عون المعبود
العظيم آبادي ج 6

[ 1 ]
عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية محتوى الجزء السادس : تتمة كتاب المناسك - كتاب النكاح - كتاب الطلاق - كتاب الصيام دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 2 ]
الطبعة الثانية 1415 ه‍ . 1995 م جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الاولى 1410 ه‍ 1990 م يطلب من : دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ص ب : 9424 / 11 تلكس : 41245 l e nasher هاتف : 366135 - 815573
[ 3 ]
الإقامة بمكة (يقول للمهاجرين إقامة بعد الصدر ثلاثا في الكعبة) أي بمكة بعد قضاء النسك والمراد أن له مكث هذه المدة لقضاء حوائجه وليس له أزيد منها لأنها بلدة تركها الله تعالى فلا يقيم فيها أكثر من هذه المدة لأنه يشبه العود إلى ما تركه لله تعالى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه وفي لفظ لمسلم يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكة قيل هذا يدل على أنه يريد بالصدر وقت الناس آخر أيام منى بعد تمام نسكهم فيقيم هو بعدهم لحاجة لا أنه يقيم بعد أن يطوف طواف الصدر ثلاثة أيام ويجزيه ما تقدم من طوافه بل يعيده عند كافتهم إلا ما حكي عن أصحاب الرأي وهذا الحديث حجة لمن منع المهاجرة بعد الفتح مع الاتفاق على وجوب الهجرة عليهم قبل الفتح ووجوب سكنى المدينة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساتهم له بأنفسهم وإعزازهم لدينهم من الفتنة لوأما المهاجر ممن آمن بعد ذلك فلا خلاف في سكنى بلدة مكة أو غيرها انتهى
[ 4 ]
الصلاة في الكعبة (الحجبي) بفتح المهملة والجيم منسوب إلى حجابة الكعبة وهي ولايتها وفتحها وإغلاقها وخدمتها (فأغلقها) لخوف الزحام ولئلا يجتمع الناس ويدخلوا ويزدحموا فينالهم ضرر (فمكث فيها) قال النووي ذكر مسلم عن بلال رضي الله عنه دخل الكعبة وصلى فيها بين العمودين وعن أسامة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا في نواحيها ولم يصل وأجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال ولأنه مثبت فمعه زيادة علم فوجب ترجيحة والمراد الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود ولهذا قال ابن عمر ونسيت أن أسأله كم صلى وأما نفي أسامة فسببه أنهم لما دخلوا الكعبة أغلقوا الباب واشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ثم اشتغل أسامة بالدعاء في ناحية من نواحي البيت والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى وبلال قريب منه ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله وكانت صلاة خفيفة فلم يرها أسامة لإغلاق الباب مع بعده واشتغاله بالدعاء وجاز له نفيها عملا بظنه وأما بلال فحققها فأخبر بها واختلف العلماء في الصلاة في الكعبة إذا صلى متوجها إلى جدار منها أو إلى الباب فقال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد والجمهور يصح فيها صلاة النفل وصلاة الفرض وقال مالك تصح فيها صلاة النفل المطلق ولا يصح الفرض ولا الوتر ولا ركعتا الفجر ولا ركعتا الطواف وقال محمد بن جرير واصبغ المالكي وبعض أهل الظاهر لا تصح فيها صلاة أبدا لا فريضة ولا نافلة ودليل الجمهور حديث بلال وإذا صحت النافلة صحت الفريضة (جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه) هكذا هو في رواية للبخاري عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره وهكذا هو في الموطأ وفي رواية لمسلم جعل عمودين عن
[ 5 ]
يساره وعمودا عن يمينه وكله من رواية مالك وفي رواية البخاري عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وقد اختلف في لفظه على الإمام مالك فروي عنه كما ذكره أبو داود عمودا عن يساره وعمودين على يمينه وأخرجه البخاري كذلك وقال البيهقي وهو الصحيح وروى عنه عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وأخرجه مسلم كذلك وروى عمودا عن يمينه وعمودا على ى ساره وأخرجه البخاري كذلك (لم يذكر) أي عبد الرحمن بن مهدي (السواري) جمع السارية وهي العمود والحديث سكت عنه المنذري والأذرم له بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح الراء قرية قديمة من ديار ربيعة وهي اليوم من أعمال نصيبين قرية كغيرها (قال صلى ركعتين) قال النووي في شرح مسلم إسناده فيه ضعف وقال المنذري وعبد الرحمن بن صفوان هذا له صحبة رضي الله عنه وفي إسناده يزيد ابن أبي زياد وفيه مقال (أبى أن يدخل البيت) أي امتنع عن دخول البيت (وفيه الآلهة) أي الأصنام وأطلق عليها الآلهة باعتبار ما كانوا يزعمون وكانت تماثيل على صور شتى فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول البيت وهي فيه لأنه لا يقر على باطل ولأنه لا يحب فراق الملائكة وهي لا تدخل ما فيه صورة كذا في
[ 6 ]
فتح الباري (وفي أيديهما الأزلام) جمع زلم وهي الأقلام وقال ابن التين الأزلام القداح وهي أعواد كتبوا في أحدها افعل وفي الآخر لا تفعل ولا شئ في الآخر فإذا أراد أحدهم السفر أو حاجة ألقاها في الوعاء فإن خرج افعل فعل وإن خرج لا تفعل لم يفعل وإن خرج لا شئ أعاد الإخرارج ذلك حتى يخرج له افعل أو لا تفعل (والله لقد علموا) أي أنهم كانو يعلمون اسم أول من أحدث الاستقسام وهو عمرو بن لحي وكانت نسبتهم إلى إبراهيم وولده الاستقسام بها افتراء عليهما لتقدمهما على عمرو (ما استقسما) أي ما اقتسم إبراهيم وإسماعيل بالأزلام قط قال في النهاية الاستقسام طلب القسم بكسر القاف الذي قسم له وقدر مما لم يقسم ولم يقدر وهو استفعال منه أي استدعاء ظهور القسم كما أن الاستسقاء طلب وقوع السقي (فكبر في نواحيه) قال المنذري وأخرجه البخاري وقال بعضهم إن الناس تركوا رواية ابن عباس وأخذ في الجواب عنه كما أجيب عن حديث أسامة وقد أخرج مسلم في الصحيح أن ابن عباس رواه عن أسامة فرجع الحديث إلى أسامة وقد تقدم الجواب عنه الصلاة في الحجر (فأدخلني في الحجر) بكسر الحاء أي الحطيم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح وعلقمة بن أبي علقمة بن بلال هذا آخر كلامه وعلقمة هذا هو مولى عائشة تابعي مدني احتج به البخاري ومسلم وأمه حكى البخاري وغيره أن اسمها مرجانة
[ 7 ]
في دخول الكعبة (وهو كئيب) أي مغموم فعيل من الكآبة (لو استقبلت من أمري) أي لو علمت في أول الأمر ما علمت في آخره ما دخلتها أي في البيت قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (حدثني خالي) اسمه مسافع بن شيبة (لعثمان) بن طلحة الحجبي (أن تخمر القرنين) أي تغطي قرني الكبش الذي فدى الله تعالى به إسماعيل عليه السلام عن أعين الناس كذا في فتح الودود وفي الدر المنثور أخرج سعيد بن منصور وأحمد والبيهقي في سننه عن امرأة من بني سليم قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة فسألت لما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال قال إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت الكعبة فنسيت أن آمرك أن تخمرها فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شئ يشغل المصلين انتهى (قال ابن السرج) أي في حديثه (خالي مسافع بن شيبة) بدل من خالي ومسافع هذا هو خال منصور قال المنذري وأم منصور هي صفية بنت شيبة القرشية العبدرية وقد جاءت مسماة في بعض طرق هذا الحديث واختلف في صحبتها وقد جاءت أحاديث ظاهرة في صحبتها وعثمان هذا هو ابن طلحة القرشي العبدري الحجبي رضي الله عنهم بفتح الحاء المهملة وبعدها جيم مفتوحة وباء موحدة منسوبة إلى حجابة بيت الله الحرام شرفه الله تعالى وهم جماعة بني عبدالدار إليهم حجابة الكعبة ومفتاحها نسب كذلك غير واحد
[ 8 ]
وقد اختلف في هذا الحديث فروي كما سقناه عن منصور عن خاله مسافع عن صفية بنت شيبة عن امرأة من بني سليم وروي عنه عن خاله عن امرأة من بني سليم ولم يذكر أمه في مال الكعبة (حتى أقسم مال الكعبة) أي المدفون فيها ولفظ البخاري لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته وفي لفظ له إلا قسمتها بين المسلمين وعند الإسماعيلي لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين قال القرطبي غلط من ظن أن المراد بذلك حلية الكعبة وإنما المراد الكنز الذي بها وهو ما كان يهدى إليها فيدخر ما يزيد عن الحاجة وقال ابن الجوزي كانوا في الجاهلية يهدون إلى الكعبة المال تعظيما إليها فيجتمع فيها (قد رأى مكانه) أي مكان المال (فلم يحركاه) أي لم يخرجا المال عن موضعه قال ابن بطال أراد عمر لكثرته إنفاقه في منافع المسلمين ثم لما ذكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض له أمسك وإنما تركا ذلك والله أعلم لأن ما جعل في الكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف فلا يجوز تغييره عن وجهه وفي ذلك تعظيم الإسلام وترهيب العدو قلت هذا التعليل ليس بظاهر من الحديث بل يحتمل أن يكون تركه صلى الله عليه وسلم لذلك رعاية لقلوب قريش كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ويؤيده ما وقع عند مسلم في بعض طرق حديث عائشة في بناء الكعبة لأنفقت كنز الكعبة ولفظه لولا أن قومك حديث عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض الحديث فهذا التعليل هو المعتمد قاله الحافظ قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي بنحوه وشيبة بن عثمان هذا هو القرشي العبدري له صحبة كنيته أبو عثمان ويقال أبو صفية
[ 9 ]
باب ليس ههنا باب في عامة النسخ لكن لا تعلق لهذا الحديث مع الباب الأول والله أعلم (من لية) بكسر اللام وتشديد المثناة التحتية غير منصرف جبل قرب الطائف أعلاه لثقيف وأسفله لنصر بن معاوية مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من حنين يريد الطائف وأمر وهو به بهدم حصن مالك بن عوف قائد غطفان (في طرف القرن) بفتح القاف وسكون الراء جبل صغير في الحجاز بقرب الطائف (حذوها) أي مقابل السدرة (فاستقبل نخبا) بفتح النون وكسر الخاء ثم الباء الموحدة واد بالطائف قيل بينه وبين الطائف ساعة كذا في المراصد (ببصره) متعلق استقبل أي استقبل النبي صلى الله عليه وسلم نخبا ببصره وعينه (وقال) الراوي (مرة) أخرى (واديه) أي استقبل وادي الطائف وهو نخب (ووقف) النبي صلى الله عليه وسلم (حتى اتقف الناس) أي حتى وقفوا اتقف مطاوع وقف تقول وقفته فاتقف محمد مثل وعدته فاتعد والأصل فيه أو تقف فقلبت الواو ياء لسكونها وكسر ما قبلها ثم قلبت الياء تاء وأدغمت في تاء الافتعال (ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إن صيد وج) بالفتح ثم التشديد واد بالطائف به كانت غزوة النبي صلى الله عليه وسلم للطائف وقيل هو الطائف كذا في المراصد وقال ابن رسلان هو أرض بالطائف عند أهل اللغة وقال أصحابنا هو واد بالطائف وقيل كل الطائف انتهى وقال الحازمي في المؤتلف والمختلف في الأماكن وج إسم لحصون الطائف وقيل الواحد منها وإنما اشتبه وج بوح بالحاء المهملة وهي ناحية نعمان (وعضاهه) قال في النيل بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة كل شجر فيه شوك واحدتها عضاهة وعضهة قال الجوهري العضا كل شجر يعظم وله شوك (حرم) بفتح الحاء والراء الحرام كقولهم زمن وزمان (محرم لله) تأكيد للحرمة
[ 10 ]
قال في النهاية يحتمل أن يكون على سبيل الحمى له ويحتمل أن يكون محرمة في وقت معلوم ثم نسخ وكذا قال الخطابي كما سيجئ والحديث يدل على تحريم صيد وج وشجره وقد ذهب إلى كراهته الشافعي وجزم جمهور أصحاب الشافعي بالتحريم وقالوا إن مراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم قال ابن رسلان في شرح السنن بعد أن ذكر قول الشافعي في الإملاء وللأصحاب فيه طريقان أصحهما وهو الذي أورده الجمهور القطع بتحريمه قالوا ومراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم ثم قال وفيه طريقان أصحهما وهو قول الجمهور يعني من أصحاب الشافعي أنه يأثم فيؤدبه الحاكم على فعله ولا يلزمه شئ لأن الأصل عدم الضمان إلا فيما ورد به الشرع ولم يرد في هذا شئ والطريق الثاني حكمه في الضمان حكم المدينة وشجرها وفي وجوب الضمان فيه خلاف انتهى (وذلك) يعني تحريم وج (قبل نزوله) صلى الله عليه وسلم (الطائف وحصاه لثقيف) وكانت غزوة الطائف في شوال سنة ثمان ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من حصن الطائف وعسكر هناك فحاصر ثقيفا ثمانية عشر يوما وقال ابن إسحاق بضعا وعشرين ليلة وقوله وذلك قبل نزوله الطائف ليس من قول أبي داود المؤلف ولا شيخه حامد ابن يحيى لأن أحمد بن حنبل أخرجه من طريق عبد الله بن الحارث وفيه هذه الجملة أيضا فيشبه أن يكون هذا القول ما دون زبير بن العوام الصحابي قال الخطابي ولست أعلم لتحريمه وجها إلا أن يكون ذلك على سبيل الحمى لنوع من منافع المسلمين وقد يحتمل أن يكون ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم وفي مدة محصورة ثم نسخ ويدل على ذلك قوله وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفا ثم عاد الأمر فيه إلى الإباحة كسائر بلاد الحل ومعلوم أن عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلوا بحضرة الطائف وحصروا أهلها ارتفقوا بما نالته أيديهم من شجر وصيد ومرفق فدل ذلك على أنها حل مباح وليس يحضرني في هذا وجه غير ما ذكرته انتهى قال في الشرح قلت في ثبوت هذا القول أي كون تحريم وج قبل نزول الطائف نظر لأن محمد بن إسحاق قال في مغازيه ما ملخصه إن رجالا من ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بعد وقعة الطائف فضرب عليهم قبة في ناحية مسجده وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتبوا كتابهم وكان خالد هو الذي كتبه وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم أي بعد إسلام أهل الطائف بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين أن عضاه وصيده حرام لا يعضد من وجد يصنع شيئا من ذلك فإنه يجلد وينزع ثيابه فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ
[ 11 ]
النبي محمد وأن هذا أمر النبي محمد رسول الله وكتب خالد ابن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصا محررا من زاد المعاد ثم قال ابن القيم إن وادي وج وهو واد بالطائف حرم يحرم صيده وقطع شجره وقد اختلف الفقهاء في ذلك والجمهور قالوا ليس في البقاع حرم إلا مكة والمدينة وأبو حنيفة رحمه الله خالفهم في حرم المدينة وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه وج حرم يحرم صيده وشجره واحتج لهذا القول بحديثين أحدهما هذا الذي تقدم والثاني حديث عروة بن الزبير عن أبيه الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله ورواه الإمام أحمد وأبو داود وهذا الحديث يعرف لمحمد بن عبد الله بن إنسان عن أبيه عن عروة قال البخاري في تاريخه لا يتابع عليه قلت وفي سماع عروة عن أبيه نظر وإن كان قد رآه والله أعلم انتهى والحديث سكت عنه أبو داود وكذا عبد الحق أيضا وتعقب بما نقل عن البخاري أنه لم يصح وكذا قال الأزدي وذكر الذهبي أن الشافعي صححه وذكر الخلال أن أحمد ضعفه وقال ابن حبان محمد بن عبد الله المذكور كان يخطئ ومقتضاه تضعيف الحديث فإنه ليس له غيره فإن كان أخطأ فيه فهو ضعيف وقال العقيلي لا يتابع إلا من جهة تقاربه في الضعف وقال النووي في شرح المهذب اسناده ضعيف قال وقال البخاري لا يصح وذكر الخلال في العلل أن أحمد ضعفه وقال الذهبي في ترجمة محمد بن عبد الله بن شيبان هذا صوابه ابن إنسان وقال في ترجمة عبد الله بن إنسان له حديث في رصيد وج قال ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث وقال المنذري في إسناده محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي وأبوه فأما محمد فسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال ليس بالقوي وفي حديثه نظر وذكره البخاري في تاريخه الكبير وذكر له هذا الحديث وقال لم يتابع عليه وذكر أباه وأشار إلى هذا الحديث وقال ولم يصح حديثه وقال البستي عبد الله بن إنسان روى عنه ابنه محمد لم يصح حديثه في إتيان المدينة (لا تشد) بصيغة المجهول نفي بمعنى النهي (الرحال) جمع رحل بفتح وسكون كنى به
[ 12 ]
عن السفر (والمسجد الأقصى) وهو بيت المقدس سمي به لبعده عن مسجد مكة أو لكونه لا مسجد وراءه وخصها لأن الأول إليه الحج والقبلة والثاني أسس على التقوى والثالث قبلة الأمم الماضية قال الخطابي هذا في النذر ينذره الإنسان أن يصلي في بعض المساجد فإن شاء وفى به وإن شاء صلى في غيره إلا أن يكون نذر الصلاة في واحد من هذه المساجد فإن الوفاء يلزمه بما نذر فيها وإنما خص هذه المساجد بذلك لأنها مساجد الأنبياء صلاة الله وسلامه عليهم وقد أمرنا بالاقتداء بهم وقال بعض أهل العلم لا يصح الاعتكاف إلا في واحد من هذه المساجد الثلاثة وعليه تأولوا الخبر انتهى قال القسطلاني اختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا والمواضع الفاضلة فيها والتبرك بها فقال أبو محمد الجويني محرم عملا بظاهر الحديث واختاره القاضي الحسين وقال به القاضي عياض وطائفة والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية الجواز وخص بعضهم النهي فيما حكاه الخطابي بالاعتكاف في غير الثلاثة لكن لم أر عليه دليلا انتهى وأخرج مالك في الموطأ عن مرثد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ابي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال لقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال من أين أقبلت فقلت من الطور فقال لو أدركت قبل أن يخرج إليه ما خرجت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد قال الشيخ الأجل عبد العزيز الدهلوي في شرح حديث لا تشد الرحال تعليقا على البخاري المستثنى منه المحذوف في هذا الحديث إما جنس قريب أو جنس بعيد فعلى الأول تقدير الكلام لا تشد الرحال إلى المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد وحينئذ ما سوى المساجد مسكوت عنه وعلى الوجه الثاني لا تشد الرحال إلى موضع يتقرب به إلا إلى ثلاثة مساجد فحينئذ شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة المعظمة منهي عنه بظاهر سياق الحديث ويؤيده ما روى أبو هريرة عن بصرة الغفاري حين راجع عن الطور وتمامه في الموطأ وهذا الوجه قوي من جهة مدلول حديث بصرة انتهى وقال الشيخ ولي الله في حجة الله البالغة قوله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا أقول كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع
[ 13 ]
معظمة بزعمهم يزورونها ويتبركون بها وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى فسد النبي صلى الله عليه وسلم الفساد لئلا يلتحق غير الشعائر بالشعائر ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله والحق عندي أن القبر ومحل عبادة ولي من أولياء الله والطور كل ذلك سواء في النهي انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه في تحريم المدينة (ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) من أحكام الشريعة أو المنفي شئ اختصوا به على الناس (وما في هذه الصحيفة) وسبب قول علي هذا يظهر بما روينا في مسند أحمد من طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال له قد فعلنا فيقول صدق الله ورسوله فقال له الأشتر هذا الذي تقول شئ عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما عهد إلي شيئا خاصا دون الناس إلا شيئا سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة فإذا فيها (المدينة حرام) أي حرم كما عند البخاري أي حرم محرمة (ما بين عائر) بالعين المهملة والألف مهموزا آخره راء جبل بالمدينة (إلى ثور) وهكذا عند مسلم من حديث علي إلى ثور وعند أحمد والطبراني من حديث عبد الله بن سلام ما بين عير إلى أحد قال أبو عبيد أهل المدينة لا يعرفون جبلا عندهم يقال له ثور وإنما ثور بمكة لكنك قال صاحب القاموس ثور جبل بمكة وجبل بالمدينة ومنه الحديث الصحيح المدينة حرم ما بين عير إلى ثور وأما قول أبي عبيد بن سلام وغيره من أكابر الأعلام أن هذا تصحيف والصواب إلى أحد لأن ثورا إنما هو بمكة فغير جيد لما أخبرني الشجاع البعلي الشيخ الزاهد عن الحافظ أبي محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد جانحا إلى ورائه جبلا صغيرا يقال له ثور وتكرر سؤالي عنه طوائف من العرب العارفين بتلك الأرض فكل أخبر أن اسمه ثور ولما كتب إلى الشيخ عفيف الدين المطري عن والده الحافظ الثقة قال إن خلف أحد عن شماله جبلا صغيرا مدورا يسمى ثورا يعرفه أهل المدينة خلفا عن سلف ونحو ذلك قاله صاحب تحقيق النصرة وقال المحب الطبري في الأحكام قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام
[ 14 ]
البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبلا صغيرا يقال له ثور وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك قال فعلمنا أن ذكر ثور المذكور في الحديث الصحيح صحيح وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه وهذه فائدة جليلة وقال أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في مختصره لأخبار المدينة إن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم أن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى ثورا قال وقد تحققته بالمشاهدة (فمن أحدث) أي أظهر (حدثا) بفتح الحاء والدال أي مخالفا لما جاء به الرسول الله صلى الله عليه وسلم كمن ابتدع بها بدعة (أو آوى) بالمد (محدثا) بكسر الدال أي مبتدعا (والناس أجمعين) فيه وعيد شديد قال القسطلاني لكن المراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه لا كلعن الكافر المبعد عن رحمة الله كل الإبعاد (لا يقبل) بصيغة المجهول (منه) من كل واحد (عدل ولا صرف) قال الخطابي يقال في تفسير العدل إنه الفريضة والصرف النافلة ومعنى العدل هو الواجب الذي لا بد منه ومعنى الصرف الربح والزيادة ومنه صرف الدارهم والدنانير والنوافل الزيادات على الأصول فلذلك سميت صرفا انتهى (ذمة المسلمين) أي عهدهم وأمانهم (واحدة) أي أنها كالشئ الواحد لا يختلف باختلاف المراتب ولا يجوز نقضها لتفرد العاقد بها وكأن الذي ينقص ذمة نفسه وهي ما يذم الرجل على إضاعته من عهد وأمان كأنهم كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى بعضه اشتكى كله (يسعي بها) أي يتولاها ويلي أمرها (أدناهم) أي أدنى المسلمين مرتبة والمعنى أن ذمة المسلمين واحدة سواء صدرت من واحد أو أكثر شريف أو وضيع قال الطيبي فإذا أمن أحد من المسلمين كافرا لم يحل لأحد نقضه وإن كان المؤمن عبدا قال الخطابي معناه أن يحاصر الإمام قوما من أهل الكفر فيعطي بعض عسكرة المسلمين أمانا لبعض الكفار فإن أمانه ماض وإن كان المجير عبدا وهو أدناهم وأقلهم وهذا خاص في أمان بعض الكفار دون جماعتهم ولا يجوز لمسلم أن يعطي أمانا عاما لجماعة الكفار فإن فعل ذلك لم يجز أمانة لأن ذلك يؤدي إلى تعطيل الجهاد أصلا وذلك غير جائز انتهى (فمن أخفر) بالخاء المعجمة أي نقض عهده وأمانه للكافر بأن قتل ذلك الكافر أو أخذ ماله وحقيقته إزالة حفرته أي عهده وأمانه (ومن والي قوما) بأن يقول معتق
[ 15 ]
لغير معتقه أنت مولاي (بغير إذن مواليه) ليس لتقييد الحكم بعدم الإذن وقصره عليه بل بني الأمر فيه على الغالب وهو أنه إذا استأذن مواليه لم يأذنوا له قال الطيبي قيل أراد به ولاء المولاة لا ولاء العتق كمن انتسب إلى غير أبيه وقال الخطابي ليس معناه معنى الشرط حتى يجوز أن يوالي غير مواليه إذا أذنوا له في ذلك وإنما هو بمعنى التوكيد لتحريمه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (قال لا يختلي خلالها) أي لا يقطع كلؤها قال النووي معنى يختلي يؤخذ ويقطع والخلاء بفتح الخاء المعجمة مقصورا هو الرطب من الكلأ قالوا الخلاء والعشب اسم للرطب منه والحشيش والهشيم اسم اليابس منه والكلأ مهموزا يقع على الرطب واليابس (ولا ينفر صيدها) وفيه تصريح بتحريم التنفير وهو الإزعاج وتنحيته من موضعه فإن نفره عصى سواء تلف أم لا لكن إن تلف في نفاره قبل سكون نفاره ضمنه المنفر وإلا فلا ضمان قال العلماء نبه النبي صلى الله عليه وسلم بالتنفير على الإتلاف ونحوه لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى قاله النووي (أشاد بها) هكذا في بعض النسخ أي رفع صوته بتعريفها أبدا لا سنة يقال أشاده وأشاد به إذا أشاعه ورفع ذكره كذا في النهاية وفي بعضها أنشدها وفي رواية مسلم من حديث أبي هريرة لا تحل لقطتها إلا لمنشد المنشد هو المعرف وأما طالبها فيقال له ناشد وأصل النشد والنشاد رفع الصوت ومعنى الحديث لا تحل لقطتها لمن يريد أن يعرفها سنة ثم يتملكها كما في باقي البلاد بل لا تحل إلا لمن يعرفها أبدا ولا يتملكها وبهذا قال الشافعي وعبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيد وغيرهم وقال مالك يجوز تملكها بعد تعرفها سنة كما في سائر البلاد وبه قال بعض أصحاب الشافعي قاله النووي (ولا يصلح الرجل) قال ابن رسلان هذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولا حاجة فإن كانت حاجة جاز (ولا يصلح أن يقطع) استدل بهذا وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة على تحريم شجرها وخبطه وعضده وتحريم صيدها وتنفيرة كان الشافعي ومالك وأحمد وجمهور أهل العلم على أن للمدينة حرما كحرم مكة
[ 16 ]
يحرم صيده وشجره قال الشافعي ومالك فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان لأنه ليس بمحل للنسك فأشبه الحمى وقال ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى يجب فيه الجزاء كحرم مكة وبه قال بعض المالكية وهو ظاهر قوله كما حرم إبراهيم مكة وذهب أبو حنيفة وغيره إلى أن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة ولا تثبت له الأحكام من تحريم قتل الصيد وقطع الشجر والأحاديث ترد عليهم واستدلوا بحديث يا أبا عمير ما فعل النغير وأجيب عنه بأن ذلك كان قبل تحريم المدينة أو أنه من صيد الحل (إلا أن يعلف) من باب ضرب والعلف بفتح العين واللام اسم الحشيش أي ما تأكله الدابة وبسكون اللام مصدر علفت علفا وفيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف لا لغيره والحديث سكت عنه المنذري (قال حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي المنتقى عن أبي هريرة قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى متفق عليه ولفظ مسلم من حديث أبي هريرة قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة قال أبو هريرة فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى انتهى والضمير في قوله جعل راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما يدل على ذلك حديث عدي بن زيد الجذامي هذا فهذا الحديث مثل ما في الصحيحين لأن البريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال وهذان الحديثان فيهما التصريح بمقدار حرم المدينة قال أهل اللغة اللابتان الحرتان واحدتهما لابة بتخفيف الموحدة وهي الحرة والحرة الحجارة السود وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما ومعنى الحديث أنه حمى المدينة من كل جانب أي الشرق والغرب والجنوب والشمال أربعة بريدا وهي اثنا عشر ميلا فصار في كل ناحية ثلاثة أميال (لا يخبط) بصيغة المجهول الخبط ضرب الشجر ليسقط ورقه (ولا يعضد) بصيغة المجهول أي لا يقطع والعضد القطع (إلا ما يساق به) من السوق يقال سقت الدابة أسواقها سوقا أي ما يكون علفا للجمل على قدر الضرورة فيساق به للجمل للرعي قال المنذري في إسناده سليمان بن كنانة سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال لا أعرفه ولم يذكره البخاري في تاريخه وفي إسناده أيضا عبد الله بن أبي سفيان وهو في معنى المجهول
[ 17 ]
(أخذ رجلا) أي عبدا (فسلبه ثيابه) بدل اشتمال أي أخذ ما عليه من الثياب (فجاء مواليه وكلموه فيه) أي شأن العبد ورد سلبه (حرم هذا الحرم) قال الطيبي رحمه الله دل على أنه اعتقد أن تحريمها كتحريم مكة (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فليسلبه ثيابه) هذا ظاهر في أنها تؤخذ ثيابه جميعها وقال الماوردي يبقي له ما يستر عورته وصححه النووي واختاره جماعة من أصحاب الشافعي (ولا أرد عليكم طعمة) بضم الطاء وكسرها ومعنى الطعمة الأكلة وأما الكسر فجهة الكسب وهيئته (ولكن إن شئتم دفعت) أي تبرعا وبقصة سعد هذه احتج من قال إن من صاد من حرم المدينة أو قطع من شجرها أخذ سلبه وهو قول الشافعي في القديم قال النووي وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة انتهى وقد حكى ابن قدامة عن أحمد في أحد الروايتين القول به قال وروى ذلك عن أبي ذئب وابن المنذر انتهى وهذا يرد على القاضي عياض حيث قال ولم يقل به أحد بعد الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم وقد اختلف في السلب فقيل إنه لمن سلبه وقيل لمساكين المدينة وقيل لبيت المال وظاهر الأدلة أنه طعمة لكل من وجد فيه أحدا يصيد أو يأخذ من شجرة انتهى قال المنذري سئل أبو حاتم الرازي عن سليمان ابن أبي عبد الله فقال ليس بالمشهور فيعتبر حديثه انتهى قال الذهبي تابعي وثق (من شجر المدينة) أي من بعض أشجارها (فأخذ متاعهم) أي ثيابهم وما عندهم (وقال يعني لمواليهم) تفسير من الراوي (أن يقطع) بصيغة المجهول (وقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (من قطع
[ 18 ]
منه) أي من شجرها (فلمن أي الذي (أخذه) أي القاطع (سلبه) بفتح السين واللام أي ما عليه من الثياب وغيره قال المنذري صالح مولى التوأمة لا يحتج بحديثه ومولى سعد مجهول وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم فقال معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أن يرد عليهم وقال أبو بكر البزاز وهذا الحديث لا يعلم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا سعد ولا يعلم رواه عن سعد إلا عامر هذا آخر كلامه وقد قدمناه من حديث سليمان بن أبي عبد الله عن سعد ومن حديث مولى سعد عنه فلعله أراد من وجه يثبت انتهى كلامه ووهم الحاكم فقال في حديث سعد إن الشيخين لم يخرجاه وهو في مسلم (حمى) بكسر الحاء بغير تنوين وهو المحظور وفي العرف ما يحيمه الإمام لمواشي الصدقة ونحوها قال في المصباح حميت المكان من الناس حميا من باب رمي وحمية بالكسر منعته عنهم وأحميته بالألف جعلته حمى لا يقرب ولا يجترأ عليه (ولكن يهش) بصيغة المجهول (هشا) أي ينثر بلين ورفق قال في المصباح هش الرجل هشا من باب قتل صال بعصاه وهش الشجرة هشا أيضا ضربها ليتساقط ورقها انتهى والحديث سكت عنه المنذري (كان يأتي قباء ماشيا وراكبا) وفي رواية لمسلم أن ابن عمر كان يأتي مسجد قباء كل سبت وكان يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه كل سبت أما قباء فالصحيح المشهور فيه المد والتذكير والصرف وهو قريب من المدينة من عواليها وفيه بيان فضله وفضل مسجده والصلاة فيه وفضيلة زيادته وأنه يجوز زيارته راكبا وماشيا وقوله كل سبت فيه جواز تخصيص بعض الأيام بالزيارة
[ 19 ]
وهذا هو الصواب وقول الجمهور وكره ابن مسلمة المالكي ذلك قالوا لعله لم يبلغه هذا الحديث قاله النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر (زاد ابن نمير) هو عبد الله زيارة القبور هكذا في بعض النسخ والأكثر خال عن هذا وليس هذا الباب في المنذري أيضا وإنما أورد المؤلف في باب تحريم المدينة أحاديث تحريمها وما يتعلق بفضائل المدينة وزيارة قباء والصلاة والسلام عند قبر النبي وغير ذلك (قال ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) قال في فتح الودود إلا رد الله علي روحي من قبيل حذف المعلول وإقامة العلة مقامه وهذا فن في الكلام شائع في الجزاء والخبر مثل قوله تعالى فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك أي فإن كذبوك فلا تحزن فقد كذب الخ فحذف الجزاء وأقيم علته مقامه وقوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أي إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلا نضيع عملهم لأنا لا نضيع أجر من أحسن عملا فكذا ههنا يقدر الكلام أي ما من أحد يسلم علي إلا أرد عليه السلام لأني حي أقدر على رد السلام وقوله حتى أرد عليه أي فسبب ذلك حتى أرد عليه فحتى هنا حرف ابتداء تفيد السببية مثل مرض فلان حتى لا يرجونه لا بمعنى كي وبهذا اتضح معنى الحديث ولا يخالف ما ثبت حياة الأنبياء عليهم السلام انتهى كلامه قال السيوطي وقع السؤال عن الجمع بين هذا الحديث وبين حديث الأنبياء أحياء وفي قبورهم يصلون وسائر الأحاديث الدالة في حياة الأنبياء فإن ظاهر الأول مفارقة الروح في بعض الأوقات وألفت في الجواب عن ذلك تأليفا سميته انتباه الأذكياء بحياة الأنبياء وحاصل ما ذكرته فيه خمسة عشر وجها أقواها أن قوله رد الله روحي جملة حالية وقاعدة
[ 20 ]
العربية أن جملة الحال إذا صدرت بفعل ماض قدرت فيه كقوله تعالى أو جاءوكم حصرت صدورهم أي قد حصرت وكذا ههنا بقدر قد والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد وحتى ليست للتعليل بل لمجرد العطف بمعنى الواو فصار تقدير الحديث ما من أحد يسلم علي إلا قد رد الله على روحي قبل ذلك وأرد عليه وإنما جاء الإشكال من أن جملة رد الله علي روحي بمعنى حال أو استقبال وظن أن حتى تعليلية ولا يصح كل ذلك وبهذا الذي قدرناه ارتفع الإشكال من أصله ويؤيده من حيث المعنى أن الرد لو أخذ بمعنى حال أو استقبال للزم تكرره عند تكرر المسلمين وتكرر الرد يستلزم تكرر المفارقة وتكرر المفارقة يلزم عليه محذورات منها تألم الجسد الشريف بتكرار خروج روحه وعوده أو نوع ما من مخالفة تكرير إن لم يتألم ومنها مخالفة سائر الناس من الشهداء وغيرهم إذا لم يثبت لأحدهم أنه يتكرر له مفارقة روحه وعوده بالبرزخ وهو أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة ومنها مخالفة القرآن إذ دل أنه ليس إلا موتتان وحياتان وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل ومنها مخالفة الأحاديث المتواترة الدالة على حياة الأنبياء وما خالف القرآن والسنة المتواترة وجب تأويله قال البيهقي في كتاب الاعتقاد الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء والحديث أخرجه البيهقي في كتاب حياة الأنبياء بلفظ إلا وقد رد الله علي روحي بزيادة لفظ قد وقال البيهقي في شعب الإيمان وقوله إلا رد الله علي روحي معناه والله أعلم إلا وقد رد الله علي روحي فأرد عليه السلام فأحدث الله عودا على بدء قال السيوطي ولفظ الرد قد لا يدل على المفارقة بل كنى به عن مطلق الصيرورة وحسنه هذا مراعاة المناسبة اللفظية بينه وبين قوله حتى أرد عليه السلام فجاء لفظ الرد في صدر الحديث لمناسبة ذكره بآخره وليس المراد بردها عودها بعد مفارقة بدنها وإنما النبي بالبرزخ مشغول بأحوال الملكوت مستغرق في مشاهدته تعالى كما هو في الدنيا بحالة الوحي فعبر عن إفاقته من تلك الحالة برد الروح انتهى قال الشيخ تاج الدين الفاكهاني فإن قلت قوله إلا رد الله علي روحي لا يلتئم مع كونه حيا دائما بل يلزم منه أن تتعدد حياته ومماته فالجواب أن يقال معنى الروح هنا النطق مجازا فكأنه قال إلا رد الله علي نطقي وهو حي دائما لكن لا يلزم من حياته نطقه فيرد عليه نطقه عند سلام كل أحد وعلاقة المجاز أن النطق من لازمه وجود الروح كما أن الروح من لازمه وجود النطق بالفعل أو القوة فعبر بأحد المتلازمين عن الآخر ومما يحقق ذلك أن
[ 21 ]
عود الروح لا يكون إلا مرتين لقوله تعالى ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين انتهى كلامه وقال العلامة السخاوي في كتاب البديع رد روحه يلزمه تعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة إذ الكون لا يخلو من أن يسلم عليه بل قد يتعدد في آن واحد كثيرا وأجاب الفاكهاني وبعضهم بأن الروح هنا بمعنى النطق مجازا فكأنه قال يرد الله علي نطقي وقيل إنه على ظاهره بلا مشقة وقيل المراد بالروح ملك وكل بإبلاغه السلام وفيه نظر انتهى قال الخفاجي في نسيم الرياض شرح الشفاء للقاضي عياض واستعارة رد الروح للنطق بعيدة وغير معروفة وكون المراد بالروح الملك تأباه اضافة لضمير إلا أنه ملك كان ملازما له فاختص به على أنه أقرب الأجوبة وقد ورد في بعض الأحاديث قال أبو داود بلغني أن ملكا موكلا بكل من حين يبلغه وقد ورد أيضا إطلاق الروح على الملك في القرآن وإذا خص هذا بالزوار هان أمره وجملة رد الله علي روحي حالية ولا يلزمها قد إذا وقعت بعد إلا كما ذكره في التسهيل وهو استثناء من أعم الأحوال وبالجملة فهذا الحديث لا يخلو من الإشكال قال الخفاجي أقول الذي يظهر في تفسير الحديث من غير تكلف أن الأنبياء والشهداء أحياء وحياة الأنبياء أقوى وإذا لم يسلط عليهم الأرض فهم كالنائمين أبو والنائم لا يسمع ولا ينطق حتى ينتبه كما قال الله تعالى والتي لم تمت في منامها الآية فالمراد بالرد الإرسال الذي في الآية وحينئذ فمعناه أنه إذا سمع الصلاة والسلام بواسطة أو بدونها تيقظ ورد لا أن روحه تقبض قبض الممات ثم ينفخ وتعاد كموت الدنيا وحياتها لأن روحه مجردة نورانية وهذا لمن زاره ومن بعد تبلغه الملائكة سلامه فلا إشكال أصلا انتهى قال في غاية المقصود شرح سنن أبي داود بعد ما أطال الكلام هذا أي تقرير الخفاجي من أحسن التقارير وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال قال رسول الله من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى نائيا بلغته ومعنى قوله نائيا أي بعيدا عني وبلغته بصيغة المجهول مشددا أي بلغته الملائكة سلامه وصلاته علي وأخرج أحمد والنسائي والدارمي عن أبي مسعود الأنصاري مرفوعا إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام وإسناده صحيح قاله الخفاجي وأخرج أبو الشيخ في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا عبد الرحمن بن أحمد
[ 22 ]
الأعرج حدثنا الحسين بن الصباح حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي من بعيد أبلغته قال ابن القيم في جلاء الأفهام وهذا الحديث غريب جدا وما قال علي القاري تحت حديث الباب في شرح الشفاء وظاهره الإطلاق الشامل لكل مكان وزمان ومن خص الرد بوقت الزيادة فعليه البيان انتهى فيرد كلامه بما ذكرنا من الروايات والقول الصحيح أن هذا لمن زاره ومن بعد عنه تبلغه الملائكة سلامه وحديث الباب أخرجه أحمد بقوله حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة نحوه سندا ومتنا قال ابن القيم وقد صح إسناد هذا الحديث وسألت شيخنا ابن تيمية عن سماع يزيد بن عبد الله من أبي هريرة فقال كأنه أدركه وفي سماعه منه نظر انتهى كلامه وقال النووي في الأذكار ورياض الصالحين إسناده صحيح وقال ابن حجر رواته ثقات وقال المنذري أبو صخر حميد بن زياد وقد أخرج له مسلم في صحيحه وقد أنكر عليه شئ من حديثه وضعفه يحيى بن معين مرة ووثقه أخرى انتهى كذا في غاية المقصود مختصرا (لا تجعلوا بيوتكم قبورا) أي لا تتركوا الصلوات والعبادة فتكونوا فيها كأنكم أموات شبه المكان الخالي عن العبادة بالقبور والغافل عنها بالميت ثم أطلق القبر على المقبرة وقيل المراد لا تدفنوا في البيوت وإنما دفن المصطفى في بيت عائشة مخافة اتخاذ قبره مسجدا ذكره القاضي قاله المناوي في فتح القدير وقال الخفاجي ولا يرد عليه أنه دفن في بيته لأنه اتبع فيه سنة الأنبياء عليهم السلام كما ورد ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض فهو مخصوص بهم انتهى (ولا تجعلوا قبري عيدا) قال الإمام ابن تيمية رحمه الله معنى الحديث
[ 23 ]
لا تعطلوا البيوت من الصلاة فيها والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور فأمر بتحري العبادة بالبيوت ونهى عن تحريها عند القبور عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم من هذه الأمة والعيد اسم ما يعود من اجتماع العام على وجه معتاد عائدا ما يعود السنة أو يعود الأسبوع أو الشهر ونحو ذلك وقال ابن القيم العيد ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان مأخوذ من المعاودة والاعتياد فإذا كان اسما للمكان فهو المكان الذي يقصد فيه الاجتماع الانتياب بالعبادة وبغيرها كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله تعالى عيدا للحنفاء ومثابة للناس كما جعل أيام العيد منها عيدا وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية فلما جاء الله بالإسلام أبطلها وعوض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بكعبة ومنى ومزدلفة وسائر المشاعر انتهى قال المناوي في فتح القدير معناه النهي عن الاجتماع لزيارته اجتماعهم للعيد إما لدفع المشقة أو كراهة أن يتجاوزوا حد التعظيم وقيل العيد ما يعاد إليه أي لا تجعلوا قبري عيدا تعودون إليه متى أردتم أن تصلوا علي فظاهره منهي عن المعاودة والمراد المنع عما يوجبه وهو ظنهم بأن دعاء الغائب لا يصل إليه ويؤيده قوله (وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) أي لا تتكفلوا أو المعاودة إلي فقد استغنيتم بالصلاة علي قال المناوي ويؤخذ منه أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصوص من السنة ويقولون هذا يوم مولد الشيخ ويأكلون ويشربون وربما يرقصون فيه منهي عنه شرعا وعلى ولي الشرع ردعهم على ذلك وإنكاره عليهم وإبطاله انتهى
[ 24 ]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الحديث يشير إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قبركم) من قبري وبعدكم عنه فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدا انتهى والحديث دليل على منع السفر لزيارته لأن المقصود منها هو الصلاة والسلام عليه والدعاء له وهذا يمكن استحصاله من بعد كما يمكن من قرب وأن من سافر إليه وحضر من ناس آخرين فقد اتخذه عيدا وهو منهي عنه بنص الحديث فثبت منع شد الرحل لأجل ذلك بإشارة النص كما ثبت النهي عن جعله عيدا بدلالة النص وهاتان الدلالتان معمول بهما عند علماء الأصول ووجه هذه الدلالة على المراد قوله تبلغني حيث كنتم فإنه يشير إلى البعد والبعيد عنه لا يحصل له القرب إلا باختيار السفر إليه والسفر يصدق على أقل مسافة من يوم فكيف بمسافة باعدة ففيه النهي عن السفر لأجل الزيارة والله أعلم والحديث حسن جيد الإسناد وله شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة قاله الشيخ العلامة محمد بن عبد الهادي رحمه الله وقال في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد رواته مشاهير لكن قال أبو حاتم الرازي فيه عبد الله ابن نافع ليس بالحافظ نعرف وننكر وقال ابن معين هو ثقة وقال أبو زرعة لا بأس به قال الشيخ ابن تيمية ومثل هذا إذا كان لحديثه شواهد علم أنه محفوظ وهذا له شواهد متعددة انتهى ومن شواهده الصادقة ما روى عن علي بن الحسين أنه رأى رجلا يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله قال لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم رواه الضياء في المختارة وأبو يعلى والقاضي إسماعيل وقال سعيد بن منصور في سننه حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهل بن سهيل قال رآني الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال هلم إلى العشاء فقلت لا أريده فقال ما لي رأيتك عند القبر فقلت سلمت على النبي فقال إذا دخلت المسجد فسلم ثم قال إن رسول الله قال لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء قال سعيد بن منصور أيضا بسنده عن أبي سعيد مولى المهري قال قال رسول الله لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني
[ 25 ]
قال ابن تيمية فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث لا سيما وقد احتج به من أرسله وذلك يقتضي ثبوته عنده هذا لو لم يرو من وجوه مسندة غير هذين فكيف وقد تقدم مسندا انتهى قال ابن تيمية وفي الحديث دليل على منع شد الرحل إلى قبره وإلى قبر غيره من القبور والمشاهد لأن ذلك من اتخاذها أعيادا قال في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد وهذه هي المسألة التي أفتى فيها شيخ الإسلام أعني من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين ونقل فيها اختلاف العلماء فمن مبيح لذلك كالغزالي وأبي محمد المقدسي ومن مانع لذلك كابن بطة وابن عقيل وأبي محمد الجويني والقاضي عياض وهو قول الجمهور نص عليه مالك ولم يخالفه أحد من الأئمة وهو الصواب لحديث شد الرحال إلى ثلاثة مساجد كما في الصحيحين انتهى كلامه وأما الآن فالناس في المسجد الشريف إذا سلم الإمام عن الصلاة قاموا في مصلاهم مستقبلين القبر الشريف الراكعين له ومنهم من يلتصق بالسرادق ويطوف حوله وكل ذلك حرام باتفاق أهل العلم وفيه ما يجر الفاعل إلى الشرك ومن أعظم البدع المحرمة هجوم النسوة حول حجرة المرقد المنور وقيامهن عبد هناك في أكثر الأوقات وتشويشهن عليه على المصلين بالسؤال وتكلمهن أبي مع الرجال كاشفات الأعين والوجوه فإنا لله إلى ما ذهب بهم إبليس العدو وفي أي هوة أوقعهم في لباس الدين وزي الحسنات وإن شئت التفصيل في هذه المسألة فانظر إلى كتب شيوخ الإسلام كابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الهادي من المتقدمين وأما من المتأخرين فكشيخنا (العلامة القاضي بشير الدين القنوجي رحمه الله تعالى فإن كتابه أحسن الأقوال في شرح حديث لا تشد الرحال والرد على منتهى المقال من أحسن المؤلفة في هذا الباب واعلم أن زيارة قبر النبي أشرف من أكثر الطاعات وأفضل من كثير المندوبات لكن ينبغي لمن يسافر أن ينوي زيارة المسجد النبوي ثم يزور قبر النبي ويصلي ويسلم عليه اللهم ارزقنا زيارة المسجد النبوي وزيارة قبر النبي آمين (ابن الهدير) مصغرا (خرجنا مع رسول الله) أي في المدينة (نريد قبور الشهداء) أي
[ 26 ]
زيارتها (حتى إذا أشرفنا) أي صعدنا (على حرة واقم) بإضافة حرة إلى واقم قال في النهاية الحرة الأرض ذات الحجارة وواقم بكسر القاف اطم من أطام المدينة وإليه ينسب الحرة (فلما تدلينا منها) أي هبطنا إلى الأسفل (فإذا قبور بمحنية) بحيث ينعطف الوادي وهو منحناه ما أيضا أي بمحل انعطاف الوادي ومحاني لا الوادي معاطفة أن كذا في النهاية ومحنية بفتح الميم وسكون الحاء وكسر النون وفتح الياء (أ) بهمزة الاستفهام (قبور اخواننا) المسلمين (قال) النبي هذه (قبور أصحابنا) الذين ماتوا على الإسلام ولم ينالوا منزلة الشهداء (قبور الشهداء) في سبيل الله (قبور إخواننا) إنما أضاف النبي نسبة الأخوة وشرف بها لمنزلة الشهداء عند الله تعالى ما ليست لأحد والحديث سكت عنه المنذري (أناخ بالبطحاء) أي ناقته والأبطح كل مكان متسع (التي بذي الحليفة) قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة انتهى وهذا احتراز عن البطحاء التي بين مكة ومنى (فصلى بها) قال القاضي واستحب مالك النزول والصلاة فيه وأن لا يجاوز حتى يصلي فيه وإن كان غير وقت صلاة مكث حتى يدخل وقت الصلاة فيصلي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (المعرس) قال القاضي المعرس موضع النزول قال أبو زيد عرس القوم في المنزل إذا نزلوا به أي وقت كان من ليل أو نهار وقال الخليل والأصمعي التعريس النزول في آخر الليل قال القاضي والنزول بالبطحاء بذي الحليفة في رجوع الحاج ليس من مناسك الحج
[ 27 ]
وإنما فعله من فعله من أهل المدينة تبركا بآثار النبي ولأنها بطحاء مباركة قال وقيل إنما نزل به في رجوعه حتى يصبح لئلا يفجأ الناس أهاليهم ليلا كما نهى عنه صريحا في الأحاديث المشهورة والله أعلم قال المنذري هذا آخر كلامه وهو بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الراء المهملة وفتحها وبعدها سين مهملة قال في المراصد المعرس مسجد ذي الحليفة على ستة أميال من المدينة وهو منهل أهل المدينة كان رسول الله يعرس فيه ثم يرحل انتهى وفي النهاية المعرس موضع التعريس وبه سمي معرس ذي الحليفة عرس به النبي (حتى يغتدي) يقال غدى الرجل يغدو ذهب وهو نقيض راح وغدا عليه غدوا أي بكر ثم كثر حتى استعمل في الذهاب والانطلاق في أي وقت كان واغتدى عليه اغتداء بمعنى غدا والمعنى أن النبي بات بمعرس ذي الحليفة ثم ارتحل بعد الصبح والحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري في مختصره قال المزي في الأطراف هذا الحديث في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم
[ 28 ]
أول كتاب النكاح النكاح في اللغة الضم والتداخل وفي الشرع عقد بين الزوجين يحل به الوطء وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء وهو الصحيح لقوله تعالى فانكحوهن بإذن أهلهن والوطء لا يجوز بالإذن وقال أبو حنيفة رحمه الله هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد لقوله صلى الله عليه وسلم تناكحوا تكاثروا وقوله لعن الله ناكح يده وقيل إنه مشترك بينهما وقال الفارسي إنه إذا قيل نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد به العقد وإذا قيل نكح زوجته فالمراد به الوطء ويدل على القول الأول ما قيل إنه لم يرد في القرآن إلا للعقد كما صرح بذلك الزمخشري في كشافه في أوائل سورة النور ولكنه منتقض لقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره وقال أبو الحسين بن فارس إن النكاح لم يرد في القرآن إلا للتزويج إلا قوله تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن المراد به الحلم قاله في النيل وفوائد النكاح كثيرة منها أنه سبب لوجود النوع الإنساني ومنها قضاء الوطر بنيل اللذة والتمتع بالنعمة وهذه هي الفائدة التي في الجنة إذ لا تناسل فيها ومنها غض البصر وكف النفس عن الحرام وغير ذلك باب التحريض على النكاح (فاستخلاه) الضمير المرفوع لعثمان والمنصوب لابن مسعود أي انفراد عثمان بابن مسعود (أن ليست له حاجة) أي في النكاح (قال لي تعال يا علقمة) لأنه لا حاجة إلى بقاء الخلوة حينئذ (فقال له عثمان) أي في الخلوة فلعل ابن مسعود حدث لعلقمة ويحتمل أنه قال له بعد المجئ
[ 29 ]
على أنه كان تتمة لما ذكره في الخلوة كذا في فتح الودود (يا أبا عبد الرحمن) هي كنية ابن مسعود (جارية بكرا) فيه دليل على استحباب البكر وتفضيلها على الثيب (يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد) معناه يرجع إليك ما مضى من نشاطك وقوة شبابك فإن ذلك ينعش البدن (من استطاع منكم الباءة) بالهمزة وتاء التأنيث ممدودا وفيها لغة أخرى بغير همز ولا مد وقد تهمز وتمد بلا هاء قال الخطابي المراد بالباءة النكاح وأصله الموضع يتبوأه ويأوي إليه وقال النووي اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء والقول الثاني أن المراد بالباءة مؤنة النكاح سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم قالوا والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن وقال القاضي عياض لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان فيكون المراد بقوله من استطاع الباءة أي بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج ويكون قوله ومن لم يستطع أي لم يقدر على التزويج وقيل الباءة بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطء قال الحافظ ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج وقد وقع في رواية عند الإسماعيلي من طريق أبي عوانة بلفظ من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج وفي رواية للنسائي من كان ذا طول فلينكح ومثله لابن ماجه من حديث عائشة والبزار من حديث أنس (فإنه) أي التزوج (أغض للمبصر على) أي أحفض وأدفع لعين المتزوج عن الأجنبية من غض طرفه أي خفضه وكفه (وأحصن) أي أحفظ للفرج أي عن الوقوع في الحرام (ومن لم يستطع) أي مؤن الباءة (فعليه بالصوم) قيل هذا من إغراء الغائب ولا تكاد العرب تغري إلا الشاهد تقول عليك زيدا ولا تقول عليه زيدا قال الطيبي وجوابه أنه لما كان الضمير للغائب راجعا إلى لفظة من وهي عبارة عن المخاطبين في قوله يا معشر الشباب وبيان لقوله منكم جاز قوله عليه لأنه بمنزلة الخطاب وأجاب القاضي عياض بأن الحديث ليس فيه إغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين
[ 30 ]
الذين خاطبهم أولا بقوله من استطاع منكم وقد استحسنه القرطبي والحافظ والإ رشاد إلى الصوم لما فيه من الجوع والامتناع عن مثيرات الشهوة ومستدعيات طغيانها (فإنه) أي الصوم (له) أي لمن قدر على الجماع ولم يقدر على التزويج لفقره (وجاء) بكسر الواو والمد هو رض الخصيتين والمراد ههنا أن الصوم يقطع الشهوة ويقطع شر المني كما يقلعه الوجاء قال النووي في هذا الحديث الأمر بالنكاح لمن استطاعه وتاقت إليه نفسه وهذا مجمع عليه لكنه عندنا وعند العلماء كافة أمر ندب لا إيجاب فلا يلزم التزوج ولا التسري سواء خاف العنت أم لا هذا مذهب العلماء كافة ولا يعلم أحد أوجبه إلا داود ومن وافقه من أهل الظاهر ورواية عن أحمد فإنهم قالوا يلزمه إذا خاف العنت أن يتزوج أو يتسرى قالوا وإنما يلزمه في العمر مرة واحدة ولم يشترط بعضهم خوف العنت قال أهل الظاهر إنما يلزمه التزويج فقط ولا يلزمه الوطء وتعلقوا بظاهر الأمر في هذا الحديث مع غيره من الأحاديث مع القرآن قال الله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء وغيرها من الآيات واحتج الجمهور بقوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء إلى قوله تعالى أو ما ملكت إيمانكم فخير سبحانه وتعالى بين النكاح والتسري قال الإمام المازري هذا حجة للجمهور لأنه سبحانه وتعالى خيره بين النكاح والتسري بالاتفاق ولو كان النكاح واجبا لما خيره بين النكاح وبين التسري لأنه يصح عند الأصوليين التخيير بين واجب وغيره لأنه يؤدي إلى إبطال حقيقة الواجب وأن تاركه لا يكون آثما انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري مسلم والنسائي يؤمر به إلخ (تنكح النساء) بضم التاء وفتح الكاف مبنيا للمفعول والنساء رفع به (لأربع) أي لخصها لها الأربع في غالب العادة (لحسبها) بفتحتين أي شرفها والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقيل المراد بالحسب ههنا الأفعال الحسنة وقيل المال وهو مردود بذكره قبله ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة إلا إن
[ 31 ]
تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين وهكذا في كل الصفات وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال فقال الحافظ يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له ومنه حديث سمرة رفعه الحسب المال والكرم والتقوى أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم قاله في النيل (ولجمالها) يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا إن تعارض الجميلة الغير دينة والغير جميلة الدينة نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق (فاظفر بذات الدين) أي فز بنكاحها والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شئ لا سيما فيما تطول صحبته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية (تربت يداك) يقال ترب الرجل أي افتقر كأنه قال تلصق بالتراب ولا يراد به ههنا الدعاء بل الحث على الجد والتشمير في طلب المأمور به قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه في تزويج الأبكار الله (قلت نعم) أي تزوجت (بكر أم ثيب) بحذف همزة الاستفهام أي أهي بكر أم ثيب وفي بعض النسخ بالنصب فيهما أي أتزوجت بكرا أم ثيبا (فقلت ثيبا) أي تزوجت ثيبا وفي بعض النسخ بالرفع أي هي ثيب (أفلا بكرا) أي فهلا تزوجت بكرا (تلاعبها وتلاعبك) تعليل التزويج البكر لما فيه من الألفة التامة فأن الثيب قد تكون متعلقة القلب بالزوج الأول فلم تكون محبتها كاملة بخلاف البكر وذكر ابن سعد أن اسم امرأة جابر المذكور سهلة بنت مسعود بن أوس بن مالك الأنصارية الأوسية قاله القسطلاني وفي الحديث دليل على استحباب نكاح الأبكار إلا لمقتضى لنكاح الثيب كما وقع لجابر فإنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له ذلك هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوجت ثيبا كرهت أن أجيئهن بمثلهن فقال بارك الله لك هكذا في
[ 32 ]
البخاري في النفقات وفي رواية له ذكرها في المغازي من صحيحه كن لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن قال أصبت قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث عمرو بن دينار عن جابر وأخرجه ابن ماجه من حديث عطاء بن رباح عن جابر النهي عن تزويج من لم يلد من النساء هكذا وقع هذا الباب ههنا في نسخة وسائر النسخ الحاضرة عندي خالية عنه والظاهر أن يكون هذا الباب بعد حديث ابن عباس (لا تمنع يد لامس) أي لا تمنع نفسها عمن يقصدها بفاحشة أو لا تمنع أحدا طلب منها شيئا من مال زوجها (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (غربها) بالغين المعجمة أمر من التغريب قال في النهاية أي أبعدها يريد الطلاق وفي رواية النسائي بلفظ طلقها (قال) أي الرجل (أخاف أن تتبعها نفسي) أي تتوق إليها نفسي (قال فاستمتع بها) وفي رواية النسائي فأمسكها خاف النبي صلى الله عليه وسلم إن أوجب عليها طلاقها أن تتوق نفسه إليها فيقع في الحرام قال الحافظ في التلخيص اختلف العلماء في معنى قوله لا ترد يد لامس فقيل معناه الفجور وأنها لا تمتنع ممن يطلب منها الفاحشة وبهذا قال أبو عبيد والخلال والنسائي وابن الأعرابي والخطابي والغزالي والنووي وهو مقتضى استدلال الرافعي به هنا وقيل معناه التبذير وأنها لا تمنع أحدا طلب منها شيئا من مال زوجها وبهذا قال أحمد والأصمعي ومحمد بن ناصر ونقله عن علماء الإسلام وابن الجوزي وأنكر على من ذهب إلى القول الأول وقال بعض حذاق المتأخرين قوله صلى الله عليه وسلم له أمسكها معناه أمسكها عن الزنا أو عن التبذير إما بمراقبتها أو بالاحتفاظ على المال أو بكثرة جماعها ورجح القاضي أبو الطيب الأول بأن السخا مندوب إليه فلا يكون موجبا لقوله طلقها ولأن التبذيران قال كان من مالها فلها التصرف فيه وإن كان من ماله فعليه حفظه ولا يوجب شيئا من ذلك الأمر بطلاقها قيل والظاهر أن قوله لا ترد يد لامس أنها لا
[ 33 ]
تمتنع ممن يمد يده ليتلذذ بلمسها ولو كان كنى به عن الجماع لعد قاذفا أو أن زوجها فهم من حالها أنها لا تمتنع ممن أراد منها الفاحشة لا أن ذلك وقع منها انتهى كلام الحافظ وقال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام بعد ما ذكر الوجهين في قوله لا تمنعه يد لامس الوجه الأول في غاية من البعد بل لا يصح للآية ولأنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر الرجل أن يكون ديوثا فحمله على هذا لا يصح والثاني بعيد لأن التبذير إن كان بمالها فمنعها ممكن وإن كان من مال الزوج فكذلك ولا يوجب أمره بطلاقها على أنه لم يتعارف في اللغة أن يقال فلان لا يرد يد لامس كناية عن الجود فالأقرب المراد أنها سهلة الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة عن الأجانب لا أنها تأتي الفاحشة وكثير من النساء والرجال بهذه المثابة مع البعد من الفاحشة ولو أراد أنها لا تمنع نفسها عن الوقاع من الأجانب لكان قاذفا لها انتهى قلت الإرادة بقوله لا تمنع يد لامس أنها سهلة الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة عن الأجانب غير ظاهر والظاهر عندي ما ذكره الحافظ بقوله قيل والظاهر الخ والله تعالى أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي ورجال إسناده محتج بهم في الصحيحين على الاتفاق والانفراد وذكر الدارقطني أن الحسين بن واقد تفرد به عن عمارة بن أبي حفصة وأن الفضل بن موسى السيناني تفرد به عن الحسين بن واقد وأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن ابن عباس وبوب عليه في سننه تزويج الزانية وقال هذا الحديث ليس بثابت وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب وقال الإمام أحمد لا تمنع يد لامس تعطي من ماله قلت فإن أبا عبيد يقول من الفجور فقال ليس هو عندنا إلا أنها تعطي من ماله ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بإمساكه وهي تفجر وسئل عنه ابن الأعرابي فقال من الفجور وقال الخطابي معناه الريبة وأنها مطاوعة لمن أرادها لا ترديده انتهى (وأنها لا تلد) كأنه علم بذلك بأنها لا تحيض (تزوجوا الودود) أي التي تحب زوجها (الولود) أي التي تكثر ولادتها وقيد بهذين لأن الولود إذا لم تكن ودودا لم يرغب الزوج فيها والودود إذا لم تكن ولودا لم يحصل المطلوب وهو تكثير الأمة بكثرة التوالد ويعرف هذان
[ 34 ]
الوصفان في الأبكار من أقاربهن إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إلى بعض ويحتمل والله تعالى أعلم أن يكون معنى تزوجوا اثبتوا على زواجها وبقاء نكاحها إذا كانت موصوفة بهذين الوصفين قاله في المرقاة قلت هذا الاحتمال يزاحمه سبب الحديث (فإني مكاثر بكم الأمم) أي مفاخر بسببكم سائر الأمم لكثرة أتباعي قال المنذري وأخرجه النسائي باب في قوله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية هذه الاية في سورة النور وتمامها (أو مشركة ، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) (أن مرثد بن أبي مرثد) بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الثاء المثلثة وبعدها دال مهملة (الغنوي) بفتح الغين المعجمة وبعدها نون مفتوحة نسبة إلى غني بفتح الغين وكسر النون وهو غني بن يصعر ويقال أعصر بن قيس بن سعد بن غيلان قاله المنذري (كان يحمل الأسارى بمكة) وفي رواية النسائي كان يحمل الأسارى من مكة إلى المدينة وفي رواية الترمذي كان رجلا يحمل الأسرى من مكة ويأتي بهم المدينة والأسارى والأسرى كلاهما جمع أسير (وكان بمكة بغي) أي فاجرة وجمعها البغايا (وكانت) أي عناق (صديقته) أي حبيبته (قال) أي مرثد (وقال لا تنكحها) فيه دليل على أنه لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا ويدل على ذلك الآية المذكورة في الحديث لأن في آخرها وحرم ذلك على المؤمنين فإنه صريح في التحريم قال ابن القيم وأما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه
[ 35 ]
في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أولا فإن لم يعتقده فهو مشرك وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ثم صرح بتحريمه فقال وحرم ذلك على المؤمنين وأما جعل الإشارة في قوله وحرم ذلك إلى الزنا فضعيف جدا إذ يصير معنى الآية الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القران ولا يعارض ذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي قبله فإنه في الاستمرار على نكاح الزوجة الزانية والآية في ابتداء النكاح فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية وقد عرفت أنه أريد بقوله لا تمنع يد لامس غير الزنا أيضا وعلى هذا معارضة أصلا قال المنذري وللعلماء في الآية خمسة أقوال أحدها أنها منسوخة قاله سعيد ابن المسيب وقال الشافعي في الآية القول فيها كما قال سعيد بن المسيب إن شاء الله أنها منسوخة وقال غيره الناسخ لها وأنكحوا الأيامى منكم فدخلت الزانية في أيامى المسلمين وعلى هذا أكثر العلماء يقولون من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها والثاني أن النكاح ههنا الوطء والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله أو مشركة لا تحرم الزنا وتمام الفائدة في قوله سبحانه وحرم ذلك على المؤمنين يعني الذين امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي والثالث أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة وكذا الزانية والرابع أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا واحتج بأن الآية نزلت في ذلك والخامس أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف والعفيف على الزانية والله أعلم انتهى والحديث أخرجه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام في الحديث دليل على أنه يحرم على المرأة أن تزوج بمن ظهر زناه ولعل الوصف بالمجلود بناء على الأغلب في حق من ظهر منه الزنا وكذلك الرجل يحرم عليه أن يتزوج
[ 36 ]
بالزانية التي ظهر زناؤها وهذا الحديث موافق قوله تعالى وحرم ذلك على المؤمنين إلا أنه حمل الحديث والآية الأكثر من العلماء على أن معنى لا ينكح لا يرغب الزاني المجلود إلا في مثله والزانية لا ترغب في نكاح غير العاهر هكذا تأولوهما والذي يدل عليه الحديث والآية النهي عن ذلك لا الإخبار عن مجرد الرغبة وأنه يحرم نكاح الزاني العفيفة والعفيف الزانية ولا أصرح من ذلك قوله وحرم ذلك على المؤمنين أي كامل الإيمان الذين هم ليسوا بزناة وإلا فإن الزاني لا يخرج عن مسمى الإيمان عند الأكثر انتهى قال المنذري في إسناده عمرو بن شعيب وقد تقدم الكلام عليه وقال بعضهم وهذا الحديث يجوز أن يكون منسوخا كما نسخت الآية في قول ابن المسيب انتهى (وقال أبو معمر قال) أي عبد الوارث (أخبرنا حبيب المعلم) أي بلفظ التحديث وأما مسدد فقال في روايته بلفظ (عن عمرو بن شعيب) أي بلفظ عن وأما مسدد فبلفظ التحديث في الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها (من أعتق جاريته وتزوجها كان له أجران) أي أجر العتق وأجر التزويج قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي مختصرا ومطولا وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري (أعتق صفية) بنت حيي بن أخطب (وجعل عتقها صداقها) فيه دليل على أنه يصح أن يجعل العتق صداق المعتقة وقد أخذ بظاهره من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وطاوس والزهري ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق قالوا إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث وأجاب الباقون عن ظاهر الحديث بأجوبة ذكرها الحافظ في الفتح منها أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها بها ولكنه لا يخفي أن ظاهر الروايات أنه جعل المهر نفس العتق المعتقة ومنها أنه جعل نفس العتق المهر ولكنه من خصائصه ويجاب عنه بأن
[ 37 ]
دعوى الاختصاص تفتقر إلى دليل ومنها أنه يحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر فلزمها الوفاء بذلك ويكون خاصا به صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أن هذا تعسف لا ملجأ إليه وبالجملة فليس جواب منها سالما من خدشه والحامل لمن خالف الحديث على مثل هذه الأجوبة المخدوشة ظن مخالفته للقياس قالوا لأن العقد إما أن يقع قبل عتقها وهو محال لتناقض حكم الحرية والرق أو بعده وذلك غير لازم لها وأجيب بأن العقد يكون بعد العتق فإذا منها الامتناع لزمتها السعاية بقيمتها ولا محذور في ذلك والحق الذي لا محيص عنه هو ما يدل عليه ظاهر الحديث من صحة جعل العتق صداق المعتقة وليس بيد المانع برهان وقد أطال البحث في هذه المسألة العلامة ابن القيم في الهدى بما لا مزيد عليه إن شئت الاطلاع فارجع إليه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وصفية هي بنت حيي بن أخطب زوج النبي صلى الله عليه وسلم واختلف العلماء في ذلك فقال بعضهم بظاهر الحديث ولا مهر لها غير العتق وقال آخرون كان ذلك خاصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله سبحانه وتعالى أباح له أن يتزوج بغير صداق وقال الشافعي هي بالخيار إذا أعتقها وإن امتنعت من تزويجه فله عليها قيمتها وقال بعضهم جعل عتقها صداقها هو قول أنس لم يسنده ولعله تأويل منه إذا لم يسم لها صداقا والله أعلم انتهى قال الحافظ في الفتح قال أبو الطيب الطبري من الشافعية وابن المرابط من المالكية ومن تبعهما إنه قول أنس قاله ظنا من قبل نفسه ولم يرفعه وربما تأيد ذلك عندهم بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة ويقال أمة الله بنت رزينة عن أمها أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة وكان أتى بها مسبية من قريظة والنضير وهذا لا يقوم حجة لضعف إسناده ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي وهذا موافق لحديث أنس وفيه رد على من قال إن أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه انتهى يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب (يحرم من الرضاعة) بفتح الراء ويكسر وأنكر الأصمعي الكسر مع الهاء وفعله في
[ 38 ]
الفصيح من حد علم يعلم وأهل نجد قالوه من باب ضرب وعليه قول الشاعر يذم علماء زمانه وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها وهو في اللغة مص اللبن من الثدي ومنه قولهم لئيم مراضع أي يرضع غنما ولا يحلبها مخافة أن يسمع صوت حلبه فيطلب منه اللبن وفي الشرع مص الرضع اللبن من ثدي الآدمية في وقت مخصوص (ما يحرم من الولادة) بكسر الواو أي النسب وفي الحديث دليل على أن الرضاع ينشر الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة فيحرم عليها هو ويحرم عليها فروعه من النسب والرضاع ولا يسري التحريم من الرضيع إلى آبائه وأمهاته وإخوته وأخواته فلأبيه أن ينكح المرضعة إذ لا منع من نكاح أم ابن وأن ينكح ابنتها وكما صار الرضيع ابن المرضعة تصير هي أمه فتحرم عليه هي وأصولها من النسب والرضاع وإخوتها وأخواتها من النسب والرضاع فهم أخواله وخالاته وإن ثار اللبن من حمل من زوج صار الرضيع ابنا للزوج فيحرم عليه الرضيع ولا يثبت التحريم من الرضيع بالنسبة إلى صاحب اللبن إلى أصوله وحواشيه فلأم الرضيع أن تنكح صاحب اللبن وصار الزوج أباه فيحرم على الرضيع هو وأصوله وفصوله من النسب والرضاع فهم أعمامه وعماته ويحرم إخوته وأخواته من النسب والرضاع إذا هم أعمامه عماته قاله العلامة القسطلاني في شرح البخاري قال الحافظ في الفتح قال العلماء يستثنى من عموم قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أربع نسوة يحرمن في النسب مطلقا وفي الرضاع قد لا يحرمن الأولى أم الأخ في النسب حرام لأنها إما أم وإما زوج أب وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الأخ فلا تحرم على أخيه الثانية ام الحفيد حرام في النسب لأنها إما بنت أو زوج ابن وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الحفيد فلا تحرم على جده الثالثة جدة الولد في النسب حرام لأنها إما أم أو أم زوجة وفي الرضاع قد تكون أجنبية أرضعت الولد فيجوز لوالده أن يتزوجها الرابعة أخت الولد حرام في النسب لأنها بنت أو ربيبة وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الولد فلا تحرم على الوالد وهذه الصور الأربع اقتصر عليها جماعة ولم يستثن الجمهور شيئا من ذلك وفي التحقيق لا يستثنى شئ من ذلك لأنهن لم يحرمن من جهة النسب وإنما حرمن من جهة المصاهرة واستدرك بعض المتأخرين أم العم وأم العمة وأم
[ 39 ]
الخال وأم الخالة فإنهن يحرمن في النسب لا في الرضاع وليس ذلك على عمومه والله أعلم انتهى قال النووي فيه دليل على أنه يحرم النكاح ويحل النظر والخلوة والمسافرة لكن لا يترتب عليه أحكام الأمور من كل وجه فلا يتوارثان ولا يجب على واحد منهما نفقة الآخر ولا يعتق بالملك ولا يسقط عنها القصاص بقتله فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي بمعناه وقال الترمذي حسن صحيح وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث عمرة عن عائشة (أن أم حبيبة) بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم (هل لك في أختي) أي هل لك رغبة في تزويج أختي وفي رواية لمسلم أنكح أختي عزة بنت أبي سفيان وعند الطبراني هل لك في حمنة بنت أبي سفيان وعند أبي موسى في الذيل درة بنت أبي سفيان وجزم المنذري بأن اسمها حمنة كما في الطبراني وقال عياض لا نعلم لعزة ذكرا في بنات أبي سفيان إلا في رواية يزيد بن أبي حبيب وقال أبو موسى الأشهر فيها عزة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأفعل ماذا) فيه شاهد على جواز تقديم الفعل على ما الاستفهامية خلافا لمن أنكره من النحاة (أختك) بالنصب أي أنكح أختك (أو تحبين ذلك) هو استفهام تعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها مع ما طبع عليه النساء من الغيرة والواو عاطفة على ما قبل الهمزة عند سيبويه وعلى مقدر عند الزمخشري وموافقيه أي أنكحها وتحبين ذاك (لست بمخلية) بضم الميم وسكون المعجمة وكسر اللام اسم فاعل من أخلى يخلى أي لست بمنفردة بك ولا خالية من ضرة وقال بعضهم هو بوزن فاعل اخلاء متعديا ولازما من أخليت بمعنى خلوت من الضرة أي لست بمتفرغة من ولا خالية من ضرة قاله الحافظ وقال في المجمع أي لست متروكة لدوام الخلوة (وأحب من شركني) وفي رواية للبخاري شاركني بالألف (في خير أختي) أحب مبتدأ وأختي خبره وهو أفعل تفضيل مضاف إلى من ومن نكرة موصوفة أي وأحب شخص شاركني فجملة شاركني في محل جر صفته ويحتمل أن تكون موصولة والجملة صلتها والتقدير أحب المشاركين لي في خير أختي قيل المراد بالخير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم المتضمنة لسعادة الدارين الساترة لما لعله يعرض من
[ 40 ]
الغيرة التي جرت بها العادة بي الزوجات وفي رواية للبخاري وأحب من شركني فيك أختي قال الحافظ فعرف أن المراد بالخير ذاته صلى الله عليه وسلم (فإنها لا تحل لي) لأن الجمع بين الأختين حرام (لقد أخبرت) بضم الهمزة على البناء للمجهول قال الحافظ ولم أقف على اسم من أخبر بذلك ولعله كان من المنافقين فإنه قد ظهر أن الخبر لا أصل له وهذا مما يستدل به على ضعف المراسيل (أنك تخطب درة) بضم المهملة وتشديد الراء (أو ذرة) بالمعجمة (شك زهير) الراوي عن هشام وفي البخاري وغيره وقع اسمها درة بغير الشك (بنت أم سلمة) منصوب بفعل مقدر أي تعنين بنت أم سلمة وهو استفهام استثبات لرفع الإشكال أو استفهام إنكار والمعنى أنها إن كانت بنت أبي سلمة من أم سلمة فيكون تحريمها من وجهين كما سيأتي بيانه وإن كانت من غيرها فمن وجه واحد وكأن أم حبيبة لم تطلع على تحريم ذلك إما لأن ذلك كان قبل نزول آية التحريم وإما بعد ذلك وظنت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال الكرماني قال والاحتمال الثاني هو المعتمد والأول يدفعه سياق الحديث (لو لم تكن) أي درة بنت أم سلمة (ربيبتي) أي بنت زوجتي مشتقة من الرب وهو الإصلاح لأن زوج الأم يربها ويقوم بأمرها وقيل من التربية وهو غلط من جهة الاشتقاق (في حجري) راعي فيه لفظ الآية وإلا فلا مفهوم له كذا عند الجمهور وأنه خرج مخرج الغالب (ما حلت لي) هذا جواب لو يعي لو كان بها مانع واحد لكفي في التحريم فكيف وبها مانعان (أرضعتني وأباها) أي والد درة أبا سلمة وهو معطوف على المفعول أو مفعول معه (ثويبة) بضم المثلثة وفتح الواو وبعد التحتية الساكنة موحدة كانت مولاة لأبي لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم (فلا تعرضن) بفتح أوله وسكون العين وكسر الراء بعدها معجمة ساكنة ثم نون علي الخطاب لجماعة النساء وبكسر المعجمة وتشديد النون خطاب لأم حبيبة قال الحافظ والأول أوجه قال القرطبي جاء بلفظ الجمع وإن كانت القصة ثنين وهما أم حبيبة وأم سلمة ردعا وزجرا أن تعود واحدة منهما أو غيرهما إلى مثل ذلك وهذا كما لو رأى رجل امرأة تكلم رجلا
[ 41 ]
فقال لها أتكلمين الرجال فإنه مستعمل شائع قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث زينب بنت أبي سلمة عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في لبن الفحل بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة الرجل أي هل يثبت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولدا له أم لا ونسبة اللبن إليه مجاز لكونه سببا فيه (دخل علي أفلح بن أبي القعيس) هكذا جاء في رواية لمسلم بلفظ أفلح بن أبي القعيس وفي رواية له بلفظ أفلح بن قعيس وفي أخرى له بلفظ عمي من الرضاعة أبو الجعد وفي روايات متعددة له أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن قال النووي قال الحفاظ الصواب الرواية الأولى وهي التي كررها مسلم في أحاديث الباب وهي المعروفة في كتب الحديث وغيرها أن عمها من الرضاعة هو أفلح أخو أبي القعيس وكنية أفلح أبو الجعد انتهى (فاستترت) أي احتجبت (إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل) أي حصلت لي الرضاعة من جهة المرأة لا من جهة الرجل فكأنها ظنت أن الرضاعة لا تسري إلى الرجال والله تعالى أعلم بالحال (فليلج عليك) من الولوج أي فليدخل فيه دليل على أن لبن الفحل يحرم حتى تثبت الحرمة في جهة صاحب اللبن كما تثبت من جانب المرضعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت عمومة الرضاع وألحقها بالنسب فثبت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولدا له وأولاده إخوة الرضيع وأخواته ويكون إخوته أعمام الرضيع وأخواته عماته ويكون أولاد الرضيع أولاده وإليه ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار كالأوزاعي في أهل الشام والثوري وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة وابن جريج في أهل مكة ومالك في أهل المدينة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأتباعهم وحجتهم هذا الحديث الصحيح وخالف في ذلك ابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وعائشة وجماعة من التابعين وابن
[ 42 ]
المنذر وداود وأتباعه فقالوا لا يثبت حكم الرضاع للرجل لأن الرضاع إنما هو للمرأة التي اللبن منها قالوا ويدل عليه قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم فإنه لم يذكر العمة ولا البنت كما ذكرهما في النسب وأجيبوا بأن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه ولاسيما وقد جاءت الأحاديث الصحيحة واحتج بعضهم من حيث النظر بأن اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما ينفصل من المرأة فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل والجواب أنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه وأيضا فإن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معا فوجب أن يكون الرضاع منهما كالجد لما كان سبب الولد أوجب تحريم ولد الولد به لتعلقه بولده وإلى هذا أشار ابن عباس بقوله في هذه المسألة اللقاح واحد أخرجه ابن أبي شيبة وأيضا فإن الوطء يدر اللبن فللفحل فيه نصيب قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأفلح بالفاء والقعيس بضم القاف وفتح المهملة وسكون الياء وبعدها سين مهملة واختلف العلماء في التحريم بلبن الفحل فجمهور العلماء على أنه يحرم وذهبت طائفة إلى أنه لا يحرم وإنما يقع التحريم من ناحية المرأة لا من ناحية الرجل روي هذا عن عائشة وابن عمر وابن الزبير وغيرهم من التابعين وهو مذهب أهل الظاهر وابن بنت الشافعي وقيل إنه لا يصح عن عائشة وهذا هو الأشبه لأنها التي روت الحديث فيه قال الإمام الشافعي نشر الحرمة إلى الفحل خارج عن القياس فإن اللبن ليس ينفصل منه وإنما ينفصل منها والمتبع الحديث انتهى في رضاعة الكبير (عن أشعث بن سليم) أي كلاهما عن أشعث (المعنى واحد) أي معنى حديث شعبة وسفيان واحد وإن كان في بعض ألفاظ حديثهما اختلاف (وعندها رجل) الجملة حالية (فشق ذلك) أي دخول ذلك الرجل (عليه) صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه (ثم اتفقا) أي حفص ومحمد بن كثير (فقال انظرن) أي تفكرن واعرفن في (من
[ 43 ]
إخوانكن) خشية أن يكون رضاعة ذلك الشخص كانت في حالة الكبر (فإنما الرضاعة من المجاعة) بفتح الميم قال الإمام أبو سليمان الخطابي في المعالم معناه أن الرضاعة التي بها يقع الحرمة ما كان في الصغر والرضيع طفل يقويه اللبن ويسد جوعه فأما ما كان منه بعد ذلك في الحال التي لا يسد جوعه اللبن ولا يشبعه إلا الخبز واللحم وما كان في معناهما فلا حرمة له وقد اختلف العلماء في تحديد مدة الرضاع فقالت طائفة منهم إنها حولان وإليه ذهب سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق واحتجوا بقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة قالوا فدل أن مدة الحولين إذا انقضت فقد انقطع حكمها ولا عبرة لما زاد بعد تمام المدة وقال أبو حنيفة حولان وستة أشهر وخالفه صاحبه وقال زفر بن الهذيل ثلاث سنين ويحكى عن مالك أنه جعل حكم الزيادة على الحولين إذا كانت يسيرا حكم الحولين انتهى وفي بعض نسخ الكتاب بعد قوله من المجاعة وجدت هذه العبارة قال أبو داود روى أهل المدينة في هذا اختلافا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (ما شد العظم) أي قواه وأحكمه وشد العظم وإنبات اللحم لا يحصل إلا إذا كان الرضيع طفلا يسد اللبن جوعه لأن معدته تكون ضعيفة يكفيها اللبن وينبت بذلك لحمه ويشتد عظمه فيصير كجزء من المرضعة فيشترك في الحرمة مع أولادها (لا تسألونا وهذا الحبر فيكم) الحبر بفتح الحاء وكسرها العالم وأراد بهذا الحبر ابن مسعود رضي الله عنه (بمعناه) أي بمعنى الحديث المذكور (وقال أنشر العظم) قال الخطابي أنشر العظم معناه ما شد العظم وقواه والإنشار بمعنى الإحياء كما في قوله سبحانه ثم إذا شاء أنشره وقد يروى أنشز العظم بالزاي المعجمة ومعناه زاد في حجمه فنشره انتهى وقال السندي أي رفعه وأعلاه أي أكبر حجمه
[ 44 ]
قال المنذري سئل أبو حاتم الرازي عن أبي موسى الهلالي فقال هو مجهول وأبوه مجهول انتهى وأحاديث الباب تدل على أنه لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في حال الصغر لأنها الحال الذي يمكن طرد الجوع فيها باللبن وإليه ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء وإنما اختلفوا في تحديد الصغر فالجمهور قالوا مهما كان في الحولين فإن رضاعه يحرم ولا يحرم ما كان بعدهما مستدلين بقوله تعالى حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وقالت جماعة الرضاع المحرم ما كان قبل الفطام ولم يقدروه بزمان قال الأوزاعي إن فطم وله عام واحد واستمر فطامه ثم رجع في الحولين لم يحرم هذا الرضاع شيئا وإن تمادى رضاعه ولم يفطم فما يرضع وهو في الحولين حرم وما كان بعدهما لا يحرم وإن تمادى رضاعه وفي المسألة أقوال أخرى عارية عن الاستدلال فلم نطل بها المقال باب من حرم به أي برضاع الكبير (كان تبنى سالما) أي اتخذه ولدا وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة ولم يكن مولاه وإنما كان يلازمه بل كان من حلفائه كما وقع في رواية لمسلم (وأنكحه) أي زوجة (هند بنت الوليد) بدل من ابنة أخيه ووقع عند مالك فاطمة فلعل لها اسمين (وهو) أي سالم (مولى لامرأة من الأنصار) قال ابن حبان يقال لها ليلى ويقال ثبيتة بضم الثاء وفتح الباء وسكون الياء بنت يعار بفتح التحتية ابن زيد بن عبيد وكانت امرأة أبي حذيفة بن عتبة وبهذا جزم ابن سعد وقيل اسمها سلمى وقيل غير ذلك (كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا) هو أبو
[ 45 ]
أسامة زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى القرشي نسبا الهاشمي ولاء مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه وأبو حبه كان أمه خرجت به تزور قومها فأغارت عليهم بنو القين فأخذوا بزيد وقدموا به سوق عكاظ فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فوهبته للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين فأعتقه وتبناه قال ابن عمر ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل قوله تعالى أدعوهم لآبائهم ولم يذكر الله تعالى في القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا زيدا بقوله فلما قضى زيد منها وطرا الآية استشهد في غزوة مؤتة سنة ثمان من الهجرة (أدعوهم) أي المتبنين (لآبائهم) أي آبائهم الذين هم من مائهم لا لمن تبناه وتمام الآية هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم (فردوا إلى آبائهم) ولم ينسبوا إلى من تبناه ولم يورثوا ميراثهم بل ميراث آبائهم (كان مولى وأخا في الدين) لعل في هذا إشارة إلى قولهم مولى أبي حذيفة وأن سالما لما نزلت (أدعوهم لآبائهم) كان مما لا يعلم له أب فقيل له مولى أبي حذيفة (إنا كنا نرى) أن نعتقد (فكان) أي سالم (يأوي) أي يسكن وعند مالك يدخل علي قال في القاموس أويت منزلي وإليه أويا بالضم ويكسر وأويت تأوية بن وتأويت واتويت هذه وأتويت نزلته بنفسي وسكنت (ويراني فضلا) بضم الفاء وسكون الضاد أي متبذلة في ثياب المهنة يقال تفضلت المرأة إذا فعلت ذلك هذا قول الخطابي وتبعه ابن الأثير وزاد وكانت في ثوب واحد وقال ابن عبد البر قال الخليل رجل فضل متوشح في ثوب واحد يخالف بين طرفيه قال فعلى هذا فمعنى الحديث أنه كان يدخل عليها وهي منكشف بعضها وعن ابن وهب فضل مكشوفة الرأس والصدر وقيل الفضل الذي عليه ثوب واحد ولا إزار تحته وقال صاحب الصحاج تفضلت المرأة في بيتها إذا كانت في ثوب واحد كقميص لا كمين له (وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت) أي الآية التي ساقها قبل وهي (أدعوهم
[ 46 ]
لآبائهم) وقوله (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) (فكيف ترى فيه) وفي رواية لمسلم قالت إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوه وإنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا (أرضعيه) وفي رواية لمسلم قالت كيف أرضعه وهو رجل كبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد علمت أنه رجل كبير وفي أخرى له فقالت إنه ذو لحية قال القاضي عياض لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها وهذا أحسن ويحتمل أنه عفا عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر انتهى (أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها) الضمير المرفوع يعود إلى من والمنصوب إلى عائشة (أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة) أي بالرضاعة في الكبر (حتى يرضع) على البناء للمجهول (في المهد) أي في حالة الصغر حين يكون الطفل في المهد والحديث قد استدل به من قال إن إرضاع الكبير يثبت به التحريم وهو مذهب عائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن علية وابن حزم وذهب الجمهور إلى اعتبار الصغر في الرضاع المحرم وأجابوا عن قصة سالم بأجوبة منها أنه حكم منسوخ وقرره بعضهم بأن قصة سالم كانت في أوائل الهجرة والأحاديث الدالة على اعتبار الحولين من رواية أحداث الصحابة فدل على تأخرها وهو مستند ضعيف إذ لا يلزم من تأخر إسلام الراوي ولا من صغره أن لا يكون ما رواه متقدما وأيضا ففي سياق قصة سالم ما يشعر بسبق الحكم باعتبار الحولين لقول امرأة أبي حذيفة في بعض طرقه حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم أرضعيه قالت وكيف أرضعه وهو رجل كبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية قالت إنه ذو لحية قال أرضعيه وهذا يشعر بأنها كانت تعرف أن الصغر معتبر في الرضاع المحرم ومنها دعوى الخصوصية بسالم وامرأة أبي حذيفة والأصل فيه قول أم سلمة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة ولقائل أن يقول إن دعوى الاختصاص تحتاج إلى دليل وقد اعترفن بصحة الحجة التي جاءت بها عائشة ولا حجة في إبائهن سنة لها كما أنه لا حجة في أقوالهن إذا خالفت المرفوع ولو كانت هذه السنة مختصة بسالم لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين اختصاص أبي بردة بالتضحية
[ 47 ]
بالجذع من المعز ومنها حديث إنما الرضاعة من المجاعة وحديث لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم وحديث لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام رواه الترمذي وصححه وحديث لا رضاع إلا ما كان في الحولين رواه الدارقطني وقال لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ وقد جمع بين حديث الباب وبين هذه الأحاديث بأن الرضاع يعتبر فيه الصغر إلا فيما دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا يستغني عن دخوله على المرأة ويشق احتجابها منه ويجعل حديث الباب مخصصا لعموم هذه الأحاديث وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وقال الشوكاني وهذا هو الراجح عندي وقال هذه طريقة متوسطة بين طريقة من استدل بهذه الأحاديث على أنه لا حكم لرضاع الكبير مطلقا وبين من جعل رضاع الكبير كرضاع الصغير مطلقا لما لا يخلو عنه كل واحدة من هاتين الطريقتين من التعسف انتهى والله تعالى أعلم وعلمه أتم قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي هل يحرم ما دون خمس رضعات (كان فيما أنزل الله من القرآن) من بيانية أي كان سابقا في القرآن هذه الآية (عشر رضعات يحرمن) بضم الياء وتشديد الراء وفي رواية مسلم عشر رضعات معلومات يحرمن (ثم نسخن) على البناء للمجهول (بخمس معلومات يحرمن) أي ثم نزلت خمس رضعات معلومات يحرمن فنسخت تلك العشر (فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن) أي خمس رضعات وفي رواية مسلم وهي أي الآية خمس رضعات (مما يقرأ من القرآن) بصيغة المجهول والمعنى أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلي والنسخ ثلاثة أنواع أحدها ما نسخ حكمه وتلاوته كعشر رضعات والثاني ما نسخت تلاوته دون حكمه كخمس رضعات وكالشيخ والشيخة إذا زنيا
[ 48 ]
فارجموهما والثالث ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر ومنه قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم الآية قاله النووي وقد استدل بهذا الحديث من قال إنه لا يقتضي التحريم من الرضاع إلا خمس رضعات وهو مذهب عائشة وابن مسعود وعبد الله بن الزبير وعطاء وطاؤس وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والليث بن سعد والشافعي وأصحابه وقال به ابن حزم وهي رواية عن أحمد وذهب أحمد في رواية وإسحاق وأبو عبيدة وأبو ثور وابن المنذر وداود وأتباعه إلى أن الذي يحرم ثلاث رضعات وقال مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والليث أن القليل والكثير من الرضاع سواء في التحريم وهو المشهور عند أحمد وتمسكوا بعموم قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وبالعموم الوارد في الأخبار قال الحافظ قوي مذهب الجمهور بأن الأخبار اختلفت في العدد وعائشة التي روت ذلك قد اختلف عليها فيما يعتبر من ذلك فوجب الرجوع إلى أقل ما ينطلق عليه الاسم وأيضا فقول عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ لا ينتهض للاحتجاج على الأصح من قولي الأصوليين لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر فلم يثبت كونه قرآنا ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه والله أعلم انتهى وقد بسط الكلام في هذه المسألة الشوكاني في النيل فليراجع إليه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وهذا والذي قبله حجة للشافعي في اعتبار عدد الخمس في التحريم انتهى (لا تحرم المصة ولا المصتان) المصة الواحدة من المص وهو أخذ اليسير من الشئ كما في الضياء وفي القاموس مصصته بالكسر أمصه ومصصته أمصه كخصصته أخصه شربته شربا رفيقا والحديث يدل على أن المصة والمصتين لا يثبت بها حكم الرضاع الموجب للتحريم ويدل بمفهومه على أن الثلث من المصات تقتضي التحريم وقد سبق ذكر من ذهب إلى العمل به قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 49 ]
في الرضخ عند الفصال عمرو الرضخ اعطاء (ابن إدريس) أي أبو معاوية وابن إدريس كلاهما عن هشام (ما يذهب) من الإذهاب أي ما يزيل (مذمة الرضاعة) أي حق الإرضاع أو حق ذات الرضاع في الفائق المذمة والذمام بالكسر والفتح الحق والحرمة التي يذم مضيعها يقال رعيت ذمام فلان ومذمته وعن أبي زيد المذمة بالكسر الذمام وبالفتح الذم قال القاضي والمعنى أي شئ يسقط عن حق الإرضاع حتى أكون بأدائه مؤديا حق المرضعة بكماله وكانت العرب يستحبون أن يرضخوا للظئر بشئ سوى الأجرة عند الفصال وهو المسئول عنه (الغرة) أي المملوك (العبد أو الأمة) بالرفع بدل من الغرة وقيل الغرة لا تطلق إلا على الأبيض من الرقيق وقيل هي أنفس شئ يملك قال الطيبي الغرة المملوك وأصلها البياض في جبهة الفرس ثم استعير لأكرم كل شئ كقولهم غرة القوم سيدهم ولما كان الإنسان المملوك خير ما يملك سمي غرة ولما جعلت الظئر نفسها خادمة جوزيت بجنس فعلها وقال الإمام الخطابي في المعالم يقول إنها قد خدمتك وأنت طفل وحضنتك يحيى وأنت صغير فكافئها بخادم يخدمها ويكفيها المهنة قضاء لذمامها وجزاء لها على إحسانها انتهى وقد استدل بالحديث على استحباب العطية للمراضعة الرحمن عند الفطام وأن يكون عبدا أو أمة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح هذا اخر كلامه وأبوه هو الحجاج بن مالك الأسلمي سكن المدينة وقيل كان ينزل العرج ذكره أبو القاسم البغوي وقال ولا أعلم للحجاج بن مالك غير هذا الحديث وقال النمري له حديث واحد (قال النفيلي) أي في روايته (حجاج بن الحجاج الأسلمي) بزيادة لفظ الأسلمي (وهذا) أي لفظ الحديث المذكور (لفظه) أي لفظ حديث النفيلي
[ 50 ]
ما يكره أن يجمع بينهن من النساء ما معنى من ومن النساء بيان لها أي باب النساء اللاتي يكره أن يجمع بينهن (لا تن كح) بصيغة المجهول (على عمتها) سواء كانت سفلى كأخت الأب أو عليا كأخت الجد مثلا (على خالتها) سفلى كانت أو عليا (ولا تنكح الكبرى) أي سنا غالبا أو رتبة فهي بمنزلة الأم والمراد العمة والخالة (على الصغرى) أي بنت الأخ أو بنت الأخت وسميت صغرى لأنها بمنزلة البنت وهذه الجملة كالبيان للعلة والتأكيد للحكم (ولا الصغرى على الكبرى) كرر النفي من الجانبين للتأكيد لقوله لا تنكح المرأة على عمتها الخ ولدفع توهم جواز تزوج العمة على بنت أخيها والخالة على بنت أختها الفضيلة العمة والخالة كما يجوز تزوج الحرة على الأمة قال الخطابي في المعالم يشبه أن يكون المعنى في ذلك والله أعلم ما يخاف من وقوع العداوة بينهن لأن المشاركة في الحظ من الزوج توقع المنافسة بينهن فيكون منها قطيعة الرحم وعلى هذا المعنى يحرم الجمع بين الأختين المملوكتين في الوطء وهو قول أكثر أهل العلم وقياسه أن لا يجمع بين الأمة وبين عمتها أو خالتها في الوطء انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري تعليقا وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وخالتها وبين المرأة وعمتها) أي في النكاح وكذا في الوطء بملك اليمين وفي رواية لمسلم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع الرجل وفي آخرها قال ابن شهاب فنرى خالة أبيها وعمة أبيها بتلك المنزلة قال النووي هذا الحديث دليل لمذهب العلماء كافة أنه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها سواء كانت عمة وخالة حقيقية وهي أخت الأب وأخت الأم أو مجازية وهي أخت أبي الأب وأبي الجد وإن
[ 51 ]
علا أو أخت أم الأم وأم الجدة من جهتي الأم والأب وإن علت فكلهن بإجماع العلماء يحرم الجمع بينهما وقالت طائفة من الخوارج والشيعة يجوز واحتجوا بقوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم واحتج الجمهور بهذه الأحاديث خصوا بها الآية والصحيح الذي عليه جمهور الأصوليين جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لأنه صلى الله عليه وسلم مبين للناس ما أنزل إليهم من كتاب الله وأما الجمع بينهما في الوطء بملك اليمنى كالنكاح فهو حرام عند العلماء كافة وعند الشيعة مباح قالوا ويباح أيضا الجمع بين الأختين بملك اليمين قالوا وقوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين إنما هو النكاح وقال العلماء كافة هو حرام كالنكاح لعموم قوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين وقولهم إنه مختص بالنكاح لا يقبل بل جميع المذكورات في الآية محرمات بالنكاح وبملك اليمين جميعا ومما يدل عليه قوله تعالى والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم فإن معناه أن ملك اليمين يحل وطؤها بملك اليمين لانكاحها فإن عقد النكاح عليها لا يجوز لسيدها والله أعلم وأما باقي الأقارب كالجمع بين بنتي العمتين وبنتي الخالتين ونحوهما فجائز عندنا وعند العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عن بعض السلف أنه حرمه دليل الجمهور قوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم وأما الجمع بين زوجة الرجل وبنته من غيرها فجائز عندنا وعند مالك وأبي حنيفة والجمهور وقال الحسن وعكرمة وابن أبي ليلى لا يجوز دليل الجمهور قوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين الخالتين والعمتين) قال في فتح الودود كره أن يجمع بين العمة والخالة أي وبين من هما عمة وخالة لها فالظرف الثاني من مدخول بين متروك في الكلام لظهوره وكذا قوله بين الخالتين أي وبين من هما خالتان لها والمراد بالخالتين الصغيرة ممن هي خالة لها والكبيرة منها أو الأبوية وهي أخت الأم من أب والأمية وهي أخت الأم من أم وعلى هذا قياس العمتين ويحتمل أن يكون المراد بالخالتين الخالة ومن هي خالة لها أطلق عليها اسم الخالة تغليبا وكذا العمتين والكلام لمجرد التأكيد وهذا الذي ذكرنا هو الموافق لأحاديث الباب وقال السيوطي نقلا عن شرح المنهاج لكمال الدميري قد أشكل هذا على بعض العلماء حتى حمله على المجاز وإنما المراد النهي عن الجمع بين امرأتين
[ 52 ]
إحداهما عمة والأخرى خالة أو كل منهما عمة الأخرى أو كل منهما خالة الأخرى تصوير الأولى أن يكون رجل وابنه فتزوجا امرأة وبنتها فتزوج الأب البنت والابن الأم فولدت لكل منهما ابنة من هاتين الزوجتين فابنة الأب عمة بنت الابن وبنت الابن خالة لبنت الأب وتصوير العمتين أن يتزوج رجل أم رجل ويتزوج الآخر أمه فيولد لكل منهما إبنة فابنة كل منهما عمة الأخرى وتصوير الخالتين أن يتزوج رجل إبنة رجل والآخر ابنته فولدت لكل منهما إبنة فابنة كل واحد منهما خالة الأخرى إنتهى قال المنذري في إسناده خصيف بن عبد الرحمن بن عوف الحراني وقد ضعفه غير واحد من الحفاظ (عن قوله وإن خفتم الخ) أي عن معنى هذه الآية (يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر (هي اليتيمة) أي التي مات أبوها (في حجر وليها) أي بالذي يلي مالها (بغير أن يقسط) أي بغير أن يعدل يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل وقيل الهمزة فيه للسلب أي أزال القسط ورجحه ابن التين بقوله تعالى ذلكم أقسط عند الله لأن أفعل في أبنية المبالغة لا يكون في المشهور إلا من الثلاثي ثم حكى السيرافي جواز التعجب بالرباعي وحكى غيره أن قسط من الأضداد والله أعلم (فيعطيها مثل ما يعطيها غيره) هو معطوف على معمول بغير أي يريد أن يتزوجها بغير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره أي ممن يرغب في نكاحها سواه (أعلا سنتهن) أي طريقتهن وعادتهن (سواهن) أي سوى اليتامى من النساء بأي مهر توافتوا روى عليه (قال عروة قالت عائشة) هو معطوف على الإسناد المذكور وإن كان بغير أداة عطف قاله الحافظ في الفتح (ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي طلبوا منه الفتيا (بعد هذه الآية) أي بعد نزول
[ 53 ]
هذه الآية وهي وإن خفتم إلى ورباع (فيهن) متعلق باستفتوا ولم (وترغبون أن تنكحوهن هي رغبة أحدكم عن يتيمته) فيه تعيين أحد الاحتمالين في قوله وترغبون لأن رغب يتغير معناه بمتعلقة يقال رغب فيه إذا أراد ورغب عنه إذا لم يرده لأنه يحتمل أن تحذف في وأن تحذف عن وقد تأوله سعيد بن جبير على المعنيين فقال نزلت في الغنية والمعدمة والمروي هنا عن عائشة أوضح في أن الآية الأولى نزلت في الغنية وهذه الآية نزلت في المعدمة (فنهوا) أي نهوا عن نكاح المرغوب فيها لجمالها ومالها لأجل زهدهم فيها إذا كانت قليلة المال والجمال فينبغي أن يكون نكاح اليتيمتين على السواء في العدل (من أجل رغبتهم عنهن) زاد البخاري إذا كن قليلات المال والجمال وفي الحديث اعتبار مهر المثل في المحجورات وأن غيرهن يجوز نكاحها بدون ذلك وفيه جواز تزويج اليتامى قبل البلوغ لأنهن بعد البلوغ لا يقال لهن يتيمات إلا أن يكون أطلق استصحابا لحالهن (قال يونس) هو ابن يزيد الراوي عن ابن شهاب (وقال ربيعة) قال المنذري وربيعة هذا يشبه أن يكون ابن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رضي الله عنه (قال يقول اتركوهن إن خفتم فقد أحللت لكم أربعا) حاصله أن جزاء قوله وإن خفتم محذوف وهو أتركوهن وأقيم مقامه قوله فانكحوا ما طاب لكم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 54 ]
(أن علي بن الحسين) هو زين العابدين (مقتل الحسين) أي في زمانه قتله في عاشوراء سنة إحدى وستين (لقيه المسرور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة ومخرمة بفتحها وسكون الخاء المعجمة ولهما صحبة (فقال له) أي قال المسور لزين العابدين (قال) أي زين العابدين (قال هل أنت معطى) بضم الميم وسكون العين وكسر الطاء وتشديد التحتية (سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعل هذا السيف ذو الفقار وفي مرآة الزمان أنه عليه السلام وهبه لعلي قبل موته ثم انتقل إلى آله وأراد المسور بذلك صيانة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يأخذه من لا يعرف قدره قال العلامة القسطلاني (فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه) أي يأخذونه منك بالقوة والاستيلاء (وايم الله) لفظ قسم ذو لغات وهمزتها وصل وقد تقطع تفتح وتكسر (لا يخلص) بضم حرف المضارعة وفتح اللام مبنيا للمفعول (إليه) أي لا يصل إلى السيف أحد (حتى يبلغ إلى نفسي) وفي رواية البخاري ومسلم حتى تبلغ نفسي أي تقبض روحي (خطب بنت أبي جهل) اسمها جويرية تصغير جارية أو جميلة بفتح الجيم (وأنا يومئذ محتلم) أي بالغ (إن فاطمة مني) أي بضعة مني (وأنا أتخوف أن تفتن في دينها) أي بسبب الغيرة وقوله تفتين بضم أوله وفتح ثالثة (ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس) أراد به أبا العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبدشمس وكان زوج ابنته زينب قبل البعثة والصهر يطلق على الزوج وأقاربه وأقارب المرأة وهو مشتق من صهرت الشئ وأصهرته إذا قربته والمصاهرة مقاربة بين الأجانب والمتباعدين (فأحسن) أي فأحسن الثناء عليه (حدثني فصدقني) بتخفيف الدال أي في حديثه (ووعدني) أن
[ 55 ]
يرسل إلي زينب أي لما أسر ببدر مع المشركين وفدى وشرط عليه صلى الله عليه وسلم أن يرسلها له (فوفى لي) بتخفيف الفاء وأسر أبو العاص مرة أخرى وأجارته بين زينب فأسلم وردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم إلى نكاحه وولدت له أمامة التي كان يحملها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي (وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع إلخ) فيه إشارة إلى إباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي رضي الله عنه ولكن نهى عن الجمع بينها وبين بنته فاطمة رضي الله عنها لأن ذلك يؤذيها وأذاها يؤذيه صلى الله عليه وسلم وخوف الفتنة عليها بسبب الغيرة فيكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله عليه السلام وبنت عدو الله قاله العلامة القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا (بهذا الخبر) أي بهذا الحديث المذكور (فسكت علي رضي الله عنه عن ذلك النكاح)
[ 56 ]
وفي رواية للبخاري فترك علي الخطبة وهي بكسر الخاء المعجمة قال ابن داود فيما ذكره المحب الطبري حرم الله عز وجل على أن ينكح على فاطمة حياتها لقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ذكره القسطلاني (إن بني هشام بن المغيرة) وقع في رواية مسلم هاشم بن المغيرة والصواب هشام لأنه جد المخطوبة وبنو هشام هم أعمام بنت أبي جهل لأنه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة وقد أسلم أخوه الحارث بن هشام وسلمة بن هشام عام الفتح وحسن إسلامهما وممن يدخل في إطلاق بني هشام بن المغيرة عكرمة بن أبي جهل بن هشام وقد أسلم أيضا وحسن إسلامه (استأذنوا) وفي بعض النسخ استأذنوني (فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن) كرر ذلك تأكيدا وفيه إشارة إلى تأييد مدة منع الإذن وكأنه أراد رفع المجاز لاحتمال أن يحمل النفي على مدة بعينها فقال ثم لا آذن أي ولو مضت المدة المفروضة تقديرا لا اذن بعدها ثم كذلك أبدا (فإنما ابنتي بضعة مني) بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي قطعة قال الحافظ والسبب فيه أنها كانت أصيبت بأمها ثم بأخواتها واحدة بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر ممن تفضي إليه
[ 57 ]
بسرها إذا حصلت لها الغيرة (يريبني ما أرابها) كذا هنا من أراب رباعيا وفي رواية مسلم يريبني ما رابها من راب ثلاثيا قال النووي يريبني بفتح الياء قال إبراهيم الحربي الريب ما رابك من شئ خفت عقباه وقال الفراء راب وأراب بمعنى وقال أبو زيد رابني الأمر تيقنت من الريبة وأرابني شككني وأوهمني وحكى عن أبي زيد أيضا وغيره كقول الفراء انتهى (ويؤذيني ما آذاها) من الإيذاء قال الحافظ في الفتح ويؤخذ من هذا الحديث أن فاطمة لو رضيت بذلك لم يمنع علي من التزويج بها أو بغيرها وفي الحديث تحريم أذي من يتأذى النبي صلى الله عليه وسلم بتأذيه لأن أذى النبي صلى الله عليه وسلم حرام اتفاقا قليله وكثيره وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شئ فتأذت به فهو يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة هذا الخبر الصحيح ولا شئ أعظم في إدخال الأذى عليها من قتل ولدها ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطي ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وفيه حجة لمن يقول بسد الذريعة لأن تزويج ما زاد على الواحدة حلال للرجال ما لم يجاوز الأربع ومع ذلك فقد منع من ذلك في الحال لما يترتب عليه من الضرر في المال وفيه بقاء عار الآباء في أعقابهم لقوله بنت عدو الله فإن فيه إشعارا بأن للوصف تأثيرا في المنع مع أنها هي كانت مسلمة حسنة الإسلام انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا في نكاح المتعة يعني تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة (يقال له ربيع بن سبرة) بفتح السين المهملة وإسكان الباء الموحدة (نهى عنها في حجة الوداع) قد روى نسخ المتعة بعد الترخيص في ستة مواطن الأول في خيبر الثاني في عمرة القضاء الثالث عام الفتح الرابع
[ 58 ]
لعام أوطاس الخامس غزوة تبوك السادس في حجة الوداع فهذه التي أوردت إلا أن في ثبوت بعضها خلافا قال الثوري الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين فكانت مباحة قبل خيبر حرمت فيها ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريما مؤبدا وإلى هذا التحريم ذهب الجماهير من السلف والخلف وذهب إلى بقاء الرخصة جماعة من الصحابة وروى رجوعهم وقولهم بالنسخ ومن ذلك ابن عباس روى عنه بقاء الرخصة ثم رجع عنه إلى القول بالتحريم قال البخاري بين علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ وأخرج ابن ماجه عن عمر بإسناد صحيح أنه خطب فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم
[ 59 ]
حرمها والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة وقال ابن عمر نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كنا مسافحين إسناده قوي والقول بأن إباحتها قطعي ونسخها ظني غير صحيح لأن الراوين لإباحتها رووا نسخها وذلك إما قطعي في الطرفين أو ظني في الطرفين جميعا قاله في السبل قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه أتم منه (حرم متعة النساء) قال الإمام الخطابي في المعالم تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين وقد كان ذلك مباحا في صدر الإسلام ثم حرمه في حجة الوداع فلم يبق اليوم فيه خلاف بين الأمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الروافض وكان ابن عباس يتأول في إباحته للمضطر إليه بطول العزبة وقلة اليسار والجدة ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به حدثنا ابن السماك قال حدثنا الحسن بن سلام السواق قال حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا عبد السلام عن الحجاج عن أبي خالد عن المنهال عن سعيد ابن جبير قال قلت لابن عباس هل تدري ما صنعت وبما أفتيت وقد سارت بفتياك الركبان وقالت فيه الشعراء قال وما قالت قلت قالوا قد قلت للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس فقال ابن عباس إنا لله وإنا إليه راجعون والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت ولا أحللت إلا مثل ما أحل الله سبحانة وتعالى من الميتة والدم ولحم الخنزير وما يحل للمضطر وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير قال الخطابي فهذا يبين لك أنه إنما سلك فيه مسلك القياس وشبهه بالمضطر إلى الطعام وهو قياس غير صحيح لأن الضرورة في هذا الباب لا تتحقق كهي في باب الطعام الذي به قوام الأنفس وبعدمه يكون التلف وإنما هذا من باب غلبة الشهوة ومصابرتها أهل ممكنة وقد تحسم مادتها بالصوم والصلاح فليس أحدهما في حكم الضرورة كالأخر والله أعلم انتهى كلام الخطابي واعلم أنه قال في الهداية قال مالك رحمة الله تعالى عليه هو يعني نكاح المتعة جائز قال ابن الهمام نسبته إلى مالك غلط وقال ابن دقيق العيد ما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز خطأ فقد بالغ المالكية في منع النكاح المؤقت حتى أبطلوا توقيت الحل بسببه فقالوا لو علق على وقت لابد من مجيئه وقع الطلاق ان لأنه توقيت للحل فيكون في معنى نكاح المتعة قال عياض وأجمعوا على أن شرط البطلان التصريح بالشرط فلو نوى عند العقد أن يفارق بعد مدة صح نكاحه إلا الأوزاعي فأبطله
[ 60 ]
في الشغار بكسر الشين المعجمة وبالغين المعجمة أصله في اللغة الرفع يقال شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول كأنه قال لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك وقيل هو من شغر البلد إذا خلا لخلوه عن الصداق ويقال شغرت المرأة إذا رفعت رجلها عند الجماع قال ابن قتيبة كل واحد منهما يشغر عند الجماع وكان الشغار من نكاح الجاهلية وأجمع العلماء على أنه منهي عنه قاله النووي (قلت لنافع ما الشغار) قال ابن البر ذكر تفسير الشغار جميع رواة مالك عنه قال الحافظ في الفتح ولا يرد على إطلاقه أن أبا داود يعني المؤلف أخرجه عن القعنبي فلم يذكر التفسير وكذا أخرجه الترمذي من طريق معن بن عيسى لأنهما اختصرا ذلك في تصنيفهما وإلا فقد أخرجه النسائي من طريق معن بالتفسير وكذا أخرجه الخطيب في المدرج من طريق القعنبي انتهى واعلم أنه اختلف الرواة عن مالك فيمن ينسب إليه تفسير الشغار فالأكثر لم ينسبوه لأحد ولهذا قال الشافعي لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك قال الخطيب في المدرج هو من قول مالك بينه وفصله القعنبي وابن مهدي ومحرز بن عون عنه قلت ومالك إنما تلقاه عن نافع بدليل رواية مسدد هذه قال القرطبي في المفهم التفسير في حديث ابن عمر جاء من قول نافع ومن قول مالك وأما في حديث أبي هريرة فهو على الاحتمال والظاهر أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان من تفسير أبي هريرة فهو مقبول لأنه أعلم بما سمع وهو من أهل اللسان قال الحافظ وفي الطبراني من حديث أبي بن كعب مرفوعا لاشغار قالوا يارسول الله وما الشغار قال نكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما وإسناده ضعيفا لكنه يستأنس به في هذا المقام هذا كله تلخيص ما في التلخيص والفتح وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه القرطبي هو عند مسلم بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار زاد ابن نمير والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك
[ 61 ]
وأزوجك ابنتي الحديث (ينكح ابنة الرجل) أي يتزوج رجل بنت رجل (وينكحه) بضم الياء من انكاح والحديث ظاهره يدل على أن نكاح الشغار حرام باطل قال النووي أجمع العلماء على أنه منهي عنه لكن اختلفوا هل هو نهي يقتضي إبطال النكاح أم لا فعند الشافعي يقتضي إبطاله وحكاه الخطابي عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد وقال مالك يفسخ قبل الدخول وبعده وفي رواية عنه قبله لا بعده وقال جماعة يصح بمهر المثل وهو مذهب أبي حنيفة وحكى عن عطاء والزهري والليث وهو رواية عن أحمد وإسحاق وبه قال أبو ثور وابن جرير وأجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات الأخ والعمات وبنات الأعمام والإماء كالبنات في هذا انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وكانا جعلا صداقا) مفعول جعلا الأول محذوف أي كانا جعلا إنكاح كل واحد منهما الآخر ابنته صداقا (فكتب معاوية) بن أبي سفيان الخليفة (إلى مروان) بن الحكم وكان على المدينة من قبل معاوية رضي الله عنه (وقال في كتابه) الذي كتب إلى مروان (هذا الشغار الذي نهي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الإمام الخطابي في المعالم إذا وقع النكاح على هذه الصفة كان باطلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عنه ولم يختلف الفقهاء أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها على التحريم وكذلك نهي عن نكاح المتعة فكذلك هذا
[ 62 ]
وممن أبطل هذا النكاح مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وقال أصاب الرأي وسفيان الثوري النكاح جائز ولكل واحدة منهما مهر مثلها ومعنى النهي في هذا عندهم أن يستحل الفرج بغير مهر وقال بعضهم أصل الشغر في اللغة الرفع يقال شغر الكلب برجله إذا رفعها عند البول قال وإنما سمي هذا النكاح شغارا لأنهما رفعا المهر بينهما قال وهذا القائل لا ينفصل ممن قال بل سمي شغارا لأنه رفع العقد من أصله فارتفع النكاح والمهر معا ويبين ذلك أن النهي قد انطوى على أمرين معا أن البدل ههنا ليس شيئا غير العقد ولا العقد شئ غير البدل فهو إذا فسد مهرا فسد عقدا وإذا أبطلته الشريعة فإنها أفسدته على الجهة التي كانوا يوقعونه وكانوا يوقعونه مهرا وعقدا فوجب أن يفسدا معا وكان ابن أبي هريرة يشبهه برجل تزوج امرأة واستثنى عضوا من أعضائها وهو مالا خلاف في فساده قال وكذلك الشغار لأن كل واحد منهما قد زوج وليته واستثنى بضعها حتى جعله مهرا لصاحبتها وعلله قال لأن المعقود له معقود به وذلك لأن المعقود لها معقود بها فصار كالعبد تزوج على أن يكون رقبته صداقا للزوجة انتهى قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق انتهى قلت صرح بالتحديث في التحليل (قال إسماعيل وأراه) بضم الهمزة أي أظنه والضمير المنصوب يرجع إلى عامر (قد رفعه) أي الحديث (لعن المحل) اسم فاعل من الإحلال وفي بعض النسخ المحلل من التحليل وهما بمعنى أي الذي تزوج مطلقة غيره ثلاثا بقصد أن يطلقها بعد الوطء ليحل الملطق نكاحها قيل سمي محللا لقصده إلى التحليل (والمحلل له) بفتح اللام الأولى أي الزوج الأول وهو المطلق ثلاثا قال الحافظ في التلخيص استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها بانت منه أو شرط أنه يطلقها أو نحو ذلك وحملوا الحديث على ذلك ولا شك أن إطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها لكن روى الحاكم والطبراني في الأوسط من طريق أبي
[ 63 ]
غسان عن عمر بن نافع عن أبيه قال جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لأخيه هل يحل للأول قال لا إلا بنكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن حزم ليس الحديث على عمومه في كل محلل إذ لو كان كذلك لدخل فيه كل واهب وبائع ومزوج فصح أنه أراد به بعض المحلين وهو من أحل حراما لغيره بلا حجة فتعين أن يكون ذلك فيمن شرط ذلك لأنهم لم يختلفوا في أن الزوج إذا لم ينو تحليلها للأول ونوته هي أنها لا تدخل في اللعن فدل على أن المعتبر الشرط والله أعلم انتهى قال الخطابي في المعالم إذا كان ذلك عن شرط بينهما فالنكاح فاسد لأن العقد متناه إلى مدة كنكاح المتعة وإذا لم يكن شرطا وكان نية وعقيدة فهو مكروه فإن أصابها الزوج ثم طلقها وانقضت العدة فقد حلت للزوج الأول وقد كره غير واحد من العلماء أن يضمرا عند أو ينويا أو أحدهما التحليل وإن لم يشترطاه قال إبراهيم النخعي لا يحلها لزوجها الأول إلا أن يكون نكاح رغبة فإن كانت نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الثاني أو المرأة أنه محلل فالنكاح باطل ولا تحل للأول وقال سفيان الثوري إذا تزوجها وهو يريد أن يحللها لزوجها ثم بدا له أن يمسكها لا يعجبني إلا أن يفارقها ويستأنف نكاحا جديدا وكذلك قال أحمد بن حنبل وقال مالك بن أنس يفرق بينهما على كل حال انتهى كلام الخطابي وإنما لعنهما لما في ذلك من هتك المروءة وقلة الحمية والدلالة على خسة النفس وسقوطها أما النسبة إلى المحلل له فظاهر وأما بالنسبة إلى المحلل فلأنه يعير نفسه بالوطء لغرض الغير فإنه إنما يطؤها ليعرضها لوطء المحلل له ولذلك مثله صلى الله عليه وسلم بالتيس المستعار ذكره في المرقاة نقلا عن القاضي (فرأينا أنه) أي الرجل (بمعناه) أي بمعنى الحديث المذكور قال المنذري وأخرجه
[ 64 ]
الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث علي وجابر بن عبد الله حديث معلول هذا آخر كلامه والحارث هذا هو ابن عبد الله الأعور الكوفي كنيته أبو زهير وكان كذابا وقد روى هذيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له أخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح وقال النخعي لا يحلها لزوجها الأول إلا أن يكون نكاح رغبة فإن كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الثاني أو المرأة أنه محلل فالنكاح باطل ولا تحل للأول وقال الشافعي إن عقد النكاح مطلقا لا شرط فيه فالنكاح ثابت ولا تفسد النية من النكاح شيئا لأن النية حديث نفس وقد رفع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم انتهى في نكاح العبد بغير إذن مواليه وفي بعض النسخ بغير إذن سيده (بغير إذن مواليه) جمع مولى أي بغير إذن مالكه (فهو عاهر) أي زان واستدل
[ 65 ]
بالحديث من قال إن نكاح العبد لا يصح إلا بإذن سيده وذلك للحكم عليه بأنه عاهر والعاهر الزاني والزنا باطل وقال داود إن نكاح العبد بغير إذن مولاه صحيح لأن النكاح عنده فرض عين وفروض الأعيان لا تحتاج إلى إذن وهو قياس في مقابلة النص وقال في السبل وكأنه لم يثبت لديه الحديث قال المظهر لا يجوز نكاح العبد بغير إذن السيد وبه قال الشافعي وأحمد ولا يصير العقد صحيحا عندهما بالإجازة بعده وقال أبو حنيفة ومالك إن أجاز بعد العقد صح ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن هذا آخر كلامه وفي إسناده عبد الله ابن محمد بن عقيل وقد احتج به غير واحد من الأئمة وتكلم فيه غير واحد من الأئمة (حدثنا عقبة بن مكرم) بضم الميم وإسكان الكاف وفتح الراء المهملة (إذا نكح) أي تزوج (فنكاحه باطل) قال الخطابي وإنما بطل نكاح العبد من أجل أن رقبته ومنفعته مملوكتان لسيده وهو إذا اشتغل بحق الزوجة لم يتفرغ لخدمة سيده وكان في ذلك ذهاب حقه فأبطل النكاح إبقاء لمنفعته على صاحبه انتهى والحديث حجة لمن ذهب إلى بطلان هذا النكاح (قال أبو داود هذا الحديث ضعيف الخ) لأن فيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف ورفع هذا الحديث لا يصح والصواب أنه موقوف على ابن عمر في كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه الخطبة بكسر الخاء التماس للنكاح وأما الخطبة في الجمعة والعيد والحج وبين يدي
[ 66 ]
عقد النكاح فبضم الخاء (لا يخطب الرجل) بضم الباء على أن لا نافية وبكسرها على أنها ناهية قال السيوطي الكسر والنصب على كونه نهيا فالكسر لكونه أصلا في تحريك الساكن والفتح لأنها أخف الحركات وأما الرفع فعلى كونه نفيا ذكره القاري في المرقاة وقال والفتح غير معروف رواية ودراية (على خطبة أخيه) عبر به للتحريض على كمال التودد وقطع صور المنافرة أو لأن كل المسلمين إخوة إسلاما وقد ذهب الجمهور إلى أن النهي في الحديث للتحريم كما حكى ذلك الحافظ في فتح الباري وقال الخطابي إن النهي ههنا للتأديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء قال الحافظ ولا ملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد وحكى النووي أن النهي فيه للتحريم بالإجماع ولكنهم اختلفوا في شروطه فقالت الشافعية والحنابلة محل التحريم إذا صرحت المخطوبة بالإجابة أو وليها الذي أذنت له فلو وقع التصريح بالرد فلا تحريم وليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار الإجابة وأما ما احتج به من قول فاطمة بنت قيس للنبي صلى الله عليه وسلم إن معاوية وأبا جهم خطباها فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما بل خطبها لأسامة فليس فيه حجة كما قال النووي لاحتمال أن يكونا خطباها معا أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول والنبي صلى الله عليه وسلم أشار بأسامة ولم يخطب كما سيأتي وعلى تقدير أن يكون ذلك خطبة فلعله كان بعد ظهور رغبتها عنهما وعن بعض المالكية لا تمتنع الخطبة إلا بعد التراضي على الصداق ولا دليل على ذلك وقال داود الظاهري إذا تزوجها الثاني فسخ النكاح قبل الدخول وبعده وللمالكية في ذلك قولان فقال بعضهم يفسخ قبله لا بعده قال في الفتح وحجة الجمهور أن المنهي عنه الخطبة وهي ليست شرطا في صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة كذا في النيل قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 67 ]
(لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ولا يبيع) وفي بعض النسخ ولا يبع بالجزم ويأتي شرح قوله ولا يبيع على بيع أخيه في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى واستدل بقوله على خطبة أخيه أن محل التحريم إذا كان الخاطب مسلما فلو خطب الذمي ذمية فأراد المسلم أن يخطبها جاز له ذلك مطلقا وهو قول الأوزاعي ووافقه من الشافعية ابن المنذر وابن جويرية والخطابي ويؤيده قوله في أول حديث عقبة بن عامر عند مسلم المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته حتى يذر وقال الخطابي قطع الله الأخوة بين الكافر والمسلم فيختص النهي بالمسلم وقال ابن المنذر الأصل في هذا الإباحة حتى يرد المنع وقد ورد المنع مقيدا بالمسلم فبقي ما عدا ذلك على أصل الإباحة وذهب الجمهور إلى إلحاق الذمي بالمسلم في ذلك وأن التعبير بأخيه خرج على الغالب فلا مفهوم له وهو كقوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم وكقوله وربائبكم اللاتي في حجوركم ونحو ذلك وبناه بعضهم على أن هذا المنهي عنه هل هو من حقوق العقد واحترامه أو من حقوق المتعاقدين فعلى الأول الراجح ما قال الخطابي وعلى الثاني الراجح ما قال غيره قاله في الفتح قال المنذري وأخرجه وابن ماجه
[ 68 ]
الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها (إذا خطب أحدكم المرأة) أي أراد خطبتها وهي بكسر الخاء مقدمات الكلام في أمر النكاح على الخطبة بالضم وهي العقد (فإن استطاع أن ينظر إلى ما) أي عضو (يدعوه) أي يحمله ويبعثه (فليفعل) الأمر للإباحة بقرينة حديث أبي حميد إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها الحديث رواه أحمد وحديث محمد بن مسلمة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ألقى الله عزوجل في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها رواه أحمد وابن ماجه قال النووي فيه استحباب النظر إلى من يريد تزوجها وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء وحكى القاضي عن قوم كراهته وهذا
[ 69 ]
خطأ مخالف لصريح هذا الحديث ومخالف لإجماع الأمة على جواز النظر للحاجة عند البيع والشرى والشهادة ونحوها ثم إنه إنما يباح له النظر إلى وجهها وكفيها فقط لأنهما ليسا بعورة ولأنه يستدل بالوجه على الجمال أو ضده وبالكفين على خصوبة البدن أو عدمها هذا مذهبنا ومذهب الأكثرين وقال الأوزاعي ينظر إلى مواضع اللحم وقال داود ينظر إلى جميع بدنها وهذا خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة والإجماع ثم مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه لا يشترط في جواز هذا النظر رضاها بل له ذلك في غفلتها ومن غير تقدم إعلام لكن قال مالك أكره النظر في غفلتها مخافة من وقوع نظره على عورة وعن مالك رواية ضعيفة أنه لا ينظر إليها إلا بإذنها وهذا ضعيف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في ذلك مطلقا ولم يشترط استئذانها ولأنها تستحيي غالبا من الإذن ولأن في ذلك تغريرا فربما رآها فلم تعجبه فيتركها فتنكسر وتتأذى ولهذا قال أصحابنا يستحب أن يكون نظره إليها قبل الخطبة حتى إن كرهها تركها من غير إيذاء بخلاف ما إذا تركها بعد الخطبة والله أعلم انتهى (فكنت أتخبأ) أي أختفي (ما دعا لي) أي حملني قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه انتهى قلت وحديث جابر أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق والبزار والحاكم وصححه قال الحافظ ورجاله ثقات وأعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن وقال المعروف واقد بن عمرو ورواية الحاكم فيها واقد بن عمرو وكذا رواية الشافعي وعبد الرزاق وحديث أبي حميد المذكور قال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح وحديث محمد بن مسلمة سكت عنه الحافظ في التلخيص والله أعلم في الولي المراد بالولي هو الأقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته وليس لذوي السهام ولا لذوي الأرحام ولاية وهذا مذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة أن ذوي
[ 70 ]
الأرحام من الأولياء فإذا لم يكن ثم ولي أو كان موجودا وعضل انتقل الأمر إلى السلطان قاله في النيل وقال علي القاري الحنفي الولي هو العصبة على ترتيبهم بشرط حرية وتكليف ثم الأم ثم ذو الرحم الأقرب فالأقرب ثم مولى الموالات ثم القاضي (أيما امرأة نكحت) أي نفسها وأيما من ألفاظ العموم في سلب الولاية عنهن من غير تخصيص ببعض دون بعض (بغير إذن مواليها) أي أوليائها (فنكاحها باطل ثلاث مرات) أي قال كلمة فنكاحها باطل ثلاث مرات (فإن دخل) أي الذي نكحته بغير إذن وليها (فالمهر لها بما أصحاب منها) وفي رواية الترمذي فلها المهر بما استحل من فرجها (فإن تشاجروا) أي تنازع الأولياء واختلفوا بينهم والتشاجر الخصومة والمراد المنع من العقد دون المشاحة في السبق إليه منهم إذا كان ذلك نظرا منه في مصلحتها قاله في المجمع (فالسلطان ولي من لاولي له) لأن
[ 71 ]
الولي إذا امتنع من التزويج فكأنه لا ولي لها فيكون السلطان وليها وإلا فلا ولاية للسلطان مع وجود الولي قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن وقال في موضع آخر وحديث عائشة في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وهو عندي حديث حسن ولم يؤثر عند الترمذي إنكار الزهري له فإن الحكاية في ذلك عن الزهري قد وهنها بعض الأئمة قال البيهقي ما في مذهب أهل العلم بالحديث من وجوب قبول خبر الصادق وإن نسميه من أخبره عنه وقال علي بن المديني حديث إسرائيل صحيح في لا نكاح إلا بولي وسئل عنه البخاري فقال الزيادة من الثقة مقبولة وإسرائيل ثقة فإن كان شعبة والثوري أرسلاه فإن ذلك لا يضر الحديث انتهى وقال في النيل وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم أنهم صححوا حديث إسرائيل وحديث عائشة أخرجه أيضا أبو عوانة وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي وقد أعل بالإرسال وتكلم فيه بعضهم من جهة أن ابن جريج قال ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره وقد عد أبو القاسم بن منده عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلا وذكر أن معمرا وعبيد الله بن زحر تابعا ابن جريج على روايته إياه عن سليمان بن موسى وأن قرة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعة تابعوا سليمان بن موسى عن الزهري قال ورواه أبو مالك الجنبي ونوح بن دراج ومندل وجعفر بن برقان وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقد أعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيره الحكاية عن ابن جريج بإنكار الزهري وعلى تقدير الصحة لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه انتهى والحديث يدل على أنه لا يصح النكاح إلا بولي واختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح فالجمهور على اشتراطه وحكي عن ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك وذهبت الحنفية إلى أنه لا يشترط مطلقا واحتجوا بحديث ابن عباس الأيم أحق بنفسها من وليها الحديث وفي لفظ لمسلم البنت أحق بنفسها من وليها والجواب ما قال ابن الجوزي في التحقيق أنه أثبت لها حقا
[ 72 ]
وجعلها أحق لأنه ليس للولي إلا مباشرة ولا يجوز له أن يزوجها إلا بإذنها كذا في تخريج الهداية للزيلعي والحق أن النكاح بغير الولي باطل كما يدل عليه أحاديث الباب (جعفر) أي ابن ربيعة (لم يسمع من الزهري) هو ابن شهاب (كتب) أي الزهري (إليه) أي إلى جعفر (حدثنا محمد بن قدامة) بضم القاف وخفة الدال (أبو عبيدة الحداد) هو عبد الواحد بن واصل (عن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبي إسرائيل الكوفي (وإسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي إسحاق) السبيعي وفي بعض نسخ الكتاب هذه العبارة عن يونس عن أبي بردة وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى انتهى وهذا
[ 73 ]
واضح (قال أبو داود وهو يونس عن أبي بردة الخ) مرد المؤلف أن أبا عبيدة الحداد يروي هذا الحديث عن شيخيه الأول يونس وهو عن أبي بردة عن أبي موسى بغير ذكر واسطة أبي إسحاق بينه وبين أبي بردة قال أبو داود يونس لقي أبا بردة والثاني عن إسرائيل عن جده أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال الترمذي في سننه روى أبو عبيدة عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ولم يذكر فيه عن أبي إسحاق انتهى وأما غير أبي عبيدة الحداد فذكر واسطة أبي إسحاق قال الترمذي رواه أسباط بن محمد وزيد بن حباب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى قلت وأخرج أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي انتهى
[ 74 ]
(عن أم حبيبة) أم المؤمنين بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس (أنها كانت عند ابن جحش) اسمه عبيد الله بالتصغير أسلمت أم حبيبة قديما بمكة وأسلم عبيد الله بن جحش أيضا وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله فتنصر زوجها بالحبشة ومات بها وأبت هي أن تتنصر وثبتت على إسلامها ففارقها (فهلك) عبيد الله بن جحش أي مات (عنها) أي عن أم حبيبة (فزوجها) من التزويج أي أم حبيبة (النجاشي) ملك الحبشة وهو فاعل قوله زوجها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) المفعول الثاني (وهي) أي أم حبيبة (عندهم) أي عند أهل الحبشة مقيمة ما
[ 75 ]
قدمت بالمدينة قال ابن الأثير في أسد الغابة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بالحبشة زوجها منه عثمان بن عفان وقيل عقد عليها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية وأمهرها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة دينار وأولم عليها عثمان لحما وقيل أولم عليها النجاشي وحملها شرحبيل بن حسنة إلى المدينة وقد قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بالمدينة روى مسلم بن الحجاج في صحيحه أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها فأجابه إلى ذلك وهذا مما يعد من أوهام مسلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد تزوجها وهي بالحبشة قبل إسلام أبي سفيان لم يختلف أهل السير في ذلك ولما جاء أبو سفيان إلى المدينة قبل الفتح لما أوقعت قريش بخزاعة ونقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخاف فجاء إلى المدينة ليجدد العهد فدخل على ابنته أم حبيبة فلم تتركه يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت أنت مشرك وقال قتادة لما عادت من الحبشة مهاجرة إلى المدينة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها وكذلك روى الليث عن عقيل عن ابن شهاب وروى معمر عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بالحبشة وهو أصح ولما بلغ الخبر إلى أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح أم حبيبة ابنته قال ذلك الفحل لا
[ 76 ]
يقدع أنفه وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست وتوفيت سنة أربع وأربعين انتهى وقال الحافظ في الإصابة أخرج ابن سعد من طريق إسماعيل بن عمرو بن سعيد الأموي قال قالت أم حبيبة رأيت في المنام كأن زوجي عبيد الله بن جحش بأسوإ صورة ففزعت فأصبحت فإذا به قد تنصر فأخبرته بالمنام فلم يحفل به واكب على الخمر حتى مات فأتاني آت في نومي فقال يا أم المؤمنين ففزعت فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن فإذا هي جارية له يقال لها أبرهة فقالت إن الملك يقول لك وكلي من يزوجك فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص بن أمية فوكلته فأعطيت أبرهة سوارين من فضة فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر ابن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشي فحمد الله
[ 77 ]
وأثنى عليه وتشهد ثم قال أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة فأجبت وقد أصدقتها عنه أربع مائة دينار ثم سكب الدنانير فخطب خالد فقال قد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة وقبض الدنانير وعمل لهم النجاشي طعاما فأكلوا قالت أم حبيبة فلما وصل إلي المال أعطيت أبرهة منه خمسين دينارا قالت فردتها علي وقالت إن الملك عزم علي بذلك وردت على ما كنت أعطيتها أولا ثم جاءتني من الغد بعود وورس وعنبر وزباد كثير فقدمت به معي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى ابن سعد أن ذلك كان سنة سبع وقيل كان سنة ست والأول أشهر ومن طريق الزهري أن الرسول إلى النجاشي بعث بها مع شرحبيل بن حسنة ومن طريق أخرى أن الرسول إلى النجاشي بذلك كان عمرو بن أمية الضمري انتهى كلام الحافظ ومطابقة الباب بقوله فزوجها النجاشي لأن أباها أبا سفيان لم يكن أسلم ذلك الزمان وكانت أم حبيبة أسلمت فلم يكن أبو سفيان وليها فزوجها النجاشي لأن السلطان ولي من لا ولي له وعلى رواية ابن سعد كما في الإصابة وعلى رواية زبير بن بكار كما في أسد الغابة كان خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس أخ أم حبيبة حاضرا ومتوليا لأمر النكاح ويجئ بعض البيان في باب الصداق والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي بنحوه في العضل العضل منع الولي مولاه من النكاح (كانت لي أخت) اسمها جميل بضم الجيم وفتح الميم بنت يسار ابن عبد الله المزني وقيل اسمها ليلى قاله المنذري تبعا للسهيلي في مبهمات القرآن وعند ابن إسحاق فاطمة فيكون لها إسمان ولقب أو لقبان واسم قاله العلامة القسطلاني (تخطب) بصيغة المجهول من الخطبة بالكسر (فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه) وفي رواية البخاري زوجت أختا لي من رجل قال الحافظ قيل هو أبو البداح ابن عاصم الأنصاري هكذا وقع في أحكام القرآن لإسماعيل القاضي ثم ذكر الاختلاف في اسم هذا الرجل ثم قال وقع في رواية عباد بن راشد عن الحسن عند البزار والدارقطني فأتاني ابن عم
[ 78 ]
لي فخطبها مع الخطاب وفي هذا نظر لأن معقل بن يسار مزني وأبو البداح أنصاري فيحتمل أنه ابن عمه لأمه أو من الرضاعة (فقلت لا والله لا أنكحها) بضم الهمزة أي لا أزوجها وفي بعض النسخ لا أنكحتكها (ففيه نزلت هذه الآية) هذا صريح في نزول هذه الآية في هذه القصة ولا يمنع ذلك كون ظاهر الخطاب في السياق للأزواج حيث وقع فيها (وإذا طلقتم النساء) لكن قوله في بقيتها (أن ينكحن أزواجهن) ظاهر في أن الفضل يتعلق بالأولياء كذا في الفتح (فبلغن أجلهن) أي انقضت عدتهن (فلا تعضلوهن) أي لا تمنعوهن (الآية) بالنصب أي أتم الآية قال الحافظ وهي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه وذكر ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك انتهى ولا يعارض بإسناد النكاح إليهن لأنه بسبب توقفه إلى إذنهن قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي إذا أنكح الوليان (أيما امرأة زوجها وليان) أي من رجلين (فهي للأول منهما) أي للسابق منهما ببينة أو تصادق فإن وقعا معا أو جهل السابق منهما بطلا معا (وأيما رجل باع بيعا من رجلين) أي مرتبا (فهو) أي البيع (للأول منهما) أي للسابق منهما فإن وقعا معا أو جهل السابق بطلا قال الترمذي في جامعه بعد إخراج هذا الحديث والعمل على هذا عند أهل العلم لا نعلم بينهم في ذلك اختلافا فإذا زوج أحد الوليين قبل الآخر فنكاح الأول جائز ونكاح الآخر مفسوخ وإذا زوجا جميعا فنكاحهما جميعا مفسوخ وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق انتهى
[ 79 ]
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن هذا آخر كلامه وقد قيل إن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا وقيل إنه سمع منه حديث العقيقة انتهى في قوله تعالى لا يحل لكم أخبرنا الخ (أخبرنا أسباط) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة (أخبرنا الشيباني) هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني (قال الشيباني وذكره عطاء أبو الحسن السوائي ولا أظنه إلا عن ابن عباس) حاصله أن للشيباني فيه طريقين أحدهما موصولة وهي عكرمة عن ابن عباس والأخرى مشكوك في وصلها وهي عطاء أبو الحسن السوائي عن ابن عباس وأبو الحسن كنية عطاء والسوائي بضم المهملة وتخفيف الواو (كان الرجل إذا مات) في رواية السدي تقييد ذلك بالجاهلية وفي رواية الضحاك تخصيص ذلك بأهل المدينة وكذلك أورده الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس لكن لا يلزم من كونه في الجاهلية أن لا يكون استمر في أول الإسلام إلى أن أنزلت الآية فقد جزم الواحدي أن ذلك كان في الجاهلية وفي أول الإسلام كذا في الفتح (كان أولياؤه) أي أولياء الرجل (من ولي نفسها) أي من أولياء المرأة وأقربائها من أبيها وجدها (إن شاء بعضهم زوجها أو زوجوها) شك من الراوي وفي رواية البخاري إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤوا زوجوها وإن شاؤوا لم يزوجوها (فنزلت هذه الآية في ذلك) روى
[ 80 ]
الطبري من طريق ابن جريج عن عكرمة أنها نزلت في قصة خاصة قال نزلت في كبشة بنت معن بن عاصم من الأوس وكانت تحت أبي قيس بن الأسلت فتوفي عنها فجنح عليها ابنه فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي ولا تركت فأنكح فنزلت هذه الآية وبإسناد حسن عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته وكان ذلك لهم في الجاهلية فأنزل الله هذه الآية وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كان الرجل إذا مات وترك امرأة ألقى عليها حميمة ثوبا فمنعها من الناس فإن كانت جميلة تزوجها وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت ويرثها وروى الطبري أيضا من طريق الحسن والسدي وغيرهما كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه الصداق وزاد السدي إن سبق الوارث فألقى عليها ثوبه كان أحق بها وإن سبقت هي إلى أهلها فهي أحق بنفسها ذكر الحافظ هذه الروايات في الفتح قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (عن يزيد النحوي) منسوب إلى نحو بطن من الأزد (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها)
[ 81 ]
أن ترثوا في موضع الرفع على الفاعلية بيحل أي لا يحل لكم إرث النساء والنساء مفعول به أما على حذف مضاف أي أن ترثوا أموال النساء والخطاب للأزواج لأنه روي أن الرجل كان إذا لم يكن له في المرأة غرض أمسكها حتى تموت فيرثها أو تفتدي بمالها إن لم تمت وأما من غير حذف على معنى أن يكن بمعنى الشئ الموروث إن كان الخطاب للأولياء أو لأقرباء الميت وكرها في موضع نصب على الحال من النساء أي ترثوهن كارهات أو مكرهات (ولا تعضلوهن) جزم بلا الناهية أو نصب عطف على أن ترثوا ولا لتأكيد النفي وفي الكلام حذف أي لا تعضلوهن من النكاح إن كان الخطاب للأولياء أو لا تعضلوهن من الطلاق إن كان للأزواج (لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) اللام متعلقة بتعضلوهن والباء للتعدية المرادفة لهمزتها أو للمصاحبة فالجار في محل نصب على الحال ويتعلق بمحذوف أي لتذهبوا مصحوبين ببعض ما آتيتموهن (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) أي زنا (وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابة فيعضلها) أي المرأة وهذا يدل على أن الخطاب في الآية للأولياء (فأحكم الله عن ذلك) أي منعه من أحكمته أي منعته (ونهى عن ذلك) هذه الجملة معطوفة على قبلها عطف تفسير (فوعظ الله ذلك) المراد بالوعظ النهي أي نهى عن ذلك في الاستئمار يا (لا تنكح) بصيغة المجهول نفيا للمبالغة أو نهيا (الثيب) أي التي فارقت زوجها بموت أو طلاق وفي رواية البخاري وغيره وقع لفظ الأيم مكان الثيب قال الحافظ ظاهر هذا الحديث أن الأيم هي الثيب لمقابلتها بالبكر (حتى تستأمر) أصل الاستئمار طلب الأمر فالمعنى لا يعقد
[ 82 ]
عليها حتى يطلب الأمر منها ويؤخذ من قوله تستأمر أنه لا يعقد إلا بعد أن تأمر بذلك وليس فيه دلالة على عدم اشتراط الولي في حقها بل فيه إشعار باشتراطه قاله الحافظ (ولا البكر إلا بإذنها) أي ولا ينكح البكر إلا بإذنها وفي رواية البخاري لا تنكح البكر حتى تستأذن قال الحافظ عبر للثيب بالاستئمار وللبكر بالاستئذان فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة ولهذا يحتاج إلى صريح إذنها في العقد فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقا والبكر بخلاف ذلك والإذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الأمر فإنه صريح في القول وإنما جعل السكوت إذنا في حق البكر لأنها قد تستحيي أن تفصح (وما إذنها) وفي رواية البخاري وكيف إذنها (قال أن تسكت) أي إذنها سكوتها قال الخطابي في المعالم ظاهر الحديث يدل على أن البكر إذا أنكحت قبل أن تستأذن فتصمت أن النكاح باطل كما يبطل إنكاح الثيب قبل أن تستأمر فتأذن بالقول وإلى هذا ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وهو قول أصحاب الرأي وقال مالك بن أنس وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق إنكاح الأب البكر البالغ جائز وإن لم تستأذن ومعنى استئذانها إنما هو عندهم على استطابة النفس دون الوجوب كما جاء في الحديث باستئمار أمهاتهن وليس ذلك بشرط في صحة العقد انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (أخبرنا حماد) هو بن سلمة (المعنى) واحد والحاصل أن يزيد ابن زريع وحماد بن سلمة كلاهما يرويان عن محمد بن عمرو فيزيد يروي بلفظ حدثني محمد بن عمرو وحماد بصيغة عن ومعنى حديثهما واحد وإن تغاير في بعض اللفظ (تستأمر اليتيمة) هي صغيرة لا أب لها والمراد هنا البكر البالغة سماها باعتبار ما كانت كقوله تعالى وآتوا اليتامى أموالهم وفائدة التسمية مراعاة حقها والشفقة عليها في تحري الكفاية والصلاح فإن اليتيم مظنة الرأفة والرحمة ثم هي قبل البلوغ لا معنى لإذنها ولا لإبائها فكأنه عليه الصلاة والسلام شرط بلوغها فمعناه لا تنكح حتى تبلغ فتستأمري لو أي تستأذن كذا قال القاري في المرقاة (وإن أبت
[ 83 ]
فلا جواز عليها) بفتح الجيم أي فلا تعدي عليها ولا إجبار قال الخطابي في المعالم واليتيمة ههنا هي البكر البالغة التي مات أبوها قبل بلوغها فلزمها اسم اليتيم فدعيت به وهي بالغة والعرب ربما دعت الشئ بالاسم الأول الذي إنما سمي به لمعنى متقدم ثم ينقطع ذلك المعنى ولا يزول الإسم وقال وقد اختلف العلماء في جواز إنكاح غير الأب للصغيرة فقال الشافعي لا يزوجها غير الأب والجد ولا يزوجها الأخ ولا العم ولا الوصي وقال الثوري لا يزوجها الوصي وقال حماد بن سليمان ومالك بن أنس للوصي أن يزوج اليتيمة قبل البلوغ وروي ذلك عن شريح وقال أصحاب الرأي لا يزوجها الوصي حتى يكون وليا لها وللولي أن يزوجها وإن لم يكن وصيا لأن لها الخيار إذا بلغت انتهى وقال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث اختلف أهل العلم في تزويج اليتيمة فرأى بعض أهل العلم أن اليتيمة إذا زوجت فالنكاح موقوف حتى تبلغ فإذا بلغت فلها الخيار في إجاز النكاح أو فسخه وهو قول بعض التابعين وغيرهم وقال بعضهم لا يجوز نكاح اليتيمة حتى تبلغ ولا يجوز الخيار في النكاح وهو قول سفيان الثوري والشافعي وغيرهما من أهل العلم وقال أحمد وإسحاق إذا بلغت اليتيمة تسع سنين فزوجت فرضيت فالنكاح جائز ولا خيار لها إذا أدركت واحتجا بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها وهي بنت تسع سنين وقد قالت عائشة إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن (ورواه أبو عمر وذكوان عن عائشة قالت يارسول الله
[ 84 ]
الخ) هكذا ذكره معلقا وقد أخرجه البخاري ومسلم والنسائي مسندا بمعناه (قال سكاتها إقرارها) وفي رواية للبخاري سكاتها إذنها وفي أخرى له رضاها صمتها قال ابن المنذر يستحب إعلام البكر أن سكوتها إذن لكن لو قالت بعد العقد ما علمت أن صمتي إذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور وأبطله بعض المالكية وقال ابن شعبان منهم يقال لها ذلك ثلاثا إن رضيت فاسكتي وإن كرهت فانطقي وقال بعضهم يطال المقام عندها لئلا تخجل فيمنعها ذلك من المسارعة واختلفوا فيما إذا لم تتكلم بل ظهرت منها قرينة السخط أو الرضا بالتبسم مثلا أو البكاء فعند المالكية إن نفرت أو بكت أو قامت أو ظهر منها ما يدل على الكراهة لم تزوج وعند الشافعية لا أثر لشئ من ذلك في المنع إلا أن قرنت مع البكاء الصياح ونحوه وفرق بعضهم بين الدمع فإن كان حارا دل على المنع وإن كان باردا دل على الرضا وفي هذا الحديث إشارة إلى أن البكر التي أمر باستئذانها هي البالغ إذ لا معنى لاستئذان من لا تدري ما الإذن ومن يستوي سكوتها وسخطها كذا في الفتح (آمروا) بمد الهمزة وميم مخففة مكسورة (النساء في بناتهن) أي شاورهن في تزويجهن قال العلقمي وذلك من جملة استطابة أنفسهن وهو أدعى إلى الألفة وخوفا من وقوع الوحشة بينهما إذا لم يكن برضاء الأم إذ البنات إلى الأمهات أميل وفي سماع قولهن أرغب ولأن المرأة ربما علمت من حال بنتها الخافي عن أبيها أمرا لا يصلح معه النكاح من علة تكون بها أو سبب يمنع من الوفاء بحقوق النحاح انتهى قال المنذري فيه رجل مجهول في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها (أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم الخ) في الحديث دلالة على تحريم الإجبار للأب لابنته
[ 85 ]
البكر على النكاح وغيره من الأولياء بالأولي وإلى عدم جواز إجبار الأب ذهبت الحنفية لهذا الحديث ولحديث والبكر يستأمرها أبوها ويأتي في الباب الذي يليه وذهب أحمد وإسحاق والشافعي إلى أن للأب إجبار ابنته البكر البالغة على النكاح عملا بمفهوم حديث الثيب أحق بنفسها من وليها فإنه دل على أن البكر بخلافها وأن الولي أحق بها ويرد بأنه مفهوم لا يقاوم المنطوق وبأنه لو أخذ بعمومه لزم في حق غير الأب من الأولياء وأن لا يخص بجواز الإجبار وقال البيهقي في تقوية كلام الشافعي إن حديث ابن عباس هذا محمول على أنه زوجها من غير كفء قال الحافظ في الفتح جواب البيهقي هو المعتمد لأنها واقعة عين فلا يثبت الحكم
[ 86 ]
بها تعميما قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام كلام لهذين الإمامين يعني البيهقي والحافظ محاماة على كلام الشافعي ومذهبهم وإلا فتأويل البيهقي لا دليل عليه فلو كان كما قال لذكرته المرأة بل إنما قالت إنه زوجها وهي كارهة فالعلة كراهتها فعليها علق التخيير لأنها المذكورة فكأنه قال صلى الله عليه وسلم إذا كنت كارهة فأنت بالخيار وقول الحافظ إنها واقعة عين كلام غير صحيح بل حكم عام لعموم علته فأينما وجدت الكراهة تثبت الحكم انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (قال أبو داود لم يذكر) أي محمد بن عبيد (ابن عباس) بالنصب على المفعولية (وهذا) أي بغير ذكر ابن عباس (رواه الناس مرسلا) وصورته أن يقول التابعي سواء كان كبيرا أو صغيرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وفعل كذا أو فعل بحضرته كذا أو نحو ذلك (معروف) خبر مبتدأ محذوف أي روايتهم مرسلا معروف أو إرساله معروف وما رواه الضعيف مخالفا للثقة يقال له المنكر ومقابله يقال به المعروف
[ 87 ]
وقد أورد الحافظ هذا الحديث في التلخيص من مصنف ابن أبي شيبة بالإسناد السابق الموصول قال ورجاله ثقات وأعل بالإرسال وتفرد جرير بن حازم عن أيوب وتفرد حسين عن جرير وأيوب وأجيب بأن أيوب بن سويد رواه عن الثوري عن أيوب موصولا وكذلك رواه معمر بن جدعان الرقي عن زيد بن حيان عن أيوب موصولا وإذا اختلف في وصل الحديث وإرساله حكم لمن وصله على طريقة الفقهاء وعن الثاني بأن جريرا توبع عن أيوب كما ترى وعن الثالث بأن سليمان بن حرب تابع حسين بن محمد عن جرير انتهى قال في الفتح والطعن في الحديث فلا معنى له فإن طرقه تقوي بعضها ببعض انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وأخرجه أبو داود أيضا مرسلا وقال وكذا رواه الناس مرسلا معروفا وقال البيهقي وهذا حديث أخطأ فيه جرير بن حازم علي أيوب السختياني والمحفوظ عن أيوب عن عكرمة مرسلا وروى من وجه آخر عن عكرمة موصولا وهو أيضا خطأ وذكره من حديث عطاء عن جابر وقال هذا وهم والصواب مرسل وإن صح ذلك فكأنه كان وضعها في غير كفء فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم انتهى قلت ما قاله البيهقي هو تأويل فاسد والحديث قوي حسن والله أعلم في الثيب (الأيم أحق بنفسها من وليها) قال القاضي اختلف العلماء في المراد بالأيم ههنا فقال علماء الحجاز والفقهاء كافة المراد الثيب واستدلوا بأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى بالثيب وبأنها جعلت مقابلة للبكر وبأن أكثر استعمالها في اللغة للثيب وقال الكوفيون وزفر الأيم ههنا كل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا كما هو مقتضاه في اللغة قالوا فكل امرأة بلغت فهي أحق بنفسها من وليها وعقدها على نفسها نكاح صحيح وبه قال الشعبي والزهري قالوا وليس الولي من أركان صحة النكاح بل من تمامه وقال الأوزاعي وأبو يوسف ومحمد تتوقف صحة النكاح على إجازة الولي قال القاضي واختلفوا أيضا في قوله صلى الله عليه وسلم أحق من وليها هل أحق بالإذن فقط أو بالإذن والعقد على نفسها فعند الجمهور بالإذن فقط
[ 88 ]
وعند هؤلاء بهما جميعا وقوله صلى الله عليه وسلم أحق بنفسها يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق من وليها في كل شئ من عقد وغيره كما قاله أبو حنيفة وداود ويحتمل أنها أحق بالرضى أي لا تزوج حتى تنطق بالإذن بخلاف البكر ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي مع غيره من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي يتعين الاحتمال الثاني واعلم أن لفظة أحق ههنا للمشاركة معناه أن لها في نفسها في النكاح حقا ولوليها حقا وحقها أوكد من حقه فإنه لو أراد تزويجها كفؤا وامتنعت لم يجبر ولو أرادت أن تزوج كفؤا فامتنع الولي أجبر فإن أصر زوجها القاضي فدل على تأكد حقها ورجحانه كذا قال النووي (والبكر تستأمر في نفسها) أي تستأذن في أمر نكاحها (وإذنها صماتها) بضم الصاد أي سكوتها يعني لا تحتاج إلى إذن صريح منها بل يكتفي بسكوتها لكثرة حيائها قال النووي ظاهره العموم في كل بكر وكل ولي وأن سكوتها يكفي مطلقا وهذا هو الصحيح وقال بعض أصحابنا إن كان الولي أبا أو جدا فاستئذانه مستحب ويكفي فيه سكوتها وإن كان غيرهما فلا بد من نطقها لأنها تستحيي من الأب والجد أكثر من غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور أن السكوت كاف في جميع الأولياء لعموم الحديث ولوجود الحياء وأما الثيب فلا بد فيها من النطق بلا خلاف سواء كان الولي أبا أو غيره لأنه زال كمال حيائها بممارسة الرجال وسواء زالت بكارتها بنكاح صحيح أو فاسد أو بوطء شبهة أو بزنا ولو زالت بكارتها بوثبة أو بإصبع أو بطول المكث أو وطئت في دبرها فلها حكم الثيب على الأصح وقيل حكم البكر والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (وهذا لفظ القعنبي) هو عبد الله بن مسلمة (والبكر يستأمرها أبوها) ظاهره حجة على من ذهب إلى أنه يجوز للأب أن يزوج البكر البالغة بغير استئذانها قال الحافظ في الفتح واختلفوا في الأب يزوج البكر البالغ بغير إذنها فقال الأوزاعي والثوري والحنفية ووافقهم أبو ثور يشترط استئذانها فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصح وقال آخرون يجوز للأب أن يزوجها ولو كانت بالغا بغير استئذان وهو قول ابن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق ومن حجتهم مفهوم حديث الباب لأنه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها فدل على أن ولي البكر أحق بها منها قال العلامة الشوكاني يجاب عنه بأن المفهوم لا ينتهض للتمسك به في مقابلة المنطوق قال الحافظ واحتج بعضهم بحديث يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى مرفوعا تستأمر
[ 89 ]
اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها قال فقيد ذلك باليتيمة فيحمل المطلق عليه وفيه نظر لحديث ابن عباس الذي ذكرته بلفظ يستأذنها أبوها فنص على ذكر الأب وأجاب الشافعي بأن المؤامرة قد تكون عن استطابة النفس ويؤيده حديث ابن عمر رفعه وآمروا النساء في بناتهن أخرجه أبو داود قال الشافعي لا خلاف أنه ليس للأم أمر لكنه على معنى استطابة النفس وقال البيهقي زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظ قال الشافعي زادها ابن عيينة في حديثه وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الأبكار لا يستأمرونهن قال البيهقي والمحفوظ في حديث ابن عباس البكر تستأمر ورواه صالح بن كيسان بلفظ واليتيمة تستأمر وكذلك رواه أبو بردة عن أبي موسى ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فدل على أن المراد بالبكر اليتيمة قلت وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ بلفظ الأب ولو قال قائل بل المراد باليتيمة البكر لم يدفع وتستأمر بضم أوله يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ويبقي النظر في أن الاستئمار هل هو شرط في صحة العقد أو مستحب على معنى استطابة النفس كما قال الشافعي كل الأمرين محتمل انتهى كلام الحافظ (قال أبو داود أبوها ليس بمحفوظ) وفي بعض النسخ هذا من سفيان وليست هذه الزيادة في عامة النسخ وقال البيهقي وزيادة ابن عيينة غير محفوظة انتهى قال المنذري وقد أخرج هذه الزيادة مسلم في صحيحه والنسائي في سننه (ليس للولي مع الثيب أمر) أي إن لم ترض لما سلف من الدليل على اعتبار رضاها وعلى أن العقد إلى الولي (واليتيمة تستأمر) بصيغة المجهول (وصمتها) أي سكوتها قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 90 ]
(ومجمع) بضم الميم وفتح الجيم وكسر الميم الثقيلة ثم عين مهملة (الانصاريين) بصيغة التثنية صفة لعبد الرحمن ومجمع (عن خنساء) بفتح الخاء المعجمة والنون والسين المهملة على وزن حمراء (بنت خدام) بكسر المعجمة وتخفيف المهملة كذا ضبطه الحافظ في الفتح والتقريب وقال القاري في المرقاة شرح المشكاة قال ميرك صحح في جامع الأصول وفي شرح الكرماني للبخاري بالذال المعجمة وخالفهما العسقلاني فصححه بالدال المهملة انتهى وفي بعض النسخ خذام بالمعجمتين (وهي ثيب) وقع في بعض الروايات قالت أنكحني أبي وأنا كارهة وأنا بكر والصحيح الأول كما حققه الحافظ في الفتح (فكرهت ذلك) أي ذلك النكاح أو ذلك الرجل الذي زوجها منه أبوها (فرد نكاحها) أي تزويج الأب أو تزوج الزوج وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز تزويج الثيب بغير إذنها قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه قال بعضهم اتفق أئمة الفتوى بالأمصار على أن الأب إذا زوج ابنته الثيب بغير رضاها أنه لا يجوز ويرد واحتجوا بحديث الخنساء وشذ الحسن البصري والنخعي فقال الحسن نكاح الأب جائز على ابنته بكرا كانت أو ثيبا كرهت أو لم تكره وقال النخعي إن كانت الابنة في عياله زوجها ولم يستأمرها وإن لم تكن في عياله وكانت نائية عنه استأمرها وقال ما خالف السنة فهو مردود انتهى
[ 91 ]
في الأكفاء جمع كفء بضم أوله وسكون الفاء بعدها همزة المثل والنظير (أن أبا هند) أسمه يسار وكان مولى لبني بياضة (في اليافوخ) وهو حيث التقي عظم مقدم الرأس ومؤخره قاله في القاموس (أنكحوا أبا هند) أي زوجوه بناتكم (وأنكحوا إليه) أي اخطبوا سعيد إليه بناته ولا تخرجوه منكم للحجامة (وإن كان في شئ مما تداوون به خير فالحجامة) أي فهو الحجامة قال العلامة ابن الملك في شرح المشارق فإن قلت الأصل في إن الشرطية أن تستعمل في المشكوك وثبوت الخيرية في شئ من أدويتهم لا على التعيين كان محققا عندهم فكيف أورده بأن قلت قد تستعمل إن لتأكيد تحقق الجزاء كما يقال لمن يعلم أن له صديقا إن كان لك صديق فهو زيد على معنى إن تصورت معنى الصديق وثبوته لك حق التصور وحصلت معناه في نفسك فهو زيد انتهى قال الخطابي في المعالم في هذا الحديث حجة لمالك ومن ذهب مذهبه أن الكفاءة بالدين وحده دون غيره وأبو هند مولى بني بياضة ليس من أنفسهم والكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء بأربعة أشياء بالدين والحرية والنسب والصناعة ومنهم من اعتبر فيها السلامة من العيوب واعتبر بعضهم اليسار فيكون جماعها ست خصال انتهى قال الحافظ في الفتح وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك ونقل عن ابن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور قال أبو حنيفة قريش أكفاء بعضهم بعضا والعرب كذلك وليس أحد من العرب كفؤ لقريش كما ليس أحد من غير العرب كفأ للعرب وهو وجه للشافعية والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض وقال الثوري إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح وبه قال أحمد في رواية وتوسط
[ 92 ]
الشافعي فقال ليس نكاح غير الأكفاء حراما فأرد به النكاح وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء فإذا رضوا صح ويكون حقا لهم تركوه فلو رضوا إلا واحدا فله فسخه وذكر أن المعنى في اشتراط الولاية في النكاح كيلا تضيع المرأة نفسها في غير كفء انتهى ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض فإسناده ضعيف انتهى قلت وكذلك ما رواه الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم اكفاء بعض إلا حائكا أو حجاما ضعيف بل هو باطل لا أصل له سأل ابن أبي حاتم عنه أباه فقال هذا كذاب لا أصل له وقال في موضع آخر باطل ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق بقية عن زرعة عن عمران بن أبي الفضل عن نافع عن ابن عمر قال الدارقطني في العلل لا يصح وقال ابن حبان عمران بن أبي الفضل يروي الموضوعات عن الثقات وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال منكر وقد حدث به هشام بن عبيد الله الرازي فزاد فيه بعد أو حجام أو دباغ قال فاجتمع عليه الدباغون وهموا به وقال ابن عبد البر هذا منكر موضوع وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية من طريقين إلى ابن عمر في أحدهما علي بن عروة وقد رماها ابن حبان بالوضع وفي الآخر محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك والأول في ابن عدي والثاني في الدارقطني كذا في التلخيص وحديث الباب سكت عنه المؤلف والمنذري وأورده الحافظ في التلخيص وقال إسناده حسن في تزويج من لم يولد بكر (ميمونة بنت كرم) بفتح الكاف وسكون الراء المهملة وبعدها دال مهملة مفتوحة وميم (في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في حجة الوداع (فدنا) أي قرب (وهو) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (معه درة) بكسر الدال المهملة التي يضرب بها (كدرة الكتاب) بضم الكاف وتشديد التاء أي كدرة تكون عند معلمي الأطفال قال المنذري الدرة بكسر الدال المهملة وتشديد الراء المهملة
[ 93 ]
وفتحها هي التي يضرب بها ويشبه أن يكون أراد بدرة الكتاب التي يؤدب بها المعلم صبيانه فكأنه يشير إلى صغرها انتهى (وهم يقولون الطبطبية الطبطبية الطبطبية) بفتح الطائين المهملتين بينهما باء موحدة ساكنة وبعد الثانية مثلها مكسورة ثم ياء مشددة ثم تاء التأنيث يحتمل وجهين أحدهما أن يكون أرادت به حكاية وقع الأقدام أي يقولون بأرجلهم طب طب والوجه الآخر أن يكون كناية عن الدرة لأنها إذا ضرب بها حكت صوت طب طب وهي منصوبة على التحذير كقولك الأسد الأسد أي احذروا الطبطبية كذا في المنذري والخطابي (فأخذ) أي أبي (بقدمه) صلى الله عليه وسلم (فأقر له) أي فأقر برسالته صلى الله عليه وسلم واعترف بها (إني حضرت جيش عثران) بالعين المهملة وكان ذلك في الجاهلية (قال ابن المثني جيش غثران) بالغين المعجمة (من يعطيني رمحا بثوابه) أي من يعطيني رمحا ويأخذ مني في عوضه ثوابه أي جزاءه (أول بنت تكون لي) أي تولد لي (فقلت له أهلي) أي هي أهلي أو منصوب على إضمار عامله على شريطة التفسير ويفسره قوله (جهزهن) وضمير الجمع رعاية للفظ أهل أو للتعظيم وفي بعض النسخ جهزهم (فخلف) أي طارق (أن لا يفعل) أي لا يجهزها (حتى أصدق) أي أجعل لها مهرا (وبقرن أي النساء هي) قال الخطابي يريد بسن أي النساء هي والقرن بنو سن واحد يقال هؤلاء قرن زمان كذا وأنشدني أبو عمرو قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى شعإإذا ما مضى القرن الذي أنت منهم وخلفت في قرن فأنت غريب وفي النهاية بقرن أي النساء هي أي بسن أيتهن (قد رأت القتير) أي الشيب (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أن تتركها) أي المرأة (قال) كردم أبو ميمونة (فراعني) أي أفزعني وهو لازم ومتعد (فلما رأى ذلك) أي الفزع (قال لا تأثم ولا صاحبك) أي طارق بن المرقع (يأثم) بالحنث من اليمين
[ 94 ]
قال الخطابي في المعالم يشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أشار عليه بتركها لأن عقد النكاح على معدوم العين فاسد وإنما كان ذلك منه موعدا له فلما رأى أن ذلك لا يفي بما وعد وأن هذا لا يقلع عما طلب أشار عليه بتركها والإعراض عنها لما خاف عليهما من الإثم إذا تنازعنا وتخاصمنا قد إذ كان كل واحد منهما قد حلف أن لا يفعل غير ما حلف عليه صاحبه وتلطف النبي صلى الله عليه وسلم في صرفه عنه بالمسألة عن سنها حتى قرر عنده أنها قد رأت القتير أي الشيب وكبرت وأنه لاحظ في نكاحها وفيه دليل على أن للحاكم أن يشير على أحد الخصمين بما هو أدعى إلى الصلاح وأقرب إلى التقوى انتهى قال المنذري اختلف في إسناد هذا الحديث وفي إسناده من لا يعرف (إذا رمضوا) بكسر الميم أي وجدوا الحرارة في أقدامهم الصداق (فقالت ثنتا عشرة) بسكون الشين ويكسر (أوقية) بضم الهمزة وتشديد المثناة التحتية وهي أربعون درهما (ونش) بفتح النون وشين معجمة مشددة أي معها نش أو يزاد نش قال ابن
[ 95 ]
الأعرابي النش النصف من كل شئ ونش الرغيف نصفه قال الخطابي النش عشرون درهما وهو اسم موضوع لهذا القدر من الدراهم غير مشتق من شئ سواه قال النووي استدل أصحابنا بهذا الحديث على استحباب كون المهر خمس مائة درهم والمراد في حق من يحتمل ذلك فإن قيل فصداق أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كان أربعة آلاف درهم أو أربع مائة دينار فالجواب أن هذا القدر تبرع به النجاشي من ماله إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (العجفاء) بفتح العين وسكون الجيم (إلا) للتنبيه (لا تغالوا) بضم التاء واللام (بصدق النساء) جمع صداق قال القاضي المغالاة التكثير أي لا تكثر مهورهن (فإنها) أي القصة أو المغالاة (لو كانت مكرمة) بفتح الميم وضم الراء واحدة المكارم أي مما تحمد (في الدنيا أو تقوى) أي زيادة تقوى (عند الله) أي مكرمة في الآخرة لقوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم (كان أولاكم بها) أي بمغالاة المهور (النبي) بالرفع والنصب (ما أصدق) أي لم يجعل صداق امرأة (ولا أصدقت) بضم الهمزة على البناء للمجهول (أكثر من ثنتي عشرة أوقية) وهي أربع مائة وثمانون درهما وأما ما روي من الحديث الآتي أن صداق أم حبيبة كان أربعة آلاف درهم فإنه مستثني من قول عمر لأنه أصدقها النجاشي في الحبشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم من غير تعيين من النبي صلى الله عليه وسلم وما روته عائشة فيما سبق من ثنتي عشرة ونش فإنه لم يتجاوز عدد الأواقي التي ذكرها عمر ولعله أراد عدد الأوقية ولم يلتفت إلى الكسور مع أنه نفى الزيادة في علمه ولعله لم يبلغه صداق أم حبيبة ولا الزيادة التي روته عائشة فإن قلت نهيه عن المغالاة مخالف لقوله تعالى وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا قلت النص يدل على الجواز لا على الأفضلية والكلام فيها لا فيه لكن ورد في بعض الروايات أنه قال لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال فقالت امرأة ما ذلك لك قال ولم قالت لأن الله يقول وآتيتم إحداهن قنطارا فقال عمر امرأة أصابت ورجل أخطأ كذا في المرقاة قال الحافظ في الفتح أخرج
[ 96 ]
عبد الرزاق من طريق عبد الرحمن السلمي قال قال عمر لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأة ليس ذلك لك يا عمر إن الله يقول وآتيتم إحداهن قنطارا من ذهب قال وكذلك هي في قراءة ابن مسعود فقال عمر امرأة خاصمت عمر فخصمته وأخرجه الزبير بن بكار من وجه آخر منقطع فقال عمر امرأة أصابت ورجل أخطأ وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن مسروق عن عمر فذكره متصلا مطولا وأصل قول عمر لا تغالوا في صدقات النساء عند أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم لكن ليس فيه قصة المرأة انتهى قال المنذري أبو الجعفاء اسمه هرم بن نسيب قال يحيى بن معين بصري ثقة وقال البخاري وفي حديثه نظر وقال أبو أحمد الكرابيسي حديثه ليس بالقائم (عن أم حبيبة) بنت أبي سفيان إحدى أمهات المؤمنين (كانت تحت عبيد الله بن جحش) بفتح الجيم وسكون الحاء (فمات) أي زوجها عبيد الله بن جحش (فزوجها النجاشي) بفتح النون ويكسر وتخفيف الجيم والشين المعجمة والياء المخففة ويشدد لقب مالك الحبشة واسم الذي آمن أصحمة وقد يعد في الصحابة والأولى أن لا يعد لأنه لم يدرك الصحبة قاله القاري قال الخطابي معنى قوله زوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم أي ساق إليها المهر فأضيف عقد النكاح إليه لوجود سببه منه وهو المهر وقد روى أصحاب السيران الذي عقد النكاح عليها خالد بن سعيد بن العاص وهو ابن عم أبي سفيان وأبو سفيان إذ ذاك مشرك وقبل نكاحها عمرو ابن أمية الضمري وكله رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك انتهى وقوله وهو ابن عم أبي سفيان أي ابن ابن عم أبي سفيان (وأمهرها عنه) أي أصدقها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أربعة آلاف) وفي بعض النسخ أربعة آلاف درهم (وبعث بها) أي أرسل أم حبيبة (مع شرحبيل) بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء وكسر الموحدة غير منصرف على ما في المغني ولعل فيه العجمة مع العلمية وهو من مهاجرة الحبشة (بن حسنة) بفتحات أم شرحبيل وفي المواهب وأم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب وقيل اسمها هند والأول أصح وأمها صفية بنت أبي العاص فكانت تحت عبيد الله بن جحش
[ 97 ]
وهاجر بها إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية ثم تنصر وارتد عن الإسلام ومات هناك وثبتت أم حبيبة على الإسلام واختلف في وقت نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وموضع العقد فقيل إنه عقد عليها بأرض الحبشة سنة ست فروي أنه صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ليخطبها عليه فزوجها إياه وأصدقها عنه أربع مائة دينار وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة وروي أن النجاشي أرسل إليها جاريته أبرهة فقالت إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجك وأنها أرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطت أبرهة سوارين وخاتم فضة سرورا بما بشرتها به فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر ابن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشي فقال الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقتها أربع مائة دينار ذهبا ثم صب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال الحمد الله أحمده وأستعينه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت إلى ما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا أخرجه صاحب الصفوة كما قاله الطبري وكان ذلك في سنة سبع من الهجرة وخالد هذا هو ابن ابن عم أبيها وكان أبو سفيان أبوها حال نكاحها مشركا محاربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قيل إن عقد النكاح عليها كان بالمدينة بعد رجوعها من أرض الحبشة والمشهور الأول انتهى وتقدم بعض الكلام في باب الولي قال المنذري أي أم شرحبيل هي حسنة وأبوه عبد الله بن المطاع (على صدق أربعة آلاف درهم) وقال ابن إسحاق عن أبي جعفر أصدقها أربع مائة دينار أخرجه ابن أبي شيبة من طريقة وأخرج الطبراني عن أنس أنه صدقها مائتي دينار وإسناده ضعيف كذا في النيل (وكتب) أي النجاشي (بذلك) المذكور من التزويج (فقبل)
[ 98 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المنذري هذا مرسل وقيل أصدقها أربع مائة دينار وقيل مائتي دينار انتهى قلة المهر (وعليه ردع زعفران) أي أثره والردع بمهملات مفتوح الأول ساكن الثاني هو أثر الطيب قال النووي والصحيح في معنى هذا الحديث أنه تعلق به أثر من الزعفران وغيره من طيب العروس ولم يقصده ولا تعمد التزعفر فقد ثبت في الصحيح النهي عن التزعفر للرجال وكذا نهي الرجال عن الخلوق لأنه شعار النساء وقد نهى الرجال عن التشبه بالنساء فهذا هو الصحيح في معنى الحديث وهو الذي اختاره القاضي والمحققون (فقال النبي صلى الله عليه وسلم مهيم) أي ما شأنك أو ما هذا وهي كلمة استفهام مبنية على السكون وهل هي بسيطة أو مركبة قولان لأهل اللغة كذا في الفتح قال الطيبي سؤال عن السبب فلذا أجاب بما أجاب ويحتمل الإنكار بأنه كان نهي عن التضمخ بالخلوق فأجاب بأنه ليس تضمخا وفي بل شئ علق به من مخالطة العروس أي من غير قصد أو من غير اطلاع انتهى وفيه أنه يستحب للإمام والفاضل تفقد أصحابه والسؤال عما يختلف من أحوالهم (قال ما أصدقتها) وفي رواية لمسلم كم أصدقتها أي كم جعلت صداقها (قال وزن نواة) بنصب النون على تقدير فعل أن أصدقتها ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ أي الذي أصدقتها هو قاله الحافظ قال القاضي قال الخطابي النواة اسم لقدر معروف عندهم فسروها بخمسة دراهم من ذهب قال القاضي كذا فسرها أكثر العلماء قال أحمد بن حنبل هي ثلاثة دراهم وثلث وقيل المراد نواة التمر أي وزنها من ذهب والصحيح الأول وقال بعض المالكية النواة ربع دينار عند أهل المدينة وظاهر كلام أبي عبيد أنه وقع خمسة دراهم قال ولم يكن هناك ذهب إنما هي خمسة دراهم تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية كذا قال النووي في شرح صحيح مسلم (أولم ولو بشاة) لو هذه ليست الامتناعية وإنما هي التي للتقليل وفي الحديث دليل على أن الشاة أقل ما يجزئ في الوليمة عن الموسر ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم أولم
[ 99 ]
على بعض نسائه بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما يجزئ في الوليمة مطلقا ولكن هذا الأمر من خطاب الواحد وفي تناوله لغيره خلاف في الأصول معروف قال القاضي عياض وأجموا كل على أنه لاحد لأكثر ما يولم به وأما أقله فكذلك ومهما تيسر أجزأ والمستحب أنها على قدر حال الزوج كذا في النيل واستدل بهذا الحديث على استحباب تقليل الصداق لأن عبد الرحمن بن عوف كان من مياسير الصحابة وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على إصداقه وزن نواة من ذهب وتعقب بأن ذلك كان في أول الأمر حين قدم المدينة وإنما حصل له اليسار بعد ذلك من ملازمة التجارة حتى ظهرت من الإعانة في بعض الغزوات ما اشتهر وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (ملأ كفيه سويقا) هو دقيق القمح المقلو أو الذرة أو الشعير أو غيرها (فقد استحل) الضمير المرفوع يرجع إلى من والمفعول محذوف أي فقد جعلها حلالا قال الخطابي في المعالم فيه دليل على أن أقل المهر وأدناه غير مؤقت بشئ معلوم وإنما هو على ما تراضيا به المتناكحان وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال سفيان الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق لا توقيت في أقل المهر وأدناه وهو ما تراضوا به وقال سعيد بن المسيب لو أصدقها سوطا لحلت له وقال مالك أقل المهر ربع دينار وقال أصحاب الرأي أقله عشرة دراهم وقدروه بما يقطع فيه يد السارق عندهم وزعموا أن كل واحد منهما إتلاف عضو انتهى قلت وقال سعيد ابن جبير أقله خمسون درهما وقال النخعي أربعون وقال ابن شبرمة خمسة دراهم واستدل الأولون بأحاديث الباب وبحديث الخاتم الذي سيأتي وبحديث عامر ابن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجازه رواه أحمد وابن ماجه والترمذي
[ 100 ]
وصححه وبحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أدوا العلائق قيل ما العلائق قال ما تراضى عليه الأهلون ولو كان قضيبا من أراك وفي بعض هذه الأحاديث ضعف لكن حديث الخاتم وحديث نواة الذهب من أحاديث الصحيحين وفيهما كفاية لإثبات المطلوب وليس على الأقوال الباقية دليل يدل على أن الأقل هو أحدها لا دونه ومجرد موافقة مهر من المهور الواقعة في عصر النبوة الواحد منها كحديث النواة من الذهب فإنه موافق لقول ابن شبرمة ولقول مالك على حسب الاختلاف في تفسيرها لا يدل على أنه المقدار الذي لا يجزئ دونه إلا مع التصريح بأنه لا يجزئ دون ذلك المقدار ولا تصريح فالراجح ما ذهب إليه الأولون فكل ما له قيمة صح أن يكون مهرا قليلا كان أو كثيرا والله تعالى أعلم بالصواب فإن قلت روى الدارقطني في سننه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء ولا يزوجهن إلا الأولياء ولا مهر دون عشرة دراهم ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على ما ذهب إليه الحنفية إذ فيه تصريح بأن لا مهر دون عشرة دراهم قلت قال الدارقطني بعد إخراج هذا الحديث مبشر بن عبيد متروك الحديث أحاديثه لا يتابع عليها انتهى وقال أخونا العلامة في التعليق المغني الحديث أخرجه البيهقي في سننه وأسند البيهقي في المعرفة عن أحمد بن حنبل أنه قال أحاديث مبشر بن عبيد موضوعة كذب انتهى قال ابن القطان في كتابه وهو كما قال ورواه أبو يعلى عن مبشر بن عبيد عن أبي الزبير عن جابر فذكر نحوه وعن أبي يعلى رواه ابن حبان في الضعفاء وقال مبشر يروي عن الثقات الموضوعات لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب انتهى ورواه ابن عدي والعقيلي وأعلاه بمبشر بن عبيد وأسند العقيلي عن أحمد أنه وصفه بالوضع والكذب انتهى وقال البيهقي هذا حديث ضعيف قاله الزيلعي انتهى قال المنذري في إسناده موسى بن مسلم وهو ضعيف (نستمتع بالقبضة) القاف وفتحها والضم أفصح قال الجوهري القبضة بالضم ما قبضت عليه من شئ يقال أعطاه قبضة من تمر أو سويق قال وربما يفتح (قال أبو داود رواه ابن جريج عن أبي الزبير الخ) قال المنذري هذا الذي ذكره أبو داود معلقا قد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير قال سمعت
[ 101 ]
جابر بن عبد الله يقول كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو بكر البيهقي وهذا وإن كان في نكاح المتعة ونكاح المتعة صار منسوخا فإنما نسخ منه شرط الأجل فأما ما يجعلونه صداقا فإنه لم يرد فيه النسخ انتهى في التزويج على العمل يعمل (إني قد وهبت نفسي لك) أي أمر نفسها أو نحو ذلك وإلا فالحقيقة غير مراده لأن رقبة الحر لا تملك فكأنها قالت أتزوجك بغير صداق (فقامت قياما طويلا) وفي رواية لمسلم فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ رأسه (هل عندك من شئ تصدقها إياه) من باب الأفعال أي تجعل صداقها ذلك الشئ ومن زائدة في المبتدأ والخبر متعلق الظرف وجملة تصدقها في موضع الرفع صفة لشئ ويجوز فيه الجزم على جواب الاستفهام (ما عندي إلا إزاري هذا) علم منه أنه لم يكن له رداء ولا إزار غير ما عليه (فالتمس ولو خاتما من حديد) لو تقليلية قال عياض ووهم من زعم خلاف ذلك وقوله خاتما بكسر التاء وفتحها قال النووي وفيه أنه يجوز أن يكون الصداق قليلا وكثيرا مما يتمول إذا تراضى به الزوجان لأن خاتم الحديد في نهاية من القلة وهذا مذهب الشافعي وهو مذهب
[ 102 ]
جماهير العلماء من السلف والخلف وفيه جواز اتخاذ خاتم الحديد وفيه خلاف للسلف ولأصحابنا في كراهته وجهان أصحهما لا يكره لأن الحديث في النهي عنه ضعيف انتهى مختصرا (قد زوجتكها بما معك من القرآن) فيه دليل على جواز تعليم القرآن صداقا لأن الباء يقتضي المقابلة في العقود ولأنه لو لم يكن مهرا لم يكن لسؤاله إياه بقوله هل معك من القرآن شئ معنى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 103 ]
(فعلمها عشرين اية وهي امرأتك) قال الحافظ في الفتح وفي رواية سعيد ابن المسيب عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة على سورتين من القرآن يعلمها إياهما وفي مرسل أبي النعمان الأزدي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن وفي حديث ابن عباس وجابر هل تقرأ من القرآن شيئا قال نعم إنا أعطيناك الكوثر قال أصدقها إياها قال الحافظ ويجمع بين هذه الألفاظ بأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض أو أن القصص متعددة انتهى قال المنذري وفي إسناده عسل بن سفيان وهو ضعيف (وكان مكحول يقول الخ) هذه الخصوصية تحتاج إلى دليل خاص ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما احتج عليها بما أخرجه سعيد بن منصور من مرسل أبي النعمان الأزدي قال زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن وقال لا تكون لأحد بعدك مهرا فهذا مع إرساله فيه من لا يعرف قاله الحافظ قال الخطابي اختلف الناس في جواز النكاح على تعليم القرآن فقال الشافعي بجوازه على ظاهر الحديث وقال مالك لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي وقال أحمد أكرهه انتهى فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات (عن فراس) بكسر الفاء ابن يحيى الهمداني المكتب الكوفي وثقه ابن معين (عن عبد الله) هو ابن مسعود (ولم يفرض) بفتح الياء وكسر الراء أي لم يقدر ولم يعين (فقال) أي
[ 104 ]
عبد الله بن مسعود (لها الصداق كاملا) أراد بالصداق الكامل مهر المثل كما يأتي (وعليها العدة) أي للوفاة (قال معقل) بفتح الميم وكسر القاف (ابن سنان) بكسر السين الأشجعي (قضي به) أي بما قضيت (في بروع) قال في القاموس كجدول ولا يكبر بنت واشق صحابية وفي المغنى بفتح الباء عند أهل اللغة وكسرها عند أهل الحديث (واشق) بكسر الشين المعجمة والحديث دليل على أن المرأة تستحق كمال المهر بالموت وإن لم يسم لها الزوج ولا دخل بها قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن صحيح (أتي) بصيغة المجهول (بهذا الخبر) أي بهذا الحديث المذكور (فاختلفوا إليه) أي إلى ابن مسعود (أو قال مرات) شك من الراوي (لا وكس) بفتح فسكون أي لا نقص (ولا شطط) بفتحتين أي ولا زيادة قال الخطابي الوكس النقصان والشطط العدوان وهو الزيادة على قدر الحق يقال اشتط الرجل في الحكم إذا تعدى الحق وجاوزه (فإن يك) حكمي هذا وقضائي (فمن الله) أي من توفيق الله (وإن يك خطأ فمني
[ 105 ]
ومن الشيطان أي من قصور علمي ومن تسويل الشيطان وتلبيسه علي وجه الحق فيه (والله ورسوله يريان) يريد أن الله سبحانه ثم رسوله صلى الله عليه وسلم لم يتركا شيئا لم يبيناه في الكتاب أو في السنة ولم يرشدا % إلى صواب الحق فيه إما نصا أو دلالة وهما بريئان من أن يضاف إليهما الخطأ الذي يؤتى المرء فيه من جهة عجزه وتقصيره والحديث فيه دليل على أن المرأة تستحق بموت زوجها بعد العقد قبل فرض الصداق جميع المهر وإن لم يقع منه دخول ولا خلوة وبه قال ابن مسعود وابن سيرين وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد وعن علي وابن عباس وابن عمر ومالك والأوزاعي والليث وأحد قولي الشافعي أنها لا تستحق إلا الميراث فقط ولا تستحق مهرا ولا متعة لأن المتعة لم ترد إلا للمطلقة والمهر عوض عن الوطء ولم يقع من الزوج وأجابوا عن حديث الباب بالاضطرب فلا فروي مرة عن معقل بن سنان ومرة عن رجل من
[ 106 ]
أشجع أو ناس من أشجع وقيل غير ذلك وأجيب بأن الاضطراب غير قادح لأنه متردد بين صحابي وصحابي وهذا لا يطعن به في الرواية وقالوا روي عن علي أنه قال لا تقبل قول أعرابي بوال على عقبيه فيما يخالف كتاب الله وسنة نبيه ورد بأن ذلك لم يثبت عنه من وجه صحيح ولو سلم ثبوته فلم ينفرد بالحديث معقل المذكور بل روي من طريق غيره بل معه الجراح كما وقع في هذه الرواية وأيضا الكتاب والسنة إنما نفيا مهر المطلقة قبل المس والفرض لا مهر من مات عنها زوجها وأحكام الموت غير أحكام الطلاق (ومحمد بن المثنى) قال المزي في الأطراف حديث محمد بن المثنى في رواية أبي الحسن بن العبد وغيره ولم يذكره أبو القاسم انتهى (عبد العزيز بن يحيى) بدل من أبو الأصبغ وهو كنيته (فدخل بها الرجل) أي جامعها (ولم يفرض) أي لم يسم لها مهرا (وكان) أي
[ 107 ]
الرجل (ممن شهد الحديبية) أي غزوة الحديبية وهي قريبة من مكة سميت ببئر هناك وهي مخففة وكثير منهم يشددونها وكان توجهه صلى الله عليه وسلم إليها من المدينة يوم الاثنين مستهل ذي القعدة سنة ست فخرج قاصدا إلى العمرة فصده المشركون عن الوصول إلى البيت ووقعت بينهم المصالحة على أن يدخل مكة في العام المقبل (وكان من شهد الحديبية لهم (له) سهم بخيبر) خيبر على وزن جعفر وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام قال ابن إسحاق خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم سنة سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلا إلى أن فتحها في صفر وروى يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق في حديث المسور ومروان قالا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة فأعطاه الله فيها خيبر بقوله وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فجعل لكم هذه يعني خيبر فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم (وإني أشهدكم أني أعطيتها) أي فلانة (سهمي بخيبر) أي سهمي الذي بخيبر واعلم أن الحافظ جعل حديث عقبة بن عامر هذا شاهد الحديث معقل بن سنان المذكور ولا شهادة له على ذلك لأن هذا في امرأة دخل بها زوجها نعم فيه شاهد أنه يصح النكاح بغير تسمية (خير النكاح أيسره) أي أسهله على الرجل بتخفيف المهر وغيره وقال العلامة الشيخ العزيزي أي أقله مهرا أو أسهله إجابة للخطبة انتهى (قال أبو داود يخاف أن يكون هذا الحديث ملزقا) أي ملحقا (لأن الأمر على غير هذا) لأنه أعطاها
[ 108 ]
زائدا على المهر في مرض الموت وهذه العبارة إنما توجد في بعض النسخ وأكثرها خالية منها في خطبة النكاح (في خطبة الحاجة في النكاح وغيره) قال المنذري وأخرجه النسائي وأبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود ولم يسمع من أبيه (أن الحمد لله) بتخفيف أن ورفع الحمد قال الجزري في تصحيح المصابيح يجوز تخفيف أن وتشديدها ومع التشديد يجوز رفع الحمد ونصبه ورويناه بذلك ذكره القاري في المرقاة وقال رفع الحمد مع التشديد على الحكاية (نستعينه) أي في حمده وغيره وهو وما بعده جمل مستأنفة مبينة لأحوال الحامدين (ونستغفره) أي في تقصير عبادته وتأخير طاعته (ونعوذ به من شرور أنفسنا) أي من ظهور شرور أخلاق نفوسنا الردية وأحوال طباع هوائنا منه الدنية (من يهده الله) بإثبات الضمير أي من يوفقه للعبادة (فلا مضل له) أي من شيطان ونفس وغيرهما (ومن يضلل) بحذف ضمير المفعول وفي بعض النسخ بإثبات الضمير (فلا هادي له) أي لا من جهة العقل ولا من جهة النقل ولا من ولي ولا نبي قال الطيبي أضاف الشر إلى الأنفس أولا كسبا والإضلال إلى الله تعالى ثانيا خلقا وتقديرا (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله الذي) قال الطيبي رحمه الله ولعله هكذا في مصحف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فإن المثبت في أول سورة النساء وتقوا الله الذي بدون يا أيها الذين آمنوا قيل يحتمل أن يكون تأويلا لما في الإمام فيكون إشارة إلى أن اللام في يا أيها الناس للعهد والمراد المؤمنون قلت لا يصح هذا الاحتمال لأنه لو كان كذلك لقال يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم
[ 109 ]
الذي خلقكم من نفس واحدة الآية مع أن الموصولين لا يلائمان للتخصيص كذا في المرقاة (تساءلون) بحذ إحدى التاءين وبتشديد السين قراءتان متواترتان (به) أي تتساءلون فيما بينكم حوائجكم بالله كما تقولون أسألك بالله (والأرحام) بالنصب عند عامة القراء أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها وفيه عظيم مبالغة في اجتناب قطع الرحم وقرأ حمزة بالخفض أي به وبالأرحام كما في قراءة شاذة عن ابن مسعود يقال سألتك بالله وبالرحم والعطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار فصيح على الصحيح وطعن من طعن فيه وقيل الجر للجوار وقيل الواو للقسم (رقيبا) أي حافظا (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) في المعالم قال ابن مسعود وابن عباس هو أن يطاع فلا يعصى قيل وأن يذكر فلا ينسى قال أهل التفسير لما نزلت هذه الآية شق ذلك عليهم فقالوا يارسول الله ومن يقوى على هذا فأنزل الله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم فنسخت هذه الآية وقيل إنها ثابتة والآية الثانية مبينة (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) النهي في ظاهر الكلام وقع على الموت وإنما نهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام ومعناه داوموا على الإسلام حتى لا يصادفكم : الموت إلا وأنتم مسلمون (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) أي مخالفته ومعاقبته (وقولوا قولا سديدا) أي صوابا وقيل عدلا وقيل صدقا وقيل مستقيما وقيل هو قول لا إله إلا الله أي دوموا على هذا القول (يصلح لكم أعمالكم) أي يتقبل حسناتكم (ويغفر لكم ذنوبكم) أي يمحو سيئاتكم (ومن يطع الله ورسوله) أي بامتثال الأوامر واجتناب الزواجر (فقد فاز فوزا عظيما) أي ظفر خيرا كثيرا وأدرك ملكا كبيرا وقد استدل بحديث ابن مسعود هذا على مشروعية الخطبة عند عقد النكاح وعند كل
[ 110 ]
حاجة قال الترمذي في سننه وقد قال أهل العلم إن النكاح جائز بغير خطبة وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم انتهى ويدل على الجواز حديث إسماعيل بن إبراهيم الآتي فيكون على هذا الخطبة في النكاح مندوبة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن ومنهم من أخرجه عن أبي الأحوص وحده ومنهم من أخرجه عنهما انتهى وزاد ابن ماجه بعد قوله أن الحمد لله لفظة نحمده وبعده قوله من شرور أنفسنا لفظة ومن سيئات أعمالنا وزاد الدارمي بعد قوله عظيما ثم يتكلم بحاجته (عن أبي عياض) اسمه عمرو بن الأسد العنسي بنون أو الهمداني أحد زهاد الشام مخضرم ثقة عابد من كبار التابعين مات في خلافة معاوية (كان إذا تشهد) أي خطب (ذكر نحوه) أي نحو الحديث المذكور (أرسله بالحق) أي بالهدى (بشيرا) من أجاب إليه (ونذيرا) من لم يجب إليه (بين يدي الساعة) أي قدامها قال المنذري في إسناده عمران بن داود القطان وفيه مقال (عن رجل من بني سليم) قال في الخلاصة هو عباد بن شيبان (خطبت) من الخطبة بالكسر (أمامة بنت عبد المطلب) أي عمته صلى الله عليه وسلم (فأنكحني من غير أن يتشهد) أي يخطب وفيه دليل على جواز النكاح بغير الخطبة قال المنذري وأخرجه البخاري في تاريخه الكبير وذكر الاختلاف فيه وذكر في بعضها خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عمته فأنكحني ولم يتشهد وفي بعضها ألا أنكحك أمامة بنت ربيعة بن الحارث وقال البخاري إسناده مجهول انتهى (قال لنا أبو عيسى) هو الإمام الحافظ أبو عيسى إسحاق بن موسى بن سعيد الرملي أحد
[ 111 ]
رواة هذا السنن عن المؤلف أبي داود وروى عنه الحافظ أبو عمرو أحمد ابن دحيم بن خليل ولعل قائل قال لنا الخ تلميذه هذا أو تلميذ آخر من تلامذته (قيل له أيجوز هذا) أي جواز النكاح بغير الخطبة (أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم) كحديث سهل ابن سعد الساعدي المتقدم لأن الخطبة لم تذكر في شئ من طرقه قال الحافظ تحت حديث سهل وفيه أنه لا يشترط في صحة العقد تقدم الخطبة إذا لم يقع في شئ من طرق هذا الحديث وقوع حمد ولا تشهد ولا غيرهما من أركان الخطبة وخالف في ذلك الظاهرية فجعلوها واجبة ووافقهم من الشافعية أبو عوانة فترجم في صحيحه باب وجوب الخطبة عند العقد انتهى في تزويج الصغار (قال سليمان أو ست) يعني قال سليمان في روايته وأنا بنت سبع أو ست بالشك واعلم أنه وقع في رواية لمسلم تزوجني وأنا بنت سبع وفي أكثر رواياته بنت ست قال النووي فالجمع بينهما أنه كان لها ست وكسر ففي رواية اقتصرت على السنين وفي رواية عدت السنة التي دخلت فيها والله أعلم انتهى والحديث يدل على أنه يجوز للأب أن يزوج بنته الصغيرة قال النووي أجمع المسلمون على جواز تزويجه بنته البكر الصغيرة لهذا
[ 112 ]
الحديث وإذا بلغت فلا خيار لها في فسخه عند مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز وقال أهل العراق لها الخيار إذا بلغت وأما غير الأب والجد فلا يجوز أن يزوجها عند الشافعي والثوري ومالك وابن أبي ليلى وأحمد وأبي ثور وأبي عبيد والجمهور قالوا فإن زوجها لم يصح وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وآخرون من السلف يجوز لجميع الأولياء ويصح ولها الخيار إذا بلغت إلا أبا يوسف فقال لا خيار لها انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه في المقام عند البكر أي إقامة الزوج عندها بعد الزفاف (أقام عندها ثلاثا) أي ثلاث ليال (ليس بك على أهلك هوان) أي احتقار والمراد بالأهل قبيلتها والباء للسببية أي لا يلحق أهلك بسببك هوان وقيل أراد بالأهل نفسه صلى الله عليه وسلم وكل من الزوجين أهل والباء متعلقة بهوان أي ليس اقتصاري على الثلاثة لهوانك علي ولا لعدم رغبة فيك ولكن لأنه الحكم (إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي) وفي رواية لمسلم وإن شئت ثلثت ثم درت قالت ثلث وفي رواية الدارقطني إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن شئت سبت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي قالت تقيم معي ثلاثا خالصة قال في النهاية اشتقوا فعل من الواحد إلى العشرة فمعنى سبع أقام عندها سبعا وثلث أقام عندها ثلاثا وفي الحديث دليل على أن الزوج إذا تعدي السبع للبكر والثلاث للثيب بطل الإيثار ووجب قضاء سائر الزوجات مثل تلك المدة بالنص في الثيب والقياس في البكر ولكن إذا وقع من الزوج تعدي تلك المدة بإذن الزوجة قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية) هي بنت حيي بن أخطب اسرائيلية أم المؤمنين من
[ 113 ]
بنات هارون عليه السلام أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها (زاد عثمان) أي في روايته (وكانت) أي صفية (وقال) أي عثمان (حدثني هشيم أنبأنا حميد أخبرنا أنس) وأما وهب بن بقية فقال عن هشيم عن حميد عن أنس بالعنعنة في المواضع الثلاثة قال المنذري وأخرجه النسائي (إذا تزوج) أي الرجل (البكر على الثيب) أي تكون عنده امرأة فيتزوج معها بكرا (ولو قلت) القائل أبو قلابة (إن رفعه لصدقت) كأنه يشير إلى أنه لو صرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكان صادقا ويكون روي بالمعنى وهو جائز عنده ولكنه رأى أن المحافظة على اللفظ أولى وقال ابن دقيق العيد قول أبي قلابة يحتمل وجهين أحدهما أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرر عنه تورعا والثاني أن يكون رأى أن قول أنس من السنة في حكم المرفوع فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح لأنه في حكم المرفوع قال والأول أقرب لأن قوله من السنة يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتمل وقوله إنه رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص غير محتمل انتهى قال الشوكاني وبهذا يندفع ما قاله بعضهم من عدم الفرق بين قوله من السنة كذا وبين رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى هذا الحديث جماعة عن أنس وقالوا فيه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البيهقي والدارقطني والدارمي وغيرهم انتهى مختصرا وأحاديث الباب تدل على أن البكر تؤثر بسبع والثيب بثلاث قيل وهذا في حق من كان له زوجة قبل الجديدة وقال ابن عبد البر حاكيا عن جمهور العلماء إن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف وسواء عنده زوجة أم لا وحكى النووي أنه يستحب إذ لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب قال في الفتح وهذا يوافق كلام أكثر الأصحاب واختار النووي أن لا فرق وإطلاق الشافعي يعضده ويمكن التمسك لقول من اشترط أن يكون عنده زوجة قبل الجديدة بقوله في حديث أنس المذكور إذا تزوج البكر على الثيب ويمكن الاستدلال لمن لم يشترط بقوله في حديث أنس المذكور أيضا للبكر سبع وللثيب ثلاث
[ 114 ]
قال الحافظ لكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيد قال وفيه يعني حديث أنس المذكور حجة على الكوفيين في قولهم إن البكر والثيب سواء وعلى الأوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان وفيه حديث مرفوع عن عائشة أخرجه الدارقطني عن عائشة بسند ضعيف جدا انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئا قال في المصباح نقدت الدارهم نقدا من باب قتل والفاعل ناقد ونقدت الرجل الدارهم بمعنى أعطيته فيتعدى إلى مفعولين انتهى (لما تزوج علي فاطمة) هي سيدة نساء العالمين تزوجها علي رضي الله عنه في السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان وبنى عليها في ذي الحجة ولدت له الحسن والحسين والمحسن وزينب ورقية وأم كلثوم وماتت بالمدينة بعد موته صلى الله عليه وسلم بستة أشهر (قال أين درعك الحطمية) بضم الحاء المهملة وفتح الطاء المهملة منسوبة إلى الحطم سميت بذلك لأنها تحطم السيوف وقيل منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال له حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع كذا في النهاية وفي الحديث دليل على أنه ينبغي تقديم شئ للزوجة قبل الدخول بها جبرا لخاطرها وهو المعروف عند الناس كافة ولم يذكر في الرواية هل أعطاها درعه المذكورة أو غيرها وقد وردت روايات في تعيين ما أعطى علي فاطمة رضي الله عنهما إلا إنها غير مستندة قاله في السبل قلت قد جاء في الرواية الآتية تعيين ما أعطي علي فاطمة رضي الله عنهما وقد سكت عنها أبو داود والمنذري قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 115 ]
(فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئا) فيه دليل لمن قال إنه يجوز الامتناع من تسليم المرأة حتى يسلم الزوج مهرها وكذلك للمرأة الامتناع حتى يسمي الزوج مهرها وقد تعقب بأن المرأة إذا كانت رضيت بالعقد بلا تسمية وأجازته فقد نفذ وتعين به مهر المثل ولم يثبت لها الإمتناع وإن لم تكن رضيت به بغير تسمية ولا إجازة فلا عقد رأسا فضلا عن الحكم بجواز الامتناع وكذلك يجوز للمرأة أن تمتنع حتى يعين الزوج مهرها ثم حتى يسلمه قيل وظاهر الحديث أن المهر لم يكن مسمى عند العقد وتعقب بأنه يحتمل أنه كان مسمى عند العقد ووقع التأجيل به ولكنه صلى الله عليه وسلم أمره بتقديم شئ منه كرامة للمرأة وتأنيسا كذا في النيل (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل) من الإدخال (قبل أن يعطيها شيئا) فيه أنه لا يشترط في صحة النكاح أن يسلم الزوج إلى المرأة مهرها قبل الدخول قال العلامة القاضي الشوكاني ولا أعرف في ذلك اختلافا (قال أبو داود وخيثمة لم يسمع من عائشة) هذه العبارة لم توجد في جميع النسخ بل إنما وجدت في بعضها وخيثمة هذا هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي الكوفي عن أبيه وعلي وعائشة وأبي هريرة وجماعة وعنه إبراهيم والحكم بن عتيبة وعمرو بن مرة وطلحة بن مصرف قال الأعمش ورث خيثمة مائتي ألف درهما فأنفقها على الفقراء وثقه ابن معين والعجلي كذا في الخلاصة قال المنذري وأخرجه ابن ماجه
[ 116 ]
(أيما امرأة نكحت) أي تزوجت (على صداق أو حباء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة مع المد أصله العطية وهو المسمي عند العرب بالحلوان قاله العلامة العزيزي وقال في السبل الحباء العطية للغير أو للزوج زائدا على مهرها (أو عدة) بكسر العين وفتح الدال المهملتين قال العلقمي ظاهره أنه يلزمه الوفاء وعند ابن ماجه أو هبة بدل العدة (قبل عصمة النكاح) أي قبل عقد النكاح (فهو لها) أي مختص بها دون أبيها لأنه وهب لها قبل العقد الذي شرط فيه لأبيها ما شرط وليس لأبيها حق فيه إلا برضاها (وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه) أي وما شرط من نحو هبة بعد عقد النكاح فهو حق لمن أعطيه ولا فرق بين الأب وغيره (وأحق ما أكرم) بالبناء للمجهول (عليه الرجل) أي لأجله فعلي للتعليل قال العلقمي قال ابن رسلان قال القرطبي أحق ما أكرم عليه استئناف يقتضي الحض على إكرام الولي تطييبا لنفسه (ابنته) بالرفع خبر مبتدأ الذي هو أحق ويجوز نصبه على حذف كان والتقدير أحق ما أكرم لأجله الرجال إذا كانت ابنته (أو أخته) ظاهر العطف أن الحكم لا يختص بالأب بل كل ولي كذلك وفي الحديث دليل على أن المرأة تستحق جميع ما يذكر قبل العقد من صداق أو حباء أو عدة ولو كان ذلك الشئ مذكورا لغيرها وما يذكر بعد عقد النكاح فهو لمن جعل له سواء كان وليا أو غير ولي أو المرأة نفسها وقد ذهب إلى هذا عمر بن عبد العزيز والثوري وأبو عبيد ومالك وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الشرط لازم لمن ذكره من أخ أو أب والنكاح صحيح وذهب الشافعي أن تسمية المهر تكون فاسدة ولها صداق المثل كذا في النيل والسبل وقال الخطابي في المعالم تحت هذا الحديث وهذا مأول على ما يشترطه الولي لنفسه سوى المهر وقد اختلف الناس في وجوبه فقال سفيان الثوري ومالك في الرجل ينكح المرأة على أن لأبيها كذا وكذا شيئا اتفقا عليه سوى المهر أن ذلك كله للمرأة دون الأب وكذلك روي عن عطاء وطاؤس وقال أحمد هو للأب ولا يكون ذلك لغيره من الأولياء لأن يد الأب مبسوطة في مال الولد وروي عن علي بن الحسين أنه زوج ابنته رجلا فاشترط لنفسه مالا وعن مسروق أنه زوج ابنته رجلا واشترط لنفسه عشرة آلاف درهم يجعلها في الحج والمساكين وقال
[ 117 ]
الشافعي إذا فعل ذلك فلما مهر مثلها ولا شئ للولي انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقد تقدم اختلاف الحفاظ في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب ما يقال للمتزوج من الدعاء (كان إذا رفأ الانسان) بتشديد الفاء وهمزة وقد لا يهمز أي هناه ودعا له وكان من دعائهم للمتزوج أن يقولوا بالرفاء والبنين ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال للمتزوج بالرفاء والبنين قال ابن الأثير الرفاء الالتئام والاتفاق والبركة والنماء وهو من قولهم رفأت الثوب رفأ ورفوته ورفوا غير وإنما نهي عنه كراهية لأنه كان من عادتهم ولهذا سن فيه غيره انتهى (وجمع بينكما في خير) قال الزمخشري معناه أنه كان يضع الدعاء له بالبركة موضع الترفية المنهي عنها قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي النسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح
[ 118 ]
الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى أحمد (ثم اتفقوا) أي مخلد بن خالد والحسن بن علي ومحمد بن أبي السري (يقال له) أي لذلك الرجل (بصرة) بفتح أوله وسكون المهملة ابن أكثم بالمثلثة ويقال بسرة بضم أوله وبالسين ويقال نضلة بنون مفتوحة ومعجمة صحابي من الأنصار كذا في التقريب (والولد عبد لك) قال الخطابي في المعالم لا أعلم أحدا من العلماء اختلف في أن ولد الزنا حر إن كان من حرة فكيف يستعبده ويشبه أن يكون معناه إن ثبت الخبر أنه أوصاه به خيرا وأمره باصطناعه وتربيته واقتنائه لينتفع بخدمته إذا بلغ فيكون كالعبد له في الطاعة مكافأة له على إحسانه وجزاء لمعروفه وقيل في المثل بالبر يستعبد الحر انتهى (قال الحسن) أي ابن علي (فاجلدها) أي بصيغة الواحد (وقال ابن أبي السري فاجلدوها) أي بصيغة الجمع (أو قال
[ 119 ]
فحدوها) شك من الراوي (أرسلو كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي روى قتادة ويحيى بن أبي كثير وعطاء الخراساني كل من هؤلاء الثلاثة مرسلا (وفي حديث يحيى بن أبي كثير أن بصرة بن أكثم) قال الحافظ في التقريب بصرة بن أكثم بالمثلثة كما تقدم (فذكر معناه) أي فذكر
[ 120 ]
محمد بن المثنى معنى الحديث المذكور (زاد) أي محمد بن المثني في روايته قال الإمام الخطابي في المعالم في الحديث حجة إن ثبت لمن رأى الحمل من الفجور يمنع عقد النكاح وهو قول سفيان الثوري وأبي يوسف وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن النكاح جائز وهو قول الشافعي والوطء على مذهبه مكروه ولا عدة عليها في قول أبي يوسف وكذلك عند الشافعي قال ويشبه أن يكون إنما جعل لها صداق المثل دون المسمي لأن في هذا الحديث من رواية ابن نعيم عن ابن المسيب أنه فرق بينهما ولو كان النكاح وقع صحيحا لم يجز التفريق لأن حدوث الزنا بالمنكوحة لا يفسخ النكاح ولا يوجب للزوج الخيار وقد يحتمل أن يكون الحديث إن كان له أصل منسوخا والله أعلم انتهى والحديث سكت عنه المنذري
[ 121 ]
في القسم بين النساء (من كانت له امرأتان) أي مثلا (فمال إلى إحداهما) أي فلم يعدل بينهما بل مال إلى إحداهما دون الأخرى (وشقه) أي أحد جنبيه وطرفه (مائل) أي مفلوج والحديث دليل على أنه يجب على الزوج التسوية بين الزوجات ويحرم عليه الميل إلى إحداهن وقد قال تعالى فلا تميلوا كل الميل والمراد الميل في القسم والانفاق لا في المحبة لأنها مما لا يملكه العبد قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث همام يعني ابن يحيى (الخطمي) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة نسبة إلى خطمة فخذ من الأوس (يقسم فيعدل) أي فيسوي بين نسائه في البيتوتة واستدل به من قال إن القسم كان واجبا عليه وذهب البعض إلى أنه لا يجب عليه واستدلوا بقوله تعالى ترجي من تشاء منهن الآية وذلك من خصائصه (اللهم هذا) أي هذا العدل (قسمي) بفتح القاف (فيما أملك) أي فيما أقدر عليه (فلا تلمني) أي فلا تعاتبني أو لا تؤاخذني (فيما تملك ولا أملك) أي من زيادة المحبة وميل القلب فإنك مقلب القلوب (يعني القلب) هذا تفسير من المؤلف لقوله ما تملك ولا أملك وقال الترمذي يعني به الحب والمودة كذلك فسره أهل العلم والحديث يدل على أن المحبة وميل القلب أمر غير مقدور للعبد بل هو من الله تعالى ويدل له قوله تعالى ولكن الله ألف بينهم بعد قوله لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم وبه فسر واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وذكر الترمذي والنسائي أنه روي مرسلا وذكر الترمذي أن المرسل أصح
[ 122 ]
(يا ابن أختي) أي أسماء بنت أبي بكر (لا يفضل) من باب التفعيل (من مكثه عندنا) هذا بيان القسم والمكث الإقامة والتلبث في المكان (وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة) وفي رواية أحمد ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة فيدنو ويلمس (من غير مسيس) وفي رواية من غير وقاع وهو المراد ههنا (سودة بنت زمعة) هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكان تزوجها وهو بمكة بعد موت خديجة ودخل عليها بها وهاجرت معه (حين أسنت) أي كبرت (وفرقت) بكسر الراء من باب سمع أي خافت (يارسول الله يومي لعائشة) أي نوبتي ووقعت بيتوتي بعد لعائشة والحديث فيه دليل على أنه يجوز للرجل الدخول على من لم يكن في يومها من نسائه والتأنيس لها واللمس والتقبيل وفيه بيان حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وأنه كان خير الناس لأهله وفيه دليل على جواز هبة المرأة نوبتها لضرتها ويعتبر رضي الزوج ولأن له حقا في الزوجة فليس لها أن تسقط حقه إلا برضائه قال المنذري في إسناده عبد الرحمن بن أبي الزناد وقد تكلم فيه غير واحد ووثقه الإمام مالك بن أنس واستشهد به البخاري رضي الله عنه وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة (يستأذنا) وفي بعض النسخ يستأذننا (في يوم المرأة) بإضافة يوم إلى المرأة أي يوم نوبتها إذا أراد أن يتوجه إلى الأخرى (ترجي) بالهمزة والياء قراءتان متواترتان من أرجا مهموزا أو منقوصا أي تؤخر وتترك وتبعد (من تشاء) أي مضاجعة من تشاء (وتؤوي إليك من تشاء) أي تضمها إليك وتضاجعها قال الحافظ في الفتح في تأويل ترجي أقوال
[ 123 ]
أحدها تطلق وتمسك ثانيها تعتزل من شئت من منهن بغير طلاق وتقسم لغيرها ثالثها تقبل من شئت من الواهبات وترد من شئت انتهى قال البغوي أشهر الأقاويل أنه في القسم بينهن وذلك أن التسوية بينهن في القسم كان واجبا عليه فلما نزلت هذه اية سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن (إن كان ذاك) أي الاستئذان (إلي) بتشديد الياء (لم أوثر أحدا على نفسي) قال النووي هذه المنافسة فيه صلى الله عليه وسلم ليست لمجرد الاستمتاع ولمطلق العشرة وشهوات النفوس وحظوظها التي تكون من بعض الناس بل هي منافسة في أمور الآخرة والقرب من سيد الأولين والآخرين والرغبة فيه وفي خدمته ومعاشرته والاستفادة منه وفي قضاء لحقوقه وحوائجه وتوقع نزول الرحمة والوحي عليه عندها ونحو ذلك انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (يزيد بن بابنوس) بموحدتين بينهما ألف ثم نون مضمومة وواو ساكنة وسين مهملة قال الحافظ مقبول من الثالثة (بعث إلى النساء) أي أرسل إليهن أحدا (في مرضه) أي الذي مات فيه (فأذن له) بتشديد النون فكان صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة حتى مات عندها قال المنذري ذكر بعضهم عن أبي حاتم الرازي أنه قال يزيد بن بابنوس مجهول ولم أر ذلك في ما شاهدته من كتاب أبي حاتم لعله ذكره في غيره وذكر البخاري أنه سمع من عائشة وأنه من السبعة الذين قاتلوا عليا رضي الله عنه (إذا أراد سفرا) مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر وليس على عمومه بل لتعين القرعة من يسافر بها وتجري القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين زوجاته فلا يبدأ بأيهن شاء
[ 124 ]
بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة إلا أن يرضين بشئ فيجوز بلا قرعة قاله الحافظ (خرج بها معه) الباء للتعدية أي أخرج النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي خرج سهمها معه صلى الله عليه وسلم في السفر واستدل بالحديث على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة قال القاضي عياض هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنها من باب الخطر والقمار وحكي عن الحنفية إجازتها انتهى قال المنذري أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا باب في الرجل يشترط لها دارها يقول أي يشترط في العقد الإقامة معها في بلدها فهل يجوز له أن يخرجها من بلدها أم لا وظاهر الحديث أنه ليس له ذلك (أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح وقوله أحق الشروط مبتدأ وأن توفوا به بدل من الشروط وما استحللتم به الفروج خبر والظاهر أن المراد به كل ما شرط الزوج ترغيبا للمرأة في النكاح ما لم يكن محظورا ومن لا يقول بالعموم يجمله على المهر أو على جميع ما تستحقه المرأة من الزوج من المهر والنفقة وحسن المعاشرة ونحوها قال النووي قال الشافعي وأكثر العلماء بأن هذا محمول على شروط لا تنافي مقتضى النكاح بل تكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها بالمعروف وأنه لا يقصر في شئ من حقوقها ويقسم لها كغيرها ونحو ذلك وأما شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يقسم لها ولا يتسرى عليها ولا ينفق عليها ولا يسافر بها ونحو ذلك فلا يجب الوفاء به بل يلغوا الشرط ويصح النكاح بمهر المثل لقوله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وقال أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشرط مطلقا لحديث أحق الشروط انتهى وفي المعالم للخطابي كان أحمد بن
[ 125 ]
حنبل وإسحاق يريان أن من تزوج امرأة على أن لا يخرجها من دارها فلا يخرج بها من البلد أو ما أشبه ذلك أن عليه الوفاء بذلك وهو قول الأوزاعي وقد روي معناه عن عمر بن الخطاب وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي إن شاء أن ينقلها عن دارها كان له ذلك وكذلك قال مالك والشافعي انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة في حق الزوج على المرأة (أتيت الحيرة) بكسر الحاء المهملة بلدة قديمة بظهر الكوفة (فرأيتهم) أي أهلها (يسجدون لمرزبان لهم) وهو بفتح الميم وضم الزاي الفارس الشجاع المقدم على القوم دون الملك وهو معرب كذا في النهاية وقيل أهل اللغة يضمون ميمه ثم إنه منصرف وقد لا ينصرف (رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يسجد له) لأنه أعظم المخلوقات وأكرم الموجودات (أرأيت) أي أخبرني (لو مررت بقبري أكنت تسجد له) أي للقبر أو لمن في القبر (قلت لا قال فلا
[ 126 ]
تفعلوا) قال الطيبي رحمه الله أي اسجدوا للحي الذي لا يموت ولمن ملكه لا يزول فإنك إنما تسجد لي الآن مهابة وإجلالا فإذا صرت رهين رمس امتنعت عنه (لو كنت آمر) بصيغة المتكلم وفي بعض النسخ آمرا بصيغة الفاعل أي لو صح لي أن آمر أو لو فرض أني كنت آمر (لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق) وفي بعض النسخ من حق فالتنوين للتكثير والتعريف للجنس وفيه إيماء إلى قوله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم قال المنذري في إسناده شريك بن عبد الله القاضي وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج له مسلم في المتابعات (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) قال ابن أبي حمزة الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع (فلم تأته) من غير عذر شرعي (فبات) أي زوجها لعنتها الملائكة لأنها كانت مأمورة إلى طاعة زوجها غير معصية قيل والحيض ليس بعذر في الامتناع لأن له حقا في الاستمتاع بما فوق الإزار عند الجمهور وبما عدا الفرج عند جماعة (حتى تصبح) أي المرأة أو الملائكة قال القاري والأظهر أن حكم النهار كذلك حتى يمسي فهو من باب الاكتفاء
[ 127 ]
انتهى وقد وقع في رواية عند مسلم والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها ولابن حبان وابن خزيمة ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا يصعد لهم إلى السماء حسنة العبد الآبق الحديث وفيه والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى عنها فهذه الإطلاقات تتناول الليل والنهار قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم في حق المرأة على زوجها (وتكسوها) بالنصب (إذا اكتسيت) قال الطيبي رحمه الله التفات من الغيبة إلى الخطاب اهتماما بثبات ما قصد من الإطعام والكسوة يعني كان القياس أن يقول أن يطعمها إذا طعم فالمراد بالخطاب عام لكل زوج أي يجب عليك إطعام الزوجة وكسوتها عند قدرتك عليهما لنفسك كذا في المرقاة (ولا تضرب الوجه) فإنه أعظم الأعضاء وأظهرها ومشتمل على أجزاء شريفة وأعضاء لطيفة وفيه دليل على وجوب اجتناب الوجه عند التأديب (ولا تقبح) بتشديد الباء أي لا تقل لها قولا قبيحا ولا تشتمها ولا قبحك الله ونحوه (ولا تهجر إلا في البيت) أي لا تتحول عنها أو لا تحولها إلى دار أخرى لقوله تعالى واهجروهن في المضاجع قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (يارسول الله نساؤنا) أي أزواجنا (ما نأتي منهن) أي ما نستمع من أزواجنا (وما نذر) أي
[ 128 ]
وما نترك (ائت حرثك) أي محل الحرث من حليلتك وهو قبلها إذ هو لك بمنزلة الأرض تزرع وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتي حرام (أني شئت) أي كيف شئت من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار بأن يأتيها في قبلها من جهة دبرها وفيه رد على اليهود حيث قالوا من أتى امرأة في قبلها من جهة دبرها جاء الولد أحول (وأطعمها) بفتح الهمزة (إذا طعمت) بتاء الخطاب لا التأنيث (واكسها) بوصل الهمزة وضم السين ويجوز كسرها (إذا اكتسيت) قال العلقمي وهذا أمر إرشاد يدل على أن من كمال المروءة أن يطعهما كلما أكل ويكسوها إذا اكتسى وفي الحديث إشارة إلى أن أكله يقدم على أكلها وأنه يبدأ في الأكل قبلها وحقه في الأكل والكسوة مقدم عليها لحديث ابدأ بنفسك ثم بمن تعول (ولا تقبح الوجه) بتشديد الموحدة أي لا تقل إنه قبيح أو لا تقل قبح الله وجهك أي ذاتك فلا تنسبه ولا شيئا من بدنها إلى القبح الذي هو ضد الحسن لأن الله تعالى صور وجهها وجسمها وأحسن كل شئ خلقه وذم الصنعة يعود إلى مذمة الصانع كذا قال العزيزي في السراج المنير (ولا تضرب) أي ضربا مبرحا مطلقا ولا غير مبرح بغير إذن شرعي كنشوز وظاهر الحديث النهي عن الضرب مطلقا وإن حصل نشوز وبه أخذ الشافعية فقالوا الأولى ترك الضرب مع النشوز كذا قال العزيز قلت يفهم من قوله ولا تضرب الوجه في الحديث السابق ضرب غير الوجه إذا ظهر منها ما يقتضي ضربها كالنشوز أو الفاحشة والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي (عن سعيد بن حكيم بن معاوية) هكذا في بعض النسخ وهو موافق لما في تحفة الأشراف وعليه الاعتماد وفي بعض النسخ عن سعيد عن بهز بن حكيم وفي بعضها عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
[ 129 ]
في ضرب النساء (فإن خفتم نشوزهن) أصل النشوز الارتفاع ونشوز المرأة هو بغضها لزوجها ورفع نفسها عن طاعته والتكبر عليه (فاهجروهن في المضاجع) أي اعتزلوا إلى فراش آخر قال الله تعالى واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن واختلف أهل التفسير في المراد بالهجران فالجمهور على أنه ترك الدخول عليهن والإقامة عندهن على ظاهر الآية وهو من الهجران وهو البعد وظاهره أنه لا يضاجعها وقيل المعنى يضاجعها ويوليها ظهره وقيل يمتنع عن جماعها وقيل يجامعها ولا يكلمها وقيل اهجروهن مشتق من الهجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح أي أغلظوا لهن في القول كذا قال الحافظ في الفتح (قال حماد) هو ابن سلمة قاله المنذري (يعني النكاح) أي الوطء فالمراد بالهجران في المضاجع عند حماد الامتناع من الجماع قال المنذري أبو حرة الرقاشي اسمه حنيفة وقال أبو الفضل محمد بن طاهر عمه حنيفة ويقال حكيم بن أبي زيد وقيل عامر بن عبدة الرقاشي وقال عبد الله بن محمد البغوي عم أبي حرة الرقاشي بلغني أن اسمه حذيم ابن حنيفة وعلي بن زيد هذا هو ابن جدعان المكي نزل البصرة ولا يحتج بحديثه (إياس بن عبد الله بن أبي ذباب) بضم الذال المعجمة قال في الخلاصة له حديث وعنه عبد الله أو عبيد الله بن عبد الله بن عمر فقط ذكره ابن حبان في ثقات التابعين (لا تضربوا إماء الله) جمع أمة أي زوجاتكم فإنهن جوار الله كما أن الرجال عبيد له تعالى (فقال ذئرن النساء) من باب أكلوني البراغيث ومن وادي قوله تعالى وأسروا النجوى أي اجترأن
[ 130 ]
ونشزن وغلبن (فأطاف) هذا بالهمز يقال أطاف بالشئ ألم به وقارنه أي اجتمع ونزل (بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بأزواجه الطاهرات ودل على أن الآل يشمل أمهات المؤمنين (يشكون أزواجهن) أي من ضربهم إياهن (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد طاف) هذا بلا همز قال الطيبي قوله لقد طاف صح بغير همز والأول بهمز وفي نسخ المصابيح كلاهما بالهمز فهو من طاف حول الشئ أي دار (ليس أولئك) أي الرجال الذي يضربون نساءهم ضربا مبرحا أي مطلقا (بخياركم) بل خياركم من لا يضربهن ويتحمل عنهن أو يؤدبهن ولا يضربهن ضربا شديدا يؤدي إلى شكايتهن في شرح السنة فيه من الفقه أن ضرب النساء في منع حقوق النكاح مباح إلا أنه يضرب ضربا غير مبرح ووجه ترتب السنة على الكتاب في الضرب يحتمل أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ضربهن قبل نزول الآية ثم لما ذئرن النساء أذن في ضربهن ونزل القرآن موافقا له ثم لما بالغوا في الضرب أخبر صلى الله عليه وسلم أن الضرب وإن كان مباحا على شكاسة أخلاقهن فالتحمل والصبر على سوء أخلاقهن وترك الضرب أفضل وأجمل ويحكى عن الشافعي هذا المعنى كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقال أبو القاسم البغوي لا أعلم روى إياس بن عبد الله غير هذا الحديث وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه وقال لا يعرف لإياس به صحبة وقال ابن أبي حاتم إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي مدني له صحبة سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك (عبد الرحمن المسلي) بضم الميم وسكون السين المهملة نسبة إلى مسلية من كنانة عن الأشعث بن قيس وعنه داود الأودي (لا يسأل) نفي مجهول (فيما ضرب امرأته) أي إذا راعي شروط الضرب وحدوده قال الطيبي قوله لا يسأل عبارة عن عدم التحرج والتأثم قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه
[ 131 ]
فيما يؤمر به من غض البصر (عن نظرة الفجأة) بالضم والمد وبالفتح وسكون الجيم من غير مد كذا في النهاية أي البغتة قال زين العرب فجأه الأمر فجاءة بالضم والمد وفاجأه إذا جاء بغتة من غير تقدم سبب وقيد بعضهم بصيغة المرة (فقال اصرف بصرك) أي لا تنظر مرة ثانية لأن الأولى إذا لم تكن بالاختيار فهو معفو عنها فإن أدام النظر أتم وعليه قوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم قال القاضي عياض فيه حجة على أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها وإنما ذلك سنة مستحبة لها ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي قال الخطابي في المعالم ويروى أطرق بصرك قال والإطراق أن يقبل ببصره إلى وجهه والصرف أن يفتله إلى الشق الآخر والناحية الأخرى انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (لا تتبع النظرة النظرة) من اتباع أي لا تعقبها إياها ولا تجعل أخرى بعد الأولى (فإن لك الأولى) أي النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد (وليست لك الآخرة) أي النظرة الآخرة لأنها باختيارك فتكون عليك قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك
[ 132 ]
(لا تباشر المرأة المرأة) زاد النسائي في روايته في الثوب الواحد والمباشرة بمعنى المخالطة والملامسة وأصله من لمس البشرة البشرة والبشرة ظاهر جلد الإنسان (لتنعتها) وفي رواية البخاري فتنعتها أي فتصف نعومة بدنها ولينة جسدها (كأنما ينظر إليها) فيتعلق قلبه بها ويقع بذلك فتنة والمنهي في الحقيقة هو الوصف المذكور قال الطيبي المعنى به في الحديث النظر مع اللمس فتنظر إلى ظاهرها من الوجه والكفين وتجس لأن باطنها باللمس وتقف على نعومتها وقد وسمنتها علي فتنعتها عطف على تباشر فالنفي منصب عليهما فيجوز المباشرة بغير التوصيف كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي (فدخل على زينب بنت جحش) أم المؤمنين وكانت أول نسائه صلى الله عليه وسلم موتا وهي أول من وضع على النعش في الاسلام (إن المرأة تقبل) من الإقبال (في صورة شيطان) شبهها بالشيطان في صفة الوسوسة والإضلال فإن رؤيتها من جميع الجهات داعية للفساد (فإنه يضمر ما في نفسه) أي يضعفه ويقلله من الضمور وهو الهزال والضعف كذا في المجمع قال النووي قال العلماء معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بما جعل الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والتلذذ بالنظر إليهن وما يتعلق بهن فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها أن لا تخرج إلا لضرورة ولا تلبس ثيابا فاخرة وينبغي للرجل أن لا ينظر إليها ولا إلى ثيابها وفيه أنه لا بأس بالرجل أن يطلب امرأته إلى الوقاع في النهار وإن كانت مشتغلة بما يمكن تركه لأنه ربما غلبت على الرجل شهوته
[ 133 ]
فيتضرر بالتأخير في بدنه أو قلبه انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي بنحوه (ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة) قال الخطابي يريد بذلك ما عفا الله من صغار الذنوب وهو معنى قوله تعالى الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم وهو ما يلم به الإنسان من صغار الذنوب التي لا يكاد يسلم منها إلا من عصمه الله وحفظه (إن الله كتب) أي أثبت في اللوح المحفوظ (حظه) أي نصيبه (من الزنا) بالقصر على الأفصح قال القاري والمراد من الحظ مقدمات الزنا من التمني والتخطي والتكلم لأجله والنظر واللمس والتخلي وقيل أثبت فيه سببه وهو الشهوة والميل إلى النساء وخلق فيه العينين والقلب والفرج وهي التي تجد لذة الزنا أو المعنى قدر في الأزل أن يجري عليه الزنا في الجملة (أدرك) أي أصاب ابن آدم ووجد (ذلك) أي ما كتبه الله وقدره وقضاه أو حظه (لا محالة) بفتح الميم ويضم أي لا بد له ولا فراق ولا احتيال منه فهو وقع البتة (فزنا العينين النظر) أي حظها على قصد الشهوة فيما لا يحل له (وزنا اللسان المنطق) أي التكلم على وجه الحرمة كالمواعدة (والنفس) أي القلب كما في رواية عند مسلم ولعل النفس إذا طلبت تبعها القلب (تمنى) بحذف أحد التاءين (وتشتهي) لعله عدل عن سنن السابق لإفادة التجدد أي زنا النفس تمنيها واشتهاؤها وقوع الزنا الحقيقي (والفرج يصدق ذلك ويكذبه) قال الطيبي سمى هذه الأشياء باسم الزنا لأنها مقدمات له مؤذنة بوقوعه ونسب التصديق والتكذيب إلى الفرج لأنه منشؤه ومكانه أي يصدقه بالإتيان بما هو المراد منه ويكذبه بالكف عنه وقيل معناه إن فعل بالفرج ما هو المقصود من ذلك فقد صار الفرج مصدقا لتلك الأعضاء أن ترك ما هو المقصود من لك فقد صار الفرج مكذبا وقيل معنى كتب أنه أثبت عليه ذلك بأن خلق له الحواس التي يجد بها لذة ذلك الشئ وأعطاه القوى التي بها يقدر على ذلك الفعل فبالعينين وبما ركب فيهما من القوة الباصرة تجد لذة النظر وعلى هذا وليس المعنى أنه ألجأه إليه وأجبره عليه بل ركز في جبلته حب الشهوات ثم إنه تعالى برحمته وفضله يعصم من يشاء وقيل هذا ليس على عمومه فإن الخواص معصومون عن الزنا ومقدماته ويحتمل أن يبقى على عمومه بأن يقال كتب الله تعالى
[ 134 ]
على كل فرد من بني آدم صدور نفس الزنا فمن عصمه الله عنه بفضله صدر عنه من مقدمات الظاهرة ومن عصمه بمزيد فضله ورحمته عن صدور مقدماته وهم خواص عباده صدر عنه لا محالة بمقتضى الجبلة مقدماته الباطنة وهي تمني النفس واشتهاؤها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (فزناهما البطش) أي الأخذ واللمس ويدخل فيه الكتابة ورمي الحصى عليها ونحوهما (فزناهما المشي) أي إلى موضع الزنا (فزناه القبل) جمع القبلة (والأذن زناها الاستماع) إلى كلام الزانية أو الواسطة قال المنذري وأخرجه مسلم في وطء السبايا جمع السبية وهي المرأة المنهوبة (بعث يوم حنين) بالتصغير واد بين مكة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا وهو مصروف كما جاء في القرآن (بعثا) أي جيشا (إلى أوطاس) بالصرف وقد لا ينصرف موضع أو بقعة على ثلاث مراحل من مكة (فظهروا) أي غلبوا (تحرجوا) أي خافوا الحرج وهو
[ 135 ]
الأثم (من غشيان أي من وطئهن (من أجل أزواجهن من المشركين) أي من أجل أنهن مزوجات والمزوجة لا تحل لغير زوجها فأنزل الله تعالى إباحتهن بقوله (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) المراد بالمحصنات ههنا المزوجات ومعناه والمزوجات حرام على غير أزواجهن إلا ما ملكتم بالسبي فإنه ينفسخ نكاح زوجها الكافر وتحل لكم إذا انقضي استبراؤها (إذا انقضت عدتهن) أي استبراؤهن وهي بوضع الحمل عن الحامل وبحيضة عن الحائل كما جاءت به الأحاديث الصحيحة قال الخطابي في المعالم في الحديث بيان أن الزوجين إذا سبيا معا فقد وقعت الفرقة بينهما كما لو سبي أحدهما دون الآخر وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبو ثور واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم السبي وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج وغيرها ولا عمن كانت سبيت منهن مع الزوج أو وحدها فدل على أن الحكم في ذلك واحد
[ 136 ]
وقال أبو حنيفة إذا سبيا جميعا فهما على نكاحهما وقال الأوزاعي ما كان في المقاسم فهما على نكاحهما فإن اشتراها رجل فشاء أن يجمع بينهما جمع وإن شاء فرق بينهما واتخذها لنفسه بعد أن يستبرئها بحيضة وقد تأول ابن عباس الآية في الأمة يشتريها ولها زوج فقال بيعها طلاقها وللمشتري اتخاذها لنفسه وهو خلاف أقاويل عامة العلماء وحديث بريرة يدل على خلافه انتهى ملخصا قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (فرأى امرأة مجحا) بميم مضمومة وجيم مكسورة فحاء مهملة مشددة أي حامل تقرب ولادتها (ألم بها) أي جامعها والإلمام من كنايات الوطء (لقد هممت) أي عزمت وقصدت (أن ألعنه) أي أدعو عليه بالبعد عن الرحمة (لعنة تدخل معه في قبره) أي يستمر إلى ما بعد موته وإنما هم بلعنه لأنه إذا ألم بأمته التي يملكها وهي حامل كان تاركا للاستبراء وقد فرض عليه (كيف يورثه) أي الولد (وهو) أي توريثه (وكيف يستخدمه) أي الولد (وهو) أي استخدامه قال النووي معنى قوله كيف يورثه الخ أنه قد يتأخر ولادتها ستة أشهر بحيث يحتمل كون الولد من هذا السابي ويحتمل أنه كان ممن قبله فعلى تقدير كونه من السابي يكون ولدا له ويتوارثان وعلى تقدير كونه من غير السابي لا يتوارثان هو والسابي لعدم القرابة بل له استخدامه لأنه مملوكه فتقدير الحديث أنه قد يستلحقه ويجعله ابنا له ويورثه مع أنه لا يحل له توريثه لكونه ليس منه ولا يحل توارثه ومزاحمته لباقي الورثة وقد يستخدمه استخدام العبيد ويجعله عبدا يتملكه مع أنه لا يحل له ذلك لكونه منه إذا وضعته لمدة محتملة كونه من كل واحد
[ 137 ]
منهما فيجب عليه الامتناع من وطئها خوفا من هذا المحظور انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم بنحوه (لا توطأ) بهمز في آخره أي لا تجامع (ولا غير ذات حمل) أي ولا توطأ حائل (حتى تحيض حيضة) بالفتح ويكسر وقوله لا توطأ خبر بمعنى النهي أي لا تجامعوا مسبية حاملا حتى تضع حملها ولا حائلا ذات إقراء حتى تحيض حيضة كاملة ولو ملكها وهي حائض لا تعتد بتلك الحيضة حتى تستبرئ بحيضة مستأنفة وإن كانت لا تحيض لصغرها أو كبرها فاستبراؤها يحصل بشهر واحد أو بثلاثة أشهر فيه قولان للعلماء أصحهما الأول وفيه دليل على أن استحداث الملك يوجب الاستبراء وبظاهره قال الأئمة الأربعة كذا قال القاري نقلا عن ميرك قال المنذري في إسناده شريك القاضي وقد تقدم الكلام عليه (قام) أي رويفع بن ثابت (أن يسقي) بفتح أوله أي يدخل (ماءه) أي نطفته (زرع غيره) أي محل زرع لغيره (يعني) هذا قول رويفع أو غيره أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام (إتيان الحبالى) أي جماعهن قال الخطابي شبه صلى الله عليه وسلم الولد إذا علق بالرحم بالزرع إذا نبت ورسخ في الأرض وفيه كراهية وطء الحبالي إذا كان الحبل من غير الواطئ على الوجوه كلها انتهى
[ 138 ]
(أن يقع على امرأة) أي يجامعها (حتى يستبرئها) أي بحيضة أو بشهر (أن يبيع مغنما) أي شيئا من الغنيمة (حتى يقسم) أي بين الغانمين ويخرج منه الخمس (زاد) أي سعيد بن منصور (فيه) أي في الحديث (بحيضة) أي لفظ بحيضة (وهو) أي زيادة بحيضة (وهم من أبي معاوية وهو) أي زيادة بحيضة (صحيح في حديث أبي سعيد) المذكور بلفظ لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة (فلا يركب دابة من فئ المسلمين) أي غنيمتهم المشتركة من غير ضرورة (حتى إذا أعجفها) أي أضعفها (ردها فيه) أي في الفئ بمعنى المغنم ومفهومه أن الركوب إذا لم يؤد إلى العجف فلا بأس لكنه ليس بمراد بدليل قوله (فلا يلبس ثوبا من فئ المسلمين) أي من غير ضرورة ملجئة (حتى إذا أخلقه) بالقاف أي أبلاه (رده فيه) أي في الفئ والحديث سكت عنه المنذري باب في جامع النكاح (أو اشترى خادما) أي جارية أو رفيقا وهو ذيشمل حتى الذكر والأنثى فيكون تأنيث الضمير فيما
[ 139 ]
سيأتي باعتبار النسمة أو النفس (اللهم إني أسألك خيرها) أي خير ذاتها (وخير ما جبلتها عليه) أي خلقتها وطبعتها عليه من الأخلاق البهية (فليأخذ بذروة سنامه) بكسر الذال ويضم ويفتح أي بأعلاه (زاد أبو سعيد) هي كنية عبد الله بن سعيد (ثم ليأخذ بناصيتها) وهي الشعر الكائن في مقدم الرأس قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقد تقدم الكلام على اختلاف الأئمة في حديث عمرو بن شعيب (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله) أي يجامع امرأته أو سريته ولو هذه يجوز أن تكون للتمني على حد فلو أن لنا كرة والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم تمنى لهم ذلك الخير يفعلونه لتحصل لهم السعادة وحينئذ فيجئ فيه الخلاف المشهور هل يحتاج إلى جواب أو لا وبالثاني قال ابن الصائغ وابن هشام ويجوز أن تكون شرطية والجواب محذوف والتقدير لسلم من الشيطان أو نحو ذلك (قال بسم الله) أي مستعينا بالله وبذكر اسمه (اللهم جنبنا) أي بعدنا (وجنب الشيطان ما رزقتنا) أي حينئذ من الولد وهو مفعول ثان لجنب وأطلق ما على من يعقل لأنها بمعنى شئ كقوله والله أعلم بما وضعت (ثم قدر) وفي بعض النسخ ثم إن قدر (أن يكون بينهما ولد في ذلك) أي الإتيان (لم يضره شيطان أبدا) اختلف في الضرر المنفي بعد الاتفاق على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر وإن كان ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأييد وذلك لما ثبت في الحديث من أن كل ابن آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد إلا مريم وابنها فإن هذا الطعن نوع ضرر في الجملة مع أن ذلك سبب صراخه فقيل المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وقيل المراد لم يصرعه وقيل لم يضره في بدنه وقال ابن
[ 140 ]
دقيق العيد يحتمل أن يضره في دينه أيضا ولكن يبعده انتفاء العصمة وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدا وإن لم يكن ذلك واجبا له وقال الداودي معنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته منه عن المعصية قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (ملعون من أتى امرأة في دبرها) وفي بعض النسخ امرأته والحديث يدل على تحريم إتيان النساء في أدبارهن وإلى هذا ذهبت الأمة إلا القليل للحديث هذا ولأن الأصل تحريم المباشرة إلا لما أحله الله ولم يحل تعالى إلا القبل كما دل له قوله فأتوا حرثكم أنى شئتم وقوله فأتوهن من حيث أمركم الله فأباح موضع الحرث والمطلوب من الحرث نبات الزرع فكذلك النساء الغرض من إتيانهن هو طلب النسل لا قضاء الشهوة وهو لا يكون إلا في القبل فيحرم ما عدا موضع الحرث ولا يقاس عليه غيره لعدم المشابهة في كونه محلا للزرع وأما
[ 141 ]
محل الاستمتاع فيما عدا الفرج فمأخوذ من دليل آخر وهو جواز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج وذهبت الإمامية إلى جواز إتيان الزوجة والأمة بل والمملوك في الدبر وروي عن الشافعي أنه قال لم يصح في تحليله ولا تحريمه شئ والقياس أنه حلال ولكن قال الربيع والله الذي لا إله إلا هو لقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب ويقال إنه كان يقول بحله في القديم وفي الهدي النبوي عن الشافعي أنه قال لا أرخص فيه بل أنهي عنه وقال إن من نقل عن الأئمة إباحته فقد غلط عليهم أفحش الغلط وأقبحه وإنما الذي أباحوه أن يكون الدبر طريقا إلى الوطء في الفرج فيطأ من الدبر لا في الدبر فاشتبه على السامع انتهى كذا في
[ 142 ]
[ . . . ]
[ 143 ]
السبل قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (إذا جامع الرجل أهله في فرجها من
[ 144 ]
ورائها) أي من جهة خلفها (كان ولده) أي الحاصل بذلك الجماع (أحول) في القاموس الحول محركة ظهور البياض في مؤخر العين ويكون السواد في قبل المآق أو إقبال الحدقة على الأنف أو ذهاب حدقتها قبل مؤخرها وأن تكون العين كأنما تنظر إلى الحجاج (حجاج بالفتح والكسر استخوان تعالى) أو أن تميل الحدقة إلى اللحاظ (نساؤكم) أي منكوحاتكم ومملوكاتكم (حرث لكم) أي مواضع زراعة أولادكم يعني هن لكم بمنزلة الأرض المعدة للزراعة ومحله القبل فإن الدبر موضع الفرث لا موضع الحرث (فأتوا حرثكم أنى شئتم) أي كيف شئتم من قيام أو قعود أو اضطجاع أو من ورائها في فرجها والمعنى على أي هيئة كانت فهي مباحة لكم مفوضة إليكم ولا يترتب منها ضرر عليكم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (إن ابن عمر والله يغفر له أوهم) قال الخطابي في المعالم هكذا وقع في الروايات والصواب بغير ألف يقال وهم الرجل بكسر الهاء إذا غلط في الشئ ووهم مفتوحة الهاء إذا ذهب وهمه إلى الشئ وأولاهم بالألف إذا أسقط من قراءته أو كلامه شيئا ويشبه أن يكون قد بلغ ابن عباس عن ابن عمر في تأويل الآية شئ خلاف ما كان يذهب إليه ابن عباس انتهى (وهم أهل وثن) الوثن هو كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب أو الحجارة كصورة الآدمي والصنم الصورة بلا جثة وقيل هما سواء (وكانوا) أي الحي من الأنصار (يرون) أي يعتقدون (لهم) أي ليهود (فضلا عليهم في العلم) لأن اليهود كانوا أهل كتاب (إلا على حرف) أي طرف يعني لا يجامعون إلا على طرف واحد وهي حالة الاستلقاء وقال في
[ 145 ]
المجمع إلا على حرف أي جنب (يشرحون النساء شرحا منكرا) قال الخطابي أي يبسطون وأصل الشرح في اللغة البسط ومنه انشراح الصدر بالأمر وهو انفتاحه ومن هذا قولهم شرحت المسألة إذا فتحت المغلق منها وبينت المشكل من معناها قلت قال في القاموس شرح كمنع كشف فعلى هذا معنى قوله يشرحون النساء أي يكشفونهن فإن وهو الظاهر (يصنع بها ذلك) أي الشرح المتعارف بينهم (حتى شرى أمرهما) شرى كرضى أي ارتفع وعظم وأصله من قولهم شرى البرق إذا لج في اللمعان قاله الخطابي (فأتوا حرثكم أنى شئتم) أي كيف شئتم (أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات) هذا تفسير لمعنى أنى (يعني بذلك) أي بقوله حرثكم (موضع الولد) وهو القبل قال الخطابي في الحديث بيان تحريم إتيان النساء في أدبارهن بغير موضع الولد مع ما جاء من النهي في سائر الأخبار انتهى وقال النووي اتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضا كانت أو طاهرا لأحاديث كثيرة مشهورة قال أصحابنا لا يحل الوطء في الدبر في شئ من الآدميين وغيرهم من الحيوان في حال من الأحوال انتهى والحديث سكت عنه المنذري في إتيان الحائض ومباشرتها (أن اليهود) جمع يهودي كروم ورومي وأصله اليهوديين ثم حذف ياء النسبة كذا قيل وفيه
[ 146 ]
تأمل والظاهر أن اليهود قبيلة سميت باسم جدها يهودا أخى يوسف الصديق واليهودي منسوب إليهم بمعنى واحد منهم (ولم يؤاكلوها) بالهمز ويبدل واوا وقيل إنه لغة (ولم يجامعوها في البيت) أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد (عن ذلك) أي عن فعل يهود المذكور (ويسألونك عن المحيض) أي الحيض ماذا يفعل بالنساء فيه (قل هو أذى) أي قذر (فاعتزلوا النساء) أي اتركوا وطئهن (في المحيض) أي وقته أو مكانه قال في الأزهار المحيض الأول في الآية هو الدم بالاتفاق لقوله تعالى قل هو أذي وفي الثاني ثلاثة أقوال أحدها الدم كالأول والثاني زمان الحيض والثالث مكانه وهو الفرج وهو قول جمهور المفسرين وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثم الأذى ما يتأذى به الإنسان قيل سمي بذلك لأن له لونا كريها ورائحة منتنة ونجاسة مؤذية مانعة عن العبادة كذا في المرقاة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مبينا للاعتزال المذكور في الآية بقصره على بعض أفراده (جامعوهن) أي ساكنوهن النبي (واصنعوا كل شئ) من المؤاكلة والمشاربة والملامسة والمضاجعة (غير النكاح) أي الجماع وهذا تفسير للآية وبيان لقوله فاعتزلوا فإن الاعتزال شامل للمجانبة عن المؤاكلة والمضاجعة (هذا الرجل) يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وعبروا به لإنكارهم النبوة (أن يدع) أي يترك (من أمرنا) أي من أمور ديننا (إلا خالفنا) بفتح الفاء أي لا يترك أمرا من أمورنا إلا مقرونا بالمخالفة كقوله تعالى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (فجاء أسيد بن حضير) بالتصغير فيهما أنصاري أوسي أسلم قبل سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير وكان ممن شهد العقبة الثانية وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد (وعباد بن بشر) هو من بني عبد الأشهل من الأنصار أسلم بالمدينة على يد مصعب أيضا قبل سعد بن معاذ وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها (أفلا ننكحهن) أي أفلا نجامعهن كما في رواية مسلم (فتمعر) أي فتغير (أن قد وجد عليهما) أي غضب (فخرجا) خوفا من الزيادة في
[ 147 ]
التغير أو الغضب (فاستقبلهما هدية) وفي بعض النسخ فاستقبلتهما أي استقبل الرجلين شخص معه هدية يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسناد مجازي (من لبن) من بيانية (فبعث في آثارهما) جمع أثر بفتحتين أي أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عقبهما أحدا فناداهما فجاءاه وزاد في رواية مسلم فسقاهما (فظننا أنه لم يجد عليهما) أي لم يغضب قال الخطابي معناه علمنا وذلك لأنه لا يدعوهما إلى مجالسته ومؤاكلته إلا وهو راض عنهما والظن يكون بمعنيين أحدهما بمعنى الحسبان والآخر بمعنى اليقين فكان اللفظ الأول منصرفا إلى الحسبان والآخر إلى العلم وزوال الشك انتهى والحديث يدل على جواز المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر وممن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن المباشرة فيما بين السرة والركبة حرام وهو قول أكثر العلماء منهم سعيد بن المسيب وشريح وطاؤس وعطاء وسليمان ابن يسار وقتادة وفيها لأصحاب الشافعي ثلاثة وجوه الأشهر منها التحريم والثاني عدم التحريم مع الكراهة والثالث إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج إما لشدة ورع أو لضعف شهوة جاز وإلا لم يجز قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن جابر بن صبح) بضم الصاد المهملة وسكون الباء الموحدة (سمعت خلاسا) بكسر أوله هو ابن عمرو (الهجري) بفتحتين (نبيت في الشعار الواحد) الشعار بالكسر ثوب يلي الجسد لأنه يلي شعره والدثار ثوب فوقه (وأنا حائض طامث) هو بمعنى حائض فهو تأكيد لحائض (فإن أصابه) أي أصاب بدنه (مني شئ) أي شئ من الدم (مكانه) أي مكان الدم (ولم يعده) أي لم يجاوز ذلك المكان والحديث يدل على جواز النوم مع الحائض والاضطجاع
[ 148 ]
معها في لحاف واحد إذا كان هناك حائل يمنع من ملاقاة البشرة فيما بين السرة والركبة أو تمنع الفرج وحده عند من لا يحرم إلا الفرج قال المنذري وأخرجه النسائي (أمرها أن تتزر) بتشديد المثناة الثانية وأصله تأزر بوزن تفتعل وأنكر أكثر النحاة الإدغام حتى قال صاحب المفصل إنه خطأ لكن نقل غيره أنه مذهب الكوفيين وحكاه الصغاني في مجمع البحرين وقال ابن الملك إنه مقصور على السماع كذا في فتح الباري والمراد بذلك أنها تشد إزارا تستر سرتها وما تحتها إلى الركبة فما تحتها والحديث استدل به من قال بتحريم المباشرة بما تحت الإزار قال المنذري وأخرجه البخاري في كفارة من أتى حائضا (في الذي يأتي امرأته وهي حائض) أي فيمن يجامع امرأته في حالة الحيض (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يتصدق بدينار أو نصف دينار) فيه دلالة على ثبوت التصدق بدينار أو نصف دينار
[ 149 ]
لمن جامع امرأته وهي حائض قال في السبل وقد ذهب إلى إيجاب الصدقة الحسن وسعيد لكن قالا يعتق رقبة قياسا على من جامع في رمضان وقال غيرهما بل يتصدق بدينار أو نصف دينار قال الخطابي قال أكثر أهل العلم لا شئ عليه وزعموا أن هذا مرسل أو موقوف وقال ابن عبد البر حجة من لم يوجب اضطراب هذا الحديث وأن الذمة على البراءة ولا يجب أن يثبت فيها شئ لمسكين ولا غيره إلا بدليل لا مدفع فيه ولا مطعن عليه وذلك معدوم في هذه المسألة قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير أما من صح له كابن القطان فإنه أمعن النظر في تصحيحه وأجاب عن طرق الطعن فيه وأقره ابن دقيق العيد وقواه في كتابه الإمام فلا عذر له عن العمل به وأما من لم يصح عنده كالشافعي وابن عبد البر فالأصل براءة الذمة فلا تقوم به الحجة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه (إذا أصابها) أي جامعها (في الدم) وفي بعض الروايات في إقبال الدم (فدينار) أي على المجامع فيه (وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار) قيل إن الحكمة في اختلاف الكفارة
[ 150 ]
بالإقبال والإدبار أنه في أوله قريب عهد بالجماع فلم يعذر فيه بخلافه في آخره فخفف فيه والله تعالى أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي وهذا الحديث قد اضطرب الرواة فيه اضطرابا كثيرا في إسناده ومتنه فروي تارة مرفوعا وتارة موقوفا وتارة مرسلا عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم وتارة معضلا عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم وتارة على الشك دينار أو نصف دينار وتارة على التفرقة بين أول الدم وآخره وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه فإن أتى رجل امرأته حائضا أو بعد تولية الدم ولم تغتسل فليستغفر الله ولا يعد وقد روى فيه شئ لو كان ثابتا أخذنا به ولكنه لا يثبت مثله هذا آخر كلامه وقيل لشعبة رضي الله عنه إنك كنت ترفعه قال إني كنت مجنونا فصححت فرجع عن رفعه بعد ما كان يرفعه انتهى كلام المنذري ما جاء في العزل هو أن يجامع فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج (ذكر) بصيغة المجهول (ذلك) أي العزل (يعني العزل) هذا بيان لذلك (فلم يفعل أحدكم) فإنه لا فائدة له فيه إذ لا مانع عن العلوق إذا أراد الله تعالى (ولم يقل فلا يفعل) أشار
[ 151 ]
إلى أنه لم يصرح لهم بالنهي وإنما أشار أن الأولى ترك ذلك (فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها) أي كل نفس قدر الله خلقها لا بد أن يخلقها سواء عزل أحدكم أم لا فلا فائدة في العزل والحديث يدل على كراهة العزل قال الترمذي بعد ما أخرج هذا الحديث قد كره العزل قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم انتهى (قال أبو داود قزعة مولى زياد) أي ابن أبي سفيان وقزعة بالقاف والزاي وبعدهما مهملة بفتحات هو ابن يحيى البصري عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن عمر وعنه مجاهد وعاصم الأحول وثقه العجلي قال المنذري
[ 152 ]
وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (إن اليهود تحدث أن العزل مؤودة الصغرى) المؤودة هي التي دفنت حية وكانت عادة سراة العرب أن يدفنوا بناتهم إذا ولدت تحرزا عن لحوق العار فقالت اليهود إن العزل أيضا قريب من الوأد لأنه إتلاف نفس ولو بعيدة عن الوجود (قال كذبت يهود) فيه دليل على جواز العزل ولكنه معارض بما في حديث جدامة أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوأد الخفي أخرجه مسلم وجمع بينهما بأن ما في حديث جدامة محمول على التنزيه وتكذيب اليهود لأنهم أرادوا التحريم الحقيقي وقال ابن القيم الذي كذب فيه صلى الله عليه وسلم اليهود هو زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوا بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة وإنما أسماه وأدا خفيا في حديث جدامة بأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل والعزل يتعلق بالقصد فقط فلذلك وصفه بكونه خفيا انتهى (لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه) معناه أنه تعالى إذا قدر خلق نفس فلا بد من خلقها وأنه يسبقكم الماء فلا تقدرون على دفعه ولا ينفعكم الحرص على ذلك فقد يسبق الماء من غير شعور العازل لتمام ما قدره الله
[ 153 ]
قال المنذري اختلف على يحيى بن أبي كثير فيه فقيل عنه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله مختصرا بمعناه وأخرجه الترمذي والنسائي وفي حديثه وقيل فيه عن رفاعة كما ذكرناه وقيل فيه عن أبي مطيع بن رفاعة وقيل فيه عن أبي رفاعة وقيل فيه عن أبي هريرة (في عزوة بني المصطلق) بكسر اللام قبيلة من بني خزاعة من العرب (فأصبنا سبايا من سبي العرب) قال النووي فيه دليل على أن العرب يجري عليهم الرق إذا كانوا الشركين لأن بني المصطلق قبيلة من خزاعة وهو مذهب مالك والشافعي وقال أبو حنيفة والشافعي في القديم لا يجري عليهم الرق لشرفهم (واشتدت علينا العزبة) بضم العين أي قلة الجماع (وأحببنا الفداء) أي احتجنا إلى الوطء وخفنا من الحبل فتصير أم ولد فيمتنع بيعها وأخذ الفداء فيها (فأردنا أن نعزل) أي من السبايا مخافة الحبل (ثم قلنا) أي في أنفسنا أو بعضنا لبعض (نعزل) بحذف الاستفهام (ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا) أي بيننا والجملة حالية معترضة (فسألناه عن ذلك) أي عن العزل أو جوازه (ما عليكم أن لا تفعلوا إلخ) قال النووي
[ 154 ]
معناه ما عليكم ضرر في ترك العزل لأن كل نفس قدر الله خلقها لابد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا وما لم يقدر خلقها لا يقع سواء عزلتم أم لا فلا فائدة في عزلكم انتهى قال في النيل وقع في رواية للبخاري وغيره لا عليكم أن لا تفعلوا قال ابن سيرين هذا أقرب إلى النهي وحكى ابن عون عن الحسن أنه قال والله لكأن هذا زجر قال القرطبي كأن هؤلاء فهموا من لا النهي عما سألوا عنه فكأنه قال لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا ويكون قوله وعليكم إلى آخره تأكيدا للنهي وتعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير وإنما معناه ليس عليكم أن تتركوا وهو الذي يساوي أن لا تفعلوا وقال غيره معنى لا عليكم أن لا تفعلوا أي لا حرج عليكم أن لا تفعلوا ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل فافهم ثبوت الحرج في فعل العزل ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال لا عليكم أن تفعلوا إلا أن يدعي أن لا زائدة فيقال الأصل عدم ذلك انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (إن لي جارية) زاد مسلم هي خادمتنا وسانيتنا (أي التي تسقي لنا شبهها بالبعير في ذلك) (أطوف عليها) أي أجامعها (وأنا أكره أن تحمل) أي تحبل مني (فإنه) أي الشأن (سيأتيها ما قدر لها) أي من الحمل وغيره سواء عزلت أم لا (ثم أتاه) أي النبي صلى الله عليه وسلم
[ 155 ]
قال الخطابي في المعالم في هذا الحديث من العلم إباحة العزل عن الجواري وقد رخص فيه غير واحد من الصحابة والتابعين وكرهه بعض الصحابة وروي عن ابن عباس أنه قال تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الجارية وإليه ذهب أحمد بن حنبل وقال مالك لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها ولا يعزل عن الجارية إذا كانت زوجة إلا بإذن أهلها ويعزل عن أمته بغير إذن وفي الحديث دلالة على أنه أقر بوطء أمته وادعى العزل فإن الولد لاحق به إلا أن يدعي الاستبراء وهذا على قول من يرى الأمة فراشا وإليه ذهب الشافعي رحمه الله انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم باب وإن ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله (حدثني شيخ من طفاوة) بضم الطاء المهملة قال في التقريب الطفاوي شيخ لأبي نضرة لم يسم من الثالثة لا يعرف (تثويت أبا هريرة) أي جئته ضيفا والثوي الضيف وهذا كما تقول تضيفته إذا ضفته قاله الخطابي (أشد تشميرا) أي أكثر اجتهادا في العبادة (وهو) أي أبو هريرة رضي الله عنه (يسبح بها) أي بالحصى أو النوى والمعنى يعد التسبيح بها (إذا نفد) أي
[ 156 ]
فني ولم يبق (ما في الكيس) من النوى أو الحصى (ألقاه إليها) أي ألقى أبو هريرة رضي الله عنه الكيس إلى الجارية (بينا أنا أوعك) بصيغة المجهول من الوعك وهو شدة الحمى (من أحس) أي من أبصر (الفتى الدوسي) يعني أبا هريرة (فقال لي معروفا) أي قولا معروفا (أو صفان من نساء) شك من الراوي (إن نساني) بتشديد السين من باب التفعيل أي أنساني (فليسبح) أي فليقل سبحان الله (القوم) قال الخطابي إسم القوم إنما ينطبق على الرجال دون النساء قال زهير شعإوما كما أدري وسوف أخال أدري أقوم آل حصن أم نساء ويدل على ذلك قوله فليصفق النساء فقابل به النساء فدل أنهن لم يدخلن فيهم ويصحح ذلك قوله تعالى لا يسخر قوم من قوم انتهى (وليصفق النساء) التصفيق ضرب إحدى اليدين على الأخرى وقد مر بيان التسبيح والتصفيق في كتاب الصلاة (مجالسكم مجالسكم) بالنصب أي الزموا مجالسكم (زاد موسى) أي في روايته (ههنا) أي بعد قوله
[ 157 ]
مجالسكم مجالسكم (ثم اتفقوا) أي الرواة (ثم أقبل) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فيقول فعلت كذا فعلت كذا) أي يبين كيفية جماعه ويفشي ما جرى بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع (فجثت) قال في القاموس جثي كدعا ورمي جثوا وجثيا جلس على ركبتيه (فتاة) أي شابة (كعاب) بالفتح المرأة حين يبدو ثديها للنهود وهي الكاعب أيضا وجمعها كواعب (وتطاولت) أي امتدت ورفعت عنقها (ما ظهر ريحه ولم يظهر لونه) كماء الورد والمسك والعنبر (إن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه) كالحناء قال القاري في المرقاة في شرح السنة حملوا قوله وطيب النساء على ما أرادت أن تخرج فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت انتهى ويؤيده حديث أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء انتهى ملخصا (ألا لا يفضين) بضم أوله أي لا يصلن (رجل إلى رجل ولا امرأة إلى امرأة) أي في ثوب واحد والمعنى لا يضطجعان متجردين تحت ثوب واحد قال في المجمع هو نهي تحريم إذا لم يكن بينهما حائل بأن يكونا متجردين وإن كان بينهما حائل فتنزيه انتهى (إلا إلى ولد أو والد) ليس هذا الاستثناء في
[ 158 ]
آخر كتاب النكاح حديث مسلم ولفظه لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد رواه في ضمن حديث (وذكر ثالثة) أي كلمة ثالثة (وهو في حديث مسدد) مرجع هو قوله ألا لا يفضين الخ (وقال موسى أخبرنا حماد الخ) حاصله أن موسى لم يقل في روايته حدثني شيخ من طفاوة كما قال مسدد ومؤمل بل قال عن الطفاوي والحديث يدل على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع وذلك لأن كون الفاعل لذلك بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضي حاجته منها والناس ينظرون من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة إلى الوطء ومقدماته قيل وهذا التحريم هو في نشر أمور الاستمتاع ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع وإفشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقاع وأما مجرد ذكر نفس الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة ومن التكلم بما لا يعني ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه فإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة فلا كراهة في ذكره وذلك نحو أن تنكر المرأة نكاح الزوج لها وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك كما روي أن الرجل الذي ادعت عليه امرأته العنة قال يارسول الله إني لأنفضها نفض الأديم ولم ينكر عليه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي مختصرا لقصة الطيب وقال الترمذي هذا حديث حسن إلا أن الطفاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث ولا يعرف اسمه وقال أبو الفضل محمد بن طاهر والطفاوي مجهول
[ 159 ]
باب في من خبب امرأة على زوجها أي أفسدها بأن يزين إليها عداوة الزوج (أخبرنا عمار بن رزيق) بتقديم الراء المهملة على الزاي المعجمة مصغرا (ليس منا) أي من أتباعنا (من خبب) بتشديد الباء الأولى بعد الخاء المعجمة أي خدع وأفسد (امرأة على زوجها) بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته أو محاسن أجنبي عندها (أو عبدا) أي أفسده (على سيده) بأي نوع من الإفساد وفي معناهما إفساد الزوج على امرأته والجارية على سيدها قال المنذري وأخرجه النسائي في المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له (لا تسأل المرأة طلاق أختها) أي في كونها من بنات آدم (لتستفرغ صحفتها) وفي رواية
[ 160 ]
البخاري لتستفرغ ما في صحفتها والصحفة إناء كالقصعة يعني لتجعل تلك المرأة قصعة أختها خالية عما فيها وهذا كناية عن أن يصير لها ما كان يحصل لضرتها من النفقة وغيرها (ولتنكح) عطف على لتسفرغ هو وكلاهما علة للنهي أي لتجعل صحفتها فارغة لتفوز بحظها وتنكح زوجها وقال العلامة ابن الملك في شرح المشارق قوله ولتنكح بالنصب بصيغة المعلوم يعني لتنكح طالبة الطلاق زوج تلك المطلقة وإن كانت الطالبة والمطلوبة تحت رجل يحتمل أن يعود ضميره إلى المطلوبة يعني لتنكح ضرتها زوجا آخر فلا تشترك معها فيه وروي على صيغه المجهول يعني لتجعل منكوحة له وروي ولتنكح بصيغة الأمر المعلوم أو المجهول عطفا على قوله لا تسأله يعني لتثبت تلك المرأة المنكوحة على نكاحها الكائن مع الضرة قانعة بما يحصل لها فيه أو معناه ولتنكح تلك المرأة الغير المنكوحة زوجا غير زوج أختها ولتترك ذلك الزوج لها أو معناه لتنكح تلك المخطوبة زوج أختها ولتكن ضرة عليها إذا كانت صالحة للجمع معها من غير أن تسأل طلاق أختها (فإنما لها ما قدر لها) يعني أن الله تعالى يوصل إلى تلك المرأة ما قدر لها من النفقة وغيرهما سواء كانت منفردة أو مع أخرى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وأخرجه مسلم من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كراهية الطلاق (أخبرنا معرف) بكسر الراء المشددة هو ابن واصل السعدي الكوفي ثقة من السادسة (ما أحل الله) ما نافية (شيئا أبغض إليه من الطلاق) فيه دليل على أن ليس كل حلال محبوبا بل ينقسم إلى ما هو محبوب وإلى ما هو مبغوض قال الخطابي في المعالم معنى الكراهية فيه منصرف إلى السبب الجالب للطلاق وهو سوء العشرة وقلة الموافقة الداعية إلى الطلاق لا إلى
[ 161 ]
نفس الطلاق فقد أباح الله تعالى الطلاق وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طلق بعض نسائه ثم راجعها وكانت لابن عمر امرأة يحبها وكان عمر يكره صحبته إياها فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا به فقال يا عبد الله طلق امرأتك فطلقها وهو لا يأمر بأمر يكرهه الله سبحانه انتهى قال المنذري هذا مرسل (أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق) قيل كون الطلاق مبغوضا مناف لكونه حلالا فإن كونه مبغوضا يقتضي رجحان تركه على فعله وكونه حلالا يقتضي مساواة تركه لفعله وأجيب بأن المراد بالحلال ما ليس تركه بلازم الشامل للمباح والواجب والمندوب والمكروه وقد يقال الطلاق حلال لذاته والأبغضية وسلم لما يترتب عليه من انجراره إلى المعصية قال المنذري وأخرجه ابن ماجه والمشهور فيه المرسل وهو غريب وقال البيهقي في رواية ابن أبي شيبة يعني محمد بن عثمان عن عبد الله بن عمر ولا أراه يحفظه في طلاق السنة قال الإمام البخاري في صحيحه طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع ويشهد شاهدين انتهى وقال الحافظ في الفتح روى الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن قال في الطهر من غير جماع وأخرجه عن جمع من الصحابة ومن بعدهم كذلك انتهى (أنه طلق امرأته) اسمها آمنة بنت غفار أو بنت عمار وفي مسند أحمد أن اسمها النوار قال الحافظ فيمكن أن يكون اسمها آمنة ولقبها النوار (وهي حائض) جملة حالية معترضة (على عهد) أي في عهد (عن ذلك) أي عن حكم طلاقه (مره فليراجعها) أمر استحباب عند جمع من الحنفية قال العيني وبه قال الشافعي وأحمد وقال
[ 162 ]
صاحب الهداية الأصح أن المراجعة واجب عملا بحقيقة الأمر ورفعا للمعصية بالقدر الممكن (ثم ليمسكها حتى تطهر) أي من الحيضة التي طلقها فيها (ثم تحيض) أي حيضة أخرى (ثم تطهر) أي من الحيضة الثانية (ثم إن شاء أمسك بعد ذلك) أي بعد الطهر من الحيضة الثانية (وإن شاء طلق) أي في الطهر الثاني (قبل أن يمس) أي قبل أن يجامع وقد اختلف في الحكمة في الأمر بالإمساك كذلك فقال الشافعي يحتمل أن يكون أراد بذلك أي بما في رواية نافع أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام ثم حيض تام ليكون تطليقها وهي تعلم عدتها إما بحمل أو بحيض أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل وهو غير جاهل بما صنع أو ليرغب في الحمل إذا انكشفت حاملا فيمسكها لأجله وقيل الحكمة في ذلك أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق فإذا أمسكها زمانا يحل له فيه طلاقها ظهرت فائدة الرجعة لأنه قد يطول مقامه معها فيجامعها فيذهب ما في نفسه فيمسكها كذا في النيل (فتلك العدة التي أمر الله) أي في قوله فطلقوهن لعدتهن (أن تطلق لها النساء) قال الخطابي في المعالم ما حاصله إن اللام في قوله لها بمعنى في كما يقول القائل كتبت لخمس ليال خلون من الشهر أي في وقت خلا فيه من الشهر خمس ليال وقوله تلك إشارة إلى ما ولي الكلام المتقدم وهو الطهر أي فالأظهار عنه أو حالة الطهر العدة التي أمر الله أن تطلق فيها النساء ففي الحديث بيان أن الأقراء التي تعتد بها هي الأطهار دون الحيض واعلم أنه استدل الشافعية ومن وافقهم بقوله فتلك العدة الخ على أن عدة المطلقة هو ثلاثة أطهار قالوا لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلقها في الطهر وجعله العدة ونهاه أن يطلق في الحيض وأخرجه من أن يكون عدة ثبت بذلك أن الأقراء هي الأطهار وأجاب الطحاوي بأنه ليس المراد ههنا بالعدة هو العدة المصطلحة الثابتة بالكتاب التي هي ثلاثة قروء بل عدة طلاق النساء أي وقته وليس أن ما يكون عدة تطلق لها النساء يجب أن يكون العدة التي تعتد بها النساء وقد جاءت العده لمعان وفيه ما فيه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (طلق امرأة له وهي حائض تطليقة) ظهر بهذه الرواية أنه إنما كان ابن عمر طلق امرأته في
[ 163 ]
الحيض تطليقة واحدة (فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت) فيه جواز الطلاق حال الطهر ولو كان هو الذي يلي الحيضة التي طلقها فيها وبه قال أبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد الوجهين عن الشافعية وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعية في الوجه الآخر وأبو يوسف ومحمد إلى المنع واستدل القائلون بالجواز بظاهر هذه الرواية وبأن المنع إنما كان لأجل الحيض فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الأطهار واستدل المانعون بالرواية الأولى ففيها نص أنه لا يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي كان طلق فيها بل في الطهر التالي للحيضة الأخرى (أو وهي حامل) قال الخطابي فيه بيان أنه إذا طلقها وهي حامل فهو مطلق للسنة ويطلقها في أي وقت شاء في الحمل وهو قول كافة العلماء واختلف أصحاب الرأي فيها فقال أبو حنيفة وأبو يوسف يجعل بين وقوع التطليقتين شهرا حتى يستوفي التطليقات الثلاث وقال محمد بن الحسن وزفر لا يوقع عليها وهي حامل أكثر من تطليقة واحدة ويتركها حتى تضع حملها ثم يوقع سائر التطليقات انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فتغيظ) فيه دليل على حرمة الطلاق في الحيض لأنه صلى الله عليه وسلم لا يغضب بغير حرام كذا قال علي القاري (ثم إن شاء طلقها طاهرا) قال في الفتح اختلف الفقهاء في المراد بقوله طاهرا هل المراد انقطاع الدم أو التطهر بالغسل على قولين وهما روايتان عن أحمد والراجح الثاني لما أخرجه النسائي بلفظ مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها (كما أمر الله تعالى) أي بقوله فطلقوهن
[ 164 ]
لعدتهن قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (كم طلقت امرأتك فقال واحدة) فيه نص على أنه طلقها واحدة وقد تظاهرت روايات مسلم بأنها طلقة واحدة والحديث سكت عنه المنذري (تعرف ابن عمر) وفي بعض النسخ أتعرف بذكر همزة الاستفهام (فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته) حكى عن نفسه بلفظ الغيبة (في قبل عدتها) بضمتين أي في إقباله وأوله (فمه) أي فماذا للاستفهام فأبدل الألف هاء للوقف أي فما يكون وإن لم يحتسب بتلك الطلقة أو هو كلمة زجر أن انزجر عنه فإنه لا شك في وقوع الطلاق وكونه محسوبا في عدد الطلاق (أرأيت) أي أخبرني (إن عجز) أي عن فرض فلم يقمه (واستحمق) فلم يأت به أيكون ذلك عذرا له وقال النووي الهمزة في أرأيت للاستفهام الانكاري أن نعم يحتسب الطلاق ولا يمنع احتسابه لعجزه وحماقته وقال الخطابي في المعالم فيه حذف وإضمار كأنه يقول أرأيت إن عجز واستحمق أيسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه قال وفي الحديث بيان أن طلاق الحائض واقع ولولا أنه قد وقع لم يكن لأمره في المراجعة معنى وقال النووي قد أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها فلو طلقها أثم ووقع طلاقه ويؤمر بالرجعة وشذ بعض أهل الظاهر فقال لا يقع طلاقه والصواب الأول وبه قال العلماء كافة انتهى قلت قد أطال ابن القيم في زاد المعاد في إثبات أن طلاق الحائض لا يقع فعليك أن تطالعه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 165 ]
(أنه) أي أبو الزبير (سمع عبد الرحمن بن أيمن) بنصب الدال مفعول (مولى عروة) بدل من عبد الرحمن (يسأل) أي عبد الرحمن (ابن عمر) بالنصب (وأبو الزبير يسمع) جملة حالية (قال) أي عبد الرحمن (كيف ترى) الخطاب لابن عمر رضي الله عنهما (ولم يرها شيئا) أي لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك التطليقة شيئا يعتد به وفيه دليل لمن قال إن طلاق الحائض لا يقع والقائلون بوقوع طلاق الحائض قالوا إن قوله ولم يرها شيئا منكر لم يقله غير أبي الزبير قال الخطابي قال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يرها شيئا باتا تحرم معه المراجعة ولا يحل له إلا بعد زوج أو لم يرها شيئا جائزا في السنة ماضيا في حكم الاختيار وإن كان لازما له على سبيل الكراهة والله أعلم انتهى وأبو داود أيضا قد أشار إلى نكارة قوله ولم يرها شيئا حيث قال والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 166 ]
(قال أبو داود وروي هذا الحديث عن ابن عمر الخ) حاصل كلامه أن هذا الحديث أي حديث ابن عمر في تطليقه امرأته حائضا رواه عنه يونس بن جبير وأنس ابن سيرين وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم وأبو الزبير ومنصور وفي روايات هؤلاء كلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر أي من الحيضة التي طلقها فيها ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وليس في رواياتهم ذكر حيضة أخرى سوى التي طلقها فيها ومثل هؤلاء رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر وروى هذا الحديث الزهري عن سالم عن ابن عمر ونافع عنه وفي روايتهما أن
[ 167 ]
النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر أي من الحيضة التي طلقها فيها ثم تحيض أي حيضة أخرى سوى التي طلقها فيها ثم تطهر أي من الحيضة الثانية ثم إن شاء طلق أو أمسك ففي روايتهما زيادة وروي عن عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر مثل روايتهما (والأحاديث
[ 168 ]
كلها على خلاف ما قال أبو الزبير) أي في قوله ولم يرها شيئا قال المنذري وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه وقال أبو سليمان الخطابي حديث يونس بن جبير أثبت من هذا وقال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا وقال أبو عمر النمري ولم يقله عنه أحد غير أبي الزبير وقد رواه عنه جماعة جلة فلم يقل ذلك واحد منهم وأبو الزبير ليس بحجة في من
[ 169 ]
خالفه فيه مثله فكيف بخلاف من هو أثبت منه وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يرها شيئا باتا تحرم معه المراجعة إلى آخر ما نقلت كلام الخطابي تحت قوله ولم يرها شيئا
[ 170 ]
[ . . . . . ]
[ 171 ]
[ . . . . ]
[ 172 ]
[ . . . ]
[ 173 ]
[ . . . . ]
[ 174 ]
[ . . . . . ]
[ 175 ]
[ . . . . ]
[ 176 ]
[ . . . ]
[ 177 ]
[ . . . . ]
[ 178 ]
[ . . . . ]
[ 179 ]
[ . . . ]
[ 180 ]
[ . . . . ]
[ 181 ]
الرجل يراجع ولا يشهد إن (عن يزيد الرشك) بكسر المهملة وإسكان المعجمة هو ابن أبي يزيد الضبعي (ثم يقع بها) أي يجامعها للرجعة (ولا تعد) نهي عن العود إلى ترك الإشهاد وقد استدل بالحديث من قال بوجوب الإشهاد على الراجعة وقد ذهب إلى عدم وجوب الإشهاد في الرجعة أبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه واستدل لهم بحديث ابن عمر السالف فإن فيه أنه قال صلى الله عليه وسلم فليراجعها ولم يذكر الإشهاد وقال مالك والشافعي إنه يجب الإشهاد في الرجعة والإحتجاج بحديث الباب لا يصلح للاحتجاج لأنه قول صحابي في أمر من مسارح الاجتهاد وما كان كذلك فليس بحجة لولا ما وقع من قوله طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة هذا تلخيص ما في النيل قال المنذري وأخرجه ابن ماجه
[ 182 ]
في سنة طلاق العبد (أنه استفتى ابن عباس) أي أنه طلب الفتوى من ابن عباس (في مملوك كانت تحته مملوكة) أي كانت في نكاحه (فطلقها) أي طلق المملوك المملوكة (ثم عتقا) بصيغة المجهول (بعد ذلك) أي بعد الطلاق (هل يصلح له) أي هل يجوز للمملوك (أن يخطبها) من الخطبة بالكسر (قال) أي ابن عباس (نعم) أي يجوز له قال الخطابي في المعالم لم يذهب إلى هذا أحد من العلماء فيما أعلم وفي إسناده مقال ومذهب عامة الفقهاء أن المملوكة إذا كانت تحت مملوك فطلقها تطليقتين أنها لا تصلح له إلا بعد زوج قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وأبو الحسن هذا قد ذكر بخير وصلاح وقد وثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان غير أن الراوي عنه عمر بن معتب وقد قال علي بن المديني عمر بن المعتب منكر الحديث وسئل أيضا عنه فقال مجهول لم يرو عنه غير يحيى يعني ابن أبي كثير وقال أبو عبد الرحمن النسائي عمر بن معتب ليس بالقوي وقال الأمير أبو نصر منكر الحديث هذا آخر كلامه ومعتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد التاء ثالث الحروف وكسرها وبعدها باء موحدة انتهى كلام المنذري (بإسناده ومعناه بلا إخبار) أي بإسناد الحديث المذكور ومعناه لكن بصيغة العنعنة دون صيغة الإخبار (بقيت لك واحدة) أي تطليقة واحدة لأنها صارت حرة وطلاقها ثلاثة (قال ابن
[ 183 ]
المبارك لعمر من أبو الحسن هذا لقد تحمل صخرة عظيمة الخ) ليست هذه العبارة في رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكرها المنذري رحمه الله وذكرها الخطابي ثم قال بعد ذلك يريد بذلك إنكار ما جاء به من هذا الحديث (طلاق الأمة) مصدر مضاف لمفعوله أي تطليقها (تطليقتان وقروؤها إلا حيضتان) وفي الرواية الآتية وعدتها حيضتان
[ 184 ]
قال الخطابي في المعالم اختلف العلماء في هذا فقالت طائفة الطلاق بالرجال والعدة بالنساء روي ذلك عن ابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس وإليه ذهب عطاء ابن أبي رباح وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق فإذا كانت أمة تحت حر فطلاقها ثلاث وعدتها قراءان فيه وإن كانت حرة تحت عبد فطلاقها ثنتان وعدتها ثلاثة أقراء في قول هؤلاء وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري الحرة تعتد ثلاثة أقراء كانت تحت حر أو عبد وطلاقها ثلاث كالعدة والأمة تعتد قرءين وتطلق تطليقتين سواء كانت تحت حر أو عبد والحديث حجة لأهل العراق إن ثبت ولكن أهل الحديث ضعفوه ومنهم من تأوله على أن يكون الزوج عبدا انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال أبو داود هو حديث مجهول وقال الترمذي حديث غريب ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعلم له في العلم غير هذا الحديث هذا آخر كلامه وقد ذكر له أبو أحمد بن عدي حديثا آخر رواه عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر آل عمران كل ليلة
[ 185 ]
قلت ومظاهر هذا مخزومي مكي ضعفه أبو عاصم النبيل وقال يحيى بن معين ليس بشئ مع أنه لا يعرف وقال أبو حاتم الرازي منكر الحديث وقال الخطابي والحديث حجة لأهل العراق إن ثبت ولكن أهل الحديث ضعفوه ومنهم من تأوله على أن يكون الزوج عبدا وقال البيهقي لو كان ثابتا قلنا به إلا أنا لا نثبت حديثا يرويه من تجهل عدالته وبالله التوفيق هذا آخر كلامه ومظاهر بضم الميم وفتح الظاء المعجمة وبعد الألف هاء مكسورة وراء مهملة في الطلاق قبل النكاح (لا طلاق إلا فيما تملك) أي لا صحة له وقد وقع الإجماع على أنه لا يقع الطلاق الناجز على الأجنبية وأما التعليق نحو أن يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق فذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أنه لا يقع وحكي عن أبي حنيفة وأصحابه أنه يصح التعليق مطلقا وذهب مالك في المشهور عنه وربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى إلى التفصيل وهو أنه إن جاء بحاصر نحو أن يقول كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو بلد كذا فهي طالق صح الطلاق ووقع وإن عمم لم يقع شئ وهذا التفصيل لا وجه له إلا مجرد الاستحسان كما أنه لا وجه للقول بإطلاق الصحة والحق أنه لا يصح الطلاق قبل النكاح
[ 186 ]
مطلقا كذا في النيل (زاد ابن الصباح) أي في روايته (ولا وفاء نذر إلا فيما تملك) فلو قال لله علي أن أعتق هذا العبد ولم يكن ملكه وقت النذر لم يصح النذر فلو ملكه بعد هذا لم يعتق عليه كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه بنحوه وقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الترمذي حديث حسن وهو أحسن شئ روي في هذا الباب وقال أيضا سألت محمد بن إسماعيل فقلت أي شئ أصح في الطلاق قبل النكاح فقال حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال الخطابي وأسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره وأجراه على عمومه إذ لا حجة مع من فرق بين حال وحال والحديث حسن انتهى كلام المنذري (من حلف على معصية فلا يمين له ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له) وهو تخصيص بعد تعميم كالحلف على ترك الكلام مع أخيه قال الخطابي هذا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون أراد به اليمين المطلقة من الأيمان فيكون معنى قوله لا يمين له أي لا يبر بيمينه لكن يحنث ويكفر كما روي أنه قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه والوجه الآخر أن يكون أراد به النذر الذي مخرجه مخرج اليمين كقوله إن فعلت فلله على أن أذبح ولدي فإن هذه يمين باطلة لا يلزم الوفاء بها ولا يلزمه فيها كفارة ولا فدية وكذلك فيمن نذر أن يذبح ولده على سبيل التبرر والتقرب فالنذر لا ينعقد فيه والوفاء به لا يلزم به وليس فيها كفارة والله أعلم (ولا نذر إلا فيما ابتغى به وجه الله تعالى) أي في الطاعة لا في المعصية
[ 187 ]
في الطلاق على غلط قال في فتح الودود وقع في بعض النسخ على غيظ بدل قوله على غلط أي في حالة الغضب وهكذا في كثير من النسخ وفي بعضها على غلط فالمعنى في حاله يخاف عليه الغلط وهي حالة الغضب والأقرب أنه غلط والصواب غيظ والله أعلم ثم الطلاق في غيظ واقع عند الجمهور وفي رواية عن الحنابلة أنه لا يقع والظاهر أنه مختار المصنف رحمه الله تعالى انتهى قلت وفي بعض النسخ الموجودة عندي على غضب بدل قوله على غلط وفي نسخة الخطابي على إغلاق (كان يسكن إيليا) قال في المجمع هو بالمد والقصر مدينة بيت المقدس (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) وفي بعض النسخ في غلاق (قال أبو داود الغلاق أظنه في الغضب) فعند المصنف رحمه الله معنى الإغلاق الغضب وفسره علماء الغريب بالإكراه وهو قول ابن قتيبة والخطابي وابن السيد وغيرهم وقيل الجنون واستبعده المطرزي وقيل الغضب وكذا فسره أحمد ورده ابن السيد فقال لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق لأن أحدا لا يطلق حتى يغضب وقال أبو عبيد الإغلاق التضييق كذا في التلخيص والحديث أخذ به من لم يوقع الطلاق والعتاق من المكره وهو
[ 188 ]
مالك والشافعي وأحمد وعند الحنفية يصح طلاقه وعتاقه قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده محمد بن عبيد بن صالح المكي وهو ضعيف والمحفوظ فيه إغلاق وفسروه بالإكراه لأن المكره يغلق عليه أمره وتصرفه وقيل كأنه يغلق عليه ويحبس ويضيق عليه حتى يطلق وقيل الإغلاق ههنا الغضب كما ذكره أبو داود وقيل معناه النهي عن إيقاع الطلاق الثلاث كله في دفعة واحدة لا يبقى منه شئ ولكن ليطلق للسنة كما أمر انتهى في الطلاق على الهزل (عن ابن ماهك) بفتح الهاء هو يوسف بن ماهك الفارسي المكي (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد) الهزل أن يراد بالشئ غير ما وضع له بغير مناسبة بينهما والجد ما يراد به ما وضع له أو ما صلح له اللفظ مجازا (النكاح والطلاق والرجعة) بكسر الراء وفتحها ففي القاموس بالكسر والفتح عود المطلق إلى طليقته وفي المشارق للقاضي عياض ورجعة المطلقة فيها الوجهان والكسر أكثر وأنكر ابن مكي الكسر ولم يصب قال الخطابي اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان انسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول كنت لاعبا أو هازلا أو لم أنوه طلاقا أو ما أشبه ذلك من الأمور واحتج بعض العلماء في ذلك بقول الله سبحانة وتعالى ولا تتخذوا آيات الله هزوا وقال لو أطلق للناس ذلك لتعطلت الأحكام ولم يؤمن مطلق أو ناكح أو معتق أن يقول كنت في قولي هازلا فيكون في ذلك
[ 189 ]
إبطال حكم الله تعالى وذلك غير جائز فكل من تكلم بشئ مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه ولم يقبل منه أن المدعي خلافه وذلك تأكيد لأمر الفروج واحتياط له والله أعلم انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن غريب هذا آخر كلامه وقال أبو بكر المعافري روي فيه والعتق ولم يصح شئ منه فإن كان أراد ليس منه شئ على شرط الصحيح فلا كلام وإن أراد أنه ضعيف ففيه نظر فإنه يحسن كما قال الترمذي باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث (والمطلقات يتربصن) أي ينتظرن (ثلاثة قروء) جمع قرء بالفتح وهو الطهر أو الحيض قولان (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) من الولد أو الحيض (ا ية) بالغصب أي أتم الآية وتمام الآية (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا كلمة إن وصلية (فنسخ ذلك) أي كون الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلقها ثلاثا (فقال الطلاق مرتان الآية) أي التطليق الشرعي مرة بعد مرة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة وفي رواية النسائي (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) أي فعليكم إمساكهن بعد
[ 190 ]
التطليقتين بأن تراجعوهن من غير ضرار أو إرسالهن بإحسان قال في معالم التنزيل روي عن عروة بن الزبير قال كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عد وكان الرجل يطلق امرأته فإذا قاربت انقضاء دتها صلى راجعها ثم طلقها كذلك ثم راجعها يقصد مضارتها فنزلت الطلاق مرتان يعني الطلاق الذي يملك الرجعة عقيبه مرتان فإذا طلق ثلاثا فلا تحل له إلا بعد نكاح زوج آخر انتهى واعلم أن نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث إنما هو إذا كانت مفرقة في ثلاثة أطهار وأما إذا كانت في مجلس واحد فهي واحدة لحديث ابن عباس كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة رواه مسلم وسيأتي في هذا الكتاب أيضا فيجوز للرجل أن يراجع امرأته بعد ما طلقها ثلاثا في مجلس واحد كما يجوز له الرجعة بعد ما طلقها واحدة فإن قلت يجوز لأحد أن يدعي أن حديث ابن عباس الذي يدل على كون التطليقات الثلاث المرسلة في مجلس واحد واحدة منسوخ أيضا بحديث الباب فما الجواب قلت دعوى نسخ حديث ابن عباس موقوف على ثبوت معارض مقاوم متراخ فأين هذا وأما حديث الباب فلو صح لم يكن فيه حجة فإنه إنما فيه أن الرجل كان يطلق امرأته ويراجعها بغير عدد فنسخ ذلك وقصر على ثلاث فيها تنقطع الرجعة فأين في ذلك الإلزام بالثلاث بفم واحد ثم كيف يستمر المنسوخ على عهد رسول الله وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنه لا تعلم به الأمة وهو من أهم الأمور المتعلقة بحل الفروج ثم كيف يقول عمر رضي الله عنه إن الناس قد استعجلوا في شئ كانت لهم فيه أناة وهل للأمة أناة في المنسوخ بوجه ما ثم كيف يعارض الحديث الصحيح بحديث الباب الذي فيه علي بن الحسين بن واقد وهو ضعيف قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده علي بن الحسين ابن واقد وفيه مقال
[ 191 ]
(وإخوته) بالجر عطف على ركانة أي وأبو إخوة ركانة (أم ركانة) بالنصب مفعول طلق (فقالت ما يغني) أي أبو ركانة (إلا كما تغني هذه الشعرة) تريد أنه عنين (فأخذت النبي حمية) بالرفع على الفاعلية أي غيرة وغضب (أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد) أي أن ركانة وإخوته متشابهون في الخلقة والصورة فهم أولاده ولا شك في رجوليته وليس كما زعمت امرأته المزنية (ففعل) أي فطلقها (أم ركانة) بالنصب بدل من امرأتك (وإخوته) بالجر أي وأم إخوته (طلقها ثلاثا) أي في مجلس واحد (قد علمت راجعها) أي قد علمت أنك طلقتها ثلاثا ولكن الطلاق الثلاث في مجلس واحد واحدة فراجعها ولفظ أحمد طلق ركانة امرأته في مجلس واحد ثلاثا فحزن عليها فقال له رسول الله فإنها واحدة والحديث يدل على أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد تقع واحدة ويجوز له أن يراجعها وهو الحق الثابت عن رسول الله وسيجئ تحقيق هذه المسألة إن شاء الله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء
[ 192 ]
الخطاب للنبي بلفظ الجمع أو على إرادة ضم أمته إليه والتقدير يا أيها النبي وأمته وقيل هو على إضمار قل أي قل لأمتك والثاني أليق فخص النبي عليه الصلاة والسلام بالنداء لأنه إمام أمته اعتبارا بتقدمه وعمم بالخطاب كما يقال لأمير القوم يا فلان افعلوا كذا قال الحافظ في الفتح فطلقوهن لعدتهن أي عند ابتداء شروعهن في العدة واللام للتوقيت كما يقال لقيته لليلة بقيت من الشهر قال مجاهد في قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن قال ابن عباس في قبل عدتهن أخرجه الطبري بسند صحيح قاله الحافظ (وحديث نافع بن عجير) مبتدأ وخبره قوله أصح وحديث نافع بن عجير يأتي في باب في ألبتة (وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة) بالجر عطف على نافع أي وحديث عبد الله بن علي وحديثه أيضا يأتي في الباب المذكور (أصح) أي من حديث ابن عباس المذكور والحاصل أن حديث نافع بن عجير وحديث عبد الله بن علي الآتيين أصح من حديث ابن عباس المذكور وبين وجه كونهما أصح منه بقوله (لأنهم ولد الرجل الخ) وحاصله أن نافع ابن عجير وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة من أولاد ركانة وهما
[ 193 ]
قد بينا في حديثهما أن ركانة إنما طلق امرأته ألبتة فحديثهما أصح لأن أولاد الرجل أعلم بما جرى به من غيرهم والمؤلف رحمه الله يعيد كلامه هذا بعد ذكر حديثهما في باب في ألبتة وهناك يظهر لك ما فيه قال المنذري قال الخطابي في إسناد هذا الحديث مقال لأن ابن جريج إنما رواه عن بعض بني أبي رافع ولم يسمه والمجهول لا تقوم به الحجة وحكى أيضا أن الإمام أحمد بن حنبل كان يضعف طرق هذا الحديث كلها انتهى الا (متى ظننت أنه رادها إليه) أي حتى ظننت أن ابن عباس يرد المرأة إلى ذلك الرجل (فيركب الحموقة) أي يفعل فعل الأحمق (عصيت ربك) أي بتطليقك وقال الثلاث دفعة (فطلقوهن في قبل عدتهن) قال النووي هذه قراءة ابن عباس وابن عمر وهي شاذة لا يثبت قرآنا بالأجماع ولا يكون لها حكم خبر الواحد عندنا محقق الأصوليين انتهى وقال الحافظ نقلت هذه القراءة أيضا من أبي وعثمان وجابر وعلي بن الحسين وغيرهم انتهى وفتوى ابن عباس هذا يدل على أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا مجموعة بانت منه لكن هذا رأيه وروايته المرفوعة الصحيحة الآتية في هذا الباب تدل على أنها لا تبين منه بل تكون الطلاق الثلاث المجموعة واحدة رجعية والمعتبر هو رواية الراوي لا رأيه كما تقرر في مقره وأيضا سيأتي عن ابن عباس بسند صحيح أنه قال أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة ففتوى ابن عباس هذا يناقض فتواه الأول فإذن لم يبق الاعتبار إلا على روايته ثم أورد أبو داود عدة متابعات لفتوى ابن عباس وقال (قال أبو داود روى هذا الحديث
[ 194 ]
حميد الأعرج وغيره عن مجاهد عن ابن عباس) هذا هو المتابع الأول (ورواه شعبة إلى قوله عن ابن عباس) هو المتابع الثاني (وأيوب وابن جريج إلى عن ابن عباس) أي روى هذا الحديث أيوب وابن جريج الخ وهو الثالث من المتابعات (وابن جريج عن عبد الحميد إلى عن ابن عباس) أي روى هذا الحديث ابن جريج الخ وهو الرابع من المتابعات (ورواه الأعمش إلى عن ابن عباس) هو الخامس من المتابعات (وابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس) هو السادس من المتابعات (كلهم قالوا في الطلاق الثلاث أنه أجازها) أي أمضاها ولم يقل إنها واحدة (قال وبانت منك) هذا بيان لقوله أجازها (نحو حديث إسماعيل) بالنصب أي كلهم قالوا نحو حديث إسماعيل (بفم واحد) أي بلفظ واحد (فهي واحدة) فتوى ابن عباس هذا يوافق روايته الآتية وإسناده على ما قال ابن القيم على شرط البخاري (ورواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة هذا) أي كون الطلاق الثلاث بفم واحد واحدة (قوله) أي قول عكرمة (ولم يذكر) أي إسماعيل بن إبراهيم (ابن عباس) بالنصب على المفعولية واعلم أن ابن عباس كما كان يفتي بأن الطلاق الثلاث واحدة كذلك كان يفتي به صاحبه عكرمة أيضا فحدث أيوب عنه بعض أصحابه فتوى ابن عباس وحدث بعضهم فتواه نفسه (وصار قول ابن عباس إلى قوله حتى تنكح زوجا غيره) والحديث سكت عنه المنذري وغرض المؤلف أن ابن عباس ترك الإفتاء بكون الثلاث واحدة وصار قائلا بأن المرأة لا تحل
[ 195 ]
بعد الثلاث حتى تنكح زوجا غيره ولكن قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب قال دخل الحكم بن عيينة على الزهري وأنا معهم فسألوه عن البكر تطلق ثلاثا فقال سئل عن ذلك ابن عباس وأبو هريرة وعبد الله بن عمر فكلهم قالوا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره قال فخرج الحكم فأتى طاؤسا وهو في المسجد فأكب عليه فسأله عن قول ابن عباس فيها وأخبره بقول الزهري قال فرأيت طاؤسا رفع يديه تعجبا من ذلك وقال والله ما كان ابن عباس يجعلها إلا واحدة (وروى مالك عن يحيى) والحديث أخرجه مالك في الموطأ ولفظه مالك عن يحيى ابن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج أنه أخبره عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري أنه كان جالسا مع عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر قال فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فماذا تريان فقال عبد الله بن الزبير إن هذا الأمر ما بلغ لنا فيه قول فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة فاسألهما ثم آتنا فأخبرنا فذهب فسألهما فقال ابن عباس لأبي هريرة أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة فقال أبو هريرة الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره وقال ابن عباس مثل ذلك أيضا قال مالك وعلى ذلك الأمر عندنا قال مالك والثيب إذا ملكها الرجل ولم يدخل بها أنها تجري مجرى البكر الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره انتهى (قال أبو داود وقول ابن عباس إلى قوله هذا مثل خبر الصرف قال فيه ثم إنه رجع عنه)
[ 196 ]
الصرف بفتح المهملة دفع ذهب وأخذ فضة وعكسه قاله الحافظ والأولى في تعريف الصرف أن يقال هو بيع النقود والأثمان بجنسها واعلم أن ابن عباس كان يعتقد أولا أنه لا ربا فيما كان يدا بيد وأنه يجوز بيع درهم بدرهمين ودينار بدينار وصاع تمر بصاعي تمر وكذا الحنطة وسائر الربويات وكان معتمده حديث أسامة بن زيد إنما الربا في النسيئة ثم رجع عن ذلك وقال بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض حين بلغه حديث أبي سعيد كما ذكر مسلم في صحيحه وقد روي الحاكم من طريق حيان العدوي سألت أبا مجلز عن الصرف فقال كان ابن عباس لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا بعين يدا بيد وكان يقول إنما الربا في النسيئة فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث وفيه التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدا بيد مثلا بمثل فمن زاد فهو ربا فقال ابن عباس أستغفر الله وأتوب إليه فكان ينهي عنه أشد النهي فإذا عرفت هذا فاعلم أن المؤلف يقول إن ابن عباس كان يقول أولا يجعل الطلاق الثلاث واحدة ثم رجع عنه وقال بوقوع الثلاث كما كان يقول أولا في الصرف من أنه لا ربا إلا في النسيئة ثم رجع عنه وقال بربا الفضل قلت رجوعه في مسألة الصرف ببلوغ حديث أبي سعيد واستغفاره عما أفتى أولا ونهيه عند أشد النهي ظاهرة لا سترة فيه وأما رجوعه في مسألة الطلاق ففيه خفاء كيف ولم يثبت لا بسند صحيح ولا ضعيف أنه بلغه رواية عن النبي ناسخة لروايته الآتية موجبة لرجوعه عنها وكذا لم يرد في شئ من الروايات أنه استغفر عن جعل الثلاث واحدة أو نهي عنه أحدا وأمر الطلاق أشد من أمر الربا وإفتائه بخلاف روايته لا يستلزم على وجود ناسخ لروايته وسيأتي وجه وجيه لإفتائه بوقوع الثلاث في كلام الإمام ابن القيم إن شاء الله تعالى (قال ابن عباس بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها إلى قوله قد تتابعوا فيها) أي في التطليقات الثلاث دفعة وقوله تتابعوا بالباء الموحدة وفي بعض النسخ
[ 197 ]
تتايعوا بياء مثناة من تحت وهما بمعنى أي أسرعوا في التطليقات الثلاث بأن أوقعوها دفعة (قال أجيزوهن عليهم) أي امضوا الثلاث عليهم وقد تمسك بهذه الرواية من ذهب إن أن المطلقة إن كانت مدخولة وقعت الثلاث وإن لم تكن مدخولة فواحدة ويجاب بأن التقييد بقبل الدخول لا ينافي صدق الرواية الأخرى الصحيحة على المطلقة بعد الدخول وغاية ما في هذه الرواية أنه وقع فيها التنصيص على بعض أفراد مدلول الرواية الصحيحة الآتية بعد هذه الرواية وذلك لا يوجب الاختصاص بالبعض الذي وقع التنصيص عليه على أن هذه الرواية ضعيفة قال المنذري الرواة عن طاؤس مجاهيل التتايع التهافت في الشئ واللجاج ولا يكون التتايع بالياء إلا بالشر ووقع عن بعض الرواة بالباء بواحدة والأكثر على الأول انتهى كلام المنذري (أن أبا الصهباء قال لابن عباس أتعلم الخ) وفي رواية لمسلم عن ابن عباس قال كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه
[ 198 ]
عليهم فأمضاه عليهم وقوله أناة بفتح الهمزة أي مهلة وبقية استمتاع لانتظار المراجعة قاله النووي وهذا الحديث الصحيح يدل على أن الطلاق الثلاث إذا أوقعت مجموعة وقعت واحدة قال الحافظ في الفتح وهو منقول عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير نقل ذلك ابن مغيث في كتاب الوثائق له وعزاه لمحمد بن وضاح ونقل الغنوي ذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن تقي بن مخلد ومحمد بن عبد السلام الخشني وغيرهما ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار ويتعجب من ابن التين حيث جزم بأن لزوم الثلاث لا اختلاف فيه وإنما الاختلاف في التحريم مع ثبوت الاختلاف كما ترى انتهى وقال الحافظ بن القيم في أعلام الموقعين وهذا خليفة رسول الله والصحابة كلهم معه في عصره وثلاث سنين من عصر عمر رضي الله عنه على هذا المذهب فلو عدهم العاد بأسمائهم واحدا واحدا أنهم كانوا يرون الثلاث واحدة إما بفتوى وإما بإقرار عليها ولو فرض فيهم من لم يكن يرى ذلك فإنه لم يكن منكرا للفتوى به بل كانوا ما بين مفت ومقر بفتيا وساكت غير منكر وهذا حال كل صحابي من عهد الصديق رضي الله عنه إلى ثلاث سنين من خلافة عمر وهم يزيدون على الألف قطعا كما ذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق وكل صحابي من لدن خلافة الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر رضي الله عنهما كان على أن الثلاث واحدة
[ 199 ]
فتوى أو إقرار أو سكوت ولهذا ادعى بعض أهل العلم أن هذا الإجماع قديم ولم تجتمع الأمة ولله الحمد على خلافه بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنا بعد قرن وإلى يومنا هذا فأفتى به حبر الأمة عبد الله بن عباس وأفتى أيضا بالثلاث أفتى بهذا وهذا وأفتى بأنها واحدة الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف حكاه عنهما ابن وضاح وعن علي وابن مسعود روايتان كما عن ابن عباس وأما التابعون فأفتى به عكرمة وأفتى به طاؤس وأما تابعوا التابعين فأفتى به محمد بن إسحاق حكاه الإمام أحمد وغيره عنه وأفتى به خلاس بن عمرو والحارث العكلي وأما أتباع تابعي التابعين فأفتى به داود بن علي وأكثر أصحابه حكاه عنهم ابن المغلس وابن حزم وغيرهما وأفتى به بعض أصحاب مالك حكاه التلمساني في شرح التفريع لابن حلاب قولا لبعض المالكية وأفتى به بعض الحنفية حكاه أبو بكر الرازي عن محمد بن مقاتل وأفتى به بعض أصحاب أحمد حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عنه قال وكان الجد يفتي به أحيانا انتهى كلامه وذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء إلى أن الثلاث تقع ثلاثا وحديث ابن عباس الصحيح الصريح في عدم وقوع الثلاث حجة عليهم وأجيب من قبلهم عن حديث ابن عباس بأجوبة لا يخلو واحد منها عن التكلف والتعسف ومحل بسطها والكشف عما فيها هو غاية المقصود وللقائلين بأن الثلاث واحدة حديث آخر صحيح وهو ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا سعد بن إبراهيم حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا قال فسأله رسول الله كيف طلقتها
[ 200 ]
قال طلقتها ثلاثا قال فقال في مجلس واحد قال نعم قال فإنما تملك واحدة فارجعها إن شئت قال فراجعها فكان ابن عباس يرى إنما الطلاق عند كل طهر قال شمس الدين ابن القيم في اعلام الموقعين وقد صحح الإمام هذا الإسناد وحسنه قال الحافظ في فتح الباري الحديث أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه من طريق محمد بن إسحاق وهذا الحديث نص في المسألة لا يقبل التأويل الذي في غيره من الروايات وقد أجابوا عنه بأربعة أشياء أحدها أن محمد بن إسحاق وشيخه مختلف فيهما وأجيب بأنهم احتجوا في عدة من الأحكام بمثل هذا الإسناد كحديث أن النبي رد على أبي العاص بن الربيع زينب ابنته بالنكاح الأول وليس كل مختلف فيه مردود الثاني معارضته بفتوى ابن عباس بوقوع الثلاث كما تقدم من رواية مجاهد وغيره فلا يظن بابن عباس أنه كان عنده هذا الحكم عن النبي ثم يفتي بخلافه إلا بمرجح ظهر له وراوي الخبر أخبر من غيره بما روى وأجيب بأن الاعتبار برواية الراوي لا برأيه لما يطرق رأيه من احتمال النسيان وغير ذلك وأما كونه تمسك بمرجح فلم ينحصر في المرفوع لاحتمال التمسك بتخصيص أو تقييد أو تأويل وليس قول مجتهد حجة على مجتهد آخر الثالث أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته ألبتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة وهو تعليل قوي لجواز أن يكون بعض رواته حمل ألبتة على الثلاث فقال طلقها ثلاثا فبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث ابن عباس الرابع أنه مذهب شاذ فلا يعمل به وأجيب بأنه نقل عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير مثله نقل ذلك ابن مغيث في كتاب الوثائق له وعزاه لمحمد بن وضاح ونقل الغنوي ذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن تقي بن مخلد ومحمد بن عبد السلام الخشني وغيرهما ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاؤس وعمرو بن دينار انتهى كلام الحافظ
[ 201 ]
قلت قد أجاب الحافظ عن الجواب الأول والثاني والرابع ولم يجب عن الثالث بل قواه وجوابه ظاهر من كلام ابن القيم في الإغاثة حيث قال إن أبا داود إنما رجح حديث ألبتة على حديث ابن جريج لأنه روى حديث ابن جريج من طريق فيها مجهول ولم يرو أبو داود الحديث الذي رواه أحمد في مسنده من طريق محمد بن إسحاق أن ركانة طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد فلذا رجح أبو داود حديث ألبتة ولم يتعرض لهذا الحديث ولا رواه في سننه ولا ريب أنه أصح من الحديثين وحديث ابن جريج شاهد له وعاضد فإذا انضم حديث أبي الصهباء إلى حديث ابن إسحاق وإلى حديث ابن جريج مع اختلاف مخارجها وتعدد طرقها أفاد العلم بأنها أقوى من ألبتة بلا شك ولا يمكن من شم روائح الحديث ولو على بعد أن يرتاب في ذلك فكيف يقدم الحديث الضعيف الذي ضعفه الأئمة ورواته مجاهيل على هذه الأحاديث انتهى كلام ابن القيم فإن قلت قد ثبت من حديث ابن عباس أن الصحابة كلهم قد أجمعوا على أن الثلاث واحدة فكيف خالفهم عمر رضي الله عنه حيث أمضاها عليهم قلت لم يخالف عمر رضي الله عنه إجماع من تقدمه بل رأى إلزامهم بالثلاث عقوبة لهم لما علموا أنه حرام وتتابعوا فيه ولا ريب أن هذا سائغ للأمة أن يلزموا الناس ما ضيقوا به على أنفسهم ولم يقبلوا فيه رخصة الله عز وجل وتسهيله ورخصته بل اختاروا الشدة والعسر
[ 202 ]
فكيف بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكمال نظره للأمة وتأديبه لهم ولكن العقوبة تختلف باختلاف الأزمنة والأشخاص والتمكن من العلم بتحريم الفعل المعاقب عليه وخفائه وأمير المؤمنين رضي الله عنهم لم يقل لهم إن هذا عن رسول الله وإنما هو رأي رآه مصلحة للأمة يكفهم بها التسارع إلى إيقاع الثلاث ولهذا قال فلو أنا أمضيناه وفي لفظ آخر فأجيزوهن أنه عليهم أفلا ترى أن هذا رأي منه رآه للمصلحة لا إخبار عن رسول الله ولما علم رضي الله عنه أن تلك الأناة والرخصة نعمة من الله على المطلق ورحمة به وإحسان إليه وأنه قابلها بضدها ولم يقبل رخصة الله وما جعله له من الأناة عاقبه بأن حال بينه وبينها وألزمه
[ 203 ]
ما التزمه من الشدة والاستعجال وهذا موافق لقواعد الشريعة بل هو موافق لحكمة الله في خلقه قدرا وشرعا فإن الناس إذا تعدوا حدوده ولم يقفوا عندها ضيق عليهم ما جعله لمن اتقاه من المخرج وقد أشار إلى هذا المعنى بعينه من قال من الصحابة رضي الله عنهم من المطلق ثلاثا إنك لو اتقيت الله لجعل لك مخرجا كما قاله ابن مسعود وابن عباس فهذا نظر أمير المؤمنين رضي الله عنه ومن معه من الصحابة لا أنه رضي الله عنه غير أحكام الله وجعل حلالها حراما فهذا غاية التوفيق بين النصوص وفعل أمير المؤمنين رضي الله عنه ومن معه كذا في زاد المعاد قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي في ما عنى به الطلاق والنيات (إنما الأعمال بالنية) وفي بعض النسخ بالنيات قال الخطابي معناه أن صحة الأعمال ووجوب أحكامها إنما تكون بالنية وأن النية هي المصرفة لها إلى جهاتها ولم يرد به أعيان الأعمال لأن أعيانها حاصلة بغير نية (وإنما لامرئ ما نوى) أشار به إلى أن تعيين المنوي شرط فلو كان على إنسان صلوات لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة بل شرط أن ينوي كونها ظهرا أو غيره فلولا هذا القول لاقتضي الكلام الأول أن تصح الفائتة بلا تعيين كذا قال ابن
[ 204 ]
الملك والعلقمي (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) أي انتقاله من دار الكفر إلى دار الإسلام قصدا وعزما (فهجرته إلى الله ورسوله) فإن قلت الشرط والجزاء قد اتحدا قلنا لا اتحاد لأن التكرار قد يفيد الكمال كما قال أبو النجم وشعري شعري أي شعر كامل والمعنى فهجرته كاملة (ومن كانت هجرته لدنيا) اللام للتعليل أو بمعنى إلى ودنيا بغير تنوين لأنها تأنيث أدنى وجمعها دنى ككبرى وكبر (يصيبها) أي يحصلها (أو امرأة يتزوجها) إنما ذكرها مع كونها مندرجة تحت دنيا تعريضا لمن هاجر إلى المدينة في نكاح مهاجرة فقيل له مهاجر أم قيس أو تنبيها على زيادة التحذير من ذلك وهذا من باب ذكر الخاص بعد العام لمزيته (فهجرته إلى ما هاجر إليه) يعني لا يثاب على هجرته قال الخطابي في المعالم في الحديث دليل على أن المطلق إذا طلق بصريح لفظ الطلاق أو ببعض الكنائي التي يطلق بها ونوى عددا من أعداد الطلاق كان ما نواه من العدد واقعا واحدة أو ثنتين أو ثلاثا وإلى هذه الجملة ذهب الشافعي وصرف الألفاظ على مصارف النيات وقال في الرجل يقول لامرأته أنت طالق ونوى ثلاثا أنها تطلق ثلاثا وكذلك قال مالك بن أنس وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وقد روي ذلك عن عروة بن الزبير وقال أصحاب الرأي هي واحدة وهو أحق بها وكذلك قال سفيان الثوري والأوزاعي وأحمد انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (أن عبد الله بن كعب) خبر إن قوله قال سمعت (وكان) أي عبد الله (قائد كعب) من القود نقيض السوق فهو من أمام وذاك من خلف (من بنيه) أي من بنيهم وكان أبناؤه أربعة عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعبيد الله (قال سمعت كعب بن مالك) وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم (فساق قصته) وقصته مذكورة في الصحيحين (حتى إذا مضت أربعون) أي يوما (من الخمسين) أي التي منع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الكلام فيها مع هؤلاء (إذا
[ 205 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الواقدي هو خزيمة ابن ثابت (يأتي) وفي بعض النسخ يأتيني (يأمرك أن تعتزل امرأتك) الاعتزال بالفارسية بيكسو صلى الله عليه وسلم شدن (فقلت أطلقها أم ماذا أفعل) أي ما المراد بالاعتزال الطلاق أو غيره (قال لا بل اعتزلها فلا تقربنها) أي ليس المراد بالاعتزال الطلاق بل عدم القربان (فقلت لامرأتي إلحقي) بفتح الحاء قال الخطابي في الحديث دلالة على أنه إذا قال لها إلحقي بأهلك ولم يرده طلاقا أنه لا يكون طلاقا وكذلك سائر الكنايات كلها على قياسه وكان أبو عبيد يقول في قوله إلحقي بأهلك إنها تطليقة يكون فيها العبد مالكا للرجعة إلا أن يكون أراد ثلاثا انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مطولا ومختصرا في الخيار (عن أبي الضحى) هو مسلم بن صبيح بالتصغير مشهور بكنيته أكثر من اسمه (خيرنا) أي معشر أمهات المؤمنين وذلك بعد نزول قوله تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما (فاخترناه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياة الدنيا وزينتها (فلم يعد) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي التخيير (شيئا) أي من الطلاق وفي رواية لمسلم فلم يعده طلاقا وفي أخرى له فلم يكن طلاقا وفي الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء أن من خير زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقا ولا يقع به فرقة وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث بن سعد أن نفس التخيير يقع به بائنة سواء اختارت زوجها أم لا وحكاه الخطابي والنقاش عن مالك قال القاضي لا يصح هذا عن مالك ثم هو مذهب ضعيف مردود بحديث الباب الصحيح الصريح ولعل القائلين به لم يبلغهم
[ 206 ]
هذا الحديث كذا قال النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه في أمرك بيدك (هل تعلم أحدا قال يقول الحسن في أمرك بيدك) أي أنها ثلاث (قال) أي أيوب (لا) أي لا أعلم أحدا قال يقول الحسن الخ (إلا شئ حدثناه) الضمير يرجع إلى شئ (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه) أي قال إنها ثلاث وفي رواية الترمذي قلت لأيوب هل علمت أحدا قال في أمرك بيدك أنها ثلاث إلا الحسن قال لا إلا الحسن ثم قال اللهم غفرا إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى بني سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث وكذلك في رواية النسائي فعلم أن في رواية المؤلف حذفا واختصارا (فسألته فقال ما حدثت بهذا قط) وفي رواية الترمذي والنسائي فسألته فلم يعرفه (فقال بلى) أي قد حدث (ولكنه نسي) أي عن التحديث واعلم أن إنكار الشيخ أنه حدث بذلك إن كان على طريقة الجزم كما وقع في رواية المؤلف فلا شك أنه علة
[ 207 ]
قادحة وإن لم يكن على طريقة الجزم بل عدم معرفة ذلك الحديث وعدم ذكر الجملة والتفصيل بدون تصريح بالإنكار كما في رواية الترمذي والنسائي فليس ذلك مما يعد قادحا في الحديث وقد بين هذا في علم اصطلاح الحديث وقد استدل بهذا الحديث على من قال لامرأته أمرك بيدك كان ذلك ثلاثا قال الترمذي قد اختلف أهل العلم في أمرك بيدك فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود هي واحدة وهو قول غير واحد من أهل العلم من التابعين ومن بعدهم وقال عثمان بن عفان وزيد بن ثابت القضاء ما قضت وقال ابن عمر إذا جعل أمرها بيدها وطلقت نفسها ثلاثا وأنكر الزوج وقال لم أجعل أمرها بيدها إلا في واحدة استحلف الزوج وكان القول قوله مع يمينه وذهب سفيان وأهل الكوفة إلى قول عمر وعبد الله وأما مالك بن أنس فقال القضاء ما قضت وهو قول أحمد وأما إسحاق فذهب إلى قول ابن عمر انتهى كلام الترمذي وقوله القضاء ما قضت معناه الحكم ما نوت من رجعية أو بائنة واحدة أو ثلاثا قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب وذكر عن البخاري أنه قال وإنما هو عن أبي هريرة موقوف ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعا وقال النسائي هذا حديث منكر (عن الحسن في أمرك بيدك قال ثلاث) يعني إذا قال الزوج لزوجته أمرك بيدك فلها أن تختار ثلاثا فتقع الثلاث وقد تقدم الاختلاف فيه والحديث سكت عنه المنذري في البتة إذا (أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي) هو الإمام المعروف صاحب المذهب (طلق امرأته
[ 208 ]
سهيمة) بالتصغير (البتة) بهمزة وصل أي قال أنت طالق البتة (فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم) المختار بناءه للفاعل قاله القاري (وقال والله ما أردت إلا واحدة) عطف على فأخبر (فردها إليه) قال الخطابي فيه بيان أن طلاق البتة واحدة إذا لم يرد بها أكثر من واحدة وأنها رجعية غير بائن انتهى وقال القاري طلاق البتة عند الشافعي واحدة رجعية وإن نوى بها اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى وعند أبي حنيفة واحدة بائنة وإن نوى ثلاثا فثلاث وعند مالك ثلاث واستدل بالحديث على أن الطلاق الثلاث مجموعة تقع ثلاثا ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم أحلفه أنه أراد بالبتة واحدة فدل على أنه لو أراد بها أكثر لوقع ما أراده ولو لم يفترق الحال لم يحلفه وأجيب بأن الحديث ضعيف ومع ضعفه مضطرب ومع اضطرابه معارض بحديث ابن عباس أن الطلاق كان عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة فالاستدلال بهذا الحديث ليس بصحيح وإن شئت الوقوف على ضعفه واضطرابه فراجع التعليق المغني شرح الدارقطني فإنه قد بين فيه أخونا المعظم أبو الطيب ضعف الحديث واضطرابه بالبسط والتفصيل (عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أنه طلق الحديث) قال
[ 209 ]
المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال فيه اضطراب هذا آخر كلامه وفي إسناده الزبير بن سعيد الهاشمي فقد ضعفه غير واحد وذكر الترمذي أيضا عن البخاري أنه مضطرب فيه تارة قيل فيه ثلاثا وتارة قيل فيه واحدة وأصحه أنه طلقها البتة وأن الثلاث ذكرت فيه على المعنى وقال أبو داود حديث نافع بن عجير حديث صحيح وفيما قاله نظر فقد تقدم عن الإمام أحمد بن حنبل أن طرقه ضعيفة وضعفه أيضا البخاري وقد وقع الاضطراب في إسناده وفي متنه انتهى كلام المنذري (قال أبو داود وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته الخ) قال شمس الدين ابن القيم في حاشية السنن إن أبا داود لم يحكم بصحته وإنما قال بعد روايته هذا أصح من حديث ابن جريج أنه طلق امرأته ثلاثا وهذا لا يدل على أن الحديث عنده صحيح فإن حديث ابن جريج ضعيف وهذا ضعيف أيضا فهو أصح الضعيفين عنده وكثيرا ما يطلق أهل الحديث هذه العبارة على أرجح الحديثين الضعيفين وهو كثير من كلام
[ 210 ]
المتقدمين ولو لم يكن اصطلاحا لهم لم تدل اللغة على إطلاق الصحة عليه فإنك تقول لأحد المريضين هذا أصح من هذا ولا يدل على أنه صحيح مطلقا انتهى كلامه وقال ابن القيم في الإغاثة أن أبا داود إنما رجح حديث البتة على حديث ابن جريج لأنه روى حديث ابن جريج من طريق فيها مجهول ولم يرو أبو داود الحديث الذي رواه أحمد في مسنده من طريق محمد بن إسحاق أن ركانة طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد فلذا رجح أبو داود حديث البتة ولم يتعرض لهذا الحديث ولا رواه في سننه ولا ريب أنه أصح من الحديثين وحديث ابن جريج شاهد له انتهى بقدر الحاجة وقد نقلناه فيما قبل بأزيد من هذا في الوسوسة بالطلاق قال في القاموس الوسوسة حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير كالوسواس بالكسر والاسم بالفتح وقد وسوس له وإليه (إن الله تجاوز لأمتي) وفي رواية البخاري عن أمتي أي عفا عنهم (عما لم تتكلم به) إن كان قوليا (أو تعمل به) إن كان فعليا (وبما حدثت به أنفسها) بالنصب على المفعولية يقال حدثت نفسي بكذا أو بالرفع على الفاعلية يقال حدثتني نفسي بكذا قال الخطابي وفيه أنه إذا طلق امرأته بقلبه ولم يتكلم به بلسانه فإن الطلاق غير واقع وبه قال عطاء بن رباح وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة والثوري وأصحاب الرأي وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال الزهري إذا عزم على ذلك وقع الطلاق لفظ به أو لم يلفظ وبه قال مالك والحديث حجة عليه انتهى واستدل به على أن من كتب الطلاق طلقت امرأته لأنه عزم بقلبه وعمل بكتابته وهو قول الجمهور وشرط مالك فيه الإشهاد على ذلك قاله الحافظ قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه
[ 211 ]
في الرجل يقول لامرأته يا أختي (عن أبي تميمة) هو طريف بن مجالد (الهجيمي) بضم الهاء وفتح الجيم (يا أخية) تصغير أخت (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي على الإنكار (فكره ذلك) أي قوله لامرأته يا أخية (ونهي عنه) قال الخطابي في المعالم إنما كره ذلك من أجل أنه مظنة للتحريم وذلك أن من قال لامرأته أنت كأختي أي وأراد به الظهار كان مظاهرا كما يقول أنت كأمي وكذلك هذا في كل امرأة من ذوات المحارم وعامة أهل العلم وأكثرهم متفقون على هذا إلا أن ينوي بهذا الكلام الكرامة فلا يلزمه الظهار وإنما اختلفوا فيه إذا لم يكن له نية فقال كثير منهم لا يلزمه شئ وقال أبو يوسف إن لم يكن له نية فهو تحريم وقال محمد بن الحسن هو ظهار إذا لم يكن له نية فكره له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول لئلا يلحقه بذلك ضرر في أهل أو يلزمه كفارة في مال انتهى قال المنذري هذا مرسل (سمع رجلا يقول لامرأته يا أخية فنهاه) قال ابن بطال ومن ثم قال جماعة من العلماء يصير بذلك مظاهرا إذا قصد ذلك فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى اجتناب اللفظ المشكل كذا في الفتح (قال أبو داود ورواه) أي حديث أبي تميمة (عبد العزيز ابن المختار عن خالد) هو الحذاء (عن أبي عثمان عن أبي تميمة) فزاد عبد العزيز بين خالد وأبي تميمة أبا عثمان ورواه مرسلا ورواه شعبة عن خالد هو الحذاء (عن رجل عن أبي تميمة) فزاد شعبة بينهما رجلا ورواه مرسلا وأما خالد الطحان في الطريقة الأولى فلم يذكر بينهما واسطة وكذا عبد السلام في
[ 212 ]
الطريقة الثانية إلا أن الطحان رواه مرسلا وعبد السلام رواه متصلا فوقع الاختلاف الموجب لاضطراب الحديث (ثنتان في ذات الله) أي في طلب رضاه اعلم أن الثالثة كانت لدفع الفساد عن سارة وفيها رضا الله أيضا لكن لما كان له نفع طبيعي فيها خصص اثنتين بذات الله دونها (قوله إني سقيم) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي أحد تلك الكذبتين قوله إني سقيم بيانه ما روي أن إبراهيم قال له أبوه لو خرجت معنا إلى عيدنا لأعجبك ديننا فخرج معهم ولما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم تأويله إن قلبي سقيم بكفركم أو مراده الاستقبال (وقوله بل فعله كبيرهم هذا) بيانه ما روي أنه عليه السلام بعد ما ألقي نفسه وذهبوا رجع وكسر أصنامهم وعلق الفأس على كبيرهم فلما رجعوا رأوا أحوالهم فقالوا أنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم تأويله أنه أسند الفعل إلى سببه إذ كبيرهم كان حاملا له على ذلك وقيل أراد بكبيرهم نفسه أي متكبرهم ثنا وعلى هذا يكون الإسناد حقيقيا (في أرض جبار)
[ 213 ]
اسمه عمرو بن امرئ القيس وكان على مصر وقيل اسمه صادق وكان على الأردن وقيل سنان بن علوان (فأتى) على البناء للمفعول (هي أحسن الناس) في مسند أبي يعلى من حديث أنس أعطي يوسف وأمه شطر الحسن يعني سارة (وإنه) أي الشأن (ليس اليوم مسلم غيري وغيرك) يشكل عليه كون لوط عليه السلام كان معه كما قال تعالى فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي ويمكن أن يجاب بأن مراده ليس مسلم بتلك الأرض التي وقع فيها ما وقع ولم يكن معه لوط عليه السلام إذ ذاك كذا في الفتح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي في الظهار بكسر المعجمة هو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي قال الحافظ واختلف فيما إذا لم يعين الأم كأن قال كظهر أختي مثلا فعن الشافعي في القديم لا يكون ظهارا بل يختص بالأم كما ورد في القرآن وكذا في حديث خولة التي ظاهر منها أوس وقال في الجديد يكون ظهارا وهو قول الجمهور انتهى
[ 214 ]
(قال ابن العلاء بن علقمة بن عياش) أي قال محمد بن العلاء في روايته عن محمد بن عمرو بن عطاء بن علقمة بن عياش بزيادة ابن علقمة ابن عياش (قال ابن العلاء الباضي به) أي قال في روايته عن سلمة بن صخر البياضي (قال كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري) كناية عن كثرة شهوته ووفور قوته (يتابع بي) أي يلازمني ملازمة الشر وفي نسخة يتتايع والتتايع الوقوع في الشر من غير فكرة وروية والمتابعة عليه (حتى ينسلخ شهر رمضان) فيه دليل على أن الظهار المؤقت ظهار كالمطلق منه وهو إذا ظاهر من امرأته إلى مدة ثم أصابها قبل انقضاء تلك المدة واختلفوا فيه إذا بر ولم يحنث فقال مالك وابن وأبي ليلى إذ قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إلى الليل لزمته الكفارة وإن لم يقربها وقال أكثر أهل العلم لا شئ عليه إذا لم يقربها وجعل الشافعي في الظهار المؤقت قولين أحدهما أنه ليس بظهار قاله الخطابي في المعالم (فلم ألبث) أي لم أتأخر واللبث في الفارسية درنك كردن (أن نزوت) أي وقعت (أنت بذاك يا سلمة) أي أنت الملم بذلك أو أنت المرتكب له كذا في المعالم (قال حرر رقبة) قال الخطابي فيه دليل على أنه إذا أعتق رقبة ما كانت من صغير أو
[ 215 ]
كبير أعور كان أو أعرج فإنه يجزيه إلا ما يمنع دليل اجماع منه وهو الزمن الذي لا حراك به انتهى (ما أملك رقبة غيرها) أي غير رقبتي هذه (وضربت صفحة رقبتي) زاد أحمد بيدي قال في القاموس الصفح الجانب ومنك جنبك ومن الوجه والسيف عرضه (وسقا من تمر) الوسق ستون صاعا (بين ستين مسكينا) ظاهره أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا ولا يجزئ إطعام دونهم وإليه ذهب الشافعي ومالك وقال أبو حنيفة إنه يجزئ إطعام واحد ستين يوما (لقد بتنا وحشين) قال في النهاية يقال رجل وحش بالسكون إذا كان جائعا لا طعام له وقد أوحش إذا جاع (بني زريق) بتقديم الزاي على الراء (فليدفعها) أي التمر (فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر) أخذ بظاهره الثوري وأبو حنيفة وأصحابه فقالوا الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف صاع من بر وقال الشافعي إن الواجب لكل مسكين مد وتمسك بالروايات التي فيها ذكر العرق وتقديره بخمسة عشر صاعا وظاهر الحديث أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعانه بما يكفر به بعد أن أخبره أنه لا يجد رقبة ولا يتمكن من إطعام ولا يطيق الصوم وإليه ذهب الشافعي وأحمد في روايته عنه وذهب قوم إلى السقوط وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا تسقط كفارة صوم رمضان لا غيرها من الكفارات كذا في النيل (وكل أنت وعيالك بقيتها) أي بقية الصدقة التي بقيت بعد إطعام ستين
[ 216 ]
مسكينا (وبياضة بطن من بني زريق) وهو بياضة ابن عامر بن زريق بن عبد حارثة هذا بن مالك بن زيد مناة من ولد جشم بن الخزرج كذا في تاج العروس قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن وقال محمد يعني البخاري سليمان بن يسار لم يسمع عندي من سلمة بن صخر وقال البخاري أيضا هو مرسل سليمان بن يسار لم يدرك سلمة بن صخر هذا آخر كلامه وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه (تجادلك في زوجها) هذه الآية الكريمة نزلت في خولة ويقال لها خويلة بالتصغير ظاهر منها زوجها وكان الظهار طلاقا في الجاهلية فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حرمت عليه فحلفت أنه ما ذكر طلاقا فقال حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي وجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترفع رأسها إلى السماء وتشكو إلى الله (إلى الفرض) أي إلى ما فرض الله تعالى من الكفارة وتمام الآية وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا (ما به من صيام) أي ليس فيه قوة صيام (بعرق) بفتحتين هو السفيفة ثم المنسوجة من الخوص قبل أن يجعل منها
[ 217 ]
الزنبيل أو الزنبيل نفسه (قال والعرق ستون صاعا) قال في النيل هذه الرواية تفرد بها معمر بن عبد الله بن حنظلة قال الذهبي لا يعرف ووثقه ابن حبان وفيها أيضا محمد بن إسحاق وقد عنعن والمشهور عرفا أن العرق يسع خسمة عشر صاعا كما روى ذلك الترمذي بإسناد صحيح من حديث سلمة نفسه انتهى (قال أبو داود في هذا) أي في هذا الحديث دلالة على أنها (إنما كفرت) خويلة (عنه) عن زوجة أوس بن الصامت (من غير أن تستأمره) في أداء الكفارة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أجازها وأمضاها (والعرق مكتل) قال في القاموس المكتل كمنبر زنبيل يسع خمسة عشر صاعا (هذا أصح من حديث يحيى بن آدم) يعني الحديث الذي قبله (قال يعني العرق زنبيلا يأخذ خمسة عشر صاعا) معنى يأخذ يسع واعلم أنه وقع الاختلاف في تفسير العرق ففي رواية يحيى بن آدم عن ابن إدريس عن ابن إسحاق أنه ستون صاعا وفي رواية محمد بن سلمة عن ابن إسحاق أنه مكتل يسع ثلاثين صاعا وفي رواية يحيى عن أبي سلمة أنه زنبيل يسع خمسة عشر صاعا فدل أن العرق قد يختلف في السعة والضيق فيكون بعض الأعراق أكبر وبعضها أصغر فذهب الشافعي منها إلى التقدير الذي جاء في خبر أبي هريرة من رواية أبي سلمة وهو خمسة عشر صاعا في كفارة المجامع في شهر رمضان وكذلك قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل لكل مسكين مد وكذلك قال مالك إلا أنه قال بمد هشام وهو مد وثلث وذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي إلى حديث سلمة بن صخر وهو أحوط الأمرين وقد يحتمل أن يكون الواجب عليه ستين صاعا ثم يؤتي
[ 218 ]
بخمسة عشر صاعا فيقول تصدق بها ولا يدل ذلك أنها تجزئه عن جميع الكفارة ولكنه يتصدق بها في الوقت ويكون الباقي دينا عليه حتى يجده إلا أن إسناد حديث أبي هريرة أجود وأحسن اتصالا من حديث سلمة بن صخر كذا في المعالم بأدنى تغيير واختصار (على أفقر مني) بحذف همزة الاستفهام وفي بعض النسخ بذكرها (قلت له) أي لمحمد بن الوزير والجملة بيان لقرأت (وهو) أي أوس (من أهل بدر قديم الموت) قال ابن حبان مات أيام عثمان قاله الحافظ (والحديث مرسل) أي منقطع وقد يجئ عند المحدثين المرسل والمنقطع بمعنى (أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت) وفي رواية يوسف بن عبد الله المتقدمة أن اسم زوجة أوس خويلة فلعلها كانت تدعى بالإسمين أو جميلة صفتها أي امرأة جميلة كانت تحت أوس والله أعلم (وكان رجلا به لمم) قال الخطابي في المعالم معنى اللمم ههنا شدة الإلمام بالنساء وشدة الحرص والتوقان إليهن يدل على ذلك قوله في هذا الحديث من الرواية الأولى كنت امرأ أصيب من النساء مالا يصيب غيري وليس معنى اللمم ههنا الخبل
[ 219 ]
والجنون ولو كان به ذاك ثم ظاهر في تلك الحالة لم يكن يلزمه شئ ولا غيرها والله أعلم انتهى (ثم واقعها) أي جامعها (فاعتزلها حتى تكفر عنك) أي عن ظهارك رسول والحديث دليل على أنه يحرم وطء الزوجة التي ظاهر منها قبل التكفير وهو مجمع عليه لقوله تعالى من قبل أن يتماسا فلو وطئ لم يسقط التكفير ولا يتضاعف لقوله صلى الله عليه وسلم حتى تكفر عنك قال الصلت بن دينار سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل التكفير فقالوا كفارة واحدة وهو قول الأئمة الأربعة وروى سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم أنه يجب على من وطئ قبل التكفير ثلاث كفارات وذهب الزهري وسعيد بن جبير وأبو يوسف إلى سقوط الكفارة بالوطء وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه يجب عليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي واختلف في مقدمات الوطء هل تحرم مثل الوطء إذا أراد أن يفعل شيئا منها قبل التكفير أم لا فذهب الثوري والشافعي في أحد قوليه إلى أن المحرم هو الوطء وحده لا المقدمات وذهب الجمهور إلى أنها تحرم كما يحرم الوطء كذا في النيل والسبل قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي في حديث غريب صحيح وقال النسائي المرسل أولى بالصواب من المسند وقال أبو بكر المعافري ليس في الظهار حديث صحيح يعول عليه وفيما قاله نظر فقد صححه الترمذي كما ترى ورجال إسناده ثقات وسماع بعضهم من بعض مشهور وترجمة عكرمة عن ابن عباس احتج بها البخاري في غير موضع (حدثنا الزعفراني الخ) هذا الحديث ليس في بعض النسخ (بريق ساقها) أي لمعانها وحسنها (في القمر) أي في ضوئه
[ 220 ]
في الخلع الخلع بضم المعجمة وسكون اللام هو فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب لأن المرأة لباس الرجل مجازا وضم المصدر تفرقة بين المعنى الحقيقي والمجازي والأصل قوله تعالى فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به كذا في السبل (في غير ما بأس) وفي رواية من غير ما بأس أي لغير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة وما زائدة للتأكيد (فحرام عليها رائحة الجنة) أي ممنوع عنها وذلك على نهج الوعيد والمبالغة في التهديد أو وقوع ذلك متعلق بوقت دون وقت أي لا تجد رائحة الجنة أول ما وجدها المحسنون أو لا تجد أصلا وهذا من المبالغة في التهديد ونظير ذلك كثير قاله القاضي ولا بدع أنها تحرم لذة الرائحة ولو دخلت الجنة قاله القاري قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن وذكر أن بعضهم رواه ولم يرفعه
[ 221 ]
(إلى الصبح) أي إلى صلاة الصبح (عند بابه) أي باب رسول الله صلى الله عليه وسلم (في الغلس) هو ظلمة آخر الليل اختلط بضوء الصباح (لا أنا ولا ثابت بن قيس) أي لا يمكن الاجتماع بيننا (كل ما أعطاني عندي) مبتدأ وخبر أي كل ما أعطاني من المهر موجود عندي (خذ منها فأخذ منها) فيه أنه قد أخذ منها جميع ما كان أعطاها وقد اختلف الناس في هذا فكان سعيد ابن المسيب يقول لا يأخذ منها جميع ما أعطاها ولا يزيد على ما ساق إليها شيئا وذهب أكثر الفقهاء إلى أن ذلك جائز على ما تراضيا عليه قل أو كثر قاله الخطابي (وجلست في أهلها) فيه دليل على أنه لا سكنى للمختلعة على الزوج قاله الخطابي وقال في هذا الحديث دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق ولو كان طلاقا لاقتضي فيه شرائط الطلاق من وقوعه في طهر لم تمسس فيه المطلقة ومن كونه صادرا من قبل الزوج وحده من غير مراضاة المرأة فلما لم يتعرف النبي صلى الله عليه وسلم الحال في ذلك وأذن له في مخالعتها في مجلسه ذلك دل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق وإلى هذا ذهب ابن عباس واحتج بقوله تعالى الطلاق مرتان فإمساك بمعروف الآية قال ثم ذكر الخلع فقال فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ثم ذكر الطلاق فقال فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فلو كان الخلع طلاقا لكان الطلاق أربعا وإلى هذا ذهب طاؤس وعكرمة وهو أخذ قولي الشافعي وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وروي عن علي وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم أن الخلع تطليقة بائنة وبه قال الحسن وإبراهيم النخعي وعطاء وابن المسيب وشريح والشعبي ومجاهد ومكحول والزهري وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي وكذلك قال مالك والأوزاعي والشافعي في أحد قوليه وهو أصحهما والله أعلم انتهى باختصار يسير قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 222 ]
(فضربها فكسر بعضها) وفي رواية النسائي عن الربيع بنت معوذ فكسر يدها (فاشتكته إليه) ظاهر هذه الرواية انها اشتكت للضرب فهي معارضة بما في صحيح البخاري إني ما اعتب عليه في خلق ولا دين وأجيب بأنها لم تشكه للضرب بل لسبب آخر وهو أنه كان دميم الخلقة ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن ماجه كانت حبيبة بنت سهل عند ثابت بن قيس وكان رجلا دميما فقالت والله لولا مخافة الله إذا دخل علي لبصقت في وجهه وأخرج عبد الرزاق عن معمر قال بلغني أنها قالت يارسول الله صلى الله عليه وسلم بي من الجمال ما ترى وثابت رجل دميم (فقال ويصلح ذلك) أي هل يجوز أن آخذ بعض مالها وأفارقها ولا (فإني أصدقتها) أي جعلت صداقها (حديقتين) الحديقة البستان والحديث سكت عنه المنذري (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة) قال الخطابي في معالم السنن هذا أدل شئ على أن الخلغ فسخ وليس بطلاق لأن الله تعالى قال والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فلو كانت هذه مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد انتهى والحديث سكت عنه المنذري
[ 223 ]
(عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا) أي لم يذكر الصحابي قال المنذري وأخرجه الترمذي مسندا وقال هذا حديث حسن غريب (عن ابن عمر قال عدة المختلعة حيضة) قال الترمذي اختلف أهل العلم في عدة المختلعة فقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن عدة المختلعة عدة المطلقة وهو قول الثوري وأهل الكوفة وبه يقول أحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم عدة المختلعة حيضة قال إسحاق وإن ذهب ذاهب إلى هذا فهو مذهب قوي انتهى
[ 224 ]
في المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد أي حال كونها تحت حر أو عبد قال النووي أجمعت الأمة على أن الأمة إذا أعتقت تحت زوجها وهو عبد كان لها الخيار في فسخ النكاح فإن كان حرا فلا خيار لها عند مالك والشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة له الخيار واحتج برواية من روى أنه كان زوجها حرا وقد ذكرها مسلم من رواية شعبة بن عبد الرحمن بن القاسم لكن قال شعبة ثم سألته عن زوجها فقال لا أدري واحتج الجمهور بأنها قضية واحدة والروايات المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن زوجها كان عبدا قال الحافظ رواية من روى أنه كان حرا غلط وشاذة مردودة لمخالفتها المعروف في روايات الثقات انتهى (أن مغيثا) بضم أوله وكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة ثم مثلثة اسم زوج بريرة مولاة عائشة رضي الله عنها (كان عبدا) وعند الترمذي من طريق أيوب وقتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبد أسود لبني المغيرة يوم أعتقت بريرة وهذا يرد قول من قال كان عبدا قبل العتق حرا بعده (اشفع لي إليها) أي إلى بريرة لترجع إلى عصمتي (أتأمرني بذاك) أي
[ 225 ]
على سبيل الحتم وعند ابن مسعود من مرسل ابن سيرين بسند صحيح فقالت يارسول الله صلى الله عليه وسلم أشئ واجب علي قال لا (قال لا) أي لا آمر حتما قال الخطابي في قول بريرة أتأمرني بذلك يارسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن أصل أمره صلى الله عليه وسلم على الحتم والوجوب (إنما أنا شافع) أي أقوال ذلك على سبيل الشفاعة لا على سبيل الحتم عليك (فكان دموعه) أي دموع مغيث (تسيل) أي تجري لفرط محبته لها (على خده) وفي رواية البخاري على لحيته (للعباس) هو ابن عبد المطلب والد راوي الحديث (ألا تعجب من حب مغيث إلخ) قيل إنما كان التعجب لأن الغالب في العادة أن المحب لا يكون إلا محبوبا قال المنذري وأخرجه البخاري بمعناه (فخيرها) أي بين اختيار الزوج واختيار الفسخ (وأمرها أن تعتد) أي بثلاث حيض كما أخرج ابن ماجه من طريق الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض قال المنذري وأخرجه البخاري مختصرا وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه
[ 226 ]
(ولو كان) أي زوج بريرة وفي هذا الحديث دليلان على كون زوج بريرة عبدا أحدهما إخبار عائشة إنه كان عبدا وهي صاحبة القضية والثاني قولها لو كان حرا لم يخبرها ومثل هذا لا يكاد واحد يقوله إلا توقيفا قاله النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) أي القاسم بن محمد بن أبي بكر ابن أخي عائشة (وكان زوجها عبدا) الظاهر أن الواو للحال والله تعالى أعلم بحقيقة الحال والحديث أخرجه مسلم والنسائي من قال كان حرا (عن عائشة أن زوج بريرة كان حرا حين أعتقت) استدل به أبو حنيفة رحمه الله على أن للأمة المعتقة الخيار إذا كان زوجها حرا ولكن في كون قوله كان حرا موصولا كلام قال المنذري وقوله كان حرا هو من كلام الأسود بن يزيد جاء ذلك مفسرا وإنما وقع مدرجا في الحديث وقال البخاري قول الأسود منقطع وقول ابن عباس رأيته عبدا أصح هذا آخر كلامه وقد روي عن الأسود عن عائشة أن زوجها كان عبدا فاختلفت الرواية عن الأسود ولم تختلف عن ابن عباس وغيره ممن قال كان عبدا وقد جاء عن بعضهم أنه قول إبراهيم النخعي
[ 227 ]
وعن بعضهم أنه من قول الحكم بن عتيبة قال البخاري وقول الحكم مرسل هذا آخر كلامه وروى القاسم ابن محمد وعروة بن الزبير ومجاهد وعمرة بنت عبد الرحمن كلهم عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدا والقاسم هو ابن أخي عائشة وعروة هو ابن أختها وكانا يدخلان عليها بلا حجاب وعمرة كانت في حجر عائشة وهؤلاء أخص الناس بها وأيضا فإن عائشة رضي الله عنها كانت تذهب إلى خلاف ما روي عنها وكان رأيها لا يثبت لها الخيار تحت الحر وروى نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن زوج بريرة كان عبدا قال البيهقي إسناد صحيح وقال إبراهيم بن أبي طالب خالف الأسود بن يزيد الناس في زوج بريرة فقال إنه حر وقال الناس إنه عبد انتهى كلام المنذري قال الحافظ في الفتح وحاول بعض الحنفية ترجيح رواية من قال كان حرا على رواية من قال كان عبدا فقال الرق تعقبه الحرية بلا عكس وهو كما قال لكن محل طريق الجمع إذا تساوت الروايات في القوة أما مع التفرد في مقابلة الاجتماع فتكون الرواية المنفردة شاذة والشاذ مردود ولهذا لم يعتبر الجمهور طريق الجمع بين الروايتين مع قولهم إنه لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع والذي يتحصل من كلام محققيهم وقد أكثر منه الشافعي ومن تبعه أن محل الجمع إذا لم يظهر الغلط في إحدى الروايتين ومنهم من شرط التساوي في القوة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه حتى يكون لها الخيار أي إلى متى (عن محمد بن إسحاق إلخ) حاصله أن الحديث رواه محمد بن إسحاق بإسنادين مرسلا ومتصلا أحدهما عن أبي جعفر وعن أبان بن صالح كلاهما عن مجاهد بن جبر أن بريرة أعتقت مرسلا وثانيهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة متصلا هكذا قاله المزي في الأطراف فإنه أورد رواية مجاهد هذه في المراسيل في ترجمة أبان بن صالح بن عمير القرشي عن مجاهد بن جبر عن عائشة وكذا أورد الحافظ المزي هذا الحديث في ترجمة محمد بن
[ 228 ]
إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كذا في غاية المقصود (عبد لآل أبي أحمد) بالجر بدل من مغيث (إن قربك) بكسر الراء أي جامعك (فلا خيار لك) فيه دليل على أن خيار من عتقت على التراخي وأنه يبطل إذا مكنت الزوج من نفسها وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وهو قول للشافعي وله قول آخر أنه على الفور وفي رواية عنه أنه إلى ثلاثة أيام وقيل بقيامها من مجلس الحاكم وقيل من مجلسها وهذان القولان للحنفية والقول الأول هو الظاهر طلاق التخيير لها إلى غاية هي تمكينها من نفسها ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ إذا اعتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها إن تشأ فارقته وإن وطئ لها فلا خيار لها ولا تستطيع فراقه وفي رواية للدارقطني إن وطئك فلا خيار لك كذا في النيل قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه في المملوكين أي الذين أحدهما زوج للآخر يعتقان معا هل تخير امرأته أي زوجة المملوك المفهوم من المملوكين (مملوكين لها) أي كائنين ثابتين لعائشة (زوج) أي هما زوج أي رجل وامرأة لأن الزوج في الأصل يطلق على شيئين بينهما ازدواج وقد يطلق على فرد منهما قال الطيبي قوله لها زوج كذا في سنن أبي داود وفي إعرابه إشكال إلا أن يقدر أحدهما زوج للآخر أو بينهما
[ 229 ]
ازدواج وفي أكثر النسخ للمصابيح وفي شرح السنة زوجين على أنه صفة مملوكين والضمير في لها لعائشة وفي بعض نسخ المصابيح مملوكة لها فالضمير للجارية كذا في المرقاة قلت في بض نسخ أبي داود الموجودة بأيدينا زوجين وفي بعضها زوجا وامرأته وفي الأكثر زوج (فسألت) أي عائشة (فأمرها أن تبدأ بالرجل) أي بإعتاق الرجل قبل المرأة لأن إعتاقه لا يوجب فسخ النكاح وإعتاق المرأة يوجبه فالأول أولى بالابتداء لئلا ينفسخ النكاح إن بدئ به هذا حاصل كلام المظهر قال القاري والأظهر أنه إنما بدئ به لأنه الأكمل والأفضل أو لأن الغالب استنكاف المرأة عن أن يكون زوجها عبدا بخلاف العكس والله تعالى أعلم انتهى قال الخطابي في المعالم في هذا دلالة على أن الخيار بالعتق إنما يكون للأمة إذا كانت تحت عبد ولو كان لها خيار إذا كانت تحت حر لم يكن لتقديم عتق الزوج عليها معنى ولا فيه فائدة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي إسناده عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب وقد ضعفه يحيى بن معين وقال مرة ثقة وقال النسائي ليس بذلك القوي إذا أسلم أحد الزوجين (فردها عليه) فيه التفات وفي بعض النسخ علي بتشديد الياء والحديث يدل على أن الزوجين إذا أسلما معافهما حدثنا على نكاحهما ولا يسأل عن كيفية وقوعه قبل الإسلام هل وقع صحيحا ام لا ما لم يكن المبطل قائما كما إذا أسلمنا وقد نكحها وكانت هي محرما له بنسب إرضاع قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح
[ 230 ]
(فجاء زوجها) أي زوجها الأول (وعلمت بإسلامي) أي ومع هذا تزوجت (من زوجها الآخر) بكسر الخاء والحديث دليل على أنه إذا أسلم الزوج وعلمت امرأته بإسلامه فهي في عقد نكاحه وإن تزوجت فهو تزوج باطل تنتزع من الزوج الآخر قال القاري ناقلا عن المظهر إذا أسلما قبل انقضاء العدة ثبت النكاح بينهما سواء كانا على دين واحد كالكتابيين ابن والوثنيين أو أحدهما كان على دين والآخر على دين وسواء كانا في دار الإسلام أو في دار الحرب أو أحدهما في أحدهما والآخر في الآخر وهذا مذهب الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة تحصل الفرقة بينهما بأحد ثلاثة أمور انقضاء العدة أو عرض الاسلام على الآخر مع الامتناع عنه أو بنقل أحدهما من دار الاسلام إلى دار الحرب أو بالعكس وسواء عنده الإسلام قبل الدخول أو بعده انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها (ولم يحدث شيئا) وفي رواية لأحمد ولم يحدث شهادة ولا صداقا (قال محمد بن
[ 231 ]
عمرو في حديثه بعد ست سنين وقال الحسن بن علي بعد سنتين) ووقع في رواية بعد ثلاث سنين وأشار الحافظ في الفتح إلى الجمع فقال المراد بالست ما بين هجرة زينب وإسلامه وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى لاهن حل لهم وقدومه مسلما فإن بينهما سنتين وأشهرا قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وفي حديث الترمذي بعد ست سنين وفي حديث ابن ماجه بعد سنتين وقال الترمذي ليس بإسناده بأس ولكن لا يعرف وجه هذا الحديث ولعله قد جاء هذا من قبل داود بن الحصين من قبل حفظه وحكي عن يزيد بن هارون أنه ذكر حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد وقال حديث ابن عباس أجود إسنادا والعمل على حديث عمرو بن شعيب وقال الخطابي وهذا أصح فإنه يحتمل أن يكون عدتها قد تطاولت لاعتراض سبب حتى بلغت المدة المذكورة في الحديث إما الطولي منها وإما القصري إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه وقد ضعف أمرها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث وقال بعضهم معنى ردها عليه على النكاح الأول أي على مثل النكاح الأول في
[ 232 ]
الصداق والحباء لم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره وقال البخاري حديث ابن عباس أصح في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب وقال الدارقطني في حديث عمرو بن شعيب هذا لا يثبت والصواب حديث ابن عباس وقال الخطابي إنما ضعفوا حديث عمرو بن شعيب من قبل الحجاج بن أرطاة لأنه معروف بالتدليس وحكى محمد بن عقيل أن يحيى بن سعيد قال لم يسمعه حجاج بن عمرو انتهى كلام المنذري وقال الحافظ وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم وإسلام أبي العاص ولا مانع من ذلك انتهى وقال ابن القيم في زاد المعاد ما محصله إن اعتبار العدة لم يعرف في
[ 233 ]
شئ من الأحاديث وإلا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا ولو كان الإسلام بمجرد فرقة لكانت طلقة بائنة ولا رجعة فيها فلا يكون الزوج أحق بها إذا أسلم وقد دل حكمه صلى الله عليه وسلم أن النكاح موقوف فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي زوجته وإن انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت وإن أحبت انتظرته وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح قال ولا نعلم أحدا جدد بعد الإسلام نكاحه البتة بل الواقع أحد الأمرين إما افتراقهما
[ 234 ]
ونكاحها غيره وإما بقاؤهما على النكاح الأول إذا أسلم الزوج وإما تنجيزا لفرقة أو مراعاة العدة فلم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم في عهده قال الشوكاني هذا كلام في غاية الحسن والمتانة فيمن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان (عن حميضة) بضم الحاء المهملة وفتح الميم وسكون المثناة التحتية وفتح الضاد المعجمة (بن الشمرذل) بفتح الشين المعجمة وفتح الميم وسكون الراء وفتح الدال المعجمة آخره لام بوزن سفرجل قال الحافظ مقبول من الثالثة (قال مسدد) أي في روايته (ابن عميرة) أن نسب مسدد قيسا إلى أبيه وقال عن الحارث ابن قيس بن عميرة وقال وهب في روايته أي قال الحارث بن قيس الأسدي (اختر منهن أربعا) ظاهره يدل على أن الاختيار في ذلك إليه يمسك من شاء منهن سواء كان عقد عليهن كلهن في عقد واحد أو لا لأن الأمر قد فوض إليه من
[ 235 ]
الاختيار من غير استفصال وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري إن نكحهن في عقد واحد فرق بينه وبينهن وإن كان نكح واحدة بعد الأخرى حبس أربعا منهن الأولى فالأولى ويترك سائرهن هذا تلخيص ما قال الخطابي في المعالم وقال علي القاري في المرقاة قال المظهر فيه إن أنكحة الكفار صحيحة حتى إذا أسلموا لم يؤمروا بتجديد النكاح إلا إذا كان في نكاحهم من لا يجوز الجمع بينهن من النساء وأنه لا يجوز أكثر من أربع نسوة وأنه إذا قال اخترت فلانة وفلانة للنكاح ثبت نكاحهن وحصلت الفرقة بينه وبين ما سوى الأربع من غير أن يطلقهن وقال قال محمد في موطئه بهذا نأخذ يختار منهن أربعا أيتهن شاء ويفارق ما بقي وأما أبو حنيفة رحمه الله فقال الأربع الأول جائز ونكاح من بقي منهن باطل وهو قول إبراهيم النخعي قال ابن الهمام والأوجه قول محمد انتهى (قال أحمد بن إبراهيم هذا هو الصواب يعني قيس بن الحارث) قال الحافظ في التقريب قيس بن الحارث الأسدي ويقال الحارث بن قيس قال المنذري وفي روايته قيس بن الحارث وضعفه بعضهم وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد ضعفه
[ 236 ]
غير واحد من الأئمة وقال أبو القاسم البغوي ولا أعلم للحارث بن قيس حديثا غير هذا وقال أبو عمر النمري ليس له إلا حديث واحد ولم يأت من وجه صحيح وقد أخرج الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير أربعا منهن قال البخاري هذا حديث غير محفوظ يعني أن الصحيح إرساله وقد ذكر ذلك وبينه وقال مسلم بن الحجاج أهل اليمن أعرف بحديث معمر فإن حدث به ثقة من غير أهل البصرة موصولا (هكذا في نسخة المنذري من غير ذكر الجزاء أي فأخذ به) وأخرجه الدارقطني من حديث عبد الله بن عباس وإسناده ضعيف (عن أبي وهب الجيشاني) بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة قيل اسمه ديلم بن هوشع وقال ابن يونس هو عبيد بن شرحبيل مقبول من الرابعة كذا في التقريب (عن الضحاك بن فيروز) بفتح فائه غير منصرف للعجمة والعلمية (عن أبيه) هو فيروز وهو من أبناء فارس من فرس صنعاء وكان ممن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاتل الأسود العنسي الكذاب الذي ادعى النبوة باليمن قتل في آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصله خبره في مرضه الذي مات فيه (طلق أيتهما شئت) ذهب الشافعي ومالك وأحمد إلى أنه لو أسلم رجل وتحته أختان وأسلمتا
[ 237 ]
معه كان له أن يختار إحداهما سواء كانت المختارة تزوجها أولا أو آخرا وقال أبو حنيفة رحمه الله إن تزوجهما معا لا يجوز له أن يختار واحدة منهما وإن تزوجهما متعاقبتين له أن يختار الأولى منهما دون الأخيرة كذا في المرقاة قلت والظاهر ما ذهب إليه الأولون لتركه صلى الله عليه وسلم للاستفصال قال الخطابي فيه حجة لمن ذهب إلى أن اختياره إحداها لا يكون فسخا لنكاح الأخرى حتى يطلقها قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن وفي لفظ الترمذي اختر أيتهما شئت ولفظ ابن ماجه طلق كما ذكره أبو داود
[ 238 ]
إذا أسلم أحد الأبوين لمن يكون الولد وفي بعض النسخ مع من يكون (وهي فطيم) أي مفطومة قوله قال في القاموس فطم الصبي فصله عن الرضاع فهو مفطوم وفطيم (أو شبهه) أي شبه الفطيم (فقال له) أي لرافع (أقعد ناحية) أي في ناحية (وقال لها) أي لامرأة رافع (اللهم اهداها) أي الصبية (فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها) قال الخطابي في هذا بيان أن الولد الصغير إذا كان بين المسلم والكافر فإن المسلم أحق به وإلى هذا ذهب الشافعي وقال أصحاب الرأي في الزوجين يفترقان بطلاق والزوجة ذمية إن الأم أحق بولدها ما لم تتزوج ولا فرق في ذلك بين المسلمة والذمية قال المنذري وأخرجه النسائي في اللعان قال في الفتح اللعان مأخوذ من اللعن لأن الملاعن يقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية لأنه قول الرجل وهو الذي بدأ به في الآية وهو أيضا يبدأ به وقيل سمي لعانا لأن اللعن الطرد والإبعاد وهو مشترك بينهما وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها ثم قال وأجمعوا على أن اللعان مشروع وعلى أنه يجوز مع عدم التحقق واختلف في وجوبه على الزوج لكن لو تحقق أن الولد ليس منه قوي الوجوب
[ 239 ]
(أن عويمر بن عشقر له) بمعجمة فقاف (العجلاني) بفتح العين وسكون الجيم (أرأيت رجلا) أي أخبرني عن حكم رجل (وجد مع امرأته رجلا) أي وجزم أنه زنى بها (أيقتله فيقتلونه) أي قصاصا وفي بعض النسخ فيقتلونه بالياء المثناة من تحت أي يقتله أهل القتيل (أم كيف يفعل) يحتمل أن تكون أم متصلة والتقدير أم يصبر على ما به من المضض ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى الإضراب أي بل هناك حكم آخر لا نعرفه ويريد أن يطلع عليه فلذلك قال سل لي يا عاصم قال النووي اختلفوا فيمن قتل رجلا قد جزم أنه زنى بامرأته فقال جمهورهم يقتل إلا أن يقوم بذلك بينة أو يعترف له ورثة القتيل ويكون القتيل محصنا والبينة أربعة من العدول من الرجال يشهدون على نفس الزنا أما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان صادقا فلا شئ عليه (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعليها) لما فيها من البشاعة وغيرها قال النووي المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها لاسيما ما كان فيه هتك ستر مسلم أو إشاعة فاحشة أو شناعة عليه وليس المراد المسائل المحتاج إليها إذا وقعت فقد كان المسلمون يسألون عن النوازل فيجيبهم صلى الله عليه وسلم بغير كراهة (حتى كبر) بفتح الكاف وضم الموحدة أي عظم وزنا ومعنى (لا أنتهي حتى أسأله عنها) أي لا أمتنع عن السؤال (وهو وسط الناس بفتح السين وسكونها (فقال يارسول الله أرأيت) أي أخبرني وعبر بالإبصار عن الإخبار لأن الرؤية سبب العلم وبه يحصل الإعلام فالمعنى أعلمت فأعلمني (أيقتله فيقتلونه) الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه وفي بعض النسخ فيقتلونه أي يقتله أهل القتيل (قد أنزل فيك وفي
[ 240 ]
صاحبتك قرآن) أي قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم إلى آخر الآيات (فاذهب فأت بها) يعني فذهب فأتى بها (فلما فرغا) أي عويمر وزوجته عن التلاعن (كذبت عليها يارسول الله إن أمسكتها) أي في نكاحي وهو كلام مستقل (فطلقها عويمر ثلاثا) كلام مبتدأ منقطع عما قبله تصديقا لقوله في أنه لا يمسكها وإنما طلقها لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق قال بعض الشراح قوله كذبت عليها كلام مستقل توطئة لتطليقها ثلاثا يعني إن أمسكت هذه المرأة في نكاحي ولم أطلقها كأني كذبت فيما قذفتها لأن الإمساك ينافي كونها زانية فلو أمسكت فكأني قلت هي عفيفة لم تزن فطلقها ثلاثا لقوله إنه لا يمسكها انتهى (قال ابن شهاب) هو الزهري (فكانت تلك) أي الفرقة بين المتلاعنين قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه (أمسك المرأة عندك حتى تلد) هذا صريح في أن اللعان وقع بينهما وهي حامل وفيه جواز لعان الحامل قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه (حضرت لعانهما) أي لعان عويمر وامرأته (ثم خرجت) أي امرأة عويمر (فكان الولد يدعى إلى أمه) لقوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر والحديث سكت عنه المنذري
[ 241 ]
(أبصروها) أي انظروا المرأة الملاعنة (فإن جاءت به) أي بالولد (أدعج العينين) في النهاية الدعج السواد في العين وغيرهما وقيل الدعج شدة سواد العين في شدة بياضها (عظيم الأليتين) بفتح الهمزة والألية العجيزة وكان الرجل الذي نسب إليه الزنا موصوفا بهذه الصفات (فلا أراه) بضم الهمزة أي لا أظن عويمرا (إلا قد صدق) بتخفيف الدال أي تكلم بالصدق (وإن جاءت به أحيمر) تصغير أحمر (كأنه وحرة) بفتحات دويبة حمراء تلتزق بالأرض (فلا أراه إلا كاذبا) فإن عويمرا كان أحمر (فجاءت به على النعت المكروه) وهو شبهه بمن رميت به والحديث سكت عنه المنذري (فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الخطابي يحتمل وجهين أحدهما إيقاع الطلاق وإنفاذه وهذا على قول من زعم أن اللعان لا يوجب الفرقة وإن فراق العجلاني امرأته إنما كان بالطلاق وهو قول عثمان البتي والوجه الآخر أن يكون معناه إنفاذ الفرقة الدائمة المتأبدة وهذا على قول من لا يراها تصلح للزوج بحال وإن أكذب نفسه فيما رماها به وإلى هذا ذهب مالك والشافعي والأوزاعي والثوري ويعقوب وأحمد وإسحاق ويشهد لذلك قوله عليه السلام ولا يجتمعان أبدا وقال الشافعي إن كانت زوجته أمة فلاعنها ثم اشتراها لم تحل له إصابتها لأن الفرقة وقعت متأبدة فصارت كحرمة الرضاع ومذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن أنه إذا أكذب نفسه بعد اللعان ارتفع تحريم العقد وكان للزوج نكاحها كما إذا أكذب نفسه بعد اللعان ثبت النسب ولحقه الولد (ثم لا يجتمعان أبدا) فيه دليل على تأييد الفرقة قال في النيل والأدلة الصحيحة
[ 242 ]
الصريحة قاضية بالتحريم المؤبد وكذلك أقوال الصحابة وهو الذي يقتضيه حكم اللعان ولا يقتضي سواه فإن لعنة الله وغضبه قد حلت بأحدهما وقد وقع الخلاف هل اللعان فسخ أو طلاق فذهب الجمهور إلى أنه فسخ وذهب أبو حنيفة ورواية عن محمد إلى أنه طلاق انتهى والحديث سكت عنه المنذري (قال مسدد) أي في روايته (قال) أي سهل (وتم حديث مسدد) أي إلى قوله حين تلاعنا (وقال آخرون) أي وهب بن بيان وأحمد بن عمرو وعمرو بن عثمان (لم يقل عليها) أي لفظة عليها (لم يتابع ابن عيينة) بالنصب مفعول لم يتابع والمراد أن سفيان بن عيينة قد تفرد في حديث سهل بلفظة فرق بين المتلاعنين ولم يتابعه عليها أحد قال المنذري قال البيهقي ويعني بذلك في حديث الزهري عن سهل بن سعد لا ما رويناه عن الزبيدي عن الزهري يريد أن ابن عيينة لم ينفرد وقد تابعه عليها الزبيدي وذكر البيهقي بعد هذا حديث ابن عمر فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني عجلان والمراد من هذا أن الفرقة لم يقع بالطلاق ومعنى التفريق تبيينه صلى الله عليه وسلم الحكم لإيقاع الفراق بدليل قوله قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك (وكانت) أي المرأة (حاملا) حين وقع اللعان بينهما (فأنكر حملها) أي أنكر الرجل الملاعن حمل المرأة منه وفيه دليل على جواز الملاعنة بالحمل وإليه ذهب ابن أبي ليلى ومالك وأبو عبيد فإنهم قالوا من نفي حمل امرأته لاعن بينهما القاضي وألحق الولد بأمه وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد وأحمد في رواية لا يلاعن بالحمل وأجابوا بأن اللعان كان بالقذف لا بالحمل قاله العيني (فكان ابنها يدعى إليها) لا إلى زوجها
[ 243 ]
الملاعن إذ اللعان ينتفي به النسب عنه إن نفاه في لعانه وإذا انتفى منه ألحق بها لأنه متحقق منها (أن يرثها) أي يرث الولد الذي نفاه الرجل الملاعن من المرأة الملاعنة (وترث منه) أي ترث المرأة من الولد والحديث سكت عنه المنذري (جلدتموه) أي بحد القذف (أو قتل قتلتموه) أي بالقصاص فقال اللهم افتح) أي احكم أو بين لنا الحكم في هذا والفتاح الحاكم ومنه قوله تعالى ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم (ثم لعن) أي الرجل (الخامسة) أي في المرة الخامسة (عليه) أي على نفسه (قال فذهبت) أي المرأة (لتلتعن) أي لتلاعن ذلك واللعان والالتعان بمعنى (مه) كلمة زجر (فأبت) أي عن أن تنزجر (لعلها أن تجئ به) أي بالولد (أسود جعدا) أي ليس سبط الشعر قال الخطابي في معالم السنن قوله لعلها أن تجئ به الخ دليل على أن المرأة كانت حاملا وأن اللعان وقع على الحمل وممن رأى اللعان على نفي الحمل مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وقال أبو حنيفة لا تلاعن بالحمل لأنه لا يدري لعله ريح انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه
[ 244 ]
(أن هلال بن أمية) بضم همز وفتح ميم وتشديد تحتية (قذف امرأته) أي نسبها إلى الزنا (بشريك بن سحماء) بفتح أوله (البينة) بالنصب أي أحضر البينة (أوحد) بالرفع أي أتحضر محمد البينة أو يقع حد (في ظهرك) أي على ظهرك (يلتمس البينة) جواب إذا بتقدير الاستفهام على سبيل الاستبعاد والالتماس الطلب وفي رواية البخاري ينطلق يلتمس البينة (ولينزلن) بفتح اللام وضم التحتية وسكون النون وكسر الزاي المخففة وفي آخره نون مشددة القذف (ما يبرئ) بتشديد الراء وتخفيفها أي ما يدفع ويمنع (من الحد) أي من حد القذف (والذين يرمون أزواجهم) أي يقذفون زوجاتهم (قرأ) وفي بعض النسخ فقرأ أي ما بعده من الآيات (فأرسل إليهما) أي إلى هلال بن أمية وامرأته (فجاءا) بلفظ التثنية (فشهد) أي لاعن (الله يعلم) وفي رواية البخاري إن الله يعلم (أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب) قال عياض ظاهره أنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان فيؤخذ منه عرض التوبة على المذنب ولو بطريق الإجمال وأنه يلزم من كذبه التوبة من ذلك وقال الداودي قال ذلك قبل اللعان تحذيرا لهما منه والأول أظهر وأولى بسياق الكلام قال الحافظ والذي قاله الداودي أولى من جهة أخرى وهي مشروعية الموعظة قبل الوقوع في المعصية بل هو أحرى مما بعد الوقوع انتهى قلت وسياق هذا الحديث ظاهر فيما قال الداودي (إنها موجبة) أي للعذاب الأليم إن كنت كاذبة (فتلكأت) بتشديد الكاف أي توفقت إلى يقال تلكأ في الأمر إذا تبطأ عنه وتوقف فيه (ونكصت) أي رجعت وتأخرت وفي القرآن نكص على عقبيه والمعنى أنها سكتت بعد الكلمة الرابعة (أنها سترجع) أي عن مقالها في تكذيب الزوج ودعوى البراءة عما رماها به (سائر اليوم) أي في
[ 245 ]
جميع الأيام وأبد الدهر أو فيما بقي من الأيام بالإعراض عن اللعان والرجوع إلى تصديق الزوج وأريد باليوم الجنس ولذلك أجراه مجرى العام والسائر كما يطلق للباقي يطلق للجميع (فمضت) أي في الخامسة (أبصروها) أي انظروا وتأملوا فيما تأتي به من ولدها (أكحل العينين) أي الذي يعلو جفون عينيه سواد مثل الكحل من غير اكتحال (سابغ الأليتين) أي عظيمهما (خدلج الساقين) أي سميهما (فهو) أي الولد (لولا ما مضى من كتاب الله) من بيان لما أي لولا ما سبق من حكمه بدرء الحد عن المرأة بلعانها (لكان لي ولها شأن) أي في إقامة الحد عليها أو المعنى لولا أن القرآن حكم بعدم الحد على المتلاعنين وعدم التعزير لفعلت بها ما يكون عبرة للناظرين وتذكرة للسامعين فإن قلت الحديث الأول من الباب يدل على أن عويمرا هو الملاعن والآية نزلت فيه والولد شابهه وهذا الحديث يدل على أن هلالا هو الملاعن والآية نزلت فيه والولد شابهه ويجاب بأن النووي قال اختلفوا في نزول آية اللعان هل هو بسبب عويمر أم بسبب هلال وقال الأكثرون إنما نزلت في هلال وأما قوله عليه السلام لعويمر إن الله قد أنزل فيك وفي صاحبتك فقالوا معناه الإشارة إلى ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الآية فيهما وسبق هلال باللعان انتهى كذا في القسطلاني (قال أبو داود وهذا) أي هذا الحديث الذي فيه قصة اللعان لهلال بن أمية (تفرد به أهل المدينة) كعكرمة عن ابن عباس وهما من أهل المدينة وما روى هذه القصة غير أهل المدينة (حديث ابن بشار) بيان لهذا (حديث هلال) بدل من حديث ابن بشار قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه (أن يضع) أي الرجل (يده) الضمير للرجل (على فيه) أي على الرجل الملاعن (يقول) حال من ضمير يضع (إنها) أي الشهادة الخامسة (موجبة) أي لغضب الله وعقابه قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 246 ]
(أحد الثلاثة) هم الذين تخلفوا عن غزوة تبوك (فلم يهجه) من هاج أي لم يزعج هلال ذلك الرجل ولم ينفره ومعناه بالفارسية تنبيه وسرزنش كان نكرداورا أبو (الآيتين كلتيهما) أي قرأ الآيتين كلتيهما (فسرى) أي كشف الوحي (قد جعل الله لك فرجا) بفتح الفاء والراء بالفارسية كشايش (وذكرهما) من التذكير (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لأصحابه (فتلكأت) أي توقفت (ولا ترمي) أي لا تقذف المرأة بالزنا (ولا يرمي ولدها) أي لا يقال لولدها إنه ولد زنا (ومن رماها أو
[ 247 ]
رمى ولدها فعليه الحد) فيه دليل على أنه يجب الحد على من رمى المرأة التي لاعنها زوجها بالرجل الذي إتهمها أو به وكذلك يجب على من قال لولدها إنه ولد زنا وذلك لأنه لم يتبين صدق ما قاله الزوج والأصل عدم الوقوع في المحرم ومجرد وقوع اللعان لا يخرجها عن العفاف والأعراض محمية عن الثلب ثلب بالفتح عيب ثلاب) جمع منتهى الأرب ما لم يحصل اليقين (وقضى أن لا بيت) أي لا مسكن (لها) أي لامرأة هلال (عليه) أي على هلال (ولا قوت) أي ولا نفقه (من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفي عنها) قال الخطابي فيه أن اللعان فسخ وليس بطلاق وأنه ليس للملاعنة على زوجها سكنى ولا نفقة وإليه ذهب الشافعي وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن اللعان تطليقة بائنة ولها السكنى والنفقة في العدة انتهى (إن جاءت به) أي بالولد (أصيهب) تصغير الأصهب وهو من الرجال الأشقر ومن الإبل الذي يخالط بياضه حمرة (أريصح) تصغير الأرصح عبد وهو خفيف الأليتين أبدلت السين منه صادا وقد يكون تصغير الأرسع عليه أبدلت عينه حاء (اثيبج) تصغير الأثبج وهو الناتئ الثبج وهو ما بين الكاهل ووسط الظهر قاله السيوطي وفي المصباح الثبج بفتحتين ما بين الكاهل إلى الظهر والأثبج على وزن احمر الناتئ الثبج وقيل العريض الثبج ويصغر على القياس فيقال اثيبج انتهى (حمش الساقين) بمفتوحة فساكنة فمعجمة أي دقيق الساقين (اورق) هو الأسمر (جعدا) بفتح الجيم وسكون المهملة بعدها دال مهملة قال في القاموس الجعد من الشعر خلاف السبط أو القصير منه (جماليا) قال في المجمع هو بتشديد الياء الضخم الأعضاء التام الأوصال كأنه الجمل (خدلج الساقين) بفتح الخاء والدال المهملة وتشديد اللام أي ممتلئ الساقين وعظيمهما (سابغ الأليتين) أي تامهما وعظيمهما (لولا الأيمان) أي الشهادات واستدل به من قال إن اللعان يمين وإليه ذهب الشافعي والجمهور وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي في قول أنه شهادة وفيه مذاهب أخرى ذكرها الحافظ في فتح الباري (فكان) أي الولد (أميرا على
[ 248 ]
مضر) قبيلة قال المنذري في إسناده عباد بن منصور وقد تكلم فيه غير واحد وكان قدريا داعية (حسابكما) أي محاسبتكما أبي وتحقيق أمركما ومجازاته (على الله أحدكما كاذب) أي في نفس الأمر ونحن نحكم بحسب الظاهر (لا سبيل لك عليها) أي لا يجوز لك أن تكون معها بل حرمت عليك أبدا واستدل به من قال بوقوع الفرقة بنفس اللعان من غير احتياج إلى تفريق الحاكم وقد تقدم بعض الكلام فيه (قال يارسول الله مالي) هو فاعل محذوف أي أيذهب مالي وأين يذهب مالي الذي أعطيتها مهرا (قال لا مال لك) أي باق عندها (فهو بما استحللت من فرجها) أي فمالك في مقابلة وطئك إياها وفيه أن الملاعن لا يرجع بالمهر عليها إذا دخل عليها وعليه اتفاق العلماء وأما إن لم يدخل بها فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لها نصف المهر وقيل لها الكل وقيل لا صداق لها (فذلك) أي عود المهر إليك (أبعد لك) لأنه إذا لم يعد إليك حالة الصدق فلأن لا يعود إليك حالة الكذب أولى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (قلت لابن عمر رجل قذف امرأته) أي ما الحكم فيه (قال) أي ابن عمر (بين أخوي بني العجلان) يعني عويمرا وامرأته وهو من باب التغليب حيث جعل الأخت كالأخ وأما إطلاق الأخوة فبالنظر إلى أن المؤمنين إخوة أو إلى القرابة التي بينهما بسبب أن الزوجين كليهما من قبيلة عجلان (يرددها) أي كلمة الله يعلم إلى تائب (ففرق بينهما) استدل به من قال إن الفرقة لا تقع إلا بتفريق الحاكم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه
[ 249 ]
(أن رجلا) هو عويمر (وانتفى من ولدها) أي أنكر الرجل انتساب الولد إليه (وألحق الولد بالمرأة) أي في النسب والوراثة فيرث ولد الملاعنة منها وترث منه ولا وراثة بين الملاعن وبينه وبه قال جمهور العلماء قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (قال أبو داود الذي تفرد به الخ) حاصله أن مالكا تفرد بهذه الزيادة أي بزيادة قوله وألحق الولد بالمرأة في حديث ابن عمر وقد جاءت في حديث سهل بن سعد كما تقدم من رواية يونس عن الزهري بلفظ ثم خرجت حاملا فكان الولد يدعى إلى أمه ومن رواية الأوزاعي عن الزهري بلفظ فكان يدعى يعني الولد لأمه ومن رواية فليح عن الزهري بلفظ وكانت حاملا فأنكر حملها فكان ابنها يدعى إليها وقوله الذي تفرد به مالك مبتدأ وخبره قوله وألحق الولد بالمرأة وأما قوله قال يونس عن الزهري الخ ففيه أن يونس لم يقل في روايته عن الزهري لفظه وأنكر حملها فكان ابنها يدعى إليها وإنما قالها فليح في روايته عن الزهري والله تعالى أعلم إذا شك في الولد (يولد أسود) زاد في رواية للبخاري ومسلم وأني أنكرته أي لسواد الولد مخالفا للون
[ 250 ]
أبويه وأراد نفيه عنه (ما ألوانها) أي ما ألوان تلك الإبل (حمر) بضم فسكون جمع أحمر (من أورق) غير منصرف للوصف ووزن الفعل قال في القاموس ما في لونه بياض إلى سواد وقال غيره الذي فيه سواد ليس بحالك بأن يميل إلى الغبرة ومنه قيل للحمامة ورقاء (إن فيها لورقا) بضم فسكون جمع أورق وعدل عنه إلى جمعه مبالغة في وجوده (فأنى تراه) بضم التاء أي فمن أين تظن الورق (عسى أن يكون نزعه عرق) بكسر أوله والمراد بالعرق ههنا الأصل من النسب وأصل النزع الجذب أي قلعه وأخرجه من ألوان فحله ولقاحه (وفي المثل العرق نزاع والعرق الأصل مأخوذ من عرق الشجرة يعني أن لونه إنما جاء لأنه في أصوله البعيدة ما كان في هذا اللون (قال وهذا) أي الولد الأسود (عسى أن يكون نزعه عرق) أي عسى أي يكون في أصولك أو في أصول امرأتك من يكون في لونه سواد فأشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه عليه قال النووي في هذا الحديث أن الولد يلحق الزوج وإن خالف لونه لونه حتى لو كان الأب أبيض والولد أسود أو عكسه لحقه ولا يحل له نفيه بمجرد المخالفة في اللون وكذا لو كان الزوجان أبيضين فجاء الولد أسود أو عكسه لاحتمال أنه نزعه عرق من أسلافه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وهذا الرجل هو ضمضم بن قتادة (وهو) أي الرجل الفزاري (يعرض) بتشديد الراء من التعريض وهو ذكر شئ يفهم منه شئ آخر لم يذكر ويفارق الكناية بأنها ذكر شئ بغير لفظه الموضوع يقوم مقامه (بأن ينفيه) أي الولد وفيه أن التعريض ينفي الولد ليس نفيا وأن التعريض بالقذف ليس قذفا وهو مذهب الشافعي وموافقيه كذا قال النووي (وإني أنكره) أي أستغربه ما بقلبي أن يكون مني لا أنه نفاه عن نفسه بلفظه قاله النووي
[ 251 ]
في التغليظ في الانتفاء لا (أيما امرأة أدخلت على قوم) أي بالانت أن الباطل (من) مفعول أدخلت (ليس منهم) أي من ذلك القوم (فليست) أي المرأة (من الله) أي من دينه أو رحمته (في شئ) أي شئ يعتد به (ولن يدخلها الله جنته) أي مع من يدخلها من المحسنين بل يؤخرها أو يعذبها ما شاء إلا أن تكون كافرة فيجب عليها الخلود كذا في المرقاة (جحد ولده) أي أنكره ونفاه (وهو ينظر إليه) أي الرجل ينظر إلى الولد وهو كناية عن العلم بأنه ولده أو الولد ينظر إلى الرجل ففيه إشعار إلى قلة شفقته ورحمته وكثرة قساوة قلبه وغلظته (احتجب الله تعالى منه) أي حجبه وأبعده من رحمته (وفضحه) أي أخزاه (على رؤس الأولين والآخرين) أي عندهم قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقال البخاري عبد الله بن يونس عن سعيد المقبري روى عنه يزيد بن الهاد يعرف بحديث واحد وقال ابن أبي حاتم عبد الله بن يونس يعرف بحديث واحد عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر هذا الحديث روى عنه يزيد بن عبد الله بن الهاد سمعت أبي يقول ذلك في ادعاء ولد الزنا (عن سلم يعني ابن أبي الذيال) بفتح المعجمة والتحتانية الثقيلة قال الحافظ ثقة قليل
[ 252 ]
الحديث (لا مساعاة في الإسلام) قال في النهاية المساعاة الزنا وكان الأصمعي يجعلها في الإماء دون الحرائر لأنهن كن يسعين لمواليهن فيكسبن على لهم بضرائب كانت عليهن ساعت الأمة إذا فجرت وساعاها فلان إذا فجر بها مفاعلة من السعي كأن كلا منهما يسعى لصاحبه في حصول غرضه فأبطله الإسلام ولم يلحق النسب بها وعفا عما كان منها في الجاهلية ممن ألحق بها (من ساعي) أي زنى أمة الرجل وفجر بها على نهج المعروف (في الجاهلية) فحصل به ولد (فقد لحق) الولد المتولد من الزنا (بعصبته) يشبه أن يكون المعنى أي بمولاه وسيده وهو مولى الأمة الفاجرة قال في معالم السنن إن أهل الجاهلية كانت لهم إماء يساعين وهن البغايا اللواتي ذكرهن الله تعالى في قوله عزوجل ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إذا كان سادتهن يلمون بهن ولا يجتنبوهن فإذا جاءت إحداهن بولد وكان سيدها يطؤها وقد وطئها غيره بالزنا فربما ادعاه الزاني وادعاه السيد فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالولد لسيدها لأن الأمة فراش السيد كالحرة ونفاه عن الزاني انتهى (ولدا من غير رشدة) يقال هذا ولد رشدة بالكسر والفتح من كان بنكاح صحيح وولد زنية من كان بضده قال المنذري في إسناده رجل مجهول (وهو أشبع) أي حديث الحسن أتم من حديث شيبان (قضى) أي أراد أن يقضي (أن كل مستلحق) هو بفتح الحاء الذي طلب الورثة أن يلحقوه بهم واستلحقه أي ادعاه (استلحق)
[ 253 ]
بصيغة المجهول صفة لقوله مستلحق (بعد أبيه) أي بعد موت أبي المستلحق (الذي يدعى) بالتخفيف أي المستلحق (له) أي لأبيه يعني ينسبه إليه الناس بعد موت سيد تلك الأمة ولم ينكر أبوه حتى مات (ادعاه ورثته) هذه الجملة خبر إن وقيل إنها صفة ثانية لمستلحق الله وخبر إن محذوف أي من كان دل عليه ما بعده (فقضى) الفاء تفصيلية أي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي فقضى كما في قوله تعالى فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم (أن كل من كان من أمة) أي كل ولد حصل من جارية (يملكها) أي سيدها (يوم أصابها) أي في وقت جامعها (فقد لحق بمن استلحقه) يعني أن لم ينكر نسبه منه في حياته وهو معنى قوله (وليس له) أي للولد (مما قسم) بصيغة المجهول أي في الجاهلية بين ورثته (قبله) أي قبل الاستلحاق (من الميراث شئ) لأن ذلك الميراث وقعت قسمته في الجاهلية والإسلام يعفو عما وقع في الجاهلية (ما أدرك) أي الولد (من ميراث لم يقسم فله نصيبه) أي فللولد حصته (ولا يلحق) قال القاري في المرقاة بفتح أوله وفي نسخة بضمه أي لا يلحق الولد (إذا كان أبوه الذي يدعى له) أي ينتسب إليه (أنكره) أي أبوه لأن الولد انتفي عنه بإنكاره وهذا إنما يكون إذا ادعى الاستبراء بأن يقول مضى عليها حيض بعد ما أصابها وما وطئ بعد مضي الحيض حتى ولدت وحلف على الاستبراء
[ 254 ]
فحينئذ ينتفى عنه الولد (وإن كان) أي الولد (بها) أي زنى بها (فإنه) أي الولد (لا يلحق) بصيغة المعلوم أو المجهول (ولا يرث) أي ولا يأخذ الإرث (وإن كان الذي يدعى له) وصلية تأكيد ومبالغة لما قبله (هو ادعاه) بتشديد الدال أي انتسبه قال (فهو ولد زنية) بكسر فسكون (من حرة كان) أي الولد (أو أمة) أي من جارية قال الخطابي هذه أحكام قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل الإسلام ومبادئ الشرع وهي أن الرجل إذا مات واستلحق له ورثته ولدا فإن كان الرجل الذي يدعي الولد له ورثته قد أنكر أنه منه لم يلحق به ولم يرث منه وإن لم يكن أنكره فإن كان من أمته لحقه وورث منه ما لم يقسم بعد من ماله ولم يرث ما قسم قبل الاستلحاق وإن كان من أمة غيره كابن وليدة زمعه أو من حرة زنى بها لا يلحق به ولا يرث بل لو استلحقه الواطئ لم يلحق به فإن الزنا لا يثبت النسب قال النووي معناه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشا له فأتت بولد لمدة
[ 255 ]
الإمكان لحقه وصار ولدا له يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة سواء كان موافقا له في الشبه أو مخالفا له نقله السيوطي رحمه الله كذا في المرقاة قال المنذري قد تقدم الكلام على عمرو بن شعيب وروى عن عمرو هذا الحديث محمد ابن راشد بن المكحول وفيه مقال في القافة جمع قائف هو من يتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه قاله في المجمع (قال مسدد وابن السرح) أي في روايتهما بعد قوله دخل علي (يوما مسرورا) يوما ظرف لدخل ومسرورا حال من ضمير دخل (وقال عثمان) أي في روايته (تعرف أسارير وجهه) جملة حالية وتعرف بصيغة المجهول والأسارير هي الخطوط التي في الجبهة واحدها سر وسرر وجمعه أسرار وجمع الجمع أسارير (أي عائشة) أي يا عائشة فأي نداء للقريب (ألم ترى) بحذف النون أي ألم تعلمي (أن مجززا) بكسر الزاي الأولى مشددة بضم الجيم (المدلجي) نسبة إلى مدلج بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وكان القيافة فيهم وفي بني أسد يعترف لهم العرب (رأى زيدا) أي ابن حارثة (وأسامة) أي ابن زيد متبني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد غطيا) أي سترا (بقطيفة) أي كساء غليظ (وبدت) أي ظهرت (كان أسامة أسود) كانت أمه حبشية سوداء اسمها بركة وكنيتها أم أيمن قال الخطابي في هذا الحديث دليل على ثبوت أمر القافة وصحة الحكم بقولهم في إلحاق الولد وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده وكان الناس قد ارتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة وكان زيد أبيض وأسامة أسود فتمارى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء رسول الله صلى الله عليه وسلم سماعه فلما سمع هذا القول من مجزز فرح به وسرى
[ 256 ]
عنه وممن أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس وبه قال عطاء وإليه ذهب الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وهو قول عامة أصحاب الحديث وقال أصحاب الرأي في الولد المشكل يدعيه اثنان يقضي به لهما وأبطل الحكم بالقافة انتهى (بإسناده ومعناه) أي بإسناد الحديث المذكور ومعناه (قال) أي الليث في روايته (تبرق) بفتح التاء وضم الراء أي تضئ وتستنير من السرور والفرح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد (عن الأجلح) بتقديم الجيم على الحاء (يختصمون إليه في ولد) جملة حالية (الاثنين) قد وقع في بعض النسخ بعد قوله لاثنين لفظ منهما ولا يظهر له وجه (طيبا بالولد) من طابت نفسه بالشئ إذا سمحت به من غير كراهة ولا غضب (لهذا) أي الثالث (فغليا) بالتحتانية من
[ 257 ]
غلت القدر أي صاحا وفي بعض النسخ غلبا بالموحدة (متشاكسون) أي متنازعون (فمن قرع) أي فمن خرج القرعة باسمه (وعليه) أي على من خرج باسمه القرعة (ثلثا الدية) أي ثلثا القيمة والمراد قيمة الأم فإنها انتقلت إليه من يوم وقع عليها بالقيمة كذا في فتح الودود وروى الحديث الحميدي في مسنده وقال فيه فأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه (حتى بدت) أي ظهرت (أضراسه) الأضراس الأسنان سوى الثنايا الأربعة (أو) للشك (نواجذه) هي من الأسنان الضواحك التي تبدو عند الضحك والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان والمراد الأول لأنه ما كان يبلغ به الضحك حتى يبدو آخر أضراسه فورد كل ضحكة التبسم وإن أريد بها الأواخر لاشتهارها بها فوجهه أن يراد مبالغة مثله في ضحكه من غير أن يراد ظهور نواجذه كما في المجتمع قال المنذري في هذا الحديث دليل على أن الولد لا يلحق بأكثر من أب واحد وفيه إثبات القرعة في أمر وإحقاق القارع وللقرعة مواضع غير هذا في العتق وتساوي البينتين في الشئ يتداعاه اثنان فصاعدا وفي الخروج بالنساء في الأسفار وفي قسم المواريث وإفراز الحصص بها وقد قال بجميع وجوهها نفر من العلماء ومنهم من قال بها في بعض هذه المواضع ولم يقل بها في بعض وممن قال بظاهر حديث زيد بن أرقم إسحاق بن راهويه وقال هو السنة في دعوى الولد وكان الشافعي يقول به في القديم وقيل لأحمد في حديث زيد هذا فقال حديث القافة أحب إلي وقد تكلم بعضهم في إسناد حديث زيد بن أرقم وقد قيل فيه إنه منسوخ انتهى وقال في النيل واعلم أنه لا معارضة بين حديث العمل بالقافة وحديث العمل بالقرعة لأن كل واحد منهما دل على أن ما استعمل عليه طريق شرعي فأيما حصل وقع به الإلحاق فإن حصلا معا فمع الاتفاق لا إشكال ومع الاختلاف الظاهر أن الاعتبار بالأول منهما لأنه طريق شرعي يثبت به الحكم ولا ينقصه طريق آخر يحصل بعده قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده الأجلح واسمه يحيى بن عبد الله الكندي ولا يحتج بحديثه
[ 258 ]
(حدثنا خشيش) بمعجمات مصغرا (بثلاثة) أي بثلاثة رجال (وهو) أي علي رضي الله عنه (أتقران) بصيغة التثنية (لهذا) أي لهذا الثالث (بالذي صارت عليه القرعة) أي بالذي خرجت باسمه القرعة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه ورواه بعضهم مرسلا وقال النسائي هذا صواب وقال الخطابي وقد تكلم بعضهم في إسناد حديث زيد بن أرقم هذا آخر كلامه ويشبه أن يكون المراد بذلك الحديث المتقدم فأما حديث عبد خير فرجال إسناده ثقات غير أن الصواب فيه الإرسال
[ 259 ]
(عن الخليل أو ابن الخليل) هو عبد الله بن الخليل أو ابن أبي الخليل الحضرمي أبو الخليل الكوفي مقبول من الثانية وفرق البخاري وابن حبان بين الراوي عن علي فقال فيه ابن أبي الخليل والراوي عن زيد بن أرقم فقال فيه ابن الخليل كذا في التقريب باب في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية (محمد بن مسلم بن شهاب) هو الزهري (أن النكاح كان في الجاهلية) أي في زمن الجاهلية (على أربعة أنحاء) بالحاء المهملة جمع نحو بمعنى النوع أي على أربعة أنواع (فنكاح منها) وهو الأول (يخطب) الخطبة بضم الخاء وكسرها بإختلاف معنيين فيقال في الموعظة خطب القوم وعليهم من باب قتل خطبة بالضم وخطب المرأة إلى القوم إذا طلب أن يتزوج منهم واختطبها والاسم الخطبة بالكسر كذا في المصباح (وليته) كابنة أخيه (فيصدقها) بضم أوله أي يعين صداقها ويسقي مقداره (ثم ينكحها) أي يعقد عليها (ونكاح آخر) وهو
[ 260 ]
الثاني (إذا طهرت) بفتح الطاء المهملة وضم الهاء (من طمثها) بفتح الطاء المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة وكان السر في ذلك أن يسرع علوقها منه (أرسلي إلى فلان) أي رجل من أشرافهم (فاستبضعي) بموحدة بعدها ضاد معجمة أي اطلبي منه المباضعة وهي الجماع لتحملي منه (أصابها زوجها) أي جامعها (وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد) أي اكتسابا من ماء الفحل لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرام أو غير ذلك (ونكاح آخر) وهو الثالث (يجتمع الرهط) أي الجماعة (كلهم يصيبها) أي يطؤها والظاهر أن ذلك إنما يكون عن رضى منها وتواطؤ بينهم وبينها (وقد ولدت) بضم التاء لأنه كلامها (وهو ابنك يا فلان) أي إن كان ذكرا فلو كانت أنثى لقالت هي ابنتك لكن يحتمل أن يكون لا تفعل ذلك إلا إذا كان ذكرا لما عرف من كراهتهم في البنت وقد كان منهم من يقتل بنته التي يتحقق أنها بنت فضلا عمن تجئ بهذه الصفة كذا في الفتح (فتسمى) أي المرأة (فيلحق به) أي بالرجل الذي تسميه (وهن البغايا) جمع بغية وهي الزانية (كن ينصبن) بكسر الصاد أي يرفعن (تكن علما) بفتح اللام أي علامة (جمعوا لها) ضبطه القسطلاني بضم الجيم وكسر الميم وقال أي جمعوا لها الناس (القافة) بالقاف وتخفيف الفاء جمع قائف وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية (فالتاطه) أي التصق به وأصل اللوط بفتح اللام اللصوق
[ 261 ]
(كله) دخل فيه ما ذكرت وما استدرك عليها (إلا نكاح أهل الإسلام اليوم) أي الذي بدأت بذكره وهو أن يخطب الرجل إلى الرجل فيزوجه كما سبق قال المنذري وأخرجه البخاري الولد للفراش من (اختصم سعد بن أبي وقاص) هو أحد العشرة المبشرة (وعبد بن زمعة) بفتح الزاي والميم وقد تسكن الميم (في ابن أمة زمعة) بالإضافة أي ابن أمته وهي جارية زانية كانت في الجاهلية لزمته (أخي عتبة) يضم أوله وسكون فوقية ابن أبي وقاص وهو الذي كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومات كافرا (فأقبضه) بكسر الموحدة أي أمسكه (فإنه ابنه) أي فإن ابن أمة زمعة ابن أخي عتبة (الولد للفراش) قال في النيل اختلف في معنى الفراش فذهب الأكثر إلى أنه اسم للمرأة وقد يعبر به عن حالة الافتراش وقيل إنه اسم للزوج روي ذلك عن ابي حنيفة وفي القاموس أن الفراش زوجة الرجل انتهى مختصرا قال النووي معنى قوله الولد للفراش أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشا
[ 262 ]
له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولدا يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة سواء كان موافقا له في الشبه أم مخالفا ومدة إمكان كونه منه ست أشهر من حين أمكن اجتماعهما وأما ما تصير به المرأة فراشا فإن كانت زوجة صارت فراشا بمجرد عقد النكاح ونقلوا في هذا الإجماع وشرطوا إمكان الوطء بعد ثبوت الفراش فإن لم يكن بأن نكح المغربي مشرقية ولم يفارق واحد منهما وطنه ثم أتت بولد لستة أشهر أو أكثر لم يلحقه لعدم إمكان كونه منه هذا قول مالك والشافعي والعلماء كافة إلا أبا حنيفة فلم يشترط الإمكان بل اكتفى بمجرد العقد قال حتى لو طلق عقب العقد من غير إمكان وطء فولدت لستة أشهر من العقد لحقه الولد وهذا ضعيف ظاهر الفساد ولا حجة له في إطلاق الحديث لأنه خرج على الغالب وهو حصول الإمكان عند العقد هذا حكم الزوجة وأما الأمة فعند الشافعي ومالك تصير فراشا بالوطء ولا تصير فراشا بمجرد الملك حتى لو بقيت في ملكه سنين وأتت بأولاد ولم يطأها ولم يقر بوطئها لا يلحقه أحد منهم فإذا وطئها صارت فراشا فإذا أتت بعد الوطء بولد أو أولاد لمدة الإمكان لحقوه وقال أبو حنيفة لا تصير فراشا إلا إذا ولدت ولدا واستلحقه فما تأتي به بعد ذلك يلحقه إلا إن نفيه انتهى (وللعاهر الحجر) العاهر الزاني وعهر زنى وعهرت زنت والعهر الزنا أي وللزاني الخيبة ولا حق له في الولد وعادة العرب أن تقول له الحجر وبفيه الأثلب وهو التراب ونحو ذلك يريدون ليس له إلا الخيبة وقيل المراد بالحجر هنا أنه يرجم بالحجارة وهذا ضعيف لأنه ليس كل زان يرجم وإنما يرجم المحصن خاصة ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد عنه والحديث إنما ورد في نفي الولد عنه (واحتجبي منه) أي من ابن أمة زمعة (يا سودة) هي بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم
[ 263 ]
قال النووي أمرها به ندبا واحتياطا لأنه في ظاهر الشرع أخوها لأنه ألحق بأبيها لكن لما رأى الشبه البين بعتبة خشي أن يكون من مائه فيكون أجنبيا منها فأمرها بالاحتجاب منه احتياطا قال المازري وزعم بعض الحنفية أنه إنما أمرها بالاحتجاب لأنه جاء في رواية احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك وقوله ليس بأخ لك لا يعرف في هذا الحديث بل هي زيادة باطلة مردودة والله أعلم انتهى (فقال هو أخوك يا عبد) وكذا وقع في رواية للبخاري ووقع في أخرى له ولغيره بلفظ هو لك يا عبد بن زمعة واللام في قوله لك للاختصاص لا للتمليك كما قيل قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (ابني) خبر إن (عاهرت) أي زنيت وهذه الجملة مستأنفة لإثبات الدعوة (لا دعوة) بكسر الدال أي لا دعوى نسب قال في النهاية الدعوة بالكسر في النسب وهو أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته وقد كانوا يفعلونه فنهي عنه وجعل الولد للفراش (الولد للفراش إلخ) تقدم معناه قال المنذري وقد تقدم الكلام في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب
[ 264 ]
(عن رباح) قال في الخلاصة رباح الكوفي عن عثمان وعنه الحسن ابن سعد مجهول وقال في هامشه وذكره ابن حبان في الثقات (رومية) بالنصب صفة أمه (ثم طبن لها) بفتح الباء أي أفسدها وبكسرها من الطبانة بمعنى الفطنة أي هجم على باطنها وهي وافقته على المراودة كذا في فتح الودود وقال في المجمع أصل الطبانة الفطنة طبن لكذا أي هجم على باطنها وخبر أمرها وأنها ممن تواتيه على المرادوة هذا إن روي بكسر الباء وعلى فتحها بمعنى خيبها وأفسدها انتهى (رومي) بالرفع صفة غلام (يوحنة) بضم المثناة من تحت وسكون واو وفتح مهملة وتشديد نون (فراطنها) أي كلمهما كلاما لا يفهمه غيرها (كأنه وزغة) بفتحات وهي ما يقال له سام أبرص (أحسبه) قائله موسى بن إسماعيل شيخ أبي داود (قال مهدي) أي ابن ميمون في روايته (فسألهما) أي فسأل عثمان العبد الرومي والأمة الرومية (وأحسبه قال) أي مهدي (فجلدها) أي الأمة (وجلده) أي العبد والحديث سكت عنه المنذري
[ 265 ]
من أحق بالولد (كان بطني له وعاء) بكسر أوله أي ظرفا حال حمله (وثديي له سقاء) بكسر أوله أي حال رضاعه (وحجري) قال في القاموس الحجر مثلث المنع وحضن الانسان (حواء) بالكسرأي مكانا يحويه ويحفظه ويحرسه ومراد الأم بذلك أنها أحق به لاختصاصها بهذه الأوصاف دون الأب (أن ينتزعه) أي يأخذه (أنت أحق به) أي بولدك (ما لم تنكح) بفتح حرف المضارعة وكسر الكاف أي ما لم تتزوجي قال في النيل في الحديث دليل على أن الأم أولى بالولد من الأب ما لم يحصل مانع من ذلك كالنكاح لتقييده صلى الله عليه وسلم للأحقية بقوله ما لم تنكحي وبه قال مالك والشافعية والحنفية وقد حكى ابن المنذر الإجماع عليه وقد ذهب أبو حنيفة إلى أن النكاح إذا كان بذي رحم محرم للمحضون لم يبطل به حق حضانتها وقال الشافعي يبطل مطلقا لأن الدليل لم يفصل وهو الظاهر انتهى ملخصا والحديث سكت عنه المنذري (أن أبا ميمونة سلمى) قال في التقريب أو ميمونة الفارسي المدني الأبار قيل اسمه سليم أو سلمان أو سلمى وقيل أسامة ثقة من الثالثة ومنهم من فرق بين الفارسي والأبار وكل منهما مدني يروي عن أبي هريرة والله أعلم انتهى (فادعياه) أي فادعي كل منهما الابن (رطنت له بالفارسية) في النهاية الرطانة بفتح الراء وكسرها والتراطن في كلام لا يفهمه الجمهور وإنما هو مواضعة بين اثنين أو جماعة والعرب تخص بالرطانة غالب كلام العجم وفي
[ 266 ]
الصحاح رطنت له إذا كلمته بالعجمية فالمعنى تكلمت بالفارسية (استهما عليه) أي على الإبن والمعنى اقترعي بن أنت وأبوه ففيه تغليب الحاضر على الغائب (ورطن) أبو هريرة (لها) أي للمرأة (من يحاقني) بالحاء المهملة والقاف المشددة أي من ينازعني (إني لا أقول هذا) أي هذا القول أو هذا الحكم (إلا أني) بفتح الهمزة أي لأني (من بئر أبي عنبة) بعين مهملة مكسورة فنون مفتوحة فموحدة أظهرت حاجتها إلى الولد ولعل محمل الحديث تعد مدة الحضانة مع ظهور حاجة الأم إلى الولد واستغناء الأب عنه مع إرادته إصلاح الولد قاله السندي (استهما عليه) أي على الإبن قال في النيل فيه دليل على أن القرعة طريق شرعية عند تساوي الأمرين وأنه يجوز الرجوع إليها كما يجوز الرجوع إلى التخيير وقد قيل إنه يقدم التخيير عليها وليس في حديث أبي هريرة هذا ما يدل على ذلك بل ربما دل على عكسه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهما أولا بالاستهام ثم لما لم يفعلا خير الولد وقد قيل إن التخيير أولى لاتفاق ألفاظ الأحاديث عليه وعمل الخلفاء الراشدين به انتهى (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) أي للولد (فخذ بيد أيهما شئت) قال الخطابي في المعالم هذا في الغلام الذي قد عقل واستغنى عن الحضانة وإذا كان كذلك خير بين والديه وقد اختلف العلماء في ذلك فقال الشافعي إذا صار ابن سبع سنين أو ثماني سنين خير وبه قال إسحاق وقال أحمد يخير إذا كبر وقال أصحاب الرأي وسفيان الثوري الأم أحق بالغلام حتى يأكل وحده ويلبس وحده وبالجارية حتى تحيض ثم الأب أحق الوالدين وقال مالك الأم أحق بالجواري وإن حضن حتى ينكحن وأما الغلمان فهو أحق بهم حتى يحتلموا قال الخطابي يشبه أن يكون من ترك التخيير وصار إلى أن الأب أحق بالولد إذا استغنى عن الحضانة إنما ذهب إلى أن الأم إنما حظها الحضانة لأنها أرفق بذلك وأحسن تأتيا له فإذا جاوز الولد حد الحضانة فإنه يحتاج إلى الأدب والمعاش والأب أبصر بأسبابهما وأوقى هذه له من الأم ولو ترك الصبي واختياره لمال إلى البطالة واللعب قال وإن صح الحديث فلا مذهب عنه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا
[ 267 ]
ومطولا وقال الترمذي حديث حسن صحيح وذكر أن أبا ميمونة اسمه سليم وقال غيره اسمه سلمان ووقع في أصل سماعنا سلمى كما ذكرنا (زيد بن حارثة) أي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (بابنة حمزة) أي ابن عبد المطلب وكان قد استشهد بأحد وهي يتيمة (فقال جعفر) أي ابن أبي طالب يكنى أبا عبد الله وكان أكبر من علي بعشر سنين (وعندي خالتها) هي أسماء بنت عميس (فذكر) أي علي رضي الله عنه (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأما الجارية) أي ابنة حمزة (وإنما الخالة أم) فيه دليل على أن الخالة في الحضانة بمنزلة الأم وقد ثبت بالإجماع أن الأم أقدم الحواضن فمقتضى التشبيه أن تكون الخالة أقدم من غيرها من أمهات الأم وأقدم من الأب والعمات لكن فيه اختلاف العلماء ذكره صاحب النيل وقال والأولى تقديم الخالة بعد الأم على سائر الحواضن لنص الحديث وفاء بحق التشبيه المذكور وإلا كان لغوا قال واستشكل كثير من الفقهاء وقوع القضاء منه صلى الله عليه وسلم لجعفر وقالوا إن كان القضاء له فليس بمحرم لها وهو وعلي سواء في قرابتها وإن كان القضاء للخالة فهي مزوجة وتقدم أن زواج الأم مسقط لحقها من الحضانة فسقوط حق الخالة بالزواج أولى وأجيب عن ذلك بأن القضاء للخالة والزواج لا يسقط حقها من الحضانة مع رضا الزوج كما ذهب إليه أحمد والحسن البصري وابن حزم وقيل إن النكاح إنما يسقط حضانة الأم وحدها حيث كان المنازع لها الأب ولا يسقط حق غيرها ولا حق الأم حيث كان المنازع لها غير الأب وبهذا يجمع بين حديث علي هذا وحديث أنت أحق به ما لم تنكحي وإليه ذهب ابن جريج انتهى بتغير بعض الألفاظ قال المنذري وأخرج الترمذي من حديث البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخالة بمنزلة الأم
[ 268 ]
وفي الحديث قصة طويلة وقال هذا حديث صحيح هذا آخر كلامه وبنت حمزة هذه عمارة وقيل هي أمامة تكنى أم الفضل وأخرجه البخاري من حديث البراء بن عازب في أثناء الحديث الطويل في قصة الحديبية (عن هانئ وهبيرة عن علي) وفي بعض النسخ عن هانئ بن هانئ وهبيرة بن يريم عن علي قلت هانئ بن هانئ الكوفي قال ابن المديني مجهول وقال النسائي لا بأس به وهبيرة بن يريم الكوفي قال أحمد لا بأس به ووثقه ابن حبان وقال النسائي ليس بالقوي (تنادي يا عم يا عم) مكررا للتأكيد وأصله يا عمي سنة فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة (وقال) أي لفاطمة رضي الله عنها (دونك) بكسر الكاف أي خذي (بنت عمك) بالنصب على المفعولية (فحملتها) أي فحملت فاطمة رضي الله عنها بنت حمزة (وقال جعفر ابنة عمي) أي هي ابنة عمي والحديث سكت عنه المنذري في عدة المطلقة (فأنزل الله عز وجل حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق) والمنزل قوله تعالى
[ 269 ]
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء (فإن كانت) أي أسماء بنت يزيد (أول من أنزلت فيها) بالنصب خبر كانت قال المنذري في إسناده إسماعيل بن عياش وقد تكلم فيه غير واحد انتهى في نسخ ما استثني به من عدة المطلقات عمرو (والمطلقات يتربصن) أي ينتظرن (من المحيض) أي الحيض (إن ارتبتم) أي شككتم في عدتهن (فنسخ من ذلك) أي الكلام الثاني نسخ من الكلام الأول بعض صور المطلقات وهي صورة الإياس وأوجب فيها ثلاثة أشهر مكان ثلاثة قروء (وقال وإن طلقتموهن الخ) أي قال ناسخا من الأول بعض الصور أيضا وهي ما إذا الطلاق قبل الدخول فلا عدة هناك أصلا قال المنذري وأخرجه النسائي علي ابن الحسين بن واقد وهو ضعيف في المراجعة قبل (طلق حفصة) هي بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين قال الشيخ الدهلوي في
[ 270 ]
المدارج إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة واحدة فلما بلغ هذا الخبر عمر رضي الله عنه فاهتم له فأوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة كذا في إنجاح الحاجة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه في نفقة المبتوتة (طلقها البتة) وفي بعض الروايات الآتية إنه طلقها ثلاثا وفي بعضها طلقها آخر ثلاث تطليقات وفي بعضها فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها والجمع بين هذه الروايات أنه كان طلقها قبل هذا طلقتين ثم طلقها هذه المرة الطلقة الثالثة فمن روى أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات أو طلقها طلقة كانت بقيت لها فهو ظاهر ومن روى البتة فمراده طلقها طلاقا صارت به مبتوتة بالثلاث ومن روى ثلاثا أراد تمام الثلاث كذا أفاد النووي (وهو) أي أبو عمرو (فأرسل إليها وكيله بشعير) أي للنفقة (فتسخطته) من باب التفعل أي استقلته يقال سخط عطاءه أي استقله ولم يرض به وفي رواية مسلم فسخطته قال القاري ويمكن أن يكون من باب الحذف والإيصال والضمير يرجع إلى الوكيل أي غضبت على الوكيل بإرساله الشعير قليلا أو كثيرا (والله ما لك علينا من شئ) أي لأنك بائنة أو من شئ غير الشعير (ليس لك عليه نفقة) أي ولا سكنى كما في بعض الروايات الآتية (إن تلك) بكسر الكاف أي هي (يغشاها) أي يدخل عليها (تضعين ثيابك) أي لا تخافين من نظر رجل إليك قال النووي أمرها بالانتقال إلى بيت ابن أم مكتوم لأنه لا يبصرها ولا يتردد إلى بيته من يتردد إلى بيت أم شريك حتى إذا وضعت ثيابها للتبرز نظروا إليها وقد احتج بعض الناس بهذا على جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف نظره إليها وهو ضعيف والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم عليه
[ 271 ]
النظر إليها لقوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الآية ولحديث أم سلمة أفعمياوان أنتما وأيضا ليس في هذا الحديث رخصة لها في النظر إليه بل فيه أنها آمنة عنده من نظير غيره وهي مأمورة بغض بصرها عنه انتهى (فإذ حللت) أي خرجت من العدة (فآذنيني) بالمد وكسر الذال أي فأعلميني (وأبا جهم) بفتح فسكون هو عامر بن حذيفة العدوي القرشي وهو مشهور بكنيته وهو الذي طلب النبي صلى الله عليه وسلم أنبجانيته يحيى في الصلاة قال النووي وهو غير أبي جهم المذكور في التيمم وفي المرور بين يدي المصلي (فلا يضع عصاه عن عاتقه) بكسر الفوقية أي منكبه وهو كناية عن كثرة الأسفار أو عن كثرة الضرب وهو الأصح بدليل الرواية الأخرى أنه ضراب للنساء ذكره النووي وقال فيه دليل على جواز ذكر الإنسان بما فيه عند المشاورة وطلب النصيحة ولا يكون هذا في الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة (فصعلوك) بضم الصاد أي فقير (لا مال له) صفة كاشفة (أنكحي) بهمز وصل وكسر الكاف أي تزوجي (فكرهته) ابتداء لكونه مولى أسود جدا وإنما أشار صلى الله عليه وسلم بنكاح أسامة لما علمه من دينه وفضله وحسن طرائقه وكرم شمائله فنصحها بذلك (ثم قال أنكحي) إنما كرر عليها الحث على زواجه لما علم من مصلحتها في ذلك وكان كذلك ولذا قالت فجعل الله تعالى الخ (واغتبطت به) بفتح التاء والباء أي صرت ذات غبطة بحيث اغتبطتني الرحمن النساء لحظ كان لي منه قاله القاري وقال النووي قال أهل اللغة الغبطة أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه وليس هو الحسد تقول منه غبطته بما نال أغبطه بكسر الباء غبطا وغبطة فاغتبط هو كمنعته فامتنع وحبسته فاحتبس انتهى وفي الحديث حجة لمن قال إن المطلقة ثلاثا لا نفقة لها ولا سكنى قال النووي اختلف العلماء في المطلقة البائن الحائل (أي غير الحامل) هل لها النفقة والسكنى أم لا فقال عمر بن الخطاب وأبو حنيفة وآخرون لها السكنى والنفقة وقال ابن عباس وأحمد لا سكنى لها ولا نفقة وقال مالك والشافعي وآخرون يجب لها السكنى ولا نفقة لها واحتج من أوجبهما جميعا بقوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم فهذا أمر بالسكنى وأما النفقة فلأنها محبوسة عليه وقد قال عمر لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم بقول امرأة جهلت أو نسيت قال العلماء الذي في كتاب ربنا إنما هو إثبات
[ 272 ]
السكنى قال الدارقطني قوله وسنة نبينا هذه زيادة غير محفوظة لم يذكرها جماعة من الثقات واحتج من لم يوجب نفقة ولا سكنى بحديث فاطمة بنت قيس واحتج من أوجب السكنى دون النفقة لوجوب السكنى بظاهر قوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم ولأن وجوب النفقة بحديث فاطمة مع ظاهر قول الله تعالى وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فمفهومه أنهن إذا لم يكن حوامل لا ينفق عليهن وأجاب هؤلاء عن حديث فاطمة في سقوط النفقة بما قاله سعيد بن المسيب وغيره أنها كانت امرأة لسنة واستطالت على أحمائها فأمرها بالانتقال فتكون عند ابن أم مكتوم وقيل لأنها خافت في ذلك المنزل بدليل ما رواه مسلم من قولها أخاف أن يقتحم علي ولا يمكن شئ من هذا التأويل في سقوط نفقتها والله أعلم وأما البائن الحامل فتجب لها السكنى والنفقة وأما الرجعية فتجبان لها بالإجماع وأما المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها بالإجماع والأصح عندنا وجوب السكنى لها فلو كانت حاملا فالمشهور أنه لا نفقة كما لو كانت حائلا وقال بعض أصحابنا تجب وهو غلط والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (أبا حفص بن المغيرة) وقد تقدم في الرواية الأولى أن اسم زوجها أبو عمرو حفص قال النووي هكذا قاله الجمهور أنه أبو عمرو بن حفص وقيل أو حفص بن عمرو وقيل أبو حفص ابن المغيرة (فيه) أي في الحديث (وحديث مالك) أي مذكور أولا (وخبر خالد بن الوليد) بالنصب عطف على الحديث أي وساق الحديث مع ذكر خبر خالد بن الوليد وهو إتيانه
[ 273 ]
مع نفر من بني مخزوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما كان في الرواية المتقدمة (أن لا تسبقيني بنفسك) هو من التعريض بالخطبة وهو جائز في عدة الوفاة وكذا في عدة البائن بالثلاث وفيه قول ضعيف في عدة البائن والصواب الأول لهذا الحديث (ولا تفوتيني بنفسك) تعريض بالخطبة (قال أبو داود وكذلك) أي بلفظ أن زوجها طلقها ثلاثا (رواه الشعبي) رواية الشعبي أخرجها المؤلف (والبهي) روايته أخرجها مسلم (وعطاء عن عبد الرحمن ابن عاصم) رواية عطاء عن عبد الرحمن بن عاصم عن فاطمة بنت قيس أخرجها النسائي (وأبو بكر بن أبي الجهم) روايته أخرجها مسلم (كلهم) أي الشعبي والبهي وعبد الرحمن بن عاصم وأبو بكر ابن أبي الجهم (عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن زوجها الخ) قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا (طلقها آخر ثلاث تطليقات) أي التي كانت باقية لها وقد كان طلقها تطليقتين قبل (قال
[ 274 ]
أبو داود وكذلك رواه صالح بن كيسان) أي مثل رواية عقيل عن ابن شهاب ورواية صالح عند مسلم (وابن جريج) روايته عند الدارقطني (وشعيب بن أبي حمزة) رواية شعيب عند النسائي (واسم أبي حمزة دينار وهو) أي أبو حمزة قال في التقريب شعيب بن أبي حمزة الأموي مولاهم واسم أبيه دينار أبو بشر الحمصي ثقة عابد قال ابن معين من أثبت الناس في الزهري قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (أرسل مروان) أي قبيصة (أمر) بتشديد الميم أي جعله أميرا (فخرج معه) أي مع علي (أي زوج فاطمة) (فبعث) أي زوج فاطمة (إليها) أي إلى فاطمة (بتطليقة كانت بقيت لها) وقد كان طلقها تطليقتين قبل (إلا أن تكوني حاملا) فيه دليل على وجوب النفقة للمطلقة بائنا إذا كانت حاملا ويدل بمفهومه على أنها لا تجب لغيرها ممن كان على صفتها في البينونة فلا يرد ما قيل إنه يدخل تحت هذا المفهوم المطلقة الرجعية إذا لم تكن حاملا ولو سلم الدخول لكان الإجماع على وجوب نفقة الرجعية مطلقا مخصصا لعموم ذلك المفهوم (فأذن لها) فيه دليل على أنه يجوز للمطلقة بائنا الانتقال من المنزل الذي وقع عليها الطلاق البائن
[ 275 ]
وهي فيه فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى ولا يخرجن كذا في النيل (فسنأخذ بالعصمة) بكسر العين أي بالثقة والأمر القوي الصحيح قاله النووي (فطلقوهن لعدتهن) تمام الآية وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (حتى لا تدري) أي قرأت إلى قوله تعالى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (قالت) أي فاطمة (فأي أمر يحدث بعد الثلاث) أي أن الآية لم تتناول المطلقة البائن وإنما هي لمن كانت له مراجعة لأن الأمر الذي يرجى إحداثه هو الرجعة لا سواه فأي أمر يحدث بعد الثلاث من الطلاق قال الحافظ في الفتح وقد وافق فاطمة على أن المراد بقوله تعالى يحدث بعد ذلك أمرا المراجعة قتادة والحسن والسدي والضحاك أخرجه الطبري عنهم ولم يحك عن أحد غيرهم خلافه وحكي غيره أن المراد بالأمر ما يأتي من قبل الله تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك فلم ينحصر ذلك في المراجعة انتهى (وكذلك رواه يونس عن الزهري) أي مثل رواية معمر عن الزهري المذكورة (وأما الزبيدي) بالزاي والموحدة مصغرا هو محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الحمصي القاضي ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهري (فروى الحديثين جميعا حديث عبيد الله) ولفظ حديث منصوب بدل من قوله الحديثين وعبيد الله هذا هو ابن عبد الله بن عتبة (بمعنى معمر) أي كما روى معمر عن الزهري عن عبيد الله (وحديث أبي سلمة) عطف على قوله حديث عبيد الله (بمعنى عقيل) أي كما روى عقيل عن الزهري عن أبي سلمة وحاصله أن الزبيدي روى حديث عبيد الله المذكور نفا بمعنى معمر لا بلفظه وروى أيضا حديث أبي سلمة المذكور قبل حديث عبيد الله بمعنى عقيل الراوي عن ابن شهاب
[ 276 ]
(ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري) وحديثه عند أحمد في مسنده ولفظه حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال وذكر محمد بن مسلم الزهري أن قبيصة بن ذؤيب حدثه أن بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وكانت فاطمة بنت قيس خالتها وكانت عند عبد الله بن عمرو بن عمرو بن عثمان طلقها ثلاثا فبعث إليها خالتها فاطمة بنت قيس فنقلتها إلى بيتها ومروان بن الحكم على المدينة قال قبيصة فبعثني إليها مروان فسألتها ما حملها على أن تخرج امرأة من بيتها قبل أن تنقضي عدتها قال فقالت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بذلك قال ثم قصت علي حديثها ثم قالت وأنا أخاصمكم بكتاب الله يقول الله عزوجل في كتابه إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة إلى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ثم قال عزوجل فإذا بلغن أجابهن الثالثة فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف والله ما ذكر الله بعد الثالثة حبسا مع ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرجعت إلى مروان فأخبرته خبرها فقال حديث امرأة حديث امرأة قال ثم أمر بالمرأة فردت إلى بيتها حتى انقضت عدتها انتهى (بمعنى) أي بالمعنى الذي دل ذلك المعنى (على خبر عبيد الله بن عبد الله) وذلك المعنى هو رواية قبيصة بن ذؤيب لذلك الحديث عن فاطمة بنت قيس ويدل على روايته لذلك عنها قوله (حين قال فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك) فمراجعة قبيصة من فاطمة إلى مروان تدل على أن قبيصة رواه عن فاطمة مشافهة فشبه أن يكون مراد المؤلف والله أعلم أن رواية محمد بن إسحاق عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب ليست بمستبعدة وكان وإن كان روى معمر عن الزهري عن عبيد الله وروى عقيل عن الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة قلت وذلك لأن الزهري أدرك عصر قبيصة فكيف ينكر لقاءه عن قبيصة وهذا التوجيه أشبه إلى الصواب وفيه تأويل ضعيف أي وروى الزهري عن قبيصة لا من صريح لفظ قبيصة حيث شافه قبيصة الزهري بهذا الحديث بل رواه بالمعنى وبالإستنباط روى حيث دل وأرشد على ذلك المعنى المأخوذ وعلى ذلك الإستنباط خبر عبيد الله بن عبد الله وفيه قوله فرجع قبيصة إلى مروان
[ 277 ]
فأخبره بذلك فدلس الزهري وروى عن قبيصة بن ذؤيب لكن لفظ أحمد وذكر الزهري أن قبيصة بن ذؤيب حدثه يدفع هذا التأويل كذا في غاية المقصود والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وذكر أبو مسعود الدمشقي أن حديث عبيد الله هذا مرسل من أنكر ذلك على فاطمة ولم (مع الأسود) أي ابن يزيد (فقال) أي الأسود (ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا) قال النووي قال العلماء الذي في كتاب ربنا إنما هو إثبات السكنى قال الدارقطني قوله وسنة نبينا هذه زيادة غير محفوظة لم يذكرها جماعة من الثقات انتهى وما وقع في بعض الروايات عن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها السكنى والنفقة فقد قال الإمام أحمد لا يصح ذلك عن عمر وقال الدارقطني السنة بيد فاطمة قطعا وأيضا تلك الرواية من طريق إبراهيم النخعي ومولده بعد موت عمر بسنتين (لقول امرأة لا ندري أحفظت ذلك أم لا)
[ 278 ]
فإن قلت إن ذلك القول من عمر يتضمن الطعن على رواية فاطمة قلت هذا مطعن باطل بإجماع المسلمين للقطع بأنه لم ينقل عن أحد من العلماء أنه رد خبر المرأة لكونها امرأة
[ 279 ]
فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة ولم ينقل أيضا عن أحد من المسلمين أنه يرد الخبر بمجرد تجويز نسيان
[ 280 ]
ناقلة ولو كان ذلك مما يقدح به لم يبق حديث من الأحاديث النبوية إلا وكان مقدوحا فيه لأن تجويز النسيان لا يسلم منه أحد فيكون ذلك مفضيا إلى تعطيل السنن بأسرها مع كون فاطمة
[ 281 ]
المذكورة من المشهورات بالحفظ كما يدل على ذلك حديثها الطويل في شأن الدجال ولم تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة يخطب به على المنبر فوعته جميعه فكيف يظن بها أن
[ 282 ]
تحفظ مثل هذا وتنسى أمرا متعلقا بها مقترنا بفراق زوجها وخروجها من بيته كذا في النيل قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا (لقد عابت ذلك) أي قول فاطمة بأنه لا نفقة ولا سكنى للمطلقة البائن (في مكان وحش) بفتح الواو وسكون الحاء المهملة بعدها شين معجمة أي خال ليس به أنيس (فلذلك رخص لها) أي في الانتقال قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وأخرجه البخاري تعليقا
[ 283 ]
(ألم ترى) بحذف النون (إلى قول فاطمة) أي بنت قيس (قالت) أي عائشة (أما) بالتخفيف للتنبيه (إنه) أي الشأن (لا خير لها) أي لفاطمة (في ذكر ذلك) فإنها تذكر على وجه يقع الناس في الخطأ قاله السندي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه (إنما كان ذلك) أي انتقالها من مسكن الزوج قال المنذري هذا مرسل (طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم) هي بنت أخي مروان واسمها عمرة (فانتقلها) أي نقلها من مسكنها الذي طلقت فيه (وهو أمير المدينة) أي يومئذ من قبل معاوية وولي الخلافة بعد ذلك (واردد المرأة) أي عمرة بنت عبد الرحمن (إلى بنتها) أي الذي طلقت فيه (فقال مروان في حديث سليمان أن عبد الرحمن غلبني) وهو موصول بالإسناد المذكور إلى يحيى بن سعيد وهو الذي فصل بين حديثي شيخيه فساق ما اتفقا عليه ثم بين لفظ سليمان وحده ولفظ القاسم بن محمد وحده وقول مروان إن عبد الرحمن غلبني أي لم يطعني في ردها إلى بيتها وقيل مراده غلبني بالحجة لأنه احتج بالشر الذي كان بينهما كذا في الفتح (لا يضرك لا تذكر حديث فاطمة) لأنه لا حجة فيه لجواز انتقال المطلقة من منزلها بغير سبب وقال في الكواكب كان لعلة وهو أن مكانها كان وحشا مخوفا عليها أو لأنها كانت لسنة استطالت على أحمائها كذا في القسطلاني (فقال مروان إن كان بك الشر) أي إن كان عندك أن سبب خروج
[ 284 ]
فاطمة ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر فهذا السبب موجود ولذلك قال (فحسبك) أي فيكفيك (ما كان بين هذين) أي عمرة وزوجها يحيى وهذا مصير من مروان إلى الرجوع عن رد خبر فاطمة فقد كان أنكر الخروج مطلقا كما مر ثم رجع إلى الجواز بشرط وجود عارض يقتضي جواز خروجها من منزل الطلاق قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بمعناه مختصرا (فدفعت) بصيغة المتكلم المجهول (تلك امرأة فتنت الناس) أي بذكر هذا الحديث على وجه يقع الناس في الخطأ (كانت لسنة) بكسر السين أي كانت تأخذ الناس وتجرحهم بين بلسانها (فوضعت) على البناء للمجهول أي أخرجت من بيت زوجها وجعلت كالوديعة عند ابن أم مكتوم وهذا الأثر سكت عنه المنذري في المبتوتة تخرج بالنهار (طلقت) بضم الطاء وتشديد اللام (ثلاثا) أي ثلاث تطليقات أو ثلاث مرات (تجد) بفتح أوله وضم الجيم بعدها دال مهملة أي تقطيع ثمر نخلها (لعلك أن تصدقي) بحذف إحدى التائين (أو) للتنويع قال الخطابي وجه استدلال أبي داود من هذا الحديث في أن للمعتدة في الطلاق أن تخرج بالنهار هو أن جداد النخل في غالب العرف لا يكون إلا نهارا وقد نهي عن جداد النخل الانصار قريب من دورهم فهي إذا خرجت بكرة للجداد أمكنها أن تمس في بيتها لقرب المسافة وهذا في المعتدة من التطليقات الثلاث فأما الرجعية فإنها لا تخرج ليلا ولا نهارا وقال أبو حنيفة لا تخرج المبتوتة ليلا ولا نهارا كالرجعية وقال الشافعي
[ 285 ]
تخرج نهارا ولا تخرج ليلا على ظاهر الحديث انتهى قال القاري تعليل للخروج ويعلم منه أنه لولا التصدق لما جاز لها الخروج أو التنويع بأن يراد بالتصدق الفرض وبالخير التطوع والهدية والإحسان إلى الجار يعني أن يبلغ مالك نصابا فتؤدي زكاته وإلا فافعلي عروفا من التصدق والتقرب والتهادي وفيه أن حفظ المال واقتناءه لفعل المعروف مرخص انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث (والذين يتوفون منكم ويذرون) أي يتركون (أزواجا وصية) بالنصب أي فليوصوا وصية وفي قراءة بالرفع أي عليكم وصية (متاعا) أي متعوهن متاعا وهو نفقة سنة لطعامها وكسوتها وسكناها وما تحتاج إليه (غير إخراج) حال أي غير مخرجات من مسكنهن والحديث أخرجه النسائي وأخرجه أيضا من قول عكرمة وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال قاله المنذري إحداد المتوفى عنها زوجها قال أهل اللغة الإحداد والحداد مشتق من الحد وهو المنع لأنها تمنع الزينة والطيب يقال أحدت المرأة تحد إحدادا وحدت تحد بضم الحاء وتحد بكسرها حدا كذا قال
[ 286 ]
الجمهور إنه يقال أحدت وحدت وقال الأصمعي لا يقال إلا أحدت رباعيا ويقال امرأة حاد ولا يقال حادة وأما الإحداد في الشرع فهو ترك الطيب والزينة (على أم حبيبة) أي بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله عنها (فدعت بطيب) أي طلبت طيبا (فيه صفرة خلوق) على وزن صبور ضرب من الطيب وهو إما مجرور على إضافة صفرة إليه أو مرفوع على أنه صفة لصفرة (ثم مست بعارضيها) أي بجانبي وجه نفسها وهما جانبا الوجه فوق الذقن إلى ما دون الأذن (لا يخل) أي لا يجوز (لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) قال الطيبي رحمه الله الوصف بالإيمان إشعار بالتعليل وأن من آمن بالله وبعقابه لا يجترئ على مثله من العظام (أن تحد) بضم الفوقية وكسر الحاء المهملة من الإحداد أو بفتح الفوقية وضم الحاء وكسرها أي أن تمنع نفسها من الزينة وتترك الطيب (إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) قال النووي فيه دليل على وجوب الإحداد على المعتدة من وفاة زوجها وهو مجمع عليه في الجملة وإن اختلفوا في تفصيله فيجب على كل معتدة عن وفاة سواء المدخول بها وغيره والصغيرة والكبيرة والبكر والثيب والحرة والأمة والمسلمة والكافرة هذا مذهب الشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين وأبو ثور وبعض المالكية لا يجب على الزوجة الكتابية بل يختص بالمسلمة لقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله فخصه بالمؤمنة ودليل الجمهور أن المؤمن هو الذي يستثمر خطاب الشارع وينتفع به وينقاد له وقال أبو حنيفة أيضا لا إحداد على الصغيرة ولا على الزوجة الأمة وأجمعوا على أنه لا إحداد على أم الولد ولا على الأمة إذا توفي عنهما سيدهما ولا على الزوجة الرجعية واختلفوا في المطلقة ثلاثا فقال عطاء وربيعة ومالك والليث والشافعي وابن المنذر لا إحداد عليها قال وقال الحكم وأبو حنيفة والكوفيون وأبو ثور وأبو عبيد عليها الإحداد انتهى (حين توفي أخوها) سمي في بعض الموطآت عبد الله وكذا هو في صحيح ابن حبان من طريق أبي مصعب وإن المعروف أن عبد الله بن جحش قتل بأحد شهيدا وزينب بنت أبي
[ 287 ]
سلمة يومئذ طفلة فيستحيل أن تكون دخلت على زينب بنت جحش في تلك الحالة وأنه يجوز أن يكون عبيد الله المصغر فإن دخول زينب بنت أبي سلمة عند بلوغ الخبر إلى المدينة بوفاته كان وهي مميزة أو الميت كان أخا زينب بنت جحش من أمها أو من الرضاعة كذا في الفتح (قالت زينب وسمعت أمي أم سلمة) هذا هو الحديث الثالث وأما سلمة بدل من أمي (إن ابنتي توفي زوجها عنها) واسمه المغيرة المخزومي (وقد اشتكت عينها) وفي بعض النسخ عينيها بصيغة التثنية قال ابن دقيق العيد يجوز فيه وجهان ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية وفتحها على أن يكون في اشتكت ضمير الفاعل وهي المرأة ورجح هذا ووقع في بعض الروايات عيناها يعني وهو يرجح الضم وهذه الرواية في مسلم وعلى الضم اقتصر النووي وهو الأرجح والذي رجح الأول هو المنذري (فنكحلها) بالنون المفتوحة وبضم الحاء وفي بعض النسخ أفنكحلها بذكر الهمزة وفي بعضها أفتكحلها بتاء التأنيث والضمير البارز إليها أو إلى عينها (لا) أي لا تكحلها (مرتين أو ثلاثا) أي قال مرتين أو ثلاثا (كل ذلك) بالنصب (يقول لا) قال الطيبي صفة مؤكدة لقوله ثلاثا قال النووي فيه دليل على تحريم الاكتحال على الحادة سواء احتاجت إليه أم لا وجاء في الحديث الآخر في الموطإ وغيره في حديث أم سلمة اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار ووجه الجمع بين الأحاديث أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل لها وإن احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه فإن فعلته مسحته بالنهار إنما هي أي العدة الشرعية (أربعة أشهر وعشرا) بالنصب على حكاية لفظ القرآن قال الحافظ ولبعضهم بالرفع وهو واضح (ترمي بالبعرة) بفتح الموحدة والعين وتسكن وهي روث البعير (على رأس الحول) أي في أول السنة (قال حميد) هو ابن نافع راوي
[ 288 ]
الحديث وهو موصول بالإسناد المبدوء به (وما ترمى بالبعرة) أي بيني لي المراد بهذا الكلام الذي خوطبت به هذه المرأة (دخلت حفشا) بكسر الحاء المهملة وإسكان الفاء وبالشين المعجمة أي بيتا صغيرا حقيرا قريب السمك (ولم تمس) بفتح التاء الفوقية والميم (حتى تمر بها سنة) أي من وفاة زوجها (ثم تؤتي) بضم أوله وفتح ثالثة (بداية) بالتنوين قال في القاموس ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر (جمار) بالتنوين والجر على البدل (أو شاة أو طائر) أو للتنويع لا للشك وإطلاق الدابة عليهما بطريق الحقيقة اللغوية كما مر (فتفتض به) بفاء فمثناة فوقية ففاء ثانية ففوقية أخرى فضاد معجمة مشددة قال ابن قتيبة سألت الحجازيين عن الافتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفرا ولا تزيل شعرا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش بعد ما تفتض به وقال الخطابي هو من فت الشئ إذا كسرته وفرقته أي أنها كانت تكسر ما كانت فيه من الحداد بتلك الدابة قال الأخفش معناه تتنظف به وهو مأخوذ من الفضة تشبيها له بنقائها وبياضها وقيل تمسح به ثم تفتض أي تغتسل بالماء العذب حتى تصير بيضاء نقية كالفضة وقال الخليل الفضيض حديث الماء العذب يقال افتت به أي اغتسلت به كذا قال القسطلاني (فقلما تفتض بشئ) أي مما ذكر (إلا مات) أي ذلك الشئ (فتعطى) بصيغة المجهول (فترمي بها) في رواية ابن الماجشون عن مالك فترمى بها أمامها فيكون ذلك إحلالا لها وفي رواية ابن وهب من وراء ظهرها قاله القسطلاني (ثم تراجع بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي (من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 289 ]
في المتوفى عنها تنتقل عند (أن الفريعة) بضم فاء وفتح راء (بنت مالك بن سنان) بكسر أوله (وهي) أي الفريعة (أخبرتها) أي أخبرت الفريعة زينب (تسأله) حال (في بني خدرة) بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة أبو قبيلة (في طلب أعبد) بفتح فسكون فضم جمع عبد (أبقوا) بفتح الموحدة أي هربوا (بطرف القدوم) بفتح القاف وتشديد الدال وتخفيفها أيضا موضع على ستة أميال من المدينة (ولا نفقة) بالجر أي ولا في نفقة (في الحجرة) أي الحجرة الشريفة (أو في المسجد) أي النبوي وهو مسجد المدينة (دعاني) أي دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم (أو أمرني) وفي بعض النسخ أمر بي والشك من الفريعة (فدعيت له) أي نوديت وطلبت عنده (فردت عليه) أي أعدت عليه ما قلته سابقا (فقال امكثي بضم الكاف أي توقفي واثبتي (في بيتك) أي الذي كنت فيه (حتى يبلغ الكتاب) أي العدة المكتوب عليها أي المفروضة (أجله) أي مدته والمعنى حتى تنقضي العدة وسميت العدة كتابا لأنها فريضة من الله تعالى قال تعالى كتب عليكم أي فرض وهو اقتباس من قوله تعالى ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ونظائر الاقتباس في الأخبار كثيرة ولا عبرة لقول من كرهه كما بسطه السيوطي في الإتقان (فلما كان
[ 290 ]
عثمان بن عفان) أي خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وفي رواية مالك فلما كان أمر عثمان (فاتبعه وقضى به) أي اتبع عثمان ما أخبرته به وحكم به قال العلامة القاضي الشوكاني في النيل قد استدل بحديث فريعه على أن المتوفى عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه ولا تخرج منه إلى غيره وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقد أخرج ذلك عبد الرزاق عن عمر وعثمان وابن عمر وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عن أكثر أصحاب ابن مسعود والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعطاء وأخرجه حماد عن ابن سيرين وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد قال وحديث فريعة لم يأت من خالفه بما ينتهض لمعارضته فالتمسك به متعين قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح باب من رأى التحول للمتوفى عنها زوجها إلى مكان آخر وبوب النسائي بقوله باب الرخصة للمتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت (نسخت هذه الآية) الأولى وهي قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف (عدتها) أي المرأة المتوفى عنها زوجها (عند أهلها) المذكورة في الآية الثانية
[ 291 ]
وهي قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف (فتعتد حيث شاءت) لأن السكنى تبع للعدة فلما نسخ الحول بأربعة الأشهر والعشر نسخت السكنى أيضا (وهو) أي المنسوخ حكمه (قول الله عزوجل غير إخراج) فهذه الآية الثانية التي فيها غير إخراج منسوخ بالآية الأولى (قال عطاء) أيضا (إن شاءت) المتوفى عنها زوجها (اعتدت عند أهله) أي أهل زوجها ولفظ البخاري عند أهلها (وسكنت في وصيتها) أي المشار إليها بقوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول (وإن شاءت خرجت) من بيت زوجها (ثم جاء الميراث) في قوله تعالى ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن (فنسخ السكنى) كما نسخت آية الخروج وهي فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن وجوب الاعتداد عند أهل الزوج (تعتد حيث شاءت) وزاد البخاري ولا سكنى لها قال العيني وهو قول أبي حنيفة أن المتوفى عنها زوجها لا سكنى لها وهو أحد قولي الشافعي كالنفقة وأظهرهما الوجوب ومذهب مالك أن لها السكنى إذا كانت الدار ملكا للميت انتهى وفي صحيح البخاري حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا روح حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا قال كانت هذه العدة تعتد عند أهل
[ 292 ]
زوجها واجب فأنزل الله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف قال جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو قول الله غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فالعدة كما هي واجب عليها زعم ذلك عن مجاهد وقال عطاء قال ابن عباس نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وقول الله غير إخراج قال عطاء إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن قال عطاء ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها قال الحافظ ابن حجر قال ابن بطال ذهب مجاهد إلى أن الآية وهي قوله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا نزلت قبل الآية التي فيها وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج كما هي قبلها في التلاوة وكان الحامل له على ذلك استشكال أن يكون الناسخ قبل المنسوخ فرأى أن استعمالهما ممكن بحكم غير متدافع لجواز أن يوجب الله على المعتدة تربص أربعة أشهر وعشرا ويوجب على أهلها أن تبقى عندهم سبعة أشهر وعشرين ليلة تمام الحول إن أقامت عندهم قال وهو قول لم يقله أحد من المفسرين غيره ولا تابعه عليها من الفقهاء أحد بل أطبقوا على أن آية الحول منسوخة وأن السكنى تبع للعدة فلما نسخ الحول في العدة بالأربعة أشهر وعشر نسخت السكنى أيضا وقال ابن عبد البر لم يختلف العلماء أن العدة بالحول نسخت إلى أربعة أشهر وعشر وإنما اختلفوا في قوله غير إخراج فالجمهور على أنه نسخ أيضا وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد فذكر حديث الباب قال ولم يتابع على ذلك ولا قال أحد من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين به في مدة العدة بل روى ابن جريج عن مجاهد في قدرها مثل ما عليه الناس فارتفع الخلاف واختص ما نقل عن مجاهد وغيره بمدة السكنى على أنه أيضا شاذ لا يعول عليه والله أعلم قال العيني وحاصل كلام مجاهد أنه جعل على المعتدة تربص أربعة أشهر وعشرا وأوجب على أهلها أن تبقى عندهم سبعة أشهر وعشرين ليلة تمام الحول وقال العيني أيضا قال مجاهد إن العدة الواجبة أربعة أشهر وعشرا وتمام السنة باختيارها بحسب الوصية فإن شاءت قبلت الوصية وتعتد إلى الحول وإن شاءت اكتفت
[ 293 ]
بالواجب ويقال يحتمل أن يكون معناه العدة إلى تمام السنة واجبة وأما السكنى عند زوجها ففي الأربعة الأشهر والعشر واجبة وفي التمام باختيارها ولفظه فالعدة كما هي واجب عليها يؤيد هذا الاحتمال وحاصله أنه لا يقوم بالنسخ والله أعلم وفي جامع البيان في تفسير قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجكم متاعا إلى الحول غير إخراج يعني وحق المتوفى أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا وينفق عليهن عن تركته غير مخرجات من مساكنهن وهذا في ابتداء الإسلام ثم نسخت المدة بقوله أربعة أشهر وعشرا والنفقه بالإرث هذا ما عليه أكثر السلف فكانت الآية متأخرة في التلاوة متقدمة في النزول والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي فيما تجتنب المعتدة في عدتها (عبد الله بن الجراح القهستاني) قال في المراصد قوهستان بضم أوله ثم السكون وكسر الهاء وسين مهملة بتعريب كوهستان يعني موضع الجبال انتهى مختصرا (لا تحد) بصيغة النفي ومعناه النهي (المرأة) وفي بعض النسخ امرأة (فوق ثلاث) أي ليال أو أيام (ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب) بمهملتين مفتوحة ثم ساكنة ثم موحدة وهو بالإضافة وهي برود اليمنى يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسخ معصوبا فيخرج موشى لبقاء ما عصب به أبيض لم ينصبغ وإنما يعصب السدى دون اللحمة قال ابن المنذر أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة إلا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن وكره عروة العصب أيضا وكره مالك غليظه قال ابن النووي الأصح عند أصحابنا تحريمه مطلقا وهذا الحديث حجة لمن أجازه
[ 294 ]
وقال ابن دقيق العيد يؤخذ من مفهوم الحديث جواز ما ليس بمصبوغ وهي الثياب البيض ومنع بعض المالكية المرتفع منها الذي يتزين به وكذلك الأسود إذا كان ممن يتزين به قال النووي ورخص أصحابنا فيما لا يتزين به ولو كان مصبوغا واختلف في الحرير فالأصح عند الشافعية منعه مطلقا مصبوغا أو غير مصبوغ لأنه أبيح للنساء للتزين به والحادة ممنوعة من التزين فكان في حقها كالرجال وفي التحلي بالفضة والذهب وباللؤلؤ ونحوه وجهان الأصح جوازه وفيه نظر من جهة المعنى في المقصود بلبسه وفي المقصود بالإحداد فإنه عند تأملها يترجح المنع كذا في الفتح (ولا تكتحل) فيه دليل على منع المعتدة من الاكتحال وقد تقدم الكلام عليه ويأتي بعضه (ولا تمس طيبا) فيه تحريم الطيب على المعتدة وهو كل ما يسمى طيبا ولا خلاف في ذلك (إلا أدنى طهرتها) أي عند قرب طهرها (بنبذة) بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمة وهي القطعة من الشئ وتطلق على الشئ اليسير (من قسط) بضم القاف ضرب من الطيب وقيل هو عود يحمل من الهند ويجعل في الأدوية قال الطيبي رحمه الله القسط عقار معروف في الأدوية طيب الريح ينحر النفساء والأطفال (أو أظفار) بفتح أوله ضرب من الطيب لا واحد له وقيل واحده ظفر وقيل يشبه الظفر المقلوم من أصله وقيل هو شئ من العطر أسود والقطعة منه شبيهة بالظفر قال النووي القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للطيب والله أعلم (زاد يعقوب) أي في روايته (ولا تختضب) أي بالحناء قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (بهذا الحديث) أي مثل الحديث المذكور وهو حديث إبراهيم بن طهمان وعبد الله السهمي عن هشام (وليس في تمام حديثهما) يشبه أن يكون المعنى أي ليس التشبيه ومثليه
[ 295 ]
حديث يزيد بن هارون في تمام حديث إبراهيم بن طهمان وعبد الله السهمي بل مثليته في البعض والحاصل أن حديث يزيد بن هارون عن هشام مثل حديث إبراهيم وعبد الله عن هشام لكن بينهما تغاير قليل وأخرج مسلم حديث يزيد لكن أحال على ما قبله والله أعلم (المتوفى عنها زوجها) مبتدأ وخبره لا تلبس (لا تلبس المعصفر) أي المصبوغ بالمعصفر بالضم (ولا الممشقة) بضم الميم الأولى وفتح الشين المعجمة المشددة أي المصبوغة بالمشق بكسر الميم وهو الطين الأحمر الذي يسمى مغرة والتأنيث باعتبار الحالة أو الثياب (ولا الحلي) بضم أوله ويجوز كسرها وبتشديد الياء جمع حلية وهي ما يتزين به من المصاغ وغيره قال المنذري وأخرجه النسائي (بنت أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين (فتكتحل بالجلاء) بالكسر والمد قال الخطابي كحل الجلاء هو الإثمد وسمي جلاء لأنه يجلو البصر (يشتد عليك) الضمير المرفوع في يشتد يرجع إلى أمر والجملة صفة له (حين توفي) بضمتين وتشديد الفاء المكسورة أي مات (أبو سلمة) زوجها الأول قبل النبي صلى الله عليه وسلم (وقد جعلت على عيني صبرا) بفتح صاد وكسر موحدة وفي نسخة بكونها قال في القاموس بكسر الباء ككتف ولا يسكن إلا في ضرورة الشعر وقيل يجوز كلاهما على السوية ككتف وكتف وقال الجعبري الصبر معروف بفتح الصاد وكسر الباء وجاء إسكانها مع كسر الصاد
[ 296 ]
وفتحها وفي المصباح الصبر بكسر الباء في المشهور دواء مر وسكون الباء للتخفيف لغة وروي مع فتح الصاد وكسرها فيكون فيه ثلاث لغات (فقال ما هذا) أي ما هذا التلطخ وأنت في العدة (إنه يشب) بفتح فضم فتشديد موحدة أي يوقد الوجه ويزيد في لونه (وتنزعيه) بكسر الزاي عطف على قوله فلا تجعليه على معنى فاجعليه بالليل وانزعيه بالنهار لأن إلا في الاستثناء المفرغ لغو والكلام مثبت وحذف النون في تنزعيه للتخفيف وهو خبر في معنى الأمر (قال بالسدر) أي امتشطي (تغلفين) بحذف إحدى التاءين من تغلف الرجل بالغالية أي تلطخ بها أي تكثرين منه على شعرك حتى يصير غلافا له فتغطيه كتغطية الغلاف المغلوف وروي بضم التاء وكسر اللام من التغليف وهو جعل الشئ غلافا لشئ كذا في المرقاة قال في السبل ذهب الجمهور ومالك وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يجوز أي للمعتدة في عدتها الاكتحال بالإثمد مستدلين بحديث أم سلمة الذي أخرجه أبو داود يعني هذا الحديث المذكور آنفا قال ابن عبد البر وهذا عندي وإن كان مخالفا لحديثها الآخر الناهي عن الكحل مع الخوف على العين إلا أنه يمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وسلم عرف من الحالة التي نهاها أن حاجتها إلى الكحل خفيفة غير ضرورية والإباحة في الليل لدفع الضرر بذلك قلت ولا يخفى أن فتوى أم سلمة قياس منها للكحل على الصبر والقياس مع النص الثابت والنهي المتكرر لا يعمل به عند من قال بوجوب الإحداد انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وأمها مجهولة في عدة الحامل (على سبيعة) بضم السين وفتح الموحدة (الأسلمية) نسبة إلى بني أسلم (وهي حامل)
[ 297 ]
جملة حالية أي فتوفي سعد بن خولة عن سبيعة حال كونها حاملا (فلم تنشب) أي فلم تمكث (فلما تعلت) بتشديد اللام أي طهرت وفي بعض النسخ تعالت وهما بمعنى قال السندي تعلت بتشديد اللام من تعلى إذا ارتفع أو برأ أي إذا ارتفعت وطهرت أو خرجت من نفاسها وسلمت (تجملت للخطاب) جمع خاطب من الخطبة بالكسر (فدخل عليها أبو السنابل) بفتح السين اسمه عمرو وقيل حبة بالباء الموحدة وقيل بالنون (ابن بعكك) بموحدة مفتوحة ثم عين ساكنة ثم كافين الأولى مفتوحة (رجل) بالرفع بدل من أبو السنابل (فأفتاني بأن قد حللت) بضم التاء وفي بعض النسخ بأني قد حللت (قال ابن شهاب) هو الزهري (وإن كانت في دمها) أي في دم النفاس (غير أنه) أي الشأن (لا يقربها زوجها) أي لا يجامعها قال الخطابي في المعالم قد اختلف العلماء في هذا فروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أنهما قالا تنتظر المتوفى عنها آخر الأجلين ومعناه تمكث حتى تضع حملها فإن كانت مدة الحمل من وقت وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرا فقد حلت وإن وضعت قبل ذلك تربصت إلى أن تستوفي المدة وقال عامة أهل العلم انفضاء عدتها بوضع الحمل طالت المدة أو قصرت وهو قول عمر وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وغيرهم وبه قال مالك والأوزاعي وسفيان الثوري وأصحاب الرأي وكذلك قال الشافعي انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
[ 298 ]
(من شاء لاعنته) من الملاعنة وهو المباهلة أي من يخالفني فإن شاء فليجتمع معي حتى نلعن المخالف للحق وهذا كناية عن قطعه وجزمه بما يقول من غير وهم بخلافه (سورة النساء القصرى) وهي سورة الطلاق (بعد الأربعة الأشهر وعشرا) المذكورة في سورة البقرة فالعمل على المتأخرة لأنها ناسخة للمتقدمة قاله السندي قال الخطابي يعني بسورة النساء القصرى سورة الطلاق ويريد أن نزول سورة البقرة متقدم على نزول سورة الطلاق وقد ذكر في سورة الطلاق حكم الحامل وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن فظاهر هذا الكلام منه أنه حمله على النسخ وأن ما في سورة الطلاق ناسخ للحكم الذي في سورة البقرة وعامة أهل العلم لا يحملونه على النسخ لكن يرتبون إحدى الآيتين على الأخرى فيجعلون التي في البقرة في عدة غير الحوامل وهذه في عدة الحوامل انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه
[ 299 ]
في عدة أم الولد هي الجارية التي ولدت من سيدها (لا تلبسوا علينا) بفتح حرف المضارعة وكسر الباء المخففة أي لا تخلطوا ويجوز التشديد كذا في فتح الودود (سنته) هذا لفظ قتيبة والضمير يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل عليه لفظ ابن المثنى (سنة نبينا) قال الخطابي في المعالم يحتمل وجهين من التأويل أحدهما أن يكون أراد بذلك سنة كان يرويها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا وتوقيفا والوجه الآخر أن يكون ذلك منه اجتهادا على معنى السنة في الحرائر ولو كان معنى السنة التوقيف لأشبه أن يصرح به وأيضا فإن التلبيس لا يقع في النصوص إنما يكون غالبا في الرأي والاجتهاد وقد تأوله بعضهم على أنه إنما جاء في أم ولد بعينها كان أعتقها صاحبها ثم تزوجها وهذه إذا مات عنها مولاها الذي هو زوجها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرا إن لم تكن حاملا بلا خلاف بين أهل العلم
[ 300 ]
وقد اختلف العلماء في عدة أم الولد فذهب الأوزاعي وإسحاق بن راهويه في ذلك إلى حديث عمرو بن العاص وقالا تعتد أم الولد أربعة أشهر وعشرا كالحرة وروي ذلك عن ابن المسيب وسعيد ابن جبير والحسن وابن سيرين وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي عدتها ثلاث حيض وهو قول عطاء والنخعي وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل عدتها حيضة وروي ذلك عن ابن عمر وهو قول عروة بن الزبير والقاسم بن محمد والشعبي والزهري انتهى (عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرا يعني) أي بالمتوفى عنها (أم الولد) هي الجارية التي ولدت من سيدها والمعنى عدة أم الولد التي مات سيدها بأربعة أشهر وعشرا وفي رواية ابن ماجه لا تفسدوا علينا سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد أربعة أشهر وعشرا قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده مطر بن طهمان أبو رجاء الوراق وقد ضعفه غير واحد المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح غيره المراد بالمبتوتة المطلقة ثلاثا (عن رجل طلق امرأته) وفي رواية النسائي طلق امرأته ثلاثا (ثم طلقها) أي الزوج الثاني (قبل أن يواقعها) أي يجامعها (حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها) أي حتى تذوق المرأة
[ 301 ]
لذة جماع الزوج الثاني ويذوق لذة جماعها والعسيلة مصغرة في الموضعين واختلف في توجيهه فقيل تصغير العسل لأن العسل مؤنث جزم بذلك القزار قال وأحسب التذكير لغة وقال الأزهري يذكر ويؤنث وقيل لأن العرب إذا حقرت الشئ أدخلت فيه هاء التأنيث وقيل المراد قطعة من العسل والتصغير للتقليل اشارة إلى أن القدر القليل كاف في تحصيل ذلك بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج وقيل معنى العسيلة النطفة وهذا يوافق قول الحسن البصري وقال جمهور العلماء ذوق العسيلة كناية عن الجماع وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة ويدل على ذلك حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال العسيلة هي الجماع رواه أحمد والنسائي وزاد الحسن البصري حصول الإنزال قال ابن بطال شذ الحسن في هذا وخالف سائر الفقهاء وقالوا يكفي ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق ويفسد الحج والصوم وقال أبو عبيدة العسيلة لذة الجماع والعرب تسمي كل شئ تستلذه عسلا وحديث الباب يدل على أنه لا بد فيمن طلقها زوجها ثلاثا ثم تزوجها زوج آخر من الوطء فلا تحل للأول إلا بعده قال ابن المنذر أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب قال ولا نعلم أحدا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن هذا مأخوذ من الفتح والنيل قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عروة عن عائشة في تعظيم الزنا (عن عبد الله) أي ابن مسعود (أن تجعل لله ندا) بكسر النون أي مثلا ونظيرا في دعائك أو عبادتك (وهو خلقك) فوجود الخلق يدل على الخالق واستقدامة لأنه الخلق تدل على توحيده إذا لم كان إلهين لم يكن على الاستقامة (خشية أن يأكل معك) بنصب خشية على العلية (أن
[ 302 ]
تزاني حليلة جارك) بفتح الحاء المهملة وكسر اللام الأولى أي زوجته لأنها تحل له فهي فعيلة بمعنى فاعلة أو من الحلول لأنها تحل معه ويحل معها وإنما كان ذلك لأنه زنا وإبطال لما أوصى الله به حفظ حقوق الجيران وقال في التنقيح تزاني تفاعل وهو أن يقتضي أن يكون من الجانبين قال في المصابيح لعله نبه به على شدة قبح الزنا إذا كان منه لا منها بأن يغشاها نائمة أو مكرهة فإنه إذا كان زناه بها مع المشاركة منها له والطواعية كبيرا كان زناه بدون ذلك أكبر وأقبح من باب الأولى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (قال وأخبرني أبو الزبير) أي قال حجاج وأخبرني به أبو الزبير كما أخبرني غيره (جاءت مسكينة لبعض الأنصار) أي أمة مسكينة لبعضهم وفي بعض النسخ مسيكة بضم الميم وفتح السين بالتصغير لكن الظاهر في هذه الرواية هو الأول كما لا يخفى (يكرهني) بضم حرف المضارع من الإكراه (على البغاء) أي الزنا (ولا تكرهوا فتياتكم) أي إمائكم (على البغاء) أي على الزنا وتمام الآية إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم قال المنذري وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله أن جارية لعبد الله ابن أبي بن سلول يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة فكان يريدهما على الزنا فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عزوجل ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا إلى قوله غفور رحيم وحكى بعضهم أن عبد الله بن أبي كانت له ست جوار يأخذ أجورهن معاذة ومسيكة وأروى وقتيلة وعمرة وأميمة
[ 303 ]
(قال قال سعيد بن أبي الحسن الخ) مراده أن المغفرة والرحمة لهن لكونهن مكرهات لا لمن أكرههن وقوله المكرهات بيان للضمير المجرور في قوله لهن والحديث سكت عنه المنذري هذا آخر كتاب الطلاق
[ 304 ]
الصيام مبدأ فرض الصيام أي هذا الباب في بيان ابتداء فرض الصيام كتب عليكم) أي فرض (الصيام) قال الحافظ في الفتح الصوم والصيام في اللغة الإمساك وفي الشرع إمساك مخصوص في زمن مخصوص عن شئ مخصوص بشرائط مخصوصة وقال صاحب المحكم الصوم ترك الطعام والشراب والنكاح والكلام يقال صام صوما وصياما ورجل صائم وصوم وقال الراغب الصوم في الأصل الإمساك عن الفعل ولذلك قيل للفرس الممسك عن السير صائم وفي الشرع إمساك المكلف بالنية عن تناول المطعم والمشرب والاستمناء والاستقاء من الفجر إلى المغرب انتهى (كما كتب) أي فرض قال العيني إنهم تكلموا في هذا التشبيه فقيل إنه تشبيه في أصل الوجوب لا في قدر الواجب والتشبيه لا يقتضي التسوية من كل وجه كما في قوله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر وهذا تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي وقيل هذا التشبيه في الأصل والقدر والوقت جميعا وكان على الأولين صوم رمضان لكنهم زادوا في العدد ونقلوا من أيام الحر إلى أيام الاعتدال وقال الطبري وقال آخرون بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة وكان ذلك فرض على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم
[ 305 ]
(العتمة) بفتح العين والتاء أي العشاء (إلى القابلة) أي الليلة المستقبلة (فاختان رجل نفسه) افتعال من الخيانة أي خان يعني ظلم (فجامع امرأته) بيان للخيانة (وقد صلى العشاء) الواو للحال أي بعد صلاة العشاء (ولم يفطر) أي لم يأكل هذا الرجل شبعان ولم يتعش وإن كان أفطر وقت الإفطار (ذلك) الحكم (يسرا) بعد العسر (ورخصة ومنفعة) فأباح الجماع والطعام والشراب في جميع الليل (فقال) الله عزوجل (تختانون أنفسكم) يعني تجامعون النساء وتأكلون وتشربون في الوقت الذي كان حراما عليكم ذكره الطبري وفي تفسير ابن أبي حاتم عن مجاهد تختانون أنفسكم قال تظلمون أنفسكم قاله العيني (وكان هذا) أي قوله تعالى علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم إلى قوله وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر (ويسر) للناس قال المنذري في إسناده علي بن حسين بن واقد وهو ضعيف (كان الرجل إذا صام فنام) وفي رواية البخاري إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر قال الحافظ في الفتح وفي رواية زهير كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليله ويومه حتى تغرب الشمس ولأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يطعموا شيئا من ذلك إلى مثلها فاتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدا بالنوم وهذا هو المشهور في حديث غيره وقيد المنع من ذلك في حديث ابن عباس الذي سبق بصلاة العتمة قلت يحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالبا والتقييد في الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث انتهى وقال في فتح الودود وقد يقال لا منافاة بينهما فيجوز تقييد المنع بكل منهما فأيهما تحقق أولا تحقق المنع (لم يأكل) هو جواب إذا (إلى مثلها) أي إلى الليلة الأخرى (وإن صرمة بن قيس) وفي
[ 306 ]
رواية البخاري وإن قيس بن صرمة بكسر الصاد المهملة وسكون الراء هكذا سمي في هذه الرواية ولم يختلف على إسرائيل فيه إلا في رواية أبي أحمد الزبيري عنه فإنه قال صرمه بن قيس أخرجه أبو داود ولأبي نعيم في المعرفة من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله قال وكذا رواه أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس فمن قال قيس بن صرمة قلبه كما جزم الداودي والسهيلي وغيرهما بأنه وقع مقلوبا في رواية البخاري هذا ما قاله الحافظ في الفتح (وكان) أي صرمة (فقال) أي صرمة بن قيس لامرأته (عندك) بكسر الكاف (شئ) من الطعام (قالت لا) أي ليس عندي طعام (وغلبته عينه) أي نام (خيبة لك) بالنصب وهو مفعول مطلق محذوف العامل وقيل إذا كان بغير لام يجب نصبه وإلا جاز والخيبة الحرمان يقال خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب (فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه) وفي رواية البخاري فلما انتصف النهار غشي عليه وفي رواية أحمد فأصبح صائما فلما انتصف النهار فتحمل رواية البخاري وأحمد على أن الغشي وقع في آخر النصف الأول من النهار (يعمل يومه في أرضه) وفي مرسل السدي كان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة فعلى هذا فقوله في أرضه اختصاص قاله الحافظ في الفتح (الرفث) هو الجماع (إلى قوله من الفجر) ففرح المسلمون بذلك قال المنذري والحديث أخرجه البخاري والترمذي والنسائي نسخ قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية أي هذا باب في بيان أن قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية منسوخ (وعلى الذين يطيقونه) أي الصوم إن أفطروا (فدية) مرفوع على الابتداء وخبره مقدم هو قوله (وعلى الذين)
[ 307 ]
وقراءة العامة فدية بالتنوين وهي الجزاء والبدل من قولك فديت الشئ بالشئ أي هذا بهذا قاله العيني (طعام مسكين) بيان لفدية أو بدل منها وهو نصف صاع من بر أو صاع من غيره عند أهل العراق وعند أهل الحجاز مد قاله العيني (فعل) ذلك (اية التي بعدها) يعنى قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه (فنسختها) أي فنسخت هذه اية فمن شهد منكم الشهر فليصمه اية الأولى وهي قوله وعلى الذين يطيقونه فدية قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (وتم له صومه) أي أجرا وإلا فهو مفطر (فقال) الله تعالى فمن تطوع خيرا فهو خير له يعني زاد على مسكين واحد فأطعم عن كل يوم مسكينين فأكثر وقيد فمن زاد على قدر الواجب عليه فأطعم صاعا وعليه مد فهو خير له قاله في الخازن وقال في فتح الودود أي فرغب الله تعالى إياهم في الصوم أولا وندتهم أخبرنا إليه بقوله وأن تصوموا خير لكم ليعتادوا الصوم فحين اعتادوا ذلك أوجب عليهم ولم يرد أن قوله وأن تصوموا ناسخ للفدية من أصلها فلعل من قال إنه ناسخ للفدية أراد هذا القدر والله تعالى اعلم انتهى كلام السندي وقال الخازن قيل هو خطاب مع الذين يطيقونه فيكون المعنى وأن تصوموا أيها المطيقون وتتحملوا يا المشقة فهو خير لكم من الإفطار والفدية وقيل هو خطاب مع الكافة وهو الأصح
[ 308 ]
لأن اللفظ عام فرجوعه إلى الكل أولي (وقال) الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ففرض الصوم ونسخ التخيير قال المنذري وفيه علي بن الحسين بن واقد بن المسيح وفيه مقال من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى لو أي هذا باب في بيان أن من قال هذه الآية وعلى الذين يطيقونه ثابتة للشيخ والحبلى وهي غير منسوخة (قال أثبتت للحبلى) أي أثبتت الآية وعلى الذين يطيقونه لهما ونسخت في الباقي فالنسخ السابق أراد به نسخ العموم والحاصل أن من يطيق الصوم لكن له عذر يناسب الإفطار أو عليه فيه زيادة تعب كالشيخ الكبير فالآية فيه بقيت معمولة ونسحت يكون في غيره وعلى هذا فلا حاجة في بناء هذا الإثبات إلى تقدير لا في قوله وعلى الذين يطيقونه أي لا يطيقونه قاله السندي والحديث سكت عنه المنذري (كانت) هذه الآية وعلى الذين يطيقونه (رخصة) ثابتة باقية إلى ان (للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام) لكن مع شدة وتعب ومشقة عظيمة أو للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يطيقان الصيام (أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا) ويؤيد هذا المعنى الأخير ما أخرجه الدارقطني عن عطاء عن ابن عباس وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين واحد فمن تطوع خيرا قال زاد مسكينا اخر فهو خير قال وليست بمنسوخة إلا أنه رخص للشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام وأمر أن يطعم الذي يعلم أنه لا يطيقه وهذا إسناد صحيح ثابت قال في سبل السلام روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ وعلى الذين يطيقونه أي يكلفونه ولا يطيقونه ويقول ليست بمنسوخة هي للشيخ الكبير والمرأة الهمة انتهى
[ 309 ]
وقال العيني وقد اختلف السلف في قوله عزوجل وعلى الذين يطيقونه فقال قوم إنها منسوخة واستدلوا بحديث سلمة وابن عمر أي الذي أخرجه البخاري وهو قول علقمة والنخعي والحسن والشعبي وابن شهاب وعلى هذا يكون قراءتهم وعلى الذين يطيقونه بضم الياء وكسر الطاء وسكون الياء الثانية وعند ابن عباس هي محكمة وعليه قراءة يطوقونه بالواو المشددة وروي عنه يطيقونه بفتح الطاء والياء المشددتين ثم إن الشيخ الكبير والعجوز إذا كان الصوم يجهدهما ويشق عليهما مشقة شديدة فلهما أن يفطرا أو يطعما لكل يوم مسكينا وهذا قول علي وابن عباس وأبي هريرة وغيرهم انتهى ومعنى يطوقونه أي يكلفونه ومعنى يطيقونه أي يتكلفونه كما يظهر من كلام العيني وقال الحافظ في الفتح واتفقت هذه الأخبار على أن قوله وعلى الذين يطيقونه فدية منسوخ وخالف في ذلك ابن عباس فذهب إلى أنها محكمة لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير ونحوه انتهى (والحبلى والمرضع) أي كانت رخصة للحبلى والمرضع لقال الخطابي مذهب ابن عباس في هذا أن الرخصة مثبتة للحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما وقد نسخت في الشيخ الكبير الذي يطيق الصوم فليس له أن يفطر ويفدي إلا أن الحامل والمرضع وإن كانت الرخصة قائمة لهما فإنه يلزمهما القضاء مع الإطعام وإنما لزمهما الإطعام مع القضاء لأنهما يفطران من أجل غيرهما شفقة على الولد وإبقاء عليه وإذا كان الشيخ يجب عليه الإطعام وهو إنما رخص له في الإفطار من أجل نفسه فقد عقل أن من يرخص فيه من غيره أولى بالإطعام وهذا على مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وقد روي ذلك أيضا عن مجاهد وأما الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم فإنه يطعم ولا قضاء عليه لعجزه وقد روي ذلك عن أنس وكان يفعل ذلك بعد ما أسن وكبر وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ومذهب الشافعي والاوزاعي وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه في الحبلى والمرضع يقضيان ولا يطعمان كالمريض كذلك روي عن الحسن وعطاء والنخعي والزهري وقال مالك بن أنس الحبلى هي كالمريض تقضي ولا تطعم والمرضع تقضي وتطعم والحديث سكت عنه المنذري
[ 310 ]
الشهر يكون تسعا وعشرين أي هذا باب في بيان أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين لا أنه يكون دائما كذلك (إنا) أي العرب وقيل أراد نفسه (أمة) أي جماعة قريش مثل قوله تعالى أمة من الناس يسقون وقال الجوهري الأمة الجماعة وقال الأخفش هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع وكل جنس من الحيوان أمة والأمة الطريقة والدين يقال فلان لا أمة له أي لا دين له ولا نحلة له وكسر الهمزة فيه لغة وقال ابن الأثير الأمة الرجل المفرد بدين لقوله تعالى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله قاله العيني (أمية) بلفظ النسب إلى الأم فقيل أراد أمة العرب لأنها لا تكتب أو منسوب إلى الأم لأن المرأة هذه صفتها غالبا وقيل منسوبون إلى أم القرى وهي مكة أي إنا أمة مكية قاله الحافظ في الفتح وقال العيني قيل معناه باقون على ما ولدت عليه الأمهات وقال الداودي أمة أمية لم يأخذ عن كتب الأمم قبلها إنما أخذت عما جاءه الوحي من الله عزوجل انتهى (لا نكتب ولا نحسب) بالنون فيهما وهما تفسيران لكونهم أمية قال الحافظ في الفتح والمراد أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة وهو محمول على أكثرهم أو المراد نفسه صلى الله عليه وسلم وقيل للعرب اميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة قال الله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضا إلا النزر اليسير فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير انتهى قال العيني وقوله لا نحسب بضم السين (الشهر) أي الذي نحن فيه أو جنس الشهر وهو مبتدأ (هكذا) مشارا بها إلى نشر الأصابع العشر (وهكذا) ثانيا (وهكذا) ثالثا خبره بالربط بعد العطف وفسره الرواي بتسعة وعشرين وثلاثين قلت لفظ هكذا وهكذا وهكذا ثابت في بعض النسخ ثلاث مرات وفي بعض النسخ هكذا وهكذا مرتان وكذا أورده البخاري وفي رواية مختصرا ولفظه الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين
[ 311 ]
قال الحافظ في الفتح هكذا ذكره ادم شيخ البخاري مختصرا وفيه اختصار عما رواه غندر عن شعبة أخرجه مسلم عن ابن المثنى وغيره عنه بلفظ الشهر هكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين أي أشار أولا بأصابع يديه العشر جميعا مرتين وقبض الإبهام في المرة الثالثة وهذا المعبر عنه بقوله تسع وعشرون وأشار مرة أخرى بهما ثلاث مرات وهو المعبر عنه بقوله ثلاثون انتهى وقال الخطابي قوله الشهر هكذا يريد أن الشهر قد يكون تسعة وعشرين وليس يريد أن كل شهر تسعة وعشرون وإنما احتاج إلى بيان ما كان موهوما أن يخفى عليهم لأن الشهر في العرف وغالب العادة ثلاثون فوجب أن يكون البيان فيه مصروفا إلى النادر دون المعروف منه فلو أن رجلا حلف أو نذر أن يصوم شهرا بعينه فصام فكان تسعا وعشرين كان بارا في يمينه ونذره ولو حلف ليصومن شهرا لا بعينه فعليه إتمام العدة ثلاثين يوما وفي الحديث مستدل لمن رأى الحكم بالإشارة وإعمال دلالة الإيماء كمن قال امرأتي طالق وأشار بإصبعه الثلاث أنه يلزمه ثلاث تطليقات على الظاهر من الحال (وخنس سليمان إصبعه) قال الخطابي أي أضجعها فأخرها عن مقام أخواتها ويقال للرجل إذا كان مع أصحابه في مسير أو سفر فتخلف عنهم قد خنس عن أصحابه انتهى وقال العيني لفظ خنس بفتح الخاء المعجمة والنون وفي اخره سين مهملة معناه قبض والمشهور أنه لازم يقال خنس خنوسا ويروى حبس بالحاء المهملة والباء الموحدة بمعنى خنس وهي رواية الكشميهني انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه (الشهر تسع وعشرون) ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه بل قد يكون ثلاثين والجواب أن المعنى أن الشهر يكون تسعة وعشرين أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر الأغلب لقول ابن مسعود ما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين أخرجه أبو داود والترمذي قاله في الفتح (فلا تصوموا حتى تروه) أي الهلال لا يقال إنه إضمار قبل الذكر لدلاله السياق عليه كقوله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس أي لأبوي الميت قاله العيني
[ 312 ]
وقال في الفتح ليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في حق كل أحد بل المراد بذلك رؤية بعضهم وهو من يثبت به ذلك إما واحد على رأي الجمهور أو اثنان على رأي اخرين انتهى (ولا تفطروا حتى تروه) أي هلال شوال وقد استفيد من هذا الحديث أن وجوب الصوم ووجوب الإفطار عند انتهاء الصوم متعلقا برؤية الهلال (فإن غم عليكم) بضم الغين المعجمة وتشديد الميم أي حال بينكم وبينه غيم قاله الحافظ وقال العيني أي فإن ستر الهلال عليكم ومنه الغم لأنه يستر القلب والرجل الأغم المستور الجبهة بالشعر وسمي السحاب غيما لأنه يستر السماء ويقال غم الهلال إذا استتر ولم ير لاستتاره بغيم ونحوه وغممت الشئ أي غطيته انتهى (فاقدروا له) أي للشهر قال الطيبي أي فاقدروا عدد الشهر الذي كنتم فيه انتهى وقال الزركشي يعني حققوا مقادير أيام شعبان حتى تكملوه ثلاثين يوما انتهى وقال العيني هو بضم الدال وكسرها يقال قدرت لأمر كذا إذا نظرت فيه ودبرته انتهى وفي رواية البخاري الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تزوه مع فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين قال في الفتح قال الجمهور المراد بقوله فاقدروا له أي انظروا في أول الشهر واحسبوا تمام الثلاثين ويرجح هذا التأويل الروايات الأخر المصرحة بالمراد وهي فأكملوا العدة ثلاثين ونحوها وأولى ما فسر الحديث بالحديث انتهى قال الخطابي قوله فاقدروا له معناه التقدير بإكمال العدد ثلاثين يقال قدرت الشئ أقدره قدرا بمعنى قدرته تقديرا ومنه قوله تعالى وقدرنا فنعم القادرون وكان بعض أهل المذهب يذهب في ذلك غير هذا المذهب وتأوله على التقدير بحساب سير القمر في المنازل والقول الأول أشبه ألا تراه يقول في الرواية الأخرى فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما حدثناه جعفر بن نصير الخالدي حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا سليمان بن داود حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول اللهصلى الله عليه واله وسلم إن الله عزوجل جعل الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطرو سعيد لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما وعلى هذا قول عامة أهل العلم ويؤكد ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الشك وكان أحمد بن حنبل يقول إذا لم ير الهلال لتسع وعشرين من شعبان لعلة في السماء صام الناس فإن كان صحو لم يصوموا تباعا لمذهب ابن عمر (نظر له) بصيغة
[ 313 ]
المجهول أي لعبد الله بن عمر (فإن رؤي) أي الهلال (فذاك) يعني أصبح ابن عمر صائما (وإن لم ير) أي الهلال (ولم يحل) من حال يحول (ولا قترة) بفتحات قال الخطابي القترة الغبرة في الهواء الحائل بين الإبصار وبين رؤية الهلال (دون منظره) أي قريب منظره (سحاب أو قترة) أي غبار في تلك الليلة وهي ليلة الثلاثين من شعبان (أصبح) ابن عمر (صائما) قال الخطابي وكان مذهب عبد الله بن عمر ابن الخطاب صوم يوم الشك إذا كان في السماء سحاب أو قترة فإن كان صحو ولم ير الناس أفطر مع الناس انتهى قال ابن الجوزي في التحقيق لأحمد في هذه المسألة وهي ما إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال أحدها يجب صومه على أنه من رمضان ثانيها لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة وبه قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة لا يجوز عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك ثالثها المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر واحتج الأول بأنه موافق لرأي الصحابي راوي الحديث قال أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر فذكر الحديث بلفظ فاقدروا له قال نافع فكان ابن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رأى فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا وإن حال أصبح صائما وأما ما روى الثوري في جامعه عن عبد العزيز بن حكيم سمعت ابن عمر يقول لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه فالجمع بينهما أنه في الصورة التي أوجب فيها الصوم لا يسمى يوم شك وهذا هو المشهور عن أحمد أنه خص يوم الشك بما إذا تقاعد الناس عن رؤية الهلال أو شهد برؤيته من لا يقبل الحاكم شهادته فأما إذا حال دون منظره شئ فلا يسمى شكا واختار كثيرة من المحققين من أصحابه الثاني انتهى قلت قد جاء في رواية البخاري وغيره فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين وفي رواية للبخاري وأبي داود وغيرهما قال عمار من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فهذان يدلان على عدم جواز الصوم يوم الشك وعلى عدم جواز صوم رمضان إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان وما ذهب إليه أحمد بن حنبل هو قول ضعيف
[ 314 ]
وقول عمار رضي الله عنه من قبيل المرفوع لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه وسيجئ بعض بيانه في باب كراهية صوم يوم الشك إن شاء الله تعالى (قال) نافع (وكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب) قال الخطابي يريد أنه كان يفعل ذلك الصنيع في شهر شعبان احتياطا للصوم ولا يأخذ بهذا الحساب في شهر رمضان ولا يفطر إلا مع الناس انتهى قال المنذري وأخرج مسلم منه المسند فقط (زاد) أي أيوب في رواية عبد الوهاب عنه دون حماد (إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا) أي لثلاثين في ليلة فلان وفلان (فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا) أي بحساب الثلاثين في يوم فلان وفلان (إلا أن يروا) أي الناس (الهلال قبل ذلك) أي الثلاثين فيكون الصوم بحساب تسعة وعشرين من شعبان قال المنذري وهذا الذي قاله عمر بن عبد العزيز قضت به الروايات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما صمنا) ما موصولة أو مصدرية قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي (شهرا عيد) أي شهر رمضان وشهر ذي الحجة قال في الفتح أطلق على رمضان أنه
[ 315 ]
شهر عيد لقربه من العيد أو لكون هلال العيد ربما رئي في اليوم الأخير من رمضان قاله الأثرم والأول أولى ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم المغرب وتر النهار أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وصلاة المغرب ليلية جهرية وأطلق كونها وتر النهار لقربها منه وفيه إشارة إلى أن وقتها يقع أول ما تغرب الشمس انتهى (لا ينقصان) قال الخطابي اختلف الناس في تأويله على وجوه فقال بعضهم معناه أنهما لا يكونان ناقصين في الحكم وإن وجدا ناقصين في عدد الحساب وقال بعضهم معناه أنهما لا يكادان يوجدان في سنة واحدة مجتمعين في النقصان إذا كان أحدهما تسعا وعشرين كان الآخر ثلاثين على الإكمال قلت وهذا القول لا يعتمد لأن دلالته تختلف
[ 316 ]
إلا أن يحمل الأمر في ذلك على الغالب الأكبر وقال بعضهم إنما أراد بهذا تفضيل العمل في العشر من ذي الحجة فإنه لا ينقص في الأجر والثواب عن شهر رمضان انتهى (رمضان وذو الحجة) بدلان أو بيانان أو هما خبرا مبتدأ محذوف تقديره أحدهما رمضان والآخر ذو الحجة قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه إذا أخطأ القوم الهلال أي هذا باب في بيان أن قوما اجتهدوا في رؤية الهلال فأخطأوا وذلك مثلا أن قوما لم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفتروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعة وعشرين فما حكمه (فيه) أي في حديث أيوب بسنده المذكور (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وفطركم يوم تفطرون) هو محل الترجمة وفي رواية الترمذي حدثنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إبراهيم بن المنذر أخبرنا إسحاق ابن جعفر بن محمد حدثني عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون قال الترمذي فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس انتهى يعني هو عند الله مقبول قال الخطابي معنى الحديث أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد فلو أن قوما اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين فإن صومهم وفطرهم ماض لا شئ عليهم من وزر أو عتب وكذلك هذا في الحج إذا أخطأوا يوم عرفة فإنه ليس عليهم إعادته ويجزيهم أضحاؤهم بكر كذلك وإنما هذا تخفيف من الله سبحانه ورفق بعباده ولو كلفوا إذا أخطأوا العدد ثم يعيدوا لم يأمنوا أن يخطئوا ثانيا وأن لا يسلموا من الخطأ ثالثا ورابعا فأما ما كان سبيله الاجتهاد كان الخطأ غير مأمون فيه انتهى قال المنذري وقيل فيه اشارة إلى يوم الشك لا يصام احتياطا وإنما يصوم يوم يصوم الناس وقيل فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز له أن
[ 317 ]
يصوم به ويفطر دون من لم يعلم وقيل إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته أن هذا لا يكون صوما له كما لم يكن للناس انتهى (وكل عرفة موقف) أي لا تتوهموا أن الموقف يختص بما وقفت فيه بل يجزئ الوقوف بأي جزء من عرفة (وكل منى منحر) أي محل للنحر (وكل فجاج) جمع فج وهو الطريق الواسع (مكة منحر) يعني في أي محل من حوالي مكة ينحر الهدي يجوز لأنها من أرض الحرم وأراد به التوسعة ونفى الحرج (وكل جمع) أي مزدلفة قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي من حديث سعيد بن سعيد المقبري عن أبي هريرة وقال حسن غريب انتهى وفي البدر المنير ابن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة ولم يلقه قاله ابن معين وأبو زرعة انتهى
[ 318 ]
إذا أغمي الشهر أي أخفي هلال شهر شعبان بنحو غيم والألف واللام فيه للعهد أي ماذا يفعل يكمل عدة شعبان ثلاثين يوما أو يصوم لرمضان يقال أغمي بالحبر إذا خفي (يتحفظ من شعبان) أي يتكلف في عد أيام شعبان لمحافظة صوم رمضان (فإن غم عليه) أي شعبان (عد) أي شعبان قال المنذري قال الدارقطني هذا إسناد صحيح هذا آخر كلامه ورجال إسناده كلهم محتج بهم في الصحيحين على الاتفاق والانفراد ومعاوية بن صالح الحضرمي الحمصي قاضي الأندلس وإن كان قد تكلم فيه بعضهم فقد احتج به مسلم في صحيحه وقال البخاري قال علي يعني ابن المديني كان عبد الرحمن بن مهدي يوثقه ويقول نزل الأندلس وقال أحمد بن حنبل كان ثقة وقال أبو زرعة الرازي ثقة (لا تقدموا الشهر) الأقرب معنى أنه من التقديم أي لا تحكموا بالشهر قبل أوانه ولا تقدموه عن وقته بل اصبروا حتى تروا الهلال قاله في الفتح الودود (أو تكملوا العدة) أي ثلاثين يوما وهو محل الترجمة لأن إكمال العدة في حالة الغيم ضروري
[ 319 ]
قال المنذري والحديث أخرجه النسائي مسندا ومرسلا وقال لا أعلم أحدا من أصحاب منصور قال في هذا الحديث عن حذيفة غير جرير يعني ابن عبد الحميد وقال البيهقي وصله جرير عن منصور فذكر حذيفة فيه وهو ثقة حجة وروى له الثوري وجماعة عن منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من قال فإن غم عليكم قد أي ستر هلال رمضان عليكم فصوموا ثلاثين وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور العلماء خلافا لأحمد بن حنبل (لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين) وفي رواية البخاري لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين الحديث قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول شهر رمضان لمعنى رمضان انتهى أي لتعظيمه وقال الحافظ في الفتح قال العلماء معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان والحكمة فيه التقوى بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط وقيل الحكمة فيه خشية اختلاط
[ 320 ]
النفل بالفرض وقيل لأن الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم وهذا هو المعتمد (إلا أن يكون شئ يصومه أحدكم) معنى الاستثناء أن من كان له ورد فقد أذن له فيه لأنه اعتاده وألفه وترك المألوف شديد وليس ذلك من استقبال رمضان في شئ ويلتحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما قاله الحافظ في الفتح (حتى تروه) أي هلال رمضان (ثم صوموا حتى تروه) أي هلال شوال (فإن حال دونه) أي عند الهلال (غمامة) أي سحابة (فأتموا العدة) أي عدة رمضان (والشهر تسع وعشرون) يعني أنه قد يكون تسعا وعشرين لا أنه يكون دائما كذلك
[ 321 ]
قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي بنحوه وقال الترمذي حسن صحيح وأخرج مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجه في سننهما من حديث سعيد ابن
[ 322 ]
المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الهلال فصوموا وإن رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما في التقدم وفي أي التقدم بالصوم في شعبان على رمضان (هل صمت من سرر شعبان) أي من آخره قال الحافظ في الفتح والسرر بفتح السين المهملة ويجوز كسرها وضمها جمع سرة ويقال أيضا سرار بفتح أوله وكسره ورجح الفراء الفتح وهو من الاستسراء قال أبو عبيد والجمهور المراد بالسرر هنا آخر الشهر سميت بذلك لاستسرار القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين انتهى وقال الخطابي هذان الحديثان يعني حديث لا تقدموا الشهر بصيام يوم وحديث هل صمت من سرر شعبان متعارضان في الظاهر ووجه الجمع بينهما أن الأمر بالصوم إنما هو شئ كان للرجل قد أوجبه على نفسه بنذره فأمره بالوفاء به أو كان ذلك عادة اعتادها أو آخر الشهور فتركه لاستقبال الشهر فاستحب له صلى الله عليه وسلم أن يقضيه وأما النهي عنه في حديث ابن عباس فهو أن يبتديه المرء متبرعا به من غير إيجاب نذر ولا عادة قد كان تعودها فيما مضى والله أعلم (فإذا أفطرت) أي انسلخ رمضان (فصم يوما) أي عوضا منه فاستحب له الوفاء به قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي (بدير مسحل) قال في
[ 323 ]
القاموس الدير خان النصارى والخان الحانوت أو صاحبه انتهى والحانوت الدكان وقال في تاج العروس ومسحل اسم رجل وهو أبو الدهناء امرأة العجاج انتهى ولعل مسحلا كان باني هذا الدير أو مالكه (على باب حمص) قال في مراصد الاطلاع حمص بالكسر ثم السكون والصاد مهملة بلد مشهور كبير (فقال) معاوية (قد رأينا الهلال) أي هلال شعبان (وأنا متقدم) رمضان (بالصيام) وهو محل الترجمة (أن يفعله) أي تقديم رمضان بالصوم (قال) أبو الأزهر
[ 324 ]
(فقام إليه) أي إلى معاوية (السبأي) بمفتوحة وفتح موحدة فكسر همزة وقصر نسبة إلى سبأ عامر بن سحب قاله المغني (قال) معاوية (صوموا الشهر وسره) قال في النهاية أراد صوموا أول الشهر وآخر انتهى وقال الخطابي والعرب يسمي الهلال الشهر يقول رأيت الشهر أي الهلال انتهى وقال في فتح الودود صوموا الشهر وسره بكسر فتشديد يقال سر الشهر وسراره وسرره لآخر لاستتار القمر فيه ويحتمل أن المراد بالشهر رمضان وسره أي آخر لتأكيد الاستيعاب أو المراد بآخره آخر شعبان وإضافته إلى رمضان للاتصال والخطاب لمن يعتاد أو لبيان الجواز ويحتمل أن المراد بالشهر كل شهر والمراد صوموا أول كل شهر وآخره والمقصود بيان الإباحة انتهى (يعني الأوزاعي يقول سره أوله) قال الخطابي وأنا أنكر هذا التفسير وأراه غلطا في النقل ولا أعرف له وجها في اللغة والصحيح أن سره آخره هكذا حدثنا أصحابنا عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل حدثنا محمود بن خالد الدمشقي عن الوليد عن الأوزاعي قال سره آخره وهذا هو الصواب وفيه لغات يقال سر الشهر وسرار الشهر وسمي آخر الشهر سرا لاسترار القمر فيه وإذا كان أول الشهر مأمورا بصيامه في قوله صوموا الشهر فقد علم أن الأمر بصيام سره هو غيره أوله
[ 325 ]
إذا رؤي الهلال في بلد قبل اخرين بليلة أي فما حكمه (بعثته) أي كريبا (قال) كريب (حاجتها) أي أم الفضل (فاستهل) هو بضم التاء بصيغة المجهول (قال) ابن عباس (أنت رأيته) أي الهلال (قال) ابن عباس (أو نراه) أي الهلال (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) قد تمسك بحديث كريب هذا من قال إنه لا يلزم أهل بلد رؤية أهل بلد غيرها ووجه الاحتجاج به أن ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام وقال في آخر الحديث هكذا أمرنا فدل ذلك على أنه قد حفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر قال الخطابي اختلف الناس في الهلال يستهله أهل بلد آخر في ليلة قبلها أو بعدها فذهب إلى ظاهر الحديث ابن عباس والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وعكرمة وهو مذهب إسحاق بن راهويه وقال لكل قوم رؤيتهم وقال أكثر الفقهاء إذا ثبت بخبر الناس أن أهل البلد من البلدان قد رأوه قبلهم فعليهم قضاء ما أفطروه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ومالك وإليه ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل انتهى وقال في فتح الودود قوله هكذا أمرنا يحتمل أن المراد به أنه أمرنا أن لا نقبل شهادة الواحد في حق الإفطار أو أمرنا بأن نعتمد على رؤية أهل بلدنا ولا نعتمد عن رؤية غيرهم وإلى المعنى الثاني تميل ترجمة المصنف لكن المعنى الأول محتمل فلا يستقيم الاستدلال إذ الاحتمال يفسد الاستدلال انتهى
[ 326 ]
وقال الشوكاني في النيل بعد نقل الأقوال واعلم أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو قوله فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين والأمر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم انتهى ملخصا وقال الحافظ في الفتح وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب أحدها لأهل كل بلد رؤيتهم وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس ما يشهد له وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه وحكاه الماوردي وجها للشافعية ثانيها مقابله إذا رؤي ببلدة لزم أهل البلاد كلها وهو المشهور عند المالكية لكن حكى ابن عبد البر الإجماع على خلافه وقال أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس قال القرطبي قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم وقال ابن الماجشون لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع وقال بعض الشافعية إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا وإن تباعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي وفي ضبط البعد أوجه أحدها اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في الروضة وشرح المهذب ثانيهما مسافة القصر قطع به الإمام والبغوي وصححه الرافعي في الصغير والنووي في شرح مسلم ثالثها اختلاف الأقاليم رابعها حكاه السرخسي فقال يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم خامسها قول ابن الماجشون المتقدم انتهى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي (عن الحسن في رجل) هذا الحديث وجد في نسخة واحدة وقال الحافظ المزي هذا الحديث في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكر بن داسة انتهى كذا في غاية المقصود
[ 327 ]
باب كراهية صوم يوم الشك (عن صلة) قال الحافظ في الفتح أما صلة فهو بكسر المهملة وتخفيف اللام المفتوحة ابن زفر بزاي وفاء وزن عمر كوفي عبسي بموحدة ومهملة من كبار التابعين وفضلائهم (يشك فيه) هل هو من شعبان أو من رمضان وهو على بناء المجهول قال العلامة العيني ويوم الشك هو اليوم الذي يتحدث الناس فيه برؤية الهلال ولم يثبت رؤيته أو شهد واحد فردت شهادته أو شاهدان فاسقان فردت شهادتهما (فأتى بشاة) وفي رواية الترمذي فأتي بشاة مصلية فقال كلوا (فتنحى بعض القوم) أي اعتزل واحترز عن أكله (فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) قال في الفتح استدل به على تحريم صوم يوم الشك لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من قبيل المرفوع قال ابن عبد البر هو مسند عندهم لا يختلفون في ذلك قيل فائدة تخصيص ذكر هذه الكنية يعني أبا القاسم اشارة إلى أنه هو الذي يقسم بين عباد الله أحكامه زمانا ومكانا وغير ذلك انتهى
[ 328 ]
وقال الخطابي اختلف الناس في معنى النهي عن صيام يوم الشك فقال قوم إنما نهي عن صيامه إذا نوى به أن يكون من رمضان فأما من نوى به صوم يوم من شعبان فهو جائز هذا قول مالك بن أنس والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه ورخص فيه على هذا الوجه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقالت طائفة لا يصام ذلك اليوم عن فرض ولا تطوع للنهي فيه وليقع الفصل بذلك بين شعبان ورمضان وهكذا قال عكرمة وروي معناه عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما وعائشة وأسماء ابنتا أبي بكر تصومان ذلك اليوم وقالت عائشة رضي الله عنها لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان وكان مذهب عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما صوم يوم الشك إذا كان في السماء سحاب أو قترة فإن كان صحو ولم ير الناس الهلال أفطر مع الناس وإليه ذهب أحمد بن حنبل وقال الشافعي إن وافق يوم الشك يوما كان يصومه صامه وإلا لم يصمه وهو أن يكون من عادته أن يصوم انتهى وقد مر بعض بيانه في باب الشهر يكون تسعا وعشرين قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح وذكر أبو القاسم البغوي في حديث أبي هريرة فقد عصى الله ورسوله أنه موقوف وذكر أبو عمر بن عبد البر أن هذا مسند عندهم ولا يختلفون يعني في ذلك في من يصل شعبان برمضان (لا تقدموا صوم رمضان) قد مر بيانه ومعناه في باب من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين (إلا أن يكون صوم) يكون هنا تامة معناه إلا أن يوجد صوم (يصومه رجل) وكان ذلك
[ 329 ]
الصوم نذرا معينا أو نفلا معتادا أو صوما مطلقا غير مقيد برمضان (فليصم ذلك الصوم) قال الخطابي معناه أن يكون قد اعتاد صوم الاثنين والخميس فيوافق صوم المعتاد فيصومه ولا يتعمد صومه إذا لم يكن له عادة وهذا قريب من معنى الحديث الأول انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان) وفي رواية ابن أبي لبيد عن أبي سلمة عن عائشة عند مسلم كان يصوم شعبان إلا قليلا ورواه الشافعي من هذا الوجه بلفظ بل كان يصوم إلى آخره وهذا يبين أن المراد بقوله في حديث أم سلمة عند أبي داود وغيره أنه كان لا يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصله برمضان أي كان يصوم معظمه ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره قال الترمذي كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك وحاصله أن الرواية الأولى مفسرة للثانية مخصصة لها وإن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال قاله الحافظ في الفتح قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن في كراهية ذلك (فأخذ) عباد (بيده) أي العلاء (فأقامه) أي أقام عباد العلاء (ثم قال) عباد (إن هذا) أي
[ 330 ]
العلاء (عن أبيه) وهو عبد الرحمن (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) قال الخطابي هذا الحديث كان ينكره عبد الرحمن بن مهدي من حديث العلاء وروت أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم شعبان كله ويصله برمضان ولم يكن يصوم من السنة شهرا تاما غيره ويشبه أن يكون حديث العلاء إن ثبت على معنى كراهية صوم يوم الشك ليكون في ذلك اليوم مفطرا أو ليكون ما استحب الصيام في بقية شعبان ليتقوى بذلك على صيام الفرض في شهر رمضان كما كره للحاج الصوم بعرفة ليتقوى بالإفطار على الدعاء انتهى قال الحافظ في الفتح قال القرطبي لا تعارض بين حديث النهي عن صوم نصف شعبان الثاني والنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وبين وصال شعبان برمضان والجمع ممكن بأن يحمل النهي على من ليست له عادة بذلك ويحمل الأمر على من له عادة حملا للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا يقطع انتهى ملخصا قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن
[ 331 ]
صحيح حكى أبو داود عن الإمام أحمد أنه قال هذا حديث منكر قال وكان عبد الرحمن يعني ابن مهدي لا يحدث به ويحتمل أن يكون الإمام أحمد إنما أنكره من جهة العلاء بن عبد الرحمن فإن فيه مقالا لأئمة هذا الشأن ومن قال إن النهي عن الصيام بعد النصف من شعبان لأجل التقوي على صيام رمضان والاستجمام فلا له فقد أبعد فإن نصف شعبان إذا أضعف كان كل شعبان أحرى أن يضعف وقد جوز العلماء صيام جميع شعبان والعلاء بن عبد الرحمن وإن كان فيه مقال فقد حدث عنه الإمام مالك مع شدة انتقاده الرجال وتحريه في ذلك وقد احتج به مسلم في صحيحه وذكر له أحاديث انفرد بها رواتها وكذلك فعل البخاري أيضا وللحفاظ في الرجال مذاهب فعل كل منهم ما أدى إليه اجتهاده من القبول والرد رضي الله عنهم والله أعلم
[ 332 ]
شهادة رجلين على رؤية هلال شوال (جديلة قيس) قال في تاج العروس الجديلة كسفينة القبيلة وبنو جديلة بطن في قيس وهم فهم وعدوان ابنا عمرو بن قيس عيلان وبطن آخر في الأزد وهم بنو جديلة بن معاوية بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد (أن ننسك) أن نعبد والنسك العبادة ومعناه نحج (للرؤية) أي لرؤية هلال ذي الحجة (وشهد شاهدا عدل) قال في فتح الودود استدل المصنف بجواز الحج بشهادة رجلين على ثبوت هلال شوال (فسألت الحسين) السائل أبو مالك (ثم لقيني) أي الحسين (فقال) الحسين (هو) أي الأمير (وصدق) الأمير (كان) عبد الله بن عمر (أعلم بالله منه) أي من الأمير (فقال) عبد الله بن عمر (بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الخطابي لا أعلم اختلافا في أن شهادة الرجلين العدلين مقبولة في رؤية هلال شوال وإنما اختلفوا في شهادة رجل واحد فقال أكثر العلماء لا يقبل فيه أقل من شاهدين عدلين وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه أجاز شهادة رجل واحد في أضحى أو فطر ومال إلى هذا القول بعض أهل الحديث وزعم أن باب رؤية الهلال باب الإخبار فلا يجري مجرى الشهادات ألا ترى أن شهادة الواحد مقبولة في رؤية هلال شهر رمضان وكذلك يجب أن تكون مقبولة في هلال شهر شوال قلت لو كان ذلك من باب الإخبار لجاز فيه أن يقول أخبرني فلان أنه رأى الهلال فلما
[ 333 ]
لم يجز ذلك على الحكاية عن غيره علم أنه ليس من باب الإخبار والدليل على ذلك أنه يقول أشهد أني رأيت هلال رمضان خصوصا وذلك لأن الواحد العدل فيه كاف عند جماعة من العلماء واحتج بخبر ابن عمر رضي الله عنهما قال أخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني رأيت الهلال فأمر الناس بالصيام قلت ومن ذهب إلى هذا الوجه أجاز فيه المرأة والعبد انتهى قال المنذري قال الدارقطني هذا إسناد متصل صحيح (لأهلا الهلال) أي لرأيا الهلال (أمس) اسم علم على اليوم الذي قبل يومك ويستعمل فيما قبله مجازا (عشية) العشي ما بين الزوال إلى الغروب والمعني بالفارسية دي وقت شام (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس) فيه رد على من زعم أن أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالإفطار خاص بالركب قال الخطابي فيه أن شهادة الواحد العدل في رؤية هلال رمضان مقبولة وإليه ذهب الشافعي في أحد قوليه وهو قول أحمد بن حنبل وكان أبو حنيفة وأبو يوسف يجيزان على هلال رمضان شهادة الرجل الواحد العدل وإن كان عبدا وكذلك المرأة الواحدة وإن كانت أمة ولا يجيزان في هلال الفطر أو رجلا وامرأتين وكان الشافعي لا يجيز في ذلك شهادة النساء وكان مالك والأوزاعي وإسحاق بن راهويه يقولون لا يقبل على هلال شهر رمضان ولا على هلال الفطر أقل من شاهدين عدلين وفي قول ابن عمر تراأى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبوله في ذلك قوله وحده دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد وأنه لا فرق بين أن يكون المخبر بذلك منفردا عن الناس وحده وبين أن يكون مع جماعة من الناس ولا يشاركه أصحابه في ذلك انتهى قال المنذري قال البيهقي وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ثقات سموا أو لم يسموا
[ 334 ]
في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان (عن سماك) يعني الوليد بن أبي ثور وزائدة كلاهما عن سماك (جاء أعرابي) أي واحد من الأعراب وهم سكان البادية (فقال إني رأيت الهلال) يعني وكأن غيما وفيه دليل على أن الإخبار كاف ولا يحتاج إلى لفظ الشهادة ولا إلى الدعوى قاله علي القاري (أذن في الناس) أي ناد في محضرهم منه وأعلمهم قال الخطابي وفيه حجة لمن أجرى الأمر في رؤية هلال شهر رمضان مجرى الإخبار ولم يحملها على أحكام الشهادات وفيه أيضا حجة لمن رأى أن الأصل في المسلمين العدالة وذلك أنه لم يطلب أن يعلم من الأعرابي غير الإسلام فقط ولم يبحث بعد ذلك عن عدالته وصدق لهجته انتهى والحديث سكت عنه المنذري
[ 335 ]
(من الحرة) قال في المصباح المنير الحرة بالفتح أرض ذات حجارة سود والجمع حرار مثل كلبة وكلاب (فأتى به) أي بالأعرابي (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (قال نعم) أي الأعرابي (وشهد) الأعرابي (فأمر) النبي صلى الله عليه وسلم قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مسندا ومرسلا وقال الترمذي فيه اختلاف وذكر النسائي أن المرسل أولى بالصواب وأن سماك بن حرب إذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن (تراءى الناس الهلال) قال المظهر الترائي أن يرى يعض القوم بعضا والمراد منه هنا الاجتماع للرؤية لقوله (فأخبرت) أي وحدي (أني رأيته) أي الهلال (فصام) النبي صلى الله عليه وسلم (بصيامة) أي بصيام رمضان قال المنذري قال الدارقطني تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب وهو ثقة في توكيد السحور السحور بالضم مصدر وبالفتح اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب والمحفوظ عند المحدثين الفتح (عن أبيه) أي لموسى وهو علي قال في التقريب علي بن رباح بن قصير ضد
[ 336 ]
الطويل اللخمي أبو عبد الله البصري ثقة والمشهور فيه علي بالتصغير وكان يغضب منها من صغار الثالثة مات سنة بضع عشرة ومائة (إن فصل ما بين صيامنا) الفصل بمعنى الفاصل وماصولة وإضافته من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الفارق الذي بين صيامنا وصيام أهل الكتاب قاله في فتح الودود وقال علي القاري ما زائدة أضيف إليها الفصل بمعنى الفرق (أكلة السحر) بفتح الهمزة المرة وإن كثر المأكول وقال زين العرب الأكلة بالضم اللقمة وقال التوربشتي والمعنى أن السحور هو الفارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب لأن الله تعالى أباحه لنا إلى الصبح بعد ما كان حراما علينا أيضا في بدء الإسلام وحرمه عليهم بعد أن يناموا أو مطلقا ومخالفتنا إياهم تقع موقع الشكر لتلك النعمة انتهى وفي القاموس السحر هو قبيل الصبح وفي الكشاف هو السدس الأخير من الليل قاله علي القاري وقال الخطابي معنى هذا الكلام الحث على السحر وفيه إعلام بأن هذا الدين يسر ولا عسر فيه وكان أهل الكتاب إذا ناموا بعد الإفطار لم يحل لهم معاودة الأكل والشرب إلى وقت الفجر بقوله عزوجل فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من سمى السحور الغداء : (عن العرباض) بكسر العين (إلى السحور) بفتح السين ويجوز ضمها قال ابن الأثير في النهاية السحور بالفتح اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب وبالضم المصدر والفعل نفسه وأكثرها ما يروى بالفتح وقيل إن الصواب بالضم لأنه بالفتح الطعام والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام (هلم) معناه تعال وفيه لغتان فأهل الحجاز يطلقونه على الواحد والجمع
[ 337 ]
والاثنين والمؤنث بلفظ واحد مبني على الفتح وبنو تميم تثنى وتجمع وتؤنث فتقول هلم وهلمي وهلما وهلموا قاله ابن الأثير في النهاية وقال علي القاري وجاء التنزيل بلغة الحجاز قل هلم شهداءكم أي أحضروهم (إلى الغداء المبارك) والغداء مأكول الصباح وأطلق عليه لأنه يقوم مقامه قال الخطابي إنما سماه غداء لأن الصائم يتقوى به على صيام النهار فكأن قد تغدى والعرب تقول غدا فلان لحاجته إذا بكر فيها وذلك من لدن وقت السحور إلى وقت طلوع الشمس انتهى قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وفي إسناده الحارث بن زياد قال أبو عمر النمري ضعيف مجهول يروي عن أبي رهم السمعي حديثه منكر (نعم سحور المؤمن) الحديث وجد في نسخة واحدة وقال الحافظ المزي هذا الحديث في رواية أبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى كذا في غاية المقصود وقت السحور (من سحوركم) قال العيني قال شيخنا رحمه الله رويناه بفتح السين وضمها وهو بالضم الفعل وبالفتح اسم لما يتسحر به كالوضوء والسعوط والحنوط ونحوها (ولا بياض الأفق الذي هكذا) يعني بياض الأفق المستطيل (حتى يستطير) أي ينتشر بياض الأفق معترضا قال الخطابي قوله حتى يستطير معناه يعترض في الأفق ينتشر ضوؤه هناك قال الشاعر شعإفهان غير على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير انتهى قال المنذري والحديث أخرجه ومسلم والترمذي والنسائي
[ 338 ]
(أو قال ينادي) شك من الراوي (ليرجع قائمكم) ومعناه أنه إنما يؤذن بليل ليعلمكم بأن الفجر ليس ببعيد فيرد القائم المتهجد إلى راحته لينام غفوة ليصبح نشيطا أو يوتر إن لم يكن أوتر قاله النووي (وينتبه نائمكم) وفي رواية لمسلم ويوقظ نائمكم قال النووي أي ليتأهب للصبح أيضا بفعل ما أراد من تهجد قليل أو إيتار إن لم يكن أوتر أو سحور إن أراد الصوم أو اغتسال أو وضوء أو غير ذلك مما يحتاج إليه قبل الفجر (وجمع يحيى كفه حتى يقول هكذا ومد يحيى بإصبعيه السبابتين) ورواية مسلم أصرح ولفظها إن الفجر ليس الذي يقول هكذا وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ولكن الذي يقول هكذا ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (ولا يهيدنكم) قال الحافظ هو بكسر الهاء انتهى وقال الخطابي معناه لا يمنعكم الأكل وأصل الهيد الزجر يقال للرجل أهيده هيدا إذا زجرته ويقال في زجر الدواب هيد هيد انتهى (الساطع المصعد) قال الخطابي سطوعها ارتفاعها مصعدا قبل أن يعترض انتهى قال ابن الأثير في النهاية قوله ولا يهيدنكم الساطع المصعد أي لا تنزعجوا للفجر المستطيل فتمتنعوا به عن السحور فإنه الصبح الكاذب وأصل الهيد الحركة وقد هدت الشئ أهيده هيدا إذا حركته وأزعجته والساطع المصعد يعني الصبح الأول المستطيل يقال سطع الصبح يسطع فهو ساطع أول ما ينشق مستطيلا انتهى
[ 339 ]
(حتى يعترض لكم الأحمر) قال الخطابي معنى الأحمر ههنا أن يستبطن البياض المعترض أوائل حمرة وذلك أن البياض إذا تتام طلوعه ظهرت أوائل الحمرة والعرب تشبه الصبح بالبلق من الخيل لما فيه من بياض وحمرة انتهى قلت وقد تطلق الأحمر على الأبيض قال في تاج العروس الأحمر ما لونه الحمرة ومن المجاز الأحمر من لا سلاح معه في الحرب والأحمر تمر للونه والأحمر الأبيض ضد وبه فسر بعض الحديث بعثت إلى الأحمر والأسود والعرب تقول امرأة حمراء أي بيضاء انتهى فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم حتى يعترض لكم الأحمر أي الأبيض وهو بياض النهار من سواد الليل يعني الصبح الصادق قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وقال حسن غريب من هذا الوجه هذا آخر كلامه وقيس هذا قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة (لما نزلت هذه الآية) قال الحافظ في الفتح ظاهره أن عديا كان حاضرا لما نزلت هذه الآية وهو يقتضي تقدم إسلامه وليس كذلك لأن نزول فرض الصوم كان متقدما في أوائل الهجرة وإسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة فيؤول قول عدي هذا على أن المراد بقوله لما نزلت أي لما تليت علي عند إسلامي أو لما بلغني نزول الآية أو في السياق حذف تقديره لما نزلت الآية ثم قدمت فأسلمت ونغلمت أحمد الشرائع (أخذت) وقد روى أحمد حديثه من طريق مجالد بلفظ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام فقال صل كذا وصم كذا فإذا غابت الشمس فكل حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود قال فأخذت خيطين الحديث انتهى (عقالا) بكسر المهملة أي حبلا قاله الحافظ (فلم أتبين) أي لم أتميز بين العقال الأبيض والأسود (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (إن وسادك إذا لطويل عريض) قال العيني الوساد والوسادة المخدة والجمع وسائد ووسد انتهى
[ 340 ]
وقال الخطابي فيه قولان أحدهما يريد إن نومك لكثير عني بالوسادة عن النوم إذا كان النائم يتوسد أو يكون أراد إن ليلك إذا لطويل إذا كنت لا تمسك عن الأكل والشرب حتى يتبين لك سواد العقال من بياضه والقول الآخر أنه كني بالوسادة عن الموضع الذي يضعه من رأسه وعنقه على الوسادة إذا نام والعرب تقول فلان عريض القفا إذا كانت فيه غباوة وغفلة وقد روي في هذا الحديث من طريق آخر أنه قال إنك عريض القفا والعرب تسمي الصبح أول ما يبدو خيطا انتهى وقال النووي قال القاضي معناه إن جعلت تحت وسادك الخيطين الذين أرادهما الله تعالى وهما الليل والنهار فوسادك يعلوهما ويغطيهما وحينئذ يكون عريضا انتهى (إنما هو) أي الخيط الأسود والأبيض قال الحافظ في الفتح ولو أكل ظانا أن الفجر لم يطلع لم يفسد صومه عند الجمهور لأن الآية دلت على الإباحة إلى أن يحصل التبيين وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عباس قال أحل الله لك الأكل والشرب ما شككت ولابن أبي شيبة عن أبي بكر وعمر نحوه وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي الضحى قال سأل رجل ابن عباس عن السحور فقال له رجل من جلسائه كل حتى لا تشك فقال ابن عباس إن هذا لا يقول شيئا كل ما شككت حتى لا تشك قال ابن المنذر وإلى هذا القول صار أكثر العلماء وقال مالك يقضي انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي الرجل يسمع النداء أي أذان الصبح والإناء على يده (النداء) أي أذان الصبح (والإناء) أي الذي يأكل منه أو يشرب منه (على يده) جملة حالية (فلا يضعه) أي الإناء (حتى يقضي حاجته منه) أي بالأكل
[ 341 ]
والشرب قال الخطابي هذا على قوله إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم أو يكون معناه إن سمع الأذان وهو يشك في الصبح مثل أن يكون السماء متغيمة فلا يقع له العلم بأذانه أن الفجر قد طلع لعلمه أن دلائل الفجر معدومة ولو ظهرت للمؤذن لظهرت له أيضا فإذا علم انفجار الصبح فلا حاجة إلى أوان الصباح أذان الصارخ لأنه مأمور بأن يمسك عن الطعام والشراب إذا تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر انتهى قال في فتح الودود قال البيهقي إن صح هذا يحمل عند الجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم قال حين كان المنادي ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبل طلوع الفجر قلت من يتأمل في هذا الحديث وكذا حديث كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر وكذا ظاهر قوله تعالى حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر يرى أن المدار هو تبين الفجر وهو يتأخر عن أوائل الفجر بشئ والمؤذن لانتظاره يصادف أوائل الفجر فيجوز
[ 342 ]
الشرب حينئذ إلى أن يتبين لكن هذا خلاف المشهور بين العلماء فلا اعتماد عليه عندهم والله أعلم انتهى وقال في البحر الرائق اختلف المشائخ في أن العبرة لأول طلوعه أو لاستطارته أو لانتشاره والظاهر الأخير لتعريفهم الصادق به وقال علي القاري قوله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي حاجته منه هذا إذا علم أو ظن عدم الطلوع وقال ابن الملك هذا إذا لم يعلم طلوع الصبح أما إذا كان قد طلع أو شك فيه فلا وقال القاري أيضا إن إمكان سرعة أكله وشربه لتقارب وقفه واستدراك حاجته واستشراف نفسه وقوة تهمته وتوجه شهوته بجميع همته مما يكاد يخاف عليه أنه لو منع منه لما امتنع فأجازه الشارع رحمة عليه وتدريجا له بالسلوك والسير إليه ولعل هذا كان في أول الأمر انتهى والحديث سكت عنه المنذري وقت فطر الصائم (قال هشام بن عروة) والحاصل أن وكيعا وعبد الله بن داود روياه عن هشام بن عروة وهو يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عاصم بن عمر قاله المزي (إذا جاء الليل من ههنا) أي من جهة المشرق (وذهب النهار من ههنا) أي من المغرب قال النووي قال العلماء كل واحد من هذه الثلاثة يعني جاء الليل وذهب النهار وغابت الشمس يتضمن الآخرين ويلازمهما وإنما جمع بينهما لأنه قد يكون في واد ونحوه بحيث لا يشاهد غروب الشمس فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء (فقد أفطر الصائم) قال الخطابي معناه أنه قد صار في حكم المفطر وإن لم يأكل وقيل معناه أنه دخل في وقت الفطر وجاز له أن يفطر كما قيل أصبح الرجل إذا دخل في وقت الصبح وأمسى وأظهر كذلك وفيه دليل على بطلان الوصال انتهى قلت قال في لسان العرب أظهرنا دخلنا في وقت الظهر كأصبحنا بعد وأمسينا في الصباح والمساء انتهى قال العيني معنى قوله صلى الله عليه وسلم فقد أفطر الصائم أي دخل وقت الإفطار لا أنه يصير مفطرا بغيبوبة الشمس وإن لم يتناول مفطرا وقال ابن خزيمة لفظه خبر ومعناه الأمر أي فليفطر الصائم
[ 343 ]
انتهى قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (فاجدح لنا) قال العيني إجدح يقول بكسر الهمزة أمر من جدحت الذي السويق وأجدحته لأن أي لتته والمصدر جدح ومادته جيم ودال وحاء مهملة والجدح أن يحرك السويق بالماء فيخوض حتى يستوي وكذلك اللبن ونحوه والمجدح بكسر الميم عود مجنح الرأس تساط به الأشربة وربما يكون له ثلاث شعب وقال الداودي اجدح يعني احلب ورد ذلك عياض وغيره وفي المحكم المجدح خشبة في رأسهما خشبتان معترضتان وكلما خلط فقد جدح وعن القزاز هو كالملعقة وقد وفي المنتهى شراب مجدوح ومجدح أي مخوض والمجدح عود ذو جوانب وقيل هو عود يعرض رأسه والجمع مجاديح انتهى قال الحافظ فاجدح بالجيم ثم الحاء المهملة والجدح تحريك السويق ونحوه بالماء يعود يقال له المجدح مجنح الرأس انتهى (إن عليك نهارا) هذا ظن من بلال لما رأى من ضوء الشمس ساطعا وإن كان جرمها غائبا وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده أن ذلك نهار يحرم فيه الأكل مع تجويزه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينظر إلى ذلك الضوء تاما فقصد زيادة الإعلام فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن الضوء واعتبر غيبوبة الشمس قال المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم النسائي ما يستحب من تعجيل الفطر (ظاهرا) أي غالبا وعاليا أو واضحا ولائحا علي (ما عجل الناس الفطر) ما ظرفية أي مدة
[ 344 ]
تعجيلهم الفطر (لأن اليهود والنصارى يؤخرون) أي الفطر قال الطيبي في هذا التعليل دليل على أن قوام الدين الحنيفي على مخالفة الأعداء من أهل الكتاب وأن في موافقتهم تلفا للدين انتهى قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه (عن أبي عطية قال دخلت على عائشة أنا ومسروق) كلاهما تابعي (رجلان) مبتدأ (من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم) صفة وهي مسوغة لكون المبتدأ نكرة والخبر الجملة قوله أحدهما يعجل الإفطار إلى قوله يؤخر الصلاة (قلنا عبد الله) ابن مسعود والآخر أبو موسى قال المنذري والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي ما يفطر عليه (عمها) أي للرباب وهو بكسر الميم بدل من سلمان (فإن الماء طهور) أي بالغ في الطهارة فيبتدأ به تفاؤلا بطهارة الظاهر والباطن قال الطيبي أي لأنه مزيل المانع من أداء العبادة ولذا من الله تعالى على عباده وأنزلنا من السماء ماء طهورا وقال ابن الملك يزيل العطش عن النفس انتهى ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام عند الإفطار ذهب الظمأ قاله علي القاري وقال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال المنذري حسن صحيح
[ 345 ]
(يفطر) أي في صيامه (قبل أن يصلي) أي المغرب (حسا حسوات) بفتحتين أي شرب ثلاث مرات قاله علي القاري وقال ابن الأثير في النهاية الحسوة بالضم الجرعة من الشراب بقدر ما يحسي حتى مرة واحدة والحسوة بالفتح المرة انتهى وقال في لسان العرب الحسوة المرة الواحدة وقيل الحسوة والحسوة لغتان قال ابن السكيت حسوت شريف حسوا وحساء والحسوة ملء الفم انتهى قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي وقال حسن غريب وقال أبو بكر البزار وهذا الحديث لا يعلم رواه عن ثابت عن أنس إلا جعفر بن سليمان وذكره ابن عدي أيضا في أفراد جعفر عن ثابت انتهى القول عند الإفطار وفي بعض النسخ باب ما يقول إذا أفطر (المقفع) هكذا في النسخ بتقديم القاف على الفاء قال في التقريب مروان بن سالم المقفع بقاف ثم فاء ثقيلة مصري مقبول وفي الخلاصة المقفع بفتح القاف وبالفاء وثقه ابن حبان (إذا أفطر) أي بعد الإفطار (ذهب الظمأ) بفتحتين قال النووي في الأذكار الظمأ مهموزا لآخر مقصور وهو العطش وإنما ذكرت هذا وإن كان ظاهرا لأني رأيت من اشتبه عليه فتوهمه ممدودا انتهى قال علي القاري وفيه أن قرئ لا يصيبهم ظماء بالمد والقصر وفي القاموس ظمي تعالى كفرح ظمأ وظماء فإن وظماءة عمر عطش أو أشد العطش ولعل كلام النووي محمول على أنه خلاف الرواية لا أنه غير موجود في اللغة (وابتلت العروق) أي بزوال اليبوسة الحاصلة بالعطش (وثبت الأجر) أي زال التعب وحصل الثواب وهذا حث على العبادات فإن التعب
[ 346 ]
يسر لذهابه وزواله والأجر كثير لثباته وبقائه قال الطيبي ذكر ثبوت الأجر بعد زوال التعب استلذاذ أي استلذاذ (إن شاء الله) متعلق بالأخير على سبيل التبرك ويصح التعليق لعدم وجوب الأجر عليه تعالى ردا على المعتزلة أو لئلا يجزم كل أحد فإن ثبوت أجر الأفراد تحت المشيئة ويمكن أن يكون إن بمعنى إذ فتتعلق بجميع ما سبق ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه النسائي (عن معاذ بن زهرة) قال في التقريب معاذ بن زهرة ويقال أبو زهرة مقبول من الثالثة فأرسل حدثنا فوهم من ذكره في الصحابة (إذا أفطر قال) أي دعا وقال ابن الملك أي قرأ بعد الإفطار (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) قال الطيبي قدم الجار والمجرور في القرينتين على العامل دلالة على الاختصاص اظهارا للاختصاص في الافتتاح وإبداء لشكر الصنيع المختص به في الاختتام كذا في المرقاة وفي النيل فيه دليل على أنه يشرع للصائم أن يدعو عند إفطاره بما اشتمل عليه من الدعاء انتهى قال المنذري هذا مرسل الفطر الخ (قالت أفطرنا يوما في رمضان في غيم) قال الخطابي اختلف الناس في وجوب القضاء ر
[ 347 ]
في مثل هذا فقال أكثر العلماء القضاء واجب عليه وقال إسحاق وأهل الظاهر لا قضاء عليه ويمسك بقية النهار عن الأكل حتى تغرب الشمس وروي ذلك عن الحسن البصري وشبهوه بمن أكل ناسيا في الصوم قال الخطابي الناس لا يمكنه أن يحترز من الأكل ناسيا وهذا يمكنه أن يمكث فلا يأكل حتى يتبين غيبوبة الشمس فالنسيان خطأ في الفعل وهذا خطأ في الوقت والزمان والتحرز ممكن انتهى (قال أبو أسامة) هو حماد بن أسامة الليثي (أمروا) من جهة الشارع (بالقضاء قال) هشام بن عروة (وبد من ذلك) أي هل بد من قضاء فحرف
[ 348 ]
الاستفهام مقدر وفي رواية أبي ذر لصحيح البخاري لا بد من قضاء قال القسطلاني وهذا مذهب الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة وعليه أن يمسك بقية النهار لحرمة الوقت ولا كفارة عليه وقد روي عن مجاهد وعطاء وعروة عدم القضاء وعن عمر يقضي وفي آخر لا رواهما البيهقي وضعفت الثانية النافية وفي هذا الحديث كما قاله ابن المنير أن المكلفين إنما خوطبوا بالظاهر فإذا اجتهدوا فأخطئوا فلا حرج عليهم في ذلك انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه وقال البخاري قال معمر سمعت هشاما يقول لا أدري أقضوا أم لا
[ 349 ]
في الوصال (نهي عن الوصال) أي تتابع الصوم من غير إفطار بالليل قال الخطابي الوصال من خصائص ما أبيح لرسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم وهو محظور على أمته ويشبه أن يكون المعنى في ذلك ما يتخوف على الصائم من الضعف وسقوط القوة فيعجزوا عن الصيام المفروض وعن سائر الطاعات أو يملوها وإن إذا نالتهم المشقة فيكون سببا لترك الفريضة (إني أطعم وأسقي) يحتمل معنيين أحدهما أني أعان على الصيام وأقوى عليه فيكون ذلك لي بمنزلة الطعام والشراب لكم ويحتمل أن يكون قد يؤتى على الحقيقة بطعام وشراب يطعمها فيكون ذلك تخصيصا له وكرامة لا يشركه فيها أحد من أصحابه قاله الخطابي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (يقول لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) بالجر بحتى الجارة وهو قول اللخمي من المالكية ونقل عن أحمد وعبارة المرداوي في تنقيحه ويكره الوصال ولا يكره إلى السحر نصا وتركه أولى انتهى وقال به أيضا ابن خزيمة وطائفة من أهل الحديث (إن لي مطعما) حال كونه (يطعمني) ولي (ساقيا) حال كونه (يسقيني) بفتح أوله ذكره القسطلاني قال علي القاري والحكمة في النهي أنه يورث الضعف والسآمة والقصور عن أداء غيره من الطاعات فقيل النهي للتحريم وقيل للتنزيه قال القاضي والظاهر الأول انتهى ويؤيد الثاني ما روته عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الوصال رحمة لهم الحديث كما في رياض الصالحين انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
[ 350 ]
الغيبة للصائم (لم يدع) أي لم يترك (قول الزور) والمراد منه الكذب والإضافة بيانية (فليس لله حاجة) قال ابن بطال ليس معناه أنه يؤمر بأن يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه قال في الفتح ولا مفهوم لذلك فإن الله لا يحتاج إلى شئ وإنما معناه فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة وقال ابن المنير بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به لا حاجة لي في كذا وقال ابن العربي مقتضى هذا الحديث أن لا يثاب على صيامه ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه واستدل بهذا الحديث على أن هذه الأفعال تنقص ثواب الصوم وتعقب بأنها صغائر باجتناب الكبائر قاله الشوكاني في النيل (قال أحمد) بن يونس (فهمت إسناده) أي إسناد هذا الحديث وحفظت كما أريد (من ابن أبي ذئب) لكن ما سمعت كما ينبغي وما حفظت كما أريد متن الحديث منه لكونه بعيدا أو غير ذلك من الخلل الواقع في سماعه (رجل إلى جنبه) أي ابن أبي ذئب قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه (فلا يرفث) يريد لا يفحش والرفث هو السخف وفاحش الكلام يقال رفث بفتح الفاء يرفث بضمها وكسرها ورفث بكسرها يرفث بفتحها رفثا ساكنة الفاء في المصدر ورفثا بفتحها في الاسم ويقال أرفث رباعي حكاه القاضي والجهل قريب من الرفث وهو خلاف الحكمة وخلاف الصواب من القول والفعل (فليقل إني صائم إني صائم) هكذا هو مرتين واختلفوا في معناه فقيل يقوله بلسانه ليسمعه الشاتم والمقاتل فيتحرز غالبا وقيل لا
[ 351 ]
يقوله بلسانه بل يحدث به نفسه ليمنعها من مشاتمته ومقاتلته ومقابلته ويحرس صومه عن المكدرات ولو جمع بين الأمرين كان حسنا واعلم أن نهي الصائم عن الرفث والجهل والمخاصمة والمشاتمة ليس مختصا به بل كل أحد مثله في أصل النهي عن ذلك لكن الصائم آكد والله أعلم كذا قال النووي وقال الخطابي يتأول على وجهين أحدهما فليقل ذلك لصاحبه نطقا باللسان يرده بذلك عن نفسه والوجه الآخر أن يقول ذلك في نفسه أي ليعلم أنه صائم فلا يخوض معه ولا يكافئه على شتيمه كما لئلا يفسد صومه ولا يحبط أجر عمله قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث أبي صالح السمان عن أبي هريرة السواك للصائم (عن سفيان عن عاصم) أي شريك وسفيان كلاهما عن عاصم بن عبيد الله (يستاك وهو صائم) قال الخطابي السواك مستحب للصائم والمفطر إلا أن قوما من العلماء كرهوا للصائم أن يستاك آخر النهار استبقاء لخلوفه هو وإلى هذا ذهب الشافعي وهو قول الأوزاعي وروي ذلك
[ 352 ]
عن ابن عمر رضي الله عنهما وإليه ذهب عطاء ومجاهد قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن هذا آخر كلامه في إسناده عاصم بن عبيد الله وقد تكلم فيه غير واحد وذكر البخاري هذا الحديث في صحيحه معلقا في الترجمة فقال ويذكر عن عامر بن ربيعة باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق (تقووا) صيغة أمر جمع المذكر من القوة أي بالأكل والشرب (بالعرج) بفتح العين وسكون الراء قرية جامعة من عمل الفرع على أيام من المدينة (يصب على رأسه الماء وهو صائم) فيه دليل على أنه يجوز للصائم أن يكسر الحر بصب الماء على بعض بدنه أو كله وقد ذهب إلى ذلك الجمهور ولم يفرقوا بين الاغتسال الواجبة والمسنونة والمباحة وقالت الحنفية إنه يكره الاغتسال للصائم واستدلوا بما أخرجه عبد الرزاق عن علي من النهي عن دخول الصائم الحمام وهو مع كونه أخص من محل النزاع في إسناده ضعف كما قال الحافظ واعلم أنه يكره للصائم المبالغة في المضمضة والاستنشاق لحديث الأمر بالمبالغة في ذلك إلا أن يكون صائما واختلف إذا دخل من ماء المضمضة والاستنشاق إلى جوفه خطأ فقالت الحنفية ومالك والشافعي في أحد قوليه والمزني إنه يفسد الصوم وقال أحمد بن حنبل وإسحاق والأوزاعي وأصحاب الشافعي إنه لا يفسد الصوم كالناسي وقال الحسن البصري والنخعي إنه يفسد إن لم يكن لفريضة (من العطش أو من الحر) شك من الراوي قال المنذري وأخرجه النسائي مختصرا
[ 353 ]
(بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) قال الخطابي فيه من الفقه أن وصل الماء إلى موضع الدماغ يفطر الصائم إذا كان ذلك بفعله وعلى قياس ذلك كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو في غيره من حشو جوفه وقد يستدل به من يوجب الاستنشاق في الطهارة قالوا ولولا وجوبه لكان يطرحه عن الصائم أصلا احتياطا على صومه فلما لم يفعل دل ذلك على أنه واجب لا يجوز تركه وإلى هذا ذهب إسحاق بن راهويه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا وقال الترمذي حسن صحيح في الصائم يحتجم (قال أفطر الحاجم والمحجوم) قال الخطابي اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب طائفة من أهل العلم إلى أن الحجامة تفطر الصائم قولا بظاهر الحديث هذا قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقالا عليهما القضاء وليست عليهما الكفارة وعن عطاء قال من احتجم وهو صائم في شهر رمضان فعليه القضاء والكفارة وروي عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يحتجمون ليلا منهم ابن عمر وأبو موسى الأشعري وأنس بن مالك رضي الله عنهم وكان مسروق والحسن وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم وكان الأوزاعي يكره ذلك وقال ابن المسيب والشعبي والنخعي إنما كرهت الحجامة للصائم من أجل الضعف وممن كان لا يرى بأسا بالحجامة للصائم سفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وتأول بعضهم الحديث فقال معنى قوله أفطر الحاجم والمحجوم أي تعرضا للإفطار أما المحجوم فللضعف الذي يلحقه من ذلك إلى أن
[ 354 ]
يعجز عن الصوم وأما الحاجم فلا بد من أن يصل إلى جوفه من طعام الدم أو من بعض أجزائه إذا ضم شفتيه على قصب الملازم وهذا كما يقال للرجل يتعرض للمهالك قد هلك فلان وإن كان باقيا سالما وإنما يراد به قد أشرف على الهلاك وكقوله صلى الله عليه وسلم من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين يريد أنه قد تعرض للذبح وقيل فيه وجه آخر وهو أنه مر بهما مساء فقال أفطر الحاجم والمحجوم كأنه عذرهما بهذا القول إذا كانا قد أمسيا ودخلا في وقت الإفطار كما يقال أصبح الرجل وأمسى وأظهر إذا دخل وقت هذه الأوقات وأحسبه قد روى في بعض هذا الحديث وقال بعضهم هذا على التغليظ لهما والدعاء عليهما كقوله فيمن صام الدهر لا صام ولا أفطر فمعنى قوله أفطر الحاجم والمحجوم على هذا التأويل أي بطل أجر صيامهما فكأنما صارا مفطرين غير صائمين وقيل أيضا معناه جاز لهما أن يفطرا كقولك أحصد الزرع إن حان أن يحصد وأركب المهر إذا حان أن يركب انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وسئل الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أيما حديث أصح عندك في أفطر الحاجم والمحجوم فقال حديث ثوبان حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان (أتى على رجل) أي مر عليه (بالبقيع) أي بمقبرة المدينة (وهو) أي الرجل (وهو) أي
[ 355 ]
النبي صلى الله عليه وسلم (آخذ بيدي) إشارة إلى كمال قربه منه عليه الصلاة والسلام (لثمان عشرة) بسكون الشين ويكسر (خلت) أي مضت (من رمضان) وهذا يدل على كمال حفظ الراوي وضبطه بذكر المكان والزمان وحاله قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقد روى هذا الحديث
[ 356 ]
بضع عشر صحابيا إلا أن أكثر الأحاديث ضعاف وقال إسحاق رضي الله عنه حديث شداد إسناده صحيح تقوم به الحجة وذكر أبو داود بعد هذا حديث ثوبان من طريقين الطريق المتقدم أجود منهما وقال أحمد رحمه الله أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم ولا نكاح إلا بولي يشد بعضها بعضا وأنا أذهب إليها (عن ابن جريج) والحاصل أن محمد بن بكر وعبد الرازق وإسماعيل ابن علية ثلاثتهم يروون عن ابن جريج قاله المزي (مصدق) بصيغة المجهول صفة شيخ شم (رواه ابن ثوبان) هو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان (عن أبيه) عبد الرحمن بن ثوبان في الرخصة (احتجم وهو صائم) قال الخطابي وهذا يؤكد قول من رخص في الحجامة للصائم
[ 357 ]
ورأى أن الحجامة لا تفسد الصوم وفيه دليل على أن الحجامة لا تضر المحرم ما لم تقطع شعرا وقد تأول حديث ابن عباس رضي الله عنهما من ذهب إلى أن الحجامة تفطر الصائم فقال إنما احتجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم صائما محرما وهو مسافر لأن لا نعلمه كان محرما وهو مقيم وللمسافر أن يفطر ما شاء من طعام وجماع وحجامة وغيرها قلت وهذا التأويل غير صحيح لأنه قد أثبته حين احتجم صائما ولو كان يفسد صومه بالحجامة لكان يقال إنه أفطر بالحجامة كما يقال أفطر الصائم بشرب الماء وأكل التمر وما أشبههما ولا يقال أكل تمرا وهو صائم قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي ولفظ الترمذي احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم (رواه وهيب بن خالد) كما رواه عبد الوارث (عن أيوب بإسناده) أي عن عكرمة (مثله) أي بلفظ احتجم وهو صائم من غير ذكر لفظ محرم (وجعفر بن ربيعة) أي وكذا روى جعفر بن ربيعة (عن مقسم عن ابن عباس) قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح
[ 358 ]
(إبقاء على أصحابه) متعلق بقوله نهى وحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه أيضا عبد الرزاق قال في الفتح وإسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري بإسناده هذا ولفظه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الحجامة للصائم وكرهها للضعف أي لئلا يضعف وفي الباب عن أنس عند الدارقطني قال في الفتح رواته كلهم من رجال البخاري وفي الباب عن أبي سعيد الخدري قال رخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحجامة أخرجه النسائي وابن خزيمة والدارقطني قال الحافظ إسناده صحيح ورجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه وقد استدل بالأحاديث المذكورة على أن الحجامة لا تفطر فيجمع بين الأحاديث بأن الحجامة مكروهة في حق من كان يضعف بها وتزداد الكراهة إذا بالحجامة كما يقال أفطر الصائم بشرب الماء وأكل التمر وما أشبههما ولا يقال أكل تمرا وهو صائم قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي ولفظ الترمذي احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم (رواه وهيب بن خالد) كما رواه عبد الوارث (عن أيوب بإسناده) أي عن عكرمة (مثله) أي بلفظ احتجم وهو صائم من غير ذكر لفظ محرم (وجعفر بن ربيعة) أي وكذا روى جعفر بن ربيعة (عن مقسم عن ابن عباس) قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح
[ 358 ]
(إبقاء على أصحابه) متعلق بقوله نهى وحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه أيضا عبد الرزاق قال في الفتح وإسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري بإسناده هذا ولفظه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الحجامة للصائم وكرهها للضعف أي لئلا يضعف وفي الباب عن أنس عند الدارقطني قال في الفتح رواته كلهم من رجال البخاري وفي الباب عن أبي سعيد الخدري قال رخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحجامة أخرجه النسائي وابن خزيمة والدارقطني قال الحافظ إسناده صحيح ورجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه وقد استدل بالأحاديث المذكورة على أن الحجامة لا تفطر فيجمع بين الأحاديث بأن الحجامة مكروهة في حق من كان يضعف بها وتزداد الكراهة إذا كان الضعف يبلغ إلى حد يكون سببا للافطار ولا يكره في حق من كان لا يضعف بها وعلى
[ 359 ]
كل حال تجنب الحجامة للصائم أولى فيتعين حمل قوله أفطر الحاجم والمحجوم على المجاز لهذه الأدلة الصارفة له عن معناه الحقيقي قاله الشوكاني (إلا كراهية الجهد) أي المشقة والتعب قال المنذري وأخرجه البخاري وقال شبابة قال حدثنا شعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .