انتهى قال العلقمي والحديث ضعيف واستدل به على أنه لا يصح أن يستبدل عن المسلم فيه من جنسه ونوعه لأنه بيع للمبيع قبل قبضه وهو ممنوع وروى الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أسلف في شئ فلا يأخذ إلا ما سلف فيه أو رأس ماله وهو ضعيف أيضا
[ 258 ]
وعلم من منع الاستبدال أنه لا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه ولا التولية فيه ولا الشركة ولا المصالحة وهو كذلك ولو جعله صداقا لبنت المسلم إليه لم يجز وكذا إن كان المسلم إليه امرأة فتزوجها عليه أو خالعها لم يصح انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وعطية بن سعد لا يحتج بحديثه
[ 259 ]
بيع الطعام قبل قبضه وقال أحسب كل شئ بمنزلة الطعام ومع هذا فقد ثبت عنه أنه جوز بيع دين السلم ممن هو عليه إذا لم يربح فيه ولم يفرق بين الطعام وغيره ولا بين المكيل والموزون وغيرهما لأن البيع هنا من البائع الذي هو في ذمته فهو يقبضه من نفسه لنفسه بل في الحقيقة ليس هنا قبض بل يسقط عنه ما في ذمته فتبرأ ذمته وبراءة الذمم مطلوبة في نظر الشرع لما في شغلها من المفسدة فكيف يصح قياس هذا على بيت شئ غير مقبوض لأجنبي لم يتحصل بعد ولم تنقطع علق بائعه عنه
[ 262 ]
24 - باب في وضع الجائحة هي الآفة التي تصيب الثمار فتهلكها (أصيب) أي بآفة (في ثمار) متعلق بأصيب (ابتاعها) والمعنى أنه لحقه خسران بسبب
[ 263 ]
إصابة آفة في ثمار اشتراها ولم ينقد ثمنها (فكثر دينه) بضم المثلثة أي فطالبه البائع بثمن تلك الثمرة وكذا طالبه بقية غرمائه وليس له مال يؤديه (فلم يبلغ ذلك) أي ما تصدقوا عليه (وفاء دينه) أي لكثرة دينه (خذوا) خطاب لغرمائه (وليس لكم إلا ذلك) أي ما وجدتم والمعنى ليس لكم إلا أخذ ما وجدتم والإمهال بمطالبة الباقي إلى الميسرة قاله القاري قال النووي اختلف العلماء في الثمرة إذا بيعت بعد بدو الصلاح وسلمها البائع إلى المشتري بالتخلية بينه وبينها ثم تلفت قبل أوان الجذاذ بآفة سماوية هل تكون من ضمان البائع أو المشتري فقال الشافعي في أصح قوليه وأبو حنيفة وآخرون هي من ضمان المشتري ولا يجب وضع الجائحة لكن يستحب وقال الشافعي في القديم وطائفة هي من ضمان البائع ويجب وضع الجائحة وقال مالك إن كان دون الثلث لم يجب وضعها وإن كانت الثلث فأكثر وجب وضعها وكانت من ضمان البائع واحتج القائلون بوضعها بقوله صلى الله عليه وسلم فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا يعني في الحديث الآتي
[ 264 ]
واحتج القائلون بأن لا يجب وضعها بحديث أبي سعيد الخدري هذا قالوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة على الرجل ودفعه إلى غرمائه فلو كانت توضع لم يفتقر إلى ذلك وأجاب الأولون بأنه يحتمل أنها تلفت بعد أوان الجذاذ وتفريط المشتري في تركها بعد ذلك على الشجر فإنها حينئذ تكون من ضمان المشتري قالوا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث ليس لكم إلا ذلك ولو كانت الجوائح لا توضع لكان لهم طلب بقية الدين وأجاب آخرون عن هذا بأن معناه ليس لكم الآن إلا هذا ولا تحل لكم مطالبته ما دام معسرا بل ينظر إلى ميسرة انتهى ملخصا قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (إن بعت من أخيك تمرا) بالمثناة وفي بعض النسخ بالمثلثة وهو الظاهر وكذلك في رواية الشيخين (فلا يحل لك إلخ) قال القاري الحق أن ظاهر الحديث مع الإمام مالك (أي من حيث أنه يقول بوجوب وضع الجوائح من دون اعتبار خصوص مذهبه كما لا يخفى) ويمكن أن يقال معنى الحديث لو بعت من أخيك ثمرا قبل الزهو فيكون الحكم متفقا عليه انتهى
[ 265 ]
قلت ويشير إلى هذا التأويل حديث أنس المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي قالوا وما تزهي قال تحمر وقال إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك وأجاب عنه في النيل بأن التنصيص على وضع الجوائح قبل الصلاح لا ينافي الوضع مع البيع بعده ولا يصلح مثله لتخصيص ما دل على وضع الجوائح ولا لتقييده والله تعالى أعلم وعلمه أتم قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه باب في تفسير الجائحة (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (قال الجوائح) جمع جائحة يقال جاحهم الدهر واجتاحهم بتقديم الجيم على الحاء فيهما إذا أصابهم بمكروه عظيم (كل ظاهر) أي غالب (مفسد) أي للثمار (من مطر أو برد إلخ) قال في النيل ولا خلاف أن البرد والقحط والعطش جائحة وكذلك كل ما كان آفة سماوية وأما ما كان من الآدميين كالسرقة ففيه خلاف منهم من لم يره جائحة لقوله في حديث أنس إذا منع الله الثمرة ومنهم من قال إنه جائحة تشبيها بالآفة السماوية انتهى وقول عطاء هذا سكت عنه المنذري (لا جائحة فيما أصيب دون ثلث رأس المال) أي لا يوضع بذلك شئ بدعوى الجائحة (وذلك في سنة المسلمين) أي علم ذلك بعملهم كذا في فتح الودود وكذلك قال إن ذهبت الجائحة دون الثلث لم يجب وضع الجائحة وإن كانت الثلث فأكثر وجب لقوله صلى الله عليه وسلم الثلث والثلث كثير ولم يصح في الثلث شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو رأي أهل المدينة وقول يحيى بن سعيد هذا سكت عنه المنذري
[ 266 ]
باب في منع الماء (لا يمنع) بصيغة المجهول (فضل الماء ليمنع به الكلأ) بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصورة وهو النبات رطبه ويابسه والمعنى أن يكون حول البئر كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا مكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور وعلى هذا يختص البذل ممن له ماشية ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب لأنه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعي هناك كذا في النيل قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث الأعرج عن أبي هريرة (لا يكلمهم الله) أي كلام الرضا دون كلام الملازمة قاله القاري (فضل ماء) أي زائدا عن حاجته وفي رواية للبخاري رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه (بعد العصر) إنما خص به لأن الأيمان المغلظة تقع فيه وقيل لأنه وقت الرجوع إلى أهله بغير ربح فحلف كاذبا بالربح وقيل ذكره لشرف الوقت فيكون اليمين الكاذبة في تلك الساعة أغلظ وأشنع ولذا كان صلى الله عليه وسلم يقعد للحكومة بعد العصر قاله القاري وقال القسطلاني ليس بقيد بل خرج مخرج الغالب لأن الغالب أن مثله كان يقع في آخر النهار حيث يريدون الفراغ من معاملتهم نعم يحتمل أن يكون تخصيص العصر لكونه وقت ارتفاع الأعمال (يعني كاذبا) تفسير من بعض الرواة (بايع إماما) أي عاقد الإمام الأعظم ولا يبايعه إلا لدنيا كما في رواية البخاري (فإن أعطاه إلخ) الفاء تفسيرية قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 267 ]
(ولا يزكيهم) أي لا يطهرهم (ولهم عذاب أليم) أي مؤلم (بالله لقد أعطي بها) أي بالسلعة وضبط أعطي في بعض النسخ بصيغة المعلوم والظاهر أن يكون بصيغة المجهول (كذا وكذا) أي من الثمن (وأخذها) أي اشترى السلعة بالثمن الذي حلف أنه أعطيه اعتمادا على حلفه (أخبرنا كهمس) بوزن جعفر (عن سيار) بفتح المهملة وتشديد التحتية (يقال لها بهيسة) بالمهملة مصغرة الفزارية لا تعرف من الثالثة ويقال إن لها صحبة كذا في التقريب (قال الملح) قال الخطابي معناه الملح إذا كان في معدنه في أرض أو جبل غير مملوك فإن أحدا لا يمنع من أخذه وأما إذا صار في حيز مالكه فهو أولى به وله منعه وبيعه والتصرف فيه كسائر أملاكه انتهى والحديث سكت عنه المنذري (أخبرنا حريز) بفتح حاء مهملة وكسر راء آخره زاي (عن حبان بن زيد) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة (الشرعبي) بفتح المعجمة ثم راء ساكنة ثم مهملة مفتوحة ثم موحدة قال السيوطي الشرعبي بفتح أوله والعين المهملة وموحدة نسبة إلى شرعب قبيلة من حمير انتهى (عن رجل من قرن) القرن بفتح القاف وسكون الراء بطن من مذحج ومن الأزد وبفتحتين بطن من مراد قاله السيوطي وأخرج ابن مندة من طريق أبي اليمان عن حريز بن عثمان عن حبان بن زيد الشرعبي عن
[ 268 ]
شيخ من شرعب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث (أخبرنا أبو خداش) بكسر الخاء المعجمة كنية حبان بن زيد (ثلاثا) أي ثلاث غزوات (في الماء) بدل بإعادة الجار والمراد المياه التي لم تحدث باستنباط أحد وسعيه كماء القنى والآبار ولم يحرز في إناء أو بركة أو جدول مأخوذ من النهر (والكلأ) بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصورة وهو النبات رطبه ويابسه قال الخطابي معناه الكلأ الذي ينبت في موات الأرض يرعاه الناس ليس لأحد أن يختص به دون أحد أو يحجره عن غيره وأما الكلأ إذا كان في أرض مملوكة لمالك بعينه فهو مال له ليس لأحد أن يشركه فيه إلا بإذنه انتهى (والنار) يراد من الاشتراك فيها أنه لا يمنع من الاستصباح منها والاستضاءة بضوئها لكن للمستوقد فإن أن يمنع أخذ جذوة منها لأنه ينقصها ويؤدي إلى إطفائها وقيل المراد بالنار الحجارة التي توري النار لا يمنع أخذ شئ منها إذا كانت في موات قال العلامة الشوكاني في النيل اعلم أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها فتدل على الاشتراك في الأمور الثلاثة مطلقا ولا يخرج شئ من ذلك إلا بدليل يخص به عمومها لا بما هو أعم منها مطلقا كالأحاديث القاضية بأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه لأنها مع كونها أعم إنما تصلح للاحتجاج بها بعد ثبوت المال وثبوته في الأمور الثلاثة محل النزاع انتهى وقال السندي وقد ذهب قوم إلى ظاهره فقالوا إن هذه الأمور الثلاثة لا تملك ولا يصح بيعها مطلقا والمشهور بين العلماء أن المراد بالكلأ هو الكلأ المباح الذي لا يختص بأحد وبالماء ماء السماء والعيون والأنهار التي لا تملك وبالنار الشجر الذي يحتطبه الناس من المباح فيوقدونه فالماء إذا أحرزه انسان في إنائه وملكه يجوز بيعه وكذا غيره انتهى والحديث سكت عنه المنذري
[ 269 ]
باب في بيع فضل الماء (عن إياس بن عبد) هو أبو عوف المزني قال البخاري وابن حبان له صحبة روى له أصحاب السنن وأحمد حديثا في بيع الماء قال البغوي وابن السكن لم يرو غيره كذا في الإصابة وفي الخلاصة روى عنه عبد الرحمن بن مطعم وهو أبو المنهال قال ابن أبي حاتم له صحبة سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك انتهى (نهى عن بيع فضل الماء) قال الخطابي معناه ما فضل عن حاجته وحاجة عياله وماشيته وزرعه انتهى والحديث يدل على تحريم بيع فضل الماء والظاهر أنه لا فرق بين الماء الكائن في أرض مباحة أو في أرض مملوكة وسواء كان للشرب أو لغيره وسواء كان لحاجة الماشية أو الزرع وسواء كان في فلاة أو في غيرها وقال القرطبي ظاهر هذا اللفظ النهي عن نفي بيع الماء الفاضل الذي يشرب فإنه السابق إلى الفهم قاله في النيل قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح باب في ثمن السنور بالسين المكسورة وتشديد النون المفتوحة وسكون الواو بعدها راء وهو الهر وهو بالفارسية كريه (قالا حدثنا عيسى) أي عن الأعمش والمقصود أن إبراهيم بن موسى والربيع بن نافع وعلي بن بحر كلهم يروون عن عيسى بن يونس عن الأعمش لكن قال إبراهيم أخبرنا
[ 270 ]
عيسى بن يونس وقال الربيع بن نافع وعلي بن بحر حدثنا عيسى بن يونس فالفرق بينه وبينهما بالإخبار والتحديث والله أعلم (نهى عن ثمن الكلب والسنور) قال الخطابي النهي عن ثمن السنور من أجل أحد معنيين إما لأنه كالوحش الذي لا يملك قياده ولا يكاد يصح التسليم فيه وذلك لأنه ينتاب الناس في دورهم ويطوف عليهم فيها فلم ينقطع عنهم وليس كالدواب التي تربط على الأواري ولا كالطير الذي يحبس في الأقفاص وقد يتوحش بعد الأنوسة النبي ويتأبد حتى لا يقرب ولا يقدر عليه وإن صار المشتري له إلى أن يحبسه في بيته أو شده في خيط أو سلسلة لم ينتفع به والمعنى الآخر أنه إنما نهى عن بيعه لئلا يتمانع الناس فيه وليتعاوروا وإن ما يكون منه في دورهم فيرتفقوا به ما أقام عندهم ولا يتنازعوه إذا انتقل عنهم إلى غيرهم تنازع الملاك في النفيس من الإغلاق وقيل إنما نهى عن بيع الوحشي منه دون الإنسي انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال في إسناده اضطراب انتهى كلامه والحديث أخرجه الحافظ البيهقي في السنن الكبرى من طريقين عن عيسى بن يونس وعن حفص بن غياث كلاهما عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ثم قال أخرجه أبو داود في السنن عن جماعة عن عيسى بن يونس قال البيهقي وهذا حديث صحيح على شرط مسلم دون البخاري إذ هو لا يحتج برواية أبي سفيان ولعل مسلما إنما لم يخرجه في الصحيح لأن وكيع بن الجراح رواه عن الأعمش قال قال جابر بن عبد الله فذكره ثم قال قال الأعمش أرى أبا سفيان ذكره فالأعمش كان يشك في وصل الحديث فصارت رواية أبي سفيان بذلك ضعيفة انتهى (نهى عن ثمن الهرة) فيه وفي الحديث السابق دليل على تحريم بيع الهرة وبه قال أبو هريرة ومجاهد وجابر بن زيد حكى ذلك عنهم ابن المنذر وذهب الجمهور إلى جواز بيعه وأجابوا عن الحديث بأنه ضعيف وسيظهر لك من كلام المنذري أن الحديث أخرجه مسلم في صحيحه فكيف يكون ضعيفا وقيل إنه يحمل النهي على كراهة التنزيه وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق ولا من المروءات ولا يخفى أن هذا إخراج للنهي عن معناه الحقيقي بلا مقتض قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه قال الترمذي غريب وقال
[ 271 ]
النسائي هذا منكر هذا آخر كلامه وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني قال ابن حبان ينفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الاحتجاج به وقال الخطابي وقد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر بن عبد البر حديث بيع السنور لا يثبت رفعه هذا آخر كلامه وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث معقل وهو ابن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير قال سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور قال زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقيل إنما نهى عن بيع الوحشي منه دون انسي وقيل لعله على جهة الندب لإعارته كما فيرتفقوا به ما أقام عندهم ولا يتنازعوه إذا انتقل عنهم إلى غيرهم وكره بيع السنور أبو هريرة وجابر وطاووس ومجاهد أخذوا بظاهر الحديث وجمهور العلماء على أنه لا يمنع من بيعه انتهى كلام المنذري ولفظ البيهقي في السنن نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الهر وأكل ثمنه انتهى باب في أثمان الكلاب (نهى عن ثمن الكلب) فيه دليل على تحريم بيع الكلب وظاهره عدم الفرق بين المعلم وغيره سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز وإليه ذهب الجمهور وقال أبو حنيفة يجوز وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد قال في الفتورجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هرير لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحربيع ما عدا كلب الصيد إن صلح هذا المقيد للاحتجاج به قاله فيه النيل (ومهر البغي وحلوان الكاهن) تقدم الكلام عليهما في باب حلوان الكاهن قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 272 ]
(عن قيس بن حبتر) بمهملة وموحدة ومثناة بوزن جعفر ثقة من الرابعة (وإن جاء) أي أحد (فاملأ كفه ترابا) قال الخطابي معنى التراب ها هنا الحرمان والخيبة كما يقال ليس في كفه إلا التراب وكقوله صلى الله عليه وسلم والعاصر الحجر يريد الخيبة إذ لا حظ له في الولد وكان بعض السلف يذهب إلى استعمال الحديث على ظاهره ويرى أن يوضع التراب بكفه قال وفيه دليل على أن لا قيمة للكلب إذا تلف ولا يجب فيه عوض وقال مالك فيه القيمة ولا ثمن له قال الثمن ثمنان ثمن التراضي عند البيوع وثمن التعديل عند الإتلاف وقد أسقطهما النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فاملأ كفه ترابا فدل على أن لا عوض له بوجه من الوجوه انتهى والحديث سكت عنه المنذري (نهى عن ثمن الكلب) قال الخطابي نهيه عليه السلام عن ثمن الكلب يدل على فساد بيعه لأن العقد إذا صح كان دفع الثمن واجبا مأمورا به لا منهيا عنه انتهى قال المنذري وأخرج البخاري أتم منه (لا يحل ثمن الكلب إلخ) قال الخطابي فإذا لم يحل ثمن الكلب لم يحل بيعه لأن البيع أنما هو عقد على ثمن ومثمن فإذا فسد أحد الشقين فسد الشق الآخر انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 273 ]
باب في ثمن الخمر والميتة (عن عبد الوهاب بن بخت) بضم الموحدة وسكون المعجمة بعدها مثناة ثقة من الخامسة (وحرم الميتة) بفتح الميم هي ما زالت عنه الحياة لا بذكاة شرعية (وحرم الخنزير وثمنه) قال الخطابي فيه دليل على فساد بيع السرقين وبيع كل نجس العين وفيه دليل على أن بيع شعر الخنزير لا يجوز لأنه جزء منه واختلفوا في جواز الانتفاع به فكرهت طائفة ذلك وممن منع منه ابن سيرين والحكم وحماد والشافعي وأحمد وإسحاق وقال أحمد وإسحاق الليف أحب إلينا ورخص فيه الحسن والأوزاعي ومالك وأصحاب الرأي انتهى والحديث سكت عنه المنذري (إن الله حرم بيع الخمر) والعلة فيه السكر فيتعدى ذلك إلى كل مسكر (والأصنام) جمع صنم قال الجوهري هو الوثن وفرق بينهما في النهاية فقال الوثن كل ماله جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب أو من الحجارة كصورة الآدمي تعمل وتنصب فتعبد والصنم الصورة بلا جثة قال وقد يطلق الوثن على غير الصورة (أرأيت) أي أخبرني (فإنه) أي الشأن (يطلى) بصيغة المجهول (بها) أي بشحوم الميتة (السفن) بضمتين جمع السفينة (ويدهن) بصيغة المجهول (ويستصبح بها الناس) أي يجعلونها في سرجهم ومصابيحهم هو يستضيئون بها أي فهل يحل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع (فقال لا هو حرام) أي البيع هكذا فسره بعض العلماء كالشافعي ومن اتبعه ومنهم من حمل قوله وهو حرام على الانتفاع فقال يحرم الانتفاع بها وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع من الميتة أصلا عندهم إلا ما خص بالدليل وهو الجلد المدبوغ واختلفوا فيما يتنجس من الأشياء الطاهرة فالجمهور على الجواز
[ 274 ]
وقال أحمد وابن الماجشون لا ينتفع بشئ من ذلك واستدل الخطابي على جواز الانتفاع بإجماعهم على أن من ماتت له دابة ساغ له إطعامها لكلاب الصيد فكذلك يسوغ دهن السفينة بشحم الميتة ولا فرق كذا في الفتح (عند ذلك) أي عند قوله حرام قاله القسطلاني وقال القاري أي ما ذكر من قول القائل أرأيت إلخ (قاتل الله اليهود) أي أهلكهم ولعنهم ويحتمل إخبارا ودعاء هو من باب عاقبت اللص (لما حرم عليهم شحومها) أي شحوم الميتة قاله القسطلاني وقال القاري الضمير يعود إلى كل واحدة من البقر والغنم المذكور في قوله تعالى ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما قال والبقر والغنم اسم جنس يجوز تأنيثه باعتبار المعنى (أجملوه) بالجيم أي أذابوه والضمير راجع إلى الشحوم بتأويل المذكور ذكره الطيبي قال الخطابي أي أذابوها حتى تصير ودكا فيزول عنها اسم الشحم تقول جملت الشحم وأجملته إذا أذبته قال وفي هذا بيان بطلان كل حيلة يحتال به للتوصل إلى محرم فإنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (حدثاهم) أي مسدد أو غيره (المعنى) أي معنى حديثيهما واحد وفي ألفاظهما اختلاف (عن خالد الحذاء) هو خالد بن مهران البصري الحذاء (عن بركة) بفتحات (في حديث خالد بن عبد الله) بإضافة حديث إلى خالد وفي بعض النسخ في حديثه بالإضافة إلى الضمير والظاهر هو الأول وخالد بن عبد الله هذا هو الطحان (عن بركة أبي الوليد) كنية بركة فزاد خالد بن عبد الله في حديثه لفظ أبي الوليد بعد لفظ بركة وأما بشر بن المفضل فلم يزد في حديثه هذا اللفظ (ثم اتفقا) أي بشر وخالد (إن الله تعالى إذا حرم على قوم إلخ) قال في
[ 275 ]
المنتقي وهو حجة في تحريم بيع الدهن النجس (وقال قاتل الله) أي مكان لعن الله اليهود والحديث سكت عنه المنذري (فليشقص الخنازير) قال الخطابي معناه فليستحل أكلها والتشقيص يكون من وجهين أحدهما أن يذبحها بالمشقص وهو نصل عريض والوجه الآخر أن يجعلها أشقاصا بعد ذبحها كما يفصل أجزاء الشاة إذا أرادوا إصلاحها للأكل ومعنى الكلام إنما هو توكيد التحريم والتغليظ فيه يقول من استحل بيع الخمر فليستحل أكل الخنزير فإنهما في الحرمة والإثم سواء أي إذا كنت لا تستحل أكل الخنزير فلا تستحل ثمن الخمر فإنك تهلك وتحرق بالنار انتهى وقال في النهاية وهذا لفظ أمر ومعناه النهي تقديره من باع الخمر فليكن للخنازير قصابا انتهى والحديث سكت عنه المنذري (لما نزلت الآيات الأواخر إلخ) قال القاضي وغيره تحريم الخمر هو في سورة المائدة وهي نزلت قبل آية الربا بمدة طويلة فإن آية الربا آخر ما نزل أو من آخر ما نزل فيحتمل أن يكون هذا النهي عن التجارة متأخرا عن تحريمها ويحتمل أنه أخبر بتحريم التجارة حين حرمت الخمر ثم أخبر به مرة أخرى بعد نزول اية الربا توكيدا ومبالغة ولعله حضر المجلس من لم يكن بلغه تحريم التجارة فيها قبل ذلك والله أعلم ذكره النووي في شرح صحيح مسلم قال
[ 276 ]
المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى أي يقبض (من ابتاع) أي اشترى (حتى يستوفيه) أي يقبضه وفي هذا الحديث والأحاديث الآتية النهي عن بيع المبيع حتى يقبضه قال النووي واختلف العلماء في ذلك فقال الشافعي لا يصح بيع المبيع قبل قبضه سواء كان طعاما أو عقارا أو منقولا أو نقدا أو غيره وقال أبو حنيفة
[ 277 ]
لا يجوز في كل شئ إلا العقار وقال مالك لا يجوز في الطعام ويجوز فيما سواه ووافقه كثيرون وقال آخرون لا يجوز في المكيل والموزون ويجوز فيما سواه انتهى قلت يدل على ما ذهب إليه الشافعي حديث زيد بن ثابت الآتي في الباب وحديث حكيم بن حزام عند
[ 278 ]
أحمد بلفظ إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه فإنهما بعمومهما يشملان الطعام وغيره قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه
[ 279 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 280 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 281 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 282 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 283 ]
(نبتاع الطعام) أي نشتريه (فيبعث) بصيغة المجهول هكذا مضبوط في بعض النسخ وهو الظاهر وقوله من يأمرنا هو مفعول ما لم يسم فاعله لكن قال الزرقاني في شرح الموطأ فيبعث أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله من يأمرنا محله نصب مفعول يبعث انتهى وكذا قال الشيخ المحدث ولي الله الدهلوي في المصفى شرح الموطأ والله أعلم (يعني جزافا) بكسر الجيم وضعها وفتحها والكسر أفصح وأشهر وهو البيع بلا كيل ولا وزن ولا تقدير قاله النووي وقاله يعني جزافا هو تفسير لقوله نبتاع الطعام أي نبتاع جزافا قال الخطابي المقبوض يختلف في الأشياء حسب اختلافها في أنفسها وحسب اختلاف عادات الناس فيه فمنها ما يكون بأن يوضع المبيع في يد صاحبه ومنها ما يكون بالتخلية بينه وبين المشتري ومنها ما يكون بالنقل من موضعه ومنها ما يكون بأن يكال وذلك فيما يبيع من الكيل كيلا فأما ما يباع منه جزافا صبرة مصبورة على الأرض فالقبض فيه أن ينقل ويحول من مكانه فإن ابتاع طعاما كيلا ثم أراد أن يبيعه بالكيل الأول لم يجز حتى يكيله عن المشتري ثانيا وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أن يباع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري انتهى قال النووي وجواز بيع الصبرة جزافا هو مذهب الشافعي قال الشافعي وأصحابه بيع الصبرة من الحنطة والتمر وغيرهما جزافا صحيح انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (بأعلى السوق) أي في الناصية العليا منها (حتى ينقلوه) أي عن مكانه فإن القبض فيه
[ 284 ]
بالنقل عن مكانه ذكره الطيبي والحديث دليل على أنه لا يجوز لمن اشترى طعاما أن يبيعه حتى يقبضه من غير فرق بين الجزاف وغيره وإلى هذا ذهب الجمهور وحكي في الفتح عن مالك في المشهور عنه الفرق بين الجزاف وغيره فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه وبه قال الأوزاعي وإسحاق والحديث يرد عليهم وكذا حديث ابن عمر الآتي من طريق الزهري عن سالم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه (نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه) استدل به من فرق بين الجزاف وغيره قال الزرقاني وفرق مالك بين الجزاف فأجاز بيعه قبل قبضه لأنه مرئي فيكفي فيه التخلية وبين المكيل والموزون فلا بد من الاستيفاء وقد روى أحمد عن ابن عمر مرفوعا من اشترى بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه ففي قوله بكيل أو وزن دليل على أن ما خالفه بخلافه وجعل مالك رواية حتى يستوفيه تفسيرا لرواية حتى يقبضه لأن الاستيفاء لا يكون بالكيل أو الوزن على المعروف لغة قال تعالى الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون وقال فأوف لنا الكيل وقال وأوفوا الكيل إذا كلتم انتهى وأجاب الجمهور عنه بأن التنصيص على كون الطعام المنهي عن بيعه مكيلا أو موزنا لا يستلزم عدم ثبوت الحكم في غيره نعم لو لم يوجد في الباب إلا الأحاديث التي فيها إطلاق لفظ الطعام لأمكن أن يقال إنه يحمل المطلق على المقيد بالكيل والوزن وأما بعد التصريح بالنهي عن بيع الجزاف قبل قبضه كما في حديث ابن عمر فيتحتم المصير إلى أن حكم الطعام متحد من غير فرق بين الجزاف وغيره قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 285 ]
(يكتاله) أي يقبضه بالكيل (قلت لابن عباس) بكسر اللا وفتح الميم أي ما سبب النهي (يبتاعون بالذهب والطعام مرجى) بوزن اسم المفعول من باب الأفعال والتفعيل بهمز ولا يهمز أي مؤخر قال الخطابي وكل شئ أخرته فقد أرجيته يقال أرجيت الشئ ورجيت أي أخرته وقد يتكلم به مهموزا وغير مهموز انتهى والمعنى أنه إذا اشترى طعاما بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام وتأخر في يد البائع ثم باع الطعام إلى الآخر بمائة وعشرين مثلا فكأنه اشترى بذهبه ذهبا أكثر منه كذا في النيل وقال في مرقاة الصعود معنى الحديث أن يشتري من إنسان طعاما بدينار إلى أجل ثم يبيعه منه أو من غيره قبل أن يقبضه بدينارين مثلا فلا يجوز لأنه في التقدير بيع ذهب بذهب والطعام غائب فكأنه باعه ديناره الذي اشترى به الطعام بدينارين فهو ربا ولأنه بيع غائب بناجز فلا يصح انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه (عن عمرو بن دينار) فحماد وأبو عوانة كلاهما يرويان عن عمرو بن دينار (قال سليمان بن حرب حتى يستوفيه) أي يقبضه وافيا كاملا وزنا أو كيلا (وأحسب) بكسر السين وفتحها أي أظن (كل شئ مثل الطعام) أي في أنه لا يجوز للمشتري أن يبيعه حتى يقبضه
[ 286 ]
وهذا من تفقه ابن عباس رضي الله عنه وقال صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام لا تبيعن شيئا حتى تقبضه رواه البيهقي وقال إسناده حسن متصل كذا في إرشاد الساري ورواه أحمد أيضا كما تقدم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي بنحوه (يضربون) بصيغة المجهول قال السيوطي هذا أصل في ضرب المحتسب أهل السوق إذا خالفوا الحكم الشرعي في مبايعاتهم ومعاملاتهم انتهى قال النووي فيه دليل على أن ولي الأمر يعزر من تعاطى بيعا فاسدا ويعزره بالضرب وغيره مما يراه من العقوبات في البدن انتهى (جزافا) أي شراء جزافا ويجوز أن يكون بالنصب على الحال أي حال كونهم مجازفين قال القرطبي في هذا الحديث دليل لمن سوى بين الجزاف والكيل من الطعام في المنع من بيع ذلك حتى يقبض ورأى نقل الجزاف قبضه وبه قال الكوفيون والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود كذا في عمدة القاري شرح البخاري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (فلما استوجبته) أي صار في ملكي بعقد التبايع قاله في المجمع (فأردت أن أضرب على يده) أي أعقد معه البيع لأن من عادة المتبايعين أن يضع أحدهما يده في يد الآخر عند العقد قاله في المجمع (تحوزه) أي تحرزه (نهى أن تباع السلع) بكسر السين وفتح اللام جمع السلعة بالكسر المتاع وما اتجر به كذا في القاموس (حيث تبتاع) أي في مكان اشترائها قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه
[ 287 ]
باب في الرجل يقول عند البيع لا خلابة وسلم بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام بعدها موحدة أي لا خديعة ولا غبن لي في هذا البيع أي فهل يثبت له الخيار أم لا وقال أحمد من قال ذلك في بيعه كان له الرد إذا غبن والجمهور على أنه لا رد له مطلقا (أن رجلا) اسمه حبان بن منقد بن عمرو الأنصاري وقيل بل هو والده منقذ بن عمرو وكان قد بلغ مائة وثلاثين سنة وكان قد شج في بعض مغازيه مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الحصون بحجر فأصابته في رأسه مأمومة فتغير بها لسانه وعقله لكن لم يخرج عن التمييز قاله النووي (يخدع) بصيغة المجهول (يقول لا خلابة) أي لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة فلا لنفي الجنس وخبرها محذوف قال التوربشتي لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول ليتلفظ به عند البيع ليطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة فيها ليرى له كما يرى لنفسه وكان الناس في ذلك أحقاء لا يغبنون أخاهم المسلم وكانوا ينظرون له كما ينظرون لأنفسهم انتهى واستعماله في الشرع عبارة عن اشتراط خيار الثلاث وقد زاد البيهقي في هذا الحديث بإسناد حسن ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال واستدل به أحمد لأنه يرد بالغبن الفاحش لمن لم يعرف قيمة السلعة وحده بعض الحنابلة بثلث القيمة وقيل بسدسها وأجاب الشافعية والحنفية والجمهور بأنها واقعة عين وحكاية حال فلا يصح دعوى العموم فيها عند أحد كذا في إرشاد الساري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 288 ]
(الأرزي) هكذا في نسخة صحيحة قال الإمام الحافظ أبو علي الغساني في تقييد المهمل الأرزي بهمزة مضمومة وراء مهملة مضمومة وبعدها زاي مشددة هو محمد بن عبد الله الأرزي وبعضهم يقول الرزي يحذف الهمزة لأنه يقال أرز ورز من شيوخ مسلم حدث عنه في غير موضع من كتابه تفرد به أي ما روى عنه البخاري وقد حدث عنه أبو داود السجستاني سمع عبد الوهاب بن عطاء وخالد بن الحارث انتهى وفي التقريب محمد بن عبد الله الرزي براء مضمومة ثم زاي ثقيلة أبو جعفر البغدادي ثقة يهم انتهى وقال السيوطي في لب اللباب هو منسوب إلى الأرز طبخا أو بيعا انتهى وفي الخلاصة محمد بن عبد الله الأدزي عنه بفتح الهمزة وإسكان المهملة قبل الزاي وهو الرزي بضم المهملة وكسر الزاي أبو جعفر البصري نزيل بغداد انتهى والله أعلم (وفي عقدته ضعف) وقع تفسيره في بعض الروايات بلفظ يعني في عقله ضعف وقال في المجمع أي في رأيه ونظره في مصالح نفسه انتهى وفي التلخيص العقدة الرأي وقيل هي العقدة في اللسان لما في بعض الروايات من أنه أصابته مأمومة فكسرت لسانه حتى كان يقول لا خذابة بالذال مكان اللام وفي رواية لمسلم أنه كان يقول لاخنابة إن بالنون والله تعالى أعلم (احجر على فلان) أي امنعه عن التصرف (فقل هاء وهاء) بالمد وفتح الهمزة وقيل بالكسر وقيل بالسكون قال في المجمع هو أن يقول كل من البيعين ها فيعطيه ما في يده كحديث إلا يدا بيد وقيل معناه هاك وهات أي خذ وأعط (ولا خلابة) قال في النيل اختلف العلماء في هذا الشرط هل كان خاصا بهذا الرجل أم يدخل فيه جميع من شرط هذا الشرط فعند أحمد ومالك في رواية عنه أنه يثبت الرد لكل من شرط هذا الشرط ويثبتون الرد بالغبن لمن لم يعرف قيمة السلع وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل لهذا الرجل الخيار للضعف الذي كان في عقله كما في حديث أنس فلا يلحق به إلا من كان مثله في ذلك بشرط أن يقول هذه المقالة ولهذا روي أنه كان
[ 289 ]
إذا غبن يشهد رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله بالخيار ثلاثا فيرجع في ذلك وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون وإن كان صحيح العقل ولا على ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن ولم يقل هذه المقالة وهذا مذهب الجمهور وهو الحق انتهى ملخصا (قال أبو ثور عن سعيد) أي مكان قوله أخبرنا سعيد قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي صحيح غريب باب في العربان بضم العين وسكون الراء ويقال عربون بالفتح والضم وبالهمز بدل العين في الثلاث والراء ساكنة في الكل قال ابن الأثير قيل سمي بذلك لأن فيه إعرابا لعقد البيع أي إصلاحا وإزالة فساد لئلا يملكه غيره باشترائه قاله الزرقاني وقال في المجمع هو أن يشتري أي السلعة ويدفع شيئا على أنه إن أمضى البيع حسب من الثمن وإلا كان للبائع ولم يرتجعه أعرب في كذا وعرب وعربن وهو عربان وعربون لأن فيه إعرابا بالبيع أي إصلاحا لئلا يملكه غيره بالشراء وهو بيع باطل لما فيه من الشرط والغرر انتهى (أنه بلغه) ولفظ الموطأ مالك عن الثقة عنده قال الحافظ الإمام ابن عبد البر تكلم الناس في الثقة هنا والأشبه القول بأنه الزهري عن ابن لهيعة أو ابن وهب عن ابن لهيعة لأنه سمعه من عمرو وسمعه منه ابن وهب وغيره انتهى وقال في الاستذكار الأشبه أنه ابن لهيعة ثم أخرجه من طريق ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن لهيعة عن عمرو به وقال رواه حبيب كاتب مالك عن مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمرو به وحبيب متروك كذبوه انتهى ورواية حبيب عند ابن ماجه قال الزرقاني وأشبه من ذلك أنه عمرو بن الحارث المصري فقد رواه الخطيب من
[ 290 ]
طريق الهيثم بن يمان أبي بشر الرازي عن مالك عن عمرو بن الحارث انتهى (عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص صدوق (عن أبيه) شعيب تابعي صدوق (عن جده) أي شعيب وهو عبد الله لأنه ثبت سماع شعيب منه أو ضميره لعمرو ويحمل على الجد الأعلى وهو الصحابي عبد الله بن عمرو ولذا احتج الأكثر بهذه الترجمة خلافا لمن زعم أنها منقطعة لأن جد عمرو محمدا ليس بصحابي ولا رواية له بناء على عود الضمير لعمرو وأنه الجد الأدنى كذا في شرح الموطأ للزرقاني قلت وقد تقدم في أوائل الكتاب ترجمة عمرو بن شعيب أكثر من هذا (قال مالك و) تفسير (ذلك فيما نرى) بضم النون نظن (أن يشتري الرجل) أو المرأة (العبد) أو الأمة (ثم يقول) للذي اشترى منه أو تكارى منه (أعطيك دينارا) أو درهما أو أكثر من ذلك أو أقل (على أني إن تركت السلعة) المبتاعة (فما أعطيتك لك) ولا رجوع لي به عليك لفظ الموطأ على أني إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منك فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطيتك لك باطل بغير شئ انتهى قال الزرقاني هو باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر وأكل أموال الناس بالباطل فإن وقع فسخ فإن فات مضى لأنه مختلف فيه فقد أجازه أحمد وروي عن ابن عمر وجماعة من التابعين إجازته ويرد العربان على كل حال قال ابن عبد البر ولا يصح ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من إجازته فإن صح احتمل أنه يحسب على البائع من الثمن إن تم البيع وهذا جائز عند الجميع انتهى وقال في النيل والمراد أنه إذا لم يختر السلعة أو اكتراء الدابة كان الدينار أو نحوه للمالك بغير شئ وإن اختارهما أعطاه بقية القيمة أو الكراء وحديث الباب يدل على تحريم البيع مع العربان وبه قال الجمهور وخالف في ذلك أحمد فأجازه وروي نحوه عن عمر ابنه ويدل على ذلك حديث زيد بن أسلم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العربان في البيع فأحله
[ 291 ]
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه وهو مرسل وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف والأولى ما ذهب إليه الجمهور لأن حديث عمرو بن شعيب قد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا ولأنه يتضمن الحظر وهو أرجح من الإباحة والعلة في النهي عنه اشتماله على شرطين فاسدين أحدهما شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا إن اختار ترك السلعة والثاني شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وهذا منقطع وأخرجه ابن ماجه مسندا وفيه حبيب كاتب الإمام مالك رحمه الله وعبد الله بن عامر الأسلمي ولا يحتج بهما انتهى قال الزرقاني ومن قال حديث منقطع أو ضعيف لا يلتفت إليه ولا يصح كونه منقطعا بحال إذ هو ما سقط منه الراوي قبل الصحابي أو ما لم يتصل وهذا متصل غير أن فيه راويا مبهما انتهى باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (فيريد مني البيع) أي المبيع كالصيد بمعنى المصيد (ليس عندي) حال من البيع (أفأبتاعه) أي أشتريه (لا تبع ما ليس عندك) أي شيئا ليس في ملكك حال العقد في شرح السنة هذا في بيوع الأعيان دون بيوع الصفات فلذا قيل السلم في شئ موصوف عام الوجود عند المحل المشروط ويجوز وإن لم يكن في ملكه حال العقد وفي معنى ما ليس عنده في الفساد بيع العبد الآبق وبيع المبيع قبل القبض وفي معناه بيع مال غيره بغير إذنه لأنه لا يدري هل يجيز مالكه أم لا وبه قال الشافعي رحمه الله قال جماعة يكون العقد موقوفا على إجازة المالك وهو قول مالك وأصحاب أبي حنيفة وأحمد رحمهم الله كذا في المرقاة (حدثني عمرو بن شعيب) أي ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص (حدثني أبي)
[ 292 ]
أي شعيب (عن أبيه أي محمد عن أبيه) أي عبد الله بن عمرو (لا يحل سلف وبيع) قال الخطابي وذلك مثل أن يقول أبيعك هذا العبد بخمسين دينارا على أن تسلفني ألف درهم في متاع أبيعه منك إلى أجل أو يقول أبيعكه بكذا على أن تقرضني ألف درهم ويكون معنى السلف القرض وذلك فاسد لأنه يقرضه على أن يحابيه (المحاباة المسامحة والمساهلة ليحابيه أي ليسامحه فيه في الثمن) في الثمن فيدخل الثمن في حد الجهالة ولأن كل قرض جر منفعة فهو ربا انتهى (ولا شرطان في بيع) قال البغوي هو أن يقول بعتك هذا العبد بألف نقدا أو بألفين نسيئة فهذا بيع واحد تضمن شرطين يختلف المقصود فيه باختلافهما ولا فرق بين شرطين وشروط وهذا التفسير مروي عن زيد بن علي وأبي حنيفة وقيل معناه أن يقول بعتك ثوبي بكذا وعلى قصارته وخياطته فهذل صلى فاسد عند أكثر العلماء وقال أحمد إنه صحيح وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فقال إن شرط في البيع شرطا واحدا صح وإن شرط شرطين أو أكثر لم يصح فيصح مثلا أن يقول بعتك ثوبي على أن أخيطه ولا يصح أن يقول على أن أقصره وأخيطه ومذهب الأكثر عدم الفرق بين الشرط والشرطين واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان كذا في النيل (ولا ربح ما لم يضمن) يعني لا يجوز أن يأخذ ربح سلعة لم يضمنها
[ 293 ]
مثل أن يشتري متاعا ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع فهذا البيع باطل وربحه لا يجوز لأن المبيع في ضمان البائع الأول وليس في ضمان المشتري منه لعدم القبض قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح ويشبه أن يكون صحيحا لتصريحه بذكر عبد الله بن عمرو ويكون مذهبه في الامتناع بحديث عمرو بن شعيب إنما هو الشك في إسناده لجواز أن يكون الضمير عائدا على محمد بن عبد الله بن عمرو فإذا صح بذكر عبد الله بن عمرو انتفى ذلك والله عز وجل أعلم
[ 294 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 295 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 296 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 297 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 298 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 299 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 300 ]
باب في شرط في بيع (واشترطت حملانه) بضم أوله أي الحمل عليه (تراني) بتقدير أداة الاستفهام انكاري أي أنظن (إنما ما كستك) المماكسة انتقاص الثمن واستحطاطه وقال والمنابذة بين المتبايعين وأشار بذلك إلى ما وقع بينهما من المساومة عند البيع واختصر أبو داود الحديث وأخرجه البخاري في صحيحه في نحو عشرين موضعا مختصرا ومطولا وقد وقع عند البخاري في كتاب الشروط أنه أي جابرا كان يسير على جمل له قد أعيي فمر النبي صلى الله عليه وسلم فضربه فدعا له فسار بسير ليس يسير مثله ثم قال بعنيه بوقية قلت لا ثم قال بعنيه بوقية فبعته الحديث قال في النيل والحديث يدل على جواز البيع مع استثناء الركوب وبه قال الجمهور وجوزه مالك إذا كانت مسافة السفر قريبة وحدها بثلاثة أيام وقال الشافعي وأبو حنيفة وآخرون لا يجوز ذلك سواء قلت المسافة أو كثرت واحتجوا بحديث النهي عن بيع وشرط وحديث النهي عن الثنيا وأجابوا عن حديث الباب بأنه قصة عين تدخلها الاحتمالات ويجاب بأن حديث النهي عن بيع وشرط مع ما فيه من المقال هو أعم من حديث الباب مطلقا فيبني العام على الخاص وأما حديث النهي عن الثنيا فقد تقدم تقييده بقوله إلا أن يعلم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا باب في عهدة الرقيق (عهدة الرقيق ثلاثة أيام) قال الخطابي معناه أن يشتري العبد أو الجارية ولا يشترط
[ 301 ]
البائع البراءة من العيب فما أصاب المشتري به من عيب في الأيام الثلاثة فهو من مال البائع ويرد بلا بينة فإن وجد به عيبا بعد الثلاث لم يرد إلا ببينة وهكذا فسره قتادة فيما ذكره أبو داود عنه قال الخطابي وإلى هذا ذهب مالك بن أنس وقال وهذا إذا لم يشترط البائع البراءة من العيب قال وعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص فإذا مضت السنة فقد برئ البائع من العهدة كلها قال ولا عهدة إلا في الرقيق خاصة وهذا قول أهل المدينة ابن المسيب والزهري أعني عهدة السنة في كل داء عضال وكان الشافعي لا يعتبر الثلاث والسنة في شئ منهما وينظر إلى العيب فإن كان مما يحدث مثله في مثل المدة التي اشتراه فيها إلى وقت الخصومة فالقول قول البائع مع يمينه وإن كان لا يمكن حدوثه في تلك المدة التي اشتراه فيها إلى وقت الخصومة رده على البائع وضعف أحمد بن حنبل عهدة الثلاث في الرقيق وقال لا يثبت في العهدة حديث وقالوا لم يسمع الحسن من عقبة بن عامر شيئا فالحديث مشكوك فيه فمرة قال عن سمرة ومرة قال عن عقبة انتهى قال المنذري والحسن لم يصح له السماع من عقبة بن عامر ذكر ذلك ابن المديني وأبو حاتم الرازي رضي الله عنهما فهو منقطع وقد وقع فيه أيضا الاضطراب وأخرجه الإمام أحمد في مسنده وفيه عهدة الرقيق أربع ليال وأخرجه ابن ماجه في سننه وفيه لا عهدة بعد أربع وقال فيه أيضا عن سمرة أو عقبة على الشك فوقع الاضطراب في متنه وإسناده وقال البيهقي وقيل عنه عن سمرة وليس بمحفوظ وقال أبو بكر الأثرم سألت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل عن العهدة قلت إلى أي شئ تذهب فيها فقال ليس في العهدة حديث يثبت هو ذاك الحديث حديث الحسن وسعيد يعني ابن أبي عروبة أيضا يشك فيه يقول عن سمرة أو عقبة انتهى كلام المنذري (إن وجد) أي المشتري (داء) أي في الرقيق (في الثلاث ليالي) وفي بعض النسخ الثلاث الليالي وهو الظاهر (كلف) بصيغة المجهول من التكليف أي المشتري (البينة) بالنصب على
[ 302 ]
أنه مفعول ثان لكلف والمعنى أن المشتري إن وجد داء في الرقيق بعد ثلاث ليالي يؤمر بأن يقيم البينة على أنه اشتراه وقد كان به هذا الداء ولا يرد الرقيق بغير البينة باب فيمن اشترى عبدا فاستعمله ثم وجد به عيبا وفي نسخة الخطابي فاستغله مكان فاستعمله (الخراج بالضمان) الخراج بفتح الخاء قال في النهاية يريد بالخراج ما يحصل من غلة العين المبتاعة عبدا كان أو أمة أو ملكا وذلك أن يشتريه فيستغله زمانا ثم يعثر منه على عيب قديم لم يطلعه البائع عليه أو لم يعرفه فله رد العين المبيعة وأخذ الثمن ويكون للمشتري ما استغله لأن المبيع لو كان تلف في يده لكان في ضمانه ولم يكن على البائع شئ والباء في بالضمان متعلقة بمحذوف تقديره الخراج مستحق بالضمان أي بسببه انتهى
[ 303 ]
وقال في السبل الخراج هو الغلة والكراء ومعناه أن المبيع إذا كان له دخل وغلة فإن مالك الرقبة الذي هو ضامن لها يملك خراجها لضمان أصلها فإذا ابتاع رجل أرضا فاستعملها أو ماشية فنتجها أو دابة فركبها أو عبدا فاستخدمه ثم وجد به عيبا فله أن يرد الرقبة ولا شئ عليه فيما انتفع لأنها لو تلفت ما بين مدة الفسخ والعقد لكانت في ضمان المشتري فوجب أن يكون الخراج له انتهى وكذا في معالم السنن قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن (فاقتويته) قال الخطابي أي استخدمته وهذا فعل جائز لأن رقبة العبد يوفي بالعمل إذا جاء التغيب انتهى وقال في القاموس القتو أنه والقتا وهو مثلثة حسن خدمة الملوك واقتويته استخدمته شاذ لأن افعل لازم انتهى (فأغل) أي العبد (غلة) في القاموس الغلة الدخلة من كراء دار وأجرة غلام وفائدة أرض (فخاصمني) أي الشريك الغائب (فأمرني) أي القاضي الذي خاصم إليه (أن أرد الغلة) أي إلى ذلك الشريك (فأتاه) أي الشريك (فحدثه) أي عروة ذلك الشريك ليمتنع عن أخذ الغلة عن مخلد لكون الغلام في ضمان مخلد والله أعلم كذا في فتح الودود قال المنذري قال البخاري هذا حديث منكر ولا أعرف لمخلد بن خفاف غير هذا الحديث قال الترمذي فقلت له فقد روي هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فقال إنما رواه مسلم بن خالد الزنجي وهو ذاهب الحديث وقال ابن أبي حاتم سئل أبي عنه يعني مخلد بن خفاف فقال لم يرو عنه غير ابن أبي ذئب وليس هذا إسناد يقوم بمثله الحجة يعني الحديث الذي يروى عن مخلبن خفاف عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الخراج بالضمان وقا الأزدي مخلد بن خفاف ضعيف انتهى كلام المنذري
[ 304 ]
(ابتاع غلاما) أي اشتراه (فخاصمه) أي البائع (فرده عليه) أي على البائع (فقال الرجل) يعني البائع (قد استغل غلامي) أي أخذ منه غلته (قال أبو داود هذا إسناد ليس بذاك) قال المنذري يشير إلى ما أشار إليه البخاري من تضعيف مسلم بن خالد الزنجي وقد أخرج هذا الترمذي في جامعه من حديث عمر بن علي المقدمي عن هشام بن عروة مختصر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان وقال هذا حديث صحيح غريب من حديث هشام بن عروة وقال أيضا استغرب محمد بن إسماعيل يعني البخاري هذا الحديث من حديث عمر بن علي قلت تراه تدليسا قال لا وحكى البيهقي عن الترمذي أنه ذكره لمحمد بن إسماعيل البخاري وكأنه أعجبه هذا آخر كلامه وعمر بن علي هو أبو حفص عمر بن علي المقدمي البصري وقد اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه ورواه عن عمر بن علي أبو سلمة يحيى بن خلف الجو باري وهو ممن يروي عنه مسلم في صحيحه وهذا إسناد جيد ولهذا صححه الترمذي وهو غريب كما أشار إليه البخاري والترمذي والله عزوجل أعلم انتهى كلام المنذري باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم عن أبي عميس بالتصغير واسمه عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (رقيقا) أي عبيدا (من عبد الله) أي ابن مسعود ومن متعلق باشتري صلى الله عليه وسلم فأرسل عبد الله إليه)
[ 305 ]
أي إلى أشعث يعني رجلا (في ثمنهم) أي في طلب ثمن العبيد (فقال) أي فجاء أشعث فقال (يكون بيني وبينك) أي حكما (إذا اختلف البيعان) أي البائع والمشتري ولم يذكر الأمر الذي فيه الاختلاف وحذف المتعلق مشعر بالتعميم في مثل هذا المقام على ما تقرر في علم المعاني فيعم الاختلاف في المبيع والثمن وفي كل أمر يرجع إليهما وفي سائر الشروط المعتبرة والتصريح بالاختلاف في الثمن في بعض الروايات لا ينافي هذا العموم المستفاد من الحذف قاله في النيل (وليس بينهما بينة) الواو للحال (رب السلعة) أي البائع (أو يتتاركان) أي يتفاسخان العقد قاله الخطابي وقال واختلف أهل العلم في هذه المسألة فقال مالك والشافعي يقال للبائع احلف بالله ما بعت سلعتك إلا بما قلت فإن حلف البائع قيل للمشتري إما أن تأخذ السلعة بما قال البائع وإما أن تحلف ما اشتريتها إلا بما قلت فإن حلف برئ منها وردت السلعة إلى البائع وسواء عند الشافعي كانت السلعة قائمة أو تالفة فإنهما يتحالفان ويترادان وكذلك قال محمد بن الحسن ومعنى يترادان أي قيمة السلعة بعد الاستهلاك
[ 306 ]
وقال النخعي والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف القول قول المشتري مع يمينه بعد الاستهلاك وقال مالك قريبا من قولهم بعد الاستهلاك في أشهر الروايتين عنه واحتج لهم بأنه قد روي في بعض الأخبار إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فالقول ما يقول البائع أو يترادان قالوا فدل اشتراطه قيام السلعة على أن الحكم عند استهلاكها بخلاف ذلك وهذه اللفظة لا تصح من طريق النقد وإنما جاء بها ابن أبي ليلى وقيل إنها من قول بعض الرواة وقد يحتمل أن يكون ذكر قيام السلعة بمعنى التغليب لا من أجل التفريق انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي (فذكر معناه) أي معنى الحديث السابق قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وأخرجه
[ 307 ]
الترمذي من حديث عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود وقال هذا مرسل عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود هذا آخر كلامه وفي إسناده هذا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ولا يحتح به وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه وهو منقطع وقد روي هذا الحديث من طرق عن عبد الله بن مسعود كلها وقد وقع في بعضها إذا اختلف البيعان والمبيع قائم بعينه وفي لفظ والسلعة قائمة ولا يصح وإنما جاءت من رواية ابن أبي ليلى وقد تقدم أنه لا يحتج به وقيل إنها من قول بعض الرواة وقال البيهقي وأصح إسناد روي في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده يريد بالحديث المذكور في أول الباب انتهى كلام المنذري باب في الشفعة قال في الفتح الشفعة بضم المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها وهي مأخوذة لغة من الشفع وهو الزوج وقيل من الزيادة وقيل من الإعانة وفي الشرع انتقال حصة شريك إلى شريك كانت انتقلت إلى أجنبي بمثل العوض المسمى انتهى (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) هذا هو ابن علية قال المزي في الأطراف وفي بعض النسخ إبراهيم بن إسماعيل وهو غلط والله تعالى أعلم (الشفعة في كل شرك) بكسر الشين
[ 308 ]
وإسكان الراء من أشركته في البيع إذا جعلته لك شريكا ثم خفف المصدر بكسر الأول وسكون الثاني فيقال شرك وشركة كما يقال كلم وكلمة قاله في النيل (ربعة) بفتح الراء وسكون الباء تأنيث ربع وهو المنزل الذي يرتبعون فيه في الربيع ثم سمي به الدار والمسكن وقوله ربعة بدل من شرك قال الخطابي الربع والربعة المنزل الذي يربع به الإنسان ويتوطنه يقال هذا ربع وهذا ربعة بالهاء كما قالوا دار ودارة قال وفي هذا الحديث إثبات الشفعة في الشركة وهو اتفاق من أهل العلم وليس فيه نفيها عن المقسوم من جهة اللفظ ولكن دلالته من طريق المفهوم أن لا شفعة في المقسوم وفيه دليل على أن الشفعة لا تجب إلا في الأرض والعقار دون غيرهما من العروض والأمتعة والحيوان ونحوها انتهى (أو حائط) أي بستان ولفظ مسلم في صحيحه من هذا الوجه الشفعة في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 309 ]
(في كل مال لم يقسم) وفي بعض النسخ في كل ما لم يقسم بلفظ ما الموصولة مكان لفظ مال (فإذا وقعت الحدود) أي حصلت قسمة الحدود في المبيع واتضحت بالقسمة
[ 310 ]
مواضعها قال القسطلاني والحدود جمع حد وهو هنا ما تتميز به الأملاك بعد القسمة وأصل الحد المنع ففي تحديد الشئ منع خروج شئ منه ومنع دخول غيره فيه انتهى (وصرفت الطرق) بضم الصاد المهملة وكسر الراء المخففة والمشددة أي بينت مصارفها وشوارعها قاله القسطلاني وقال القاري أي بينت الطرق بأن تعددت وحصل لكل نصيب طريق مخصوص (فلا شفعة) قال القاري أي بعد القسمة فعلى هذا تكون الشفعة للشريك دون الجار وهو مذهب الشافعي وأما من يرى الشفعة للجوار لأحاديث وردت في ذلك وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه يقول إن قوله فإذا وقعت الحدود ليس من الحديث بل شئ زاده جابر انتهى قلت رد ذلك بأن الأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل وورود ذلك في حديث غيره مشعر بعدم الإدراج كما في حديث أبي هريرة الآتية وقال المناوي الحدود جمع حد وهو الفاصل بين الشيئين وهو هنا ما يتميز به الأملاك بعد القسمة فإذا وقعت الحدود أي بينت أقسام الأرض المشتركة بأن قسمت وصار كل نصيب منفردا فلا شفعة لأن الأرض بالقسمة صارت غير مشاعة دل على أن الشفعة تختص بالمشاع وأنه لا شفعة للجار خلافا للحنفية انتهى وقال الإمام الخطابي وهذا الحديث أبين في الدلالة على نفي الشفعة لغير الشريك من الحديث الأول وكلمة إنما يعمل تركيبها فهي مثبتة للشئ المذكور نافية لما سواه فثبت أنه لا شفعة في المقسوم وإما قوله صلى الله عليه وسلم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة فقد يحتج بكل لفظة منها قوم أما اللفظة الأولى ففيها حجة لمن لم ير الشفعة في المقسوم وأما اللفظة الأخرى فقد يحتج بها من يثبت الشفعة بالطريق وإن كان المبيع مقسوما قال الخطابي ولا حجة لهم عندي في ذلك وإنما هو الطريق إلى المشاع دون المقسوم وذلك أن الطريق تكون في المشاع شائعا بين الشركاء قبل القسمة وكل واحد منهم يدخل من حيث شاء ويتوصل إلى حقه من الجهات كلها فإذا قسم العقار بينهم منع كل واحد منهم أن يتطرق شيئا من حق صاحبه وأن يدخل إلى ملكه إلا من حيث جعل له فمعنى صرف الطرق هو وقوع الحدود هنا ثم إنه قد علق الحكم فيه بمعنيين أحدهما وقوع الحدود وصرف الطرق معا فليس لهم أن يثبتوه بأحدهما وهو نفي صرف الطرق دون نفي وقوع الحدود انتهى كلامه قال المنذري
[ 311 ]
وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه مسندا ومرسلا (إذا قسمت الأرض وحدت) بصيغة المجهول في الفعلين قال الخطابي في هذا بيان بأن الشفعة تبطل بنفس القسمة والتمييز بالحصص بوقوع الحدود ويشبه أن يكون المعنى الموجب للشفعة دفع الضرر سوى المشاركة والدخول في ملك الشريك وهذا المعنى يرتفع بالقسمة وأملاك الناس لا يجوز الاعتراض عليها بغير حجة انتهى وهذا الحديث قد وجد في جميع النسخ الحاضرة وكذا في معالم السنن للخطابي وكذا في الأطراف للحافظ المزي وكذا في المنتقى من رواية أبي داود ولكن ما وجدناه في نسخة المنذري فلعله من سهو الناسخ أو من المنذري والله أعلم وقال في النيل حديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات (بسقبه) بفتح السين والقاف وبعدها موحدة وقد يقال بالصاد بدل السين ويجوز فتح القاف وإسكانها وهو القرب والمجاورة وقد استدل بهذا الحديث القائلون بثبوت شفعة الجار قال الخطابي ليس في الحديث ذكر الشفعة فيحتمل أن يكون أراد الشفعة وقد يحتمل أن يكون أراد أنه أحق بالبر والمعونة وما في معناهما وقد يحتمل أن يكون المراد بالجار الشريك لأن اسم الجار قد يقع على الشريك فإنه قد يجاور شريكه ويساكنه إذا في الدار المشتركة بينهما كالمرأة تسمى جارة لهذا المعنى (قال الأعشى أجارتنا بيني فإنك طالقه كذاك أمور الناس غاد وطارقه قال وقد تكلم أصحاب الحديث في إسناد هذا الحديث واضطربت الرواية فيه فقال بعضهم عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع وقال بعضهم عن أبيه عن أبي رافع وأرسله بعضهم وقال فيه قتادة عن عمرو بن شعيب عن الشريد والأحاديث التي جاءت في أن لا شفعة إلا للشريك أسانيدها جياد ليس في شئ منها اضطراب انتهى قلت هذا الحديث عند أحمد والنسائي بلفظ قال قلت يارسول الله أرض ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار فقال الجار أحق بسقبه ما كان فبطل احتمال كون المراد أنه أحق بالبر والمعونة كما لا يخفى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه
[ 312 ]
(جار الدار أحق إلخ) قال الخطابي وهذا أيضا قد يحتمل أن يتناول على الجار المشارك دون المقاسم كما قلنا في الحديث الأول وقد تكلموا في إسناده قال يحيى بن معين لم يسمع الحسن من سمرة وإنما هو صحيفة وقعت إليه أو كما قال وقال غيره سمع الحسن من سمرة حديث العقيقة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح هذا آخر كلامه وقد تقدم اختلاف الأئمة في سماع الحسن عن سمرة والأكثر على أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة (ينتظر) على البناء للمفعول (بها) أي بالشفعة قال ابن رسلان يحتمل انتظار الصبي بالشفعة حتى يبلغ وقد أخرج الطبراني في الصغير والأوسط عن جابر أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي على شفعته حتى يدرك فإذا أدرك فإن شاء أخذ وإن شاء ترك وفي إسناده عبد الله بن بزيع قاله في النيل وإن كان غائبا فيه دليل على أن شفعة الغائب لا تبطل وإن تراخى (إذا كان طريقهما واحدا) قال في النيل فيه دليل على أن الجواز بمجرده لا تثبت به الشفعة بل لا بد معه من اتحاد الطريق ويؤيد هذا الاعتبار قوله فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة انتهى وقد حمل صاحب النيل حديث الجار أحق بسبقه وما في معناه من الأحاديث التي تدل على ثبوت الشفعة للجار مطلقا على هذا المقيد قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وقد تكلم شعبة في عبد الملك بن أبي سليمان من أجل هذا الحديث وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث هذا آخر كلامه وقال الإمام الشافعي يخاف أن لا يكون محفوظا وأبو سلمة حافظ وكذلك أبو الزبير ولا يعارض حديثهما بحديث عبد الملك وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال هذا حديث منكر وقال يحيى لم يحدث به إلا عبد الملك وقد أنكره الناس عليه وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال لا أعلم أحدا رواه عن
[ 313 ]
عطاء غير عبد الملك تفرد به ويروى عن جابر خلاف هذا هذا آخر كلامه وقد احتج مسلم في صحيحه بحديث عبد الملك بن أبي سليمان وخرج له أحاديث واستشهد به البخاري ولم يخرجا له هذا الحديث ويشبه أن يكونا تركاه لتفرده به وإنكار الأئمة عليه والله عزوجل أعلم وجعله بعضهم رأيا لعطاء أدرجه عبد الملك في الحديث انتهى كلام المنذري 40 باب في الرجل يفلس إلخ حاصله أن المديون إذا أفلس فيجد الدائن متاعه بعينه عند المديون المفلس فهل هو أحق به أم هو أسوة للغرماء (أفلس) قال في النهاية أفلس الرجل إذا لم يبق له مال أو معناه صارت دراهمه فلوسا وقيل صار إلى حال يقال ليس معه فلس (بعينه) أي لم يتغير بصفة من الصفات ولا بزيادة ولا نقصان (فهو أحق به) أي فالرجل أحق بمتاعه (من غيره) أي كائنا من كان وارثا أو غريما وبهذا قال الجمهور وخالفت الحنفية في ذلك فقالوا لا يكون البائع أحق بالعين المبيعة التي في يد المفلس بل هو كسائر الغرماء ولهم أعذار عن العمل بهذا الحديث فإن شئت الوقوف عليها فعليك بمطالعة الفتح والنيل وقال الإمام الخطابي وهذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال بها كثير من أهل العلم وقد قضى بها عثمان بن عفان وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا نعلم لهما مخالف في الصحابة وهو قول عروة بن الزبير وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وقال إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وابن شبرمة هو أسوة الغرماء وقال بعض من يحتج لقولهم هذا مخالف للأصول الثابتة ولمعانيها والمبتاع قد ملك السلعة وصارت من ضمانه فلا يجوز أن ينقض عليه ملكه وتأولوا الخبر على الودائع والبيوع الفاسدة ونحوها قال الخطابي فالحديث إذا صح وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس إلا التسليم له وكل
[ 314 ]
حديث أصل برأسه ومعتبر بحكمه في نفسه فلا يجوز أن يعترض عليه بسائر الأصول المخالفة له أو يجترئ إلى إبطاله بعدم النظير له وقلة الأشباه في نوعه وها هنا أحكام خاصة وردت بها أحاديث فصارت أصولا كحديث الجنين وحديث القسامة والمصراة وروى أصحاب الرأي حديث النبيذ وحديث القهقهة في الصلاة وهما مع ضعف سندهما مخالفان للأصول فلم يمتنعوا من قبولهما لأجل هذه العلة انتهى كلامه وأطال بعد ذلك كلاما قال الحافظ المزي في الأطراف حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره وأخرجه البخاري في الاستقراض عن أحمد بن يونس عن زهير عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وأخرجه مسلم في البيوع عن أحمد بن يونس به وعن يحيى بن يحيى عن هشيم عن قتيبة ومحمد ابن رمح كلاهما عن الليث وعن أبي الربيع الزهراني ويحيى بن حبيب بن عربي كلاهما عن حماد بن زيد وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة وعن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب الثقفي ويحيى بن سعيد القطان وحفص بن غياث سبعتهم عن يحيى بن سعيد به نحوه وعن ابن أبي عمر عن هشام بن سليمان عن ابن جريج عن ابن أبي حسين يعني عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يعدم إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه فإنه لصاحبه الذي باعه وأخرجه أبو داود في البيوع عن النفيلي عن زهير به وعن القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد نحوه بن عوف وعن محمد عن عبد الله بن عبد الجبار عن إسماعيل بن عياش عن الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن نحوه وهو أتم وعن القعنبي عن مالك وعن سليمان بن داود عن ابن وهب عن يونس كلاهما عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه مرسلا قال أبو داود حديث مالك أصح يعني حديث مالك عن الزهري أصح من حديث الزبيدي عن الزهري وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به وقال حسن وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به وعن عبد الرحمن بن خالد وإبراهيم بن الحسن كلاهما عن حجاج بن محمد عن
[ 315 ]
ابن جريج به وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن أبي بكر بن أبي شيبة به وعن محمد بن رمح به وعن هشام ابن عمار عن إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة نحوه انتهى كلامه (الذي ابتاعه) أي اشتراه (فوجد) أي البائع (فصاحب المتاع أسوة الغرماء) بضم الهمزة وكسرها أي مثلهم وفيه دليل على أن المشتري إذا مات والسلعة التي لم يسلم المشتري ثمنها باقية لا يكون البائع أولى بها بل يكون أسوة الغرماء وإلى ذلك ذهب مالك وأحمد وقال الشافعي البائع أولى بها واحتج بقوله في حديث أبي هريرة الآتي في الباب من أفلس أو مات إلخ ورجحه على هذا الحديث المرسل قال المنذري وهذا مرسل أبو بكر بن عبد الرحمن تابعي (يعني الخبايري) بمعجمة وموحدة وبعد الألف تحتانية كذا في التقريب وقال السيوطي في
[ 316 ]
في لب اللباب الخبايري بالفتح والتخفيف وتحتية وراء منسوب إلى الخبائر بطن من الكلاع انتهى (فإن كان قضاه من ثمنها شيئا) فيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من أن المشتري إذا كان قد قضى بعض الثمن لم يكن البائع أولى بما لم يسلم المشتري ثمنه من المبيع بل يكون أسوة الغرماء وقال الشافعي إن البائع أولى به قاله في النيل
[ 317 ]
(حديث مالك أصح) يعني حديث مالك عن الزهري أصح من حديث الزبيدي عن الزهري كذا في الأطراف قال المنذري يريد المرسل الذي تقدم وفي إسناده إسماعيل بن عياش وقد تكلم فيه غير واحد وقال الدارقطني ولا يثبت هذا عن الزهري مسندا وإنما هو مرسل (عن عمر بن خلدة) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام (في صاحب لنا أفلس) أي وبيده متاع لغيره ولم يعطه ثمنه وقد وقع في آخر هذا الحديث قال أبو داود من يأخذ بهذا أبو المعتمر من هو أي لا نعرفه ولم توجد هذه العبارة في أكثر النسخ قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وحكي عن أبي داود أنه قال من يأخذ بهذا أو أبو المعتمر من هو لا يعرف هذا آخر كلامه وقد قال ابن أبي حاتم في كتابه أبو المعتمر بن عمرو بن رافع روى عن أبي خلدة وعن عبيد الله بن علي بن أبي رافع روى عنه ابن أبي ذئب سمعت أبي يقول ذلك وذكر أيضا أنه روى عنه الصلت بن بهرام
[ 318 ]
وقال أبو أحمد الكرابيسي في كتاب الكنى أبو المعتمر بن عمرو بن رافع عن عمر بن خلدة الزرقي الأنصاري قاضي المدينة وعبيد الله بن علس بن أبي رافع روى عنه أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب القرشي وذكر له البيهقي أنه يقال فيه عمرو بن نافع وعمرو بن رافع وأنه بالنون أصح انتهى كلام المنذري باب فيمن أحيى حسير الحسور ماندة شدن والمراد من الحسير الدابة العاجزة عن المشئ والمراد من إحيائها سقيها وعلفها وخدمتها (فسيبوها) أي تركوها تذهب حيث شاءت (فأخذها) الضمير المرفوع لمن وجد (فأحياها) أي بالعلف والسقي والقيام بها (فهي له) أي لمن وجد قال الخطابي هذا الحديث مرسل وذهب أكثر الفقهاء إلى أن ملكها لم يزل عن صاحبها بالعجز عنها وسبيلها سبيل اللقطة فإذا جاء ربها وجب على آخذها رد ذلك عليه وقال أحمد وإسحاق هي لمن أحياها إذا كان صاحبها تركها بمهلكة واحتج إسحاق بحديث الشعبي هذا وقال عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة فيها وفي النواة التي يلقيها من يأكل التمرات قال صاحبها لم أبحها للناس فالقول قوله ويستحلف أنه لم يكن أباحه للناس انتهى قلت في قول الخطابي أن هذا الحديث مرسل نظر لأن الشعبي قد رواه عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مصرح في آخر الحديث وأما جهالة الصحابة الذين أبهمهم الشعبي فغير قادحة في الحديث لأن مجهولهم مقبول على ما هو الحق كما تقرر في مقره والشعبي قد لقي جماعة من الصحابة وفي الحديث دليل على أنه يجوز لمالك الدابة التسييب في الصحراء إذا عجز عن القيام
[ 319 ]
بها وقد ذهب الشافعي وأصحابه إلى أنه يجب على مالك الدابة أن يعلفها أو يبيعها أو يسيبها في مرتع فإن تمرد أجبر وقال أبو حنيفة وأصحابه بل يؤمر استصلاحا لا حتما كالشجر وأجيب بأن ذات الروح تفارق الشجر والأولى إذا كانت الدابة مما يؤكل لحمه أن يذبحها مالكها ويطعمها المحتاجين قال ابن رسلان وأما الدابة التي عجزت عن الاستعمال لزمن ونحوه فلا يجوز لصاحبها تسييبها بل يجب عليه نفقتها (فقلت عمن) أي عمن تروي الحديث (قال) أي الشعبي (من ترك دابة بمهلك) أي في موضع الهلاك والحديث قد أورده في منتقى الأخبار برواية أبو داود وفيه بمهلكة بزيادة التاء قال في النيل بضم الميم وفتح اللام اسم لمكان الإهلاك وهي قراءة الجمهور في قوله تعالى (ما شهدنا مهلك أهله) وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام انتهى قال المنذري الأول فيه عبيد الله بن حميد والثاني مرسل وفيه عبيد الله بن حميد وقد سئل عنه يحيى بن معين فقال لا أعرفه يعني لا أعرف تحقيق أمره حكاه ابن أبى حاتم انتهى وفي الخلاصة وثقه ابن حبان 42 باب في الرهن بفتح الراء وسكون الهاء في اللغة الاحتباس من قولهم رهن الشئ إذا دام وثبت وفي الشرع جعل مال وثيقة على دين ويطلق أيضا على العين المرهونة تسمية للمفعول بها باسم المصدر وأما الرهن بضمتين فالجمع ويجمع أيضا على رهان بكسر الراء (لبن الدر) بفتح الدال المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أي ذات الضرع
[ 320 ]
(يحلب) بصيغة المجهول (والظهر) أي ظهر الدابة وقيل الظهر الإبل القوي يستوي فيه الواحد والجمع ولعله سمي بذلك لأنه يقصد لركوب الظهر (يركب) بصيغة المجهول وقوله يحلب ويركب هو خبر في معنى الأمر كقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن (وعلى الذي يحلب ويركب النفقة) وقد قيل إن فاعل الركوب والحلب لم يتعين فيكون الحديث مجملا وأجيب بأنه لا إجمال بل المراد المرتهن بقرينة أن انتفاع الراهن بالعين المرهونة لأجل كونه ملكا والمراد هنا الانتفاع في مقابلة النفقة وذلك يختص بالمرتهن كما وقع التصريح به في بعض الروايات وفيه دليل على أنه يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بما يحتاج إليه ولو لم يأذن المالك وبه قال أحمد وإسحاق والليث والحسن وغيرهم وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء لا ينتفع المرتهن من الرهن بشئ بل الفوائد للراهن والمؤن عليه كذا في النيل وقال الحافظ في الفتح وعلى الذي يحلب ويركب النفقة أي كائنا من كان هذا ظاهر الحديث وفيه حجة لمن قال يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك وهو قول أحمد وإسحاق وطائفة قالوا ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرها لمفهوم الحديث وأما دعوى الإجمال فيه فقد دل بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الإنفاق وهذا يختص بالمرتهن لأن الحديث وإن كان مجملا لكنه يختص بالمرتهن لأن انتفاع الراهن بالمرهون لكونه مالك رقبته لا لكونه منفقا عليه بخلاف المرتهن وذهب الجمهول ثنا إلى أن المرتهن لا ينتفع من المرهون بشئ وتأولوا الحديث لكونه ورد على خلاف القياس من وجهين أحدهما التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه والثاني تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة قال ابن عبد البر هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها ويدل على نسخه حديث ابن عمر لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه انتهى وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والتاريخ في هذا متعذر والجمع بين الأحاديث ممكن وذهب الأوزاعي والليث وأبو ثور إلى حمله على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على
[ 321 ]
المرهون فيباح حينئذ للمرتهن الإنفاق على الحيوان حفظا لحياته وبقاء المالية فيه وجعل له في مقابلة نفقته الانتفاع بالركوب أو بشرب اللبن بشرط اللبن أن لا يزيد قدر ذلك أو قيمته على قدر علفه وهي من جملة مسائل الظفر انتهى ما في فتح الباري ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول فلا ترد إلا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع وعن حديث ابن عمر الذي عند البخاري في أبواب المظالم بأنه عام وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص قال في النيل وأجود ما يحتج به للجمهور حديث أبى هريرة لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه لأن الشارع قد جعل الغنم والغرم للراهن ولكنه قد اختلف في وصله وإرساله ورفعه ووقفه وذلك مما يوجب عدم انتهاضه لمعارضة ما في صحيح البخاري وغيره انتهى قلت أخرج الشافعي والدارقطني وقال هذا إسناد حسن متصل عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه وأخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان في صحيحه وأخرجه أيضا ابن ماجه من طريق أخرى وصحح أبو داود والبزار والدارقطني وابن القطان إرساله عن سعيد بن المسيب بدون ذكر أبى هريرة قال الحافظ في التلخيص وله طرق في الدارقطني والبيهقي كلها ضعيفة وقال في بلوغ المرام إن رجاله ثقات إلا أن المحفوظ عند أبى داود وغيره إرساله انتهى وساقه ابن حزم بإسناده إلى الزهري عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه قال ابن حزم هذا إسناد حسن وتعقبه الحافظ بأن قوله في السند نصربن عاصم تصحيف وإنما هو عبد الله بن نصر الأصم الأنطاكي وله أحاديث منكرة وقرواه الدارقطني من طريق عبد الله بن نصر المذكور وصحح هذه الطريق عبد الحق وصحح أيضا وصله ابن عبد البر وقال هذه اللفظة يعني له غنمه وعليه غرمه اختلفت الرواة في رفعها ووقفها فرفعها ابن أبى ذئب ومعمر وغيرهما ووقفها غيرهم وقد روى ابن وهب هذا الحديث فجوده وبين أن هذه اللفظة من قول سعيد بن المسيب وقال أبو داود في المراسيل قوله له غنمه وعليه غرمه من كلام سعيد بن المسيب نقله عنه الزهري وقال الأزهري الغلق في الرهن ضد الفك فإذا فك الراهن الرهن فقد أطلقه
[ 322 ]
من وثاقه عند مرتهنه وروى عبد الرازق عن معمر أنه فسر غلاق الرهن بما إذا قال الرجل إن لم آتك بمالك فالرهن لك قال ثم بلغني عنه أنه قال إن هلك لم يذهب حق هذا إنما هلك من رب الرهن له غنمه وعليه غرمه وقد روي أن المرتهن في الجاهلية كان يتملك الرهن إذا لم يؤد الراهن إليه ما يستحقه في الوقت المضروب فأبطله الشارع كذا في النيل قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه وقال أبو داود هو عندنا صحيح (حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبى شيبة الخ) هذا الحديث وقع في بعض النسخ وأكثرها خالية عنه وليس في نسخة المنذري أيضا ولكنه قد كتب في هامشها وقال الكاتب في آخره قال في الأم المنقول منها ما لفظه صح من نسخة السماع انتهى قلت الحديث ليس من رواية اللؤلؤي إنما هو من رواية ابن داسة قال المزي في الأطراف أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله الجبلي عن عمرو لم يدركه حديث إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء أخرجه أبو داود في البيوع عن زهير بن حرب وعثمان بن أبى شيبة كلاهما عن جرير عن عمارة بن القعقاع عنه به لم يذكره أبو القاسم وهو في رواية أبى بكر بن داسة انتهى كلام المزي وأورد هذا الحديث الإمام الخطابي في معالم السنن لأنه شرح على رواية ابن داسة وذكره المنذري في كتاب الترغيب في باب الحب في الله تعالى واقتصر بعد إيراد الحديث على قوله أخرجه أبو داود انتهى لكن الحديث ليس له مناسبة بباب الرهن ولذا قال الخطابي في معالم السنن ذكر أبو داود في هذا الباب حديثا لا يدخل في أبواب الرهن ثم ذكر الخطابي الحديث (تخبرنا) بصيغة الخطاب وفي معالم السنن والترغيب فخبرنا بصيغة الأمر (هم قوم تحابوا بروح الله) قال الخطابي فسروه القرآن وعلى هذا يتأول قوله عزوجل وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا سماه روحا والله أعلم لأن القلو ب تحيى به كما يكون حياة النفوس والأبدان بالأرواح انتهى وقال في المجمع بضم الراء أي بالقرآن ومتابعته وقيل أراد به المحبة أي
[ 323 ]
يتحابون بما أوقع الله في قلوبهم من المحبة الخالصة لله تعالى (إن وجوههم لنور) أي منورة أو ذات نور (لعلى نور) أي على منابر نور 43 باب الرجل يأكل من مال ولده (في حجري) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم أي حضني (يتيم) مبتدأ مؤخر وخبره في حجري (من أطيب ما أكل الرجل) أي من أحله وما موصولة أو موصوفة (من كسبه) أي الحاصل من وجهه صناعة أو تجارة أو زراعة (وولده من كسبه) أي من جملته لأنه حصل بواسطة تزوجه فيجوز له أن يأكل من كسب ولده قال الخطابي فيه من الفقه أن نفقة الوالدين واجبة على الولد إذا كان واجدا لها واختلفوا في صفة من يجب لهم النفقة من الآباء والأمهات فقال الشافعي إنما يجب ذلك للأب الفقير الزمن فإن كان له مال أو كان صحيح البدن غير زمن فلا نفقة له عليه وقال سائر الفقهاء نفقة الوالدين واجبة على الولد ولا أعلم أن أحدا منهم اشترط فيها الزمانة كما اشترط الشافعي انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن قال وقد روى بعضهم هذا عن عمارة بن عمير عن أمه
[ 324 ]
(ولد الرجل من كسبه) قال الطيبي تسمية الولد بالكسب مجاز (حماد بن أبى سليمان) في روايته عن الحكم بن عتيبة عن عمارة بن عمير (زاد فيه) أي بعد قوله فكلوا من أموالهم (إذا احتجتم) أي إلى أموالهم قال الطيبي نفقة الوالدين على الولد واجبة إذا كانا محتاجين عاجزين عن السعي عند الشافعي وغيره لا يشترط ذلك قال المنذري وقد أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث إبراهيم النخعي عن الأسود بن زيد عن عائشة وهو حديث حسن (إن والدي يجتاح مالي) بتقديم جيم وآخره حاء مهملة من الاجتياح وهو الاستئصال وفي بعض النسخ يحتاج بتقديم حاء مهملة وآخره جيم من الاحتياج قال الخطابي معناه يستأصله فيأتي عليه ويشبه أن يكون ما ذكره السائل من اجتياح والده ماله إنما هو بسبب النفقة عليه وأن مقدار ما يحتاج إليه للنفقة عليه شئ كثير لا يسعه عفو ماله والفضل منه إلا أن يجتاح أصله ويأتي عليه فلم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرخص له في ترك النفقة وقال له أنت ومالك لوالدك على معنى أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منك قدر الحاجة كما يأخذ من مال نفسه وإذا لم يكن لك مال وكان لك كسب لزمك أن تكتسب وتنفق عليه فأما أن يكون أراد به إباحة ماله واعتراضه حتى يجتاحه ويأتي عليه لا على هذا الوجه فلا أعلم أحدا من الفقهاء ذهب إليه والله أعلم انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وقد تقدم الكلام على الإختلاف في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب وأخرج ابن ماجه من حديث محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رجلا قال يارسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي مالا وولدا وإن أبي يحتاج مالي فقال أنت ومالك لأبيك ورجال إسناده ثقات
[ 325 ]
44 باب في الرجل يجد عين ماله عند رجل (من وجد عين ماله) قال التوربش به المراد منه ما غصب أو سرق أو ضاع من الأموال (فهو أحق) أي بماله (ويتبع) بتشديد التاء وكسر الموحدة (البيع) بكسر الياء المشددة أي المشتري لذلك المال (من باعه) أي وأخذ منه الثمن قال الخطابي هذا في المغصوب ونحوه إذا وجد ماله المغصوب أو المسروق عند رجل كان له أن يخاصمه فيه ويأخذ عين ماله منه ويرجع المنتزع الشئ من يده على من باعه إياه انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وقد تقدم الكلام على الاختلاف في سماع الحسن من سمرة 45 باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده أي من مال في يده سواء علم بذلك صاحب المال أم لا إذا كان له حق في مال ذلك الغير (أن هندا) هي بنت عتبة بن ربيعة زوج أبى سفيان أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أبا سفيان) تعني زوجها واسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبدمناف (رجل شحيح) أي بخيل حريص وهو أعم من البخل لأن البخل مختص بمنع المال والشح يعم منع كل شئ في جميع الأحوال كذا في الفتح (ما يكفيني) أي مقدار ما يكفيني من النفقة (وبني) بالنصب عطفا على الضمير المنصوب (أن آخذ من ماله
[ 326 ]
شيئا) أي بغير علمه وإذنه (بالمعروف) أي ما يعرفه الشرع ويأمر به وهو الوسط العدل قاله القاري وقال في الفتح المراد بالمعروف القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية انتهى قال الخطابي وفيه جواز أن يقتضي الرجل من مال عنده لرجل له عليه حق يمنعه منه وسواء كان ذلك من جنس حقه أو من غير جنسه وذلك لأن معلوما أن منزل الرجل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من النفقة والكسوة وسائر المرافق التي تلزمه لهم ثم أطلق إذنها في أخذ كفايتها وكفاية أولادها من ماله ويدل على ذلك وصحته قولها في غير هذه الرواية إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يدخل على بيتي ما يكفيني وولدي انتهى وللحديث فوائد استوفاها الحافظ في الفتح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (رجل ممسك) أي بخيل (لا حرج عليك أن تنفقي بالمعروف) ضبط في بعض النسخ بفتح الهمزة وكسرها قال في الفتح واستدل به على أن من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه وهو قول الشافعي وجماعة وتسمى مسألة الظفر والراجح عندهم أنه لا يأخذ غير جنس حقه إلا إذا تعذر جنس حقه وعن أبي حنيفة المنع وعنه يأخذ جنس حقه ولا يأخذ من غير جنس حقه إلا أحد النقدين بدل الآخر وعن مالك ثلاث روايات كهذه الآراء وعن أحمد المنع مطلقا انتهى (كنت أكتب) في الحساب والدفتر (لفلان) مجهول لم يعرف اسمه (نفقة أيتام) جمع يتيم ونفقة مفعول أكتب (كان وليهم) أي كان الفلان ولي الأيتام (فغالطوه) من المغالطة أي الأيتام إذا بلغوا الحلم وأخذوا أموالهم من وليهم الفلان غالطوه هذا في الحساب بألف درهم
[ 327 ]
وأخذوها من غير حق (فأداها) أي الألف ذلك الفلان (إليهم) أي إلى الأيتام (فأدركت لهم) أي للأيتام والقائل يوسف بن ماهك (قال قلت) أي لذلك الفلان (قال لا) أي لا أقبض (أد الأمانة الخ) حاصله أن الأمانة لا تخان أبدا لأن صاحبها إما أمين أو خائن وعلى التقديرين لا تخان وبه قال قوم وجوز آخرون فيما هو من جنس ماله أن يأخذ منه حقه بأن كان له على آخر دراهم فوقع عنده له دراهم يجوز له أن يأخذ حقه لا إذا وقع عنده دنانير ونقل عن الشافعي أنه قال قد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجة أبى سفيان حين اشتكت إليه أن تأخذ من ماله ما يكفيها بالمعروف فكذا الرجل يكون له على آخر حق فيمنع إياه فله أن يأخذ من ماله حيث وجده بوزنه أو كيله أو بالقيمة حتى يجوز أن يبيع ويستوفي حقه من ثمنه وحديث أد الأمانة إن ثبت لم يكن الخيانة ما أذن بأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الخيانة إذا أخذ بعد استيفاء دراهمه كذا في فتح الودود ومرقاة الصعود قال المنذري فيه رواية مجهول (أخبرنا طلق) بفتح فسكون (ابن غنام) بفتح المعجمة والنون قال المزي في الأطراف شريك بن عبد الله عن أبى حصين عن أبى صالح عن أبى هريرة حديث (أد الأمانة) أخرجه أبو داود في البيوع عن أبى كريب محمد بن العلاء وأحمد بن إبراهيم كلاهما عن طلق بن غنام عن شريك وقيس بن الربيع كلاهما عن أبى حصين به ولم يذكر أحمد قيس بن الربيع انتهى (ولا تخن من خانك) قال في النيل ما محصله فيه دليل على أنه لا يجوز مكافأة الخائن بمثل فعله فيكون مخصصا لعموقوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وقوله فمن اعتدى عليكم الآيولكن الخيانة إنما تكون في الأمانة كما يشعر بذلك كلام القاموس فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على أنه لا يجوز لمن تعذر عليه استيفاء حقه
[ 328 ]
حبس حق خصمه على العموم إنما يصح الاستدلال به على أنه لا يجوز للإنسان إذا تعذر عليه استيفاء حقه أن يحبس عنده وديعة لخصمه أو عارية مع أن الخيانة إنما تكون على جهة الخديعة والخفية وليس محل النزاع من ذلك انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب 46 باب في قبول الهدايا جمع هدية أي يعطي الذي يهدي له بدلها والمراد بالثواب المجازاة وأقله ما يساوي قيمة الهدية ولفظ ابن أبي شيبة ويثيب ما هو خير منها وقد استدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب المكافأة على الهدية إذا أطلق المهدي وكان ممن مثله يطلب الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى ووجه الدلالة منه مواظبته صلى الله عليه وسلم وبه قال الشافعي في القديم ويجاب بأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب ولو وقعت المواظبة كما تقرر في الأصول وذهبت الحنفية والشافعي في الجديد أن الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع مجهول ولأن موضع الهبة التبرع كذا في النيل قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وذكر البخاري أن وكيعا ومحاضرا أرسلاه وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عيسى بن يونس (وأيم الله) لفظ قسم ذو لغات وهمزتها وصل وقد تقطع تفتح وتكسر كذا في المجتمع (إلا أن يكون) أي المهدي (مهاجريا) أي منسوبا إلى قوم مسمى بالمهاجرين والأظهر أن المراد به واحد منهم (قرشيا) نسبة إلى قريش بحذف الزائد (أو أنصاريا) أي واحدا من الأنصار (أو
[ 329 ]
دوسيا) بفتح الدال المهملة وسكون الواو نسبة إلى دوس بطن من الأزد (أو ثقفيا) بفتح المثلثة والقاف نسبة إلى ثقيف قبيلة مشهورة وسبب همه صلى الله عليه وسلم بذلك على ما أخرجه الترمذي في آخر كتاب المناقب من حديث أيوب عن سعيد المقبري عن أبى هريرة أن أعرابيا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكرة فعوضه منها ست بكرات فتسخطها فبلغ ذلك صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أن فلانا أهدى إلي ناقة فعوضته منها ست بكرات فظل ساخطا لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي وعند الترمذي أيضا من حديث محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال أهدى رجل من بنى فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ناقة من إبله الذي كانوا أصابوا بالغابة فعوضه منها بعض العوض فتسخط فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول إن رجالا من العرب يهدي أحدهم الهدية فأعوضه منها بقدر ما عندي ثم يتسخطه فيظل يتسخط فيه علي وأيم الله لا أقبل بعد مقامي هذا من رجل من العرب هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي قال التوربشتي رحمه الله كره قبول الهدية ممن كان الباعث له عليها طلب الاستكثار وإنما خص المذكورين فيه بهذه الفضيلة لما عرف فيهم من سخاوة النفس وعلو الهمة وقطع النظر عن الأعواض انتهى قال في شرح السنة اختلفوا في الهبة المطلقة التي لا يشترط فيها الثواب فذهب قوم من الفقهاء أنها تقتضي الثواب لهذا الحديث ومنهم من جعل الناس في الهبات على ثلاث طبقات هبة الرجل ممن هو دونه فهو إكرام إلطاف لا يقتضي الثواب وكذلك هبة النظير من النظير وأما هبة الأدنى من الأعلى فتقتضي الثواب لأن المعطي يقصد به الرفد والثواب ثم قدر الثواب على العرف والعادة وقيل قدر قيمة الموهوب وقيل حتى يرضى الواهب انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وفي إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد أخرجه الترمذي والنسائي بمعناه من حديث سعيد بن أبى سعيد عن أبى هريرة وذكر الترمذي أن حديث سعيد عن أبيه عن أبى هريرة حديث حسن وأنه أصح من حديث سعيد عن أبى هريرة انتهى كلام المنذري 47 باب الرجوع في الهبة (العائد في هبته إلخ) قال النووي هذا ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد
[ 330 ]
إقباضهما وهو محمول على هبة الأجنبي أما إذا وهب لولده وإن سفل فله الرجوع فيه كما صرح في حديث النعمان بن بشير ولا رجوع في هبة الإخوة والأعمام وغيرهم من ذوي الأرحام هذا مذهب الشافعي وبه قال مالك والأوزاعي وقال أبو حنيفة وآخرون يرجع كل واهب إلا الولد وكل ذي رحم محرم انتهى وقال في السبل قال الطحاوي قوله كالعائد في قيئه وإن اقتضى التحريم لكن الزيادة في الرواية الأخرى وهي قوله كالكلب يدل على عدم التحريم لأن الكلب غير متعبد فالقئ ليس حراما عليه والمراد التنزه عن فعل يشبه فعل الكلب وتعقب باستبعاد التأويل ومنافرة سياق الحديث له وعرف الشرع في مثل هذه العبارة الزجر الشديد كما ورد النهي في الصلاة عن إقعاء الكلب ونقر الغراب والتفات الثعلب ونحوه ولا يفهم من المقام إلا التحريم والتأويل البعيد لا يلتفت إليه ويدل التحريم حديث ابن عباس يعني الحديث الآتي انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وليس في حديثهم كلام قتادة (إلا الوالد) بالنصب على الاستثناء (فإذا شبع) بكسر الموحدة والشبع ضد الجوع قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح هذا آخر كلامه وفي إسناده عمرو بن شعيب ثقة (فإذا استرد الواهب) أي يطلب رد هبته من الموهوب له (فليوقف) بصيغة الأمر المجهول من باب التفعيل كذا ضبط في بعض النسخ وضبط في نسخة بصيغة المعلوم (فليعرف) من باب التفعيل وفيه كلا الوجهين (بما استرد) أي فليعلم لأي سبب طلب رد الهبة (ثم ليدفع إليه) أي إلى الواهب قال في فتح الودود أي إذا رجع في هبته فليسأل عن سببه
[ 331 ]
ثم يرد عليه هبته لعله وهب ليثاب عليه فلم يثب عليه فيرجع لذلك فيمكن حينئذ أن يثاب حتى لا يرجع والله تعالى أعلم وهذا الحديث ظاهر في أنه إذا رجع يرد عليه هبته كما هو مذهب أبي حنيفة رحمة الله عليه انتهى وقال بعض الأعاظم في تعليقات السنن قوله فليوقف هو على البناء للمفعول من الوقف كقوله تعالى وقفوهم إنهم مسؤولون أو من التوقيف أو الإيقاف فإن ثلاثتها بمعنى قال في القاموس وشرحه وقف بالمكان وقفا ووقوفا فهو واقف دام قائما وكذا وقفت الدابة والوقوف خلاف الجلوس ووقفته أنا وكذا وقفتها وقفا فعلت به ما وقف يتعدى ولا يتعدى كوقفته توقيفا وأوقفته إيقافا قال في العين وإذا وقفت الرجل على كلمة قلت وقفته توقيفا انتهى والثانى أي من باب التفعيل انسب لقوله فليعرف فانه من التعريف قطعا وهو أيضا على البناء للمفعول والتعريف إعلام كما في القاموس أيضا والمراد به ها هنا إعلامه مسألة الهبة كيلا يبقى جاهلا والمعنى من وهب هبة ثم أراد أن يرتجع فليفعل به ما يقف ويقوم ثم ينبه على مسألة الهبة ليزول جهالته بأن يقال له الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها ولكنه كالكلب يعود في قيئه فإن شئت فارتجع وكن كالكلب يعود في قيئه وإن شئت فدع ذلك كيلا تتشبه بالكلب المذكور فإن اختار الارتجاع بعد ذلك أيضا فليدفع إليه ما وهب والله أعلم انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه بنحوه 48 في الهدية لقضاء الحاجة (فأهدى) أي أخوه والمراد من الأخوة أخوة الإسلام (له) أي لمن شفع (عليها) أي على الشفاعة (فقبلها) أي الهدية (فقد أتى بابا عظيما إلخ) قال في فتح الودود وذلك لأن الشفاعة الحسنة مندوب إليها وقد تكون واجبة فأخذ الهدية عليها يضيع أجرها كما أن الربا يضيع الحلال والله تعالى أعلم انتهى قال المنذري القاسم هو ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الأموي مولاهم الشامي وفيه مقال
[ 332 ]
49 باب في الرجل يفضل بعض ولده في النحل بضم فسكون مصدر نحلته والنحلة بكسر النون العطية (أخبرنا سيار) أي أبو الحكم الواسطي عن أبي وائل وزر بن جيش والشعبي وعنهن شعبة وقرة بن خالد وهشيم وثقه أحمد وابن معين كذا في الخلاصة (وأخبرنا مغيرة وأخبرنا داود عن الشعبي وأخبرنا مجالد وإسماعيل بن سالم عن الشعبي) كذا وقع في بعض النسخ ووقع في بعضها ح وأخبرنا مغيرة ح وأخبرنا داود عن الشعبي بزيادة حاء التحويل قبل قوله وأخبرنا مغيرة وبعده والظاهر أنه غلط لأن هشيما روى هذا الحديث عن سيار ومغيرة وداود ومجالد وإسماعيل فهؤلاء المحدثون الخمسة شيوخ هشيم وهم رووا الحديث عن الشعبي وعلى تقدير زيادة حاء التحويل يختل المراد فقوله وأخبرنا مغيرة عطف على قوله أخبرنا سيار قال المزي في الأطراف والحديث أخرجه أبو داود في البيوع عن ابن حنبل عن هشيم عن سيار أبي الحكم ومغيرة وداود بن أبي هند ومجالد بن سعيد وإسماعيل بن سالم خمستهم عن الشعبي انتهى (عن الشعبي) هو عامر (أنحلني أبي) أي أعطاني قال في القاموس أنحله مالا أعطاه ماله وخصه بشئ منه كنحله ثم فيهما والنحل والنحلان رسول بضمهما اسم ذلك المعطي (نحلا) بضم النون أي عطية (من بين القوم) يعني المحدثين المذكورين (عمرة) بفتح العين وسكون الميم (بنت رواحة) بفتح الراء (فأشهده) أي اجعله شاهدا (ألك ولد سواه) أي سوى النعمان (فكلهم) بالنصب (هذا جور) أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا جور أي ظلم أو ميل فمن لا يجوز
[ 333 ]
التفضيل بين الأولاد يفسره بالأول ومن يجوزه على الكراهة يفسره بالثاني (هذا تلجئة) قال في القاموس التلجئة الإكراه وقال في النهاية هو تفعلة من الجاء كأنه قد ألجأك إلى أن تأتي بأمر باطنه خلاف ظاهره وأحوجك إلى أن تفعل فعلا تكرهه انتهى (قال أبو داود في حديث الزهري) وحديثه عند الشيخين (قال بعضهم أكل بنيك وقال بعضهم ولدك) لا منافاة بينهما لأن لفظ الولد يشمل الذكور والإناث وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورا فظاهر وإن كانوا إناثا وذكورا فعلى سبيل التغليب قاله الحافظ (وقال ابن أبي خالد) هو إسماعيل وحديثه عند مسلم في الفرائض (وقال أبو الضحى) وحديثه عند النسائي قال النووي فيه استحباب التسوية بين الأولاد في الهبة فلا يفضل بعضهم على بعض سواء كانوا ذكورا أو إناثا قال بعض أصحابنا ينبغي أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين والصحيح الأول لظاهر الحديث فلو وهب بعضهم دون بعض فمذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة رحمهم الله أنه مكروه وليس بحرام والهبة صحيحة وقال أحمد والثوري وإسحاق رحمهم الله وغيرهم هو حرام واحتجوا بقوله لا أشهد على جور وبقوله واعدلوا بين أولادكم واحتج الأولون بما جاء في رواية فأشهد على هذا غيري ولو كان حراما أو باطلا لما قال هذا وبقوله فأرجعه ولو لم يكن نافذا لما احتاج إلى الرجوع فإن قيل قاله تهديدا قلنا الأصل خلافه ويحمل عند اطلاق صيغة أفعل على الوجوب أو الندب وإن تعذر ذلك فعلى الإباحة وأما معنى الجور فليس فيه أنه حرام لأنه هو الميل عن الاستواء والاعتدا وكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور سواء كان حراما أو مكروها ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وقال الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن النعمان بن بشير عن النعمان بن بشير
[ 334 ]
(فكل إخوتك أعطى) بتقدير حرف الاستفهام قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (اعدلوا بين أبنائكم الخ) قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 335 ]
(فقال إن ابنة فلان) بعني زوجته عمرة بنت رواحة (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (له) بحذف أداة الاستفهام (فليس يصلح هذا) أي هذا النحل قال المنذري وأخرجه مسلم 50 باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها (لا يجوز لامرأة أمر) أي عطية من العطايا (في مالها) أي في مال في يدها لزوجها أضيف إليها مجازا لكونه في تصرفها فيكون النهي للتحريم أو المراد مال نفسها لكونهن ناقصات العقل فلا ينبغي لها أن تتصرف في مالها إلا بمشورة زوجها أدبا واستحبابا فالنهي للتنزية كذا قاله بعض العلماء وفي النيل وقد استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي عطية من مالها بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة وقد اختلف في ذلك فقال الليث لا يجوز لها ذلك مطلقا
[ 336 ]
لا في الثلث ولا فيما دونه إلا في الشئ التافه وقال طاووس ومالك إنه يجوز لها أن تعطي مالها بغير إذنه في الثلث لا فيما فوقه فلا يجوز إلا بإذنه وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقا من غير إذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة فإن كانت سفيهة لم يجز قال في الفتح وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة انتهى ما في النيل (إذا ملك زوجها عصمتها) أي عقد نكاحها ومنه قوله تعالى لا تمسكوا بعصم الكوافر جمع عصمة أي عقد نكاح النساء الكفرة والعصمة هي ما يعتصم به من عقد وسبب أي لا يكن بينكم وبينهن عصمة ولا علقة زوجية كذا في المجمع والحديث سكت عنه المنذري (لا تجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها) أي صراحة أو دلالة قال الخطابي عند أكثر الفقهاء هذا على معنى حسن العشرة واستطابة نفس الزوج بذلك إلا أن مالك بن انس قال ترد ما فعلت من ذلك حتى يادن الزوج وقد يحتمل ان يكون ذلك في غير الرشيدة وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنساء تصدقن فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم وبلال يتلقاها بكسائه وهذه عطية بغير إذن أزواجهن انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه 51 باب في العمرى بضم العين المهملة وسكون الميم مع القصر على وزن حبلى وهي مأخوذة من العمر وهو الحياة سميت بذلك لأنهم كانوا في الجاهلية يعطي الرجل الرجل الدار ويقول له أعمرتك إياها أي أبحتها لك مدة عمرك وحياتك فقيل لها عمرى لذلك هذا أصلها لغة وأما شرعا فالجمهور على أن العمرى إذا وقعت كانت ملكا للآخذ ولا ترجع إلى الأول إلا إن صرح باشتراط ذلك
[ 337 ]
(عن بشير بن نهيك) كلاهما على وزن عظيم (العمرى) اسم من أعمرتك الشئ أي جعلته لك مدة عمرك (جائزة) أي صحيحة ماضية لمن أعمر له ولورثته من بعده وفي بعض الروايات جائزة لأهلها والمعني يملكها الآخذ ملكا تاما بالقبض ولا ترجع إلى الأول قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (عن الحسن) أي البصري (عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل الحديث السابق ولفظ الترمذي من هذا الوجه عن سمرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال العمرى جائزة لأهلها أو ميراث لأهلها انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي (العمرى لمن وهبت له) بضم الواو مبنيا للمفعول قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (من أعمر) بصيغة المجهول (عمرى) مفعول مطلق (ولعقبه) بكسر القاف وسكونها والعقب أولاد الإنسان ما تناسلوا (من يرثه) الضمير المنصوب لمن أعمر (من عقبه) بيان لمن يرثه والمعنى أنها صارت ملكا للمدفوع إليه فيكون بعد موته لوارثه كسائر أملاكه ولا ترجع إلى الدافع كما لا يجوز الرجوع في الموهوب وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي سواء ذكر العقب أو لم يذكره وقال مالك يرجع إلى المعطي إن كان حيا وإلى ورثته إن كان ميتا إذا لم يذكر عقبه قال في المرقاة وسيأتي كلام الترمذي في هذا الباب والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 338 ]
(حدثنا أحمد بن أبي الحواري) بفتح المهملة والواو الخفيفة وكسر الراء وهو أحمد بن عبد الله بن ميمون بن العباس بن الحارث التغلبي يكنى أبا الحسن بن أبي الحواري ثقة زاهد من العاشرة كذا في التقريب (بمعناه) أي بمعنى الحديث المتقدم ولفظ النسائي من هذا الوجه عن عروة وأبي سلمة عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرى لمن أعمرها هي له ولعقبه يرثها من يرثه من عقبه انتهى (وهكذا) أي بذكر أبي سلمة في السند (رواه الليث ابن سعد عن الزهري عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن جابر) وحديثه عند مسلم والنسائي وهذا لفظه أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه وهي لمن أعمر ولعقبه والحاصل أن الزهري اختلف عليه فقال محمد بن شعيب وعمر وبقية بن الوليد كلهم عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن جابر قال الوليد مرة عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة وأبي سلمة عن جابر وقال مرة عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر وقال الليث بن سعد ومالك بن أنس عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر وقد أشبع الكلام فيه النسائي في سننه والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي 52 باب من قال فيه أي في العمرى ولعقبه أي هذا اللفظ بأن قال مثلا أعمرت هذه الدار لك ولعقبك واعلم أنه يحصل من مجموع الروايات ثلاثة أحوال
[ 339 ]
أحدها أن يقول هي لك ولعقبك فهذا صريح في أنها للموهوب له ولعقبه ثانيها أن يقول هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلي فهذه عارية مؤقتة وهي صحيحة فإذا مات رجعت إلى الذي أعطى وبه قال أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية والأصح عند أكثرهم لا ترجع إلى الواهب واحتجوا بأنه شرط فاسد فيلغى ثالثها أن يقول أعمرتكها ويطلق فحكمها حكم الأول وأنها لا ترجع إلى الواهب عند الجمهور وهو قول الشافعي في الجديد وسيجئ كلام النووي فيه (أيما رجل أعمر) بصيغة المجهول (له) متعلق بأعمر ولا والضمير للرجل (فإنها) أي العمرى (الذي يعطاها الخ) المعنى تكون للمعمر له مملوكة يجري فيها الميراث ولا ترجع إلى الواهب قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه انتهى وقال الترمذي بعد إخراج حديث مالك هذا حديث حسن صحيح وهكذا روى معمر وغير واحد عن الزهري مثل رواية مالك وروى بعضهم عن الزهري ولم يذكر فيه ولعقبه والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا إذا قال هي لك حياتك ولعقبك فإنها لمن أعمرها لا ترجع إلى الأول وإذا لم يقل لعقبك فهي راجعة إلى الأول إذا مات المعمر وهو قول مالك بن أنس والشافعي وروي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرى جائزة لأهلها والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا إذا مات المعمر فهي لورثته وإن لم يجعل لعقبه وهو قول سفيان الثوري وأحمد وإسحاق انتهى (عن صالح عن ابن شهاب بإسناده ومعناه) وهو عند النسائي من هذا الوجه عن ابن شهاب أن أبا سلمة أخبره عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أعمر رجلا عمرى له ولعقبه قال قد أعطيتكها وعقبك ما بقي منكم أحد فإنها لمن أعطيها وإنها لا ترجع إلى صاحبها
[ 340 ]
من أجل أنه أعطاها عطاء وقعت فيه المواريث (وكذلك) أي بذكر لفظ لعقبه (ويزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب) وحديثه عند النسائي (عن ابن شهاب في لفظه) فمرة قال الأوزاعي عنه لفظ ولعقبه ومرة لم يذكره (مثل ذلك) أي مثل حديث مالك بذكر لفظ ولعقبه والله أعلم (إنما العمرى التي أجازها الخ) قال في فتح الودود هذا اجتهاد من جابر بن عبد الله ولعله أخذ من مفهوم حديث (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه) والمفهوم لا يعارض المنطوق ولا حجة في الاجتهاد فلا يخص به الأحاديث المطلقة انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم (لا ترقبوا) بضم التاء وسكون الراء وكسر القاف من الرقبى على وزن العمرى وصورتها أن يقول جعلت لك هذه الدار سكنى فإن مت قبلك فهي لك وإن مت قبلي عادت إلي من المراقبة لأن كلا منهما يراقب موت صاحبه فهذا الحديث نهى عن الرقبى والعمرى وعلله بأن من أرقب على بناء المفعول في الفعلين أي فلا تضيعوا أموالكم ولا تخرجوها من أملاككم بالرقب والعمرى فالنهي بمعنى لا يليق بالمصلحة وإن فعلتم يكون صحيحا وقيل النهي قبل التجويز فهو منسوخ بأدلة الجواز والله تعالى أعلم كذا في فتح الودود وعند مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمري فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه فهذه الرواية تؤيد المعنى الأول (ولا تعمروا من الإعمار (فمن أرقب شيئا أو أعمره) بصيغة المجهول فيهما (فهو أي) فذلك الشئ لورثته قال الطيبي رحمه الله الضمير للمعمر له والفاء في فمن أرقب تسبب للنهي وتعليل له يعني لا ترقبوا ولا تعمروا ظنا منكم واغترارا أن كلا منهما ليس بتمليك للمعمر له فيرجع إليكم بعد موته وليس كذلك فإن من أرقب شيئا أو أعمر فهو لورثة
[ 341 ]
المعمر له فعلى هذا يتحقق إصابة ما ذهب إليه الجمهور في أن العمرى للمعمر له وأنه يملكها ملكا تاما يتصرف فيها بالبيع وغيره من التصرفات وتكون لورثته بعده انتهى قال النووي قال أصحابنا وغيرهم من العلماء العمرى قوله أعمرتك هذه الدار مثلا أو جعلتها لك عمرك أو حياتك أو ما عشت أو حييت أو بقيت أو ما يفيد هذا المعنى وأما عقب الرجل فبكسر القاف هم أولاد الإنسان ما تناسلوا قال أصحابنا العمرى ثلاثة أحوال أحدها أن يقول أعمرتك هذه الدار فإذا مت فهي لورثتك أو لعقبك فتصح بلا خلاف ويملك بهذا اللفظ رقبة الدار وهي هبة فإذا مات فالدار لورثته فإن لم يكن له وارث فلبيت المال ولا تعود إلى الواهب بحال خلافا لمالك الحال الثاني أن يقتصر على قوله جعلتها لك عمرك ولا يتعرض لما سواه ففي صحة هذا العقد قولان للشافعي أصحهما وهو الجديد صحته وله حكم الحال الأول الثالث أن يقول جعلتها لك عمرك فإذا مت عادت إلي أو إلى ورثتي إن كنت مت ففي صحته خلاف عند أصحابنا والأصح عندهم صحته ويكون له حكم الحال الأول واعتمدوا على الأحاديث الصحيحة المطلقة العمرى جائزة وعدلوا به عن قياس الشروط الفاسدة والأصح الصحة في جميع الأحوال وأن الموهوب له يملكها ملكا تاما يتصرف فيها بالبيع وغيره من التصرفات وقال أحمد تصح العمرى المطلقة دون المؤقتة وقال مالك رحمه الله العمرى في جميع الأحوال تمليك لمنافع الدار مثلا ولا يملك فيها رقبة الدار بحال وقال أبو حنيفة رحمه الله بالصحة كنحو مذهب الشافعي وبه قال الثوري والحسن بن صالح وأبو عبيدة وحجة الشافعي وموافقية لم هذه الأحاديث الصحيحة انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي (حديقة) هي البستان يكون عليه الحائط فعيلة بمعنى مفعولة لأن الحائط أحدق بها أي
[ 342 ]
أحاط ثم توسعوا حتى أطلقوا الحديقة على البستان وإن كان بغير حائط (إنما أعطيتها حياتها) أي مدة حياتها (وله إخوة) وفي رواية أحمد فجاء إخوته فقالوا نحن فيه شرع سواء قال فأبى فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقسمها بينهم ميراثا (قال ذلك أبعد لك) أي الرجوع في الصدقة أبعد من الرجوع في الهبة قاله في فتح الودود والحديث دليل على أن العمرى تكون للمعمر له ولعقبه وإن كانت مقيدة بمدة الحياة والحديث سكت عنه المنذري وقال ابن رسلان فشرح السنن ما لفظه هذا الحديث رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح 53 باب في الرقبى على وزن العمرى وهي أن يقول وهبت لك داري فإن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك فعلى من المراقبة لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه كذا في تلخيص النهاية للسيوطي وفي النهاية هو أن يقول الرجل للرجل قد وهبت لك هذه الدار فإن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك وهي فعلى من المراقبة لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه والفقهاء مختلفون فيها منهم من يجعلها تمليكا ومنهم من يجعلها كالعارية انتهى العمرى جائزة لأهلها فيه دليل على أن العمرى والرقبى سواء في الحكم وهو قول الجمهور ومنع الرقبى مالك وأبو حنيفة ومحمد ووافق أبو يوسف الجمهور وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا العمرى والرقبى سواء كذا في الفتح
[ 343 ]
وقال الخطابي قال أبو حنيفة العمرى موروثة والرقبى عارية وعند الشافعي الرقبى موروثة كالعمرى وهو حكم ظاهر الحديث انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن وذكر أن بعضهم رواه موقوفا (عن حجر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء هو ابن القيس الهمداني المدري اليماني (من أعمر) بصيغة المعلوم (فهو) أي فذلك الشئ (لمعمره) بفتح الميم الثاني اسم مفعول من أعمر (محياه ومماته) بفتح الميمين أي مدة حياته وبعد موته (ولا ترقبوا) بضم التاء وسكون الراء وكسر القاف أي لا تجعلوا أموالكم رقبى ولا تضيعوها ولا تخرجوها من أملاككم بالرقبى فالنهي بمعنى أنه لا ينبغي للإنسان أن يفعل نظرا إلى المصلحة وإن فعلتم يكون صحيحا (فمن أرقب شيئا) بصيغة المعروف أي من أمواله (فهو) مبتدأ أي الشئ الذي أرقب (سبيله) خبره أي هو على سبيله وسبيله سبيل الميراث وفي رواية النسائي من حديث النسائي من حديث ابن عباس لا رقبى فمن أرقب شيئا فهو سبيل الميراث وفي لفظ له لا ترقبوا أموالكم فمن أرقب شيئا فهو لمن أرقبه انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي انتهى قال الترمذي في سننه والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الرقبى جائزة مثل العمرى وهو قول أحمد وإسحاق وفرق بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم بين العمرى والرقبى فأجازوا العمرى ولم يجيزوا الرقبى وتفسير الرقبى أن يقول هذا الشئ لك ما عشت فإن مت قبلي فهي راجعة إلي وقال أحمد وإسحاق الرقبى مثل العمرى وهي لمن أعطيها ولا ترجع إلى الأول
[ 344 ]
(هو لك ما عشت) أي مدة عيشك وحياتك (فهو له) أي للرجل المعمر له (للآخر مني ومنك) أي للمتأخر منا موتا والحديث سكت عنه المنذري 54 باب في تضمين العارية (عن الحسن) هو البصري (على اليد ما أخذت) أي يجب على اليد رد ما أخذته قال الطيبي ما موصوله مبتدأ وعلى اليد خبره والراجع محذوف أي ما أخذته اليد ضمان على صاحبها والإسناد إلى اليد على المبالغة لأنها هي المتصرفة (حتى تؤدي) بصيغة الفاعل المؤنث والضمير إلى اليد أي حتى تؤديه إلى مالكه والحديث دليل على أنه يجب على الإنسان رد ما أخذته يده من مال غيره بإعارة أو إجازة أو غيرهما حتى يرده إلى مالكه وبه استدل من قال بأن المستعير ضامن وسيجئ الخلاف في ذلك
[ 345 ]
قال في السبل وكثيرا ما يستدلون بقوله على اليد ما أخذت حق تؤديه على التضمين ولا دلالة فيه صريحا فإن اليد الأمينة أيضا عليها ما أخذت حتى تؤدي انتهى قلت فعلى هذا لم ينس الحسن كما زعم قتادة حين قال هو أمينك الخ والله تعالى أعلم وعلمه أتم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن وهذا يدل على أن الترمذي يصحح سماع الحسن من سمرة وفيه خلاف تقدم وليس في حديث ابن ماجه قصة الحسن (عن أبيه) أي صفوان وهو قرشي من أشراف قريش هرب يوم الفتح فاستأمن له معاذ وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم حنين والطائف كافرا ثم أسلم وحسن إسلامه كذا في السبل (منه) أي من صفوان (أدرعا) جمع درع (أغصب) أي أهو غصب (بل عارية مضمونة) من استدل به على أن العارية مضمونة جعل لفظ مضمونة صفة كاشفة لحقيقة العارية أي أن شأن العارية الضمان ومن قال إن العارية غير مضمونة جعل لفظ مضمونة صفة مخصصة أي أستعيرها منك عارية متصفة بأنها مضمونة لا عارية مطلقة عن الضمان كذا في النيل
[ 346 ]
قال القاضي هذا الحديث دليل على أن العارية مضمونة على المستعير فلو تلفت في يده لزمه الضمان وبه قال ابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهما وإليه ذهب عطاء والشافعي وأحمد وذهب شريح والحسن والنخعي وأبو حنيفة والثوري رضي الله عنهم إلى أنها أمانة في يده لا تضمن إلا بالتعدي وروي ذلك عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما انتهى كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه النسائي (في روايته) أي يزيد بن هارون (بواسط) مدينة بالعراق مشهورة (عارية أم غصبا) أي أتأخذ السلاح عارية أم تأخذه غصبا لا ترده علي (فهل نغرم) من باب سمع (قال أبو داود إلخ) قد وجدت هذه العبارة في بعض النسخ ولم توجد في أكثرها قال المنذري هذا مرسل وأناس مجهولون (فذكر معناه) قال المنذري وفيه أيضا الإرسال والجهالة (الحوطي) بالطاء المهملة
[ 347 ]
منسوب إلى الحوط قرية بحمص قاله السيوطي (قد أعطى كل ذي حق حقه) أي بين حظه ونصيبه الذي فرض له (ولا تنفق المرأة شيئا الخ) سبق الكلام عليه في باب عطية المرأة بغير إذن زوجها (ذلك) أي الطعام (ثم قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (العارية موداة) قال التوربشتي أي تؤدي إلى صاحبها واختلفوا في تأويله على حسب اختلافهم في الضمان فالقائل بالضمان يقول تؤدى عينا حال القيام وقيمة عند التلف وفائدة التأدية عند من يرى خلاف إلزام المستعير مؤنة ردها إلى مالكها (والمنحة) بكسر فسكون ما يمنحه الرجل صاحبه أي يعطيه من ذات در ليشرب لبنها أو شجرة ليأكل ثمرها أو أرضا ليزرعها (مردودة) إعلام بأنها تتضمن تمليك المنفعة لا تمليك الرقبة (والدين مقضي) أي يجب قضاؤه (والزعيم) أي الكفيل والزعامة الكفالة (غارم) أي يلزم نفسه ما ضمنه والغرم أداء شئ يلزمه والمعنى أنه ضامن ومن ضمن دينا لزمه أداؤه قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه مختصرا وقال الترمذي حسن صحيح وذكر الاختلاف في رواية إسماعيل بن عياش (العصفري) منسوب إلى العصفر وهو نبت معروف (أعارية مضمونة أو عارية مؤداة) قال في السبل المضمونة التي تضمن إن تلفت بالقيمة والمؤداة تجب تأديتها مع بقاء عينها فإن تلفت لم تضمن بالقيمة والحديث دليل لمن ذهب أنها لا تضمن العارية إلا بالتضمين وقد تقدم أنه أوضح الأقوال انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 348 ]
55 باب فيمن أفسد شيئا يغرم مثله (كان عند بعض نسائه) هي عائشة (فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين) هي صفية كما في الرواية الآتية قال القسطلاني أو حفصة رواه الدارقطني وابن ماجه أو أم سلمة رواه الطبراني في الأوسط وإسناده أصح من إسناد الدراقطني وساقه بسند صحيح وهو أصح ما ورد في ذلك ويحتمل (بقصعة) بفتح القاف إناء معروف (فضربت) أي بعض نسائه أي عائشة (بيدها) أي يد الخادم والخادم يطلق على الذكر والأنثى (فجعل يجمع فيها) أي في القصعة المكسورة المضمونة إحدى الكسرتين إلى الأخرى (الطعام) أي الذي انتشر منها (غارت أمكم) قال الطيبي الخطاب عام لكل من يسمع بهذه القصة من المؤمنين اعتذارا منه صلى الله عليه وسلم لئلا يحملوا صنيعها على ما يذم بل يجري على عادة الضرائر من الغريزة فإنها مركبة في نفس البشر بحيث لا تقدر أن تدفعها عن نفسها وقيل خطاب لمن حضر من المؤمنين (حتى جاءت قصعتها) أي قصعة بعض نسائه التي كان صلى الله عليه وسلم في بيتها (ثم رجعنا إلى لفظ حديث مسدد) هذا من كلام أبي داود (وحبس الرسول) أي الخادم أي منعه أن يرجع (والقصعة) بالنصب عطف على الرسول قال في السبل والحديث دليل على أن من استهلك على غيره شيئا كان مضمونا بمثله
[ 349 ]
وهو متفق عليه في المثلي من الحبوب وغيرها وأما في القيمي ففيه ثلاثة أقوال الأولى للشافعي والكوفيين أنه يجب فيه المثل حيوانا كان أو غيره ولا تجزي القيمة إلا عند عدمه والثاني أن القيمي يضمن بقيمته وقال مالك والحنفية أما ما يكال أو يوزن فمثله وما عدا ذلك من العروض في الحيوانات فالقيمة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه والتي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها والتي أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم الصحفة هي زينب بنت جحش وقيل أم سلمة وقيل صفية بنت حيي رضوان الله عليهن انتهى كلام المنذري (مثل صفية) أي بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم (فبعثت) أي صفية (به) أي بالطعام (أفكل) بفتح الهمزة وإسكان الفاء وفتح الكاف ثم لام وزنه أفعل والمعنى أخذتني رعدة الأفكل وهي الرعدة من برد أو خوف والمراد هنا أنها لما رأت حسن الطعام غارت وأخذتها مثل الرعدة قاله في النيل (فكسرت) بصيغة المتكلم (إناء مثل إناء الخ) فيه دليل على أن القيمي يضمن بمثله ولا يضمن بالقيمة إلا عند عدم المثل وبه احتج الشافعي والكوفيون وقال القسطلاني استشكل هذا بأنه إنما يحكم في الشئ بمثله إذا كان متشابه الأجزاء كالدراهم وسائر المثليات والقصعة إنما هي من المتقومات والجواب ما حكاه البيهقي بأن القصعتين كانتا للنبي صلى الله عليه وسلم في بيت زوجتيه فعاقب الكاسرة بجعل القصعة المكسورة في بيتها وجعل الصحيحة في بيت صاحبتها ولم يكن ذلك على سبيل الحكم على الخصم انتهى وتعقب بما وقع في رواية لابن أبي حاتم بلفظ من كسر شيئا فهو له وعليه مثله قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده أفلت بن خليفة أبو حسان ويقال فليت العامري قال الإمام أحمد ما أرى به بأسا وقال أبو حاتم الرازي شيخ وقال الخطابي وفي إسناده الحديث مقال
[ 350 ]
56 باب المواشي تفسد زرع قوم (حائط رجل) أي بستانه في النهاية الحائط البستان إذا كان عليه حائط وهو الجدار (على أهل الأموال حفظها) أي حفظ الأموال قال في شرح السنة ذهب أهل العلم إلى أن ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير فلا ضمان على أهلها وما أفسدت بالليل ضمنه مالكها لأن في العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار وأصحاب المواشي بالليل فمن خالف هذه العادة كان خارجا عن رسوم الحفظ هذا إذا لم يكن مالك الدابة معها فإن كان معها فعليه ضمان ما أتلفته سواء كان راكبها أو سائقها أو قائدها أو كانت واقفة وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو فمها وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وذهب أصحاب أبي حنيفة رحمه الله إلى أن المالك إن لم يكن معها فلا ضمان عليه ليلا كان أو نهارا انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي (عن حرام بن محيصة) بتشديد الياء المكسورة وقيل بإسكانها (ضارية) بالتحتية أي معتادة لرعي زرع الناس فكلم بصيغة المجهول من باب التفعيل (وأن على أهل الماشية الخ) أي وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها قال المنذري وأخرجه النسائي هذا آخر كتاب البيوع
[ 351 ]
اول كتاب القضاء بالمد الولاية المعروفة وهو في اللغة مشترك بين إحكام الشئ والفراغ منه ومنه فقضاهن سبع سماوات بمعنى إمضاء الأمر ومنه وقضينا إلى بني إسرائيل وبمعنى الحتم والإلزام ومنه وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وفي الشرع إلزام ذي الولاية بعد الترافع وقيل هو الإكراه بحكم الشرع في الوقائع الخاصة لمعين أو جهة والمراد بالجهة كالحكم لبيت المال أو عليه كذا في السبل وقال الشربيني في الإقناع القضاء بالمد كقباء وهو لغة إمضاء الشئ وإحكامه وشرعا فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى انتهى وقال العيني في رمز الحقائق هو في اللغة الإتقان والإحكام وفي الشرع هو فصل الخصوما ت قاله الشارح والأولى أن يقال هو قول ملزم يصدر عن ولاية عامة انتهى باب في طلب القضاء (من ولي القضاء) على بناء الفاعل بالتخفيف أي تصدى للقضاء وتولاه أو على بناء المفعول بالتشديد وهو المناسب لرواية جعل قاضيا كذا في فتح الودود (فقد ذبح) بصيغة
[ 352 ]
المجهول (بغير سكين) قال ابن الصلاح المراد ذبح من حيث المعنى لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد وبين عذاب الآخرة إن فسد وقال الخطابي ومن تبعه إنما عدل عن الذبح بالسكين ليعلم أن المراد ما يخاف من هلاك دينه دون بدنه وهذا أحد الوجهين والثاني أن الذبح بالسكين فيه إراحة للمذبوح وبغير السكين كالخنق وغيره يكون الألم فيه أكثر فذكر ليكون أبلغ في التحذير قال الحافظ في التلخيص ومن الناس من فتن بحب القضاء فأخرجه عما يتبادر إليه الفهم من سياقه فقال إنما ذبح بغير سكين إشارة إلى الرفق به ولو ذبح بالسكين لكان عليه أشق ولا يخفى فساده انتهى وفي السبل دل الحديث على التحذير من ولاية القضاء والدخول فيه كأنه يقول من تولى القضاء فقد تعرض لذبح نفسه فليحذره وليتوقه فإنه إن حكم بغير الحق مع علمه به أو جهله له فهو في النار والمراد من ذبح نفسه إهلاكها أي فقد أهلكها بتوليه القضاء وإنما قال بغير سكين للإعلام بأنه لم يرد بالذبح قطع الأوداج الذي يكون غالبا بالسكين بل أريد به إهلاك النفس بالعذاب الأخروي انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب من هذا الوجه (من جعل قاضيا) بصيغة المجهول أي من جعله السلطان قاضيا قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث المقبري وحده وأشار النسائي
[ 353 ]
إلى حديثهما وفي إسناده عثمان بن محمد الأخنسي قال النسائي عثمان بن محمد الأخنسي ليس بذاك القوي وإنما ذكرناه لئلا يخرج عثمان من الوسط ويجعل من ابن أبي ذئب عن سعيد انتهى كلام المنذري باب في القاضي يخطئ (السمتي) بالفتح والسكون وفوقية كان له لحية وهيئة ورأي وإنما سمي به لسمته والله أعلم (فجار في الحكم) أي مال عن الحق وظلم عالما به متعمدا له (على جهل) حال من فاعل قضى للناس جاهلا والحديث دليل على أنه لا ينجو من النار من القضاة إلا من عرف الحق وعمل به والعمدة العمل فإن من عرف الحق ولم يعمل فهو ومن حكم بجهل سواء في النار وظاهره أن من حكم بجهل وإن وافق حكمه الحق فإنه في النار لأنه أطلقه وقال فقضى للناس على جهل فإنه يصدق على من وافق الحق وهو جاهل في قضائه أنه قضى على جهل وفيه التحذير من الحكم بجهل أو بخلاف الحق مع معرفته به قال الخطيب الشربيني والقاضي الذي ينفذ حكمه هو الأول والثاني والثالث لا اعتبار بحكمهما انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وابن بريدة هذا هو عبد الله
[ 354 ]
(إذا حكم الحاكم) أي أراد الحكم (فأصاب) أي وقع اجتهاده موافقا لحكم الله (فله أجران) أي أجر الاجتهاد وأجر الإصابة والجملة جزاء الشرط (فله أجر) أي واحد قال الخطابي إنما يؤجر المخطئ على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم فقط وهذا فيمن كان جامعا لآلة الاجتهاد عارفا بالأصول عالما بوجوه القياس فأما من لم يكن محلا للاجتهاد فهو متكلف ولا يعذر بالخطأ بل يخاف عليه الوزر ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار وهذا إنما هو في الفروع المحتملة للوجوه المختلفة دون الأصول التي هي أركان الشريعة وأمهات الأحكام التي لا تحتمل الوجوه ولا مدخل فيها للتأويل فإن من أخطأ فيها كان غير معذور في الخطأ وكان حكمه في ذلك مردودا كذا في المرقاة للقاري وقال في مختصر شرح السنة إنه لا يجوز لغير المجتهد أن يتقلد القضاء ولا يجوز للإمام توليته قال والمجتهد من جمع خمسة علوم علم كتاب الله وعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاويل علماء السلف من إجماعهم واختلافهم وعلم اللغة وعلم القياس وهو طريق استنباط الحكم من الكتاب والسنة إذا لم يجده صريحا في نص كتاب أو سنة أو إجماع فيجب أن يعلم من علم الكتاب الناسخ والمنسوخ والمجمل والمفسر والخاص والعام والمحكم والمتشابه والكراهة والتحريم والإباحة والندب ويعرف من السنة هذه الأشياء ويعرف منها الصحيح والضعيف والمسند والمرسل ويعرف ترتيب السنة على الكتاب وبالعكس حتى إذا وجد حديثا لا يوافق ظاهره الكتاب اهتدى إلى وجه محمله فإن السنة بيان للكتاب فلا يخالفه وإنما تجب معرفة ما ورد منها من أحكام الشرع دون ما عداها من القصص والأخبار والمواعظ وكذا يجب أن يعرف من علم اللغة ما أتى في الكتاب والسنة من أمور الأحكام دون الإحاطة بجميع لغات العرب ويعرف أقاويل الصحابة والتابعين في الأحكام ومعظم فتاوى فقهاء الأمة حتى لا يقع حكمه مخالفا لأقوالهم فيأمن فيه خرق الإجماع فإذا عرف من كل نوع من هذه الأنواع فهو مجتهد وإذا لم يعرفها فسبيله التقليد انتهى قلت في قوله فسبيله التقليد نظر فتأمل
[ 355 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا (حتى يناله) أي إلى أن يدرك القضاء (ثم غلب عدله جوره) أي كان عدله في حكمه أكثر من ظلمه كما يقال غلب على فلان الكرم أي هو أكثر خصاله وظاهره أنه ليس من شرط الأجر الذي هو الجنة أن لا يحصل من القاضي جور أصلا بل المراد أن يكون جوره مغلوبا بعدله فلا يضر صدور الجور المغلوب بالعدل إنما الذي يضر ويوجب النار أن يكون الجور غالبا للعدل قاله القاضي الشوكاني ونقل القاري عن التوربتشي حدثنا أن المراد من الغلبة في كلا الصيغتين أن تمنعه إحداهما عن الأخرى فلا يجور في حكمه يعني في الأول ولا يعدل يعني في الثاني قال القاري وله معنى ثان وهو أن يكون المراد من عدله وجوره صوابه وخطؤه في الحكم بحسب اجتهاده في ما لا يكون فيه نص من كتاب أو سنة أو إجماع كما قالوه في حق المفتي والمدرس ويؤيده حديث إن الله مع القاضي ما لم يحف عمدا انتهى والحديث سكت عنه المنذري (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون إلى قوله الفاسقون) هذه الآيات في سورة المائدة (نزلت في يهود خاصة) قال في فتح الودود يعني ليس معناه أن المسلم بالجور يصير كافرا انتهى قال الشيخ علاء الدين الخازن في تفسيره واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآيات
[ 356 ]
الثلاث وهي قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون فقال جماعة من المفسرين إن الآيات الثلاث نزلت في الكفار ومن غير حكم الله من اليهود لأن المسلم وإن ارتكب كبيرا لا يقال إنه كافر وهذا قول ابن عباس وقتادة والضحاك ويدل على صحة هذا القول ما روي عن البراء بن عازب قال أنزل الله تبارك وتعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون في الكفار كلها أخرجه مسلم وعن ابن عباس قال ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون إلى قوله الفاسقون هذه الآيات الثلاث في اليهود خاصة قريظة والنضير أخرجه أبو داود وقال مجاهد في هذه الآيات الثلاث من ترك الحكم بما أنزل الله ردا لكتاب الله فهو كافر ظالم فاسق وقال عكرمة ومن لم يحكم بما إنزل الله جاحدا به فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق وهذا قول ابن عباس أيضا واختيار الزجاج لأنه قال من زعم أن حكما من أحكام الله تعالى التي أتت بها الأنبياء باطل فهو كافر وقال طاووس قلت لابن عباس أكافر من لم يحكبما أنزل الله فقال به كفر وليس بكفر ينتقل عن الملة كمن كفر بالله وملائكة وكتبه ورسله واليوم الآخر ونحو هذا روي عن عطاء قال هو كفر دون الكفر وقال ابن مسعود والحسن والنخعي هذه الآيات الثلاث عامة في اليهود وفي هذه الأمة فكل من ارتشى وبدل الحكم بغير حكم الله فقد كفر وظلم وفسق وإليه ذهب السدي لأنه ظاهر الخطاب وقيل هذا فيمن علم نص حكم الله ثم رده عيانا عمدا وحكم بغيره وأما من خفي عليه النص أو أخطأ في التأويل فلا يدخل في هذا الوعيد والله أعلم انتهى كلامه وقد أورد في هذا الباب آثارا كثيرة العلامة السيوطي في تفسير الدر المنثور فليرجع إليه قال المنذري في إسناده عبد الرحمن بن أبي الزناد وقد استشهد به البخاري ووثقه الإمام مالك وفيه مقال
[ 357 ]
في طلب القضاء والتسرع إليه (دخل) أي في المدينة (رجلان) كائنان (من أبواب كندة) أبواب جمع باب ويضاف للتخصيص فيقال باب إبراهيم وباب الشامي مثلا وباب فلان وفلان وكندة بكسر الكاف وسكون النون مخلاف كندة باليمن وهم القبيلة كذا في المراصد أي محلة كندة باليمن وكندة هو أبو حي من اليمن قال في المصباح والمخلاف بكسر الميم بلغة اليمن الكورة والجمع المخاليف واستعمل على مخاليف الطائف أي نواحيه وقيل في كل بلد مخلاف أي ناحية والكورة على وزن غرفة الناحية من البلاد والمحلة ويطلق على المدينة أيضا انتهى (وأبو مسعود الأنصاري) هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري صحابي جليل (في حلقة) أي من الناس (فقالا) أي الرجلان (ألا رجل ينفذ) من التنفيذ أي يقضي ويمضي حكمه بيننا (مه) كلمة زجر أي انزجر عنه (إنه) أي الشأن (كان يكره) على البناء للمفعول أي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم (إلى الحكم) أي بين الناس والقضاء فيهم والحديث مرفوع حكما لأن قول أبي مسعود كان يكره إنما هو في زمن النبوة والحديث سكت عنه المنذري (واستعان عليه) أي بالشفعاء كما في رواية (وكل عليه) وفي بعض النسخ وكل إليه أي لم يعنه الله وخلي مع طبعه وما اختاره لنفسه ومعنى الحديث أن من طلب القضاء فأعطيه تركت إعانته عليه من أجل حرصه ويعارض ذلك في الظاهر حديث أبي هريرة المذكور في الباب المتقدم قال الحافظ ويجمع بينهما أنه لا يلزم من كونه لا يعان بسبب طلبه أن لا يحصل منه
[ 358 ]
العدل إذا ولي أو يحمل الطلب هنا على القصد وهناك على التولية انتهى وقيل إن حديث أبي هريرة المذكور محمول على ما إذا لم يوجد غير هذا القاضي الذي طلب القضاء جمعا بينه وبين أحاديث الباب (يسدده) أي يرشده طريق الصواب والعدل ويحمله عليهما قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب وأخرجه من طريقين أحدهما عن بلال بن أبي موسى عن أنس وقال في الثانية عن بلال بن مرداس الفزاري عن خيثمة وهو البصري عن أنس وقال في الرواية الثانية أصح (لن نستعمل أو لا نستعمل) شك من الراوي أي لا نجعل عاملا (من أراده) أي من طلب العمل وسأله فإنه لا يكون حينئذ معانا من عند الله تعالى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بطوله وأخرجه أبو داود في كتاب الحدود بطوله
[ 359 ]
في كراهية الرشوة قال في القاموس الرشوة مثلثة الجعل جمع رشى ورشى ورشاه أعطاء إياها وارتشى أخذها (ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث المدني (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) ولفظ أحم في مسنده من حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم وأخرجه الترمذي أيضا ولفظه قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم وقال حديث أبي هريرة حسن قال القاري أي معطي الرشوة وأخذها وهي الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة قيل الرشوة ما يعطى بطال حق أو حقاق باطل أما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو ليدفع به عن نفسه ظلما فلا بأس به وكذا الآخذ إذا أخذ ليسعى في إصابة صاحب الحق فلا بأس به لكن هذا ينبغي أن يكون في غير القضاة والولاة لأن السعي في إصابة الحق إلى مستحقه ودفع الظالم عن المظلوم واجب عليهم فلا يجوز لهم الأخذ عليه قال القاري كذا ذكره ابن الملك وقوله وكذا الآخذ بظاهره ينافيه حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شفع لأحد شفاعة الحديث انتهى وحديث أبي أمامة هذا تقدم في باب الهدية لقضاء الحاجة وقال في مجمع البحار ومن يعطي توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه روي أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة في شئ فأعطى دينارين حتى خلي سبيله وروي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا لا بأس أن يصانع عن نفسه وماله إذا خاف الظلم انتهى وقال القاضي الشوكاني في النيل والتخصيص لطالب الحق بجواز تسليم الرشوة منه للحاكم لا أدري بأي مخصص والحق التحريم مطلقا أخذا بعموم الحديث ومن زعم الجواز في صورة من الصور فإن جاء بدليل مقبول وإلا كان تخصيصه ردا عليه ثم بسط الكلام فيه قال الإمام ابن تيمية في المنتقى حديث عبد الله بن عمرو أخرجه الخمسة إلا النسائي
[ 360 ]
وصححه الترمذي انتهى قال ابن رسلان في شرح السنن وزاد الترمذي والطبراني بإسناد جيد في الحكم أي في حديث أبي هريرة وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أيضا ابن حبان والطبراني والدارقطني وقواه الدارمي انتهى 5 في هدايا العمال جمع عامل (حدثني عدي بن عميرة) بفتح العين (الكندي) بكسر الكاف (من عمل) بضم فتشديد ميم أي جعل عاملا (فكتمنا منه) أي دس عنا من حاصل عمله (مخيطا) بكسر فسكون أي إبرة (فما فوقه) أي في القلة أو الكثرة أو الصغر ابن أو الكبر قال الطيبي الفاء للتعقيب الذي يفيد الترقي أي فما فوق المخيط في الحقارة نحو قوله تعالى إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها (فهو) أي المخيط وما فوقه (غل) بضم الغين أي طوق من حديد ويحتمل أنه بصيغة الماضي فمعنى غل أي خان يقال غل الرجل غلولا خان وقيل هو خاص بالفئ أي المغنم فالمعنى أن من كتم من عمله بقدر المخيط فقد خان وفي المشكاة فهو غال أي العامل الكاتم غال (فقام رجل من الأنصار) أي خوفا على نفسه من الهلاك (أسود) صفة رجل (أقبل) بفتح الموحدة (عني عملك) أي أقلني منه (قال وما ذلك) إشارة إلى ما في الذهن أي ما الذي حملك على هذا القول (قال سمعتك تقول كذا وكذا وكذا) أي في الوعيد على العمل (وأنا أقول ذلك) أي ما سبق من القول (فما أوتي منه) أعطي من ذلك العمل (وما نهي عنه انتهى) أي وما منع من أخذه امتنع عنه هو تأكيد لما قبله
[ 361 ]
قال الطيبي قوله من استعملناه الخ تكرير للمعنى ومزيد للبيان يعني أنا أقول ذلك ولا أرجع عنه فمن استطاع أن يعمل فليعمل ومن لم يستطع فليترك انتهى قال في النيل والظاهر أن الهدايا التي تهدى للقضاة ونحوهم هي من الرشوة لأن المهدي إذا لم يكن معتادا للإهداء إلى القاضي قبل ولايته لا يهدي إليه إلا لغرض وهو إما التقوي به على باطله أو التوصل لهديته له إلى حقه والكل حرام وقد ذكر صاحب النيل بعد ذلك كلاما حسنا والحديث سكت عنه المنذري وفي المشكاة رواه مسلم وأبو داود واللفظ له 6 كيف القضاء (بعثني) أي أراد بعثي (ترسلني) بتقدير أداة الاستفهام (وأنا حديث السن) أي والحال أني صغير العمر قليل التجارب (ولا علم لي بالقضاء) قال المظهر لم يرد به نفي العلم مطلقا وإنما أراد به أنه لم يجرب سماع المرافعة بين الخصماء وكيفية رفع كلام كل واحد من الخصمين ومكرهما قوله (إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك) قال الطيبي السين في قوله سيهدي كما في قوله تعالى إني ذاهب إلى ربي سيهدين فإن السين فيهما صحب الفعل لتنفيس زمان وقوعه ولا شك أنه رضي الله عنه حين بعثه قاضيا كان عالما بالكتاب والسنة كمعاذ رضي الله عنه وقوله أنا حديث السن اعتذار من استعمال الفكر واجتهاد الرأي من قلة تجاربه ولذلك أجاب بقوله سيهدي قلبك أي يرشدك إلى طريق استنباط المسائل بالكتاب والسنة فيشرح صدرك ويثبت لسانك فلا تقضي إلا بالحق (فلا تقضين) أي للأول من الخصمين فإنه أي ما ذكر من كيفية القضاء (أحرى) أي حري وجدير وحقيق (أن يتبين لك القضاء) أي وجهه (قال) أي علي رضي الله عنه (أو شككت ما في قضاء) شك من الراوي (بعد) أي بعد دعائه وتعليمه صلى الله عليه وسلم
[ 362 ]
والحديث دليل على أنه يحرم على الحاكم أن يحكم قبل سماع حجة كل واحد من الخصمين واستفصال ما لديه والإحاطة بجميعه قال القاضي الشوكاني فإذا قضى قبل السماع من أحد الخصمين كان حكمه باطلا فلا يلزم قبوله بل يتوجه عليه نقضه ويعيده على وجه الصحة أو يعيده حاكم آخر انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي مختصرا وقال حديث حسن 7 في قضاء القاضي إذا أخطأ (إنما أنا بشر) قال الحافظ المراد أنه مشارك للبشر في أصل الخلقة ولو زاد عليهم بالمزايا التي اختص بها في ذاته وصفاته والحصر هنا مجازي لأنه يختص بالعلم الباطن ويسمى قصر قلب لأنه أتى به ردا على من زعم أن من كان رسولا فإنه يعلم كل غيب حتى لا يخفى عليه المظلوم انتهى (وإنكم تختصمون إلي) أي ترفعون المخاصمة إلي (أن يكون) قال الطيبي زيد لفظة أن في خبر لعل تشبيها له بعسى (ألحن بحجته) أفعل تفضيل من لحن بمعنى فطن ووزنه أي أفطن بها قال في النيل ويجوز أن يكون معناه أفصح تعبيرا عنها وأظهر احتجاجا حتى يخيل أنه محق وهو في الحقيقة مبطل والأظهر أن معناه أبلغ كما وقع في رواية في الصحيحين أي أحسن إيرادا للكلام (من حق أخيه) أي من المال وغيره (فإنما أقطع له قطعة من النار) بكسر القاف أي طائفة أي إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه دخل النار قال الخطابي فيه من الفقه وجوب الحكم بالظاهر وأن حكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا وأنه متى أخطأ في حكمه فقضى كان ذلك في الظاهر فأما في الباطن وفي حكم الآخرة فإنه غير ماض انتهى قال النووي في شرح مسلم في هذا الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الإسلام وفقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن
[ 363 ]
بعدهم أن حكم الحاكم لا يحل الباطن ولا يحل حراما فإذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال فحكم به الحاكم لم يحل للمحكوم له ذلك ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما ولا أخذ الدية منه ولو شهدا أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق وقال أبو حنيفة يحل حكم الحاكم الفروج دون الأموال فقد يحل نكاح المذكورة وهذا مخالف للحديث الصحيح ولإجماع من قبله انتهى وقال في معالم السنن قال أبو حنيفة إذا ادعت المرأة على زوجها الطلاق وشهد لها شاهدان به فقضى الحاكم بالتفرقة بينهما وقعت الفرقة فيما بينهما وبين الله عزوجل وإن كانا شاهدي زور وجاز لكل واحد من الشاهدين أن ينكحها وخالفه أصحابه في ذلك انتهى وقال في السبل والحديث دليل على أن حكم الحاكم لا يحل به للمحكوم له ما حكم له به على غيره إذا كان ما ادعاه باطلا في نفس الأمر وما أقامه من الشهادة الكاذبة وأما الحاكم فيجوز له الحكم بما ظهر له والإلزام به وتخليص المحكوم عليه لما حكم به لو امتنع وينفذ حكمه ظاهرا ولكنه لا يحل به الحرام إذا كان المدعي مبطلا وشهادته كاذبة وإلى هذا ذهب الجمهور وخالف أبو حنيفة فقال إنه ينفد ظاهرا وباطنا وإنه لو حكم الحاكم بشهادة زور أن هذه المرأة زوجة فلان حلت له واستدل بآثار لا يقوم بها دليل وبقياس لا يقوى على مقاومة النص انتهى قلت ولذلك خالفه أصحابه ووافقوا (الجمهور) قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (أبو توبة) كنية الربيع (في مواريث لهما) جمع موروث أي تداعيا في أمتعة فقال أحدهما هذه لي ورثتها من مورثي وقال الآخر كذلك قاله القاري (إلا دعواهما) إلا هنا بمعنى غير أو الاستثناء منقطع (فذكر مثله أي مثل الحديث السابق ولفظ المشكاة فقال من قضيت له بشئ من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار (وقال كل واحد منهما حقي لك) وفي المشكاة فقال الرجلان كل واحد منهما يارسول الله حقي هذا لصاحبي (فاقتسما) أي
[ 364 ]
نصفين على سبيل الاشتراك (وتوخيا) بفتح الواو وبتشديد الخاء المعجمة أي اطلبا (الحق) أي العدل في القسمة واجعلا المتنازع فيه نصفين (ثم استهما) أي اقترعا لتعيين الحصتين إن وقع التنازع بينكما ليظهر أي القسمين وقع في نصيب كل منهما وليأخذ كل واحد منكما ما تخرجه القرعة من القسمة قاله القاري وقال السيوطي توخيا الحق أي اقصدا الحق فيما تصنعانه من القسمة وقوله ثم استهما قال الخطابي معناه اقترعا زاد في النهاية يعني ليظهر سهم كل واحد منكما انتهى (ثم تحالا) بتشديد اللام أي ليجعل كل واحد منكما صاحبه في حل من قبله بإبراء ذمته ولفظ المشكاة ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه قال الخطابي وفيه دليل على أن الصلح لا يصح إلا في الشئ المعلوم ولذلك له أمرهما بالتوخي في مقدار الحق ثم لم يقنع عليه السلام بالتوخي حتى ضم إليه القرعة وذلك أن التوخي إنما هو أكثر الرأي وغالب الظن والقرعة نوع من البينة فهي أقوى من التوخي ثم أمرهما عليه السلام بعد ذلك بالتحليل ليكون افتراقهما عن تعين براءة وطيب نفس ورضى وفيه دليل على أن التحليل إنما يصح فيما كان معلوم المقدار غير مجهول الكمية وقد جمع هذا الحديث ذكر القسمة والتحليل والقسمة لا تكون إلا في الأعيان والتحليل لا يصح إلا فيما يقع في الذمم دون الأعيان فوجب أن يصرف معنى التحليل إلى ما كان من خراج وغلة حصلت لأحدهما على العين التي وقعت فيه القسمة انتهى وقال القاري في المرقاة إن هذا من طريق الورع والتقوى لا من باب الحكومة والفتوى وإن البراءة المجهولة عند الحنفية تصح فهو محمول على سلوك سبيل الاحتياط والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري (وأشياء قد درست) في القاموس درس الرسم دروسا عفا ودرسته الريح لازم متعد والثوب أخلقه فدرس هو لازم متعد انتهى وفي المصباح درس المنزل درسا من باب قد عفا وخفيت آثاره ودرس الكتاب عتق انتهى (برأيي) هذا مما استدل به أهل الأصول على جواز
[ 365 ]
العمل بالقياس وأنه حجة وكذا استدلوا بحديث بعث معاذ المعروف قاله في النيل والحديث سكت عنه المنذري (لأن الله كان يريه) إشارة إلى قوله تعالى لتحكم بين الناس بما أرا ك الله (وإنما هو) أي الرأي (والتكلف) أي المشقة في استخراج ذلك الظن قاله في فتح الودود قال ابن القيم في أعلام الموقعين مراد عمر رضي الله عنه قوله تعالى إنا إنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله فلم يكن له رأي غير ما أراه الله إياه وأما ما رأى غيره فظن وتكلف انتهى قال المنذري وهذا منقطع الزهري لم يدرك عمر رضي الله عنه (حدثنا أحمد بن عبدة الضبي الخ) هذه العبارة وقعت ها هنا في بعض النسخ دون بعض ولا يظهر لي وجه إدخالها في هذا المقام والله تعالى أعلم (قال أخبرني أبو عثمان الشامي) أسمه حريز بن عثمان (ولا إخالني) بكسر الهمزة أي لا أظنه قال في القاموس خال الشئ ظنه وتقول في مستقبله إخال بكسر الهمزة وتفتح في لغة انتهى وقائل لا إخالني هو معاذ بن معاذ (أفضل منه) أي من عثمان (يعني حريز بن عثمان) تفسير للضمير المجرور في منه
[ 366 ]
8 باب كيف يجلس الخصمان بين يدي القاضي (قضى) أي حكم وقال ابن الملك تبعا للطيبي أي أوجب (أن الخصمين يقعدان) ضبط بصيغة المجهول والمعلوم (بين يدي الحكم) بفتحتين أي الحاكم وفي بعض النسخ الحاكم أي قدامه والحديث دليل على شرعية قعود الخصمين بين يدي الحاكم ويسوى بينهما في المجلس ما لم يكن أحدهما غير مسلم فإنه يرفع المسلم كما في قصة علي عليه السلام مع غريمه الذمي عند شريح كذا في السبل وقصة علي رضي الله عنه مع غريمة الذمي مذكورة فيه إن شئت الوقوف عليها فعليك به قال المنذري في إسناده مصعب بن ثابت أبو عبد الله المدني ولا يحتج بحديثه 9 باب القاضي يقضي وهو غضبان (أنه كتب إلى ابنه) وكذا وقع في رواية للبخاري قال الحافظ في الفتح كذا وقع ها هنا غير مسمى ووقع في أطراف المزي إلى ابنه عبيد الله وقد سمي في رواية مسلم انتهى وكان ابنه عبيد الله قاضيا بسجستان كما في رواية مسلم (لا يقضي) أي لا يحكم (الحكم) بفتحتين قال الحافظ هو الحاكم وقد يطلق على القيم بما يسند إليه انتهى وفي بعض النسخ الحاكم (وهو غضبان) بلا تنوين أي والحال أن ذلك الحكم في حال الغضب لأنه لا يقدر على الاجتهاد والفكر في مسألتهما
[ 367 ]
قال الخطابي في المعالم الغضب بغير العقل ويحيل الطباع عن الاعتدال ولذلك أمر عليه السلام الحاكم بالتوقف في الحكم ما دام به الغضب فقياس ما كان في معناه من جوع مفرط وفزع مدهش أو مرض موجع قياس الغضب في المنع من الحكم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه باب الحكم بين أهل الذمة فإن جاءوك أي لتحكم بينهم فاحكم بينهم أو أعرض عنهم في تفسير الجلالين هذا لتخيير منسوخ بقوله وأن احكم بينهم الآية فيجب الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا وهو أصح قولي الشافعي رحمه الله ولو ترافعوا إلينا مع مسلم وجب إجماعا (فنسخت) بصيغة المجهول (قال) أي الله تعالى (فاحكم بينهم) أي بين أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك (بما أنزل الله) أي إليك وبعده ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق والحاصل أن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية قال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال (لما نزلت هذه الآية فإن جاءوك) اية بتمامها هكذا فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله
[ 368 ]
يحب المقسطين (فسوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم) أي بين بني النضير وبني قريظة لقوله تعالى وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط أي بالعدل قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده محمد بن إسحاق بن يسار 11 باب اجتهاد الرأي في القضاء (لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن) أي واليا وقاضيا (أجتهد برأيي) وفي بعض النسخ رأيي بحذف الباء قال الراغب الجهد والجهد الطاقة والمشقة والاجتهاد أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة يقال جهدت رأيي واجتهدت أتعبته بالفكر انتهى قال في المجمع وفي حديث معاذ أجتهد رأيي الاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر بالقياس على كتاب أو سنة انتهى
[ 369 ]
قال الخطابي في المعالم يريد الاجتهاد في رد القضية من طريق القياس إلى معنى الكتاب والسنة ولم يرد الرأي الذي يسنح له من قبل نفسه أو يخطر بباله من غير أصل من كتاب أو سنة وفي هذا إثبات القياس وإيجاب الحكم به انتهى (ولا آلو) بمد الهمزة متكلم من آلى يألو قال الخطابي معناه لا أقصر في الاجتهاد ولا أترك بلوغ الوسع فيه (فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره) أي صدر معاذ رضي الله عنه والظاهر أن يكون صدري ففيه التفات ويحتمل أن يكون قائله الراوي عن معاذ نقلا عنه وهذا الحديث أورده الجوزقاني في الموضوعات وقال هذا حديث باطل رواه جماعة عن شعبة وقد تصفحت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار وسألت من لقيته من أهل العلم بالنقل عنه فلم أجد له طريقا غير هذا والحارث بن عمرو هذا مجهول وأصحاب معاذ من أهل حمص لا يعرفون ومثل هذا الإسناد لا يعتمد عليه في أصل من أصول الشريعة فإن قيل إن الفقهاء قاطبة أوردوه في كتبهم واعتمدوا عليه قيل هذا طريقه والخلف قلد فيه السلف فإن أظهروا طريقا غير هذا مما يثبت عند أهل النقل رجعنا إلى قولهم وهذا مما لا يمكنهم البتة انتهى والحديث أخرجه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل وقال الحافظ جمال الدين المزي الحارث بن عمرو لا يعرف إلا بهذا الحديث قال البخاري لا يصح حديثه ولا يعرف وقال الذهبي في الميزان تفرد به أبو عون محمد بن عبد الله الثقفي عن الحارث وما روى عن الحارث غير أبي عون فهو مجهول قلت لكن الحديث له شواهد موقوفة عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وقد أخرجها البيهقي في سننه عقب تخريجه لهذا الحديث تقوية له كذا في مرقاة الصعود قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل وقال البخاري في التاريخ الكبير الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة الثقفي عن أصحاب معاذ عن معاذ روى عنه أبو عون ولا يصح ولا يعرف إلا
[ 370 ]
بهذا مرسل (لما بعثه إلى اليمن) قال الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين عن رب العالمين وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم معاذ على اجتهاد رأيه فيما لم يجد فيه نصا عن الله ورسوله فقال شعبة حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو عن أناس من أصحاب معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال كيف تصنع إن عرض لك قضاء قال أقضي بما في كتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أجتهد رأيي لا آلو قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدري ثم قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك لأنه يدل على شهرة الحديث وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث وقد قال بعض أئمة الحديث إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به قال أبو بكر الخطيب وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا وصية لوارث وقوله في البحر هو ذلك الطهور ماؤه والحل ميتته وقوله إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع وقوله الدية على العاقلة وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد ولكن لما نقلها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له انتهى كلامه وقد جوز النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحاكم أن يجتهد رأيه وجعل له على خطئه في اجتهاد الرأي أجرا واحدا إذا كان قصده معرفة الحق واتباعه وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسل يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الأحكام على بعض ويعتبرون النظير بنظيره قال أسد بن موسى حدثنا شعبة عن زبيد اليمامي عن طلحة بن مصرف عن مرة الطيب عن
[ 371 ]
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة كل قوم على بينة من أمرهم ومصلح من أنفسهم يزرون على من سواهم ويعرف الحق بالمقايسة عند ذوي الألباب وقد رواه الخطيب وغيره مرفوعا ورفعه غير صحيح وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كثير من الأحكام ولم يعنفهم كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق وقال لم يرد منا التأخير وإنما أراد سرعة النهوض فنظروا إلى المعنى واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلا نظروا إلى اللفظ وهؤلاء سلف أهل الظاهر وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس ولما كان علي رضي الله عنه باليمن أتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام فقال كل منهم هو ابني فأقرع علي بينهم فجعل الولد للقارع وجعل عليه للرجلين ثلثي الدية فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء علي رضي الله عنه واجتهد سعد بن معاذ في بني قريظة وحكم فيهم باجتهاده فصوبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات واجتهد الصحابيان اللذان خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فصليا ثم وجد الماء في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر فصوبهما وقال للذي لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للآخر لك الأجر مرتين ولما قاس مجزز المدلجي وقاف وحكم بقياسه وقيافته على أن أقدام زيد وأسامة ابنه بعضها من بعض سر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى برقت أسارير وجهه من صحة هذا القياس وموافقته للحق وكان زيد أبيض وابنه أسامة أسود فألحق هذا القائف الفرع بنظيره وأصله وألغى وصف السواد والبياض الذي لا تأثير له في الحكم وقد تقدم قول الصديق رضي الله عنه في الكلالة أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان أراه ما خلا الوالد والولد فلما استخلف عمر قال إني لأستحيي من الله أن أزداد شيئا قاله أبو بكر وقال الشعبي عن شريح قال قال لي عمر اقض بما استبان لك من كتاب الله فإن لم تعلم كل كتاب الله فاقض بما استبان لك من قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن لم تعلم قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة
[ 372 ]
المهتدين فاجتهد رأيك واستشر أهل العلم والصلاح وقد اجتهد ابن مسعود في المفوضة وقال أقول فيها برأيي ووفقه الله للصواب وقال سفيان بن عبد الرحمن الأصبهاني عن عكرمة قال أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين فقال للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي وللأب بقية المال فقال تجده في كتاب الله أو تقوله برأيك قال أقوله برأيي ولا أفضل أما على أب وقايس علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وزيد بن ثابت في المكاتب وقايسه في الجد والإخوة وقاس ابن عباس الأضراس بالأصابع وقال عقلها سواء اعتبروها بها قال المزني الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا وهلم جرا استعلموا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم قال وأجمعوا بأن نظير الحق حق ونظير الباطل باطل فلا يجوز لأحد إنكار القياس لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها انتهى والله أعلم 12 باب في الصلح قد قسم العلماء الصلح أقساما صلح المسلم مع الكافر والصلح بين الزوجين والصلح بين الفئة الباغية والعادلة والصلح بين المتغاصبين محمد والصلح في الخراج كالعقد على مال والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت في الأملاك والحقوق وهذا القسم هو المراد هنا وهو الذي يذكره الفقهاء في باب الصلح كذا في السبل (شك الشيخ) وفي نسخة الخطابي شك من أبي داود (الصلح جائز) قال في النيل ظاهر هذا العبارة العموم فيشمل كل صلح إلا ما استثني ومن ادعى عدم جواز صلح زائد على
[ 373 ]
ما استثناه الشارع في هذا الحديث فعليه الدليل وإلى العموم ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والجمهور وقال الشافعي وغيره إنه لا يصح الصلح عن إنكار واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ويجاب بأن الرضا بالصلح مشعر بطيبة النفس انتهى محصلا (بين المسلمين) هذا خرج مخرج الغالب لأن الصلح جائز بين الكفار وبين المسلم والكافر ووجه التخصيص أن المخاطب بالأحكام في الغالب هم المسلمون لأنهم المنقادون لها (حرم حلالا) كمصالحة الزوجة للزوج على أن لا يطلقها أو لا يتزوج عليها (أو أحل حراما كالمصالحة على وطئ أمة لا يحل له وطؤها أو أكل مال لا يحل له أكله أو نحو ذلك) (المسلمون على شروطهم) أي ثابتون عليها لا يرجعون عنها قال الخطابي هذا في الشروط الجائزة في حق الدين دون الشروط الفاسدة وهو من باب ما أمر الله تعالى من الوفاء بالعقود قال المنذري في إسناده كثير بن زيد أبو محمد الأسلمي مولاهم المدني قال ابن معين ثقة وقال مرة ليس بشئ وقال مرة ليس بذاك القوي وتكلم فيه غير واحد قال المنذري في إسناده كثير بن زيد أبو محمد الأسلمي مولاهم المدني قال ابن معين ثقة وقال مرة ليس بشئ وقال مرة ليس بذاك القوي وتكلم فيه غير واحد (أنه تقاضى ابن أبي حدرد) بفتح الحاء وسكون الدال وفتح الراء آخره دال (دينا كان له)
[ 374 ]
أي لكعب (عليه) أي علي بن أبي حدرد (سجف حجرته) بكسر السين المهملة وفتحها وسكون الجيم وهو الستر وقيل الرقيق منه يكون في مقدم البيت ولا يسمى سجفا إلا أن يكون مشقوق الوسط كالمصراعين (أوضع) أمر من الوضع (الشطر) أي النصف والمراد بهذا الأمر الواقع منه صلى الله عليه وسلم الإرشاد إلى الصلح والشفاعة في ترك بعض الدين (قد فعلت) أي قد وضعت عنه نصف الدين قال في النيل يحتمل أن يكون نزاعهما في مقدار الدين كأن يدعي صاحب الدين مقدارا زائدا على ما يقر به المديون فأمره صلى الله عليه وسلم أن يضع الشطر من المقدار الذي ادعاه فيكون الصلح حينئذ عن إنكاويدل الحديث على جوازه ويحتمل أن يكون النزاع بينهما في التقاضي باعتبار حلوالأجل وعدمه مع الاتفاق على مقدار أصل الدين فلا يكون في الحديث دليل على جواز الصلح عن إنكار وقد ذهب إلى بطلان الصلح عن إنكار الشافعي ومالك وأبو حنيفة انتهى (قم فاقضه) قيل هذا أمر على جهة الوجوب لأن رب الدين لما طاوع بوضة الشطر تعين على المديون أن يعجل إليه دينه لئلا يجمع على رب المال بين الوضيعة والمطل قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه تم بحمد الله الجزء التاسع ويليه الجزء العاشر واوله (باب في الشهادات)