عون المعبود
العظيم آبادي ج 8
[ 1 ]
عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية محتوى الجزء الثامن ؟ تتمة كتاب الضحايا - كتاب الصيد - كتاب الوصايا كتاب الفرائض - كتاب الخراج والفئ والامارة - كتاب الجنائز .
[ 2 ]
الطبعة الثانية 1415 ه . 1995 دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 3 ]
271 في الشاة يضحي بها عن جماعة (نزل من منبره) فيه ثبوت وجود المنبر في المصلي وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب عليه (هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) قال في فتح الودود استدل به من يقول الشاة الواحدة إذا ضحى بها واحد من أهل بيت تأدى الشعار والسنة بجميعهم وعلى هذا يكون التضحية سنة كفاية لأهل بيت وهو محمل الحديث ومن لا يقول به يحمل الحديث على الاشتراك في الثواب قيل وهو الأوجه في الحديث عند الكل انتهى قلت المذهب الحق هو أن الشاة تجزئ عن أهل البيت لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو أيوب الأنصاري كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصار كما ترى رواه ابن ماجه والترمذي وصححه وأخرج ابن ماجه من طريق الشعبي عن أبي سريحة قال حملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت من السنة كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والان يبخلنا جيراننا قال السندي إسناده صحيح ورجاله موثقون ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم اللهم تقبل من محمد وآل محمد الحديث في رواية عائشة وقد مر في باب ما يستحب من الضحايا وأخرج الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد عن عبد الله بن هشام قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله وعند ابن أبي شيبة وأبي يعلى الموصلي عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين فقال عند الأول
[ 4 ]
عن محمد وآل محمد وعند الثاني عمن آمن بي وصدقني من أمتي وعند ابن أبي شيبة من حديث أنس قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين قرب أحدهما فقال بسم الله اللهم منك ولك هذا من محمد وأهل بيته وقرب الآخر فقال بسم الله اللهم منك ولك هذا عمن وحدك من أمتي وقد أورد أحاديث الباب بأسرها الحافظ جمال الدين الزيلعي في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية قال الترمذي في باب الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق واحتجا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بكبش فقال هذا عمن لم يضح من أمتي انتهى وقال الحافظ الخطابي في المعالم قوله من محمد وآل محمد ومن أمة محمد فيه دليل على أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهله وإن كثروا وروى عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا يفعلان ذلك وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وكره ذلك أبو حنيفة والثوري رحمهما الله تعالى انتهى وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي رضي الله عنه أنه كان يضحي بالضحية الواحدة عن جماعة أهله انتهى وأورد الزيلعي أحاديث إجزاء الشاة الواحدة ثم قال ويشكل على المذهب في منعهم الشاة لأكثر من واحد بالأحاديث المتقدمة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش عنه وعن أمته وأخرج الحاكم عن عبد الله بن هشام قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله وقال صحيح الإسناد وهو خلاف من يقول إنها لا تجزئ إلا عن الواحد انتهى ومذهب ليث بن سعد أيضا بجوازه كما حكاه عنه العيني في شرح الهداية وقال الإمام ابن القيم في زاد المعاد وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم كما قال عطاء بن يسار عن أبي أيوب الأنصاري وقال الترمذي حديث حسن صحيح انتهى مختصرا وأخرج أحمد في مسنده حدثنا إبراهيم بن أبي العباس حدثنا بقية قال حدثني عثمان بن زفر الجهني حدثني أبو الأشد السلمي عن أبيه عن جده قال كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأمرنا نجمع لكل رجل منا درهما فاشترينا أضحية بسبع الدراهم فقلنا يا رسول الله لقد أغلينا بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفضل
[ 5 ]
الضحايا أغلاها وأسمنها وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رجل برجل ورجل برجل ورجل بيد ورجل بيد ورجل بقرن ورجل بقرن وذبحها السابع وكبرنا عليها جميعا قال ابن القيم في آخر أعلام الموقعين بعد إيراد الحديث المذكور نزل هؤلاء النفر منزلة أهل البيت الواحد في إجزاء الشاة عنهم لأنهم كانوا رفقة واحدة انتهى وقال الحافظ في الفتح في باب الأضحية للمسافر والنساء واستدل به الجمهور على أن ضحية تجزئ عنه وعن أهل بيته وخالف في ذلك الحنفية وادعى الطحاوي أنه مخصوص أو منسوخ ولم يأت لذلك بدليل قال القرطبي لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل واحدة من نسائه بأضحية مع تكرار سن الضحايا ومع تعددهن والعادة تقضي بنقل ذلك لو وقع كما نقل غير ذلك من الجزئيات ويؤيده ما أخرجه مالك وابن ماجه والترمذي وصححه من طريق عطاء ابن يسار سألت أبا أيوب فذكر الحديث انتهى وقال الشوكاني في السيل الجرار والحق أنها تجزئ عن أهل البيت وإن كانوا مائة نفس انتهى وهكذا في النيل والدراري المضية كلاهما للشوكاني وكذا في سبل السلام وغير ذلك من كتب المحدثين والحاصل أن الشاة الواحدة تجزئ في الأضحية دون الهدى عن الرجل وعن أهله وإن كثروا كما تدل عليه رواية عائشة أم المؤمنين عند مسلم وأبي داود ورواية جابر عند الدارمي وأصحاب السنن ورواية أبي أيوب الأنصاري عند مالك والترمذي وابن ماجه ورواية عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عند الحاكم في المستدرك ورواية أبي طلحة وأنس عند ابن أبي شيبة ورواية أبي رافع وجد أبي الأشد عند أحمد ورواية غير ذلك من الصحابة وما زعمه الطحاوي أن هذا الحديث منسوخ أو مخصوص به صلى الله عليه وسلم فغلطه العلماء في ذلك كما ذكره النووي فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى بل روى عن علي وأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهم كانوا يفعلون ذلك كما ذكره الخطابي وغيره وأجازه الأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من الأئمة ومتمسك من قال إن الشاة الواحدة في الأضحية لا تجزئ عن جماعة القياس على الهدى وهو فاسد الاعتبار لأنه قياس في مقابل النص والضحية غير الهدى ولهما حكمان مختلفان فلا يقاس أحدهما على الآخر لأن النص ورد على التفرقة فوجب تقديمه على القياس فالصواب جوازه والحق مع هؤلاء الأئمة المذكورين رضي الله تعالى عنهم انتهى مختصرا من غاية المقصود قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب من هذا الوجه
[ 6 ]
وقال المطلب بن عبد الله بن حنطب يقال إنه لم يسمع من جابر هذا آخر كلامه وقال أبو حاتم الرازي يشبه أن يكون أدركه 272 الإمام يذبح بالمصلى (يذبح أضحيته بالمصلى) فيه استحباب أن يكون الذبح والنحر بالمصلى وهو الجنابة والحكمة في ذلك أن يكون بمرأى من الفقراء فيصيبون من لحم الأضحية ذكره في النيل قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال هو سنة للإمام خاصة عند مالك قال مالك فيما رواه ابن وهب إنما يفعل ذلك لئلا يذبح أحد قبله زاد المهلب وليذبحوا بعده على يقين وليتعلموا منه صفة الذبح انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه بنحوه 273 حبس لحوم الأضاحي (دف ناس) بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء أي جاءوا قال أهل اللغة الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا ودافة الأعراب من يريد منهم المصر والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة قاله في النيل وقال السندي أي أقبلوا من البادية والدف سير سريع وتقارب في الخطى انتهى (حضرة الأضحى) بفتح الحاء وضمها وكسرها والضاد ساكنة فيها كلها وحكى فتحها وهو ضعيف وإنما تفتح إذا حذفت الهاء فيقال بحضر فلان كذا قال النووي (ادخروا) أمر من باب الافتعال أصله إذ دخروا فأدغمت الذال في الدال (يحملون منها
[ 7 ]
الودك) بالجيم أي يذيبون الشحم ويستخرجون منه الودك قاله في مرقاة الصعود والودك الشحم المذاب وقال في النيل قوله يجملون بفتح الياء وسكون الجيم مع كسر الميم وضمها ويقال بضم الياء مع كسر الميم يقال جملت الدهن وأجملته أي أذبته (بعد ثلاث) أي بعد ثلاث ليال (إنما نهيتكم) أي عن الادخار بعد ثلاث ليال (من أجل الدافة التي دفت عليكم) أي من أجل الجماعة التي جاءت (وادخروا) أي اتخذوا لحومها ذخيرة ما شئتم لثلاث أو فوقها أو دونها وفيه تصريح بالنسخ لتحريم أكل لحوم الأضاحي بعد الثلاث وادخارها وإليه ذهب الجماهير من علماء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وحكى النووي عن علي رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا يحرم امساك للحوم الأضاحي بعد ثلاث وإن حكم التحريم باق وحكاه الحازمي في الاعتبار عن علي رضي الله عنه أيضا والزبير وعبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر ولعلهم لم يعلموا بالناسخ ومن علم حجة على من لم يعلم قاله في النيل قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (عن نبيشة) بالتصغير ابن عبد الله الهذلي صحابي قليل الحديث كذا في التقريب (لكي تسعكم) من الوسع أي ليصيب لحومها كلكم من ضحى ومن لم يضح (وأتجروا) من الأجر من باب الافتعال أي اطلبوا الأجر بالصدقة وفي بعض النسخ واتجروا وكان أصله ائتجروا ثم أدغم كما في اتخذ قال الخطابي وليس من التجارة لأن البيع في الضحايا فاسد إنما يؤكل ويتصدق منها انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي بتمامه وأخرجه ابن ماجه مقتصرا منه على الإذن في الادخار فوق ثلاث وخرج مسلم الفصل الثاني في الأكل والشرب والذكر انتهى كلام المنذري
[ 8 ]
274 في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة (كتب الإحسان على كل شئ) على بمعنى في أي أمركم به في كل شئ (فإذا قتلتم) أي قودا أو حدا لغير قاطع طريق وزان محصن لإفادة نص آخر بالتشديد فيهما قاله العزيزي (فأحسنوا القتلة) بكسر القاف أي هيئة القتل والإحسان فيها اختيار أسهل الطرق وأقلها إيلاما (وإذا ذبحتم) أي بهيمة تحل (فأحسنوا الذبح) بفتح الذال بغير هاء ا لذبح بالرفق بها فلا يصرعها بعنف ولا يجرها للذبح بعنف ولا يذبحها بحضرة أخرى (وليحد) بضم أوله من أحد (أحدكم) أي كل ذابح (شفرته) بفتح الشين وسكون الفاء أي سكينه أي ليجعلها حادة ويستحب أن لا يحد بحضرة الذبيحة (وليرح ذبيحته) بضم الياء من أراح إذا حصلت راحة وإراحتها تحصل بسقيها وإمرار السكين عليها بقوة ليسرع موتها فتستريح من ألمه وقال ابن الملك أي ليتركها حتى تستريح وتبرد وهذان الفعلان كالبيان للإحسان في الذبح قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فتيانا) جمع فتى (أو غلمانا) شك من الراوي وهو جمع غلام (أن تصبر) بصيغة المجهول أي تحبس لترمي حتى تموت قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه
[ 9 ]
275 في المسافر يضحي (أصلح لنا لحم هذه الشاة الخ) قال النووي فيه أن الضحية مشروعة للمسافر كما هي مشروعة للمقيم وهذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء وقال النخعي وأبو حنيفة لا ضحية على المسافر وروى هذا عن علي وقال مالك وجماعة لا تشرع للمسافر بمنى ومكة انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي 276 في ذبائح أهل الكتاب (واستثنى) أي الله تعالى (من ذلك) أي من قوله فكلوا مما ذكر اسم الله عليه الآية (فقال) أي الله تعالى في سورة المائدة طعام الذين أوتوا الكتاب أي ذبائح اليهود والنصارى (حل لكم) أي حلال لكم أخرج ابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم قال ذبيحتهم وأخرج ابن جرير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا وعند عبد الرزاق وابن جرير عن عمر بن الخطاب قال المسلم يتزوج النصرانية ولا يتزوج النصراني المسلمة وعند عبد بن حميد عن قتادة قال أحل الله لنا محصنتين محصنة مؤمنة ومحصنة من أهل الكتاب نساؤنا عليهم حرام ونساؤهم لنا حلال وعند ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال أحل لنا طعامهم
[ 10 ]
فلا ونساؤهم وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال إنما أحلت ذبائح اليهود والنصارى من أجل أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل كذا في الدر المنثور قال العيني في شرح البخاري هذه الآية في معرض الاستدلال على جواز أكل ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى من أهل الحرب وغيرهم لأن المراد من قوله تعالى طعام الذين أوتوا الكتاب ذبائحهم وبه قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وإبراهيم النخعي والسدى ومقاتل بن حيان وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين لأنهم لا يعتقدون الذبائح لغير الله تعالى ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله وإن اعتقدوا فيه ما هو منزه عنه ولا يباح ذبائح من عداهم من أهل الشرك لأنهم لا يذكرون اسم الله تعالى على ذبائحهم انتهى قال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال (وإن الشياطين ليوحون) أي يوسوسون (إلى أوليائهم) أي الكفار وبعده (ليجادلوكم) أي في تحليل الميتة وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون (يقولون ما ذبح الله) أي ما قتله الله تعالى وأماته وهذا تفسير إيحاء الشياطين وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي زميل قال كنت قاعدا عند ابن عباس وحج المختار بن أبي عبيد فجاء رجل فقال يا ابن عباس زعم أبو إسحاق أنه أوحى إليه الليلة فقال ابن عباس صدق فنفرت وقلت يقول ابن عباس صدق فقال ابن عباس هما وحيان وحي الله ووحي الشيطان فوحي الله إلى محمد ووحي الشيطان إلى أوليائه ثم قرأ وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما نزلت ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمد ف قالوا له ما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال وما ذبح الله بنمسار منه من ذهب يعني الميتة فهو حرام فنزلت هذه الآية وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم قال الشياطين من فارس وأولياؤهم قريش وعند ابن أبي شيبة عن ابن عباس ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه يعني الميتة وعند ابن أبي حاتم عنه قال يوحي الشيطان إلى أوليائهم من المشركين أن يقولوا تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله فقال إن الذي قتلتم يذكر اسم الله عليه وأن الذي مات لم يذكر اسم الله عليه وعند سعيد بن منصور وعبد الرزاق عن ابن عباس قال من
[ 11 ]
ذبح ونسي أن يسمي فليذكر اسم الله عليه وليأكل ولا يدعه للشيطان إذا ذبح على الفطرة فان اسم الله في قلب كل مسلم وعند عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال كلوا ذبائح المسلمين وأهل الكتاب مما ذكر اسم الله عليه كذا في الدر المنثور قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (ولا تأكل مما قتل الله) يعنون الميتة (فأنزل الله تعالى الخ) قال الخطابي في هذا دلالة على أن معنى ذكر اسم الله على الذبيحة في هذه الآية ليس باللسان وإنما معناه تحريم ما ليس بالمذكي من الحيوان فإذا كان الذابح ممن يعتقد الاسم وإن لم يذكره بلسانه فقد سمي وإلى هذا ذهب ابن عباس في تأويل الآية انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب وقال بعضهم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا هذا آخر كلامه وعطاء بن السائب اختلفوا في الاحتجاج بحديثه وأخرج له البخاري مقرونا بأبي بشر جعفر بن أبي وحشية وفي إسناده عمران بن عيينة أخو سفيان بن عيينة قال أبو حاتم الرازي لا يحتج بحديثه فإنه يأتي بالمناكير
[ 12 ]
277 ما جاء في أكل معاقرة الأعراب (عن أكل معاقرة الأعراب) قال في النهاية هو عقرهم الإبل كان يتبارى الرجلان في الجود والسخاء فيعقر هذا إبلا وهذا إبلا حتى يعجز أحدهما الآخر وكانوا يفعلونه رياء وسمعة وتفاخرا ولا يقصدون وجه الله فشبه بما ذبح لغير الله انتهى ومثله في معالم السنن للخطابي وفيه أيضا وفي معناه ما جرت به عادة الناس من ذبح الحيوان بحضرة الملوك والرؤساء عند قدومهم البلدان وأوان حدوث نعمة تتجدد لهم في نحو ذلك من الأمور انتهى وقال الدميري في حياة الحيوان روى أبو داود بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن معاقرة الأعراب وهي مفاخرتهم فإنهم كانوا يتفاخرون بأن يعقر كل واحد منهم عددا من إبله فأيهما كان عقره أكثر كان غالبا فكره النبي صلى الله عليه وسلم لحمها لئلا يكون مما أهل به لغير الله انتهى وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصراط المستقيم وأما القربان فيذبح لله سبحانه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في قربانه اللهم منك ولك بعد قوله بسم الله والله أكبر اتباعا لقوله تعالى إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين والكافرون يصنعون بآلهتهم كذلك فتارة يسمون آلهتهم على الذبائح وتارة يذبحونها قربانا إليهم وتارة يجمعون بينهما وكل ذلك والله أعلم يدخل فيما أهل لغير الله به فإن من سمي غير الله فقد أهل به لغير الله فقولة باسم كذا استعانة به وقوله لكذا عبادة له ولهذا جمع الله بينهما في قوله إياك نعبد وإيا ك نستعين وأيضا فإنه سبحانه حرم ما ذبح على النصب وهي كل ما ينصب ليعبد من دون الله ثم قال ابن تيمية رحمه الله بعد ذلك ويدل على ذلك أيضا ما رواه أبو داود عن ابن عباس قال نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب وروى أبو بكر بن أبي شيبة في تفسيرة حدثنا وكيع عن أصحابه عن عوف الأعرابي عن أبي ريحانة قال
[ 13 ]
سئل ابن عباس عن معاقرة الأعراب فقال إني أخاف أن تكون مما أهل لغير الله به وروى أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن دحيم في تفسيره حدثنا أبي حدثنا سعيد بن منصور عن ربعي عن عبد الله بن الجارود قال سمعت الجارود هو ابن أبي سبرة قال كان من بني رباح رجل يقال له ابن وئيل شاعرا نافرا بالفرزدق الشاعر بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مائة من إبله وهذا مائة من إبله إذا وردت الماء فلما وردت الإبل الماء قاما إليها بأسيافهما فجعلا يكشفان عراقيها فخرج الناس على الحمير والبغال يريدون اللحم وعلي رضي الله عنه بالكوفة فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء وهو ينادي يا أيها الناس لا تأكلوا من لحومها فإنها أهل بها لغير الله قال ابن تيمية فهؤلاء الصحابة قد فسروا ما قصد بذبحه غير الله داخلا فيما أهل به لغير الله فعلمت أن الآية لم يقتصر بها على اللفظ بإسم ير الله بل ما قصد به التقرب إلى غير الله فهو كذلك وقد أطال الكلام فيه في الصراط المستقيم فليرجع إليه كذا في غاية المقصود أوقفه علي ابن عباس أي رواه غندر موقوفا على ابن عباس والحديث سكت عنه المنذري) 278 باب الذبيحة بالمروة : بفتح ميم وسكون راء حجر أبيض ويجعل منه كالسكين قاله في المجمع (عن عباية) بفتح المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف تحتانية (عن أبيه) وهو رفاعة (عن جده) أي جد عباية (رافع بن خديج) بدل من جده (غدا) يحتمل حقيقة أو مجازا أي في مستقبل الزمان (وليس معنا مدى) بالضم والقصر جمع مدية وهي السكين والجملة حالية (ارن أو اعجل) قال النووي أما أعجل فهو بكسر الجيم وأما أرن فبفتح الهمزة وكسر الراء وإسكان النون وروى بإسكان الراء وكسر النون وروى أرني بإسكان الراء وزيادة ياء قال الخطابي صوابه ائرن غير على وزن اعجل وهو بمعناه وهو من النشاط والخفة أي أعجل ذبحها لئلا تموت خنقا قال وقد يكون أرن على وزن أطع أي أهلكها ذبحا من أران
[ 14 ]
القوم إذا هلكت مواشيهم قال ويكون أرن على وزن أعط بمعنى أدم الحز ولا تفتر من قولهم رنوت إذا أدمت النظر وفي الصحيح أرن بمعنى أعجل وإن هذا شك من الراوي هل قال أرن أو قال اعجل انتهى وقد رد القاضي عياض على بعض كلام الخطابي كما ذكره النووي في شرح صحيح مسلم وقال ابن الأثير في النهاية هذه اللفظة قد اختلف في صيغتها ومعناها قال الخطابي هذا حرف طال ما استثبت فيه الرواة وسألت عنه أهل العلم باللغة فلم أجد عند واحد منهم شيئا يقطع بصحته وقد طلبت له مخرجا فرأيته يتجه لوجوه أحدها أن يكون من قولهم أران القوم فهم مرينون إذا هلكت مواشيهم فيكون معناه أهلكها ذبحا وأزهق نفسها بكل ما أنهر الدم غير السن والظفر على ما رواه أبو داود في السنن بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون النون والثاني أن يكون أأرن بوزن اعرن أحمد من أرن يأرن بعد إذ نشط وخف يقول خف واعجل لئلا تقتلها خنقا وذلك أن غير الحديد لا يمور في الذكاة موره والثالث أن يكون بمعنى أدم الحز ولا تفتر من قولك رثوت يقول النظر إلى الشئ إذا أدمته أو يكون أراد أدم النظر إليه وراعه يبصرك لئلا تزل من المذبح وتكون الكلمة بكسر الهمزة والنون وسكون الراء بوزن أرم وقال الزمخشري كل من علاك وغلبك فقد ران بك ورين بفلان ذهب به الموت وأران القوم إذا رين بمواشيهم أي هلكت وصاروا ذوي رين في مواشيهم فمعنى أرن أي صرذا الذي رين في ذبيحتك ويجوز أن يكون أران تعدية ران أي أزهق نفسها انتهى كلام ابن الأثير (ما أنهر الدم) أي أساله وصبه بكثرة شبه يجري الماء في النهر والأنهار الاساله والصب بكثرة قال الطيبي يجوز أن تكون ما شرطية وموصولة وقوله فكلوا جزاء أو خبر واللام في الدم بدل من المضاف إليه وذكر اسم الله حال منه انتهى قال القاري وذكر اسم الله عطف على أنهر الدم سواء تكون ما شرطية أو موصولة ا نتهى (ما لم يكن سن أو ظفر) بضمتين ويجوز إسكان الثاني وبكسر أوله شاذ على ما في القاموس وفي بعض النسخ سنا أو ظفرا بالنصب على أنه خبر لم يكن أي ما لم يكن المنهر سنا أو ظفرا وهو الظاهر وعلى الأول فكلمة لم يكن تامة (أما السن فعظم) أي وكل عظم لا يحل به الذبح قال النووي معناه فلا تذبحوا به لأنه يتنجس بالدم وقد نهيتم عن الاستنجاء بالعظام لئلا يتنجس لكونها زاد إخوانكم من الجن انتهى والحديث فيه بيان أن السن والظفر لا يقع
[ 15 ]
بهما الزكاة بوجه وفيه دلالة على أن العظم كذلك لأنه لما علل بالسن قال لأنه عظم فكل عظم من العظام يجب أن تكون الزكاة به محرمة غير جائزة (وأما الظفر فمدى الحبشة) أي وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم قاله ابن الصلاح وتبعه النووي وقيل نهي عنهما لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان ولا يقع به غالبا إلا الخنق الذي ليس هو على صورة الذبج لأن وقد قالوا إن الحبشة تدمي مذابح الشاة بالظفر حتى تزهق نفسها خنقا ذكره الحافظ (فأمر بها) أي بالقدور (فأكفئت) بضم الهمزة وسكون الكاف أي قلبت وأفرغ ما فيها قال النووي وإنما أمر بإراقتها لأنهم كانوا قد انتهوا إلى دار الإسلام والمحل الذي لا يجوز فيه الأكل من مال الغنيمة المشتركة فإن الأكل من الغنائم قبل القسمة إنما يباح في دار الحرب (وند) أي شرد وفر (ولم يكن معهم خيل) وفي رواية البخاري وكان في القوم خيل يسيرة قال الحافظ أي لو كان فيهم خيول كثيرة لأمكنهم أن يحيطوا به فيأخذوه قال ووقع في رواية أبي الأحوص ولم يكن معهم خيل أي كثيرة أو شديدة الجرى فيكون النفي لصفة في الخيل لا لأصل الخيل جمعا بين الروايتين (فحبسه الله) أي أصابه السهم فوقف (إن لهذه البهائم) قال التوربشتي اللام فيه بمعنى من (أوابد) جمع آبدة وهي التي توحشت ونفرت قال الحافظ والمراد أن لها توحشا (كأوابد الوحش) أي حيوان البر (وما فعل منها) أي من هذه البهائم (هذا) أي التنفر والتوحش (فافعلوا به مثل هذا) أي فارموه بسهم ونحوه والحديث دليل على أنه يجوز الذبح بكل محدد ينهر الدم فيدخل فيه السكين والحجر والخشبة والزجاج والقصب وسائر الأشياء المحددة وعلى أن الحيوان الإنسي إذا توحش ونفر فلم يقدر على قطع مذبحه يصير جميع بدنه في حكم المذبح كالصيد الذي لا يقدر عليه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 16 ]
(أصدت) أصله اصطدت قلبت الطاء صادا وأدغمت مثل اصبر في اصطبر والطاء بدل من تاء افتعل قاله السيوطي (أرنبين) تثنية أرنب وهو بالفارسية خركوش (بمروة) حجر أبيض براق وقيل هي التي يقدح منها النار كذا في النهاية قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقد قيل إن محمدا هذا ومحمد بن صيفي رجل واحد وقيل هما اثنان وهو الأصح (لقحة) بكسر اللام ويفتح وبسكون القاف أي ناقة قريبة العهد بالنتاج (بشعب من شعاب أحد) بضمتين جبل معروف بالمدينة والشعب بالكسر الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن أرض وما انفرج بين الجبلين (فأخذها) اللقحة (فأخذ وتدا) بفتح فكسر وفي القاموس بالفتح والتحريك ككتف وهو بالفارسية ميخ (فوجأ) أي ضرب (به) أي بالوتد يعني بحده قال في القاموس وجأه باليد والسكين كوضعه ضربه (في لبتها) بفتح اللام وتشديد الموحدة وهي الهزمة التي فوق الصدر على ما في النهاية وقيل هي اخر الحلق ذكره القاري (حتى أهريق) أي أريق وأسيل والحديث سكت عنه المنذري (بالمروة) وهي الحجارة البيضاء قاله القاري (وشقة العصا) بكسر الشين المعجمة أي ما يشق منها ويكون محددا (قال أمور الدم) أمر من امرار بالفك أي أجر وأسل وكذا وقع في جميع النسخ الحاضرة بفك الإدغام وفي مسند أحمد أمر الدم قال الشوكاني بفتح الهمزة وكسر الميم وبالراء مخففة من أمار الشئ ومار إذا جرى قال الخطابي المحدثون يروونه بتشديد الراء وهو خطأ إنما هو بتخفيفها من مريت الناقة إذا حلبتها قال ابن الأثير ويروي أمر
[ 17 ]
برائين مظهرين من غير إدغام وكذا في التلخيص أنه برائين مهملتين الأولى مكسورة ثم نقل كلام الخطابي قال وأجيب بأن التثقيل لكونه أدغم أحد الرائين في الأخرى على الرواية الأولى انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه 279 في ذبيحة المتردية أي الساقطة وقد من علو إلى أسفل (أما تكون) الهمزة للاستفهام وما نافية (الذكاة) أي الذبح الشرعي (لو طعنت) أي ضربت وجرحت (في فخذها) أي في فخذ المذكاه علي المفهومة من الذكاة (لأجزأ عنك) أي لكفى طعن فخذها عن ذبحك إياها (لا يصلح هذا) أي هذا الحديث (إلا في المتردية) أي الساقطة في البئر وقال الترمذي هذا في الضرورة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث هكذا قال الترمذي وقد وقع من حديثه عن أبيه عدة أحاديث جمعها الحافظ أبو موسى الأصبهاني وقال الخطابي وضعفوا هذا الحديث لأن راويه مجهول وأبو العشراء لا يدري من أبوه ولم يرو عنه غير حماد بن سلمة انتهى في المبالغة في الذبح (عن شريطة الشيطان) أي الذبيحة التي لا تنقطع أوداجها حتى ولا يستقصي ذبحها وهو
[ 18 ]
مأخوذ من شرط الحجام وكان أهل الجاهلية يقطعون بعض حلقها ويتركونها حتى تموت وإنما أضافها إلى الشيطان لأنه هو الذي حملهم على ذلك ذكره في النهاية (وهي) أي شريطة الشيطان (لا تفري) بصيغة المجهول أي لا تقطع من الفرى وهو القطع (الأوداج) أي العروق المحيطة بالعنق التي تقطع حالة الذبح واحدها ودج محركة والمعنى يشق منها جلدها ولا يقطع أوداجها حتى يخرج ما فيها من الدم ويكتفي بذلك قال المنذري في إسناده عمرو بن عبد الله الصنعاني وهو الذي يقال له عمرو بن برق وقد تكلم فيه غير واحد 281 ما جاء في ذكاة الجنين الذكاة الذبح والجنين الولد ما دام في البطن (كلوه) أي الجنين (فإن ذكاته ذكاة أمه) أي تذكية أمه مغنية عن تذكيته وهذا إن خرج ميتا بخلاف ما إذا خرج وبه حياة مستقرة فلا يحل بذكاة أمه وإليه ذهب الثوري والشافعي والحسن بن زياد وصاحبا أبي حنيفة وإليه ذهب أيضا مالك واشترط أن يكون قد أشعر وذهب أبو حنيفة إلى تحريم الجنين إذا خرج ميتا وأنها لا تغني تذكية الأم عن تذكيته ذكره في النيل قال الخطابي في هذا الحديث بيان جواز أكل الجنين إذا ذكيت أمه وإن لم تجدد للجنين ذكاة وتأوله بعض من لا يرى أكل الجنين على معنى أن الجنين يذكي كما تذكي أمه فكأنه قال ذكاة الجنين كذكاة أمه وهذه القصة تبطل هذا التأويل وتدحضه لأن قوله فإن
[ 19 ]
ذكاته ذكاة أمه تعليل لإباحته من غير إحداث ذكاة ثانية فثبت أنه على معنى النيابة عنها انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن هذا اخر كلامه وفي إسناده مجالد بن سعيد الهمداني وقد تكلم فيه غير واحد (ذكاة الجنين ذكاة أمه) أي ذكاتها التي أحلتها أحلته تبعا لها ولأنه جزء من أجزائها وذكاتها ذكاة لجميع أجزائها قال في التلخيص قال ابن المنذر إنه لم يرو عن أحد من الصحابة ولا من العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستثناء الذكاة فيه إلا ما روى عن أبي حنيفة انتهى قال المنذري في
[ 20 ]
إسناده عبيد الله بن أبي زياد المكي القداح وفيه مقال وأخرجه الإمام أحمد في المسند عن أبي عبيد بن الحداد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكاة الجنين ذكاة أمه وهذا إسناد حسن ويونس وإن تكلم فيه فقد احتج به مسلم في صحيحه وقال البيهقي وفي الباب عن علي وعبد الله بن مسعود وعبيد الله بن عمر وعبد الله بن
[ 21 ]
عباس وأبي أيوب وأبي هريرة وأبي الدرداء وأبي أمامة والبراء بن عازب مرفوعا وقال غيره رواه بعض الناس يفرض له ذكاة الجنين ذكاة يعني بنصب الذكاة الثانية ليوجب ابتداء الذكاة فيه إذا خرج ولا يكتفي بذكاة أمه وليس بشئ وإنما هو ذكاة الجنين ذكاة أمه برفع الثانية كرفع الأولى خبر المبتدأ هذا اخر كلامه والمحفوظ عن أئمة هذا الشأن في تفسير هذا الحديث الرفع فيهما وقال بعضهم في قوله فإن ذكاته ذكاة أمه ما يبطل هذا التأويل ويدحضه فإنه تعليل لإباحته من غير إحداث ذكاة وقال ابن المنذر لم يرو عن أحد من الصحابة والتابعين وسائر علماء الأمصار أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه إلا ما روى عن أبي حنيفة قال ولا أحسب أصحابه وافقوا عليه انتهى كلام المنذري
[ 22 ]
282 أكل اللحم لا يدري أذكر اسم الله عليه أم لا (ومحاضر) بكسر الضاد المعجمة هو ابن المورع (لم يذكرا عن حماد (ومالت عن عائشة) أي لم يذكر موسى عن حماد في روايته لفظ عن عائشة وكذلك لم يذكر القعنبي عن مالك في روايته هذا اللفظ بل هما رويا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلا وأما يوسف بن موسى فذكر في روايته عن عائشة ورواه عن سليمان ومحاضر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة موصولا هذا معنى قول المزي في الأطراف فإنه ذكر حديث مالك والقعنبي في المراسيل (بلحمان) بضم اللام جمع لحم (سموا الله وكلوا) قال ابن الملك ليس معناه أن تسميتكم الآن تنوب عن تسمية المذكي بل فيه بيان أن التسمية مستحبة عند الأكل وأن ما لم تعرفوا أذكر اسم الله عليه عند ذبحه يصح أكله إذا كان الذابح ممن يصح أكل ذبيحته حملا لحال المسلم على الصلاح انتهى قال الخطابي فيه دليل على أن التسمية غير واجبة عند الذبح ويجئ تقرير كلامه في كلام المنذري قال وقد اختلف الناس في من ترك التسمية على الذبح عامدا أو ساهيا فقال الشافعي التسمية استحباب وليست بواجب وسواء تركها ساهيا أو عامدا حلت الذبيحة وهو قول مالك وأحمد بن حنبل وقال سفيان الثوري وإسحاق بن راهويه و أصحاب الرأي إن تركها ساهيا حلت الذبيحة وإن تركها عامدا لم تحل وقال ابن ثور وداود كل من ترك في التسمية عامدا كان أو ساهيا فذبيحته لا تحل وقد روى معنى ذلك عن ابن سيرين والشعبي انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري وابن ماجه وقال بعضهم فيه دليل على أن التسمية غير واجبة عند الذبح وذلك لأن البهيمة أصلها على التحريم حتى يتيقن وقوع الذكاة فهي لا تستباح بالأمر المشكوك فيه فلو كانت التسمية من شرط الذكاة لم يجز أن
[ 23 ]
يحمل الأمر فيها على حسن الظن بهم فيستباح أكلها كما لو عرض الشك في نفس الذبح انتهى كلام المنذري 283 في العتيرة فإن بفتح العين المهملة تطلق على شاة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية (حدثنا مسدد) فمسدد عمر ونصر بن علي كلاهما يرويان عن بشر بن المفضل (قال نبيشة) بنون وموحدة ومعجمة مصغرا (نعتر) كنضرب النبي أن نذبح (قال اذبحوا لله) قال البيهقي في سننه اذبحوا الله أي اذبحوا إن شئتم واجعلوا الذبح في رجب وغيره سواء وقيل كان الفرع والعتيرة في الجاهلية ويفعل المسلمون في أول الاسلام ثم نسخ وقيل المشهور أنه لا كراهة فيهما والمراد بلا فرع ولا عتيرة نفي وجوبهما أو نفي التقرب بالإراقة كالأضحية وأما التقرب باللحم وتفريقه على المساكين فبر وصدقة كذا في فتح الودود (وبروا الله) أي أطيعوه (نفرع) من أفرع أن نذبح (فرعا) بفتحتين قال الخطابي هو أول ما تلد الناقة وكانوا يذبحون ذلك لآلهتهم في الجاهلية ثم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك انتهى (تغذوه ماشيتك) أي تلده والغذى كغنى قاله في إنجاح الحاجة وقال السندي تغذوه أي تعلفه وقوله ماشيتك فاعل تغذوه ويحتمل أن يكون تغذوه للخطاب وماشيتك منصوب بتقدير مثل ماشيتك أو مع ماشيتك انتهى (إذا استحمل) بالحاء المهملة أي قوى على الحمل وصار بحيث يحمل عليه قاله الخطابي وبالجيم أي صار جملا قاله السيوطي (قال نصر استحمل للحجيج) أي زاد لفظ للحجيج بعد استحمل والحجيج جمع حاج (أحسبه) أي أبا قلابة (كم السائمة) أي التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذبح فرع
[ 24 ]
منها قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (لا فرع ولا عتيرة) أي ليسا واجبين جمعا بين الأحاديث كذا قاله بعض العلماء وفي النهاية والفرع أول ما تلده الناقة كانوا يذبحونه لآلهتهم فنهى المسلمون عنه وقيل كان الرجل في الجاهلية إذا تمت إبله مائة قدم بكرا فنحر لصنمه وهو الفرع وقد كان المسلمون يفعلونه في صدر الإسلام ثم نسخ انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (كان ينتج لهم) بصيغة المجهول والحديث سكت عنه المنذري (عن عائشة قالت أمرنا الحديث) والحديث سكت عنه المنذري (لطواغيتهم) أي لأصنامهم (ثم يأكله) أي الذابح قال في النيل الفرع هو أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها هكذا فسره أكثر أهل اللغة وجماعة من أهل العلم منهم الشافعي وقيل هو أول النتاج للابل وهكذا جاء تفسيره في الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي وقالوا كانوا يذبحونه لآلهتهم فالقول الأول باعتبار أول نتاج الدابة على انفرادها والثاني باعتبار نتاج الجميع وإن لم يكن أول ما تنتجه أمه وقيل هو أول النتاج لمن بلغت إبله مائة يذبحونه قال شمر قال أبو مالك كان الرجل إذا بلغت إبله مائة قدم بكرا فنحره لصنمه ويسمونه فرعا انتهى
[ 25 ]
284 في العقيقة هو اسم لما يذبح عن المولود وأصل العق الشق وقيل للذبيحة عقيقة لأنه يشق حلقها ويقال عقيقة للشعر الذي يخرج على رأس المولود في بطن أمه وجعل الزمخشري أصلا والشاة المذبوحة مشتقة منه قاله في السبل (عن أم كرز) بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي كعبية خزاعية صحابية (عن الغلام) أي يذبح عن الصبي (شاتان مكافئتان) بكسر الفاء وفي بعض النسخ بفتحها قال النووي بكسر الفاء بعدها همزة هكذا صوابه عند أهل اللغة والمحدثون يقولونه بفتح الفاء (وعن الجارية) أي البنت (مكافئتان) مستويتان أو متقاربتان يعني أن المراد من قوله مكافئتان مستويتان أو متقاربتان وقال الخطابي المراد التكافؤ في السن فلا تكون إحداهما مسنة والأخرى غير مسنة بل يكونان مما يجزي في الأضحية وقيل معناه أن يذبح إحداهما مقابلة للأخرى ذكره في السبل وقال زيد بن أسلم متشابهتان تذبحان جميعا أي لا يؤخر ذبح إحداها عن الأخرى وقال الزمخشري معناه متعادلتان لما يجزي في الزكاة والأضحية قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذه الأقوال وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرز بلفظ شاتان مثلان قلت وكذا وقع عند أبي داود في حديث أم كرز من طريق حماد عن عبيد الله الآتية وفي الحديث دليل على أن المشروع في العقيقة شاتان عن الذكر وشاة واحدة عن الأنثى وحكاه في فتح الباري عن الجمهور وقال مالك إنها شاة عن الذكر والأنثى ودليله حديث ابن عباس الآتي فائدة قال في الفتح واستدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية وفيه وجهان للشافعية وأصحهما يشترط وهو بالقياس لا بالخبر وبذكر
[ 26 ]
الشاة والكبش على أنه يتعين الغنم للعقيقة ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضا وفيه حديث عند الطبراني وأبى الشيخ عن أنس رفعه يعق عنه من الإبل والبقر والغنم انتهى فائدة قال القسطلاني في شرح البخاري وسن طبخها كسائر الولائم إلا رجلها فتعطى نيئة للقابلة لحديث الحاكم انتهى والحديث سكت عنه المنذري (أخبرنا سفيان) قال المزي أخرج أبو داود في الذبائح عن مسدد عن سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت وروى عن مسدد عن حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت ولم يقل عن أبيه قال أبو داود هذا الحديث هو الصحيح أي بإسقاط عن أبيه وحديث سفيان خطأ وأخرج النسائي في العقيقة عن قتيبة عن سفيان ولم يقل عن أبيه وعن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت وأخرج ابن ماجه في الذبائح عن أبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار كلاهما عن سفيان وقالا عن أبيه انتهى (أقروا الطير) أي أبقوها وخلوها وهو من باب الأفعال (مكناتها) قال الطيبي بفتح الميم وكسر الكاف جمع مكنة وهي بيضة الضب كل ويضم الحرفان منها أيضا وقال في النهاية المركنات وإن في الأصل بيض الضباب واحدتها مكنة بكسر الكاف وقد تفتح يقال مكنت الضبة وأمكنت قال أبو عبيد جائز في الكلام أن يستعار مكن الضباب فيجعل للطير وقيل المكنات بمعنى الأمكنة يقال الناس على مكناتهم كما وسكناتهم أي على أمكنتهم ومساكنهم ومعناه أن الرجل في الجاهلية كان إذا أراد حاجة أتى طيرا ساقطا أو في وكره فنفره فإن طار ذات اليمين مضى لحاجته وإن طار ذات الشمال رجع فنهوا عن ذلك أي لا تزجروها وأقروها على مواضعها التي جعلها الله لها فإنها لا تضر ولا تنفع وأطال فيه الكلام ابن الأثير رحمة الله تعالى (أذكرانا كن أم إناثا) فاعل لا يضر والضمير في كن للشياه هو التي يعق بها أي لا يضركم كونها ذكرانا أو إناثا قال المنذري وأخرجه الترمذي مختصرا وأخرجه النسائي بتمامه ومختصرا وأخرجه ابن ماجه مختصرا وقال الترمذي صحيح
[ 27 ]
(هذا هو الحديث) أي حديث حماد بحذف عن أبيه هو الصحيح (وحديث سفيان) الذي فيه واسطة أبيه (وهم) مخالف لجماعة والله أعلم (كل غلام رهينة بعقيقته) أي مرهونة والتاء للمبالغة قال الخطابي اختلف الناس في هذا وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال هذا في الشفاعة يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلا لم يشفع في أبويه وقيل معناه أن العقيقة لازمة لا بد منها فشبه المولود في لزومها وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن وهذا يقوي قول من قال بالوجوب وقيل المعنى مرهون بأذى شعره ولذلك جاء فأميطوا عنه الأذى انتهى كذا في الفتح قال الحافظ والذي نقل عن أحمد قاله عطاء الخراساني أسنده عنه البيهقي (ويدمي) بصيغة المجهول بتشديد الميم أي يلطخ رأسه بدم العقيقة (أخذت منها) أي من العقيقة (به) أي بالصوفة (أوداجها) أي عروقها التي تقطع عند الذبح (على يا فوخ الصبي) أي على وسط رأسه (هذا وهم من همام الخ) حاصله أن رواية همام بلفظ يدمي وهم منه لأن غيره من أصحاب قتادة وغيرهم قالوا يسمى وقد استشكل ما قاله أبو داود بما في بقية روايته وهو قوله فكان قتادة إذا سئل
[ 28 ]
الخ فيبعد مع هذا الضبط أن يقال إن هماما وهم عن قتادة في قوله يدمي إلا أن يقال إن أصل الحديث ويسمى وإن قتادة ذكرا الدم حاكيا عما كان أهل الجاهلية يصنعونه ذكره في الفتح (وليس يؤخذ بهذا) أي بالتدمية وقد ورد ما يدل على نسخ التدمية في عدة أحاديث ذكرها الحافظ في الفتح ومنها حديث أبي بريدة الآتي في آخر الباب ولهذا كره الجمهور التدمية والحديث سكت عنه المنذري (تذبح عنه يوم سابعه) فيه دليل على أن وقت العقيقة سابع الولادة وأنها لا تشرع قبله ولا بعده وقيل تجزي في السابع الثاني والثالث لما أخرجه البيهقي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه
[ 29 ]
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال العقيقة تذبح لسبع ولأربع عشرة ولإحدى وعشرين ذكره في السبل ونقل الترمذي عن أهل العلم أنهم يستحبون أن تذبح العقيقة يوم السابع فإن لم يتهيأ فيوم الرابع عشر فإن لم يتهيأ عق عنه يوم إحدى وعشرين قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح هذا اخر كلامه وقال غير واحد من الأئمة إن حديث الحسن عن سمرة كتاب إلا حديث العقيقة وتصحيح الترمذي له يدل على ذلك وقد حكي البخاري في الصحيح ما يدل على سماع الحسن من سمرة حديث العقيقة
[ 30 ]
(فأهريقوا) بسكون الهاء ويفتح أي أريقوا (عنه) أي عن الغلام (وأميطوا أي أزيلوا وزنا ومعنى (الأذى) أي بحلق شعره وقيل بتطهيره عن الأوساخ التي تلطخ به عند الولادة وقيل بالختان ذكره القاري قال المنذري وأخرجه البخاري موقوفا وأخرجه مسندا وتعليقا وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مسندا وقال الترمذي صحيح (عن الحسن) هو البصري (إماطة الأذى حلق الرأس) قال الحافظ في الفتح ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه فعطفه عليه فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس والحديث سكت عنه المنذري (كبشا كبشا) استدل به مالك على أنه يعق عن الغلام وعن الجارية شاة واحدة قال
[ 31 ]
الحافظ ولا حجة فيه فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه اخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ كبشين كبشين وأخرج أيضا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله وعلى تقدير ثبوت رواية أبي داود فليس في الحديث ما يرد به الأحاديث المتواردة في التنصيص على التثنية للغلام بل غايته أنه يدل على جواز الاقتصار وهو كذلك فإن العدد ليس شرطا بل مستحب انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي (أراه عن جده) بضم الهمزة أي أظنه يروي عن جده (كأنه كره الاسم) وذلك لأن العقيقة
[ 32 ]
التي هي الذبيحة والعقوق للأمهات مشتقان من العق الذي هو الشق والقطع فقوله صلى الله عليه وسلم لا يحب الله العقوق بعد سؤاله عن العقيقة للاشارة إلى كراهة اسم العقيقة لما كانت هي والعقوق يرجعان إلى أصل واحد قاله في النيل (فأحب أن ينسك) بضم السين أي يذبح (عنه) أي عن الولد (فلينسك) هذا إرشاد منه إلى مشروعية تحويل العقيقة إلى النسيكة وأما قوله صلى الله عليه وسلم مع الغلام عقيقة وكل غلام مرتهن بعقيقته فلبيان الجواز وهو لا ينافي الكراهة التي أشعر بها قوله لا يحب الله العقوق والفرع حق قال الشافعي معناه أنه ليس بباطل وقد جاء على وفق كلام السائل ولا يعارضه حديث لا فرع فإن معناه ليس بواجب كذا في فتح الودود (حتى يكون بكرا) بالفتح هو من الإبل بمنزلة الغلام من الناس والأنثى بكرة (شغزبا) بضم شين وسكون غين وضم زاي معجمات وتشديد باء موحدة قالوا هكذا رواه أبو داود في السنن وهو خطأ والصواب زخربا بزاي معجمة مضمومة وخاء معجمة ساكنة ثم راء مهملة مضمومة ثم باء مشددة يعني الغليظ يقال صار ولد الناقة زخربا إذا غلظ جسمه واشتد لحمه كذا في فتح الودود وقال في النهاية هكذا رواه أبو داود في السنن قال الحربي الذي عندي أنه زخربا وهو الذي اشتد لحمه وغلظ وقد تقدم في الزاي قال الخطابي ويحتمل أن يكون الزاي أبدلت شينا والخاء غينا فصحف وهذا من غريب الإبدال انتهى قال في القاموس الزخرب بالضم وبزائين وسلم وتشديد الباء الغليظ القوي الشديد اللحم (أرملة) قال في القاموس امرأة أرملة محتاجة أو مسكينة ج أرامل (خير من أن تذبحه) خبر لقوله وإن تتركوه إلخ (فيلزق لحمه بوبره) بفتحتين أي يلصق لحم الفرع أي ولد الناقة بوبره أي بصوفه لكونه قليلا غير سمين (وتكفأ) كتمنع اخره همزة أي تقلب وتكب (إناءك) قال الخطابي يريد بالإناء المحلب الذي تحلب فيه الناقه يقول إذا ذبحت ولدها انقطعت مادة اللبن فتترك الإناء مكفأ ولا يحلب فيه (وتوله ناقتك) بتشديد اللام قال الخطابي أي تفجعها
[ 33 ]
بولدها وأصله من الوله وهو ذهاب العقل من فقدان الولد انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وقد تقدم الكلام على حديث عمرو بن شعيب وقال ابن الأثير الزخرب الذي قد غلظ جسمه واشتد لحمه والفرع هو أول ما تلده الناقة كانوا يذبحونه لآلهتهم فكره ذلك وقال لأن تتركه حتى يكبر وتنتفع بلحمه خير من أنك تذبحه فينقطع لبن أمه فتسكب إناءك الذي كنت تحلب فيه وتجعل ناقتك والهة بفقد ولدها انتهى (بريدة) بدل من أبي (فلما جاء الله بالإسلام إلخ) فيه دليل على أن تلطيخ رأس المولود بالدم من عمل الجاهلية وأنه منسوخ (ونلطخه بزعفران) فيه دليل على استحباب تلطيخ رأس الصبي بعد الحلق بالزعفران أو غيره من الخلوق وفيه دليل على طهارة الزعفران وأنه ليس بمسكر لأن ما فيه سكر لا يجعل في الطيب ولا يستعمل مثل الشئ الحلال الطيب وسيجئ تحقيقه في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى قال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال
[ 34 ]
اتخاذ الكلب للصيد وغيره (من اتخذ كلبا) أي اقتناه وحفظه وأمسكه (إلا كلب ماشية) وهو ما يتخذ لحفظ الماشية عند رعيها وإلا بمعنى غير صفة لكلبا عنه لا للاستثناء لتعذره (أو صيد) أو للتنويع أي كلب معلم للصيد (أو زرع) كلب الزرع هو ما يتخذ لحراسته (كل يوم) بالنصب على الظرفية (قيراط) القيراط هنا مقدار معلوم عند الله تعالى والمراد نقص جزء من أجزاء عمله وهو في الأصل نصف دانق وهو سدس الدرهم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (أمة من الأمم) قال الطيبي إشارة إلى قوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم أي أمثالكم في كونها دالة على الصانع ومسبحة له قال الخطابي معنى هذا الكلام أنه صلى الله عليه وسلم كره إفناء أمة من الأمم وإعدام جيل من الخلق لأنه ما من خلق الله تعالى إلا وفيه نوع من الحكمة وضرب من المصلحة يقول إذا كان الأمر على هذا ولا سبيل إلى قتلهن فاقتلوا شرارهن وهي السود البهم وأبقوا ما سواها لتنتفعوا بهن في الحراسة وعن إسحاق بن راهوية وأحمد بن حنبل أنهما قالا لا يحل صيد الكلب الأسود انتهى وعند الشيخين من حديث ابن عمر نقص من عمله كل يوم قيراطان قال النووي واختلفوا في سبب
[ 35 ]
نقصان الأجر باقتناء الكلب فقيل لامتناع الملائكة من دخول بيته وقيل لما يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم والتوفيق بين حديث أبي هريرة وابن عمر أنه يجوز باختلاف المواضع والأحوال قال النووي رحمه الله يحتمل أن يكون في نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الآخر أو يختلفان باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدينة قلت وكذا في مكة لزيادة فضلهما والقيراط في غيرهما قال أو القيراطان في المدائن والقرى والقيراط في البوادي أو يكون ذلك في زمانين فذكر القيراط أولا ثم زاد للتغليظ فذكر القيراطين انتهى (الاسود البهيم) أي خالص السواد قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (تقدم) بفتح الدال أي تجئ (فنقتله) أي كلب المرأة (ثم نهانا عن قتلها) أي عن قتل الكلاب بعمومها (عليكم بالأسود) أي بقتله وفي رواية مسلم عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان وهذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري في مختصره وقال المزي في الأطراف حديث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب أخرجه مسلم في البيوع وأبو داود في الصيد وحديث أبي داود في رواية أبي الحسن بن العبد وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى في الصيد هو مصدر بمعنى الاصطياد وقد يطلق على المصيد (عن عدي بن حاتم) حاتم هذا هو الطائي المشهور بالجود وكان ابنه عدي أيضا جوادا (إني أرسل الكلاب المعلمة) بفتح اللام المشددة والمراد من الكلب المعلم أن يوجد فيه ثلاث شرائط إذا أشلي استشلى وإذا زجر انزجر وإذا أخذ الصيد أمسك ولم يأكل فإذا فعل
[ 36 ]
ذلك مرارا وأقله ثلاث كان معلما يحل بعد ذلك قتيله (فتمسك على) أي تحبس الكلاب الصيد لي (أفكل) أي الصيد (قال إذا أرسلت الكلاب المعلمة وذكرت اسم الله فكل) فيه دليل على أن الإرسال من جهة الصائد شرط حتى لو خرج الكلب بنفسه فأخذ صيدا وقتله لا يكون حلالا وفيه بيان أن ذكر اسم الله شرط في الذبيحة حالة ما تذبح وفي الصيد حالة ما يرسل الجارحة أو السهم فلو ترك التسمية اختلفوا فيه كما تقدم (ما لم يشركها كلب ليس منها) فيه تصريح بأنه لا يحل إذا شاركه كلب خر والمراد كلب خر استرسل بنفسه أو أرسله من ليس هو من أهل الزكاة أو شككنا في ذلك فلا يحل أكله في هذه الصور فإن تحققنا أنه إنما شاركه كلب أرسله من هو من أهل الذكاة على ذلك الصيد حل قاله النووي (بالمعراض) بكسر الميم وبالعين المهملة وهي خشبة ثقيلة أو عصا في طرفها حديدة وقد تكون بغير حديدة وهذا هو الصحيح في تفسيره وقال الهروي هو سهم لا ريش فيه ولا نصل ذكره النووي (فخزق) بالخاء والزاي المعجمتين أي نفذ (بعرضه) أي بغير طرفه المحدد وفيه أنه إذا اصطاد بالمعراض فقتل الصيد بحده حل وإن قتله بعرضه لم يحل وهو مذهب الجمهور وقال مكحول والأوزاعي وغيرهما من فقهاء الشام يحل مطلقا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وذكرت اسم الله) فيه أنه إن أرسل الكلب ولم يسم لم يؤكل وهو قول أصحاب الرأي إلا أنهم قالوا إن ترك التسمية ناسيا حل وذهب بعض من لا يرى التسمية شرطا في الذكاة إلى أن المراد بقوله ذكرت اسم الله ذكر القلب وهو أن يكون إرساله الكلب للاصطياد به لا يكون في ذلك لاهيا أو لاعبا لا قصد له في ذلك قاله الخطابي (فإن أكل الكلب فلا تأكل) فيه دليل
[ 37 ]
على تحريم ما أكل منه الكلب من الصيد ولو كان الكلب معلما وهذا قول الجمهور وقال مالك وهو قول الشافعي في القديم ونقل عن بعض الصحابة أنه يحل واحتجوا بحديث أبي ثعلبة الآتي في الباب وحملوا قوله فإن أكل فلا تأكل على كراهة التنزيه واحتج الجمهور بحديث عدي هذا مع قوله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم وهذا مما لم يمسك علينا بل على نفسه وقدموا حديث عدي هذا على حديث أبي ثعلبة لأنه أصح ومنهم من تأول حديث أبي ثعلبة على ما إذا أكل منه بعد أن قتله وخلاه وفارقه ثم عاد فأكل منه فهذا لا يضر (فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه) معناه أن الله تعالى قال فكلوا مما أمسكن عليكم فإنما أباحه بشرط أن نعلم أنه أمسك علينا وإذا أكل منه لم نعلم أنه أمسكه لنا أم لنفسه فلم يوجد شرط إباحته والأصل تحريمه قاله النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه (ولم تجده في ماء) قال الخطابي إنما نهاه عن أكله إذا وجده في الماء مكان أن يكون الماء قد غرقه فيكون هلاكه من الماء لا من قبل الكلب الذي هو لة الذكاة وكذلك إذا وجد فيه أثرا لغير سهمه والأصل أن الرخص تراعى شرائطها التي بها وقعت الإباحة فمهما أخل بشئ منها عاد الأمر إلى التحريم الأصلي وهذا باب كبير من العلم انتهى والحديث سكت عنه المنذري (إذا وقعت رميتك أي الصيد المرمى بالسهم) قال المنذري وفي البخاري ومسلم والترمذي نحوه
[ 38 ]
(ما علمت من كلب أو باز) أي أحد من سباع البهائم والطيور والاقتصار عليهما إما مثلا أو بناء على الأغلب قاله القاري وما شرطية أو موصولة وهو الأظهر أي ما علمته وأما الباز فقال الدميري في حياة الحيوان البازي أفصح لغاته مخففة الياء والثانية باز والثالثة بازي بتشديد الياء حكاهما ابن سيده وهو مذكر لا اختلاف فيه ويقال في التثنية بازيان وفي الجمع بزاة كقاضيان وقضاة ويقال للبزاة والشواهين وغيرهما مما يصيد صقور وهو من أشد الحيوان تكبرا وأضيقها خلقا وأطال الكلام في أشكاله واختلاف أنواعه (وذكرت اسم الله) أي عند إرساله (مما أمسك عليك) أي بأن لم يأكل منه شيئا (قلت وإن قتل) إن وصليه إن أي كله ولو قتله أحدهما ويحتمل أن تكون إن شرطية والجزاء مقدر أي فما حكمه قال المنذري وأخرجه الترمذي مختصرا وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مجالد هذا آخر كلامه ومجالد هذا هو ابن سعيد وفيه مقال وتقدم الكلام عليه (فكل وإن أكل منه) استدل به مالك وغيره على أن الصيد حلال وإن أكل منه الكلب وقد تقدم البحث عن هذا (وكل ما ردت عليك يدك) أي كل كل ما صدته بيدك لا بشئ من الجوارح قاله الشوكاني ولفظ أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر كل ما وردت عليك قوسك قال المنذري في إسناده داود بن عمرو الأودي الدمشقي عامل واسط وثقه يحيى بن معين وقال الإمام أحمد حديثه مقارب وقال أبو زرعة لا بأس به وقال ابن عدي ولا أرى برواياته بأسا وقال أحمد بن عبد الله العجلي ليس بالقوى وقال أبو زرعة الرازي هو شيخ
[ 39 ]
(فيقتفي أثره) أي يتبع قفاه حتى يتمكن منه قال الخطابي وفيه دليل على أنه إذا علق به سهمه فقد ملكه وصار سهمه كيده فلو أنه رمى صيدا حتى أنشب سهمه فيه ثم غاب عنه فوجده رجل كان سبيله سبيل اللقطة وعليه تعريفه ورد قيمته وفيه أنه قد شرط عليه أن يرمي فيه سهمه وهو أن يثبته بعينه وقد علم أنه كان قد أصابه قبل أن يغيب عنه فإذا كان كذلك فقد علم أن ذكاته إنما وقعت برميته فأما إذا رماه ولم يعلم أنه أصابه أم لا فيتبع أثره فوجده ميتا وفيه سهمه فلا يأكل لأنه يمكن أن يكون غيره قد رماه بسهم فأثبته وقد يجوز أن يكون ذلك الرامي مجوسيا لا تحل ذكاته وفي قوله فيقتفي أثره دليل على أنه إن أغفل تتبعه وأتى عليه شئ من الوقت ثم وجده ميتا فإنه لا يأكله وذلك لأنه إذا تتبعه فلم يلحقه إلا بعد اليوم واليومين فهو مقدور وكانت الذكاة واقعة بإصابة السهم في وقت كونه ممتنعا غير مقدور عليه فأما إذا لم يتتبعه وتركه يحتامل إلا بالجراحة حتى هلك فهذا غير مذكي لأنه لو اتبعه لأدركه قبل الموت فذكاه ذكاة المقدور عليه في الحلق واللبة فإذا لم يفعل ذلك مع القدرة عليه صار كالبهيمة المقدور على ذكاتها يجرح في بعض أعضائها ويترك حتى يهلك بألم الجراحة وقال مالك بن أنس إن أدركه من يومه أكله وإلا فلا انتهى والحديث سكت عنه المنذري (فإنه وقيذ) بالقاف وخره ذال معجمة على وزن عظيم فعيل بمعنى مفعول وهو ما قتل بعصا أو حجر أو مالا حد له قاله الحافظ واستدل به الجمهور على أن صيد البندقية البندقية
[ 40 ]
هي التي تتخذ من طين وتيبس فيرمي بها لا يحل لأنه رض ووقذ وقال مكحول والأوزاعي وغيرهما من فقهاء الشام يحل قاله النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه (فأدركت ذكاته) أي ذبحه والمعنى أدركته حيا وذبحته قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (زاد عن ابن حرب المعلم) أي زاد محمد بن المصفي في روايته عن ابن الحرب بعد قوله وكلبك لفظ المعلم يعني قال وكلبك المعلم (ويدك) أي قال ما ردت عليك يدك مكان قوله ردت عليك قوسك (فكل ذكيا وغير ذكي) قال الخطابي يحتمل وجهين أحدهما أن يكون أراد بالذكي ما أمسك عليه فأدركه قبل زهوق نفسه فذكاه في الحلق واللبة وغير الذكي ما زهقت نفسه قبل أن يدركه والثاني أن يكون أراد بالذكي ما جرحه الكلب بسنه أو مخالبه فسال دمه وغير الذكي ما لم يجرحه وقد اختلف العلماء فيما قتله الكلب ولم يدمه فذهب بعضهم إلى تحريمه وذلك أنه قد يمكن أن يكون إنما قتله الكلب بالضغط والاعتماد فيكون في معنى الموقوذة وإلى هذا ذهب الشافعي في أحد قوليه انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه مقتصرا منه على قوله كل ما ردت عليك قوسك
[ 41 ]
(كلابا مكلبة) بفتح اللام المشددة ومعنى المكلبة المسلطة على الصيد المضراة بالاصطياد (ما لم يصل) بتشديد اللام أي ما لم ينتن ويتغير ريحه يقال صل اللحم وأصل لغتان
[ 42 ]
قال الخطابي وهذا على معنى الاستحباب دون التحريم لأن تغير ريحه لا يحرم أكله وقد روى أن النبي أكل إهالة سنخة وهي المتغيرة الريح وقد يحتمل أن يكون معنى قوله صل بأن يكون هامة نهشته فيكون تغير الرائحة لما دب فيه من سمها فأسرع إليه الفساد وفيه النهي من طريق الأدب عن أكل ما تغير من اللحم بمرور المدة الطويلة عليه انتهى (أو تجد فيه أثرا غير سهمك) أي أو ما لم تجد فيه أثر غير سهمك وفيه أنه إذا وجد في الصيد أثر غير سهم لا يؤكل وهذا الأثر الذي يوجد فيه من غير سهم الرامي أعم من أن يكون أثر سهم رام آخر أو غير ذلك من الأسباب القاتلة فلا يحل أكله مع التردد (أفتني) أمر من الإفتاء (في آنية المجوس) جمع إناء وفي رواية الشيخين إنا بأرض أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم وعند أبي داود في كتاب الأطعمة إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر (إليها) أي إلى تلك الآنية (اغسلها وكل فيها) وفيه أن من اضطر إلى آنية من يطبخ فيها الخنزير وغيره من المحرمات ويشرب فيها الخمر فله أن يغسلها ثم يستعملها في الأكل والشرب وقد يجئ الكلام في هذه المسألة في كتاب الأطعمة قال المنذري وأخرجه النسائي وقد تقدم الكلام على الاختلاف في الاحتجاج بحديث بن عمرو بن شعيب
[ 43 ]
باب إذا قطع من الصيد قطعة وقال (ما قطع) ما موصوله (وهي حية) جملة حالية (فهي) أي ما قطع وأنت لتأنيث خبره وهو قوله (ميتة) أي حكمها حكم الميتة في أنها لا تؤكل قال ابن الملك أي كل عضو قطع فذلك العضو حرام لأنه ميت بزوال الحياة عنه وكانوا يفعلون ذلك في حال الحياة فنهوا عنه قال المنذري وأخرجه الترمذي أتم منه وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن أسلم هذا آخر كلامه وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المديني قال يحيى بن معين في حديثه ضعف وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به وذكر أبو أحمد هذا الحديث وقال لا أعلم يرويه عن زيد بن أسلم غير عبد الرحمن بن عبد الله هذا آخر كلامه وقد أخرجه ابن ماجه في سننه من حديث زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر في إسناده يعقوب بن حميد بن كاسب وفيه مقال باب في اتباع الصيد (لا أعلمه) أي هذا الحديث (جفا) أي صار فيه جفاء الأعراب أي غلظ طبعه وصار جافيا بعد لطف الأخلاق إذ يفقد من يروضه ويؤدبه (غفل) أي يشتغل به قلبه ويستولي عليه حتى يصير فيه غفلة (افتتن) أي صار مفتونا في دينه في الصحاح افتتن الرجل وفتن المبنى للمفعول فيهما إذا أصابته فتنة فذهب ماله وعقله والمراد ههنا ذهاب دينه قاله في مرقاة الصعود وقال العزيزي لأنه إن وافقه في مراده فقد خاطر بدينه وإن خالفه خاطر بروحه انتهى
[ 44 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي مرفوعا وقال الترمذي حسن غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من حديث الثوري هذا آخر كلامه وفي إسناده أبو موسى عن وهب بن منبه ولا نعرفه قال الحافظ أبو أحمد الكرابيسي حديثه ليس بالقائم هذا آخر كلامه وقد روى من حديث أبي هريرة وهو ضعيف أيضا وروى أيضا من حديث البراء بن عازب وتفرد به شريك بن عبد الله فيما قاله الدارقطني وشريك فيه مقال والله أعلم انتهى كلام المنذري (عن شيخ من الأنصار عن أبي هريرة) أورد الحافظ المزي هذا الحديث في الأطراف وقال هذا الحديث في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى قلت ولذا لم يذكره المنذري (فكل ما لم ينتن) قال في الصحاح نتن الشئ ككرم فهو نتين كقريب ونتن كضرب وفرج وأنتن إنتانا أنه انتهى وجعل الغاية أن ينتن الصيد فلو وجده مثلا بعد ثلاث ولم ينتن حل ولو وجده دونها وقد أنتن فلا هذا ظاهر الحديث وأجاب النووي بأن النهي عن أكله إذا أنتن للتنزيه وظاهر الحديث التحريم وقد حرمت المالكية المنتن مطلقا وهو الظاهر قاله في النيل قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي والحديث في مختصر المنذري قبل هذا الباب أي في اتخاذ الكلب للصيد وهكذا في بعض نسخ الكتاب والله أعلم
[ 45 ]
أول كتاب الوصايا جمع وصية كهدايا وهدية ، وهي شرعا خاص يضاف إلى ما بعد الموت . قاله في السبل باب ما جاء فيما يؤمر به من الوصية (ما) نافية بمعنى ليس (حق امرئ) أي ليس اللائق بامرئ مسلم وقال المناوي أي ليس الحزم والاحتياط لإنسان له شئ من المال أو دين أو حق فرط فيه أو أمانة (له شئ) صفة لامرئ (يوصي فيه) صفة شئ (يبيت ليلتين) خبر ما بتأويله بالمصدر قال الحافظ كأن فيه حذفا تقديره أن يبيت وهو كقوله تعالى ومن آياته يريكم البرق ويجوز أن يكون صفة لامرئ وبه جزم الطيبي انتهى وفي رواية ليلة أو ليلتين وفي رواية يبيت ثلاث ليال واختلاف الروايات دال على أنه للتقريب لا للتحديد والمعنى لا ينبغي له أن يمضي عليه زمان وإن كان قليلا في حال من الأحوال إلا أن يبيت بهذه الحال وهي أن يكون وصيته مكتوبة عنده لأنه لا يدري متى يدركه الموت قال ابن الملك ذهب بعض إلى وجوب الوصية لظاهر الحديث والجمهور على استحبابها لأنه عليه السلام جعلها حقا للمسلم لا عليه ولو وجبت لكان عليه لا له وهو
[ 46 ]
خلاف ما يدل عليه اللفظ قيل هذا في الوصية المتبرع بها وأما الوصية بأداء الدين ورد الأمانات فواجبة عليه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (ولا أوصى بشئ) قال الخطابي تريد وصية المال خاصة لأن الإنسان إنما يوصي في مال سبيله أن يكون موروثا وهو صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا يورث فيوصي به وقد أوصى عليه السلام بأمور منها ما روى أنه عليه السلام كان عامة وصيته عند الموت الصلاة وما ملكت إيمانكم وقال ابن عباس أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا اليهود من جزيرة العرب وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه ما جاء في ما يجوز للموصى في ماله (عن أبيه) أي سعد بن أبي وقاص (مرض) أي سعد (مرضا أشفى فيه) وفي رواية الشيخين مرضت مرضا أشفيت على الموت قال النووي معنى أشفيت على الموت أي قاربته وأشرفت عليه (فعاده) من العيادة إلا ابنتي أي لا يرثني من الولد وخواص الورثة إلا ابنتي وإلا فقد كان له عصبة وقيل معناه لا يرثني من أصحاب الفروض قاله النووي (فبالشطر) أي فأتصدق بالنصف (قال الثلث) يجوز نصبه ورفعه أما النصب فعلى الإغراء أو على تقدير افعل أي اعط الثلث وأما الرفع فعلى أنه فاعل أي يكفيك الثلث قاله النووي (والثلث كثير) مبتدأ وخبر قال الحافظ يحتمل أن يكون هذا مسوقا لبيان الجواز بالثلث وأن
[ 47 ]
الأولى أن ينقص عنه ولا يزيد عليه وهو ما يبتدره الفهم ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل أي كثير أجره ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل قال الشافعي رحمه الله وهذا أولى معانيه يعني أن الكثرة أمر نسبي وعلى الأول عول ابن عباس رضي الله عنهما انتهى (إنك) استئناف تعليل (أن تترك) بفتح الهمزة أي تترك أولادك أغنياء خير والجملة بأسرها خبر إنك وبكسرها على الشرطية وجزاء الشرط قوله خير على تقدير فهو خير وحذف الفاء من الجزاء سائغ شائع غير مختص بالضرورة قاله القسطلاني (من أن تدعهم) أي تتركهم (عالة) أي فقراء جمع عائل (يتكففون الناس) أي يسألونهم بالأكف بأن يبسطوها للسؤال (إلا أجرت) بصيغة المجهول أي بصوت مأجورا (فيها) وفي بعض النسخ بها والتفسير للنفقة (حتى اللقمة) بالنصب عطفا على نفقة ويجوز الرفع على أنه مبتدأ وتدفعها الخبر قاله الحافظ وجوز القسطلاني الجر على أن حتى جارة (إلي في امرأتك) أي إلى فمها والمعنى أن المنفق لابتغاء رضاه تعالى يؤجر وإن كان محل الإنفاق محل الشهوة وحظ النفس لأن الأعمال بالنيات (أتخلف عن هجرتي) أي أبقى بسبب المرض خلفا بمكة قاله تحسرا وكانوا يكرهون المقام بمكة بعد ما هاجروا منها وتركوها لله (إنك إن تخلف بعدي فتعمل عملا صالحا الخ) يعني أن كونك مخلفا لا يضرك مع العمل الصالح (لعلك إن تخلف) وفي بعض النسخ لن تخلف أي بأن يطول عمرك (حتى ينتفع بك أقوام) أي من المسلمين بالغنائم مما سيفتح الله على يديك من بلاد الشرك (ويضر) مبني على للمفعول (بك آخرون) من المشركين الذين يهلكون على يديك وقد وقع ذلك الذي ترجى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشفي سعد من ذلك المرضى وطال عمره حتى انتفع به أقوام من المسلمين واستضر به آخرون من الكفار حتى مات سنة خمسين على المشهور وقيل غير ذلك (اللهم أمض لأصحابي هجرتهم) أي تممها لهم ولا تنقصها (لكن البائس سعد بن خولة) البائس من أصابه بؤس أي ضر وهو يصلح للذم والترحم قيل إنه لم يهاجر من مكة حتى مات بها فهو ذم والأكثر أنه هاجر ومات بها في حجة الوداع فهو ترحم (يرثى له) من
[ 48 ]
رثيت الميت مرثية إذا عددت محاسنه ورثأت بالهمزة لغة فيه فإن قيل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرائى كما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم فإذا نهي عنه كيف يفعله فالجواب أن المرثية المنهي عنها ما فيه مدح الميت وذكر محاسنه الباعث على تهييج الحزن وتجديد اللوعة أو فعلها مع الاجتماع لها أو على الإكثار منها دون ما عدا ذلك والمراد هنا توجعه عليه السلام وتحزنه على سعد لكونه مات بمكة بعد الهجرة منها ولا مدح الميت لتهييج الحزن كذا ذكره القسطلاني (أن مات بمكة) بفتح الهمزة أي لأجل موته بأرض هاجر منها وكان يكره موته بها فلم يعط ما تمنى قال ابن بطال وأن قوله يرثى له فهو من كلام الزهري تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم لكن البائس الخ أي رثى له حين مات بمكة وكان يهوي أن يموت بغيرها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 3 ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية (أن تصدق) بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وأصله أن تتصدق وبالتشديد على إدغامها قاله الحافظ (وأنت صحيح) جملة حالية (تأمل البقاء) بسكون الهمزة وضم الميم أي تطمع فيه (ولا تمهل) بالجزم بلا الناهية وبالرفع على أنه نفي ويجوز النصب (حتى إذا بلغت) أي الروح أي قاربت أي عند الغرغرة قاله القسطلاني (الحلقوم) بضم الحاء المهملة مجرى النفس (وقد كان لفلان) أي قد صار ما أوصي به للوارث فيبطله إن شاء إذا زاد على الثلث أو أوصي به لوارث آخر ويحتمل أن يراد بالثلاثة من يوصي له وإنما أدخل كان في الأخير إشارة إلى تقدير القدر له قاله القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (لأن يتصدق المرء الخ) لأنه في حال يشق عليه إخراج ماله لما يخوفه به الشيطان
[ 49 ]
من الفقر وطول العمر والأجر على قدر النصيب قال المنذري في إسناده شرحبيل بن سعد الأنصاري الخطمي مولاهم المدني كنيته أبو سعيد ولا يحتج بحديثه (الحداني) بضم الحاء المهملة وبالدال المشددة بعدها نون (والمرأة) بالنصب عطفا على اسم إن وخبر المعطوف محذوف بدلالة خبر المعطوف عليه ويجوز الرفع خبره كذلك (ستين سنة) أي مثلا أو المراد منه التكثير (فيضاران في الوصية) من المضارة وهي إيصال الضرر بالحرمان أو بما يعد في الشرع نقصانا إلى بعض من لا يستحق لولا هذه الوصية كذا في فتح الودود (قال) أي شهر ابن حوشب (من ها هنا) أي من بعد وصية الخ (غير مضار) أي غير موصل الضرر إلى الورثة بسبب الوصية (حتى بلغ) أي أبو هريرة والمعنى قرأ إلى قوله تعالى ذلك الفوز العظيم وهذه الآية في سورة النساء وقراءة أبي هريرة للآية لتأييد معنى الحديث وتقويته لأن الله سبحانه قد قيد ما شرعه من الوصية بعدم الضرار فتكون الوصية المشتملة على الضرار مخالفة لما شرعه الله تعالى وما كان كذلك فهو معصية وفي الحديث وعيد شديد وزجر بليغ للمضار في الوصية كما لا يخفي قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب هذا آخر كلامه وشهر بن حوشب قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين
[ 50 ]
باب ما جاء في الدخول أي في دخول الوصي (في الوصايا) وقبول الوصي وصية الموصي هل يجوز لكل أحد أن يجعل نفسه وصيا عند الحاجة ويقبل وصية الموصي أم هو خاص بمن هو متيقظ عارف بالتدابير والسياسة وقادر على تحصيل مصالح الولاية وقطع مفاسدها والوصايا جمع الوصية اسم من الإيصاء وربما سمي بها الموصى به يقال هذه وصية أي الموصى به والوصي والموصى من يقام لأجل الحفظ والتصرف في مال الرجل وأطفاله بعد الموت والفرق بين الوصي والقيم أن الوصي يفوض إليه الحفظ والتصرف والقيم يفوض إليه الحفظ دون التصرف كذا في الشرح (ضعيفا) أي غير قادر على تحصيل ما يصلح الإمارة ودرء للمفاسد (ما أحب لنفسي) أي من السلامة عن الوقوع في المحذور وقيل تقديره أي لو كان حالي كحالك في الضعف كذا في فتح الودود (فلا تأمرن) أي لا تصر أميرا (ولا تولين) أي لا تصر متوليا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان صلى الله عليه وسلم متوليا وكان سيد الولاة وكان حاكما كما لجميع المسلمين فكيف قال إني أحب لك الخ وفيه إشكال من وجهين الأول أن الإمام أفضل من غيره والثاني أنه كان ينبغي أن يؤثر عليه الصلاة والسلام ما هو أحب إليه والجواب أن معنى ذلك أحب لنفسي لو كان حالي كحالك في الضعف لأن للولاية شرطين العلم بحقائقها والقدرة على تحصيل مصالحها ودرء مفاسدها وقد نبه على هذين الشرطين يوسف عليه السلام بقوله إني حفيظ عليم فإذا فقد الشرطان حرمت الولاية انتهى قلت وفي الطبراني من حديث ابن عمر مرفوعا الإمام الضعيف ملعون كذا في مرقاة الصعود قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 51 ]
5 ما جاء في نسخ الوصية الخ (إن ترك خيرا الوصية الخ) في تفسير الجلالين كتب فرض عليكم إذا حضر أحدكم الموت أسبابه إن ترك خيرا مالا الوصية مرفوع بكتب وهو متعلق إذا إن كانت ظرفية ودال على جوابها إن كانت شرطية وجواب إن محذوف أي فليوص للوالدين والأقربين بالمعروف بالعدل وأن لا يزيد على الثلث ولا يفضل الغني (حقا) مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله (على المتقين) الله وهذا منسوخ بآية الميراث وبحديث لا وصية لوارث رواه الترمذي انتهى ما في الجلالين (فكانت الوصية كذلك) أي فرضا للورثة (حتى نسختها آية الميراث) يعني قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأننيين وهو الخ قال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال ما جاء في الوصية للوارث (قد أعطي كل ذي حق حقه) أي بين نصيبه الذي فرض له قال الخطابي هذا إشارة إلى آية المواريث وكانت الوصية قبل نزول آية واجبة للأقربين وهو قوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ثم نسخت بآية الميراث وإنما تبطل الوصية للوارث في قول أكثر أهل العلم من أجل حقوق سائر الورثة فإذا أجازوها جازت كما إذا أجازوا الزيادة على الثلث للأجنبي جاز وذهب بعضهم إلى أن
[ 52 ]
الوصية للوارث لا تجوز وإن أجازها سائر الورثة لأن المنع منها إنما هو لحق الشرع ولو جوزناها لكنا قد استعملنا الحكم المنسوخ وذلك غير جائز كما أن الوصية للقاتل غير جائة ز وإن أجازها الورثة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن هذا آخر كلامه وفي إسناده إسماعيل بن عياش وقد اختلف في الاحتجاج بحديثه ومنهم من ذكر أن حديثه عن أهل الحجاز وأهل العراق ليس بذاك وأن روايته عن أهل الشام أصح وهذا الحديث من روايته عن أهل الشام وقد أخرج هذا الحديث الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عمرو بن خارجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الترمذي حسن صحيح انتهى كلام المنذري مخالطة اليتيم في الطعام (إلا بالتي) أي إلا بالخصلة التي (هي أحسن) وهي ما فيه صلاحه وهذه الآية في سورة الأنعام وإن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما وبعده إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا وهذه الآية في سورة النساء ويسألونك عن اليتامى أي وما يلقونه من الحرج في شأنهم فإن واكلوهم يأثموا وإن عزلوا مالهم من أموالهم وصنعوا لهم طعاما وحدهم فخرج (قل إصلاح لهم) أي في أموالهم بتنميتها ومداخلتكم (خير) أي من ترك ذلك (وإن تخالطوهم) أي نفقتهم بنفقتكم صلى الله عليه وسلم فإخوانكم أي فهم إخوانكم في الدين ومن شان الأخ أن يخالط أخاه أي فلكم ذلك كذا في تفسير الجلالين قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده عطاء بن السائب وقد أخرج له البخاري حديثا مقرونا وقال أيوب ثقة وتكلم فيه غير واحد وقال الإمام أحمد من سمع منه قديما فهو صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن
[ 53 ]
بشئ ووافقه على ذلك يحيى بن معين وجرير بن عبد الحميد ممن سمع منه حديثا وهذا الحديث من رواية جرير عنه انتهى كلام المنذري ما جاء فيما لولي اليتيم الخ (ولا مبادر) من المبادرة قال تعالى وبدار أن يكبروا وهذا الذي يظهر في تفسير الحديث وضبطه الحافظ السيوطي فقال قوله ولا مبادرة قيل معناه ولا مسرف فهو تأكيد وتكرار ولا يبعد وقيل لا مبادر بلوغ اليتيم بانفاق ماله (ولا متأثل) قال الخطابي أي غير متخذ منه أصل مال وأثلة الشئ أصله ووجه إباحته له الأكل من مال اليتيم أن يكون ذلك على معنى ما يستحقه من العمل فيه والاستصلاح له وأن يأخذ منه بالمعروف على قدر مثل عمله وقد اختلف الناس في الأكل من مال اليتيم فروى عن ابن عباس أنه قال يأكل منه الوصي إذا كان يقوم عليه وإليه ذهب أحمد بن حنبل وقال الحسن والنخعي يأكل ولا يقضي ما أكل وقال عبيدة السلماني وسعيد بن جبير ومجاهد يأكل ويؤديه إليه إذا كبر وهو قول الأوزاعي انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقد تقدم الكلام على حديث عمرو بن شعيب باب ما جاء متى ينقطع اليتيم (سعيد بن عبد الرحمن) بن يزيد (بن رقيش) بالقاف والشين المعجمة مصغرا الأسدي
[ 54 ]
(أنه) أي سعيد ومن خاله أي خال سعيد (عبد الله بن أبي أحمد) بن جحش الأسدي ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن عمر وعلي وغيرهما وذكره جماعة في ثقات التابعين (لا يتم بعد احتلام) قال ابن رسلان أي إذا بلغ اليتيم أو اليتيمة زمن البلوغ الذي يحتلم غالب الناس زال عنهما اسم اليتيم حقيقة وجرى عليهما حكم البالغين سواء احتلما أو لم يحتلما وقد يطلق عليهما مجازا بعد البلوغ كما كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم وهو كبير يتيم أبي طالب لأنه رباه (ولا صمات يوم إلى الليل) بضم الصاد المهملة وهو السكوت وفيه النهي عما كان من أفعال الجاهلية وهو الصمت عن الكلام في الاعتكاف وغيره قاله العلقمي وقال المناوي أي لا عبرة به ولا فضيلة له وليس مشروعا عندنا كما شرع للأمم قبلنا انتهى قال المنذري في إسناده يحيى بن محمد المدني الجاري قال البخاري يتكلمون فيه وقال ابن حبان يجب التنكب عن ما انفرد به من الروايات وذكر العقيلي هذا الحديث وذكر أن هذا الحديث لا يتابع
[ 55 ]
عليه يحيى هذا آخر كلامه وهو منسوب إلى الجار بالجيم والراء المهملة بلدة على الساحل بقرب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وليس فيها شئ يثبت باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم (عن ثور بن يزيد) كذا وقع في بعض النسخ وكذلك في الأطراف وكذا في رواية البخاري وهو المعروف بالرواية عن أبي الغيث ووقع في بعض النسخ ثور بن يزيد بزيادة تحتانية في أول اسم أبيه والظاهر أنه غلط (الموبقات) أي المهلكات (إلا بالحق) وهو أن يجوز قتلها شرعا بالقصاص وغيره (والتولي يوم الزحف) أي الفرار عن القتال يوم ازدحام الطائفتين (وقذف المحصنات) بفتح الصاد اسم مفعول اللاتي أحصنهن الله تعالى وحفظهن من الزنا يعني رميهن بالزنا (الغافلات) أي عما نسب اليهن من الزنا (المؤمنات) احترز به عن قذف الكافرات فان قذفهن ليس من الكبائر والتنصيص على عدد لا ينافي أزيد منه في غير هذا الحديث كعقوق الوالدين وغيره كما في الرواية الآتية قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (وكان له) أي لعمير (صحبة) أي مع النبي صلى الله عليه وسلم يعني كان صحابيا (فذكر معناه) أي معنى حديث أبي هريرة المتقدم (زاد) أي عمير في حديثه (وعقوق الوالدين المسلمين) أي
[ 56 ]
قطع صلتهما مأخوذ من العق وهو الشق والقطع قيل هو إيذاء لا يتحمل مثله من الولد عادة وقيل عقوقهما مخالفة أمرهما فيما لم يكن معصية (واستحلال البيت الحرام) بأن يفعل في حرم مكة ما لا يحل كالاصطياد وقطع الشجر وغير ذلك (قبلتكم) بدل من البيت (أحياء وأمواتا) حال من الضمير في قبلتكم قال المنذري وأخرجه النسائي وقد قيل إنه لم يرو عنه غير ابنه عبيد باب ما جاء في الدليل على أن الكفن من جميع المال (عن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى ابن الأرت بفتح الهمزة وتشديد الفوقية (قال) أي خباب (مصعب بن عمير) مبتدأ وخبره قتل (إلا نمرة) بفتح النون وكسر الميم شملة فيها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب (إذا غطينا) من التغطية أي سيرنا (من الإذخر) بكسر الهمزة حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب وهمزتها زائدة قال الخطابي فيه دلالة على أن الكفن من رأس المال وأنه ان استغرق جميع المال كان الميت أولى به من الورثة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
[ 57 ]
12 ما جاء في الرجل يهب إلخ (ثم يوصي) بصيغة المجهول (له) أي للواهب (بها) أي بتلك الهبة (أو يرثها) أي يرث الواهب تلك الهبة من الموهوب له (تصدقت على أمي) أي أعطيتها أرادت بالصدقة العطية (بوليدة) الوليدة الجارية المملوكة (وإنها) أي أمي (قد وجب أجرك ورجعت) أي تلك الوليدة إليك في الميراث قال النووي فيه أن من تصدق بشئ ثم ورثه لم يكره له أخذه والتصرف فيه بخلاف ما إذا أراد شراه فإنه يكره لحديث فرس عمر رضي الله عنه انتهى (أفيجزئ أو يقضي عنها) شك من الراوي (أن أصوم عنها) قال نعم أي يجزئ قال الخطابي يحتمل أن يكون أرادت الكفارة عنها فيحل محل الصوم ويحتمل أن يكون أرادت الصيام المعروف وقد ذهب إلى جواز الصوم عن الميت بعض أهل العلم وذهب أكثر العلماء إلى أن عمل البدن لا تقع فيه النيابة كما لا تقع في الصلاة انتهى (أن أحج عنها قال نعم) قال النووي فيه دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي والجمهور أن النيابة في الحج جائزة عن الميت انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه قيل معنى الصدقة ها هنا العطية فإنما جرى عليها اسم الصدقة لأنها بر وصلة فيها أجر فحلت محل الصدقة وفيه دليل على أن من تصدق على فقير بشئ فاشتراه منه بعد أن كان أقبضه إياه فإن البيع جائز وإن كان المستحب له أن لا يرتجعه إلى ملكه انتهى كلام المنذري
[ 58 ]
13 ما جاء في الرجل يوقف الوقف (أخبرنا يحيى) هو القطان والحاصل أن مسددا يروى عن يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ويحيى القطان ثلاثتهم عن عبد الله بن عون كذا في الفتح (أصاب) أي صادف في نصيبه من الغنيمة (قط) أي قبل هذا أبدا (أنفس) أي أعز وأجود (عندي منه) الضمير يرجع إلى قوله أرضا ولعل تذكيره باعتبار تأويلها بالمال (فكيف تأمرني به) أي أن أفعل به من أفعال البر والتقرب إلى الله تعالى (حبست) بتشديد الموحدة ويخفف أي وقفت (وتصدقت بها) أي بغلتها وحاصلها من حبوبها وثمارها (أنه) أي الشأن (للفقراء) أي الذين لا مال لهم ولا كسب يقع موقعا من حاجتهم (والقربي) أي الأقارب والمراد قربى الواقف لأنه الأحق بصدقه قريبه ويحتمل على بعد أن يراد قربى النبي صلى الله عليه وسلم كما في الغنيمة قاله القسطلاني (والرقاب) أي في عتقها بأن يشتري من غلتها رقابا فيعتقون أو في أداء ديون المكاتبين (وفي سبيل الله) أي في الجهاد وهو أعم من الغزاة ومن شراء الات الحرب وغير ذلك (وابن السبيل) أي المسافر (وزاد) أي مسدد (والضيف) وهو من نزل بقوم يريد القرى (ثم اتفقوا) أي يزيد وبشر ويحيى كلهم عن ابن عوف (لا جناح) أي لا إثم (بالمعروف) أي بالأمر الذي يتعارفه الناس بينهم ولا ينسبون فاعله إلى إفراط فيه ولا تفريط (ويطعم) من الإطعام (صديقا) بفتح الصاد وكسر الدال المخففة (غير متمول فيه) أي غير متخذ منها مالا أي ملكا والمراد أنه لا يتملك شيئا من رقابها قاله القسطلاني وقال القاري أي غير مدخر حال من فاعل وليها (غير متأثل مالا) أي غير مجمع لنفسه منه رأس مال قال النووي فيه دليل على صحة أصل الوقف وأنه
[ 59 ]
مخالف لشوائب الجاهلية وقد أجمع المسلمون على ذلك وفيه أن الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث وإنما ينتفع فيه بشرط الواقف وفيه صحة شروط الواقف قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي النسائي وابن ماجه (يحيى بن سعيد) هو الأنصاري (عن) حال (صدقة) التي تصدق بها ووقفها (عمر بن الخطاب) في أيام النبي صلى الله عليه وسلم (قال) يحيى الأنصاري (نسخها) أي نسخة صدقة عمر رضي الله عنه والنسخ بالفارسية كتاب نوشتن إذا ونسخت الكتاب وانتسخته فقال واستنسخته أي كله بمعنى واعلم أن المؤلف رحمه الله ذكر في هذا الحديث كتابين لوقف عمر رضي الله عنه أحدهما هو بسم الله الرحمن الرحيم إلى قوله وشهد عبد الله بن الأرقم وثانيهما هو بسم الله الرحمن الرحيم إلى قوله أو اشترى رقيقا منه وفي الكتاب الثاني بعض زيادات ليست في الأول وذكر هذين الكتابين عمر بن شبة أيضا كما قال الحافظ في الفتح فنسخ عبد الحميد ليحيى بن سعيد كلا الكتابين (هذا ما كتب) هو الأول من الكتابين (عمر) بدل من عبد الله (في ثمغ) بفتح المثلثة وسكون الميم والغين المعجمة وحكي المنذري فتح الميم قال أبو عبيد البكري هي أرض تلقاء المدينة كانت لعمر رضي الله عنه ذكره الحافظ بن الحجر والقسطلاني وفي مراصد الاطلاع ثمغ بالفتح ثم السكون والغين معجمة موضع مال لعمر بن الخطاب وقفه وقيده بعض المغاربة بالتحريك انتهى وفي النهاية أن ثمغا وصرمة بن الأكوع مالان معروفان بالمدينة كانا لعمر بن الخطاب فوقفهما انتهى وتقدم في رواية مسدد من طريق نافع قال أصاب عمر بخيبر أرضا وعند البخاري من رواية صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال له ثمغ وكان نخلا وكذا لأحمد من رواية أيوب أن عمر أصاب أرضا من يهود بني حارثة يقال لها ثمغ كذا في الفتح (فقص) يحيى بن سعيد (من خبره) اي عمر بن الخطاب (غير متأثل مالا) مكان قوله غير متمول وزاد الجملة التالية (فما عفا عنه) أي فما فضل عن أكل المتولي واطعام الصديق
[ 60 ]
له قال أصحاب اللغة العفو الفضل ومن الماء ما فضل عن الشاربة وأخذ من غير كلفة ولا مزاحمة ومن المال ما يفضل عن النفقة ولا عسر على صاحبه في إعطائه (فهو للسائل والمحروم) أي لغير ما ذكر من الفقراء والقربي وفي سبيل الله وابن السبيل (رقيقا) أي عبدا لعلمه أي لعمل ثمغ (وكتب) أي الكتاب (معيقيب) صحابي من السابقين الأولين هاجر الهجرتين وشهد المشاهد ولي بيت المال لعمر وكان يكتب لعمر في خلافته (وشهد) على ذلك الكتاب (عبد الله بن الأرقم) صحابي معروف ولاه عمر بيت المال (هذا ما أوصي به) هذا هو الكتاب الثاني من كتابي صدقة عمر رضي الله عنه (إن حدث به) بعمر رضي الله عنه (حدث) أي موت وهذه الجملة شرطية وقوله أن ثمغا مع ما عطف عليه اسم إن وقوله تليه خبرها وهي مع اسمها وخبرها جزاء الشرط ويجوز ترك الفاء من الجملة الإسمية إذا كانت مصدرة بأن كما في قوله تعالى وإن أطعتموهم إنكم لمشركون والجملة الشرطية هي المشار إليها لقوله هذا (وصرمة بن الأكوع) بكسر الصاد وسكون الراء قيل هما مالان معروفان بالمدينة كانا لعمر بن الخطاب فوقفهما وقيل المراد في حديث عمر بالصرمة القطعة الخفيفة من النخل ومن الإبل كذا في فتح الودود قال في النهاية الصرمة هنا القطعة الخفيفة من النخل وقيل من الإبل انتهى (والعبد الذي فيه) أي لعمل ثمغ (والمائة سهم الذي بخيبر) وللنسائي من رواية سفيان عن عبد الله بن عمر جاء عمر فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت مالا لم أصب مالا مثله قط كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها فيحتمل أن تكون ثمغ من جملة أراضي خيبر وأن مقدارها كان مقدار مائة سهم من السهام التي قسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين من شهد خيبر وهذه المائة سهم غير المائة سهم التي كانت لعمربن الخطاب بخيبر التي حصلها من جزئه من الغنيمة وغيره (والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي) وعند عمر بن شبة كما في الفتح والمائة وسق التي أطعمني النبي صلى الله عليه وسلم فإنها مع ثمغ على سننه الذي أمرت به انتهى والمراد بالوادي يشبه أن يكون وادي القرى
[ 61 ]
قال في المراصد هو واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى (تليه) من الولاية والضمير المنصوب يرجع إلى ثمغ وما عطف عليه والجملة خبر أن (ما عاشت) أي مدة حياتها (ثم يليه ذو الرأي من أهلها) وعند عمر بن شبة عن يزيد بن هارون عن ابن عون في اخر هذا الحديث وأوصي بها عمر إلى حفصة أم المؤمنين ثم إلى الأكابر من ال عمرو نحوه في رواية عبيد الله ابن عمر عند الدارقطني وفي رواية أيوب عن نافع عند أحمد يليه ذوو الرأي من ال عمر فكأنه كان أولا شرط أن النظر فيه لذوي الرأي من أهله ثم عين عند وصيته لحفصة وقد بين ذلك عمر بن شبة عن أبي غسان المدني قال هذه نسخة صدقة عمر أخذتها من كتابه الذي عند ال عمر فنسختها حرفا حرفا هذا ما كتب عبد الله عمر أمير المؤمنين في ثمغ أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمره حيث أراها الله فإن توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها وهذا يقتضي أن عمر إنما كتب كتاب وقفه في خلافته لأن معيقيبا كان كاتبه في زمن خلافته وقد وصفه فيه بأنه أمير المؤمنين فيحتمل أن يكون وقفه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ وتولى هو النظر عليه إلى أن حضرته الوصية فكتب حينئذ الكتاب ويحتمل أن يكون أخر وقفيته ولم يقع منه قبل ذلك إلا استشارته في كيفيته (أن لا يباع) بتقدير حرف الباء أي بأن لا يباع وهو متعلق بقوله تليه وتقدير حرف الجر مع أن المفتوحة شائع كما هو مذكور في باب التحذير من كتب النحو (إن أكل) هو اي ولي الصدقة (أو اكل) بالمد أي غيره من صديقه وضيفه (رقيقا) عبدا (منه) أي من محصول ثمغ وما ذكر معه لعلمه والحديث سكت عنه المنذري ما جاء في الصدقة عن الميت (عن سليمان يعني ابن بلال عن العلاء) هذا الإسناد هكذا في جميع النسخ وكذا في الأطراف وفي بعض النسخ زيادة راويين بين سليمان والعلاء وهو غلط (انقطع عنه عمله) أي فائدة عمله وتجديد ثوابه (إلا من ثلاثة أشياء) فإن ثوابها لا ينقطع بل هو دائم متصل النفع (من
[ 62 ]
صدقة جارية) كالأوقاف ولفظ مسلم إلا من صدقة قال الطيبي وهو بدل من قوله إلا من ثلاث أي ينقطع ثواب عمله من كل شئ ولا ينقطع ثوابه من هذه الثلاث قاله المناوي (أو علم ينتفع به) كتعليم وتصنيف قال التاج السبكي والتصنيف أقوى لطول بقائه على ممر الزمان (أو ولد صالح يدعو له) قال ابن الملك قيد بالصالح لأن الأجر لا يحصل من غيره انتهى وقال ابن حجر المكي المراد من الصالح المؤمن قال المناوي وفائدة تقييده بالولد مع أن دعاء غيره ينفعه تحريض الولد على الدعاء وورد في أحاديث أخر زيادة على الثلاثة وتتبعها السيوطي فبلغت أحد عشر ونظمها في قوله إذا مات ابن ادم ليس يجري عليه من فعال غير عشر علوم ثنا بثها ودعاء نجل وغرس النخل والصدقات تجري وراثة به مصحف ورباط ثغر وحفر البئر أو إجراء نهر وبيت هذا للغريب بناه يأوى إليه أو بناه محل ذكر وتعليم ثم لقران كريم فخذها من أحاديث بحصر وسبقه إلى ذلك ابن العماد فعدها ثلاثة عشر وسرد أحاديثها والكل راجع إلى هذه الثلاث انتهى وقال النووي في شرح مسلم في باب بيان أن الإسناد من الدين أن الصدقة تصل إلى الميت وينتفع بها بلا خلاف بين المسلمين وهذا هو الصواب وأما ما حكاه الماوردي من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب فهو مذهب باطل وخطأ بين مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأئمة فلا التفات إليه ولا تعريج عليه انتهى وأيضا قال النووي في موضع اخر وفي الحديث أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت وكذلك الصدقة وهما مجمع عليهما انتهى قال الخطابي فيه دليل على أن الصوم والصلاة وما دخل في معناهما من عمل الأبدان لا تجري فيه النيابة وقد يستدل به من يذهب إلى أن من حج عن ميت فالحج يكون في الحقيقة للحاج دون المحجوج عنه وإنما يلحقه الدعاء ويكون له الأجر في المال الذي أعطى إن كان حج عنه بمال انتهى وقال الحافظ ابن القيم اختلف في العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القران والذكر فمذهب أحمد وجمهور السلف وصولها وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة رحمه الله والمشهور من مذهب الشافعي ومالك أن ذلك لا يصل انتهى مختصرا كذا في ضالة الناشد الكئيب قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي
[ 63 ]
والنسائي قال بعضهم عمل الميت منقطع لموته لكن هذه الأشياء لما كان هو سببها من اكتسابه الولد وبثه العلم عند من حمله عند أو إبداعه تأليفا بقي بعده ووقفه هذه الصدقة بقيت له أجورها ما بقيت ووجدت وفيه دليل على جواز الوقف ورد على من منعه من الكوفيين لأن الصدقة الجارية الباقية بعد الموت إنما تكون بالوقف انتهى كلام المنذري ما جاء في من مات عن غير وصية يتصدق عنه (افتلت نفسها) بالفاء الساكنة والفوقية المضمومة واللام المكسورة مبنيا للمفعول أي ماتت فجأة وأخذت نفسها فلتة ويروي بنصب النفس بمعنى افتلتها الله نفسها يعدى إلى مفعولين كما ختلسه رسول الشئ واستلبه فبنى الفعل للمفعول فصار الأول مضمرا للأم وبقي الثاني منسوبا وبرفعها متعديا إلى واحد ناب عن الفاعل أي أخذت نفسها فلتة كذا في المجمع وفي الحديث إن الصدقة تنفع الميت قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (أن رجلا) هو سعد بن عبادة (فإن لي مخرفا) أي حائطا مخرفا وفي رواية البخاري أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها قال القسطلاني بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة اخره فاء اسم للبستان أو وصف له أي المثمر وسمى بذلك لما يخرف منه أي يجنى من الثمرة تقول شجرة مخراف ومثمار قال وفي رواية عبد الرزاق المخرف بغير الألف انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وهذا الرجل هو سعد بن عبادة رضي الله عنه
[ 64 ]
15 ما جاء في وصية الحربي الكافر (يسلم) من الإسلام (وليه) ووصيه وهو فاعل يسلم والجملة حالية أي وصية الحربي حال كون وليه ووصيه مسلما فإذا أوصى الكافر فهل يلزم على وارثه المسلم تنفيذ وصيته (حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد) بفتح الميم وسكون الزاي وفتح المثناة التحتية قاله في التقريب (أن العاص بن وائل) هو سهمي قرشي أدرك زمن الإسلام ولم يسلم (أن يعتق عنه) بصيغة المجهول أي يعتق ورثته عن قبله بعد موته (فأعتق ابنه هشام) هو هشام بن العاص أخو عمرو بن العاص المشهور أنه كان أصغر منه وكان قديم الإسلام وكان حبرا فاضلا قاله في اللمعات (فأراد ابنه) أي ابن العاص (عمرو) هو الأخ الكبير لهشام (أن يعتق عنه) أي عن أبيه (حتى أسأل) أي لا أعتق حتى أسأل (لو كان مسلما الخ) فيه دليل على أن الصدقة لا تنفع الكافر وعلى أن المسلم ينفعه العبادة المالية والبدنية قاله في اللمعات والحديث دليل على أنه لا يجب على ورثة الكافر المسلمين تنفيذ وصيته بالقرب قال المنذري وقد تقدم الكلام على حديث عمرو بن شعيب واختلاف الأئمة فيه
[ 65 ]
16 ما جاء في الرجل يموت وعليه دين (وله) أي للميت (وفاء) أي مال يقضي عنه دينه (يستنظر) بصيغة المجهول أي يستمهل (غرماؤه) جمع غريم هو من له دين (ويرفق) بصيغة المجهول أي يلان في أداء الدين بالوارث ولا يعنف به (ثلاثين وسقا) الوسق ستون صاعا (فاستنظره) أي استمهله (فأبى) أي امتنع اليهودي من الإنظار والإمهال (وكلمه) أي اليهودي (أن ينظره) من الإنظار وهو التأخير والإمهال (وساق الحديث) وهو مذكور في صحيح البخاري في الصلح والاستقراض والهبة وعلامات النبوة مختصرا ومطولا قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه
[ 66 ]
25 أول كتاب الفرائض ما جاء في تعليم الفرائض جمع فريضة كحديقة وحدائق والفريضة فعيلة بمعنى مفروضة مأخذوة من الفرض وهو القطع يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت له شيئا من المال قاله الخطابي وخصت المواريث باسم الفرائض من قوله تعالى نصيبا مفروضا أي مقدرا أو معلوما أو مقطوعا عن غيرهم كذا في الفتح (العلم) أي الذي هو أصل علوم الدين واللام للعهد الذهني (فهو فضل) أي زائد لا ضرورة إلى معرفته (اية محكمه) أي غير منسوخة أو ما لا يحتمل إلا تأويلا واحدا قاله القاري (أو سنة قائمة) أي ثابتة صحيحة منقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأو للتنويع (أو فريضة عادلة) قال في فتح الودود المراد بالفريضة كل حكم من الأحكام يحصل به العدل في القسمة بين الورثة وقيل المراد بالفريضة كل ما يجب العمل به وبالعادلة ولا المساوية لما يؤخذ من القران والسنة في وجوب العمل فهذا إشارة إلى الإجماع والقياس وكلام المصنف مبني على المعنى الأول انتهى قال الخطابي في هذا حث على تعلم الفرائض وتحريض عليه وتقديم لعلمه والآية
[ 67 ]
المحكمة هي كتاب الله تعالى واشترط فيها الإحكام لأن من الآتي ما هو منسوخ لا يعمل به وإنما يعمل بناسخه والسنة القائمة هي الثابتة مما جاء عنه صلى الله عليه واله وسلم من السنن المروية وذكر في الفريضة العادلة قريبا مما في فتح الودود قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم افريقي وهو أول مولود ولد بإفريقية في الإسلام وولي القضاء بها وقد تكلم فيه غير واحد وفيه أيضا عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية وقد غمزه البخاري وابن أبي حاتم في الكلالة قال القسطلاني الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد وهو قول جمهور اللغويين وقال به علي وابن مسعود أو الذي لا والد له فقط وهو قول عمر أو الذي لا ولد له فقط وهو قول بعضهم أو من لا يرثه أب ولا أم وعلى هذه الأقوال فالكلالة اسم للميت وقيل الكلالة اسم للورثة ما عدا الأبوين والولد قاله قطرب واختاره أبو بكر رضي الله عنه وسموا بذلك لأن الميت بذهاب طرفيه تكلله الورثة أي أحاطوا به من جميع جهاته انتهى (يعودني) من العيادة (وصبه) أي صب ماء وضوئه (فأفقت) أي من إغمائي (ولي أخوات) قال الخطابي وكان جابر يوم نزول الآية ليس له ولد ولا والد قال وروى أن عبد الله بن حرام أبا جابر قتل يوم أحد ونزلت آية الكلالة في اخر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنزلت اية الميراث) وهي قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم الآية (يستفتونك) أي يستخبرونك في الكلالة والاستفتاء طلب الفتوى وتمام الآية إن امرؤ مرفوع بفعل يفسره هلك أي مات ليس له ولد أي ولا والد وهو الكلالة وله أخت من أبوين أو أب فلها نصف ما ترك وهو أي الأخ كذلك يرثها جميع ما تركت إن لم يكن لها ولد فإن كان لها ولد ذكر فلا شئ له أو أنثى فله ما فضل عن نصيبها ولو كانت الأخت أو الأخ من أم ففرضه السدس
[ 68 ]
كما تقدم أول السورة فإن كانتا أي الأختان اثنتين أي فصاعدا لأنها نزلت في جابر وقد مات عن أخوات فلهما الثلثان مما ترك أي الأخ كذا في تفسير الجلالين قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه من كان ليس له ولد وله أخوات (اشتكيت) أي مرضت (ألا أوصي لأخواتي) أي من مالي الذي يكون بعد موتي لأخواتي قاله مولانا محمد إسحاق الدهلوي (قال أحسن) أي إلى أخواتك (الشطر) أي النصف (لا أراك) بضم الهمزة أي لا أظنك (من وجعك) أي من مرضك قال المنذري وأخرجه النسائي (قال اخر اية نزلت في الكلالة) إن قلت كيف الجمع بين هذا وبين حديث ابن عباس قال اخر اية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم اية الربى قلت يجمع بينهما بأن الآيتين نزلتا جميعا فيصدق أن كلا منهما اخر بالنسبة لما عداهما ويحتمل أن تكون الآخرية في اية النساء مقيدة بما يتعلق بالمواريث مثلا بخلاف اية البقرة ويحتمل عكسه والأول أرجح لما في اية البقرة من الإشارة إلى معنى الوفاة المستلزمة لخاتمة النزول ذكره الحافظ في الفتح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 69 ]
(جاء رجل) قال الخطابي قد روى أن هذا الرجل هو عمر بن الخطاب ويشبه أن يكون إنما لم يفته عن مسألته ووكل الأمر في ذلك إلى بيان الآية اعتمادا على علمه وفهمه انتهى ملخصا (تجزئك) أي تكفيك (اية الصيف) وهي قوله تعالى ويستفتونك الآية قال الخطابي أنزل الله في الكلالة ايتين أحدهما في الشتاء وهي الآية التي في أول سورة النساء وفيها إجمال وإبهام لا يكاد يتبين هذا المعنى من ظاهرها ثم أنزل الآية الأخرى في الصيف وهي التي في اخر سورة النساء وفيها من زيدة البيان ما ليس في اية الشتاء فأحال السائل عليها ليتبين المراد بالكلالة المذكورة فيها انتهى (هو من مات الخ) قال الخطابي واختلفوا في الكلالة من هو فقال أكثر الصحابة هو من لا ولد له ولا والد وروى عن عمر بن الخطاب مثل قولهم وروى عنه أنه قال هو من لا ولد له ويقال إن هذا اخر قوليه قال المنذري وأخرجه الترمذي باب ما جاء في ميراث الصلب حدثنا أي الأولاد كالإبن والبنت وابن الإبن وبنت الإبن (عن هزيل) بالتصغير (ابن شرحبيل) بضم معجمة وفتح راء وسكون مهملة وكسر موحدة وترك صرف (وائت ابن مسعود) هذا مقول أبي موسى (سيتابعنا) أي يوافقنا (لقد ضللت إذا) أي
[ 70 ]
إن وافقتهما وقلت بحرمان بنت ابن (فيها) أي في هذه القضية (ولابنة ابن سهم) وهو السدس (تكملة الثلثين) منصوب على أنه مفعول له أي لتكميل الثلثين (وما بقي فللأخت) أي لكونها عصبة مع البنات وبيانه أن حق البنات الثلثان وقد أخذت البنت الواحدة النصف فبقي سدس من حق البنات فهو لبنت الإبن تكملة الثلثين وما بقي فللأخت قال الخطابي فيه بيان أن الأخوات مع البنات عصبة وهو قول جماعة الصحابة والتابعين وعوام فقهاء الأمصار إلا ابن عباس فإنه قد خالف عامة الصحابة في ذلك وكان يقول في رجل مات وترك ابنة وأختا لأبيه وأمه أن النصف للبنت وليس للأخت شئ انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وليس في حديث البخاري ذكر سلمان بن ربيعة وأخرجه النسائي بالوجهين (في الأسواف) بالفاء قال في النهاية هو اسم لحرم المدينة الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وفي بعض النسخ بالقاف مكان الفاء (هاتان بنتا ثابت بن قيس) قال الخطابي هو غلط من بعض الرواة فإنما هي سعد بن الربيع وهما ابنتاه وقتل سعد بأحد وبقي ثابت بن قيس حتى شهد اليمامة في عهد أبي بكر رضي الله عنه انتهى ملخصا (قتل معك) أي مصاحبا لك قال الطيبي رحمه الله لا يجوز أن يتعلق معك بقتل انتهى والحاصل أنه ظرف مستقل لا ظرف لغو (وقد استفاء عمهما مالهما) معناه استرد واسترجع حقهما من الميراث وأصله من الفئ الذي يؤخذ من أموال الكفار وإنما هو مال رده الله تعالى إلى المسلمين كان في أيدي الكفار انتهى قال في المجمع أي استرجعه وجعله فيئا له وهو استفعل من الفئ (فو الله لا تنكحان أبدا إلا ولهما مال) يعني أن الأزواج لا يرغبون في نكاحهن إلا إذا كان معهن مال وكان ذلك
[ 71 ]
معروفا في العرب قاله في النيل (يقضي الله) أي يحكم (وصاحبها) يعني أخا زوجها (وما بقي فلك) أي بالعصوبة والحديث فيه دليل على أن للبنتين الثلثين وإليه ذهب الأكثرون وقال ابن عباس بل للثلاث فصاعدا لقوله تعالى فوق اثنتين وحديث الباب نص في محل النزاع قاله في النيل (أخطأ بشر) هو ابن المفضل (فيه) أي في الحديث (يوم اليمامة) اسم بلد وقع فيه القتال بين أبي بكر رضي الله عنه وبين مسيلمة الكذاب قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وفي حديثهما سعد بن الربوع وقال الترمذي حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل هذا اخر كلامه وعبد الله بن محمد بن عقيل اختلف الأئمة في الاحتجاج بحديثه (وساق) أي داؤد بن قيس (نحوه) أي نحو حديث بشر (ونبي الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حي) فيه إشارة إلى أن معاذا لا يقضي بمثل هذا القضاء في حياته صلى الله عليه وسلم إلا لدليل يعرفه ولو لم يكن لديه دليل لم يعجل بالقضية قاله في النيل والحديث سكت عنه المنذري
[ 72 ]
في الجدة أي أم الأب وأم الأم (عن عثمان بن إسحاق بن خرشة) بمعجمتين بينهما راء مفتوحات (عن قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة (ابن ذؤيب) بالتصغير (جاءت الجدة) أي أم الأم كما في رواية قاله القاري (مالك) أي ليس لك (حتى أسأل الناس) أي الصحابة رضي الله عنهم (فأنفذه لها) أي فأنفذ الحكم بالسدس للجدة وأعطاه إياها (ثم جاءت الجدة الأخرى) قال في فتح الودود في رواية الترمذي التي تخالفها والمراد أنها على خلاف صفة التي جاءت ألى أبي بكر رضي الله عنه بأنها أم الأب وهذه أم الأم أو بالعكس انتهى (وما) نافية (كان القضاء الذي قضى) بصيغة المجهول (به) أي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر (إلا لغيرك) الخطاب للجدة الأخرى وغيرها هي الجدة الأولى (ولكن هو) أي فرض الجدة (وأيتكما ما خلت به) ما زائدة أي انفردت بالسدس والحديث فيه دليل على أن فرض الجدة السدس سواء كانت واحدة أو أكثر قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح وفي لفظ الترمذي جاءت الجدة أم الأم أو أم الأب إلى أبي بكر رضي الله عنه وفي لفظ النسائي أن الجدة أم الأب أتت أبا بكر رضي الله عنه
[ 73 ]
(العتكي) بفتح المهملة والمثناة (عن ابن بريدة) هو عبد الله (إذا لم تكن دونها أم) قال الطيبي دون هنا بمعنى قدام لأن الحاجب كالحاجز بين الوارث والميراث انتهى والمعنى إن لم يكن هناك أم الميت فإن كانت هناك أم الميت لا ترث الجدة لا أم الأم ولا أم الأب قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده عبيد الله العتكي وهو أبو المنيب عبيد الله بن عبد الله العتكي المروزي وقد وثقه يحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد 6 ما جاء في ميراث الجد أي أب الأب دون أب الأم فإنه جد فاسد ليس من أصحاب الفرائض ولا من العصبات وإنما هو من ذوي الأرحام (إن ابن ابني مات فما لي من ميراثه) أي وله بنتان ولهما الثلثان وكان معلوما عندهم قاله القاري (لك السدس) أي بالفرضية (لك سدس اخر) أي بالعصوبة (إن السدس الآخر) ضبط في بعض النسخ بفتح الخاء وقال القاري في المرقاة بكسر الخاء وفي نسخة بالفتح والمراد به الآخر بالكسر (طعمة) أي لك يعني رزق لك بسبب عدم كثرة أصحاب الفروض وليس بفرض لك فإنهم إن كثروا لم يبق هذا السدس الأخير لك قال الطيبي رحمه الله صورة هذه المسألة أن الميت ترك بنتين وهذا السائل فلهما الثلثان وبقي الثلث فدفع عليه الصلاة والسلام إلى السائل سدسا بالفرض لأنه جد الميت وتركه حتى ذهب فدعاه ودفع إليه السدس الأخير كيلا يظن أن فرضه الثلث ومعنى الطعمة هنا التعصيب أي رزق لك ليس بفرض وإنما قال في
[ 74 ]
السدس الآخر طعمة دون الأول لأنه فرض والفرض لا يتغير بخلاف التعصيب فلما لم يكن التعصيب شيئا مستقرا ثابتا سماه طعمة انتهى (فلا يدرون) أي الصحابة (مع أي شئ) أي من الورثة (أقل شئ) مبتدأ موصوف (ورث) يخفة ابن الراء (الجد) فاعل ورث والجملة صفة خبر المبتدأ أي أقل شئ ورثه الجد السدس (السدس) مفعوله والجملة خبر والمعنى أن وراثة السدس الواحد للجد هي أقل شئ له لأنه يستحق في بعض الأحيان للسدسين قوله السدس الواحد بالفرض والسدس الآخر بالعصوبة والله أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح هذا اخر كلامه وقد قال علي بن المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهما إن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين (عن الحسن) هو البصري (قال معقل بن يسار أنا) أي أنا أعلم (ورثه) أي الجد قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرجه ابن ماجه بنحوه وحديث الحسن عن عمر بن الخطاب منقطع فإنه ولد في سنة إحدى وعشرين وقتل عمر رضي الله عنه في سنة ثلاث وعشرين ومات فيها وقيل مات سنة أربع وعشرين وذكر أبو حاتم الرازي أنه لم يصح للحسن سماع عن معقل بن يسار رضي الله عنهم وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما حديث الحسن عن معقل بن يسار 7 من ميراث العصبة العصبة كل من يأخذ من التركة ما أبقته أصحاب الفرائض وعند الانفراد يحرز جميع المال (وهو أشبع) أي حديث مخلد أتم من حديث أحمد (بين أهل الفرائض) جمع فريضة فعيلة بمعنى مفعولة وهو الأنصباء المقدرة في كتاب الله وهي النصف ونصفه ونصف نصفه
[ 75 ]
الثلثان ونصفهما ونصف نصفهما والمراد بأهلها المستحقون لها بنص القران (على كتاب الله) أي على ما فيه (فما تركت الفرائض) المعنى فما بقي من أهل الفرائض (فلأولى) بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة (ذكر) أي لأقرب ذكر من الميت مأخوذ من الولي وهو القرب وفيه تنبيه على سبب استحقاقه وهي الذكورة التي سبب العصوبة وفي نسخة الخطابي فلأولى عصبة ذكر قال قال القسطلاني أي أقرب في النسب إلى الموروث دون الأبعد والوصف بالذكورة للتنبيه على سبب الاستحقاق بالعصوبة والترجيح في الإرث بكون الذكر له مثل حظ الأنثيين لأن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة بالقتال والقيام بالضيفان والعيال ونحو ذلك انتهى وقال في السبل المراد بأولى رجل أن الرجل من العصبة بعد أهل الفرائض إذا كان فيهم من هو أقرب إلى الميت استحق دون من هو أبعد فإن استووا اشتركوا وخرج من ذلك الأخ والأخت لأبوين أو لأب فإنهم يرثون بنص قوله تعالى وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين وأقرب العصبات البنون ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأب ثم الجد أبو الأب وإن علوا والحديث مبني على وجود عصبة من الرجال فإذا لم يوجد عصبة من الرجال أعطى بقية الميراث من لا فرض له من النساء انتهى كلامه وقال الخطابي أولى ها هنا أقرب والولي القريب يريد أقرب العصبة إلى ا لميت كالأخ والعم فإن الأخ أقرب من العم وكالعم وابن العم فإن العم أقرب من ابن العم وعلى هذا المعنى ولو كان قوله عليه السلام أولى بمعنى أحق لبقي الكلام مبهما لا يستفاد منه بيان الحكم إذ كان لا يدري من الأحق ممن ليس بأحق فعلم أن معناه قرب النسب على ما فسرناه انتهى في ميراث ذوي الأرحام اعلم أن ذا الرحم هو كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة فأكثر الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عباس رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في رواية عنه مشهورة وغيرهم يرون توريث ذوي الأرحام وتابعهم في ذلك من
[ 76 ]
التابعين علقمة والنخعي وشريح والحسن وابن سيرين وعطاء ومجاهد وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وأبو يوسف ومحمد وزفر ومن تابعهم وقال زيد بن ثابت وابن عباس في رواية شاذة لا ميراث لذوي الأرحام ويوضع المال عند عدم صاحب الفرض والعصبة في بيت المال وتابعهما في ذلك من التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وبه قال مالك رحمه الله والشافعي رحمه الله كذا في المرقاة وذوو الأرحام هم أولاد البنات وإن سفلوا وأولاد بنات الإبن كذلك والأجداد الفاسدون وإن علوا والجدات الفاسدات وإن علون وأولاد الأخوات وبنات الإخوة والعمات وغيرهم كما في كتب الفرائض (من ترك كلا) بفتح الكاف وتشديد اللام أي ثقلا وهو يشمل الدين والعيال والمعنى إن ترك الأولاد فإلى ملجأهم ذلك وأنا كافلهم وإن ترك الدين فعلى قضاؤه (أعقل له) أي أؤدي عنه ما يلزمه بسبب الجنايات التي تتحمله العاقلة (وأرثه) أي من لا وارث له قال القاضي رحمه الله يريد به صرف ماله إلى بيت مال المسلمين فإنه لله ولرسوله (والخال وارث من لا وارث له) فيه دليل لمن قال بتوريث ذوي الأرحام (يعقل عنه) أي إذا جنى ابن أخته ولم يكن له عصبة يؤدي الخال عنه الدية كالعصبة (ويرثه) أي الخال إياه قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه واختلف في هذا الحديث وروى عن راشد بن سعد عن المقدام وروى عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عن المقدام وروى عن راشد بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مرسلا وقال أبو بكر البيهقي في هذا الحديث وكان ابن معين يضعفه ويقول ليس فيه حديث قوي وقال وأيضا وقد أجمعوا على أن الخال الذي لا يكون ابن عم أو مولى لا يعقل إلا بالخؤولة فخالفوا الحديث الذي احتجوا به في العقل فإن كان ثابتا فيشبه أن يكون في وقت كان يعقل الخؤولة ثم صار الأمر إلى غير ذلك أو أراد خالا يعقل بأن يكون ابن عم أو مولي أو اختار وضع ماله فيه إذا لم يكن له وارث سواه انتهى كلام المنذري
[ 77 ]
(أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) قال في فتح الودود معنى الأولوية النصرة والقولية أي أتولى أمورهم بعد وفاتهم وأنصرهم فوق ما كان منهم لو عاشوا (أو ضيعة) أي عيالا (فإلى) أي أداء الدين وكفالة الضيعة (وأنا مولى من لا مولى له) أي وارث من لا وارث له قاله القاري (وأفك عانه) أي أخلص أسيره بالفداء عنه وأصله عانيه حذف الياء تخفيفا كما في يد يقال عنا يعنو إذ خضع وذل والمراد به من تعلقت به الحقوق بسبب الجنايات قاله القاري (قال أبو داود رواه الزبيدي) بالزاي والموحدة مصغرا هو محمد بن الوليد ويشير المؤلف بكلامه هذا إلى الاختلاف في إسناد الحديث والحديث سكت عنه المنذري (افك عنيه) بضم عين وكسر نون وتشديد ياء بمعنى الأسر قال الخطابي هو مصدر عنا الرجل يعنو عنوا وعنيا وفيه لغة أخرى عني يعني ومعنى الأسر ها هنا هو ما يتعلق به ذمته ويلزمه بسبب الجنايات التي سبيلها أن تتحملها العاقلة وبيان ذلك قوله عليه السلام في هذا الحديث من رواية شعبة عن بديل ابن ميسرة يعقل عنه ويرث ماله والحديث حجة لمن ذهب
[ 78 ]
محمد إلى توريث ذوي الأرحام وتأول من لم يقل بتوريثهم حديث المقدام على أنه طعمة أطعمها عليه السلام الخال عند عدم الوارث لا على أن يكون للخال ميراث ولكنه لما جعله عليه السلام يخلف الميت فيما يصير إليه من المال سماه وارثا على سبيل المجاز كما قيل الصبر حيلة من لا حيلة له والجوع طعام من لا طعام له انتهى مختصرا والحديث سكت عنه المنذري
[ 79 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 80 ]
(أن مولى) أي عتيقا (ولا حميما) أي قريبا (أعطوا ميراثه رجلا من أهل قريته) أي فإنه أولى من احاد المسلمين قال القاضي رحمه الله إنما أمر أن يعطي رجلا من قريته تصدقا منه أو ترفعا أو لأنه كان لبيت المال ومصرفه مصالح المسلمين وسد حاجاتهم فوضعه فيهم لما رأى من المصلحة فإن الأنبياء كما لا يورث عنهم لا يرثون عن غيرهم انتهى قال في النيل فيه دليل على جواز صرف ميراث من لا وارث له معلوم إلى واحد من أهل بلده انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن (فالتمس أزديا) قال في شرح القاموس أزد بن الغوث أبو حي باليمين ومن أولاده الأنصار كلهم وخزاعة حي من الأزد انتهى (حولا) أي سنة (على الرجل) أي ردوه (كبر
[ 81 ]
خزاعة) بضم الكاف وسكون الموحدة قال في النهاية يقال فلان كبر قومه بالضم إذا كان أقعدهم في النسب وهو أن ينتسب إلى جده الأكبر باباء أقل عددا من باقي عشيرته وقوله أكبر رجل أي كبيرهم وهو أقربهم إلى الجد الأعلى انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا وقال جبريل بن أحمر ليس بالقوى والحديث منكر هذا اخر كلامه وقال الموصلي فيه نظر وقال أبو زرعة الرازي شيخ وقال يحيى بن معين كوفي ثقة (الكبير من خزاعة) وفي بعض النسخ الكبر من خزاعة والمراد من الكبير هو الكبر وتقدم معناه (أكبر رجل من خزاعة) أي كبيرهم وهو أقربهم إلى الجد الأعلى قال المنذري وهو الحديث المتقدم (ولم يدع وارثا) أي لم يترك أحدا يرثه (إلا غلاما له) استثناء منقطع لكن ترك عبدا (هل له أحد) أي يرثه (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه) أي ميراث الرجل (له) أي للغلام قال القاري وهذا الجعل مثل ما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها أعطوا ميراثه رجلا من أهل قريته بطريق التبرع لأنه صار ماله لبيت المال قال المظهر قال شريح وطاوس يرث العتيق من المعتق كما يرث المعتق من العقيق انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن هذا آخر كلامه وقال البخاري عوسجة مولى ابن عباس الهاشمي روى عنه عمرو بن دينار ولم يصح وقال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور وقال النسائي عوسجة ليس بالمشهور ولا نعلم أحدا يروي عنه غير عمرو وقال أبو زرعة الرازي ثقة
[ 82 ]
9 ميراث ابن الملاعنة (النصري) بالنون ثم الصاد المهملة منسوب إلى الجد (المرأة تحرز) أي تجمع وفي بعض النسخ تحوز (عتيقها) أي ميراث عتيقها فإنه إذا أعتقت عبدا ومات لم يكن له وارث ترث ماله بالولاء (ولقيطها) هو طفل يوجد ملقي على الطريق لا يعرف أبواه قاله في المجمع قال الخطابي أما اللقيط فإنه في قول عامة الفقهاء حر فإذا كان حرا فلا ولاء عليه لأحد والميراث إنما يستحق بنسب أو ولاء وليس بين اللقيط وملتقطه واحد منهما وكان إسحاق بن راهويه يقول ولاء اللقيط لملتقطه ويحتج بحديث واثلة وهذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل فإذا لم يثبت الحديث لم يلزم القول به فكان ما ذهب إليه عامة العلماء أولى انتهى (لاعنت عليه) وفي بعض النسخ عنه أي عن قبله ومن أجله قال في شرح السنة وأما
[ 83 ]
الولد الذي نفاه الرجل باللعان فلا خلاف أن أحدهما لا يرث الآخر لأن التوارث بسبب النسب انتفي باللعان وأما نسبه من جهة الأم فثابت ويتوارثان انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي
[ 84 ]
والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن حرب هذا آخر كلامه وفي إسناده عمر بن روية التغلبي قال البخاري فيه نظر وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال صالح الحديث قيل تقوم بالحجة فقال لا ولكن صالح وقال الخطابي وهذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل وقال البيهقي لم يثبت البخاري ولا مسلم هذا الحديث لجهالة بعض رواته
[ 85 ]
(جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراث ابن الملاعنة الخ) فيه أن ابن الملاعنة يكون ميراثه لأمه فيكون للأم سهمها ثم لعصبتها على الترتيب وهذا حيث لم يكن غير الأم وقرابتها من ابن للميت أو زوجة فإن كان له ابن أو زوجة أعطى كل واحد ما يستحقه كما في سائر المواريث قاله في النيل قال المنذري حديث مكحول مرسل وذكر الإمام الشافعي في الرد على من قال انه احتج برواية ليست مما تقوم بها حجة قال البيهقي وأظنه أراد حديث مكحول (عن عمرو بن شعيب الخ) قال المنذري وحديث عمرو بن شعيب قد تقدم الكلام على اختلاف الأئمة في الاحتجاج به وفي رواته أبو محمد عيسى بن موسى القرشي الدمشقي قال البيهقي وليس بمشهور هل يرث المسلم الكافر (لا يرث المسلم الكافر إلخ) قال النووي أجمع المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم وأما المسلم من الكافر ففيه خلاف فالجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
[ 86 ]
على أنه لا يرث أيضا وذهب معاذ بن جبل ومعاوية وسعيد بن المسيب ومسروق رحمهم الله وغيرهم إلى أنه يرث من الكافر واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح والمراد من حديث الإسلام فضل الإسلام على غير ه وليس فيه تعرض للميراث فلا يترك النص الصريح وأما المرتد فلا يرث المسلم بالإجماع وأما المسلم من المرتد ففيه أيضا الخلاف فعند مالك والشافعي وربيعة وابن أبي ليلى وغيرهم أن المسلم لا يرث منه وقال أبو حنيفة رحمه الله ما اكتسبه في ردته فهو لبيت المال وما اكتسبه في الإسلام فهو لورثته المسلمين انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وهل ترك لنا عقيل منزلا) وزاد ابن ماجه في روايته وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا على شيئا لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين فكان عمر من أجل ذلك يقول لا يرث المؤمن الكافر انتهى قال الخطابي موضع استدلال أبي داود من هذا الحديث في أن المسلم لا يرث الكافر أن عقيلا لم يكن أسلم يوم وفاة أبي طالب فورثه وكان علي وجعفر مسلمين فلم يرثاه ولما ملك عقيل رباع عبد المطلب باعها فذلك معنى قوله عليه السلام وهل ترك عقيل منزلا انتهى (بخيف بني كنانة) بفتح الخاء وسكون التحتية ما ارتفع عن السيل وانحدر عن الجبل والمراد به المحصب (حيث قاسمت) أي حالفت (يعني المحصب) تفسير لخيف بني كنانة قال في المجمع المحصب هو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى (حالفت قريشا) قال النووي تحالفوا على إخراج النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب من مكة إلى هذا
[ 87 ]
الشعب وهو خفيف بني كنانة وكتبوا بينهم الصحيفة المسطورة فيها أنواع من الأباطل فأرسل الله عليها الأرضة فأكلت ما فيها من الكفر وترك ما فيها من ذكر الله تعالى فأخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأخبر عمه أبا طالب فأخبرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوه كما قال فسقط في أيديهم ونكسوا على رؤوسهم والقصة مشهورة وإنما اختار النزول هناك شكرا لله تعالى على النعمة في دخوله ظاهرا ونقضا لما تعاقدوه بينهم كذا في شرح البخاري للعيني والقسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (لا يتوارث أهل ملتين شتى) بفتح فتشديد صفة أهل أي متفرقون وقال الطيبي حال من فاعل لا يتوارث أي متفرقين وقيل يجوز أن يكون صفة الملتين أي ملتين متفرقتين وفي بعض النسخ شيئا مكان شتى والحديث دليل على أنه لا توارث بين أهل ملتين مختلفتين بالكفر أو بالإسلام والكفر وذهب الجمهور إلى أن المراد بالملتين الكفر والإسلام فيكون كحديث لا يرث المسلم الكافر الحديث قالوا وأما توريث ملل الكفر بعضهم من بعض فإنه ثابت ولم يقل بعموم الحديث للملل كلها إلا الأوزاعي فإنه قال لا يرث اليهودي من النصراني ولا عكسه وكذلك سائر الملل قال في السبل والظاهر من الحديث مع الأوزاعي قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وأخرجه الترمذي من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر وقال غريب لا نعرفه من حديث جابر إلا من حديث ابن أبي ليلى هذا آخر كلامه وابن أبي ليلى هذا لا يحتج بحديثه (إلى يحيى بن يعمر) بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة البصري نزيل مرو وقاضيها ثقة فصيح وكان يرسل من الثالثة قاله في التقريب (يهودي ومسلم) أي أحد الأخوين
[ 88 ]
يهودي والآخر منهما مسلم (الإسلام يزيد ولا ينقص) أي يزيد بالداخلين فيه ولا ينقص بالمرتدين أو يزيد بما يفتح من البلاد ولا ينقص بما غلب عليه الكفرة منها أو أن حكمه يغلب ومن تغليبه الحكم بإسلام أحد أبويه واستدل معاذ بهذا الحديث على أن المسلم يورث الكافر ولا عكس كذا في السراج المنير قال المناوي رواته ثقات لكن فيه انقطاع انتهى وقال المنذري فيه رجل مجهول (أن معاذا أتى) بصيغة المجهول (بميراث يهودي) ميراث مضاف إلى يهودي (وارثه مسلم) صفة يهودي والمعنى أن يهوديا مات وترك وارثين أحدهما مسلم والآخر يهودي فورث معاذ مسلما ولم يورث يهوديا قال المنذري في سماع أبي الأسود عن معاذ بن جبل نظر فيمن أسلم على ميراث أي أسلم قبل قسمة المواريث فماذا حكمه وقال ابن ماجه باب قسمة المواريث وأورد فيه حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما كان من ميراث قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية وما كان من ميراث أدركه الإسلام فهو على قسمة الإسلام انتهى وفي صحيح البخاري باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا ميراث له انتهى
[ 89 ]
قال القسطلاني أي إذا أسلم الكافر قبل أن يقسم الميراث المخلف عن أبيه أو أخيه فلا ميراث له لأنه الاعتبار بوقت الموت لا بوقت القسمة عند الجمهور انتهى (كل قسم) مصدر أريد به المال المقسوم (قسم) بصيغة المجهول (في الجاهلية فهو على ما قسم) بصيغة المجهول قال الخطابي فيه بيان أن أحكام الأموال والأسباب والأنكحة التي كانت في الجاهلية
[ 90 ]
ماضية على ما وقع الحكم منهم فيها في أيام الجاهلية لا يرد منها شئ في الإسلام وأن ما حدث من هذه الأحكام في الإسلام فإنه يستأنف فيه حكم الإسلام انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه 12 في الولاء بفتح الواو يعني ولاء العتق وهو إذا مات المعتق ورثه معتقه أو ورثه معتقه والولاء كالنسب فلا يزول بالإزالة (أن تشتري جارية) اسمها بريرة (لا يمنعك ذلك) أي الاشتراط منهم بقي أنه يفسد البيع عند كثير فكيف يجوز وأجيب بأنه مخصوص لمصلحة ويجوز للشارع مثله لمصلحة والله تعالى أعلم كذا في فتح الودود قال الخطابي معناه إبطال ما شرطوه من الولاء لغير المعتق انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (وولي النعمة) أي نعمة العتق قال الحافظ معنى قوله وولي النعمة أعتق انتهى قال
[ 91 ]
القسطلاني والحديث كما قاله ابن بطال يقتضي أن الولاء لكل معتق ذكرا كان أو أنثى وهو مجمع عليه وليس بين الفقهاء خلاف أنه ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو جره إليهن من أعتق بولادة أو عتق انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي (رئاب بن حذيفة) يجئ ضبطه في كلام المنذري (تزوج امرأة) اسمها أم وائل بنت معمر الجمحية كما في رواية ابن ماجه (ثلاثة غلمة) جمع غلام أي ثلاثة أبناء (فورثوها) الضمير المرفوع للغلمة إلى والمؤنث للمرأة ولفظ ابن ماجه فورثها بنوها (رباعها) بكسر الراء جمع ربع أي دورها (فأخرجهم) أي أخرج عمرو بن العاص بنيها وفي رواية ابن ماجه فخرج بهم عمرو بن العاص (فماتوا) أي بنو المرأة في طاعون عمواس الذي وقع في زمن عمر بن الخطاب في الشام ومات فيه بشر كثير من الصحابة (مالا له) أي مالا كان في ملكه (فخاصمه) أي عمرو بن العاص والمعنى ورث عمرو مال بني المرأة ومال مولاها فخاصمه إخوتها في ولاء أختهم ولفظ ابن ماجه فلما رجع عمرو بن العاص جاء بنو معمر يخاصمونه في ولاء أختهم إلى عمر (ما أحرز الولد) أي من إرث الأب أو الأم (أو الوالد فهو لعصبته) أي الولد إن كان هو المحرز (من كان) قال في السبل المراد بإحراز الوالد والولد ما صار مستحقا لهما من الحقوق فإنه يكون للعصبة ميراثا والحديث دليل على أن الولاء لا يورث وفيه خلاف وتظهر فيه فائدة الخلاف فيما إذا أعتق رجل عبدا ثم مات ذلك الرجل وترك أخوين أو ابنين ثم مات أحد الإبنين وترك ابنا أو أحد الأخوين وترك ابنا فعلى القول بالتوريث ميراثه بين الإبن وابن الإبن أو ابن الأخ وعلى القول بعدمه يكون للابن وحده انتهى (فكتب) أي عمر رضي الله عنه (له) أي لعمرو بن العاص (عبد الملك) أي ابن مروان (اختصموا) أي إخوة المرأة (أو إلى إسماعيل) شك من الراوي (ما
[ 92 ]
كنت أراه) ما موصولة (إلى الساعة أي إلى هذه الساعة ولفظ ابن ماجه فقال عمر أقضي بينكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول ما أحرز الولد والوالد فهو لعصبته من كان قال فقضي لنا به وكتب لنا به كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت وآخر حتى إذا استخلف عبد الملك بن مروان توفي مولى لها وترك ألفي دينار فبلغني أن ذلك القضاء قد غير فخاصمه إلى هشام بن إسماعيل فرفعنا إلى عبد الملك فأتيناه بكتاب عمر فقال إن كنت لأرى أن هذا من القضاء الذي لا يشك فيه وما كنت أرى أن أمر أهل المدينة بلغ هذا أن يشكوا في هذا القضاء فقضى لنا فيه فلم نزل فيه بعد انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وأخرجه النسائي أيضا مرسلا وقد تقدم الكلام على اختلاف الأئمة في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب ورياب بكسر الراء المهملة وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة وبعد الألف ياء بواحدة انتهى (حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو سلمة إلى قوله بمثل هذا) هذه العبارة إنما وجدت في نسخة صحيحة وعامة النسخ خالية عنها
[ 93 ]
13 في الرجل يسلم على يدي الرجل (ما السنة في الرجل) أي ما حكم الشرع في الرجل الكافر (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (هو) أي الرجل المسلم الذي أسلم على يديه الكافر (بمحياه ومماته) أي بمن أسلم في حياته ومماته قال الخطابي قد يحتج به من يرى توريث الرجل ممن يسلم على يده من الكفار وإليه ذهب أصحاب الرأي إلا أنهم قد زادوا في ذلك شرطا وهو أن يعاقده ويواليه فإن أسلم على يده ولم يعاقده ولم يواله فلا شئ له وقال إسحاق بن راهويه كقول أصحاب الرأي إلا أنه لم يذكر الموالاة قال الخطابي ودلالة الحديث مبهمة وليس فيه أنه يرثه وإنما فيه أنه أولى الناس بمحياه ومماته فقد يحتمل أن يكون ذلك في الميراث وقد يحتمل أن يكون ذلك في رعي الذمام والإيثار والبر والصلة وما أشبهها من الأمور وقد عارضه قوله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن اعتق وقال أكثر الفقهاء لا يرثه وضعف أحمد بن حنبل حديث تميم الداري هذا وقال عبد العزيز راويه ليس من أهل الحفظ والإتقان انتهى وقال الشيخ أبو البركات النسفي الحنفي وعقد الموالاة
[ 94 ]
مشروعة والوراثة بها ثابتة عند عامة الصحابة وهو قول الحنفية وتفسيره إذا أسلم رجل أو امرأة لا وارث له وليس بعربي ولا معتق فيقول الآخر واليتك على أن تعقلني كان إذا جنيت وترث مني إذا مت ويقول الآخر قبلت انعقد ذلك ويرث الأعلى من الأسفل انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن موهب ويقال ابن وهب عن تميم الداري وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن موهب وبين تميم الداري قبيصة بن ذؤيب وهو عندي ليس بمتصل هذا آخر كلامه وقال الشافعي هذا الحديث ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب عن تميم الداري وابن موهب ليس بالمعروف عندنا ولا نعلمه لقي تميما ومثل هذا لا يثبت عندنا ولا عندك من قبل أنه مجهول ولا أعلمه متصلا وقال الخطابي ضعف أحمد بن حنبل حديث تميم الداري هذا وقال عبد العزيز راويه ليس من أهل الحفظ والاتقان وقال البخاري في الصحيح واختلفوا في صحة هذا الخبر هذا آخر كلامه وقال أبو مسهر عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ضعيف الحديث وقد قلت احتج البخاري في صحيحه بحديث عبد العزيز هذا وأخرج له عن نافع مولى بن عمر حديثا واحدا وذكر الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وأبو الحسن الدارقطني أن البخاري ومسلما أخرجا له وقال يحيى بن معين
[ 95 ]
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ثقة ليس بين الناس فيه اختلاف هكذا قال وقد قدمنا الخلاف فيه انتهى كلام المنذري 14 في بيع الولاء (نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته) قال الخطابي قال ابن الأعرابي عن محمد بن زياد كانت العرب تبيع ولاء مواليها وتأخذ عليه المال وأنشد في ذلك فباعوه مملوكا وباعوه معتقا فليس له حتى الممات خلاص فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال وهذا كالإجماع من أهل العلم إلا أنه قد روى عن ميمونة أنها وهبت ولاء مواليها من العباس أو من ابن عباس وسمعت أبا الوليد حسان بن محمد يذكر أن الذي وهبت ميمونة من الولاء كان ولاء السائبة وولاء السائبة قد اختلف فيه أهل العلم انتهى وقال ابن الأثير نهي عن بيع الولاء وهبته يعني ولاء العتق وهو إذا مات المعتق ورثه معتقه أو ورثة معتقه كانت العرب تبيعه وتهبه فنهي عنه لأن الولاء كالنسب فلا يزول بالإزالة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 15 في المولود يستهل ثم يموت (إذا استهل المولود) أي رفع صوته يعني علم حياته (ورث) بضم فتشديد راء مكسور
[ 96 ]
أي جعل وارثا قال في شرح السنة لو مات إنسان ووارثه حمل في البطن يوقف له الميراث فان خرج حيا كان له وإن خرج ميتا فلا يورث منه بل لسائر ورثة الأول فإن خرج حيا ثم مات يورث منه سواء استهل أو لم يستهل بعد أن وجدت فيه أمارة الحياة من عطاس أو تنفس أو حركة داله على الحياة سوى اختلاج الخارج عن المضيق وهو قول الثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب أبي حنيفة رحمهم الله تعالى وذهب قوم إلى أنه لا يورث منه ما لم يستهل واحتجوا بهذا الحديث والاستهلال رفع الصوت والمراد منه عند الآخرين وجود أمارة الحياة وعبر عنها بالاستهلال لأنه يستهل حالة الانفصال في الأغلب وبه يعرف حياته وقال الزهري أرى العطاس استهلالا انتهى قال السيوطي قال البيهقي في سننه رواه ابن خزيمة عن الفضل بن يعقوب الجزري عن عبد الأعلى بهذا الإسناد وزاد موصولا بالحديث تلك طعنة الشيطان كل بني آدم نائل منه تلك الطعنة إلا ما كان من مريم وابنها فإنها لما وضعتها أمها قالت إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان لرجيم فضرب دونهما حجاب فطعن فيه انتهى قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه 16 نسخ ميراث العقد قال في النهاية المعاقدة المعاهدة والميثاق (بميراث الرحم) أي بميراث ذوي الأرحام (قال) ابن عباس في تفسير قوله تعالى والذين عاقدت أيمانكم وقرئ عقدت بغير ألف مع التخفيف قال الخازن المعاقدة المحالفة والمعاهدة والأيمان جمع يمين يحتمل أن يراد بها القسم أو اليد أو هما جميعا وذلك أنهم إذا تحالفوا أخذ كل واحد منهم بيد صاحبه وتحالفوا على الوفاء بالعهد والتمسك بذلك العقد وكان الرجل يحالف الرجل في الجاهلية ويعاقده فيقول دمي دمك وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك ترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك فيكون لكل واحد من الحليفين السدس في مال الآخر وكان الحكم ثابتا في الجاهلية وابتداء الإسلام انتهى والمعنى أي الحلفاء الذين
[ 97 ]
عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث (فأتوهم) أي الأن (نصيبهم) أي حظهم من الميراث وهو السدس (كان الرجل يحالف الرجل) أي يعاهده على الأخوة والنصرة والإرث (فنسخ ذلك) في محل النصب على المفعولية أي قوله تعالى والذين عاقدت أيمانكم (الأنفال) بالرفع أي قوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في سورة الأنفال (فقال وألو أعطوهم الأرحام الخ) أي وأولو القرابات أولى بالتوارث وهو نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة قال الخازن قال ابن عباس كانوا يتوارثون بالهجرة والإخاء حتى نزلت هذه الآية وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض أي في الميراث فبين بهذه الأية أن سبب القرابة أقوى وأولى من سبب الهجرة والإخاء ونسخ بهذه الآية ذلك التوارث وقوله في كتاب الله يعني في حكم الله أو أراد به القران وهي أن قسمة المواريث مذكورة في سورة النساء من كتاب الله وهو القران وتمسك أبو حنيفة رحمه الله تعالى ومن وافقه بهذه الآية في توريث ذوي الأرحام وأجاب عنه الشافعي رحمه الله ومن وافقه بأنه لما قال في كتاب الله كان معناه في حكم الله الذي بينه في سورة النساء فصارت هذه الآية مقيدة بالأحكام التي ذكرها في سورة النساء من قسمة المواريث وإعطاء أهل الفروض فروضهم وما بقي فللعصبات انتهى قال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال (تورث) بصيغة المجهول أي المهاجرون وتأنيث الضمير بتأويل الجماعة (الأنصار) بالنصب والمعنى أعطوا الميراث من الأنصار (دون ذوي رحمه) أي أقاربه ولفظ البخاري في التفسير كان المهاجرون لما قدمو المدينة يورث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمة (للأخوة) متعلق بتورث أو (بينهم) أي بين المهاجرين والأنصار (ولكل) أي من الرجال والنساء (جعلنا موالي) وراثا يلونه ويحرزونه قاله النسفي وقال الخازن يعني ورثة من بني عم
[ 98 ]
وإخوة وسائر العصبات (مما ترك) يعني يرثون مما ترك وبقية الآية الوالدان والأقربون من ميراثهم فعلى هذا الوالدان والأقربون هم المورثون انتهى (قال) ابن عباس (نسختها) كذا في جميع النسخ وقال القسطلاني في شرح البخاري قال نسختها والذين عاقدت أيمانكم كذا في جميع الأصول والصواب كما قاله ابن بطال إن المنسوخة والذين عاقدت أيمانكم والناسخة ولكل جعلنا موالي وكذا وقع في الكفالة والتفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة فلما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت وقال ابن المنير الضمير في قوله نسختها عائد على المؤاخاة) لا على الآية والضمير في نسختها وهو الفاعل المستتر يعود على قوله ولكل جعلنا موالي وقوله والذين عاقدت أيمانكم بدل من الضمير وأصل الكلام لما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت والذين عاقدت أيمانكم وقال الكرماني فاعل نسختها الآية جعلنا والذين عقدت منصوب بإضمار أعني والمراد أن قوله تعالى ولكل جعلنا نسخ حكيم الميراث الذي دل عليه والذين عاقدت أيمانكم وقال ابن الجوزي إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخي بين المهاجرين والأنصار فكانوا يتوارثون بتلك الأخوة ويرونها داخلة في قوله تعالى والذين عاقدت أيمانكم فلما نزل قوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله نسخ الميراث بين المتعاقدين وبقي النصرة والرفادة وجواز الوصية لهم انتهى (الرفادة) بكسر الراء المعاونة (ويوصي له) بكسر الصاد أي للحليف (وقد ذهب الميراث) أي نسخ حكم الميراث بالمؤاخاة قال الخازن فذهب قوم إلى أن قوله تعالى والذين عاقدت أيمانكم منسوخ بقوله تعالى ولكل جعلنا موالي وذهب قوم إلى أن الآية ليست بمنسوخة بل حكمها باق والمراد بقوله والذين عاقدت أيمانكم الحلفاء والمراد من قوله فآتوهم نصيبهم يعني من النصرة والنصيحة والموافاة والمصافاة ونحو ذلك فعلى هذا لا تكون منسوخة وقيل نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كما أخرجه أبو داود وعلى هذا فلا نسخ أيضا فمن قال إن حكم الآية باق قال إنما كانت المعاقدة في الجاهلية على النصرة لا غير والإسلام لم يغير ذلك ويدل عليه ما رواه مسلم عن جبير بن مطعم مرفوعا ثم ذكر كما سيأتي في الباب التالي قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي
[ 99 ]
(على أم سعد بنت الربيع) هي أم سعد بنت سعد بن الربيع الأنصارية صحابية أوصى بها أبوها إلى أبي بكر الصديق فكانت في حجرة ويقال إن اسمها جميلة (لا تقرأ والذين عاقدت) أي بالألف ولكن اقرأ والذين عقدت أي بغير ألف مع التخفيف وكانت هذه قراءتها مع أنه قرئ في القران بالوجهين (حين أبى الإسلام) فتأخر إسلامه إلى أيام الهدنة فأسلم وحسن إسلامه وقيل إنما أسلم يوم الفتح ويقال إنه شهد بدرا مع المشركين وهو أسن ولد أبي بكر رضي الله عنه كذا في الإصابة (فما أسلم) ما نافية أي عبد الرحمن (حتى حمل) بصيغة المجهول (على الإسلام) أي على قبول الإسلام (بالسيف) والمعنى أن عبد الرحمن لم يسلم وتأخر إسلامه إلى أن غلب الإسلام بقوة السيف والحديث سكت عنه المنذري (من قال عقدت جعله حلفا) فمعنى قوله عقدت أي عقدت عهودهم أيديكم ومعنى عاقدت أي عاقدتهم أيديكم (والصوب حديث طلحة عاقدت) أي بالألف من باب المفاعلة وهي قراءة نافع وابن عامر وابن كثير وأبي عمرو وقال الحافظ بن كثير في تفسيره بعد إيراد حديث داود بن الحصين عن أم سعد وهذا قول غريب والصحيح الأول وإن هذا كان في ابتداء الإسلام يتوارثون بالحلف ثم نسخ وبقي تأثير الحلف بعد ذلك وإن كانوا قد أمروا أن يوفوا بالعهود والعقود والحلف الذي كانوا قد تعاقدوه قبل ذلك انتهى (والذين آمنوا وهاجروا الخ) أشار ابن عباس إلى قوله تعالى الذي في الأنفال وتمام الآية
[ 100 ]
هكذا وإن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله يعني إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وصدقوا بما جاءهم به وهاجروا يعني وهجروا ديارهم وقومهم في ذات الله عز وجل وهم المهاجرون الأولون (والذين اووا ونصروا) يعني أووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه من المهاجرين وأسكنوهم منازلهم ونصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الأنصار (أولئك) يعني المهاجرين والأنصار (بعضهم أولياء بعض) يعني في العون والنصر دون أقربائهم من الكفار وقال ابن عباس أي يتولى بعضهم بعضا في الميراث وكانوا يتوارثون بالهجرة وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون دون أقربائهم وذوي أرحامهم وكان من آمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر حتى كان فتح مكة وانقطعت الهجرة فتوارثوا بالأرحام حيثما كانوا فصار ذلك منسوخا بقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله كذا في الخازن (والذين آمنوا ولم يهاجروا) يعني آمنوا وأقاموا بمكة (ما لكم من ولايتهم) أي من توليهم في الميراث قاله النسفي وفي السمين الولاية بالفتح معناه الموالاه في الدين وهي النصرة انتهى وفي تفسير الخطيب مالكم من ولايتهم من شئ أي فلا إرث بينكم وبينهم ولا نصيب لهم في الغنيمة (من شئ حتى يهاجروا) إلى المدينة فكان لا يرث المؤمن الذي لم يهاجر ممن آمن وهاجر قال المنذري وفي إسناده علي بن الحسين بن وقد وفيه مقال 17 في الحلف (لا حلف في الإسلام) بكسر الحاء المهملة وسكون اللام المعاهدة والمراد به هنا ما كان يفعل في الجاهلية من المعاهدة على القتال والغارات وغيرهما مما يتعلق بالمفاسد (وأيما حلف) ما فيه زائدة (كان في الجاهلية) المراد منه ما كان من المعاهدة على الخير كصلة الأرحام
[ 101 ]
ونصرة المظلوم وغيرهما (لم يزده الإسلام إلا شدة) أي تأكيدا وحفظا على ذلك كذا في شرح المشارق لابن الملك قال القاضي قال الطبري لا يجوز الحلف اليوم فإن المذكور في الحديث والموارثة به وبالمؤاخاة كله منسوخ لقوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض وقال الحسن كان التوارث بالحلف فنسخ بآية المواريث قلت أما ما يتعلق بالإرث فنسخت فيه المحالفة عند جماهير العلماء وأما المؤاخاة في الإسلام والمحالفة على طاعة الله تعالى والتناصر في الدين والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق فهذا باق لم ينسخ وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا حلف في الإسلام فالمراد به حلف التوارث والحلف عل ما منع الشرع منه والله أعلم كذا في شرح صحيح مسلم للنووي رحمه الله وقال في النهاية أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والإنفاق فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم لا حلف في الإسلام وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف للطيبين وما جرى مجراه فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم وأيما حلف كان في الجاهلية
[ 102 ]
لم يزده الإسلام إلا شدة يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق وبذلك يجتمع الحديثان وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام وقيل المحالفة كانت قبل الفتح وقوله لا حلف في الإسلام قاله زمن الفتح انتهى وقال ابن كثير بعد إيراد حديث جبير بن مطعم وهذا نص في الرد على من ذهب إلى التوارث بالحلف اليوم كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه ورواية عن أحمد بن حنبل والصحيح قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه ولهذا قال تعالى ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون أي ورثة من قراباته من أبويه وأقربيه وهم يرثونه دون سائر الناس انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم (حالف) أي أخي (في دارنا) أي بالمدينة على الحق والنصرة والأخذ على يد الظالم كما قال ابن عباس رضي الله عنه إلا النصرة والنصيحة والرفادة ويوصي له وقد ذهب الميراث (لا حلف في الإسلام) أي لا عهد على الأشياء التي كانوا يتعاهدون عليها في الجاهلية كذا في شرح البخاري للقسطلاني (مرتين أو ثلاثا) أي قال أنس قوله حالف الخ مرتين أو ثلاثا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه 18 في المرأة ترث من دية زوجها (الدية للعاقلة) قال في المجمع العاقلة العصبة والأقارب من قبل الأب الذين يعطون
[ 103 ]
دية قتيل الخطأ وهي صفة جماعة اسم فاعل من العقل (حتى قال له) أي لعمر رضي الله عنه (الضحاك) بتشديد الحاء المهملة (ابن سفيان) بالتثليث والضم أشهر قال مؤلف المشكاة ويقال إنه كان بشجاعته يعد بمائة فارس وكان يقوم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف وولاه النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه (أن) مصدرية أو تفسيرية فإن الكتابة فيها معنى القول (ورث) بتشديد الراء المكسورة أي أعط الميراث (امرأة أشيم) بفتح الهمزة فسكون شين معجمة بعدها تحتية مفتوحة وكان قتل خطأ (الضبابي) بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الموحدة الأولى منسوب إلى صباب قلعة بالكوفة وهو صحابي ذكره ابن عبد البر وغيره في الصحابة (فرجع عمر) أي عن قوله لا ترث المرأة من دية زوجها في شرح السنة فيه دليل على أن الدية تجب للمقتول أولا ثم تنتقل منه إلى ورثته كسائر أملاكه وهذا قول أكثر أهل العلم وروى عن علي كرم الله وجهه أنه كان لا يورث الإخوة من الأم ولا الزوج ولا المرأة من الدية شيئا كذا في المرقاة للقاري قال الخطابي وإنما كان عمر يذهب في قوله الأول إلى ظاهر القياس وذلك أن المقتول لا تجب ديته إلا بعد موته وإذا مات بطل ملكه فلما بلغته السنة ترك الرأي وصار إلى السنة انتهى (استعمله) أي الضحاك بن سفيان أي جعله عاملا عليهم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح
[ 104 ]
26 أول كتاب الخراج والفئ والإمارة بكسر الهمزة الامرة وقد امره إذا جعله أميرا . والفئ بالهمزة ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد . والخراج ما يحصل من غلة الارض ، لذلك أطلق على الجزية ، كذا في المصباح . عبد ما يلزم الإمام الخ (ألا) للتنبيه (كلكم راع) قال العلقمي الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه (وكلكم مسئول عن رعيته) أي في الآخرة فإن وفي ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر وإلا طالبه كل أحد منهم بحقه (فالأمير الذي على الناس) مبتدأ (راع عليهم) خبر المبتدأ (على أهل بيته) أي زوجته وغيرها (وهو) أي الرجل (مسئول عنهم) أي عن أهل بيته هل وفاهم حقوقهم من كسوة ونفقة وغيرها كحسن عشرة أولا (على بيت بعلها) أي زوجها بحسن تدبير المعيشة والأمانة في ماله وغير ذلك (وولده) أي ولد بعلها (وهي مسئولة عنهم) أي عن حق زوجها وأولاده وقال الطيبي الضمير راجع إلى بيت زوجها وولده وغلب العقلاء فيه على غيرهم
[ 105 ]
(فكلكم راع الخ) قال العلقمي والفاء في قوله فكلكم جواب شرط محذوف ودخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم فإنه يصدق عليه أنه راع في جوارحه حتى يعمل المأمورات ويتجنب المنهيات انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم الترمذي والنسائي 2 ما جاء في طلب الإمارة (عن مسألة) أي سؤال (وكلت فيها) أي في الإمارة (إلى نفسك) وفي رواية الشيخين وكلت إليها قال في الفتح بضم الواو وكسر الكاف مخففا ومشددا وسكون اللام ومعنى المخفف أي صرفت إليها ومن وكل إلى نفسه هلك ومنه في الدعاء ولا تكلني إلى نفسي ووكل أمره إلى فلان صرفه إليه ووكله بالتشديد استحفظه ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه ويستفاد من هذا أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا بنحوه (الكلبي) وفي بعض النسخ الكندي قال في الأطراف بشر بن قرة ويقال قرة بن بشر الكلبي انتهى وكذلك في الخلاصة وقال في التقريب بشر بن قرة الكلبي فالظاهر أن الأول هو الصحيح (عن أبي موسى) هو الأشعري (فتشهد) أي خطب (إن أخونكم) أي أكثركم
[ 106 ]
وأشدكم خيانة (من طلبه) أي العمل (لما جاءا) بصيغة التثنية أي الرجلان (فلم يستعن) أي النبي صلى الله عليه وسلم (حتى مات) أي النبي صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأورده البخاري في التاريخ الكبير من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه وذكر أن بعضهم رواه عن إسماعيل عن أبيه وقال ولا يصح فيه عن أبيه وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيح من حديث أبي موسى قال أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري وكلاهما يسأل العمل وفيه والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما وفيه لن نستعمل على عملنا من أراده قال المهلب فيه دليل على أن من تعاطي أمرا وسولت له نفسه أنه قائم بذلك الأمر أنه يخذل فيه في أغلب الأحوال لأن من سأل الإمارة لا يسألها إلا وهو يرى نفسه أهلا لها وقد قال عليه السلام وكل إليها بمعنى لم يعن على ما تعاطاه والتعاطي أبدا مقرون بالخذلان وإن من دعي إلى عمل أو الإمامة أبي في الدين فقصر نفسه عن تلك المنزلة وهاب أمر الله رزقه الله المعونة وهذا إنما هو مبني على أنه من تواضع لله رفعه الله وقال غيره وقد اختلف العلماء في طلب الولاية مجردا هل يجوز أو يمنع وأما إن كان لرزق يرزقه الله أو لتضييع القائم بها أو خوفه حصولها في غير مستوجبها ونيته في إقامة الحق فيها فذلك جائز له انتهى كلام المنذري 3 في الضرير يولي بصيغة المجهول من التولية أي يجعل واليا وحاكما والضرير الأعمى (المخرمي) بفتح الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المهملة المشددة نسبة إلى المخرم موضع ببغداد كذا في المغنى (استخلف ابن أم مكتوم) وكان رجلا أعمى (مرتين) قال
[ 107 ]
الحافظ بن عبد البر روى جماعة من أهل العلم بالنسب والسير أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم ثلاث عشرة مرة في غزواته منها غزوة الأبواء وبواط وذو العسيرة وخروجه إلى جهينة في طلب كرز بن جابر وغزوة السويق وغطفان وأحد وحمراء الأسد ونجران وذات الرقاع واستخلفه حين سار إلى بدر ثم رد إليها أبا لبابة واستخلفه عليها واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر أيضا في مسيرته إلى حجة الوداع قال ابن عبد البر وأما قول قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل ابن أم مكتوم على المدينة مرتين فلم يبلغه ما بلغ غيره قاله الحافظ بن الأثير وابن حجر قال المنذري وفي إسناده عمران بن داود القطان وقد ضعفه ابن معين والنسائي ووثقه عثمان بن مسلم واستشهد به البخاري وقال بعضهم إنما ولاه للصلاة بالمدينة دون القضاء فإن الضرير لا يجوز له أن يقضي لأنه لا يدرك الأشخاص ولا يثبت الأعيان ولا يدري لمن يحكم وهو مقلد في كل ما يليه من هذه الأمور والحكم بالتقليد غير جائز وقد قيل إنه صلى الله عليه وسلم إنما ولاه الإمامة بالمدينة إكراما له وأخذا بالأدب فيما عاتبه الله عليه في أمره في قوله عبس وتولى أن جاءه الأعمى وقد روى أن الآية نزلت فيه وفيه دليل على أن أمامة الضرير غير مكروهة انتهى كلام المنذري في اتخاذ الوزير (وهو من يؤازر الأمير فيحمل عنه ما حمله من الأثقال ومن يلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره فهو ملجأ له ومفزع قاله في المجمع (المري) وفي بعض النسخ المزني وكذلك في الخلاصة (بالأمير) أي بمن يكون أميرا (خيرا) أي في الدنيا والعقبي (وزير صدق) أي صادقا في النصح له ولرعيته والأظهر أن المراد به وزيرا صالحا لرواية النسائي جعل له وزيرا صالحا ولم يرد بالصدق الاختصاص بالقول فقط بل يعم الأقوال والأفعال قاله العزيزي (ان نسي) إي الأمير حكم الله (ذكره) بالتشديد أي أخبر الأمير به
[ 108 ]
(وإن ذكر) بالتخفيف أي وإن تذكره الأمير بنفسه (أمانة) أي الوزير الأمير (به) أي بالأمير (غير ذلك) أي شرا (وزير سوء) بفتح السين وضمه قاله القاري والحديث سكت عنه المنذري 5 في العرافة بكسر العين ومنه العريف وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم فعيل بمعنى فاعل والعرافة عمله كذا في النهاية وفي المصباح عرافة بالكسر فأنا عارف أي مدبر أمرهم وقائم بسياستهم والجمع عرفاء قيل العريف يكون على نفير والمنكب يكون على خمسة عرفاء ونحوها ثم الأمير فوق هؤلاء انتهى (سليمان بن سليم) بالتصغير (ضرب) أي يديه إظهارا للشفقة والمحبة وتنبيها له عن حالة الغفلة (على منكبه) الضمير للمقدام (يا قديم) تصغير مقدام بحذف الزوائد وهو تصغير ترخيم (إن مت) بضم الميم وكسرها (ولا كاتبا) أي له (ولا عريفا) فعيل بمعنى فاعل واحد العرفاء وتقدم معناه قال القاري أو ولا معروفا يعرفك الناس ففيه إشارة إلى أن الخمول راحة والشهرة افة انتهى قلت والظاهر هو الأول قال المنذري صالح بن يحيى قال البخاري فيه نظر وقال موسى بن هارون الحافظ لا يعرف صالح ولا أبوه إلا بجده (على منهل) هو كل ماء يكون على الطريق ويقال منهل بني فلان أي مشربهم (وبدا له أن يرتجعها) أي ظهر لصاحب الماء أن يرجع الإبل من قومه (نعم) أي لأبيك حق الرجوع (أو
[ 109 ]
لا) أي ليس له حق الرجوع (أن يسلمها) أي الإبل (لهم) لقومه المسلمين (فهو) أي عريف الماء الذي قسم الإبل بين قومه (أحق بها) أي بالإبل وفيه دليل على صحة رجوع العطايا في مثل ذلك لكن الحديث ليس بقوى (إن العرافة حق) أي عملها حق ليس بباطل لأن فيها مصلحة للناس ورفقا بهم في أحوالهم وأمورهم لكثرة احتياجهم إليه والعرافة تدبير أمور القوم والقيام بسياستهم (ولا بد للناس من العرفاء) ليتعرف أحوالهم في ترتيب البعوث والأجناد والعطايا والسهام وغير ذلك (ولكن العرفاء في النار) وهذا قاله تحذيرا من التعرض للرياسة والحرص عليها لما في ذلك من الفتنة وأنه إذا لم يقم بحقها أثم واستحق العقوبة العاجلة والآجلة كذا في السراج المنير وفي اللغات العرفاء في النار أي على خطر وفي ورطة الهلاك والعذاب لتعذر القيام بشرائط ذلك فعليهم أن يراعوا الحق والصواب قال المنذري في إسناده مجاهيل وغالب القطان قد وثقه غير واحد من الأئمة واحتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما وذكر ابن عدي الحافظ هذا الحديث في كتاب الضعفاء في ترجمة غالب القطان مختصرا وقال ولغالب غير ما ذكرت وفي حديثه النكرة وقد روى عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله حديث يشهد الله حديث معضل وقال أيضا وغالب الضعف على حديثه بين
[ 110 ]
6 في اتخاذ الكاتب لا (السجل) بكسر السين والجيم وتشديد اللام اسم كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم قال في المجمع (كطي السجل للكتب) الصحيفة التي فيها الكتاب أو ملك أو كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم انتهى وقال ابن الأثير سجل كاتب النبي صلى الله عليه وسلم مجهول انتهى وفي الإصابة سجل كاتب النبي صلى الله عليه وسلم أخرج أبو داود والنسائي وابن مردويه من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب قال السجل هو الرجل زاد ابن مردويه والسجل هو الرجل بالحبشة وروى ابن مردويه وابن مندة من طريق حمدان بن سعيد عن ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له السجل فأنزل الله عز وجل يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب قال لا من السجل هو الرجل بالحبشة ونقل الشعبي وغيره عن ابن عباس ومجاهد السجل الصحيفة انتهى والحديث سكت عنه المنذري في السعاية على الصدقة بكسر السين قال في القاموس سعي سعاية باشر عمل الصدقات
[ 111 ]
(بالحق) متعلق بالعامل أي عملا بالصدق والثواب وبالإخلاص والاحتساب (كالغازي في سبيل الله) أي في حصول الأجر (حتى يرجع) أي العامل قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن (عن عبد الرحمن بن شماسة) بكسر المعجمة وتخفيف الميم بعدها مهملة (صاحب مكس) في القاموس المكس النقص والظلم ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية أو درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه من الصدقة انتهى وقال في النهاية هو الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار انتهى وفي شرح السنة أراد بصاحب المكس الذي يأخذ من التجار إذا مروا مكسا باسم العشر فأما الساعي الذي يأخذ الصدقة ومن يأخذ من أهل الذمة العشر الذي صولحوا عليه فهو محتسب ما لم يتعد فيأثم بالتعدي والظلم انتهى وكذلك في معالم السنن للخطابي والحديث سكت عنه المنذري (عن ابن مغراء) هو عبد الرحمن بن مغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة واخرها راء الكوفي نزيل الري ومحمد بن عبد الله هو ابن أبي حماد القطان الطرسوسي (الذي يعشر الناس إلخ) أي المراد بصاحب المكس الذي يعشر الناس ويقال عشرت المال عشرا من باب قتل وعشورا أخذت عشره وعشرت القوم عشرا من باب ضرب صرت عاشرهم ذكره القاري عن المصابيح ومنه حديث أنس بن سيرين قال لأنس تستعملني على المكس أي على عشور الناس
[ 112 ]
8 في الخليفة يستخلف والاستخلاف هو تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده أو يعين جماعة ليتخيروا منهم واحدا (قال عمر) أي قيل لعمر رضي الله عنه لما أصيب ألا تستخلف خليفة بعدك على الناس فقال عمر في جوابه (إن لا أستخلف) أي أن أترك الاستخلاف (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف) أي لم يجعل أحدا بعينه خليفة نصا (وإن أستخلف) أنا أحدا بالتعيين (فإن أبا بكر قد استخلف) أي جعل عمر خليفة وقت وفاته فأخذ عمر وسطا من الأمرين فلم يترك التعيين بمرة ولا فعله منصوصا فيه على الشخص المستخلف وجعل الأمر في ذلك شوري بين من قطع لهم بالجنة وأبقي النظر للمسلمين في تعيين من اتفق عليه رأى الجماعة الذين جعلت الشوري فيهم قاله القسطلاني قال النووي حاصله أن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضره مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف ويجوز له تركه فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا وإلا فقد اقتدى بأبي بكر وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لانسان إذا لم يستخلف الخليفة وأجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شوري بين جماعة كما فعل عمر بالستة وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة ووجوبه بالشرع لا بالعقل انتهى (قال) أي ابن عمر ما هو أي عمر (إلا أن ذكر) أي عمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر) أي قصة عدم الاستخلاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصة الاستخلاف عن أبي بكر رضي الله عنه (لا يعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا) قال في القاموس عدل فلانا بفلان سوى بينهما انتهى (وإنه) أي عمر (غير مستخلف) أحدا كما لم يستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي
[ 113 ]
ما جاء في البيعة أن (على السمع والطاعة) أي على أن نسمع أوامره ونواهيه ونطيعه في ذلك (ويلقنا على) بالإدغام وفي بعض النسخ يلقننا بالفك (فيما استطعتم) وفي بعض النسخ فيما استطعت بالإفراد وكذلك في صحيح مسلم قال النووي هكذا هو في جميع النسخ فيما استطعت أي قل فيما استطعت وهذا من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته يلقنهم أن يقول أحدهم فيما استطعت لئلا يدخل في عموم بيعته مالا يطيق انتهى قال الخطابي فيه دليل على أن حكم الاكراه ساقط عنه غير لازم له لأنه ليس مما يستطاع دفعه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وأخرجه الترمذي والنسائي (إلا أن يأخذ عليها) العهد والميثاق وقال النووي هذا الاستثناء متقطع وتقدير الكلام ما مس امرأة قط لكن يأخذ عليها البيعة بالكلام فإذا أخذها بالكلام قال اذهبي فقد بايعتك وهذا التقدير مصرح به في الرواية الأخرى ولا بد منه (فإذا أخذ عليها) العهد (فأعطته) أي أعطت المرأة الميثاق للنبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية البخاري عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية لا يشركن بالله شيئا قالت وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة إلا امرأة يملكها انتهى وقال النووي فيه دليل على أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كف وفيه أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام وفيه أن كلام الأجنبية يباح سماعه عند الحاجة وأن صوتها ليس
[ 114 ]
بعورة وأنه لا يلمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة كتطبيب وفصد وحجامة وقلع ضرس وكحل عين ونحوها مما لا توجد امرأة تفعله جاز للرجل الأجنبي فعله للضرورة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (أخبرنا أبو عقيل) بفتح العين وكسر القاف (زهرة بن معبد) بوزن جعفر بدل من أبو عقيل (عبد الله بن هشام) بدل من جده (وكان) أي عبد الله (زينب) بدل من أمه (بنت حميد) بالتصغير (بايعه) بكسر التحتية وسكون العين (هو) أي عبد الله (صغير) أي لا تلزمه البيعة قاله القسطلاني وزاد في رواية البخاري ودعا له قال المنذري وأخرجه البخاري باب في أرزاق العمال جمع عامل (من استعملناه) أي جعلناه عاملا (على عمل) أي من أعمال الولاية والإمارة (فرزقناه) أي فأعطيناه (رزقا) أي مقدارا معينا (فما أخذ بعد ذلك) جزاء الشرط وما موصولة والعائد محذوف وقوله (فهو غلول) خبره فئ بالفاء لتضمنه معنى الشرط والغلول بضمتين الخيانة في الغنيمة وفي مال الفئ والحديث سكت عنه المنذري (استعملني) أي جعلني عاملا (يعمالة قال) بضم العين ما يأخذه العامل من الأجرة (ما
[ 115 ]
أعطيت) بصيغة المجهول (فإني قد عملت) أي عملا من أعمال الإمارة (فعملني) بتشديد الميم أي أعطاني العمالة قال الخطابي فيه بيان جواز أخذ العامل الأجرة بقدر مثل عمله فيما يتولاه من الأمر وقد سمي الله تعالى للعاملين سهما في الصدقة فقال (والعاملين عليها) فرأى العلماء أن يعطوا على قدر عنائهم وسعيهم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي أتم منه وهو أحد الأحاديث التي اجتمع في إسنادها أربعة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض (من كان لنا عاملا فليكتسب إلخ) أي يحل له أن يأخذ مما في تصرفه من مال بيت المال قدر مهر زوجة ونفقتها وكسوتها وكذلك ما لا بد منه من غير إسراف وتنعم فإن أخذ أكثر ما يحتاج إليه ضرورة فهو حرام عليه ذكره القاري نقلا عن المظهر وقال الخطابي هذا يتأول على وجهين أحدهما أنه إنما أباح اكتساب الخادم والمسكن من عمالته التي هي أجرة مثله وليس له أن يرتفق بشئ سواها والوجه الآخر أن للعامل السكني والخدمة فإن لم يكن له مسكن ولا خادم استؤجر له من يخدمه فيكفيه مهنة مثله ويكتري له مسكن يسكنه مدة مقامه في عمله انتهى (قال) أي المستورد (قال أبو بكر) يشبه أن يكون أبا بكر الصديق رضي الله عنه (أخبرت) بصيغة المتكلم المجهول وأورد أحمد في مسنده هذا الحديث من عدة طرق وليس فيه هذه الجملة أي قال أبو بكر فروى من طريق الحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير قال سمعت المستورد بن شداد يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من ولى لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا أو ليست له زوجة فليتزوج أو ليس له خادم فلتخذ عن خادما أو ليست له دابة فليتخذ دابة ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال انتهى وفي رواية له فهو غال أو سارق انتهى (غير ذلك) أي غير ما ذكر (فهو غال) بتشديد اللام أي خائن والحديث سكت عنه المنذري
[ 116 ]
11 في هدايا العمال هدايا جمع هدية (لفظه) أي لفظ الحديث لفظ ابن أبي خلف لا لفظ ابن السرح (ابن اللتبية) بضم اللام وإسكان التاء نسبة إلى بني لتب قبيلة معروفة قاله النووي وقال الحافظ اسم ابن اللتبية عبد الله واللتبية أمه لم نقف على اسمها (قال ابن السرح ابن الأتبية) أي بالهمزة مكان اللام (على الصدقة) متعلق بإستعمل من (نبعثه) أي على العمل (إلا) حرف تحضيض وفي بعض النسخ هلا (بشي من ذلك) أي من مال الصدقة يحوزه لنفسه (إن كان) أي الشئ الذي أتى به حازه لنفسه (فله رغاء) بضم الراء وتخفيف المعجمة مع المد هو صوت البعير (خوار) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو هو صوت البقرة (تيعر) على وزن تسمع وتضرب أي تصيح وتصوت صوتا شديدا (عفرة إبطيه) بضم العين المهملة وسكون الفاء وفتح الراء أي بياضهما المشوب بالسمرة (ثم قال اللهم هل بلغت) بتشديد اللام والمراد بلغت حكم الله إليكم امتثالا لقوله تعالى له (بلغ) وإشارة إلى ما يقع في القيامة من سؤال الأمم هل بلغهم أنبياؤهم ما أرسلوا به إليهم قاله الحافظ وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام وغلول لأنه خان في ولايته وأمانته قال الخطابي في قوله ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدي إليه أم لا دليل على أن كل أمر يتذرع به إلى محظور فهو مظور ويدخل في ذلك القرض يجر المنفعة والدار المرهونة يسكنها المرتهن بلا أجرة والدابة المرهونة يركبها ويرتفق بها من غير عوض انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
[ 117 ]
12 في غلول الصدقة أي الخيانة فيها والغلول الخيانة في المغنم وكل من خان في شئ خفية فقد غل قاله في المجمع (أبا مسعود) أي يا أبا مسعود لألفينك بضم الهمزة وكسر الفاء أي لا أجدن (تجئ) حال من الضمير المنصوب (وعلى ظهرك بعير) فاعل الظرف وهو حال من ضمير تجئ (قال) أي أبو مسعود (لا أنطلق) أي على العمل (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا أكرهك) أي على العمل والحديث سكت عنه المنذري 13 فيما يلزم الإمام إلخ (أن القاسم بن مخيمرة) بالمعجمة مصغرا (قال) وفي بعض النسخ فقال (ما أنعمنا بك) قال في فتح الودود صيغة تعجب والمقصود إظهار الفرح والسرور بقدومه انتهى وقال في المجمع أي ما الذي أنعمك إلينا واقدمك في علينا يقال ذلك لمن يفرح بلقائه أي ما الذي أفرحنا وأسرنا وأقرأ عيننا بلقائك ورؤيتك (فاحتجب دون حاجتهم) أي امتنع من الخروج أو من الإمضاء عند احتياجهم إليه (وخلتهم) بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام الحاجة الشديدة
[ 118 ]
والمعنى منع أرباب الحوائج أن يدخلوا عليه ويعرضوا حوائجهم قيل الحاجة الفقر والخلة متقارب المعنى كرر للتأكيد (احتجب الله عنه دون حاجته وخلقه وفقره) أي أبعده ومنعه عما يبتغيه من الأمور الدينية أو الدنيوية فلا يجد سبيلا إلى حاجة من حاجاته الضرورية وقال القاضي المراد باحتجاب الله عنه أن لا يجيب دعوته ويخيب اماله كذا في المرقاة (فجعل) أي معاوية قال المنذري وأخرجه الترمذي وقيل إن أبا مريم هذا هو عمرو بن مرة الجهني وقد أخرجه الترمذي من حديث عمرو بن مرة وقال غريب وقال وعمرو بن مرة يكني أبا مريم ثم أخرجه من حديث أبي مريم كما أخرجه أبو داود (ما أوتيكم) مضارع مرفوع ومفعوله الثاني (من شئ) مجرور بمن الزائدة أي ما أعطيكم شيئا (وما أمنعكموه) بل المعطي والمانع هو الله تعالى (إن) نافية أي ما (أضع) أي كل شئ من المنع والعطاء (حيث أمرت) على بناء المجهول أي حيث أمرني الله قاله حين قسم الأموال لئلا يقع شئ في قلوب أصحابه من أجل التفاضل في القسمة والحديث سكت عنه المنذري (ما أنا بأحق بهذا الفئ منكم) فيه دليل على أن الإمام كسائر الناس لا فضل له على غيره في تقديم ولا توفير نصيب قاله الشوكاني (إلا أنا على منازلنا من كتاب الله) أي لكن نحن على منازلنا ومراتبنا بن المبينة من كتاب الله كقوله تعالى للفقراء المهاجرين الآيات الثلاث وقوله سبحانه والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الآية وغيرهما من الآيات الدالة على تفاوت منازل المسلمين قاله القاري (وقسم رسوله) بالجر عطف على كتاب الله أي ومن قسمه
[ 119 ]
مما كان يسلكه صلى الله عليه وسلم من مراعاة التمييز بين أهل بدر وأصحاب بيعة الرضوان وذوي المشاهد الذين شهدوا الحروب وبين المعيل وغيره المشار إليه بقوله (فالرجل) بالرفع وكذا قوله (وقدمه) بكسر القاف أي سبقه في الإسلام قيل تقدير الكلام فالرجل يقسم له ويراعي قدمه في القسم أو الرجل ونصيبه على ما يقتضيه قدمه أو الرجل وقدمه يعتبران في الاستحقاق وقبول التفاضل كقولهم الرجل وضيعته وكذا قوله (والرجل وبلاؤه) أي شجاعته وجبانه هذه الذي ابتلى به في سبيل الله والمراد مشقته وسعيه (والرجل وعياله) أي ممن يمونه (والرجل وحاجته) أي مقدار حاجته قال التوربشتي كان رأي عمر رضي الله عنه أن الفئ لا يخمس وأن جملته لعامة المسلمين يصرف في مصالحهم لامزية لأحد منهم على اخر في أصل الاستحقاق وإنما التفاوت في التفاضل بحسب اختلاف المراتب والمنازل وذلك إما بتنصيص الله تعالى على استحقاقهم كالمذكورين في الآية خصوصا منهم من كان من المهاجرين والأنصار لقوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أو بتقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفضيله إما لسبق إسلامه وإما بحسن بلائه وإما لشدة احتياجه وكثرة عياله انتهى قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام فيه 14 في قسم الفئ بفتح القاف وسكون السين أي تقسيم الفئ والفئ هو ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد وأصل الفئ الرجوع كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم (فقال) أي معاوية (حاجتك) بالنصب أي ذكر حاجتك ما هي (يا أبا عبد الرحمن) كنية عبد الله بن عمر (عطاء المحررين) جمع محرر وهو الذي صار حرا بعد أن كان عبدا وفي ذلك دليل على ثبوت نصيب لهم في الأموال التي تأتي إلى الأئمة كذا في النيل (أول ما جاءه شئ) قال الطيبي أول منصوب ظرف لقوله (بدأ) وهو المفعول الثاني لرأيت (بالمحررين)
[ 120 ]
قال الخطابي يريد بالمحر سنة المعتقين وذلك أنهم قوم لا ديوان لهم وإنما يدخلون تبعا في جملة مواليهم انتهى قال القاضي الشوكاني فيه استحباب البداءة بهم وتقديمهم عند القسمة على غيرهم انتهى وقال بعض العلماء المراد بالمحررين المكاتبون والحديث سكت عنه المنذري (أتى) بضم الهمزة (بظبية) بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة في النهاية هي جراب صغير عليه شعر وقيل هي شبه الخريطة والكيس (فيها خرز) بفتح الخاء المعجمة والراء فزاي في القاموس الخرزة محركة الجوهر وما ينتظم (للحرة والأمة) خص النساء لأن الخرز من شأن النساء لا أنه حق لهن خاصة ولهذا كان أبو بكر يقسمها للحر والعبد وقيل معنى كان أبي يقسم أي الفئ ولا خصوص للخرز قاله في فتح الودود (يقسم للحر والعبد) قال القاري أي يعطي كل واحد من الحر والعبد بقدر حاجته من الفئ والظاهر أن يكون المراد من العهد والأمة المعتوقين أو المكاتبين إذا المملوك لا يملك ونفقته على مالكه لا على بيت المال انتهى والحديث سكت عنه المنذري (فأعطى الآهل) بالمد وكسر الهاء أي المتأهل الذي له زوجة قال في النيل وفيه دليل على أنه ينبغي أن يكون العطاء على مقدار أتباع الرجل الذي يلزم نفقتهم من النساء وغيرهن إذ غير الزوجة مثلها في الاحتياج إلى المؤنة (حظين) أي نصيبين (وأعطى العزب) بفتحتين من لا زوجة له قاله في فتح الودود وفي بعض النسخ الأعزب وهما بمعنى واحد والحديث سكت عنه المنذري
[ 121 ]
15 في أرزاق الذرية عمرو (أنا أولى بالمؤمنين) أي أحق بهم وأقرب إليهم وقيل معنى الأولوية النصرة والتولية أي أنا أتولى أمورهم بعد وفاتهم وأنصرهم فوق ما كان منهم لو عاشوا كذا في فتح الودود (فلأهله) أي فهو لورثته (ومن ترك دينا أو ضياعا) بفتح المعجمة بعدها تحتية قال الخطابي الضياع اسم لكل ما هو يغرض أن يضيع إن لم يتعهد كالذرية الصغار والأطفال والزمني الذين لا يقومون بكل أنفسهم وسائر من يدخل في معناهم (فإلي وعلي) قال الخطابي هذا فيمن ترك دينا لا وفاء له في ماله فإنه يقضي دينه من الفئ فأما من ترك وفاء فإن دينه يقضي عنه ثم بقية ماله بعد ذلك مقسوم بين ورثته انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (ومن ترك كلا) بفتح الكاف وتشديد اللام أصله الثقل والمراد ها هنا العيال قاله الحافظ (فإلينا) أي نصرهم ومؤناتهم بقدر معاش مثلهم في بلدانهم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه إلخ) قال النووي معناه أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم وموته وأنا وليه في الحالين فإن كان عليه دين قضيته من عندي إن لم يخلف وفاء وإن كان له مال فهو لورثته لا آخذ منه شيئا وإن خلف عيالا محتاجين ضائعين فعلي نفقتهم ومؤنتهم والحديث سكت عنه المنذري
[ 122 ]
16 متى يفرض للرجل أصل الفرض القطع أي متى يقطع له العطاء ويقرر رزقه في المقاتلة بكسر التاء أي في المقاتلين والتاء باعتبار الجماعة (عرضه) بصيغة المجهول والضمير المرفوع لابن عمر رضي الله عنه والمنصوب للنبي صلى الله عليه وسلم ولفظ مسلم عن ابن عمر قال عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني قال نافع فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ خليفة فحدثته هذا الحديث فقال إن هذا الحد بين الصغير والكبير فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال انتهى (فأجازه) قال النووي المراد جعله رجلا له حكم الرجال المقاتلين انتهى قال القاري وقيل كتب الجائزة له وهي رزق الغزاة قال في شرح السنة العمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا إذا استكمل الغلام أو الجارية خمس عشرة سنة كان بالغا وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما وإذا احتلم واحد منهما قبل بلوغه هذا المبلغ بعد استكمال تسع سنين يحكم ببلوغه وكذلك إذا حاضت الجارية بعد تسع سنين ولا حيض ولا احتلام قبل بلوغ التسع انتهى والحديث دليل على أن الصبي إذا بلغ خمس عشرة سنة دخل في زمرة المقاتلة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 17 في كراهية الافتراض في آخر الزمان والفرض بالفاء وهو العطية الموسومة يقال ما أصبت منه فرضا وفرضت الرجل وأفرضته
[ 123 ]
إذا أعطيته وقد فرضت له في العطاء وفرضت له في الديوان كذا في الصحاح وفي القاموس افترض الجند أخذوا عطاياهم (سليم بن مطير) بالتصغير فيهما قاله العلقمي (شيخ من أهل وادي القرى) قال العلقمي موضع بين المدينة والشام قال أبو حاتم هو أعرابي محله الصدق وروى له أبو داود هذا الحديث فقط وقال الحافظ هو لين الحديث (أبي مطير) بدل من أبي (أنه) أي مطير (بالسويداء) بضم السين المهملة وفتح الواو وعلى لفظ التصغير اسم موضع ويأتي ذكره في كلام المنذري (إذا أنا برجل) قال العلقمي هو ذو الزوائد (أو حضضا) قال في النهاية يروي بضم الضاد الأولى وفتحها وقيل هو بظاءين قبل وقيل بضاد ثم ظاء وهو دواء معروف وقيل إنه يعقد من أبوال الإبل وقيل هو عقار منه مكي ومنه هندي وهو عصارة شجر معروف له ثمر كالفلفل وتسمى ثمرته الحضض انتهى (يأمرهم وينهاهم) أي يأمرهم بأوامر الله تعالى وينهاهم عما حرم الله تعالى (خذوا العطاء) من السلطان أي الشئ المعطى من جهته (ما كان) أي مادام في الزمن الذي يكون (عطاء) أي عطاء الملوك فيه عطاء لله تعالى ليس فيه غرض من الأغراض الدنيوية التي فيها فساد دين الآخذ ومن هذا قول أبي الدرداء الأحنف بن قيس خذ العطاء ما كان محله فإذا كان أثمان دينكم فدعوه (فإذا تجاحفت) بفتح الجيم والحاء والفاء المخففات أي تنازعت قريش على الملك من قولهم تجاحفت القوم في القتال إذا تناول بعضهم بعضا السيوف يريد إذا رأيت قريشا تخاصموا على الملك وتقاتلوا عليه وهو أن يقول كل وأحد منهم أنا أحق بالملك أو بالخلافة منك وتنازعوا في ذلك قاله العلقمي (وكان) العطاء (عن دين أحدكم) أي العطاء الذي يعطيه الملك عوضا عن دينكم بأن يعطيه العطاء ويحمله على فعل ما لا يحل فعله في الشرع من قتال من لا يحل له قتاله وفعل ما لا يجوز فعله في دينه (فدعوه) أي اتركوا أخذه لحمله على اقتحام الحرام فأفاد أن عطاء السلطان إذا لم يكن كذلك يحل أخذه وعن الشعبي عن ابن مسعود قال لا يزال العطاء بأهل العطاء حتى يدخلهم النار أي يحملهم إعطاء الملك وإحسانه إليهم على ارتكاب الحرام لا أن العطاء في نفسه حرام قال الغزالي وقد اختلفوا في هذا العطاء من مال السلطان فقال كل ما لا يتيقن أنه حرام فله أن
[ 124 ]
يأخذه وقال آخرون لا يحل له أن يأخذ ما لم يتحقق أنه حلال وقد احتج من جوز الأخذ منه إذا كان فيه حرام وحلال إذا لم يتحقق أن عمل المأخوذ حرام بما روى عن جماعة من الصحابة أنهم أدركوا الظلمة وأخذوا من أموالهم وأخذ كثير من التابعين وأخذ الشافعي من هارون الرشيد ألف دينار دفعة واحدة قال وأخذ مالك من الخلفاء أموالا جمة وإنما ترك من ترك العطاء منهم تورعا خوفا على دينه قال وأغلب أموال السلاطين حرام في هذه الأعصار والحلال في أيديهم معدوم أو عزيز انتهى قال ابن رسلان بعد أن ذكر ما تقدم وهذا في زمانه رحمه الله فكيف بمالهم اليوم وكان السلاطين في العصر الأول لقرب عهدهم بزمان الخلفاء الراشدين يستميلون قلوب العلماء حريصين على قبولهم عطاياهم ويبعثون إليهم من غير سؤال ولا إقبال بل كانوا يتقلدون المنة لهم ويفرحون به وكانوا يأخذون منهم ويفرقونه ولا يطيعونهم في أغراضهم انتهى قال المنذري والسويداء هذه عن ليلتين من المدينة نحو الشام والسويداء أيضا بلدة مشهورة قرب حران وقد دخلتها وسمعت بها والسويداء أيضا من قرى حوران من أعمال دمشق انتهى (أنه حدثه) أي مطير حدث سليما وقوله إنه حدثه كذا أورده في الأطراف ثم قال ورأيت في نسخة في حديث هشام عن سليم عن أبيه قال سمعت رجلا وهو الصواب انتهى أي بحذف جملة أنه حدثه وكذا أورده بن الأثير في أسد الغابة من طريق أبي داود بهذا الإسناد ولم يذكرها (اللهم هل بلغت) بتشديد اللام أي حكم الله تعالى (وعاد العطاء رشى أو كان العطاء رشى) الشك من الراوي ورشى بضم الراء وفتح الشين المعجمة جمع رشوة قال الخطابي هو أن يصرف عن المستحقين ويعطي من له الجاه والمنزلة انتهى وفي بعض الروايات وصار العطاء رشا عن دينكم والمعنى أي صار العطاء الذي يعطيه الملك منهم رشا عن دينكم أي مجاوزا لدين أحدكم مباعدا له بأن يعطي العطاء حملا لكم على مالا يحل شرعا وهذا الحديث رواه الطبراني من معاد وزاد فيه ولستم بتاركيه يمنعكم الفقر والحاجة
[ 125 ]
انتهى (ذو الزوائد) الجهني له صحبة عداده في المدنيين ذكره الترمذي في الصحابة وروى الطبري في التهذيب عن أبي أمامة بن سهل ابن حنيف قال أول من صلى رجل من أصحاب صلى الله عليه وسلم يقال له ذو الزوائد انتهى قال المنذري ذو الزوائد له صحبة ويعرف اسمه وهو معدود في أهل المدينة 18 في تدوين العطاء قال في القاموس الديوان وبفتح مجتمع الصحف والكتاب يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية وأول من وضعه عمر رضي الله عنه جمعه دواوين ودياوين وقد دونه (وكان عمر يعقب الجيوش في كل عام) قال الخطابي اعقاب أن يبعث الإمام في أثر المقيمين في الثغر جيشا يقيمون مكانهم وينصرف أولئك فإنه إذا طالت عليهم الغيبة والغربة تضرروا به وأضر ذلك بأهليهم وقد قال عمر رضي الله عنه في بعض كلامه لا تجمروا الجيوش فتفتنوهم يريد لا تطيلوا حبسهم في الثغور انتهى (فشغل عنهم) أي عن ذلك الجيش المقيمين (عمر) فلم يبعث جيشا اخر مكانهم ولم يطلبهم قال في فتح الودود لعل شغله كان بجهة تدوين العطايا ونحوه فلذلك ذكر المصنف رحمه الله هذا الحديث في الباب والله تعالى أعلم قلت بل قوله يعقب الجيوش في كل عام هو موضع ترجمة الباب لأن بعث الجيوش المتأخرة وطلب الجيوش المتقدمة لا يكون إلا بأن أسماءهم كانت محفوظة في الدفاتر لأجل ترتيبهم للغزو ورد بعض الجيوش مكان بعض وتبديل بعضهم من بعض ولأجل العطاء والفرض (فلما مر) أي مضى (الأجل) المعين لهم (قفل) أي رجع (أهل ذلك الثغر) يعني ذلك الجيش والثغر بفتح مثلثة وسكون معجمة هو موضع يكون حدا فاصلا بين بلاد المسلمين والكفار وهو موضع المخافة من أطراف البلاد (فاشتد عليهم) الخوف لكونهم جاءوا بغير الإذن (وتواعدهم) كذا في أكثر النسخ يقال تواعدوا تواعدوا واتعدوا اتعادا الرحمن أي وعد بعضهم بعضا والمعنى
[ 126 ]
أي وعدهم عمر رضي الله عنه بالنكال والعقوبة وفي بعضها واعدهم من باب المفاعلة يقال واعد رجل رجلا أي وعد كل منهما الآخر وفي بعضها أوعدهم من باب الأفعال وهذا هو الظاهر لأن الإيعاد بمعنى التهديد وهو المراد ههنا كما لا يخفي يقال أوعده إيعادا وكان تهدده أوعدني بالسجن أي تهددني بالسجن (الذي أمر به) أي الأمر الذي أمر به (من إعقاب بعض الغزية بعضا) بيان للذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم إرسال بعض في عقب بعض والحديث سكت عنه المنذري (حدثني فيما حدثه يقول عيسى إن إبنا لعدي حدثني بهذا الحديث في جملة الأحاديث التي حدث بها (أن عمر بن عبد العزيز) أي ابن مروان بن الحكم ابن أبي العاص الأموي أمير المؤمنين ولي إمرة المدينة للوليد وكان مع سليمان كالوزير وولي الخلافة بعده فعد مع الخلفاء الراشدين من الرابعة مات في رجب سنة إحدى ومائة وله أربعون سنة ومدة خلافته سنتان ونصف كذا في التقريب (كتب) في الآفاق إلى عماله (أن من سأل عن مواضع الفئ) أي عمن يعطي الفئ وعلى من ينفق ويصرف في أي محل (فهو) أي موضع الفئ ومحله (فرآه) أي ذلك الحكم (عدلا) أي حقا (جعل الله الحق) أي أظهره ووضعه (على لسان عمر وقلبه) قال الطيبي ضمن جعل معنى أجري فعداه بعلي وفيه معنى ظهور الحق واستعلائه على لسانه وفي وضع الجعل موضع أجري إشعار بأن ذلك كان خلقيا ثابتا مستقرا (فرض الأعطية) جمع عطاء (للمسلمين) هو محل الترجمة لأن إعطاء الفرض للمسلمين لا يكون من غير تدوين الكتاب (وعقد لأهل الأديان) كاليهود والنصارى والمجوسي وغير ذلك من أهل الشرك (ذمة) أي عهدا وأمانا فليس على المسلم أن ينقض عليه عهده (بما فرض) بصيغة المجهول وهو متعلق بقوله عقد (من الجزية) وهي عبارة عن المال الذي يعقد للكتابي عليه الذمة وهي فعلة
[ 127 ]
من الجزاء كأنها جزت عن قتله (لم يضرب) عمر (فيها) في الجزية (بخمس ولا مغنم) فيه دليل على عدم وجوب الخمس في الجزية وفي ذلك خلاف معروف في الفقه وفي الهداية والبناية وفتح القدير من كتب الأئمة الحنفية وما أوجف المسلمون عليه من أموال أهل الحرب بغير قتال يصرف في مصالح المسلمين كما يصرف الخراج والجزية كعمارة الرباطات والقناطر والجسور وسد الثغور وكرى الأنهار العظام التي لا ملك لأحد فيها كجيحون والفرات ودجلة وإلى أرزاق القضاة والمحتسبين والمعلمين وأرزاق المقاتلة وحفظ الطريق من اللصوص وقطاع الطريق قالوا وما أوجف المسلمون عليه هو مثل الأراضي التي أجلوا أهلها عنها ومثل الجزية ولا خمس في ذلك ومذهب الشافعي أن كل مال أخذ من الكفار بلا قتال عن خوف أو أخذ منهم للكف عنهم يخمس وما أخذ من غير خوف كالجزية وعشر التجارة ومال من مات ولا وارث له ففي القديم لا يخمس وهو قول مالك وفي الجديد يخمس ولأحمد في العئ روى روايتان الظاهر منهما لا يخمس ثم هذا الخمس عند الشافعي يصرف إلى ما يصرف إليه خمس الغنيمة عنده قال ابن الهمام واستدل صاحب الهداية بعمله صلى الله عليه وسلم فإنه أخذ الجزية من مجوس هجر ونصارى نجران وفرض الجزية على أهل اليمن على كل حالم دينارا ولم ينقل قط من ذلك أنه خمسه بل كان بين جماعة المسلمين ولو كان لنقله ولو بطريق ضعيف على ما قضت به العادة ومخالفة ما قضت به العادة باطلة فوقوعه باطل وقد ورد فيه خلافه وإن كان فيه ضعف ثم أورد رواية عمر بن عبد العزيز هذه انتهى قال المنذري فيه رواية مجهول وعمر بن عبد العزيز لم يدرك عمر ابن الخطاب والمرفوع منه مرسل الافتراض بالفاء الفرض وهو ما يقطع من العطاء انتهى كلام المنذري (عن غضيف) بالضاد المعجمة مصغرا ويقال بالطاء المهملة يكنى أبا أسماء حمصي مختلف في صحبته (يقول) أي عمر (به) أي بالحق أو التقدير يقول الحق بسبب ذلك الوضع والجملة استئناف بيان أو حال عيان قاله القاري قال المنذري وأخرجه ابن ماجه في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد تقدم الكلام عليه
[ 128 ]
19 في صفايا رسول الله من الأموال جمع صفية قال في المجمع الصفي ما يأخذه رئيس الجيش لنفسه من الغنيمة قبل القسمة والصفية مثله وجمعه الصفايا قال الطيبي الصفي مخصوص به وليس لواحد من الأئمة بعده انتهى وفي الهداية الصفي شئ كان عليه السلام يصطفيه لنفسه من الغنيمة مثل درع أو سيف أو جارية وسقط بموته لأنه عليه السلام كان يستحقه برسالته ولا رسول بعده قال العيني ولهذا لم يأخذه الحلفاء الراشدين انتهى (عن مالك بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو (ابن الحدثان) بفتح الحاء والدال المهملتين (تعالى النهار) أي ارتفع (مفضيا إلى إلى رماله) بكسر الراء وقد تضم وهو ما ينسج من سعف النخل يعني ليس بينه وبين رماله شئ والإفضال إلى الشئ لا يكون بحائل قال هذا لأن العادة أن يكون فوق الرمال فراش أو غيره أي أن عمر قاعد عليه من غير فراش (يا مال) بكسر اللام على اللغة المشهورة أي يا مالك على الترخيم ويجوز الضم على أنه صار إسما مستقلا فيعرب إعراب المنادى المفرد (إنه) أي الشأن (قد دف أهل أبيات) قال الحافظ أي ورد جماعة بأهليهم شيئا بعد شئ يسيرون قليلا قليلا والدفيف السير اللين وكأنهم كانوا قد أصابهم جدب في بلادهم فانتجبوا ولم المدينة انتهى وقيل معناه أقبلوا مسرعين والدف المشي بسرعة (لو أمرت غيري بذلك) أي لكان خيرا ولعله قال ذلك تحرجا من قبول الأمانة (فقال خذه) لم يبين أنه أخذه أم لا والظاهر أنه أخذه لعزم عمر عليه (يرفأ) بفتح المثناة تحت وإسكان الراء وبالفاء غير مهموز هكذا ذكر الجمهور ومنهم من همزه قاله النووي وهو علم حاجب عمر رضي الله عنه (هل لك في عثمان إلخ) أي هل لك رغبة في دخولهم (فقال
[ 129 ]
بعضهم) أي عثمان وأصحابه (وأرحمهما بين) من الإراحة (خيل) بصيغة المجهول من باب التفعيل (أنهما) أي العباس وعليا (قدما) من التقديم (أولئك النفر) أي عثمان وأصحابه (أتئدا أهل) امر من التؤدة أي اصبرا وأمهلا ولا تعجلا (أنشدكم بالله) بفتح الهمزة وضم الشين أي أسألكم بالله لا (نورث) بفتح الراء أي لا يرثنا أحد (ما تركنا صدقة) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو ما الموصولة وتركنا صلته والعائد محذوف أي الذي تركناه صدقة (فإن الله خص رسول الله إلخ) قال النووي ذكر القاضي في معنى هذا احتمالين أحدهما تحليل الغنيمة له ولأمته والثاني تخصيصه بالفئ إما كله أو بعضه على اختلاف العلماء قال وهذا الثاني أظهر لاستشهاد عمر على هذا بالآية انتهى (ما أفاء الله) أي رد (فما أوجفتم) أي أسرعتم أوجف دابته حثها على السير (من خيل) من زائدة (ولا ركاب) أي إبل أي لم تقاسوا فيه مشقة (ما استأثر بها) الاستئثار الأنفراد بالشئ والمعنى أن النبي ما فضل نفسه الكريمة عليكم في نصيبه من الفئ (أو نفقته ونفقة أهله سنة) أو للشك من الراوي (أسوة المال) أي يجعل ما بقي من نفقة أهله مساويا للمال الآخر الذي يصرف لوجه الله قال في النهاية قد تكرر ذكر الأسوة
[ 130 ]
والمواساة وهي بكسر الهمزة وضمها القدوة والمواساة المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق وأصله الهمزة فقبلت واوا تخفيفا ومن القلب أن المشتركين واسونا على الصلح وعلى الأصل في الصديق آساني بنفسه وماله انتهى ومنه الحديث أسوة الغرماء أي أنهم مساوون ومشاركون في المال الموجود للمفلس ولفظ البخاري ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله وهذا أصرح في المراد أي يجعله في السلاح والكراع ومصالح المؤمنين (فجئت أنت وهذا) يعني عليا رضي الله عنه (من ابن أخيك) يعني رسول الله (ميراث امرأته) أي فاطمة رضي الله عنها (والله يعلم أنه) أي أبا بكر (بار) بتشديد الراء فقلت إن شئتما أن أدفعها إليكما) جواب إن محذوف أي دفعتها (على أن عليكما عهد الله إلخ) أي لتتصرفا حديث فيها وتنتفعا عند منها بقدر حقكما كما تصرف رسول الله لا على جهة التمليك إذ هي صدقة محرمة التمليك بعده قاله القسطلاني (قال أبو داود إنما سألاه أن يكون يصيره بينهما نصفين إلخ) هذا جواب عما استشكل
[ 131 ]
في هذه القصة من أن العباس وعليا تردد إلى الخليفتين وطلبا الميراث مع قوله لا نورث ما تركناه فهو صدقة وتقرير عمر رضي الله عنه عليهما إنهما يعلمان ذلك وحاصل الجواب إنهما إنما سألاه أن يقسمه بينهما نصفين لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه فقال عمر لا أوقع عليه اسم القسم أدعه أي أتركه على ما هو عليه وإنما كره أن يوقع عليه اسم القسم لئلا يظن لذلك مع تطاول الأزمان أنه ميراث وأنهما ورثاه لا سيما وقسمة الميراث بين البنت والعم نصفان فيلتبس ذلك ويظن أنهم تملكوا ذلك قال الحافظ في الحديث إشكال شديد وهو أن أصل القصة صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه قال لا نورث فإن كانا سمعاه من النبي فكيف يطلبانه من أبي بكر وإن كانا سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه من عمر والذي يظهر والله أعلم أنهما اعتقدا أن عموم قوله لا نورث مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض وأما مخاصمة علي وعباس بعد ذلك ثانيا عند عمر فقال إسماعيل القاضي لم يكن في الميراث إنما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف كذا قال لكن في رواية النسائي ما يدل على أنهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث انتهى كلام الحافظ ملخصا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مطولا ومختصرا قال أبو داود أراد أن لا يوقع عليها اسم قسم وفي لفظ البخاري أنا أكفيكماها (أراد) أي عمر رضي الله عنه (أن لا يوقع عليه) أي على ما أفاء الله على رسوله الله (اسم قسم) أي قسمة فإن القسمة إنما يقع في الملك (مما أفا الله على رسوله) من بيانية أو تبعيضية أي والحال أنها من جملة ما أفاء الله على رسوله (مما لم يوجف) خبر كانت (كانت لرسول الله خالصا) قال النووي هذا يؤيد مذهب
[ 132 ]
الجمهور أنه لا خمس في الفئ ومذهب الشافعي أن النبي كان له من الفئ أربعة أخماسه وخمس خمس الباقي فكان له أحد وعشرون سهما من خمسة وعشرين والأربعة الباقية لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل انتهى (على أهل بيته) أي نسائه وبناته (قال ابن عبدة) هو أحمد (في الكراع) بضم الكاف أي الخيل (وعدة) بالضم والتشديد قال في المصباح العدة بالضم الاستعداد والتأهب والعدة ما أعدته من مال أو سلاح أو غير ذلك والجمع عدد مثل غرفة وغرف انتهى قال الحافظ واختلف العلماء في مصرف الفئ فقال مالك الفئ والخمس سواء يجعلان في بيت المال ويعطي الإمام أقارب النبي بحسب اجتهاده وفرق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين الفئ فقالوا الخمس موضوع فيما عينه الله تعالى من الأصناف المسمين في اية الخمس من سورة الأنفال لا يتعدى به إلى غيرهم وأما الفئ فهو الذي يرجع في تصرفه إلى رأي الإمام بحسب المصلحة واحتجوا بقول عمر فكانت هذه خاصة لرسول الله وانفرد الشافعي كما قال ابن المنذر وغيره بأن الفئ يخمس وأن أربعة أخماسه للنبي وله خمس الخمس كما في الغنيمة وأربعة أخماس الخمس لمستحق نظيرها من الغنيمة وتأول قول عمر المذكور بأنه يريد الأخماس الأربعة انتهى مختصرا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (قال عمر) في هذه الآية الكريمة (وما أفاء الله على رسوله) أي ما رد الله على رسوله (منهم) أي من يهود بني النضير (فما أوجفتم عليه) يعني أوضعتم وهو سرعة السير (من خيل ولا ركاب) يعني الإبل التي تحمل القوم وذلك أن بني النضير لما تركوا رباعهم وضياعهم طلب المسلمون من رسول الله أن يقسمها بينهم كما فعل بغنائم خيبر فبين الله تعالى في هذه الآية أنها لم يوجف المسلمون عليها خيلا ولا ركابا ولم يقطعوا إليها شقة ولا نالوا مشقة وإنما كانوا يعني بني النضير على ميلين من المدينة فمشوا إليها مشيا ولم يركب إلا رسول الله كان على جمل وتمام الآية (ولكن الله يسلط رسله على من يشاء) من أعدائه (والله على كل شئ
[ 133 ]
قدير) أي فهي له خاصة يضعها حيث يشاء فقسمها رسول الله بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم أبو دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة كذا في تفسير الخازن (قرى عرينة) بإضافة قرى إلى عرينة وهو بدل من قوله هذه لرسول الله وعرينة بالنون بعد الياء التحتانية تصغير عرنة موضع به قرى كأنه بنواحي الشام كذا في المراصد (فدك) بحذف الواو العاطفة أي وفدك وهو بالتحريك وآخره كاف قرية بالحجاز بينها وبين المدينة بومان لأنه وقيل ثلاثة أفاءها الله على رسوله صلحا فيها عين فوارة ونخل كذا في المراصد (وكذا وكذا) أي مثل أموال قريظة والنضير (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) يعني من أموال كفار أهل القرى قال ابن عباس هي قريظة والنضير وفدك وخيبر وقرى عرينة (فلله وللرسول ولذي القربي) يعني بني هاشم وبني عبد المطلب (واليتامى والمساكين وابن السبيل) وتمام الآية (كيلا يكون) الفئ (دولة) والدولة اسم الشئ الذي يتداوله القوم بينهم (بين الأغنياء منكم) يعني بين الرؤساء والأقوياء فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا غنيمة أخذ الرئيس ربعها لنفسه وهو المرباع ثم يصطفى بعده ما شاء فجعله الله لرسوله يقسمه فيما أمره به (وللفقراء الذين) يشير إلى قوله تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) يعني فلهم الحق من الفئ (والذين تبوؤا الدار والإيمان) يعني الانصار توطنوا الدار وهي المدينة واتخذوها سكن (من قبلهم) يعني أنهم أسلموا في ديارهم وآثروا الإيمان وابتنوا المساجد قبل قدوم النبي بسنتين والمعنى والذين تبوؤا الدار من قبل المهاجرين وقد آمنوا وتمام الآية يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة يعني فلهم الحق من الفئ (والذين جاءوا من بعدهم) يعني من بعد المهاجرين والأنصار وهم التابعون لهم إلى يوم القيامة وتمام الآية يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الدين سبقونا بالآيمان أخبرنا ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم (فاستوعبت هذه الآية) أي والذين جاءوا من بعدهم وأحاطت عامة
[ 134 ]
المسلمين (قال أيوب) السختياني (أو قال حظ) مكان قوله حق (إلا بعض من تملكون من أرقائكم) جمع رقيق أي إلا عبيدكم وإماثكم يا فإنهم ليس لهم حق من هذا الفئ لأنهم تحت سيدهم وفي ملكهم والحاصل أن عمر بن الخطاب رأى أن الفئ لا يخمس بل مصرف جميعه واحد ولجميع المسلمين فيه حق وقرأ عمر ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى حتى بلغ للفقراء المهاجرين إلى قوله والذين جاءوا من بعدهم ثم قال هذه استوعبت المسلمين عامة قال وما على وجه الأرض مسلم إلا وله في هذ الفئ حق إلا ما ملكت إيمانكم قال المنذري وهذا منقطع الزهري لم يسمع من عمر (كلهم) أي حاتم بن إسماعيل وعبد العزيز بن محمد وصفوان بن عيسى كلهم يروي عن أسامة ابن زيد (كان فيما احتج به عمر) أي استدل به على أن الفئ لا يقسم وذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروا عليه (ثلاث صفايا) بالإضافة وهي جمع صفية وهي ما يصطفي ويختار قال الخطابي الصفي ما يصطفيه الإمام عن أرض الغنيمة من شئ قبل أن يقسم من عبد أو جارية أو فرس أو سيف أو غيرها وكان مخصوصا بذلك مع الخمس له خاصة وليس ذلك لواحد من الأئمة بعده قالت عائشة رضي الله عنها كانت صفية من الصفي أي من صفي المغنم كذا في المرقاة (بنو النضير) أي أراضيهم (وخيبر وفدك) بفتحتين بلد بينه وبين المدينة ثلاث مراحل قاله القسطلاني وفي القاموس فدك محركة قرية بخيبر والمعنى أنه اختار لنفسه هذه المواضع الثلاثة (فأما بنو النضير) أي الأموال الحاصلة من عقارهم (فكانت حبسا) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة أي محبوسة (لنوائبه) أي لحوائجه وحوادثه من الضيفان والرسل وغير ذلك من السلاح والكراع قال الطيبي هي جمع نائبة وهي ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمات والحوائج (لأبناء السبيل) قال ابن الملك يحتمل أن
[ 135 ]
يكون معناه أنها كانت موقوفة لأبناء السبيل أو معدة لوقت حاجتهم إليها وقفا شرعيا (فجزأها) بتشديد الزاي بعدها همز أي قسمها والحديث سكت عنه المنذري (أرسلت إلى أبي بكر الصديق) أي بعد وفاة النبي (بالمدينة) أي من أموال بني النضير كالنخل وكانت قريبة من المدينة (لا نورث) وفي حديث الزبير عند النسائي إنا معاشر الأنبياء لا نورث قال النووي والحكمة في أن الأنبياء لا يورثون أنه لا يؤمن أن يكون في الورثة من يتمنى موته فيهلك ولئلا يظن بهم الرغبة في الدنيا لوارثهم فيهلك الظان وينفر الناس عنهم انتهى (ما تركنا صدقة) أي الذي تركناه فهو صدقة (من هذا المال) أشار به إلى المال الذي يحصل من خمس خيبر وفي الرواية الآتية في هذا المال يعني مال الله قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (وفدك) بالصرف وعدمه (ليس لهم) أي لآل محمد (على
[ 136 ]
المآكل) بفتح المي والمد وكسر الكاف جمع مأكل مصدر ميمي يقال أكل الطعام أكلا ومأكولا والحديث سكت عنه المنذري (فأبى أبو بكر) أي أنكر وامتنع (عليها) أي على فاطمة رضي الله عنها (إن تركت) إن شرطية (أن أزيغ) بفتح الهمزة وكسر الزاي وبعد التحتية غين معجمة أي أن أميل عن الحق إلى غيره (فأمسكها عمر) أي لم يدفعهما لغيره وبين سبب ذلك (لحقوقه التي تعروه) أي التي تنزله قال الخطابي أي تغشاه وتنتابه لو يقال عراني ضيف أي نزل بي (ونوائبه) أي حوادثه التي تصيبه (وأمرهما إلى من ولي الأمر) أي بعد النبي (قال) أي الزهري حين حدث هذا الحديث (فهما) أي خيبر وفدك (على ذلك) أي يتصرف فيهما من ولي الأمر والحديث سكت عنه المنذري (أخبرنا ابن ثور) هو محمد بن ثور (وقرى) جمع قرية (قد سماها) أي تلك القرى والظاهر أن فاعل سمي هو الزهري والقائل معمر (وهو) أي النبي (محاصر) بكسر الصاد (قوما آخرين) يعني بقية أهل خيبر كذا في فتح الباري (فأرسلوا) أي القوم المحاصرون (إليه) أي إلى النبي (يقول بغير قتال) تفسير لقوله فما أوجفتم إلخ من بعض الرواة (عنوة) أي قهرا
[ 137 ]
وغلبة (افتتحوها على صلح) تفسير لما قبله قال النووي في تفسير صدقات النبي المذكورة في الأحاديث قال صارت إليه بثلاثة حقوق أحدها ما وهب له وذلك وصية مخيريق اليهودي له عند إسلامه يوم أحد وكانت سبع حوائط في بني النضير وما أعطاه الأنصار من أرضهم وهو ما لا يبلغه الماء وكان هذا ملكا له الثاني حقه من الفئ من أرض بني النضير وحين أجلاهم كانت له خاصة لأنها لم يوجف المسلمون بخير ولا ركاب وأما منقولات أموال بني النضير فحملوا منها ما حملته الإبل غير السلاح كما صالحهم ثم قسم الباقي بين المسلمين وكانت الأرض لنفسه ويخرجها في نوائب المسلمين وكذلك نصف أرض فدك صالح أهلها بعد فتح خيبر على نصف أرضها وكان خالصا له وكذلك ثلث أرض وادي القرى أخذه في الصلح حين صالح أهلها اليهود وكذلك حصنان من حصون خيبر الوطيخ والسلالم أخذهما صلحا الثالث سهمه من خمس خيبر وما افتتح فيها عنوة فكانت هذه كلها ملكا لرسول الله خاصة لا حق فيها لأحد غيره لكنه كان لا يستأثر بها بل ينفقها على أهله والمسلمين والمصالح العامة وكل هذه الصدقات محرمات التملك بعده انتهى والحديث سكت عنه المنذري (حين استخلف) بصيغة المجهول أي جعل خليفة (كانت له فدك) أي خاصة (ويعود منها على صغير بني هاشم) أي يحسن منها على صغارهم مرة بعد أخرى والمعنى أنه كلما فرغ نفقتهم رجع عليهم وعاد إليهم بنفقة أخرى قاله القاري (أيمهم) بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة قال في القاموس أيم ككيس من لا زوج لها بكرا أو ثيبا ومن لا امرأة له (حتى مضى لسبيله) كناية عن وفاته (فلما أن ولى) بضم فتشديد مكسور أي تولى قاله القاري (ثم أقطعها مروان) أي في زمن عثمان رضي الله عنه والمعنى جعلها قطيعة لنفسه وتوابعه
[ 138 ]
والقطيعة الطائفة من أرض الخراج يقطعها السلطان من يريد ومروان هو مروان بن الحكم جد عمر بن عبد العزيز (ثم صارت) أي الولاية أو فدك (لعمر بن عبد العزيز) وضع موضع لي ملتفتا ليشعر بأن نفسه غير راضية بهذا (ليس لي بحق) أي ليس لأحد فيها استحقاق ولو كان خليفة فضلا عن غيره (أني قد رددتها) أي فدك (قال أبو داود ولي عمر بن عبد العزيز الخ) هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ قال المنذري قال بعضهم إنما أقطعها مروان في زمان عثمان رضي الله عنه وكان ذلك مما عابوه وتعلقوا به عليه وكان تأويله في ذلك والله أعلم ما بلغه عن رسول الله من قوله إذا أطعم الله نبيا طعمة فهي للذي يقوم من بعده وكان رسول الله يأكل منها وينفق على عياله قوت سنة ويصرف الباقي مصرف الفئ فاستغني عنها عثمان بماله فجعلها لأقاربه ووصل بها أرحامهم وهو مذهب الحسن وقتادة أن هذه الأموال جعلها الله تعالى لنبيه طعمة ثم هي لمن ولى بعده انتهى كلام المنذري (طعمة) بضم الطاء وسكون زالعين أي مأكلة والمراد الفئ ونحوه قاله العزيزي (فهي للذي يقوم من بعده) أي بالخلافة أي يعمل فيها ما كان النبي يعمل لا أنها تكون له ملكا قاله العزيزي قال المنذري في إسناده الوليد بن جميع وقد أخرج له مسلم وفيه مقال (لا يقتسم) من الاقتسام من باب الافتعال ولا نافية وليست ناهية وفي بعض النسخ لا
[ 139 ]
تقتسم وفي بعضها لا تقسم (دينارا) التقييد بالدينار من باب التنبيه بالأدني على الأعلى (نسائي) أي أمهات المؤمنين (ومؤنة عاملي) قال الحافظ اختلف في المراد بقوله عاملي فقيل الخليفة بعده وهذا هو المعتمد وقيل يريد بذلك العامل على النخل وبه جزم الطبري وابن بطال وقيل المراد به خادمه وقيل العامل على الصدقة وقيل العامل فيها كالأجير (قال أبو داود الخ) ليست هذه العبارة في أكثر النسخ (يعني أكرة الأرض) أي المراد بقوله عاملي أكرة الأرض قال في الصراح أكرة بفتحتين كشاورزان يكون كأنه جمع آكر في التقدير وواحدها أكار وفي القاموس الأكر والتأكر مع حفر الأرض ومنه الأكار للحراث جمعه أكرة كأنه جمع آكر في التقدير والمواكرة المخابرة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (من رجل) قال في التقريب لعله مالك بن أوس بن الحدثان (مكتوبا مذبرا) أي مكتوبا منقوطا ليسهل قراءته ففي القاموس الذبر الكتابة يذبر بكر ويذبر قد كالتذبير وفي والنقط وفيه في مادة النقط نقط الحرف ونقطه أعجمه أو المعنى مكتوبا سهل القراءة قال في القاموس كتاب ذبر ككتف سهل القراءة (ينفق من ماله على أهله ويتصدق بفضله) هذا لا يعارض حديث عائشة أنه توفي ودرعه مرهونة على شعير لأنه يجمع بينهما بأنه كان يدخر لأهله قوت سنتهم ثم في طول السنة يحتاج لمن يطرقه إلى إخراج شئ منه فيخرجه فيحتاج إلى أن يعوض من يأخذ منها عوضه فلذلك استدان ذكره الحافظ قال المنذري في إسناده رجل مجهول غير أن له شواهد صحيحة
[ 140 ]
(فيسأله ثمنهن) وفي رواية مسلم فيسألنه ميراثهن ومعنى الروايتين واحد لأن ميراث الزوجات الثمن إن كان للميت ولد قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (لنائبتهم) أي ما ينوب الإنسان من الحوادث والمهمات والحديث سكت عنه المنذري في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى (أنه جاء هو) أي جبير بن مطعم (يكلمان) حال (فقلت يا رسول الله) القائل هو جبير (وقرابتنا وقرابتهم) أي قرابة بني عبد المطلب (منك واحدة) لأنه من بني هاشم وعثمان من بني عبد شمس وجبير بن مطعم من بني نوفل وعبد شمس ونوفل وهاشم ومطلب سواء الجميع بنو عبد مناف وعبد مناف هو الجد الرابع لرسول الله (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ
[ 141 ]
واحد) أي كشئ واحد بأن كانوا متوافقين متحابين متعاونين فلم تكن بينهم مخالفة في الجاهلية ولا في الإسلام وفي شرح السنة أراد الحلف الذي كان بين بني هاشم وبني المطلب في الجاهلية وذلك أن قريشا وبني كنانة حالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربي رسول الله) قال في فتح الودود فلعله رضي الله عنه رآهم أغنياء في وقته ورأى غيرهم أحوج إليه منهم فصرف في أحوج المصارف وأحقها انتهى وفي الحديث حجة للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي من قريش قاله الحافظ قاله الخطابي وفي الحديث دليل على ثبوت سهم ذي القربى لأن عثمان وجبيرا إنما طلباه بالقرابة وقد عمل فيه الخلفاء بعد عمر رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه وجاء في هذه الرواية أن أبا بكر لم يقسم لهم وقد جاء في غير هذه الرواية عن علي أن أبا بكر قسم لهم وقد رواه أبو داود فدل ذلك على ثبوت حقهم وقد اختلف العلماء في ذلك فقال الشافعي حقهم ثابت وكذلك قال مالك بن أنس وقال أصحاب الرأي لا حق لذي القربى وقسموا الخمس في ثلاثة أصناف انتهى مختصرا قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه مختصرا (أن رسول الله لم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل الخ) واعلم أن الآية دلت
[ 142 ]
على استحقاق قربي النبي وهي متحققة في بني عبد شمس وبني نوفل واختلفت الشافعية في سبب إخراجهم فقيل العلة القرابة مع النصرة فلذلك دخل بنو هاشم وبنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها وقيل سبب الاستحقاق القرابة ووجد في بني عبد شمس ونوفل مانع ولكنهم انحازوا عن بني هاشم وحاربوهم وقيل إن القربى عام خصصته السنة قاله في النيل والحديث سكت عنه المنذري (وضع) أي قسم (لا ننكر) أي نحن (فضلهم) أي وإن كنا متساوين في النسب (للموضع) أي لأجل الموضع (الذي وضعك الله به) أي بالموضع (منهم) أي من بني هاشم خاصة من بيننا فإنهم صاروا أفضل منا لكونهم أقرب إليك منا لأن جدك وجدهم واحد وهو هاشم وإن كان جدهم وجدنا واحدا وهو عبد مناف (فما بال إخواننا) أي ما حالهم (بني المطلب) عطف بيان لإخواننا (وقرابتنا واحدة) وفي رواية الشافعي على ما في المشكاة وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة قال القاري وإنما قرابتنا أي بنو نوفل ومنهم جبير وبنو عبد شمس ومنهم عثمان وقرابتهم يعني بني المطلب واحدة أي متحدة لأن أ باهم أخو هاشم وآباؤنا كذلك (أنا) بالتخفيف (وشبك بين أصابعه) أي أدخل أصابع إحدى يديه بين أصابع يده الأخرى والمعنى كما أن بعض هذه الأصابع داخلة في بعض كذلك بنو هاشم وبنو المطلب كانوا متوافقين مختلطين في الكفر والإسلام وأما غيرهم من أقاربنا فلم يكن موافقا لبني هاشم والحديث سكت عنه المنذري (عن السدي) هو إسماعيل بن عبد الرحمن والسدي نسبة إلى سدة مسجد الكوفة كان
[ 143 ]
يبيع بها المقانع (في ذو القربى) أي في تفسير قوله تعالى ولذي القربى في آاية كل الخمس والحديث سكت عنه المنذري (أنبأنا يزيد بن هرمز) بضم الهاء وسكون الراء وضم الميم بعدها زاي (أن نجدة) بفتح النون وسكون الجيم هو رئيس الخوارج (الحروري) بفتح فضم نسبة إلى حروراء وهي قرية بالكوفة (رأيناه دون حقنا فرددناه عليه) قال في فتح الودود لعله مبني على أن عمر رآهم مصارف وابن عباس رآهم مستحقين لخمس الخمس كما قال الشافعي رحمه الله فقال بناء على ذلك إنه عرض دون حقهم والله أعلم انتهى والفرق بين المصرف والمستحق أن المصرف من يجوز الصرف إليه والمستحق من كان حقه ثابتا فيستحق المطالبة والتقاضي بخلاف المصرف فإنه لا يستحق المطالبة إذا لم يعط (وأبينا أن نقبله) زاد في رواية النسائي كان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم ويقضي عن غلامهم ويعطي فقيرهم وأبى أن يزيدهم على ذلك قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (فأتى) بصيغة المجهول والضمير لعمر رضي الله عنه (فقال) أي عمر رضي الله عنه (خذه) أي المال (استغنينا عنه) هذا دليل على موافقة علي رضي الله عنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه على أن ذوي القربى مصارف للخمس لا مستحقوه كما لا يخفي وكذا في فتح الودود قال المنذري في إسناده أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان وقيل ابن عبد الله بن ماهان قد وثقه ابن المديني وابن معين ونقل عنهما خلاف ذلك وتكلم فيه غير واحد
[ 144 ]
(مال كثير) من فتوح البلدان (فعزل) عمر رضي الله عنه أي استخرج من ذلك الجمع (حقنا) من خمس الخمس ووضعه على حده لأن يعطينا (فقلت بنا عنه العام غني) بنا متعلق بقوله غني اي لا حاجة لنا إليه في هذا العام (وبالمسلمين) متعلق بحاجة (لم يدعني إليه) أي المال وهو خمس الخمس (حرمتنا) أي جعلتنا محرومين من المال الذي لا يرد علينا أبدا لأن المال لا يعطيه أحد لمستحقيه بطيب نفسه وليس كل رجل مثل عمر في إعطاء المال (وكان رجلا داهيا) أي فظنا ذا رأى في الأمور قال المنذري في إسناده حسين بن ميمون الخندقي قال أبو حاتم الرازي ليس بقوى الحديث يكتب حديثه وقال علي بن المديني ليس بمعروف وذكر له البخاري في تاريخه الكبير هذا الحديث وقال وهو حديث لم يتابع عليه (أن أباه) أي أبا عبد المطلب (ربيعة بن الحارث) بدل من أباه (وأوصلهم) اسم تفضيل
[ 145 ]
من الصلة (ما يصدقان) من أصدق أي ما يؤديان به المهر (ولنصب) من الإصابة (ما كان) ما موصولة وهي اسم كان (فيها) أي في الصدقة (من مرفق) بكسر الميم وفتحها أي من منفعة وهو بيان لما الموصولة ومرفق هو من الأمر ما انتفعت به واستعنت به ومنه يهيئ لكم من أمركم مرفقا والمعنى والله أعلم أنا نؤدي إليك ما يحصل من رأس أموال الصدقات وأما أجرة العمالة وما يحصل للمصدقين من غير أموال الصدقة وغير ذلك من المنافع فهو لنا (هذا من امرك) في رواية الطبراني أن هذا من حسدك (قد نلت) من النيل بمعنى يافتن (أنا أبو حسن القرم) بتنوين حسن وأما القرم فالبراء الساكنة مرفوع وهو السيد وأصله فحل الإبل قاله النووي قال الخطابي هو في أكثر الروايات بالواو وكذلك رواه لنا ابن داسة بالواو وهذا لا معنى له وإنما هو القوم بالراء وأصل القرم في الكلام فحل الإبل ومنه قيل للرئيس قرم يريد بذلك أنه المتقدم في الرأي والمعرفة بالأمور فهو فيهم بمنزلة القرم في الإبل (لا أريم) أي لا أبرح ولا أفارق مكاني (بحور ما بعثتما به) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو أي بجواب المسألة التي بعثتما فيها وبرجوعها وأصل الحوار الرجوع يقال كلمه فما أحار جوابا أي مارد جوابا قاله الخطابي وفي بعض النسخ بجواب ما بعثتما به (ما تصرران) بضم التاء وفتح الصاد وكسر الراء وبعدها راء أخرى ومعناه تجمعانه في صدوركما من الكلام وكل شئ جمعته فقد صررته قاله النووي قال الخطابي أي ما تكتمان وما تضمران من الكلام وأضله من الصر وهو الشد والإحكام (فتواكلنا الكلام) أي وكل كل منا الكلام إلى صاحبه يريد أن يبتدئ الكلام صاحبه
[ 146 ]
دونه (قبل سقف البيت) بكسر القاف وفتح الموحدة أي نحوه (تلمع) بضم التاء وإسكان اللام وكسر الميم ويجوز فتح التاء والميم يقال ألمع ولمع إذ أشار بثوبه أو بيده قاله النووي (في أمرنا) أي مصروف ومتوجه إلى رد جوابك بحيث تنال إلى مرادك فلا تعجل ونسبت زينب رضي الله عنها أمر الفضل إلى نفسها تلطفا معه (إنما هي أوساخ الناس) أي أنهما تطهير لأموالهم ونفوسهم كما قال تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها كغسالة الأوساخ (ادعوا إلى محمية بن جزء) قال النووي حمية وبميم مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة ثم ميم أخرى مكسورة ثم ياء مخففة وجزء بجيم مفتوحة ثم راي ساكنة ثم همزة هذا هو الأصح انتهى (من الخمس) يحتمل أن يريد من سهم ذوي القربى من الخمس لأنهما من ذوي القربى ويحتمل أن يريد من سهم النبي من الخمس قاله النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (أخبرني علي بن الحسين) هو الملقب بزين العابدين (شارف) أي مسنة من النوق (يومئذ) أي يوم بدر ولفظ البخاري في المغازي وكان النبي أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ قال القسطلاني ظاهره أنه كان يوم بدر (أن أبتني بفاطمة) أي أدخل بها
[ 147 ]
والبناء الدخول بالزوجة وأصله أنهم كانوا من أراد ذلك بنيت له قبة فيها بأهله (صواغا) بفتح الصاد المهملة وتشديد الواو لم يسم (من بني قينقاع) بفتح القافين وضم النون وقد تفتح وتكسر غير منصرف ويجوز صرفه قبيلة من اليهود وفي القاموس شعب من اليهود كانوا بالمدينة (بإذخر) بكسر الهمزة وسكون ذال وكسر خاء معجمتين نبت عريض الأوراق يحرقه الحداد بدل الحطب والفحم (من الأقتاب) جمع قتب قال في الصراح قتب بالتحريك بالان خرد وقال في المجمع هو للجمل كالآكاف % لغيره (والغرائر) جمع غرارة وهي ما يوضع فيها الشئ من التبن وغيره (والحبال) جمع حبل (وشارفاي) مبتدأ خبره (مناخان) أي مبروكان (أقبلت) وفي رواية للبخاري فرجعت (حين جمعت ما جمعت) أي من الأقتاب وغيرها (قد اجتبت) بضم الهمزة بصيغة المجهول من الاجتباب منه أي قطعت (أسنمتهما) جمع سنام (وبقرت) بضم الموحدة وكسر القاف أي شقت (خواصرهما) جمع خاصرة في الصراح خاصرة تهي كاه (فلم أملك عيني) أي من البكاء (ذلك المنظر) بفتح الميم والظاء وإنما بكى علي رضي الله عنه خوفا من تقصيره في حق فاطمة رضي الله عنها أو في تأخير الابتناء بها لا لمجرد فوات الناقتين قاله القسطلاني (في شرب) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء جماعة يجتمعون على شرب الخمر اسم جمع عند سيبويه وجمع شارب عند الأخفش (قينة) بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هي الجارية المغنية (وأصحابه) بالنصب عطف على المنصوب في غنته (ألا يا حمز) ترخيم وهو بفتح الزاي ويجوز ضمها (للشرف) بضمتين جمع شارف (النواء) بكسر النون والمد مخففا جمع ناوية وهي الناقة السمينة وبقيته وهن معقلات بالفناء شعإ ضع السكين في اللبات منها وضرجهن حمزة بالدماء وعجل من أطايبها لشرب وقديدا من طبيخ أو شواء
[ 148 ]
(فوثب) أي قام بسرعة (حتى أدخل) بالرفع والنصب ورجح ابن مالك النصب وعبر بصيغة المضارعة مبالغة في استحضار صورة الحال وإلا فكان الأصل أن يقول حتى دخلت (الذي لقيت) أي من فعل حمزة (عدا حمزة) أي ظلم (ها) للتنبيه (فطفق) أي شرع (ثمل) بفتح المثلثة وكسر الميم أي سكران (ثم صعد) بفتح الصاد والعين المشددة المهملتين أي رفع هل أنتم إلا عبيد لأبي قيل أراد أن أباه عبد المطلب جد للنبي ولعلي أيضا والجديد يدعى سيدا وحاصله أن حمزة أراد الافتخار عليهم بأنه أقرب إلى عبد المطلب منهم كذا في فتح الباري (فنكص) أي رجع (القهقري) هو المشي إلى خلف وكأنه فعل ذلك خشية أن يزداد عبثه في حال سكره فينتقل من القول إلى الفعل فأراد أن يكون ما يقع منه بم أي منه ليدفعه إن وقع منه شئ ومطابقة الحديث للترجمة في قوله أعطاني شارفا من الخمس قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (أن أم الحكم أو ضباعة إلخ) شك من الراوي في أن أم الحكم بنت الزبير حدثت
[ 149 ]
الفضل بن الحسن ضباعة بنت الزبير أو أن ضباعة حدثته عن أم الحكم (يتامى بدر) أي من قتل اباؤهم يوم بدر (ساد لكن ما هو خير لكن إلخ) قال الكرماني فإن قلت لا شك أن للتسبيح ونحوه ثوابا عظيما لكن كيف يكون خيرا بالنسبة إلى مطلوبها وهو الاستخدام قلت لعل الله تعالى يعطي المسبح قوة يقدر على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم عليه أو يسهل الأمور عليه بحيث يكون فعل ذلك بنفسه أسهل عليه من أمر الخادم بذلك أو معناه أن نفع التسبيح في الآخرة ونفع الخادم في الدنيا والآخرة خير وأبقى كذا في مرقاة الصعود (قال عياش) هو ابن عقبة الحضرمي (وهما) أي أم الحكم وضياعة : (ابنتا عم النبي) هو زبير بن عبد المطلب والحديث سكت عنه المنذري (عن ابن أعبد) بفتح الهمزة وضم الموحدة بينهما عين مهملة ساكنة غير منصرف للعلمية ووزن الفعل واسمه على (وكانت) أي فاطمة رضي الله عنها من أحب أهله عليه أي إلى النبي (جرت بالرحى) الجر الجذب والمراد من الجر بالرحى إدارتها (واستقت) من الاستقاء وهو بالفارسية كشيدن اب از جاه (بالقربة) بالكسر بالفارسية مشك (في نحرها) أي أعلى صدر ها (وكنست البيت) في الصراح كنس خانة روفتن غير من باب نصر (حداثا) أي رجالا يتحدثون وقال في المجمع : أي جماعة يتحدثون وهو جمع شاذ (فأتاها) أي أتى النبي في بيت فاطمة رضي الله عنها (فقلت) القائل هو علي رضي الله عنه (فتستخدمك) أي تطلب منك
[ 150 ]
(خادما) هو يطلق على العبد وعلى الجارية (يقيها) من الوقاية والجملة صفة لخادما أحمد (حر ما هي فيه) أي مشقة الأعمال التي فيها فاطمة فالضمير المؤنث المرفوع لفاطمة رضي الله عنها والضمير المجرور لما الموصولة قال الحافظ في فتح الباري قال القاضي إسماعيل هذا الحديث يدل على أن للإمام أن يقسم الخمس حيث يرى لأن الأربعة الأخماس استحقاق الغانمين والذي يختص بالإمام هو الخمس وقد منع النبي ابنته وأعز الناس عليه من أقربية وصرفه إلى غيرهم وقال الطبري نحوه لو كان سهم ذوي القربى قسما مفروضا لأخدم ابنته ولم يكن ليدع شيئا اختاره الله تعالى لها وأمتن به على ذوي القربى وكذا قال الطحاوي وزاد وإن أبا بكر وعمر أخذا بذلك وقسما جميع الخمس ولم يجعلا لذوي القربى منه حقا مخصوصا به بل بحسب ما يرى الإمام وكذلك فعل علي رضي الله عنه قال الحافظ في الاستدلال بحديث على هذا نظر لأنه يحتمل أن يكون ذلك من الفئ وأما خمس الخمس من الغنيمة فقد روى أبو داود من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال قلت يا رسول الله إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس الحديث و له من وجه اخر عنه ولاني رسول الله خمس الخمس فوضعته مواضعة حياته الحديث فيحتمل أن تكون قصة فاطمة وقعت قبل فرض الخمس والله أعلم وهو بعيد لأن قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه الآية نزلت في غزوة بدر وثبت أن الصحابة أخرجوا الخمس من أول غنيمة غنموها من المشركين فيحتمل أن حصة خمس الخمس وهو حق ذوي القربى من الفئ المذكور لم يبلغ قدر الرأس الذي طلبته فاطمة فكان حقها من ذلك يسيرا جدا يلزم منه أن لو أعطاها الرأس أثر في حق بقية المستحقين ممن ذكر وأطال الحافظ الكلام فيه والله أعلم قال المنذري ابن أعبد اسمه علي وقال علي بن المديني ليس بمعروف ولا أعرف له
[ 151 ]
غير هذا هذا آخر كلامه وقد أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حيث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه هذا الحديث بنحوه وسيجئ إن شاء الله تعالى في كتاب الأدب من كتابنا هذا (ولم يخدمها) من الإخدام أي لم يعطها خادما (كنا نقول إنه) أي عنبسة بن عبد الواحد (من الأبدال) في الجامع الصغير للإمام السيوطي برواية الطبراني في معجمه الكبير عن عبادة بن الصامت الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض وبهم تمرطون بعد وبهم تنصرون قال المناوي في شرح الجامع الصغير بإسناد صحيح والأبدال جمع بدل بفتحتين ووجه تسميتهم بالأبدال أنه كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا كما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبادة بإسناد صحيح كما قال العزيزي في شرح الجامع الصغير للسيوطي وكذا المناوي في شرحه بلفظ الأبدال في هذه الأمة ثلاثون رجلا قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن كلمات رجل أبدل الله مكانه رجلا (قبل أن نسمع أن الأبدال من الموالي) في الجامع الصغير برواية الحاكم في كتاب الكنى والألقاب عن عطاء مرسلا الأبدال من الموالي قال المناوي تمامه ولا يبغض الموالي إلا منافق ومن علامتهم أيضا أنهم لا يولد لهم وأنهم لا يلعنون شيئا قال المناوي وهو حديث منكر انتهى والمعنى أنا كنا نعد عنبسة بن الواحد القرشي من الأبدال لأنه كان من العابدين والذاكرين وعباد الله الصالحين قبل أن نسمع في ذلك الباب شيئا فلما سمعنا أن الأبدال يكون من الموالي أي من السادات الأشراف تحقق لي أنه من الأبدال لأنه عابد أموي قرشي فأي شئ أعظم منه لسيادته وشرافته يقول وفي معناه تأويل آخر يقول محمد بن عيسى إنا نعده من الأبدال لزهده وعبادته لكن لما سمعنا أن الأبدال يكون من الموالي أي بمعنى العبد رجعنا عن ذلك القول وعلمنا أن شرط الأبدال أن يكون من الموالي وعنبسة ليس من الموالي هو قرشي من أولاد سعيد بن العاص الأموي وهذا تأويل ضعيف وقد ورد في الأبدال غير ما ذكر أخرج الطبراني عن عوف بن مالك والأبدال في أهل
[ 152 ]
الشام وبهم ينصرون وبهم يرزقون قال المناوي إسناده حسن وأخرج أحمد في مسنده عن علي الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب قال المناوي إسناده حسن وقد جاء في هذا عدة أخبار منها ما هو ضعيف وما هو موضوع وللصوفية في هذا الباب كلام طويل لكن ليس عليه دليل ولا برهان بل هو من التخيلات المخصة الذي والله أعلم (حدثني الدفيل) بفتح أوله وكسر المعجمة مسقور لأن من السادسة (عن جده مجاعة) بضم الميم وتشديد الجيم (ولكن سأعطيك منه عقبي) قال الخطابي معنى العقبى العوض ويشبه أن يكون أعطاه ذلك تألفا له أو لمن وراءه من قومه على الإسلام والله أعلم انتهى (عقبة من أخيه) أي عوضا منه قال المنذري قيل مجاعة هذا لم يرو عنه غير ابنه سراج بن مجاعة وهو بضم الميم وتشديد الجيم وفتحها وخففها بعضهم وبعد الألف عين مهملة وتاء تأنيث وسلمى بضم السين المهملة وسكون اللام في بني حنيفة وسدوس هذا بفتح السين وضم الدال المهملتين وواو ساكنة وسين مهملة في بكر بن وائل وسدوس بالفتح أيضا سدوس بن دارم في تميم وقال ابن حبيب كل سدوس في العرب فهو مفتوح السين إلا سدوس بن أصبغ
[ 153 ]
واعلم أن المؤلف ما أورد في هذا الكتاب أي باب قسم الخمس أحاديث تستوعب جميع أحكامه فأذكر إن شاء الله تعالى كلاما مشبعا في آخر الباب الآتي ولا أبالي إن تكرر بعض المطالب 21 ما جاء في سهم الصفى وقد تقدم معنى الصفى فإن قلت ما الفرق بين الباب الأول أي باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال وبين هذا الباب قلت الأول في إثبات الصفايا والثاني في بيان سهم الصفى والله أعلم (يدعى) بصيغة المجهول والضمير للسهم (الصفى) بالنصب والمعنى يسمى ذلك السهم باسم الصفى (إن شاء) أي النبي صلى الله عليه وسلم قال المنذري هذا مرسل انتهى وفي النيل رجاله ثقات (سألت محمدا) أي ابن سيرين (وإن لم يشهد) أي وإن لم يحضر الوقعة (رأس) أي عبد أو أمة أو فرس كما في الحديث السابق (من الخمس) ظاهر أن الصفى يكون من الخمس وظاهره ما سبق أنه من تمام الغنيمة قبل الخمس إلا أن يقال معنى قبل الخمس قبل أن يقسم الخمس فيرجع إلى هذا الحديث كذا في فتح الودود قال المنذري وهذا أيضا مرسل انتهى وفي النيل رجاله ثقات
[ 154 ]
(فكانت صفية) أي بنت حي زوج النبي صلى الله عليه وسلم (من ذلك السهم) أي السهم الصافي قال المنذري وهذا أيضا مرسل (كانت صفية من الصفى) أي من السهم الذي يدعى بالصفى قال النووي الصحيح أن هذا اسمها قبل السبي وقيل كان اسمها زينب فسميت بعد السبي والاصطفاء صفية والحديث سكت عنه المنذري وقال الشوكاني رجاله رجال الصحيح (فلما فتح الله تعالى الحصن) واسم الحصن القموص وفي رواية البخاري فلما فتح الله عليه أي على النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (وقد قتل زوجها) اسمه كنانة بن الربيع (فاصطفاها) أي اختارها (سد الصهباء) بضم السين المهملة وتشديد الدال اسم موضع (حلت) أي طهرت من الحيض قاله الحافظ (فبنى بها) أي دخل بها (الدحية حتى) بفتح الدال وكسرها وسكون المهملة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه
[ 155 ]
(إلى أم سليم) هي أم أنس رضي الله عنه (تصنعها) أي تصلحها وتزينها (وتعتد) أي صفية وإطلاق العدة عليها مجاز عن الاستبراء قاله الحافظ فمعنى تعتد تستبرئ لأنها كانت مسبية يجب استبراؤها (في بيتها) أي في بيت أم سليم (صفية ابنة حي) أي تلك الجارية هي صفية بنت حيي وليس قوله صفية بنت حي فاعلا لقوله تعتد بل هو خبر مبتدأ محذوف ففي رواية مسلم وأحسبه قال وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حي قال المنذري وأخرجه مسلم مطولا (جمع السبى) بصيغة المجهول (قال يعقوب إلخ) هو ابن إبراهيم والحاصل أن يعقوب زاد في روايته بعد قوله أعطيت دحية لفظ صفية ابنة حي سيدة قريظة والنضير وأما داود بن معاذ فلم يزد في روايته هذه الألفاظ بل قال أعطيت دحية ما تصلح إلا لك إلخ ثم اتفقا أي داود بن معاذ ويعقوب (إدعوه) أي دحية (بها) أي بصفية (خذ جارية من السبى غيرها) أي غير صفية وأما ما وقع في الرواية السابقة من أنه صلى الله عليه وسلم إشتراها بسبعة أرؤس فلعل المراد أنه عوضه عنها بذلك المقدار وإطلاق الشراء على العوض على سبيل المجاز ولعله عوضه عنها جارية أخرى فلم تطب نفسه فأعطاه من جملة السبى زيادة على ذلك قال السهيلي لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسمة والذي عوضه عنها ليس على سبيل البيع كذا في النيل والفتح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 156 ]
(كنا بالمربد) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة إسم موضع (قطعة أديم) في القاموس الأديم الجلد أو أحمرة أو مدبوغة (ناولنا) أمر من المناولة أي أعطنا (فقرأنا ما فيها) أي قرأنا ما كتب في (إنكم إن شهدتم إلخ) إن شرطية وجزاؤها قوله الآتي أنتم آمنون إلخ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخطابي أما سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان سهم له كسهم رجل ممن يشهد الوقعة حضرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أوغاب عنها وأما الصفى فهو ما يصطفيه من عرض الغنيمة من شئ قبل أن يخمس عبد أو جارية أو فرس أو سيف أو غيرها كان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا بذلك مع الخمس الذي له خاصة انتهى قال المنذري ورواه بعضهم عن يزيد بن عبد الله وسمي الرجل النمر بن تولب الشاعر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال إنه ما مدح أحدا ولا هجا أحدا وكان جوادا لا يكاد يمسك شيئا وأدرك الإسلام وهو كبير والمربد محلة بالبصرة من تعالى أشهر محالها وأطيبها انتهى وفي النيل ورجاله رجال الصحيح ويزيد بن عبد الله المذكور هو ابن شخير انتهى وهذه الروايات كلها تدل على إستحقاق الإمام للصفى فإن وقال بعض السلف لا يستحق الإمام السهم الذي يقال له الصفى واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا وأخذ وبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم أخرجه أبو داود وغيره كما تقدم قال ذلك البعض وأما اصطفاؤه صلى الله عليه وسلم سيفة ذو الفقار من غنائم بدر فقد قيل إن الغنائم كانت له يومئذ خاصة فنسخ الحكم ب بالتخميس وأما صفية بنت حي فهي من خيبر ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم للغانمين منها إلا البعض فكان حكمها حكم ذلك البعض الذي لم يقسم على أنه قد روى أنها وقعت في سهم دحية الكلبي فاشتراها منه النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة ارؤس
[ 157 ]
قلت حديث يزيد بن عبد الله فيه دليل واضح على ابطال ما ذهب إليه فان فيه وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم الصفي وقالت عائشة وهي أعلم الناس كانت صفية من الصفى وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولا يحل لي من غنائمكم فخص منه الصفى والله أعلم فائدة ثم اعلم رحمك الله تعالى وإياي أن قسمة الغنائم على ما فصلها الله تعالى وبينها بقوله واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم امنتم بالله الآية واختلف العلماء هل الغنيمة والفئ اسمان لمسمى واحد أم يختلفان في التسمية فقال عطاء بن السائب الغنيمة ما ظهر المسلمون عليه من أموال المشركين فأخذوه عنوة وأما الأرض فهي فئ وقال سفيان الثوري الغنيمة ما أصاب المسلمون من مال الكفار عنوة بقتال وفيه الخمس وأربعة أخماسه لمن شهد الوقعة والفئ ما صولحوا عليه بغير قتال وليس فيه خمس فهو لمن سمى الله وقيل الغنيمة ما أخذ من أموال الكفار عنوة عن قهر وغلبة والفئ ما لم يوجف عليه نحيل ولا ركاب كالعشور والجزية وأموال الصلح والمهادنة وقيل إن الفئ والغنيمة معناهما واحد وهما اسمان لشئ واحد والصحيح أنهما يختلفان فالفئ عمر ما أخذ من أموال الكفار بغير إيجاف خيل ولا ركاب والغنيمة ما أخذ من أموالهم على سبيل القهر والغلبة بإيجاف خيل عليه وركاب فذكر الله تعالى في هذه الآية حكم الغنيمة فقال واعلموا أنما غنمتم من شئ يعني من أي شئ كان حتى الخيط والمخيط فأن لله خمسه وللرسول وقد ذكرأ النبي كثر المفسرين أن قوله لله افتتاح كلام على سبيل التبرك وإنما أضافه لنفسه تعالى لأنه هو الحاكم فيه فيقسمه كيف شاء وليس المراد منه أن سهما منه لله مفردا وهذا قول الحسن وقتاده وعطاء والنخعي قالوا سهم الله وسهم رسوله واحد والغنيمة تقسم خمسة أخماس أربعة أخماسها لمن قاتل عليها والخمس الباقي لخمسة أصناف كما ذكر الله عز وجل للرسول ولذي القربى واليتامى وابن السبيل وقال أبو العالية يقسم خمس الخمس على ستة أسهم سهم لله عز وجل والقول الأول أصح أي أن خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان له في حياته واليوم هو لمصالح المسلمين وما فيه قوة الإسلام وهذا قول الشافعي وأحمد وروى الأعمش عن ابراهيم قال كان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح وقال قتادة هو للخليفة وقال أبو حنيفة سهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته مردود في الخمس فيقسم الخمس على الأربعة الأصناف المذكورين في الآية وهم ذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وقوله تعالى ولذي القربى يعني أن سهما من خمس الخمس لذوي القربى وهم أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلفوا
[ 158 ]
وإن فيهم فقال قوم هم جميع قريش وقال قوم هم الذين لا تحل لهم الصدقة وقال مجاهد وعلي بن الحسين هم بنو هاشم وقال الشافعي هم بنو هاشم وبنو المطلب وليس لبني عبد شمس ولا لبني نوفل منه شيئ وإن كانوا إخوة ويدل عليه حديث جبير بن مطعم وعثمان بن عفان وقد تقدم واختلف أهل العلم في سهم ذوي القربى هل هو ثابت اليوم أم لا فذهب أكثرهم إلى أنه ثابت فيعطي فقراؤهم وأغنياؤهم من خمس الخمس للذكر مثل حظ الأنثيين وهو قول مالك والشافعي وذهب أبو حنيفة إلى أنه غير ثابت قالوا سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم ذوى القربى مردود في الخمس فيقسم في خمس الغنيمة على ثلاثة أصناف اليتامى والمساكين وابن السبيل فيصرف إلى فقراء ذوى القربى مع هذه الأصناف دون أغنيائهم وحجة مالك وغيره أن الكتاب والسنة يدلان على ثبوت سهم ذوى القربى وكذا الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعطون ذوى القربى ولا يفضلون فقيرا على غني لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى العباس بن عبد المطلب مع كثرة ماله وكذا الخلفاء بعده كانوا يعطونه وقوله تعالى واليتامى جمع يتيم يعني ويعطي من خمس الخمس لليتامى واليتيم الذي له سهم في الخمس هو الصغير المسلم الذي لا أب له فيعطى مع الحاجة إليه وقوله والمساكين وهم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين وقوله وابن السبيل وهو المسافر عن ماله فيعطى من خمس الخمس مع الحاجة إليه فهذا مصرف خمس الغنيمة ويقسم أربعة أخماسها الباقية بين الغانيمن الذين شهدوا الوقعة وحازوا الغنيمة فيعطى للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه ويعطي الراجل سهما واحدا وهذا قول أكثر أهل العلم ويرضح للعبيد والنسوان والصبيان إذا حضروا القتال ويقسم العقار الذي استولى عليه المسلمون كالمنقول ومن قتل من المسلمين مشركا في القتال يستحق سلبه من رأس الغنيمة ويجوز للامام أن ينفل بعض الجيش من الغنيمة لزيادة عناء وبلاء يكون منهم في الحرب يخصهم به من بين سائر الجيش ثم يجعلهم أسوة الجماعة في سائر الغنيمة واختلف العلماء في أن النفل من أين يعطى فقال قوم من خمس الخمس من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول ابن المسيب وبه قال الشافعي وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم أخرجه النسائي وغيره وقال قوم هو من الأربعة الأخماس بعد افراز الخمس كسهام الغزاة وهو قول أحمد واسحاق وذهب قوم إلى أن النفل من رأس الغنيمة قبل التخميس كالسلب للقاتل وأما الفئ وهو ما أصابه المسلمون من أموال الكفار بغير إيجاف خيل ولا ركاب بأن صالحهم على
[ 159 ]
مال يؤدونه وكذلك الجزية وما أخذ من أموالهم إذا دخلوا دار الإسلام للتجارة أو بموت أحد منهم في دار الإسلام ولا وارث لهفهذا كما كله فئ ومال الفئ كان خالصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مدة حياته وقال عمر إن الله تعالى قد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفئ بشئ لم يخص به أحدا غيره ثم قرأ عمر وما أفاء الله على رسوله منهم الأية فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة وكان ينفق على أهله وعياله نفقة سنتهم من هذا المال ثم ما بقى يجعله مجعل مال الله تعالى في الكراع والسلاح واختلف أهل العلم في مصرف الفئ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قوم هو للأئمة بعده وللشافعي فيه قولان أحدهما أنه للمقاتلة الذين أثبتت أسماؤهم في ديوان الجهاد لأنهم هم القائمون مقام النبي صلى الله عليه وسلم في إرهاب العدو والثاني أنه لمصالح المسلمين ويبدأ بالمقاتلة فيعطون منه كفايتهم ثم بالأهم فالأهم من المصالح واختلف أهل العلم في تخميس الفئ فذهب الشافعي إلى أنه يخمس وخمسه لأهل الخمس من الغنيمة على خمسة أسهم وأربعة أخماسه للمقاتلة وللمصالح وذهب الأكثرون إلى أنه لا يخمس بل يصرف جميعه مصرفا واحدا ولجميع المسلمين فيه حق والله أعلم 22 كيف كان إخراج اليهود من المدينة (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب) قال الحافظ المزي في الأطراف حديث قتل كعب بن الأشرف بطوله أخرجه أبو داود في الخراج عن محمد بن يحيى بن فارس عن الحكم بن نافع عن شعيب عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه إلا أنه وقع في رواية القاضي أبي عمر الهاشمي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وكان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم (وكان أحد الثلاثة) ظاهرة أن عبد الله والد عبد الرحمن أحد الثلاثة الذين تيب عليهم وليس كذلك بل هو كعب جد عبد الرحمن كما يظهر لك من كلام المنذري على هذا الحديث (وكان كعب بن الأشرف) أي اليهودي وكان عربيا وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية فأتى المدينة فخالف بني النضير فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق
[ 160 ]
فولدت له كعبا وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة كذا في الفتح (وأهلها) أي أهل المدينة وساكنوها (أخلاط) بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة أي أنواع (واليهود) أي ومنهم اليهود (وكانوا يؤذون) أي المشركون واليهود (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب) أي اليهود والنصارى وتمام الأية ومن الذين أشركوا أي العرب أذى كثيرا من السب والطعن والتشبيب بنسائكم وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور أي من معزوماتها التي يعزم عليها لوجوبها كذا في تفسير الجلالين (فلما أبى) أي امتنع (أن ينزع) أي ينتهى ففي القاموس نزع عن الأمور انتهى عنها (عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم) أي إيذائه (فلما قتلوه فزعت) بالفاء والزاى أي خافت (طرق) بصيغة المجهول (صاحبنا) هو كعب بن الأشرف المؤذى أي دخل عليه ناس ليلا (فقتل) وقد سبق بيان كيفية قتله في كتاب الجهاد (الذي كان يقول) أي كعب بن الأشرف من الهجاء والأذى (ودعاهم) أي دعا النبي صلى الله عليه وسلم المشركين واليهود (إلى أن يكتب) النبي صلى الله عليه وسلم (كتابا) مشتملا على العهد والميثاق (ينتهون) أولئك الأشرار عن السب والأذى (إلى ما فيه) من العهد والميثاق (بين المسلمين عامة) حال المسلمين أي بين المسلمين جميعا بحيث لا يفوت منه بعض (صحيفة) مفعول كتب أي كتب صحيفة والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود والمشركين إن أنتم تنتهون عن السب والأذى فلا يتعرض لكم المسلمون ولا يقتلوكم فكتب كتاب العهد والميثاق بين الفريقين ثم لما فتح الله تعالى خيبر سنة ست خربت اليهود وضعفت قوتهم ثم أجلاهم عمر رضي الله عنه في خلافته من جزيرة العرب قال المنذري قوله عن أبيه فيه نظر فإن أباه عبد الله بن كعب ليست له صحبة ولا هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ويكون الحديث على هذا مرسلا ويحتمل أن يكون
[ 161 ]
أراد بأبيه جده وهو كعب بن مالك وقد سمع عبد الرحمن من جده كعب بن مالك فيكون الحديث على هذا مسندا وكعب هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم وقد وقع مثل هذا في الأسانيد في غير موضع يقول فيه عن أبيه وهو يريد به الجد والله عز وجل أعلم وقد أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي حديث قتل كعب بن الأشرف أتم من هذا وقد تقدم في كتاب الجهاد (كانوا أغمارا) جمع غمر بالضم الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور (لا هو يعرفون القتال بيان وتفسير لأغمارا وسلم (قل للذين كفروا) أي من اليهود (ستغلبون) أي في الدنيا بالقتل والأسر وضرب الجزية وقد وقع ذلك وتمام الآية مشروحا هكذا وتحشرون أي في الآخرة إلى جهنم وبئس المهاد أي الفراش هي قد كان لكم الآية أي عبرة وذكر الفعل للفصل في فئتين أي فرقتين التقتا أي يوم للقتال فئة تقاتل في سبيل الله أي طاعته وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكانوا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا وأخرى كافرة يرونهم أي الكفار مثليهم أي المسلمين أكثر منهم كانوا نحو ألف رأى العين أي رؤية ظاهرة معاينة وقد نصرهم الله مع قلتهم (قرأ مصرف) هو ابن عمرو الايامي (ببدر) هذا اللفظ ليس من القرآن بل زاده بعض الرواة لبيان موضع القتال قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد تقدم الكلام عليه
[ 162 ]
(فوثب) من الوثوب وهو الطفر الطفر برجستن عنه (محيصة) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد التحتانية وقد تسكن هو ابن مسعود بن كعب الخزرجي المدني صحابي معروف (رجل) بالجر بدل شبيبة (من تجار يهود) جمع تاجر وفي نسخة الخطابي من فجار يهود بالفاء مكان التاء وكذا في نسخة للمنذري (يلابسهم) أي يخالطهم (فقتله) أي محيصة شبيبة (وكان حويصة) بضم المهملة وفتح الواو (إذ ذاك لم يسلم) وكان كافرا (وكان أسن) أي أكبر سنا (يضربه) أي محيصة (ويقول) الظاهر أن القاتل حويصة لكونه غير مسلم والحديث سكت عنه المنذري (إلى يهود) غير منصرف (أسلموا) أمر من الإسلام (تسلموا) بفتح اللام من السلامة جواب الأمر أي تنجوا من الذل في الدنيا والعذاب في العقبي (قد بلغت) بتشديد اللام (ذلك أريد) أي التبليغ واعترافكم إن قال الحافظ أي أن اعترفتم أنني بلغتكم سقط عني الحرج (إنما الأرض لله ولرسوله) قال الداودي لله افتتاح كلام ولرسوله حقيقة لأنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب كذا قال والظاهر ما قال غيره إن المراد الحكم لله في ذلك و لرسوله لكونه المبلغ عنه القائم بتنفيذ أوامره قاله الحافظ (أن أجليكم) من الإجلاء أي
[ 163 ]
أخرجكم (فمن وجد منكم بماله) أي بدل ماله فالباء للبدلية والمعنى من صادف بدل ماله الذي لا يمكنه حمله وقيل الباء بمعنى من والمعنى من وجد منكم من ماله شيئا مما لا يتيسر نقله كالعقار والأشجار وقيل الباء بمعنى في قال الحافظ والظاهر أن اليهود المذكورين بقايا تأخروا بالمدينة بعد إجلاء بني قينقاع وقريظة والنضير والفراغ من أمرهم لأنه كان قبل إسلام أبي هريرة لأنه إنما جاء بعد فتح خيبر وقد أقر صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على أن يعملوا في الأرض واستمروا إلى أن أجلاهم عمر ولا يصح أن يقال أنهم بنو النضير لتقدم ذلك على مجئ أبي هريرة وأبو هريرة يقول في هذا الحديث إنه كان معه صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي 23 في خبر النضير والنضير كأمير حي من يهود خيبر من ال هارون أو موسى عليهما السلام وقد دخلوا في العرب كانت منازلهم وبني قريظة خارج المدينة في حدائق واطام وغزوة بني النضير مشهورة قال الزهري كانت على ستة أشهر من وقعة أحد كذا في تاج العروس وفي شرح المواهب قبيلة كبيرة من اليهود دخلوا في العرب (إنكم او يتم صاحبنا) أي أنزلتموه في المنازل وهدا تفسير وبيان لما كتب قريش إلى ابن أبى وغيره والمراد بصاحبنا النبي صلى الله عليه وسلم (حتى نقتل مقاتلتكم) بكسر التاء أي المقاتلين منكم (ونستبيح نساءكم) أي نسبي وننهب (المبالغ) بفتح الميم جمع مبلغ هو حد الشئ ونهايته والمبالغ أي الغايات (ما كانت) أي قريش وما نافية (تكيدكم) من كاد إذا مكر به وخدعه قاله
[ 164 ]
في المجمع والمعنى أي ما تضركم وما تخدعكم وما تمكر بكم (بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم) لأنكم إن قاتلتمونا ففينا أبناؤكم وإخوانكم الذين أسلموا فتقاتلونهم أيضا ويقاتلونكم إلا فيكون الضرر أكثر من أن تقاتلكم قريش (تفرقوا) ورجعوا عن عزم القتال (إنكم أهل الحلقة) بفتح وسكون قال الخطابي يريد بالحلقة السلاح وقيل أراد بها الدروع لأنها حلق مسلسلة (وبين خدم نسائكم) أي خلا خيلهن فيه واحدتها خدمة (وهي) أي الخدم (الخلاخيل) جمع خلخال وهذا التفسير من بعض الرواة (فلما بلغ كتابهم) أي كتاب قريش إلى يهود المدينة وغيرها (النبي صلى الله عليه وسلم) بنصب ياء النبي أي في أمر النبي صلى الله عليه وسلم ومقاتلتهم معه (حبرا) أي عالما (بمكان المصنف) بفتح الميم الموضع الوسط (فقص خبرهم) أي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم النا س بخبرهم (بالكتائب) أي الجيوش المجتمعة واحدتها كتيبة ومنه الكتاب ومعناه الحروف المضمومة بعضها إلى بعض قاله الخطابي (والله لا تأمنون) من أمن كسمع (ثم غدا الغد) أي سار في أول نهار الغد (على الجلاء) أي الخروج من المدينة وهو الخروج من البلاد (ما أقلت) من الإقلال أي حملت ورفعت (من أمتعتهم) جمع متاع والحديث سكت عنه المنذري
[ 165 ]
(فآمنهم) أي أعطاهم الأمان (بني قينقاع) هو بالنصب على البدلية ونون قينقاع مثلثة والأشهر فيها الضم وكانوا أول من أخرجوا من المدينة قاله الحافظ وفي هذا دليل على أن المعاهد والذمي إذا نقض العهد صار حربيا وجرت عليه أحكام أهل الحرب وللامام سبى من أراد منهم وله المن على من أراد وفيه أنه إذا من عليه ثم ظهر منه محاربة انتقض عهده وإنما ينفع المن فيما مضى لا فيما يستقبل وكانت قريظة في أمان ثم حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم ونقضوا العهد وظاهروا قريشا على قتال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق في غزوة الأحزاب سنة خمس على الصحيح وذكر موسى بن عقبة في المغازي قال خرج حيى بن أخطب بعد بني النضير إلى مكة يحرض المشركين على حربه صلى الله عليه وسلم وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في غطفان ويحرضهم على قتاله على أن لهم نصف تمر خيبر فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل إليهم طليحة بن خويلد فيمن أطاعه وخرج أبو سفيان بقريش فنزلوا بمر الظهران فجاءهم من أجابهم من بني سليم مددا لهم فصاروا في جمع عظيم فهم الذين سماهم الله الأحزاب انتهى وفي شرح المواهب وكان من حديث هذه الغزوة أن نفرا من يهود منهم سلام بن مشكم وابن أبي الحقيق وحيى وكنانة النضيريون وهوذة بن قيس وأبو عمار الوائليان وقال خرجوا من خيبر حتى قدموا على قريش مكة وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله فاجتمعوا لذلك واتعدوا له ثم خرج أولئك اليهود حتى جاوؤا غطفان فدعوهم إلى حربه صلى الله عليه وسلم وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه وأن قريشا قد تابعوهم
[ 166 ]
على ذلك واجتمعوا معهم فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن في فزارة والحارث بن عوف المرى في بني مرة في عشرة آلاف والمسلمون ثلاثة آلاف وقيل غير ذلك انتهى مختصرا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم 24 ما جاء في حكم أرض خيبر بمعجمة وتحتانية وموحدة بوزن جعفر وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام قال ابن إسحاق خرج النبي في بقية المحرم سنة سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر كذا في فتح الباري (وألجأهم) أي أضطرهم (الصفراء) أي الذهب (والبيضاء) أي الفضة (والحلقة أي السلاح والدروع (ولهم ما حملت ركابهم) أي جمالهم من أمتعتهم لا الأراضي والبساتين (فغيبوا مسكا) بفتح الميم وسكون المهملة قال في القاموس المسك الجلد أو خاص بالسخلة الجمع مسوك قال الخطابي مسك حبي بن أخطب ذخيرة من صامت وحلى كانت تدعى مسك الجمل ذكروا أنها قومت عشرة لاف دينار وكانت لا تزف امرأة إلا استعاروا لها ذلك الحلى وكان شارطهم رسول الله أن لا يكتموا شيئا من الصفراء والبيضاء فكتموه ونقضوا العهد وظهر عليهم رسول الله فكان من أمره فيهم ما كان انتهى (لحي) بضم الحاء المهملة تصغير حي (وقد كان قتل) بصيغة المجهول أي حيى بن أخطب (احتمله) أي المسك (معه) وكان من مال بني النضير فحمله حيى لما أجلى عن المدينة (يوم بني النضير) أي زمن إخراجهم من المدينة (حين اجليت النضير) أي من المدينة وهو بدل من قوله يوم بني النضير وهو في سنة أربع قال السهيلي وكان ينبغي أن يذكرها بعد بدر لما روى عقيل بن خالد ومعمر عن الزهري قال كانت غزوة بني النضير على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد قال الحافظ
[ 167 ]
وعند عبد الرزاق في مصنفه عن عروة ثم كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة فحاصرهم صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال الا الحلقة فأنزل الله فيهم (سبح الله) إلى قوله (لأول الحشر) وقاتلهم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام فكان جلاؤهم أول حشر حشر في الدنيا إلى الشام وهذا مرسل وقد وصله الحاكم عن عائشة وصححه انتهى وقوله تعالى (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب) أي عاونوا الأحزاب وهم قريظة (من صياصيهم) أي حصونهم نزلت في شأن بني قريظة فإنهم هم الذين ظاهروا الأحزاب وهي بعد بني النضير بلا ريب وأما بنو النضير فلم يكن لهم في الأحزاب ذكر بل كان من أعظم الأسباب في جمع الأحزاب ما وقع من إجلائهم فإنه كان من رؤوسهم حيى بن أخطب وهو الذي حسن لبني قريظة الغدر وموافقة الأحزاب حتى كان من هلاكهم ما كان وعند ابن سعد أنهم حين هموا بغدره وأعلمه الله بذلك ونهض سريعا إلى المدينة بعث إليهم محمد بن مسلمة الأنصاري أن اخرجوا من بلدي المدينة لأن مساكنهم من أعمالها فكأنها منها فلا تساكنوني بها وقد هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا فمن رئى منكم بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا على ذلك أياما يتجهزون واكتروا من أناس من أشجع إبلا فأرسل إليهم عبد الله بن أبي لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم فإن معي ألفين من قومي من العرب يدخلون حصونكم وتمدكم قربظة أنه وحلفاؤكم من غطفان فطمع حيى فيما قاله ابن أبي فأرسل إلى رسول الله أنا لن نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك فأظهر التكبير وكبر المسلمون بتكبيره وسار إليهم في أصحابه فحاصرهم وقطع نخلهم ثم أجلاهم عن المدينة وحملوا النساء والصبيان وتحملوا أمتعتهم على ستمائة بعير فلحقوا أكثرهم بخيبر منهم حيى بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وذهب طائفة منهم إلى الشام كما في سيرة الشامية ولا ينافيه قول البيضاوي لحق أكثرهم بالشام لجواز أن الأكثر نزلوا أولا بخيبر ثم خرج منهم جماعة إلى الشام لكن في مغازي ابن اسحاق فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام فكان أشرافهم من سار إلى خيبر سلام وكنانة وحيى وفي تاريخ الخميس ذهب بعضهم إلى الشام ولحق أهل بيتين وهم آل أبي الحقيق وآل حيى بخيبر قاله الزرقاني في شرح المواهب
[ 168 ]
(فيه) أي في المسك وهو خبر مقدم لقوله حليهم (لسعية) بفتح السين المهملة وسكون العين المهملة بعدها تحتية هو عم حيى بن أخطب (فقتل ابن أبي الحقيق) بمهملة وقافين مصغرا وهو رأس يهود خيبر وفي رواية البخاري ابني أبي الحقيق بتثنية لفظ ابن قال في النيل إنما قتلهما لعدم وفائهم بما شرطه عليهم لقوله في أول الحديث فان فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد (دعنا) أي اتركنا (ولنا الشطر) أي لنا نصف ما يخرج منها (ثمانين وسقا) الوسق ستون صاعا بصاع النبي والحديث سكت عنه المنذري (ومن كان له مال فليلحق به) أي من كان له بستان أو زرع بخيبر في أيدي اليهود فليأخذه منهم ويحفظه كذا في فتح الودود (فأخرجهم) أي أخرج عمر رضي الله عنه يهود والحديث سكت عنه المنذري (أن يقرهم) من باب الإفعال أي يسكنهم بخيبر (مما خرج منها) أي من أرض خيبر (وكان التمر يقسم على السهمان من نصف خيبر الخ) قال النووي هذا يدل على أن خيبر فتحت عنوة لأن السهمان كانت للغانمين وقوله يأخذ رسول الله الخمس أي يدفعه إلى
[ 169 ]
مستحقه وهم خمسة الأصناف المذكورة في قوله تعالى (واعلموا أن ما غنمتم من شئ فان الله خمسه وللرسول) فيأخذه لنفسه خمسا واحدا من الخمس ويصرف الأخماس الباقية من الخمس إلى الأصناف الأربعة الباقين انتهى وقوله سهمان بضم السين وسكون الهاء قال في النهاية سمي كل نصيب سهما ويجمع السهم على أسهم وسهام وسهمان انتهى (مائة وسق تمرا) وفي الرواية المتقدمة ثمانين وسقا من تمر قال في فتح الودود لعل بعضهم قال بالتخمين والتقريب فحصل منه الخلاف في التعبير والا فالحديث من صحابي واحد انتهى (فعلنا) جواب من وفي رواية لمسلم فلما ولى عمر قسم خيبر خير أزواج النبي أن يقطع لهن الأرض والماء أو يضمن لهن الأوساق كل عام فاختلفن فمنهن من اختار الأرض والماء ومنهن من اختار الأوساق كل عام فكانت عائشة وحفصة ممن اختار الأرض والماء قال المنذري وأخرجه مسلم (فأصبناها) أي خيبر (عنوة) أي قهرا وغلبة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي أتم منه (عن بشير) بالتصغير (عن سهل بن ابي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة (نصفا لنوائبه) جمع نائبة وهي ما ينوب الإنسان أي ينزل من المهمات والحوادث
[ 170 ]
قال الخطابي فيه من الفقه أن الأرض إذا غنمت قسمت كما يقسم المتاع والخرثي لا فرق بينها وبين غيرها من الأموال والظاهر من أمر خيبر أن رسول الله صلى الله عليه وله وسلم فتحها عنوة فإذا كانت عنوة فهي مغنومة وإذا صارت غنيمة فإنما حصته من الغنيمة خمس الخمس وهو سهمه الذي سماه الله تعالى في قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل فكيف يكون له النصف منها أجمع حتى يصرفه في حوائجه ونوائبه على ظاهر ما جاء في الحديث قلت وإنما يشكل هذا على من لا يتتبع طرق الأخبار المروية في فتوح خيبر حتى يجمعها ويرتبها فمن فعل ذلك يبين صحة هذه القسمة من حيث لا يشكل معناه وبيان ذلك أن خيبر كانت لها قرى وضياع خارجة عنها منها الوطيحة والكتيبة والشق والنطاة والسلاليم وغيرها من الأسماء فكان بعضها مغنوما وهو ما غلب عليها رسول الله كان سبيلها القسم وكان بعضها باقيا لم وهو يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكان خاصا لرسول الله يضعه حيث أراه الله تعالى من حاجته ونوائبه ومصالح المسلمين فنظروا إلى مبلغ ذلك كله فاستوت القسمة فيها على النصف والنصف وقد بين ذلك الزهري انتهى أي حيث قال أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحا وبيانه سيأتي (على ثمانية عشر سهما) وهي نصف ستة وثلاثين سهما وهي القسمة الحاصلة من تقسيم خيبر والحاصل أنه قسم خيبر ستة وثلاثين سهما فعزل نصفها أعني ثمانية عشر سهما لنوائبه وحاجته وقسم الباقي وهو ستة عشر سهما بين المسلمين والحديث سكت عنه المنذري (لما أفاء الله على نبيه خيبر) أي أعطاها من غير حرب ولا جهاد (جمع كل سهم مائة سهم) يعني أعطى لكل مائة رجل سهما قاله القارى قال الحافظ ابن القيم قسم رسول الله خيبر على ستة وثلاثين سهما جمع كل سهم مائة سهم فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم فكان لرسول الله وللمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمان مائة سهم لرسول الله سهم كسهم أحد المسلمين وعزل
[ 171 ]
النصف الآخر وهو ألف وثمان مائة سهم لنوائبه وما نزل به من أمور المسلمين صلى الله عليه وسلم وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم لأنها كانت طعمه من الله لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب عنها وكانوا ألفا وأربعمائة وكان معهم مائتا فارس لكل فرس سهمان فقسمت على ألف وثمان مائة سهم ولم يغب عن خيبر من أهل الحديبية إلا جابر بن عبد الله فقسم له كسهم من حضرها وقسم للفارس ثلاثة سهام وللراجل سهما وكانوا ألفا وأربعمائة وفيهم مائتا فارس وهذا هو الصحيح قال البيهقي أن خيبر فتح شطرها عنوة وشطرها صلحا فقسم ما فتح عنوة بين أهل الخمس والغانمين وعزل ما فتح صلحا لنوائبه وما يحتاج إليه من أمور المسلمين انتهى قال ابن القيم وهذا بناء منه على أن أصل الشافعي أنه يجب قسم الأرض المفتحة عنوة كما تقسم الغنائم فلما لم يجد قسم الشطر من خيبر قال أنه فتح صلحا ومن تأمل السير والمغازي حق التأمل تبين له أن خيبر إنما فتحت عنوة وإن رسول الله استولى على أرضها كلها بالسيف كلها عنوة ولو شئ منها فتح صلحا لم يجليهم رسول الله منها فإنه لما عزم على إخراجهم منها قالوا نحن أعلم بالأرض منكم دعونا نكون فيها ونعمرها لكم بشطر ما يخرج منها وهذا صريح جدا في أنها إنما فتحت عنوة وقد حصل بين اليهود والمسلمين من الحرب والمبارزة والقتل من الفريقين ما هو معلوم ولكنهم لما ألجئوا إلى حصنهم نزلوا على الصلح الذي ذكر أن لرسول الله الصفراء والبيضاء والحلقة والسلاح ولهم رقابهم وذريتهم ويحلوا من الأرض فهذا كان الصلح ولم يقع بينهم صلح أن شيئا من أرض خيبر لليهود ولا جرى ذلك البتة ولو كان كذلك لم يقل نقركم ما شئنا فكيف يقرهم على أرضهم ما شاء أولا وكان عمر أجلاهم كلهم من الارض ولم يصالحهم أيضا على أن الأرض للمسلمين وعليها خراج يؤخذ منهم لم يقع فإنه لم يضرب على خيبر خراجا البتة فالصواب الذي لا شك فيه أنها فتحت عنوة والإمام مخير في أرض العنوة بين قسمها ووقفها وقسم بعضها ووقف البعض وقد فعل رسول الله الأنواع الثلاثة فقسم قريظة والنضير ولم يقسم مكة وقسم شطر خيبر وترك شطرها انتهى ويجئ بعض الكلام في اخر الباب (الوطيحة) بفتح الواو وكسر الطاء فتحتية ساكنة فحاء مهملة حصن من حصون خيبر قاله ابن الأثير وزاد في المراصد سمي بالوطيح بن مازن رجل من ثمود وكان الوطيح أعظم حصون خيبر وأحصنها وآخرها فتحا هو والسلالم (والكتيبة) بالمثناة الفوقية بعد الكاف مصغر
[ 172 ]
قال في النهاية الكتيبة مصغرة اسم لبعض قرى خيبر انتهى وفي المراصد الكتيبة بالفتح ثم الكسر بلفظ القطعة من الجيش حصن من حصون خيبر وهي في كتاب الأموال لأبي عبيد بالثاء المثلثة انتهى (وما أحيز معهما) أي ما ضم وجمع معهما من توابعهما (الشق) قال في المراصد بالفتح ويروي بالكسر من حصون خيبر انتهى وقال الزرقاني بفتح الشين المعجمة وكسرها قال البكري والفتح أعرف عند أهل اللغة وبالقاف المشددة ويشتمل على حصون كثيرة (والنطاة) بالفتح وآخره هاء اسم الأرض خيبر وقيل حصن بخيبر وقيل عين بها تسقي بعض نخيل قراها كذا في المراصد وقال الزرقاني هي بوزن حصاة اسم لثلاثة حصون حصن الصعب وحصن ناعم وحصن قلة وهو قلعة الزبير قاله الشامي وقصة فتح هذة الحصون أن النبي ألبس عليا رضي الله عنه درعه الحديد وأعطاه الراية ووجهه إلى الحصن فلما انتهى علي رضي الله عنه إلى باب الحصن اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض ففتح الله ذلك الحصن الذي هو حصن ناعم وهو أول حصن فتح من حصون النطاة على يده رضي الله عنه وكان من سلم يهود حصن ناعم انتقل إلى حصن الصعب من حصون النطاة ففتح الله حصن الصعب قبل ما غابت الشمس من ذلك اليوم ولما فتح ذلك الحصن تحول من سلم من أهله إلى حصن قلة وهو حصن بقلة جبل ويعبر عن هذا بقلعة الزبير وهو الذي صار في سهم الزبير بعد ذلك وهو آخر حصون النطاة فحصون النطاة ثلاثة حصن ناعم وحصن الصعب وحصن قلة ثم صار المسلمون إلى حصار حصون الشق فكان أول حصن بدأ به من حصني الشق حصن أبي فقاتل أهله قتالا شديدا وهرب من كان فيه ولحق بحصن يقال له حصن البرئ وهو الحصن الثاني من حصني الشق فحصون الشق اثنان حصن أبي وحصن البرئ ثم إن المسلمين لما أخذوا حصون النطاة وحصون الشق انهزم من سلم من يهود تلك الحصون إلى حصون الكتيبة وهي ثلاثة حصون القموص والوطيح وسلالم وكان أعظم حصون خيبر القموص وانتهى المسلمون إلى حصار الوطيح وحصن سلالم ويقال له السلاليم وهو حصن بني الحقيق خر حصون خيبر ومكثوا على حصارهما أربعة عشر يوما فلم يخرج أحد منهما وسألوا فقال رسول الله الصلح على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية لهم ويخرجون
[ 173 ]
من خيبر وأرضها بذراريهم فصالحهم على ذلك انتهى ملخصا محررا من إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون قال المنذري والحديث مرسل (عن بشير بن يسار أنه سمع نفرا) والحديث سكت عنه المنذري (لما ظهر) أي غلب على خيبر (من الوفود) جمع وفد قال في المجمع الوفد قوم يجتمعون ويردون البلاد الواحد وافد وكذا من يقصد الأمراء من يقصد الأمراء بالزيارة أو الاسترفاد أي والانتجاع والحديث سكت عنه المنذري (جمعا) كذا في النسخ أي جميعا حال من الضمير المنصوب في قسمها أي قسم خيبر جميعا وفي بعض النسخ جمع مكان جمعا بالبناء على الضم وإنما بني لكونه مقطوعا عن الإضافة إذ أصله جمعها أي جميعها أي جمع خيبر وإنما بنى على الحركة ليعلم أن لها عرقا في الإعراب وإنما بنى على الضم جبرا بأقوى الحركات لما لحقها من الوهن بحذف المحتاج إليه أعني المضاف إليه لأنه دال على معنى نسبي لا يتم إلا بغيره وإنما لم يبن جمعا لأن التنوين فيه عوض عن المضاف إليه فكأن المضاف إليه ثابت بثبوت عوضه وفي نسخة المنذري مجمع بدل جمعا وهو أيضا كالجمع فيما ذكر من كونه بمعنى الجميع وكونه مبنيا على الضم بما سلف كذا أفاده بعض الأماجد والله أعلم (فعزل للمسلمين الشطر) أي المصنف (يجمع كل
[ 174 ]
سهم مائة) أي يعطي لكل مائة رجل سهما (والسلالم) بضم السين وبعد الألف لام مكسورة وقيل بفتحها ويقال فيه السلاليم حصن من حصون خيبر كان من أحصنها وهو حصن بني الحقيق (يكفونهم عملها) بتعهدها بالسقي والقيام عليها بما يتعلق بها قال المنذري هذا مرسل (عن عمه مجمع) بضم أوله وفتح الجيم وتشديد الميم المكسورة وبالعين المهملة (ابن جارية) بالجيم والتحتية (قسمت خيبر) أي غنائمها وأراضيها (فأعطى الفارس) أي صاحب الفرس مع فرسه (وأعطى الراجل) بالألف أي الماشي قال في المرقاة والمعنى أعطى لكل مائة من الفوارس سهمين فبقي اثنا عشر سهما فيكون لكل مائة من الرجالة سهم وإلى هذا ذهب أبو حنيفة قال ابن الملك وهذا مستقيم على قول من يقول لكل فارس سهمان لأن الرجالة على هذه الرواية تكون ألفا ومائتين ولهم اثني عشر سهما لكل مائة سهم وللفرسان ستة أسهم لكل مائة سهمان فالمجموع ثمانية عشر سهما وأما على قول من قال للفارس ثلاثة أسهم فمشكل لأن سهام الفرسان تسعة وسهام الرجالة اثنا عشر فالمجموع أحد وعشرون سهما انتهى كلام القارئ وقد تقدم هذا الحديث في باب من أسهم له سهما من كتاب الجهاد وقال هناك أبو داود
[ 175 ]
وحديث أبي معاوبة أصح والعمل عليه وأرى الوهم في حديث مجمع أي قال ثلاث مائة فارس وكانوا مائتي فار س انتهى وتقدم شرح هذا القول والحديث سكت عنه المنذري (فتحصنوا) أي دخلوا في الحصن (أن يحقن) من باب نصر أي يمنع الدماء من الإهراق (ويسيرهم) من سيره من بلده أخرجه وأجلاه (أهل فدك) بفتح الفاء والدال المهملة بلدة بينها وبين المدينة يومان وبينها وبين خيبر دون مرحلة قال مالك في الموطأ والزرقاني في شرحه وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفدك فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شئ وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض لأن رسول الله كان صالحهم لما أوقع بأهل خيبر على نصف الثمر ونصف الأرض بطلبهم ذلك فأقرهم على ذلك ولم يأتهم قال محمد بن اسحاق فكانت له خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب فقوم لهم عمر نصف الثمر ونصف الأرض قيمة من ذهب وورق وإبل وحبال وأقتاب ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم منها (لأنه لم يوجف عليها) من أوجف دابته إيجافا إذا حثها قال المنذري هذا مرسل (افتتح بعض خيبر عنوة) أي قهرا وغلبة قال المنذري هذا مرسل (وفيها) في الكتيبة (صلح) أيضا فأكثر الكتيبة فتحت غلبة وبعضها صلحا (وهي أربعون ألف عذق) كفلس أي نخلة قال الخطابي العذق النخل مفتوح العين والعذق بكسرها الكناسة انتهى قال المنذري وهذا أيضا مرسل
[ 176 ]
(ونزل من نزل أهلها على الجلاء) أي على الخروج من الوطن قال المنذري وهذا أيضا مرسل ثم اعلم أنه اختلف في فتح خيبر هل كان عنوة كما قال أنس رضي الله عنه وابن شهاب في رواية يونس عنه أو صلحا أو بضمها صلحا والباقي عنوة كما رواه مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس التصريح بأنه كان عنوة قال حافظ المغرب ابن عبد البر هذا هو الصحيح في أرض خيبر أنها كانت عنوة كلها مغلوبا عليها بخلاف فداك فان رسول الله قسم جميع أرضها على الغانمين لها الموجفين عليها بالخيل والركاب وهم أهل الحديبية ولم يختلف أحد العلماء أن أرض خيبر مقسومة وإنما اختلفوا هل تقسم الأرض إذا غنمت البلاد أو توقف فقال الكوفيون الامام مخير بين قسمتها كما فعل رسول الله بأرض خيبر وبين إيقافها كما فعل عمر بسواد العراق وقال الشافعي تقسم الأرض كلها كما قسم رسول الله خيبر لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار وذهب مالك إلى إيقافها اتباعا لعمر لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة عما فعل عمر في جماعة من الصحابة من أيقافها ثنا لمن يأتي بعده من المسلمين كما سيأتي عن عمر أنه قال ألا قسمتها سهمانا كما قسم رسول الله خيبر سهمانا وهذا يدل على أن أرض خيبر قسمت كلها سهمانا كما قال ابن اسحاق وأما من قال إن خيبر كان بعضها صلحا وبعضها عنوة فقد وهم وغلط وإنما دخلت عليهم الشبهة بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما وهما الوطيح والسلالم في حقن دمائهم فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظن أن ذلك صلح ولعمري إن ذلك في الرجال والنساء والذرية كضرب من الصلح ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال فكان حكم أرضها حكم سائر أرض خيبر كلها عنوة غنيمة مقسومة بين أهلها
[ 177 ]
وربما شبه على من قال إن نصف خيبر صلح ونصفها عنوة بحديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله قسم خيبر نصفين نصفا له ونصفا للمسلمين قال ابن عبد البر ولو صح هذا لكان معناه أن النصف له مع سائر ما وقع في ذلك النصف معه لأنها قسمت على ستة وثلاثين سهما فوقع السهم للنبي وطائفة معه في ثمانية عشر سهما ووقع سائر الناس في باقيها وكلهم ممن شهد الحديبية ثم خيبر وليست الحصون التي أسلمها أهلها بعد الحصار والقتال به صلحا ولو كانت صلحا لملكها أهلها كما يملك أهل الصلح أرضهم وسائر أموالهم فالحق في هذا ما قاله ابن اسحاق دون ما قاله موسى بن عقبة وغيره عن ابن شهاب انتهى كلام عبد ابن البر رحمه الله قال الحافظ والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر أن النبي قاتل أهل خيبر فغلب على النخل وألجأهم إلى القصر فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا الحديث وفي خره فسبى ذراريهم ونساءهم وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا وأراد أن يجليهم فقالوا دعنا في هذه الأرض نصلحها الحديث أخرجه أبو داود فعلى هذا كان قد وقع الصلح ثم حدث النقص منهم فزال أثر الصلح ثم من عليهم بترك القتل وأبقاهم عمالا بالأرض ليس لهم فيها ملك ولذلك أجلاهم عمر فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها انتهى (خمس رسول الله) فيه دليل على أن خيبر قسمت بعدا خذ الخمس قال شمش الدين بن القيم أن النبي قسم نصف أرض خيبر خاصة ولو كان حكمها حكم الغنيمة لقسمها كلها بعد الخمس (ثم قسم سائرها) أي باقيها (من أهل الحديبية) قال موسى بن عقبة ولما قدم رسول الله المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليله أو قريبا منها ثم خرج غازيا إلى خيبر وكان الله عز وجل وعده أياها وهو بالحديبية وكانت الحديبية في السنة السابعة وقال محمد بن اسحاق بإسناده إلى مسور بن محرمة إن النبي انصرف عام الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة فأعطاه الله تعالى فيها خيبر (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) خيبر فقدم رسول الله المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى
[ 178 ]
سار إلى خيبر في المحرم انتهى قال المنذري هذا مرسل (لولا آخر المسلمين) أي لو قسمت كل قرية على الفاتحين لها لما بقي شئ لمن يجئ بعدهم من المسلمين (ما فتحت) بصيغة المتكلم (إلا قسمتها) أي بين الغانمين لكن النظر الآخر المسلمين يقتضي أن لا أقسمها بل اجعلها وقفا على المسلمين ومذهب الشافعية في الأرض المفتوحة عنوة أنه يلزم قسمتها إلا أن يرضي بوقفيتها من غنمها وعن مالك تصير وقفا بنفس الفتح وعن أبي حنيفة يتخير الامام بين قسمتها ووقفتها قاله القسطلاني وتقدم نفا الكلام فيه أيضا والحديث سكت عنه المنذري 25 ما جاء في خبر مكة وكان فتح مكة شرفها الله تعالى من الفتح الأعظم من بقية الفتوحات قبله كخيبر وفدك والحديبية وكان في رمضان سنة ثمان من الهجرة وأما فتحها فهو عنوة وقهرا على القول الصحيح ولم يقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح فأشكل على كل طائفة من العلماء الجمع بين فتحها عنوة وترك قسمتها فقالت طائفة لأنها دار المناسك وهي وقف على المسلمين كلهم وهم فيها سواء فلا يمكن قسمتها ثم من هؤلاء من منع بيعها وإجارتها ومنهم من جوز بيع رباعها ومنع إجارتها والشافعي رحمه الله لما يجمع بين العنوة وبين عدم القسمة قال إنها فتحت صلحا فلذلك لم تقسم قال ولو فتحت عنوة لكانت غنيمة فيجب قسمتها كما تجب قسمة الحيوان والمنقول ولم ير منع بيع رباع مكة وإجارتها واحتج بأنها ملك لأربابها تورث عنهم وتوهب وأضافها الله تعالى إليهم إضافة الملك إلى مالكه واشترى عمر بن الخطاب دارا من صفوان بن أمية وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم أين تنزل غدا في دارك بمكة فقال وهل ترك لنا عقيل من رباع فكان عقيل ورث أبا طالب فلما كان أصله رحمه الله أن الأرض من الغنائم وأن الغنائم تجب قسمتها وأن مكة تملك وتباع دورها ورباعها ولم تقسم لم يجد بدا من كونها فتحت صلحا لكن من تأمل
[ 179 ]
الأحاديث الصحيحة وجدها كلها دالة على قول جمهور العلماء وأنها فتحت عنوة ثم اختلفوا لأي شئ لم يقسمها فقالت طائفة لأنها دار النسك ومحل العبادة فهي وقف من الله تعالى على عبادة المسلمين وقالت طائفة الإمام مخير في الأرض بين قسمتها وبين وقفها والنبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر ولم يقسم مكة فدل على جواز الأمرين قالوا والأرض لا تدخل في الغنائم والمأمور بقسمتها بل الغنائم هي الحيوان والمنقول لأن الله تعالى لم يحل الغنائم لأمة غير هذه الأمة وأحل لهم ديار الكفر وأرضهم كما قال تعالى وإذا قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إلى قوله يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم وقال في ديار فرعون وقومه وأرضهم كذلك وأورثناها بني إسرائيل فعلم أن الأرض لا تدخل في الغنائم والإمام مخير فيها بحسب المصلحة وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك وعمر لم يقسم بل أقرها على حالها وضرب عليها خراجا مستمرا في رقبتها تكون للمقاتلة فهذا معنى وقفها ليس معناه الوقف الذي يمنع من نقل الملك في الرقبة بل يجوز بيع هذه الأرض كما هو عمل الأمة وقد أجمعوا على أنها تورث والوقف لا يورث كذا في زاد المعاد (عام الفتح) ظرف لقوله جاءه (فأسلم) أي أبو سفيان (بمر الظهران) بفتح الميم وشدة الراء وفتح المعجمة وإسكان الهاء وبالراء والنون موضع بقرب مكة (فقال له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (يحب هذا الفخر) أي يحب هذا الفخر الذي يفتخرون به من أمور الدنيا وعند ابن أبي شيبة فقال أبو بكر يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب السماع يعني الشرف فقال من دخل دار أبي سفيان فهو امن فقال وما تسع داري زاد ابن عقبة ومن دخل دار حكيم فهو امن وهي من أسفل مكة ودار أبي سفيان بأعلاها ومن دخل المسجد فهو امن قال وما يسع المسجد قال ومن أغلق بابه فهو امن قال أبو سفيان هذه واسعة انتهى كذا في شرح المواهب (من دخل دار أبي سفيان إلخ) استدل به الشافعي وموافقوه على أن دور مكة مملوكة يصح بيعها وإجارتها لأن أصل الإضافة إلى الادميين هذا يقتضي ذلك وما سوى ذلك مجاز وفيه تأليف لأبي سفيان وإظهار لشرفه قاله النوري والحديث سكت عنه المنذري
[ 180 ]
(عنوة) أي قهرا وغلبة (قبل أن يأتوه) أي أهل مكة والضمير المنصوب للنبي صلى الله عليه وسلم (فيستأمنوه) أي يطلبوا منه الأمان (إنه لهلاك قريش) جواب الشرط (أجد ذا حاجة) في الأمور خرج نجاحها (الأسير) بصيغة المتكلم أي أسير في الطريق وأدور لكي أجد من يخبر أهل مكة بحال خروج النبي صلى الله عليه وسلم وترغيبهم لأجل طلب الأمان (وبديل) بالتصغير (يا أبا حنظلة) كنية أبي سفيان (فعرف) أي أبو سفيان (فقال أبو الفضل) هو كنية العباس أي فقال لي أبو سفيان أنت أبو الفضل (والناس) أي المسلمون (فركب) أي أبو سفيان (ورجع صاحبه) هو بديل بن ورقاء (فلما أصبح غدوت به) وتمام القصة كما في زاد المعاد فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان فدعني أضرب عنقه قال قلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه فقلت والله لا يناجيه الليلة أحد دوني فلما أكثر عمر في شأنه قلت مهلا يا عمر فوالله لو كان من رجل بني عدي بن كعب ما قلت مثل هذا قال مهلا يا عباس والله لإسلامك كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبح فأتني به فذهبت فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما راه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك لقد ظننت أن لو كان مع الله إلها غيره لقد أغنى شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم بأن لك أن تعلم أنى رسول الله قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه فأن في النفس حتى الآن منها شيئا فقال له العباس ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قبل أن يضرب عنقك فأسلم وشهد
[ 181 ]
شهادة الحق (إلى دورهم) جمع دار (وإلى المسجد) أي المسجد الحرام واستدل بهذا الحديث من قال إن مكة فتحت صلحا لا عنوة وقد اختلف العلماء فيه فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء وأهل السير فتحت عنوة وقال الشافعي فتحت صلحا وادعى الماذري أن الشافعي انفرد بهذا القول وإن شئت الوقوف على تفاصيل دلائل الفريقين فعليك بفتح الباري للحافظ قال المنذري في إسناده مجهول (أخبرنا إبراهيم بن عقيل) بفتح العين وكسر القاف (هل غنموا يوم الفتح) أي فتح مكة والحديث سكت عنه المنذري (سرح) بتشديد الراء من التفعيل أي أرسل وجعل (على الخيل) أي ركاب الخيل وهو الفرسان على المجاز ومنه قوله تعالى وأجلب عليهم بخيلك ورجالك أي بفرسانك ومشاتك ولفظ مسلم فبعث الزبير على إحدى المجنبتين وبعث خالدا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة وفي لفظ له كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمني وجعل الزبير على المجنبة اليسرى وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي
[ 182 ]
وقوله والمجنبتين بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون المشددة قال في النهاية مجنبة الجيش هي التي في الميمنة والميسرة وقيل الكتيبة تأخذ إحدى ناحية الطريق والأول أصح كذا في شرح المواهب والحسر بضم الحاء وتشديد الشين المهملتين أي الرجالة الذين لا دروع لهم والبياذقة هم الرجاله وهو فارسي معرب قاله النووي وقال الحلبي وجعل صلى الله عليه وسلم الزبير على إحدى المجنبتين أي وهما الكتيبتان تأخذ إحداهما اليمين والأخرى اليسار والقلب بينهما وخالد أعلى الأخرى وأبا عبيد على الرجالة وقد أخذوا بطن الوادي ولعل ذلك كان قبل الدخول إلى مكة لما سيأتي أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير راية وأمره أن يغرزها بالحجون لا يبرح في ذلك المحل وفي ذلك المحل بنى مسجد يقال له مسجد الراية انتهى وفي شرح المواهب قال عروة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل مكة من أعلى مكة من كداء بالفتح والمد ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدى بالضم والقصر قال الحافظ ومرسل عروة هذا مخالف للأحاديث الصحيحة المسندة في البخاري أن خالدا دخل من أسفل مكة أي الذي هو كدى بالقصر والنبي صلى الله عليه وسلم دخل من أعلاها أي الذي هو بالمد وبه جزم ابن إسحاق وموسى بن عقبة فلا شك في رجحانه قال الحافظ وقد ساق دخول خالد والزبير موسى بن عقبة سياقا واضحة فقال وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم وأمره أن يدخل من كداء أي بالفتح والمد بأعلى مكة وأمره أن يركز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمره أن يدخل من أسفل مكة وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة (اهتف بالأنصار) أي صح بالأنصار ولا يأتني إلا أنصاري فأطافوا به كما عند مسلم وفي رواية له أدع لي الأنصار فدعوتهم فجاءوا يهرولون وحكمة تخصيصهم عدم قرابتهم لقريش فلا تأخذهم بهم رأفة (اسلكوا هذا الطريق) أي طريق أعلى مكة لأن خالد بن الوليد ومن معه أخذوا أسفل من بطن الوادي وأخذ هو صلى الله عليه وسلم ومن معه أعلى مكة ولفظ مسلم وقال يا معشر الأنصار هل ترون أو باش قريش قالوا نعم قال انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا (فلا يشرفن) من أشرف أي لا يطلع عليكم (أحد) من أتباع قريش ممن قدمهم فإنهم قدموا أتباعا وقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شئ كنا معهم وان
[ 183 ]
أصيبوا أعطينا الذي سئلنا كما عند مسلم والمعنى أن قريشا جمعا جموعا من قبائل شتى وقالوا نقدم أتباعنا إلى قتال المسلمين ومقابلتهم فإن كان للأتباع شئ من الفتح أو حصول المال كنا شريكهم في ذلك وإن أصيبوا هؤلاء بالقتل والأخذ والذله أعطينا المسلمين الذي سئلنا من الخراج أو العهد أو غير ذلك (إلا أنمتموه) من أنام أي قتلتموه وقد عمل بذلك الصحابة ففي مسلم فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه وفي لفظ له فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا قال النووي قوله إلا أناموه أي ما ظهر لهم أحد إلا قتلوه فوقع إلى الأرض أو يكون بمعنى أسكنوه بالقتل كالنائم يقال نامت الريح سكنت وضربه حتى سكن أي مات ونامت الشاة أو غيرها ماتت قال الفراء النائمة الميتة انتهى قال الحافظ والجمع بين هذا وبين ما جاء من تأمينه لهم أن التأمين علق بشرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال فلما جاهروا به واستعدوا للحرب انتفى التأمين (فنادى منادى) وفي بعض النسخ مناد بحذف الياء وهو الظاهر (لا قريش بعد اليوم) وهذا صريح في أنهم أثخنوا فيهم القتل بكثرة فهو مؤيد لرواية الطبراني أن خالدا قتل منهم سبعين (من ألقى السلاح فهو امن) فألقى الناس سلاحهم وغلقوا أبوابهم (وعمد) من باب الضرب أي قصد (صناديد قريش) أي أشرافهم وأعضادهم ورؤساؤهم والواحد صنديد (فغص بهم) أي امتلأ البيت بهم وازدحموا حتى صاروا كأنهم احتبسوا قال الخطابي قوله لا يشرفن لكم أحد إلا أنمتوه ثم دليل على أنه إنما عقد لهم الأمان على شرط أن يكفوا عن القتال وأن يلقوا السلاح فإن تعرضوا له أو لأصحابه زال الأمان وحلت دماؤهم وجملة الأمر في قصة فتح مكة أنه لم يكن أمرا منبرما في أول ما بذل لهم الأمان ولكنه كان أمرا مظنونا مترددا بين أن يقبلوا الأمان ويمضوا على الصلح وبين أن يحاربوا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم أهبة القتال ودخل مكة وعلى رأسه المغفر إذ لم يكن من أمرهم على يقين ولا من وفائهم على ثقة فلذلك عرض الالتباس في أمرها والله أعلم وقد اختلف الناس في ملك دور مكة ورباعها وكراء بيوتها فروى عن عمر رضي الله عنه أنه ابتاع دار السجن بأربعة الاف درهم وأباح طاؤس وعمرو بن دينار بيع رباع مكة وكراء
[ 184 ]
منازلها وإليه ذهب الشافعي وقالت طائفة لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها انتهى مختصرا (بجنبتي الباب) الجنبة الناحية أي بناحيتي الباب قال المنذري وأخرجه مسلم بنحوه مطولا 26 ما جاء في خبر الطائف هو بلد كبير رسول مشهور كثير الأعناب والنخيل على ثلاث مراحل أو ثنتين من مكة من جهة المشرق (عقيل بن منبه) هو عقيل بن معقل بن منبه كذا نسبه في الأطراف والتقريب (عن شأن ثقيف) أي عن حالهم وثقيف أبو قبيلة من هوازن واسمه قسى بن منبه بن بكر بن هوازن وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف في شوال سنة ثمان حين خرج من حنين وحبس الغنائم بالجعرانة وكانت ثقيف لما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم الطائف وأغلقها عليهم بعد أن دخلوا فيه ما يصلحهم من القوت لسنة وتهيؤا للقتال فدنا خالد فدار بالحصن فنادى بأعلى صوته ينزل إلي أحدكم أكلمه وهو امن حتى يرجع فلم ينزل واحد منهم وقالوا لا نفارق ديننا وأشرفت ثقيف وأقاموا رماتهم وهم مائة فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر يوما أو أكثر من ذلك فشق ذلك على أهل الطائف مشقة عظيمة شديدة ولم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح الطائف ذلك العام لئلا يستأصلوا أهله قتلا روى الواقدي عن أبي هريرة لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف استشار النبي صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية فقال يا نوفل ما ترى في المقام عليهم قال يا رسول الله ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك قال ابن إسحاق ثم إن خولة بنت حكيم أي امرأة عثمان بن مظعون قالت يا رسول الله
[ 185 ]
أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلى بادية بنت غيلان أو حلى الفارعة بنت عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف فقال صلى الله عليه وسلم وإن كان لا يؤذن لنا في ثقيف يا خولة فذكرته لعمر فقال يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة زعمت أنك قلته قال قلته قال أو ما أذنت فيهم فقال لا قال أفلا أؤذن الناس بالرحيل قال بلى فأذن عمر بالرحيل فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف وترك محاصرته وعزم على السفر قيل له يا رسول الله أدع على ثقيف فقد أحرقتنا نبالهم فقال اللهم أهد ثقيفا إلى الإسلام وآت بهم مسلمين كذا في شرح المواهب من مواضع شتى وروى الترمذي وحسنه عن جابر قال قالوا يا رسول الله أحرقنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال اللهم اهد ثقيفا وات بهم وعند البيهقي عن عروة ودعا صلى الله عليه وسلم حين ركب قافلا فقال اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم (إذا بايعت) أي قبيلة ثقيف (أن لا صدقة عليها ولا جهاد) مفعول اشترطت (سيتصدقون) أي ثقيف والحديث سكت عنه المنذري (يعني ابن منجوف) بنون ساكنة ثم جيم واخره فاء (أن وفد ثقيف لما قدموا) في شرح المواهب وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف بعد قدومه صلى الله عليه وسلم من تبوك في رمضان كما قال ابن سعد وابن إسحاق وقال بعضهم في شعبان سنة تسع وأما خروجه من المدينة إلى تبوك فكان يوم الخميس في رجب سنة تسع اتفاقا انتهى (ليكون) أي ذلك الإنزال (أرق لقلوبهم) أرق ها هنا اسم التفضيل من أرقه إرقاقا بمعنى ألانه إلانة وهو عند سيبوية قياس من باب أفعل مع كونه ذا زيادة ويؤيده كثرة السماع كقولهم هو أعطاهم للدينار وأولاهم للمعروف وهو عند غيره سماع مع كثرته قاله الرضى في شرح الكافية فالمعنى أي ليكون إنزالهم المسجد أكثر وأشد إلانة وترقيقا لقلوبهم بسبب رؤيتهم حال المسلمين وخشوعهم وخضوعهم واجتماعهم في صلواتهم وفي عباداتهم لربهم والله أعلم (أن لا يحشروا) بصيغة المجهول أي لا يندبون إلى
[ 186 ]
الغزو ولا تضرب عليهم البعوث وقيل لا يحشرون إلى عامل الزكاة بل يأخذ صدقاتهم في أماكنهم كذا في المجمع وقال الخطابي معناه الحشر في الجهاد والنفير له (ولا يعشروا) بصيغة المجهول أي لا يؤخذ عشر أموالهم وقيل أرادوا الصدقة الواجبة قاله في المجمع (ولا يجبوا) بالجيم وشدة الموحدة قال في المجمع في مادة جبو ولا وفي حديث ثقيف ولا يجبوا أصل التجبية أن يقوم قيام الراكع وقيل أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم وقيل السجود وأرادوا أن لا يصلوا والأول أنسب لقوله لا خير الخ وأريد به الصلاة مجازا انتهى قال الخطابي قوله لا يجبوا أي لا يصلوا وأصل التجبية أن يكب الإنسان على مقدمه ويرفع مؤخره قال ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه واله وسلم إنما سمح لهم بالجهاد والصدقة لأنهما لم يكونا واجبين في العاجل لأن الصدقة إنما تجب بحول الحول والجهاد إنما يجب بحضور العدو وأما الصلاة فهي واجبة في كل يوم وليلة في أوقاتها المؤقتة فلم يجز أن يشترطوا تركها وقد سئل جابر بن عبد الله عن اشتراط ثقيف أن لا صدقة عليها ولا جهاد فقال علم أنهم سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا وفي الحديث من العلم أن الكافر يجوز له دخول المسجد لحاجة له فيه أو لحاجة المسلم إليه انتهى قال المنذري وقد قيل إن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص باب ما جاء في حكم أرض اليمن هل هي خراجية أو عشرية لم فثبت بحديث الباب أنها عشرية وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال الأراضي العشرية هي التي ليست بأرض خراج وهي أربعة أنواع أحدها أرض أسلم أهلها عليها فهم مالكون لها كالمدينة والطائف واليمن والبحرين وكذلك مكة إلا أنها فتحت عنوة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عليهم فلم يعرض لهم في أنفسهم ولم يغنم أموالهم والنوع الثاني كل أرض أخذت عنوة ثم إن الإمام لم ير أن يجعلها فيئا موقوفا ولكنه رأى أن يجعلها فخمسها فقسم أربعة أخماسها بين الذين افتتحوها خاصة كفعل
[ 187 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فهي أيضا ملكهم ليس فيها غير العشر وكذلك الثغور كلها إذ قسمت بين الذين افتتحوها خاصة وعزل عنها الخمس لمن سمى الله والنوع الثالث كل أرض عارية لا رب لها ولا عامر أقطعها الإمام رجلا إقطاعا من جزيرة العرب أو غيرها كفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده فيما أقطعوا من بلاد اليمن واليمامة والبصرة وما أشبهها والنوع الرابع كل أرض ميتة استخرجها رجل من المسلمين فأحياها بالنبات والماء فهذه الأرضون التي جاءت فيها السنة بالعشر أو نصف العشر وكلها موجودة في الأحاديث فما أخرج الله من هذه فهو صدقة إذا بلغ خمسة أوسق فصاعدا كزكاة الماشية والصامت يوضع في الأصناف الثمانية المذكورين في سورة براءة خاصة دون غيرهم من الناس وما سوى هذه من البلاد فلا تخلوا من أن تكون أرض عنوة صيرت فيئا كأرض السواد والجبال والأهواز وفارس وكرمان وأصبهان والري وأرض الشام سوى مدنها ومصر والمغرب أو يكون أرض صلح مثل نجران وايلة وادرج ودومة الجندل وفدك وما أشبهها ما صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلحا أو فعلته الأئمة بعده وكبلاد الجزيرة وبعض أرمينية وكثير من كور خراسان فهذان النوعان من الأرضين الصلح والعنوة التي تصير فيئا يكونان عاما للناس في الأعطية وأرزاق الذرية وما ينوب الإمام من أمور المسلمين انتهى وقال في موضع اخر الأرض المفتحة ثلاثة أنواع أحدها الأراضي التي أسلم عليها أهلها فهي لهم ملك وهي أرض عشر لا شئ عليهم غيره وأرض افتتحت صلحا على خراج معلوم فهم على ما صولحوا عليه لا يلزمهم أكثر منه وأرض أخذت عنوة فهي مما اختلف فيها فقيل سبيلها سبيل الغنيمة تخمس ويقسم فيكون أربعة أخماسها بين الغانمين والخمس الباقي لمن سمى الله تعالى وقيل النظر فيها للإمام إن شاء جعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها وإن شاء جعلها موقوفة على المسلمين ما بقوا كما فعل عمر بالسواد انتهى كلامه محررا كذا في نصب الراية للإمام الزيلعي (عن عامر بن شهر) الهمداني وسكن الكوفة وكان أحد عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ظهرت نبوته (فقالت لي همدان) بفتح الهاء وسكون الميم وبعدها دال مهملة قبيلة باليمن (هل أنت ات) اسم فاعل من أتى يأتي (هذا الرجل) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ومرتاد)
[ 188 ]
أي طالب في القاموس الرود الطلب كالرياد حدثنا والارتياد وأخرجه أبو يعلى مطولا ولفظه حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن الشعبي عن عامر بن شهر قال كانت همدان قد تحصنت في جبل يقال له الحقل من الجيش قد منعهم الله به حتى جاء أهل فارس فلم يزالوا محاربين حتى هم القوم الحرب وطال عليهم الأمر وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لي همدان يا عامر بن شهر أنك كنت نديما للملوك مذ كنت فهل أنت ات هذا الرجل ومرتاد لنا فإن رضيت لنا شيئا فعلناه وإن كرهت شيئا كرهناه قلت نعم وقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلست عنده فجاء رهط فقالوا يا رسول الله أوصنا فقال أوصيكم بتقوى الله أن تسمعوا من قول قريش وتدعوا فعلهم فاجتزأت بذلك والله من مسألته ورضيت أمره ثم بدا لي أن أرجع إلى قومي حتى أمر بالنجاشي وكان للنبي صلى الله عليه وسلم صديقا فمررت به قال فرجعت وأسلم قومي (وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب) لم يسق الراوي الحديث بتمامه ولم يذكر الكتاب وإني سأذكره (إلى عمير) بضم العين (ذي مران) الهمداني لقب عمير وهو جد مجالد بن سعيد الهمداني قال الحافظ عبد الغني بن سعيد عمير ذو مران من الصحابة وكذا ذكره في الصحابة ابن الأثير والذهبي وأخرج الطبراني بسنده إلى مجالد بن سعيد بن عمير ذي مران عن أبيه عن جده عمير قال جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى عمير ذي مران ومن أسلم من همدان سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإننا بلغنا إسلامكم مقدمنا من أرض الروم فأبشروا فإن الله تعالى قد هداكم بهداية وإنكم إذا شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقمتم الصلاة وأديتم الزكاة فإن لكم ذمة الله وذمة رسوله على دمائكم وأموالكم وعلى أرض القوم الذين أسلمتم عليها سهلها وجبالها غير مظلومين ولا مضيق عليها وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته وإن مالك بن مرارة الرهاوي قد حفظ الغيب وأدى الأمانة وبلغ الرسالة فامرك به خيرا فإنه منظور إليه في قومه وكذا أخرجه ابن عبد البر وغيره (وبعث) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (مالك بن مرارة) بكسر الميم وفتح الراء (الرهاوي) بفتح الراء كذا ضبطه عبد الغني وابن ماكولا صحابي سكن الشام قال الذهبي له صحبة وحديث (إلى اليمن جميعا) أي إلى جميع أهل اليمن (عك) بفتح العين وتشديد الكاف (ذو خيوان) بالخاء المعجمة لقب عك الهمداني فكتب له (أي
[ 189 ]
لعك) أي أمر بالكتابة والكاتب هو خالد بن سعيد كما في اخر الحديث ولفظ البزار من طريق مجالد عن الشعبي عن عامر بن شهر قال أسلم عك ذو خيوان فقيل لعك انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ منه الأمان على من قبلك ومالك وكانت له قرية بها رقيق فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن مالك بن مرارة الرهاوي قدم علينا يدعو إلى الإسلام فأسلمنا ولي أرض بها رقيق فاكتب لي كتابا فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر كما عند المؤلف قال المنذري في إسناده مجالد وهو ابن سعيد وفيه مقال وعامر بن شهر له صحبة وعداده في أهل الكوفة ولم يرو عنه غير الشعبي انتهى (أن عبد الله بن الزبير) الحميدي المكي (أخبرنا فرج بن سعيد) بن علقمة بن سعيد بن أبيض بن حمال هكذا في سنن ابن ماجه في باب اقطاع الأنهار والعيون وكذا في أطراف المزي والتقريب والخلاصة (حدثني عمي ثابت ابن سعيد) بن أبيض بن حمال كذا في سنن ابن ماجه وقوله عمى فيه تجوز فإن ثابتا هو عم أبيه سعيد وليس ثابت عما لفرج بن سعيد والله أعلم (عن أبيه) الضمير يرجع إلى ثابت (عن جده) أي جد ثابت (أبيض بن حمال) بدل من جده ولفظ بن ماجه عن أبيه سعيد عن أبيه أبيض بن حمال وحمال بالحاء المهملة وتشديد الميم هو المأربي السبائي (أنه) أي أبيض (كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة) أي في زكاة العشر أن لا تؤخذ منه (حين وفد عليه) أي ورد عليه وفدا (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (يا أخا سباء) بالمد وفي بعض
[ 190 ]
النسخ سبأ بالهمز بغير المد وفي القاموس سبأ كجبل ويمنع بلدة بلقيس ولقب ابن يشجب بن يعرب واسمه عبد شمس يجمع قبائل اليمن عامة (لا بد من صدقة) العشر (وقد تبددت) أي تفرقت (ولم يبق منهم) أي من أهل سبأ (بمأرب) في القاموس مأرب كمنزل موضع باليمن انتهى وفي المراصد مأرب بهمزة ساكنة وكسر الراء والباء الموحدة وهو بلاد الأزد باليمن وقيل هو اسم قصر كان لهم وقيل هو اسم لملك سبأ وهي كورة بين حضرموت وصنعاء انتهى (سبعين حلة بز) حلة بضم الحاء واحدة الحلل وهي برود اليمن ولا تسعى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد كذا في النهاية وبز بفتح الباء وتشديد الزاء الثياب وقيل ضرب من الثياب كذا في اللسان (من قيمة وقاء بز المعافر) قال في المراصد معافر بفتح أوله وثانيه وكسر الفاء واخره راء مهملة وهو اسم قبيلة باليمن لهم مخلاف تنسب إليه الثياب المعافرية وقال الأصمعي ثوب معافر غير منسوب ومن نسبه فهو عنده خطأ وقد جاء في الرجز الفصيح منسوبا انتهى وفي النهاية المعافري هي برود باليمن منسوبة إلى معافر وهي قبيلة باليمن والميم زائدة انتهى وقال الجوهري معافر بفتح الميم حي من همدان لا ينصرف في معرفة ولا نكرة لأنه جاء على مثال مالا ينصرف من الجمع وإليهم تنسب الثياب المعافرية تقول ثوب معافري فتصرفه لأنك أدخلت عليه ياء النسبة ولم تكن في الواحد انتهى (يؤدونها) أي الحلل (انتقضوا) ذلك الصلح والعهد (فرد ذلك أبو بكر) وروى الطبراني أن أبيض وفد على أبي بكر لما انتقض عليه عمال اليمن فأقره أبو بكر على ما صالح عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقة ثم انتقض ذلك بعد أبي بكر وصار إلى الصدقة انتهى (وصارت على الصدقة) أي على العشر أو نصف العشر كما لعامة المسلمين في أراضيهم والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري
[ 191 ]
28 في إخراج اليهود من جزيرة العرب في النهاية قوله الجزيرة اسم موضع من الأرض وهو ما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن في الطول وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة في العرض قاله أبو عبيدة وقال الأصمعي من أقصى عدن إلى ريف العراق طولا ومن جده وساحل البحر إلى أطراف الشام عرضا قال الأزهري سميت جزيرة لأن بحر فارس وبحر السودان أحاطا بجانبيها وأحاط بالجانب الشمالي دجلة والفرات انتهى وقال مالك بن أنس أراد بجزيرة العرب المدينة نفسها وإذا أطلقت الجزيرة في الحديث ولم تضف إلى العرب فإنما يراد بها ما بين دجلة والفرات انتهى وفي القاموس جزيرة العرب من أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات (أخرجه المشركين) ظاهره أنه يجب إخراج كل مشرك من جزيرة العرب سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا (وأجيزوا) من الإجازة بالزاي إعطاء الأمير (الوفد) هم الذين يقصدون الأمراء لزيارة أو استرفاد له أو رسالة وغيرها والمعنى أعطوهم مدة إقامتهم ما يحتاجون إليه قال التوربشتي وإنما أخرج ذلك بالوصية عن عموم المصالح لما فيه من المصلحة العظمى وذلك أن الوافد سفير قومه وإذا لم يكرم رجع إليهم بما ينفرد دونهم رغبة القوم في الطاعة والدخول في الإسلام فإنه سفيرهم ففي ترغيبهم وبالعكس ثم إن الوافد إنما يفد على الأمام فيجب رعايته من مال الله الذي أقيم لمصالح العباد وإضاعته تفضي إلى الدناءة التي أجار الله عنها أهل الإسلام (قال ابن عباس وسكت) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أو قال) أي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الثالثة (فأنسيتها) بصيغة المتكلم المجهول من الإنساء (وقال الحميدي عن سفيان قال سليمان لا أدري أذكر سعيد الخ) وعلى هذه الرواية فاعل سكت هو ابن عباس رضي الله عنه وأما على رواية سعيد بن منصور عن سفيان المتقدمة ففاعل سكت هو النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الظاهر
[ 192 ]
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم مطولا والثالثة قيل هي تجهيز أسامة وقيل يحتمل أنها قوله صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا قبري وثنا وفي الموطأ ما يشير إلى ذلك (لأخرجن اليهود والنصاري) أي لأن عشت إلى قابل كما في رواية مسلم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (والأول أتم) أي الحديث الأول الذي قبل هذا أتم من هذه (لا تكون قبلتان في بلد واحد) قال في فتح الودود الظاهر أنه نفى بمعنى النهي والمراد نهى المؤمن عن الإقامة بأرض الكفر ونهى الحكام عن أن يمكنوا أهل الذمة من إظهار شعار الكفر في بلاد المسلمين وقيل المراد إخراج أهل الكتاب من أرض العرب فقط وهو بعيد لا يناسبه عموم البلد والله تعالى أعلم انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وذكر أنه روى مرسلا
[ 193 ]
(جزيرة العرب) مبتدأ تقدم تفسير جزيرة العرب وقال في مراصد الاطلاع قد اختلف في تحديدها وإنما سميت جزيرة لإحاطة البحار بها من جوانبها والأنهار وذلك لأن الفرات من جهة شرقها وبحر البصرة وعبادان ثم البحر من ذلك الموضع في جنوبيها إلى عدن ثم انعطف مغربا إلى جدة وساحل مكة والجار ساحل المدينة ثم إلى أيلة حتى صار إلى القلزم من أرض مصر ثم صار إلى بحر الروم من جهة الشمال فأتى على سواحل الأردن وسواحل حمص ودمشق وقنسرين حتى خالط الناحية التي أقبلت منها الفرات فدخل في هذه الحدود الشامات كلها إلا أنها جزء قليل بالنسبة إلى بقيتها إذ هي منها في طولها كالجزء منه وهو عرض الشامات من الجزيرة إلى البحر وذلك يسير بالنسبة إلى بقية الجزيرة الذي هو منها إلى بحر حضرموت فالشام ساحل من سواحلها فنزلت العرب هذه الجزيرة وتوالدوا فيها وقد روى مسند إلى ابن عباس أن الجزيرة قسمت خمسة أقسام تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن انتهى كلامه (ما بين الوادي) أي وادي القرى وهو خبر المبتدأ قال في المراصد وادي القرى واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى انتهى (إلى تخوم العراق) أي حدوده ومعالمه قال في القاموس التخوم بالضم الفصل بين الأرضين من المعالم والحدود (عمر) مبتدأ (أجلى) خبر المبتدأ أي أخرج أهل نجران بالنون والجيم موضع بين الشام والحجاز واليمن قال في المراصد نجران بالفتح ثم السكون واخره نون وهو عدة مواضع منها نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة وبها كان خبر الأخدود وكان فيها أساقفة مقيمين منهم السيد والعاقب الذين جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابهما ودعاهم إلى المباهلة وبقوا بها حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه انتهى مختصرا (ولم يجلوا) وفي بعض النسخ لم يحل بالإفراد (من تيماء) كحمراء بتقديم الفوقية على التحتية من أمهات القرى على البحر وهي بلاد طي ومنها يخرج إلى الشام وقيل غير ذلك قاله في فتح الودود (أنهم) أي الصحابة (لم يروها) أي الوادي والحديث سكت عنه المنذري
[ 194 ]
(وفدك) بالتحريك قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة أفاء الله تعالى على رسوله صلحا فيها عين فوارة ونخل والحديث سكت عنه المنذري في إيقاف أرض السواد قال في المراصد السواد يزاد به رستاق من رساتيق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمى سوادا لحضرته بالنخل والزرع وحد السواد قال أبو عبيد من حديثه لموصل طولا إلى عبادان ومن عذيب القادسية إلى حلوان عرضا فيكون طوله مائة وستون فرسخا فطوله أكثر من طول العراق فطول العراق ثمانون فرسخا ويقصر عن طول السواد خمسة وثلاثون فرسخا قال صاحب المراصد وهذا التفاوت كأنه غلط ولعله أن يكون بينهما خمسون فرسخا أو أكثر وعرض العراق هو عرض السواد لا يختلف وذلك ثمانون فرسخا انتهى (وأرض العنوة) أي إيقاف الأرض التي أخذت قهرا لا صلحا يقال عنا يعنو عنوه إذا أخذ الشيئ قهرا قال الحافظ ابن القيم إن الأرض لا تدخل في الغنائم وامام مخير فيها بحسب المصلحة وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك وعمر لم يقسم بل أقرها على حالها وضرب عليها خراجا مستمرا في رقبتها تكون للمقاتلة فهذا معنى وقفها ليس معناه الوقف الذي يمنع من نقل الملك في الرقبة بل يجوز بيع هذه الأرض كما هو عمل الأمة وقد أجمعوا على أنها تورث والوقف لا يورث وقد نص الإمام أحمد على أنها يجوز أن يجعل صداقا والوقف لا يجوز أن يكون مهرا لأن الوقف إنما امتنع بيعه ونقل الملك في رقبته لما في ذلك من إبطال حق البطون الموقوف عليهم من منفعته والمقاتلة حقهم في خراج الأرض فمن اشتراها صارت عنده خراجية كما كانت عند البائع سواء فلا يبطل حق أحد المسلمين بهذا البيع كما لم يبطل بالميراث والهبة والصداق انتهى مختصرا قلت قد اختلف في الأرض التي يفتتحها المسلمون عنوة
[ 195 ]
قال ابن المنذر ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين افتتحوا أرض السواد وأن الحكم في أرض العنوة أن تقسم كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وذهب مالك إلى أن الأرض المغنومة لا تقسم بل تكون وقفا يقسم خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر وغير ذلك من سبيل الخير إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض وأخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق أبي أسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد فشاور في ذلك فقال له علي دعه يكون مادة للمسلمين فتركه وأخرج أيضا من طريق عبد الله بن أبي قيس أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبيدون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة ويأتي قوم يسدون من الإسلام مسدا ولا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم واخرهم فاقتضى رأى عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجئ بعدهم انتهى (منعت العراق) أي أهلها قال النووي في معناه قولان مشهوران أحدهما سلامهم فتسقط عنهم الجزية وهذا قد وجد والثاني وهو الأشهر أن معناه أن العجم والروم يستولون على البلاد في اخر الزمان فيمنعون حصول ذلك للمسلمين وقد روى مسلم عن جابر قال يوشك أهل العراق أن لا يجئ إليهم قفيز ولا درهم قلنا من أين ذلك قال من قبل العجم يمنعون ذلك وذكر في منع الروم ذلك بالشام مثله وهذا قد وجد في زماننا في العراق وقيل لأنهم يرتدون في اخر الزمان فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها وقيل معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في اخر الزمان فيمتنعون مما كانوا يؤدونه من الجزية والخراج انتهى قال في النيل وهذا الحديث من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وسلم بما سيكون من ملك المسلمين هذه الأقاليم ووضعهم الجزية والخراج ثم بطلان ذلك إما بتغلبهم وهو أصح التأويلين وفي البخاري ما يدل عليه ولفظ المنع يرشد إلى ذلك وإما بإسلامهم انتهى (قفيزها) مكيال معروف لأهل العراق قال الأزهري هو ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف وهو خمس كيلجات قاله النووي
[ 196 ]
(مديها) المدى كقفل مكيال لأهل الشام يقال إنه يسع خمسة عشر أو أربعة عشر مكوكا قاله الخطابي (إردبها) بالراء والدال المهملتين بعدهما موحدة قال في القاموس الإردب كقرشب مكيال ضخم بمصر يضم أربعة وعشرون صاعا انتهى (ثم عدتم من حيث بدأتم) أي رجعتم إلى الكفر بعد الإسلام وقال في مجمع البحار وحديث عدتم من حيث بدأتم هو في معنى حديث بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ (قالها) أي كلمة ثم عدتم من حيث بدأتم قال الخطابي معنى الحديث والله أعلم أن ذلك كائن وأن هذه البلاد تفتح للمسلمين ويوضع عليها الخراج شيئا مقدرا بالمكاييل والأوزان وأنها ستمنع في اخر الزمان وخرج الأمر في ذلك على ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وبيان ذلك ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأرض السواد فوضع على كل جريب عامر أو غامر درهما وقفيزا وقد روى فيه اختلاف في مقدار ما وضعه عليها وفيها مستدل لمن ذهب إلى أن وجوب الخراج لا ينفى وجوب العشر وذلك أن العشر إنما يؤخذ بالقفران محمد والخراج نقدا إما دراهم وإما دنانير انتهى وفي الهداية وعمر رضي الله عنه حين فتح السواد وضع الخراج عليها بمحضر من الصحابة ووضع على مصر حين افتتحها عمرو بن العاص وكذا اجتمعت الصحابة على وضع الخراج على الشام انتهى وروى الإمام أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناده إلى إبراهيم التيمى قال لما فتح المسلمون السواد قالوا لعمر اقسمه بيننا فإنا فتحناه عنوة قال فأبي وقال ما لمن جاء بعدكم من المسلمين قال فأقر أهل السواد في أرضهم وضرب على رؤسهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج وروى ابن أبي شيبة في مصنفة في أواخر الزكاة حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي قال وضع عمر على أهل السواد على كل جريب أرض يبلغه الماء عامر أو غامر درهما وقفيزا من طعام وعلى البساتين على كل جريب عشرة دراهم وعشرة أقفزة من طعام وعلى الرطاب على كل جريب أرض خمسة دراهم وخمسة أقفزة من طعام وعلى الكروم على كل جريب أرض عشرة دراهم وعشرة أقفزة ولم يضع على النخل شيئا جعله تبعا للأرض انتهى وأخرج ابن سعد في الطبقات أن عمر بن العاص افتتح مصر عنوة واستباح ما فيها وعزل
[ 197 ]
منه مغانم المسلمين ثم صالح بعد على وضع الجزية في رقابهم ووضع الخراج على أرضهم ثم إلى كتب إلى عمر بن الخطاب وأخرج أيضا من طريق عمرو بن الحارث قال كان عمرو بن العاص يبعث لجزية أهل مصر وخراجها إلى عمر بن الخطاب كل سنة بعد حبس ما يحتاج إليه انتهى مختصرا وقال ابن القيم وجمهور الصحابة والأئمة بعدهم على أن الأرض ليست داخلة في الغنائم وهذه كانت سيرة الخلفاء الراشدين فإن بلالا وأصحابه لما طلبوا من عمر رضي الله عنه أن يقسم بينهم الأرض التي فتحوها عنوة وهي الشام وما حولها وقالوا له خذ خمسها واقسمها فقال عمر هذا في غير المال ولكن أحبسه فيما يجرى عليكم وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه اقسمها بيننا فقال عمر اللهم اكفني بلالا وذويه ثم وافق سائر الصحابة عمر رضي الله عنه وكذلك جرى في فتوح مصر والعراق وأرض فارس وسائر البلاد التي فتحت عنوة لم يقسم منها الخلفاء الراشدون قرية واحدة ولا يصح أن يقال إنه استطاب نفوسهم ووقفها برضاهم فإنهم قد نازعوه في ذلك وهو يأبى عليهم ودعا على بلال وأصحابه وكان الذي راه وفعله عين الصواب ومحض التوفيق إذ لو قسمت لتوارثها كان ورثة أولئك وأقاربهم فكانت القرية والبلد تصير إلى امرأة واحدة أو صبي صغير والمقاتلة لا شئ بأيديهم فكان في ذلك أعظم الفساد وأكبره وهذا هو الذي خاف عمر رضي الله عنه فوفقه الله تعالى لترك قسمة الأرض وجعلها وقفا على المقاتلة تجرى عليهم فيها حتى يغزوا منها اخر المسلمين وظهرت بركة رأيه ويمنه على الإسلام وأهله ووافقه جمهور الأئمة انتهى كلامه وأما وجه استدلال المؤلف الإمام بهذا الحديث على ما ترجم من إيقاف سواد الأرض فبأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أن الصحابة يفتتحون تلك البلاد ويضعون الخراج على أرضهم ويقفونها على المقاتلة والمجاهدين ولم يرشدهم إلى خلاف ذلك بل قرره وحكاه لهم لكن المؤلف لم يجزم على أن إيقافها أمر لازم بل تبويبه كأنه على طريق الاستفهام أي ما ذا يفعل بأرض العنوة يوقف على المقاتلة أو يقسم للغانمين وما حكم إيقاف أرض السواد فقد علمت وجه الاستدلال بالحديث الأول من حديثي الباب وأما الحديث الثاني ففيه التصريح بأن الأرض المغنومة تكون للغانمين وحكمها حكم سائر الأموال التي تغنم فطريق الجمع ما ذهب إليه مالك بن أنس وتقدم قوله قال المنذري وأخرجه مسلم أي في كتاب الفتن من الصحيح
[ 198 ]
(أيما قرية أتيتموها إلخ) قال القاضي عياض في شرح مسلم يحتمل أن يكون المراد بالقرية الأولى هي التي لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب بل أجلى عنها أهلها وصالحوا فيكون سهمهم فيها أي حقهم من العطاء كما تقرر في الفئ ويكون المراد بالثانية ما أخذت عنوة فيكون غنيمة يخرج منها الخمس والباقي للغانمين وهو معنى قوله هي لكم أي باقيها وقد احتج به من لم يوجب الخمس في الفئ قال ابن المنذر لا نعلم أحدا قبل الشافعي قال بالخمسين في الفئ كذا في السبيل قال ا لمنذري وأخرجه مسلم قال الخطابي فيه دليل على أن أرض العنوة حكمها حكم سائر الأموال التي تغنم وأن خمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها للغانمين وقال غيره يحتمل أن يكون الأول في الفئ مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب أجلى عنه أهله وصالحوا عليه فيكون حقهم فيها أي قسمهم في العطاء ويكون المراد بالثاني ما فيه الخمس ما أخذ عنوة انتهى كلام المنذري مختصرا (فسهمكم فيها) أي حقكم من العطاء كما يصرف الفئ لا كما يصرف الغنيمة قاله السندي (عصت الله ورسوله) أي أخذتموها عنوة (ثم هي) أي القرية لكم 30 في أخذ الجزية بكسر الجيم وهي مال مأخوذ من أهل الذمة لإسكاننا أو إياهم في دارنا أو لحقن دمائهم وذراريهم وأموالهم أو لكفنا عن قتالهم قاله القسطلاني
[ 199 ]
(عن عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم والحديث أخرجه أبو داود متصلا عن طريق عاصم بن عمر عن أنس ومرسلا من طريق عاصم عن عثمان قاله المزي (إلى أكيدر دومة) بضم الهمزة وفتح الكاف وسكون التحتية فدال مكسورة مهملة فراء ابن عبد الملك الكندي اسم ملك دومة بضم الدال وقد يفتح بلد أو قلعة من بلاد الشام قريب تبوك أضيف إليها كما أضيف زيد إلى الخيل وكان نصرانيا قاله القارى (فأخذوه) أي أكيدر والضمير المرفوع لخالد وأصحابه الذين بعثوا معه وفي بعض النسخ فأخذ بالإفراد (فأتوه به) أي أتوا بأكيدر عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم نهاهم عن قتله وقال ابعثوه) إلي فبعثوه إليه صلى الله عليه وسلم قاله في فتح الودود (فحقن له دمه) أي وهبه قال في المغرب حقن دمه إذا منعه أن يسفك وذلك إذا حل به القتل فأنقذه قال الخطابي أكيدر دومة رجل من العرب يقال إنه غسان ففي هذا من أمره دلالة على جواز أخذ الجزية من العرب كجوازه من العجم وكان أبو يوسف يذهب إلى أن الجزية لا تؤخذ من عربي وقال مالك والأوزاعي والشافعي العربي والعجمي في ذلك سواء والحديث سكت عنه المنذري (لما وجهه) أي أرسله (من كل حالم) أي بالغ (يعني محتلما) تفسير من أحد الرواة (أو عدله) أي مثله قال في مختصر النهاية العدل بالكسر والفتح المثل وقيل بالفتح ما عادله من جنسه وبالكسر ما ليس من جنسه وقيل بالعكس (من المعافرى) بفتح الميم والعين المهملة وكسر الفاء وتشديد الياء نسبة إلى معافر علم قبيلة من همدان وإليهم تنسب الثياب المعافرية (ثياب) هذا تفسير المعافرى من بعض الرواة أي هي ثياب وفي بعض النسخ ثيابا بالنصب بتقدير يعني قال الخطابي في قوله من كل حالم دليل على أن الجزية إنما تجب على الذكران دون الإناث لأن الحالم عبارة عن الرجل فلا وجوب لها على النساء ولا على المجانين والصبيان
[ 200 ]
وفيه بيان أنها واجبة على الجميع من العرب والعجم للعموم وفيه بيان أن الدينار مقبول من جماعتهم أغنيائهم وأوساطهم سواء في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فأمره بقتالهم ثم أمره بالكف عنهم إذا أعطوا دينارا وجعل بذل الدينار حاقنا لدمائهم فكل من أعطاه فقد حقن دمه وإلى هذا ذهب الشافعي فقال إنما هو على كل محتلم من الرجال الأحرار دون العبيد وقال أصحاب الرأي وأحمد يوضع على الموسر منهم ثمانية وأربعون درهما وأربعة وعشرون واثنا عشر وقال أحمد على قدر ما يطيقون قيل له فيزاد في هذا اليوم وينقص قال نعم على قدر طاقتهم وعلى قدر ما يرى الإمام وقد علق الشافعي القول في إلزام الفقير الجزية انتهى وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف في الإمارة حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي قال وضع عمر بن الخطاب في الجزية على رؤوس الرجال على الغني ثمانية وأربعين درهما وعلى المتوسط أربعة وعشرين درهما وعلى الفقير اثني عشر درهما وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي نضرة أن عمر وضع الجزية على أهل الذمة فيما فتح من البلاد فوضع على الغني ثمانية وأربعين درهما وعلى الوسط أربعة وعشرين درهما وعلى الفقير اثني عشر درهما انتهى مختصرا وأخرج أبو عبيد في كتاب الأموال عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه بعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم ثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين وإثني عشر انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن وذكر أن بعضهم رواه مرسلا وأن المرسل أصح (عن زياد بن حدير) بالحاء المهملة مصغرا (لئن بقيت) وطال عمري (لنصارى بني تغلب) أي لقتالهم (فإني كتبت الكتاب) أي كتاب العهد الذي كان (بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم)
[ 201 ]
فنقضوا المعاهدة (على) متعلق بكتبت عبد (أن لا ينصروا أبناءهم) أي لا يجعلون أبناءهم نصارى ولا يعلمون أبناءهم دين النصارى ويؤيد هذا المعنى ما يأتي من الروايات (قال أبو داود هذا حديث منكر) أي رفع هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكونه من حديث علي رضي الله عنه منكر والمعروف من فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفا عليه فأخرج ابن أبي شيبة في اخر كتاب الزكاة حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن السفاح بن مطر عن داود بن كردوس عن عمر بن الخطاب أنه صالح نصارى بني تغلب على أن تضعف عليهم الزكاة مرتين وعلى أن لا ينصروا صغيرا وعلى أن لا يكرهوا على دين غيرهم قال داود ليست لهم ذمة قد نصروا وأخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق السفاح عن النعمان بن زرعة أنه سأل عمر بن الخطاب وكلمه في نصارى بني تغلب قال وكان عمر رضي الله عنه قد هم أن يأخذ منهم الجزية فتفرقوا في البلاد فقال النعمان بن زرعة لعمر يا أمير المؤمنين إن بني تغلب قوم عرب يأنفون من الجزية وليست لهم أموال إنما هم أصحاب حروث ومواشي قال فصالحهم عمر رضي الله عنه على أن تضعف عليهم الصدقة واشترط عليهم أن لا ينصروا أولادهم انتهى وأخرج الإمام أبو أحمد حميد بن زنجويه في كتاب الأموال بلفظ أن عمر أراد أن يأخذ من نصارى بني تغلب الجزية فتفرقوا في البلاد وأخرج البيهقي عن عبادة بن النعمان في حديث طويل أن عمر لما صالحهم يعني نصارى بني تغلب على تضعيف الصدقة قالوا نحن عرب لا يؤدي ما يؤدي العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة فقال عمر رضي الله عنه لا هذه فرض المسلمين قالوا زد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ففعل فتراضى هو وهم على تضعيف الصدقة عليهم وفي بعض طرقه سموها ما شئتم وروى أيضا من حديث داود بن كردوس قال صالح عمر رضي الله عنه بني تغلب على أن يضاعف عليهم الصدقة ولا يمنعوا فيها أحدا أن يسلم ولا أن ينصروا أولادهم انتهى (قال أبو
[ 202 ]
على) هو اللؤلؤي أبي قال المنذري بعد نقل كلام أبي داود على هذا الحديث وفي إسناده إبراهيم بن مهاجر البجلي الكوفي وشريك بن عبد الله النخعي وقد تكلم فيهما غير واحد من الأئمة وفيه أيضا عبد الرحمن بن هاني النخعي قال الامام أحمد ليس بشئ وقال ابن معين كذلك (على ألفى حلة) تثينة ألف (وعارية) مجرور ومعطوف على ألفى حلة مضاف إلى ما بعده (والمسلمون ضامنون) قال في فتح الودود أي وضع عليهم أنهم يعطون السلاح المذكور عارية والمسلمون يردون تلك العارية عليهم لكن إعارة السلاح إن كان باليمن كيد أي حرب ولذا أنث صفته فقال ذات غدر انتهى والحاصل أن أهل اليمن إن نقضوا العهد الذي بينهم وبين المسلمين ووقع القتال بينهم فيؤخذ من أهل نجران هذا السلاح المذكور عارية لأجل قتال الغادرين من أهل اليمن (كيد ذات غدر) قال الخطابي الكيد الحرب ومنه ما جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في بعض مغازيه فلم يلق كيدا أي حربا انتهى وفي بعض النسخ كيدا وغدرة (على أن لا تهدم) بصيغة المجهول (بيعة) بالكسر معبد النصارى (قس) بفتح القاف وتشديد المهملة بعدها هو رئيس النصارى في العلم (ولا يفتنوا) بصيغة المجهول (ما لم يحدثوا) من باب الإفعال قال القاضي الشوكاني هذا المال الذي وقعت عليه المصالحة هو في الحقيقة جزية ولكن ما كان مأخوذا على هذه الصفة يختص بذوى الشوكة فيؤخذ ذلك المقدار من أموالهم ولا يضربه الإمام على رؤوسهم انتهى
[ 203 ]
قال الخطابي في هذا دليل على أن للامام أن يزيد وينقص فيما يقع عليه الصلح من دينار أو أكثر على قدر طاقتهم ووقوع الرضى منهم وفيه دليل على أن العارية مضمونة انتهى قال المنذري وفي سماع السدى (هو إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي) من عبد الله بن عباس نظر وإنما قيل إنه راه ورأى ابن عمر وسمع من أنس ابن مالك رضي الله عنهم 31 في أخد الجزية من المجوس أي عبدة النار (عن أبي جمرة) بالجيم والراء هو نصر بن عمران (كتب لهم إبليس المجوسية) أي جعل إبليس المجوسية مكان دين نبيهم فصاروا مجوسا بإغواء إبليس لهم بعد أن كانوا على دين نبيهم ثم اعلم أنه قال الشافعي الجزية تقبل من أهل الكتاب ولا تؤخذ عن أهل الأوثان لقوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون قال البيهقي في الخلافيات لا يقبل الجزية من أهل الأوثان قال الله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ثم استثنى أهل الكتاب بقوله حتى يعطوا الجزية انتهى وقال أكثر الأئمة تخصيص أهل الكتاب بأداء الجزية لا ينفى الحكم عن غيرهم وأن الوثني العربي والوثني العجمي لا يتحتم قتلهما بل يجوز استرقاقهما فلم يتناولهما قوله تعالى اقتلوا المشركين
[ 204 ]
وأما المجوس فقال بعض الأئمة منهم الشافعي إنه من أهل الكتاب ويدل عليه أثر ابن عباس الذي في الباب وكذا أثر علي رضي الله عنه عند الشافعي في مسنده وكذا أثر زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عوف عند ابن أبي عاصم لكن سندهما ضعيف وبوب البيهقي في السنن الكبرى فقال با ب المجوس أهل الكتاب والجزية تؤخذ منهم ثم أورد أثر علي رضي الله عنه هذا ومنهم من ذهب إلى أن المجوس ليس من أهل الكتاب واستدل بما رواه مالك في الموطأ والبزار في مسنده من جهته أن عمر ذكر المجوسي فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد شرح الموطأ في قوله عليه السلام في المجوس سنوا بهم سنة أهل الكتاب يعني في الجزية دليل على أنهم ليسوا أهل كتاب وعلى ذلك جمهور الفقهاء وقد روى عن الشافعي أنهم كانوا أهل الكتاب فبدلوا وأظنه ذهب في ذلك إلى شئ روى عن علي من وجه فيه ضعف يدور على أبي سعيد البقال ثم ذكر أثر علي رضي الله عنه ثم قال وأكثر أهل العلم يأبون ذلك ولا يصححون هذا الأثر والحجة لهم قوله تعالى أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا يعني اليهود والنصارى وقوله تعالى يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده وقال تعالى يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل فدل على أن أهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل اليهود والنصارى لا غير وقد روى عبد الرزاق عن ابن جريح قال قلت لعطاء المجوس أهل كتاب قال لا وقال أيضا أنبأنا معمر قال سمعت الزهري سئل أتؤخذ الجزية ممن ليس من أهل الكتاب قال نعم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل البحرين وعمر من أهل السواد وعثمان من بربر انتهى والحديث سكت عنه المنذري (سمع) أي عمرو (بجالة) بفتح الموحدة وتخفيف الجيم تابعي شهير وهو ابن عبدة
[ 205 ]
(يحدث) أي بحالة (عمرو بن أوس) بالنصب مفعول (وأبا الشعتاء عطف على عمرو بن أوس وفي رواية البخاري قال أي عمرو بن دينار كنت جالسا مع جابر هو أبو الشعتاء بن زيد وعمرو بن أوس فحدثهما بجالة والمقصود أن بجالة لم يقصد عمرو بن دينار بالتحديث وإنما حدث غيره فسمعه هو وهذا وجه من وجوه التحمل بالإتفاق وإنما اختلفوا هل يسوغ أن يقول حدثنا والجمهور على الجواز ومنع منه النسائي وطائفة قليلة قاله الحافظ في الفتح (قال) أي بجالة (لجزء بن معاوية) بفتح الجيم وسكون الزاى بعدها همزة هكذا يقوله المحدثون وضبطه أهل النسب بكسر الزاى بعدها تحتانية ساكنة ثم همزة قاله في الفتح وهو تميمي تابعي كان والى عمر رضي الله عنه بالأهواز (عم الأحتف) بدل من جزء (قبل موته) أي موت عمر (بسنة) سنة اثنتين وعشرين (فرقوا) أي في النكاح (بين كل ذي محرم من المجوس) أمرهم بمنع المجوس الذمي عن نكاح المحرم كالأخت والأم والبنت لأنه شعار مخالف للاسلام فلا يمكنون منه وإن كان من دينهم قاله القاري وقال الخطابي أن أمر عمر بالتفرقة بين الزوجين المراد منه أن يمنعوا من إظهاره للمسلمين والإشارة به في مجالسهم التي يجتمعون فيها للملاك كما يشترط على النصارى أن لا يظهروا صليبهم ولا يفشوا عقائدهم (وانهوهم عن الزمزمة) بزائين معجمتين هي كلام يقولونه عند أكلهم بصوت خفي (وحريمه) أي محرمه (وصنع) أي جزء بن معاوية (فدعاهم) أي المجوس (وألقوا) أي بين يدي جزء (وقر بغل أو بغلين من الورق) أي الفضة قال في النهاية الوقر بكسر الواو الحمل وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار يريد حمل بغل أو بغلين أخلة أخلة جمع خلال ما تخلل به الأسنان من الفضة كانوا يأكلون بها الطعام فأعطوها ليمكنوا (بها من عادتهم في الزمزمة انتهى (من مجوس هجر) بفتحتين قاعدة أرض البحرين كذا في المغنى
[ 206 ]
وقال الطيبى اسم بلد باليمن يلي البحرين واستعماله على التذكير والصرف انتهى وفي القاموس قد يؤنث ويمنع وفي شرح السنة أجمعوا على أخذ الجزية من المجوس وذهب أكثرهم إلى أنهم ليسوا من أهل الكتاب وإنما أخذت الجزية منهم بالسنة كما أخذت من اليهود والنصارى بالكتاب وقيل هم من أهل الكتاب وروى عن علي كرم الله وجهه قال كان لهم كتاب يدرسونه فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي مختصرا (عن قشير) بالقاف والشين المعجمة مصغرا (من الأسبذيين) بالموحدة والذال المعجمة قال في النهاية في مادة أسبذانة ما كتب لعباد الله الأسبذين لا هم ملوك عمان بالبحرين الكلمة فارسية معناها عبدة الفرس لأنهم كانوا يعبدون فرسا فيما قيل واسم الفرس بالفارسية أسهب انتهى و قال في مادة سبذ جاء رجل من الأسبذيين إلى النبي صلى الله عليه وسلم هم قوم من المجوس لهم ذكر في حديث الجزية قيل كانوا مسلحة لحصن المشقر من أرض البحرين الواحد أسبذى أن والجمع الأسابذة على انتهى وفي تاج العروس أسبذ كأحمد بلد بهجر بالبحرين وقيل قرية بها والأسابذ ناس من الفرس نزلوا بها وقال الخشني أسبذ اسم رجل بالفارسية منهم المنذر بن ساوى الأسبذي صحابي انتهى وقال بعض العلماء سبذ على وزن حطب والأسبذ الله بسكون السين والله أعلم (فمكث) أي الرجل الأسبذي (عنده) أي عند النبي صلى الله عليه وسلم (شر) أي هو شر (مه) أي اكفف قال في النهاية مه اسم مبني على السكون بمعنى اسكت انتهى (وتركوا ما سمعت) قال في السبل
[ 207 ]
لأن رواية عبد الرحمن موصولة وصحيحة ورواية ابن عباس هي عن مجوسي لا تقبل اتفاقا انتهى والحديث سكت عنه المنذري 32 في التشديد في جباية الجزية أي جمعها وأخذها قال (وهو على حمص) في القاموس حمص كورة بالشام أهلها يمانيون وفيه وحمص بلد بالأندلس أي كان هو أميرا عليه (بشمس) في القاموس التشميس بسط الشئ في الشمس (من القبط) وهو أصل مصر (ما هذا) أي ما هذا التعذيب قال الحافظ المزي في الاطراف الحديث أخرجه مسلم في الأدب وأبو داود في الجزية والنسائي في السير انتهى قال المنذري وأخرجه 33 في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارة قال في القاموس عشرهم يعشرهم عشرا وعشورا وعشرهم عن أخذ عشر أموالهم (أبي أمه) تفسير جده أي جده الذي يروي عنه ليس هو جده الصحيح بل هو جده الفاسد
[ 208 ]
(إنما العشور) جمع عشر وهو واحد من عشرة وليس على (المسلمين عشور) قال الخطابي يريد عشور التجارات والبياعات دون عشور الصدقات والذي يلزم اليهود والنصارى من العشور هو ما صولحوا عليه وقت العقد وإن لم يصالحوا عليه فلا عشور عليهم ولا يلزمهم شئ أكثر من الجزية فأما عشور غلات أرضهم فلا يؤخذ منها وهذا كله على مذهب الشافعي وقال أصحاب الرأي أن أخذوا منا العشور في بلادهم إذا اختلف المسلمون إليهم في التجارات أخذناها منهم وإلا فلا انتهى والحديث سكت عنه المنذري (قال خراج مكان العشور) أي قال إنما الخراج على اليهود والنصارى وليس على المسلمين خراج والحديث سكت عنه المنذري (أعشر قومي) أي أخذ عشر أموالهم في إسناده الرجل البكري وهو مجهول وخاله أيضا مجهول ولكنه صحابي والحديث سكت عنه المنذري (رجل من بني تغلب) بدل من جده (ثم رجعت إليه) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير وساق اضطراب الرواة فيه وقال لا يتابع عليه وقد فرض النبي صلى الله عليه وسلم العشور فيما أخرجت الأرض في خمسة أوساق انتهى كلام المنذري وقال عبد الحق في إسناده اختلاف ولا أعلمه من طريق يحتج به كذا في حاشية السنن لشمس الدين
[ 209 ]
لابن القيم وأخرج عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا هشام بن حسان عن أنس بن سيرين قال بعثني أنس بن مالك على الأيلة فأخرج لي كتابا من عمر بن الخطاب يؤخذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهم ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهم وأخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق إبراهيم ابن مهاجر عن زياد بن حدير قال بعثني عمر بن الخطاب إلى عين التمر مصدقا فأمرني أن اخذ من المسلمين من أموالهم إذا اختلفوا بها للتجارة ربع العشر ومن أموال أهل الذمة نصف العشر ومن أموال أهل الحرب العشر ورواه محمد بن الحسن في كتاب الآثار واللفظ له وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي مجلز أن عمر بعث عثمان بن حنيف فجعل على أهل الذمة في أموالهم التي يختلفون بها في كل عشرين درهما درهما وكتب بذلك إلى عمر فرضي وأجازه وقال لعمر كم تأمر أن نأخذ من تجار أهل الذمة قال كم يأخذون منكم إذا أتيتم بلادهم قالوا العشر قال فكذلك فخذوا منهم انتهى وأخرج سعيد بن منصور عن زياد بن حدير قال استعملني عمر بن الخطاب على العشور فأمرني أن اخذ من تجار أهل الحرب العشر ومن تجار أهل الذمة نصف العشر ومن تجار المسلمين ربع العشر (سمعت حكيم) بفتح الحاء (ابن عمير) بضم العين مصغرا (رجلا ماردا) أي عاتيا (حمرنا) بضمتين جمع حمار (وأن اجتمعوا) بصيغة الأمر (متكئا على أريكة) وفي بعض النسخ على أريكته بالإضافة إلى الضمير أي على سريرة أشار إلى منشأ جهله وعدم اطلاعه على السنن ورده هو قلة نظره ودوام غفلته بتعهد الاتكاء والرقاد كذا في فتح الودود وقال القاري على أريكته أي سريره المزين بالحلل والأثواب في قبة أو بيت كما للعروس
[ 210 ]
يعني الذي لزم وقعد عن طلب العلم قيل المراد بهذه الصفة للترفه والدعة كما هو عادة المتكبر المتجبر القليل الاهتمام بأمر الدين انتهى (ألا) للتنبيه (وإني) الواو للحال (عن أشياء) متعلق بالنهي فحسب ومتعلق الوعظ والأمر محذوف أي بأشياء (إنها) أي الأشياء المأمورة والمنهية من على لساني بالوحي الخفي قال تعالى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى (لمثل القران) أي في المقدار (أو أكثر) أي بل أكثر قال المظهر أو أكثر ليس للشك بل إنه عليه الصلاة والسلام لا يزال يزداد علما طورا بعد طور إلهاما من قبل الله ومكاشفة لحظة فلحظة فكوشف له أن ما أوتى من الأحكام غير القران مثله ثم كوشفت له ب الزيادة مفصلا به ذكره الأبهري وفيه تأمل كذا في المرقاة للقاري (لم يحل) من الأحلال (بيوت أهل الكتاب) يعني أهل الذمة الذين قبلوا الجزية (إلا بإذن) أي إلا أن يأذنوا لكم بالطوع والرغبة (إذا أعطوكم الذي عليهم) أي من الجزية والحاصل عدم التعرض لهم بإيذائهم في المسكن والأهل والمال إذا أعطوا الجزية وإذا أبو عنها انتقضت ذمتهم وحل دمهم ومالهم ونساؤهم وصاروا كأهل الحرب في قول صحيح كذا ذكره ابن الملك قال المنذري في إسناده أشعث بن شعبة المصيصي وفيه مقال (فتظهرون) أي تغلبون (فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم) أي يجعلون أموالهم وقاية لأنفسهم (قال سعيد في حديثه فيصالحونكم على صلح) أي قال سعيد بن منصور في روايته فيصالحونكم على صلح في موضع فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم (ثم اتفقا) أي مسدد وسعيد (لا يصلح لكم) أي لا يحل لكم قال في النيل فيه دليل على أنه لا يجوز
[ 211 ]
للمسلمين بعد وقوع الصلح بينهم وبين الكفار على شئ أن يطلبوا منهم زيادة عليه فإن ذلك من ترك الوفاء بالعهد ونقض العقد وهما محرمان بنص القران والسنة قال المنذري في إسناده رجل مجهول (عن عدة) أي جماعة (من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل كونهم من الصحابة أو التابعين (عن ابائهم) أي الصحابة (دنية) قال السيوطي بكسر الدال المهملة وسكون النون وفتح الياء المثناة التحتية وأعربه النحاة مصدرا في موضع الحال انتهى والمعنى لاصقي النسب (ألا) للتنبيه (معاهدا) بكسر الهاء أي ذميا أو مستأمنا (أو انتقصه) أي نقص حقه وقال الطيبي أي عابه لما في الأساس استنقصه بن وانتقصه عابة انتهى (أو كلفه فوق طاقته) أي في أداء الجزية أو الخراج بأن أخذ ممن لا يجب عليه الجزية أو أخذ ممن يجب عليه أكثر مما يطيق (فأنا حجيجه) أي خصمة ومحاجة ومغالبه بإظهار الحجج عليه والحجة الدليل والبرهان يقال حاججه هذه حجاجا ومحاجة فأنا محاج وحجيج فعيل بمعنى فاعل كذا في النهاية قال المنذري فيه أيضا مجهولون 34 في الذمي الخ وفي بعض النسخ الذي مكان الذمي وقوله في بعض السنة أي في بعض الحول (عن قابوس) هو ابن أبي ظبيان (ليس على مسلم جزية) قال الخطابي هذا يتأول على وجهين أحدهما أن معنى الجزية الخراج فلو أن يهوديا أسلم فكان في يده أرض صولح عليها وضعت عن رقبته الجزية وعن أرضه الخراج وهو قول سفيان الثوري والشافعي قال سفيان
[ 212 ]
وإن كانت الأرض مما أخذت عنوة ثم أسلم صاحبها وضعت عنه الجزية وأقر على أرضه الخراج والوجه الآخر أن الذمي إذا أسلم وقدم بعض الحول لم يطالب بحصة ما مضى من السنة كما لا يطالب المسلم بالصدقة إذا باع الماشية قبل مضي الحول لأنها حق تجب باستكمال الحول انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وذكر أنه روى عن أبي ظبيان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وذكر أبو داود أن سفيان يعني الثوري سئل عن تفسير هذا فقال إذا أسلم فلا جزية عليه ظبيان بفتح الظاء المعجمة وقيل بكسرها وبعد الظاء باء موحدة وياء اخر الحروف مفتوحة وبعد الألف نون وقابوس ابن أبي ظبيان لا يحتج بحديثه 35 في الإمام يقبل الخ (بحلب) بفتح الحاء المهملة واللام اسم بلدة (أنا الذي ألى) بصيغة المتكلم من الولاية أي أتولى (ذلك) أي أمر النفقة (منه) أي من النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا المشرك) أي ذلك المشرك الذي قال لبلال لا تستقرض من أحد إلا منى (في عصابة) أي جماعة (يا لباه) أي لبيك (فتجهمني)
[ 213 ]
أي تلقاني بوجه كريه قال في القاموس جهمه سنة كمنعه وسمعه استقبله بوجه كريه كتجهمه (فاخذك قبل بالذي عليك) أي آخذك على رأس الشهر في مقابلة ما عليك من المال وأتخذك عبدا في مقابلة ذلك المال قاله في الفتح الودود (فأخذ في نفسي) أي من الهم (العتمة) أي العشاء (كنت أتدين منه) أي اخذ الدين منه (وهو فاضحي) اسم فاعل مضاف إلى ياء المتكلم قال في القاموس فضحه كمنعه كشف مساويه (أن آبق) أي أذهب وأفر (إلى بعض هؤلاء الأحياء) جمع حي بمعنى قبيلة (ما يقضي عني) أي الدين (جرابي) بكسر الجيم وعاء من إهاب الشاء ونحوه وقراب السيف (ومجني) المجن بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون الترس (حتى إذا انشق) أي انصدع وطلع قال في النهاية ومنه الحديث فلما شق الفجران أمر بإقامة الصلاة يقال شق الفجر وانشق إذا طلع كأنه شق موضع طلوعه وخرج منه انتهى (عمود الصبح الأول) أي العمود المستطيل المرتفع في السماء وهو الصبح الكاذب دون الفجر الأحمر المنتشر في أفق السماء فإنه الصبح الصادق والمستطير فبين الصبحين يحيى ساعة لطيفة فإنه يظهر الأول وبعد ظهوره يظهر الثاني ظهورا بينا فالفجر الذي يتعلق به الأحكام هو الفجر الثاني فيدخل وقت الصوم ووقت صلاة الصبح بطلوع الفجر واستنارته وإضاءته وهو انصداع الفجر الثاني المعترض بالضياء في أقصى المشرق ذاهبا من القبلة إلى دبرها حتى يرتفع فيعم الأفق وينتشر على رؤوس الجبال والقصور المشيدة والمعنى أني أردت أن أسير في الصبح الكاذب لكيلا يعرفني أحد لظلمة
[ 214 ]
آخر الليل والله أعلم (ركائب) جمع ركوبه وهو ما يركب عليه من كل دابة (بقضائك) أي ما تقضي به الدين (ما فعل ما قبلك) أي ما حال ما عندك من المال هل قضي الدين أم لا (قال انظر) أي اسع في إراحتي الرحمن منه وانظر في أسبابه (حتى تريحني منه) أي تفرغ قلبي منه بأن تنفقه على مصارفه (شفقا) أي خوفا (وعنده ذلك) أي ذلك المال (فهذا الذي سألتني عنه) المخاطب هو عبد الله الهوزني الذي سأل بلالا عن نفقته صلى الله عليه وسلم والحديث يدل على جواز قبول الهدية من المشرك ويعارضه حديث عياض بن حمار الآتي وسيأتي وجه الجمع بينهما والحديث سكت عنه المنذري وفي النيل رجال اسناده ثقات (فاغتمزتها) أي ما ارتضيت تلك الحالة وكرهتها وثقلت علي كذا في فتح الودود
[ 215 ]
(إني نهيت عن زبد المشركين) بفتح الزاي وسكون الموحدة العطاء والرفده وكان قال الخطابي في رد هديته وجهان أحدهما أن يغيظه برد الهدية فيمتغص روى منه فيحمله ذلك على الاسلام والآخر أن للهدية موضعا من القلب وقد روي تهادوا تحابوا ولا يجوز عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يميل بقلبه إلى مشرك فرد الهدية قطعا لسبب الميل وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية النجاشي وليس ذلك بخلاف لقوله نهيت عن زبد المشركين لأنه رجل من أهل الكتاب ليس ب مشرك وقد أبيح لنا طعام أهل الكتاب ونكاحهم وذلك خلاف حكم أهل الشرك انتهى وقد ذكر وجوه أخر للجمع بين الأحاديث القاضية لجواز قبول الهدية وبين حديث عياض بن حمار وإن شئت الوقوف عليها فعليك بالفتح والنيل قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح 36 في إقطاع الأرضين أي إعطائها ولم قال القاضي الإقطاع تعيين قطعة من الأرض لغيره ذكره القاري (أقطعه) أي أعطى وائلا (بحضرموت) اسم بلد باليمن غير منصرف بالتركيب والعلمية وهو بفتح الحاء المهملة والراء والميم وسكون الضاد المعجمة وفي القاموس بضم الميم بلد وقبيلة قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وزاد في رواية وبعث معه معاوية ليقطعها إياه
[ 216 ]
(بقوس) أي جعله آلة الخط (وقال أزيدك أزيدك) قال في الفتح الودود يحتمل أنه استفهام أي أيكفيك هذا القدر أم أزيدك فيه ويحتمل أنه خبر بمعنى قد زدتك أي فلا تطلب الزيادة انتهى وقال شيخ شيخنا مولانا محمد اسحاق رحمه الله تعالى ويحتمل أن يكون معناه أني أزيدك بعد هذا أما الآن فخذ هذا القدر والحديث سكت عنه المنذري (معادن القبلية) قال في المجمع هي منسوبة إلى قبل بفتح القاف والباء وهي ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام وقيل هو بكسر قاف ثم لام مفتوحة ثم باء انتهى وفي النهاية نسبة إلى قبل بفتح القاف والباء وهذا هو المحفوظ في الحديث وفي كتاب الأمكنة القلبة بكسر القاف وبعدها لام مفتوحة ثم باء انتهى (وهي من ناحية الفرع) بضم فاء وسكون راء موضع بين الحرمين قال الزرقاني في شرح الموطأ الفرع بضم الفاء والراء كما جزم به السهيلي وعياض في المشارق وقال في كتابه التنبيهات هكذا قيده الناس وكذا رويناه وحكى عبد الحق عن الأحول اسكان الراء ولم يذكره غيره انتهى فاقتصار صاحب النهاية والنووي في تهذيبه على الاسكان مرجوح قال في الروض بضمتين من ناحية المدينة (لا يؤخذ منها إلا الزكاة) أي لا الخمس فدل ذلك على وجوب زكاة المعدن قال مالك أرى والله أعلم أن لا يؤخذ من المعادن مما يخرج منها شئ حتى يبلغ ما يخرج منها قدر عشرين دينارا عينا أي ذهبا وقدر مائتي درهم فضة وهي خمس أواق وبهذا قال جماعة وقال أبو حنيفة والثوري وغيرهما المعدن كالركاز وفيه الخمس يؤخذ من قليله وكثيره والحديث المذكور مرسل عند جميع رواة الموطأ ووصله البزار من طريق عبد العزيز الدراوردي عن ربيعة عن الحارث ابن بلال بن الحارث المزني عن أبيه وأبو داود من طريق ثور بن يزيد الديلي عن عكرمة عن ابن عباس قاله الزرقاني
[ 217 ]
وقال المنذري هذا مرسل وهكذا رواه مالك في الموطأ مرسلا ولفظه عن غير واحد من علمائهم وقال أبو عمر هكذا في الموطأ عند جميع الرواة مرسلا ولم يختلف فيه عن مالك وذكر أن الدراوردي رواه عن ربيعة عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه وقال أيضا وإسناد ربيعة فيه صالح حسن (جلسيها) بفتح الجيم وسكون اللام نسبة إلى جلس بمعنى المرتفع وقوله غوريها بفتح الغين وسكون الواو نسبة إلى غور بمعنى المنخفض والمراد أعطاها ما ارتفع منها وما انخفض والأقرب ترك النسبة قاله في الفتح الودود (قال غير العباس جلسها وغورها) أي قال غيره بترك النسمة وهو الظاهر والجلس بفتح الجيم وسكون اللام بمعنى النجد أي المرتفع من الأرض والغور بفتح الغين المعجمة وسكون الواو ما انخفض من الأرض (من قدس) بضم القاف وسكون الدال المهملة بعدها سين مهملة وهو جبل عظيم بنجد كما في القاموس وقيل الموضع المرتفع الذي يصلح للزرع كما في النهاية والحديث سكت عنه المنذري (الحنيني) بضم المهملة وبالنون مصغرا هو إسحاق بن إبراهيم (يعني كتاب قطيعة
[ 218 ]
النبي) القطيعة قطعة أرض يقطعها الإمام لأحد (وجرسها وذات النصب) قال في فتح الودود ضبط بفتح جيم وسكون ا لراء والنصب بضمتين وما اطلعت على تعيين المراد بذلك نعم الذي يظهر أنهما قسمان من الأرض انتهى قلت قال في المجمع ذات النصب موضع على أربعة برد من المدينة وقال فيه في مادة جرس الجرسة التي أي الأرض التي تصوت إذا حركت وقلبت انتهى والله تعالى أعلم (ثم اتفقا) أي إسحاق بن إبراهيم الحنيني وحسين بن محمد (زاد ابن النضر) هو محمد شيخ أبي داود (وكتب) هذا كتاب القطيعة (ا بي بن كعب) أي بأمر رسول الله قال المنذري قال أبو عمرو وهو غريب من حديث ابن عباس ليس يرويه عن أبي أويس هكذا في الأصل أي عن أبي أويس عن ثور ويشبه أن يكون ليس يرويه غير أبي عن ثور والله أعلم عن ثور هذا آخر كلامه كثير ابن عبد الله بن عوف المزني لا يحتج بحديثه وأبو أويس عبد الله بن عبد الله أخرج له مسلم في الشواهد وضعفه غير واحد (المأربي) نسبه إلى مأرب كمنزل بلدة باليمن (عن شميز بين) كعظيم (قال ابن المتوكل ابن
[ 219 ]
عبدالمدان) أي قال محمد بن المتوكل في روايته عن شمير بن عبد المدان وأما قتيبة فقال في روايته عن شمير فقط بغير نسبته إلى أبيه (عن أبيض بن حمال) بالمهملة وتشديد الميم له صحبة وكان اسمه اسود وسماه رسول الله أبيض قال القاري (أنه وفد) قال السبكي وفد عليه بالمدينة وقيل بل لقيه في حجة الوداع قاله في مرقاة الصعود (فاستقطعه الملح) أي معدن الملح أي سأله أن يقطعه إياه (قال ابن المتوكل الذي بمأرب) أي قال في روايته فاستقطعه الملح الذي بمأرب ومأرب موضع باليمن غير مصروف (فقطعه) الملح (له) أي لأبيض (ولي) أي أدبر (قال رجل) وهو الأقرع بن حابس على ما ذكره الطيبي وقيل أنه العباس بن مرداس (الماء العد) بكسر العين وتشديد الدال المهملتين أي الدائم الذي لا ينقطع قال في القاموس الماء الذي له مادة لا تنقطع كماء العين والمقصود أن الملح الذي قطعت له هو كالماء العد في حصوله من غير عمل وكد (فانتزع) أي رسول الله ذلك الملح (منه) أي من أبيض قال القاري ومن ذلك علم أن إقطاع المعادن إنما يجوز إذا كانت باطنة لا ينال منها شئ إلا بتعب ومؤنة كالملح والنفط والفيروزج والكبريت ونحوها وما كانت ظاهرة يحصل المقصود منها من غير كد وصنعة لا يجوز إقطاعها بل الناس فيها شركاء كالكلأ ومياه الأودية وأن الحاكم إذا حكم ثم ظهر أن الحق في خلافه ينقض حكمه ويرجع عنه انتهى وقال السيوطي في مرقاة الصعود قال القاضي أبو الطيب وغيره إنما أقطعه على ظاهر ما سمعه منه كمن استفتى في مسألة فصورت له على خلاف ما هي عليه فأفتى فبان له أنها بخلافه فأفتى بما ظهر له ثانيا فلا يكون مخطئا وذلك الحكم ترتب على حجة الخصم فتبين خلافها وليس ذلك من الخطأ في شئ قال السبكي يحتمل أن إنشاء تحريم إقطاع المعادن الظاهرة إنما كان لما رده النبي ويكون إقطاعه قبل ذلك إما جائزا وإما على حكم الأصل أو يكون الإقطاع كان مشروطا بصفة ويرشد إليه قوله في بعض الروايات فلا اذن فإنه يتبين أنه على خلاف الصفة المشروطة في الإقطاع وقيل أن النبي استقاله والظاهر أن استقالته تطييب لقلبه تكرما منه
[ 220 ]
وفي معجم الطبراني أن أبيض قال قد أقلته منه على أن تجعله منى صدقة فقال النبي هو منك صدقة فهذا من النبي مبالغة في مكارم الأخلاق انتهى (عما يحمى) على بناء المفعول (من الأراك) بيان لما هو القطعة من الأرض على ما في القاموس ولعل المراد منه الأرض التي فيها الأراك قال المظهر المراد من الحمي هنا الإحياء إذ الحمى المتعارف لا يجوز لأحد أن يخصه قاله القاري وقال في فتح الودود الأراك بالفتح شجر والمراد أنه سأله الاراك الذي يحمي كأنه قال أي الأراك يجوز أن يحمي يا رسول الله انتهى وفي النيل وأصل الحمى عند العرب أن الر ئيس منهم كان إذا نزل منزلا مخصبا استعوى كلبا على مكان عال فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه والحمى هو المكان وهو المحمي وهو خلاف المباح ومعناه أن يمنع من الإحياء في ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ وترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها وأحاديث الباب تدل على أنه يجوز للنبي ولمن بعده من الأئمة إقطاع المعادن والمراد بالإقطاع جعل بعض الأراضي الموات مختصة ببعض الأشخاص سواء كان ذلك معدنا أو أرضا فيصير ذلك البعض أولى به من غيره ولكن بشرط أن يكون من الموات التي لا يختص بها أحد قال ابن التين إنه إنما يسمى إقطاعا إذا كان من أرض أو عقار وإنما يقطع من الفئ ولا يقطع من حق مسلم ولا معاهد وقد يكون الإقطاع تمليكا وغير تمليك وعلى الثاني يحمل إقطاعه الدور بالمدينة انتهى (قال) أي رسول الله (ما لم تنله) بفتح النون أي لم تصله (أخفاف الإبل) أي ما كان بمعزل من المراعي والعمارات وفيه دليل على أن الإحياء لا يجوز بقرب العمارة لاحتياج البلد إليه لمرعى مواشيهم وإليه أشار بقوله ما لم تنله أخفاف الإبل أي ليكن الإحياء في موضع بعيد لا تصل إليه الإبل السارحة وفي الفائق قيل الأخفاف مسان الإبل قال الأصمعي الخف الجمل المسن والمعنى أن يا قرب من المرعى لا يحمي بل يترك لمسان الإبل وما في معناها من الضعاف التي لا تقوى على الإمعان في طلب المرعى كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب هذا آخر كلامه وفي إسناده محمد بن يحيى بن قيس السبأي المأربي قال ابن عدي أحاديثه
[ 221 ]
مظلمة منكرة وذكر أبو داود عن محمد بن الحسن المخزومي قال ما لم تنله أخفاف الإبل يعني أن الإبل تأكل منتهى رؤسها ويحمي ما فوقه وذكر الخطابي وجها آخر وهو أنه إنما يحمي من الأراك ما بعد من حضرة العمارة فلا تبلغه الإبل الرائحة إذا أرسلت في الرعي انتهى كلام المنذري (يعني أن الإبل تأكل الخ) حاصله أن ذاك هو ما لم تنله أفواهها حال مشيها على أخفافها كذا في فتح الودود (عن حمى الأراك) الأراك شجر معروف يتخذ منه السواك ويقال له بالفارسية درخت بيلو (أراكة في حظاري) أراد الأرض التي فيها الزرع المحاط عليها كالحظيرة ويفتح الحاء وتكسر وكانت تلك الأراكة في أرض أحياها فلم يملكها وملك الأرض دونها إذ كانت مرعى للسارحة قاله في المجمع وكذا قال الخطابي في المعالم وزاد فأما الأراكة إذا نبت في ملك رجل فإنه محمى لصاحبه غير محظور عليه تملكه والتصرف فيه فلا فرق بينه وبين سائر الشجر الذي يتخذه الناس في أراضيهم والله أعلم انتهى (قال فرج) هو ابن سعيد والحديث سكت عنه المنذري (قال عمر) أي ابن الخطاب أبو حفص المذكور (وهو) أي أبان (غزا ثقيفا) أي في غزوة الطائف في شوال سنة ثمان (يمد) من الإمداد أي يعين (عهد الله) بالنصب مفعول جعل (هذا القصر) أي قصر ثقيف (فلم يفارقهم) أي لم يفارق صخر ثقيفا (فدعا لأحمس عشر دعوات)
[ 222 ]
وكان صخرا حمسيا عند (في خيلها) أي في فرسان أحمس وهو ركاب الخيل كما في قوله تعالى وأجلب عليهم بخيلك ورجلك أي بفرسانك ومشاتك (ورجالها) بكسر الراء وبفتح الجيم جمع الراجل وهو من ليس له ظهر يركبه بخلاف الفارس كما في قوله تعالى وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا (وأتاه) أي النبي (القوم) أي قوم ثقيف (فتكلم المغيرة بن شعبة) وهو ثقفي (ودخلت فيما دخل فيه المسلمون) أي دخلت في اسلام (وسأل) أي صخر (ما لبني سليم) كذا في بعض النسخ وفي بعضها بالهمزة وهو الظاهر (فأبو الخ) يعني صخرا وقومه أي امتنعوا من دفع الماء إليهم قال الخطابي يشبه أن يكون أمره برده الماء عليهم إنما هو على معنى استطابة النفس عنه ولذلك كان يظهر في وجهه أثر الحياء والأصل أن الكافر إذا هرب عن ماله فإنه يكون فيئا فإذا صار فيئا وقد ملكه رسول الله ثم جعله لصخر فإنه لا ينتقل ملكه عنه إليهم بإسلامهم فيما بعد ولكنه استطاب نفس صخر عنه ثم رده عليهم تألفا لهم على الاسلام وترغيبا لهم في الدين والله أعلم وأما رد المرأة فقد يحتمل أن يكون على هذا المعنى أيضا كما فعل ذلك في سبي هوازن بعد أن استطاب أنفس الغانمين عنها وقد يحتمل أن يكون الأمر فيها بخلاف ذلك لأن القوم إنما نزلوا على حكم رسول الله فكان السبى والمال والدماء موقوفة على ما يريه الله عز وجل فيهم فرأى رسول الله أن يرد المرأة وأن لا تسبى انتهى قال المنذري صخر هذا هو أبو حازم صخر بن العيلة وهو بفتح العين المهملة وسكون
[ 223 ]
الياء اخر الحروف بعدها لام مفتوحة وتاء تأنيث البجلي الأحمسى عداده في الكوفيين له صحبة والعيلة اسم أمه وقال أبو القاسم البغوي وليس لصخر بن العيلة غير هذا الحديث فيما أعلم هذا آخر كلامه وفي إسناده أبان بن عبد الله بن أبي حازم وقد وثقه يحيى بن معين وقال الإمام أحمد صدوق صالح الحديث وقال ابن عدي وأرجو أنه لا بأس به وقال أبو حاتم بن حبان البستي وكان ممن فحش خطؤه وانفرد بالمناكير (حدثني سبرة) بفتح أوله وسكون الموحدة (في موضع المسجد) أي من بلاد جهينة (تحت دومة) قال في القاموس الدوم شجر المقل والنبق وضخام الشجر انتهى (وإن جهينة) بالتصغير قبيلة (لحقوه) أي النبي (بالرحبة) أي الأرض الواسعة (من أهل ذي المروة) أي أيهم من سكان ذي المروة قال في المراصد ذو المروة قرية بوادي القرى قال ووادي القرى واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى انتهى (فقال) النبي (قد أقطعتها) أي قرية ذي المروة (ثم سألت) الظاهر أن هذا مقول وهب (أباه) أي أبا سبرة (عبد العزيز) بدل من أباه والحديث سكت عنه المنذري
[ 224 ]
(أقطع الزبير نخلا) قال الخطابي النخل مال ظاهر العين ظاهر النفع كالمعادن الظاهرة فيشبه أن يكون إنما أعطاه ذلك من الخمس الذي هو سهمه والله أعلم وكان أبو إسحاق المروزي يتأول إقطاع النبي صلى الله عليه واله وسلم المهاجرين الدور على معنى العارية انتهى والحديث سكت عنه المنذري (ودحيبة) بمهملة وموحدة مصغرة العنبرية مقيوله لأنه من الثالثة (كانتا ربيبتي قيلة) بالتحتانية الساكنة صحابية لها حديث طويل كذا في التقريب (وكانت) أي قيلة أي جدة (أبيهما) الضمير لصفية ودحيبة (أنها) أي قيلة (صحابي) يعني رفيقي (فبايعه) أي النبي (عليه وعلى قومه) الضمير فيهما لحريث (بالدهناء موضع معروف ببلاد تميم) قال في المراصد بالفتح ثم السكون ونون وألف ممدودة وهي من ديار بني تميم وهي من أكثر بلاد الله كلأ مع قلة أعداد مياه انتهى (لا يجاوزها) أي الدهناء يعني بالتصرف عليها (إلا مسافر أو مجاوز) يعني لا بد من مجاوزتهما لكن لا تصرفا بل مرورا (فقال) أي النبي (أكتب له) أي الحريث (فلما رأيته) هذا مقول قيلة (قد أمر له) أي لحريث (بها) أي بالدهناء (شخص بي) على بناء المفعول يقال للرجل إذا أتاه ما يقلقه قد شخص كأنه رفع من الأرض لقلقه وانزعاجه كذا في فتح الودود (وهي) أي الدهناء (السوية من الأرض) سواء الشئ وسطه وأرض سواء سهلة أي مستوية يقال مكان سواء أي متوسط بين المكانين كذا في الصحاح والنهاية
[ 225 ]
والمعنى أن حريثا لم يسألك الأرض المتوسطة بين الأنفع وغير الأنفع بل إنما سألك الدهناء وهي أرض جيدة ومرعى الجمل ولا يستغنى عن الدهناء لمن سكن فيها لشدة احتياجه إليها فكيف تقطعها لحريث خاصة وإنما فيها منفعة عامة لسكانها (مقيد الجمل) على وزن اسم المفعول أي مرعى الجمل ومسرحة فهو لا يبرح منه ولا يتجاوزه في طلب المرعى فكأنه مقيد هناك وفيه من الفقه أن المرعى لا يجوز اقتطاعه وأن الكلأ بمنزلة الماء لا يمنع قاله الخطابي (المسكينة) هي قيلة (يسعهم الماء والشجر) وفي بعض النسخ يسعهما بصيغة التثنية قال الخطابي يأمرهما بحسن المجاورة وينهاهما عن سوء المشاركة (يتعاونون على الفتان) يروى بالفتح مبالغة من الفتنة وبضم الفاء جمع فاتن قال الخطابي يقال معناه الشيطان الذي يفتن الناس عن دينهم ويضلهم ويروى الفتان بضم الفاء وهو جماعة الفاتن كما يقال كاهن وكهان قال المنذري وأخرجه الترمذي مختصرا وقال حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن حسان (أم جنوب بنت نميلة) قال الحافظ لا يعرف حالها من السابعة انتهى قال ابن الأثير نميلة بضم النون (عن أمها) الضمير يرجع إلى أم جنوب (سويدة بنت جابر) بدل من أمها قال في التقريب لا تعرف من السادسة (عقيلة) بفتح العين مكبرا قاله ابن الأثير (أسمر بن مضرس) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها مهملة صحابي (إلى
[ 226 ]
ما لم يسبقه) الضمير المنصوب لمن وما موصولة أي من الماء والكلأ والحطب وغيرها من المباحات وفي بعض النسخ ماء (فهو له) أي ما أخذ صار ملكا دون ما بقي في ذلك الموضع فإنه لا يملكه (يتعادون) أي يسرعون والمعاداة الإسراع بالسير (يتخاطون) أي كل منهم يسبق صاحبه في الخط وإعلام ماله بعلامة كذا في فتح الودود وقال في النيل المراد بقوله يتخاطون يعملون على الأرض علامات بالخطوط وهي تسمى الخطط واحدتها خطة بكسر الخاء وأصل الفعل يتخاططون فأدغمت الطاء في الطاء انتهى قال في النهاية الخطط جمع خطة بالكسر وهي الأرض يختطها الانسان لنفسه بأن يعلم عليها علامة ويخط عليها خطا ليعلم أنه قد احتازها انتهى قال المنذري غريب وقال أبو القاسم البغوي ولا أعلم بهذا الإسناد حديثا غير هذا (حضر فرسه) بضم المهملة وسكون معجمة أي عدوها ونصبه على حذف مضاف أي قدر ما تعد وعدوة واحدة (حتى قام) أي وقف فرسه ولم يقدر أن يمشي (ثم رمى) أي الزبير (بسوطه) الباء زائدة أي حذفه (فقال) أي النبي (أعطوه) أمر من الإعطاء وأحاديث الباب تدل على أنه يجوز للنبي ولمن بعده من الأئمة إقطاع المعادن والأراضي وتخصيص بعض دون بعض بذلك إذا كان فيه مصلحة قال المنذري في إسناده عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وفيه مقال وهو أخو عبيد الله بن عمر العمري 37 في إحياء الموات بفتح الميم هو أرض لم تزرع ولم تعمر ولا جرى عليها ملك أحد وإحياؤها مباشرة عمارتها وتأثير شئ فيها قاله في المجمع
[ 227 ]
(من أحيى أرضا ميتة) الأرض الميتة هي التي لم تعمر شبهت عمارتها بالحياة وتعطيلها بالموت قال الزرقاني ميتة بالتشديد قال العراقي ولا يقال بالتخفيف لأنه إذا خفف تحذف منه تاء التأنيث والميتة والموات والموتان بفتح الميم والواو التي لم تعمر سميت بذلك تشبيها لها بالميتة التي لا ينتفع بها لعدم الانتفاع بها بزرع أو غرس أو بناء أو نحوها انتهى قال الخطابي إحياء الموات إنما يكون محفره أخبرنا وتحجيره وإجراء الماء إليه ونحوها من وجوه العمارة فمن فعل ذلك فقد ملك به الأرض سواء كان ذلك بإذن السلطان أو بغير إذنه وذلك أن هذه كلمة شرط وجزاء فهو غير مقصور على عين دون عين ولا على زمان دون زمان وإلى هذا ذهب أكثر العلماء وقال أبو حنيفة لا يملكها بالإحياء حتى يأذن له السلطان في ذلك وخالفه صاحباه فقالا بقول عامة الفقهاء انتهى (ليس لعرق ظالم) قال الخطابي هو أن يغرس الرجل في غير أرضه بغير إذن صاحبها أو يبنى في أرض غيره بغير إذنه فإنه يؤمر بقلعه إلا أن يرضى صاحب الأرض بتركه انتهى وفي النهاية هو أن يجئ الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسا غصبا ليستوجب به الأرض والرواية لعرق بالتنوين وهو على حذف المضاف أي لذي عرق ظالم فجعل العرق نفسه ظالما والحق لصاحبه أو يكون الظالم من صفة صاحب العرق وإن روى عرق بالإضافة فيكون الظالم صاحب العرق والحق للعرق انتهى وفي شرح الموطأ فالظالم صاحب العرق وهو الغارس لأنه تصرف في ملك الغير انتهى والعرق بكسر العين وسكون الراء وقال في المجمع والعرق أحد عروق الشجرة وروى بتنوينه بمعنى لذي عرق ظالم وظالم صفة عرق مجازا أو صفة ذي حقيقة وإن روى عرق بالإضافة يكون الظالم صاحب العرق والحق للعرق أي مجازا انتهى (حق) أي في الإبقاء فيها قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب وذكر أن بعضهم رواه مرسلا وأخرجه النسائي أيضا مرسلا وأخرج الترمذي من حديث وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيى أرضا ميتة فهي له وقال حديث حسن صحيح وأخرجه النسائي بهذا الإسناد ولفظه من أحيى أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العوافي منها فهو صدقة
[ 228 ]
(وذكر مثله) أي مثل الحديث السابق (قال) أي عروة (فلقد خبرني) من باب التفعيل (غرس) الغرس بالفتح نشاندن درخت من باب ضرب (فقضى) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لتضرب) بصيغة المجهول (أصولها) أي أصول النخل (بالفؤس) جمع فأس وهو بالفارسية تبر (لنخل عم) بضم عين مهملة وتشديد ميم قال الخطابي أي طوال واحدها عميم ورجل عميم إذا كان تام الخلق انتهى وقال في المجمع أي تامة في طولها والتفافها جمع عميمة (مكان الذي حدثني) أي في موضع لفظ الذي حدثني المذكور في الرواية السابقة (هذا) أي هذا الكلام الآتي والحاصل أنه كان في الرواية السابقة لفظ فلقد خبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلين الخ وفي رواية وهب عن أبيه عن ابن إسحاق هذه عوض ذلك اللفظ لفظ فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه واله وسلم وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري أن رجلين إلخ (فأنا رأيت الرجل) يعني صاحب النخل (فهو أحق بها) أي بالموات وفي بعض النسخ به وتأنيث الضمير باعتبار أن المراد به الأرض الميتة وتذكيره باعتبار لفظه (الذين جاءوا بالصلوات) فاعل جاءنا (عنه) أي عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث سكت عنه المنذري
[ 229 ]
(من أحاط حائطا) أي جعل وأدار حائطا أي جدارا (على أرض) أي حول أرض موات (فهي) أي فصارت تلك الأرض المحوطة (له) أي ملكا له أي ما دام فيه كمن سبق إلى مباح قال التوربشتي يستدل به من يرى التمليك بالتحجير ولا يقوم به حجة لأن التمليك إنما هو بالإحياء وتحجير الأرض وإحاطته بالحائط ليس من الإحياء في شئ ثم إن في قوله على أرض مفتقر إلى البيان إذ ليس كل أرض تملك بالإحياء قال الطيبي رحمه الله كفي به بيانا قوله أحاط فإنه يدل على أنه بنى حائطا مانعا محيطا بما يتوسطه من الأشياء نحو أن يبني حائطا لحظيرة غنم أو زريبة للدواب قال النووي رحمه الله إذا أراد زريبة للدواب أو حظيرة يجفف فيها الثمار أو يجمع فيها الحطب والحشيش اشترط التحويط ولا يكفي نصب سعف وأحجار من غير بناء كذا في المرقاة قال المنذري قد تقدم الكلام على اختلاف الأئمة في سماع الحسن من سمرة (قال هشام) وهو ابن عروة (العرق الظالم أن يغرس إلخ) أي معنى قوله العرق الظالم هو أن يغرس إلخ (ما أخذ) بصيغة المجهول وكذا ما بعده (واحتفر) الاحتفار زمين كندن (وغرس) في القاموس غرس الشجر يغرسه أثبته في الأرض كأغرسه لو قال الزرقاني تحت قول مالك وظاهر هذا أن الرواية بالتنوين وبه جزم في تهذيب الأسماء واللغات فقال واختار مالك والشافعي تنوين عرق وذكر نصه هذا ونص الشافعي بنحوه وبالتنوين جزم الأزهري وابن فارس وغيرهما وبالغ الخطابي فغلط من رواه بالإضافة وليس كما قال فقد ثبتت ووجهها ظاهر فلا يكون غلطا فالحديث يروى بالوجهين وقال القاضي عياض أصل العرق الظالم في الغرس يغرسه في الأرض غير ربها ليستوجبها به وكذلك ما أشبهه من بناء أو استنباط ماء أو استخراج معدن سميت عرقا لشبهها في الإحياء بعرق الغرس وفي المنتقى قال عروة وربيعة العروق أربعة عرقان ظاهران البناء والغرس وعرقان باطنان المياه والمعادن فليس للظالم في ذلك حق في بقاء أو انتفاع فمن فعل ذلك في ملك غيره ظلما فلربه أن يأمره بقلعه
[ 230 ]
أو يخرجه منه ويدفع إليه قيمته مقلوعا ومالا قيمة له بقي لصاحب الأرض على حاله بلا عوض انتهى والحديث سكت عنه المنذري (تبوك) بفتح الفوقية وضم الموحدة آخره كاف بينها وبين المدينة أربع عشر مرحلة من طرف الشام غير منصرف وفي بعض النسخ تبوكا بالصرف وكانت تلك الغزوة في رجب سنة تسع (وادي القرى) بضم القاف مدينة قديمة بين المدينة والشام (اخرصوا) بضم الراء والخرص حزر كردن ميوه يكون بردرخت مع وكشت برزمين سعيد وعند مسلم فخرصنا (أحصى) بفتح الهمزة من الإحصاء وهو العد أي احفظي قدر (ما يخرج منها) كيلا (فأهدى) يوحنا بن روبة (ملك أيلة) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية بعدها لام مفتوحة بلدة قديمة بساحل البحر (وكساه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (بردة) الضمير المنصوب عائد على ملك أيلة وهو المكسوء بكر والضمير المرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم (وكتب) النبي صلى الله عليه وسلم (له) أي لملك أيلة (ببحره) بباء موحدة وحاء مهملة ساكنة وفي رواية البخاري ببحرهم أي بأرضهم وبلدهم والمراد أهل بحرهم لأنهم كانوا سكانا بساحل البحر والمعنى أنه أقره عليهم بما التزمه من الجزية ولفظ الكتاب كما ذكره محمد بن إسحاق بعد البسملة هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليوحنا بن روبة وأهل أيلة أساقفتهم وسائرهم في البر والبحر لهم ذمة الله وذمة النبي ومن كان معه من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه وأنه طيب لمن أخذه من الناس وأنه لا يحل أن يمنعوه ماء يردونه من بر أو بحر هذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كم كان في حديقتك) أي ثمرها ولمسلم فسأل المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها (عشرة أوسق) بنصب عشرة على نزع الخافض أي بمقدار عشرة أوسق (خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم) مصدر منصوب بدل من عشرة أو عطف بيان لها (فليتعجل)
[ 231 ]
وفي فوائد للحافظ أبي علي بن خزيمة أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا من المدينة أخذ طريق غراب لأنها أقرب إلى المدينة وترك الأخرى قال في الفتح ففيه بيان قوله إني متعجل إلى المدينة أي إني سالك الطريق القريبة فمن أراد فليأت معي يعني ممن له إقتدار قد على ذلك دون بقية الجيش كذا في إرشاد السارى شرح البخاري للقسطلاني وأوسق وفي بضم السين جمع وسق وهو ستون صاعا قال المزي في الأطراف والحديث أخرجه البخاري في الزكاة والحج والمغازي وفي فضل الأنصار ببعضه ومسلم في فضل النبي صلى الله عليه وسلم والحج وأما مطابقة الحديث من الباب فيشبه أن يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر المرأة على حديقتها ولم ينتزع عنها لأن من أحيا مواتا فهو أحق به فالمرأة أحيت الأرض بغرس النخل والأشجار فثبت لها الحق والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (أنها كانت تفلى) في القاموس فلى رأسه بحثه عن القمل (أنها تضيق عليهن ويخرجن) بصيغة المجهول (منها) أي من المنازل قال في فتح الودود إذا مات زوج واحدة فالدار يأخذها الورثة وتخرج المرأة وهي غريبة في دار الغربة فلا تجد مكانا آخر فتتعب لذلك انتهى (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تورث) بصيغة المجهول بشدة الراء من باب التفعيل (دور المهاجرين) جمع دار مفعول تورث (النساء) نائب الفاعل أي نساء المهاجرين فلا تخرج نساء المهاجرين من دار أزواجهم بعد موتهم بل تسكن فيها على سبيل التوريث والتمليك قال الخطابي وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقطع المهاجرين الدور بالمدينة فتأولوها على وجهين أحدهما أنه إنما كان أقطعهم العرصة ليبنوا فيها الدور فعلى هذا الوجه يصح ملكهم في البناء الذي أحدثوه في العرصة
[ 232 ]
والوجه الآخر أنهم إنما أقطعوا الدور عارية وإليه ذهب أبو إسحاق المروزي وعلى هذا الوجه لا يصح الملك فيها وذلك أن الميراث لا يجري إلا في ما كان الموروث مالكا له وقد وضعه أبو داود في باب إحياء الموات وقد يحتمل أن يكونوا إنما أحيوا تلك البقاع بالبناء فيها إذ كانت غير مملوكة لأحد قبل والله أعلم وقد يكون نوع من الإقطاع إرفاقا من غير تمليك وذلك كالقاعد في الأسواق والمنازل في الأسفار فإنما يرتفق بها ولا تملك فأما توريثه الدور لنساء المهاجرين خصوصا فيشبه أن يكون ذلك على معنى القسمة بين الورثة وإنما خصهن بالدور لأنهن بالمدينة غرائب لا عشيرة لهن بها فحاز لهن الدور لما رأى من المصلحة في ذلك وفيه وجه آخر وهو أن تكون تلك الدور في أيديهن مدة حياتهن على سبيل الإرفاق بالسكنى دون الملك كما كانت دور النبي صلى الله عليه واله وسلم وحجره في أيدي نسائه بعده لا على سبيل الميراث فإنه صلى الله عليه وآله وسلم قال نحن لا نورث ما تركناه صدقة انتهى كلام الخطابي والحديث سكت عنه المنذري وحكى صاحب الفتح عن ابن التين أنه إنما يسمى إقطاعا إذا كان من أرض أو عقار وإنما يقطع من الفئ ولا يقطع من حق مسلم ولا معاهد قال وقد يكون الإقطاع تمليكا وغير تمليك وعلى الثاني يحمل على إقطاعه صلى الله عليه وسلم الدور بالمدينة قال الحافظ كأنه يشير إلى ما أخرجه الشافعي مرسلا ووصله الطبري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الدور يعني أنزل المهاجرين في دور الأنصار برضاهم انتهى 38 ما جاء في الدخول في أرض الخراج (عن معاذ) هو ابن جبل رضي الله عنه (من عقد الجزية الخ) أي إذا اشترى أرضا خراجية من كافر لزمه خراجها والخراج قسم من الجزية فصار كأنه عقد الجزية في عنقه ولا
[ 233 ]
شك أن إلزام الجزية ليس من طريق السنة فلعل ذلك هو المعنى بالبراءة كذا في فتح الودود قال المنذري أبو عبد الله لم ينسب انتهى قال المزي وهو الأشعري انتهى قلت هو الأشعري الدمشقي روى عنه أبو صالح الأشعري وثقة ابن حبان وقال أبو زرعة لم أجد أحدأ سماه انتهى وقال بعضهم إن اسمه مسلم (يزيد بن خمير) بالخاء المعجمة مصغرا (بجزيتها) أي بخراجها لأن الخراج يلزم بشراء الأرض الخراجية قال الخطابي معنى الجزية ها هنا الخراج ودلالة الحديث أن المسلم إذا اشترى أرضا خراجية من كافر فإن الخراج لا يسقط عنه وإلى هذا ذهب أصحاب الرأي إلا أنهم لم يروا فيما أخرجت من حب عشرا وقالوا لا يجتمع الخراج والعشر وقال عامة أهل العلم العشر عليه أوجب فيما أخرجته الأرض من الحب إذا بلغ خمسة أوسق انتهى والخراج عند الشافعي على وجهين أحدهما جزية والآخر كراء وأجرة فإذا فتحت الأرض صلحا على أن أرضها لأهلها فما وضع عليها من خراج فمجراه كل مجرى الجزية التي تؤخذ من رؤسهم فمن أسلم منهم سقط ما عليه من الخراج كما يسقط ما على رقبته من الجزية ولزمه العشر فيما أخرجت أرضه وإن كان الفتح إنما وقع على أن الأرض للمسلمين ويؤدوا في كل سنة عنها شيئا والأرض للمسلمين وما يؤخذ منهم عنها فهو أجرة الأرض سواء من أسلم منهم أو أقام على كفره فعليه إذا ما اشترط عليه ومن باع منهم شيئا من تلك الأرضين فبيعه باطل لأنه باع ما لا يملكه وهذا سبيل أرض السواد عنده انتهى (فقد استقال هجرته) أي أقرب ذلك من استقالة الهجرة وذلك أن المسلم إذا أخذ الأرض الخراجية من الذمي بيعا أو إجارة مثلا يلزمه خراج تلك الأرض ويكون قائما مقام الذمي في الأداء وراجعا إلى تلك الأرض بعد أن كان تاركا لها فيكون كالمستقل بهجرته لأن الهجرة عبارة عن ترك أراضي الكفر (صغار كافر) بفتح الصاد المهملة أي ذله وهو أنه (ظهره) الضمير لمن
[ 234 ]
والمعنى أي قرب من أن يولي ظهره إلى الإسلام وذلك لأن الكافر ذليل بأداء الخراج وإذا أخذ المسلم تلك الأرض منه رجع الذل إليه فيكون كما لو نزع الذل من عنقه ثم جعله في عنق نفسه والإسلام عزيز والكفر ذليل وإذا اختار المسلم الذل فقد ولي ظهره الإسلام قال الشيخ العلامة اردبيلي في الأزهار شرح المصابيح الحديث فيه نهى عن شري أرض الخراج من الذمي وغيره لما فيه من المذلة والمؤمن لا يذل نفسه وكذا الاستيجار وقال العلماء والأرض الخراجية أنواع أحدها أن يفتح امام بلدة قهرا ويقسمها بين الغانمين ثم يعوضهم ثمنها ويقفها على المسلمين ويضرب عليها خراجا كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق والثاني أن يفتح امام بلدة صلحا على أن تكون الأراضي لنا ويسكنها الكفار بالخراج فالأرض فئ والخراج أجرة لا يسقط بإسلامهم والثالث أن يفتحها صلحا على أن تكون الأراضي لهم ويسكنونها بالخراج فهذا الخراج جزية فيسقط بإسلامهم والحديث عند العلماء مشروح بهذا النوع ولم يختص به انتهى وفي الهداية وقد صح أن الصحابة رضي الله عنهم اشتروا أراضي الخراج وكانوا يؤدون خراجها انتهى قال البيهقي في المعرفة وكان لابن مسعود ولخباب بن الأرت ولحسين بن علي ولشريح أرض الخراج ثم روى بإسناده عن عتبة بن فرقد السلمي أنه قال لعمر بن الخطاب إني اشتريت أرضا من أرض السواد فقال عمر أنت فيها مثل صاحبها ثم أخرج من طريق قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال أسلمت امرأة من أهل بهز الملك فكتب عمر بن الخطاب إن اختارت أرضها وأدت ما على أرضها فخلوا بينها وبين أرضها وإلا فخلوا بين المسلمين وبين أرضهم ولفظ عبد الرزاق وابن أبي شيبة أن دهقانة من أهل بهز الملك أسلمت فقال عمر ادفعوا إليها أرضها يؤدي عنها الخراج وأخرجا أيضا عن زبير بن عدي أن دهقانا أسلم على عهد علي فقال علي إن أقمت في أرضك رفعنا الجزية عن رأسك وأخذناها من أرضك وإن تحولت عنها فنحن أحق بها وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر وعلي أنهما قالا إذا أسلم وله
[ 235 ]
أرض وضعنا عنه الجزية وأخذنا خراجها انتهى (قال) أي سنان بن قيس (فإذا قدمت) أي إلى شبيب (فسله) أي سل شبيبا عن هذا الحديث (فليكتب) أي شبيب (فكتب له) أي فكتب شبيب الحديث لخالد (فلما قدمت) أي إلى خالد (القرطاس) أي المكتوب (هذا يزيد بن خمير الخ) حاصله أن يزيد بن خمير رجلان أحدهما اليزني بفتح التحتانية والزاي ثم نون الراوي عن أبي الدرداء والثاني الهمداني الزبادي صاحب شعبة فالمذكور في الإسناد هو الأول لا الثاني قال المنذري في إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال 39 في الأرض يحميها الإمام أو الرجل (عن الصعب بن جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة (لا حمي) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم المفتوحة بمعنى المحمي وهو مكان يحمي من الناس والماشية ليكثر كلؤه (إلا لله ولرسوله) قال الشافعي يحتمل معنى الحديث شيئين أحدهما ليس لأحد أن يحمي للمسلمين إلا ما حماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والآخر معناه إلا على مثل ما حماه عليه النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الأول ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي وعلى الثاني يختص الحمى بمن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الخليفة خاصة قال في الفتح وأخذ أصحاب الشافعي من هذا أن له في المسألة قولين والراجح عندهم الثاني والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ انتهى ومن أصحاب الشافعي من ألحق بالخليفة ولاة الأقاليم
[ 236 ]
قال الحافظ ومحل الجواز مطلقا أن لا يضر بكافة المسلمين انتهى كذا في النيل وقال في النهاية قيل كان الشريف في الجاهلية إذا أنزل أرضا في حيه استعوى كلبا فحمى مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره وهو يشارك القوم في سائر ما يرعون فيه فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأضاف الحمى إلى الله تعالى ورسوله أي إلا ما يحمي للخيل التي ترصد للجهاد والإبل التي يحمل عليها في سبيل الله وإبل الزكاة وغيرها كما حمى عمر بن الخطاب النقيع لنعم الصدقة والخيل المعدة في سبيل الله انتهى (حمى النقيع) قال في مرقاة الصمود هو بالنون موضع قريب من المدينة كان يستنقع فيه الماء أي يجتمع انتهى والحديث سكت عنه المنذري (لا حمى إلا للهعز وجل) تقدم شرحه وقد ظن بعضهم أن بين الأحاديث القاضية بالمنع من الحمى والأحاديث القاضية بجواز الإحياء معارضة ومنشأ هذا الظن عدم الفرق بينهما وهو فاسد فإن الحمى أخص من الإحياء مطلقا قال ابن الجوزي ليس بين الحديثين معارضة فالحمى المنهى عنه ما يحمي من الموات الكثيرة العشب لنفسه خاصة كفعل الجاهلية والإحياء المباح ما لا منفعة للمسلمين فيه شاملة فافترقا قال وإنما تعد أرض الحمى مواتا لكونها لم يتقدم فيها ملك لأحد لكنها تشبه العامرة لما فيها من المنفعة العامة كذا في النيل قال المنذري وأخرجه النسائي ولم يذكر النقيع ما جاء في الركاز وما فيه ليس في بعض النسخ لفظ وما فيه
[ 237 ]
(في الركاز الخمس) كذا أورده أبو داود مختصرا وقد جاء هذا الحديث مطولا بلفظ العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس الركاز بكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي المال المدفون مأخوذ من الركز يقال ركزه يركزه إذا دفنه فهو مركوز وهذا متفق عليه قال مالك والشافعي الركاز دفن الجاهلية وقال أبو حنيفة والثوري وغيرهما إن المعدن ر كاز واحتج لهم بقول العرب أركز الرجل إذا أصاب ركاز أو هي قطع من الذهب تخرج من المعادن وخالفهم في ذلك الجمهور فقالوا لا يقال للمعدن ركاز واحتجوا بما وقع في حديث أبي هريرة من التفرقة بينهما بالعطف فدل ذلك على المغايرة وخص الشافعي الركاز بالذهب والفضة وقال الجمهور لا يختص واختاره ابن المنذر كذا في النيل وتفصيله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المعدن جبار وفي الركاز الخمس عطف الركاز على المعدن وفرق بينهما في الحكم فعلم منه أن المعدن ليس بركاز عند النبي صلى الله عليه وسلم بل هما شيئان متغائران فلا ولو كان المعدن ركازا عنده لقال المعدن جبار وفيه الخمس ولما لم يقل ذلك ظهر أنه غيره لأن العطف يدل على المغايرة قال الحافظ ابن حجر والحجة للجمهور التفرقة من النبي صلى الله عليه وسلم بين المعدن والركاز بواو العطف فصح أنه غيره وقال الخطابي الركاز على وجهين فالمال الذي يوجد مدفونا لا يعلم له مالك ركاز لأن صاحبه قد كان ركزه في الأرض أي أثبته فيها والوجه الثاني أن الركاز عروق الذهب والفضة فتستخرج بالعلاج ركزها الله في الأرض ركزا والعرب تقول أركز المعدن إذا أنال الركاز والحديث إنما جاء في النوع الأول منهما وهو الكنز الجاهلي على ما فسر الحسن وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة نيله والأصل أن ما خفت مؤنته كثر مقدار الواجب فيه وما كثرت مؤنته قل مقدار الواجب فيه كالعشر فيما يسقى بالأنهار ونصف العشر فيما سقى بالدواليب انتهى وقد اعترض الإمام الحجة البخاري في صحيحه على الإمام القدوة أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه كيف ترك المنطوق من الشارع وأدخل المعدن في الركاز وحكم بأخذ الخمس مع أن الشارع مصرح بخلافه وتعامل السلف يكفي لتعيين مراده
[ 238 ]
ولو قيل من قبل الحنفية إن التناول اللغوي يساعده يقال له إن التناول اللغوي لم يثبت عند أهل الحجاز كما سلف قول الخطابي وقال ابن الأثير عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن تحتملهما اللغة لأن كلا منهما مركوز في الأرض أي ثابت يقال ركزه يركزه ركزا إذا دفنه وأركز الرجل إذا وجد الركاز والحديث إنما جاء في التفسير الأول وهو الكنز الجاهلي وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه انتهى وقال الحافظ الهروي في الغريب اختلف أهل العراق وأهل الحجاز في تفسيره قال أهل العراق هو المعادن وقال أهل الحجاز هو كنوز أهل الجاهلية وكل محتمل في اللغة انتهى وقال الزركشي في التنقيح الركاز هو المال العادي المدفون في الجاهلية انتهى وقال الجوهري في الصحاح الركاز دفين أهل الجاهلية كأنه ركز في الأرض ركزا وفي الحديث في الركاز الخمس تقول منه أركز الرجل إذا وجده انتهى وفي المصباح الركاز المال المدفون في الجاهلية فعال بمعنى مفعول كالبساط بمعنى المبسوط والكتاب بمعنى المكتوب ويقال هو المعدن وأركز الرجل اركازا منه وجد ركازا انتهى فظهر من كل ذلك أن التناول اللغوي لا يصح عند أهل الحجاز لأنهم لا يطلقون الركاز على المعادن ولا شبهه أن النبي الحجازي صلى الله عليه وسلم تكلم بلغة أهل الحجاز وأراد به ما يريدون منه ولذا قال أهل الحديث إنه هو المراد عند الشارع وصرح أهل اللغة أنه هو المراد في الحديث لكونه لغة أهل الحجاز ولذا اقتصر الجوهري والزركشي على تفسير أهل الحجاز ولذا مرض أيضا صاحب المصباح التفسير الثاني لأنه لا يوافق لغة أهل الحجاز فمن استدل بعد ذلك بالتناول اللغوي فقد أخطأ ولو سلم التناول اللغوي وأغمض النظر عن جميع ذلك فالتناول اللغوي لا يستلزم التناول في حكم شرعي إذا نطق الشارع بالتفرقة بينهما وتفصيل الكلام في رفع الالتباس عن بعض الناس فليرجع إليه قال الحافظ واختلفوا في مصرفه فقال مالك وأبو حنيفة والجمهور مصرفه مصرف خمس الفئ وهو اختيار المزني
[ 239 ]
وقال الشافعي في أصح قوليه مصرفه مصرف الزكاة وعن أحمد روايتان واتفقوا على أنه لا يشترط فيه الحول بل يجب إخراج الخمس في الحال انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا انتهى (عن الحسن قال الركاز الكنز العادي) أي الجاهلي ويقال لكل قديم عادي ينسبونه إلى عاد وإن لم يدركهم وتفسير الحسن هذا ليس في رواية اللؤلؤي وقال المزي في الأطراف قول الحسن أخرجه أبو داود في الخراج عن يحيى بن معين عن عباد بن العوام عن هشام بن حسان الفردوسي وهو في رواية ابن داسة (قريبة) بالقاف مصغرا مقبولة (عن ضباعة) قال في المغنى بضم المعجمة وخفة الموحدة وبعين مهملة هي بنت الزبير ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم (ببقيع الخبخبة) بفتح الخائين المعجمتين وسكون الباء الأولى موضع بنواحي المدينة كذا في النهاية (فإذا جرذ) بضم الجيم وفتح الراء المهملة وبالذال المعجمة نوع من الفأر وقيل الذكر الكبير من الفأر (من حجر) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة أي ثقبة (هل هويت إلى الحجر) كذا في أكثر النسخ وفي نسخة الخطابي هل أهويت من باب الافعال وهو الظاهر قال في المجمع وهل أهويت إلى الجحر أي مدت إليه يدك يعني لو فعله صار ركازا لأنه يكون قد أخذه بشئ من فعله فيجب فيه الخمس وإنما جعله في حكم اللقطة لما لم يباشر الجحر انتهى
[ 240 ]
ورواية ابن ماجه لعلك اتبعت يدك في الجحر (بارك الله لك فيها) قال الخطابي هذا لا يدل على أنه جعلها له في الحال ولكنه محمول على بيان الأمر في اللقطة التي إذا عرفت سنة فلم تعرف كانت لآخذها انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده موسى بن يعقوب الزمعي وثقه يحيى بن معين وقال ابن عدي وهو عندي لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي نبش القبور العادية الخ معنى العادية القديمة ومن عادتهم أنهم ينسبون الشئ القديم إلى عاد قوم هود عليه السلام والنبش ابراز المستور وكشف الشئ عن الشئ ومنه النباش (عن مجير) بجيم مصغرا (ابن أبي بجير) بالتصغير قال الحافظ مجهول (هذا قبر أبي رغال) قال في القاموس أبو رغال ككتاب في سنن أبي داود ودلائل النبوة وغيرهما عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه أصابته النقمة الحديث وقول الجوهري كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق غير جيد وكذا قول ابن سيدة كان عبد الشعيب وكان عشارا جائرا انتهى كلام صاحب القاموس (يدفع عنه) أي العقوبة (فلما خرج) أي عن الحرم (أصابته النقمة) بكسر النون أي العقوبة (وآية ذلك) أي علامته (أنه) أي الشأن (دفن معه غصن) لعل المراد منه قطعة من ذهب كالغصن قاله في فتح الودود وفي شرح المواهب غصن بضم المعجمة واحد الأغصان وهي أطراف الشجر والمراد به هنا قضيب من ذهب كان يتوكأ عليه وكان نحو نيف وعشرين رطلا فيما قيل
[ 241 ]
قال الخطابي هذا سبيله سبيل الركاز لأنه مال من دفن الجاهلية لا يعلم مالكه وكان أبو رغال من بقية قوم أهلكهم الله عز وجل ولم يبق لهم نسل ولا عقب فصارحكم : ذلك المال حكم الركاز وفيه دليل على جواز نبش قبور المشركين إذا كان فيهم إرب أو نفع لمسلم وأن ليست حرمتهم كحرمة المسلمين والله تعالى أعلم انتهى كلام الخطابي وفي تاج العروس شرح القاموس قال ابن المكرم ورأيت في هامش الصحاح أبو رغال اسمه زيد بن مخلف عبد كان لصالح النبي صلى الله عليه وسلم بعثه مصدقا وأنه أتى قوما ليس لهم لبن إلا شاة واحدة ولهم صبي قد ماتت أمه فهم يعاجونه بلبن تلك الشاة يعني يغذونه فأبى أن يأخذ غيرها فقالوا دعها نحايي غير بها هذا الصبي فأبى فيقال إنه نزلت قارعة من السماء ويقال بل قتله رب الشاة فلما فقده صالح صلى الله عليه وسلم قام في الموسم ينشد الناس فأخبر بصنيعه فلعنه فقبره بين مكة والطائف يرجمه الناس انتهى وفي إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون ومر صلى الله عليه وسلم بقبر فقال أبي رغال وهو أبو ثقيف أي وكان من ثمود قوم صالح وقد أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان ثم دفن فيه بعد أن كان بالحرم ولم تصبه تلك النقمة فلما خرج من الحرم إلى المكان المذكور أصابته النقمة وفي العرائس عن مجاهد قيل له هل بقي من قوم لوط أحد قال لا إلا رجل بقي أربعين يوما وكان بالحرم فجاءه حجر ليصيبه في الحرم فقام إليه ملائكة الحرم فقالوا للحجر ارجع من حيث جئت فإن الرجل في حرم الله تعالى فرجع فوقف خارجا من الحرم أربعين يوما بين السماء والأرض حتى قضى الرجل حاجته وخرج من الحرم إلى هذا المحل أصابه الحجر فقتله فدفن فيه انتهى وفي لسان العرب أبو رغال كنية وقيل كان رجلا عشارا في الزمن الأول جائزا فقبره يرجم إلى اليوم وقبره بين مكة والطائف وكان عبدا لشعيب عليه السلام قال جرير إذا مات الفرزدق فارجموه كما ترمون قبر أبي رغال انتهى وفي جامع الأصول يضرب به المثل في الظلم والشؤم وهو الذي يرجم الحاج قبره إلى ان انتهى وفي سنن الترمذي أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر لتراجعن نساءك أو لأرجمنك قبرك كما رجم قبر أبي رغال والله أعلم بالصواب والحديث سكت عنه المنذري هذا آخر كتاب الخراج والإمارة
[ 242 ]
27 أول كتاب الجنائز ق ال العيني والجنائز جمع جنازة وهي بفتح الجيم اسم للميت المحمول وبكسرها اسم للنعش الذي يحمل عليه الموت ويقال عكس ذلك حكاه صاحب المطالع واشتقاقها من جنز إذا ستر ذكره ابن فارس وغيره ومضارعه يجنز بكسر النون وقال الجوهري الجنازة واحدة الجنائز والعامة تقول الجنازة بالفتح والمعنى للميت على السرير فإذا لم يكن عليه الميت فهو سرير ونعش انتهى الأمراض المكفرة للذنوب أحمد أبو منظور قال في الخلاصة أبو منظور عن عمه وعنه ابن إسحاق مجهول وعامر الرام صحابي له حديث رواه أبو منظور عن عمه عنه انتهى وقال الحافظ في التقريب عامر الرامي المحاربي صحابي له حديث يروى بإسناد مجهول وأبو منظور الشامي مجهول من السادسة انتهى وقال في الإصابة قال البخاري وأبو منظور لا يعرف إلا بهذا انتهى عن عمه قال حدثني عمي عن عامر هكذا في جميع النسخ الحاضرة أي أبو منظور يروي عن عمه وعم أبي منظور يروي عن عمه وعم عمه يروي عن عامر الرام فبين أبي منظور وعامر واسطتان الأول عم أبي منظور والثاني عم عمه وكلاهما مجهولان قال المنذري في الترغيب والحديث رواه أبو داود وفي إسناده راو لم يسم انتهى لكن في أسد الغابة هذا الإسناد هكذا أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بإسناده إلى أبي داود حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبي منظور عن عمه عامر الرامي أخي الخضر ولفظ الإصابة في تمييز الصحابة وروى أحمد وأبو داود من طريق ابن إسحاق عن
[ 243 ]
أبي منظور عن عمه عامر الرامي ففي هذين الكتابين بحذف الواسطتين بعد المذكورتين وأن عامرا هو عم لأبي منظور وقال المزي في الأطراف مسند عامر الرام أخي الخضر قبيلة من محارب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث إني لببلادنا إذا رفعت لنا رايات وألوية الحديث أخرجه أبو داود في الجنائز عن عبد الله بن محمد النفيلي عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني رجل من أهل الشام يقال له أبو منظور الشامي عن عمه قال حدثني عمي عن عامر الرام ورواه محمد بن حميد الرازي عن سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن أبي منظور الشامي عن عمه عن عامر انتهى عن عامر الرام بحذف الياء تخفيفا كما في المتعال أخي الخضر بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين المحاربي من ولد مالك بن مطرف بن خلف بن محارب وكان يقال لولد مالك الخضر لأنه كان شديد الأدمة وكان عامر راميا حسن الرمي فلذلك قيل له الرامي قاله في الإصابة وقال في تاج العروس الخضر بالضم قبيلة وهم رماة مشهورون ومنهم عامر الرامي أخو الخضر وصخر بن الجعد وغيرهما انتهى قال ابن الأثير في أسد الغابة والذهبي في تجريد أسماء الصحابة عامر الرامي الخضري والخضر قبيلة من قيس عيلان ثم من محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان وهم ولد مالك بن طريف بن خلف بن محارب قيل لمالك وأولاده الخضر لأنه كان آدم وكان عامر أرمى العرب انتهى قال النفيلي هو الخضر بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين ولكن كذا قال الراوي أي بفتح الخاء وكسر الضاد والمعنى أنا حفظنا لفظ الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد لكن الصحيح أنه بضم الخاء وسكون الضاد كذا قاله في بعض الأعلام في حاشيته على كتاب الترغيب قال الراوي رايات وألوية قال في المصباح المنير لواء الجيش علمه وهو دون الراية والجمع ألوية فأتيته أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أي النبي صلى الله عليه وسلم جالس عليه أي على الكساء وقد اجتمع إليه أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الأسقام جمع سقم أي الأمراض وثوابها إذا أصابه السقم بفتحتين وبضم فسكون ثم أعفاه الله أي عافاه الله منه أي من ذلك السقم كان أي السقم والصبر عليه وموعظة له أي تنبيها
[ 244 ]
للمؤمن فيتوب ويتقي فيما يستقبل من الزمان قال الطيبي أي إذا مرض المؤمن ثم عوفي تنبه وعلم أن مرضه كان مسببا عن الذنوب الماضية فيندم ولا يقدم على ما مضى فيكون كفارة لها وإن المنافق وفي معناه الفاسق المصر إذا مرض ثم أعفى بمعنى عوفي والإسم منه العافية كان أي المنافق في غفلته عقله أهله أي شدوه وقيدوه وهو كناية عن المرض استئناف مبين لوجه الشبه ثم أرسلوه أي أطلقوه وهو كناية عن العافية فلم يدر أي لم يعلم لم أي لأي سبب عقلوه ولم يدر لم أرسلوه يعني أن المنافق لا يتعظ ولا يتوب فلا يفيد مرضه لا فيما مضى ولا فيما يستقبل فأولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون وما الأسقام قال الطيبي عطف على مقدر أي عرفنا ما يترتب على الأسقام وما الأسقام قم عنا أي تنح وابعد فلست منا أي لست من أهل طريقتنا حيث لم تبتل ببليتنا يقول قد التفت عليه أي لف الرجل كساءه على هذا الشئ فقال الرجل بغيضة شجر أي بمجمع شجر قال في المصباح المنير الغيضة الأجمة وهي الشجر الملتف وجمعه غياض فسمعت فيها أي في الغيضة فراخ طائر بكسر الفاء جمع فرخ وهو ولد الطائر فأخذتهن أي الفراخ فوضعتهن أي الفراخ فكشفت لها أي لأم الفراخ عنهن أي عن الفراخ فوقعت أم الفراخ عليهن أي على الفراخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعهن أي الفراخ لرحم أم الأفراخ قال في القاموس والرحم بالضم وبضمتين التعطف انتهى قال أي رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل ارجع بهن أي بالفراخ فرجع الرجل بهن أي بالفراخ من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى موضعهن والحديث سكت عنه المنذري
[ 245 ]
قال إبراهيم بن مهدي السلمي أي قال إبراهيم في نسب محمد بن خالد إنه السلمي ومحمد بن خالد هو ابن أبي خالد السلمي وقال في الإصابة سماه ابن مندة اللجلاج انتهى وقال ابن الأثير أو خالد السلمي له صحبة سكن الجزيرة حديثه عند أولاده روى أبو المليح عن محمد بن خالد عن أبيه عن جده وكانت له صحبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سبقت للعبد من الله منزلة لم ينلها ابتلاه الله إما بنفسه أو بماله أو بولده ثم يصبره عليها حتى يبلغ به المنزلة التي سبقت له أخرجه ابن مندة وأبو نعيم انتهى وقال المنذري في كتاب الترغيب والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ومحمد بن خالد لم يرو عنه غير أبي المليح الرقي ولم يرو عن خالد إلا ابنه محمد انتهى إن العبد إذا سبقت والحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري في مختصره وقال المزي في الأطراف هذا الحديث في رواية ابن العبد وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى باب إذا كان الرجل الخ (السكسكي) بفتح المهملتين وسكون الكاف الأولى كذا في المغنى وهي قبيلة ينسب
[ 246 ]
إليها مخلاف باليمن كذا في المراصد (فشغله) أي العبد (عنه) أي عن العمل (كتب له) أي للعبد (وهو) أي العبد والواو للحال قال المنذري والحديث أخرجه البخاري 2 عيادة النساء (عادني) من العيادة (يذهب الله به) أي بسبب المرض (خطاياه) أي المسلم (خبث الذهب والفضة) قال ابن الأثير في النهاية الخبث بفتحتين هو ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا انتهى قال المنذري وأم العلاء هي عمة حكيم بن حزام وكانت من المبايعات والحديث سكت عنه المنذري (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعمل سوءا يجز به قال الحسن هذا في حق الكفار خاصة لأنهم يجازون بالعقاب على الصغير والكبير ولا يجزي المؤمن بسئ عمله يوم القيامة ولكن يجزي بأحسن عمله ويتجاوز عن سيئاته ويدل على صحة هذا القول سياق الآية وهو قوله ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا وهذا هو الكافر فأما المؤمن فله ولي ونصير وقال آخرون هذه الآية في حق كل من عمل سوءا من مسلم ونصراني وكافر قال ابن عباس هي عامة في حق كل من عمل سوءا يجز به إلا أن يتوب قبل أن يموت فيتوب الله عليه
[ 247 ]
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه لما نزلت هذه الآية شقت على المسلمين مشقة شديدة وقالوا يا رسول الله وأينا من لم يعمل سوءا غيرك فكيف الجزاء قال منه ما يكون في الدنيا فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات ومن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشر حسناته وبقيت له تسع حسنات فويل لمن غلبت احاده الذي أعشاره وأما من كان جزاؤه في الآخرة فيقابل بين حسناته وسيئاته فيلقى مكان كل سيئة حسنة وينظر في الفضل فيعطي الجزاء في الجنة فيؤتى كل ذي فضل فضله قاله في تفسير الخازن (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (النكبة) بفتح نون وسكون كلف ما يصيب الإنسان من الحوادث (فيكافي لأن) بصيغة المجهول أي المسلم (ذاكم العرض) أي عرض الأعمال كأنه أشار بجمع الخطاب إلى أن معرفة مثله لا ينبغي أن يختص بأحد دون أحد بل اللائق بحال الكل أن يعرفوا مثل هذه الفوائد واللطائف انتهى (قال أخبرنا ابن أبي مليكة) أي قال محمد بن بشار في روايته عن أبي عامر الخزاز حدثنا ابن أبي مليكة بصيغة التحديث وأما مسدد فروى بصيغة العنعنة قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما أليس يقول الله عز وجل وما بعده إلى آخر الحديث في العيادة (فلما دخل) النبي صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على عبد الله المنافق (فيه) أي عبد الله (قال) النبي صلى الله عليه وسلم
[ 248 ]
(قال) عبد الله (فقد أبغضهم) أي اليهود (فمه) أي فماذا حصل له ببغضهم فالهاء منقلبة عن الألف وأصله فما أو هو اسم فعل بمعنى اسكت وكأنه يريد أنه لا يضرجهم وقد ولا ينفع بغضهم ولو نفع بغضهم لما مات أسعد بن زرارة وهذا من قلة فهمه وقصور نظره على أن الضرر والنفع هو الموت أو الخلاص عنه قاله في فتح الودود (فلما مات) أي عبد الله (أتاه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ابنه) أي ابن عبد الله وكان مؤمنا (فقال) أي ابن عبد الله (اكفنه) من باب التفعيل أي أكفن عبد الله (فيه) أي في قميصك (فأعطاه) أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله (إياه) أي قميصه قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث عبد الله بن عمر أن ابنه عبد الله جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه فأعطاه وأخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث جابر بن عبد الله قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي فأخرجه من قبره فوضعه على ركبته ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه قيل يجوز أن يكون جابر شاهد من ذلك ما لم يشاهد ابن عمر ويجوز أن يكون أعطاه قميص الكفن ثم أخرجه فألبسه آخر واختلفوا لم أعطاه ذلك أربعة أقوال أحدها أن يكون أراد بذلك إكرام ولده فقد كان مسلما بريئا من النفاق والثاني أنه صلى الله عليه وسلم ما سئل شيئا قط فقال لا والثالث أنه كان قد أعطى العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصا لما أسر يوم بدر ولم يكن على العباس ثياب يومئذ فأراد أن يكافئه على ذلك لئلا يكون لمنافق عنده يد لم يجازه عليها والرابع أنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك قبل أن نزل قوله عز وجل ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره انتهى كلام المنذري
[ 249 ]
4 في عيادة الذمي (أن غلاما) أي ولدا (من اليهود كان مرض) وفي رواية البخاري كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض (فقعد) النبي صلى الله عليه وسلم (عند رأسه) أي الغلام (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (له) أي للغلام (فنظر) أي الغلام (وهو) أي أبو الغلام (فقال له) أي للغلام (فأسلم) الغلام وفي رواية النسائي عن إسحاق بن راهويه عن سليمان المذكور فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قاله الحافظ في الفتح (وهو) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أنقذه) أي خلصه ونجاه (بي) أي بسببي (من النار) أي لو مات كافرا قال الحافظ في الفتح في الحديث جواز استخدام المشرك وعيادته إذا مرض وفيه حسن العهد واستخدام الصغير وعرض الإسلام على الصبي ولولا صحته منه ما عرضه عليه وفي قوله أنقذه من النار دلالة على أنه صح إسلامه وعلى أن الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه أنه يعذب انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري والنسائي قيل يعاد المشرك ليدعي إلى الإسلام إذا رجى إجابته ألا ترى أن اليهودي أسلم حين عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فأما إذا لم يطمع في إسلام الكافر ولا يرجى إنابته فلا ينبغي عيادته وقد عاد صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة راكبا على حمار وقد جاء من حديث جابر أيضا قال أتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان وعيادة المريض راكبا وماشيا كل ذلك سنة انتهى كلام المنذري
[ 250 ]
5 المشي في العيادة (ولا برذونا) قال العيني البرذون بكسر الباء الموحدة وفتح الذال المعجمة انتهى وقال ابن الأنباري يقع على الذكر والأنثى وربما قالوا في الأنثى برذونة وقال المطرزي البرذون التركي من الخيل قاله في المصباح وفي فتح الودود المراد هنا مطلق الفرس قال المنذري والحديث أخرجه البخاري والترمذي في فضل العيادة (فأحسن الوضوء) أي أتى به كاملا (وعاد أخاه المسلم) قال الطيبي فيه أن الوضوء سنة في العيادة لأنه إذا دعا على الطهارة كان أقرب إلى الإجابة وقال زين العرب ولعل الحكمة في الوضوء هنا أن العيادة عبادة وأداء العبادة على وجه الأكمل أفضل (محتسبا) أي طالبا للثواب لا لغرض آخر من الأسباب (بوعد) ماض مجهول من المباعدة والمفاعلة للمبالغة (والذي) أي اللفظ الذي (تفرد به) بذلك اللفظ (البصريون) كثابت البناني البصري عن أنس ثم عن ثابت البناني فضل بن دلهم وهو الواسطي البصري (منه) من هذا الحديث هذه الجملة الآتية وهي (العيادة وهو متوضئ) فلم يروها غير أهل البصرة قال المنذري وفي إسناده الفضل بن دلهم بصري وقيل واسطي قال يحيى بن معين
[ 251 ]
ضعيف الحديث وقال مرة حديثه صالح وقال الإمام أحمد بن حنبل لا يحفظ وذكر أشياء مما أخطأ فيها وقال مرة ليس به بأس وقال ابن حبان كان ممن يخطئ فلم يفحش خطؤه حتى يبطل الاحتجاج به ولا اقتفى أثر العدول فيسلك به سننهم فهو غير محتج به إذا انفرد به انتهى (ممسيا) أي في وقت المساء (ومن أتاه) أي المريض (مصبحا) أي وقت الصبح (وكان له) أي للعائد (خريف في الجنة) أي بستان قال المنذري والحديث موقوف وقال أبو داود وأسند هذا عن علي من غير وجه صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (لم يذكر الخريف) أي لم يذكر الأعمش لفظ الخريف (ورواه منصور عن الحكم) أي بذكر الخريف كما رواه شعبة (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) قال المزي في الأطراف حديث عثمان عن جرير في رواية أبي الحسن العبد وغيره ولم يذكره أبو القاسم انتهى والحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري في مختصره وقال المنذري في الترغيب وعن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسى وإن عاد عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب وقد
[ 252 ]
روى عن علي موقوفا انتهى ورواه أبو داود موقوفا عن علي ثم ساق لفظ الموقوف ثم قال ورواه بنحو هذا أحمد وابن ماجه مرفوعا وزاد في أوله إذا عاد المسلم أخاه مشى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة الحديث وليس عندهما وكان له خريف في الجنة ورواه ابن حبان في صحيحه مرفوعا أيضا ولفظه ما من مسلم يعود مسلما إلا يبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه في أي ساعات النهار حتى يمسى وفي أي ساعات الليل حتى يصبح ورواه الحاكم مرفوعا بنحو الترمذي وقال صحيح على شرطهما وقوله في خرافة الجنة بكسر الخاء أي في اجتناء ثمر الجنة يقال خرفت النخلة أخرفها فشبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه المخترف من التمر هذا قول ابن الأنباري انتهى كلام المنذري 7 في العيادة مرارا (يوم الخندق) ويسمى الأحزاب (رماه رجل) بيان أصيب (في الأكحل) على وزن الأفعل بفتح العين عرق في وسط الذراع كذا في النهاية ويقال له في الفارسية رك هفت اندام (فضرب عليه) أي على سعد (رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد) وعند أبي نعيم الاصبهاني ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم خباء في المسجد ومعنى ضرب خيمة أي نصب خيمة وأقامها على أوتاد مضروبة في الأرض والخيمة بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر والخباء واحد الأخبية من وبر أو صوف ولا يكون من شعر وهو على عمودين أو ثلاثة وما فوق ذلك فهو بيت قاله العيني (ليعوده) أي ليعود النبي صلى الله عليه وسلم سعدا (من قريب) وفي الحديث جواز سكني المسجد للعذر وفيه أن السلطان أو العالم إذا شق عليه النهوض إلى عيادة مريض يزوره ممن يهمه أمره بنقل المريض إلى موضع يخف عليه فيه زيارته ويقرب منه قاله العيني وقال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم
[ 253 ]
العيادة من الرمد أي بسبب الرمد والرمد بفتح الراء والميم ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين وهو بياضها الظاهر وسببه انصباب أحد الاخلاط أو أبخرة تصعد من المعدة إلى الدماغ فإن اندفع إلى الخياشيم أحدث الزكام أو إلى العين أحدث الرمد أو إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخنان بالخاء المعجمة والنون إلى الصدر أحدث النزلة أو إلى القلب أحدث الشوصة وإن لم ينحدر وطلب نفاذا فلم يجد أحدث الصداع قاله الحافظ في الفتح (عادني) من العيادة يقال عدت المريض أعود عيادة إذا زرته وسألت عن حاله (من وجع كان بعيني) فيه استحباب العيادة إن لم يكن المرض مخوفا كالصداع ووجع الضرس وأن ذلك عيادة قال الحافظ في الفتح قال بعضهم بعدم مشروعية العيادة من الرمد ويرده هذا الحديث وصححه الحاكم وهو عند البخاري في الأدب المفرد وسياقه أتم وأما ما أخرجه البيهقي والطبراني مرفوعا ثلاثة ليس لهم عيادة العين والدمل والضرس فصحح البيهقي أنه موقوف على يحيى بن أبي كثير انتهى ملخصا وفي الأزهار شرح المصابيح فيه بيان استحباب العيادة وإن لم يكن المرض مخوفا وأن ذلك عيادة حتى يحوز بذلك أجر العيادة وروى عن بعض الحنفية أن العيادة في الرمد ووجع الضرس خلاف السنة والحديث
[ 254 ]
يرده ولا أعلم من أين تيسر لهم الجزم بأنه خلاف السنة مع أن السنة خلافه نعوذ بالله من شرور أنفسنا وقد ترجم عليه أبو داود في سننه فقال باب العيادة من الرمد ثم أسند الحديث والله الهادي انتهى قال بعض الحنفية ردا عليه إن ترجمة أبي داود لا تكون حجة على غيره انتهى قلت بلى ترجمة أبي داود حجة على غيره من حيث أنه أورد في الباب حديثا مرفوعا صحيحا فلا يكون قول الحنفية المخالف للحديث الصحيح حجة على أحد وحديث الباب سكت عنه المنذري وأخرجه أحمد والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين قال وله شاهد صحيح من رواية أنس فذكره بإسناده عن أنس قال عاد النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم من رمد كان به 9 الخروج من الطاعون (إذا سمعتم به) أي بالطاعون كما في رواية أخرى (بأرض) أي إذا بلغكم وقوعه في بلدة أو محلة (فلا تقدموا عليه) بضم التاء من الإقدام ويجوز فتح التاء والدال من باب سمع قال الزرقاني في شرح الموطأ لا تقدموا بفتح أوله وثالثه وروى بضم الأول وكسر الثالث انتهى
[ 255 ]
وفي رواية أخرى فلا تدخلوا عليه أي يحرم عليكم ذلك لأن الإقدام عليه جراءه على خطر وإيقاع للنفس في التهلكة والشرع ناه عن ذلك قال تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (وإذا وقع) أي الطاعون (وأنتم) أي والحال أنتم (بها) بذلك الأرض (فرارا) أي بقصد الفرار (منه) فإن ذلك حرام لأنه فرار من القدر وهو لا ينفع والثبات تسليم لما لم يسبق منه اختيار فيه فإن لم يقصد فرارا بل خرج لنحو حاجة لم يحرم قاله المناوي في التيسير (يعني الطاعون) الطاعون بوزن فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالا على الموت العام كالوباء ويقال طعن فهو مطعون وطعين إذا أصابه الطاعون وإذا أصابه الطعن بالرمح فهو مطعون هذا كلام الجوهري وقال الخليل الطاعون الوباء وقال صاحب النهاية الطاعون المرض العام الذي يفسد له الهواء وتفسد به الأمزجة والأبدان وقال أبو بكر بن العربي الطاعون الوجع الغالب الذي يطفئ الروح كالذبحة سمى بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله وقال أبو الوليد الباجي هو مرض يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات بخلاف المعتاد من أمراض الناس ويكون مرضهم واحدا بخلاف بقية الأوقات فتكون الأمراض مختلفة وقال عياض أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد والوباء عموم الأمراض فسميت طاعونا لشبهها بها في الهلاك وإلا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا وقال النووي هو بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهب ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة شديدة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان وقئ ويخرج غالبا في المراق والآباط وقد يخرج في الأيدي والأصابع وسائر الجسد وقال جماعة من الأطباء منهم أبو علي بن سينا الطاعون مادة سمية تحدث ورما قتالا يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن وأغلب ما تكون تحت الإبط أو خلف الأذن أو عند الأرنبة قاله الحافظ في الفتح والمراد بالطاعون المذكور في الحديث الذي ورد في الهرب عنه هو الوباء وكل موت عام قال الخطابي في قوله عليه السلام لا تقدموا عليه إثبات الحذر والنهي عن التعرض للتلف وفي قوله عليه السلام لا تخرجوا فرارا منه إثبات التوكل والتسليم لأمر الله تعالى وقضائه فأحذ الأمرين تأديب وتعليم والآخر تفويض وتسليم انتهى وقال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم مطولا واختلف السلف في ذلك فمنهم من أخذ بظاهر الحديث وهم الأكثر وعن عائشة قالت هو كالفرار من الزحف ومنهم من دخل إلى بلاد الطاعون وخرج عنها وروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب وأنه ندم على خروجه من سرغ
[ 256 ]
وروى عن أبي موسى الأشعري ومسروق والأسود بن هلال أنهم فروا من الطاعون وروى عن عمرو بن العاص نحوه وقال بعض أهل العلم لم ينه عن دخول أرض الطاعون والخروج عنها مخافة أن يصيبه غير ما كتب عليه أو يهلك قبل أجله لكن حذار الفتنة على الحي من أن يظن أن هلاك من هلك لأجل قدومه ونجاة من نجا لفراره وهذا نحو نهيه عن الطيرة والقرب من المجذوم من لا عدوى وقد روى عن ابن مسعود أنه قال الطاعون فتنة على المقيم وعلى الفار أما الفار فيقول فررت فنجوت وأما المقيم فيقول أقمت فمت انتهى كلام المنذري وأخرج مالك والشيخان من طريقه عن أسامة بن زيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه وأخرج الشيخان من حديث أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الطاعون شهادة لكل مسلم وأخرج البخاري عن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقال كان عذابا يبعثه الله على من كان قبلكم فجعله الله رحمة للمؤمنين ما من عبد يكون في بلد فيكون فيه فيمكث لا يخرج صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد ويجئ بعض الروايات بعد الأبواب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة (اشتكيت) أي مرضت (اللهم اشف سعدا) فيه الترجمة (وأتممم حتى له هجرته) قال العيني إنما دعا له بإتمام الهجرة لأنه كان مريضا وخاف أن يموت في موضع هاجر منه فاستجاب الله عز وجل دعاء رسوله وشفاه ومات بعد ذلك بالمدينة انتهى قال المنذري والحديث أخرجه
[ 257 ]
البخاري أتم منه انتهى (أطعموا الجائع) أي المضطر والمسكين والفقير (وعودوا المريض) قال الحافظ قال ابن بطال يحتمل أن يكون الأمر على الوجوب بمعنى الكفاية كإطعام الجائع وفك الأسير ويحتمل أن يكون للندب للحث على التواصل والألفة وجزم الداودي بالأول فقال هي فرض يحمله بعض الناس عن بعض وقال الجمهور هي في الأصل ندب وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض وعن الطبري تتأكد في حق من ترجى بركته وتسن فيمن تراعى حاله وتباح فيما عدا ذلك انتهى (وفكوا العاني) أي الأسير وفكه تخليصه بالفداء أي أخلصوا الأسير المسلم في أيدي الكفار أو المحبوس ظلما والحديث أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة والنكاح وكتاب المرضى وأخرجه النسائي والله أعلم الدعاء للمريض عند العيادة (من عاد مريضا) أي زاره في مرضه (لم يحضر أجله) صفة المريض (فقال) أي العائد (عنده) أي المريض (أسأل الله العظيم) أي في ذاته وصفاته (أن يشفيك) بفتح أوله مفعول ثان (إلا عافاه الله) قال السندي كأن كلمة إلا مبنى على أن التقدير فلم يقل ذلك إلا عافاه الله أو أن كلمة من للاستفهام الإنكاري فيرجع إلى معنى النفي كقوله تعالى هل جزاء الإحسان إلا الاحسان وقوله تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه انتهى قلت وفي بعض الروايات كما في المشكاة بلفظ ما من مسلم يعود مسلما فيقول سبع مرات الحديث قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث المنهال بن عمر انتهى وفي إسناده يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد المعروف بالدالاني وقد
[ 258 ]
وثقه أبو حاتم الرازي وتكلم فيه غير واحد انتهى كلام المنذري وأيضا أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (ينكأ) بفتح الياء في أوله وبالهمزة في آخره مجزوما أي يجرح (لك عدوا) أي الكفار أو إبليس وجنوده ويكثر فيهم النكاية بالإيلام وإقامة الحجة والإلتزام بالجزم وروى بالرفع بتقدير فهو ينكأ من النكأ تعالى بالهمز من حد منع ومعناه الخدش وينكى من النكاية من باب ضرب أي التأثير بالقتل والهزيمة ذكره بعض الشراح لكن الرسم لا يساعد الأخير وفي الصحاح نكأت القرحة أنكأها فإن نكأ إذا قشرتها وفي النهاية نكيت في العد وأنكى نكاية فأناناك عمر إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل فوهموا لذلك وقد يهمز قال الطيبي ينكأ مجزوم على جواب الأمر ويجوز الرفع أي فإنه ينكأ وقال ابن الملك بالرفع في موضع الحال أي يغزو في سبيلك (أو يمشي) بالرفع أي أو هو يمشي قال ميرك وكذا ورد بالياء وهو على تقدير ينكأ بالرفع ظاهر وعلى تقدير الجزم فهو وارد على قراءة من يتق ويصبر (لك) أي لأمرك وابتغاء وجهك (إلى جنازة) أي اتباعها للصلاة لما جاء في رواية ابن السرح إلى صلاة وهذا توسع شائع قال الطيبي ولعله جمع بين النكاية وتشييع الجنازة لأن الأول كدح في إنزال العقاب على عدو الله والثاني سعى في إيصال الرحمة إلى ولي الله والحديث سكت عنه المنذري وأخرجه ابن حبان والحاكم كذا في المرقاة (قال ابن السرح) هو أحمد بن عمرو بن عبد الله المصري الفقيه شيخ المؤلف
[ 259 ]
12 كراهية تمنى الموت (لا يدعون أحدكم بالموت) الخطاب للصحابة والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عموما (لضر) بضم الضاد وتفتح قاله القاري (نزل به) أي بأحدكم (ولكن ليقل) هذا يدل على أن النهي عن تمني الموت مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة لأن في التمني المطلق نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء قاله الحافظ في الفتح (ما كانت الحياة خيرا لي) أي من الموت وهو أن تكون الطاعة غالبة على المعصية والأزمنة خالية عن الفتنة والمحنة (وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) أي من الحياة قال الحافظ في الفتح عبر في الحياة بقوله ما كانت لأنها حاصلة فحسن أن يأتي بالصيغة المقتضية للاتصاف بالحياة ولما كانت الوفاة لم تقع بعد حسن أن يأتي بصيغة الشرط والظاهر أن هذا التفصيل يشمل ما إذا كان الضر دينيا أو دنيويا انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه قال بعضهم قول النبي صلى الله عليه وسلم عند موته اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى تمن للموت وقد تمنى الموت عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وذلك معارض يعني لأحاديث النهي عن تمني الموت وأجاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك بعد أن علم أنه ميت في يومه ذلك واستشهد بقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة لا كرب على أبيك بعد اليوم وقول عائشة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يقبض نبي حتى يخير فلما سمعته يقول الرفيق الأعلى علمت أنه ذاهب قال وأما حديث عمر وعلي ففيهما بيان معنى نهيه عليه السلام عن تمني الموت وأن المراد بذلك إذا نزل بالمؤمن مرض أو ضيق في دنياه فلا يتمنى الموت عند ذلك فإذا خشي أن يصاب في دينه فمباح له أن يدعو بالموت قبل مصابه بدينه ولا يستعمل عمر هذا المعنى إلا أنه خشي عند كبر سنه وضعف قوته أن يعجز عن القيام بما افترض الله عليه من أمر الأمة فأجاب الله دعاءه وأماته بأن قتل انسلاخ الشهر وكذلك خشى علي رضي الله عنه من سأمته النبي لرعيته
[ 260 ]
وسأمتهم وإن له وقد سأل عمر بن عبد العزيز الوفاة لنفسه حرصا على السلامة من التغيير رضي الله عنهم انتهى كلام المنذري 13 في موت الفجأة بضم الفاء والمد أو بفتح الفاء وسكون الجيم بلا مد أي الموت بغتة قاله السندي (أو سعد بن عبيدة) هذا شك من شعبة أي روى منصور عن تميم أو سعد (رجل) خبر مبتدأ محذوف أي هو رجل يعني عبيد بن خالد قال الحافظ قال البخاري له صحبة وأخرج له أحمد وأبو داود والنسائي والطيالسي وروى عنه أيضا سعد بن عبيدة وتميم بن سلمة وشهد صفين مع علي قاله ابن عبد البر انتهى مختصرا (قال مرة) أي مرفوعا (ثم قال مرة) أخرى أي موقوفا على الصحابي قال الحافظ المنذري وقد روى هذا الحديث من حديث عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وأبي هريرة وعائشة وفي كل منها مقال وقال الأردي ولهذا الحديث طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا آخر كلامه وحديث عبيد هذا أخرجه أبو داود ورجال إسناده ثقات والوقف فيه لا يؤثر فإن مثله لا يؤخذ بالرأي وكيف وقد أسنده مرة الراوي والله عز وجل أعلم انتهى كلام المنذري (موت الفجأة) بضم الفاء مدا وبفتحها وسكون الجيم قصرا قال ابن الأثير في النهاية يقال فجئه الأمر وفجأة فجاءة بالضم والمد وفاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب وقيده بعضهم بفتح الفاء وسكون الجيم من غير مد انتهى ثم الموت شامل للقتل أيضا إلا الشهادة (أخذة اسف) بفتح السين وروى بكسرها وفي مشكاة المصابيح زاد البيهقي في شعب الإيمان ورزين في كتابه أخذة الأسف للكافر ورحمة للمؤمن قال في النهاية حديث موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر أي أخذة غضب أو غضبان يقال اسف يأسف اسفا فهو أسف إذا غضب انتهى وفي القاموس الأسف محركة أشد الحزن أسف كفرح وعليه غضب وسئل صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة فقال راحة المؤمن وأخذة أسف للكافر ويروى أسف ككتف أي أخذة سخط أو ساخط وقال علي القاري قالوا روى في الحديث الأسف بكسر السين وفتحها فالكسر الغضبان والفتح الغضب أي موت الفجأة أثر من آثار غضب الله فلا يتركه ليستعد لمعاده بالتوبة وإعداد زاد الآخرة ولم يمرضه ليكون كفارة لذنوبه انتهى وقال
[ 261 ]
الخطابي الأسف الغضبان آسفونا أغضبونا ومن هذا قوله تعالى فلما آسفونا انتقمنا منهم ومعناه والله أعلم أنهم فعلوا ما يوجب الغضب عليهم والانتقام منهم 14 في فضل من مات بالطاعون كما (وهو) أي عتيك بن الحارث (أبو أمة) بدلا من الجد والضمير المجرور لعبد الله بن عبد الله (إنه) أي عتيك بن الحارث (أخبره) الضمير المنصوب يرجع إلى عبد الله بن عبد الله (أن عمه) أي لعتيك بن الحارث (جابر بن عتيك) بدل من العم أخبر الضمير المنصوب يرجع إلى عتيك بن الحارث (فوجده قد غلب) أي وجد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله مغلوبا غلب عليه أمر الله تعالى ودنا من الموت (فصاح به) أي صرخ به (فاسترجع) أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (غلبنا عليك) يعني أنا نريد حياتك لكن تقدير الله تعالى غالب (فإذا وجب) أي مات قال الخطابي أصل الوجوب في اللغة السقوط قال الله تعالى فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وهي أن تميل فتسقط وإنما يكون ذلك إذا زهقت نفسها ويقال للشمس إذا غابت قد وجبت الشمس (قالت ابنته) أي عبد الله بن ثابت (والله إن) مخففة من المثقلة (فإنك قد كنت) خطاب لعبد الله (قضيت جهازك) أي أعددت أسباب الجهاد وجهزت له قال في المصباح جهاز السفر أهبته وما يحتاج إليه في قطع المسافة بالفتح وبه قرأ السبعة في قوله تعالى فلما جهزهم بجهازهم والكسر لغة قليلة (أجره) أي عبد الله (على قدر نيته) أي عبد الله (الشهادة سبع) أي الحكمية (سوى القتل في سبيل الله) أي غير الشهادة الحقيقية
[ 262 ]
(المطعون) هو الذي يموت بالطاعون (والغرق شهيد) إذا كان سفره طاعة (وصاحب ذات الجنب) وهي قرحة أو قروح تصيب الإنسان داخل جنبه ثم تفتح ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك ومن علاماتها الوجع تحت الأضلاع وضيق النفس مع ملازمة الحمى والسعال وهي في النساء أكثر قاله القاري (والمبطون) من إسهال أو استسقاء أو وجع بطن (وصاحب الحريق) أي المحرق وهو الذي يموت بالحرق (تحت الهدم) أي حائط ونحوه قال القاري الهدم بفتح الدال ويسكن (والمرأة تموت بجمع) بضم الجيم وسكون الميم قاله القاري قال الخطابي معناه أن تموت وفي بطنها ولد انتهى وقال في النهاية أي تموت وفي بطنها ولد وقيل التي تموت بكرا والجمع بالضم بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المذخور وكسر الكسائي الجيم والمعنى أنها ماتت مع شئ مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة انتهى قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه وقال النمري رواه جماعة الرواة عن مالك فيما علمت لم يختلفوا في إسناده ومتنه وقال غيره صحيح من مسند حديث مالك وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله وفي رواية من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد انتهى كلام المنذري ولفظ أحمد في مسنده من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا إن في القتل شهادة وفي الطاعون شهادة وفي البطن شهادة وفي الغرق شهادة وفي النفساء يقتلها ولدها جمعا شهادة قال في الترغيب رواته ثقات وقوله جمعا مثلثة الجيم ساكنة الميم أي م اتت وولدها في بطنها يقال ماتت المرأة بجمع إذا ماتت وولدها في بطنها وقيل إذا ماتت عذراء أيضا انتهى وعن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبرئيل عليه
[ 263 ]
السلام بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام فالطاعون شهادة لأمتي ورجز على الكافر رواه أحمد ورواته ثقات مشهورون قاله المنذري وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون قلت يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال غدة كعدة البعير والمقيم بها كالشهيد والفار منه كالفار من الزحف رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ولفظ البزار قلت يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال يشبه الدمل يخرج من الآباط والمراق وفيه تزكية أعمالهم وهو لكل مسلم شهادة قال المنذري أسانيد الكل حسان وعن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الطاعون الفار منه كالفار من الزحف ومن صبر فيه كان له أجر شهيد أخرجه أحمد بإسناد حسن قاله المنذري 15 المريض يؤخذ من أظفاره وعانته هو (خبيب) هو ابن عدي بن مالك بن عامر الأنصاري الأوسي شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأورد ابن الأثير بإسناده إلى أبي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بني لحيان فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى الموضع المرتفع من الأرض فأحاط بهم القوم فقالوا انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا فقال عاصم أما أنا فوالله لا أنزل في ذمة كافر ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق فيهم خبيب الأنصاري وزيد بن الدثنة إلى أن قال وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة ب عد وقعة بدر وفيه أيضا فقالت ابنة الحارث والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب والله لقد وجدته يأكل قطفا من عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمرة وكانت تقول إنه لرزق رزقه الله خبيبا (فاستعار) أي خبيب (موسى) هي آلة الحلق (يستحد بها) أي يحلق بالموسي
[ 264 ]
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن خبيبا حين أجمعوا على قتله أراد حلق العانة فكذلك المريض أيضا يؤخذ من أظفاره وعانته (فأعارته) أي فأعارت ابنة الحارث خبيبا (فدرج بني) تصغير ابن قال في المصباح درج الصبي دروجا عنه من باب قعد مشى قليلا في أول ما يمشي أي دخل الصبي عليه (لها) أي لابنة الحارث (وهي) أي ابنة الحارث (غافلة حتى أتته) أي أتت ابنة الحارث خبيبا (فوجدته) أي وجدت ابنة الحارث خبيبا (مخليا) أي منفردا (وهو) أي ابن ابنة الحارث (على فخذه) أي خبيب (ففزعت) أي خافت ابنة الحارث (عرفها) أي عرف خبيب الفزعة (فيها) أي في ابنة الحارث (فقال) خبيب (أن أقتله) أي الصبي (ما كنت) ما نافية قال المنذري والحديث أخرجه البخاري والنسائي مطولا وخبيب بضم الخاء المعجمة وبعدها باء موحدة انتهى قلت عمر بن جارية الثقفي هو عمر بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي ويقال عمرو بن أبي سفيان قال المزي حديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري الحديث بطوله وقصة خبيب أخرجه البخاري في الجهاد وفي التوحيد عن أبي اليمان عن شعيب وفي المغازي عن موسى ابن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد وعن إبراهيم بن موسى عن هشام عن معمر ثلاثتهم عن الزهري عن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي وأخرجه أبو داود في الجنائز وليس فيه دعاء خبيب عليهم ولا الشعر وأخرجه النسائي في السير انتهى مختصرا
[ 265 ]
16 ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت (لا يموت أحدكم الخ) أي لا يموت أحدكم في حال من الأحوال إلا في هذه الحالة وهي حسن الظن بالله بأن يغفر له فالنهي وإن كان في الظاهر عن الموت وليس إليه ذلك حتى ينتهى لكن في الحقيقة عن حالة ينقطع عندها الرجاء لسوء العمل كيلا يصادفه الموت عليها قاله على القاري وقال في مرقاة الصعود زاد ابن أبي الدنيا في حسن الظن فإن قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله فقال الله في حقهم وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين قال الخطابي إنما يحسن الظن بالله من حسن عمله فكأنه قال أحسنوا أعمالكم يحسن ظنكم بالله فمن ساء عمله ساء ظنه وقد يكون أيضا حسن الظن بالله من ناحية جهة الرجاء وتأميل العفو وقال الرافعي في تاريخ قزوين يجوز أن يريد به الترغيب في التوبة والخروج من المظالم فإنه إذا فعل ذلك حسن ظنه ورجا الرحمة وقال النووي في شرح المهذب معنى تحسين الظن بالله تعالى أن يظن أن الله تعالى يرحمه ويرجو ذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله تعالى وعفوه وما وعد به أهل التوحيد وما سيبدلهم إن من الرحمة يوم القيامة كما قال سبحانه وتعالى في الحديث الصحيح أنا عند ظن عبدي بي هذا هو الصواب في معنى الحديث وهو الذي قاله جمهور العلماء وشذ الخطابي فذكر تأويلا آخر أن معناه أحسنوا أعمالكم حتى يحسن ظنكم بربكم فمن حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه وهذا تأويل باطل نبهت عليه لئلا يغتر به انتهى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم وابن ماجه
[ 266 ]
17 ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت (بثياب جدد) بضمتين جمع جديد قاله القاري (فلبسها) أي لبس أبو سعيد الثياب (الميت يبعث) قال الخطابي أما أبو سعيد فقد استعمل الحديث على ظاهره وقد روى في تحسين الكفن أحاديث وقد تأوله بعض العلماء على خلاف ذلك فقال معنى الثياب العمل كنى بها عنه أنه يريد أنه يبعث على ما مات من عليه عمل صالح أو عمل سئ قال والعرب تقول فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بطهارة النفس والبراءة من العيب ودنس الثياب إذا كان بخلاف ذلك واستدل في ذلك بقول النبي صلى الله عليه واله وسلم يحشر الناس عراة حفاة غرلا بهما فدل ذلك على أن معنى الحديث ليس على الثياب التي هي الكفن وقال بعضهم البعث غير الحشر فقد يجوز أن يكون البعث مع الثياب والحشر مع
[ 267 ]
العرى والحفاة انتهى وقال القرطبي في التذكرة قد يكون الحشر في الأكفان خاصا بالشهداء وقال الهروي ليس قول من ذهب به إلى الأكفان بشي لأن الإنسان إنما يكفن بعد موته انتهى والحديث سكت عنه المنذري 18 ما يقال عند الميت من الكلام (عن أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (فقولوا خيرا) أي ادعوا له بالمغفرة (يؤمنون) بالتشديد أي يقولون آمين (على ما تقولون) أي من الدعاء (فلما مات أبو سلمة) هو زوج أم سلمة (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم اغفر له) أي لأبي سلمة (وأعقبنا) من الإعقاب أي أبدلنا وعوضنا (عقبى صالحة) كبشرى أي بدلا صالحا (قالت) أم سلمة (فأعقبني) أي أبدلني (به) أي بأبي سلمة قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه في التلقين (من كان آخر كلامه) برفع آخر وقيل بنصبه (لا إله إلا الله) محله النصب أو الرفع على الخبرية أو الإسمية قال العيني قال الكرماني قوله لا إله إلا الله أي هذه الكلمة والمراد هي وضميمتها إلا محمد رسول الله انتهى وقال الحافظ في الفتح والمراد بقول لا إله إلا الله في هذا الحديث وغيره كلمتا الشهادة فلا يرد إشكال ترك ذكر الرسالة قال الزين بن المنير قول لا إله إلا الله لقب جرى
[ 268 ]
على النطق بالشهادتين شرعا انتهى (لقنوا موتاكم) أي ذكروا من حضره الموت منكم بكلمة التوحيد أو بكلمتي الشهادة بأن تتلفظوا فيه بها أو بهما عنده ليكون اخر كلامه كما في الحديث من كان اخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وقال السندي المراد من حضره الموت لا من مات والتلقين أن يذكر عنده لا أن يأمره به والتلقين بعد الموت قد جزم كثيرا أنه حادث والمقصود من هذا التلقين أن يكون اخر كلامه لا إله إلا الله ولذلك إذا قال مرة فلا يعاد عليه إلا إن تكلم بكلام آخر انتهى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 20 تغميض الميت (وقد شق بصره) بفتح الشين وفتح الراء إذا نظر إلى شئ لا يرتد إليه طرفه وضم الشين منه غير مختار قاله الطيبي وقال النووي هو بفتح الشين ورفع بصره وهو فاعل شق أي بقي بصره مفتوحا هكذا ضبطناه وهو المشهور وضبطه بعضهم بصره بالنصب وهو صحيح أيضا والشين مفتوحة بلا خلاف (فأغمضه) أي غمض عينيه صلى الله عليه وسلم لئلا يقبح منظره والإغماض بمعنى التغميض والتغطية قاله القاري (فصيح) بالياء المشددة والحاء المهملة أي رفع الصوت بالبكاء (من أهله) أي أبي سلمة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير) أي لا
[ 269 ]
تقولوا شرا ووائلا أو الويل لي وما أشبه ذلك (يؤمنون) أي يقولون آمين (على ما تقولون) أي في دعائكم من خير أو شر (في المهديين) بتشديد الياء الأولى أي الذين هداهم الله للاسلام سابقا والهجرة إلى خير الأنام (وأخلفه) بهمزة الوصل وضم اللام من خلف يخلف إذا قام مقام غيره بعده في رعاية أمره وحفظ مصالحه أي كن خلفا أو خليفة له (في عقبه) بكسر القاف أي من يعقبه ويتأخر عنه من ولد وغيره (في الغابرين) أي الباقين في الأحياء من الناس فقوله في الغابرين حال من عقبه أي أوقع خلافتك في عقبه كائنين في جملة الباقين من الناس قاله القاري (اللهم افسح) أي وسع (له) أي لأبي سلمة (في قبره) دعاء بعدم الضغطة (ونور له فيه) أي في قبره قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (سمعت أبا ميسرة) قال المزي حديث أبي ميسرة العابد في رواية أبي سعيد ابن الأعرابي انتهى 21 في الاسترجاع أي قوله إنا لله وإنا إليه راجعون وقت المصيبة (أحتسب) أي اطلب الثواب (فأجرني) أي أعطني الأجر قال في مرقاة الصعود قوله فاجرني بالمد والقصر يقال آجره يؤجره أي أثابه
[ 270 ]
وأعطاه الأجر والجزاء وكذلك أجره يأجره والأمر منهما آجرني بهمزة قطع ممدودة وكسر الجيم بوزن أكرمني وأجرني بهمزة ساكنة وضم الجيم بوزن انصرني (فيها) أي في هذه المصيبة (بها) أي بهذه المصيبة (منها) أي من هذه المصيبة قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وعمر بن أبي سلمة هو ابن أبي سلمة عبد الله بن عبد أسد المخزومي ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم في صحفة وراه يصلي في ثوب واحد وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن سفينة عن أم سلمة نحوه أتم منه انتهى قلت حديث النسائي في كتاب عمل اليوم والليلة له كما ذكره المزي 22 في الميت يسجي وقال (سجى) بضم السين وبعدها جيم مشددة مكسورة أي غطى وستر بعد الموت قبل الغسل (في ثوب حبرة) قال في النهاية برد حبرة بوزن عنبة على الوصف والإضافة وهو برد يمان والجمع حبر وحبرات انتهى وفي النيل حبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة بعدها راء مهملة وهي ثوب فيه أعلام وهي ضرب من برود اليمن وفيه استحباب تسجية الميت قال النووي وهو مجمع عليه وحكمته صيانته من الانكشاف وستر عورته المتغيرة عن الأعين انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم 23 القراءة عند الميت (عن معقل بن يسار) هو بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وآخره لام قاله المنذري (على موتاكم) أي الذين حضرهم الموت ولعل الحكمة في قراءتها أن يستأنس
[ 271 ]
المحتضر بما فيها من ذكر الله وأحوال القيامة والبعث قال الإمام الرازي في التفسير الكبير الأمر بقراءة يس عن من شارف الموت مع ورود قوله عليه الصلاة والسلام لكل شئ قلب وقلب القرآن يس إيذان بأن اللسان حينئذ ضعيف القوة وساقط المنة لكن القلب أقبل على الله بكليته فيقرأ عليه ما يزاد قوة قلبه ويستمد تصديقه بالأصول فهو إذن عمله ومهمه قاله القاري وقال المنذري والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه وأبو عثمان وأبوه ليسا بمشهورين انتهى وقال المزي والحديث أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة 24 الجلوس عند المصيبة (يعرف في وجهه الحزن) جملة حالية قال الطيبي كأنه كظم الحزن كظما فظهر منه ما لا بد للجبلة البشرية منه (وذكر القصة) وتمام القصة كما في رواية البخاري وأنا أنظر من صائر الباب شق الباب فأتاه رجل فقال إن نساء جعفر وذكر بكاءهن فأمره أن ينهاهن فذهب ثم أتاه الثانية لم يطعنه الحديث قال الحافظ في هذا الحديث من الفوائد جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار وجواز نظر النساء المحتجبات إلى الرجال الأجانب انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبوب عليه البخاري من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن 25 التعزية أي هذا باب في بيان مشروعيتها (قبرنا) يعني دفنا (فلما فرغنا) من دفن الميت (فلما حاذي) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقف)
[ 272 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أي عبد الله بن عمرو بن العاص (أظنه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (عرفها) أي المرأة المقبلة (فلما ذهبت) أي المرأة المقبلة (إذا هي) أي المرأة ولفظ النسائي قال بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بامرأة لا تظن أنه عرفها فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه فإذا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال لها) أي لفاطمة (فرحمت إليهم) من باب التفعيل وفي رواية النسائي فترحمت إليهم أي ترحمت ميتهم وقلت فيه رحم الله ميتكم مفضيا ذلك إليهم ليفرحوا به قاله السندي (أو عزيتهم به) هكذا في جميع النسخ وهذا الشك من أحد الرواة وفي رواية النسائي بحرف العاطفة وعزيتهم بميتهم انتهى وعزيتهم من التعزية أي أمرتهم بالصبر عليه بنحو أعظم الله أجركم قال في لسان العرب العزاء الصبر عن كل ما فقدت انتهى قال في النيل والتعزية التصبر وعزاه صبره فكل ما يجلب للمصاب صبرا يقال له تعزية بأي لفظ كان ويحصل به للمعزي الأجر وأحسن ما يعزي به ما أخرجه البخاري ومسلم إن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شئ عنده بأجل مسمى فمزها أنه فلتصبر الحديث (فقال لها) أي لفاطمة (بلغت معهم الكدي) هو بضم الكاف وتخفيف الدال المقصورة وهي المقابر قاله الحافظ قال ابن الأثير أراد المقابر وذلك لأنها كانت مقابرهم في مواضع صلبة وهي جمع كدية والكدية قطعة غليظة صلبة لا يعمل فيها الفأس ويروى بالراء يعني الكري وهو القبور أيضا جمع كرية أو كروة من كريت الأرض وكروتها إذا حفرتها كالحفرة من حفرت (قالت) فاطمة (معاذ الله وقد) الواو وللحال زاد النسائي معاذ الله أن أكون بلغتها (فيها) أي في الكدي (فذكر تشديدا في ذلك) هذا من أدب أبي داود حيث لم يصرح باللفظ الوارد في رواية وكنى عنه فرضي الله تعالى عنه وعمن اقتدى به والتصريح وقع في رواية النسائي وتكلمنا على تأويله في زهر الربى وفي المسالك الحنفاء قاله السيوطي في مرقاة الصعود والحديث
[ 273 ]
فيه دلالة على مشروعية التعزية وعلى جواز خروج النساء لها وتمام الحديث كما في النسائي فقال لها لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك انتهى قال السندي وظاهر السوق (السياق) يفيد أن المراد ما رأيت أبدا كما لم يرها فلان وأن هذه الغاية من قبيل حتى يلج الجمل في سم الخياط ومعلوم أن المعصية غير الشرك لا تؤدي إلى ذلك فإما أن يحمل على التغليظ في حقها وإما أن يحمل على أنه علم في حقها أنها لو ارتكبت تلك المعصية لأفضت بها إلى معصية تكون مؤدية إلى ما ذكر والسيوطي رحمه الله مشمر به القول بنجاة عبد المطلب فقال لذلك وهذه عبارته أقول لا دلالة في هذا الحديث على ما توهمه المتوهمون لأنه لو مشت امرأة مع جنازة إلى المقابر لم يكن ذلك كفرا موجبا للخلود في النار كما هو واضح وغاية ما في ذلك أن يكون من جملة الكبائر التي يعذب صاحبها ثم يكون آخر أمره إلى الجنة وأهل السنة يأولون ما ورد من الحديث في أهل الكبائر من أنهم لا يدخلون الجنة بأن المراد لا يدخلونها مع السابقين الذين يدخلونها أو لا بغير عذاب فغاية ما يدل عليه الحديث المذكور على أنها لو بلغت معهم الكدي لم نرى الجنة مع السابقين بل يتقدم ذلك عذاب أو شدة أو ما شاء الله من أنواع المشاق ثم يؤول أمرها إلى دخول الجنة قطعا ويكون عبد المطلب كذلك لا يرى الجنة مع السابقين بل يتقدم ذلك الامتحان وحده أو مع مشاق أخر ويكون معنى الحديث لم تر الجنة حتى يأتي الوقت الذي يراها فيه جد أبيك فترينها حينئذ فتكون رؤيتك لها متأخرة عن رؤية غيرك من السابقين لها هذا مدلول الحديث لا دلالة له على قواعد أهل السنة غير ذلك والذي سمعته من شيخ الإسلام شرف الدين المناوي وقد سئل عن عبد المطلب فقال هو من أهل الفترة الذين لم تبلغ لهم الدعوة وحكمهم في المذهب معروف انتهى كلام السيوطي قلت القول في هذا الحديث ما قاله العلامة السندي وأما القول بنجاة عبد المطلب كما هو مذهب السيوطي فكلام ضعيف خلاف لجمهور العلماء المحققين إلا من شذ من المتساهلين ولا عبرة بكلامه في هذا الباب والله أعلم قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وربيعة هذا الذي هو في إسناد هذا الحديث هو ربيعة بن سيف المعافري من تابعي أهل مصر وفيه مقال
[ 274 ]
26 الصبر عند المصيبة (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (لها) أي للإمرأة وهو الباكية (واصبري) حتى تؤجري (فقالت) المرأة الباكية جاهلة بمن يخاطبها وظانة إذا أنه من آحاد الناس (وما تبالي) بصيغة المخاطب المعروف من باب المفاعلة يقال بالاه وبالي به مبالاة أي اهتم به واكترث له قال في النهاية يقال ما باليته وما باليت به أي لم أكترث به انتهى والمعنى أنت لا تبالي بمصيبتي ولا تعبأ بها ولا تعتني ولا تهتم بشأنها قال أصحاب اللغة اكترث له بالي به يقال هو لا يكترث لهذا الأمر أي لا يعبأ به ولا يباليه وقال بعضهم الاكتراث الاعتناء ولفظ المصابيح من رواية الشيخين فإنك لم تصب على بناء المجهول أي لم تبتل (بمصيبتي) أي بعينها أو بمثلها على زعمها (فقيل لها) أي بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا النبي صلى الله عليه وسلم) فندمت (فأتته) أي النبي صلى الله عليه وسلم (بوابين) كما هو عادة الملوك الجبابرة (لم أعرفك) أي فلا تأخذ علي قال الطيبي كأنها لما سمعت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم توهمت أنه على طريقة الملوك فقالت اعتذارا لم أعرفك قاله القاري (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الصبر عند الأولى) معناه الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه وأصل الصدم الضرب في شئ صلب ثم استعمل مجازا في كل مكروه حصل بغتة قاله النووي وقال القاري معناه عند الحملة الأولى وابتداء المصيبة وأول لحوق المشقة وإلا فكل أحد يصبر بعدها انتهى قال الحافظ في هذا الحديث من الفوائد منها ما كان فيه عليه الصلاة والسلام من التواضع والرفق بالجاهل ومسامحة المصاب وقبول اعتذاره وملازمة الأمر بالمعروف
[ 275 ]
والنهي عن المنكر ومنها أن القاضي لا ينبغي له أن يتخذ من يحجبه عن حوائج الناس ومنها أن الجزع من المنهيات لأمره لها بالتقوى مقرونا بالصبر انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي 27 في البكاء على الميت أي أذا كان من غير نوح (أرسلت إليه) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وأنا معه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وأحسب أبيا) أنه كان أيضا مع النبي صلى الله عليه وسلم (إن ابني أو ابنتي) شك من الراوي (قد حضر) بصيغة المجهول أي قرب حضور الموت (فاشهدنا) أي احضرنا (فأرسل) أي النبي صلى الله عليه وسلم أحدا (يقرأ) بضم أوله (السلام) عليها (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم للرجال تسلية لها (قل لله ما أخذ وما أعطى) قدم ذكر الأخذ على الإعطاء وإن كان متأخرا في الواقع لما يقتضيه المقام والمعنى أن الذي أراد الله أن يأخذه هو الذي كان أعطاه فإن أخذه أخذ ما هو له فلا ينبغي الجزع لأن مستودع الأمانة لا ينبغي له أن يجزع إذا استعيدت منه وما في الموضعين مصدرية ويحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف فعلى الأول التقدير لله الأخذ والإعفاء وعلى الثاني لله الذي أخذه من الأولاد وله ما أعطى منهم أو ما هو أعم من ذلك قاله الحافظ في الفتح (عنده) أي عند الله (إلى أجل) معلوم قال العيني والأجل يطلق على الحد الأخير وعلى مجموع العمر ومعنى عنده في علمه وإحاطته (فأرسلت) أي بنت النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ هي زينب كما وقع في رواية أبي معاوية عن عاصم في مصنف ابن أبي شيبة (تقسم عليه) أي تحلف على النبي صلى الله عليه وسلم وتقسم جملة فعلية وقعت حالا (فأتاها) أي أتى النبي صلى الله عليه وسلم (في حجر) بتقديم الحاء المهملة (ونفسه) أي روح الصبي (تقعقع) جملة إسمية وقعت حالا أي تضطرب تتحرك ولا تثبت على حالة واحدة (ففاضت) أي سالت والنسبة
[ 276 ]
مجازية والمعنى نزل الدمع عن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم (سعد) هو ابن عبادة كما عند الشيخين (ما هذا البكاء) أي منك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنها) أي الدمعة (رحمة) أي أثر من آثارها (يضعها) أي الرحمة (الرحماء) جمع رحيم بمعنى الراحم أي وإنما يرحم الله من عباده من اتصف بأخلاقه ويرحم عباده قاله الطيبي وقال العيني وكلمة من بيانية والرحماء بالنصب لأنه مفعول يرحم الله ومن عباده في محل النصب على الحال من الرحماء وفيه جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم وفيه جواز القسم عليهم لذلك وفيه جواز المشي إلى التعزية والعيادة بغير إذنهم بخلاف الوليمة وفيه استحباب إبرار القسم انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (لقد رأيته) أي إبراهيم (يكبد بنفسه) قال العيني أي يسوق بها من كاد يكيد أي قارب الموت (فدمعت) أي سالت (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا بك) أي بفراقك (لمحزونون) أي طبعا وشرعا قال ابن بطال وغيره هذا الحديث يفسر البكاء المباح والحزن الجائز وهو ما كان بدمع العين ورقة القلب من غير سخط لأمر الله قاله الحافظ قال المنذري وأخرجه مسلم وأخرجه البخاري تعليقا
[ 277 ]
28 في النوح فقال أي هذا باب في بيان عدم مشروعية النوح (عن النياحة) أي النوح قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي (عن أبيه) وهو الحسن بن عطية (عن جده) أي جد محمد وهو عطية العوفي (النائحة) يقال ناحت المرأة على الميت إذا ندبته أي بكت عليه وعددت محاسنه وقيل النوح بكاء مع صوت والمراد بها التي تنوح على الميت أو على ما فاتها من متاع الدنيا فإنه ممنوع منه في الحديث وأما التي تنوح على معصيتها فذلك نوع من العبادة (والمستمعة) أي التي تقصد السماع ويعجبها أي كما أن المستمع والمغتاب شريكان في الوزر والمستمع والقارئ مشتركان في الأجر قاله القاري قال المنذري في إسناده محمد بن الحسين بن عطية العوفي عن أبيه عن جده وثلاثتهم ضعفاء (إن الميت ليعذب إلخ) قال النووي في شرح مسلم وفي رواية ببعض بكاء أهله عليه
[ 278 ]
وفي رواية ببكاء الحي وفي رواية يعذب في قبره بما نيح عليه وفي رواية من يبك عليه يعذب وهذه الروايات من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما وأنكرت عائشة رضي الله عنها ونسبتهما إلى النسيان والاشتباه عليهما وأنكرت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك واحتجت بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى قالت وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في يهودية إنها تعذب وهم يبكون عليها يعني تعذب بكفرها في حال بكا أهلها لا بسبب البكاء واختلف العلماء في هذه الأحاديث فتأولها الجمهور على من وصى بأن ببكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم لأنه بسببه ومنسوب إليه قالوا فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب لقول الله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى قالوا وكان من عادة العرب الوصية بذلك والمراد بالبكاء هنا البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين انتهى
[ 279 ]
وقال الخطابي قد يحتمل أن يكون الأمر في هذا على ما ذهبت إليه عائشة لأنها قد روت أن ذلك إنما كان في شأن يهودي والخبر المفسر أولى من المجمل ثم احتجت له بالآية وقد يحتمل أن يكون ما رواه ابن عمر صحيحا من غير أن يكون فيه خلاف للآية وذلك أنهم كانوا يوصون أهلهم بالبكاء والنوح عليهم وإذا كان كذلك فالميت إنما يلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إياهم بذلك وقت حياته انتهى (فقالت) عائشة (وهل) بكسر الهاء أي غلط وسهى وإنكار عائشة لعدم بلوغ الخبر لها من وجه آخر فحملت الخبر على الخبر المعلوم عندها بواسطة ما ظهر لها من استبعاد أن يعذب أحد بذنب آخر وقد قال تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى لكن الحديث ثابت بوجوه كثيرة وله معنى صحيح وهو حمله على ما إذا رضى الميت ببكائهم وأوصى به أو علم من دأبهم أنهم
[ 280 ]
يبكون عليه ولم يمنعهم من ذلك فلا وجه للانكار ولا إشكال في الحديث قاله في فتح الودود قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والنسائي (وهو ثقيل) أي مريض (أو تهم) بتشديد الميم أي لتقصد البكاء ونستعذ ثنا به (قال) يزيد بن أوس الراوي (فسكتت) أي امرأة أبي موسى (ليس منا) أي من أهل سنتنا وطريقتنا
[ 281 ]
والمراد الوعيد والتغليظ الشديد (من حلق) شعره (ومن سلق) صوته أي رفعه ، السالقة والصالقة لغتان هي التي ترفع صوتها عند المصيبة وعن ابن الاعرابي الصلق ضرب الوجه قاله العيني (ومن خرق) بالتخيف أي قطع ثوبه بالمصيبة وكان الجميع من صنيع الجاهلية وكان ذلك في أغلب الأحوال من صنيع النساء قاله القاري قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وامرأة أبي موسى هي أم عبد الله وقد روي هذا الحديث عنها عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه النسائي أيضا (أسيد بن أبي أسيد) بالفتح هو البراد قاله في الخلاصة وفي التهذيب أظنه غير البراد فإن البراد ليس له شئ عن الصحابة ويشبه أن يكون حجاج الذي روى عنه حجاج بن صفوان والله أعلم (عن امرأة من المبايعات) قال في التقريب لم أقف على اسمها وهي صحابية لها حديث (أن لا نعصيه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فيه) أي في المعروف (أن لا نخمش) أي لا نخدش به (ولا ندعو ويلا) والويل أن يقول عند المصيبة واويلاه (ولا نشق جيبا) الجيب هو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس وهو الطوق في لغة العامة قاله العيني (ولا ننشر شعرا) أي لا ننشر ولا نفرق شعرا يقال نشر الشئ فرقه نشر الراعي غنمه أي بثه بعد أن اواها والحديث سكت عنه المنذري وقال المزي في الأطراف أسيد بن أبي أسيد البراد عن امرأة من المبايعات حديثه أخرجه أبو داود في الجنائز ثم قال ورواه القعنبي عن الحجاج بن صفوان عن أسيد بن أبي أسيد البراد انتهى
[ 282 ]
29 صنعة الطعام لأهل الميت (اصنعوا للآل جعفر طعاما) فيه مشروعية القيام بمؤنة أهل البيت مما يحتاجون إليه من الطعام لاشتغالهم عن أنفسهم بما دهمهم من المصيبة قاله في النيل وقال السندي فيه أنه ينبغي للأقرباء أن يرسلوا لأهل الميت طعاما (أمر يشغلهم) من باب منع أي عن طبخ الطعام لأنفسهم وعند ابن ماجه قد أتاهم ما يشغلهم أو أمر يشغلهم وفي رواية له إن آل جعفر قد شغلوا بشأن ميتهم فاصنعوا لهم طعاما قال ابن الهمام في فتح القدير شرح الهداية يستحب لجيران أهل الميت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام لهم يشبعهم ليلتهم ويومهم ويكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت لأنه شرع في السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقبحة انتهى ويؤيده حديث جرير بن عبد الله البجلي قال كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة أخرجه ابن ماجه وبوب باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعه الطعام وهذا الحديث سنده صحيح ورجاله على شرط مسلم قاله السندي وقال أيضا قوله كنا نرى هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة أو تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني فحكمة الرفع وعلى التقديرين فهو حجة وبالجملة فهذا عكس الوارد إذ الوارد أن يصنع الناس الطعام لأهل الميت فاجتماع الناس في بيتهم حتى يتكلفوا لأجلهم الطعام قلب لذلك وقد ذكر كثير من الفقهاء أن الضيافة لأهل الميت قلب للمعقول لأن الضيافة حقا أن تكون للسرور لا للحزن انتهى قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح
[ 283 ]
30 في الشهيد يغسل أي أم لا فثبت بالأحاديث أنه لا يغسل (معن بن عيسى) أي معن وابن مهدي كلاهما يرويان عن إبراهيم بن طهمان (فأدرج) أي لف (في ثيابه كما هو) ومفهومه أنه لم يغسل وهذا محل الترجمة (قال) أي جابر والحديث سكت عنه المنذري (بقتلى أحد) جمع قتيل والباء بمعنى في أي أمر في حقهم (أن ينزع عنهم الحديد) أي السلاح والدروع (والجلود) مثل الفرو والكساء غير الملطخ بالدم (وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم) أي المتلطخة بالدم قال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه وفي إسناده علي بن عاصم الواسطي وقد تكلم فيه جماعة وعطاء بن السائب وفيه مقال (ولم يصل عليهم) قال الحافظ والخلاف في الصلاة على قتيل معركة الكفار مشهور
[ 284 ]
قال الترمذي قال بعضهم يصلي على الشهيد وهو قول الكوفيين وإسحاق وقال بعضهم لا يصلي عليه وهو قول المدنيين والشافعي وأحمد والحديث سكت عنه المنذري
[ 285 ]
(مر علي حمزة) عم النبي صلى الله عليه وسلم (وقد مثل به) أي بحمزة وهو بضم الميم وكسر الثاء المخففة قال في المصباح مثلت بالقتيل مثلا من بابي قتل وضرب إذا جدعته هذا وظهرت آثار فعلك عليه تنكيلا والتشديد مبالغة والاسم المثلة وزان غرفة (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (أن تجد صفية) أخت حمزة (في نفسها) أي تحزن وتجزع (العافية) قال الخطابي العافية السباع والطير التي تقع على الجيف فتأكلها ويجمع على العوافي (حتى يحشر) أي يبعث حمزة يوم القيامة (من بطونها) أي العافية وكثرت القتلى جمع قتيل كالجرحى ثم جمع جريح (يكفنون في الثوب الواحد) ظاهره تكفين الاثنين والثلاثة في ثوب واحد وقال المظهر في شرح المصابيح معني ثوب واحد قبر واحد إذ لا يجوز تجريدها بحيث تتلاقى بشرتاهما انتهى وقال أشهب لا يفعل ذلك إلا لضرورة وكذا الدفن وعن العلامة ابن تيمية معنى الحديث أنه كان يقسم الثوب الواحد بين الجماعة فيكفن كل واحد ببعضه للضرورة وإن لم يستر إلا بعض بدنه يدل عليه تمام الحديث أنه كان يسأل عن أكثرهم قرانا فيقدمه في اللحد فلو أنهم في ثوب واحد جملة لسأل عن أفضلهم قبل ذلك كيلا يؤدي إلى نقض التكفين وإعادته وقال ابن العربي فيه دليل على أن التكليف قد ارتفع بالموت وإلا فلا يجوز أن يلصق الرجل بالرجل إلا عند انقطاع التكليف أو للضرورة قاله العيني وقال الخطابي وفيه من الفقه أن الشهيد لا يغسل وهو قول عامة أهل العلم وفيه أنه لا
[ 286 ]
يصلي عليه وإليه ذهب أكثر أهل العلم وقول أبي حنيفة لا يغسل ولكن يصلي عليه ويقال إن المعنى في ترك غسله ما جاء أن الشهيد يأتي يوم القيامة وكلمه يدمي الريح ريح المسك واللون لون الدم وقد يوجد الغسل في الأحياء مقرونا بالصلاة وكذلك الوضوء فلا يجب التطهير على أحد إلا من أجل صلاة يصليها ولأن الميت لا فعل له فأمرنا أن نغسله لتصلي عليه فإذا سقط الغسل سقطت الصلاة وفيه جواز أن يدفن الجماعة في القبر الواحد وأن أفضلهم يقدم في القبلة وإذا ضاقت الأكفان وكانت الضرورة جاز أن يكفن الجماعة منهم في الثوب الواحد انتهى قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وقال غريب لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا الوجه وفي حديث الترمذي ولم يصل عليهم (ولم يصل على أحد من الشهداء غيره) قال الخطابي وقد تأول قوم ترك الصلاة على قتلى أحد على معنى اشتغاله في ذلك اليوم عنهم وليس هذا بتأويل صحيح لأنه قد دفنهم مع قيام الشغل ولم يتركهم على وجه الأرض وأكثر الروايات أنه لم يصل عليهم وقد تأول بعضهم ما روى من صلاته على حمزة فحملها على الصلاة اللغوية وجعلها الدعاء له زيادة خصوصية له وتفضلا له على سائر أصحابه انتهى وقال الحافظ ثم إن الخلاف في ذلك في منع الصلاة عليهم على الأصح عند الشافعية وفي وجه أن الخلاف في الاستحباب وهو المنقول عن الحنابلة قال الماوردى عن احمد : الصلاة على الشهيد أجود وان لم يصلوا عليه أجزاء الحديث سكت عنه المنذري (أيهما أكثر أخذا) أي حفظا وقراءة للقرآن (فإذا أشير له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (قدمه) من التقديم أي ذلك الأحد (في اللحد) قال الحافظ أصل الحاد الميل والعدول عن الشئ وقيل
[ 287 ]
للمائل عن الدين ملحد وسمى اللحد لأنه شق يعمل في جانب القبر فيميل عن وسط القبر إلى جانبه بحيث يسع الميت فيوضع فيه ويطبق عليه اللبن انتهى وقال القاري هو بفتح اللام وبضم وسكون الحاء (أنا شهيد على هؤلاء) أي أشهد لهم بأنهم بذلوا أرواحهم لله تعالى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي حديث البخاري والترمذي ولم يصل عليهم وقال الترمذي حسن صحيح وقال النسائي ما أعلم أحدا تابع الليث ابن سعد من ثقات أصحاب الزهري على هذا الإسناد واختلف على الزهري فيه هذا آخر كلامه ولم يؤثر عند البخاري والترمذي تفرد الليث بهذا الإسناد بل احتج به البخاري في صحيحه وصححه الترمذي كما ذكرناه (في ثوب واحد) قد مر بيانه 31 في ستر الميت عند غسله (أخبرت) بصيغة المتكلم المجهول (ولا ميت) دل هذا على أن الميت والحي سواء في حكم العورة قال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه وقال أبو داود هذا الحديث فيه نكارة وهذا آخر كلامه وعاصم بن ضمرة قد وثقه يحيى بن معين وغيره وتكلم فيه غير واحد (لا يدرون من هو) أي المكلم (وعليه) أي النبي صلى الله عليه وسلم والواو للحال (فغسلوه) أي النبي صلى الله عليه وسلم
[ 288 ]
(قميصه) هو محل الترجمة (ويدلكونه) في المصباح دلكت الشئ دلكا من باب قتل مرسته بيدك ولفظ أحمد في مسنده قالت فثاروا إليه فغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قميصه يفاض عليه الماء والسدر ويدلك الرجال بالقميص انتهى قال الشوكاني والحديث أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وفي رواية لابن حبان فكان الذي أجلسه في حجره علي بن أبي طالب روى الحاكم عن عبد الله بن الحارث قال غسل النبي صلى الله عليه وسلم علي وعلى يده خرقة فغسله فأدخل يده تحت القميص فغسله والقميص عليه وفي الباب عن بريدة عند ابن ماجه والحاكم والبيهقي قال لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل لا تنزعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم قميصه وعن ابن عباس عند أحمد أن عليا أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره وعليه قميصه وفيه ضعف وعن جعفر بن محمد عن أبيه عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي والشافعي قال غسل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا بسدر وغسل وعليه قميص وغسل من بئر يقال لها الغرس بقبا كانت لسعد بن خيثمة وكان يشرب منها وولى سفلته علي والفضل محتضنه والعباس يصب الماء قال الحافظ هو مرسل جيد (لو استقبلت من أمري ما استدبرت) أي لو علمت أولا ما علمت آخرا وظهر لي أولا ما ظهر لي آخرا (ما غسله إلا نساؤه) وكأن عائشة تفكرت في الأمر بعد أن مضى وذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم لها ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك رواه ابن ماجه وأحمد قال الشوكاني فيه متمسك لمذهب الجمهور أي في جواز غسل أحد الزوجين للآخر ولكنه لا يدل على عدم جواز غسل الجنس لجنسه مع وجود الزوجة ولا على أنها أولى من الرجال وقال السندي حديث محمد بن إسحاق هذا إسناده صحيح ورجاله ثقات ومحمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث انتهى والحديثان لعائشة أي حديث لو استقبلت رسول من أمري وحديث ما ضرك أخرجهما ابن
[ 289 ]
ماجه وبوب باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها وقال في المنتقى باب ما جاء في غسل أحد الزوجين للاخر وأورد الحديثين قال المنذري وأخرج ابن ماجه منه قول عائشة لو استقبلت من أمري الحديث وأخرج البخاري في غير صحيحه من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال لما أخذوا في غسل النبي صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل لا تنزعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه قال الدارقطني تفرد به عمرو بن يزيد عن علقمة هذا آخر كلامه وعمرو ابن يزيد هذا هو أبو بردة التميمي لا يحتج به وفي إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد تقدم الكلام عليه 32 كيف غسل الميت (حين توفيت ابنته) هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع والدة أمامة كما صرح به مسلم ولفظه عن أم عطية قالت لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (اغسلها) قال ابن بريدة استدل به على وجوب غسل الميت وقال ابن دقيق العيد لكن قوله ثلاثا إلخ ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن قوله ثلاثا غير مستقل بنفسه فلا بد أن يكون داخلا تحت صيغة الأمر فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل والندب بالنسبة إلى الإيتار انتهى فمن جوز ذلك الاستدلال بهذا الأمر على الوجوب ومن لم يجوزه حمل الأمر على الندب لهذه القرينة كذا في النيل (أو خمسا) قال الحافظ قال ابن العربي أو خمسا إشارة إلى أن المشروع هو الإيتار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع (أو أكثر من ذلك) بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث أي أكثر من الخمس (إن رأيتن ذلك) رأيت بمعنى الرأي يعني إن احتجتن إلى أكثر من ثلاث أو خمس للانقاء لا للتشهي فلتفعلن وفيه دليل على التفويض إلى اجتهاد الغاسل ويكون ذلك بحسب الحاجة لا التشهي قال ابن المنذر إنما فوض الرأي إليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار قاله العيني والحافظ (بماء وسدر) قال ابن التين هو السنة في ذلك والخطمي مثله فإن عدم فما يقوم
[ 290 ]
مقامه كالأشنان والنطرون ولا معنى لطرح ورق السدر في الماء كما يفعل العامة قاله العيني وقال زين بن المنير ظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل لأن قوله بماء وسدر يتعلق بقوله اغسلنها قال وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير لأن الماء المضاف لا يتطهر به وتعقبه الحافظ بمنع لزوم مصير الماء مضافا بذلك لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك (واجعان لم في الآخرة) أي في المرة الآخرة (كافورا) والحكمة فيه أن الجسم يتصلب به وتنفر الهوام من رائحته وفيه إكرام الملائكة قاله العيني (أو شيئا من كافور) هو شك من الراوي أي اللفظين قال وظاهره جعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور وقال النخعي والكوفيون إنما يجعل في الحنوط أي بعد انتهاء الغسل والتجفيف قاله الحافظ (فآذنني) أي أعلمني قال العيني هو بتشديد النون الأولى هذا أمر لجماعة الإناث من اذن يؤذن إيذانا إذا أعلم (حقوه) بفتح المهملة ويجوز كسرها وهي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة والمراد به هنا الإزار كما وقع مفسرا في رواية والحقو في الأصل معقد الإزار وأطلق على الإزار مجازا وفي رواية للبخاري فنزع من حقوه إزاره والحقو على هذا حقيقة (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أشعرنها) أي زينب ابنته (إياه) أي الحقو قال العيني هو أمر من الإشعار وهو إلباس الثوب الذي يلي بشرة الإنسان أي اجعلن هذا الإزار شعارها وسمى شعارا لأنه يلي شعر الجسد والدثار ما فوق الجسد والحكمة فيه التبرك بآثاره الشريفة انتهى وفي النيل أي الففها حدثنا فيه لأن الشعار ما يلي الجسد من الثياب والمراد اجعلنه شعارا لها انتهى (قال عن مالك) أي قال القعنبي في روايته عن مالك قال الخطابي والحديث فيه أن عدد الغسلات وترو أن من السنة أن يكون مع أخذ الماء شئ من الكافور وأن يغسل الميت بالسدر أو بما في معناه من أشنان ونحوه إذا كان على بدنه من الدرن والوسخ انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع وهي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم
[ 291 ]
(قال مشطناها) من مشطت الماشطة تمشطها مشطا إذا أسرحت شعرها قاله العيني (ثلاثة قرون) إنتصاب ثلاثة يجوز أن يكون بنزع الخافض أي بثلاثة قرون أو على الظرفية أي في ثلاثة قرون والقرون جمع القرن وهو الخصلة من الشعر وحاصل المعنى جعلنا شعرها ثلاث ضفائر بعد أن حللوها بالمشط قاله العيني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وضفرنا رأسها) أي شعر رأسها قال الخطابي والضفر أصله الفتل وفيه دليل على أن تسريح لحية الميت مستحب انتهى وقال الحافظ ضفرنا بضاد ساقطة وفاء خفيفة انتهى وفي النيل وفيه استحباب ضفر شعر المرأة وجعله ثلاثة قرون وهي ناصيتها وقرناها أي جانبا رأسها كما في رواية عند البخاري تعليقا وتسمية الناصية قرنا تغليب وقال الأوزاعي والحنفية إنه يرسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقا قال القرطبي وكأن سبب الخلاف أن الذي فعلته أم عطية هل استندت فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا أو هو شئ رأته ففعلته استحبابا كلا الأمرين محتمل لكن الاصل ان لا يفعل في الميت شئ منم جنس إلا بإذن الشرع لم يرد قوله ذلك مرفوعا كذا قال وقال النووي الظاهر عدم إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره له وتعقب ذلك الحافظ بأن سعيد بن منصور روى عن أم عطية أنها قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أم عطية مرفوعا بلفظ واجعلن لها ثلاثة قرون انتهى (ثم ألقيناها) أي القرون (خلفها) أي الإبنة وفيه استحباب جعل ضفائر المرأة خلفها وقد زعم ابن دقيق العيد أن الوارد في ذلك حديث غريب قال في الفتح وهو مما يتعجب منه مع كون الزيادة في صحيح البخاري وقد توبع رواتها عليها انتهى (مقدم رأسها وقرنيها) بيان للقرون الثلاثة والمراد من قرنيها جانبا رأسها قال الحافظ المزي في الأطراف والحديث أخرجه البخاري في الجنائز عن قبيصة عن
[ 292 ]
سفيان عن هشام عن أم الهذيل حفصة عن أم عطية قال وقال وكيع عن سفيان ناصيتها وقرنيها وأخرج أبو داود فيه عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى عن هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية انتهى (ابدأن) أمر لجمع المؤنث من بدأ يبدأ (بميامنها) جمع ميمنة أي بالأيمن من كل بدنها في الغسلات التي لا وضوء فيها (ومواضع الوضوء) وليس بين الأمرين تناف مكان البداءة بمواضع الوضوء وبالميامن معا قال الزين بن المنير قوله إبدأن بميامنها أي في الغسلات التي لا وضوء فيها ومواضع الوضوء منها أي في الغسلة المتصلة بالوضوء وفي هذا رد على من لم يقل باستحباب البداءة بالميامن وهم الحنفية واستدل به على استحباب المضمضة والاستنشاق في غسل الميت خلافا للحنفية (منها) أي الإبنة قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (أخبرنا حماد عن أيوب) حماد هو ابن زيد فحماد ومالك كلاهما يرويان عن أيوب السختياني وأما مالك فروى عنه القعنبي وأما حماد فروى عنه اثنان مسدد ومحمد بن عبيد وتقدم حديث القعنبي ومسدد فحديث القعنبي ومسدد ومحمد بن عبيد كلها متقاربة المعنى وإليه أشار بقوله (بمعنى حديث مالك) عن أيوب (زاد) أي خالد بن مهران الحذاء (في حديث حفصة عن أم عطية) المتقدم آنفا من طريق أبي كامل الجحدري عن إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن حفصة عن أم عطية (بنحو هذا) أي بنحو حديث مالك (وزادت) حفصة (فيه) في هذا الحديث هذه الجملة (أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) والحاصل أن حديث محمد بن عبيد عن حماد مثل حديث القعنبي عن مالك من غير زيادة ولا نقصان في المعنى
[ 293 ]
وأما حديث أبي كامل الجحدري عن إسماعيل بن علية عن خالد بلفظ إبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ففيه الزيادات الأخرى أيضا وقد صرح ببعض الزيادة قوله أو سبعا أو أكثر من ذلك ولم يصرح ببعضها بل أحال على حديث مالك فبعض الزيادة الأخرى نحو حديث مالك والله أعلم بمراد المؤلف الإمام ثم أعلم أن الحافظ ابن حجر قال في الفتح ولم أر في شئ من الروايات بعد قوله سبعا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود وأما سواها فإما أو سبعا وإما أو أكثر من ذلك انتهى وهو ذهول من مثل ذلك الحافظ الإمام المحقق عما أخرجه البخاري في باب يجعل الكافور في اخره حدثنا حامد بن عمر حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أم عطية وفيه اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن الحديث وعن أيوب عن حفصة بنحوه وقالت إنه قال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك انتهى لفظ البخاري أي وبالإسناد السابق عن أيوب عن حفصة عن أم عطية بنحو الحديث الأول وقالت إنه قال إغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك ولفظ مسلم حدثنا قتيلة بن سعيد أخبرنا حماد عن أيوب عن حفصة عن أم عطية وفيه أنه قال ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك وجعلنا رأسها ثلاثة قرون انتهى وصرح في المنتقى بأن الجمع بين التعبير بسبع وأكثر متفق عليه ويستفاد من هذا استحباب الإيتار بالزيادة على السبعة لكن قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع وصرح بأنها مكروهة أحمد والماوردي وابن المنذر انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (يأخذ الغسل) أي تعتلم له محمد بن سيرين طريق الغسل للميت (يغسل بالسدر مرتين) ظاهره أنه يخلط السدر بالماء في كل مرة قيل وهو يشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير لأن الماء المضاف لا يتطهر به قيل وقد يقال يحتمل أن السدر لا يغير وصف الماء فلا يصير مضافا وذلك بأن يمعك السدر ثم يغسل بالماء في كل مرة وقال القرطبي يجعل السدر في ماء ثم يخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسد الميت ثم يصب عليه الماء القراح فهذه غسلة
[ 294 ]
وقيل يطرح السدر في الماء أي لئلا يمازج الماء فيغير وصف الماء المطلق وتمسك بظاهر الحديث بعض المالكية فقال غسل الميت إنما هو للتنظيف فيجزي الماء المضاف كماء الورد ونحوه وقالوا إنما يكره لأجل السرف والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدي يشترط فيه ما يشترط في الاغتسال الواجبة والمندوبة كذا في سبل السلام (بالماء والكافور) ظاهره أنه يجعل الكافور في الماء ولا يضر الماء تغيره وقيل فيه قول اخر والحديث سكت عنه المنذري في الكفن أي هذا باب في استحباب إحسان الكفن من غير مغالاة (فكفن) بصيغة المجهول التفعيل (غير طائل) أي حقير غير كامل الستر قاله النووي (أن يقبر) بصيغة المجهول من الإفعال أي يدفن (حتى يصلي عليه) بصيغة المجهول بفتح اللام قاله النووي أي مع الجماعة العظيمة قال النووي وأما النهي عن القبر ليلا حتى يصلي عليه فقيل سببه أن الدفن نهارا يحضره كثيرون من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد وقيل لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءة الكفن فلا يبين في الليل ويؤيده أول الحديث وآخره قال القاضي العلتان صحيحتان قال والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معا وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة وهذا الحديث مما يستدل له به وقال جماهير العلماء من السلف والخلف لا يكره واستدلوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير إنكار وبحديث المرأة السوداء أو الرجل الذي كان يقم المسجد فتوفى بالليل فدفنوه ليلا وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه قالوا توفي ليلا فدفناه في الليل فقال ألا آذنتموني قالوا كانت ظلمة ولم ينكر عليهم وأجابوا عن هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل وإنما نهى لترك الصلاة أو لقلة المصلين أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع انتهى وقال الحافظ وقوله حتى يصلي عليه مضبوط بكسر اللام أن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا سبب آخر
[ 295 ]
يقتضي أنه إن رجى بتأخير الميت إلى الصباح صلاة من ترجى بركته عليه استحب تأخيره وإلا فلا (إلا أن يضطر الخ) فيه دليل على أنه لا بأس به في وقت الضرورة (فليحسن كفنه) ضبطوه بوجهين فتح الفاء وإسكانها وكلاهما صحيح قال القاضي والفتح أصوب وليس المراد بإحسانه السرف فيه والمغالاة ونفاسته وإنما نظافته ونقاؤه وستره وتوسطه قاله النووي وقال المنذري والحديث أخرجه مسلم والنسائي وأخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا ولي أحدكم فليحسن كفنه (أدرج) أي لف (في ثوب حبرة) على الوصف والإضافة قال الحافظ والحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة ما كان من البرود مخططا وسيجئ الكلام فيه (ثم أخر عنه) أي نزع عنه والحديث سكت عنه المنذري وقال وسيأتي في حديث عائشة بعد هذا ما يوضحه (فوجد شيئا) أي أهله من الوسع والطاقة على تحسين الكفن (في ثوب حبرة) فيه الأمر بتكفين الميت في ثوب حبرة والحديث سكت عنه المنذري (يمانية) بتخفيف الياء منسوبة إلى اليمن وإنما خففوا الياء وإن كان القياس تشديد ياء النسب لأنهم حذفوا ياء النسب لزيادة الألف وكان الأصل يمنية قاله العيني (بيض) بكسر الباء جمع أبيض (ليس فيها قميص ولا
[ 296 ]
عمامة) قال النووي معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ولم يكن مع الثلاثة شئ آخر هكذا فسره الشافعي وجمهور العلماء وهو الصواب الذي يقتضيه ظاهر الحديث قالوا ويستحب أن لا يكون في الكفن قميص ولا عمامة وقال مالك وأبو حنيفة يستحب قميص وعمامة انتهى قال السندي والجمهور على أنه لم يكن في الثياب التي كفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قميص ولا عمامة أصلا قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي فيه حجة على أبي حنيفة ومالك ومن تابعهما في استحبابهم القميص والعمامة في تكفين الميت وحملوا الحديث على أن المراد ليس القميص والعمامة من جملة الأثواب الثلاثة وإنما هما زائدتان عليها وهو خلاف ظاهر الحديث بل المراد أنه لم يكن في الثياب التي كفن فيها قميص ولا عمامة مطلقا وهكذا فسره الجمهور انتهى وقال الحافظ قولها ليس فيها قميص ولا عمامة يحتمل نفي وجودهما جملة ويحتمل أن يكون المراد نفي المعدود أي الثلاثة خارجة عن القميص والعمامة والأول أظهر انتهى وقال الترمذي وقد روى في كفن النبي صلى الله عليه وسلم رواية مختلفة حديث عائشة أصح الروايات التي رويت في كفن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل على حديث عائشة رضي الله عنها عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 297 ]
(مثله) أي مثل حديث يحيى بن سعيد (زاد) أي حفص بن غياث ولفظ النسائي من طريق حفص عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض يمانية كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة فذكره مثله سواء (من كرسف) بضم الكاف والمهملة بينهما راء ساكنة هو القطن قاله السيوطي (قولهم) أي قول الناس أي ذكر لها أن الناس يقولون إنه صلى الله عليه وسلم كفن في ثوبين وبرد حبرة (وبرد حبرة) قال الحافظ العراقي برد حبرة روى بالإضافة والقطع حكاهما صاحب النهاية والأول هو المشهور وحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة على وزن عنية ضرب من البرود اليمانية قال الأزهري وليس حبرة موضعا أو شيئا معلوما إنما هو شئ كقولك قرمز والقرمز صبغة وذكر الهروي في الغربيين أن برود حبرة هي ما كان موشى مخططا انتهى (ولكنهم) أي الناس الحاضرين على التكفين من الصحابة قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي صحيح (نجرانية) بفتح النون وسكون الجيم قال ابن الأثير هي منسوبة إلى نجران وهو موضع معروف بين الحجاز والشام واليمن انتهى (الحلة) بضم الحاء المهملة وتشديد اللام قال في النهاية الحلة واحدة الحلل وهي برود اليمن ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد انتهى ولفظ أحمد في مسنده كفن في ثلاثة أثواب قميصه الذي مات فيه وحلة نجرانية الحلة ثوبان انتهى قال النووي هذا الحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لأن يزيد بن أبي زياد أحد رواته مجمع على ضعفه لا سيما وقد خالف بروايته الثقات انتهى
[ 298 ]
وقال في المنتقى وعن عائشة عند مسلم وأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها إنما اشتريت ليكفن فيها فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية انتهى قال المنذري وفي إسناده يزيد بن زياد وقد أخرج له مسلم في المتابعات وقد قال غير واحد من الأئمة لا يحتج بحديثه وقال أبو عبيد الله بن أبي ضفرة قولها ليس فيها قميص ولا عمامة يدل على أن القميص الذي غسل فيه النبي صلى الله عليه وسلم نزع عنه حين كفن لأنه إنما قيل لا تنزعوا القميص ليستر به ولا يكشف جسده فلما ستر بالكفن استغنى عن القميص فلو لم ينزع القميص حتى كفن لخرج عن حد الوتر الذي أمر به صلى الله عليه وسلم 34 كراهية المغالاة في الكفن وجد هذا الباب في بعض النسخ والأكثر عنه خالية وحذفه أولى والله أعلم (لا تغالى) مصدر من التفاعل هكذا في بعض النسخ يقال تغال النبات تغاليا ارتفع وتغالى الشجر تغاليا أي التف وعظم وفي بعض النسخ لا يغالي بصيغة الغائب المجهول وفي بعضها بصيغة الحاضر المعروف لا تغال لي والله أعلم (لا تغالوا) بحذف إحدى التاءين أي لا تبالغوا ولا تتجاوزوا الحد (في الكفن) أي في كثرة ثمنه قال ابن الأثير والطيبي أصل الغلاء الارتفاع ومجاوزة القدر في كل شئ يقال غاليت الشئ وبالشئ وغلوت فيه أغلو ذلك إذا جاوزت فيه الحد انتهى وفيه أن الحد الوسط في الكفن هو المستحب المستحسن (فإنه) أي تمزيق الأرض إياه عن قريب (يسلبه) هكذا في بعض النسخ بإثبات ضمير المفعول وأخذ هذه النسخة السيوطي في الجامع الصغير والمعنى أنه يأخذ ويفسد ويزيل الكفن وفي بعض النسخ فإنه يسلب سلبا سريعا على صيغة المجهول بحذف ضمير المفعول وأخذ هذه النسخة صاحب المصابيح والحافظ في بلوغ المرام ومعناه يبلي الكفن بلى سريعا قال الطيبي استعير السلب لبلى الثوب مبالغة في السرعة انتهى
[ 299 ]
قال المناوي في شرح الجامع الصغير قوله فإنه يسلبه سلبا سريعا علة للنهي كأنه قال لا تشتروا الكفن بثمن غال فإنه يبلى بسرعة انتهى وفي سبل السلام حديث علي من رواية الشعبي فيه عمرو بن هاشم وهو مختلف فيه وأيضا فيه انقطاع بين الشعبي وعلي لأنه قال الدارقطني إنه لم يسمع منه سوى حديث واحد وفيه دلالة على المنع من المغالاة في الكفن وهي زيادة الثمن وقوله فإنه يسلب سريعا كأنه إشارة إلى أنه سريع البلي والذهاب كما في حديث عائشة أن أبا بكر نظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران فقال اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين وكفنوني فيها قلت إن هذا خلق قال إن الحي أحق بالجديد من الميت إنه للمهلة أي للصديد ذكره البخاري مختصرا انتهى قال المنذري في إسناده أبو مالك عمرو بن هاشم الجنبي وفيه مقال وذكر ابن أبي حاتم وأبو أحمد الكرابيسي أن الشعبي رأى علي بن أبي طالب وذكر أبو علي الخطيب أنه سمع منه وقد روى عنه عدة أحاديث (قال) أي خباب (مصعب بن عمير) هو بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين وعمير بضم العين مصغر عمرو القرشي العبدري كان من أجلة الصحابة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة وكان في الجاهلية من أنعم الناس عيشا وألينهم لباسا وأحسنهم جمالا فلما أسلم زهد في الدنيا وتقشف وتحشف محمد وفيه نزل (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) قتل يوم أحد شهيدا رضي الله عنه قاله العيني (ولم يكن له) أي لمصعب (إلا نمرة) بفتح النون وكسر الميم كساء فيه خطوط بيض وسود تلبسه الأعراب قاله في المصباح وقال الخطابي النمرة ضرب من الأكسية إذا (غطينا) أي سترنا (بها) أي بالنمرة إلى (من الإذخر) قال العيني هو بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة وفي آخره راء هو نبت بمكة ويكون بأرض الحجاز طيب الرائحة وفيه أن الثوب إذا ضاق فتغطية رأس
[ 300 ]
الميت أولى من رجليه لأنه أفضل قال الخطابي وفيه من الفقه أن الكفن من رأس المال وأن الميت إذا استغرق كفنه جميع تركته كان أحق به من الورثة انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (خير الكفن الحلة) أي الإزار والرداء فيه الفضيلة بتكفين الميت في الحلة قال القاري اختار بعض الأئمة أن يكون الكفن من برود اليمن بدليل هذا الحديث والأصح أن الأبيض أفضل لحديث عائشة رضي الله عنها كفن في السحولية وحديث ابن عباس كفنوا فيها موتاكم رواه أصحاب السنن وقال ابن الملك الأكثرون على اختيار البيض وإنما قال ذلك في الحلة لأنها كانت يومئذ أيسر عليهم (وخير الأضحية الكبش الأقرن) قال الطيبي ولعل فضيلة الكبش الأقرن على غيره لعظم جثته وسمنه في الغالب انتهى قال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه مقتصرا منه على ذكر الكفن 35 في كفن المرأة (يقال له) أي للرجل (داود) هو ابن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي المكي روى عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وعنه قتادة وقيس بن سعد وغيرهما وثقه البخاري كذا في الخلاصة وفي الإصابة وداود بن عاصم هذا هو زوج حبيبة بنت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (قد ولدته) بتشديد اللام والضمير المنصوب يرجع إلى داود أي ربت أم حبيبة داود بن عاصم وتولت أمره ومنه قول الله تعالى في الإنجيل مخاطبا لعيسى عليه السلام أنت نبي وأنا ولدتك بتشديد اللام أي ربيتك والمولدة القابلة ومنه قول مسافع حدثتني امرأة من بني سليم قالت أنا ولدت عامة أهل ديارنا أي كنت لهم قابلة كذا في اللسان وفي بعض كتب اللغة ولدت القابلة فلانة توليدا تولت ولادتها وكذا إذا تولت ولادة شاة أو غيرها قلت ولدتها وولدت
[ 301 ]
الولد ربتها انتهى وسيجئ كلام الحافظ في هذا الباب (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) بدل عن أم حبيبة (أن ليلى بنت قانف) بقاف ونون وفاء هي الثقفية صحابية حديثها عند أحمد وأبي داود قاله الحافظ في الإصابة (أم كلثوم) زوج عثمان (الحقاء) بكسر الحاء قال السيوطي جمع حقو قلت المراد هنا الجنس بناء على ما قالوا إن لام التعريف إذا كان للجنس يبطل معنى الجمعية قاله في فتح الودود وفي التلخيص الحقا بكسر المهملة وتخفيف القاف مقصور قيل هو لغة في الحقو وهو الإزار (ثم الدرع) بكسر الدال وهو القميص (ثم الملحفة) بالكسر هي الملاءة التي تلتحف بها المرأة واللحاف كل ثوب يتغطى به قاله في المصباح (يناولناها) أي هذه الأثواب والحديث سكت عنه المنذري وأخرجه أحمد في مسنده وصرح محمد بن إسحاق بالتحديث وفي إسناده نوح بن حكيم قال ابن القطان مجهول ووثقه ابن حبان وقال ابن إسحاق كان قارئا للقران وأما داود فهو ابن عاصم بن عروة كما جزم بذلك ابن حبان والحافظ في الإصابة في ترجمة ليلى وقال الحافظ في التلخيص والحديث أعله ابن القطان بنوح وأنه مجهول وإن كان محمد بن إسحاق قد قال إنه كان قارئا للقران وداود حصل له فيه تردد هل هو داود بن عاصم بن عروة بن مسعود أو غيره فإن يكن بن عاصم فثقة فيعكر عليه بأن ابن السكن وغيره قالوا إن حبيبة كانت وزجا لداود فحينئذ لا يكون داود بن عاصم لأم حبيبة عليه ولادة أي لأنه زوج ابنتها وما أعله به ابن القطان ليس بعلة وقد جزم ابن حبان بأن داود هو ابن عاصم وولادة أم حبيبة مجازية إن تعين ما قاله ابن السكن وقال بعض المتأخرين إنما هو ولدته بتشديد اللام أي قبلته انتهى قلت فالحديث سنده حسن صالح للاحتجاج والله أعلم 36 في المسك للميت (أطيب طيبكم المسك) مطابقة الحديث للترجمة من حيث أن الحديث عام فيؤخذ منه
[ 302 ]
استعمال المسك للميت أيضا وأخرج أحمد عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا ورجاله رجال الصحيح والمعنى أي بخرتم كان الميت وفيه استحباب تبخير الميت ثلاثا وتطييب بدنة وكفنه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي 37 تعجيل الجنازة وكراهية حبسها أبو (قال عبد الرحيم عروة بن سعيد) بدل عزرة (عن الحصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (ابن وحوح) بواوين مفتوحتين وحاءين مهملتين أولاهما ساكنة هو أنصاري له صحبة قاله المنذري قال العيني قيل إنه مات بالعذيب (أن طلحة بن البراء) أنصاري له صحبة قاله المنذري (لا أرى طلحة) أي لا أظنه (فيه الموت) أي أثره (فاذنوني) أي أخبروني (به) أي بموت طلحة إذا مات (وعجلوا) في التجهيز والتكفين (لجيفة مسلم) ذكر الجيفة هنا كذكر السوأة في قوله تعالى (كيف يوارى سوأة أخيه) وليس في قوله جيفة مسلم دليل على نجاسته (بين ظهراني أهله) يقال هو بين ظهرانيهم وبين أظهرهم والمراد أنه أقام بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدا ومعناه أن ظهرا منهم قدامة وظهرا منهم وراءه فهو مكنوف من جانبيه ومن جوانبه إذا قيل بين أظهرهم ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا قاله في النهاية ومعناه بين أهله والظهر مقحم قال المنذري قال أبو القاسم البغوي ولا أعلم روى هذا الحديث غير سعيد بن عثمان البلوي وهو غريب انتهى كلام المنذري وقد وثق سعيد المذكور ابن حبان ولكن في إسناد هذا الحديث عروة ابن سعيد الأنصاري ويقال عزرة عن أبيه وهو وأبوه مجهولان
[ 303 ]
وفي الباب عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث يا علي لا يؤخرن الصلاة إذا أنت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفوا رواه أحمد وهذا لفظه وأخرجه الترمذي وقال حديث غريب وما أرى إسناده بمتصل وأخرجه أيضا ابن ماجه والحاكم وابن حبان وإعلال الترمذي له بعدم الاتصال لأنه من طريق عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب قيل ولم يسمع منه وقد قال أبو حاتم إنه سمع منه فاتصل إسناده وقد أعله الترمذي أيضا بجهالة سعيد بن عبد الله الجهني ولكنه عده ابن حبان في الثقات والحديث يدل على مشروعية التعجيل بالميت والإسراع في تجهيزه وتشهد له أحاديث الإسراع بالجنازة 38 في الغسل من غسل الميت (ومن الحجامة وغسل الميت) هذا الحديث ضعيف كما قال المؤلف في آخر هذا الباب وتقدم هذا الحديث في كتاب الطهارة في باب الغسل للجمعة قال المنذري قال أبو
[ 304 ]
داود حديث مصعب يعني هذا الحديث فيه خصال ليس العمل عليه وقال الخطابي في إسناد الحديث مقال انتهى كلام المنذري (من غسل الميت فليغتسل) قال الخطابي لا أعلم أحدا من الفقهاء يوجب الاغتسال
[ 305 ]
على من غسل الميت ولا الوضوء من حمله ويشبه أن يكون الأمر في ذلك على الاستحباب وقد يحتمل أن يكون المعنى فيه أن غاسل الميت لا يكاد يأمن أن يصيبه نضح من رشاش الغسل وربما كان على بدن الميت نجاسة فإذا أصابه نضح وهو لا يعلم مكانه كان عليه غسل جميع بدنه ليكون الماء قد أتى على الموضع الذي أصابه النجس من بدنه (ومن حمله فليتوضأ) قد قيل في معناه أي ليكون على وضوء ليتهيأ له الصلاة على الميت والله أعلم وفي إسناد الحديث مقال قاله الخطابي قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غسل ميتا فليغتسل ولفظ الترمذي من غسله الغسل ومن حمله الوضوء يعني الميت وقال الترمذي حديث حسن وقد روى عن أبي هريرة موقوفا هذا آخر كلامه وقد روى أيضا من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وفي أسناده من لا يحتج به وقد اختلف في إسناد هذا الحديث اختلافا كثيرا وقال أحمد بن حنبل وعلي بن المديني لا يصح في هذا الباب شئ وقال محمد بن يحيى لا أعلم من غسل ميتا فليغتسل حديثا ثابتا ولو ثبت لزمنا استعماله وقال الشافعي في البويطي إن صح الحديث قلت بوجوبه
[ 306 ]
(بمعناه) أي بمعنى حديث عمرو بن عمير (قال أبو داود هذا) أي الغسل من غسل الميت (منسوخ) قال الحافظ في التلخيص ويدل له ما رواه البيهقي عن الحاكم عن أبي علي الحافظ عن أبي العباس الهمداني الحافظ حدثنا أبو شيبة حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن عمرو بن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه إن ميتكم يموت طاهرا وليس ينجس فحسبكم أن يغسلوا أيديكم قال البيهقي هذا ضعيف والحمل فيه على أبي شيبة قلت أبو شيبة هو إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة احتج به النسائي ووثقه الناس ومن فوقه احتج بهم البخاري وأبو العباس الهمداني هو ابن عقدة حافظ كبير إنما تكلموا فيه بسبب المذهب ولأمور أخرى ولم يضعف بسبب المتون أصلا فالإسناد حسن فيجمع بينه وبين الأمر في حديث أبي هريرة بأن الأمر على الندب أو المراد بالغسل غسل الأيدي كما صرح به في هذا ويؤيد أن الأمر فيه للندب ما روى الخطيب بإسناد صحيح عن نافع عن ابن عمر كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل وهو أحسن ما جمع به بين مختلف الأحاديث انتهى (قال أبو داود أدخل أبو صالح) قال في الفتح روى الترمذي وابن حبان من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وهو معلول لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة رضي الله عنه انتهى وقال الحافظ في التلخيص حديث من غسل ميتا فليغتسل رواه أحمد والبيهقي من رواية ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة بهذا وزاد ومن حمله فليتوضأ وصالح ضعيف ورواه البزار من رواية العلاء عن أبيه ومن رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ومن رواية أبي بحر البكراوي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة كلهم عن أبي هريرة ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن المختار وابن حبان من رواية حماد بن سلمة كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ورواه أبو داود من رواية
[ 307 ]
عمرو بن عمير وأحمد من رواية شيخ يقال له أبو إسحاق كلاهما عن أبي هريرة وذكر البيهقي له طرقا وضعفها ثم قال والصحيح أنه موقوف وقال البخاري الأشبه موقوف وقال علي وأحمد لا يصح في هذا الباب شئ نقله الترمذي عن البخاري عنهما وقال الذهلي لا أعلم فيه حديثا ثابتا ولو ثبت للزمنا استعماله وقال ابن المنذر ليس في الباب حديث يثبت وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أو عن القاسم بن عباس عن عمرو بن عمير ثم قال وقوله عن المقبري أصح وقال الرافعي لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئا مرفوعا قال الحافظ قد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وله طريق أخرى من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رفعه من غسل ميتا فليغتسل ذكره الدارقطني وقال فيه نظر قال الحافظ رواته موثقون وقال ابن دقيق العيد في الإمام حاصل ما يعتل به وجهان أحدهما من جهة الرجال ولا يخلو إسناد منها من متكلم فيه ثم ذكر ما معناه أن أحسنها رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وهي معلولة وإن صححها ابن حبان وابن حزم فقد رواه سفيان عن سهيل عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة قال الحافظ إسحاق مولى زائدة أخرج له مسلم فينبغي أن يصحح الحديث قال ابن دقيق العيد وأما رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فإسناد حسن إلا أن الحفاظ من أصحاب محمد بن عمرو رووه عنه موقوفا انتهى وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنا فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض وقد قال الذهبي في مختصر البيهقي طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء ولم يعلوها بالوقف بل قدموا رواية الرفع انتهى وفي الباب عن عائشة رواه أحمد وأبو داود والبيهقي وفي إسناده مصعب بن شيبة وفيه مقال وضعفه أبو زرعة وأحمد والبخاري وصححه ابن خزيمة وعن حذيفة ذكره ابن أبي حاتم والدارقطني في العلل وقالا إنه لا يثبت قال الحافظ ونفيهما الثبوت على طريقة المحدثين وإلا فهو على طريقة الفقهاء قوى لأن رواته ثقات انتهى كلام الحافظ من التلخيص ملخصا
[ 308 ]
39 في تقبيل الميت (يقبل) بالتشديد (عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة أخ رضاعي له عليه السلام (وهو ميت) حال من المفعول (تسيل) وفيه دليل على أن تقبيل المسلم بعد الموت والبكاء عليه جائز وأخرج البخاري عن عائشة وابن عباس أن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وفي لفظ عند أحمد والبخاري عنها أن أبا بكر دخل فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرده فكشف عن وجهه وأكب عليه فقبله وفيه جواز تقبيل الميت تعظيما وتبركا لأنه لم ينقل أنه أنكر أحد من الصحابة على أبي بكر فكان إجماعا كذا في النيل قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه وفي حديث ابن ماجه على خديه وقال الترمذي حسن صحيح هذا آخر كلامه وفي إسناده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة 40 في الدفن بالليل (وإذا هو) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا هو) أي الصاحب (الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر)
[ 309 ]
وأخرج الترمذ من حديث ابن عباس ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة وقال رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقران قال الترمذي حديث ابن عباس حديث حسن انتهى والحديث يدل على جواز الدفن بالليل وبه قال الجمهور وكرهه الحسن البصري واستدل بحديث جابر المتقدم في باب الكفن وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر أن يقبر الرجل ليلا حتى يصلي
[ 310 ]
عليه وأجيب عنه أن الزجر منه صلى الله عليه وسلم إنما لترك الصلاة لا للدفن بالليل أو لأجل أنهم كانوا يدفنون بالليل لرداءة الكفن فالزجر إنما هو لما كان الدفن بالليل مظنة إساءة الكفن كما تقدم فإذا لم يقع تقصير في الصلاة على الميت وتكفينه فلا بأس بالدفن ليلا وقد دفن النبي صلى الله عليه وسلم ليلا كما رواه أحمد عن عائشة وكذا دفن أبو بكر ليلا كما عند ابن أبي شيبة وحديث جابر في الباب سكت عنه المنذري 41 في الميت يحمل من أرض إلى أرض إلخ (عن نبيح) بمهملة مصغر هو ابن عبد الله العنزي مقبول من الثالثة قاله في التقريب (أن تدفنوا القتلى) جمع القتيل وهو المقتول أي الشهداء (في مضاجعهم) أي مقاتلهم والمعنى لا تنقلوا الشهداء من مقتلهم بل ادفنوهم حيث قتلوا وكذا من مات في موضع لا ينقل إلى بلد آخر قاله بعض الأئمة والظاهر أن نهي النقل مختص بالشهداء لأنه نقل ابن أبي وقاص من قصره إلى المدينة بحضور جماعة من الصحابة ولم ينكروا والأظهر أن يحمل النهي على نقلهم بعد دفنهم لغير عذر ويؤيده لفظ مضاجعهم قاله القاري وقال العيني وأما نقل الميت من موضع إلى موضع فكرهه جماعة وجوزه آخرون وقال المازري ظاهر مذهبنا جواز نقل الميت من بلد إلى بلد وقد مات سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بالعقيق ودفنا بالمدينة انتهى أي كما أخرجه مالك في الموطأ وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء في خلافة علي قال شريك نقله ابنه الحسن إلى المدينة وقال المبرد عن محمد بن حبيب أول من حول من قبر إلى قبر علي رضي الله عنه وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز قال لما قتل علي بن أبي طالب حملوه ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وفي هذه الآثار جواز نقل الميت من الموطن الذي مات فيه إلى موطن آخر يدفن فيه والأصل الجواز فلا يمنع من ذلك إلا لدليل
[ 311 ]
وأما حديث جابر بن عبد الله ففيه إرجاع الشهيد إلى الموضع الذي أصيب فيه بعد نقله وليس في هذا أنهم كانوا قد دفنوا بالمدينة ثم أخرجوا من القبور ونقلوا فهذا النهي مختص بالشهداء وهذا هو الصواب والله أعلم قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح 2 4 في الصف على الجنازة (عن مالك بن هبيرة) بالتصغير (إلا أوجب) الله عليه الجنة (قال) مرثد (إذا استقل أهل الجنازة) أي عدهم قليلا وفي رواية الترمذي قال كان مالك بن هبيرة إذا صلى على جنازة فتقال الناس عليها جزأهم ثلاثة أجزأ هو تفاعل من القلة أي رآهم قليلا والحديث فيه دليل على أن من صلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين غفر له وأقل ما يسمى صفا رجلان ولا حد لأكثره كذا في النيل (جزأهم) بالتشديد أي فرقهم وجعل القوم الذين يمكن أن يكونوا صفا واحدا (ثلاثة صفوف للحديث) وفي جعله صفوفا إشارة إلى كراهة الانفراد قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن 43 اتباع النساء الجنازة (ولم يعزم علينا) أي ولم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات
[ 312 ]
فكأنها قالت كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم وقال القرطبي ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه وبه قال جمهور أهل العلم قاله في الفتح ولفظ البخاري في باب الحيض عن أم عطية نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتباع الجنازة وقولها لم يعزم علينا ظاهر في أن النهي للكراهة لا للتحريم كأنها فهمته من قرينة ويدل له ما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فرأى عمر امرأة فصاح بها فقال دعها يا عمر الحديث وقال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه 44 فضل الصلاة على الجنازة وتشييعها أي اتباعها إلى الدفن (فله قيراط) زاد مسلم في روايته من الأجر والقيراط بكسر القاف قال الجوهري أصله قراط بالتشديد لأن جمعه قراريط فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء قال والقيراط نصف دانق وقال قبل ذلك الدانق سدس الدرهم فعلى هذا يكون القيراط جزءا من اثني عشر جزءا من الدرهم وأما صاحب النهاية فقال القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشرة في أكثر البلاد وفي الشام جزء من أربعة وعشرين جزءا قاله الحافظ (ومن تبعها) أي الجنازة (منها) أي الجنازة (فله) أي للتابع (مثل أحد) هذا تمثيل واستعارة ويجوز أن يكون حقيقة بأن يجعل الله علمه ذلك يوم القيامة في صورة عين يوزن كما توزن الأجسام ويكون قدر هذا كقدر أحد وقيل المراد بالقيراط ها هنا جزء من أجزاء معلومة عند الله تعالى وقد قربها النبي صلى الله عليه وسلم للفهم بتمثيله القيراط بأحد وقال الطيبي قوله مثل أحد تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ القيراط والمراد منه أن يرجع بنصيب من الأجر قاله العيني قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه نحوه (المقرئ) من القراءة وهو عبد الله بن يزيد المخزومي أبو عبد الرحمن قاله الذهبي
[ 313 ]
وأخرج مسلم بقوله حدثني محمد بن عبد الله بن نمير قال أخبرني عبد الله بن يزيد حدثني حيوة إلى أن قال أن عامرا كان قاعدا عند عبد الله ابن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من الأجر كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت حتى رجع إليه الرسول فقال قالت عائشة صدق أبو هريرة ثم قال لقد فرطنا في قراريط كثيرة (أن يزيد بن عبد الله بن قسيط حدثه) أي أبا صخر (أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص حدثه) أي يزيد (عن أبيه) عامر بن سعد (أنه كان) أي عامر (إذ طلع خباب) قال في الاصابة خباب مولى فاطمة بنت عتبة ابن ربيعة أبو مسلم صاحب المقصورة أدرك الجاهلية واختلف في صحبته وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا وضوء إلا من صوت أو ريح (صاحب المقصورة) قال في تاج العروس المقصورة الدار الواسعة المحصنة بالحيطان أو هي أصغر من الدار كالقصارة بالضم وهي المقصورة من الدار لا يدخلها إلا صاحبها (فقال) أي خباب (فذكر) أي عامر بن سعد قال المنذري والحديث أخرجه مسلم بمعناه أتم منه (السكوني) بفتح السين وضم الكاف نسبة إلى السكون قبيلة (فيقوم) للصلاة (أربعون رجلا) هكذا في رواية كريب عن ابن عباس والحديث عند أحمد ومسلم أيضا وأخرج مسلم عن عائشة مرفوعا ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له الحديث وتقدم حديث مالك بن هبيرة مروفوعا بلفظ ما من ميت يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين الحديث
[ 314 ]
وهذه الأحاديث فيها دلالة على استحباب تكثير جماعة الجنازة ويطلب بلوغهم إلى العدد الذي يكون من موجبات الفوز وقد قيد ذلك بأمرين الأول أن يكونوا شافعين فيه أي مخلصين له الدعاء سائلين له المغفرة الثاني أن يكونوا مسلمين ليس فيهم من يشرك بالله شيئا كما في حديث بن عباس قال القاضي عياض قيل هذا الأحاديث خرجت أجوبة للسائلين سألوا عن ذلك فأجاب كل واحد عن سؤاله قال النووي ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بقبول شفاعة مائة فأخبر به ثم بقبول شفاعة أربعين فأخبر به ثم ثلاثة صفوف وإن قل عددهم فأخبر به قال ويحتمل أيضا أن يقال هذا مفهوم عدد فلا يلزم من الاخبار عن قبول شفاعة مائة منع قبول ما دون ذلك وكذا في الأربعين مع ثلاثة صفوف وحينئذ كل الأحاديث معمول بها وتحصل الشفاعة بأقل الأمرين من ثلاثة صفوف وأربعين (إلا شفعوا) بتشديد الفاء على بناء المجهول أي قبلت شفاعتهم (فيه) أي في حق الميت قال المنذري والحديث أخرجه مسلم أتم منه وأخرجه ابن ماجه بنحوه 45 في اتباع الميت بالنار (قالا) أي عبد الصمد وأبو داود (لا تتبع) بضم أوله وفتح ثالثه خبر بمعنى النهي (الجنازة
[ 315 ]
بصوت) أي مع صوت وهو النياحة (ولا نار) فيكره اتباعها بنار في مجمرة أو غيرها لما فيه من التفاؤل (ولا يمشي) بضم أوله (بين يديها) بنار ولا صوت فيكره ذلك وأخرج أحمد عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتبع جنازة معها رانة وعند ابن ماجه عن أبي بردة قال أوصى أبو موسى حين حضره الموت فقال لا تتبعوني بمجمر قالوا أو سمعت فيه شيئا قال نعم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه أبو حريز مولى معاوية مجهول وفي الموطأ عن هشام بن عروة عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت لأهلها ولا تتبعوني بنار وفيه عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه نهى أن يتبع بعد موته بنار قال ابن عبد البر جاء النهي عن ذلك عن ابن عمر مرفوعا انتهى بل وعن أبي هريرة نفسه كما في الباب لكن قال ابن القطان حديث لا يصح وإن كان متصلا للجهل بحال ابن عمير راوية عن رجل عن أبيه عن أبي هريرة انتهى قال الزرقاني لكن حسنه بعض الحفاظ ولعله لشواهده فيكره اتباع الجنازة بنار في مجمرة أو غيرها لأنه من شعار الجاهلية وقد هدم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وزجر عنها ولأنه من فعل النصارى ولما فيه من التفاؤل قال المنذري في إسناده رجلان مجهولان 46 القيام للجنازة (فقوموا لها) أي للجنازة لهول الموت وفزع منه لا لتعظيم الميت كما هو المفهوم من
[ 316 ]
حديث جابر الآتي أو الملائكة كما هو المفهوم من حديث أنس إنما قمنا للملائكة أخرجه النسائي (حتى تخلفكم) بضم التاء وتشديد اللام أي تتجاوزكم) وتجعلكم عبد خلفها وليس المراد التخصيص بكون الجنازة تتقدم بل المراد مفارقتها سواء تخلف القائم لها وراءها أو خلفها القائم وراءه وتقدم قاله العيني وقال الحافظ وقد اختلف أهل العلم في أصل المسألة يعني القيام للجنازة فذهب الشافعي إلى أنه غير واجب فقال هذا إما أن يكون منسوخا أو يكون قام لعلة وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله والحجة في الآخر من أمره والقعود أحب إلي انتهى وأشار بالترك إلى حديث علي أنه صلى الله عليه وسلم قام للجنازة ثم قعد أخرجه مسلم قال البيضاوي يحتمل قول على ثم قعد أي بعد أن جاوزته وبعدت عنه ويحتمل أن يريد كان يقوم في وقت ثم ترك القيام أصلا وعلى هذا يكون فعله الأخير قرينة في أن المراد بالأمر الوارد في ذلك الندب ويحتمل أن يكون نسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر والأول أرجح لأن احتمال المجاز يعني في الأمر أولى من دعوى النسخ انتهى والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي من حديث علي أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ثم حدثهم الحديث ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة منهم سليم الرازي وغيره من الشافعية وقال ابن حزم قعوده صلى الله عليه وسلم بعد أمره بالقيام يدل على أن الأمر للندب ولا يجوز أن يكون نسخا لأن النسخ لا يكون إلا بنهي أو بترك معه نهي انتهى وقد ورد معنى النهي من حديث عبادة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة فمر به حبر من اليهود فقال هكذا نفعل فقال اجلسوا وخالفوهم أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي فلو لم يكن إسناده ضعيفا لكان حجة في النسخ وقال عياض ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع وهو هنا ممكن قال والمختار أنه مستحب وبه قال المتولي انتهى وقال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد جاءت اثار صحاح ثابتة توجب القيام للجنازة وقال بها جماعة من السلف والخلف ورأوها غير منسوخة وقالوا لا يجلس من اتبع الجنازة
[ 317 ]
حتى توضع عن أعناق الرجال منهم الحسن بن علي وأبو هريرة وابن عمر وابن الزبير وأبو سعيد وأبو موسى وذهب إلى ذلك الأوزاعي وأحمد وإسحاق وبه قال محمد بن الحسن وقال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ليس على من مرت به الجنازة أن يقوموا لها ولمن تبعها أن يجلس وإن لم يوضح وأراد بالآخرين عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود ونافع بن جبير وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وأبا يوسف وذهبوا إلى أن الأمر بالقيام منسوخ وتمسكوا بحديث علي عند مسلم ولفظ ابن حبان في صحيحه كان يأمرنا بالقيام في الجنائز ثم جلس بعد ذلك وأمر بالجلوس كذا في عمدة القاري شرح البخاري ملخصا (أو توضع) الجنازة على الأعناق والحديث سكت عنه المنذري (حتى توضع) أي بالأرض فيه النهي عن جلوس الماشي مع الجنازة قبل أن توضع على الأرض فقال الأوزاعي وإسحاق وأحمد ومحمد بن الحسن إنه مستحب حكى ذلك عنهم النووي والحافظ في الفتح ونقله ابن المنذر عن أكثر الصحابة والتابعين قالوا والنسخ إنما هو في قيام من مرت به لا في قيام من شيعها وحكى في الفتح عن الشعبي والنخعي أنه يكره القعود قبل أن توضع وأخرج النسائي عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما قالا ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع وعند أحمد عن أبي هريرة مرفوعا من صلى على جنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه فإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع (حتى توضع بالأرض) قد رجح المؤلف الإمام رواية سفيان هذه على الرواية الأخرى أعني قوله حتى توضع في اللحد وكذلك قال الأثرم أي وهم رواية أبي معاوية وكذلك أشار البخاري إلى ترجيحها بقوله باب من شهد جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال
[ 318 ]
وأخرج أبو نعيم عن سهيل قال رأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال وهذا يدل على أن الرواية الأولى أرجح لأن أبا صالح راوي الحديث وهو أعرف بالمراد منه وقد تمسك بالرواية الثانية صاحب المحيط من الحنفية فقال الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليها التراب وتؤيده الرواية الآتية عن عبادة بن الصامت والله أعلم قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد نحوه وأخرج مسلم من حديث أبي صالح السمان عن أبي سعيد (فقام) أي النبي صلى الله عليه وسلم (لها) أي للجنازة (فقال إن الموت فزع) قال القرطبي معناه أن الموت يفزع منه إشارة إلى استعظامه ومقصود الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت فمن ثم استوى فيه كون الميت مسلما أو غير مسلم وقال غيره جعل نفس الموت فزعا مبالغة كما يقال رجل عدل قال البيضاوي هو مصدر جرى مجرى الوصف للمبالغة أو فيه تقدير أي الموت ذو فزع قاله الحافظ وقال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وليس في حديثهم فما ذهبنا لنحمل (ثم قعد بعد) قد مر الكلام في معنى هذا الحديث وقد استدل به الترمذي على نسخ
[ 319 ]
قيام من رأى الجنازة فقال بعد إخراجه له وهذا ناسخ للأول إذا رأيتم الجنازة فقوموا انتهى قلت وإليه مال المؤلف قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه (أبو الأسباط الحارثي) هو بشر بن رافع إمام مسجد نجران وثقه ابن معين وابن عدي وقال البخاري لا يتابع وضعفه الترمذي والنسائي وأبو حاتم وأحمد (حتى توضع في اللحد) بفتح اللام وتضم وسكون الحاء الشق في جانب القبلة من القبر (فمر به) أي بالنبي صلى الله عليه وسلم (حبر) بفتح الحاء وتكسر أي عالم (فقال) أي الحبر (فجلس النبي صلى الله عليه وسلم) أي بعد ما كان واقفا أو بعد ذلك ولفظ ابن ماجه حدثنا محمد بن بشار وعقبة ابن مكرم قالا حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا بشر بن رافع عن عبد الله بن سليمان بن جنادة بن أبي أمية عن أبيه عن جده عن عبادة بن الصامت قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتبع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد الحديث
[ 320 ]
قال الحافظ في التلخيص ووقع في رواية عبادة حتى توضع في اللحد ويرده ما في حديث البراء الطويلي الذي صححه أبو عوانة وغيره كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلست وجلسنا حوله انتهى
[ 321 ]
قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث غريب وبشر بن رافع ليس بالقوي في الحديث هذا آخر كلامه وقال أبو بكر الهمداني ولو صح لكان صريحا في النسخ غير أن حديث أبي سعيد أصح وأثبت فلا يقاومه هذا الإسناد وذكر غيره أن القيام للجنازة منسوخ بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه 47 الركوب في الجنازة (فأبى) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فلما انصرف) النبي صلى الله عليه وسلم من الجنازة (فركب) فيه إباحة الركوب في الرجوع عن الجنازة وكراهة الركوب في الذهاب معها والحديث سكت عنه المنذري
[ 322 ]
وعند ابن ماجه والترمذي من حديث ثوبان قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى ناسا ركبانا فقال ألا تستحيون إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب وحديث ثوبان الذي في الباب رجاله رجال الصحيح والله أعلم (علي ابن الدحداح) بفتح الدال قال النووي بدالين وحائين مهملات ويقال أبو الدحداح ويقال أبو الدحداحة قال ابن عبد البر لا يعرف اسمه (ثم أتى بفرس) أي بعد ما فرغ من الدفن وأراد الانصراف كما في حديث جابر بن سمرة عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرس وفي رواية أتى بفرس معرور فركبه حين انصرفنا من جنازة ابن الدحداح ونحن نمشي حوله رواه أحمد ومسلم قال الترمذي حديث جابر حسن صحيح (فعقل) على صيغة المجهول أي امسك وحبس الفرس للركوب (حتى ركبه) أي ركب النبي صلى الله عليه وسلم على الفرس (يتوقص به) قال في النهاية أي ينزو ويثب ويقارب الخطو انتهى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي 48 المشي أمام الجنازة (يمشون أمام الجنازة) قال الخطابي أكثر أهل العلم على استحباب المشي أمام الجنازة وكان أكثر الصحابة يفعلون ذلك
[ 323 ]
وقد روى عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة أنهما كانا يمشيان خلف الجنازة وقال أصحاب الرأي لا بأس بالمشي أمامها والمشي خلفها أحب إلينا وقال الأوزاعي هو سنة وخلفها أفضل فأما الراكب فلا أعلم أنهم اختلفوا في أنه يكون خلف الجنازة انتهى قال الشمني اختلفوا في المشي أمام الجنازة فقال أبو حنيفة والأوزاعي المشي خلفها
[ 324 ]
أحب وقال الثوري وطائفة هما سواء وقال مالك والشافعي وأحمد قدامها أفضل انتهى وقال الزيلعي ومذهب الإمام أحمد أن أمام الجنازة أفضل في حق الماشي وخلفها أفضل في حق الراكب انتهى قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي وأهل الحديث كلهم يرون الحديث المرسل في ذلك أصح وحكى البخاري قال والحديث الصحيح هو هذا يعني المرسل وقال النسائي هذا خطأ والصواب مرسل وقال ابن المبارك حديث الزهري في هذا مرسل أصح من حديث ابن عيينة وقد وافقه على رفعه ابن جريج وزياد بن سعد وغير واحد وقال البيهقي وممن وصله واستقر على وصله ولم يختلف عليه فيه سفيان ابن عيينة وهو حجة ثقة انتهى وقال في التلخيص وعن علي بن المديني قال قلت لابن عيينة يا أبا محمد خالفك الناس في هذا الحديث فقال أستيقن الزهري حدثني مرار الست أحصيه يعيده ويبديه سمعته من فيه عن سالم عن أبيه وجزم أيضا بصحته ابن المنذر وابن حزم انتهى مختصرا (قال) أي يونس بن يزيد (وأحسب) أي أظن (أن أهل زياد أخبروني) فالمخبرون به مجهولون (إنه) أي المغيرة بن شعبة (رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وظاهره أن يونس لم يرو الحديث عن زياد بن جبير مرفوعا بل أخبروه بالرفع أهل زياد بن جبير وأخرج الطبراني موقوفا على المغيرة وقال لم يرفعه سفيان ورجح الدارقطني في العلل الموقوف وقال الزيلعي في إسناده اضطراب قلت الحديث أخرجه الترمذي في باب الصلاة على الأطفال من طريق سعيد بن عبيد الله عن زياد بن جبيربن حية عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وكذا أخرجه ابن ماجه في باب شهود الجنائز من طريق سعيد حدثني زياد ابن جبير سمع المغيرة بن شعبة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الراكب خلف الجنازة الحديث لكن لم يقل عن أبيه وكذا أخرجه النسائي من طريق سعيد بن عبيد الله والمغيرة بن عبيد الله جميعا عن
[ 325 ]
زياد بن جبير لكن ذكر ابن ماجه هذا الإسناد بعينه في باب الصلاة على الطفل وقال فيه عن أبيه جبير بن حية وكذا أخرجه الحافظ ابن عبد البر في التمهيد من طريق وكيع عن سعيد بن عبيد الله عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقال الترمذي حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد وابن حبان وصححه والحاكم وقال على شرط البخاري والحاصل أن سعيد أو المغيرة جميعا روياه مرفوعا وزيادة الثقة مقبولة وليس في إسناده اضطراب لا يمكن الجمع والله أعلم (قريبا منها) أي من الجنازة كلما يكون أقرب منها في الجوانب الأربعة فهو أفضل للمساعدة في الحمل عند الحاجة (والسقط) بتثليث السين والكسر أشهر ما بدا بعض خلقه في القاموس السقط مثلثة الولد لغير تمام قاله القاري وقال الخطابي اختلف الناس في الصلاة على السقط فروى عن ابن عمر أنه قال يصلي عليه وإن لم يستهل وبه قال ابن سيرين وابن المسيب وقال أحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه كل ما نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر وعشر صلى عليه وقال إسحاق إنما الميراث بالاستهلال فأما الصلاة فإنه يصلي عليه لأنه نسمة تامة قد كتب عليها الشقاوة والسعادة فلأي شئ تترك الصلاة عليه وروى عن ابن عباس أنه قال إذا استهل ورث وصلى عليه وعن جابر إذا استهل صلى عليه وإن لم يستهل لم يصل عليه وبه قال أصحاب الرأي وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي (ويدعي لوالديه) إن كانا مسلمين (قال المنذري) والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح وحديث ابن ماجه مختصر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الطفل يصلي عليه وليس في حديثهم وأحسب أن أهل زياد أخبروني 49 الإسراع بالجنازة أي بعد أن تحمل
[ 326 ]
(أسرعوا بالجنازة) أي بحملها إلى قبرها قال الحافظ المراد بالإسراع ما فوق المشي المعتاد ويكره الإسراع الشديد (فإن تك) أصله فإن تكن حذفت النون للتخفيف والضمير الذي فيه يرجع إلى الجنازة التي هي عبارة عن الميت (صالحة) نصب على الخبرية (فخير) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي فهو خير تقدمونها إليه يوم القيامة أو هو مبتدأ أي فثمه أبي خير تقدمون الجنازة إليه يعني حاله في القبر حسن طيب فأسرعوا بها حتى تصل إلى تلك الحالة قريبا قاله العيني (تقدمونها) بالتشديد أي الجنازة (إليه) الضمير فيه يرجع إلى الخير باعتبار الثواب (فشر) إعرابه مثل إعراب فخير (تضعونه) أي أنها بعيدة من الرحمة فلا مصلحة لكم في مصاحبتها قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (نرمل رملا) من باب طلب قال العيني من رمل رملا ورملانا إذا أسرع في المشي وهز منكبيه ومراده الإسراع المتوسط ويدل عليه ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عبد الله بن عمرو أن أباه أوصاه قال إذا أنت حملتني على السرير فامش مشيا بين المشيين وكن خلف الجنازة فإن مقدمها للملائكة وخلفها لبني آدم انتهى قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وقال النووي في الخلاصة سنده صحيح (بهذا الحديث) السابق (قالا) أي خالد بن الحارث وعيسى بن يونس (في جنازة عبد الرحمن بن سمرة) مكان قوله في جنازة عثمان بن أبي وقاص والحديث يدور على عيينة بن عبد الرحمن فشعبة قال عنه عثمان بن أبي العاص وأما خالد وعيسى فقالا عنه عبد الرحمن بن سمرة (قال) أي عبد الرحمن والد عيينة (فحمل) أي أبو بكرة والحديث سكت عنه المنذري
[ 327 ]
(ما دون الخبب) وهو العدو وشدة المشي قاله العيني (إن يكن) أي الميت (خيرا) وكان عمله صالحا (تعجل) أي الجنازة التي هي عبارة عن الميت (إليه) أي إلى الخير والثواب (فبعدا لأهل النار) دعا عليهم بالهلاك مثل قوله تعالى وقيل بعدا للقوم الظالمين قاله في فتح الودود (والجنازة متبوعة) أي حقيقة وحكما فيمشي خلفها ولا يتقدم عليها (ولا تتبع) بفتح التاء والباء وبرفع العين على النفي وبسكونها على النهي قاله القاري (ليس معها من تقدمها) تقرير بعد تقرير والمعنى لا يثبت له الأجر الأكمل قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه وحديث ابن ماجه مختصر وقال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث عبد الله بن مسعود إلا من هذا الوجه قال سمعت محمد بن إسماعيل يعني البخاري يضعف حديث أبي ماجدة هذا وقال محمد يعني البخاري قال الحميدي قال ابن عيينة قيل ليحيى يعني الرازي عن أبي ماجدة من أبو ماجدة هذا قال طائر طار فحدثنا هذا آخر كلامه وفي رواية عن يحيى الرازي عنه وهو منكر الحديث وأبو ماجدة هذا ويقال أبو ماجد حنفي ويقال عجلي قال الدارقطني مجهول وقال أبو أحمد الكرابيسي حديثه ليس بالقائم وقال البيهقي هذا حديث ضعيف يحيى ابن عبد الله الجابر ضعيف وأبو ماجدة وقيل أبو ماجد مجهول وفيما مضى كفاية يريد الحديث الصحيح الذي تقدم انتهى كلام المنذري وقال الترمذي في علله الكبرى قال البخاري أبو ماجد منكر الحديث وضعفه جدا
[ 328 ]
50 الإمام لا يصلي على من قتل نفسه (فصيح) أي صرخ (عليه) أي على المريض (فقال) الجار (إنه) أي المريض (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) جابر (فرجع) أي الجار المخبر (قال) جابر (فرجع) أي جاره (فقالت امرأته) أي زوجة المريض لجاره (فقال الرجل) المخبر (اللهم العنه) وأما اللعنة من الرجل الجار على ذلك المريض فلعله أخبر بأنه قتل نفسه وإلا لا يجترئ على ذلك (قال) جابر (ثم انطلق الرجل) المخبر (فراه) أي المريض (يمشقص معه) قال الخطابي المشقص نصل عريض (إذا لا أصلي عليه) قال الخطابي وترك الصلاة عليه معناه العقوبة له وردع لغيره عن مثل فعله وقد اختلف الناس في هذا فكان عمر بن عبد العزيز لا يرى الصلاة على من قتل نفسه وكذلك قال الأوزاعي وقال أكثر الفقهاء يصلي عليه انتهى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا بمعناه قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي إنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك ليحذر الناس بترك الصلاة عليه فلا يرتكبوا كما ارتكب الصلاة على من قتلته الحدود (حدثني نفر) أي جماعة (لم يصل على ماعز) هو الذي رجم بإقرار الزنا قال المنذري
[ 329 ]
في إسناده مجاهيل وأخرج مسلم في صحيحه حديث ماعز من رواية أبي سعيد الخدري وفيه قال فما استغفر له ولا سبه وأخرجه من حديث بريدة بن الحصيب وفيه قال استغفروا لماعز بن مالك فقالوا غفر الله لماعز بن مالك وأخرجه البخاري في صحيحه عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر حديث ماعز وفيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرا وصلى عليه وقال البخاري لم يقل يونس وابن جريج عن الزهري فصلى عليه هذا آخر كلامه وقد أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث معمر عن الزهري وفيه فلم يصل عليه وعلل بعضهم هذه الزيادة وهي قوله فصلى عليه بأن محمد بن يحيى لم يذكرها وهو أضبط من محمود بن غيلان قال وتابع محمد بن يحيى نوح بن حبيب وقال غيره كذا رواه عن عبد الرزاق والحسن بن علي ومحمد بن المتوكل ولم يذكر الزيادة قال وما أرى مسلما ترك حديث محمود بن غيلان إلا لمخالفة هؤلاء هذا آخر كلامه وقد خالفه أيضا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه وحميد بن زنجويه وأحمد بن منصور الرمادي وإسحاق بن إبراهيم الديري فهؤلاء ثمانية من أصحاب عبد الرزاق خالفوا محمودا في هذه الزيادة وفيهم هؤلاء الحفاظ إسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى الذهلي وحميد بن زنجويه وقد أخرجه مسلم في صحيحه عن إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق ولم يذكر لفظه غير أنه قال نحو رواية عقيل وحديث عقيل الذي أشار إليه ليس فيه ذكر الصلاة وقال أبو بكر البيهقي ورواه البخاري عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق إلا أنه قال فصلي عليه وهو خطأ جماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه ثم إجماع أصحاب الزهري على خلافه هذا آخر كلامه وقد أخرج مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه حديث الجهنية وفيه فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها فرجمت ثم صلى عليها فقال عمر رضي الله عنه تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله وهذا الحديث ظاهر جدا في الصلاة على المرجوم والله عز وجل أعلم وإذا حملت الصلاة في حديث محمود بن غيلان على الدعاء اتفقت الأحاديث كلها والله أعلم انتهى كلام المنذري بحروفه
[ 330 ]
قلت الأولى حملها على الصلاة المعروفة ليوافق حديث عمران والزيادة من الثقة مقبولة وقال الحافظ في الفتح وطريق الجمع بين الأحاديث أن تحمل رواية النفي على أنه لم يصل عليه حين رجم ورواية الإثبات على أنه صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني ويؤيده ما أخرجه عبد الرزاق أيضا وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز قال فقيل يا رسول الله أتصلي عليه قال لا قال لا قال فلما كان من الغد قال صلوا على صاحبكم فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس انتهى قال الخطابي كان الزهري يقول يصلي على الذي يقاد في حد ولا يصلي على من قتل في رجم وقد روى عن علي بن أبي طالب أنه أمر أن يصلي على شراحة وقد رجمها وهو قول أكثر العلماء وقال الشافعي لا يترك الصلاة على أحد من أهل القبلة برا كان أو فاجرا وقال أصحاب الرأي والأوزاعي يغسل المرجوم ويصلي عليه وقال مالك من قتله الإمام في حد من الحدود فلا يصلي عليه الإمام ويصلي عليه أهله إن شاؤا أو غيرهم وقال أحمد بن حنبل لا يصلي الإمام على قاتل نفس ولا غال وقال أبو حنيفة من قتل من المحاربين أو صلب لم يصل عليه وكذلك الفئة الباغية لا يصلي على قتلاهم وذهب بعض أصحاب الشافعي أن تارك الصلاة إذا قتل لا يصلي عليه ويصلي على من سواه ممن قتل في حد أو قصاص 52 في الصلاة على الطفل (فلم يصل عليه) قال الخطابي كان بعض أهل العلم يتأول ذلك على أنه إنما ترك الصلاة عليه لأنه قد استغنى إبراهيم عن الصلاة عليه بنبوة أبيه كما استغني الشهداء بقربه الشهادة عن الصلاة عليهم انتهى وقال الزيلعي في نصب الراية وكذا قال الزركشي ذكروا في ذلك وجوها منها أنه لا يصلي نبي على نبي وقد جاء أنه لو عاش لكان نبيا ومنها أنه شغل لصلاة الكسوف وقيل المعنى أنه لم يصل عليه بنفسه وصلى عليه غيره وقيل إنه لم يصل عليه في جماعة وقد ورد منه قد صلى عليه رواه ابن ماجه عن ابن عباس وأحمد عن البراء
[ 331 ]
وأبو يعلي عن أنس والبزار عن أبي سعيد وأسانيدها ضعيفة وحديث أبي داود أقوى وقد صححه ابن حزم انتهى قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه (سمعت البهي) هو أبو محمد عبد الله بن يسار مولى مصعب بن الزبير تابعي يعد في الكوفيين قاله المنذري (في المقاعد) أي مواضع القعود قال المنذري هذا مرسل (قيل له حدثكم) إلى آخره وجوابه محذوف أي قال نعم (صلى على إبنه إبراهيم) فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى على إبراهيم كما في حديث البهي قال المنذري هذا أيضا مرسل وقال الخطابي وهذا أولى الأمرين وإن كان حديث عائشة أحسن اتصالا وقد روى أن الشمس خسفت يوم وفاة إبراهيم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخسوف فاشتغل بها عن الصلاة عليه والله أعلم انتهى ورواهما البيهقي وقال هذه الآثار مرسلة وهي تشد الموصول وروايات الإثبات أولى من روايات الترك انتهى وأخرج ابن سعد في الطبقات عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه أيضا عن سعد بن محمد عن أبيه نحوه ورواه أيضا عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه بالبقيع والله أعلم 53 الصلاة على الجنازة في المسجد (علي سهيل بن البيضاء) قال النووي قال العلماء بنو بيضاء ثلاثة إخوة سهل وسهيل
[ 332 ]
وصفوان وأمهم البيضاء اسمها دعد والبيضاء وصف وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري وكان سهيل قديم الإسلام انتهى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي حديث ابن ماجه وحده ذكر القسم (سهيل وأخيه) عطف بيان لا بني بيضاء قال المنذري والحديث أخرجه مسلم وفيه ذكر القسم انتهى هذان الحديثان يدلان على مشروعية الصلاة على الجنائز في المسجد قال الحافظ في الفتح وبه قال الجمهور وقال مالك لا يعجبني وكرهه ابن أبي ذئب وأبو حنيفة وكل من قال بنجاسة الميت وأما من قال بطهارته منهم فلخشية التلويث وحملوا الصلاة على سهيل بأنه كان خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز اتفاقا وفيه نظر لأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بالمرور بجنازة سعد على حجرتها لتصلي عليه واحتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا ذلك على عائشة كانوا من الصحابة ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه وقد روى ابن أبي شيبة وغيره أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد وأن صهيبا صلى على عمر في المسجد زاد في رواية ووضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك (فلا شئ عليه) هكذا وقع في نسختين عتيقتين لفظة عليه ووقع في
[ 333 ]
نسخة عتيقة لفظة له قال المنذري قال الخطيب كذا في الأصل انتهى قلت وكذا وجدت هذه العبارة في ثلاث من النسخ الحاضرة قال العيني قوله فلا شئ له رواه أبو داود بهذا اللفظ ورواه ابن ماجه ولفظه فليس له شئ وقال الخطيب المحفوظ فلا شئ له وروى فلا شئ عليه وروى فلا أجر له وقال ابن عبد البر رواية فلا أجر له خطأ فاحش انتهى قال الخطابي الحديث الأول أصح وصالح مولى التوأمة ضعفوه وكان قد نسى حديثه في آخر أمره وقد ثبت أن أبا بكر وعمر صلى عليهما في المسجد ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما ففي تركهم إنكاره دليل على جوازه وقد يحتمل أن يكون معناه إن ثبت الحديث متأولا على نقصان الأجر وذلك أن من صلى عليها في مسجد فإن الغائب أن ينصرف إلى أهله ولا يشهد دفنه وأن من سعى في الجنازة فصلى عليها بحضرة المقابر شهد دفنه فأحرز أجر القراطين وهو ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال من صلى على جنازة فله قيراط من الأجر ومن شهد دفنها فله قيراطان والقيراط مثل أحد وقد يؤجر على كثرة خطاه فصار الذي يصلي عليها في المسجد منقوص الأجر بالإضافة إلى من صلى عليها برا انتهى ومعنى قوله فلا ما شئ عليه أي لا شئ على المصلى من الإثم فيها وقيل معنى قوله فلا شئ له أي لا شئ للمصلي من زيادة الفضل في أداء صلاة الجنازة في المسجد بل المسجد وغيره في هذا سواء وبهذا يندفع التعارض بين الحديثين قال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه ولفظه فليس له شئ وصالح مولى التوأمة قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة انتهى قلت صالح بن نبهان مولى التوأمة قال ابن معين ثقة حجة سمع منه ابن أبي ذئب قبل أن يخرف ومن سمع منه قبل أن يختلط فهو ثبت وقال ابن عدي لا بأس برواية القدماء عنه كذا في الخلاصة
[ 334 ]
54 الدفن عند طلوع الشمس وغروبها لا (أن نصلي فيهن) أي في الساعات الثلاثة (أو نقبر) على زنة ننصر أي ندفن (حين تطلع) بيان للساعات الثلاث (حين يقوم قائم الظهيرة) أي قيام الشمس وقت الزوال من قولهم قامت به دابته أي وقفت والمعنى أن الشمس إذا بلغت وسط السماء أبطأت حركة الظل إلى أن تزول فيحسب الناظر المتأمل أنها قد وقفت وهي سائرة لكن سيرا لا يظهر له أثر سريع كما يظهر قبل الزوال وبعده فيقال لذلك الوقوف المشاهد قائم الظهيرة قاله في النهاية (تضيف) معناه تميل وتجنح للغروب يقال ضاف الشئ يضيف بمعنى يميل واختلف الناس في جواز الصلاة على الجنازة والدفن في هذه الثلاث الساعات فذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة الصلاة على الجنازة في الأوقات التي تكره الصلاة فيها وروى ذلك عن ابن عمر وهو قول عطاء والنخعي والأوزاعي وكذلك قال سفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وكان الشافعي يرى الصلاة على الجنازة أي ساعة شاء من ليل أو نهار وكذلك الدفن أي وقت شاء من ليل أو نهار وقول الجماعة أولى لموافقة الحديث قاله الخطابي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه انتهى 55 إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم (أم كلثوم وابنها) قال المنذري أم كلثوم هذه هي بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[ 335 ]
زوج عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابنها هو زيد الأكبر ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان مات هو وأمه أم كلثوم بنت علي في وقت واحد ولم يدر أيهما مات أولا فلم يورث أحدهما من الآخر انتهى (فجعل الغلام) بصيغة المجهول (مما يلي الإمام) ولفظ النسائي قال حضرت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه فصلى عليهما فذكر نحوه وعند سعيد بن منصور في سننه عن عمار أن أم كلثوم بنت علي وابنها زيد أن بن عمر أخرجت جنازتاهما فصلى عليهما أمير المدينة فجعل المرأة بين يدي الرجل وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كثير وعند سعيد أيضا عن الشعبي أن أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر توفيا جميعا فأخرجت جنازتاهما فصلى عليهما أمير المدينة فسوى بين رؤوسهما وأرجلهما حين صلى عليهما وحديث عمار سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وأخرجه أيضا البيهقي وقال وفي القوم الحسن والحسين وابن عمر وأبو هريرة ونحو من ثمانين نفسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وللدارقطني من رواية نافع عن ابن عمر أنه صلى على سبع جنائز رجال ونساء فجعل الرجال مما يلي الإمام وجعل النساء مما يلي القبلة وصفهم صفا واحدا ووضعت جنارة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر وابن لها يقال له زيد والإمام يومئذ سعيد بن العاص وفي الناس يومئذ ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة فوضع الغلام مما يلي الإمام فقلت ما هذا قالوا السنة وكذلك رواه ابن الجارود في المنتقي قال الحافظ وإسناده صحيح والحديث يدل على أن السنة إذا اجتمعت جنائز أن يصلي عليها صلاة واحدة وقد جاءت الأخبار في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلي أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على كل واحد منهم صلاة وحمزة مع كل واحد وأنه كان يصلي على كل عشرة صلاة وفي الموطأ أن عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وأبا هريرة كانوا يصلون على الجنائز بالمدينة الرجال والنساء فيجعلون الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة قال الزرقاني وعلى هذا أكثر العلماء وقال به جماعة من الصحابة والتابعين وقال ابن عباس وأبو هريرة وأبو قتادة هي السنة وقول الصحابي ذلك له حكم الرفع
[ 336 ]
وقال الحسن وسالم والقاسم النساء مما يلي الإمام والرجال مما يلي القبلة واختلف فيه عن عطاء انتهى (هذه السنة) أي في وضع الجنائز فيوضع الرجال ثم النساء وفيه دليل على أن الصبي إذا صلى عليه مع امرأة كان الصبي مما يلي الإمام والمرأة مما يلي القبلة وكذلك إذا اجتمع رجل وامرأة أو أكثر من ذلك كما تقدم عن ابن عمر وأخرج ابن شاهين أن عبد الله بن معقل بن مقرن أتى بجنازة رجل وامرأة فصلى على الرجل ثم صلى على المرأة وفيه انقطاع والصحيح هو القول الأول والله أعلم قال المنذري والحديث أخرجه النسائي 56 أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه (عن نافع) تابعي (أبي غالب) عطف بيان قال الطيبي كأن الكنية على كانت أعرف وأشهر فجئ بها بيانا لنافع (في سكة) هي الزقاق (المربد) بكسر الميم وفتح الموحدة موضع بالبصرة قاله في فتح الودود وقال في النهاية المربد الموضع الذي تحبس فيه الإبل والغنم وبه سمى مربد المدينة والبصرة وهو بكسر الميم وفتح الباء (عبد الله بن عمير) بضم العين وفتح الميم مصغرا هذا هو المحفوظ وفي بعض النسخ عبد الله بن عمر وهو تصحيف فإن ابن عمر صلى عليه الحجاج بالمدينة وأما عبد الله بن عمير هذا فصلى عليه أنس بن مالك (على بريذينته) تصغير برذون قال في المصباح المنير البرذون بالذال المعجمة قال ابن الأنباري يقع على الذكر والأنثى وقال المطرزي البرذون التركي من الخيل وهو خلاف العراب وجعلوا النون أصلية كأنهم لاحظوا التعريب وقالوا في الحرزون نونه زائدة لأنه عربي فقياس البرذون عند من يجعل المعربة على العربية زيادة النون (الدهقان) بكسر الدال وضمها رئيس القرية ومقدم التناء وأصحاب الزراعة وهو معرب ونونه أصلية قاله في النهاية (وأنا خلفه) أي
[ 337 ]
أنس (وبينه) أي أنس (فكبر) أنس (لم يطل من الإطالة (يا أبا حمزة) كنية أنس (المرأة الأنصارية) أي هذه جنازتها (وعليها) أي على المرأة الأنصارية (نعش أخضر) أي قبة وحرج قال في لسان العرب قال الأزهري ومن رواه حرج على نعش فالحرج المشبك الذي يطبق على المرأة إذا وضعت على سرير الموتى وتسمية الناس النعش وإنما النعش السرير نفسه سمي حرجا لأنه مشبك بعيدان كأنها حرج الهودج انتهى وفي النهاية يقال نعشه الله ينعشه نعشا إذا رفعه وانتعش العائر إذا نهض من عثرته وبه سمي سرير الميت نعشا لارتفاعه وإذا لم يكن عليه ميت محمول فهو سرير انتهى وفي المصباح النعش سرير الميت ولا يسمى نعشا إلا وعليه الميت فان لم يكن فهو سرير والنعش أيضا شبه محفة يحمل فيها الملك إذا مرض وليس بنعش الميت انتهى وفي أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد نعش على جنازتها أي اتخذ لها نعش وهو شبه المحفة بالكسر مركب من مراكب النساء كالهودج انتهى ومثله في شرح القاموس والمعنى أنها كانت على جنازة الأنصارية قبة مغطاة بلون أخضر وفيه دليل على جواز اتخاذ القبة على سرير الميت لأن ذلك أستر لها وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد ويؤيده ما أخرجه الحافظ بن عبد البر ونقله القسطلاني في المواهب أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة ما أحسن هذا تعرف به المرأة من الرجل فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي ولا يدخل علي أحد قال أبو عمر بن عبد البر وفاطمة أول من غطى نعشها على الصفة المذكورة ثم بعدها زينب بنت جحش صنع بها ذلك أيضا انتهى قال الزرقاني في شرح المواهب قوله يطرح على المرأة الثوب أي على نعشها فيصفها جسمها من غلظ وضده وحنتها الله بنون ثم فوقية أي أمالتها وتعرف به المرأة من الرجل أي ولا يعرف للمرأة تحته حجم وقول من قال إن زينب أول من غطى نعشها فمراده أي من أمهات المؤمنين انتهى وقال ابن الأثير في أسد الغابة قال في معرفة الصحابة في ترجمة فاطمة رضي الله عنها ولما
[ 338 ]
حضرها الموت قالت لأسماء بنت عميس ثم ذكر مثل ما رواه ابن عبد البر نحوه سواء ثم قال فقالت فاطمة ما أحسن هذا وأجمله فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي ولا تدخلي علي أحدا فلما توفيت جاءت عائشة فمنعتها أسماء فشكتها عن عائشة إلى أبي بكر فوقف أبو بكر على الباب وقال يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صنعت لها هودجا قالت هي أمرتني أن لا يدخل عليها أحد وأمرتني أن أصنع لها ذلك قال فاصنعي ما أمرتك وغسلها علي وأسماء وهي أول من غطى نعشها في الإسلام ثم بعدها زينب بنت جحش انتهى وقال النووي في المنهاج ويندب للمرأة ما يسترها كتابوت وقال الخطيب في مغنى المحتاج شرح المنهاج ويندب للمرأة ما يسترها كتابوت وهو سرير فوقه خيمة أو قبة أو مكبة لأن ذلك أستر لها وأول من فعل له ذلك زينب زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت قد رأته بالحبشة لما هاجرت وأوصت به انتهى وقال ابن حجر المكي في تحفة المحتاج يعني مغطاة لإيصاء أم المؤمنين زينب رضي الله عنها وكانت قد رأته بالحبشة لما هاجرت قال في المجموع قيل هي أول من حملت كذلك وروى البيهقي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصت أن يتخذ لها ذلك ففعلوه وما قيل إن ذلك أول ما اتخذ في جنازة زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره صلى الله عليه وسلم فهو باطل وقال ابن الأثير في ترجمة زينب أم المؤمنين توفيت سنة عشرين وصلى عليها عمر بن الخطاب قيل هي أول امرأة صنع لها النعش ودفنت بالبقيع انتهى وقيل في معنى الحديث كانت الجنازة داخلة وواقعة على السرير الأخضر وهو بعيد جدا لا يساعده اللفظ والله أعلم كذا في غاية المقصود وقال الشيخ علاء الدين في محاضرة الأوائل أول امرأة حملت في نعش زينب أم المؤمنين بنت جحش فلما ماتت أمر عمر مناديا فنادى أن لا يخرج على أم المؤمنين إلا ذو محرم من أهلها فقالت ابنة عميس يا أمير المؤمنين ألا أريك شيئا تصنعه الحبشة لنسائهم فجعلت نعشا وغشته بثوب فلما نظر عمر قال ما أحسن هذا وأستره فأمر مناديا ينادي أن اخرجوا على أمكم قاله السيوطي في الأوائل وأول من عملت على ميت فوق تابوته سترة من الحبشة زينب بنت جحش وأول من جعل
[ 339 ]
لها النعش فاطمة الزهراء لما توفيت عملت أسماء بنت عميس لها كانت قد رأته بالحبشة قاله السيوطي انتهى (عند عجيزتها) بفتح مهملة وكسر جيم قال في النهاية العجيزة العجز وهي للمرأة خاصة والعجز مؤخر الشئ (ثم جلس) أنس (ويقوم) أي النبي صلى الله عليه وسلم (خيلنا وراء ظهورنا) كناية عن الفرار (يحمل علينا) أي يصول (فيدقنا) من باب نصر يقال دقه دقا أي كسره ودقوا بينهم أي أظهروا العيوب والعداوات أي يكسرنا بالسيف ويظهر العداوة التامة (ويحطمنا) من باب ضرب يقال حطمه حطما أي كسره وهذا عط ف تفسيري أي يكسرنا ويقطعنا ذلك الرجل بسيفه (فهزمهم الله) أي المشركين (وجعل) أي شرع الأمر (يجاء بهم) أي بالمشركين (فيبايعونه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وجئ بالرجل) الذي يحطم (فلما رأى) أي الرجل الذي يحطم (قال) أنس (فجعل الرجل) أي الصحابي (يتصدى) التصدي التعرض للشئ وقيل هو الذي يستشرف الشئ ناظرا إليه قاله في النهاية (ليأمره) أي ليأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الصحابي (بقتله) أي الرجل الذي يحطم (وجعل) الرجل الصحابي (يهاب) من الهيبة (أن يقتله) الضمير المرفوع يرجع إلى الرجل الصحابي والضمير المنصوب إلى الرجل الحاطم في (أنه لا يصنع) أي الصحابي (بايعه) أي قبل النبي صلى الله عليه وسلم بيعة هذا الرجل التائب (فقال الرجل) الصحابي (فقال) أي الصحابي (ألا
[ 340 ]
أومضت إلى) قال الخطابي إنما الإيماض بن الرمز بالعين والإيماء بها ومنه وميض البرق وهو لمعانه (ليس لنبي أن يومض) قال الخطابي معناه أنه لا يجوز له فيما بينه وبين ربه تعالى أن يضمر شيئا ويظهر خلافه لأن الله عز وجل إنما بعثه بإظهار الدين وإعلان الحق فلا يجوز له ستره وكتمانه لأن ذلك خداع ولا يحل له أن يؤمن رجلا في الظاهر ويخفره في الباطن وفي الحديث دليل على أن الإمام بالخيار بين قتل الرجال البالغين من الأساري وبين حقن دمائهم ما لم يسلموا فإذا أسلموا فلا سبيل عليهم وقد اختلف الناس في موقف الإمام من الجنارة فقال أحمد بن حنبل يقوم من المرأة بحذاء وسطها ومن الرجل بحذاء صدره وقال أصحاب الرأي يقوم من الرجل والمرأة بحذاء الصدر فأما التكبير فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خمس وأربع وكان آخر ما يكبر أربعا وكان علي بن أبي طالب يكبر على أهل بدر ست هذه تكبيرات وعلى سائر الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا وكان عبد الله بن عباس يرى التكبير على الجنازة ثلاثا انتهى (قال أبو غالب) وهذه مقولة عبد الوارث (فسألت) من أدركت من أهل العلم من الصحابة والتابعين (عن صنيع أنس في قيامه على) جنازة (المرأة عند عجيزتها) هل له فائدة مخصوصة أيضا أم لمجرد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم (فحدثوني) والمحدثون له مجهولون (أنه) أي القيام على جنازتها بهذا الوصف (إنما كان) ذلك في سالف الزمان (لأنه لم تكن النعوش) جمع نعش أي القباب المتخذة للستر على جنائز المرأة في عهدهم الماضي في المدينة وإن كان معمولا به عندهم في الحبشة (فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها) بكسر الحاء أي قبالته (يسترها من القوم) بقيامه بهذا الوصف وأما الآن فاتخذت القباب على سرير جنازة المرأة فلا يراد بهذا الصنيع التستر لها بل يكون ذلك خالصا لاتباع فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإن زال السبب وقال الحافظ في الفتح في باب أين يقوم من المرأة والرجل تحت حديث سمرة قال صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها وسطها وفيه مشروعية الصلاة
[ 341 ]
على المرأة فإن كونها نفساء وصف غير معتبر وأما كونها امرأة فيحتمل أن يكون معتبرا فإن القيام عليها وسطها لسترها وذلك مطلوب في حقها بخلاف الرجل ويحتمل أن لا يكون معتبرا وأن ذلك كان قبل اتخاذ النعش للنساء فأما بعد اتخاذه فقد حصل الستر المطلوب ولهذا أورد البخاري الترجمة مورد السؤال وأراد عدم التفرقة بين الرجل والمرأة وأشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود والترمذي من طريق أبي غالب عن أنس انتهى ونازعه العيني في شرح البخاري فقال حديث أبي غالب رواه أبو داود وسكت عنه وسكوته دليل رضاه به ورواه الترمذي وقال حسن فكيف يضعف هذا وقد رضي به أبو داود وحسنه الترمذي انتهى قلت وكذا سكت عنه المنذري وابن القيم ولا نعلم فيه علة وقال القسطلاني في شرح البخاري وأما الرجل فعند رأسه لئلا يكون ناظرا إلى فرجه بخلاف المرأة فإنها في القبة ما هو الغالب ووقوفه عند وسطها ليسترها عن أعين الناس ثم ساق حديث أبي غالب المذكور ثم قال وبذلك قال أحمد وأبو يوسف والمشهور عند الحنفية أن يقوم من الرجل والمرأة حذاء الصدر وقال مالك يقوم من الرجل عند وسطه ومن المرأة عند منكبها كذا في الشرح والله أعلم قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن (جندب) بضم الدال وفتحها قاله القاري (في نفاسها) أي حين ولادتها (فقام) أي وقف (وسطها) أي حذاء وسطها بسكون السين ويفتح قاله القاري وفي الحديث إثبات للصلاة على النفساء وإن كانت شهيدة قال العيني وكون هذه المرأة في نفاسها وصف غير معتبر اتفاقا وإنما هو حكاية أمر وقع وأما وصف كونها امرأة فهل هو معتبر أم لا من الفقهاء من ألغاه وقال يقام عند وسط الجنازة مطلقا ذكرا كان أو أنثى ومنهم من خص ذلك بالمرأة محاولة للستر
[ 342 ]
وقيل كان ذلك قبل اتخاذ الأنعشة سنة والقباب انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 57 التكبير على الجنازة (مر بقبر رطب) أي لم يببس عمرو ترابه لقرب وقت الدفن فيه (فصفوا) أي النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة (عليه) أي على القبر (وكبر عليه أربعا) فيه أن المشروع في تكبير صلاة الجنازة أربع قال ابن المنذر ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع انتهى وممن روى الأربع كما قال البيهقي عقبة بن عامر والبراء بن عازب وزيد بن ثابت وابن مسعود وروى ابن عبد البر في الاستذكار من طريق أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبيه كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على الجنائز أربعا وخمسا وسبعا وثمانيا حتى جاء موت النجاشي فخرج فكبر أربعا ثم ثبت النبي صلى الله عليه وسلم على أربع حتى توفاه الله تعالى وإلى مشروعية الأربع التكبيرات في الجنازة ذهب الجمهور قال الترمذي العمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يرون التكبير على الجنازة أربع تكبيرات وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق انتهى وقد اختلف السلف في ذلك فروى عن زيد بن أرقم أنه كان يكبر خمسا كما في حديث الباب وروى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر خمسا وروى أيضا عن ابن مسعود عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا وروى ذلك أيضا ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني عن عبد خير عنه وروى ابن المنذر أيضا بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كبر على جنازة ثلاثا قال القاضي عياض اختلفت الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع قال ابن عبد البر وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع على ما جاء في الأحاديث الصحاح وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه وقال لا نعلم أحدا من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبي ليلى وقال علي بن الجعد حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت سعيد بن المسيب يقول إن
[ 343 ]
عمر قال كل ذلك قد كان أربعا وخمسا فاجتمعنا على أربع رواه البيهقي ورواه ابن عبد البر من وجه آخر عن شعبة وروى البيهقي أيضا عن أبي وائل قال كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وخمسا وستا وسبعا فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر كل رجل منهم بما رأى فجمعهم عمر على أربع تكبيرات وروى أيضا من طريق إبراهيم النخعي أنه قال اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي مسعود فاجتمعوا على أن التكبير على الجنازة أربع وروى أيضا بسنده إلى الشعبي قال صلى ابن عمر على زيد بن عمر وأمه أم كلثوم بنت علي فكبر أربعا وخلفه ابن عباس والحسين بن علي وابن الحنفية كذا في الفتح والنيل قلت (من شهده عبد الله) فعبد الله بدل من قوله من شهده وهذا الحديث ليس في رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري وقال الحافظ المزي في الأطراف حديث محمد بن العلاء في رواية أبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم (يكبرها) أي الخمس أحيانا وثبوت الزيادة على الأربع لا مرد له من حيث الرواية إلا أن الجمهور على أن الأخير الأمر كان أربعا وهو ناسخ لما تقدم قاله السندي (أتقن) أي أحفظ قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 58 ما يقرأ على الجنازة (فقرأ بفاتحة الكتاب) ليس في حديث الباب بيان محل قراءة الفاتحة وقد وقع التصريح
[ 344 ]
به في حديث جابر أخرجه الشافعي بلفظ وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى أفاده الحافظ العراقي في شرح الترمذي وقال إن سنده ضعيف (فقال إنها) أي قراءة الفاتحة (من السنة) فيه دليل على مشروعية قراءة فاتحة الكتاب في صلاة الجنازة قال الحافظ في الفتح ونقل ابن المنذر عن ابن مسعود والحسن بن علي وابن الزبير والمسور بن مخرمة مشروعيتها وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق ونقل عن أبي هريرة وابن عمر ليس فيها قراءة وهو قول مالك والكوفيين انتهى وقال العيني قول الصحابي من السنة حكمه حكم المرفوع على القول الصحيح قاله شيخنا زين الدين وفيه خلاف مشهور ووردت أحاديث أخر في قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري والترمذي والنسائي 59 الدعاء للميت (فأخلصوا له الدعاء) قال ابن الملك أي ادعوا له بالاعتقاد والإخلاص انتهى وقال المناوي أي ادعوا له بإخلاص لأن القصد بهذه الصلاة إنما هو الشفاعة للميت وإنما يرجى قبولها عند توفر الإخلاص والابتهال انتهى وفي النيل فيه دليل على أنه لا يتعين دعاء مخصوص من هذه الأدعية الواردة وأنه ينبغي للمصلى على الميت أن يخلص الدعاء له سواء كان محسنا أو مسيئا فلأن ملابس المعاصي أحوج الناس إلى دعاء إخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم ولذلك قدموه بين أيديهم وجاءوا به إليهم لا كما قال بعضهم أن المصلى يلعن الفاسق ويقتصر في الملتبس على قوله اللهم إن كان محسنا فزده إحسانا وإن كان مسيئا فأنت أولى بالعفو عنه فإن الأول من إخلاص السب لا من إخلاص الدعاء والثاني من باب التفويض باعتبار المسئ لا من باب الشفاعة والسؤال وهو تحصيل الحاصل والميت غنى عن ذلك انتهى وقال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه انتهى لكن أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عنه مصرحا بالسماع وصححه وأيضا أخرجه البيهقي
[ 345 ]
(عقبة بن سيار) بمهملة ثم تحتانية ثقيلة أو ابن سنان أبو الجلاس بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره مهملة شامي نزل البصرة ثقة من السادسة قاله في التقريب (قال) أي أبو هريرة (أمع الذي قلت) بصيغة الخطاب أي أمع هذا الذي قلت لي كذا وكذا جرى بيني وبينك ثم تسألني وتزيد الاستفادة مني (قال) أي مروان (نعم قال) أي علي بن شماخ في بيان كلام أبي هريرة ومروان أنه (كلام كان بينهما) أي أبي هريرة ومروان (قبل ذلك) أي قبل هذا السؤال وجرى بينهما ما جرى من المنازعة في أمر من الأمور ولأجله تعرضه أبو هريرة وقال هذه الجملة أمع الذي قلت (أنت ربها) أي سيدها ومالكها (للإسلام) المشتمل على الإيمان انتهاء (وأنت قبضت روحها) أي أمرت بقبض روحها (بسرها وعلانيتها) بتخفيف الياء أي باطنها وظاهرها (جئنا شفعاء) أي بين يديك قال المنذري والحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة (أخطأ شعبة) من ها هنا إلى قوله وجعفر بن سليمان وجد في بعض النسخ والله أعلم (وصغيرنا وكبيرنا) قال ابن حجر المكي الدعاء في حق الصغير لرفع الدرجات انتهى ويدفعه ما ورد أنه صلى على طفل لم يعمل خطيئة قط فقال اللهم قه عذاب القبر وضيقه ويمكن أن يكون المراد بالصغير والكبير الشاب والشيخ فلا إشكال
[ 346 ]
وتكلف ابن الملك وغيره ونقل التوربشتي عن الطحاوي أنه سئل عن معنى الاستغفار للصبيان مع أنه لا ذنب لهم فقال معناه السؤال من الله أن يغفر له ما كتب في اللوح المحفوظ أن يفعله بعد البلوغ من الذنوب حتى إذا كان فعله كان مغفورا وإلا فالصغير غير مكلف لا حاجة له إلى الاستغفار قاله القاري (وذكرنا وأنثانا) قال الطيبي المقصود من القرائن الأربع الشمول والاستيعاب فلا يحمل على التخصيص نظرا إلى مفردات التركيب كأنه قيل اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات كلهم أجمعين فهي من الكتابة الزبدية يدل عليه جمعه في قوله اللهم من أحييته الخ قاله القاري (وشاهدنا) أي حاضرنا (فأحيه على الإيمان) المشهور الموجود في رواية الترمذي وغيره فأخيه على الإسلام وتوفه على الإيمان وهو الظاهر المناسب لأن الإسلام هو التمسك بالأركان الظاهرية وهذا لا يتأتى إلا في حالة الحياة وأما الإيمان فهو التصديق الباطني وهو الذي المطلوب عليه الوفاة والأول متخصص بالإحياء والثاني بالإماتة هو الوجه والله تعالى أعلم قاله في فتح الودود وقال القاري فالرواية المشهورة التي أخرجها الترمذي وغيره هي العمدة والرواية الأخرى التي أخرجها أبو داود إما من تصرفات الرواة نسيانا أو بناء على زعم أنه لا فرق بين التقديم والتأخير وجواز النقل بالمعنى أو يقال فأحيه على الإيمان أي وتوابعه من الأركان وتوفه على الإسلام أي على الانقياد والتسليم لأن الموت مقدمة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم انتهى قال الشوكاني في النيل ولفظ فأحيه على الإسلام هذا هو الثابت عند الأكثر وفي سنن أبي داود فأحيه على الإيمان وتوفه على الإيمان واعلم أنه قد وقع في كتب الفقه ذكر أدعية غير المأثور عنه والتمسك بالثابت عنه أولى واختلاف الأحاديث في ذلك محمول على أنه كان يدعو لميت بدعاء ولآخر بآخر والذي أمر به إخلاص الدعاء وإذا كان المصلى عليه طفلا استحب أن يقول المصلى اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا روى ذلك البيهقي من حديث أبي هريرة وروى مثله سفيان في جامعه انتهى (اللهم لا تحرمنا أجره) من باب ضرب أو باب أفعل قال السيوطي بفتح التاء وضمها لغتان فصيحتان والفتح أفصح يقال حرمه وأحرمه والمراد أجر موته فإن المؤمن أخو المؤمن فموته مصيبة عليه يطلب فيها الأجر قاله في فتح الودود (ولا تضلنا بعده) أي لا تجعلنا ضالين بعد
[ 347 ]
الإيمان قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وأخرجه الترمذي من حديث يحيى بن أبي كثير فقال حدثني أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال كان رسول الله إذا صلى على الجنازة قال اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وأخرجه النسائي وقال الترمذي حديث والد أبي إبراهيم حديث حسن صحيح وقال الترمذي أيضا وسمعت محمدا يعني البخاري يقول أصح الروايات في هذا حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه وسألته عن اسم أبي إبراهيم الأشهلي فلم يعرفه هذا آخر كلامه وذكر بعضهم أن أبا إبراهيم هو عبد الله بن أبي قتادة وليس بصحيح فإن أبا قتادة سلمى والله عز وجل أعلم (فسمعته يقول) وأخرج مسلم من حديث عوف بن مالك قال سمعت النبي وصلى على جنازة يقول اللهم اغفر له الحديث وفي رواية له عنه فحفظت من دعائه وجميع ذلك يدل على أن النبي جهر بالدعاء وعند النسائي من حديث ابن عباس أنه صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر فلما فرغ قال سنة وحق قال بعض أصحاب الشافعي إنه يجهر بالليل كالليلية وذهب أكثر العلماء إلى أنه يستحب الإسرار في صلاة الجنازة وتمسكوا بقول ابن عباس لتعلموا أنه من السنة رواه البخاري أي لم أقرأ جهرا إلا لتعلموا أنه سنة ولحديث أبي أمامة عن رجل من أصحاب النبي أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه الحديث وسيجئ بتمامه وقيل إن جهره بالدعاء لقصد تعليمهم وأخرج أحمد عن جابر قال ما أتاح لنا في دعاء الجنازة رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر وفسر أتاح بمعنى قدر
[ 348 ]
قال الحافظ والذي وقفت عليه باح بمعنى جهر انتهى قلت والظاهر أن الجهر والإسرار بالدعاء في صلاة الجنازة جائزان وكل من الأمرين مروي عن رسول الله وهذا هو الحق والله أعلم (إن فلان بن فلان) فيه دليل على استحباب تسمية الميت باسمه واسم أبيه وهذا إن كان معروفا وإلا جعل مكان ذلك اللهم إن عبدك هذا أو نحوه والظاهر أنه يدعو بهذه الألفاظ الواردة في هذه الأحاديث سواء كان الميت ذكرا أو أنثى ولا يحول الضمائر المذكرة إلى صيغة التأنيث إذا كانت الميت أنثى لأن مرجعها الميت وهو يقال على الذكر والأنثى كذا في النيل (في ذمتك) أي أمانك (وحبل جوارك) بكسر الجيم قيل عطف تفسيري وقيل الحبل العهد أي في كنف حفظك وعهد طاعتك وقيل أي في سبيل قربك وهو الإيمان والأظهر أن المعنى أنه متعلق ومتمسك بالقرآن كما قال تعالى واعتصموا بحبل الله وفسره جمهور المفسرين بكتاب الله تعالى والمراد بالجوار الأمان والإضافة بيانية يعني الحبل الذي يورث الاعتصام به الأمن والأمان والإسلام قاله القاري (فقه) بالضمير أو بهاء السكت (من فتنة القبر وعذاب النار) أي امتحان السؤال فيه أو من أنواع عذابه من الضغطة والظلمة وغيرهما (وأنت أهل الوفاء) أي بالوعد فإنك لا تخلف الميعاد (والحق) أي أنت أهل الحق والمضاف مقدر (أنت الغفور) أي كثير المغفرة للسيآت (الرحيم) كثير المرحمة بقبول الطاعات والتفضل بتضاعف الحسنات (قال عبد الرحمن عن مروان) يعني بلفظه عن وأما إبراهيم بن موسى فإنه قال في روايته حدثنا مروان قال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه ثم اعلم أني قد سئلت غير مرة عن طريق أداء صلاة الجنازة وكيفية قراءة الفاتحة والصلاة على النبي والأدعية المأثورة للميت وتعيين محل كلها من القراءة والصلاة والأدعية على الوجه الذي هو مروي عن النبي ثم عن الصحابة رضي الله عنهم فأقول إن في صلاة الجنازة خمسة أفعال فهي عبارة عن هذه الأفعال الخمسة
[ 349 ]
الأول التكبيرات فيها حتى قال جماعة من العلماء التكبيرات من الأركان وكل تكبيرة قائمة مقام ركعة حتى لو ترك تكبيرة لا تجوز صلاته كما لو ترك ركعة ولهذا قيل أربع كأربع الظهر قاله العيني رحمه الله والثاني قراءة الفاتحة بعد الثناء مع ضم السورة أو حذفها والثالث الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرابع الأدعية الخالصة للميت والخامس التسليم أما التكبيرات في الجنازة فتقدم عن الحافظ ابن عبد البر أنه قال انعقد الإجماع على الأربع لكن في دعوى الإجماع في نفسي شئ لأن زيد بن أرقم كان يكبر خمسا ويرفعه إلى النبي كما عند مسلم في صحيحه وعن حذيفة أنه صلى على جنازة فكبر خمسا ورفعه إلى النبي كما في مسند أحمد وذكر البخاري في تاريخه عن علي أنه كبر على سهل بن حنيف ستا وقال إنه شهد بدرا وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحكم بن عتيبة أنه قال كانوا يكبرون على أهل بدر خمسا وستا وسبعا كذا في المنتقى لابن تيمية وروى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر خمسا وروى أيضا عن ابن مسعود عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا وروى ذلك أيضا ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني عن عبد خير عنه وروى ابن المنذر أيضا بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كبر على جنازة ثلاثا وقال القاضي عياض اختلفت الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع انتهى وقال ابن القيم وكان يأمر بإخلاص الدعاء للميت وكان يكبر أربع تكبيرات وصح عنه أنه كبر خمسا وكان الصحابة بعده يكبرون أربعا وخمسا وستا ثم ذكر آثار الصحابة وقال هذه آثار صحيحة فلا موجب للمنع منها والنبي لم يمنع مما زاد على الأربع بل فعله هو وأصحابه من بعده انتهى نعم لا شك أن الأربع أقوى وأصح من حيث الدليل وهو ثابت من حديث ابن عباس عند الشيخين قال انتهى رسول الله إلى قبر رطب فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعا ومن حديث جابر عند الشيخين أيضا أن النبي صلى على أصحمة النجاشي فكبر عليه أربعا
[ 350 ]
ومن حديث أبي هريرة عندهما أيضا أن النبي نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات وأما قراءة الفاتحة فأخرج البخاري وأبو داود والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم عن ابن عباس أنه صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال لتعلموا أنه من السنة وأخرجه النسائي وقال فيه فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر فلما فرغ قال سنة وحق وروى الترمذي وابن ماجه من طريق أخرى عن ابن عباس أن النبي قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وإسناده ضعيف قال الحافظ في التلخيص ورواه أبو يعلى في مسنده من حديث ابن عباس أنه قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وزاد سورة قال البيهقي ذكر السورة غير محفوظ وقال النووي إسناده صحيح وروى ابن ماجه من حديث أم شريك قالت أمرنا رسول الله أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وفي إسناده ضعف يسير انتهى وأخرج الشافعي في مسنده أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله أن النبي كبر على الميت أربعا وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ولفظ الحافظ في المستدرك من هذا الوجه قال كان رسول الله يكبر على جنائزنا أربعا ويقرأ بفاتحة الكتاب في التكبيرة الأولى و فيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى فقد وثقه جماعة منهم الشافعي وابن الأصبهاني وابن عدي وابن عقدة وضعفه آخرون قاله ابن القيم في جلاء الأفهام وفي المسند أيضا أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد قال سمعت ابن عباس يجهر بفاتحة الكتاب على الجنازة ويقول إنما فعلت لتعلموا أنها سنة وفيه أيضا من طريق الزهري عن أبي أمامة قال السنة أن يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وفيه أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى على الجنازة وأخرج ابن الجارود في المنتقى من طريق زيد بن طلحة التيمي قال سمعت ابن عباس قرأ على جنازة فاتحة الكتاب وسورة وجهر بالقراءة وقال إنما جهرت لأعلمكم أنها سنة وأخرجه أيضا من طريق طلحة بن عبد الله قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة فجهر حتى سمعنا الحديث وهذه الأحاديث فيها دلالة واضحة على مشروعية فاتحة الكتاب في صلاة الجنازة وفيها دلالة أيضا على جواز قراءة سورة مع الفاتحة في صلاة الجنازة وقراءة الفاتحة واجبة عند الشافعي وهو قول أحمد ذكره العيني في شرح الهداية وبسط الكلام في شرح البخاري
[ 351 ]
ونقل ابن المنذر عن أبي هريرة وابن عمر ليس في الجنازة قراءة الفاتحة قال ابن بطال وبه قال عمر وعلي ومن التابعين عطاء وطاوس وسعيد بن المسيب وغيرهم قال ابن بطال وروى عن ابن الزبير وعثمان بن حنيف أنهما كانا يقران عليها بالفاتحة وكذا نقل هو وابن أبي شيبة عن جماعة من الصحابة والتابعين وفي كتاب الجنائز للمزني وبلغنا أن أبا بكر وغيره من الصحابة كانوا يقرؤن بأم القرآن عليها وفي المحلى لابن حزم صلى المسور بن مخزمة فقرأ في التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة قصيرة ورفع بهما صوته انتهى قال الشوكاني ذهب الشافعي وأحمد وغيرهما إلى الوجوب واستدلوا بحديث أم شريك وبحديث لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ونحوه وصلاة الجنازة صلاة وهو الحق انتهى قال ابن القيم قال شيخنا ابن تيمية لا يجب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بل هي سنة انتهى قلت الحق مع الشيخ ابن تيمية والله أعلم وأما البداءة بالثناء قبل القراءة فلأن الإتيان بالدعوات استغفار للميت والبداءة بالثناء ثم بالصلاة سنة الدعاء والمقصود من صلاة الجنازة طلب المغفرة للميت ولا يقبل الله الدعاء ولا يستجيبه حتى يبدأ أولا بالثناء ثم بالصلاة على النبي ثم يأتي بالدعاء لما أخرجه المؤلف والنسائي في الصلاة والترمذي في الدعوات واللفظ لأبي داود عن فضالة بن عبيد يقول سمع رسول الله رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي فقال رسول الله عجل هذا ثم دعاه فقال له إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي ثم يدعو بعد بما شاء وقال الترمذي حسن صحيح ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم وقال صاحب الهداية من الأئمة الحنفية والصلاة أن يكبر تكبيرة ويحمد الله عقبيها انتهى وقال العيني في البناية شرح الهداية وذكر في البدائع وغيره أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك إلخ بعد التكبير وفي المحيط أنه رواية الحسن عن أبي حنيفة وذكر الطحاوي أنه لا استفتاح فيه ولكن العادة أنهم يستفتحون في سائر الصلوات وقال الكرخي وليس مما ذكر من
[ 352 ]
الثناء على الله تعالى ولا في الصلاة على النبي ولا في الدعاء للميت شئ موقت يقرأ من ذلك ما حضر وتيسر عليه وذلك لما روى عبد الله بن مسعود قال ما وقت لنا رسول الله في صلاة الجنازة قولا ولا قراءة كبر ما كبر الإمام واختر من أطيب الكلام ما شئت انتهى كلام العيني قلت هكذا ذكر العيني قول عبد الله بن مسعود بغير سند ولم يذكر من أخرجه لكن الاقتصار على الأدعية المأثورة في صلاة الجنازة هو المتعين وقد ثبت الأدعية عن النبي كما سيجئ والله أعلم وقال ابن القيم فإذا أخذ النبي في الصلاة على الميت كبر وحمد الله وأثنى عليه انتهى وأما الصلاة على النبي والاستغفار والدعاء للميت فأخرج الشافعي في مسنده أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شئ منهن ثم يسلم سرا في نفسه وفيه أيضا أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن ا لزهري حدثني محمد الفهري عن الضحاك بن قيس أنه قال مثل قول أبي أمامة انتهى وفي المنتقى لابن الجارود حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن الزهري قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث ابن المسيب قال السنة في الصلاة على الجنازة أن تكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم تصلى على النبي في نفسه عن يمينه قال الحافظ في التلخيص ورجال هذا الإسناد مخرج لهم في الصحيحين انتهى ورواية الشافعي ضعفت بمطرف ابن مازن لكن قواها البيهقي بما رواه في المعرفة عن الحجاج بن أبي منيع عن جده عبيد الله بن أبي زياد الرصافي عن الزهري عن أبي أمامة عن رجل من أصحاب النبي بمعنى رواية مطرف وقال الحاكم في المستدرك أخبرنا إسماعيل بن أحمد التاجر حدثنا محمد بن الحسين العسقلاني حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف وكان من كبراء الأنصار وعلمائهم وأبناء الذين شهدوا بدرا مع رسول الله أخبره رجال من أصحاب رسول الله في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام
[ 353 ]
ثم يصلي على النبي ويخلص الدعاء في التكبيرات الثلاث ثم يسلم تسليما خفيا حين ينصرف والسنة أن يفعل من وراءه مثل ما فعل أمامة قال الزهري حدثني بذلك أبو أمامة وابن المسيب يسمع فلم ينكر ذلك عليه قال ابن شهاب فذكرت الذي أخبرني أبو أمامة من السنة في الصلاة على الميت لمحمد بن سويد قال وأنا سمعت الضحاك بن قيس يحدث عن حبيب بن مسلمة في صلاة صلاها على الميت مثل الذي حدثنا أبو أمامة قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه انتهى قلت ليس في هذه الرواية ذكر قراءة الفاتحة وذكر ابن أبي حاتم في العلل من حديث محمد بن مسلمة أنه قال السنة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بأم القرآن في نفسه ثم يدعو ويخلص الدعاء للميت ثم يكبر ثلاثا ثم يسلم وينصرف ويفعل من وراءه ذلك قال سألت أبي عنه فقال هذا خطأ إنما هو حبيب بن مسلمة انتهى وحديث حبيب في المستدرك كذا في التلخيص وقال الإمام الحافظ القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتاب الصلاة على النبي حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب قال إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ثم يصلي على النبي ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ولا يقرأ إلا مرة واحدة ثم يسلم في نفسه انتهى وأخرج عبد الرزاق عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في الأولى وكذا أخرجه النسائي قال الحافظ إسناده صحيح قال الحافظ ابن القيم في جلاء الأفهام وأبو أمامة هذا صحابي صغير وقد رواه عن صحابي آخر كما ذكره الشافعي وقال صاحب المغنى روى عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بمكة فكبر ثم قرأ وجهر وصلى على النبي ثم دعا لصاحبه فأحسن ثم انصرف وقال هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة
[ 354 ]
وفي الموطأ ليحيى بن بكير حدثنا مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أنه سأل أبا هريرة كيف نصلي على الجنازة فقال أبو هريرة أنا لعمر الله أخبرك اتبعها من أهلها فإذا وضعت كبرت وحمدت الله تعالى وصليت على النبي ثم أقول اللهم إنه عبدك وابن عبدك كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وقال أبو ذر الهروي أخبرنا أبو الحسن بن أبي سهل السرخسي أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن رزين حدثنا علي بن خشرم حدثنا أنس بن عياض عن إسماعيل بن رافع عن رجال قال سمعت إبراهيم النخعي يقول كان ابن مسعود إذا أتى بجنازة استقبل الناس وقال يا أيها الناس سمعت رسول الله يقول لم يجتمع مائة لميت فيجتهدون له في الدعاء إلا أوهب الله لهم وإنكم جئتم شفعاء لأخيكم فاجتهدوا في الدعاء ثم يستقبل القبلة فإن كان رجلا قام عند رأسه وإن كانت امرأة قام عند منكبها ثم قال اللهم عبدك وابن عبدك أنت خلقته وأنت هديته للإسلام وأنت قبضت روحه وأنت أعلم بسريرته وعلانيته جئنا شفعاء له اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له فإنك ذو وفاء وذو رحمة أعذه من فتنة القبر وعذاب جهنم اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته اللهم نور له في قبره وألحقه بنبيه قال يقول هذا كلما كبر وإذا كانت التكبيرة الآخرة قال مثل ذلك ثم يقول اللهم صل على محمد وبارك على محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم صل على أسلافنا وأفراطنا اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ثم ينصرف كذا في جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام للحافظ ابن القيم وقال في زاد المعاد وروى يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه سأل عبادة بن الصامت عن الصلاة على الجنازة فقال أنا والله أخبرك تبدأ فتكبر ثم تصلي على النبي وتقول اللهم إن عبدك فلان كان لا يشرك بك وأنت أعلم به إن كان محسنا فزد في إحسانه فذكر مثل حديث مالك قال في جلاء الأفهام والصلاة على رسول الله في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية لا خلاف في مشروعيتها واختلف في توقف صحة الصلاة عليها قال الشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما إنها واجبة في الصلاة لا تصح الصلاة إلا
[ 355 ]
بها ورواه البيهقي عن عبادة بن الصامت وغيره من الصحابة وقال مالك وأبو حنيفة تستحب وليست بواجبة وهو وجه لأصحاب الشافعي فالمستحب أن يصلي على النبي في الجنازة كما يصلي عليه في التشهد لأن النبي علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه وفي مسائل عبد الله بن أحمد عن أبيه قال يصلي على النبي ويصلي على الملائكة المقربين قال القاضي إسماعيل فيقول اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين وأهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات والأرضين إنك على كل شئ قدير انتهى وأخرج الحاكم في المستدرك أخبرنا أبو النصر الفقيه حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي حدثني شرحبيل بن سعد قال حضرت عبد الله بن عباس صلى بنا على جنازة بالأبواء وكبر ثم قرأ بأم القرآن رافعا صوته بها ثم صلى على النبي ثم قال اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ويشهد أن محمدا عبدك ورسولك أصبح فقيرا إلى رحمتك وأصبحت غنيا عن عذابه إن كان زاكيا فزكه وإن كان مخطئا فاغفر له اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ثم كبر تكبيرات ثم انصرف فقال يا أيها الناس إني لم أقرأ عليها إلا لتعلموا أنها السنة قال الحاكم لم يحتج الشيخان بشرحبيل بن سعد وهو تابعي من أهل المدينة وإنما أخرجت هذا الحديث شاهدا للأحاديث التي قدمنا فإنها مختصرة بجملة وهذا حديث مفسر انتهى وأما صيغ الأدعية المأثورة عن النبي ثم عن الصحابة فروى من حديث أبي هريرة وعائشة وأبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه وعوف بن مالك وواثلة بن الأسقع وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس ويزيد بن عبد الله بن ركانة والحارث بن نوفل القرشي فحديث أبي هريرة رواه أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي وأحمد وابن حبان والحاكم بلفظ اللهم اغفر لحينا وميتنا إلى آخره وقد تقدم قال الحاكم وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وروى عنه بلفظ اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وتقدم أيضا في ذلك الباب
[ 356 ]
وحديث عائشة رضي الله عنها أخرجه الحاكم في المستدرك حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن سنان القزاز حدثنا عمر بن يونس بن القاسم اليمامي حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال سألت عائشة أم المؤمنين كيف كانت صلاة رسول الله على الميت قالت كان يقول اللهم اغفر لحينا وميتنا وذكرنا وأنثانا وغائبنا وشاهدنا وصغيرنا وكبيرنا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان قال الحاكم صحيح على شرط مسلم قلت محمد بن سنان القزاز نزيل بغداد قال الدارقطني لا بأس به وضعفه أبو داود وبن خراش وحديث أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وابن الجارود واللفظ للترمذي من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال كان رسول الله إذا صلى على الجنازة قال اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا قال يحيى وحدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي مثل ذلك وزاد فيه اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان قال أبو عيسى حديث والد أبي إبراهيم حديث حسن صحيح وروى هشام الدستوائي وعلي بن المبارك هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي مرسلا وروى عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة عن النبي وحديث عكرمة بن عمار غير محفوظ وعكرمة ربما يهم في حديث يحيى وروى عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي قال أبو عيسى وسمعت محمدا يقول أصح الروايات في هذا حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال وسألته عن اسم أبي إبراهيم الأشهلي فلم يعرفه انتهى كلام الترمذي وأما حديث عوف بن مالك فأخرجه مسلم والترمذي مختصرا وابن الجارود واللفظ لمسلم من طريق حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير سمعه يقول سمعت عوف بن مالك يقول صلى رسول الله على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا
[ 357 ]
من زوجة وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار قال حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت وفي رواية لمسلم وقه فتنة القبر وعذاب النار قال عوف فتمنيت أن لو كنت أنا الميت لدعاء رسول الله على ذلك الميت وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال محمد بن إسماعيل أصح شئ في هذا الباب هذا الحديث انتهى وحديث واثلة بن الأسقع أخرجه المؤلف وابن ماجه قال صلى بنا رسول الله على رجل من المسلمين فسمعته يقول اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك الحديث وتقدم في آخر الباب وأما حديث عبد الله بن مسعود فتقدم من رواية أبي ذر الهروي وحديث ابن عباس تقدم أيضا من رواية الحاكم وحديث يزيد بن عبد الله أخرجه الحاكم في المستدرك بقوله حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن عبد الرحمن الخلال بمكة حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق الكاتب حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن عبد الله بن ركانة بن المطلب قال كان رسول الله إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال اللهم عبدك وابن أمتك احتاج إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه هذا إسناد صحيح ويزيد بن ركانة أبو ركانة ابن عبد يزيد صحابيان من بني المطلب بن عبد مناف ولم يخرجاه انتهى وأما حديث الحارث بن نوفل فأخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن الحارث عن أبيه أن النبي علمهم الصلاة على الميت اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا وأصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا اللهم هذا عبدك فلان بن فلان لا نعلم إلا خيرا وأنت أعلم به فاغفر لنا وله كذا في عمدة القاري وأسد الغابة فهذه صيغ الأدعية المأثورة وقد وقع في كتب الفقه ذكر أدعية غير المأثورة عن النبي والتمسك بالثابت عنه ألزم وأوكد واختلاف الأحاديث في ذلك محمول على أنه كان يدعو لميت بدعاء ولآخر بآخر والذي أمر به إخلاص الدعاء فللرجل المتبع للسنة أنه يدعو بهذه الألفاظ الواردة في هذه الأحاديث سواء كان الميت ذكرا أو أنثى ولا يحول
[ 358 ]
الضمائر المذكرة إلى صيغة التأنيث إذا كان الميت أنثى لأن مرجعها الميت وهو يقال على الذكر والأنثى كذا قال الشوكاني رحمه الله وكلامه هذا حسن جدا فحصل من مجموع الأحاديث المذكورة في هذا الباب أن المشروع في صلاة الجنازة الثناء على الله تعالى ثم قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى ثم يصلي على النبي ثم يدعو للميت ثم يكبر ثانيا ولا يقرأ الفاتحة بل يصلي على النبي ويستكثر من الدعاء للميت مخلصا له ثم يكبر ثالثا ويصلي ويدعو مثل ما فعل بعد التكبير الثاني ثم يكبر رابعا من غير قراءة شئ من الدعاء وغيره ويسلم بعد ذلك والله أعلم وقال العلامة الشوكاني في النيل واعلم أنه لم يرد تعيين موضع هذه الأدعية فإن شاء المصلى جاء بما يختار منها دفعة إما بعد فراغه من التكبير أو بعد التكبيرة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو يفرقه بين كل تكبيرتين أو يدعو بين كل تكبيرتين بواحد من هذه الأدعية ليكون مؤديا لجميع ما روى عنه وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى الذي عند أحمد فليس فيه أنه لم يدع إلا بعد التكبيرة الرابعة إنما فيه أنه دعا بعدها وذلك لا يدل على أن الدعاء مختص بذلك الموضع انتهى قلت والأحب أن يستكثر في الدعاء ويجمع بين هذه الدعوات المأثورة في التكبيرات لأن هذه الصلاة دعاء للميت واستغفار له والاستكثار والمبالغة مطلوب فيهما والله أعلم وقد جاء الدعاء بعد التكبيرة الرابعة وقبل السلام أيضا لما أخرجه أحمد في مسنده عن عبد الله بن أبي أوفى أنه ماتت ابنة له فيكبر عليها أربعا ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو ثم قال كان رسول الله يصنع في الجنازة هكذا وأخرجه ابن ماجه بمعناه كما سيجئ ولفظا الحاكم في المستدرك ثم صلى عليها فكبر عليها أربعا ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين ويستغفر لها ويدعو وقال كان رسول الله يصنع هكذا قال الحاكم حديث صحيح وفي التلخيص ورواه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات وزاد ثم سلم على يمينه وشماله ثم قال لا أزيد على ما رأيت رسول الله يصنع وفي رواية البيهقي في سننه الكبرى من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري حدثنا عبد الله بن أبي أوفى أنه صلى على جنازة ابنته فكبر أربعا حتى ظننت أنه سيكبر خمسا ثم سلم عن يمينه وعن شماله فلما انصرف قلنا له ما هذا فقال إني لا أزيد على ما رأيت رسول الله يصنع وهكذا كان يصنع رسول الله
[ 359 ]
وفيه دليل على استحباب الدعاء بعد التكبيرة الآخرة قبل التسليم وفيه خلاف والراجح الاستحباب لهذا الحديث كذا في النيل وأما التسليم فقد جاء أنه يسلم عن يمينه وعن شماله كما في سائر الصلوات والدليل على ذلك حديث عبد الله بن أبي أوفى المتقدم وأخرج البيهقي في المعرفة عن عبد الله بن مسعود قال ثلاث كان رسول الله يفعلهن تركهن الناس إحداهن التسليم على الجنائز مثل التسليمتين في الصلاة انتهى كذا نقله العيني في شرح البخاري ونقل ابن القيم في زاد المعاد والشوكاني في النيل بلفظ التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة وعند ابن أبي شيبة في المصنف بسند جيد عن جابر بن زيد والشعبي وإبراهيم النخعي أنهم كانوا يسلمون تسليمتين انتهى وقال في زاد المعاد وأما هديه في التسليم من صلاة الجنازة فروى أنه يسلم واحدة وروى عنه أنه كان يسلم تسليمتين وروى الشافعي في كتاب حرملة عن سفيان عن إبراهيم بن مسلم الهجري وفيه كبر عليها أربعا ثم قام ساعة فسبح القوم فسلم ثم قال كنتم ترون أني أزيد على أربع وقد رأيت رسول الله كبر أربعا ولم يقل عن يمينه وشماله ورواه ابن ماجه من حديث عبد الله المحاربي حدثنا الهجري قال صليت مع عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي صاحب رسول الله على جنازة ابنة له فكبر عليها أربعا فمكث بعد الرابعة شيئا قال فسمعت القوم يسبحون به من نواحي الصفوف فسلم ثم قال أكنتم ترون أني مكبر خمسا قالوا تخوفنا ذلك قال لم أكن لأفعل ولكن رسول الله كان يكبر أربعا ثم يمكث ساعة فيقول ما شاء أن يقول ثم يسلم ولم يقل عن يمينه وشماله وذكر السلام عن يمينه وعن شماله انفرد عنها شريك عن إبراهيم الهجري والمعروف عن ابن أبي أوفى أنه كان يسلم واحدة ذكره الإمام أحمد وأحمد ابن القاسم ق يل لأبي عبد الله أتعرف عن أحد من أصحابه أنهم كانوا يسلمون تسليمتين على الجنازة قال لا ولكن عن ستة من الصحابة أنهم كانوا يسلمون تسليمة خفيفة عن يمينه فذكر ابن عمر وابن عباس وأبا هريرة وواثلة بن الأسقع وابن أبي أوفى وزيد بن ثابت وزاد البيهقي علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وأبا أمامة فهؤلاء عشرة من الصحابة انتهى كلام ابن القيم بتغير وقال الحاكم في المستدرك تحت حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف ثم يسلم
[ 360 ]
تسليما خفيا إلخ وليس في التسليمة الواحدة على الجنازة أصح منه وشاهده حديث أبي العنبس سعيد بن كثير ثم ساق روايته بقوله حدثنا أبو بكر ابن أبي دارم الحافظ حدثنا عبد الله بن غنام بن حفص بن غياث حدثني أبي عن أبيه عن أبي العنبس عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى على جنازة فكبر عليها أربعا وسلم تسليما التسليمة الواحدة على الجنازة قد صحت الرواية فيه عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وعبد الله بن أبي أوفى وأبي هريرة أنهم كانوا يسلمون على الجنازة تسليمة انتهى كلام الحاكم وزاد العيني في شرح البخاري وأنس وجماعة من التابعين وهو قول مالك وأحمد وإسحاق ثم هل يسر بها أو يجهر فعن جماعة من الصحابة والتابعين إخفاؤها وعن مالك يسمع بها من يليه وعن أبي يوسف لا يجهر كل الجهر ولا يسر كل الإسرار كذا في عمدة القاري وأما وضع اليمنى على اليسرى في صلاة الجنازة ورفع اليدين فيها فأخرج الترمذي في باب رفع اليدين على الجنازة من كتاب الجنائز حدثنا القاسم بن دينار الكوفي أخبرنا إسماعيل بن أبان الوراق عن يحيى بن يعلى الأسلمي عن أبي فروة يزيد بن سنان عن زيد بن أبي أنيسة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه واختلف أهل العلم في هذا فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة على الجنازة وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم لا يرفع يديه إلا في أول مرة وهو قول الثوري وأهل الكوفة وذكر عن ابن المبارك أنه قال في الصلاة على الجنازة لا يقبض بيمينه على شماله ورأى بعض أهل العلم أن يقبض بيمينه على شماله كما يفعل في الصلاة قال أبو عيسى يقبض أحب إلى انتهى كلامه وقال البيهقي في سننه باب ما جاء في وضع اليمنى على اليسرى في صلاة الجنازة وأورد فيه حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال كان رسول الله إذا صلى على جنازة رفع يديه في أول تكبيرة ثم يضع يده اليمنى على يده السيرى قبل قال البيهقي تفرد به يزيد بن سنان انتهى وقال الحافظ المزي في الأطراف بعد ذكر رواية الترمذي ورواه الحسن بن عيسى عن
[ 361 ]
إسماعيل بن أبان الوراق عن يحيى بن يعلى عن يونس بن خباب عن الزهري نحوه انتهى قلت يونس ابن خباب ضعيف وأعل ابن القطان رواية الترمذي بأبي فروة ونقل تضعيفه عن أحمد والنسائي وابن معين والعقيلي قال وفيه علة أخرى وهو أن يحيى بن يعلى الراوي عن أبي فروة وهو أبو زكريا القطواني الأسلمي هكذا صرح به الدارقطني وهو ضعيف وأخرج الدارقطني في سننه من طريق الفضل بن السكن حدثنا هشام بن يوسف حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود انتهى وسكت عنه لكن أعله العقيلي في كتابه بالفضل بن السكن وقال إنه مجهول انتهى قال الزيلعي ولم أجده في ضعفاء ابن حبان ويعارضه ما أخرجه الدارقطني في علله عن عمر بن شبة حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في كل تكبيرة وإذا انصرف سلم قال الدارقطني هكذا رفعه عمر بن شبة وخالفه جماعة فرووه عن يزيد بن هارون موقوفا وهو الصواب انتهى ولم يرو البخاري في كتابه المفرد في رفع اليدين شيئا في هذا الباب إلا حديثا موقوفا على ابن عمرو حديثا موقوفا على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه انتهى كلام الزيلعي وأخرجه البيهقي عن ابن عمر قال الحافظ سنده صحيح ورواه الطبراني في الأوسط في ترجمة موسى بن عيسى مرفوعا وقال لم يروه عن نافع إلا عبد الله بن محرر تفرد به عباد بن صهيب قال في التلخيص وهما ضعيفان وروى الشافعي عمن سمع سلمة بن ورد أن يذكر عن أنس أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة وروى أيضا الشافعي عن عروة وابن المسيب مثل ذلك قال وعلى ذلك أدركنا أهل العلم ببلدنا انتهى وحكى ابن المنذر مشروعية الرفع عند كل تكبيرة عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وعطاء وسالم بن عبد الله وقيس بن أبي حازم والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق واختاره بن المنذر وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحاب الرأي إنه لا يرفع عند سائر التكبيرات بل عند الأولى فقط وعن مالك ثلاث روايات الرفع في الجميع وفي الأولى فقط وعدمه في كلها والله أعلم
[ 362 ]
وأما الصلاة على الطفل الذي لم يبلغ الحلم فكالصلاة على الكبير ولم يثبت عن النبي بسند صحيح أنه علم أصحابه دعاء آخر للميت الصغير غير الدعاء الذي علمهم للميت الكبير بل كان يقول اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا كما عرفت وأخرج مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت سعيد بن المسيب يقول صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط فسمعته يقول اللهم أعذه من عذاب القبر انتهى فالدعاء للطفل على معنى الزيادة كما كانت الانبياء عليهم الصلاة والسلام تدعو الله أن يرحمها وتستغفره لكن روى المستغفري في الدعوات من حديث علي بن أبي طالب قال قال رسول الله يا علي إذا صليت على جنازة فقل اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك ماض في حكمك ولم يكن شيئا مذكورا زارك وأنت خير مزور اللهم لقنه حجته وألحقه بنبيه ونر يحيى له في قبره ووسع عليه في مدخله وثبته بالقول الثابت فإنه افتقر إليك واستغنيت عنه وكان يشهد أن لا إله إلا أنت فاغفر له اللهم هي لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده يا علي وإذا صليت على امرأة فقل أنت خلقتها ورزقتها وأنت أحييتها وأنت أمتها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئناك شفعاء لها اغفر لها اللهم لا تحرمنا أجرها ولا تفتنا بعدها يا علي وإذا صليت على طفل قل اللهم اجعل لأبويه سلفا واجعل لهما نورا وسدادا أعقب والديه الجنة إنك على كل شئ قدير كذا في عمدة القاري شرح البخاري والحديث ينظر في إسناده والغالب فيه الضعف وقال الحافظ في التلخيص روى البيهقي من حديث أبي هريرة أنه كان يصلي على النفوس اللهم اجعله لنا فرطا وسلفا وأجرا وفي جامع سفيان عن الحسن في الصلاة على الصبي اللهم اجعله لنا سلفا واجعله لنا فرطا واجعله لنا أجرا انتهى وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة قال قال النبي صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم وقال في الفتح وعند عبد الوهاب بن عطاء في كتاب الجنائز له عن سعيد بن أبي عروبة أنه سئل عن الصلاة على الصبي فأخبرهم عن قتادة عن الحسن أنه كان يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقول اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا انتهى وفي الهداية ولا يستغفر للصبي ولكن يقول اللهم اجعله لنا فرطا واجعله لنا أجرا وذخرا واجعله لنا شافعا ومشفعا
[ 363 ]
لها اغفر لها اللهم لا تحرمنا أجرها ولا تفتنا بعدها يا علي وإذا صليت على طفل قل اللهم اجعل لأبويه سلفا واجعل لهما نورا وسدادا أعقب والديه الجنة إنك على كل شئ قدير كذا في عمدة القاري شرح البخاري والحديث ينظر في إسناده والغالب فيه الضعف وقال الحافظ في التلخيص روى البيهقي من حديث أبي هريرة أنه كان يصلي على النفوس اللهم اجعله لنا فرطا وسلفا وأجرا وفي جامع سفيان عن الحسن في الصلاة على الصبي اللهم اجعله لنا سلفا واجعله لنا فرطا واجعله لنا أجرا انتهى وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة قال قال النبي صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم وقال في الفتح وعند عبد الوهاب بن عطاء في كتاب الجنائز له عن سعيد بن أبي عروبة أنه سئل عن الصلاة على الصبي فأخبرهم عن قتادة عن الحسن أنه كان يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقول اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا انتهى وفي الهداية ولا يستغفر للصبي ولكن يقول اللهم اجعله لنا فرطا واجعله لنا أجرا وذخرا واجعله لنا شافعا ومشفعا
[ 363 ]
وقال العيني في شرح الهداية لأن الصبي مرفوع القلم عنه ولا ذنب له ولا حاجة إلى الاستغفار وفي البدائع إذا كان الميت صبيا يقول اللهم اجعله لنا فرطا وذخرا وشفعه فينا كذا روى عن أبي حنيفة وهو مروي عن النبي وفي المحيط إذا كان الميت صبيا يقول اللهم اجعله لنا فرطا اللهم اجعله لنا ذخرا اللهم اجعله لنا شافعا ومشفعا وفي المفيد ويدعو لوالديه وللمؤمنين وقيل يقول اللهم ثقل موازينهما وأعظم به أجورهما اللهم اجعله في كفالة إبراهيم وألحقه بصالح المؤمنين وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله اللهم اغفر لسلفنا وفرطنا ومن سبقنا بالإيمان انتهى كلام العيني وإنما أطلنا الكلام فيه لشدة الاحتياج إليه والله أعلم