عون المعبود
العظيم آبادي ج 4

[ 1 ]
عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية محتوى الجزء الرابع : تتمة أبواب صلاة العيدين - أبواب صلاة الاستسقاء والكسوف - أبواب صلاة السفر - أبواب التطوع - أبواب قيام الليل إ أبواب شهر رمضان - أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله - أبواب الوتر - كتاب الزكاة الطبعة الثانية 1415 ه‍ . 1995 م دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 3 ]
باب ترك الأذان في العيد (أشهدت العيد) أي أحضرت صلاته (قال نعم) أي شهدته (ولولا منزلتي منه) أي من النبي صلى الله عليه وسلم يعني لولا قربي ومكاني منه صلى الله عليه وسلم ما شهدته (من الصغر) وفي رواية البخاري من طريق عمرو بن علي عن يحيى القطان عن سفيان بلفظ ولولا مكاني منه ما شهدته يعني من صغره قال العيني هذ من كلام الراوي وكلمة من للتعليل وأخرج البخاري من طريق مسدد عن يحيى عن سفيان بلفظ ولولا مكاني من الصغر ما شهدته قال العيني فيه تقديم وتأخير وحذف تقديره ولولا مكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أشهده لأجل الصغر وكلمة من للتعليل والحديث المذكور من طريق عمرو بن علي يؤيد هذا المعنى وهو قوله لولا مكاني منه ما شهدته أي لولا مكاني من النبي صلى الله عليه وسلم ما حضرته أي العيد وفسر الراوي هناك علة عدم الحضور بقوله يعني من صغره فالصغر علة لعدم الحضور ولكن قرب ابن عباس منه صلى الله عليه وسلم ومكانه عنده كان سببا لحضوره انتهى كلامه وكلام العيني هذا حسن جدا لا مزيد على حسنه (العلم) بفتح العين واللام وهو المنار والجبل والراية والعلامة (عند دار كثير بن الصلت) كثير بن الصلت هو أبو عبد الله ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وله دار كبيرة بالمدينة قبلة المصلى للعيدين وكان اسمه قليلا فسماه عمر بن الخطاب كثيرا وكان يعد في أهل الحجاز (فصلى ثم خطب) روى ابن ماجه عن جابر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو ضحى فخطب قائما ثم
[ 4 ]
قعد قعدة ثم قام وسنده ضعيف فيه إسماعيل بن مسلم وأبو بحر وهما ضعيفان قال النووي في الخلاصة وما روي عن ابن مسعود أنه قال السنة أن يخطب في العيد خطبتين يفصل بينهما بجلوس ضعيف غير متصل ولم يثبت في تكرير الخطبة شئ والمعتمد فيه القياس على الجمعة (ولم يذكر) أي ابن عباس في بيان كيفية صلاته عليه الصلاة والسلام (أذانا ولا إقامة) فالجملة معترضة (ثم أمر بالصدقة) أي بصدقة الفطر أو بالزكاة أو بمطلق الصدقة (إلى آذانهن) بالمد جمع أذن (وحلوقهن) جمع حلق وهو الحلقوم أي ما فيهما من القرط والقلادة وقال ابن الملك الحلوق جمع حلقة قاله في المرقاة قال العيني حلق بفتح اللام جمع حلقة وهي الخاتم لا له وفي هذا الحديث من الفوائد منها أن الصبي إذا ملك نفسه وضبطها عن اللعب وعقل الصلاة شرع له حضور العيد وغيره ومنها المستحب للإمام أن يعظ النساء ويذكرهن إذا حضرن مصلى العيد ويأمرهن بالصدقة ومنها الخطبة في صلاة العيد بعدها من غير أذان ولا إقامة ومنها أن يصلى في الصحراء انتهى قال في شرح السنة فيه دليل على جواز عطية المرأة بغير إذن زوجها وهو قول عامة أهل العلم إلا ما حكي عن مالك (قال) ابن عباس (فأمر) النبي صلى الله عليه وسلم (ثم رجع) بلال قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (صلى العيد بلا أذان ولا إقامة) وأخرج الشيخان من حديث ابن عباس وجابر قالا لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى ولمسلم عن عطاء قال أخبرني جابر أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعدما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شئ ولا نداء يومئذ ولا إقامة (و) أن (أبا بكر وعمر) صليا العيد بلا أذان ولا إقامة وهذا عطف على اسم أن (أو عثمان) مكان عمر (شك يحيى) هو القطان قاله المنذري وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص عند البزار في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد بغير أذان وإقامة وكان يخطب خطبتين قائما يفصل بينهما بجلسة وعن البراء بن عازب عند الطبراني في الأوسط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في يوم الأضحى بغير أذان ولا إقامة وعن أبي رافع عند الطبراني في الكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى العيد ماشيا بغير أذان ولا إقامة وفي إسناده مندل وفيه مقام وأحاديث الباب تدل على عدم شرعية الأذان والإقامة في صلاة العيدين قال
[ 5 ]
العراقي وعليه عمل العلماء كافة وقال ابن قدامة في المغني ولا نعلم في هذا خلافا ممن يعتد بخلافه إلا أنه روى عن ابن الزبير أنه أذن وأقام قال وقيل إن أول من أذن في العيدين زياد انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه مختصرا (غير مرة ولا مرتين) قال الطيبي حال أي كثيرا (بغير أذان ولا إقامة) في شرح السنة العمل على هذا عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا أذان ولا إقامة لصلاة العيد ولا لشئ من النوافل وفي الأزهار بل يكره ولا عبرة بإحداث من فعل ذلك من الولاة انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي باب التكبير في العيدين (في الأولى) أي الركعة الأولى (وفي الثانية) أي الركعة الثانية قال النووي وأما التكبير المشروع في أول صلاة العيد فقال الشافعي هو سبع في الأولى غير تكبيرة الإحرام وخمس في الثانية غير تكبيرة القيام وقال مالك وأحمد وأبو ثور كذلك لكن سبع في الأولى إحداهن تكبيرة الإحرام وقال الثوري وأبو حنيفة خمس في الأولى وأربع في الثانية بتكبيرة الإحرام والقيام وجمهور العلماء يرى هذه التكبيرات متوالية متصلة وقال عطاء والشافعي وأحمد يستحب بين كل تكبيرتين ذكر الله تعالى وروي هذا أيضا عن ابن مسعود وقال المنذري وفي رواية سوى تكبيرتي الركوع وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده عبد الله بن لهيعة ولا يحتج بحديثه وحديث عائشة أخرجه الحاكم في المستدرك وقال تفرد به ابن لهيعة وقد استشهد به مسلم في موضعين قال وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو والطرق إليهم فاسدة انتهى وذكر الدارقطني في علله أن فيه اضطرابا فقيل عن ابن لهيعة عن خالد ابن يزيد عن
[ 6 ]
الزهري وقيل عنه عن عقيل عن الزهري وقيل عنه عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة وقيل عنه عن الأعرج عن أبي هريرة قال والاضطراب فيه من ابن لهيعة انتهى وقال الترمذي في علله سألت محمدا عن هذا الحديث فضعفه وقال لا أعلم رواه غير ابن لهيعة انتهى (خالد بن يزيد) وأخرج الدارقطني من طريق خالد بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي كبر في الفطر والأضحى سبعا وخمسا سوى تكبيرتي الركوع انتهى وأخرجه أيضا الحاكم من هذا الوجه ومرة قال ابن لهيعة عن يونس عن الزهري وهو عند الطبراني في الأوسط قال في التلخيص يحتمل أن ابن لهيعة سمع من الثلاثة أي عقيل وخالد ويونس عن الزهري (بإسناده) بإسناد حديث قتيبة أي عن الزهري عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة (سوى تكبيرتي الركوع) أي سبع تكبيرات في الركعة الأولى وخمس في الثانية كلها اثنتا عشرة تكبيرة سوى تكبيرتي الركوع فمع تكبيرتي الركوع تصير التكبيرات أربع عشرة تكبيرة (عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي) قال ابن القطان في كتابه والطائفي هذا ضعفه جماعة منهم ابن معين قاله الزيلعي وقال المنذري في إسناده عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي وفيه مقال وقد أخرج له مسلم في المتابعات وقد تقدم الكلام على عمرو بن شعيب انتهى وقال النووي في الخلاصة قال الترمذي في العلل سألت البخاري عنه فقال هو صحيح انتهى وفي التلخيص روى أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وصححه أحمد وعلي والبخاري فيما حكاه الترمذي انتهى (والقراءة) الحمد وسورة (بعدهما كلتيهما) زاد الدارقطني فيه من طريق أبي نعيم عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي وخمس في الثانية سوى تكبيرة الصلاة وفي الحديث دليل على أن القراءة بعد التكبير في الركعتين وبه قال الشافعي ومالك وذهب أبو حنيفة إلى أنه يقدم التكبير في الأولى ويؤخره في الثانية ليوالي بين القراءتين
[ 7 ]
(عن أبي يعلى الطائفي) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الطائفي أبو يعلى (فيكبر أربعا) هكذا رواه سليمان بن حيان وخالف أصحاب عبد الله الطائفي (رواه وكيع وابن المبارك) أي رويا عن عبد الله الطائفي (قالا سبعا وخمسا) بخلاف سليمان فإنه قال سبعا وأربعا ورواية ابن المبارك أخرجها ابن ماجه بلفظ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي كبر في صلاة العيد سبعا وخمسا (عن عبد الرحمن بن ثوبان) قال ابن الجوزي في التحقيق قال ابن معين هو ضعيف وقال أحمد لم يكن بالقوي وأحاديثه مناكير انتهى قال الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي في التنقيح عبد الرحمن بن ثوبان وثقه غير واحد وقال ابن معين ليس به بأس ولكن أبو عائشة قال ابن حزم فيه مجهول وقال ابن القطان لا أعرفه انتهى (يكبر في الأضحى والفطر) أي في صلاتهما (كان) النبي (يكبر) أي في كل ركعة (أربعا) أي متوالية والمعنى مع تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى ومع تكبيرة الركوع في الثانية (تكبيرة) أي مثل عدد تكبيره (على الجنائز) صلاة الجنائز (صدق) أبو موسى (حيث كنت عليهم) أي أميرا (وأنا حاضر) وقت هذه المكالمة والحديث استدل به الحنفية وقالوا يصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى للافتتاح وثلاثا بعدها ثم يقرأ الفاتحة وسورة ويكبر تكبيرة يركع بها ثم يبتدي في الركعة الثانية بالقراءة ثم يكبر ثلاثا بعدها ويكبر رابعة يركع بها وهذا قول ابن مسعود وهو قولنا كذا في
[ 8 ]
الهداية والحديث سكت عنه أبو داود ثم المنذري لكن فيه كلام كما تقدم وقال البيهقي في المعرفة وعبد الرحمن هذا قد ضعفه يحيى بن معين والمشهور من هذه القصة أنهم أسندوا أمرهم إلى ابن مسعود فأفتاه ابن مسعود بأربع في الأولى قبل القراءة وأربع في الثانية بعد القراءة ويركع لرابعة ولم يسنده إلى النبي كذلك رواه أبو إسحاق السبيعي وغيره عن شيوخهم ولو كان عند أبي موسى فيه علم عن النبي لما كان يسأله عن ابن مسعود وروي عن علقمة عن عبد الله أنه قال خمس في الأولى وأربع في الثانية وهذا يخالف الرواية الأولى عنه انتهى كلامه قلت رواية أبي إسحاق التي أشار إليها البيهقي أخرجها عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود قال كان ابن مسعود جالسا وعنده حذيفة وأبو موسى الأشعري فسألهم سعيد بن العاص عن التكبير في صلاة العيد فقال حذيفة سل الأشعري فقال الأشعري سل عبد الله فإنه أقدمنا وأعلمنا فسأله فقال ابن مسعود يكبر أربعا ثم يقرأ ثم يكبر فيركع فيقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا بعد القراءة وأخرجه أيضا أخبرنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود أن ابن معسود كان يكبر في العيدين تسعا أربع قبل القراءة ثم يكبر فيركع وفي الثانية يقرأ فإذا فرغ كبر أربعا ثم ركع وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا هشيم حدثنا خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث قال صلى ابن عباس يوم عيد فكبر تسع تكبيرات خمسا في الأولى وأربعا في الآخرة ووالى بين القراءتين ورواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا إسماعيل بن أبي الوليد حدثنا خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث قال شهدت ابن عباس كبر في صلاة العيد بالبصرة تسع تكبيرات ووالى بين القراءتين قال وشهدت المغيرة بن شعبة فعل ذلك أيضا فسألت خالدا كيف كان فعل ابن عباس ففسر لنا كما صنع ابن مسعود في حديث معمر والثوري عن أبي إسحاق سواء وأخرج ابن أبي شيبة حدثنا يحيى بن سعيد عن أشعث عن محمد بن سيرين عن أنس أنه كان يكبر في العيد تسعا فذكر مثل حديث ابن مسعود انتهى وأشعث هو ابن سوار ضعيف وهذه الآثار كلها تؤيد مذهب أبي حنيفة رحمه الله وروي عن ابن عباس أيضا خلاف ذلك أخرج ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس كبر في العيد ثلاث عشرة سبعا في الأولى وستا في الآخرة بتكبيرة الركوع كلهن قبل القراءة أخبرنا ابن إدريس حدثنا ابن جريج به نحوه حدثنا هشيم عن حجاج وعبد الملك عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يكبر في العيد ثلاث عشرة تكبيرة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حميد عن عمار بن أبي عمار أن ابن عباس كبر في العيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى
[ 9 ]
وخمسا في الآخرة انتهى وكان رواية يزيد بن هارون هذه هي الرواية الثانية عن ابن عباس لأنه كبر في الأولى سبعا بتكبيرة الركوع وكبر في الثانية خمسا بتكبيرة الركوع فالجملة اثنتي عشرة تكبيرة والله أعلم وأخرج مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر قال شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة قال مالك وهو الأمر عندنا وأخرج البيهقي في المعرفة بإسناده إلى الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثني إسحاق بن عبد الله عن عثمان بن عروة عن أبيه أن أيوب وزيد بن ثابت أمراه أن يكبر في صلاة العيدين سبعا وخمسا وهذه الآثار كلها توافق مذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من الأئمة وجاءت فيه الأحاديث المرفوعة أيضا غير ما تقدمت فمنها ما أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده عمرو بن عوف المزني أن رسول الله كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة قال الترمذي حديث حسن وهو أحسن شئ روي في هذا الباب وقال في علله الكبرى سألت محمدا عن هذا الحديث فقال ليس شئ أصح منه وبه أقول انتهى قال ابن القطان في كتابه هذا ليس بصريح في التصحيح فقوله هو أصح شئ في الباب يعني ما في الباب وأقل ضعفا وقوله به أقول يحتمل أن يكون من كلام الترمذي أي وأنا أقول إن هذا الحديث أشبه ما في الباب لأن كثير بن عبد الله عندهم متروك ومنها ما رواه ابن ماجه حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله قال حدثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله كان يكبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة وهذا الحديث ضعيف لضعف عبد الرحمن بن سعد وأبوه لا يعرف حاله قاله السندي وأخرج الدارقطني في سننه عن عبد الله بن محمد بن عمار عن أبيه عن جده قال كان رسول الله يكبر في العيدين في الأولى سبعا وفي الآخرة خمسا قال الزيلعي عبد الله بن محمد قال فيه ابن معين ليس بشئ وقال الذهبي عبد الله بن محمد بن عمار عن آبائه ضعفه ابن معين قال عثمان بن سعيد قلت ليحيى كيف حال هؤلاء قال ليسوا بشئ انتهى ومنها ما أخرجه الدارقطني أيضا عن فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله التكبير في العيدين في الأولى سبع تكبيرات وفي الآخرة خمس تكبيرات قال الترمذي في علله الكبرى سألت محمدا عن هذا الحديث فقال الفرج بن فضالة
[ 10 ]
ذاهب الحديث والصحيح ما رواه مالك وغيره من الحفاظ عن نافع عن أبي هريرة فعله انتهى ومنها ما رواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال علي يكبر في الأضحى والفطر والاستسقاء سبعا في الأولى وخمسا في الأخرى ويصلي قبل الخطبة ويجهر بالقراءة قال وكان رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان يفعلون ذلك وإبراهيم بن أبي يحيى ضعفه ابن معين وأحمد ووثقه الشافعي قال ابن القطان قال أحمد بن حنبل ليس في تكبير العيدين عن النبي حديث صحيح وروى العقيلي عن أحمد أنه قال ليس يروى في التكبير في العيدين حديث صحيح مرفوع وكذا قال الحاكم وسلف كلامه قال البيهقي في الخلافيات لا شك في صحته موقوفا على أبي هريرة وعن ابن عباس مثله ورواته ثقات وكذا الطبراني قال في حديث أبي هريرة الصحيح الموقوف وقال ابن عبد البر روي عن النبي من طرق حسان أنه كبر في العيدين سبعا في الأولى وخمسا في الثانية من حديث عبد الله بن عمر وابن عمرو وجابر وعائشة وأبي واقد وعمرو بن عوف المزني ولم يرو عنه من وجه قوي ولا ضعيف خلاف هذا وهو أولى ما عمل به انتهى وقد اختلف العلماء في عدد التكبيرات في صلاة العيد في الركعتين وفي وضع التكبير على عشرة أقوال أحدها أنه يكبر في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الثانية خمسا قبل القراءة قال العراقي وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة قال وهو مروي عن عمر وعلي وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب وزيد بن ثابت وعائشة وهو قول الفقهاء السبعة من أهل المدينة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومكحول وبه يقول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق قال الشافعي والأوزاعي وإسحاق إن السبع في الأولى بعد تكبيرة الإحرام القول الثاني أن تكبيرة الإحرام معدودة من السبع في الأولى وهو قول مالك وأحمد والمزني والقول الثالث أن التكبير في الأولى سبع وفي الثانية سبع روي ذلك عن أنس ابن مالك والمغيرة بن شعبة وابن عباس وسعيد بن المسيب والنخعي القول الرابع في الأولى ثلاث بعد تكبيرة الإحرام قبل القراءة وفي الثانية ثلاث بعد
[ 11 ]
القراءة وهو مروي عن جماعة من الصحابة ابن مسعود وأبي موسى وأبي مسعود الأنصاري وهو قول الثوري وأبي حنفية والقول الخامس يكبر في الأولى ستا بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة وفي الثانية خمسا بعد القراءة وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل وباقي الأقوال الخمسة مذكورة في نيل الأوطار فليرجع إليه وأما رفع اليدين في تكبيرات العيدين فلم يثبت في حديث صحيح مرفوع وإنما جاء في ذلك أثر قال البيهقي في المعرفة باب رفع اليدين في تكبير العيد قال أحمد والبيهقي ورويناه عن عمر بن الخطاب في حديث مرسل وهو قول عطاء بن أبي رباح وقاسه الشافعي على رفع رسول الله يديه حين افتتح الصلاة وحين أراد أن يركع وحين رفع رأسه من الركوع ولم يرفع في السجود قال فلما رفع يديه في كل ذكر كان حين يذكر الله قائما أو رافعا إلى قيام من غير سجود لم يجز إلا أن يقال يرفع المكبر في العيدين يديه عند كل تكبيرة كان قائما فيها انتهى والله أعلم باب في ما يقرأ في الأضحى والفطر (كان يقرأ فيهما بقاف إلخ) قال النووي فيه دليل للشافعي وموافقيه أنه تسن القراءة بهما
[ 12 ]
في العيدين قال العلماء والحكمة في قراءتهما لما اشتملتا عليه من الإخبار بالبعث والإخبار عن القرون الماضية وإهلاك المكذبين وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه باب الجلوس للخطبة (البزاز) بمعجمتين (فلا قضى الصلاة إلخ) وفيه أن الجلوس لسماع خطبة العيد غير واجب قال في المنتقى وفيه بيان أن الخطبة سنة إذ لو وجبت وجب الجلوس لها انتهى قال الشوكاني وفيه أن تخيير السامع لا يدل على عدم وجوب الخطبة بل على عدم وجوب سماعها إلا أن يقال إنه يدل من باب الإشارة لأنه إذا لم يجب سماعها لا يجب فعلها وذلك لأن الخطبة خطاب ولا خطاب إلا لمخاطب فإذا لم يجب السماع على المخاطب لم يجب الخطاب وقد اتفق الموجبون لصلاة العيد وغيرهم على عدم وجوب خطبته ولا أعرف قائلا يقول بوجوبها وقال النووي اتفق أصحابنا على أنه لو قدمها على الصلاة صحت ولكنه يكون تاركا للسنة مفوتا للفضيلة بخلاف خطبة الجمعة فإنه يشترط لصحة صلاة الجمعة تقدم خطبتها عليها لأن خطبة الجمعة واجبة وخطبة العيد مندوبة (وهذا مرسل عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم) وكذا قال النسائي ونقل البيهقي عن ابن معين أنه قال غلط الفضل بن موسى في إسناده وإنما هو عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقال النسائي هذا خطأ والصواب أنه مرسل
[ 13 ]
باب الخروج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق (أخذ يوم العيد في طريق إلخ) والحديث يدل على استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق والرجوع في طريق أخرى للإمام والمأموم وبه قال أكثر أهل العلم كما في الفتح وقد اختلف في الحكمة في مخالفته صلى الله عليه وسلم الطريق في الذهاب والرجوع يوم العيد على أقوال كثيرة قال الحافظ اجتمع لي منها أكثر من عشرين قولا قال القاضي عبد الوهاب المالكي ذكر في ذلك فوائد بعضها قريب وأكثرها دعاوى فارغة انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده عبد الله بن عمر بن حفص العمري وفيه مقال وقد أخرج له مسلم مقرونا بأخيه عبيدالله بن عمر رضي الله عنهم باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد (عن أبي عمير بن أنس) أي أنس بن مالك الأنصاري يقال اسمه عبد الله معدود في صغار التابعين عمر بعد أبيه زمانا طويلا (عن عمومة له) جمع عم كالبعولة بن جمع بعل ذكره الجوهري وهو المراد هنا وقد يستعمل بمعنى المصدر كأبوة هذه وخؤولة (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) صفة عمومة وجهالة الصحابي لا تضر فإنهم كلهم عدول (أن ركبا) جمع راكب كصحب جمع صاحب (يشهدون) أي يؤدون الشهادة (إنهم رأوا الهلال بالأمس) ولفظ أحمد
[ 14 ]
في مسنده عم علينا هلال شوال فأصبحنا صياما فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد وهكذا في رواية ابن ماجه في كتاب الصيام والدارقطني أنهم قدموا آخر النهار وصحح الداقطني إسناده بهذا اللفظ وصححه النووي في الخلاصة وقد وقع في بعض طرقه من رواية الطحاوي أنهم سنة شهدوا بعد الزوال وبه أخذ أبو حنيفة أن وقتها من ارتفاع الشمس إلى زوالها إذ لو كانت صلاة العيد تؤدى بعد الزوال لما أخرها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغد (فأمرهم) أي الناس (أن يفطروا) أي ذلك اليوم (وإذا أصبحوا يغدوا) أي يذهبوا في الغدوة جميعا (إلى مصلاهم) لصلاة العيد يعني لم يروا الهلال في المدينة ليلة الثلاثين من رمضان فصاموا ذلك اليوم فجاء قافلة في أثناء ذلك اليوم وشهدوا أنهم رأوا الهلال ليلة الثلاثين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإفطار وبأداء صلاة العيد في اليوم الحادي والثلاثين قاله علي القاري وقال الشوكاني والحديث دليل لمن قال إن صلاة العيد تصلى في اليوم الثاني إن لم يتبين العيد إلا بعد خروج وقت صلاته وإلى ذلك ذهب الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي وظاهر الحديث أن الصلاة في اليوم الثاني أداء لا قضاء وروى الخطابي عن الشافعي أنهم إن علموا بالعيد قبل الزوال صلوا وإلا لم يصلوا يومهم ولا من الغد لأنه عمل في وقت فلا يعمل في غيره قال وكذا قال مالك وأبو ثور قال الخطابي سنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع وحديث أبي عمير صحيح فالمصير إليه واجب قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وأبو عمير هذا هو عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري وقال الخطابي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى وحديث أبي عمير صحيح فالمصير إليه واجب يريد أنه لا فرق بين أن يعلموا بذلك قبيل الزوال أو بعده خلافا للشافعي ومالك وأبي ثور بأنه ليس في الحديث ما يدل على أنهم شهدوا بذلك بعد ويحتج للشافعي ومالك وأبي ثور بأنه ليس في الحديث ما يدل على أنهم شهدوا بذلك بعد الزوال تم كلام المنذري قلت وقد عرفت من رواية أحمد وابن ماجه والدارقطني أنهم شهدوا بذلك آخر النهار والحديث أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم والخطابي وابن حجر وقول ابن عبد البر إن أبا عمير مجهول مردود بأنه قد عرفه من صحح له قال الحافظ (إسحاق بن سالم مولى) قال الذهبي في الميزان لا يعرف لكن قال ابن السكن إسناده
[ 15 ]
صالح قلت لا يعرف إسحاق وبكر بغير هذا الخبر انتهى وقال في التقريب هو مجهول الحال (بكر بن مبشر الأنصاري) قال ابن الأثير هو ابن جبر الأنصاري من بني عبيد بطن من الأوس له صحبة عداده في أهل المدينة قال ابن منده هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه تفرد به سعيد بن أبي مريم عن إبراهيم بن سويد قلت قال أبو عمر روى عنه إسحاق بن سالم وأنيس بن أبي يحيى وليس كذلك إنما أنيس راو عن إسحاق انتهى كلام ابن الأثير وفي الإصابة قال أبو حاتم له صحبة وكذا قال ابن حبان وقال ابن السكن له حديث واحد بإسناد صالح وأخرجه الحاكم في مستدركه وأبو داود والبخاري في تاريخه والبارودي وقال ابن القطان لم يرو عنه إلا إسحاق بن سالم وإسحاق لا يعرف انتهى (كنت أغدو) قال الجوهري في الصحاح الغدو نقيض الرواح وقد غدا يغدوا غدوا انتهى وقال في النهاية الغدوة المرة من الغدو وهو سير أول النهار نقيض الرواح وقد غدا يغدو غدوا والغدوة بالضم ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس انتهى وفي لسان العرب وغدا عليه غدوا وغدوا واغتدى بكر غاداه عمرو باكره وغدا عليه ويقال غدا الرجل يغدو فهو غاد انتهى والمعنى أي أسير وأذهب أول النهار إلى المصلى مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (بطن بطحان) بفتح الباء اسم وادي المدينة والبطحانيون منسوبون إليه وأكثرهم يضمون الباء ولعله الأصح انتهى واعلم أن حديث بكر بن مبشر هذا وجد في بعض نسخ الكتاب في هذا الباب أي باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد وهكذا في مختصر المنذري ووجد في بعض النسخ هذا الحديث قبل هذا الباب أي في باب الخروج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق فإدخال الحديث في الباب الأول أي باب مخالفة الطريق ظاهر لاخفاء فيه من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم خالف الطريق كما في حديث ابن عمر وأقر على من يخالف كما في حديث بكر بن مبشر لأن مخالفة الطريق من المندوبات والباب يشمل الصورتين مع أن حديث بكر ضعيف وأما إدخاله في الباب الثاني فلا يستقيم لأن قوله كنت أغدو ليس فعل من الغد الذي أصله الغدو وحذف الواو بلا عوض ويدخل فيه الألف واللام للتعريف وهو اليوم الذي يأتي بعد يومك أي ثاني يومك فلا يقال كنت أغدوا بمعنى كنت أسير وأذهب في اليوم الثاني بعد يومي هذا ولا يستعمل بهذا المعنى في محاورة العرب فلا يطابق الحديث من الباب بل هو من تصرفات النساخ والله أعلم
[ 16 ]
باب الصلاة بعد صلاة العيد (لم يصلي) أي سنة قاله الطيبي هذا النفي محمول على المصلي لخبر أبي سعيد الخدري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين رواه ابن ماجه وأحمد والحاكم وصححه وحسنه الحافظ في الفتح وحديث ابن عباس هذا أخرجه الأئمة الستة وفيه دليل على كراهة الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها وإلى ذلك ذهب أحمد بن حنبل قال ابن قدامة وهو مذهب ابن عباس وابن عمر قال وروي ذلك عن علي وابن مسعود وحذيفة وبريدة وسلمة بن الأكوع وجابر وابن أبي أوفى وقال به شريو عبد الله بن مغفل ومسروق والضحاك والقاسم وسالم ومعمر وابن جريج والشعبي ومالك وروي عن مالك أنه قال لا يتطوع في المصلى قبلها ولا بعدها وله في المسجد روايتان وقال الزهري لم أسمع أحدا من علمائنا يذكر أن أحدا من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة ولا بعدها قال ابن قدامة وهو إجماع كما ذكرنا عن الزهري وعن غيره انتهى ويردد دعوى الإجماع ما حكاه الترمذي عن طائفة من أهل العلم من الصحابة وغيرهم أنهم رأوا جواز الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها وروى ذلك العراقي عن جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين وأما أقوال التابعين فرواها ابن أبي شيبة وبعضها في المعرفة للبيهقي وروى ابن المنذر عن أحمد أنه قال الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها والبصريون يصلون قبلها لا بعدها والمدنيون لا قبلها ولا بعدها قال في الفتح وبالأول قال الأوزاعي والثوري والحنفية وبالثاني قال الحسن البصري وجماعه وبالثالث قال الزهري وابن جريج وأحمد وأما مالك فمنعه في المصلى وعنه في المسجد روايتان انتهى وعن مالك وأحمد أنه لا يصلى قبلها ولا بعدها وعن أبي حنيفة أنه يصلى بعدها لا قبلها (تلقي خرصها) هو الحلقة الصغيرة من الحلي وفي القاموس الخرص بالضم ويكسر حلقة الذهب والفضة أو حلقة القرط أو الحلقة الصغيرة من الحلى انتهى (وسخابها) بسين مهملة مكسورة بعدها خاء معجمة وهو
[ 17 ]
خيط تنظم فيه الخرزات وفي القاموس أن السخاب ككتاب قلادة من سك وقرنفل ومحلب بلا جوهر وقال الخطابي الخرص الحلقة والسخاب القلادة وفي الحديث من الفقه أن عطية المرأة البالغة وصدقتها بغير إذن زوجها جائزة ماضية ولو كان ذلك مفتقرا إلى إذن الأزواج لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليأمرهن بالصدقة قبل أن يستأذن أزواجهن في ذلك انتهى باب يصلي بالناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر (أنه) أي الشأن (أصابهم) أي الصحابة (صلاة العيد في المسجد) أي مسجد المدينة قال ابن الملك يعني كان صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة العيد في الصحراء إلا إذا أصابهم مطر فيصلي في المسجد فالأفضل أداؤها في الصحراء في سائر البلدان وفي مكة خلاف والظاهر أن المعتمد في مكة أن يصلي في المسجد الحرام على ما عليه العمل في هذه الأيام ولم يعرف خلافه منه عليه الصلاة والسلام ولا من أحد من السلف الكرام فإنه موضوع بحكم قوله تعالى إن أول بيت وضع للناس لعموم عباداتهم من صلاة الجماعة والجمعة والعيد والاستسقاء والجنازة والكسوف والخسوف ذكره في المرقاة وفي السبل وقد اختلف العلماء على قولين هل الأفضل في صلاة العيد الخروج إلى الجبانة أو الصلاة في مسجد البلد إذا كان واسعا الأول قول الشافعي أنه إذا كان مسجد البلد واسعا صلوا فيه ولا يخرجون فكلامه يقضي بأن العلة في الخروج طلب الاجتماع ولذا أمر صلى الله عليه وسلم بإخراج العواتق وذوات الخدور فإذا حصل ذلك في المسجد فهو أفضل ولذلك أهل مكة لا يخرجون لسعة مسجدها وضيق أطرافها وإلى هذا ذهب جماعة قالوا الصلاة في المسجد أفضل والقول الثاني لمالك أن الخروج إلى الجبانة أفضل ولو اتسع المسجد للناس وحجتهم محافظته صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يصل في المسجد إلا لعذر المطر ولا يحافظ صلى الله عليه وسلم إلا على الأفضل ولقول علي رضي الله عنه وأنه روى أنه خرج إلى الجبانة لصلاة العيد وقال
[ 18 ]
لولا أنه السنة لصليت في المسجد وأستخلف قبل من يصلي بضعفة الناس في المسجد قالوا فإن كان في الجبانة مسجد مكشوف فالصلاة فيه أفضل وإن كان مسقوفا فيه تردد انتهى قال في فتح الباري قال الشافعي في الأم بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة وهكذا من بعده إلا من عذر مطر ونحوه وكذا عامة أهل البلدان إلا أهل مكة انتهى والحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري وقال في التلخيص إسناده ضعيف انتهى قلت في إسناده رجل مجهول وهو عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة الفروي المدني قال فيه الذهبي في الميزان لا يكاد يعرف وقال هذا حديث منكر وقال ابن القطان لا أعلم عيسى هذا مذكورا في شئ من كتب الرجال ولا في غير هذا الإسناد انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه باب صلاة الإستسقاء وتفريعها (جماع) بضم الجيم وتشديد الميم يقال جماع الناس أي اختلاطهم (وتفريعها) بالرفع معطوف على الجماع أي تفريع أبواب صلاة الاستسقاء والفرع ما يتفرع من أصله يقال فرعت من هذا الأصل مسائل فتفرعت أي استخرجت فخرجت والمعنى هذه مجموع أبواب الاستسقاء وما يتفرع عليه من المسائل من تحويل الرداء والخطبة ورفع اليدين في الدعاء بهيئة مخصوصة وغير ذلك والله أعلم (عن عمه) المراد بعمه عبد الله بن زيد بن عاصم المتكرر في الروايات (خرج بالناس) فيه استحباب الخروج للاستسقاء إلى الصحراء لأنه أبلغ في الافتقار والتواضع ولأنها أوسع للناس (فصلى بهم ركعتين) فيه دليل على استحباب الركعتين في صلاة الاستسقاء (جهر بالقراءة فيهما) ولم يذكر في رواية مسلم الجهر بالقراءة وذكره البخاري
[ 19 ]
وأجمعوا على استحبابه وأجمعوا أنه لا يؤذن لها ولا يقام لحديث أخرجه عن أحمد أبي هريرة (وحول رداءه) أي جعل اليمين من ردائه على عاتقه الشمال والشمال منه على عاتقه الأيمن وصار ظاهره باطنا وباطنه ظاهرا قال الشيخ عبد الحق في اللمعات وطريقه هذا القلب والتحويل أن يأخذ بيده اليمنى الطرف الأسفل من جانب يساره وبيده اليسرى الطرف الأسفل من جانب يمينه ويقلب يديه خلف ظهره حتى يكون الطرف المقبوض بيده اليمنى على كتفه الأعلى من جانب اليمين والطرف المقبوض بيده اليسرى على كتفه الأعلى من جانب اليسار انتهى وفيه استحباب تحويل الرداء في أثنائها للاستسقاء قال النووي أجمع العلماء على أن الاستسقاء سنة واختلفوا هل تسن له صلاة أم لا فقال أبو حنيفة لاتسن له صلاة بل يستسقى بالدعاء بلا صلاة وقال سائر العلماء من السلف والخلف الصحابة والتابعون فمن بعدهم تسن الصلاة ولم يخالف فيه إلا أبو حنيفة وتعلق بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها صلاة واحتج الجمهور بالأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى للاستسقاء ركعتين وأما الأحاديث التي ليس فيها ذكر الصلاة فبعضها محمول على نسيان الراوي وبعضها كان في الخطبة للجمعة ويتعقبه الصلاة للجمعة فاكتفى بها ولو لم يصل أصلا كان بيانا لجواز الاستسقاء بالدعاء بلا صلاة ولا خلاف في جوازه وتكون الأحاديث المثبتة للصلاة مقدمة لأنها زيادة علم ولا معارضة بينهما قال أصحابنا الاستسقاء ثلاثة أنواع أحدها الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة الثاني الاستسقاء في خطبة الجمعة أو في أثر صلاة مفروضة وهو أفضل من النوع الذي قبله والثالث وهو أكملها أن يكون بصلاة ركعتين وخطبتين ويتأهب قبله بصدقة وصيام وتوبة وإقبال على الخير ومجانبة الشر ونحو ذلك من طاعة الله تعالى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن محمد بن مسلم) هو ابن شهاب الزهري با سناد المذكور (لم يذكر) أي الزبيدي
[ 20 ]
عن الزهري قصة الصلاة (وقال) أي الزبيدي (فجعل عطافه الأيمن) قال الخطابي أصل العطاف الرداء وإنما أضاف العطاف إلى الرداء لأنه أراد أحد شقي العطاف انتهى قال في شرح المشكاة فالهاء ضمير الرداء ويجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم ويريد بالعطاف الرحمن جانب الرداء قال التوربشتي سمي الرداء عطافا لوقوعه على العطفين وهما الجانبان انتهى (وعليه خميصة) أي كساء أسود مربع له علمان في طرفيه من صوف وغيره وسوداء صفة لخميصة وفيه تجريد قال في النهاية هي ثوب خز أو صوف معلم وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة وكانت من لباس الناس قديمها وجمعها الخمائص انتهى (فلما ثقلت) الخميصة أي عسرت عليه (قلبها) بتشديد اللام وقيل بتخفيفها (على عاتقيه) بالتثنية هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها بالإفراد والمعنى أي لم يجعل أسفلها أعلاها بل جعل ما على كتفه الأيمن على عاتقه الأيسر وزاد الإمام أحمد في روايته حول الناس معه وقال الحاكم هو على شرط مسلم (نحوه) أي رواية عثمان نحو رواية النفيلي وهو كقوله المعني أي معنى حديثهما واحد (قال عثمان) بن أبي شيبة (ابن عقبة) بالقاف بعد العين هو صفة الوليد أي قال عثمان في روايته الوليد بن عقبة وأما النفيلي فقال الوليد بن عتبة بالتاء بعد العين (متبذلا) بتقديم التاء على الموحدة أي لابسا لثياب البذلة تاركا لثياب الزينة تواضعا لله تعالى التبذل والابتذال ترك
[ 21 ]
التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع (متضرعا) أي مظهرا للضراعة وهي التذلل عند طلب الحاجة (فلم يخطب خطبكم هذه) النفي متوجه إلى القيد لا إلى المقيد كما يدل على ذلك الأحاديث المصرحة بالخطبة ويدل عليه أيضا قوله في هذا الحديث فرقي المنبر ولم يخطب خطبكم هذه فإنما نفى وقوع خطبة منه صلى الله عليه وسلم مشابهة لخطبة المخاطبين ولم ينف وقوع مطلق الخطبة منه على ذلك فلا يصح التمسك به لعدم مشروعية الخطبة وقال الزيلعي مفهوم الحديث أنه خطب لكنه لم يخطب كما يفعل في الجمعة ولكنه خطب الخطبة واحدة فلذلك نفى النوع ولم ينف الجنس ولم يرو أنه خطب خطبتين فلذلك قال أبو يوسف يخطب خطبة واحدة ومحمد يقول يخطب خطبتين ولم أجد له شاهدا انتهى (ثم صلى ركعتين) فيه دليل على استحباب الصلاة لم يخالف فيه إلا الحنفية (كما يصلي في العيدين) تمسك به الشافعي ومن معه في مشروعية التكبير في صلاة الاستسقاء كتكبير العيد وتأوله الجمهور على أن المراد كصلاة العيد في عدد الركعة والجهر بالقراءة وكونها قبل الخطبة والله أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن صحيح وذكر أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي في كتابه أن إسحاق بن عبد الله بن كنانة روى عن أبي هريرة مرسلا انتهى باب في أي وقت الخ (استقبل القبلة) قال النووي فيه استحباب استقبالها للدعاء ويلحق به القراءة والأذان
[ 22 ]
وسائر الطاعات إلا ما خرج بدليل كالخطبة (ثم حول رداءه) فيه دليل لجماهير العلماء في استحباب تحويل الرداء ولا يستحبه أبو حنيفة والحديث يرد عليه قالوا والتحويل شرع تفاؤلا بتغير الحال من القحط إلى نزول الغيث والخصب ومن ضيق الحال إلى سعة قاله النووي باب رفع اليدين في الاستسقاء (عن عمير) بالتصغير (مولى بني أبي اللحم) بالمداسم وكان رجل من قدماء الصحابة سمي بذلك لامتناعه من أكل اللحم أو لحم ما ذبح على النصب في الجاهلية اسمه عبد الله بن عبد الملك استشهد يوم حنين قيل هو الذي يروي هذا الحديث ولا يعرف له حديث سواه وعمير عنه وله أيضا صحبة (عند أحجار الزيت) وهو موضع بالمدينة من الحرة سميت بذلك لسواد أحجارها بها كأنها طليت بالزيت (من الزوراء) بفتح الزاي المعجمة موضع بالمدينة (قائما يدعو يستسقي) حالان أي داعيا مستسقيا (قبل وجهه) بكسر القاف وفتح الموحدة أي قبالته (لا يجاوز بهما) أي بيديه حين رفعهما (رأسه) ولا ينافي ما يأتي في رواية أنس أنه كان يبالغ في الرفع للاستسقاء لاحتمال أن ذلك أكثر أحواله وهذا في نادر منها أو بالعكس قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث عمير مولى أبي اللحم وقال الترمذي كذا قال قتيبة في هذا الحديث عن أبي اللحم ولا يعرف له عن النبي إلا هذا الحديث الواحد وعمير مولى أبي اللحم قد روى عن النبي أحاديث وله صحبة
[ 23 ]
(أتت النبي بواكي) جمع باكية أي جاءت عند النبي نفوس باكية أو نساء باكيات لانقطاع المطر عنهم ملتجئة روى إليه وهذه هي الرواية المشهورة في سنن أبي داود قال المنذري هكذا وقع في روايتنا وفي غيرها مما شاهدناه بالباء الموحدة المفتوحة وذكر الخطابي قال رأيت النبي يواكي ولم بضم الياء باثنتين من تحتها انتهى قلت المواكاة بين والتوكؤ والاتكاء والتحامل على الشئ قال الخطابي في المعالم معناه التحامل على يديه إذا رفعهما ومدهما في الدعاء ومن هذا التوكؤ على العصا وهو التحامل عليها انتهى وقال في النهاية أي يتحامل على يديه أي يرفعهما ويمدهما في الدعاء ومنه التوكؤ على العصا وهو التحامل عليها انتهى وقد أخذ هذه الرواية صاحب المشكاة أيضا قال المنذري قال بعضهم والصحيح ما ذكره الخطابي قال المنذري وللرواية المشهورة وجه انتهى ورجح السندي الرواية المشهورة وبالغ في رد غيرها ولم يقف على كلام الخطابي وابن الأثير والمنذري وقال النووي وهذا الذي ادعاه الخطابي لم تأت به الرواية ولا انحصر الصواب فيه بل ليس هو واضح المعنى وفي رواية البيهقي أتت النبي هوازل أهل بدل بواكي انتهى قلت على رواية الخطابي يوافق الحديث بالباب والله أعلم كذا في غاية المقصود (أسقنا) بالوصل والقطع (غيثا) أي مطرا (مغيثا) بضم أوله أي معينا من الإغاثة بمعنى الإعانة (مريئا) بفتح الميم والمد ويجوز إدغامه أي هنيئا محمود العاقبة لا ضرر فيه من الغرق والهدم (مريعا) يروى على وجهين بالياء والباء فمن رواه بالياء جعله من المراعة وهو الخصب يقال منه أمرع المكان إذا أخصب ومن رواه مربعا كان معناه منبتا للربيع قاله الخطابي وفي شرح المشكاة مريعا بفتح الميم وبضم أي كثيرا وفي شرح السنة ذا مراعة وخصب ويروى مربعا بالباء بضم الميم أي منبتا للربيع ويروى مرتعا بفتح الميم والتاء أي ينبت به ما يرتع الإبل وكل خصب مرتع ومنه يرتع ويلعب ذكره الطيبي (فأطبقت عليهم السماء) على بناء الفاعل وقيل بالمفعول يقال أطبق إذا جعل الطبق على رأس شئ وغطاه به أي جعلت عليهم السحاب كطبق قيل أي ظهر السحاب في ذلك الوقت وغطاهم السحاب كطبق فوق رؤوسهم بحيث لا يرون السماء من تراكم السحاب وعمومه الجوانب وقيل أطبقت بالمطر الدائم يقال أطبقت عليه الحمى أي دامت وفي شرح السنة أي ملأت والغيث المطبق هو العام الواسع
[ 24 ]
(إلا في الاستسقاء) قال في النيل ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء وهو معارض للأحاديث الثابتة في الرفع في غير الاستسقاء وهي كثيرة وقد أفردها البخاري بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث وصنف المنذري في ذلك جزءا وقال النووي هي أكثر من أن تحصر قال وقد جمعت منها نحوا من ثلاثين حديثا من الصحيحين أو أحدهما قال وذكرتها في آخر باب صفة الصلاة في شرح المهذب انتهى فذهب بعض أهل العلم إلى أن العمل بها أولى وحمل حديث أنس على نفي رؤيته وذلك لا يستلزم نفي رؤية غيره وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على جهة مخصوصة إما على الرفع البليغ ويدل عليه قوله حتى يرى بياض إبطيه ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد بها مد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه عند الاستسقاء زاد على ذلك فرفعهما إلى جهة وجهة حتى حاذتاه وحينئذ يرى بياض إبطيه وإما على صفة رفع اليدين في ذلك كله في رواية مسلم المذكورة ولأبي داود من حديث أنس كان يستسقي هكذا ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه كما سيأتي والظاهر أنه ينبغي البقاء على النفي المذكور عن أنس فلا ترفع اليد في شئ من الأدعية إلا في المواضع التي ورد فيها الرفع ويعمل فيما سواها بمتقضى النفي وتكون الأحاديث الواردة في الرفع في غير الاستسقاء أرجح من النفي المذكور في حديث أنس إما لأنها خاصة فيبنى العام على الخاص أو لأنها مثبتة وهي أولى من النفي وغاية ما في حديث أنس نفي الرفع فيما يعلمه ومن علم حجة على من لم يعلم انتهى كلامه والحق أن أنسا لم ينف رفع اليدين في الدعاء بل إنما مراده أن النبي لا يبالغ في الرفع رفعا بليغا فوق حذاء الصدر بحيث يجعل بطون يديه مما يلي الأرض حتى يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (ومد يديه وجعل بطونهما إلخ) قال جماعة من العلماء والسنة في كل دعاء لرفع بلاء
[ 25 ]
كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء وإذا دعا لسؤال شئ وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء واحتجوا بهذا الحديث قاله النووي وقال المنذري وأخرجه مسلم مختصرا بنحوه (محمد بن إبراهيم) هو التيمي والحديث سكت عنه المنذري (خالد بن نزار) بكسر النون وفتح الزاء المخففة (قحوط المطر) بضم القاف هو مصدر كالقحط معناه احتباس المطر وفقده في القاموس القحط احتباس المطر (فأمر بمنبر إلخ) فيه استحباب الصعود على المنبر لخطبة الاستسقاء (ووعد الناس يوما) أي عينه لهم ويستحب للإمام أن يجمع الناس ويخرج بهم إلى خارج البلد (حاجب الناس) في القاموس حاجب الشمس ضوءها أو ناحيتها انتهى وإنما سمي الضوء حاجبا لأنه يحجب جرمها عن الإدراك وفيه استحباب الخروج لصلاة الاستسقاء عند طلوع الشمس وقد أخر الحاكم وأصحاب السنن عن ابن عباس أن النبي صنع في الاستسقاء كما صنع في العيد وظاهره أنه صلاها وقت صلاة العيد كما قال الحافظ وقد حكى ابن المنذر الاختلاف في وقتها قال في الفتح والراجح أنه لا وقت لها معين وإن كان أكثر أحكامها كالعيد لكنها مخالفة بأنها لا تختص بيوم معين ونقل ابن قدامة الإجماع على أنها لا تصلى في وقت الكراهة وأفاد ابن حبان بأن خروجه للاستسقاء كان في شهر رمضان سنة ست من الهجرة (جدب دياركم) بفتح الجيم وسكون المهملة أي قحطها (واستيخار المطر) أي تأخره قال الطيبي والسين للمبالغة يقال استأخر الشئ إذا تأخر تأخرا بعيدا (عن إبان زمانه) بكسر الهمزة وتشديد الباء أي وقته من إضافة الخاص إلى العام يعني عن أول زمان المطر وإلا بان أول الشئ قال في
[ 26 ]
النهاية قيل نونه أصلية فيكون فعالا وقيل زائدة فيكون فعلان من آب الشئ يؤب إذا تهيأ للذهاب وفي القاموس إبان الشئ بالكسر حينه أو أوله (وقد أمركم الله) يريد قول الله تعالى ادعوني أستجب لكم (ثم قال الحمد لله) فيه دليل على عدم افتتاح الخطبة بالبسملة بل بالحمدلة ولم تأت رواية عنه أنه افتتح الخطبة بغير التحميد كما في السبل (ملك يوم الدين) بقصر الميم أي بلا ألف بعد الميم في مالك (قوة) أي بالقوت حتى لا نموت والمعنى اجعله منفعة لنا لا مضرة علينا (وبلاغا) أي زادا يبلغنا (إلى حين) أي من أحيان آجالنا قال الطيبي البلاغ ما يتبلغ به إلى المطلوب والمعنى اجعل الخير الذي أنزل علينا سببا لقوتنا ومددا لنا مددا طوالا (ثم رفع يديه إلخ) فيه استحباب المبالغة في رفع اليدين عند الاستسقاء وقد تقدم بيانه (ثم حول إلى الناس ظهره) فيه استحباب استقبال الخطيب عند تحويل الرداء القبلة والحكمة في ذلك التفاؤل بتحوله عن الحالة التي كان عليها وهي المواجهة للناس إلى الحالة الأخرى وهي استقبال القبلة واستدبارهم ليتحول عنهم الحال الذي هم فيه وهو الجدب بحال آخر وهو الخصب (وقلب) بالتشديد (أو حول رداءه) شك من الراوي (فأنشأ الله سحابة) أي أوجد وأحدث (فرعدت وبرقت) بفتح الراء أي ظهر فيها الرعد والبرق فالنسبة مجازية قال في النهاية برقت بالكسر بمعنى الحيرة وبالفتح من البريق اللمعان (ثم أمطرت بإذن الله) في شرح مسلم جاء في البخاري ومسلم أمطرت بالألف وهو دليل للمذهب المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من أهل اللغة أن أمطرت ومطرت لغتان في المطر وقال بعض أهل اللغة لا يقال أمطرت إلا في العذاب لقوله تعالى وأمطرنا عليهم حجارة والمشهور الأول قال تعالى عارض ممطرنا وهو الخير لأنهم يحبون خيرا (فلم يأت) رسول الله من المحل الذي استسقى فيه الصحراء (مسجده) أي النبوي في المدينة (حتى سالت السيول) أي من الجوانب (رأى سرعتهم) أي سرعة مشيهم والتجائهم (إلى الكن) بكسر
[ 27 ]
الكاف وتشديد النون وهو ما يرد به الحر والبرد من المساكن وفي القاموس السكن وقاء كل شئ وستره كالكنة والكنان بكسرهما والبيت الجمع أكنان وأكنة انتهى (حتى بدت نواجذه) النواجذ على ما ذكره صاحب القاموس أقصى الأضراس وهي أربعة أو هي الأنياب أو التي تلي الأنياب أو هي الأضراس كلها جمع ناجذ والنجذ شدة العض بها انتهى قال الطيبي وكأن ضحكه تعجبا من طلبهم المطر اضطرارا ثم طلبهم السكن عنه فرارا ومن عظيم قدرة الله تعالى وإظهار قربة رسوله وصدقه بإجابة دعائه سريعا ولصدقه أتى بالشهادتين (هذا) أي حديث عائشة الذي فيه ملك يوم الدين (حديث غريب) وليس بمشهور لتفرد رواته (إسناده جيد) أي قوي لا علة فيه لاتصال إسناده وثقات رواته وأخرجه أيضا أبو عوانة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وصححه ابن السكن (ملك يوم الدين) أي بغير ألف قال ابن كثير في تفسيره قرأ بعض القراء ملك يوم الدين أي بغير ألف وقرأ آخرون مالك بالألف وكلاهما صحيح متواتر في السبع وقد رجح كلا من القراءتين مرجح من حيث المعنى وكلاهما صحيحة حسنة ورجح الزمخشري ملك بغير ألف لأنها قراءة أهل الحرمين (حجة لهم) أي لأهل المدينة ويجئ الكلام فيه في كتاب القراءة إن شاء الله تعالى (ويونس بن عبيد) البصري وهذا عطف على عبد العزيز والمعنى أن حماد بن زيد رواه بإسنادين الأول عن عبد العزيز عن أنس والثاني عن يونس عن ثابت عن أنس وبهذا الإسناد الثاني أخرجه البخاري في الجمعة وفي علامات النبوة ذكره الحافظ المزي كذا في الشرح (فبينما هو يخطبنا الخ) فيه دليل على أنه إذا اتفق وقوع الاستسقاء يوم جمعة اندرجت خطبة الاستسقاء وصلاتها في الجمعة وقد بوب لذلك البخاري (الكراع) بضم الكاف جماعة
[ 28 ]
الخيل (الشاء) جمع شاة (لمثل الزجاجة) أي كناية عن صفائها (عزاليها) بالعين المهملة ثم الزاي جمع عزلاء وزن حمراء فم المزادة الأسفل والجمع العزالي بفتح اللام وكسرها وقوله أرسلت السماء عزاليها إشارة إلى شدة وقع المطر على التشبيه بنزوله من أفواه المزادات كذا في المصباح قلت عزلاء هو المزادة الأسفل فشبه اتساع المطر واندفاقه حديث بالذي يخرج من المزادة (ثم قال حوالينا) بفتح اللام والحوال والحول بمعنى الجانب ففي رواية مسلم حولنا وعند البخاري وأبي داود حوالينا تثنية حوال وكلاهما صحيح وهو ظرف يتعلق بمحذوف تقديره اللهم أنزل وأمطر حوالينا ولا تنزل علينا والمراد به صرف المطر عن الأبنية والدور (ولا علينا) فيه بيان للمراد بقوله حوالينا لأنه يشمل الطرق التي حولهم فأراد إخراجها بقوله ولا علينا قال الطيبي في إدخال الواو هنا معنى لطيف وذلك لأنه لو أسقطها لكان مستسقيا للآكام وما معها فقط ودخول الواو يقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه ولكن ليكون وقاية من أذى المطر فليست الواو محصلة للعطف ولكنها للتعليل كقولهم تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها فإن الجوع ليس مقصودا لعينه ولكن ليكون مانعا من الرضاع بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك آنفا انتهى (يتصدع) أي ينقطع ويتفرق (كأنه إكليل) بكسر الهمزة يريد أن الغيم تقشع واستدار في آفافها عند لأن الإكليل يجعل كالحلقة ويوضع على الرأس وهو شبه عصابة مزينة بالجوهر كذا في النهاية قال المنذري وأخرجه البخاري مختصرا (عن أنس أنه سمعه يقول) قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 29 ]
(عن أبيه عن جده) أي عبد الله بن عمرو بن العاص (قال اللهم اسق) بهمزة الوصل أو القطع (عبادك) يشمل الرجال والنساء والعبيد والإماء (وبهائمك) أي من جميع دواب الأرض وحشراتها (وانشر) بضم الشين أي ابسط (وأحيي بلدك الميت) أي بإنبات الأرض بعد موتها أي يبسها وفي تلميح إلى قوله تعالى يحيي به الأرض بعد موتها قال المنذري وحديث مالك الذي ذكره فيه عن عمرو بن شعيب أن رسول الله مرسل باب صلاة الكسوف قال النووي يقال كسفت الشمس والقمر بفتح الكاف وقال في المصباح خسف القمر ذهب ضوؤه أو نقص وهو الكسوف أيضا وقال ثعلب أجود الكلام خسف القمر وكسفت الشمس وقال أبو حاتم إذا ذهب بعض نور الشمس فهو الكسوف وإذا ذهب جميعه فهو الخسوف انتهى وعقد المؤلف هذا الباب لإثبات صلاة الكسوف فقط وأما الباب الآتي فلبيان هيئتها وأنواعها كذا في الشرح قال النووي واعلم أن صلاة الكسوف رويت على أوجه كثيرة ذكر مسلم منها جملة وأبو داود أخرى وغيرهما أخرى وأجمع العلماء على أنها سنة ومذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أنه يسن فعلها جماعة وقال العراقيون فرادى وحجة الجمهور الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره واختلفوا في صفتها فالمشهور في مذهب الشافعي أنها ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وأما السجود فسجدتان كغيرهما وسواء تمادى الكسوف أم لا وبهذا قال مالك والليث وأحمد وأبو ثور وجمهور علماء الحجاز وغيرهم وقال الكوفيون هم ركعتان كسائر النوافل عملا بظاهر حديث جابر بن سمرة وأبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين وحجة الجمهور حديث عائشة من رواية عروة وعمرة وحديث جابر وابن عباس وابن عمر وابن العاص أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان قال ابن عبد البر وهذا
[ 30 ]
أصح ما في هذا الباب قال وباقي الروايات المخالفة معللة ضعفية انتهى وما قاله ابن عبد البر فيه كلام والله أعلم (أخبرني من أصدق) وهكذا في رواية لمسلم قال النووي له حكم المرسل إذا قلنا عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن عائشة (وظننت) ولفظ مسلم حسبته وهذه مقولة عطاء (أنه) أي عبيد بن عمير (قال كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) بالمدينة في السنة العاشرة من الهجرة كما عليه جمهور أهل السير في ربيع الأول أو في رمضان أو في ذي الحجة في عاشر الشهر وعليه الأكثر (قياما شديدا) أي طويلا لطول القراءة فيه (في كل ركعة ثلاث ركعات) أي ثلاث ركوعات وهذا يدل على أن المشروع في صلاة الكسوف في كل ركعة ثلاث ركوعات أيضا (حتى أن سجال الماء) جمع سجل وهو الدلو الملاء (حتى تجلت الشمس) بالمثناة الفوقية وتشديد اللام أي صفت وعاد نورها (لموت أحد) من الناس (فافزعوا إلى الصلاة) أي بادروا إليها قال النووي معناه بادروا بالصلاة وأسرعوا إليها حتى يزول عنكم هذا العارض الذي يخاف كونه مقدمة عذاب انتهى وفيه بيان أن السنة أن يصلى الكسوف جماعة وفيه بيان أن يركع في كل ركعة ثلاث ركعات قال الخطابي وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي يركع ركعتين في ركعة ركوع واحد كسائر الصلوات واختلفت الروايات في هذا الباب فروي أنه ركع ركعتين في أربع ركعات وأربع سجدات وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وروي أنه ركعهما في ركعتين وأربع سجدات وروي أنه ركع ركعتين في ست ركعات وأربع سجدات وروي أنه ركع ركعتين في عشر ركعات وأربع سجدات وقد ذكر أبو داود أنواعا
[ 31 ]
منها ويشبه أن يكون المعنى في ذلك أنه صلاها مرات وكرات فكانت إذا طالت مدة الكسوف مد في صلاته وزاد في عدد الركوع وإذا قصرت نقص من ذلك وكل ذلك جائز يصلى على حسب الحال ومقدار الحاجة فيه انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي بنحوه باب من قال أي من الأئمة كمالك والشافعي وأحمد وجمهور علماء الحجاز (أربع ركعات) أي أربع ركوعات في الركعتين فصار في كل ركعة ركوعان وهذا هو الراجح الصحيح ولذا بوب عليه المؤلف وأما من قال غير ذلك ورآها واسعا ولم يختص بصورة واحدة فأورد دلائلهم أيضا في هذا الباب والله أعلم (اليوم الذي مات فيه إبراهيم) هو في السنة العاشرة من الهجرة وهو ابن ثمانية عشر شهرا أو أكثر وكان ذلك يوم عاشر الشهر كما قال بعض الحفاظ وفيه رد لقول أهل الهيئة لا يمكن كسوفها في غير يوم السابع أو الثامن أو التاسع والعشرين إلا أن يريدوا أن ذلك باعتبار العادة وهذا خارق لها (ست ركعات) أي ركوعات إطلاقا للكل وإرادة للجزء (في أربع سجدات) أي في ركعتين فيكون في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان قال الطيبي أي صلى ركعتين كل ركعة بثلاث ركوعات وعند الشافعي وأكثر أهل العلم أن الخسوف إذا تمادى جاز أن يركع في كل ركعة ثلاث ركوعات وخمس ركوعات وأربع ركوعات انتهى وقال الإمام البخاري وغيره من الأئمة لا مساغ لحمل هذه الأحاديث على بيان الجواز إلا إذا تعددت الواقعة وهي لم تتعدد لأن مرجعها كلها إلى صلاته صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس يوم مات ابنه إبراهيم وحينئذ يجب ترجيح أخبار الركوعين فقط لأنها أصح وأشهر وخالف في ذلك جماعة من الأئمة الجامعين بين الفقه والحديث كابن المنذر فذهبوا إلى تعدد الواقعة وحملوا الروايات في الزيادة والتكرير على بيان الجواز وقواه النووي في شرح مسلم وغيره (نحوا
[ 32 ]
مما قام) أي مماثلا للقيام في المقدار (القراءة الثالثة) أي في المرة الثالثة (فانحدر) أي انخفض (فسجد سجدتين) فائدة ذكرها أن الزيادة منحصرة في الركوع دون السجود (ليس فيها ركعة) أي ركوع (نحو من قيامه) أي في الطول (قال) جابر (ثم تأخر) النبي صلى الله عليه وسلم (في صلاته) من موضعه الذي كان فيه (فتأخرت الصفوف معه) مع النبي اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم (ثم تقدم) النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك المكان (فقام في مقامه) السابق وتقدمت الصفوف كذلك اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان وجه تأخره وتقدمه صلى الله عليه وسلم رؤيته الجنة والنار لما أخرجه مسلم وغيره بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت في مقامي هذا كل شئ وعدتم حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا حين رأيتموني تأخرت الحديث (إن الشمس والقمر آيتان الخ) وفي رواية أنهم قالوا كسفت لموت إبراهيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام ردا عليهم قال العلماء والحكمة في هذا الكلام أن بعض الجهلة الضلال كانوا يعظمون الشمس والقمر فبين أنهما آيتان مخلوقتان لله تعالى لا صنع لهما بل هما كسائر المخلوقات يطرأ عليهما النقص والتغيير كغيرهما وكان بعض الضلال من المنجم ين وغيرهم يقول لا ينكسفان إلا لموت عظيم أو نحو ذلك فبين أن هذا باطل لا يغتر بأقوالهم لا سيما وقد صادف موت إبراهيم رضي الله عنه فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا وفي رواية فإذا رأيتموها فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا وفيه الحث على هذه الطاعات وهو أمر استحباب قال المنذري وأخرجه مسلم بطوله
[ 33 ]
(يخرون) أي يسقطون (فأطال) أي الركوع (فأطال) أي القيام (فكان أربع ركعات) أي ركوعات وفيه دليل لمن ذهب إلى اختيار الركوعين في كل ركعة والحديث اختلف على جابر بن عبد الله فروى عنه عطاء كما تقدم فصلى بالناس ست ركعات وروى عنه أبو الزبير فكان أربع ركعات ولأجل هذا الاختلاف أورد المؤلف الروايتين معا من غير اقتصار على الرواية الثانية وإن كانت هي الثانية فقط مطابقة للباب والله أعلم كذا في الشرح قال الفاكهاني إن في بعض الروايات تقدير القيام الأول بنحو سورة البقرة والثاني بنحو سورة آل عمران والثالث بنحو سورة النساء والرابع بنحو سورة المائدة واستشكل تقدير الثالث بالنساء مع كون المختار أن يكون القيام الثالث أقصر من القيام الثاني والنساء أطول من آل عمران ولكن الحديث الذي ذكره غير معروف نعم يطول القيام الأول نحوا من سورة البقرة لحديث ابن عباس عند البخاري وغيره وإن الثاني دونه وأن القيام الأول من الركعة الثانية نحو القيام الأول وكذا الباقي نعم في الدارقطني من حديث عائشة أنه قرأ في الأول بالعنكبوت والروم وفي الثاني بيس ذكره القسطلاني قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (وصف الناس) بالرفع اصطفوا يقال صف القوم إذا صاروا صفا ويجوز النصب والفاعل محذوف والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم (فاقترأ) افتعال من القراءة (وانجلت الشمس إلخ) فيه أن
[ 34 ]
الانجلاء وقع قبل انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (في كل ركعة ركعتين) أي ركوعين تسمية الجزء باسم الكل قال النووي وحجة الجمهور حديث عائشة من رواية عروة وعمرة وحديث جابر وابن عباس وابن عمرو بن العاص أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان قال ابن عبد البر وهذا أصح ما في هذا الباب قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (صلى بهم) أي صلاة الكسوف (فقرأ بسورة من الطول) بضم الطاء وتكسر وبفتح الواو قال الطيبي جمع الطولى كالكبرى والكبر (وركع خمس ركعات) أي ركوعات (ثم قام الثانية) بالنصب على نزع الخافض وفي نسخة إلى الثانية (ثم جلس كما هو) أي كائنا على الهيئة التي هو عليها (مستقبل القبلة) بالنصب أي جلس بعد الصلاة كجلوسه فيها يعني مستقبل القبلة (يدعو حتى انجلى كسوفها) أي انكشف وارتفع والحديث أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والحاكم والبيهقي وقال هذا سند لم يحتج الشيخان بمثله وهذا توهين منه للحديث بأن سنده مما لا يصلح للاحتجاج به عند الشيخين لا أنه تقوية للحديث وتعظيم لشأنه كما فهمه بعض المتأخرين وروي عن ابن السكن تصحيح هذا الحديث وقال الحاكم رواته
[ 35 ]
صادقون وفي إسناده أبو جعفر عيسى بن عبد الله الرازي قال الفلاس سيئ الحفظ وقال ابن المديني يخلط وقال ابن معين ثقة واحتج بهذا الحديث القائلون بأن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة خمس ركوعات والله أعلم قال المنذري في إسناده أبو جعفر واسمه عيسى بن عبد الله بن ماهان الرازي وفيه مقال واختلف فيه قول ابن معين وابن المديني رضي الله عنهم (عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) الحديث مع كونه في صحيح مسلم ومع تصحيح الترمذي له قد قال ابن حبان في صحيحه إنه ليس بصحيح قال لأنه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن طاؤس ولم يسمعه حبيب من طاؤس وحبيب معروف بالتدليس ولم يصرح بالسماع من طاؤس وقد خالفه سليمان الأحول فوقفه وروى عن حذيفة نحوه قاله البيهقي والحديث يدل على أن من جملة صفات صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة أربعة ركوعات (والأخرى مثلها) أي الركعة الأخرى مثل الأولى بأربع ركوعات قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (ابن عباد) بكسر المهملة وتخفيف الموحدة (ابن جندب) بفتح الدال وضمها مع ضم الجيم (غرضين) الغرض بالتحريك الهدف الذي يرمي إليه والجمع أغراض مثل سبب وأسباب وبالفارسية نشائه تير (قيد) بكسر القاف يقال قيد رمح وقاد رمح أي قدر رمح (حتى آضت) بالمد أي رجعت وصارت كأنها تنومة بفتح فوقية وتشديد نون مضمومة نوع من نبات الأرض فيها وفي ثمرها سواد قليل قال الخطابي التنوم نبت لونه إلى السواد ويقال بل هو شجر له ثمر كمد اللون (ليحدثن) من الإحداث بالنون الثقلية (شأن هذا الشمس) مرفوع بالفاعلية (حدثا) أي
[ 36 ]
أمرا جديدا (فدفعنا) على بناء الفاعل أو المفعول أي دفعنا الانطلاق (وإذا هو بارز) قال الحافظ بن الأثير جاء هذا الحديث هكذا في سنن أبي داود بارز براء ثم زاء من البروز وهو الظهور وهو تصحيف من الراوي قال الخطابي في المعالم والأزهري في التهذيب وإنما هو بأزز بباء الجر وهمزة مضمومة وزائين لأنه معجمتين أي بجمع كثير يقال أوتيت الوالي والمجلس أزز أي كثير الزحام ليس فيه متسع والناس أزز إذا انضم بعضهم إلى بعض والمعنى انتهيت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتلئ بالناس (في صلاة قط) فيه استعمال قط في الإثبات وهي مختصة بالنفي بإجماع النحاة وخرجه الشيخ جمال الدين بن هشام على أنه وقع قط بعد ما المصدرية كما يقع بعد ما النافية قال الرضى وربما يستعمل قط بدون النفي لفظا ومعنى كنت أراه قط أي دائما وقد يستعمل بدونه لفظا لا معنى هل رأيت ذئبا قط قاله السيوطي (لا نسمع له صوتا) قال في المنتقي وهذا يحتمل أنه لم يسمعه لبعده لأن في رواية مبسوطة له أتينا والمسجد قد امتلأ وعند الشيخين والترمذي وصححه وعند أحمد والطيالسي وابن حبان والحاكم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة وعند الشافعي وأبي يعلى عن ابن عباس قال كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف فما سمعت منه حرفا من القرآن وفي إسناده ابن لهيعة قال البخاري حديث عائشة في الجهر أصح من حديث سمرة ورجح الشافعي رواية سمرة بأنها موافقة لرواية ابن عباس قلت حديث عائشة أرجح لكونه في الصحيحين ولكونه متضمنا للزيادة ولكونه مثبتا ولكونه معتضدا بما أخرجه ابن خزيمة وغيره عن علي مرفوعا من إثبات الجهر وحديث سمرة صححه الترمذي وابن حبان والحاكم لكن أعله ابن حزم بجهالة ثعلبة بن عباد راوية عن سمرة وقد قال ابن المديني إنه مجهول وذكره ابن حبان في الثقات مع أنه لا راوي له إلا الأسود بن قيس قاله الحافظ وفي سند حديث ابن عباس رضي الله عنه ابن لهيعة وهو ضعيف وقد ذهب إلى الجهر أحمد وإسحاق وابن خزيمة وابن المنذر وبه قال صاحب أبي حنيفة وابن العربي من المالكية وحكى النووي عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة والليث بن
[ 37 ]
سعد وجمهور الفقهاء أنه يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر وقد احتج بحديث سمرة هذا وحديث قبيصة الآتي بأن صلاة الكسوف ركعتان بركوع واحد كسائر الصلوات قال المنذري وأخرجه الترمذي مختصرا والنسائي مطولا ومختصرا وابن ماجه مختصرا وقال الترمذي حديث حسن صحيح (عن قبيصة الهلالي قال كسفت الشمس الخ) قال السندي في حاشية النسائي وقوله وصلوا كأحدث صلاة فيه أنه ينبغي أن يلاحظ وقت الكسوف فيصلي لأجله صلاة هي مثل ما صلاها من المكتوبة قبيلها ويلزم منه أن يكون عدد الركعات على حسب تلك الصلاة وأن يكون الركوع واحدا ومقتضى هذا الحديث أنه يجب على الناس العمل بهذا وإن سلم أنه صلى الله عليه وسلم بركوعين لأن هذا أمر للناس وذلك فعل انتهى كلامه وفي النيل وأما حديث قبيصة فأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح وفي الباب عن أبي بكرة عند النسائي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى ركعتين مثل صلاتكم هذه وقد احتج بهذه الأحاديث القائلون بأن صلاة الكسوف ركعتان بركوع واحد كسائر الصلوات وقد رجحت أدلة هذا المذهب باشتمالها على القول كما في حديث قبيصة والقول أرجح من الفعل وأشار صاحب المنتقي إلى ترجيح الأحاديث التي فيها تكرار الركوع ولا شك أنها أرجح من وجوه كثيرة منها كثرة طرقها وكونها في الصحيحين واشتمالها على الزيادة انتهى وكذا أخرجه أحمد في مسنده قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 38 ]
باب القراءة في صلاة الكسوف (فقام فحزرت) بحاء مهملة وزاء معجمة ثم راء مهملة أي قدرت قال الخطابي هذا يدل على أنه لم يجهر بالقراءة فيها ولو جهر لم تحتج فيها إلى الحزر والتخمين وممن قال لا يجهر بالقراءة فيها مالك وأصحاب الرأي وكذلك قال الشافعي قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه (فجهر بها يعني في صلاة الكسوف) قال الخطابي هذا خلاف الرواية الأولى عن عائشة وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وجماعة من أصحاب الحديث قالوا وقول المثبت أولى من قول النافي لأنه حفظ زيادة لم يحفظها النافي وقال وقد يحتمل أن يكون الجهر إنما جاء في صلاة الليل دون صلاة النهار ويحتمل أن يكون جهر مرة وخفت مرة أخرى وكل جائز انتهى وتقدم بعض الكلام آنفا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي بمعناه (عن ابن عباس) في فتح الباري ووقع في رواية اللؤلؤي في سنن أبي داود عن أبي هريرة
[ 39 ]
بدل ابن عباس وهو غلط وقال المزي في الأطراف ووقع في نسخة القاضي عن أبي هريرة وهو وهم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي باب ينادي فيها بالصلاة (فنادى أن الصلاة جامعة) وفي رواية أخرى فبعث مناديا أن ينادي بهذه الجملة قال ابن الهمام ليجتمعوا إن لم يكونوا اجتمعوا قال الطيبي الصلاة مبتدأ وجامعة خبره أي الصلاة تجمع الناس ويجوز أن يكون التقدير الصلاة ذات جماعة أي تصلى جماعة لا منفردا كالسنن الرواتب فالإسناد مجازي كطريق سائر كذا في المرقاة وفي فتح الباري أن الصلاة بفتح الهمزة وتخفيف النون وهي المفسرة وروي بتشديد النون والخبر محذوف تقديره إن الصلاة ذات جماعة حاضرة ويروى جامعة على أنه الخبر قال ابن دقيق العيد هذا الحديث حجة لمن استحب ذلك وقد اتفقوا على أنه لا يؤذن لها ولا يقام قال المنذري وأخرجه مسلم مطولا وأخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص باب الصدقة فيها (فادعوا الله عز وجل) أي اعبدوه وأفضل العبادات الصلاة والأمر للاستحباب عند الجمهور قال ابن الملك إنما أمر بالدعاء لأن النفوس عند مشاهدة ما هو خارق للعادة تكون معرضة عن الدنيا ومتوجهة إلى الحضرة العليا فتكون أقرب إلى الإجابة (وكبروا) أي عظموا الرب أو قولوا الله أكبر (وتصدقوا) بالترحم على الفقراء والمساكين وفيه إشارة إلى أن الأغنياء
[ 40 ]
هم المقصود بالتخويف كما في المرقاة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي مطولا باب العتق فيها (يأمر بالعتاقة) بفتح العين المهملة وفي لفظ البخاري في كتاب العتق من طريق غنام بن علي عن هشام كنا نؤمر عند الكسوف بالعتاقة وفيه مشروعية الإعتاق عند الكسوف قال المنذري وأخرجه البخاري باب من قال من الأئمة كأبي حنيفة وصاحبيه أخبرنا (يركع ركعتين) أي يركع بركوعين في كل ركعة ركوع واحد كسائر الصلوات وتقدم بعض الأحاديث الذي يدل على ذلك في باب من قال أربع ركعات ومع ذلك أفراد المؤلف هذا الباب (فجعل يصلي ركعتين ركعتين) قال الحافظ في الفتح إن كان هذا الحديث محفوظا احتمل أن يكون معنى قوله ركعتين أي ركوعين وقد وقع التعبير بالركوع عن الركعة في حديث الحسن البصري عند الشافعي في مسنده ولفظه قال خسف القمر وابن عباس أمير على البصرة فخرج فصلى بنا ركعتين في كل ركعة ركعتين (ويسأل عنها) قال الحافظ يحتمل أن يكون السؤال بالإشارة فلا يلزم التكرار وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي قلابة أنه صلى الله عليه وسلم كان كلما ركع ركعة أرسل رجلا ينظر هل انجلت فتعين الاحتمال المذكور وإن ثبت تعدد القصة زال الإشكال انتهى وقال في المرقاة قال المظهر يشبه أن يكون صلاها مرات
[ 41 ]
قال الطيبي ويسأل الله بالدعاء أن يكشف عنها أو يسأل الناس عن انجلائها أي كلما صلى ركعتين يسأل هل انجلت فالمراد بتكرار الركعتين المرات وهذا بظاهره ينافي الأحاديث المتقدمة ويقرب إلى مذهب أبي حنيفة انتهى كلامه وقال السندي تحت قوله ركعتين ركعتين قيل ركوعين ركوعين في كل ركعة ويبعده ما في بعض الروايات ويسأل عنها قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه في إسناده الحارث ابن عمير أبو عمير البصري استشهد به البخاري ووثقه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي وقال أبو زرعة الرازي ثقة رجل صالح وكان حماد بن زيد يقدمه ويثني عليه وقال ابن حبان كان ممن يروي عن الأثبات الأشياء الموضوعات (لم يكد يركع) أي أطال القيام (فلم يكد يرفع) هذا كناية عن إطالة الركوع (ثم نفخ في آخر سجوده) قال الخطابي وفي الحديث دليل على أن النفخ لا يقطع الصلاة إذا لم يكن له هجاء فيكون كلمة تامة (فقال أف أف) لا يكون كلاما حتى يشدد الفاء في نفخه مشددة فلا يكاد يخرجها فاء فتكون على ثلاثة أحرف من التأفيف كقولك أف لكذا فأما الفاء خفيفة فليس بكلام والنافخ يخرج الفاء صادقة من مخرجها بين الشفة السفلى في مقاديم الأسنان العليا لكنه يخرجها من غير إطباق السن على الشفة ولا تشديد وما كان كذلك لم يكن كلاما وقد قال عامة الفقهاء إذا نفخ في صلاته فسدت صلاته إلا أبا يوسف فإنه قال صلاته جائزة (وقد أمحصت الشمس) معناه انجلت وأصل المحص الخلوص يقال محصت الشئ محصا إذا خلصته من الشوب وأمحص هو إذا أخلص ومنه التمحيص من الذنوب وهو التطهير منها وفي الحديث بيان أن السجود في صلاة الكسوف يطول كما يطول الركوع وقال مالك لم نسمع أن السجود يطول في صلاة الكسوف ومذهب الشافعي وإسحاق بن راهويه يطول السجود كالركوع انتهى كلام الخطابي قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وفي
[ 42 ]
إسناده عطاء بن السائب أخرج له البخاري حديثا مقرونا بأبي بشر وقال أبو أيوب هو ثقة وقال يحيى بن معين لا يحتج بحديثه وفرق الإمام أحمد وغيره بين من سمع منه قديما ومن سمع منه حديثا (قال بينما أنا أترمى) أي أطرح من القوس (بأسهم) جمع سهام (في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني امتثالا لقوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة فإنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم فسرها بالرمي وقال من تعلم الرمي فتركه فليس منا (فنبذتهن) أي وضعت الأسهم وألقيتها (وقلت) في نفسي أو لأصحابي (لأنظرن) أي لأبصرن (ما أحدث) أي تجدد من السنة (حتى حسر) أي أزيل الكسوف وكشف عنها فقرأ بسورتين وركع ركعتين) ولفظ مسلم بينما أنا أرمي بأسهمي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انكسفت الشمس فنبذتهن وقلت لأنظرن ما يحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في انكساف الشمس فانتهيت إليه وهو رافع يديه ويدعو ويكبر ويحمد ويهلل حتى جلي عن الشمس فقرأ سورتين وركع ركعتين وفي الرواية الثانية لمسلم قال فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح ويحمد ويهلل ويكبر ويدعو حتى حسر عنها قال فلما حسر عنها قرأ سورتين وصلى ركعتين قال الطيبي يعني دخل في الصلاة ووقف في القيام الأول وطول التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد حتى ذهب الخسوف ثم قرأ القرآن وركع ثم سجد ثم قال في الركعة الثانية وقرأ فيها القرآن وركع وسجد وتشهد وسلم انتهى وقال النووي في شرح مسلم هذا مما يستشكل ويظن أن ظاهره أنه ابتدأ صلاة الكسوف بعد انجلاء الشمس وليس كذلك فإنه لا يجوز ابتداء صلاتها بعد الانجلاء وهذا الحديث محمول على أنه وجده في الصلاة كما صرح به في الرواية الثانية ثم جمع الراوي جميع ما جرى في الصلاة من دعاء وتكبير وتهليل وتسبيح وتحميد وقراءة سورتين في القيامين اخرين للركعة الثانية وكانت السورتان بعد الانجلاء تتميما للصلاة فتمت جملة الصلاة ركعتين أولها في حال الكسوف وآخرها بعد الانجلاء وهذا الذي ذكرته من تقديره لا بد منه لأنه مطابق للرواية الثانية ولقواعد الفقه ولروايات باقي الصحابة والرواية الأولى محمولة عليه أيضا ليتفق الروايتان ونقل
[ 43 ]
القاضي عن المازري أنه تأوله على صلاة ركعتين تطوعا مستقلا بعد انجلاء الكسوف لا أنها صلاة كسوف وهذا ضعيف مخالف لظاهر الرواية الثانية وقوله هو رافع يديه فيه دليل لأصحابنا في رفع اليدين في القنوت ورد على من يقول لا ترفع الأيدي في دعوات الصلاة انتهى كلام النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي باب الصلاة عند الظلمة ونحوها من الريح والزلازل (عبيدالله بن النضر) بالضاد المعجمة وكلما كان باللام فهو بالمعجمة (فنبادر المسجد) أي نسرع ونسعى إليه لأجل الصلاة وذكر الله وأخرج ابن السني عن جابر مرفوعا إذا وقعت كبيرة أو هاجت ريح مظلمة فعليكم بالتكبير فإنه يجلي العجاج الأسود وأخرج عبد بن حميد عن أبي بن كعب أن ريحا هاجت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبها رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبها فإنها مأمورة ولكن قل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أمرت بها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أمرت به وأخرج الشافعي عن علي أنه صلى في زلزلة ست ركعات في أربع سجدات خمس ركعات وسجدتين في ركعة وركعة وسجدتين في ركعة قال الشافعي ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي لقلنا به ورواه البيهقي أيضا وقال هو ثابت عن ابن عباس وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن الحارث أن عبد الله بن العباس بينا هو بالبصرة وهو أمير عليها استعمله علي بن أبي طالب إذ زلزلت الأرض فانطلق إلى المسجد والناس معه فكبر أربع ركعات يطيل فيهن القراءة ثم ركع ثم قال سمع الله لمن حمده ثم كبر أربعا يطيل فيهن القيام ثم ركع ثم قال سمع الله لمن حمده ثم كبر أربعا يطيل فيهن القيام ثم ركع ثم قال سمع الله لمن حمده ثم سجد سجدتين ثم قال فكبر أربعا يطيل فيهن القيام ثم ركع ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام فكبر أربعا يطيل فيهن القيام ثم ركع ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام فكبر
[ 44 ]
أربعا يطيل فيهن القيام ثم ركع ثم قال سمع الله لمن حمده ثم سجد سجدتين فكانت أربعا وعشرين تكبيرة وأربع سجدات وقال هذه صلاة الآيات كذا في كنز العمال قال المنذري تحت حديث أنس حكى البخاري في التاريخ فيه اضطرابا باب السجود عند الآيات (ماتت فلانة) أي صفية وقيل حفصة (بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) بالربدل أو بيان أو خبر مبتدأ محذوف والنصب بتقدير يعنون (فخر) أي سقط ووقع (ساجدا) آتيا بالسجود (فقيل له تسجد) بحذف الاستفهام (في هذه الساعة) أي في الساعة التي وصل إليك خبر موتها (إذا رأيتم آية) أي علامة مخوفة قال الطيبي قالوا المراد بها العلامات المنذرة بنزول البلايا والمحن التي يخوف الله بها عباده ووفاة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الآيات لأنهن ضممن إلى شرف الزوجية شرف الصحبة وقد قال صلى الله عليه وسلم أنا أمنة أصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة أهل الأرض الحديث فهن أحق بهذا المعنى من غيرهن فكانت وفاتهن سالبة للأمنة وزوال الأمنة موجب الخوف (فاسجدوا) قال الطيبي هذا مطلق فإن أريد بالآية خسوف الشمس والقمر فالمراد بالسجود الصلاة وإن كانت غيرها كمجئ الريح الشديدة والزلزلة وغيرهما فالسجود هو المتعارف ويجوز الحمل على الصلاة أيضا لما ورد كان إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة (وأي آية أعظم) لأنهن ذوات البركة فبحياتهن يدفع العذاب عن الناس ويخاف العذاب بذهابهن فينبغي الالتجاء إلى ذكر الله والسجود عند انقطاع بركتهن ليندفع العذاب ببركة الذكر والصلاة كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه هذا آخر كلامه وفي إسناده سلم بن جعفر قال يحيى بن كثير العنبري كان ثقة وقال الموصلي متروك الحديث لا يحتج به وذكر هذا الحديث
[ 45 ]
كتاب أبواب صلاة السفر صلاة المسافر أي أبواب صلاة السفر وما يتفرع عليها من المسائل والأحكام (قالت فرضت الصلاة ركعتين إلخ) اختلف العلماء في القصر في السفر فقال الشافعي ومالك بن أنس وأكثر العلماء يجوز القصر والإتمام والقصر أفضل وقال أبو حنيفة وكثيرون القصر واجب ولا يجوز الإتمام ويحتجون بأن أكثر فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان القصر واحتج الشافعي وموافقوه بالأحاديث المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم القاصر ومنهم المتم ومنهم الصائم ومنهم المفطر لا يعيب بعضهم على بعض وبأن عثمان كان يتم وكذلك عائشة وغيرها وهو ظاهر قول الله عز وجل فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة وهذا يقتضي رفع الجناح والإباحة وأما حديث فرضت الصلاة ركعتين فمعناه فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتم أقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار وثبتت دلائل جواز الإتمام فوجب المصير إليها والجمع بين دلائل الشرع ذكره النووي وقال الخطابي هذا قول عائشة عن نفسها وليست برواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بحكاية عن قوله وقد روي عن ابن عباس مثل ذلك عن قوله فيحتمل أن يكون الأمر في ذلك كما قالاه لأنهما فقيهان عالمان وقد شهدا زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحباه وإن لم يكونا شهدا أول زمان الشريعة وقت إنشاء فرض الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة فرضت عليه بمكة ولم تكن عائشة
[ 46 ]
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالمدينة ولم يكن ابن عباس في ذلك الزمان في سن من يعقل الأمور ويعرف حقائقها ولا يبعد أن يكون قد أخذ هذا الكلام عن عائشة فإنه قد يفعل ذلك كثيرا في حديثه وإذا فتشت عن أكثر ما يرويه كان ذلك سماعا عن أكثر الصحابة وإذا كان كذلك فإن عائشة نفسها قد ثبتت عنها أنها كانت تتم في السفر وتصلي أربعا انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (عبد الله بن بابيه) بموحدة فألف فموحدة ثانية مفتوحة فمثناة تحت ويقال باباه كذا في المغني (عن يعلى بن أمية) مصغرا أسلم يوم الفتح وشهد حنيفا والطائف وتبوك (ذهب ذلك اليوم) أي وذهب الخوف فما وجه القصر (عجبت مما عجبت منه) وفي رواية لمسلم عجبت ما عجبت منه والرواية الأولى هي المشهورة المعروفة قاله النووي (فقال صدقة إلخ) أي صلاة القصر صدقة من الله تعالى وفيه جواز قول القائل تصدق الله علينا واللهم تصدق علينا وقد كرهه بعض السلف قال النووي وهو غلط ظاهر وأعلم أنه قد اختلف أهل العلم هل القصر واجب أم رخصة والتمام أفضل فذهب إلى الأول الحنفية وروي عن علي وعمر ونسبه النووي إلى كثير من أهل العلم قال الخطابي في المعالم كان مذاهب أكثر علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن القصر هو الواجب في السفر وهو قول علي وعمر وابن عمر وابن عباس وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن وقال حماد بن أبي سليمان يعيد من يصلي في السفر أربعا وقال مالك يعيد ما دام في الوقت انتهى كلام الخطابي وإلى الثاني الشافعي ومالك وأحمد قال النووي وأكثر العلماء وروي عن عائشة وعثمان وابن عباس قال ابن المنذر وقد أجمعوا على أنه لا يقصر في الصبح ولا في المغرب قال النووي ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح وذهب بعض إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة وعن بعضهم كونه سفر طاعة
[ 47 ]
(فاقبلوا صدقته) أي سواء حصل الخوف أم لا إنما قال في الآية إن خفتم لأنه قد خرج مخرج الأغلب فحينئذ لا تدل على عدم القصر إن لم يكن خوش وأمر فاقبلوا ظاهره الوجوب فيؤيد قول من قال إن القصر عزيمة وقد قال البغوي أكثرهم على وجوب القصر وقال الخطابي في هذا الحديث حجة لمن ذهب إلى أن الإتمام هو الأصل ألا ترى أنهما قد تعجبا من القصر مع عدم شرط الخوف فلو كان أصل صلاة المسافر ركعتين لم يتعجبا لو من ذلك فدل على أن القصر إنما هو عن أصل كامل قد تقدمه فحذف بعضه وأبقى بعضه وفي قوله عليه السلام صدقة تصدق الله بها عليكم دليل على أنه رخصة رخص لهم فيها والرخصة إنما تكون إباحة لا عزيمة انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (رواه أبو عاصم وحماد بن مسعدة) وروح بن عبادة كلهم عن ابن جريج (كما رواه ابن بكر) أي محمد بن بكر عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه وحديث روح عند الطحاوي وحديث أبي عاصم عند الدارمي لكن بلفظ أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي عمار وأما عبد الرزاق وكذا يحيى عند مسلم فقالا عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بابية وأما عبد الله بن إدريس عند مسلم والنسائي وابن ماجه فقال عن ابن جريج عن ابن أبي عمار فأشار المؤلف إلى هذا الاختلاف كذا في غاية المقصود باب متى يقصر المسافر وفي صحيح البخاري باب في كم يقصر الصلاة
[ 48 ]
(إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال) اختلف في تقدير الميل فقال في الفتح الميل هو من الأرض منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفني إدراكه وبذلك جزم الجوهري وقيل أن ينظر إلى الشخص في أرض مستوية فلا يدري أرجل هو أم امرأة أم ذاهب أو آت قال النووي الميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضة معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة قال الحافظ وهذا الذي قال هو الأشهر ومنهم من عبر عن ذلك باثني عشر ألف قدم بقدم الإنسان وقيل هو أربعة آلاف ذراع وقيل ثلاثة آلاف ذارع نقله صاحب البيان وقيل خمسمائة وصححه ابن عبد البر وقيل ألفا ذراع ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل قال ثم إن الذارع الذي ذكره النووي تحريره قد حرر غيره بذراع الحديد المشهور في مصر والحجاز في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن فعلى هذا فالميل بذراع الحديد في القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا (أو ثلاثة فراسخ) الفرسخ في الأصل السكون ذكره ابن سيده وقيل السعة وقيل الشئ الطويل وذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب وهو ثلاثة أميال واعلم أنه قد وقع الخلاف الطويل بين علماء الاسلام في مقدار المسافة التي يقصر فيها الصلاة قال في الفتح فحكى ابن المنذر وغيره فيها نحوا من عشرين قولا أقل ما قيل في ذلك يوم وليلة وأكثره ما دام غائبا عن بلده وقيل أقل ما قيل في ذلك الميل كما رواه ابن شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر وإلى ذلك ذهب ابن حزم الظاهري واحتج له بإطلاق السفر في كتاب الله تعالى كقوله وإذا ضربتم في الأرض الآية وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلم يخص الله ولا رسوله ولا المسلمون بأجمعهم سفرا من سفر ثم احتج على ترك القصر فيما دون الميل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى البقيع لدفن الموتى وخرج إلى الفضاء للغائط والناس معه فلم يقصر ولا أفطر وقد أخذ بظاهر حديث أنس المذكور في الباب الظاهرية كما قال النووي فذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال قال في الفتح وهو أصح حديث ورد في ذلك وأصرحه وقد حمله من خالفه على أن المراد المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر قال ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راوية عن أنس قال سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس فذكر الحديث قال فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدئ القصر منه وذهب الشافعي ومالك وأصحابهما والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم إلى أنه لا يجوز إلا في مسيرة مرحلتين
[ 49 ]
وهما ثمانية وأربعون ميلا هاشمية كما قال النووي وقال أبو حنيفة والكوفيون لا يقصر في أقل من ثلاث مراحل وقد أورد البخاري ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة يعني قوله في صحيحه وسمى النبي صلى الله عليه وسلم السفر يوما وليلة بعد قوله باب في كيقصر الصلاة وقال الخطابي إن ثبت هذا الحديث كانت الثلاثة فراسخ حدا فيما تقصر فيه الصلاة إلا أني لا أعرف أحدا من الفقهاء يقول به وقد روي عن أنس أنه كان يقصر الصلاة فيما بينه وبين خمسة فراسخ وعن ابن عمر أنه قال إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر وعن علي أنه خرج إلى البجيلة يكون فصلى بهم الظهر ركعتين ثم رجع من يومه وقال عمرو بن دينار قال لي جابر بن زيد أقصر بعرفة فأما مذهب الفقهاء فإن الأوزاعي قال عامة العلماء يقولون مسيرة يوم تام وبهذا نأخذ وقال مالك القصر من مكة إلى عسفان وإلى الطائف وإلى جدة وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق وإلى نحوه أشار الشافعي حين قال ليلتين قاصدتين وروي عن الحسن والزهري قريب من ذلك قالا يقصر في مسيرة يومين واعتمد الشافعي في ذلك قول ابن عباس حين سئل فقيل له نقصر إلى عرفة قال لا ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف وروي عن ابن عمر مثل ذلك وهو أربعة برد وهذا عن ابن عمر أصح الروايتين وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي لا يقصر إلا في مسافة ثلاثة أيام انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم (العصر بذي الحليفة ركعتين) وقد استدل بذلك على إباحة القصر في السفر القصير لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال وتعقب بأن ذا الحليفة لم تكن منتهى السفر وإنما خرج إليها حيث كان قاصدا إلى مكة واتفق نزوله بها وكانت أول صلاة حضرت صلاة العصر فقصرها واستمر يقصر إلى أن رجع قال في المرقاة لا يجوز القصر إلا بعد مفارقته بنيان البلد عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد ورواية عن مالك وعنه أنه يقصر إذا كان من المصر على ثلاثة أميال وقال بعض التابعين إنه يجوز أن يقصر من منزله وروى ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه أنه خرج من البصرة فصلى الظهر أربعا ثم قال إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
[ 50 ]
باب الأذان في السفر (أبا عشانة) بضم العين المهملة وتشديد الشين المعجمة (يعجب ربك) أي يرضي قال النووي التعجب على الله محال إذ لا يخفى عليه أسباب الأشياء والتعجب إنما يكون مما خفي سببه فالمعنى عظم ذلك عنده وكبر وقيل معناه الرضا والخطاب إما للراوي أو لواحد من الصحابة غيره وقيل الخطاب عام (من راعي غنم) اختار العزلة من الناس (في رأس شظية بجبل) بفتح الشين المعجمة وكسر الظاء المعجمة وتشديد التحتانية أي قطعة من رأس الجبل وقيل هي الصخرة العظيمة الخارجة من الجبل كأنها أنف الجبل (يؤذن للصلاة ويصلي) وفائدة تأذينه إعلام الملائكة والجن بدخول الوقت فإن لهم صلاة أيضا وشهادة الأشياء على توحيده ومتابعة سنته والتشبه بالمسلمين في جماعتهم وقيل إذا أذن وأقام تصلي الملائكة معه ويحصل له ثواب الجماعة والله أعلم (فيقول الله عزوجل) أي لملائكه مع وأرواح المقربين عنده (انظروا إلى عبدي هذا) تعجيب للملائكة من ذلك الأمر بعد التعجب لمزيد التفخيم وكذا تسميته بالعبد وإضافته إلى نفسه والإشارة بهذا تعظيم على تعظيم (يخاف مني) أي يفعل ذلك خوفا من عذابي لا ليراه أحد وفي الحديث دليل على استحباب الأذان والإقامة للمنفرد (قد غفرت لعبدي) فإن الحسنات يذهبن السيئات (وأدخلته الجنة) فإنها دار المثوبات قال المنذري رجال إسناده ثقات باب المسافر يصلي في الطريق (وهو) المسافر المصلي (يشك في الوقت) هل جاء وقت الصلاة أم لا فلا
[ 51 ]
اعتبار لشكه وإنما الاعتماد في معرفة الأوقات على الإمام فإن تيقن الإمام على مجئ الوقت فلا يعتبر بشك بعض الأتباع (فقلنا زالت الشمس أو لم تزل) الشمس أي لم يتيقن أنس وغيره بزوال الشمس ولا بعدمه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان أعرف الناس للأوقات فلا يصلي الظهر إلا بعد الزوال وفيه دليل إلى مبادرة صلاة الظهر بعد الزوال معا من غير تأخير سكت عنه المنذري (إذا نزل منزلا) أي قبيل الظهر لا مطلقا كيف وقد صح عن أنس إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر (وإن كان بنصف النهار) متعلق بما يفهم من السياق من التعجيل أي يعجل ولا يبالي بها وإن كان بنصف النهار والمراد قرب نصف النهار إذ لا بد من الزوال قاله السندي قال المنذري والحديث أخرجه النسائي قلت وبوب باب تعجيل الظهر في السفر انتهى وبوب ابن أبي شيبة في مصنفه باب من قال إذا كنت في سفر فقل أزالت الشمس أم لا وأورد فيه رواية جرير عن مسحاج بن موسى الضبي قال سمعت أنس بن مالك يقول لمحمد بن عمرو إذا كنت في سفر فقلت أزالت الشمس أو لم تزل أو انتصف النهار أو لم ينتصف فصل قبل ان يرتحل ومن طريق منصور بن الحكم قال إذا كنت في سفر فقلت زالت الشمس أو لم تزل فصل انتهى قال المذري وأخرجه النسائي باب الجمع بين الصلاتين قال الشافعي والأكثرون يجزو الجمع بين الظهر والعصر في وقت أيتهما شاء وبين
[ 52 ]
المغرب والعشاء في وقت أيتهما شاء وشرط الجمع في وقت الأولى أن يقدمها وينوي الجمع قبل فراغه من الأولى وأن لا يفرق بينهما وإن أراد الجمع في وقت الثانية وجب أن ينويه في وقت الأولى ويكون قبل ضيق وقتها بحيث يبقى من الوقت ما يسع تلك الصلاة فأكثر فإن أخرها بلا نية عصى وصارت قضاء وإذا أخرها بالنية استحب أن يصلي الأولى أولا وأن ينوي الجمع وأن لا يفرق بنيهما قاله النووي (فكان رسول الله يجمع بين الظهر والعصر الخ) قال الخطابي في هذا بيان واضح أن الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة وبغير المزدلفة جائز وفيه أن الجمع بين الصلاتين لمن كان نازلا في السفر غير سائر جائز وقد اختلف الناس في الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة بعرفة والمزدلفة فقال قوم لا يجمع بين الصلاتين فيصلي كل واحدة منهما في وقتها روى ذلك عن إبراهيم النخعي وحكاه عن أصحاب عبد الله وكان الحسن ومكحول يكرهان الجمع في السفر بين الصلاتين وقال أصحاب الرأي إذا جمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها فلا يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يجمع بينهما كذلك وقال كثير من أهل العلم يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما إن شاء قدم العصر وإن شاء أخر الظهر على ظاهر الأخبار المروية في هذا الباب هذا قول ابن عباس وعطاء بن أبي رباح وسالم بن عبد الله وطاووس ومجاهد وبه قال الشافعي وإسحاق بن راهويه وقال أحمد بن حنبل إن فعل ذلك لم يكن به بأس قال الخطابي فدل على صحة ما ذهب إليه هؤلاء حديث ابن عمر وأنس عن النبي وقد ذكرهما أبو داود في هذا الباب انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (استصرخ على صفية) يقال استصرخ به إذا أتاه الصارخ وهو المصوت يعلمه بأمر
[ 53 ]
حادث يستعين به عليه أو ينعي له ميتا والاستصراخ الاستغاثة كذا في النهاية والمراد ههنا إعلام أمر موتها أي أنه أخبر بموتها (فنزل فجمع بينهما) قال الخطابي ظاهر اسم الجمع عرفا لا يقع على من أخر الظهر حتى صلاها في آخر وقتها وعجل العصر فصلاها في أول وقتها لأن هذا قد صلى كل صلاة منهما في وقتها الخاص منها وإنما الجمع المعروف بينهما أن تكون الصلاتان معا في وقت إحداهما ألا ترى أن الجمع بعرفة والمزدلفة كذلك ومعقول أن الجمع بين الصلاتين من الرخص العامة لجميع الناس عامهم وخاصهم ومعرفة أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة وإذا كان كذلك كان في اعتبار الساعات على الوجه الذي ذهبوا إليه مما يبطل أن تكون هذه الرخصة عامة على ما فيه من المشقة المرتبة على تفريق الصلوات في أوقاتها المؤقتة انتهى قلت وحديث ابن عمر هذا استدل به من قال باختصاص رخصة الجمع في السفر بمن كان سائرا لا نازلا وأجيب عن ذلك بما وقع من التصريح في حديث معاذ بن جبل المذكور بلفظ خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج قال الشافعي في الأم قوله ثم دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل فالمسافر أن يجمع نازلا ومسافرا وقال ابن عبد البر هذا أوضح دليل في الرد على من قال لا يجمع إلا من جد به السير وهو قاطع للالتباس وهذه الأحاديث تخصص أحاديث الأوقات التي بينها جبريل وبينها النبي للأعرابي حيث قال في آخرها الوقت ما بين هذين الوقتين قال المنذري وأخرجه الترمذي من حديث عبيدالله بن عمر عن نافع وقال حسن صحيح وأخرجه النسائي من حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه بمعناه أتم منه وقد أخرج المسند منه بمعناه مسلم والنسائي من حديث مالك عن نافع (تبوك) غير منصرف على المشهور وهو موضع قريب من الشام (إذا زاغت) أي مالت (الشمس) أي عن وسط السماء إلى جانب المغرب أراد به الزوال (جمع بين الظهر والعصر)
[ 54 ]
قال المنذري وحكي عن أبي داود أنه أنكر وقال المنذري وقد حكي عن أبي داود أنه قال ليس في تقديم الوقت حديث قائم (رواه هشام بن عروة) أخرج الدارقطني في سننه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج حدثني حسين بن عبد الله بن عبيدالله بن عباس عن عكرمة وعن كريب مولى ابن عباس قال ألا أخبركم عن صلاة رسول الله في السفر قلنا بلى قال كان إذا زاغت له الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب وإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر وإذا حانت له المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما قال الدارقطني روى هذا الحديث حجاج عن ابن جريج قال أخبرني حسين عن كريب وحده عن ابن عباس ورواه عثمان بن عمر عن ابن جريج عن حسين عن عكرمة عن ابن عباس ورواه عبد المجيد عن ابن جريج سمعه أولا من هشام بن عروة عن حسين عن كريب عن ابن عباس وكلهم ثقات فاحتمل أن يكون ابن جريج سمعه أولا من هشام بن عروة عن حسين كقول عبد المجيد عنه ثم لقي ابن جريج حسينا فسمعه منه كقول عبد الرزاق وحجاج عن ابن جريج حدثني حسين واحتمل أن يكون حسين سمعه من عكرمة ومن كريب جميعا عن ابن عباس وكان يحدث به مرة عنهما جميعا كرواية عبد الرزاق عنه ومرة عن كريب وحده كقول حجاج وابن أبي رواد ومرة عن عكرمة وحده عن ابن عباس كقول عثمان بن عمرو تصح الأقاويل كلها انتهى وفي التلخيص وروى إسماعيل القاضي في الأحكام عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن كريب عن ابن عباس انتهى قال المنذري وذكر أبو بكر بن محمد بن عبد الله الأندلسي أن حديث ابن عباس في الباب صحيح وليس له علة ويشبه أن يكون سكن إلى ما رآه في كتاب الدارقطني من جوابه على اختلاف الطرق فيه وحسين بن عبد الله هذا هو أبو عبد الله حسين الهاشمي المديني ولا يحتج بحديثه انتهى مختصرا
[ 55 ]
(ما جمع رسول الله) قال المنذري في إسناده عبد الله بن نافع أبو محمد المخزومي مولاهم المدني الصائغ قال يحيى بن معين ثقة وقال أبو زرعة الرازي لا بأ س به وقال الإمام أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث كان ضيقا فيه وكان صاحب رأي وكان يفتي أهل المدينة برأي مالك ولم يكن في الحديث بذاك وقال البخاري يعرف حفظه وينكر وقال أبو حاتم الرازي ليس بالحافظ هو لين يعرف حفظه وينكر وكتابه أصح انتهى فلم يثبت حديث ابن عمر مرفوعا وإنما روي موقوفا عليه فروى أيوب عن نافع عنه أنه لم ير ابن عمر جمع بينهما إلا تلك الليلة وروى مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين (في غير خوف ولا سفر) قال المنذري قال مالك أرى ذلك كان في مطر وأخرجه مسلم والنسائي وليس فيه كلام مالك وقال الخطابي وقد اختلف الناس في جواز الجمع بين الصلاتين للمطر في الحضر فأجازه جماعة من السلف وروي ذلك عن ابن عمر وفعله عروة وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة وعامة فقهاء المدينة وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل غير أن الشافعي اشترط أن يكون المطر قائما في وقت افتتاح الصلاتين معا وكذلك قال أبو ثور ولم يشترط ذلك غيرهما وكان مالك يرى أن يجمع الممطور بينهما في الطين وفي حال الظلمة وهو قول عمر بن عبد العزيز وقال
[ 56 ]
الأوزاعي وأصحاب الرأي يصلي الممطور كل صلاة في وقتها انتهى (قال في سفرة سافرناها إلى تبوك) قال المنذري وحديث قرة هذا الذي ذكره أبو داود وأخرجه مسلم في صحيحه انتهى قلت ولفظ مسلم من طريق قرة قيل أخبرنا أبو الزبير قال أخبرنا سعيد بن جبير قال أخبرنا ابن عباس أن رسول الله جمع بين الصلاة في سفرة سافرناها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال سعيد فقلت لابن عباس ما حمله على ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته (أراد أن لا يحرج أمته) قال الخطابي هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء وإسناده جيد إلا ما تكلموا فيه من أمر حبيب وكان ابن المنذر يقول به ويحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث وسمعت أبا بكر القفال يحكيه عن أبي إسحاق المروزي وحكى عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسا أن يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شئ مما لا يتخذه عادة وتأوله بعضهم على أن يكون ذلك في حال المرض قال ابن المنذر ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه وهو قوله أراد أن لا يحرج امته وقد اختلف الناس في ذلك فرخص فيه عطاء بن ابي رباح للمريض في الجمع بين الصلاتين وهو قول مالك وأحمد بن حنبل وقال أصحاب الرأي يجمع المريض بين الصلاتين إلا أنهم أباحوا ذلك على شرطهم في جمع المسافر بينهما ومنع ذلك الشافعي في الحضر إلا للممطور انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (محمد بن فضيل عن أبيه) فضيل بن غزوان ومحمد وأبوه فضيل كلاهما ثقتان والحديث سكت عنه المنذري وفي هذا دليل على معنى الجمع الصوري الذي تأول به
[ 57 ]
الحنفية أحاديث الجمع بين الصلاتين ويجئ تحقيق الكلام فيه (رواه ابن جابر) هو عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر (نحو هذا) أي نحو حديث فضيل بن غزوان (عن ابن جابر بهذا المعنى) وحديث عبد الرحمن ابن يزيد عن جابر وصله الطحاوي من طريق بشر بن بكر قال حدثني ابن جابر حدثني نافع ولفظه حتى إذا كان في آخر الشفق نز فصلى المغرب ثم صلى العشاء ووصله الدارقطني من طريق الوليد بن مزيد سمعت أبو جابر حدثني نافع نحوه (حتى إذا كان) أي ابن عمر (عند ذهاب الشفق) وهو آخر المغرب (صلى بنا رسول الله بالمدينة) أي ثمان ركعات أربعا للظهر وأربعا للعصر وسبع ركعات ثلاثا للمغرب وأربعا للعشاء وأورد البخاري هذا الحديث في باب تأخير الظهر إلى العصر من طريق عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء فقال أيوب لعله في ليلة مطيرة قال عسى وأخرج البخاري في كتاب التهجد من طريق سفيان عن عمرو سمعت أبا الشعثاء جابرا سمعت ابن
[ 58 ]
عباس قال صليت مع رسول الله ثمانيا جميعا وسبعا جميعا قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وعجل العشاء وأخر المغرب قال وأنا أظنه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي قال أبو داود ورواه صالح مولى التؤمة عن ابن عباس قال في غير مطر هذا آخر كلامه وصالح هذا هو ابن نبهان المدني وقد تكلم فيه غير واحد والتؤمة سعيد هي بنت أمية بن خلف كان معها أخت لها في بطن وفي مسلم قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال وأنا أظن ذلك وفي البخاري معناه وأدرج هذا الكلام في الحديث في كتاب النسائي وفي كتاب البخاري فقال أقول لعله في ليلة مطيرة قال عسى (فجمع بينهما بسرف) بكسر الراء اسم موضع قريب بمكة قال المنذري وأخرجه النسائي في إسناده يحيى الجاري قال البخاري يتكلمون فيوذكر أبو داود عن هشام بن سعد قال بينهما عشرة أميال يعني بين مكة وسرف هذا آخذ كلامه وقد ذكر غيره أن سرف على ستة أميال من مكة وقيل سبعة وقيل تسعة وقيل اثني عشر وهي بفتح السين وكسر الراء المهملتين وبعدها فاء (قال) أي الليث (قال ربيعة يعني كتب) ربيعة (إليه) إلى الليث (حدثني) القائل حدثني هو ربيع والمعنى الليث بن سعد يروي عن ربيعة مكاتبة ويروي ربيعة عن عبد الله بن دينار (حتى غاب الشفق) قال ابن الأثير الشفق من الأضداد يقع على الحمرة التي ترى في المغرب بعد مغيب الشمس وبه أخذ الشافعي وعلى البياض الباقي في الأفق الغربي بعد
[ 59 ]
الحمرة المذكورة وبه أخذ أبو حنيفة انتهى (وتصوبت النجوم) أي اجتمعت (ثم أنه) أي عبد الله بن عمر (ثم قال) ابن عمر (إذا جدبه السير) أي اشتد قاله صاحب المحكم وقال عياض جدبه السير أي أسرع كذا قال وكأنه نسب الإسراع إلى السير توسعا كذا في الفتح وقال ابن الأثير أي إذا اهتم به وأسرع فيه يقال جد يجد ويجد بالضم والكسر وجدبه الأمر وجد فيه إذا اجتهد انتهى ولفظ الموطأ إذا عجله السير وفي رواية للبخاري إذا أعجله السير وتعلق به من اشترط في الجمع الجد في السير ورده الحافظ بن عبد البر بأنه إنما حكى الحال التي رأى ولم يقل لا يجمع إلا أن يجد به فلا يعارض حديث معاذ قبله وفي هذا الحديث دليل واضح على أن الجمع بينهما من ابن عمر كان بعد غروب الشفق وهذا هو الصحيح المشهور من فعله (رواه عاصم بن محمد عن أخيه) عمر بن محمد (عن سالم) وهذا التعليق وصله الدار قطني بإسناده إلى عاصم بن محمد عن أخيه عمر ابن محمد عن نافع وعن سالم قال أتى عبد الله بن عمر خبر من صفية فأسرع السير ثم ذكر عن النبي نحوه وقال بعد أغاب الشفق (ورواه ابن أبي نجيح) هو عبد الله (عن إسماعيل بن عبد الرحمن ابن ذؤيب) أو ابن أبي ذؤيب الأسدي المدني وهذا التعليق وصله الطحاوي من طريق ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن أبي ذؤيب قال كنت مع ابن عمرو فيه فسار حتى ذهبت فحمة العشاء ورأينا بياض الأفق فنزل فصلى ثلاثا المغرب واثنين العشاء الحديث (أن الجمع بينهما من ابن عمر كان بعد غيوب الشفق) الجمع من ابن عمر بعد غيوب الشفق هو الصحيح المشهور من فعله وهكذا رواه عن عبد الله بن عمر خمسة من حفاظ أصحابه كأسلم مولى عمر وحديثه عند البخاري في الجهاد من طريق أسلم عن ابن عمر في هذه القصة حتى كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء جمعا بينهما وكعبد الله بن دينار وتقدم حديثه وكإسماعيل بكر بن أبي ذؤيب وتقدم حديثه أيضا وكسالم قد بن عبد الله المدني وتقدم حديثه أيضا ولفظ البخاري من طريق الزهري عن سالم عن نافع وفيه فقلت له الصلاة فقال سر حتى صار ميلين أو ثلاثة ثم نزل فصلى الحديث وكنافع وفي مولى ابن عمر وأما عبد الله بن واقد فخالفهم والعدد الكثير أولى
[ 60 ]
بالحفظ وعبد الله بن واقد مقبول وهؤلاء ثقات إثبات فلا يعتبر بروايته مع وجود رواية هؤلاء الحفاظ لكن اختلف على نافع فروى من حفاظ أصحاب نافع عنه أن نزوله كان بعد غيوب الشفق كعبيد الله بن عمر عن نافع عند مسلم أن ابن عمر جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق وكالليث كل عنه عند الطحاوي ولفظه فسار حتى هم الشفق أن يغيب وأصحابه ينادونه للصلاة فأبى عليهم حتى إذا أكثروا عليه قال إني رأيت رسول الله يجمع بين هاتين الصلاتين وأنا أجمع بينهما وكأيوب وموسى بن عقبة عن نافع فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنهما ورواية أيوب عند الطحاوي ورواية موسى بن عقبة عند الدارقطني أيضا وروى يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله إذا جدبه السير جمع بين المغرب والعشاء إلى ربع الليل وأما فضيل بن غزوان من أصحاب نافع فروى عنه أن نزوله كان قبل غيوب الشفق فصلى المغرب ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء وهذه الجملة قد تفرد بها فضيل بين ثقات أصحاب نافع ما قالها أحد غيره وفضيل وإن كان ثقة لكن لا شك أنه دون عبيدالله بن عمر في الحفظ والإتقان والثبات حتى قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع وأنه دون أيوب السختياني فإن أيوب ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد ودون موسى بن عقبة فإنه ثقة فقيه إمام في المغازي ودون الليث بن سعد فإنه ثقة ثبت فقيه إمام مشهور فحديث فضيل شاذ لا يقبل وأما ابن جابر عن نافع فقال حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم العشاء وأما عبد الله بن العلاء عن نافع فقال حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما وتقدم حديثهما وأما عطاف بن خالد المخزومي عن نافع فقال حتى إذا كاد الشفق أن يغيب نزل فصلى المغرب وغاب الشفق فصلى العشاء وحديثه عند الطحاوي والدارقطني وأما أسامة بن زيد عنه فقال حتى إذا كان عند غيبوبة الشفق نزل فجمع بينهما أخرجه الطحاوي فابن جابر وعبد الله بن العلاء وإن كانا ثقتين لكن لا يساويان الحفاظ الأربعة المذكورة من أصحاب نافع وعطاف صدوق يهم وأسامة ضعيف وعلى أن ليس في حديث ابن جابر وعبد الله بن العلاء أن ابن عمر صلى المغرب قبل غيوب الشفق وإنما في حديثهما أنه نزل عند غيبوبة الشفق وثبت في روايات الحفاظ الأربعة من أصحاب نافع وكذا في رواية أسلم وعبد الله بن دينار وإسماعيل بن أبي ذؤيب من أجلاء حفاظ أصحاب ابن عمر أنه صلى المغرب بعد غيوب
[ 61 ]
الشفق بل في رواية سالم أن ابن عمر سار بعد غيوب الشمس ميلين أو ثلاثة أميال ثم نزل فصلى فروايات هؤلاء الثقات الأثبات مقدمة عند التعارض ومفسرة لإبهام رواية غيرهم انتهى مختصرا من غاية المقصود (إذا ارتحل في سفره (قبل أن تزيغ الشمس) أي قبل الزوال (أي قبل أن يرتحل صلى الظهر) أي وحده وهو المحفوظ من رواية عقيل في الصحيحين ومقتضاه أنه كان لا يجمع بين الصلاتين إلا في وقت الثانية منهما وبه احتج من أبى جمع التقديم لكن روى إسحاق بن راهويه من هذا الحديث عن شبابة بن سوار عن الليث عن عقيل عن الزهري عن أنس وفيه إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل أخرجه الإسماعيلي وأعل بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة بن سوار ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق وليس ذلك بقادح فإنهما إمامان حافظان وقال النووي إسناده صحيح كذا في الفتح والتلخيص وأخرج الحاكم في الأربعين حدثنا محمد بن يعقوب هو الأصم حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني وهو أحد شيوخ مسلم حدثنا حسان بن عبد الله الواسطي عن المفضل بن فضالة عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس أن النبي كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب قال الحافظ سنده صحيح وقال الحافظ صلاح الدين العلائي سنده جيد وفي رواية أبي نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم كان النبي إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل فقد أفادت رواية الإسماعيلي والحاكم وأبي نعيم ثبوت جمع التقديم من فعله ولا يتصور فيه الجمع الصوري وهذه الروايات صحيحة كما قال الحافظ في بلوغ المرام والفتح إلا أنه قال ابن القيم إنه اختلف في رواية الحاكم فمنهم من صححها ومنهم من حسنها ومنهم من قدح فيها وجعلها موضوعة وهو الحاكم فإنه حكم بوضعه ثم ذكر كلام الحاكم في وضع الحديث ثم رده ابن القيم واختار أنه ليس بموضوع وسكوت ابن حجر هنا عليه وجزمه بأنه بإسناد صحيح يدل على رده لكلام الحاكم
[ 62 ]
وأما رواية المستخرج والإسماعيلي فإنه لا مقال فيها ويؤيد صحته حديث معاذ المتقدم ولفظه لجمع التأخير كليهما لكن حديث أنس الآتي من طريق قتيبة عن الليث هو كالتفصيل للمجمل ويؤيده أيضا حديث مسلم من طريق حكم بن عتيبة عن أبي جحيفة قال خرج رسول الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة قال النووي فيه دليل على القصر والجمع في السفر وفيه أن الأفضل لمن أراد الجمع وهو نازل في وقت الأولى أن يقدم الثانية إلى الأولى انتهى ولفظ البخاري في باب سترة الإمام سترة لمن خلفه من طريق عون بن أبي جحيفة قال سمعت أبي يحدث أن النبي صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة الظهر ركعتين والعصر ركعتين وأخرجه أيضا في عدة مواضع وله ألفاظ وأورد دلائل إثبات جمع التقديم الحافظ في الفتح وإلى جواز الجمع للمسافر تقديما وتأخيرا ذهب الشافعي ومالك وأحمد وغيرهم وقال الأوزاعي يجوز للمسافر جمع التأخير فقط دون جمع التقديم وهو رواية عن مالك وأحمد بن حنبل واختاره ابن حزم الظاهري وقد عرف مما تقدم أن أحاديث جمع التقديم بعضها صحيح وبعضها حسن وذلك يرد ما حكي عن أبي داود أنه قال ليس في جمع التقديم حديث قائم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وليس في حديث البخاري ويؤخر المغرب (لم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده) وقال المنذري وروى علي بن المديني عن أحمد بن حنبل عن قتيبة هذا الحديث وحديث معاذ حسرغريب تفرد به قتيبة لا نعرف أحدا
[ 63 ]
رواه عن الليث غيره وحديث الليث عن يزيد ابن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ حديث غريب والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ انتهى وقال المنذري وذكر أبو سعد بن يونس الحافظ لم يحدث به إلا قتيبة وقال إنه غلط فيه فغير بعض الأسماء وأن موضع يزيد بن أبي حبيب أبو الزبير وذكر الحاكم أبو عبد الله أن الحديث موضوع وقتيبة بن سعيد ثقة مأمون وحكى عن البخاري أنه قال قلت لقتيبة بن سعيد مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل فقال كتبته مع خالد المدايني قال البخاري وكان خالد المدايني يدخل الأحاديث على الشيوخ هذا آخر كلامه وخالد هذا هو أبو الهيثم بن القاسم المدايني متروك الحديث انتهى وفي التلخيص قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه لا أعرفه من حديث يزيد والذي عندي أنه دخل له حديث في حديث وأطنب الحاكم في علوم الحديث في بيان علة هذا الخبر فليراجع منه وأعله ابن حزم بأنه معنعن ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل ولا يعرف له عنه رواية انتهى قال في البدر المنير إن للحفاظ في هذا الحديث خمسة أقوال أحدها أنه حسن غريب قاله الترمذي ثانيها أنه محفوظ صحيح قاله ابن حبان ثالثها منكر قاله أبو داود رابعها أنه منقطع قاله ابن حزم خامسها أنه موضوع قاله الحاكم وأصل الحديث أبي الطفيل في صحيح مسلم وأبو الطفيل عدل ثقة مأمون انتهى وأطال الكلام في غاية المقصود والله أعلم باب قصر قراءة الصلاة في السفر (فقرأ في إحدى الركعتين إلخ) قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه باب التطوع في السفر (أبي بسرة) بضم الباء وسكون السين المهملة وفتح الراء المهملة وآخره تاء تأنيث قاله
[ 64 ]
المنذري قال المزي في الأطراف لم يعرف اسم أبي بسرة انتهى وأما أبو بصرة بالصاد الغفاري فاسمه حميل والله أعلم (فما رأيته ترك ركعتين) لعلهما شكر الوضوء أو الاقتصار عليهما في سنة الظهر (إذا زاغت) مالت (قبل الظهر) ظرف لترك قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال غريب وقال وسألت محمدا عنه فلم يعرفه إلا من حديث الليث بن سعد ولم يعرف اسم أبي بسرة ورآه حسنا انتهى (يسبحون) أي يصلون النافلة (ولو كنت مسبحا) قال النووي المسبح ههنا المتنفل بالصلاة والسبحة هنا صلاة النفل معناه لو اخترت التنفل لكان إتمام فريضتي أربعا أحب إلي ولكني لا أرى واحدا منهما بل السنة القصر وترك التنفل ومراده النافلة الراتبة مع الفرائض كسنة الظهر والعصر وغيرها من المكتوبات وأما النوافل المطلقة فقد كان ابن عمر يفعلها في السفر وروى هو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعلها كما ثبت في مواضع من الصحيحين عنه وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة فتركها ابن عمر وآخرون واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور ودليله الأحاديث العامة في ندب الرواتب وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم الضحى يوم الفتح بكمة وركعتي الصبح حين ناموا وأحاديث أخر صحيحة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر فإن النافلة في البيت أفضل ولعله تركها في بعض الأوقات تنبيها على جواز تركها (وصحبت عثمان) وذكر مسلم في حديث ابن عمر قال ومع عثمان صدرامن خلافته ثم أتمها وفي رواية ثمان أو ست سنين وهذا هو مشهور أن عثمان أتم بعست سنين من خلافته وتأول العلماء
[ 65 ]
هذه الرواية على أن المراد أن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله في غير منى والروايات المشهورة بإتمام عثمان بعد صدر من خلافته محمولة على الإتمام بمنى خاصة وقد فسر عمران بن الحصين في روايته أن إتمام عثمان إنما كان بمنى وكذا ظاهر الأحاديث التي ذكرها مسلم واعلم أن القصر مشروع بعرفات ومزدلفة ومنى للحاج من غير أهل مكة وما قرب منها ولايجوز لأهل مكة ومن كان دون مسافة القصر هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين وقال مالك يقصر أهل مكة ومنى ومزدلفة وعرفات فعلة القصر عنده في تلك المواضع النسك وعند الجمهور علته السفر والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا باب التطوع على الراحلة والوتر (يسبح على الراحلة) يقال يصلي سبحة أي يتنفل والسبحة بضم السين وإسكان الباء النافلة (أي وجه توجه) يعني في جهة مقصده قال العلماء فلو توجه إلى غير المقصد فإن كان إلى القبلة جاز وإلا فلا (ويوتر عليها) فيه دليل لمذهب الشافعي ومالك وأحمد والجمهور أنه يجوز الوتر على الراحلة في السفر حيث توجه وأنه سنة ليس بواجب وقال أبو حنيفة هو واجب ولا يجوز على الراحلة والأحاديث الصحيحة المروية في ذلك ترد عليه وقد أطنب الكلام فيه الإمام محمد ابن نصر المروزي في كتاب قيام الليل والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (فأراد أن يتطوع) أي يتنفل راكبا والدابة تسير (استقبل بناقته القبلة فكبر) أي للاستفتاح عقب الاستقبال قال في المحيط منهم من شرط التوجه إلى القبلة عند التحريمة يعني بشرط
[ 66 ]
كونها سهلة وزمامها بيده وبه قال الشافعي والحنفية لم يأخذوا به هذا في النفل وأما في الفرض فقد اشترط التوجه إليها عند التحريمة وفي الخلاصة أن الفرض على الدابة يجوز عند العذر ومن الأعذار المطر والخوف من عدو أو سبع والعجز عن الركوب للضعف (حيث وجهه ركابه) أي ذهب به مركوبه (يصلي على حمار) قال الدارقطني وغيره هذا غلط من عمرو بن يحيى المازني قالوا وإنما لمعروف في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته أو على البعير والصواب أن الصلاة على الحمار من فعل أنس كما ذكره مسلم ولهذا لم يذكر البخاري حديث عمرو هذا كلام الدارقطني ومتابعيه وفي الحكم بتغليط رواية عمرو نظر لأنه ثقة نقل شيئا محتملا فلعله كان الحمار مرة والبعير مرة أو مرات لكن قد يقال إنه شاذ فإنه مخالف لرواية الجمهور في البعير والراحلة والشاذ مردود وهو المخالف للجماعة ذكره النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وقال النسائي عمرو بن يحيى لا يتابع على قوله يصلي على حمار وربما يقول على راحلته وقال غيره وهم الدارقطني وغيره عمرو بن يحيى في قوله على حمار والمعروف على راحلته وعلى البعير هذا آخر كلامه وقد أخرجه مسلم من فعل أنس ابن مالك وأخرجه الإمام مالك بن أنس في الموطأ من فعل أنس بن مالك أيضا وقال فيه يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع وجهه على شئ (فجئت) أي إليه (وهو يصلي) حال (على راحلته نحو المشرق) ظرف أيصلى إلى جانب المشرق أو حال أي متوجها نحو المشرق أو كانت متوجهة إلى جانب المشرق (والسجود أخفض من الركوع) أي أسفل من إيمائه إلى الركوع أي يجعل رأسه للسجود أخفض منه للركوع وهذه الأحاديث فيها دلالة على جواز صلاة الوتر والتطوع على الراحلة للمسافر قبل جهة مقصده وهو إجماع كما قال النووي والعراقي وابن حجر وغيرهم وإنما
[ 67 ]
الخلاف في جواز ذلك في الحضر فجوزه أبو يوسف وأبو سعيد الاصطخري وأهل الظاهر قال ابن حزم وقد روينا عن وكيع عن سفيان عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال كانوا يصلون على رحالهم ودوابهم حيثما توجهت قال وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين عموما في الحضر والسفر قال النووي هو محكي عن أنس قال العراقي استدل من ذهب إلى ذلك بعموم الأحاديث التي لم يصرح فيها بذكر السفر وحمل جمهور العلماء الروايات المطلقة على المقيدة بالسفر قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه أتم منه وفي حديث الترمذي وحده السجود أخفض من الركوع وقال حسن صحيح باب الفريضة على الراحلة من عذر هل تجوز وهكذا لفظ الباب أي الفريضة على الراحلة من عذر في جميع النسخ الحاضرة وأما في النسختين من المنذري بخط عتيق فباب الفريضة على الراحلة من غير عذر بزيادة لفظ غير (هل رخص) بصيغة المجهول أي رخص في زمان نزول الوحي (لم يرخص) بصيغة المجهول أي من النبي صلى الله عليه وسلم (في ذلك) أي في أداء الصلاة على الدواب (في شدة) والمراد بالشدة الأمر الذي تجعل على نفسها شديدة محكمة من غير أن يحكم به الشرع ومثله رواية عامر بن ربيعة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته يسبح يؤمى برأسه قبل أي وجهة توجه ولم يكن يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة متفق عليه فتحمل هذه الرواية على غير الضرورة الشرعية وأما الضرورة الشرعية فيجوز أداء الفرض على الدواب والراحلة لما أخرج أحمد في مسنده والدارقطني والترمذي والنسائي عن يعلى بن مرة أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع قال الترمذي حديث غريب تفرد به عمر بن ميمون ابن الرماح البلخي لا يعرف إلا من حديثه وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم وكذا روي عن
[ 68 ]
أنس بن مالك أنه صلى في ماء وطين على دابته والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق انتهى قال في شرح الأحكام لابن تيمية والحديث صححه عبد الحق وحسنه النووي وضعفه البيهقي وهو يدل على ما ذهب إليه البعض من صحة صلاة الفريضة على الراحلة كما تصح في السفينة بالإجماع وقد صحح الشافعي الصلاة المفروضة على الراحلة بالشروط التي ستأتي وحكى النووي في شرح مسلم والحافظ في الفتح الإجماع على عدم جواز ترك الاستقبال في الفريضة قال الحافظ لكن رخص في شدة الخوف وحكى النووي أيضا الإجماع على عدم صلاة الفريضة على الدابة قال فلو أمكنه استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود على دابة واقفة عليها هودج أو نحوه جازت الفريضة على الصحيح من مذهب الشافعي فإن كانت سائرة لم تصح على الصحيح المنصوص للشافعي وقيل تصح كالسفينة فإنها تصح فيها الفريضة بالإجماع ولو كان في ركب وخاف لو نزل للفريضة انقطع عنهم ولحقه الضرر قال أصحاب الشافعي يصلى الفريضة على الدابة بحسب الإمكان ويلزمه إعادتها لأنه عذر نادرا انتهى قال في شرح الأحكام والحديث يدل على جواز صلاة الفريضة على الراحلة ولا دليل على اعتبار تلك الشروط إلا عمومات يصلح هذا الحديث لتخصيصها وليس في الحديث إلا ذكر عذر المطر ونداوة الأرض فالظاهر صحة الفريضة على الراحلة في السفر لمن حصل له مثل هذا العذر وإن لم يكن في هودج إلا أن يمنع من ذلك إجماع ولا إجماع فقد روى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنهما يقولان بجواز الفريضة على الراحلة إذا لم يجد موضعا يؤدي فيه الفريضة نازلا ورواه العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي انتهى (هذا في المكتوبة) أي عدم الرخصة قال المنذري قال الدارقطني تفرد به النعمان ابن المنذر هذا غساني دمشقي ثقة كنيته أبو الوزير انتهى باب متى يتم المسافر صلاته إذا نزل في موضع وأقام فيه (حماد) هو ابن مسلمة فحماد وإسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية كلاهما يرويان
[ 69 ]
عن علي بن زيد لكن هذا لفظ ابن علية دون حماد (فأقام) أي مكث (يقول) أي بعد تسليمه خطابا للمقتدين به (يا أهل البلد صلوا أربعا) أي أتموا صلاتكم (فإنا) أي فإني وأصحابي (سفر) بسكون الفاء جمع سافر كركب وصحب أي مسافرون قال الطيبي الفاء هي الفصيحة لدلالتها على محذوف هو سبب لما بعد الفاء أي صلوا أربعا ولا تقتدوا بنا فإنا سفر كقوله تعالى فانفجرت أي فضرب فانفجرت قال الخطابي هذا العدد جعله الشافعي حدا في القصلما كان في حرب يخاف على نفسه العدو وكذلك كان حال رسول الله صلى الله عليوسلم أيام مقامه بمكة عام الفتح فأما في حال الأمن فإن الحد في ذلك عنده أربعة أيام فإذا أزمع مقام أربع أتم الصلاة وذهب في ذلك إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وآله سلم في حجه بمكة وذلك أنه دخلها يوم الأحد وخرج منها يوم الخميس كل ذلك يقصر الصلاة فكان مقامه أربعة أيام وقد روي عن عثمان أنه قال من أزمع مقام أربع ففليتم وهو قول مالك بن أنس وأبي ثور واختلفت الروايات عن ابن عباس في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح فروي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام سبع عشر بمكة يقصر الصلاة وعنه أقام تسع عشرة وعنه أنه أقام خمس عشرة وكل قد ذكره أبو داود على اختلافه فكان خبر عمران بن حصين أصحها عند الشافعي وأسلمها من الاختلاف فصار إليه وقال أصحاب الرأي وسفيان الثوري إذا أجمع المسافر مقام خمس عشرة أتم الصلاة ويشبه أن يكونوا ذهبوا إلى إحدى الروايات عن ابن عباس وقال الأوزاعي إذا أقام اثني عشرة ليلة أتم الصلاة وروي ذلك عن ابن عمر وقال الحسن بن صالح بن حي إذا عزم مقام عشر أتم الصلاة وأراه ذهب إلى حديث أنس بن مالك ورواه أبو داود انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي بنحوه وقال حسن صحيح هذا آخر كلامه وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة وقال بعضهم هو حديث لا تقوم به حجة لكثرة اضطرابه (أقام سبع عشرة بمكة) بتقديم السين قبل الباء لكن في رواية البخاري من طريق أبي عوانة عن عاصم وحصين عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ تسعة عشر بتقديم التاء قبل السين
[ 70 ]
ولفظه أقام النبي صلى الله عليه وسلم تسعة عشر يقصر فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا انتهى وكذا أخرجه البخاري في المغازي من وجه آخر عن عاصم وحده وكذا رواه ابن المنذر من طريق عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة لكن أخرجه أبو داود من هذا الوجه أي من طريق ابن الأصبهاني بلفظ سبعة عشر بتقديم السين وكذا أخرجه المؤلف من طريق حفص بن غياث عن عاصم قال أبو داود وقال عباد بن منصور عن عكرمة تسع عشرة بتقديم التاء كذا ذكرها معلقة وقد وصلها البيهقي وتقدم لأبي داود من حديث عمران بن حصين وفيه فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ولأبي داود من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عبيدالله عن ابن عباس أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة قال الحافظ وجمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة عد يومي الدخول والخروج ومن قال سبع عشرة حذفهما ومن قال ثماني عشرة عد أحدهما وأما رواية خسمة عشر فضعفها النووي في الخلاصة وليس بجيد لأن رواتها ثقات ولم ينفرد بها ابن إسحاق فقد أخرجها النسائي مرواية عراك بن مالك عن عبيدالله كذلك وإذا ثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبع عشرة فحذف منها يومي الدخول والخروج فذكر أنها خمس عشرة واقتضى ذلك أن رواية تسع عشرة أرجح الروايات وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه ويرجحها أيضا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة وأخذ الثوري وأهل الكوفة برواية خمس عشرة لكونها أقل ما ورد فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقا وأخذ الشافعي بحديث عمران بن حصين لكن محله عنده فيمن لم يزمع الإقامة فإنه إذا مضت عليه المذكورة وجب عليه الإتمام فإن أزمع الإقامة في أول الحال على أربعة أيام أتم على خلاف بين أصحابه في دخول يومي الدخول والخروج فيها أولا انتهى كلام الحافظ ملخصا قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه ولفظ البخاري والترمذي وابن ماجه تسعة عشر (عن عبيد الله بن عبد الله) قال البيهقي وأما حديث محمد بن إسحاق عن الزهري عن
[ 71 ]
عبيدالله متصلا فقد رواه كذلك بعض أصحاب ابن إسحاق عنه ورواه عبد بن سليمان وسلمة بن الفضل عن ابن إسحاق لم يذكر ابن عباس ورواه عبيدالله ابن إدريس عن ابن إسحاق عن الزهري قوله انتهى وقال المنذري وأخرجه ابن ماجه وأخرجه النسائي بنحوه وفي إسناده محمد بن إسحاق واختلف ف على ابن إسحاق فيه فروى عنه مسندا ومرسلا وروي عنه عن الزهري من قوله انتهى (أقمنا عشرا) قال الحافظ لا يعارض ذلك حديث ابن عباس المذكور لأن حديث ابن عباس كان في فتح مكة وحديث أنس في حجة الوداع وقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة الحديث ولا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة الإقامة بمكة ونواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء لأنه خرج منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى ومن ثم قال الشافعي إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة أيام وقال أحمد إحدى وعشرين صلاة انتهى وقال الزيلعي وقدرها الشافعي بأربعة أيام فإن نواها صار مقيما ويرده حديث أنس فإن فيه قلت كم أقمتم بمكة قال أقمنا بها عشرا ولا يقال يحتمل أنهم عزموا على السفر في اليوم الثاني أو الثالث واستمر بهم ذلك إلى عشر لأن الحديث إنما هو في حجة الوداع فتعين أنهم نووا الإقامة أكثر من أربعة أيام لأجل قضاء النسك نعم كان يستقيم هذا لو كان الحديث في قضية الفتح والحاصل أنهما حديثان أحدهما حديث ابن عباس وكان في الفتح صرح بذلك في بعض طرقه
[ 72 ]
أقام بمكة عام الفتح والآخر حديث أنس وكان في حجة الوداع انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (قال) أبو أسامة (أخبرني عبد الله) وهذا لفظ ابن المثنى وأما عثمان فقال عن عبد الله كما سيأتي (عن أبيه) محمد بن عمر (عن جده) عمر بن علي (إذا سافر) من منزله (حتى تكاد) أي تقرب الشمس (أن تظلم) من باب الأفعال أي تظلم الشمس من على الأرض بحيث لا يبقى أثر من شعاع الشمس وضوئها على الأرض وتظهر ظلمة الليل (فيصلي المغرب) لم يبين الراوي أن صلاة المغرب كانت قبل غروب الشفق أو بعده والاحتمال في الجانبين قائم (ثم يدعو بعشائه) بفتح العين أي يطلب طعام العشي (فيتعشى) أي فيأكل طعام العشى (ثم يصلي العشاء) لم يبين الراوي وقت أدائها والاحتمال في كلا الجانبين موجود فليس فيه حجة للحنفية على جمع الصوري واعلم أن الحديث ههنا في هذا الباب موجود في جميع النسخ الحاضرة وكذا موجود في مختصر المنذري لكن الحديث ليس مطابقا لترجمة الباب فيشبه أن يكون أورده المؤلف عقب هذا الباب تتميما لأحاديث الجمع ولا يخفى ما فيه من البعد أو هذا التقديم والتأخير من تصرفات النساخ والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي (قال عثمان) ابن أبي شيبة في روايته (عن عبد الله) بالعنعنة وأما ابن المثنى فالإخبار (سمعت أبا داود) يعني المؤلف وهذه المقولة لأبي علي اللؤلؤي راوي السنن (يجمع بينهما) أي المغرب والعشاء (حين يغيب الشفق) فهذه الرواية مفسرة جمال ما في رواية علي بن أبي
[ 73 ]
طالب (مثله) أي مثل حديث حفص بن عبيدالله فرواية حفص والزهري عن أنس متفقتان على أن الجمع كان بعد غيوب الشفق وتقدمت رواية الزهري في باب الجمع بين الصلاتين بلفظ ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق باب إذا أقام بأرض العدو يقصر (يقصر الصلاة) وقد اختلف العلماء في تقدير المدة التي يقصر فيها المسافر إذا أقام ببلدة وكان مترددا غير عازم على إقامة أيام معلومة فذهب بعضهم إلى أن من لم يعزم إقامة مدة معلومة كمنتظر الفتح يقصر إلى شهر ويتم بعده وذهب أبو حنيفة وأصحابه وهو مروي عن الشافعي إلى أنه يقصر أبدا لأن الأصل السفر وما روي من قصره صلى الله عليه وسلم في مكة وتبوك دليل لهم لا عليهم لأنه صلى الله عليه وسلم قصر مدة إقامته ولا دليل على التمام فيما بعد تلك المدة ويؤيد ذلك ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بحنين أربعين يوما يقصر الصلاة ولكنه قال تفرد به الحسن بن عمارة وهو غير محتج به وروي عن ابن عمر وأنس أنه يتم بعد أربعة أيام قال الشوكاني والحق أن الأصل في المقيم الإتمام لأن القصر لم يشرعه الشارع إلا للمسافر والمقيم غير مسافر فلولا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قصره بمكة وتبوك مع الإقامة لكان المتعين هو الإتمام فلا ينتقل عن ذلك الأصل إلا بدليل وقد دل الدليل على القصر مع التردد إلى عشرين يوما كما في حديث جابر ولم يصح أنه صلى الله عليه وسلم قصر في الإقامة أكثر من ذلك فيقتصر على هذا المقدار ولا شك أن قصره صلى الله عليه وسلم في تلك المدة لا ينفي القصر فيما زاد عليها ولكن ملاحظة الأصل المذكورة هي القاضية بذلك (غير معمر لا يسنده) ورواه ابن حبان والبيهقي من حديث معمر وصححه ابن حزم والنووي وأعله الدارقطني في العلل بالإرسال والانقطاع وأن علي بن المبارك وغيره من الحفاظ رووه عن يحيى ابن أبي كثير عن ابن ثوبان مرسلا وأن الأوزاعي رواه عن يحيى عن أنس فقال بضع عشرة وبهذا اللفظ رواه جابر أخرجه البيهقي من طريقه والله أعلم
[ 74 ]
باب صلاة الخوف (من رأى) أي من الأئمة من ذهب إلى (أن يصلي) الأمام (بهم) أي بالناس المجتمعين (وهم) أي الناس المجتمعون (فيكبر بهم) أي فيكبر الإمام بهؤلاء فيفتحون الصلاة كلهم معا (ثم يركع بهم جميعا) أي يركع الإمام بهؤلاء كلهم (ثم يسجد الإمام) سجدتين (والصف الذي يليه) أي الصف المقدم الذي يلي الإمام هو يسجد مع الإمام (والآخرون) الذين هم في الصف المؤخر (قيام) جمع قائم (يحرسونهم) أي يحرسون الإمام والصف المقدم (فإذا قاموا) أي الذين في الصف المقدم (الذين كانوا خلفهم) أي خلف الصف المقدم ولم يسجدوا معهم (عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي) اسمه زيد بن الصامت ورواه البيهقي في المعرفة بلفظ حدثنا أبو عياش قال وفي هذا تصريح بسماع مجاهد من أبي عياش انتهى (بعسفان) بضم العين وسكون السين موضع على مرحلتين من مكة وقيل هي قرية جامعة على ستة وثلاثين ميلا من مكة وهي حد تهامة كذا في مراصد الاطلاع (وعلى المشركين خالد) أي كان أميرهم خالد بن الوليد (لقد أصبنا غرة) بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء أي غفلة في صلاة الظهر يريدون فلو حملنا عليهم كان أحسن (فنزلت آية القصر) وفي رواية النسائي فنزلت يعني صلاة
[ 75 ]
الخوف (فصلاها بعسفان وصلاها يوم بني سليم) ولفظ النسائي وصلى مرة بأرض بني سليم ولفظ أحمد والدارقطني فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بعسفان ومرة بأرض بني سليم انتهى وحديث أبي عياش إسناده صحيح وفي هذا الحديث وكذا في حديث جابر الذي سيذكره المؤلف معلقا أن صلاة الطائفتين مع الإمام جميعا واشتراكهم في الحراسة ومتابعته في جميع أركان الصلاة إلا السجود فتسجد معه طائفة وتنتظر الأخرى حتى تفرغ الطائفة الأولى ثم تسجد وإذا فرغوا من الركعة الأولى تقدمت الطائفة المتأخرة مكان الطائفة المتقدمة وتأخرت المتقدمة (رواه أيوب وهشام عن أبي الزبير عن جابر هذا المعنى) حديث هشام وصله البيهقي في المعرفة بلفظ فكبروا جميعا وركعوا جميعا ثم سجد الذين يلونه والآخرون قيام فلما رفعوا رؤوسهم سجد الآخرون ثم تقدم هؤلاء وتأخر هؤلاء فكبروا جميعا وركعوا جميعا ثم سجد الذين يلونهم والآخرون قيام فلما رفعوا رؤوسهم سجد الآخرون قال البيهقي هذا إسناد صحيح وأخرجه النسائي من طريق سفيان عن أبي الزبير عن جابر وحديث أيوب وصله ابن ماجه (وكذلك) أي كما رواه أبو عياش الزرقي (رواه داود بن حصين) حديث داود بن الحصين وصله النسائي من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس فذكر الحديث (وكذلك) أي كحديث أبي عياش رواه (عبد الملك) ابن أبي سليمان (عن عطاء بن جابر) وحديث عبد الملك وصله مسلم والنسائي (عن أبي
[ 76 ]
موسى) الأشعري (فعله) موقوفا عليه وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف من طريق قتادة عن أبي العالية عن أبي موسى الأشعري بلفظ اخر وكذا من طريق يونس عن الحسن عن أبي موسى (وكذلك) أي كحديث أبي عياش رواه (عكرمة بن خالد) بن العاص ثقة (عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم) مرسلا وفي المصنف من طريق عمر بن ذر سمعه من مجاهد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ثم قال مجاهد فكان تكبيرهم وركوعهم وتسليمه عليهم سواء وتناصفوا في السجود (هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم) مرسلا فهذه الروايات كلها مثل حديث أبي عياش الزرقي (وهو قول الثوري) سفيان الإمام وابن أبي ليلى قاله ابن عبد البر وهو قول للشافعي فحديث جابر من طريق عطاء وحديث أبي عياش الزرقي مفهومهما واحد قال الخطابي صلاة الخوف أنواع وقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة على أشكال متباينة يتوخى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة وهي على اختلاف صورها مؤتلفة في المعاني وهذا النوع منها هو الاختيار إذ كان العدو بينهم وبين القبلة فإذا كان العدو وراء القبلة صلى بهم صلاته في يوم ذات الرقاع انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وقال البيهقي هذا إسناد صحيح إلا أن بعض أهل العلم بالحديث يشك في سماع مجاهد من أبي عياش ثم ذكر الحديث بإسناد جيد عن مجاهد قال حدثنا أبو عياش وقال بين فيه سماع مجاهد من أبي عياش هذا اخر كلامه وسماعه منه متوجه فإنه ذكر ما يدل على أن مولد مجاهد سنة عشرين وعاش أبو عياش إلى بعد الأربعين وقيل إلى بعد الخمسين انتهى باب من قال يوم يقوم صف مع الإمام وصف إلى وجاه العدو هو بكسر الواو وضمها يقال وجاهة وتجاهه أي قبالته (فيصفوا) من نصر ينصر (وتجئ الطائفة الأخرى) الطائفة الفرقة أو القطعة من الشئ تقع على القليل والكثير لكن قال
[ 77 ]
الشافعي أكره أن تكون الطائفة في صلاة الخوف أقل من ثلاثة فينبغي أن تكون الطائفة التي مع الإمام ثلاثة فأكثر والذين في وجه العدو كذلك واستدل بقول الله تعالى وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا الآية فأعاد على كل طائفة ضمير الجمع وأقل الجمع ثلاثة على المشهور وخالف فيه بعض الأئمة كما سيجئ (ثم يسلم) الإمام (بهم جميعا) أي بالطائفتين جميعا كما هو ظاهر العبارة لكن حديث الباب لا يدل على ذلك (فصلى) النبي صلى الله عليه وسلم (بالذين يلونه ركعة) ولم يذكر عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه القاسم أن أهل الصف الأول الذين يلونه صلوا وأتموا لأنفسهم ركعة أخرى أم لا لكن روى يحيى بن سعيد عن القاسم أنهم أتموا لأنفسهم الركعة الباقية والمؤلف حمل هذا الحديث على ذلك المعنى المفسر ولذا قال في ترجمة الباب حتى يصلي الذين معه ركعة أخرى إلخ (ثم قام) النبي صلى الله عليه وسلم (فلم يزل قائما) لكي يفرغ أهل الصف الأول من الركعة الثانية ولأجل أن يصلي معه أهل الصف المؤخر ركعة بعد فراغ أهل الصف الأول (حتى صلى الذين خلفهم ركعة) أي خلف أهل الصف الأول وهذه غاية لقيام النبي صلى الله عليه وسلم وكانت صلاة الصف المؤخر معه صلى الله عليه وسلم بعد فراغ الصف المقدم ولذا فصل الكلام وقال (ثم تقدموا) أي أهل الصف المؤخر للصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم (وتأخر الذين كانوا قدامهم) أي قدام الصف المؤخر وكان تأخر ذلك الصف المقدم لأجل الحراسة وهم قد فرغوا من الصلاة (فصلى بهم) أي بالصف المؤخر (ركعة) واحدة (ثم قعد) النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (حتى صلى الذين تخلفوا) عن الركعة الأولى وهم أهل الصف المؤخر (ركعة) أخرى (ثم سلم) النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطائفة الثانية أو بالطائفتين جميعا وإليه جنح المؤلف والظاهر هو الأول والله أعلم قال المنذري وفي رواية وثبت قائما وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا انتهى
[ 78 ]
باب من قال إذا صلى الإمام (أتموا) الذين يلون الإمام (لأنفسهم ركعة) أخرى (ثم سلموا) هؤلاء بعد الفراغ من الركعتين (واختلف) الإمام والمأموم (في السلام) فلا يكون سلام بعض المأمومين مع الإمام (عن صالح بن خوات) بفتح الخاء المعجمة وشدة الواو تابعي ثقة وأبوه صحابي جليل (عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قيل هو سهل بن أبي حثمة قال الحافظ والراجح أنه أبوه خوات بن جبير كما جزم به النووي في تهذيبه وقال إنه محقق من رواية مسلم وغيره وذلك لأن أبا أويس س رواه عن يزيد شيخ مالك فقال عن صالح عن أبيه أخرجه ابن منده ويحتمل أن صالحا سمعه من أبيه ومن سهل فأبهمه تارة وعينه أخرى لكن قوله (يوم ذات الرقاع) يعين أن المبهم أبوه إذ ليس في رواية صالح عن سهل أنه صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيد أن سهلا لم يكن في سن من يخرج في تلك الغزوة لصغره لكن لا يلزم أن لا يرويها فروايته إياها مرسل صحابي فبهذا يقوي تفسير الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بخوات وسميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء فكانوا يلفون عليها الخرق (ثم ثبت) حال كونه (قائما وأتموا) أي الذين صلى بهم الركعة (لأنفسهم) ركعة أخرى (الطائفة الأخرى) التي كانت وجاه العدو (ثم ثبت جالسا) لم يخرج من صلاته (ثم سلم) النبي صلى الله عليه وسلم (بهم) بالطائفة الأخرى وأما الاختلاف في السلام مع الإمام والمأموم فكان مع الطائفة الأولى فقط فإنهم أتموا
[ 79 ]
لأنفسهم بالسلام والطائفة الثانية سلموا مع الإمام وأما في الرواية الآتية فالاختلاف للطائفتين مع الإمام في السلام ويشبه أن يكون هذا الاختلاف مراد المؤلف بقوله واختلف في السلام في ترجمة الباب قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وقال الخطابي وإلى هذا الحديث ذهب مالك والشافعي إذا كان العدو من ورائهم وأما أصحاب الرأي فإنهم ذهبوا إلى حديث ابن عمر انتهى (قال مالك وحديث يزيد بن رومان أحب ما سمعت إلي) هذا في رواية القعنبي عن مالك وأما في رواية يحيى بن يحيى الليثي في الموطأ عن مالك فقال قال مالك وحديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات أحب ما سمعت إلي في صلاة الخوف انتهى (يحيى بن سعيد) هو الأنصاري كما في رواية ابن ماجه (أن يقوم الإمام) مستقبل القبلة كما عند ابن ماجه (مواجهة العدو) وعند ابن ماجه وطائفة من قبل العدو ووجوههم إلى الصف (ثم يسلمون) وفي الطريق الأولى أنه صلى الله عليه وسلم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم وفي الطريق الثانية أن الامام لا ينتظر المأموم وان المأموم انما يقضي بعد سلام الامام . قال ابن ماجة بعد أن روى حديث يحيى بن سعيد الأنصاري قال محمد بن بشار فسألت يحيى بن سعيد القطان عن هذا الحديث فحدثني عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يحيى بن سعيد (إلا أنه خالفه في السلام) ففي رواية يحيى الأنصاري يسلم الإمام قبل إتمام الطائفة الثانية صلاتهم وفي رواية يزيد بن رومان يسلم الإمام بالطائفة الثانية بعد انتظار إتمامها جلوسا (ورواية عبيدالله) بن معاذ
[ 80 ]
العنبري المتقدمة (نحو رواية يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال) يحيى بن سعيد (قال) القاسم (ويثبت قائما) هذه الجملة أي قوله رواية عبيدالله نحو رواية يحيى إلخ تحتمل معنيين الأول أنه رواية عبيدالله من طريق شعبة عن عبد الرحمن عن القاسم نحو رواية يحيى الأنصاري عن القاسم لكن رواية عبد الرحمن فيها اختصار وهو عدم الذكر تمام الطائفة الأولى ركعتهم الأخرى وانتظار الإمام لهم قائما لكن رواية يحيى الأنصاري مشتملة على هذه الزيادة فتحمل رواية عبد الرحمن على رواية يحيى والثاني أن رواية عبيدالله أيضا نحو رواية يحيى بن سعيد أي بذكر هذه الزيادة وهو ذكر إتمام الطائفة الأولى ركعتهم الآخرة المعبر بقوله ويثبت قائما لكن لم يسق المؤلف رواية عبيدالله هذه ويشبه أن يكون الحافظ المنذري فهم هذا المعنى ولذا قال تحت عبيدالله بن معاذ وفي رواية وثبت قائما انتهى والله اعلم . باب من قال يكبرون جميعا إلخ (أبو الأسود) هو محمد بن عبد الرحمن الأسدي كما عند الطحاوي (عام غزوة نجد) قال ابن القيم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه غزوة ذات الرقاع وهي غزوة نجد فلقي جمعا من غطفان فتوافقوا ولم يكن بينهم قتال إلا أنه صلى بهم يومئذ صلاة الخوف انتهى والنجد اسم لكل ما ارتفع من بلاد العرب من تهامة إلى العراق قال الأبهري والمراد هنا نجد الحجاز لا نجد اليمن قال العيني قال الحاكم في الإكليل حين ذكر غزوة الرقاع وقد تسمى هذه الغزوة غزوة محارب ويقال غزوة خصفة ويقال غزوة ثعلبة ويقال غطفان والذي صح أنه صلى
[ 81 ]
بها صلاة الخوف من الغزوات ذات الرقاع وذو قرد وعسفان وغزوة الطائف وليس بعد غزوة الطائف إلا تبوك وليس فيها لقاء العدو والظاهر أن غزوة نجد مرتان والذي شهدها أبو موسى وأبو هريرة هي غزوة نجد الثانية لصحة حديثهما في شهودها انتهى (ركعة ركعة) أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث فيه أن من صفة صلاة الخوف أن تدخل الطائفتان مع الإمام في الصلاة جميعا ثم تقوم إحدى الطائفتين بإزاء العدو وتصلي معه إحدى الطائفتين ركعة ثم يذهبون فيقومون في وجاه العدو ثم تأتي الطائفة الأخرى فتصلي لنفسها ركعة والإمام قائم ثم يصلي بهم الركعة التي بقيت معه ثم تأتي الطائفة القائمة في وجاه العدو فيصلون لأنفسهم ركعة والإمام قاعد ثم يسلم الإمام ويسلمون جميعا قال المنذري وأخرجه النسائي (عن محمد بن جعفر) وفي رواية الطحاوي من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن جعفر (إذا كنا بذات الرقاع) بكسر الراء قال في مراصد الاطلاع ذات الرقاع به غزوة للنبي صلى الله عليه وسلم قيل هي اسم شجرة في ذلك الموضع وقيل جبل
[ 82 ]
والأصح أنها موضع انتهى وقال النووي هي غزوة معروفة كانت سنة خمس من الهجرة بأرض غطفان من نجد سميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء كما تقدم وقيل سميت لشجرة هناك ويحتمل أن هذه الأمور كلها وجدت فيها انتهى (من نخل) بفتح النون وسكون الخاء وآخره اللام جمع نخلة منزل من منازل بني ثعلبة من المدينة على مرحلتين وقيل موضع بنجد من أرض غطفان وهو موضع في طرف الشام من ناحية مصر كذا في المراصد (فذكر) أي محمد بن إسحاق (معناه) أي معنى حديث حيوة (ولفظه) أي لفظ محمد بن إسحاق (مشوا القهقري) أي على أعقابهم وتمام الحديث عند الطحاوي من هذا الوجه ولفظه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصدع الناس صدعين فصلت طائفة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة تجاه العدو فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن خلفه ركعة وسجد بهم سجدتين ثم قام وقاموا معه فلما استووا قياما رجع الذين خلفه وراءهم القهقري فقاموا وراء الذين بإزاء العدو وجاء آخرون فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا لأنفسهم ركعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم ثم قاموا فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم أخرى فكانت لهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان وجاء الذين بإزاء العدو فصلوا لأنفسهم ركعة وسجدتين ثم جلسوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم بهم جميعا قال البيهقي في المعرفة وقد روي عن عروة بن الزبير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف وفيها أن الطائفة الثانية قضت الركعة الأولى عند مجيئها ثم صلت الأخرى مع الإمام ثم قضت الطائفة الأولى الركعة الثانية ثم كان السلام وقال في حديثه إن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة نخل وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة خلاف ذلك فصارت الراويتان كان متعارضتين ورجح البخاري ومسلم إسناد حديث ابن عمر فأخرجاه في الصحيح دون حديث أبي هريرة وقد قيل فيه عن عروة عن عائشة انتهى قلت كذا قال البيهقي وسيجئ بعض البيان في آخر كتاب الخوف (وكبرت الطائفة الذي صفوا) وهم الطائفة الأولى (جالسا) أي بين السجدتين
[ 83 ]
(فنكصوا) رجعوا (حتى قاموا من ورائهم) ولفظ الطحاوي من طريق أبي هريرة فقاموا وراء الذين بإزاء العدو (فسجدوا معه) السجدة الأولى (ثم سجد) النبي صلى الله عليه وسلم السجدة الأولى (وسجدوا) كلهم أجمعون (معه) السجدة الثانية (كأسرع الأسراع) أسرع على وزن أفعل صيغة المبالغة وأسراع أبو بفتح الهمزة صيغة جمع (جاهدا) أي مجتهدا في السرعة (لا يألون) أي لا يقصرون (سراعا) بكسر السين والمعنى أن الجماعة كلها قد بالغت في السرعة تمام السجدة الثانية قلت رواية حيوة ومحمد ابن إسحاق ليس بينهما تعارض إلا أن محمد بن إسحاق وحده ذكر في روايته رجعة القهقري ولم يذكر استدبار القبلة فالروايتان في جملة الهيئات مساويتان وأما رواية عائشة فتنبغي أن تكون صفة ثانية من صفات غير الصفة التي في حديث أبي هريرة لمخالفتها في هيئات كثيرة والله أعلم باب من قال يصلي بكل طائفة إلخ ليس الفرق في الترجمة بين هذا الباب والباب الآتي في الظاهر لكن يشبه أن يكون كما قال القرطبي في المفهم شرح مسلم إن الفرق بين حديث ابن عمر وحديث ابن مسعود أن في حديث ابن عمر كان قضائهم في حالة واحدة ويبقى الإمام كالحارس وحده وفي حديث ابن
[ 84 ]
مسعود كان قضائهم متفرقا على صفة صلاتهم انتهى فلعل المؤلف أراد هذا الفرق بين البابين والله أعلم (صلى بإحدى الطائفتين) ولفظ البخاري من طريق شعيب عن الزهري بلفظ غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فذكر الحديث واستدل بقوله طائفة على أنه لا يشترط استواء الفريقين في العدد لكن لا بد أن تكون التي تحرس تحصل القوة والثقة بها في ذلك قال الحافظ والطائفة تطلق على القليل والكثير حتى على الواحد فلو كانوا ثلاثة ووقع لهم الخوف جاز لأحدهم أن يصلي بواحد ويحرس واحد ثم يصلي الأخر وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة انتهى والحديث فيه أن من صفة صلاة الخوف أن يصلي الإمام بطائفة من الجيش ركعة والطائفة الأخرى قائمة تجاه العدو ثم تنصرف الطائفة التي صلت معه الركعة وتقوم تجاه العدو وتأتي الطائفة الأخرى فتصلي معه ركعة ثم تقضي كل طائفة لنفسها ركعة قال الحافظ في الفتح وظاهر قوله ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم أنهم أتموا في حالة واحدة ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب قال وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده ويرجحه حديث ابن مسعود الآتي انتهى مختصرا قال النووي وبحديث ابن عمر أخذ الأوزاعي والأشهب المالكي وهو جائز عند الشافعي ثم قيل إن الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معا وقيل متفرقين وهو الصحيح وبحديث ابن أبي حثمة أخذ مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم انتهى وقد رجح ابن عبد البر هذه الكيفية الواردة في حديث ابن عمر على غيرها لقوة الإسناد قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (وكذلك رواه نافع) حديث نافع عند مسلم والنسائي وابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني (وكذلك قول مسروق) أخرجه ابن أبي شيبة بلفظ حدثنا غندر عن شعبة عن مغيرة عن الشعبي عن مسروق أنه قال صلاة الخوف يقوم الإمام ويصفون خلفه
[ 85 ]
صفين ثم يركع الإمام فيركع الذين يلونه ثم يسجد بالذين يلونه فإذا قام تأخر هؤلاء الذين يلونه وجاء آخرون فقاموا مقامهم فركع بهم وسجد بهم والآخرون قيام ثم يقومون فيقضون ركعة ركعة فيكون للإمام ركعتان في جماعة ويكون للقوم ركعة ركعة في جماعة ويقضون الركعة الثانية (و) كذلك روى (يوسف بن مهران عن ابن عباس) قال ابن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس مثل ذلك أي مثل قول مسروق (وكذلك روى يونس عن الحسن إلخ) قال ابن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى عن يونس عن الحسن أن أبا موسى صلى بأصحابه بأصبهان فصلت طائفة منهم معه وطائفة مواجهة العدو فصلى بهم ركعة ثم نكصوا وأقبل الآخرون يتخللونهم فصلى بهم ركعة ثم سلم وقامت الطائفتان فصلتا ركعة باب من قال يصلي إلخ (أخبرنا خصيف) هو ابن عبد الرحمن الحضرمي بكسر المعجمة الأولى ضعفه أحمد وقال البيهقي ليس بالقوى ووثقه ابن معين وأبو زرعة وقال النسائي صالح (عن أبي عبيدة) هو ابن مسعود اسمه عامر قال عمرو بن مرة سألته هل تذكر عن عبد الله شيئا قال لا يعني لم يسمع من أبيه كذا قال الترمذي والبيهقي لكن قال العيني قال أبو داود كان أبو عبيدة يوم مات أبوه ابن سبع سنين مميز وابن سبع سنين يحتمل السماع انتهى (ثم سلم) النبي صلى الله عليه وسلم (فقام هؤلاء) أي الطائفة الثانية (ثم سلموا) قال الحافظ وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها
[ 86 ]
(رواه الثوري بهذا المعنى) أخرج الطحاوي من طريق قبيصة ومؤمل قالا حدثنا سفيان عن خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه فصف صفا خلفه وصفا موازي العدو وكلهم في صلاة فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم قضوا ركعة ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فقضوا ركعة انتهى ومراد المؤلف أن في رواية شريك عن خصيف فكبر الصفان جميعا وليست هذه الجملة في رواية محمد بن فضيل عن خصيف لكن رواه الثوري بمعنى رواية شريك فقال الثوري في روايته وكلهم في صلاة كما سلف (وصلى عبد الرحمن ابن سمرة) صحابي أسلم يوم الفتح وافتتح سجستان وكابل (هكذا) أي كما ذكر في حديث ابن مسعود (إلا أن الطائفة التي صلى بهم ركعة) وهي الطائفة الثانية التي دخلت مع الإمام في الركعة الثانية (ثم سلم) الإمام بعد فراغه من الركعتين (مضوا) خبرإن (وجاء هؤلاء) وهي الطائفة الأولى التي صلت مع الإمام الركعة الأولى (ثم رجعوا) أي الطائفة الأولى (إلى مقام أولئك) أي الطائفة الثانية (فصلوا) أي الطائفة الثانية ركعتهم الباقية والفرق بين رواية ابن مسعود وأثر عبد الرحمن ابن سمرة أن في حديث ابن مسعود أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها وفي فعل عبد الرحمن أن الطائفة الثانية أتمت ركعتهم الباقية بعد إتمام الطائفة الأولى ركعتهم الثانية والله أعلم (أخبرني أبي) هو حبيب بن عبد الله الأردي (كابل) بضم الباء الموحدة ويقال كابلستان وهي بين الهند وسجستان في ظهر الغور وبه زعفران وعود وأهليلج أو كذا في المراصد
[ 87 ]
باب من قال يصلي الإمام (ولا يقضون) من خلفه ركعة أخرى (بطبرستان) بفتح أوله وثانية وكسر الراء بلاد واسعة ومدن كثيرة يشتملها هذا الاسم يغلب عليها الجبال وهي تسمي بمازندران كذا في المراصد (ولم يقضوا) والحديث سكت عنه المؤلف والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح وفيه دليل على أن من صفة صلاة الخوف الاقتصار على ركعة لكل طائفة قال الحافظ وبالاقتصار على ركعة واحدة في الخوف يقول الثوري وإسحاق ومن تبعهما وقال به أبو هريرة وأبو موسى الأشعري وغير واحد من التابعين ومنهم من قيد بشدة الخوف وقال الجمهور قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد وتأولوا هذا الحديث وأشباهه بأن المراد بها ركعة مع الإمام وليس فيها نفي الثانية وأجيب بأن قوله ولم يقضوا وكذا بعض الروايات الآتية يرد ذلك والله أعلم (وكذا رواه عبيدالله بن عبد الله) عن ابن عباس وحديثه عند النسائي من طريق يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثني أبو بكر بن أبي الجهم عن عبيدالله بن عبد الله فذكر الحديث وفيه ولم يقضوا وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي بكر بن أبي الجهم نحوه ولم يذكر فيه هذه الجملة أي ولم يقضوا (ومجاهد عن ابن عباس) وسيجئ هذا الحديث (و) كذا رواه (عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة) وحديثه عند النسائي بلفظ تكون لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ركعة وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان (ويزيد الفقير) حديث يزيد من طريق عبد الرحمن ابن عبد الله المسعودي عنه عن جابر مرفوعا
[ 88 ]
عند النسائي بلفظ فصلى بالذين خلفه ركعة وسجد بهم سجدتين ثم إنهم انطلقوا وجاءت تلك الطائفة فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجد بهم سجدتين ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم فسلم الذين خلفه وسلم أولئك انتهى مختصرا وأخرج ابن أبي شيبة من طريق وكيع حدثنا المسعودي ومسعر عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال صلاة الخوف ركعة ركعة (وقد قال بعضهم عن شعبة) عن الحكم عن يزيد الفقير (أنهم قضوا ركعة أخرى) أخرج النسائي من طريق حجاج بن محمد عن شعبة عن الحكم عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله بلفظ فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان ولهم ركعة وكذا عند ابن أبي شيبة من طريق غندر عن شعبة نحوه وليس عندهما هذا اللفظ اي أنهم قضوا ركعة أخرى (وكذلك) أي كما روى هؤلاء (رواه سماك الحنفي) هو سماك بن الوليد اليمامي ثم الكوفي (وكذلك رواه زيد بن ثابت) أخرجه النسائي عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل صلاة حذيفة وأخرجه ابن أبي شيبة وأخرج الطحاوي بلفظ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصف صفا خلفه وصفا موازي العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم وفي لفظ له فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة (بكير بن الأخنس) الكوفي روى عنه أشعث والأعمش وأبو عوانة قال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي ثقة وأخرج له مسلم (وفي الخوف ركعة) قال النووي هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم الحسن البصري والضحاك وإسحاق بن راهويه وقال الشافعي ومالك والجمهور إن صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات فإن كانت في الحضر وجب أربع ركعات وإن كانت في السفر وجب ركعتان ولا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال وتأولوا حديث ابن عباس هذا على أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى ياتي بها منفردا كما جاءت
[ 89 ]
الاحاديث الصحيحة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الخوف وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة انتهى قال السندي قلت لا منافاة بين وجوب واحدة والعمل باثنتين حتى يحتاج إلى التأويل للتوفيق لجواز أنهم عملوا بالأحب والأولى والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه باب من قال إلخ (فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم) والحديث فيه دليل على أن من صفات صلاة الخوف أن يصلي
[ 90 ]
الإمام بكل طائفة ركعتين فيكون مفترضا في ركعتين ومتنفلا في ركعتين قال النووي وبهذا قال الشافعي وحكوه عن الحسن وادعى الطحاوي أنه منسوخ ولا تقبل دعواه إذ لا دليل لنسخه إنتهى وقال السندي فيه اقتداء المفترض بالمتنقل قطعا ولم أر لهم عنه جوابا شافيا انتهى (وكذلك في المغرب) وهو قياس صحيح والظاهر أنه من قول أبي داود ولكن أخرج البيهقي هذا الحديث من طريق أبي بكر محمد بن بكير عن أبي داود عن عبيدالله بن معاذ نحوه سندا ومتنا وفيه كذلك في المغرب إلى آخر القول ثم قال البيهقي وهذا أظنه من قول الأشعث وأخرج الدارقطني من طريق عمر والبكراوي حدثنا أشعث عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم صلاة المغرب ثلاث ركعات ثم انصرف وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاث ركعات فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ست ركعات وللقوم ثلاث ثلاث قال البيهقي في المعرفة ورواه عمر والبكراوي عن أشعث عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب وهو وهم والصحيح هو الأول أي قول أشعث (وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير) يعني في غير المغرب وحديثه عند مسلم بلفظ فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين قال فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان (وكذلك) أي كما رواه أبو سلمة عن جابر رواه سليمان اليشكري أيضا وهكذا روى الحسن عن جابر بن عبد الله ففي حديث هؤلاء كلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم ركعتين ثم سلم ثم صلى بالقوم الآخرين ركعتين ثم سلم فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات ولهؤلاء ركعتين ركعتين قال المنذري حديث أبي بكرة أخرجه النسائي انتهى ثم اعلم أنه قال الحافظ بن عبد البرفي التمهيد روى في صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم وجوه كثيرة فذكر منها ستة أوجه الأول ما دل عليه حديث ابن عمر قال به من الأئمة الأوزاعي وأشهب قال العيني وقال به أبو حنيفة وأصحابه قال ابن عبد البر الثاني حديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة قال به مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور الثالث حديث ابن مسعود قال به أبو حنيفة وأصحابه إلا أبا يوسف الرابع حديث أبي عياش الزرقي قال به ابن أبي ليلى والثوري الخامس حديث حذيفة قال به الثوري في مجيزه وهو المروي عن جماعة من الصحابة منهم حذيفة وابن عباس وزيد ابن ثابت وجابر بن عبد الله السادس حديث أبي بكرة
[ 91 ]
أنه صلى بكل طائفة ركعتين وكان الحسن البصري يفتي به وقد حكى المزني عن الشافعي أنه لو صلى في الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم كان جائزا قال وهكذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخل قال ابن عبد البر وروي أن صلاته هكذا كانت يوم ذات الرقاع وذكر أبو داود في سننه لصلاة الخوف ثمانية صور وذكرها ابن حبان في صحيحه تسعة أنواع وذكر القاضي عياض في الإكمال لصلاة الخوف ثلاثة عشر وجها وذكر النووي أنها تبلغ ستة عشر وجها ولم يبين شيئا من ذلك وقال الحافظ العراقي في شرح الترمذي قد جمعت طرق الأحاديث الواردة في صلاة الخوف فبلغت سبعة عشر وجها وبينها لكن يمكن التداخل في بعضها وحكى ابن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها عشر مرات وقال ابن العربي صلاها أربعا وعشرين مرة وبين القاضي عياض تلك المواطن وأطال الكلام فيه كذا في عمدة القاري مختصرا وفي التخليص رويت صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة عشر نوعا ذكرها ابن حزم في جزء مفرد وبعضها في صحيح مسلم ومعظمها في سنن أبي داود وذكر الحاكم منها ثمانية أنواع وابن حبان تسعة أنواع وقال ليس بينها تضاد ولكنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف مرارا والمرء مباح له أن يصلي ما شاء عند الخوف من هذه الأنواع وهي من الاختلاف المباح ونقل ابن الجوزي عن أحمد أنه قال ما أعلم في هذا الباب حديثا إلا صحيحا انتهى هذا كله ملخصا عن غاية المقصود باب صلاة الطالب (عن ابن عبد الله بن أنيس) قال المنذري هذا هو عبد الله بن عبد الله ابن أنيس جاء ذلك مبينا من رواية محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن إسحاق انتهى والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وحسن إسناده الحافظ في الفتح والحديث استدل به على جواز الصلاة عند شدة الخوف بالإيماء وهذا الاستدلال صحيح لا شك فيه لأن عبد الله بن أنيس فعل ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك زمان نزول الوحي ومحال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلع عليه وفعل الصحابي أيضا حجة ما لم يعارضه حديث مرفوع كذا في الغاية قال ابن المنذر كل من أحفظ عنه العلم يقول أن المطلوب يصلي على دابته يؤمى إيماء وإن كان طالبا نزل فصلى بالأرض قال الشافعي إلا أن ينقطع عن أصحابه فيخاف عود المطلوب عليه فيجزئه ذلك
[ 92 ]
وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل بخلاف المطلوب ووجه الفرق أن شدة الخوف في المطلوب ظاهرة لتحقق السبب المقتضي لها وأما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه وإنما يخاف أن يفوته العدو قال في الفتح وما نقله ابن المنذر متعقب بكلام الأوزاعي فإنه قيده بشدة الخوف ولم يستثن طالبا من مطلوب وبه قال ابن حبيب من المالكية وذكر أبو إسحاق الفزاري في كتاب السنن له عن الأوزاعي أنه قال إذا خاف الطالبون إن نزلوا الأرض فوت العدو وصلوا حيث وجهوا على كل حال والظاهر أن مرجع هذا الخلاف إلى الخوف المذكور في الآية فمن قيده بالخوف على النفس والمال من العدو فرق بين الطالب والمطلوب ومن جعله أعم من ذلك لم يفرق بينهما وجوز الصلاة المذكورة للراجل والراكب عند حصول أي خوف قاله في شرح المنتقي وقال في عمدة القاري ومذاهب الفقهاء في هذا الباب فعند أبي حنيفة إذا كان الرجل مطلوبا فلا بأس بصلاته سائرا وإن كان طالبا فلا وقال مالك وجماعة من أصحابه هما سواء كل واحد منهما يصلي على دابته وقال الأوزاعي والشافعي في آخرين كقول أبي حنيفة وهو قول عطاء والحسن والثوري وأحمد وأبي ثور وعن الشافعي إن خاف الطالب فوت المطلوب أومأ وإلا فلا انتهى (عرنة) بضم العين وفتح الراء والنون واد بحذاء عرفات (فأقتله) أي خالد بن سفيان (أن يكون بيني وبينه) أي خالد (ما) موصولة أي القتال والحرب أو الكيد والمكر (أن أوخر الصلاة) ولفظ أحمد أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة (نحوه) أي نحو عرنة فكان الاستقبال إلى غير القبلة (قال) خالد (إنك تجمع) العساكر (لهذا الرجل) أي لقتاله يعني النبي صلى الله عليه وسلم (في ذاك) الأمر وهذا الكلام ذو المعنيين ولقد صدق عبد الله بن أنيس فيما عنى به وما اطلع عدو الله خالد على هذه التورية (لفي ذاك) أي في جمع العساكر (فمشيت معه ساعة) لأجل التمكين والقدرة عليه (حتى إذا أمكنني) أي سهل وتيسر لي أمر المخادعة (حتى برد) أي مات
[ 93 ]
باب تفريع ابواب التطوع وركعات السنة (عن أم حبيبة) وهي أخت معاوية زوجة النبي صلى الله عليه وسلم (ثنتي عشرة) بسكون الشين وتكسر (ركعة) بسكون الكاف وإنما ذكر ذلك مع أنه من الواضحات لأنها على ألسنة كثير من العوام تجرى بفتحها لكون جمعها كذلك (بني له بهن بنات في الجنة) مشتمل على أنواع من النعمة قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (كان يصلي قبل الظهر) فيه استحباب النوافل الراتبة في البيت كما يستحب فيه غيرها وسواء فيه راتبة فرائض النهار والليل وقال مالك والثوري الأفضل فعل نوافل النهار الراتبة في المسجد وراتبة الليل في البيت قلت أخرج مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم صلى سنة الصبح والجمعة في بيته وهما صلاتا نهار مع قوله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وهذا عام صحيح صريح لا معارض له فليس لأحد العدول عنه وهو قول الشافعي والله أعلم (فإذا
[ 94 ]
قرأ وهو قائم ركع وسجد) أي ينتقل من القيام وكذا معنى قوله ركع وسجد وهو قاعد لكن هذا في بعض الأحيان وفي بعضها ينتقل من القعود إلى القيام ويقرأ بعض القراءة ثم ينتقل من القيام إلى الركوع والسجود ولم يرو عكس ذلك فكان صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل على ثلاثة أحوال قائما في كلها وقاعدا في بعضها ثم قائما انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا (كان يصلي قبل الظهر ركعتين) والتثنية لا تنافي الجمع وبه يحصل الجمع بينه وبين ما روي أنه كان لا يدع أربعا قبل الظهر (في بيته) الظاهر أنه قيد للأخيرة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (كان لا يدع) أي لا يترك (أربعا قبل الظهر) وهي سنة الظهر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعا في الأكثر ويصلي ركعتين أيضا والراجح هو الأربع قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي
[ 95 ]
باب ركعتي الفجر (لم يكن على شئ) أي على محافظة شئ (من النوافل) أي الزوائد على الفرائض من السنن (أشد) خبر لم يكن (معاهدة) أي محافظة ومداومة (منه) أي من تعاهده على السلام (على الركعتين قبل الصبح) قال الطيبي قولها على متعلقة بمعاهدة ويجوز تقديم معمول التمييز عليه والظاهر أن خبر لم يكن على شئ أي لم يكن يتعاهد على شئ من النوافل وأشد معاهدة حال أو مفعول مطلق على تأويل أن يكون المعاهد متعاهدا كقوله أو أشد خشية قاله علي القارئ والحديث فيه دليل على عظم فضلهما وأنهما أقوى وأوكد السنن الرواتب والمحافظة عليهما أشد من غيرهما واستدل به لمن قال بالوجوب وهو المنقول عن الحسن البصري ونقل أبو غسان مثله عن أبي حنيفة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (باب في تخفيفهما) (حتى إني لأقول) ليس المعنى أنها شكت في قراءته صلى الله عليه وسلم الفاتحة وإنما معناه أنه كان يطيل في النوافل ويرتل فلما خفف في قراءة ركعتي الفجر صار كأنه لم يقرأ بالنسبة إلى غيرها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 96 ]
(قرأ في ركعتي الفجر) فيه دليل لمذهب الجمهور أنه يستحب أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة ويستحب أن يكون هاتان السورتان أو الآيتان المذكورتان في رواية أخرى وقال مالك وجمهور أصحابه لا يقرأ غير الفاتحة وقال بعض السلف لا يقرأ شيئا وكلاهما خلاف هذه السنة الصحيحة التي لا معارض لها قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه ليؤذنه) من الإيذان بمعنى الإعلام (حتى فضحه الصبح) بالفاء والضاد المعجمة أي دهمته فضحة الصبح وهي بياضه والأفضح الأبيض ليس بشديد البياض وقيل فضحه أي كشفه وبينه للأعين بضوئه ويروي بالصاد المهملة وهو بمعناه وقيل معناه لما تبين الصبح جدا ظهرت غفلته عن الوقت فصار كما يفتضح بعيب ظهر منه ذكره في النهاية (وأخبره) أي أخبر بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصبحت جدا) أي ومع ذلك صليت الغافلة (لا تدعوهما) من الودع وهو الترك (وإن طردتكم الخيل) في معنى هذا الحديث تأويلان الأول لا تتركوا ركعتي الفجر وإن دفعتكم عبد الفرسان والركبان للرحيل يعني إن حان وقت رحيل الجيش وسار الجيش وعجل للرحيل فلا تتركوا في هذا الوقت المضيق أيضا وإن يستمر
[ 97 ]
الجيش ويترككم عليه ففيه غاية التأكيد لأداء سنة الفجر لأن العرب لا يتركون مصاحبة الجيش وفي فقدانها لهم مصائب عظيمة ومع أنه قد أمروا بإتيانهما قاله الشيخ المحدث السيد نذير حسين الدهلوي والثاني وإن طردتكم الخيل أي خيل العدو ومعناه إذا كان الرجل مثلا هاربا من العدو والعدو يركض فرسه ليقتله فلا ينبغي للمطلوب ترك ركعتي الفجر والمقصود التأكيد من الشارع في الإتيان بهما وعدم تركهما وإن كان في حالة شاقة كمن يطلبه العدو خلفه على الخيل ليقتله قاله الشيخ المحدث حسين بن محسن الأنصاري وقال العيني في شرح الهداية أي جيش العدو انتهى وقال المناوئ أبي في فتح القدير شرح الجامع الصغير لا تدعوا ركعتي الفجر أي صلاتهما وإن طردتكم الخيل خيل العدو بل صلوهما ركبانا ومشاة بالإيماء ولو لغير القبلة وهذا اعتناء عظيم بركعتي الفجر وحث على شدة الحرص عليهما حضرا وسفرا وأمنا وخوفا انتهى هذا ملخص من إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي الفجر قال المنذري في إسناده عبد الرحمن ابن إسحاق المدني ويقال فيه عباد بن إسحاق أخرج له مسلم واستشهد به البخاري ووثقه يحيى بن معين وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به وهو حسن الحديث وليس بثبت ولا قوي وقال يحيى بن سعيد القطان سألت عنه بالمدينة فلم يحمدوه وقال بعضهم إنملم يحمدوه في مذهبه فإنه كان قدريا فنفوه من المدينة فأما رواياته فلا بأس وقال البخاري مقارب الحديث وابن سيلان هو عبد ربه أبو سيلان جاء مبينا في بعض طرقه وقيل هو جابر بن سيلان وهو بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وآخره نون وقد رواه أيضا ابن المنكدر عن أبي هريرة (عن عبد الله بن عباس أن كثيرا إلخ قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 98 ]
(شك الدراوردي) هو عبد العزيز بن محمد باب الاضطجاع بعدها أي بعد سنة الفجر (فليضطجع على يمينه) قال في إعلام أهل البصرة بأحكام ركعتي الفجر ويسن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر على جنبه الأيمن سواء كان له تهجد بالليل أم لا وهذا هو الحق وهو المروي من حديث أربعة أنفس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأبو هريرة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو وتفصيل المقام فيه فارجع إليه (أما يجزئ) همزة استفهام وما نافية أي يكفي (ممشاه) أي مشيه (أكثر أبو هريرة) أي إكثارا يعود ضرره إليه من حيث السهو والخطأ ومن حيث تكلم الناس واعتراضهم (ولكنه اجترأ) من الجرأة بمعنى الإقدام على شئ (وجبنا) من الجبن صيغة ماض مع الغير وهو ضد الجرأة يقال جبن الرجل كنصر وكرم يريد أنه أقدم على الإكثار من الحديث وجبنا نحن عنه فكثر حديثه وقل حديثنا ذكره في فتح الودود قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد قيل إن أبا صالح لم يسمع هذا الحديث من أبي هريرة فيكون منقطعا انتهى وقال النووي في شرح مسلم إسناده على شرط الشيخين وقال في رياض الصالحين إسناده صحيح وقال زكريا الأنصاري في فتح العلام إسناده على شرط الشيخين انتهى
[ 99 ]
(فإن كنت مستيقظة حدثني) والحديث يدل على مشروعية الاضطجاع بعد صلاة ركعتي الفجر إلى أن يؤذن بالصلاة وقد اختلف في حكم هذا الاضطجاع على ستة أقوال الأول وهو الصحيح أنه مشروع على سبيل الاستحباب قال العراقي فمن كان يفعل ذلك أو يفتي به من الصحابة أبو موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة واختلف فيه على ابن عمر فروي عنه فعل ذلك كما ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه وروي عنه إنكاره وممن قال به من التابعين ابن سيرين وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيدالله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار قال ابن حزم وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث أنه حدثه قال كان الرجل يجئ وعمر بن الخطاب يصلي بالناس فيصلي ركعتين في مؤخر المسجد ويضع جنبه في الأرض ويدخل معه في الصلاة وممن قال باستحباب ذلك من الأئمة الشافعي وأصحابه وتمام الكلام في إعلام أهل العصر فليرجع إليه (وإن كنت نائمة أيقظني) أي للحديث أو للوتر قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (عمن حدثه) فاعل حيث زياد بن سعد والضمير المنصوب يرجع إلى من الموصولة (ابن أبي عتاب) بدل من من الموصولة واسمه زيد أو عبد الرحمن قاله المزي (أو غيره) أي غير ابن أبي عتاب فالشيخ لزياد بن سعد مجهول لا يدرى هو ابن أبي عتاب أو غيره (فإن كنت نائمة اضطجع) هذا محمول على اختلاف الأوقات (وإن كنت مستيقظة حدثني) قال ابن الملك فيه دليل على أن الفصل بين سنة الصبح وبين الفريضة جائز وعلى أن الحديث مع الأهل سنة
[ 100 ]
يعني من قال إن الكلام بين السنة والفرض يبطل الصلاة أو ثوابها فقوله باطل قال المنذري في إسناده رجل مجهول (لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة إلخ) فيه دليل على أن يوقظ مستيقظ النائم للصلاة قال المنذري في إسناده أبو الفضل الأنصاري وهو غير مشهور (أبو الفضيل) هكذا مصغرا في بعض النسخ والذي في التقريب أبو الفضل بن خلف الأنصاري وقيل فيه أبو المفضل بزيادة ميم وقيل أبو الفضل انتهى باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر (عن عبد الله بن سرجس قال جاء رجل) قال الخطابي في هذا دليل على أنه إذا صادف الإمام في الفريضة لم يشتغل بركعتي الفجر ويتركهما إلى أن يقضيهما بعد الصلاة (أيتهما صلاتك) مسألة إنكار يريد بذلك التهديد على فعله وفيه دلالة على أنه لا يجوز له أن يفعل ذلك وإن كان الوقت يتسع الفراغ منها قبل خروج الإمام من صلاته لأن قوله صلى الله عليه وسلم أو التي صليت معنا يدل على أنه أدرك الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من الركعتين هذا آخر كلام الخطابي وقال النووي في شرح مسلم فيه دليل على أنه لا يصلي بعد الإقامة نافلة وإن كان يدرك الصلاة مع الإمام ورد على من قال إن علم أنه يدرك الركعة الأولى والثانية يصلي النافلة وقال ابن عبد البر كل هذا إنكار منه لذلك الفعل فلا يجوز لأحد أن يصلي في المسجد شيئا من النوافل إذا قامت المكتوبة قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة
[ 101 ]
(أخبرنا حماد بن سلمة) وهو يروي عن عمرو بن دينار كما عند الدارمي (عن ورقاء) وهو يروي عن عمرو بن دينار كما عند مسلم (عن ابن جريج) يروى عن عمرو بن دينار (عن أيوب) عن عمرو بن دينار كما عند ابن ماجه (كلهم) أي حماد بن سلمة وورقاء وابن جريج وأيوب وزكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا رد على الطحاوي حيث قال أصل الحديث عن أبي هريرة لا عن النبي صلى الله عليه وسلم وتمام الكلام في الإعلام (إذا أقيمت الصلاة) والحديث يدل على أنه لا يجوز الشروع في النافلة عند إقامة الصلاة من غير فرق بين ركعتي الفجر وغيرهما وقد اختلفت الصحابة والتابعون ومن بعدهم في ذلك على تسعة أقوال أحدها الكراهة وهذا القول هو الصحيح لصحة الحديث في نهيه ولا معارض لحديث صحيح ثابت إلا مثله وليس في الجواز واحد من الحديث الصحيح المرفوع فإن قلت أخرج البيهقي في سننه الكبرى أنبأنا أبو بكر بن الحارث أنبأنا أبو محمد بن حيان حدثنا محمد بن إبراهيم بن داود حدثنا أبو عمرو الحلبي حدثنا حجاج ابن نصير عن عباد بن كثير عن ليث عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الصبح قلت قال البيهقي في آخر الحديث هذه الزيادة لا أصل لها وحجاج بن نصير وعباد بن كثير ضعيفان انتهى وقال ابن القيم في إعلام الموقعين فهذه الزيادة كاسمها زيادة في الحديث لا أصل لها انتهى وقد يعارض هذه الزيادة ما رواه البيهقي وابن عدي من طريق مسلم بن خالد الزنجي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة قيل يارسول الله ولا ركعتي الفجر قال ولا ركعتي الفجر قال الحافظ في الفتح إسناده حسن قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه قال أبو هريرة بظاهره وروى الكراهية فيه عن ابن عمر وسعيد بن جبير وابن سيرين وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وعطاء والشافعي وأحمد وروى الرخصة فيه عن ابن مسعود ومسروق
[ 102 ]
والحسن ومجاهد ومكحول وحماد بن أبي سليمان وروي عن عمر أنه كان يضرب على صلاة الركعتين بعد اقامة وذهب إليه بعض الظاهرية ورأوا أنه يقطع صلاته إذا أقيمت عليه الصلاة وكلهم يقولون لا يبتدئ نافلة بعد الإقامة لنهيه النبي صلى الله عليه وسلم باب من فاتته متى يقضيها (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الخطابي فيه بيان أن لمن فاتته الركعتان قبل الفريضة أن يصليهما بعدها قبل طلوع الشمس وأن النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس إنما هو فيما يتطوع به الإنسان إنشاء وابتداء دون ما كان له تعلق بسبب وقد اختلف الناس في وقت قضاء ركعتي الفجر فروي عن ابن عمر أنه قال يقضيهما بعد صلاة الصبح وبه قال عطاء وطاؤس وابن جريج وقالت طائفة يقضيهما إذا طلعت الشمس وبه قال القاسم بن محمد والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وقال أصحاب الرأي أحب قضاءهما إذا ارتفعت الشمس وإن لم يفعل فلا شئ عليه لأنه تطوع وقال مالك أحب أن يقضيهما ضحى إلى وقت زوال الشمس ولا يقضيهما بعد الزوال قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث سعد بن سعيد وذكر أن هذا الحديث إنما يروى مرسلا وإن إسناده ليس بمتصل محمد بن إبراهيم التيمي لم يسمع من قيس هذا آخر كلامه وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن بحينة قال أقيمت صلاة الصبح فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي والمؤذن يقيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتصلي الصبح أربعا وفي رواية يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعا وقال بعضهم هذه إشارة إلى علة المنع حماية للذريعة لئلا يطول الأمر ويكثر ذلك فيظن الظان أن الفرض قد تغير وفيه رد على من يجيز صلاة ركعتي الفجر في
[ 103 ]
المسجد والإمام يصلي الصبح وإن أدركها معه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن سرجس بأي الصلاتين اعتددت أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا انتهى (يحدث بهذا الحديث) قال البيهقي في المعرفة ورواه الحميدي وغيره عن سفيان عن سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن قيس جد سعد قال سفيان وكان عطاء بن أبي رباح يروي هذا الحديث عن سعد قال البيهقي ورواه عبد الله بن نمير عن سعد بن سعيد وأخرجه أبو داود في كتاب السنن ثم قال بعض الرواة فيه قيس بن عمرو وقال بعضهم قيس بن فهد وقيس بن عمرو أصح قال يحيى بن معين هو قيس بن عمرو ابن سهل جد يحيى بن سعيد بن قيس قال البيهقي يحيى وسعد أخوان انتهى (أن جدهم زيدا) هكذا في جميع النسخ الحاضرة وحذف لفظ زيد أصح قال الحافظ في الإصابة زيد جد يحيى بن سعيد الأنصاري ذكره أبو داود في باب من فاتته ركعتا الفجر فقال قال عبد ربه ويحيى ابنا سعيد صلى جدنا زيد مع النبي صلى الله عليه وسلم هكذا قرأت بخط شيخنا البلقيني الكبير في هامش نسخته من تجريد الذهبي ولم أر في النسخ المعتمدة من السنن لفظ زيد بل فيها جدنا خاصة فليحزر فإن نسب يحيى بن سعيد ليس فيه أحد يقال له زيد إلا زيد بن ثعلبة وهو جد أعلى جدا هلك في الجاهلية انتهى كذا في غاية المقصود باب الأربع قبل الظهر وبعدها (من حافظ) أي داوم وواظب (وأربع بعدها) ركعتان منها مؤكدة وركعتان مستحبة
[ 104 ]
فالأولى بتسليمتين (حرم على النار) أي حرمة الله على النار وفي رواية لم تمسه النار وفي رواية حرم الله على النار وفي أخرى حرم الله لحمه على النار وقد اختلف في معنى ذلك هل المراد أنه لا يدخل النار أصلا أو أنه وإن قدر عليه دخولها لا تأكله النار أو أنه يحرم على النار أن تستوعب أجزاءه وإن مست بعضه كما في بعض طرق الحديث عند النسائي بلفظ فتمس وجهه النار أبدا وهو موافق لقوله في الحديث الصحيح وحرم على النار أن تأكل مواضع السجود فيكون قد أطلق الكل وأريد البعض مجازا والحمل على الحقيقة أولى وأن الله تعالى يحرم جميعه على النار وفضل الله تعالى أوسع ورحمته أعم والحديث يدل على تأكد استحباب أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعده وكفى بهذا الترغيب باعثا على ذلك وظاهر قوله من صلى أن التحريم على النار يحصل مرة واحدة ولكنه قد أخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهما بلفظ من حافظ فلا يحرم على النار إلا المحافظ قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وذكر أبو زرعة وهشام بن عمارة وأبو عبد الرحمن النسائي أن مكحولا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان وصححه الترمذي من حديث أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة والقاسم هذا اختلف فيه فمنهم من يضعف روايته ومنهم من يوثقه (أربع) من الركعات يصليهن الإنسان (قبل الظهر) أي قبل صلاته أو قبيل دخول وقته وهو عند الزوال (ليس فيهن تسليم) أي ليس بين كل ركعتين منها فصل بسلام (تفتح لهن أبواب السماء) كناية عن حسن القبول وسرعة الوصول وتسمى هذه سنة الزوال وهي غير سنة الظهر صرح به الغزالي قاله المناوي قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال أبو داود
[ 105 ]
عبيدة ضعيف هذا آخر كلامه وعبيدة هذا هو ابن معتب الضبي الكوفي لا يحتج بحديثه وهو بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة باب الصلاة قبل العصر (رحم الله امرءا صلى قبل العصر أربعا) في النيل وفي الباب عن علي رضي الله عنه عند أهل السنن بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم وزاد الترمذي والنسائي وابن ماجه على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين وله حديث آخر بمعناه عند الطبراني في الأوسط وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبراني في الكبير والأوسط مرفوعا بلفظ من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار وعن أبي هريرة عند أبي نعيم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى أربع ركعات قبل العصر غفر الله له وهو من رواية الحسن عن أبي هريرة ولم يسمع منه وعن أم حبيبة عند أبي يعلى بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حافظ على أربع ركعات قبل العصر بنى الله له بيتا في الجنة وعن أم سلمة عند الطبراني في الكبير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى أربع ركعات قبل العصر حرم الله بدنه على النار والأحاديث المذكورة تدل على استحباب أربع ركعات قبل العصر والدعاء منه صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن فعل ذلك والتصريح بتحريم بدنه على النار مما يتنافس فيه المتنافسون قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن هذا آخر كلامه وأبو المثنى اسمه مسلم بن المثنى الكوفي القرشي وقال ابن مهران مؤذن المسجد الجامع بالكوفة وهو ثقة (كان يصلي قبل العصر ركعتين) أي أحيانا فلا ينافي ما تقدم من الأربع ومن جهة الاختلاف في الروايات صار التخيير بين الأربع والركعتين جمعا بين الروايتين والأربع أفضل قال المنذري عاصم بن ضمرة وثقه يحيى بن معين وغيره وتكلم فيه غير واحد
[ 106 ]
باب الصلاة بعد العصر (فردوني إلى أم سلمة) قال النووي فيه أنه يستحب للعالم إذا طلب منه تحقيق أمر مهم ويعلم أن غيره أعلم به أو أعرف بأصله أن يرشد إليه إذا أمكنه وفي الاعتراف لأهل الفضل بمزيتهم وفيه إشارة إلى أدب الرسول في حاجة وأنه لا يستقل فيها بتصرف لم يؤذن له فيه ولهذا لم يستقل كريب بالذهاب إلى أم سلمة لأنهم إنما أرسلوه إلى عائشة فلما أرشدته عائشة إلى أم سلمة وكان رسولا للجماعة لم يستقل بالذهاب حتى رجع إليهم فأخبرهم فأرسلوه إليها (فأرسلت إليه الجارية) فيه قبول خبر الواحد والمرأة مع القدرة على اليقين بالسماع من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقولي له تقول أم سلمة) إنما قالت عن نفسها تقول أم سلمة فكنت نفسها ولم تقل هند باسمها لأنها معروفة بكنيتها ولا بأس بذكر الإنسان نفسه بالكنية إذا لم يعرف إلا بها أو اشتهر بها بحيث لا يعرف غالبا إلا بها وكنيت بابنها سلمة بن أبي سلمة وكان صحابيا رضي الله عنه (فأشار بيده) فيه أن إشارة المصلي بيده ونحوها من الأفعال الخفيفة لا تبطل الصلاة
[ 107 ]
(فهما هاتان) فيه فوائد منها إثبات سنة الظهر بعدها ومنها أن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها وهو الصحيح ومنها أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي وإنما يكره ما لا سبب لها فإن قيل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم قلنا الأصل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به بل هنا دلالة ظاهرة على عدم التخصيص وهي أنه صلى الله عليه وسلم بين أنها سنة الظهر ولم يقل هذا الفعل مختص بي وسكوته ظاهر في جواز الاقتداء نعم إن المداومة عليهما من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلام النووي مختصرا وقال الحافظ ابن عبد البر إنما المعنى في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح والعصر على التطوع المبتدأ والنافلة وأما الصلوات المفروضات أو الصلوات المسنونات أو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليه من النوافل فلا يدخل في النهي واحتجوا بالإجماع في الصلاة على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح إذا لم يكن عند الغروب ولا عند الطلوع وبقوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس الحديث وبقوله من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها وبحديث قيس بن عمرو قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي بعد الصبح ركعتين الحديث وبحديث أم سلمة دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين الحديث قالوا ففي قضاء الرجل ركعتي الفجر وسكوته صلى الله عليه وسلم وقضائه الركعتين بعد الظهر وهما من السنة شغل عنهما فقضاهما بعد العصر دليل على أن نهيه عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو غير الصلوات المسنونات والمفترضات لأنه معلوم أن نهيه إنما أصبح على غير ما أباحه ولا سبيل إلى استعمال الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم إلا بما ذكر قال وفي صلاة الناس بكل مصر على الجنائز بعد الصبح والعصر دليل على ما ذكر هذا قول الشافعي وأصحابه في هذا الباب وقال الترمذي هو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح وقد أسرد الروايات في إعلام أهل العصر وقال في آخره فثبت من هذه الروايات أن قضاء الراتبة بعد العصر جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الظهر بعد صلاة العصر بعد نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر وهكذا نقول إن الصلوات المفروضات والسنن الرواتب تقضى بعد الفجر والعصر انتهى كلامه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
[ 108 ]
باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة فلا تكره الصلاة عنده بعد العصر إذا كانت الشمس حية بيضاء قال الحافظ ابن عبد البر قال طائفة من العلماء إنه لا بأس بالتطوع بعد الصبح وبعد العصر لأن النهي إنما قصد به إلى ترك الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها واحتجوا بأحاديث جماعة من الصحابة الذين رووا النهي عن الصلاة في هذه الأوقات واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة وبقوله صلى الله عليه وسلم لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها وبإجماع المسلمين على الصلاة على الجنائز بعد الصبح وبعد العصر إذا لم يكن عند الطلوع وعند الغروب قالوا فالنهي عن الصلاة بعد العصر والصبح هذا معناه وحقيقته قالوا ونهيه على قطع الذريعة لأنه لو أبيحت الصلاة بعد الصبح والعصر لم يؤمن التمادي فيهما إلى الأوقات المنهى عنها وهي حين طلوع الشمس وحين غروبها هذا مذهب ابن عمر وقال به جماعة ذكر عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن نافع سمع ابن عمر يقول أما أنا فلا أنهي أحدا يصلي من ليل ونهار غير أن لا يتحرى طلوع الشمس ولا غروبها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وروى مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر معناه وهو قول عطاء وطاووس وعمرو ابن دينار وابن جريج وروى عن ابن مسعود نحوه ومذهب ابن عمر في هذا الباب خلاف مذهب أبيه ومذهب عائشة في هذا الباب كمذهب ابن عمر لما روى ابن طاووس عن أبيه عن عائشة قالت وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة أن يتحراها طلوع الشمس أو غروبها انتهى كذا في إعلام أهل العصر وفي الفتح حكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنهما لا يتطوع بعدهما ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد به وقت الطلوع ووقت الغروب وتؤيده رواية أبي داود عن علي بإسناد حسن فدل على أن المراد بالبعدية ليس على عمومه وإنما المراد وقت الطلوع ووقت الغروب وما قاربها وأخرج البخاري في الحج من طريق عبد العزيز بن رفيع قال رأيت ابن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيتها إلا صلاهما وكأن ابن الزبير فهم من ذلك ما فهمته خالته عائشة انتهى
[ 109 ]
(إلا والشمس مرتفعة) فتجوز الصلاة مطلقا سواء كانت المكتوبة الفائتة أو سنة أو نفلا أو الجنازة قال المنذري وأخرجه النسائي (في إثر) بكسر الهمزة وسكون الثاء أي خلف (إلا الفجر والعصر) فلا يصلى بعدهما أي في المسجد لقطع الذريعة كما تقدم وإلا فقثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر في بيت عائشة رضي الله عنها وخفي ذلك على علي رضي الله عنه قال المنذري وقد تقدم الكلام على عاصم بن ضمرة (حتى تغرب الشمس) قال في الإعلام إن الأوقات التي نهي فيها عن الصلاة على نوعين أحدهما ما يتعلق الكراهة فيه بالفعل بمعنى أنه إن تأخر الفعل لم تكره الصلاة قبله وإن تقدم في أول الوقت كرهت وذلك في صلاة الصبح وصلاة العصر ففي هذا يختلف وقت الكراهة في الطول والقصر وثانيهما ما يتعلق فيه الكراهة بالوقت كطلوع الشمس إلى الارتفاع ووقت الاستواء ووقت الغروب ومحصل ما ورد من الأخبار في تعيين الأوقات التي تكره فيها الصلاة أنها خمسة عند طلوع الشمس وعند غروبها وبعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وعند الاستواء وترجع بالتحقيق إلى ثلاثة وقت الاستواء ومن بعد صلاة الصبح إلى أن ترتفع الشمس فيدخل فيه الصلاة عند طلوع الشمس وكذا من بعد صلاة العصر أن تغرب الشمس انتهى واعلم أن حديث عمر رضي الله عنه ظاهر في النهي عن الصلاة بعد الفجر والعصر وإن كانت قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها كما هو مذهب عمر وجماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة وقيد جماعة من الصحابة والتابعين الكراهة وقت الطلوع والغروب كما تقدم فقالوا
[ 110 ]
لا تكره الصلاة بعد الصبح ولا بعد العصر إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها وقوى هذا المعنى الإمام ابن المنذر قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن عمرو بن عبسة) بالحركات (أي الليل أسمع) قال الخطابي يريد أن أي أوقات الليل أرجى للدعوة وأولى للاستجابة (قال جوف الليل الآخر) أي ثلث الليل الآخر وهو الجزء الخامس من أسداس الليل (فإن الصلاة مشهودة) أي تشهدها الملائكة وتكتب أجر المصلين (ثم أقصر) أي انته عن الصلاة وكف عنها (فترتفع) فيه أن النهي عن الصلاة بعد الصبح لا يزول بنفس طلوع الشمس بل لابد من الارتفاع وقد وقع عند البخاري من حديث عمر بلفظ حتى تشرق الشمس والإشراق الإضاءة وفي حديث عقبة عند مسلم وأصحاب السنن حتى تطلع الشمس بازغة وذلك يبين أن المراد بالطلوع الارتفاع والإضاءة لا مجرد الظهور ذكر معنى ذلك القاضي عياض قال النووي وهو متعين لا عدول عنه للجمع بين الروايات (قيس رمح) بكسر القاف أي قدر رمح في رأي العين قال في النهاية القيس والقيد سواء أي القدر (فإنها) أي الشمس (تطلع بين قرني شيطان) قال النووي قيل المراد بقرني الشيطان حزبه وأتباعه وقيل غلبة أتباعه وانتشار فساده وقيل القرنان ناحيتا الرأس وأنه على ظاهره قال وهذا الأقوى ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة وحينئذ يكون له ولشيعته تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان (ويصلى لها) أي للشمس (الكفار) وعند مسلم وأحمد وحينئذ يسجد لها الكفار (ثم) أي بعد ارتفاعها قدر رمح (مشهودة مكتوبة) أي تشهدها الملائكة ويحضرونها وتكتب أجرها وذلك أقرب إلى القبول وحصول الرحمة (حتى يعدل الرمح ظله) ولفظ مسلم حتى يستقل الظل بالرمح قال النووي معناه أنه يقوم مقابله في الشمال ليس مائلا إلى
[ 111 ]
المشرق ولا إلى المغرب وهذا حالة الاستواء انتهى والمراد أنه يكون الظل في جانب الرمح ولم يبق على الأرض من ظله شئ وهذا يكون في بعض أيام السنة ويقدر في سائر الأيام عليه وقال الخطابي وهو إذا قامت الشمس قبل أن تزول وإذا تناهى قصر الظل فهو وقت اعتداله فإذا أخذ في الزيادة فهو وقت الزوال (فإن جهنم تسجر) بالسين المهملة والجيم والراء أي يوقد عليها إيقادا بليغا وقال الخطابي ذكر تسجير جهنم وكون الشمس بين قرني الشيطان وما أشبه ذلك من الأشياء التي تذكر على سبيل التعليل لتحريم شئ أو لنهي عن شئ من أمور لا تدرك معانيها من طريق الحس والعيان وإنما يجب علينا الإيمان بها (حتى تصلي العصر) قال في النيل فيه دليل على أن وقت النهي لا يدخل بدخول وقت العصر ولا بصلاة غير المصلي وإنما يكره لكل إنسان بعد صلاته نفسه حتى لو أخرها عن أول الوقت لم يكره التنقل قبلها انتهى قلت هذا هو الظاهر من الحديث وحمله الآخرون على وقت الغروب وعلى وقت الطلوع كما تقدم (لا أريده) أي يكون ذلك الخطأ مني بلا اختيار وتعمد قال المنذري وأخرجه الترمذي مختصرا بمعناه وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه هذا آخر كلامه وقد أخرج مسلم طرفا منه في أثناء الحديث الطويل (لا تصلوا بعد الفجر) أي بعد طلوعها (إلا سجدتين) أي سنة الفجر والحديث يدل على كراهة التطوع بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر قال الترمذي وهو مما أجمع عليه أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر قال الحافظ في التلخيص دعوى الترمذي الإجماع على الكراهة لذلك عجيب فإن الخلاف فيه مشهور حكاه ابن المنذر وغيره وقد أطنب في ذلك محمد ابن نصر في قيام الليل انتهى وطرق حديث الباب يقوي بعضها بعضا فتنهض للاحتجاج بها على الكراهة وقد أفرط ابن حزم فقال الروايات في أنه لا
[ 112 ]
صلاة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر ساقطة مطروحة مكذوبة كذا في النيل قلت وإدخال الحديث في الباب لا يخلو عن تكلف شديد قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه مختصرا وقال الترمذي هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث قدامة بن موسى وذكره البخاري في التاريخ الكبير وساق اختلاف الرواة فيه (إلا صلى بعد العصر ركعتين) قال الخطابي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت قيل إنه مخصوص بذلك وقيل إن الأصل فيه أنه صلاها يوما قضاء لفائت ركعتي الظهر وكان صلى الله عليه وسلم إذا فعل فعلا واظب عليه ولم يقطعه فيما بعد وقيل إنه صلى بعد العصر تنبيها لأمته أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر على وجه الكراهية لا على وجه التحريم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (ويواصل) أي في الصيام بأن يصوم ولا يفطر يومين أو أياما كذا في النهاية قلت رواية محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان عن عائشة مخالفة لما عند مسلم من رواية عبد الله بن طاؤس عن أبيه عن عائشة أنها قالت وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها فإنما مفاد كلامها في رواية ذكوان أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر ومفاد كلامها في رواية طاؤس أالنهي يتعلق بطلوع الشمس وغروبها ولا بفعل صلاة الفجر والعصر وثبت عنها أنها كانت تصلي بعد العصر كما عند الشيخين أن ابن عباس وغيره أرسل كريبا إلى عائشة يسألها عن الركعتين وقال قل لها إنا أخبرنا أنك تصليهما فتأويل قول عائشة الذي في رواية ذكوان أنها كانت ترى مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما من خصائصه وكانت تقول إنه صلى الله عليه وسلم لا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته وكان يحب ما خفف عنهم فهذا يرجع إلى استدامه لهما لا إلى أصل الصلاة في ذلك الوقت هذا ملخص من إعلام أهل العصر والله أعلم قال المنذري في إسناده محمبن إسحاق بن يسار وقد اختلف في الاحتجاج بحديثه
[ 113 ]
باب الصلاة قبل المغرب (صلوا قبل المغرب ركعتين) ولفظ البخاري قال في الثالثة لمن شاء هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قال صلوا قبل صلاة المغرب ثلاث مرات وكذا وقع في رواية الإسماعيلي ثلاث مرات وقال في الثالثة لمن شاء وفي رواية أبي نعيم صلوا قبل المغرب ركعتين قالها ثلاثا ثم قال لمن شاء (خشية) وفي البخاري كراهية أن يتخذها الناس سنة وانتصاب خشية وكراهية على التعليل ومعنى سنة طريقة لازمة يواظبون عليها قال في السبل أي طريقة مألوفة لا يتخلفون عنها فقد يؤدي إلى فوات أول الوقت وهو دليل على أنها تندب الصلاة قبل صلاة المغرب إذ هو المراد من قوله قبل المغرب لا أن المراد قبل الوقت لما علم من أنه منهي عن الصلاة فيه وفي رواية لابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين فثبت شرعيتهما بالقول والفعل انتهى وتجئ هذه الرواية قال المنذري وأخرجه البخاري بنحوه (محمد بن عبد الرحيم البزاز) بزائين معجمتين هكذا في تذكرة الحفاظ للذهبي ومحمد بن عبد الرحيم هذا المعروف بصاعقة وهكذا في تحفة الأشراف وفي بعض النسخ محمد بن عبد الرحيم البرقي وهو أيضا من شيوخ أبي داود والأول هو الأصح كذا في غاية المقصود (عن المختار بن فلفل) بضمتين (قلت) قول المختار الراوي (فلم يأمرنا ولم ينهنا) قال الطيبي أي لم يأمر من لم يصل ولم ينه من صلى انتهى وفيه تقرير منه عليه السلام قال النووي في هذه الروايات استحباب ركعتين بين المغرب وصلاة المغرب وفي
[ 114 ]
المسألة مذهبان للسلف واستحبهما جماعة من الصحابة والتابعين ومن المتأخرين أحمد وإسحاق ولم يستحبهما أكثر الفقهاء وحجة هؤلاء أن استحبابهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها قليلا وزعم بعضهم في جواب هذه الأحاديث أنها منسوخة والمختار استحبابها لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة وأما قولهم يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها وأما من زعم النسخ فهو مجازف لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس ههنا شئ من ذلك انتهى كلامه مختصرا وأخرج الإمام الحافظ محمد بن نصر في قيام الليل حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد حدثني أبي حدثنا حسين عن ابن بريدة أن عبد الله المزني حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين ثم قال صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال عند الثالثة لمن شاء خاف أن يحسبها الناس سنة قال العلامة أحمد بن علي المقريزي في مختصره هذا إسناد صحيح على شرط مسلم فإن عبد الوارث بن عبد الصمد احتج به مسلم والباقون احتج بهم الجماعة وقد صح في ابن حبان حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين قبل المغرب قال ابن حبان أخبرنا محمد بن خزيمة حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة أن عبد الله المزني حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين انتهى كلام المقريزي قال المنذري وأخرجه مسلم (بين كل أذانين) المراد بالأذانين الأذان والإقامة تغليبا وحديث عبد الله المزني وأنس يدل على استحباب هاتين الركعتين بخصوصها وحديث عبد الله ابن مغفل بعمومها وأخرج محمد بن نصر من حديث عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها سجدتان يعني ركعتين كذا في غاية المقصود مختصرا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (ما رأيت أحدا) الحديث سكت عنه المؤلف ثم المنذري فهو صالح الإسناد عندهما
[ 115 ]
وصححه العيني وابن الهمام وشعيب الراوي عن طاؤس هو شعيب بياع الطيالسة قال أبو زرعة لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه وكيع وابن أبي غنية وعمر بن عبيد الطنافسي وموسى بن إسماعيل قاله العيني وقال ابن حزم سنده لا يصح لأنه عن أبي شعيب أو شعيب ولا يدرى من هو انتهى وعندي أن هذا الحديث وهم من شعيب الراوي عن طاؤس وتفرد بروايته عن طاؤس وكيف تصح هذه الرواية وقد روى جماعة من الصحابة كعبد الله بن مغفل وأنس وعقبة بن عامر وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن في ذلك لمن أراد أن يصلي وفعل في عهده بحضرته فلم ينه عنه وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون قبل المغرب ركعتين فمن الصحابة أنس وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري وأبو الدرداء وجابر بن عبد الله وغيرهم ورواية هؤلاء مروية في قيام الليل لمحمد بن نصر كذا في الشرح (هو) أي الراوي عن طاؤس (شعيب) لا أبو شعيب (وهم شعبة) الراوي عن شعيب (في اسمه) فقال أبو شعيب بالكنية وإنما هو شعيب فشعبة وهم فيه وعلى كل حال هذا الراوي ليس بذاك القوي الذي يعارض حديثه بحديث الشيخين الذي هو في أعلى مرتبة الصحة ونازع في هذا الشيخ ابن الهمام في شرح الهداية وكلامه باطل وفاسد لا يعبأ به وقد أشيع الكلام في الرد عليه صاحب الدراسات فأجاد وأحسن كذا في الشرح لأخينا أبي الطيب باب صلاة الضحى قال الخطابي المراد وقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس وتلقي شعاعها انتهى قال القاري قيل التقدير صلاة وقت الضحى والظاهر أن إضافة الصلاة إلى الضحى بمعنى في كصلاة الليل وصلاة النهار فلا حاجة إلى القول بحذف المضاف وقيل من باب إضافة المسبب كصلاة الظهر وقال ميرك الضحوة بفتح المعجمة وسكون المهملة ارتفاع النهار والضحى بالضم والقصر شروقه لا وبه سمى صلاة الضحى والضحاء بالفتح والمد هو إذا علت الشمس إلى زيغ الشمس فما بعده وقيل وقت الضحى عند مضي
[ 116 ]
ربع اليوم إلى قبيل الزوال وقيل هذا وقته المتعارف وأما وقته فوقت صلاة الإشراق وقيل الإشراق أول الضحى قال النووي وإن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست (يحيى بن عقيل) بضم العين قاله السيوطي (على كل سلامى) هو بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل على كل مفصل صدقة قاله النووي وفي النهاية السلامى جمع سلامية أن وهي الأنملة من أنامل الأصابع وقيل واحده وجمعه سواء ويجمع على سلاميات وهي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان وقيل السلامى كل عظم مجوف من صغار العظام المعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة انتهى وقال الخطابي إن كل عضو ومفصل من بدنه عليه صدقة انتهى (وإماطة الأذى) أي إزالة الأذى (وبضعة أهله) البضع بضم الباء هو الجماع والمعنى مباشرته مع أهله (ويجزئ من ذلك كله) ويجزئ بفتح أوله وضمه فالضم من الإجزاء والفتح من جزى يجزي أي كفى ومنه قوله تعالى لا تجزى نفس وفي الحديث لا يجزئ عن أحد بعدك وفيه دليل على عظم فضل الضحى وكبير موقعها وأنها تصح ركعتين والحث على المحافظة عليها وفي الباب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي الضحى إلا أن يجئ من مغيبه وأنها ما رأته صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط قالت وإني لأسبحها وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يجب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم وفي رواية عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما يشاء وفي رواية ما شاالله وفي حديث أم هانئ أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات وفي حديث أبي ذر وأبي هريرة وأبي الدارداء ركعتان وهذه الأحاديث المروية في صحيح مسلم وغير كلها متفقة لا اختلاف بنيها عند أهل التحقيق وحاصلها أن الضحى سنة متأكدة وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وبينهما أربع أو ست كلاهما أكمل من ركعتين ودون ثمان وأما الجمع بين حديثي عائشة في نفي صلاته صلى الله عليه وسلم الضحى وإثباتها فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بعض الأوقات لفضلها ويتركها في بعضها خشية
[ 117 ]
أن تفرض كما ذكرته عائشة ويتأول قولها ما كان يصليها إلا أن يجئ من مغيبه على أن معناه ما رأيته كما قالت في الرواية الثانية ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات فإنه قد يكون في ذلك مسافرا وقد يكون حاضرا ولكنه في المسجد أو في موضع آخر وإذا كان عند نسائه فإنما كان لها يوم من تسعة فيصح قولها ما رأيته قال المنذري وأخرجه مسلم وفي الألفاظ اختلاف (وحديث عباد) من رواية أحمد بن منيع عنه عن واصل (أتم) من حديث مسدد عن حماد بن زيد عن واصل (ولم يذكر مسدد) في روايته (الأمر والنهي) كما ذكره أحمد بن منيع (زاد) أي مسدد في روايته (وقال كذا وكذا) هكذا أبهم ولم يذكر المشار إليه وصرح أحمد بن منيع به وهو ذكر الأمر والنهي (وزاد ابن منيع) دون مسدد (يقضي شهوته) أي يجامع أهله لقضاء شهوته (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أرأيت) أي أخبرني (لو وضعها) أي شهوته (في غير حلها) وهو الزنا (ألم يكن يأثم) ويرتكب المعصية (عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني) منسوب إلى قبيلة جهينة مصغرا (من قعد) أي استمر (في مصلاه) من المسجد أو البيت مشتغلا بالذكر أو الفكر أو مفيدا للعلم أو مستفيدا وطائفا بالبيت (حين ينصرف) أي يسلم (من صلاة الصبح حتى يسبح) أي إلى أن يصلي
[ 118 ]
(ركعتي الضحى) أي بعد طلوع الشمس وارتفاعها (لا يقول) أي فيما بينهما (إلا خيرا) أي وهو ما يترتب عليه الثواب واكتفى بالقول عن الفعل (غفر له خطاياه) أي الصغائر ويحتمل الكبائر قاله علي القارئ قال المنذري سهل بن معاذ بن أنس ضعيف والراوي عنه زبان بن فايد الحمراوي ضعيف أيضا ومعاذ بن أنس الجهني له صحبة معدود في أهل مصر والشام وزبان بفتح الزاي وبعدها باء موحدة مشددة مفتوحة وبعد الألف نون وفايد بالفاء وبعد الألف ياء آخر الحروف ودال مهملة (صلاة في إثر صلاة) أي صلاة تتبع صلاة وتتصل بها فرضا أو سنة أو نفلا (لا لغو بينهما) أي ليس بينهما كلام باطل ولا لغط واللغو اختلاط الكلام (كتاب في عليين) أي مكتوب ومقبول تصعد به الملائكة المقربون إلى عليين لكرامة المؤمن وعمله الصالح قاله المناوي قال المنذري قد تقدم الكلام على القاسم هذا واختلاف الأئمة في الاحتجاج بحديثه (يا ابن آدم) وفي بعض النسخ بحذف حرف النداء (لا تعجزني) يقال أعجزه الأمر إذا فاته أي لا تفوتني من العبادة قال الحافظ العراقي أي تفتني بأن لا تفعل ذلك فيفوتك كفايتي آخر النهار (في أول نهارك) يحتمل أن يراد بها فرض الصبح وركعتا الفجر أو أريد بالأربع المذكورة صلاة الضحى وإليه جنح المؤلف وعليه عمل الناس (أكفك آخره) يحتمل أن يراد كفايته من الآفات والحوادث الضارة وأن يراد حفظه من الذنوب والعفو عما وقع منه في ذلك أو أعم من ذلك قاله السيوطي قال الشوكاني واستدل بالحديث على مشروعية الضحى ولكنه لا يتم إلا على تسليم أنه أريد بالأربع المذكورة صلاة الضحى وقد قيل يحتمل أن يراد بها فرض الصبح وركعتا الفجر لأنها هي التي أول النهار حقيقة ويكون معناه كقوله صلى الله عليه وسلم من صلى
[ 119 ]
الصبح فهو في ذمة الله قال العراقي وهذا ينبئ على أن النهار هل هو من طلوع الفجر أو من طلوع الشمس والمشهور الذي يدل عليه كلام جمهور أهل اللغة وعلماء الشريعة أنه من طلوع الفجر قال وعلى تقدير أن يكون النهار من طلوع الفجر فلا مانع من أن يراد بهذه الأربع الركعات بعد طلوع الشمس لأن ذلك الوقت ما خرج عن كونه أول النهار وهذا هو الظاهر من الحديث وعمل الناس فيكون المراد بهذه الأربع ركعات صلاة الضحى انتهى وقد اختلف في وقت دخول الضحى فروى النووي في الروضة عن أصحاب الشافعي أن وقت الضحى يدخل بطلوع الشمس ولكن يستحب تأخيرها إلى ارتفاع الشمس وذهب البعض منهم إلى أن وقتها يدخل من الارتفاع وبه جزم الرافعي وابن الرفعة قال المنذري وأخرجه الترمذي من حديث أبي الدرداء وأبي ذر وقال حسن غريب هذا آخر كلامه وفي إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال ومن الأئمة من يصحح حديثه عن الشاميين وهذا الحديث شامي الإسناد وحديث أبي همار قد اختلف الرواة فيه اختلافا كثيرا وقد جمعت طرقه في جزء مفرد وحمل العلماء هذه الركعات على صلاة الضحى وقال بعضهم النهار يقع عند أكثرهم على ما بين طلوع الشمس إلى غروبها وأخرجه أبو داود والترمذي في باب صلاة الضحى وذكر بعضهم أن نعيم ابن همار روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا وذكر هذا الحديث وقد وقع لنا أحاديث من روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هذا وقد قيل في اسم أبيه هبار بالباء الموحدة وهدار بالدال المهملة وهمام بميمين وقيل خمار بالخاء المفتوحة المعجمة وقيل حمار بالحاء المهملة المكسورة انتهى (صلى سبحة الضحى ثماني ركعات) قال النووي هذا أوضح من حديثها الذي في الصحيح ويبين أن المراد به صلاة الضحى وبه يندفع توقف القاضي عياض وغيره في الاستدلال به قائلين إنها أخبرت عن وقت صلاته لا عن نيتها فلعلها كانت صلاة شكر لله تعالى على الفتح قال إسناد أبي داود في هذا الحديث صحيح على شرط البخاري انتهى (قال أحمد بن صالح) مقصوده ذكر اختلاف لفظ أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو فذكر أحمد بن
[ 120 ]
صالح لفظه سبحة الضحى أي صلى يوم الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات ولم يذكره ابن السرح بل قال صلى يوم الفتح ثمان ركعات قال المنذري أخرجه ابن ماجه (يوم فتح مكة اغتسل في بيتها) قال الحافظ بن حجر ظاهره أن الاغتسال وقع في بيتها ووقع في الموطأ ومسلم من طريق أبي مرة عن أم هانئ أنها ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل وجمع بينهما بأن ذلك تكرر منه ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أم هانئ وفيه أن أبا ذر ستره لما اغتسل وأن في رواية أبي مرة عنها أن فاطمة بنته هي التي سترته ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة وكانت هي في بيت آخر بمكة فجاءت إليه فوجدته يغتسل فيصح القولان وأما الستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل والآخر في أثنائه والله أعلم (وصلى ثمان ركعات) زاد كريب عن أم هانئ في الرواية المتقدمة يسلم من كل ركعتين وكذا أخرجه ابن خزيمة أيضا وفيه رد على من تمسك به في صلاتها موصولة سواء صلى ثمان ركعات أو أقل وفي الطبراني من حديث ابن أبي أوفى أنه صلى الضحى ركعتين فسألته امرأته فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح ركعتين وهو محمول على أنه روي من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ورأت أم هانئ بقية الثمان وهذا يقوي أنه صلاها مفصولة والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (فقالت لا إلا أن يجئ من مغيبه) بفتح الميم وكسر الغين أي من سفره قال الخطابي أخذ قوم بحديث عائشة فلم يروا صلاة الضحى وقالوا إن الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 121 ]
يوم الفتح هي سنة الفتح قال وهذا التأول لا يدفع صلاة الضحى لتواتر الروايات بها عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى حديث عائشة أنه ما صلاها معلنا بها ومذهب السلف الاستتار بها وترك إظهارها قال وحديث أبي هريرة للترغيب فيها لأنه صلى الله عليه وسلم لا يوصي بعمل إلا وفي فعله جزيل الأجر والثواب انتهى (يقرن) أي يجمع (بين السور) أي بين سور القرآن في ركعة واحدة (من المفصل) وهو السبع الأخير من القرآن قال الطيبي أوله سورة الحجرات لأن سوره قصار كل سورة كفصل من الكلام انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا (ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النووي أي ما يداوم عليها فيكون نفيا للمداومة لا لأصلها والله أعلم وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى هي بدعة فمحمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة لا أن أصلها في البيوت ونحوها مذموم أو يقال إن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الضحى وأمره بها وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى (ما سبح) أي ما صلى (سبحة الضحى) بضم السين أي نافلة الضحى (وإن كان) مخففة من مثقلة (ليدع) بفتح اللام وفتح الدال أي يترك (أن يعمل به) بفتح الياء أي يعمله وفيه بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته وفيه إذا تعارضت مصالح قدم أهمها انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (فإذا طلعت قام صلى الله عليه وسلم) أي لصلاة الإشراق أي للصلاة وهي الضحوة الصغرى يقال لها الإشراق والقيام إلى الصلاة هو ظاهر من تبويب المؤلف وفي رواية لمسلم حتى تطلع الشمس حسنا هو بفتح السين وبالتنوين أي طلوعا حسنا أي مرتفعة قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي بنحوه
[ 122 ]
باب صلاة النهار (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) قال الخطابي روي هذا عن ابن عمر نافع وطاؤس وعبد الله بن دينار لم يذكر فيها أحد صلاة النهار وإنما هو صلاة الليل مثنى مثنى إلا أن سبيل الزيادات أن تقبل وقد قال بهذا في النوافل مالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى يوم الفتح ثمان ركعات سلم عن كل ركعتين وصلاة العيد ركعتان وصلاة الاستسقاء ركعتان وهذه كلها من صلاة النهار وقال في النيل والحديث يدل على أن المستحب في صلاة تطوع الليل والنهار أن يكون مثنى مثنى إلا ما خص من ذلك إمامن جانب الزيادة كحديث عائشة صلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم صلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن وإما في جانب النقصان كأحاديث الإيثار بركعة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم ووقفه بعضهم وقال الصحيح ما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة الليل مثنى مثنى وروى الثقات عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه صلاة النهار وقال النسائي هذا الحديث عندي خطأ والله أعلم وقال الإمام الشافعي هكذا جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت وقد يروى عنه خبر يثبت أهل الحديث مثله في صلاة النهار وذكر حديث يعلى بن عطاء هذا وسئل البخاري عن حديث يعلى بن عطاء أصحيح هو فقال نعم وذكر البخاري في الصحيح عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال ما أدركت فقهاء أرضنا إلا يسلمون في كل اثنتين من النهار وذكر في الباب أحاديث تدل على ذلك وحكى ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين ثم ذكر المنذري كلام الخطابي الذي تقدم (الصلاة مثنى مثنى) قال العراقي يحتمل أن يكون المراد أنه يسلم في كل ركعتين
[ 123 ]
ويحتمل أن المراد أنه يتشهد في كل ركعتين وإن جمع ركعات بتسليم واحد فيكون قوله عقبه (أن تشهد في كل ركعتين) تفسير المعنى مثنى مثنى (وأن تبأس) أي تظهر بؤسا وفاقة قال الخطابي معناه إظهار البؤس والفاقة وقال أبو موسى المديني أي تظهر خضوعا وفقرا قال الخطابي أصحاب الحديث يغلطون شعبة في رواية هذا الحديث قال محمد بن إسماعيل البخاري أخطأ شعبة في هذا الحديث في مواضع قال عن أنس بن أبي أنس وإنما هو عمران بن أبي أنس وقال عن عبد الله بن الحارث وإنما عن عبد الله بن نافع عن ربيعة بن الحارث وربيعة بن الحارث هو ابن المطلب فقال هو عن المطلب والحديث عن الفضل بن عباس ولم يذكر فيه الفضل قلت ورواه الليث بن سعد عن عبد ربه بن سعيد عن عمران بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع عن ربيعة بن الحارث عن الفضل بن العباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح وقال يعقوب بن سفيان في هذا الحديث مثل قول البخاري وخطأ شعبة وصوب الليث بن سعد وكذلك قال محمد بن إسحاق بن خزيمة انتهى (وتمسكن) من المسكنة وقيل من السكون والوقار والميم مزيدة فيها قاله الخطابي أي تظهر سكونا ووقارا فميمه زائد وقال العراقي مضارع حذف منه أحد التائين (وتقنع بيديك) قال الخطابي إقناع اليدين رفعهما في الدعاء المسألة انتهى وجعل ابن العربي هذا الرفع بعد الصلاة فيها قال العراقي لا يتعين بل يجوز أن يراد الرفع في قنوت الصلاة في الصبح والوتر انتهى (وتقول اللهم اللهم) نداء معناه يا الله أي أعطني كذوكذا (فهي خداج) أي نقصان في الأجر والفضيلة قال المنذري وأخرجه البخاري وابن ماجه وفي حديث ابن ماجه المطلب بن أبي وداعة وهو وهم وقيل هو عبد المطلب بربيعة وقيل الصحيح فيه ربيعة بن الحارث عن الفضل بن عباس رضي الله عنهم وأخطأ فيه شعبة في مواضع وقال البخاري في التاريخ إنه لا يصح انتهى قلت هكذا في نسختين من المنذري وليس الحديث في صحيح البخاري أصلا وقال المزي في الأطراف حديث الصلاة مثنى مثنى أن تشهد في كل ركعتين أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه انتهى وهذا وهم من المنذري جرى القلم بلفظ البخاري مكان النسائي كذا في الشرح
[ 124 ]
باب صلاة التسبيح (يا عماه) إشارة إلى مزيد استحقاقه وهو منادى مضاف إلى ياء المتكلم فقلبت ياؤه ألفا وألحقت بهاء السكت كيا غلاماه (ألا أمنحك) أي ألا أعطيك منحة قال في المغرب المنح أن يعطي الرجل الرجل شاة أو ناقة ليشرب لبنها ثم يردها إذا ذهب درها هذا أصله ثم كثر استعماله حتى قيل في كل عطاء (ألا أحبوك) يقال حباه كذا وبكذا إذ أعطاه والحباء العطية كذا في النهاية وهو قريب المعنى وكرر ألفاظا متقاربة المعنى تقريرا للتأكيد قال السيوطي وأفرط ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في كتاب الموضوعات وأعله بموسى بن عبد العزيز قال إنه مجهول قال الحافظ أبو الفضل بن حجر في كتاب الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة أساء ابن الجوزي بذكر هذا الحديث في الموضوعات وقوله إن موسى بن عبد العزيز مجهول لم يصب فيه فإن ابن معين والنسائي وثقاه وقال في أمالي الأذكار هذا الحديث أخرجه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه البيهقي وغيرهم وقال ابن شاهين في الترغيب سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول سمعت أبي يقول أصح حديث في صلاة التسبيح هذا قال وموسى بن عبد العزيز وثقه ابن معين والنسائي وابن حبان وروى عنه خلق وأخرجه البخاري في جزء القراءة هذا الحديث بعينه وأخرج له في الأدب حديث في سماع الرعد وببعض هذه الأمور ترتفع الجهالة وممن صحح هذا الحديث أو حسنه غير من تقدم ابن مندة وألف في تصحيحه كتابا والآجري والخطيب وأبو سعد السمعاني وأبو موسى المديني وأبو الحسن بن المفضل والمنذري وابن الصلاح والنووي في تهذيب الأسماء وآخرون وقال الديلمي في مسند الفردوس صلاة التسبيح أشهر الصلوات وأصحها إسنادا وروى البيهقي وغيره عن أبي حامد الشرفي قال كنت عند مسلم بن الحجاج ومعنا هذا الحديث فسمعت مسلما يقول لا يروى فيها إسناد أحسن من هذا وقال الترمذي قد رأى ابن المبارك وغيره من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيها وقال البيقهي كان عبد الله بن المبارك يصليها وتداولها الصالحون بعضهم عن بعض وفيه تقوية للحديث المرفوع ولحديث ابن عباس هذا طرق
[ 125 ]
فتابع موسى بن عبد العزيز عن الحكم بن أبان إبراهيم بن الحكم ومن طريقه أخرجه ابن راهويه وابن خزيمة والحاكم وتابع عكرمة عن ابن عباس عطاء وأبو الجوزاء ومجاهد وورد حديث صلاة التسبيح أيضا من حديث العباس بن عبد المطلب وابنه الفضل وأبي رافع وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب وابنه عبد الله وأم سلمة والأنصاري الذي أخرج المؤلف حديثه وسيجئ وقال الزركشي غلط ابن الجوزي بلا شك في جعله من الموضوعات لأنه رواه من ثلاثة طرق أحدها حديث ابن عباس وهو صحيح وليس بضعيف فضلا عن أن يكون موضوعا وغاية ما علله بموسى بن عبد العزيز فقال مجهول وليس كذلك فقد روى عنه بشر بن الحكم وابنه عبد الرحمن وإسحاق بن أبي إسرائيل وزيد بن المبارك الصنعاني وغيرهم وقال فيه ابن معين والنسائي ليس به بأس ولو ثبتت جهالته لم يلزم أن يكون الحديث موضوعا ما ليكن في إسناده من يتهم بالوضع والطريقان الآخران في كل منهما ضعيف ولا يلزم مضعفهما أن يكون حديثهما موضوعا انتهى (عشر خصال) بالنصب على أنه مفعول للأفعال المتقدمة على سبيل التنازع قال التوربشتي الخصلة هي الخلة أي عشرة أنواع ذنوبك والخصال العشر منحصرة في قوله أوله وآخره وقد زادها إيضاحا بقوله عشر خصال بعد حصر هذه الأقسام أي هذه عشر خصال وقال ميرك فالخصال العشر هي الأقسام العشر من الذنوب وقال بعضهم المراد بالعشر الخصال التسبيحات والتحميدات والتهليلات والتكبيرات فإنها سوى القيام عشر عشر انتهى (أوله وآخره) بالنصب قال التوربشتي أي مبدأه ومنتهاه وذلك أن من الذنب مالا يواقعه الإنسان دفعه واحدة وإنما يتأتى منه شيئا فشيئا ويحتمل أن يكون معناه ما تقدم من ذنبه وما تأخر (سره وعلانيته) والضمير في هذه كلها عائد إلى قوله ذنبك وفي شرح العلامة الاردبيلي ههنا بحث شريف (أن تصلي) أن مفسرة لأن التعليم في معنى القول أو هي خبر مبتدأ محذوف والمقدر عائد إلى ذلك أي هو يعني المأمور به أن تصلي (في أول ركعة) أي قبل الركوع (خمس عشرة مرة) وفيه أن التسبيح بعد القراءة وبه أخذ أكثر الأئمة وأما ما كان عبد الله بن المبارك يفعله من
[ 126 ]
جعله خمس عشرة قبل القراءة وبعد القراءة عشرا ولا يسبح في الاعتدال فهو مخالف لهذا الحديث ووافقه النووي في الأذكار فجعل قبل الفاتحة عشرا لكنه أسقط في مقابلتها ما يقال في جلسة الاستراحة وقال بعضهم وفي رواية عن ابن المبارك أنه كان يقول عشرين في السجدة الثانية قال القارئ وهذا ورد في أثر بخلاف ما قبل القراءة (ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرا) أي بعد تسبيح الركوع فتقولها عشرا أي بعد التسبيح والتحميد (وأنت ساجد عشرا) أي بعد تسبيح السجود (ثم تسجد) أي ثانيا (ثم ترفع رأسك) أي من السجدة الثانية (فتقولها عشرا) أي قبل أن تقوم على ما في الحصن قال القاري وهو يحتمل جلسة الاستراحة وجلسة التشهد انتهى قلت الحديث الثاني فيه تصريح بأنه جلسة الاستراحة لا غيرها (فذلك) أي مجموع ما ذكر من التسبيحات (خمس وسبعون) مرة (في أربع ركعات) أي في مجموعها بلا مخالفة بين الأولى والثلاث فتصير ثلاث مائة تسبيحة وقال عبد الله بن المبارك ويبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم ثلاثا وفي السجود سبحان ربي الأعلى ثلاثا ثم يسبح التسبيحات المذكورة وقيل له إن سها في هذه الصلاة هل يسبح في سجدتي السهو عشرا عشرا قال لا إنما هي ثلاث مائة تسبيحة وذكر الترمذي عن ابن المبارك أنه قال إن صلاها ليلا فأحب إلى أن يسلم من كل ركعتين وإن صلاها نهارا فإن شاء سلم وإن شاء لم يسلم غير أن التسبيح الذي يقوله بعد الفراغ من السجدة الثانية يؤدي إلى جلس الاستراحة وكان عبد الله بن المبارك يسبح قبل القراءة خمس عشرة مرة ثم بعد القراءة عشرا والباقي كما في الحديث ولا يسبح بعد الرفع من السجدتين قاله الترمذي كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه ابن ماجه
[ 127 ]
(يرون) بصيغة المجهول أي يظنون (وأثيبك) أي أعطيك يقال أثابه الله إثابة جازاه وأثاب الله الرجل مثوبته أعطاه إياها (قال) النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتيته غدا (إذ زال النهار) أي زالت الشمس (فاستو جالسا ولا تقم حتى تسبح) وهذا تصريح في إثبات التسبيحات والتكبيرات والتحميدات والتهليلات في جلسة الاستراحة قال السيوطي في اللآلئ قال المنذري رواة هذا الحديث ثقات وقال الحافظ بن حجر لكن اختلف فيه على أبي الجوزاء فقيل عنه عن عبد الله بن عباس وقيل عنه عن عبد الله بن عمرو وقيل عنه عن عبد الله بن عمر مع الاختلاف عليه في رفعه ووقفه وقد أكثر الدارقطني من تخريج طرقه على اخلافها انتهى والحديث سكت عنه المنذري (المستمر بن الريان) قال علي بن سعيد عن أحمد بن حنبل إسناد حديث أبي الجوزاء ضعيف كل يروي عن عمرو بن مالك النكري وفيه مقال قلت له قد رواه المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء قال من حدثك قلت مسلم بن إبراهيم فقال المستمر شيخ ثقة وكأنه أعجبه قال الحافظ بن حجر فكأن أحمد لم يبلغه إلا من رواية عمرو بن مالك فلما بلغه متابعة المستمر أعجبه فظاهره أنه رجع عن تضعيفه كذا في اللآلئ (عن ابن عباس قوله)
[ 128 ]
موقوفا عليه (وقال) الراوي (في حديث روح) هذه الجملة التالية (فقال) أي ابن عباس رضي الله عنه (حديث النبي صلى الله عليه وسلم) أي هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أي مرفوعا ولا أقول لكم من قبل نفسي وفي بعض النسخ حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة المتكلم قال الحافظ بن حجر في أمالى الأذكار ورواية روح وصلها الدارقطني في كتاب صلاة التسبيح من طريق يحيى بن يحيى النيسابوري عنه وأخرجه الطبراني في الأوسط عن إبراهيم بن محمد الصنعاني عن أبي الوليد هشام بن إبراهيم المخزومي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير عن عبد القدوس ابن حبيب عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا وعبد القدوس شديد الضعف كذا في اللآلئ (حدثني الأنصاري) قال الحافظ في أمالي الأذكار والأنصاري غير مسمى قال المزي قيل إنه جابر بن عبد الله وأن ابن عساكر أخرج في ترجمة عروة بن رويم أحاديث عن جابر وهو الأنصاري فجوز أن يكون هو الذي ههنا لكن تلك أحاديث من رواية غير محمد بن مهاجر عن عروة قال وقد وجدت في ترجمة عروة هذا من الشاميين للطبراني حديثين أخرجهما من طريق أبي توبة الربيع بن نافع بهذا السند بعينه فقال فيهما حدثني أبو كبشة الأنماري فلعل الميم كبرت قليلا فأشبهت الصاد فإن يكن كذلك فصحابي هذا حديث أبي كبشة وعلى التقديرين فسند هذا الحديث لا ينحط عن درجة الحسن فكيف إذا ضم إلى رواية أبي الجوزاء عن عبد الله ابن عمرو كذا في اللآلئ هذا ملخص من غاية المقصود قال المنذري وقد أخرج حديث صلاة التسبيح الترمذي وابن ماجه من حديث أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الترمذي هذا حديث غريب من حديث أبي رافع وقال أيضا وروعن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث في صلاة التسبيح ولا يصح منه كبير شئ وقا أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي الحافظ ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت هذا آخكلامه وقد وقع لنا حديث صلاة التسبيح من حديث العباس بن عبد المطلب وأنس بن مالك وغيرهما وفي كليهما مقال وأمثل الأحاديث فيها حديث عكرمة عن ابن عباس الذي ذكرناه أول هذا الباب فإن أبا داود وابن ماجه أخرجاه عن عبد الرحمن بن بشبن الحكم العبدي النيسابوري وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه في صحيحيهما عن موسى بن عبد العزيز وهو أبو سعيد العدني القنباري روى عنه عبد الرحمن بن بشر بن الحكم ومحمد بن الحكم بن أسد الخشني وقال يحيى بن
[ 129 ]
معين لا أرى به بأسا عن الحكم بن أبان وقد وثقه يحيى بن معين أحد العباد وعكرمة مولى ابن عباس وإن كان قد تكلم فيه جماعة فقد وثقه جماعة واحتج به البخاري في صحيحه انتهى كلامه وفي التلخيص والحق أن طرقه كلها ضعيفة وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر وموسى بن عبد العزيز وإن كان صادقا صالحا فلا يحتمل منه هذا التفرد وقد ضعفها ابن تيمية والمزي وتوقف الذهبي حكاه ابن عبد الهادي عنهم في أحكامه انتهى باب ركعتي المغرب أين تصليان (الفطري) بكسر الفاء وسكون الطاء قال الحافظ (كعب بن عجرة) بضم العين وسكون الجيم (بني عبد الأشهل) طائفة من الأنصار (رآهم يسبحون) أي يتطوعون ويصلون نافلة (فقال هذه) أي النوافل (صلاة البيوت) أي الأفضل كونها فيها لأنها أبعد من الرياء وأقرب إلى الإخلاص لله تعالى ولأنه فيه حظ للبيوت من البركة في القوت والظاهر أن هذا إنما هو لمن يريد الرجوع إلى بيته بخلاف المعتكف في المسجد فإنه يصليها فيه ولا كراهة بالاتفاق وفي رواية الترمذي والنسائي قام ناس يتنفلون فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بهذه الصلاة في البيوت انتهى قال الذهبي في الميزان إن إسحاق بن كعب تابعي مستور تفرد بحديث سنة المغرب وهو غريب جدا انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والصحيح ما روي عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين بعد المغرب في بيته
[ 130 ]
(يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب) أي أحيانا لما روى ابن ماجه أنه كان يقرأ فيهما الكافرون والإخلاص (حتى يتفرق أهل المسجد) ظاهره أنه كان يصليهما في المسجد فيحمل على أن فعلهما فيه لعذر منعه من دخول البيت والأظهر أنه يحمل على بيان الجواز (رواه نصر المجدر) هو نصر بن زيد الهاشمي أبو الحسن البغدادي والمجدر على وزن معظم لقب نصر بن زيد كذا فإن التاج (القمي) بضم القاف وتشديد الميم المكسورة (وأسنده) أي جعله موصولا كما رواه موصولا طلق ابن غنام بذكر ابن عباس وأما أحمد بن يونس وسليمان بن داود فلم يذكرا في روايتهما ابن عباس لكن قال يعقوب القمي كل شئ حدثتكم عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو مسند عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فصار الحديث موصولا قال المنذري في إسناده يعقوب بن عبد الله وهو القمي الأشعري كنيته أبو الحسن قال الدارقطني ليس بالقوي انتهى باب الصلاة بعد العشاء (العكلي) بضم العين المهملة وسكون الكاف (إلا صلى أربع ركعات) أي ركعتان
[ 131 ]
مؤكدة بتسليمة وركعتان مستحبة قاله القاري (أو ست ركعات) يحتمل الشك والتنويع فركعتان نافلة قاله القاري وقال الزرقاني في شرح المواهب قالت عائشة ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل بيتي إلا صلى أربع ركعات أي تارة أو ست ركعات أي أخرى فليست أو للشك وفي مسلم قالت عائشة ثم يصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين وكذا في حديث ابن عمر الشيخين ومفاد الأحاديث أنه كان يصلي بحسب ما تيسر ركعتين وأربعا وستا إذا دخل بيته بعد العشاء انتهى (ولقد مطرنا) بصيغة المجهول (فطرحنا له) أي فرشنا وبسطنا له على الأرض (نطعا) بكسر النون وفتح الطاء على وزن عنب قاله السيوطي وغيره وهو المتخذ من الأديم والجلد ليصلي عليه ولا تصل إليه رطوبة الأر ض الندى قالت عائشة وإني أحفظ هذه الواقعة (فكأني أنظر إلى ثقب) أي خرق الذي كان (فيه) أي النطع (ينبع الماء) من باب نصر وضرب وفتح أي يخرج ويجري الماء (منه) أي من الثقب الذي كان في النطع ووصل الماء إلى قريب النطع فأصابه وقالت عائشة في كيفية تواضع النبي صلى الله عليه وسلم (وما رأيته) أي النبي صلى الله عليه وسلم (متقيا) من الاتقاء أي مجتنبا (الأرض) أي من الأرض الندى أو اليابسة (بشئ من ثيابه قط) بشئ متعلق بقولها متقيا أي بسبب صيانة الثياب من الطين والتراب والله أعلم كذا في الشرح
[ 132 ]
باب نسخ قيام الليل والتيسير فيه (قال في المزمل) أي في سورة المزمل يقال تزمل وتدثر بثوبه إذا تغطى به أراد يا أيها النائم قم فصل قال العلماء كان هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي قبل تبليغ الرسالة ثم خوطب بعد بالنبي والرسول (قم الليل) أي للصلاة (إلا قليلا) وكان القيام فريضة في الابتداء ثم بين قدره فقال تعالى نصفه أو أنقص منه قليلا أي إلى الثلث أو زد عليه أي على النصف إلى الثلثين خيره بين هذه المنازل فكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يقومون على هذه المقادير وكان الرجل لا يدري متى ثلث الليل ومتى النصف ومتى الثلثان فكان يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم فرحمهم الله وخففه عنهم ونسخها الله تعالى بقوله الآتي كما قال الراوي (نسختها) أي هذه الآية (الآية) الأخرى (التي فيها) أي في هذه السورة وهو قوله (علم أن لن تحصوه) أي لن تطيقوه (فتاب عليكم) أي فعاد عليكم بالعفو والتخفيف (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) من غير تحديد الوقت لكن قوموا من الليل ما تيسر عبر عن الصلاة بالقراءة فهذه الآية نسخت الذي كان الله أوجبه على المسلمين أولا من قيام الليل واختلفوا في المدة التي بينهما سنة أو قريب منها أو ستة عشر شهرا أو عشر سنين أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم قلما ينام من الليل لما قال الله له قم الليل إلا قليلا وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس قال لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر
[ 133 ]
رمضان حتى أنزل آخرها وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة وأخرج ابن جرير وغيره عن أبي عبد الرحمن السلمي قال لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت فاقرؤوا ما تيسر منه فاستراح الناس وأخرج ابن جرير وغيره عن سعيد بن جبير قال لما نزلت يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا مكث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه فأنزل الله بعد عشر سنين إن ربك يعلم أنك تقوم إلى قوله فأقيموا الصلاة فخفف الله عنهم بعد عشر سنين كذا في الدر المنثور (وناشئة الليل أوله) أي أول الليل هذا تفسير من ابن عباس في معنى ناشئة الليل وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله تعالى إن ناشئة الليل قال قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا نشأ وأخرجه أيضا في سننه عن ابن أبي مليكة قال سألت ابن عباس وابن الزبير عن ناشئة الليل قالا قيام الليل (وكانت صلاتهم) أي الصحابة (لأول الليل) أي كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقومون للتهجد في أول الليل خشية أن لا يقومون بعد نومهم فيفوت عنهم الفرض وهو قيام الليل (يقول) أي ابن عباس (هو) قيام أول الليل (أجدر) أي أليق وأحرى (وقوله) تعالى (أقوم قيلا) قال ابن عباس في تفسيره (هو أجدر أن يفقه في القرآن) لأن قيام الليل أصوب قراءة وأصح قولا من النهار لسكوت الأصوات في الليل فيتدبر في معاني القرآن (يقول) ابن عباس في تفسير قوله سبحا طويلا أي فراقا طويلا أي لك تقلبا وإقبالا وإدبارا في حوائجك وتصرفا في أشغالك لا تفرغ فيه لتلاوة القرآن فعليك بها في الليل الذي هو محل الفراغ قال المنذري في إسناده علي بن الحسين بن واقد المروزي وفي مقال (وكان بين أولها) أي أول السورة وهو قوله قم الليل إلا قليلا (وآخرها) أي السورة (سنة) واحدة وقيل أكثر من ذلك وتقدم بيانه آنفا قال المنذري وقد صح محديث عائشة أنها قالت وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء انتهى
[ 134 ]
باب قيام الليل (يعقد) بكسر القاف أي يشد (على قافية رأس أحدكم) أي قفاه ومؤخره وقيل وسطه (ثلاث عقد) جمع عقدة والمراد بها عقد الكسل أي يحمله الشيطان عليه قاله ابن الملك قال الطيبي أراد تثقليه وإطالته فكأنه قد شد عليه شدا وعقده ثلاث عقد قال البيضاوي القافية القفا وقفا كل شئ وقافيته آخره وعقد الشيطان على قافيته استعارة عن تسويل الشيطان وتحبيبه النوم إليه والدعة والاستراحة والتقييد بالثلاث للتأكيد أو لأن الذي ينحل به عقدته ثلاثة أشياء الذكر والوضوء والصلاة وكأن الشيطان منعه عن كل واحدة منها بعقدة عقدها على قافيته ولعل تخصيص القفا لأنه محل الواهمة ومحل تصرفها وهو أطوع القوى للشيطان وأسرع إجابة لدعوته (يضرب) أي بيده تأكيدا أو إحكاما (مكان كل عقدة) قيل معنى يضرب يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ قال ميرك واختلف في هذا العقد فقيل على الحقيقة كما يعقد الساحر من يسحره ويؤيده ما ورد في بعض طرق الحديث إن على رأس كل آدمي حبلا فيه ثلاث عقد وذلك عند ابن ماجه ونحوه لأحمد وابن خزيمة وابن حبان وقيل على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم من منعه من الذكر والصلاة بفعل الساحر بالمسحور من منعه عن مراده (عليك ليل طويل) وهكذا وقع في جميع روايات ليل بالرفع وقال القاضي عياض رواية الأكثر عن مسلم بالنصب على الإغراء وقال الطيبي عليك ليل طويل مع ما بعده أي قوله (فارقد) مفعول للقول المحذوف أي يلقي الشيطان على كل عقدة يعقدها هذا القول وهو عليك ليل طويل (فإن استيقظ) أي من نوم الغفلة (فذكر الله) بقلبه أو لسانه (انحلت) أي انفتحت (عقدة) أي عقدة الغفلة (فإن توضأ انحلت عقدة) أي عقدة النجاسة (فإن صلى انحلت عقدة) أي عقدة الكسالة والبطالة قال الحافظ بن حجر وقع بلفظ الجمع أي عقدة بغير اختلاف في رواية البخاري وفي الموطأ بلفظ الإفراد (فأصبح) أي دخل في الصباح أو صار (نشيطا) أي للعبادة (طيب النفس) أي ذات فرح لأنه تخلص عن وثاق الشيطان وتخفف عنه
[ 135 ]
أعباء الغفلة والنسيان وحصل له رضا الرحمن (وإلا) أي وإن لم يفعل كذلك بل أطاع الشيطان ونام حتى تفوته صلاة الصبح ذكره ميرك والظاهر حتى تفوته صلاة التهجد (أصبح خبيث النفس) محزون القلب كثير الهم متحيرا في أمره (كسلان) كذا في النسخ وفي بعضها كسلانا أي لا يحصل مراده فيما يقصده من أموره لأنه مقيد بقيد الشيطان ومبعد عن قرب الرحمن ذكره علي القاري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (وكان إذا مرض أو كسل) أي تعب والحديث يدل على جواز التنفل قاعدا من له كسل مع القدرة على القيام قال النووي وهو إجماع العلماء قال ابن حجر المكي ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام أن ثواب تطوعه جالسا كهو قائما لأن الكسل المقتضي لكون أجر القاعد على النصف من أجر القائم كما في الصحيح مأمون في حقه عليه السلام انتهى وفيه أن كل من صلى جالسا ضرورة فرضا أو نفلا يكون ثوابه كاملا فلا يعد مثل هذا من الخصائص اللهم إلا أن يراد به الإطلاق سواء جلوسه يكون بعذر أو بغير عذر قاله علي القاري وأخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة قال فأتيته فوجدته يصلي جالسا قلت يارسول الله إنك قلت صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا قال أجل ولكني لست كأحد منكم والحديث سكت عنه المنذري (قام من الليل) أي بعضه (فصلى) أي التهجد (وأيقظ امرأته) بالتنبيه أو الموعظة وفي معناها محارمه (فإن أبت) أي امتنعت لغلبة النوم وكثرة الكسل (نضح) أي رش (في وجهها الماء) والمراد التلطف معها والسعي في قيامها لطاعة ربها مهما أمكن قال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وقال ابن الملك وهذا يدل على أن إكراه أحد على الخير يجوز بل
[ 136 ]
يستحب (رحم الله امرأة قامت من الليل) أي وفقت بالسبق (فصلت وأيقظت زوجها) والواو لمطلق الجمع وفي الترتيب الذكرى إشارة لطيفة لا تخفى وفيه بيان حسن المعاشرة وكمال الملاطفة والموافقة كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي إسناده محمد بن عجلان وقد وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي واستشهد به البخاري وأخرج له مسلم في المتابعة وتكلم فيه بعضهم (إذا أيقظ الرجل أهله) أي امرأته أو نسائه وأولاده وأقاربه وعبيده وإماءه (من الليل) أي في بعض أجزاء الليل (فصليا) أي الرجل والمرأة أو الرجل وأهله (أو صلى) أي كل واحد منهما (ركعتين جميعا) قال الطيبي حال مؤكدة من فاعل فصليا على التثنية لا الإفراد لأنه ترديد من الراوي فالتقدير فصليا ركعتين جميعا ثم أدخل أو صلى في البين فإذا أريد تقييده بفاعله يقدر فصلى وصلت جميعا فهو قريب من التنازع انتهى وهو يفيد أن جميعا ليس بقيد لقوله فصلى مع أنه خلاف الظاهر لأنه لو كان كذلك لقال فصليا جميعا أو صلى فالصحيح أن الشك إنما هو بين الإفراد والتثنية والبقية على حالها فيقال حينئذ إن جميعا حال من معنى ضمير فصلى وهو كل واحد منهما كقوله تعالى ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا كذا في المرقاة (كتبا) أي الصنفان من الرجال والنساء وفي بعض النسخ كتب (في الذاكرين) أي الله كثيرا أي في جملتهم (والذاكرات) كذلك وفي الحديث إشارة إلى تفسير الآية الكريمة والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما (ولم يرفعه ابن كثير) والحاصل أن محمد بن حاتم رفعه وجعل من مسندات أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأما محمد بن كثير عن سفيان فلم يرفع الحديث ولا ذكر أبا هريرة بل جعله من كلام أبي سعيد موقوفا عليه وأما
[ 137 ]
عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان فقال في روايته وأراه أي أظن أن سفيان ذكر أبا هريرة وعلى كل حال هذا الحديث من طريق سفيان عن مسعر موقوف على الصحابي ومن طريق شيبان عن الأعمش مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه مسندا باب النعاس في الصلاة (قال إذا نعس) بفتح العين وبكسر والنعا س أول النوم ومقدمته (فليرقد) الأمر للاستحباب فيترتب عليه الثواب ويكره له الصلاة حينئذ (فإن أحدكم) علة للرقاد وترك الصلاة (لعله) استئناف بيان لما قبله (يذهب يستغفر) أي يريد أن يستغفر (فيسب) بالنصب ويجوز الرفع قاله الحافظ العسقلاني (نفسه) أي من حيث لا يدري قال ابن الملك أي يقصد أن يستغفر لنفسه بأن يقول اللهم أغفر فيسب نفسه بأن يقول اللهم اعفر والعفر هو التراب فيكون دعاء عليه بالذل والهوان وهو تصوير مثال من الأمثلة ولا يشترط إليه التصحيف والتحريف وقال ابن حجر المكي بالرفع عطفا على يستغفر وبالنصب جوابا للترجي ذكره في المرقاة قال النووي وفيه الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط وفيه أمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس وهذا عام في صلاة الفرض والنفل في الليل والنهار وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور لكن لا يخرج فريضة عن وقتها قال القاضي وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنها محل النوم غالبا انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فاستعجم القرآن) أي استغلق ولم ينطلق به لسانه لغلبة النعاس قاله النووي وفي النهاية أي ارتج عليه فلم يقدر أن يقرأ كأنه صار به عجمة انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي
[ 138 ]
(وحبل ممدود بين ساريتين) أي الأسطوانتين المعهودتين (فإذا أعيت) أي فترت عن القيام (ليصل) بكسر اللام (نشاطه) بفتح النون أي ليصل أحدكم وقت نشاطه أو الصلاة التي نشط لها (أو فتر) في أثناء القيام (فليقعد) ويتم صلاته قاعدا أو إذا فتر بعد فراغ بعض التسليمات فليقعد لإيقاع ما بقي من نوافله قاعدا أو إذا فتر بعد انقضاء البعض فليترك بقية النوافل جملة إلى أن يحدث له نشاط أو إذا فتر بعد الدخول فيها فليقطعها كذا في إرشاد الساري قال النووي والحديث فيه الحث على الاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق والأمر بالإقبال عليها بنشاط وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور وفيه إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه وفيه جواز التنفل في المسجد فإنها كانت تصلي النافلة فيه فلم ينكر عليها انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي باب من نام عن حزبه الحزب بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها باء موحدة الورد والمراد هنا الورد من القرآن وقيل المراد ما كان معتاده من صلاة الليل (أبو صفوان) هو يروي عن يونس (قالا) أي سليمان بن داود ومحمد بن سلمة المرادي (أخبرنا ابن وهب) وأبو صفوان كلاهما يرويان عن يونس (قالا) أي سليمان ومحمد (عن ابن وهب) في حديثه أن عبد الرحمن بن عبد
[ 139 ]
القاري وأما أبو صفوان فقال عن يونس إن عبد الرحمن بن عبد بإسقاط لفظ القاري وهذا هو الفرق بين روايتهما وعبد الرحمن هذا هو ابن عبد بغير إضافة والقاري بتشديد الياء منسوب إلى القارة قبيلة مشهورة بجودة الرمي (أو عن شئ منه) أي من الحزب والحديث يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل وعلى مشروعية قضائه إذا فات لنوم أو عذر من الأعذار وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كان كمن فعله في الليل وفي استحباب قضاء التهجد إذا فاته من الليل ولم يستحب أصحاب الشافعي قضاءه إنما يستحبوا قضاء السنن الرواتب قاله الشوكاني (كتب له) قال القرطبي هذا الفضل من الله تعالى وهذه الفضيلة إنما تحصل لمن غلبه نوم أو عذر منعه من القيام مع أن نيته القيام قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه باب من نوى القيام فنام (عن رجل عنده رضى) وفي رواية النسائي من طريق أبي جعفر الرازي عن محمد المنكدر أنه الأسود بن يزيد (يغلبه) الضمير المنصوب إلى امرئ (عليها) أي على الصلاة (نوم) فاعل يغلبه (إلا كتب له أجر صلاته) يفيد أنه يكتب له الأجر وإن لم يقض فما جاء من القضاء فللمحافظة على العادة ولمضاعفة الأجر والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي والرجل الرضي هو الأسود بن يزيد النخعي قاله أبو عبد الرحمن السلمي
[ 140 ]
باب أي الليل أفضل من سائر أجزاء الليل (ينزل ربنا) أخرج البيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن أبي محمد المزني يقول حديث النزول قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا والمجئ والنزول صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه جل الله تعالى عما يقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا وفي كتاب الدعوات لأبي عثمان وقد اختلف العلماء في قوله ينزل الله فسئل أبو حنيفة فقال ينزل بلا كيف وقال بعضهم ينزل نزولا يليق بالربوبية بلا كيف من غير أن يكون نزوله مثل نزول الخلق بالتجلي والتملي لأنه جل جلاله منزه عن أن تكون صفاته مثل صفات الخلق كما كان منزها عن أن تكون ذاته مثل ذات الغير فمجيئه وإتيانه ونزوله على حسب ما يليق بصفاته من غير تشبيه وكيفية انتهى وأخرج البيهقي من طريق بقية قال حدثنا الأوزاعي عن الزهوي ومكحول قالا امضوا الأحاديث على ما جاءت ومن طريق الوليد بن مسلم قال سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في التشبيه فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيفية وعن إسحاق بن راهويه يقول دخلت على عبد الله بن طاهر فقال لي يا أبا يعقوب تقول إن الله ينزل كل ليلة فقلت أيها الأمير إن الله بعث إلينا نبيا نقل إلينا عنه أخبار بها نحلل الدماء وبها نحرم وبها نحلل الفروج وبها نحرم وبها نبيح الأموال وبها نحرم فإن صح ذا صح ذاك وإن بطل ذا بطل ذاك قال فأمسك عبد الله انتهى ملخصا محررا والحاصل أن هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها الإيمان بها وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها وقد أطال الكلام في هذه المسألة وأشباهها من أحاديث الصفات حفاظ الإسلام كابن تيمية وابن القيم والذهبي وغيرهم فعليك مطالعة كتبهم والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 141 ]
باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل (إن كان) مخففة من مثقلة (فما يجئ السحر) بفتحتين أي السدس الأخير قاله السندي وذلك أرفق لأن النوم بعد القيام يريح البدن ويذهب ضرر السهر وذبول الجسم بخلاف السهر إلى الصباح قاله القسطلاني والحديث سكت عنه المنذري (إذا سمع الصراخ) بضم الصاد الصوت الشديد وصوت الصارخ يعني الديك لأنه كثير الصياح في الليل كذا في اللسان وفي رواية البخاري ومسلم (إذا سمع الصارخ) وقال الحافظ ووقع في مسند الطيالسي في حديث مسروق الصارخ الديك والصرخة الصيحة الشديدة وجرت العادة بأن الديك يصيح عند نصف الليل غالبا قاله محمد بن ناصر قال ابن التين وهو موافق لقول ابن عباس نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل وقال ابن بطال الصارخ يصرخ عند ثلث الليل وكان داود يتحرى الوقت الذي ينادي الله فيه هل من سائل كذا قال والمراد بالدوام قيامه كل ليلة في ذلك الوقت لا الدوام المطلق انتهى (قام فصلى) لأنه وقت نزول الرحمة والسكون قال المنذري واخرجه البخاري ومسلم اتم منه . (ما الفاه) بالفاء اي عليه وسلم (السحر) بالرفع فاعل ألفى (عندي إلا نائما) بعد القيام الذي مبدؤه عند سماع الصارخ جمعا بينه وبين رواية مسروق السابقة وهل المراد حقيقة النوم أو اضطجاعه على جنبه لقولها في رواية البخاري فإن كنت يقظى حدثني وإلا اضطجع أو
[ 142 ]
كان نومه خاصا بالليالي الطوال وفي غير رمضان دون القصار لكن يحتاج إخراجها إلى دليل قاله القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه (إذا حزبه أمر) بالحاء المهملة ثم الزاي قال في النهاية أي نزل به أمر مهم أو أصابه غم وروي بالنون من الحزن قال المنذري وذكر بعضهم أنه روي مرسلا انتهى والحديث ليس له تعليق بالباب إلا أن يقال إذا حزبه أمر صلى في آخر الليل والله أعلم (آتيه بوضوئه) بفتح الواو أي ماء الوضوء (فقلت مرافقتك) أي أسأل صحبتك وقربك في الجنة (أو غير ذلك) بفتح الواو قاله النووي وغيره (هو ذاك) أي سؤالي هذا لا غير (فأعني على نفسك) معناه كن لي عونا في إصلاح نفسك بكثر السجود ونحوها قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وأخرج الترمذي وابن ماجه طرفمنه وليس لربيعة بن كعب في كتبهم سوى هذا الحديث (كانوا يتيقظون) هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها يتنفلون وأخرج ابن مردويه في تفسيره من طريق مالك بدينار قال سألت أنس بن مالك عن قوله تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع فقال كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة فأنزل لله فيهم تتجافى جنوبهم وفي سنده ضعف ورواه أيضا من
[ 143 ]
رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس في هذه الآية قال يصلون ما بين المغرب والعشاء قال العراقي وإسناده جيد وأخرج نحوه أيضا من رواية يزيد بن أسلم عن أبيه قال قال بلال لما نزلت هذه الآية تتجافى كنا نجلس في المجلس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون بعد المغرب إلى العشاء وروى ابن أبي شبية في المصنف عن حميد بن عبد الرحمن عن عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس أنه يصلي ما بين المغرب والعشاء ويقول هي ناشئة الليل وممن قال بذلك من التابعين أبو حازم ومحمد بن المنكدر وسعيد بن جبير وزين العابدين ذكره العراقي كذا في النيل وأخرج أحمد في مسنده عن حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب فلما قضى الصلاة قام يصلي فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء ثم خرج وأخرجه أيضا الترمذي والنسائي وحديث الباب سكت عنه المنذري (حدثني محمد بن المثنى) وروى أيضا محمد بن نصر عن أنس أن قوله تعالى كانوا قليلا من الليل ما يهجعون نزلت فيمن كان يصلي ما بين العشاء والمغرب قال العراقي سنده صحيح وقال وممن كان يصلي ما بين المغرب والعشاء من الصحابة عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وسلمان الفارسي وابن عمر وأنس في ناس من الأنصار انتهى والحديث سكت عنه المنذري باب افتتاح صلاة الليل بركعتين (فليصل ركعتين خفيفتين) هذا الحديث يدل على مشروعية افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين لينشط بهما لما بعدهما وأخرج مسلم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام
[ 144 ]
من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين والجمع بين روايات عائشة المختلفة في حكايتها لصلاته صلى الله عليه وسلم أنها ثلاث عشرة تارة وأنها إحدى عشرة أخرى بأنها ضمت هاتين الركعتين فقالت ثلاث عشرة ولم تضمهما فقالت إحدى عشرة ولا منافاة بين هذين الحديثين وبين قولها في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم صلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن لأن المراد صلى أربعا بعد هاتين الركعتين قال المنذري وأخرجه مسلم وفي رواية لأبي داود موقوفة ثم ليطول بعد ما شاء وفي أخرى فيهما تجوز انتهى قال في الأزهار المراد بهما ركعتا الوضوء ويستحب فيهما التخفيف لورود الروايات بتخفيفهما قولا وفعلا والأظهر أن الركعتين من جملة التهجد يقومان مقام تحية الوضوء لأن الوضوء ليس له صلاة على حدة فيكون فيه إشارة إلى أن من أراد أمرا يشرع فيه قليلا ليتدرج قال الطيبي ليحصل بهما نشاط الصلاة ويعتاد بهما ثم يزيد عليهما بعد ذلك ذكره في المرقاة (عن أبي هريرة قال إذ بمعناه) أي إذ قام أحدكم من الليل (وزاد) هذه الجملة (ثم ليطول بعد) أي بعد هاتين الركعتين في بقية صلاته (عن محمد) ابن سيرين (قال فيهما) أي في الركعتين (تجوز) أي في القراءة والحاصل أن سليمان بن حيان روى عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة هذا الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما حماد بن سلمة وزهير وجماعة فرووه عن هشام بن حسان عن ابن سيرين موقوفا على أبي هريرة وكذلك روى أيوب وابن عون هذا الحديث عن محمد بن سيرين موقوفا على أبي هريرة فسليمان بن حيان تفرد برفع هذا الحديث والفرق بين رواية ابن عون وأيوب أن أيوب قال فليصل ركعتين خفيفتين وقال ابن عون فليصل ركعتين وتجوز فيهما قال في غاية المقصود إن سليمان بن حيان ليس بمنفرد عن هشام بل تابعه محمد بن سلمة الحراني قال أحمد في مسنده حدثنا محمد بن سلمة عن هشام عن محمد بن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم ليصلي بالليل فليبدأ بركعتين خفيفتين انتهى
[ 145 ]
(أي الأعمال أفضل قال طول القيام) قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام هذا مشكل بقوله صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وبقوله صلى الله عليه وسلم وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقم أن يستجاب لكم لأن قرب العبد من الله تعالى راجع إلى إحسان إليه وذلك بكثرة الثواب وهذا معنى كون طول القيام أفضل ولا يمكن أن يكون في الصلاة ركنان كل واحد أفضل الصلاة وأيضا فإن السجود أفضل من القيام واجبه ونفله لأن الشرع سامح في القيام في حق المسبوق ولم يسامح في السجود فدل على أن الواجب السجود أفضل من واجب القيام واكد وكل ما كان واجبه أفضل كان نفله أفضل فيرجح فرض السجود ونفله على القيام قال والجواب أن المراد بالحديثين سنة القيام وسنة السجود أما الأول فلقوله وطول القيام وطوله ليس واجبا بالإجماع وأما الثاني فلقوله فأكثروا فيه من الدعاء والواجب من السجود لا يسع دعاء فالمراد بالصلاة في قول السائل أي الصلاة أفضل الصلاة لأن الألف واللام للعموم فيكون التقدير أي سنن الصلاة أفضل انتهى قال السيوطي والإشكال باق باب صلاة الليل مثنى مثنى لا اختلاف في مشروعية لأحد وإنما اختلفوا في الأفضل قال الشافعي إن الأفضل في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقال أبو حنيفة رحمه الله الأفضل فيهما أربع أربع وقال صاحباه في الليل مثنى وفي النهار رباع والأخبار وردت على أنحاء فكل أخذ بما يترجح عنده ومما يوافق مذهب أبي حنيفة ما ورد عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربع ركعات لا يفصل بينهن بسلام رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده وما في مسلم من حديث معاذة أنها سألت عائشة كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قالت أربع ركعات الحديث وما في الصحيحين من حديث عائشة في بيان صلاة الليل يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن الحديث فهذا الفصل
[ 146 ]
يفيد المراد وإلا لقالت ثمانيا فلا تسأل كذا ذكره ابن الهمام في فتح القدير شرح الهداية وفي رواية الشيخين قام رجل فقال يارسول الله كيف صلاة الليل والجواب عن هذا السؤال يشعر بأنه وقع عن كيفية الوصل والفصل لا عن مطلق الكيفية ومعنى قوله مثنى مثنى أي اثنتين اثنتين وتكرار لفظ مثنى مثنى للمبالغة وقد فسر ذلك ابن عمر في رواية أحمد ومسلم عنه (فإذا خشي أحدكم الصبح) استدل به على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر واستدل على مشروعية الإيثار بركعة واحدة عند مخافة هجوم الصبح ويدل أكثر الأحاديث الصحيحة الصريحة على مشروعية الإيثار بركعة واحدة من غير تقييد وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الأئمة وسيجئ بيانه (توتر له) أي تجعل تلك الركعة صلاته وترا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (على قدر ما يسمعه) أي مقدار قراءة يسمعها (من في الحجرة) المراد صحن الحجرة قاله السندي (وهو في البيت) أي في بيته قال القاري قيل المراد بالحجرة أخص من البيت يعني كان لا يرفع صوته كثيرا ولا يسر بحيث لا يسمعه أحد وهذا إذا كان يصلي ليلا وأما في المسجد فكان يرفع صوته فيها كثيرا ذكره ابن الملك قال المنذري في إسناده ابن أبي الزناد وهو عبد الرحمن بن عبد الله ابن ذكوان وفيه مقال وقد استشهد به البخاري في مواضع (كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل) في الأزهار يعني في الصلاة ويحتمل في غيرها أيضا والخبر محذوف وهو مختلفه (يرفع) أي صوته رفعا متوسطا (طورا) أي مرة أو حالة إن كان
[ 147 ]
خاليا (ويخفض طورا) إن كان هناك نائم أو يحسب حاله المناسب لكل منهما وقال الطيبي يرفع خبر كان والعائد محذوف أي يرفع عليه السلام فيها طورا صوته انتهى والحديث سكت عنه المنذري (فإذا هو بأبي بكر) قال الطيبي أي مار بأبي بكر (يصلي) حال عنه (يخفض) حال عن ضمير يصلي (تخفض صوتك) بدل أو حال (قد أسمعت من ناجيت يارسول الله) جواب متضمن لعلة الخفض أي أنا أناجي ربي وهو يسمع لا يحتاج إلى رفع الصوت (أوقظ) أي أنبه (الوسنان) أي النائم الذي ليس بمستغرق في نومه (وأطرد) أي أبعد (الشيطان) ووسوسته بالغفلة عن ذكر الرحمن وتأمل في الفرق بين مرتبتهما ومقامهما وإن كان لكل نية حسنة في فعليهما وحاليهما من مرتبة الجمع للأول وحالة الفرق للثاني والأكمل هو جمع الجمع الذي كان حالة عليه السلام ودلهما عليه وأشار لهما إليه (يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا) أي قليلا لينتفع بك سامع ويتعظ مهتد (وقال لعمر أخفض من صوتك شيئا) أي قليلا لئلا يتشوش بك نحو مصل أو نائم معذور قال الطيبي نظيره قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا كأنه قال للصديق أنزل من مناجاتك ربك شيئا قليلا واجعل للخلق من قراءتك نصيبا وقال لعمر ارتفع من الخلق هونا واجعل لنفسك من مناجاة ربك نصيبا كذا في المرقاة قال المنذري أخرجه مرسلا ومسندا وأخرجه الترمذي وقال حديث غريب
[ 148 ]
وإنما أسنده يحيى بن إسحاق عن حماد بن سلمة وأكثر الناس إنما رووا هذا الحديث عن ثابت عن عبد الله بن رباح مرسلا هذا آخر كلامه ويحيى بن إسحاق هذا هو البجلي السيلحيني وقد احتج به مسلم في صحيحه (وأنت تقرأ من هذه السورة) من تبعيضية أي تقرأ آيات من هذه السورة وآيات من هذه السورة ولا تقرأ سورة كاملة (قال) بلال (كلام طيب) أي كل القرآن كلام طيب (يجمعه) الضمير المنصوب يرجع إلى الكلام والمراد بعض الكلام كما يدل عليه قول (بعضه) بعض الكلام (إلى بعض) والمعنى أن كل القرآن كلام طيب تشتهي إليه النفوس ويرغب فيه أهل الإيمان وجمع الله تعالى بعض الكلام وضمه إلى بعض ووضع بعضا مع بعض لأجل ما تقتضي إليه الحاجة وإني أقرأ منه ما أحبه وما أشتهي إليه والحديث سكت عنه المنذري (أن رجلا قام من الليل فقرأ فرفع صوته بالقرآن) وفي رواية لمسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع قراءة رجل في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أنسيتها وفي رواية له سمع رجلا يقرأ من الليل فقال يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا (كأين من آية) أي كم من آية (أذكرنيها الليلة) مفعول أذكرني وفاعله فلان وهذه الآية الكريمة من سورة يوسف وكأين من آية في السموات والأرض قال النووي وفي الحديث فوائد منها جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحدا ولا تعرض للرياء والإعجاب ونحو ذلك وفيه الدعاء لمن أصاب الإنسان مجهته خيرا وإن لم يقصده ذلك الإنسان وفيه أن الاستماع للقراءة سنة وفيه جواز قول سورة كذا كسورة البقرة ونحوها ولا التفات إلى من خالف في ذلك فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على استعماله
[ 149 ]
انتهى (قد أسقطتها) أي تركتها في القراءة نسيانا (عن حماد بن سلمة) غرضه أن هارون النحوي قال عن حماد بن سلمة يرحم الله فلانا أذكرني في سورة آل عمران حروفا أي كلمات أسقطتها وهي قوله تعالى وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه (وعن أبي سعيد) وهو الخدري (ولا يرفع بعضكم على بعض) أي صوته (أو قال في الصلاة) شك من الراوي قال المنذري وأخرجه النسائي (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة) قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب هذا آخر كلامه وفي إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال ومنهم من يصحح حديثه عن الشاميين وهذا الحديث شامي الإسناد باب في صلاة الليل (كان رسول الله يصلي من الليل عشر ركعات) في السبل وظاهره أنها موصولة لا
[ 150 ]
قعود فيها انتهى قلت هذا خلاف الظاهر (ويوتر بسجدة) أي ركعة (ويسجد سجدتي الفجر) أي يصلي ركعتي الفجر بعد طلوعه (فذلك) أي ما ذكر من الصلاة في الليل مع تغليب ركعتي الفجر أو الصلاة جميعا (ثلاث عشرة ركعة) وفي رواية أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء ركعتين خفيفتين فكانت خمس عشرة ركعة ولما اختلفت ألفاظ حديث عائشة زعم البعض أنه حديث مضطرب وليس كذلك بل الروايات محمولة على أوقات متعددة وأوقات مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز وأن الكل جائز فالأحسن أنه يقال أنها أخبرت عن الأغلب من فعله صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينافيه ما خالفه لأنه إخبار عن النادر قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة) هي أكثر الوتر عند الشافعي لهذا الحديث ولقولها ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة ولا يصح فلو زاد عليها لم يجز ولم يصح وتره قال السبكي وأنا أقطع بحل الإيثار بذلك وصحته لكني أحب الاقتصار على إحدى عشرة فأقل لأنه غالب أحواله (اضطجع على شقه الأيمن) لأنه كان يحب التيمن قال بعض العلماء حكمته أن لا يستغرق في النوم لأن القلب في اليسار ففي النوم عليه راحة له فيستغرق فيه وفيه كلام لأنه صح أنه عليه الصلاة والسلام كان تنام عينه ولا ينام قلبه نعم يجوز أن يكون فعله لإرشاد أمته وتعليمهم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (إلى أن ينصدع) أي ينشق (الفجر) وهو بظاهره يشمل ما إذا كان بعد نوم أم لا (ويوم
[ 151 ]
بواحدة) فيه أن أقل الوتر ركعة فردة والتسليم من كل ركعة ركعتين وبهما قال الأئمة الثلاثة (ويمكث في سجوده) يعني يمكث في كل واحدة من سجدات تلك الركعات قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية (فإذا سكت) بالتاء (المؤذن) أي فرغ قال الحافظ العسقلاني هكذا في الروايات المعتمدة بالمثناة الفوقانية وروي سكب بالموحدة ومعناه صب الأذان والرواية المذكورة لم تثبت في شئ من الطرق وإنما ذكر الخطابي من طريق الأوزاعي عن الزهري انتهى وقال بعض العلماء يجوز فيه التاء المثناة من فوق ولكن قيدوه بالباء الموحدة كذا في الفائق للزمخشري والنهاية للجزري وقالا أردات عائشة إذا أذن فاستعارت السكب للإفاضة في الكلام كما يقال أفرغ في أذني حديثا أي ألقى وصب وقال في الفائق كما يقال هضب في الحديث وأخذ في الخطبة وكذا صرح به الهروي في الغريبين (بالأولى من صلاة الفجر) أي بالنداء الأولى وهي الأذان والثانية الإقامة (قام فركع ركعتين) هما سنة الفجر (خفيفتين) يقرأ فيهما الكافرون والإخلاص (ثم اضطجع على شقه الأيمن) أي للاستراحة من تعب قيام الليل ليصلي فرضه على نشاط كذا قاله ابن الملك وغيره وقال النووي يستحب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر انتهى (حتى يأتيه المؤذن) أي يستأذنه للإقامة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة (ثلاث عشرة ركعة) قال ابن الملك ثمان ركعات منها بتسليمتين وقال ابن حجر المكي في شرح الشمائل بأربع تسليمات ويمكن أنه عليه الصلاة والسلام صلى أربعا بتسليمة وأربعا بتسليمتين جمعا بين القضيتين وإحاطة بالفضيلتين في كذا
[ 152 ]
في المرقاة (يوتر منها) أي من ثلاث عشرة (بخمس) أي يصلي خمس ركعات بنية الوتر لا يجلس في شئ اي للتشهد حتى يجلس في الآخرة وإليه ذهب الشافعي وغيره من الأئمة والحديث يدل على مشروعية الإيثار بخمس ركعات وهو يرد على من قال بتعيين الثلاث (رواه ابن نمير عن هشام) فوهيب ليس متفرد في هذه الرواية عن هشام بل تابعه ابن نمير وحديثه عند مسلم وتابعه أيضا وكيع وأبو أسامة كما عند مسلم ايضا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة (يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة) منها الركعتان الخفيفتان اللتان يفتتح بهما صلاته (ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح) سنة (ركعتين خفيفتين) يقرأ بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد رواه مسلم ولأبي داود قل آمنا بالله وما أنزل علينا في الركعة الأولى وفي الثانية ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول قال المنذري وهو طرف من الذي قبله (كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة) قال ابن الملك إنما أعدت الوتر وركعتي الفجر بالتهجد لأن الظاهر أنه كان يصلي الوتر آخر الليل ويبقى مستيقظا إلى الفجر ويصلي الركعتين أي سنة الفجر متصلا بتهجده ووتره كذا في المرقاة قال السندي ظاهر هذا التفصيل أنها ثلاث عشرة مع سنة الفجر قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 153 ]
(كيف كانت صلاة رسول الله في) ليالي (رمضان فقالت ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) أي غير ركعتي الفجر وأما ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس كان رسول الله يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر فإسناده ضعيف وقد عارضه حديث عائشة هذا وهو في الصحيحين مع كونها أعلم بحاله عليه السلام ليلا من غيرها (يصلي أربعا) أي أربع ركعات وأما ما سبق من أنه كان يصلي مثنى مثنى ثم واحدة فمحمول على وقت آخر فالأمران جائزان (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) لأنهن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات لظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه والوصف (فقلت) بفاء العطف على السابق (يارسول الله أتنام) بهمزة الاستفهام الاستخباري (ولا ينام قلبي) ولا يعارض بنومه عليه السلام بالوادي لأن طلوع الفجر متعلق بالعين لا بالقلب وفيه دلالة على كراهة النوم قبل الوتر لاستفهام عائشة عن ذلك لأنه تقرر عندها منع ذلك فأجابها بأنه ليس هو في ذلك كغيره ذكره القسطلاني قال المنذري أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (لأبيع عقارا) على وزن سلام كل ملك ثابت له أصل كالدار والنخل وقال بعض أهل اللغة ربما أطلق على المتاع (فأشتري به) أي بثمن العقار (منا ستة) بدل من نفر (أن يفعلوا ذلك) أي تطليق النساء وبيع المتاع لإرادة الغزو (وقال) كل واحد من الصحابة ممن لقيت بهم (أسوة حسنة) أي اقتداء ومتابعة حسنة جميلة (فقال أدلك على أعلم الناس) فيه أنه يستحب
[ 154 ]
للعالم إذا سئل عن شئ ويعرف أن غيره أعلم منه به أن يرشد السائل إليه فإن الدين النصيحة ويتضمن مع ذلك الإنصاف والاعتراف بالفضل لأهله والتواضع (فاستتبعت) أي استصحبت وطلبت منه المصاحبة وسألت منه أن يتبعني في الذهاب إلى عائشة (عن خلق رسول الله) بضم الحاء واللام ويسكن أي أخلاقه وشمائله (كان القرآن) أي كان خلقه جميع ما فصل في القرآن من مكارم الأخلاق فإن النبي كان متحليا به وقال النووي معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأديب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته (فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة) هذا ظاهره أنه صار تطوعا في حق رسول الله والأمة فأما الأمة فهو تطوع في حقهم بالإجماع وأما النبي فاختلفوا في نسخه في حقه والأصح نسخه قاله النووي (ويسلم إلا في التاسعة) فيه مشروعية الإيتار بتسع ركعات متصلة لا يسلم إلا في آخرها ويقعد في الثامنة ولا يسلم (فلما أسن وأخذ اللحم) أي كبر عمره وبدن (أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة) وفي رواية النسائي صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن فرواية المؤلف تدل على إثبات القعود في السادسة والرواية الثانية تدل على نفيه ويمكن الجمع بحمل النفي للقعود في رواية النسائي على القعود الذي يكون فيه التسليم
[ 155 ]
وظاهره هذا الحديث وغيره من الأحاديث أن النبي ما كان يوتر بدون سبع ركعات وقال ابن حزم في المحلي إن الوتر وتهجد الليل ينقسم إلى ثلاثة عشر وجها أيها فعل أجزأه ثم ذكرها واستدل على كل واحد منها ثم قال وأحبها إلينا وأفضلها أن يصلي ثنتي عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يصلي ركعة واحدة ويسلم انتهى (ثم يصلي ركعتين وهو جالس) أخذ بظاهره الأوزاعي وأحمد وأباحا ركعتين بعد الوتر جالسا وأنكره مالك قال النووي الصواب أن فعله لبيان الجواز ولم يواظب على ذلك بل فعله مرة أو مرات قليلة ولفظ كان لا يلازم منها الدوام ولا التكرار قال وإنما تأولنا حديث الركعتين لأن الروايات المشهورة في الصحيحين بأن آخر صلاته في الليل كانت وترا وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا فكيف يظن أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر وما أشار إليه القاضي عياض من رد رواية الركعتين فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين انتهى ملخصا (ولم يقرأ القرآن في ليلة) أي كاملا بتمامه (وكان إذا غلبته عيناه) هذا دليل على استحباب المحافظة على الأوراد وأنها إذا فاتت تقضى (والله هو الحديث) الذي أريده (أكلمها) أي عائشة (حتى أشافهها به) أي بالحديث (مشافهة) أي أسمع منها مواجهة ويشبه أن يكون ترك الكلام معها لأجل المنازعة التي كانت بين علي بن أبي طالب وبينها أو لأمر آخر لكن هذا فعل ابن عباس ليس به حجة بل هو مخالف للنصوص والله أعلم (ما حدثتك) أي لتذهب إليها للحديث فتكلمها بن أو المراد أنك لا تكلمها فإن علمت هذا قبل ذلك ما حدثتك حديثها أيضا قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 156 ]
(يسمعنا) من الإسماع وفيه استحباب الجهر بالتسليم فهذا نوع آخر من صلاته مغاير لما تقدم فيه أنه صلى ثمان ركعات ولم يجلس إلا في آخرهن ثم صلى ركعتين ثم صلى ركعة فهذه رواية سعيد عن قتادة والتي تقدمت هي رواية همام عن قتادة عن زرارة (حتى بدن) بتشديد الدال من التبدين هذه وهو الكبر والضعف أي مسه الكبر (فنقص من التسع) الذي كان يصلي متصلا بتشهد أو تشهدين (ثنتين) مفعول نقص (فجعلها) أي الصلاة
[ 157 ]
التي نقصت من التسع (إلى ست) فجعلها إلى ست ركعات بغير الوتر (والسبع) أي إلى السبع ركعات مع الوتر (وركعتيه) أي إلى الست وركعتيه وإلى السبع وركعتيه فالست سنة والسبع باعتبار ضم الوتر وحذفه (وليس) هذا الحديث الذي فيه بهز عن زرارة عن سعد (في تمام حديثهم) يشبه أن يكون المعنى أي من جيد أحاديثهم من جهة الإسناد لأن ابن أبي عدي ويزيد بن هارون ومروان بن معاوية كلهم قالوه عن بهز بن حكيم عن زرارة عن عائشة بحذف واسطة سعد وأما حماد بن سلمة فقال عن بهز عن زرارة عن سعد بن هشا عن عائشة وهذا البحث في حديث بهز دون قتادة لكن قال المنذري وروى أبو داود عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة وقال
[ 158 ]
ليس في تمام حديثهم هذا آخر كلامه ورواية زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة هي المحفوظة وعندي في سماع زرارة من عائشة نظر فإن أبا حاتم الرازي قال قد سمع زرارة من عمران بن حصين ومن أبي هريرة ومن ابن عباس قلت أيضا قال هذا ما صح له وظاهر هذا أنه لم يسمع عنده من عائشة انتهى كلام المنذري قال النووي قال القاضي في حديث عائشة من رواية سعد بن هشام قيام النبي بتسع ركعات وحديث عروة عن عائشة بإحدى عشرة منهن الوتر يسلم من كل ركعتين وكان يركع ركعتي الفجر ومن رواية هشام بن عروة وغيره عن عروة عنها ثلاث عشرة بركعتي الفجر وعنها كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة أربعا أربعا وثلاثا وعنها كان يصلي ثلاث عشرة ثانيا ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس ثم يصلي ركعتي الفجر وقد فسرتها في الحديث الآخر منها ركعتا الفجر هذه روايات مسلم وغيره وعنها في البخاري أن صلاته بالليل سبع وتسع وعند الشيخين من حديث ابن عباس أن صلاته من الليل ثلاث عشرة ركعة وركعتين بعد الفجر سنة الصبح وفي حديث زيد بن خالد أنه صلى ركعتين خفيفتين ثم طويلتين وذكر الحديث وقال في آخره فتلك ثلاث عشرة قال العلماء في هذه الأحاديث إخبار كل واحد من ابن عباس وزيد وعائشة بما شاهد وأما الاختلاف في حديث عائشة فقيل هو منها وقيل من الرواة عنها فيحتمل أن إخبارها بإحدى عشرة هو الأغلب وباقي رواياتها إخبامنها بما كان يقع نادرا في بعض الأوقات فأكثره خمس عشرة بركعتي الفجر وأقله سبع وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه بطول قراءة أو لنوم أو عذر مرض وغيره أو في بعض الأوقات عند كبر السن أو تارة تعد الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل وتعد ركعتي الفجر تارة وتحذفهما تارة أو تعد أحدهما وقد تكون عدت راتبة العشاء مع ذلك تارة وحذفتها تارة قال القاضي ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه وإن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر وإنما الخلاف في فعل النبي وما اختاره لنفسه انتهى ملخصا (أبي سلمبن عبد الرحمن) تقدم وجه الجمع بين هذه الأحاديث المتقدمة والآتية من
[ 159 ]
كلام القاضي النووي والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري (علقمة بن وقاص) قال المنذري وأخرج مسلم طرفا منه في الركعتين (روى هذين الحديثين) أي حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن وعلقمة بن وقاص (خالد بن عبد الله الواسطي) ثقة ثبت (عن محمد بن عمرو مثله) أي مثل حديث حماد بن سلمة لكن فيه بعض الزيادة كما أشار بقوله (قال) أي خالد بن عبد الله (كان يصلي الركعتين) أي بعد الوتر (عن خالد) بن عبد الله الطحان الواسطي وهو يروي عن هشام بن حسان كما يروي عنه عبد الأعلى قال في الشرح رواية وهب بن بقية عن خالد عن هشام ما وجدناها في أطراف المزي وأما رواية ابن المثنى عن عبد الأعلى فثابتة فيه والله أعلم (دخل المسجد) أي الموضع الذي يصلي في البيت (يخيل) بصيغة المجهول بتشديد الياء (إلي) بتشديد الياء (فأذنه) بهمزة
[ 160 ]
ممدودة من الإيذان أي أعلمه (ثم يغفي) من الإغفاء أي ينام نوما خفيفا قالت عائشة (وربما شككت) في نومه (هل أغفا أو لا) قال في النهاية غفوت غفوة أي نمت نومة خفيفة ويقال أغفا إغفاء وإغفاءة عمرو إذا نام وقلما يقال غفا انتهى (أسن) بإثبات الهمزة هكذا في بعض نسخ الكتاب وفي بعضها سن بدون الهمزة قال النووي هكذا في معظم الأصول لصحيح مسلم سن وفي بعضها أسن وهذا هو المشهور في اللغة قال المنذري والحسن هو البصري والحديث أخرجه النسائي (عن عائشة) تقدم هذا الحديث في أول الباب سندا ومتناولم يوجد هذا في هذا الموضع إلا في نسخة واحدة مع قول أبي داود إنما كررت إلوكان في آخر الحديث هذه العبارة صح لابن دحيم عن الرملي انتهى يعني من رواية أحمد ابن دحيم عن الرملي لكن لم ينبه المزي على ذلك وكذا ليس في المنذري في هذا المحل (لأنهم اضطربوا فيه) أي في هذا الحديث على هشام بن عروة فروى وهيب وابن نمير عن هشام هكذا أي أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن وروى مالك وجماعة عن هشام خلاف ذلك وتقدم بعض بيان ذلك في أول الباب ولذا قال بعض العلماء إن أحاديث الفصل كما رواه مالك أثبت وأكثر طرقا إذ هو الذي رواه أكثر الحفاظ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ورواية أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن انفرد بها بعض أهل العراق عن هشام وقد أنكرها مالك وقال منذ صار هشام بالعراق أتانا عنه ما لم نعرف وقال ابن عبد البر ما حدث به هشام قبل خروجه إلى العراق أصح عند أهل الحديث قاله الزرقاني في شرح المواهب وقد أجيب عن كلام مالك وابن عبد البر وفيه بحث طويل إن شئت فارجع إلى الشرح والله أعلم
[ 161 ]
(أصحابنا) أي شيوخنا في الحديث (لا يرون الركعتين بعد الوتر) وتقدم الكلا فيه (عن ابن عباس أنه رقد) أي نام وفي الشمائل وغيره قال فاضطجعت في عرض الوسادة أي المخدة أو الفراش واضطجع رسول الله في طولها (فتسوك) فيه استحباب السواك عند القيام من النوم (وهو يقول إن في خلق السموات والأرض) أي من آخر سورة آل عمران (حتى ختم السورة) فإن فيها لطائف عظيمة لمن تأمل في مبانيها (فنام حتى نفخ) أي تنفس بصوت حتى يسمع منه صوت النفخ بالفم كما يسمع من النائم قال النووي هذه الرواية فيها مخالفة لباقي الروايات في تخليل النوم بين الركعات وفي عدد الركعات فإنه لم يذكر في باقي الروايات تخلل النوم وذكر الركعات ثلاث عشرة قال القاضي هذه الرواية وهي رواية حصين عن حبيب بن أبي ثابت مما استدركه الدارقطني على مسلم لا ضطرابها قبل واختلاف الرواة قال الدارقطني وروى عنه على سبعة أوجه وخالف فيه الجمهور قال القاضي ويحتمل أنه لم يعد في هذه الصلاة الركعتين الأوليين الخفيفتين ولهذا قال صلى ركعتين فأطال فيهما فدل على أنهما بعد الخفيفتين فتكون الخفيفتان ثم الطويلتان ثم الست المذكورات ثم ثلاث بعدها كما ذكر فصارت الجملة ثلاث عشرة كما في باقي الروايات انتهى (فعل ذلك) المذكور من قوله فتسوك إلى قوله حتى نفخ (ثلاث مرات ست ركعات) قال الطيبي بدل من ثلاث مرات أي فعل ذلك في ست ركعات (كل ذلك) بالنصب بيان لثلاث ويجوز أن يكون مفعول (يستاك) وهذا الحديث يدل على أن الوتر ثلاث ركعات (وهو يقول) الجملة حال من ضمير الفاعل في
[ 162 ]
خرج (في قلبي نورا) قيل هو ما يتبين به الشئ ويظهر قال الكرماني التنوين للتعظيم أي نورا عظيما وقدم القلب لأنه بمنزلة الملك قال القرطبي هذه الأنوار يمكن حملها على ظاهرها فيكون سأل الله تعالى أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نورا يستضئ به من ظلمات يوم القيامة هو ومن يتبعه أو من شاء الله منهم قال والأولى أن يقال هي مستعارة للعلم والهداية كما قال تعالى فهو على نور من ربه له نورا يمشي به في الناس قلت ويمكن الجمع فتأمل فإنه لا منع ثم قال والتحقيق في معناه أن النور يظهر ما ينسب إليه وهو يختلف بحسبه فنور السمع مظهر للمسموعات ونور البصر كاشف للمبصرات ونور القلب كاشف عن المعلومات ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات قال النووي سأل النور في أعضائه وجهاته والمراد به بيان الحق وضياؤه والهداية إليه فسأل النور في جميع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وحالاته وجملته في جهاته الست حتى لا يزيغ شئ منها انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث كريب عن ابن عباس وسيأتي (قال وأعظم لي نورا) والحاصل أن وهب بن بقية عن خالد الطحان عن حصين قال وأعظم لي نورا بحذف اللهم وما قال اللهم أعطني نورا كما عند مسلم عن بعض الرواة وأما هشيم ومحمد بن فضيل كلاهما عن حصين فبلفظ أعظم لي نورا وإثبات اللهم وأما أبو خالد عن حبيب وكذا سلمة بن كهيل عن أبي رشدين فقالا كما رواه وهب أي بلفظ أعظم لي نورا وبحذف اللهم وحديث أبي رشدين أخرجه مسلم
[ 163 ]
(قال بت) ماض من البيتوتة (واستن) أي استاك (إن في خلق السموات والأرض) أي في خلق العلويات والسفليات (واختلاف الليل والنهار) أي طولا وقصرا أو ظلمة ونورا أو حرا وبردا (فأوتر بها) أي بتلك الركعة (بعد ما سكت) أي فرغ من الأذان (خفي علي) ولم يظهر لي (من ابن بشار) هو محمد (بعضه) أي بعض الحديث يشتبه أن يكون المعنى أي سمعت منه هذا القدر الذي رويناه لكن عنده بعض الزيادات على هذا القدر المذكور لكن لم أسمع منه وخفي علي كذا في الشرح والحديث سكت عنه المنذري (صلى سبعا أو خمسا) هذا شك من ابن عباس أو من بعض الرواة والآخر هو الظاهر وفيه الإيتار بسبع أو بخمس متصلة من غير فصل والتسليم في آخرهن والحديث سكت عنه المنذري
[ 164 ]
(فصلى أربعا) هي راتبة العشاء (ثم قام يصلي) لم يذكر ابن عباس عددها (فأدارني فأقامني عن يمينه) عن ههنا بمعنى الجانب أي أدارني عن جانب يساره إلى جانب يمينه (فصلى خمسا) أوتر بها (غطيطه) في النهاية الغطيط الصوت الذي يخرج من نفس النائم وهو ترديده حيث لا يجد مساغا (أو خطيطه) وهو قريب من الغطيط وهو صوت النائم (فصلى ركعتين) هما ركعتا الفجر قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثمان ركعات) قد ذكر الراوي في هذه الرواية عدد الصلاة التي صلى قبل الإيتار بخمس وبعد الأربع من راتبة العشاء وأبهم ذكر العدد في الرواية المتقدمة والحديث سكت عنه المنذري (عن عروة بن الزبير عن عائشة) والحديث سكت عنه المنذري (بركعتي الفجر) قال المنذري وأخرجه مسلم
[ 165 ]
(صلى العشاء ثم صلى ثماني ركعات) وترك الراوي ذكر الوتر ولفظ البخاري حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثنا جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي سلمة عن عائشة قالت صلى النبي العشاء ثم صلى ثمان ركعات وركعتين جالسا وركعتين بين الندائين ولم يكن يدعهما أبدا (بين الأذانين) أي الأذان والإقامة (قال جعفر بن مسافر في حديثه وركعتين جالسا بين الأذانين) ولم يقل لفظ جالسا نصر بن علي وكذا لم يقل البخاري وهو وهم من جعفر والله أعلم (بكم كان رسول الله يوتر) أي بكم ركعة كان يجعل صلاته وترا أو بكم كان يصلي الوتر (كان يوتر بأربع) بتسليمة أو بتسليمتين (وثلاث) أي بتسليمة كما هو الظاهر فيكون سبعا (وست وثلاث) فيكون تسعا مع الوتر (وثمان وثلاث) فيكون إحدى عشرة ركعة (وعشر وثلاث) فيكون ثلاث عشرة ركعة وفي إتيانها بثلاث في كل عدد دلالة ظاهرة بأن الوتر في هذه الرواية في الحقيقة هو الثلاث وما وقع قبله من مقدماته المسماة بصلاة التهجد فإطلاق الوتر على الكل مجاز ويؤيده الحديث الصحيح اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا كذا في المرقاة (ولم يكن يوتر بأنقص من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشرة) أي غالبا وإلا فقد ثبت أنه أوتر بخمس عشرة وهذا الاختلاف بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو طول القراءة كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود أو من نوم أو من مرض أو كبر السن قالت فلما أسن صلى أربع ركعات أو غيرها نقله الطيبي والحديث سكت عنه المنذري
[ 166 ]
(عن الأسود بن يزيد أنه دخل على عائشة) قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وأخرج مسلم طرفا منه وهو قول عائشة كان رسول الله يصلي من الليل حتى يكون آخر صلاته الوتر (قام إلى شن) قال النووي الشن القربة الخلق وجمعه شنان (فقمت إلى جنبه على يساره فجعلني على يمينه) فيه أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام وأنه إذا وقف عن يساره يتحول إلى يمينه وأنه إذا لم يتحول حوله الإمام وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وأن صلاة الصبي صحيحة وأن له موقفا من الإمام كالبالغ وأن الجماعة في غير المكتوبات صحيحة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا
[ 167 ]
(حزرت قيامه) بالحاء المهملة ثم الزاء ثم الراء أي قدرت وفرضت قال المنذري وأخرجه النسائي (أنه قال لأرمقن) بضم الميم أي لأنظرن وأتأملن يحيى وأرقبن الرحمن قال الطيبي وعدل ههنا عن الماضي إلى المضارع استحضارا لتلك الحالة لتقررها في ذهن السامع (الليلة) أي في هذه الليلة حتى أرى كم يصلي ولعله كان خارجا عن الحجرات (فتوسدت عتبته) بفتحات أي وضعت رأسي عليها والمراد رقدت عند بابه قاله السندي قال في المصباح العتبة هي إسكفة وكان الباب (أو فسطاطه) وهو الخيمة العظيمة على ما في المغرب فيكون المراد من توسد الفسطاط توسد عتبته فيكون شكا من الراوي قاله القاري (فصلى رسول الله ركعتين خفيفتين) افتتح بهما صلاة الليل (طويلتين) كررها ثلاث مرات للمبالغة في طولهما (ثم أوتر) أي بواحدة قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فاضطجعت في عرض الوسادة) عرض بفتح العين هكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين قال ورواه الداودي بالضم وهو الجانب والصحيح الفتح والمراد بالوسادة الوسادة المعروفة التي تكون تحت الرؤوس وقال الباجي والأصيلي وغيرهما إن الوسادة هنا
[ 168 ]
الفراش لقوله اضطجع في طولها وهذا ضعيف وفيه دليل على جواز نوم الرجل مع امرأته من غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وإن كان مميزا وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث قال ابن عباس بت عند خالتي في ليلة كانت فيها حائضا وهذه الكلمة وإن لم تصح طريقا فهي حسنة المعنى جدا إذا لم يكن ابن عباس يطلب المبيت في ليلة للنبي فيها حاجة إلى أهله ولا يرسله أبوه إلا إذا علم عدم حاجته إلى أهله لأنه معلوم أنه لا يفعل حاجته مع حضرة ابن عباس معهما في الوسادة مع أنه كان مراقبا لأفعال النبي مع أنه لم ينم أو نام قليلا جدا قاله النووي (فجلس يمسح النوم عن وجهه) معناه أثر النوم وفيه استحباب هذا واستعمال المجاز (ثم قرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران) فيه جواز القراءة للمحدث وهذا إجماع المسلمين وإنما تحرم القراءة على الجنب والحائض وفيه استحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم وفيه جواز قول سورة آل عمران وسورة البقرة وسورة النساء ونحوها وكرهه بعض المتقدمين وليس بشئ (إلى شن معلقة) إنما أنثها على إرادة القربة وفي رواية أخرى شن معلق على إرادة السقاء والوعاء (فأخذ بأذني يفتلها إنما فتلها تنبيها من النعاس لقوله في الرواية لمسلم فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني (فصل ركعتين ثم ركعتين إلخ) فيه أن الأفضل في الوتر وغيره من الصلاة أن يسلم من كل ركعتين وأن الوتر يكون آخره ركعة مفصولة وهذا مذهب الشافعي وأكثر الأئمة وقال أبو حنيفة ركعة موصولة بركعتين كالمغرب وفيه جواز إتيان المؤذن إلى الإمام ليخرج إلى الصلاة وتخفيف سنة الصبح وأن الإيثار بثلاث عشرة ركعة أكمل وفيه خلاف للشافعية قال بعضهم أكثر الوتر ثلاث عشرة لظاهر هذا الحديث وقال أكثرهم أكثره إحدى عشرة وتأولوا حديث ابن عباس أنه صلى منها ركعتي
[ 169 ]
سنة العشاء وهو تأويل ضعيف مباعد للحديث قاله النووي في شرح مسلم والحديث أخرجه البخاري ومسلم باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة أصل القصد الاستعانة في الطريق كقوله تعالى وعلى الله قصد السبيل ثم استعير للتوسط في الأمور في القول والفعل والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط (قال اكلفوا) بفتح اللام من باب سمع أي تحملوا من العمل ما تطيقونه على الدوام والثبات (فإن الله لا يمل) بفتح الميم أي لا يقطع الإقبال عليكم بالإحسان (حتى تملوا) في عبادته والإملال هو استثقال النفس من الشئ ونفورها عنه بعد محبته وإطلاقه على الله تعالى من باب المشاكلة كما في قوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها كذا في المرقاة وقال القسطلاني والمعنى والله أعلم اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم فإن الله تعالى لا يعرض عنكم إعراض الملول ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط فإذا فترتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وآتيتم بها على كلال وفتور كانت معاملة الله معكم حينئذ معاملة الملول وقال التوربشتي إسناد الملال إلى الله على طريقة الازدواج والمشاكلة والعرب تذكر إحدى اللفظتين موافقة للأخرى وإن خالفتها معنى قال الله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وقال الخطابي معناه أن الله لا يمل أبدا وإن مللتم وقيل معناه أن الله لا يمل من الثواب ما لم تملوا من العمل ومعنى تمل تترك لأن من مل شيئا تركه وأعرض عنه انتهى (وكان) النبي صلى الله عليه وسلم (أثبته) أي داوم عليه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه
[ 170 ]
(أرغبت) أي أعرضت (فإن لأهلك عليك حقا) قال الخطابي يريد أنه إذا أذاب نفسه وجهدها ضعفت قوته فلم يستطع لقضاء أهله (وإن لضيفك عليك حقا) فيه دليل على أن المتطوع بالصوم إذا أضافه ضيف كان المستحب له أن يفطر ويأكل معه لينبسط بذلك منه ويزيد في محبته لمواكلته روى إياه وذلك نوع من إكرامه وقد قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه انتهى (وصل ونم) أي صل في بعض الليالي ونم في بعضها والحديث سكت عنه المنذري (من الأيام) أي لعمل فيه (كان عمله ديمة) هو بكسر الدال وإسكان الياء أي يدوم عليه ولا يقطعه قال في النهاية الديمة المطر الدائم في سكون شبهت عمله في دوامه مع الاقتصار بديمة المطر وأصله الواو فانقلبت ياء لكسر ما قبلها قال المنذري وأخرجه ومسلم والترمذي باب شهر رمضان
[ 171 ]
باب تفريع ابواب شهر رمضان باب في قيام شهر رمضان (قال الحسن في حديثه) أي فمعمر ومالك كلاهما يرويان عن الزهري (من غير أن يأمرهم بعزيمة) معناه لا يأمرهم أمر إيجاب وتحتيم بل أمر ندب وترغيب ثم فسره بقوله (ثم يقول من قام رمضان) وهذه الصيغة تقتضي الترغيب والندب دون الإيجاب واجتمعت الأمة أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب (إيمانا) أي مؤمنا بالله ومصدقا بأنه تقرب إليه (واحتسابا) أي محتسبا بما فعله عند الله أجرا لم يقصد به غيره يقال احتسب بالشئ أي أعتد به فنصبهما على الحال ويجوز أن يكون على المفعول له أي تصديقا بالله وإخلاصا وطلبا للثواب (غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد أحمد وما تأخر أي من الصغائر ويرجى غفران الكبائر (فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك) معناه استمر الأمر هذه المدة على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا حتى انقضى صدر من خلافة عمر ثم جمعهم عمر رضي الله عنه على أبي بن كعب فصلى بهم جماعة واستمر العمل على فعلها جماعة وقد جاءت هذه الزيادة في
[ 172 ]
صحيح البخاري في كتاب الصيام قاله النووي (وكذا رواه عقيل ويونس وأبو أويس) أي كلهم عن الزهري بلفظ من قام بالقاف وروى سفيان بالصاد أي من صام وتجئ روايته قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي قال أبو داود وكذا رواه عقيل ويونس وأبو أويس من قام رمضان وروى عقيل من صام رمضان وقامه هذا آخر كلامه وقد أخرج البخاري حديث عقيل عن الزهري بلفظ القيام (من قام ليلة القدر) هذا مع الحديث المتقدم من قام رمضان قد يقال إن أحدهما يغني عن الاخر وجوابه أن يقال قيام رمضان من غير موافقة ليلة القدر ومعرفتها سبب لغفران الذنوب وقيام ليلة القدر لمن وافقها وعرفها سبب للغفران وإن لم يقم غيرها قاله النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأخرجه ابن ماجه مختصرا في ذكر الصوم انتهى (صلى في المسجد) وفي رواية للبخاري خرج ليلة من خوف الليل يصلي في المسجد (بصلاته ناس) مقتدين به وعند البخاري فأصبح الناس فتحدثوا (ثم صلى من القابلة) أي الليلة الثانية (ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة) وعند البخاري فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز
[ 173 ]
المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح (أن تفرض) صلاة التروايح (عليكم) وظاهر قوله خشيت أن تفرض عليكم أنه صلى الله عليه وسلم توقع ترتب افتراض قيام رمضان في جماعة على مواظبتهم عليه فقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان حكمه أنه إذا ثبت على شئ من أعمال القرب واقتدى الناس به في ذلك العمل فرض عليهم ولذا قال خشيت أن تفرض عليكم وقال في الفتح إن المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطا في صحة التنفل بالليل ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقا عليهم من اشتراطه وآمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم انتهى وكان عمر رضي الله عنه يقول في جمعه الناس على جماعة واحد نعمت البدعة هي وإنما سماها بدعة باعتبار صورتها فإن هذا الاجتماع محدث بعده صلى الله عليه وسلم وباعتبار الحقيقة فليست ببدعة لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بصلاتها في بيوتهم لعلة هي خشية الافتراض وقد زالت بوفاته صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (يصلون في المسجد في رمضان أوزاعا) قال الخطابي تريد متفرقين ومن هذا قولهم وزعت الشئ إذا فرقته ففي هذا إثبات الجماعة في قيام شهر رمضان وفيه إبطال قول من زعم أنها محدثة (فضربت) أي بسطت (بحمد الله) جملة معترضة بين الحال وذي الحال (غافلا) حال من ضمير ما بت (ولا خفي على مكانكم) ومع ذلك لم أخرج إليكم خشية الافتراض عليكم والحديث سكت عنه المنذري
[ 174 ]
(فلم يقم بنا شيئا من الشهر) أي لم يصل بنا غير الفريضة من ليالي شهر رمضان وكان إذا صلى الفرض دخل حجرته (حتى بقى سبع) أي من الشهر كما في رواية ومضى اثنان وعشرون قال الطيبي أي سبع ليال نظر إلى المتقين وهو أن الشهر تسع وعشرون فيكون القيام في قوله (فقام بنا) ليلة الثالثة والعشرين (حتى ذهب ثلث الليل) فصلى وذكر الله وقرأ القرآن (فلما كانت السادسة) أي مما بقي وهي الليلة الرابعة والعشرون (فلما كانت الخامسة) وهي الليلة الخامسة والعشرون قال صاحب المفاتيح فحسب من آخر الشهر وهو ليلة الثلاثين إلى آخر سبع ليال وهو الليلة الرابعة والعشرون (حتى ذهب شطر الليل) أي نصفه (لو نفلتنا) بالتشديد (قيام هذه الليلة) وفي رواية بقية ليلتنا أي لو جعلت بقية الليل زيادة لنا على قيام الشطر وفي النهاية لو زدتنا من الصلاة النافلة سميت بها النوافل لأنها زائدة على الفرائض وقال المظهر تقديره لو زدت قيام الليل على نصفه لكان خيرا لنا ولو للتمني (حتى ينصرف) أي الإمام (حسب له) على البناء للمفعول أي اعتبر وعد (قيام الليلة) أي حصل له ثواب قيام ليلة تامة يعني الأجر حاصل بالفرض وزيادة النوافل مبنية على قدر النشاط لأن الله لا يمل حتى تملوا قال في المرقاة والظاهر أن المراد بالفرض العشاء والصبح (فلما كانت الرابعة) أي من الباقية وهي السادسة والعشرون (فلما كانت الثالثة) أي من الباقية وهي ليلة السابع والعشرين (جمع أهله ونساءه والناس) أي الخواص منهم (حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح) قال الخطابي أصل الفلاح البقاء وسمي السحور فلاحا إذ كان سببا لبقاء الصوم ومعينا عليه ومن ذلك حي على الفلاح أي العمل الذي يخلدكم ولم في الجنة وقيل لأنه معين على إتمام الصوم المفضي إلى الفلاح وهو الفوز بالزلفى والبقاء في العقبى (قلت) قاله الراوي عن أبي ذر (قال) أبو ذر (السحور) بالضم والفتح قال ابن الأثير في النهاية هو بالفتح ما يتسحر به من الطعام والشراب وبالضم المصدر والفعل نفسه وأكثر ما يروى بالفتح وقيل الصواب بالضم لأنه بالفتح الطعام والبركة والأجر والصواب في الفعل لا في الطعام انتهى
[ 175 ]
قال علي القاري وبه يظهر خشيتهم من فوته (بقية الشهر) أي الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين وأما عدد الركعات التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليالي فأخرجه الإمام الحافظ محمد بن نصر المروزي في قيام الليل حدثنا إسحاق أخبرنا أبو الربيع حدثنا يعقوب حدثنا عيسى بن جارية عن جابر صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر فلما كانت الليلة القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج فيصلي بنا فأقمنا فيه حتى أصبحنا فقلنا يارسول الله رجونا أن تخرج فتصلي بنا فقال إني كرهت أو خشيت أن يكتب عليكم الوتر حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا يعقوب بن عبد الله حدثنا عيسى بن جارية عن جابر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ليلة ثمان ركعات والوتر فذكر الحديث حدثنا إسحاق أخبرنا النضر بن محمد حدثنا العلاء بن المسيب عن طلحة بن زيد الأنصاري عن حذيفة أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان فركع فقال في ركوعه سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما ثم سجد فقال في سجوده سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم جلس يقول رب اغفر لي مثل ما كان قائما ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال إلى الغداة حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا يعقوب بن عبد الله حدثنا عيسى بن جارية عن جابر قال جاء أبي بن كعب في رمضان فقال يارسول الله كان مني الليلة شئ قال وما ذاك يا أبي قال نسوة داري قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلي خلفك بصلاتك فصليت بهن ثمان ركعات والوتر فسكت عنوكان شبه الرضا وأخرج مالك عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة وقال الإمام سعيد بن منصور في سننه حدثنا عبد الله بن محمد حدثني محمد بن يوسف سمعت السائب بن يزيد يقول كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب بإحدى عشرة ركعة وأخرج محمد بن نصر في قيام الليل حدثنا محمد بن إسحاق حدثني محمد بن يوسف عن جده السائب بن يزيد قال كنا نصلي في زمن عمر في رمضان ثلاث عشرة وأما ما قال بعض من اشتهر في رسالته تحفة الأخيار بإحياء سنة سيد الأبرار إن التراويح عشرون ركعة سنة مؤكدة واظب عليها الخلفاء الراشدون فغلط بين لا يلتفت إليه لأنه لم يثبت قط أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب صليا عشرين ركعة مرة واحدة أيضا فضلا عن المواظبة والله أعلم كذا في غلبة المقصود ملخصا قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن صحيح
[ 176 ]
(وقال داود) بن أمية في حديثه (عن ابن عبيد بن نسطاس) وقال نصر بن علي عن أبي يعفور وكلاهما واحد لأن أبا يعفور هو ابن عبيد واسمه عبد الرحمن كما سيصرح به أبو داود (إذا دخل العشر) أي الأخر فاللام للعهد وفي رواية لابن أبي شيبة التصريح بالأخير (أحيى الليل) أي غالبه بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن قال النووي أي استغرق بالسهر في الصلاة وغيرها قال في الشرح وأما قول بعض شيوخنا المحققين بكراهة قيام كل الليل فمعناه الدوام عليه ولم يذهب بكراهة ليلة أو ليلتين أو عشر انتهى (وشد المئزر) بكسر الميم أي إزاره هو عبارة عن القصد والتوجه إلى فعل شاق مهم كتشمير الثوب قال الخطابي شد المئزر يتأول على وجهين أحدهما هجران النساء وترك غشيانهن وقيل الجد والتشمير في العمل (وأيقظ أهله) أي أمر بإيقاظهم للعبادة وطلب ليلة القدر لقوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة وإنما لم يأمرهم بنفسه لأنه كان معتكفا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (ليس معهم قرآن) أي لا يحفظون شيئا كثيرا من القرآن (مسلم بن خالد ضعيف) فقيه صدوق كثير الأوهام كذا في التقريب وقال في الخلاصة والتهذيب مسلم بن خالد المكي الفقيه الإمام المعروف بالزنجي روى عنه الشافعي وابن وهب والحميدي وطائفة قال ابن معين ثقة وضعفه أبو داود وقال ابن عدي حسن الحديث وقال أبو حاتم إمام في الفقه تعرف وتنكر ليس بذاك القوي يكتب حديثه ولا يحتج به وقال النسائي بالقوي
[ 177 ]
باب في ليلة القدر (عن زر) بكسر الزاي وتشديد الراء بن حبيش مصغرا (يا أبا المنذر) هذا كنية أبي بن كعب (فإن صاحبنا) يعني عبد الله بن مسعود (فقال) أي ابن مسعود (من يقم الحول) أي تمام الحول لأنها تدور في تمام السنة (أبا عبد الرحمن) هذا كنية ابن مسعود (أو أحب) شك من الراوي (ثم اتفقا) أي سليمان ومسدد (لا يستثنى) حال أي حلف حلفا جازما من غير أن يقول عقيبه إن شاء الله تعالى مثل أن يقول الحالف لأفعلن إلا إن يشاء الله أو إن شاء الله فإنه لا ينعقد اليمين وإنه لا يظهر جزم الحالف (ما الآية) أي العلامة والأمارة (مثل الطست) معناه بالفارسية تشت بين وأصله طس أبدل إحدى السينين تاء للاستثقال فإذا جمعت أو صغرت رددت السين لأنك فصلت بينهما بواو أو ألف أو ياء فقلت طسوس وطساس وطسيس وحكى بالشين المعجمة لفظة أعجمية (ليس لها شعاع حتى ترتفع) قال الطيبي والشعاع هو ما يرى من ضوء الشمس عند حدورها مثل الحبال والقضبان مقبلة إليك كما نظرت إليها انتهى قيل وفائدة كون هذا علامة مع أنه إنما يوجد بعد انقضاء الليلة لأنه يسن إحياء يومها كما يسن إحياء ليلها انتهى قال القاري وفي قوله يسن إحياء يومها نظر يحتاج إلى أثر والأظهر أن فائدة العلامة أن يشكر على حصول تلك النعمة إن قام بخدمة الليلة وإلا فيتأسف على ما فاته من الكرامة
[ 178 ]
ويتدارك في السنة الآتية وإنما لم يجعل علامة في أول ليلها إبقاء لها على إبهامها قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (عن ليلة القدر) إنما سميت بها لأنه يقدر فيها الأرزاق ويقضي ويكتب الآجال والأحكام التي تكون في تلك السنة لقوله تعالى فيها يفرق كل أمر حكيم وقوله تعالى تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر والقدر بهذا المعنى يجوز فيه تسكين اللام والمشهور التحريك وقيل سمى بها لعظم قدرها وشرفها والإضافة على هذا من قبيل حاتم الجود كذا في اللمعات والمرقاة (وذلك) أي اجتماع الناس وعزمهم على سؤال هذا الأمر (صبيحة إحدى وعشرين) أي بعد مضي تلك الليلة (فوافيت) أي لقيت معه واجتمعت به وقت صلاة المغرب (فأتي) بصيغة المجهول (بعشائه) بفتح العين أي طعام الليل (أكف عنه) أي عن الطعام يدي (من قلته) أي الطعام وما أكل إلا القليل (رهط) أي جماعة (من بني سلمة) بكسر اللام (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (كم الليلة) التي أنت فيها موجودة تسألني عنها (فقلت) هذه الليلة الحاضرة (اثنتان وعشرون) وقد مضت ليلة إحدى وعشرين (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (هي الليلة) أي ليلة القدر هي هذه الليلة الحاضرة واستدل به من قال إنها ليلة اثنتين وعشرين (أو القابلة) أي الآتية بعد ذلك قال المنذري وأخرجه النسائي وقال أبو داود هذا حديث غريب وعنه لم يرو الزهري عن ضمرة غير هذا الحديث
[ 179 ]
(إن لي بادية أكون) أي ساكنا (فيها) المراد بالبادية دار إقامة بها فقوله إن لي بادية أي إن لي دارا ببادية أو بيتا أو خيمة هناك واسم تلك البادية الوطاءة قاله القاري (وأنا أصلي فيها بحمد الله) ولكن أريد أن أعتكف وأريد إدراك ليلة القدر (فمرني) أمر من أمر مخففا (بليلة) زاد في المصابيح من هذا الشهر يعني شهر رمضان (أنزلها) بالرفع على أنه صفة وقيل بالجزم على جواب الأمر أي أنزل تلك الليلة من النزول بمعنى الحلول وقال الطيبي أي أنزل فيها قاصدا أو منتهيا (إلى هذا المسجد) إشارة إلى المسجد النبوي وقصد حيازة فضيلتي الزمان والمكان (فقال أنزل ليلة ثلاث وعشرين) فتدرك ليلة القدر (فقلت) هذا قول محمد بن إبراهيم الراوي عن ضمرة (لابنه) أي لابن عبد الله وهو ضمرة بن عبيدالله (فكيف كان أبوك) أي عبد الله بن أنيس (يصنع) أي في قوله (إذا صلى العصر) أي يوم الثاني والعشرين من رمضان (فلا يخرج منه لحاجة) أي من الحاجات الدنيوية اغتناما للخيرات الأخروية أو لحاجة غير ضرروية أهل (حتى يصلي الصبح) يشير إلى أنها ليلة القدر قال المنذري في سنده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام فيه وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث بسر بن سعيد عن عبد الله بن أنيس في ليلة القدر وقوله صلى الله عليه وسلم وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين قال فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين الحديث انتهى في تاسعة تبقى) بدل من قوله في العشر الأواخر وتبقى صفة لما قبله من العدد أي يرجى بقاؤها (وفي سابعة تبقى وفي خامسة تبقى) الظاهر أنه أراد التاسعة والعشرين والسابعة والعشرين والخامسة والعشرين وقال الطيبي رحمه الله قوله في تاسعة تبقى الليلة الثانية والعشرون تاسعة من الأعداد الباقية والرابعة والعشرون سابعة منها والسادسة والعشرون خامسة منها
[ 180 ]
وقال الزركشي تبقى الأولى هي ليلة إحدى وعشرين والثانية ليلة ثلاث وعشرين والثالثة ليلة خمس وعشرين هكذا قاله مالك وقال بعضهم إنما يصح معناه ويوافق ليلة القدر وترا من الليالي إذا كان الشهر ناقصا فإن كان كاملا فلا يكون إلا في شفع فتكون التاسعة الباقية ليلة اثنتي وعشرين والخامسة الباقية ليلة ست وعشرين والسابعة الباقية ليلة أربع وعشرين على ما ذكره البخاري بعد عن ابن عباس ولا يصادف واحد منهن وترا وهذا على طريقة العرب في التاريخ إذا جاوزوا نصف الشهر فإنما يؤرخون بالباقي منه لا بالماضي كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه البخاري وذكر متابعته عن عكرمة عن ابن عباس التمسوها في أربع وعشرين انتهى قال النووي اختلفوا في محلها فقال جماعة هي متنقلة تكون في سنة في ليلة وفي سنة أخرى في ليلة أخرى وهكذا وبهذا يجمع بين الأحاديث ويقال كل حديث جاء بأحد أوقاتها ولا تعارض فيها قال ونحو هذا قول مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وغيرهم قالوا وإنما تنتقل في العشر الأواخر من رمضان وقيل بل في كله وقيل إنها معينة فلا تنتقل أبدا بل هي ليلة معينة في جميع السنين لا تفارقها وعلى هذا قيل هي في السنة كلها وهو قول ابن مسعود وأبي حنيفة وصاحبيه وقيل بل في شهر رمضان كله وهو قول ابن عمر وجماعة من الصحابة وقيل بل في العشر الوسط والأواخر وقيل في العشر الأواخر وقيل تختص بأوتار العشر وقيل بأشفاعها كما في حديث أبي سعيد وقيل بل في ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين وهو قول ابن عباس وقيل تطلب في ليلة سبع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين وحكى عن علي وابن مسعود وقيل ليلة ثلاث وعشرين وهو قول كثيرين من الصحابة وغيرهم وقيل ليلة أربع وعشرين وهو محكي عن بلال وابن عباس والحسن وقتادة وقيل ليلة سبع وعشرين وهو قول جماعة من الصحابة وقيل ليلة سبع عشرة وهو محكي عن زيد بن أرقم وابن مسعود أيضا وقيل ليلة تسع عشرة وحكى عن ابن مسعود أيضا وحكى عن علي أيضا وقيل آخر ليلة من الشهر انتهى مختصرا وقد أطال الكلام فيه الحافظ في الفتح فليرجع إليه باب فيمن قال ليلة إحدى وعشرين (من رمضان) فيه مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فالاعتكاف فيه سنة لمواظبته صلى الله عليه وسلم قاله
[ 181 ]
ابن عبد البر ولعل مراده رمضان لا يقيد وسطه إذ هو لم يداوم عليه (فاعتكف عاما) أي اعتكف في رمضان في عام (يخرج فيها) ولفظ الموطأ الليلة التي يخرج فيها من صبحها من اعتكافه (من كان اعتكف معي) العشر الوسط (فليعتكف العشر الأواخر) وفي رواية للشيخين فخطبنا صبيحة عشرين وفي أخرى لهما فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ثم قال كنت أجاور هذا العشر ثم بدا لي أن أجاور هذا العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه وفي مسلم من وجه آخر عن أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير فأخذه فنحاه في ناحية القبة ثم كلم الناس فقال إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أوتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه وعند البخاري أن جبريل أتاه في المرتين فقال له إن الذي تطلب أمامك بفتح الهمزة والميم أي قدامك (وقد رأيت) وفي رواية أريت بهمزة أوله مضمومة مبني للمفعول أي أعلمت (هذه الليلة نصب مفعول به لا طرف أي أريت ليلة القدر وجوز الباجي أن الرؤية بمعنى البصر أي رأى علامتها التي أعلمت له بها وهي السجود في الماء والطين (ثم أنسيتها) بضم الهمزة قال القفال ليس معناه أنه رأى الملائكة والأنوار عيانا ثم نسي في أول ليلة رأى ذلك لأن مثل هذا قل أن ينسى وإنما معناه أنه قيل له ليلة القدر ليلة كذا وكذا فنسي كيف قيل له (وقد رأيتني) بضم التاء وفيه عمل الفعل في ضميري الفاعل والمفعول وهو المتكلم وذلك من خصائص أفعال القلوب أي رأيت نفسي (أسجد من صبيحتها) بمعنى في كقوله تعالى من يوم الجمعة أو لابتداء الغاية الزمانية (في ماء وطين) علامة جعلت له يستدل بها عليها ثم المراد أنه نسي علم تعيينها تلك السنة لا رفع وجودها لأمره بطلبها بقوله (فالتمسوها في العشر الأواخر) من رمضان (والتمسوها في كل وتر) منه أي أوتار لياليه وأولها ليلة الحادي والعشرين إلى آخر ليلة التاسع والعشرين وهذا لا يقال قوله التمسوها في السبع الأواخر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحدث بما هنا جازما به
[ 182 ]
قال الباجي يحتمل في ذلك العام ويحتمل أنه الأغلب في كل عام قاله الزرقاني (قال أبو سعيد فمطرت) بفتحتين (السماء من تلك الليلة) أي التي أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية للشيخين فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد (وكان المسجد على عريش) أي على مثل العريش وإلا فالعريش هو السقف أي أنه كان مظللا بالخوص والجريد ولم يكن محكم البناء بحيث يكن من المطر وفي رواية وكان السقف من جريد النخل (فوكف المسجد) أي سال ماء المطر من سقفه فهو من ذكر المحل وإرادة الحال (فأبصرت عيناي) توكيد (من صبيحة إحدى وعشرين) قال في المرقاة يعني الليلة التي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ليلة القدر هي ليلة الحادي والعشرين كذا قيل والأظهر أن من بمعنى في وهي متعلقة بقوله فأبصرت انتهى ولفظ الموطأ قال أبو سعيد فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة إحدى وعشرين قال الزرقاني قوله من صبح ليلة إحدى وعشرين متعلق بقوله انصرف وفي رواية فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه وأنفه فيهما الماء والطين تصديق رؤياه وفيه السجود على الطين وحمله الجمهور على الخفيف قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (فالتي تليها التاسعة) ولفظ مسلم فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة قال قلت يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا فقال أجل نحن أحق بذاك منكم قال قلت ما التاسعة والسابعة والخامسة قال إذا مضت واحدة وعشرون فالتي
[ 183 ]
تليها اثنان وعشرون فهي التاسعة فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة فإذا مضت خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة قال النووي قوله فالتي تليها اثنان وعشرون هكذا وقع في بعض نسخ مسلم وفي أكثرها ثنتين وعشرين بالياء وهي أصوب انتهى قال السندي حاصل الحديث أن اعتبار العدد بالنظر إلى ما بقي لا بالنظر إلى ما مضى لكن بقي الإشكال فيه من جهة فوات الوتر وأيضا هذا العدد يخرج الليلة التي قد تحققت مرة أنها ليلة القدر وهي ليلة إحدى وعشرين كما في الحديث السابق والله أعلم إلا أن يجاب عن الأول أنها أوتار بالنظر إلى ما بقي وهو يكفي ومقتضى الحديث السابق أن تعتبر الأوتار بالنظر إلى ما مضى فيلزم أن يسعى كل ليلة من ليالي العشر الأخير دراكه مراعاة للأوتار بالنظر إلى ما مضى وإلى ما بقي فتأمل والله تعالى أعلم كذا في فتح الودود وفي النيل والحديث يدل على أن ليلة القدر يرجى وجودها في تلك الثلاث الليالي انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي باب من روى أنها ليلة سبع عشرة (عن ابن مسعود) وكذا أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني من حديث زيد بن أرقم قال بلا شك ولا امتراء إنها ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة أنزل القرآن انتهى قال المنذري في إسناده حكيم بن سيف وفيه مقال باب من روى في السبع الأواخر (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر) التحري القصد والاجتهاد في الطلب ثم إن هذا
[ 184 ]
الحديث دل على أن ليلة القدر في السبع الأواخر لكن من غير تعيين وروى عبد الرزاق عن ابن عباس قال دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر قال ابن عباس فقلت لعمر إني لأعلم أو أظن أي ليلة هي قال عمر أي ليلة هي فقلت سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال من أين علمت ذلك فقلت خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام والدهر يدور في سبع والإنسان خلق من سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف والجمار وأشياء ذكرها فقال عمر لقد فطنت لأمر ما فطنا له وقد أخرج نحو هذه القصة الحاكم وإلى أن ليلة القدر ليلة السابع والعشرين ذهب جماعة من أهل العلم وقد حكاه صاحب الحلية عن أكثر العلماء وقد اختلف العلماء فيها على أقوال كثيرة ذكر منها في فتح الباري ما لم يذكره غيره وفي التوشيح وقد اختلف العلماء عليها على أكثر من أربعين قولا وأرجاها أوتار العشر الأخير انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي باب من قال سبع وعشرون وأخرج أحمد في مسنده عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين قال في المنتقى إسناده صحيح وحديث معاوية سكت عنه المنذري قال العيني فإن قلت ما وجه هذه الأقوال قلت لا منافاة لأن مفهوم العدد لا اعتبار له وقال الشافعي والذي عندي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجيب على نحو ما يسأل عنه يقال له نلتمسها في كذا فيقول التمسوها في ليلة كذا وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحدث بميقاتها جزما فذهب كل واحد من الصحابة بما سمعه والذاهبون إلى سبع وعشرين هم الأكثرون
[ 185 ]
باب من قال هي في كل رمضان (عن ليلة القدر) أهي في كل السنة أو في كل رمضان (فقال هي في كل رمضان) قال ابن الملك أي ليست مختصة بالعشر الأواخر بل كل ليلة من رمضان يمكن أن تكون ليلة القدر ولهذا لو قال أحد لامرأته في نصف رمضان أو أقل أنت طالق في ليلة القدر لا تطلق حتى يأتي رمضان السنة القابلة فتطلق في الليلة التي علق فيها الطلاق قاله علي القاري وفي النيل القول الخامس أن ليلة القدر مختصة برمضان ممكنة في جميع لياليه وروي عن ابن عمر وأبي حنيفة وبه قال ابن المنذر وبعض الشافعية ورجحه السبكي
[ 186 ]
باب في كم يقرأ القرآن (قال اقرأ في سبع ولا تزيدن على ذلك) قال النووي هذا من نحو ما سبق من الإرشاد إلى الاقتصاد في العبادة والإرشاد إلى تدبر القرآن وقد كانت للسلف عادات مختلفة فيما يقرؤون كل يوم بحسب أحوالهم وأفهامهم ووظائفهم فكان بعضهم يختم القرآن في كل شهر وبعضهم في عشرين يوما وبعضهم في عشرة أيام وبعضهم أو أكثرهم في سبعة وكثير منهم في ثلاثة وكثير في يوم وليلة وبعضهم في كل ليلة وبعضهم في اليوم والليلة ثلاث ختمات وبعضهم ثمان ختمات والمختار أنه يستكثر منه ما يمكنه الدوام عليه ولا يعتاد إلا ما يغلب على ظنه الدوام عليه في حال نشاطه وغيره هذا إذا لم تكن له وظائف عامة أو خاصة يتعطل بإكثار القرآن عنها فإن كانت له وظيفة عامة كولاية وتعليم ونحو ذلك فليوظف لنفسه قراءة يمكنه المحافظة عليها مع نشاطه وغيره من غير إخلال بشئ من كمال تلك الوظيفة وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف انتهى وقد أطال الكلام في هذه المسألة شيخنا المحدث السيد نذير حسين الدهلوي في كتابه معيار الحق والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
[ 187 ]
(فناقصني وناقصته) قال في فتح الودود بالصاد المهملة أي جرى بيني وبينه مراجعة في النقصان فيرى ما أذكره ناقصا فيردني عنه وأنا أعد ما ذكره ناقصا فأرده عنه كما هو شأن من يجري بينهما المراجعة ولو جعل من المناقضة بالضاد المعجمة لكان له وجه وقد ضبطه بعضهم كذلك أي ينقض قولي وأنقص قوله انتهى (قال عطاء) بن السائب (واختلفنا) أي أنا ومن روى هذا الحديث (عن أبي) هو السائب (فقال بعضنا سبعة أيام) أي في حكم القراءة على ما أمر في لفظ حديث مسلم الذي هو أتم قال المنذري عطاء بن السائب فيه مقال وقد أخرج له البخاري مقرونا وأبوه السائب بن مالك قال يحيى بن معين ثقة (ابن المثنى) هو محمد بن المثنى كنيته أبو موسى (ردد أبو موسى) محمد بن المثنى (هذا الكلام) أي إني أقوى من ذلك (وتناقصه) كما في حديث مسلم بن إبراهيم (حتى قال) النبي صلى الله عليه وسلم (اقرأ في سبع) أي في سبعة أيام (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا يفقه) أي لا يفهم معاني القرآن ولا يتدبر فيها ولا يتفكر (من قرأه) أي القرآن (في أقل من ثلاث) أي ثلاثة أيام وهذا نص صريح في أنه لا يختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام والحديث سكت عنه المنذري
[ 188 ]
(قال أبو علي) محمد اللؤلؤي راوي السنن (كيس) بالتثقيل على وزن جيد بمعنى الفطنة والعقل أي عاقل فطين وهذا توثيق لعيسى من أحمد بن حنبل وقال ابن حبان كان من الحفاظ باب تحزيب القرآن (في كم) أي في كم مدة (فقلت ما) نافية (أحزبه) بتشديد الزاء المعجمة والحزب ما يجعل على نفسه من قراءة أو صلاة كالورد والحزب النوبة في ورود الماء وتحزيب القرآن تجزيته واتخاذ كل جزء حزبا له كذا في الفتح الودود (لا تقل ما أحزبه) أي لا تنكر من التحزيب واتخاذ كل جزء حزبا له (قرأت جزءا) وهو المعنى من الحزب (أنه) أي نافع بن جبير (ذكره) أي الحديث (عن المغيرة بن شعبة) فيكون الحديث متصلا والحديث سكت عنه المنذري ا (أبو خالد) هو الأحمر (وهذا لفظه) أي لفظ عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي (عن عبد الله بن عبد الرحمن) أي قران بن تمام وأبو خالد الأحمر كلاهما يرويان عن عبد الله (أوس بن حذيفة) قال ابن مندة وممن نزل الطائف من الصحابة أوس بن حذيفة الثقفي كان في وفد ثقيف روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عبد البر هو جد عثمان بن عبد الله وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني مالك فأنزلهم في قبة بين المسجد وبين أهله قال ابن معين إسناد هذا الحديث صالح وحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ليس بالقائم في تحزيب القرآن
[ 189 ]
انتهى كذا في أسد الغابة (فنزلت الأحلاف) جمع حليف ولفظ أبي داود الطيالسي فنزل الأحلافيون على المغيرة بن شعبة قال في المصباح الحليف المعاهد يقال منه تحالفا إذا تحالفا وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصرة والحماية انتهى (كان) أي أوس بن حذيفة (قال) أي أوس بن حذيفة (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال أبو سعيد) هو عبد الله بن سعيد كنيته (حتى يراوح) أي يعتمد على إحدى الرجلين مروعلى الأخرى مرة للاستراحة قال الخطابي هو أنه يطول قيام الإنسان حتى يعين فيعتمد على إحدى رجليه مرة ثم يتكئ على رجله الأخرى مرة وقال في النهاية أي يعتمد على إحداهما مرة وعلى الأخرى مرة ليواصل الراحة إلى كل منهما (وأكثرها يحدثنا ما) موصوله (لقي) وهو الأذى (من قومه من قريش) بدل من قومه ولفظ الطيالسي وكان أكثر ما يحدثنا اشتكا قريش (لا سواء) هكذا في أكثر النسخ قال الطيبي أي لا نحن سواء فحذف المبتدأ وجعلت لا عوضا عن المحذوف وهذا قول سيبويه والمعنى حالنا الآن غير ما كانت عليه قبل الهجرة انتهى وقال السندي أي ما كان بيننا وبينهم مساواة بل أنهم كانوا أولا أعز ثم أذلهم الله تعالى انتهى وفي بعض نسخ الكتاب لاأنسى وهكذا في نسختين من المنذري والمعنى لا أنسى أذيتهم وعداوتهم معنا (فلما خرجنا إلى المدينة) ولفظ الطيالسي فلما قدمنا المدينة انتصفنا من القوم فكانت سجال الحرب لنا وعلينا (كانت سجال الحرب) أي ذنوبها قال الخطابي وهي جمع سجل وهي الدلو الكبيرة وقد يكون السجال مصدر ساجلت الرجل مساجلة وسجالا وهو أن يستقي الرجلان من بئر أو ركية فينزع هذا سجلا وهذا سجلا يتناوبان السقي بينهما انتهى (ندال عليهم) أي مرة تكون لنا عليهم دولة وغلبة ولهم علينا دولة فهو تفسير قوله سجال الحرب بيننا وبينهم (فلما كانت ليلة أبطأ) أي تأخر صلى الله عليه وسلم ولفظ الطيالسي واحتبس عنا ليلة عن الوقت الذي كان يأتينا فيه
[ 190 ]
(طرأ علي جزئي) هكذا في بعض النسخ وفي بعض النسخ حزبي قال الخطابي يريد كأنه أغفله عن وقته ثم ذكره فقرأه وأصله من قولك طرأ عليك الرجل إذا خرج عليك فجاءة طروا فهو طار وفي النهاية أي ورد وأقبل يقال طرأ يطرأ مهموزا إذا جاء مفاجأة كأنه فجأة الوقت الذي كان يؤدي فيه ورده من القراءة انتهى (كيف تحزبون القرآن) وكيف تجعلونه المنازل والحزب هو ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة (قالوا ثلاث) أي البقرة وآل عمران والنساء فهذه السور الثلاثة منزل واحد من سبع منازل القرآن (وخمس) من المائدة إلى البراءة (وسبع) من يونس إلى النحل (وتسع) من بني إسرائيل إلى الفرقان (وإحدى عشرة) من الشعراء إلى يس (وثلاث عشرة) من الصافات إلى الحجرات (وحزب المفصل وحده) من قاف إلى آخر القرآن فعلم من هذا أن في عصر الصحابة كان ترتيب القرآن مشهورا على هذا النمط المعروف الآن قال المنذري والحديث أخرجه ابن ماجه (لا يفقه) بفتح القاف قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (في كم يقر) أي في كم مدة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب وذكر أن بعضهم رواه مرسلا
[ 191 ]
(فقال أهذا كهذا الشعر) قال الخطابي الهسرعة القراءة وإنما عاب ذلك عليه لأنه إذا أسرع القرآن ولم يرتل فاته فهم القرآن وإدراك معانيه انتهى وفي النهاية أراد أتهذ يا القرآن هذا فتسرع فيه كما تسرع في قراءة الشعر والهذ سرعة القطع ونصبه على المصدر (ونثرا كنثر الدقل) أي كما يتساقط الرطب اليابس من العذق إذ هز والدقل ردي التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثورا قال في النهاية (كان يقرأ النظائر) هي السور المتقاربة في الطول قال القاضي هذا صحيح موافق لرواية عائشة وابن عباس أن قيام النبي صلى الله عليه وسلم كان إحدى عشرة ركعة بالوتر وأن هذا كان قدر قراءته غالبا وأن تطويله الوارد إنما كان في التدبر والترتيل وما ورد من غير ذلك في قراءته البقرة والنساء وآل عمران كان في نادر من الأوقات قاله النووي قال المنذري وقد أخرج مسلم في صحيحه في ذكر الهذ والنظائر من حديث أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (هذا تأليف ابن مسعود) فبهذا الترتيب كانت السور في مصحفه (كفتاه) أي من قيام الليل وقيل من الشيطان وقيل من الآفات ويحتمل من الجميع
[ 192 ]
قال في النهاية أي أغنتاه عن قيام الليل وقيل أراد أنهما أقل ما يجزئ من القراءة في قيام الليل وقيل تكفيان السوء وتقيان لو من المكروه قال السيوطي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (من القانتين) يرد بمعان متعددة كالطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادة والقيام والسكوت فيصرف في كل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه كذا في النهاية والمراد ههنا القيام في الليل (كتب من المقنطرين) بكسر الطاء من المالكين مالا كثيرا والمراد كثرة الأجر وقيل أي ممن أعطى من الأجر أي أجرا عظيما قاله السندي والحديث سكت عنه المنذري (ابن حجيرة الأصغر عبد الله) وأما ابن حجيرة الأكبر فهو أبوه عبد الرحمن ابن حجيرة القاضي وكلاهما مشهوران بابن حجيرة لكن عبد الله بابن حجيرة الأصغر وعبد الرحمن بابن حجيرة الأكبر والله أعلم (فقال أقرئني) بفتح الهمزة وكسر الراء أي علمني (فقال اقرأ ثلاثا) أي ثلاث سور (من ذوات الراء) بالمد والهمزة قال الطيبي أي من السور التي صدرت بالراء (فقال كبرت) بضم الباء وتكسر (سني) أي كثر عمري (واشتد قلبي) أي غلب عليه قلة الحفظ وكثرة النسيان (وغلط لساني) أي ثقل بحيث لم يطاوعني في تعلم القرآن ولا تعلم السور الطوال (قال) أي فإن كنت لا تستطيع قراءتهن (فاقرأ ثلاثا من ذوات خم) فإن أقصر (ذوات حم) أقصر من أقصر ذوات الراء
[ 193 ]
(من المسبحات) أي ما في أوله سبح ويسبح (فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم إذا زلزلت الأرض حتى فرغ منها) أي النبي صلى الله عليه وسلم أو الرجل قال الطيبي كأنه طلبه لما يحصل به الفلاح إذا عمل به فلذلك قال سورة جامعة وفي هذه السورة آية زائدة لا مزيد عليها فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ولأجل هذا الجمع الذي لا حد له قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الحمر الأهلية لم ينزل علي فيها شئ إلا هذه الجامعة الفاذ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره قال الطيبي وبيان ذلك أنها وردت لبيان الاستقصاء في عرض الأعمال والجزاء عليها كقوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (لا أزيد عليه أبدا) أي على العمل بما دل عليه ما أقرأتنيه يكون من فعل الخير وترك الشر ولعل القصد بالحلف تأكيد العزم لا سيما بحضوره صلى الله عليه وسلم الذي بمنزلة المبايعة والعهد (ثم أدبر) أي ولى دبره وذهب (أفلح) أي فاز بالمطلوب (الرويجل) قال الطيبي تصغير تعظيم لبعد غوره وقوة إدراكه وهو تصغير شاذ إذ قياسه رجيل ويحتمل أن يكون تصغير راجل بالألف بمعنى الماشي (مرتين) إما للتأكيد أو مرة للدنيا ومرة للأخرى وقيل لشدة إعجابه عليه الصلاة والسلام منه قاله علي القاري قال المنذري وأخرجه النسائي والله أعلم باب في عدد الآي (ثلاثون آية) خبر مبتدأ محذوف أي هي ثلاثون والجملة صفة لها قاله الطيبي قال في المرقاة والأظهر أن قوله ثلاثون الخبر الأول وتشفع الخبر الثاني وقد استدل بهذا الحديث من قال البسملة ليست من السورة وآية تامة منها لأن كونها ثلاثين آية إنما يصح على تقدير كونها آية تامة منها والحال أنها ثلاثون من غير كونها آية تامة فهي إما ليست بآية منها كمذهب أبي حنيفة
[ 194 ]
ومالك والأكثرين وإما ليست بآية تامة بل هي جزء من الآية الأولى كرواية في مذهب الشافعي (تشفع لصاحبها) أي لمن يقرؤها في القبر أو يوم القيامة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن هذا آخر كلامه وقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير من رواية عباس الجشمي عن أبي هريرة كما أخرجه أبو داود ومن ذكر معه وقال لم يذكر سماعا من أبي هريرة أن عباس الجشمي روى هذا الحديث عن أبي هريرة لم يذكر فيه أنه سمعه من أبي هريرة
[ 195 ]
باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن (العتقي) على وزن زفر نسبة إلى العتقاء وهم كثيرون (اقرأه) أي عمرا (خمس عشرة سجدة) قال الطيبي أي حمله أن يجمع في قراءته خمس عشرة سجدة (في القرآن) في النهاية إذا قرأ الرجل القرآن أو الحديث على الشيخ يقول أقرأني فلان أي حملني على أن أقرأ عليه (منها ثلاث في المفصل) وهي النجم وانشقت وقد علم محالها وبهذا الحديث قال أحمد وابن المبارك وأخرج الشافعي سجدة ص وأبو حنيفة الثانية من الحج وأخرج مالك المفصل (وإسناده واه) أي ضعيف قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وحديث أبي الدرداء هذا الذي أشار إليه أبو داود وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي غريب (ومن لم يسجدها فلا يقرأها) قال في السبل وفي الحديث رد على أبي حنيفة وغيره
[ 196 ]
ممن قال أنه ليس في سورة الحج إلا سجدة واحدة في الأخيرة منها وفي قوله ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما تأكيد لشرعية السجود فيها ومن قال بإيجابه فهو من أدلته ومن قال ليس بواجب قال لما ترك السنة وهو سجود التلاوة بفعل المندوب وهو القرآن كان الأليق الاعتناء بالمسنون وأن لا يتركه فإذا تركه فالأحسن له أن لا يقرأ السورة قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث إسناده ليس بالقوي هذا آخر كلامه وفي إسناده عبد الله بن لهيعة ومشرح بن هاعان ولا يحتج بحديثهما والله أعلم انتهى وفي المرقاة قال ميرك لكن الحديث صحيح أخرجه الحاكم في مستدركه من غير طريقهما وأقره الذهبي على تصحيحه انتهى باب من لم ير السجود في المفصل (قال محمد) بن رافع (رأيته) أي هذا الشيخ وهو أزهر بن القاسم (لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة) قال التوربشتي هذا الحديث إن صح لم يلزم منه حجة لما صح عن أبي هريرة قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت وفي اقرأ باسم ربك وأبو هريرة متأخر قال ابن الملك ولأن كثيرا من الصحابة يروونها فيه فالإثبات أولى بالقبول قال النووي هذا حديث ضعيف الإسناد ومع كونه ضعيفا مناف للمثبت المقدم عليه فإن إسلام أبي هريرة سنة سبع وقد ذكر أنه سجد مع النبي صلى الله عليه وسلم في الانشقاق واقرأوهما سعيد من المفصل على أن الترك يحتمل أن يكون لسبب من الأسباب قال المنذري في إسناده
[ 197 ]
أبو قدامة واسمه الحارث بن عبيد أيادي بصري لا يحتج بحديثه وقد صح أن أبا هريرة رضي الله عنه سجد مع النبي صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت وفي اقرأ باسم ربك على ما سيأتي وأبو هريرة إنما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة من الهجرة (فلم يسجد فيها) قال في النيل الحديث احتج به من قال أن المفصل لا يشرع فيه سجود لتلاوة وهم المالكية والشافعي في أحد قوليه واحتج به أيضا من خص سورة النجم بعدم لسجود وهو أبو ثور وأجيب عن ذلك بأن تركه صلى الله عليه وسلم للسجود في هذه الحالة لا يدل على تركه مطلقا لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء أو لكون الوقت كان وقت كراهة أو لكون القارئ لم يسجد أو كان الترك لبيان الجواز قال في الفتح وهذا أرجح الاحتمالات وبه جزم الشافعي وقد روى البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس وروى البزار والدارقطني عن أبي هريرة أنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه قال في الفتح ورجاله ثقات وروى ابن مردويه بإسناد حسنه الحافظ عن أبي هريرة أنه سجد في خاتمة النجم فسئل عن ذلك فقال أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها وقد تقدم أن أبا هريرة إنما أسلم سنة سبع من الهجرة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (قال أبو داود كان زيد الإمام فلم يسجد فيها) يريد أن القارئ إمام للسامع فيجوز أن زيدا ترك السجود فتركها النبي صلى الله عليه وسلم اتباعا لزيد والله أعلم باب من رأى فيها سجودا (قرأ سورة النجم فسجد بها) وفي نسخة فسجد فيها أي لما فرغ من قراءتها (وما بقي
[ 198 ]
أحد من القوم) الذين اطلع عليهم عبد الله بن مسعود (إلا سجد) معه عليه الصلاة والسلام وقال النووي أي من كان حاضرا قراءته من المسلمين والمشركين والجن والإنس قاله ابن عباس حتى شاع أن أهل مكة أسلموا (فأخذ رجل من القوم) الحاضرين هو أمية بن خلف (كفا من حصا) أي حجارة صغار (أو تراب) شك من الراوي (يكفيني هذا) كان المقصود من السجود التواضع والانقياد والمذلة بين يدي رب العباد ووضع أشرف الأعضاء في أخس الأشياء رجوعا إلى أصله من الغناء وهذا لما في رأسه من توهم الكبرياء وعدم وصوله إلى مقام الأصفياء (قال عبد الله) أي ابن مسعود (بعد ذلك) أي بعد هذه القصة (قتل) أي يوم بدر (كافرا) قال الطيبي فيه أن من سجد مع النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين قد أسلموا والحديث فيه مشروعية السجود لمن حضر عند القارئ للآية التي فيها السجدة قال القاضي عياض وكان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود أنها أول سجدة نزلت وأما ما يرويه الإخباريون والمفسرون أن سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم فباطل لا يصح فيه شئ لا من جهة العقل ولا من جهة النقل كذا في شرح مسلم للنووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وأخرجه النسائي مختصرا وهذا الرجل هو أمية بن خلف وقيل هو الوليد بن المغيرة وقيل هو عبيد بن ربيعة وقيل إنه أبو أحيحة سعيد بن العاص والأول أصح وهو الذي ذكره البخاري باب السجود في إذا السماء انشقت واقرأ (عن أبي هريرة قال سجدنا) قال في السبل والحديث دليل على مشروعية سجود التلاوة وقد أجمع على ذلك العلماء وإنما اختلفوا في الوجوب وفي مواضع السجود فالجمهور على أنه سنة وقال أبو حنيفة واجب غير فرض ثم هو سنة في حق التالي
[ 199 ]
والمستمع إن سجد التالي وقيل وإن لم يسجد وأما مواضع السجود فقال الشافعي يسجد فيما عدا المفصل فيكون أحد عشر موضعا وقالت الحنفية في أربعة عشر محلا إلا أن الحنيفة لا يعدون في الحج إلا سجدة واعتبروا بسجدة سورة ص وقال أحمد وجماعة يسجد في خمسة عشر موضعا عدوا سجدتي الحج وسجدة ص واختلفوا أيضا هل يشترط فيها ما يشترط في الصلاة من الطهارة وغيرها فاشترط ذلك جماعة وقال قوم لا يشترط وقال البخاري كان ابن عمر يسجد على غير وضوء وفي مسند ابن أبي شيبة كان ابن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء ثم يركب فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ ووافقه الشعبي على ذلك وروى عن ابن عمر أنه قال لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر وجمع بين قوله وفعله على الطهارة من الحدث الأكبر وهذا الحديث دل على السجود للتلاوة في المفصل انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فقال أبو داود أسلم أبو هريرة) هذه العبارة ليست في أكثر النسخ وكذا ليست في مختصر المنذري (فقلت ما هذه السجدة) هو استفهام إنكار وبذلك تمسك من رأى ترك السجود للتلاوة في الصلاة ومن رأى تركه في المفصل ويجاب عن ذلك بأن أبا رافع وكذا أبو سلمة كما عند البخاري لم ينكروا على أبي هريرة بعد أن أعلمهما بالسنة في هذه المسألة ولا احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك قال ابن عبد البر وأي عمل يدعى مع مخالفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين بعده والحديث يدل على مشروعية سجود التلاوة في الصلاة لأن ظاهر السياق أن سجوده صلى الله عليه وآله وسلم كان في الصلاة وفي الفتح أن في رواية أبي الأشعث عن معمر التصريح بأن سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها كان داخل الصلاة وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء ولم يفرقوا بين صلاة الفريضة والنافلة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 200 ]
باب السجود في ص (ليس ص من عزائم السجود) قال في الفتح والمراد بالعزائم ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلا بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب وقد ورد أنه قال صلى الله عليه وسلم سجدها داود توبة وسجدنا شكرا وقد روى ابن المنذر وغيره عن علي بن أبي طالب بإسناد حسن أن العزائم حم والنجم واقرأ وألم تنزيل وكذا ثبت عن ابن عباس في الثلاثة الأخر وقيل الأعراف وسبحان وحم وألم أخرجه ابن أبي شيبة قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي (تشزن الناس) بفتح الشين المعجمة والزاء المشددة والنون قال الخطابي معناه استوفروا قد وتأهبوا له وتهيؤوا وأصله من الشزن وهو القلق يقال بات فلان على شزن إذا بات قلقا ينقلب من جنب إلى جنب انتهى وتقدم الكلام في مذاهب العلماء (إنما توبة نبي) أي داود عليه السلام كما في قوله تعالى فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب (تشزنتم) أي تأهبتم وفي وتهيأتم كل والحديث سكت
[ 201 ]
باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب (قرأ عام الفتح) أي فتح مكة (سجدة) أي آية سجدة بانضمام ما قبلها أو بعدها أو منفردة لبيان الجواز (في الأرض) متعلق بالساجد ولما كان الراكب لا يسجد على الأرض جعل غير الساجد عليها قسيما له ففيه إيماء إلى أن الراكب لا يلزمه النزول للسجود بالأر ض (حتى إن الراكب) بكسر إن وتفتح (يسجد على يده) أي الموضوعة على السرج أو غيره ليجد الحجم حالة السجدة قال ابن الملك وهذا يدل على أن من يسجد على يده يصح إذا أنحى عنقه عند أبي حنيفة لا عند الشافعي قال ابن همام إذا تلا راكبا أو مريضا لا يقدر على السجود أجزأه الإيماء انتهى والحديث أخرجه الحاكم وصححه وأقره الذهبي كذا في المرقاة قال المنذري في إسناده مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وقد ضعفه غير واحد من الأئمة (المعنى) أي واحد وكلاهما أي يحيى بن سعيد وابن نمير يرويان عن عبيدالله (ثم اتفقا) أي يحيى بن سعيد وابن نمير (لا يجب احدنا مكانا) لكثرة الزحام واختلاط الناس وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه قال إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه أي ولو بغير إذنه مع أن الأمر فيه يسير ولا بد من إمكانه مع القدرة على رعاية هيئة الساجد بأن يكون على مرتفع والمسجود عليه في منخفض وبه قال أحمد والكوفيون وقال مالك يمسك فإذا رفعوا سجد وإذا قلنا بجواز السجود في الفرض فهو أجوز في سجود القرآن
[ 202 ]
لأنه سنة وذاك فرض قاله القسطلاني قال النووي إذا سجد المستمع لقراءة غيره وهما في غير صلاة لم ترتبط به بل له أن يرفع قبله وله أن يطول السجود بعده وله أن يسجد وإن لم يسجد القارئ سواء كان القارئ متطهرا أو محدثا أو امرأة أو صبيا أو غيرهم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (إذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا) قال الخطابي فيه من الفقه أن المستمع للقرآن إذا قرئ بحضرته السجدة سجد مع القارئ وقال مالك والشافعي إذا لم يكن قعد لاستماع القرآن فإن شاء سجد وإن شاء لم يسجد وفيه أن السنة أن يكبر للسجدة وعلى هذا مذهب أكثر أهل العلم وكذلك يكبر إذا رفع رأسه وكان الشافعي وأحمد يقولان يرفع يديه إذا أراد أن يسجد وعن عطاء وابن سيرين إذا رفع رأسه من السجود سلم وبه قال إسحاق بن راهويه واحتج لهم في ذلك بقوله عليه السلام تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وكان أحمد لا يرى التسليم في هذا قال المنذري في إسناده عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة وأخرج له مسلم مقرونا بأخيه عبيدالله بن عمر رضي الله عنهم (لأنه كبر) أي لأنه فيه ذكر التكبير وما جاء ذكر التكبير في سجود التلاوة إلا في هذا الحديث وأخرجه الحاكم من رواية العمري أيضا لكن وقع عنده مصغرا والمصغر ثقة ولهذا قال على شرط الشيخين قال الحافظ وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر بلفظ آخر باب ما يقول إذا سجد (سجد وجهي) بفتح الياء وسكونها والنسبة مجازية أو المراد بالوجه الذات (للذي
[ 203 ]
وشق سمعه وبصره) تخصيص بعد تعميم أي فتحهما وأعطاهما الإدراك وأثبت لهما الإمداد بعد الإيجاد (بحوله) أي بصرفه الآفات عنهما (وقوته) أي قدرته بالثبات والإعانة عليهما وهذا الحديث أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه ابن السكن وقال في آخره ثلاثا وزاد الحاكم فتبارك الله أحسن الخالقين وزاد البيهقي وصوره بعد قوله خلقه ولمسلم نحوه من حديث علي في سجود الصلاة وللنسائي أيضا نحوه من حديث جابر في سجود الصلاة أيضا والحديث يدل على مشروعية الذكر في سجود التلاوة بما اشتمل عليه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث صحيح فائدة ليس في أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئا وقد كان يسجد معه صلى الله عليه وسلم من حضر تلاوته ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بالوضوء ويبعد أن يكونوا جميعا متوضئين وقد روى البخاري عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير وضوء قال في الفتح لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوءإلا الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح وأخرج أيضا عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسجد وهو على غير وضوء وتقدم فيه بعض الكلام والله أعلم باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح (الركب) أي جماعة من الركبان (كنت أقص) أي كنت أعظ الناس وأذكرهم فأقرأ سورة من القرآن فيها السجدة ومنه الحديث لا يقص إلا أمير أو مأمور أو محتال أي لا ينبغي ذلك إلا لأمير يعظ الناس ويخبرهم بما مضى ليعتبروا أو مأمور بذلك فيكون حكمه حكم الأمير ولا يقص تكسبا كذا في النهاية (فنهاني ابن عمر) عن سجدة التلاوة بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس (فلم أنته) عن هذا الفعل بل كنت أفعلها (ثلاث مرات) ظرف فنهاني أي نهاني ثلاث
[ 204 ]
مرار (ثم عاد) ابن عمر للمنع في المرة الرابعة بقوله (فقال) ا عمر (حتى تطلع الشمس) قال الشوكاني روي عن بعض الصحابة أنه يكره سجود التلاوة في الأوقات المكروهة والظاهر عدم الكراهة لأن السجود المذكور ليس بصلاة والأحاديث الواردة بالنهي مختصة بالصلاة انتهى قال المنذري في إسناده أبو بحر البكراوي عبد الرحمن بن عثمان بن أمية ولا يحتج بحديثه
[ 205 ]
تفريع ابواب الوتر باب استحباب الوتر (يا أهل القرآن أوتروا) قال الطيبي يريد به قيام الليل فإن الوتر يطلق عليه كما يفهم من الأحاديث فلذلك خص الخطاب لأهل القرآن (فإنه الله وتر) أي واحد في ذاته لا يقبل الانقسام وواحد في صفاته فلا شبه له ولا مثل له وواحد في أفعاله فلا شريك له ولا معين (يحب الوتر) أي يثيب عليه ويقبله من عامله قال الخطابي تخصيصه أهل القرآن بالأمر فيه يدل على أن الوتر غير واجب ولو كان واجبا لكان عاما وأهل القرآن في عرف الناس القراء والحفاظ دون العوام ويدل على ذلك قوله للأعرابي ليس لك ولا لأصحابك قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن وفي حديثهم عن علي رضي الله عنه قال الوتر ليس بحتم كصلاتكم المكتوبة وفي بعضها ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم أن عاصم بن ضمرة تكلم فيه غير واحد (عن أبي عبيدة عن عبد الله الخ) قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وقد تقدم أن أبا
[ 206 ]
عبيدة بن عبد الله لم يسمع من أبيه فهو منقطع (ليس لك ولا لأصحابك) بل إنه خاص بالقراء والحفاظ (الزوفي) بفتح الزاي المعجمة وسكون الواو ثم الفاء (قال أبو الوليد) الطيالسي (العدوي) صفة خارجة بن حذافة (إن الله تعالى قد أمدكم) أي جعلها زيادة لكم في أعمالكم من مد الجيش وأمده أي زاده وقال في المفاتيح الإمداد اتباع الثاني الأول تقوية له وتأكيدا له من المدد (من حمر النعم الخ) بضم الحاء وسكون الميم جمع الأحمر والنعم هنا الإبل إضافة الصفة إلى الموصوف وضرب المثل بها لأنها أفضل عندهم من السود وحمر النعم أعز الأموال عندهم قال الخطابي الحديث يدل على أنها غير لازمة لهم ولو كانت واجبة لخرج الكلام على صيغة لفظ الإلزام فيقول فرض عليكم وألزمكم أو نحو ذلك من الكلام وقد روي أيضا في هذا الحديث أن الله قد زادكم صلاة والزيادة في النوافل وذلك أن نوافل الصلاة شفع لاوتر فيها فقيل أمدكم بصلاة وزادكم صلاة لم تكونوا تصلونها قبل على تلك الهيئة والصورة وهي الوتر والقول فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر فيه دليل على أن الوتر لا يقضى بعد طلوع الفجر وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وهو قول عطاء وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يقضي الوتر وإن كان قد صلى الفجر وهو قول الأوزاعي قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث غريب نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب هذا آخر كلامه وقال البخاري لا يعرف لإسناده يعني لإسناد هذا الحديث سماع بعضهم من بعض انتهى قال السيوطي ليس لعبدالله الزوفي ولا لشيخه عبد الله بن أبي مرة ولشيخه خارجة بن حذافة عند المؤلف والترمذي وابن ماجه إلا هذا الحديث الواحد وليس لهم رواية في بقية الكتب الستة انتهى
[ 207 ]
باب في من لم يوتر (الوتر حق) قال الخطابي معنى هذا الكلام التحريض على الوتر والترغيب فيه (فمن لم يوتر فليس منا) معناه من لم يوتر رغبة عن السنة فليس منا وقد دلت الأخبار الصحيحة على أنه لم يرد بالحق الواجب الذي لا يسع غيره منها خبر عبادة بن الصامت لما بلغه أن أبا محمد من الأنصار يقول إن الوتر حق فقال كذب أبو محمد ثم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدد الصلوات الخمس ومنها خبر طلحة بن عبيدالله في سؤال الأعرابي ومنها خبر أنس بن مالك في فرض الصلوات ليلة الإسراء وقد أجمع أهل العلم على أن الوتر ليس بفريضة إلا أنه يقال في رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة قال هو فريضة وأصحابه لا يقولون ذلك فإن صحت هذه الرواية فهو مسبوق بالإجماع فيه قال المنذري في إسناده عبيدالله بن عبد الله أبو المنيب العتكي المروزي وقد وثقه ابن معين وقال أبو حاتم الرازي صالح الحديث وتكلم فيه البخاري والنسائي وغيرهما (عن ابن محيريز أن رجلا من بني كنانة) قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه . قال أبو عمر النمري لم يختلف عن مالك في اسناد هذا الحديث وهو صحيح ثابت والمخدجي
[ 208 ]
فلسطيني اسمه رفيع وهو بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وقد فتحها بعضهم وبعدها جيم قيل إن ذلك لقب له وقيل هو نسب له ومخدج بطن من كنانة وأبو محمد أنصاري اسمه مسعود وله صحبة وقيل اسمه سعد بن أو س من الأنصار من بني النجار وكان بدريا وقوله كذب أي أخطأ وسماه كذبا لأنه يشبهه في كونه ضد الصواب كما أن الكذب ضد الصدق وهذا الرجل ليس بمخبر وإنما قاله باجتهاد أداه إلى أن الوتر واجب والاجتهاد لا يدخله الكذب وإنما يدخله الخطأ وقد جاء كذب بمعنى أخطأ في غير موضع انتهى باب كم الوتر (والوتر ركعة من آخر الليل) قال الخطابي قد ذهب جماعة من السلف إلى أن الوتر ركعة منهم عثمان بن عفاوسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري وابن عباس وعائشة وابن الزبير وهو مذهب ابن المسيب وعطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق غير أن الاختيار عند مالك والشافعي وأحمد وإسحاق أن يصلي ركعتين ويوتر بركعة وإن أفرد الركعة جاز عند الشافعي وأحمد وإسحاق وكرهه مالك وقال أصحاب الرأي الوتر ثلاث لا يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة قال سفيان الثوري وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة ركعة وقال الأوزاعي إن فصل بين الركعتين والثالثة فحسن وإن لم يفصل فحسن وقال مالك يفصل بينهما فإن لم يفصل ونسي إلى أن قام إلى الثالثة سجد سجدتين سجدتي السهو انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (الوتر حق على مسلم) وهو دليل لمن قال بوجوب الوتر وقد ذهب الجمهور إلى أن الوتر غير واجب بل سنة وخالفهم أبو حنيفة فقال إنه واجب وروي عنه أنه فرض قال ابن
[ 209 ]
المنذر ولا أعلم أحدا وافق أبا حنيفة في هذا وأورد صاحب المنتقى حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أوتر على بعيره رواه الأئمة الستة للاستدلال به على عدم الوجوب لأن الفريضة لا تصلى على الراحلة وكذلك إيراده حديث أبي أيوب للاستدلال بما فيه من التخيير على عدم الوجوب ومن الأدلة الدالة على عدم وجوب الوتر ما اتفق عليه الشيخان من حديث طلحة بن عبيدالله قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوت في اليوم والليلة قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع وروى الشيخان أيضا من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن الحديث وفيه فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة وهذا من أحسن ما يستدل به لأن بعث معاذ كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بيسير وأجاب الجمهور أيضا عن الأحاديث المشعرة بالوجوب بأن أكثرها ضعيف وهو حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمر وبريدة وسليمان بن صرد وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وابن أبي أوفى وعقبة بن عامر ومعاذ بن جبل كذا قال العراقي وبقيتها لا يثبت به المطلوب لا سيما مع قيام الأدلة على عدم الوجوب كذا في نيل الأوطار قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقد وقفه بعضهم ولم يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه مرفوعا كما ذكرناه من رواية بكر بن وائل عن الزهري وتابعه على رفعه الإمام أبو عمرو الأوزاعي وسفيان بن حسين ومحمد بن أبي حفصة وغيرهم ويحتمل أن يكون يرويه مرة من فتياه ومرة من روايته باب ما يقرأ في الوتر (عن أبيه) وهو عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي صحابي صغير (يوتر) أي يقرأ في صلاة الوتر (بسبح اسم ربك الأعلى) أي في الركعة الأولى بعد قراءة الفاتحة (وقل للذين كفروا) أي
[ 210 ]
قل يا أيها الكافرون في الركعة الثانية (والله الواحد الصمد) أي في الثالثة بعدها وزاد النسائي ولا يسلم إلا في آخرهن وجاء في عدة طرق أن السور الثلاث بثلاث ركعات والحديث فيه دليل على الإيثار بثلاث واحتج بعض الحنفية لما ذهبوا إليه من تعيين الوصل والاقتصار على ثلاث بأن الصحابة أجمعوا على أن الوتر بثلاث موصولة حسن جائز واختلفوا فيما زاد عليها أو نقص عنها قال فأخذنا بما أجمعوا عليه وتركنا ما اختلفوا فيه وتعقبه محمد بن نصر المروزي بما رواه من طريق عراك بن مالك عن أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق وموقوفا على أبي هريرة من طريق أخرى لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب وقد صححه الحاكم وبما رواه محمد بن نصر من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة والأعرج عن أبي هريرة مرفوعا وإسناده على شرط الشيخين وقد صححه ابن حبان والحاكم ورواه الدارقطني برواة ثقات لا توتروا بثلاث ولا تشبهوا الوتر بثلاث وأخرج ابن نصر عن سليمان بن يسار أحد الفقهاء أنه كره الثلاث في الوتر وقال لا يشبه التطوع الفريضة فهذا كله يقدح في الإجماع الذي زعمه لكن قول محمد ابن نصر لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا ثابتا صريحا أنه أوتر بثلاث موصولة نعم ثبت عنه أنه أوتر بثلاث لكن لم يبين الراوي هل هي موصولة أو مفصولة انتهى يرد عليه ما رواه الحاكم من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن أي فيصليهن بتشهد واحد قال الحافظ ويجاب عن محمد بن نصر باحتمال أن حديث أبي بن كعب المروي في السنن وحديث عائشة هذا لم يثبتا عنده قلت هذا احتمال ضعيف والجمع بين حديث الايثار بثلاث وحديث النهي عن التشبيه بصلاة المغرب أن يحمل النهي على صلاة الثلاث بتشهدين وقد فعله السلف أيضا فروى محمد بن نصر من طريق الحسن أن عمر بن الخطاب كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير يعني إذا قام من سجوده الركعة الثانية قام مكبرا من غير جلوس للتشهد ومن طريق المسور بن مخرمة أن عمر أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن ومن طريق عبد الله بن طاؤس عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد بينهن ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد عن ايوب مثله . وروى محمد بن نصر عن ابن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاث كالمغرب وكأنهم لم يبلغهم النهي المذكور قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي حديثهما قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد انتهى
[ 211 ]
(وفي الثالثة بقل هو الله أحد) الحديث فيه لين كما سيجئ ورواه ابن حبان والدارقطني من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قال العقيلي إسناده صالح وقال ابن الجوزي أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين وروى ابن السكن له شاهدا من حديث عبد الله بن سرجس بإسناد غريب كذا في السبل قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن غريب وعبد العزيز هذا والد ابن جريج هذا آخر كلامه وفي إسناده خصيف وهو أبو عون خصيف بن عبد الرحمن الحراني وقد ضعفه غير واحد من الأئمة باب القنوت في الوتر (عن بريد بن أبي مريم) بالموحدة المضمومة والراء المفتوحة وهو غير يزيد بن أبي مريم الشامي الذي خرج له في الصحيحين وحديثه من اغبرت قدماه في سبيل الله ذلك بالمثناة التحتية المفتوحة والزاي المكسورة ولم يخرجا لبريد هذا شيئا واسم أبي مريم والد هذا مالك بن ربيعة السلولي واسم والد ذاك عبد الله (أقولهن) أي أدعو بهن (في الوتر) وفي رواية في قنوت الوتر وظاهره الإطلاق في جميع السنة كما هو مذهب الحنفية وأما الشافعية فيقيدون القنوت في الوتر بالنصف الأخير من رمضان كما هو مذهب جماعة من الصحابة (اللهم اهدني) أي ثبتني على الهداية أو زدني من أسباب الهداية إلى الوصول بأعلى مراتب النهاية (فيمن هديت) أي في جملة من هديتم أو هديته من الأنبياء والأولياء كما قال سيلمان وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين (وعافني فيمن عافيت) أي من أسوأ الأدواء والأخلاق والأهواء وقال ابن الملك من المعافاة التي هي دفع السوء (وتولني فيمن توليت) أي تول أمري
[ 212 ]
ولا تكلني إلى نفسي في جملة من تفضلت عليهم قال المظهر أمر مخاطب من تولى إذا أحب عبدا وقام بحفظه وحفظ أمره (وبارك) أي أكثر الخير (لي) أي لمنفعتي (فيما أعطيت) أي فيما أعطيتني من العمر والمال والعلوم والأعمال (وقني) أي احفظني (شر ما قضيت) أو ما قدرت لي من قضاء وقدر فسلم لي العقل والدين (تقضي) أي تقدر أو تحكم بكل ما أردت (ولا يقضى عليك) فإنه لا معقب لحكمك ولا يجب عليك شئ (إنه) أي الشأن (لا يذل) بفتح فكسر أي لا يصير ذليلا أي حقيقة ولا عبرة بالصورة (من واليت) الموالاة ضد المعاداة (ولا يعز من عاديت) هذه الجملة ليست في عامة النسخ إنما وجدت في بعضها نعم روى البيهقي وكذا الطبراني من عدة طرق ولا يعز من عاديت (تباركت) أي تكاثر خيرك في الدارين (ربنا) بالنصب أي يا ربنا (وتعاليت) أي ارتفعت عظمتك وظهر قهرك وقدرتك على من في الكونين وقال ابن الملك أي ارتفعت عن مشابهة كل شئ قاله علي القاري واعلم أنه قد اختلف في كون القنوت قبل الركوع أو بعده ففي بعض طرق الحديث عند البيهقي التصريح بكونه بعد الركوع وقال تفرد بذلك أبو بكر بن شيبة الحزامي وقد روى عنه البخاري في صحيحه وذكره ابن حبان في الثقات فلا يضر تفرده وأما القنوت قبل الركوع فهو ثابت عند النسائي من حديث أبي بن كعب وعبد الرحمن بن أبزى وضعف أبو داود ذكر القنوت فيه وثابت أيضا في حديث ابن مسعود عند ابن أبي شيبة قال العراقي وهو ضعيف قال ويعضد كونه بعد الركوع أولى فعل الخلفاء الأربعة لذلك والأحاديث الواردة في الصبح وقد روى محمد بن نصر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت بعد الركعة وأبو بكر وعمر حتى كان عثمان فقنت قبل الركعة ليدرك الناس قال العراقي وإسناده جيد قال المنذري وفي رواية قال هذا يقول في الوتر في القنوت وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي واسمه ربيعة بن شيبان ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئا أحسن من هذا وقال الخطابي وقد اختلف الناس في قنوته فصلاة الفجر وفي موضع القنوت منها فقال أصحاب الرأي لا قنوت إلا في الوتر ويقنت قبل الركوع وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق يقنت في صلاة الفجر والقنوت بعد الركوع
[ 213 ]
وقد روي القنوت بعد الركوع في صلاة الفجر عن علي وأبي بكر وعمر وعثمان فأما القنوت في شهر رمضان فمذهب إبراهيم النخعي وأهل الرأي وإسحاق أن يقنت في أوله وآخره وقال الزهري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق لا يقنت إلا في النصف الآخر منه واحتجوا في ذلك بفعل أبي بن كعب وابن عمر ومعاذ القاري انتهى (يقول في آخره وتره) أي بعد السلام منه كما في رواية قال ميرك وفي إحدى روايات النسائي كان يقول إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه (اللهم إني أعوذ برضاك) أي من جملة صفات جمالك (من سخطك) أي من بقية صفات جلالك (وبمعافاتك) من أفعال الإكرام والإنعام (من عقوبتك) من أفعال الغضب والانتقام (وأعوذ بك منك) أي بذاتك من آثار صفاتك وفيه إيماء إلى قوله تعالى ويحذركم الله نفسه وإشارة إلى قوله تعالى ففروا إلى الله (لا أحصي ثناء عليك) أي لا أطيقه ولا أبلغه حصرا وعددا (أنت كما أثنيت على نفسك) أي ذاتك قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة قال أبو داود هشام أقدم شيخ لحماد وبلغني عن يحيى بن معين أنه قال لم يرو عنه غير حماد ابن سلمة وقال البخاري قال أبو العباس قيل لأبي جعفر الدارمي روى عن هذا الشيخ غير حماد فقال لا أعلم وليس لحماد عنه إلا هذا الحديث وقال أحمد بن حنبل هشام بن عمرو الفزاري من الثقات وقال أبو حاتم الرازي شيخ قديم ثقة وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وقد أخرجه أبو عبد الرحمن في الصلاة وابن ماجه في الدعاء انتهى
[ 214 ]
(قال أبو داود روى عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة) قال المنذري وذكر أبو داود معلقا من حديث سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع وهذا الذي ذكره أبو داود هطرف من حديث وقد أخرجه النسائي في سنته بطوله وذكر القنوت فيه (عن فطر بن خليفة) ففطر بن خليفة تابع سعيد بن أبي عروبة (وروى) بصيغة المجهول (عن حفص بن غياث) وهذا متابع لعيسى بن يونس (عن مسعر) وهذا متابع لفطر بن خليفة (وحديث سعيد) بن أبي عروبة (رواه يزيد بن زريع) فيزيد بن زريع خالف عيسى بن يونس (وكذلك) أي بعدم ذكر القنوت في المتن وإسقاط اسم أبي بن كعب في الإسناد (وسماعه) أي سماع محمد بن بشر كما هو الظاهر (مع عيسى بن يونس ولم يذكروا القنوت) فدل على وهم عيسى بن يونس أو ممن دونه (وقد رواه
[ 215 ]
أيضا هشام الدستوائي وشعبة عن قتادة ولم يذكروا القنوت) فكيف يذكر سعيد بن أبي عروبة هذا اللفظ عن قتادة وهذا كله يدل على وهم عيسى قلت بل عيسى بن يونس نفسه لم يذكر هذه الزيادة في رواية إسحاق بن إبراهيم عن عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة وحديثه عند النسائي (وحديث زبيد رواه سليمان الأعمش وشعبة وعبد الملك بن أبي سليمان وجرير بن حازم) ورواية هؤلاء عند النسائي (كلهم عن زبيد لم يذكر أحد منهم القنوت) فدل على أن ذكر القنوت من حديث زبيد ليس بمحفوظ (وليس هو) أي ذكر القنوت (بالمشهور) عند المحدثين (من حديث حفص) ابن غياث بل (نخاف أن يكون) هذا الوهم (عن حفص عن غير مسعر) فنسبه الراوي إلى مسعر (يروى) بصيغة المجهول (أن أبيا كان يقنت في النصف من رمضان) فكيف يترك أبي بن كعب ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم من قراءة القنوت في الوتر في باقي السنة فهذا يدل أيضا على ضعف الحديث المذكور والله أعلم قال المنذري وذكر أبو داود عن بعضهم أنه رواه عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر القنوت ولا ذكر أبيا ولا جماعة رووه أيضا لم يذكروا القنوت إلا ما روي عن حفص بن غياث قال أبو داود وليس هو بالمشهور من حديث حفص انتهى (عن محمد) هو ابن سيرين قال المنذري فيه رجل مجهول وقال النووي حديث ضعيف
[ 216 ]
(عن الحسن) هو البصري (جمع الناس) أي الرجال وأما النساء فجمعهن على سليمان بن أبي حثمة كما في بعض الروايات (فكان) أبي (يصلي لهم عشرين ليلة) يعني من رمضان (ولا يقنت بهم) في الوتر (إلا في النصف الباقي) أي الأخير (فصلى في بيته) هي صلاة التراويح (فكانوا يقولون أبق أبي) أي هرب عنا قال الطيبي في قولهم أبق إظهار كراهية تخلفه فشبهوه بالعبد الآبق كما في قوله تعالى إذ أبق إلى الفلك المشحون سمي هرب يونس بغير إذن ربه إباقا مجازا ولعل تخلف أبي كان تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث صلاها بالقوم ثم تخلف انتهى أو يحمل على عذر من الأعذار قال ابن حجر المكي وكان عذره أنه يؤثر التخلي في هذا العشر الذي لا أفضل منه ليعود عليه من الكمال في خلوته فيه ما لا يعود عليه في جلوته ذكره في المرقاة قال المنذري والحسن ولد في سنة إحدى وعشرين ومات عمر رضي الله عنه في أواخر سنة ثلاث وعشرين في أوائل المحرم سنة أربع وعشرين انتهى وقال الزيلعي إسناده منقطع فإن الحسن لم يدرك عمر وضعفه النووي في الخلاصة وأخرج ابن عدي في الكامل من طريق أبي عاتكة عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في النصف من رمضان إلى آخره وأبو عاتكة ضعيف وقال البيهقي لا يصح إسناده وقال الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب قيام الليل باب ترك القنوت في الوتر إلا في النصف الآخر من رمضان عن الحسن أن أبي بن كعب أم الناس في رمضان فكان لا يقنت في النصف الأول ويقنت في النصف الآخر فلما دخل العشر أبق وخلا عنهم فصلى بهم معاذ القاري وسئل سعيد بجبير عن بدو القنوت في الوتر فقال بعث عمر بن الخطاب جيشا فورطوا متورطا خا ف عليهم فلما كان النصف الآخر من رمضان قنت يدعو لهم وكان معاذ بن الحارث الأنصاري إذا انتصف رمضان لعن الكفرة وكان ابن عمر لا يقنت في الصبح ولا في الوتر إلا في النصف الأواخر من رمضان وعن الحسن كانوا يقنتون في النصف الآخر من رمضان وعن محمد بن عمر وكنا نحن بالمدينة نقنت ليلة أربع عشر من رمضان وكان الحسن ومحمد وقتادة يقولون القنوت في النصف الأواخر من رمضان وسرد آثارا أخر بأسانيدها والله أعلم
[ 217 ]
باب في الدعاء بعد الوتر (قال سبحان الملك القدوس) أي البالغ أقصى النزاهة عن كل وصف ليس فيه غاية الكمال المطلق قال الطيبي هو الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص وفعول بالضم من أبنية المبالغة انتهى وزاد أحمد والنسائي في حديث أبي فإذا سلم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ولهما من حديث عبد الرحمن بن أبزى وفي آخره ورفع صوته في الآخرة قال المنذري وأخرجه النسائي (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره) والحديث ليس له تعلق بالباب ولعله سقط لفظ الباب قبل الحديث والله أعلم قال الشوكاني الحديث يدل على مشروعية قضاء الوتر إذا فات وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبادة بن الصامت وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وفضالة ابن عبيد وعبد الله بن عباس كذا قال العراقي قال ومن التابعين عمرو بن شرحبيل وعبيد السلماني وإبراهيم النخعي ومحمد بن المنتشر وأبو العالية وحماد بن أبي سليمان ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة ثم اختلف هؤلاء إلى متى يقضى على ثمانية أقوال أحدها ما لم يصل الصبح وهو قول ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ومسروق والحسن البصري وإبراهيم النخعي ومكحول وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي أيوب وأبي خيثمة حكاه محمد بن نصر ثانيها أنه يقضى الوتر ما لم تطلع الشمس ولو بعد صلاة الصبح وبه قال النخعي ثالثها أنه يقضي بعد الصبح وبعد طلوع
[ 218 ]
الشمس إلى الزوال روي ذلك عن الشعبي وعطاء والحسن وطاؤس ومجاهد وحماد بن أبي سليمان وروي أيضا عن ابن عمر ثم ذكر باقي الأقوال لا نطيل الكلام بذكرها وقد استدل بالأمر بقضاء الوتر على وجوبه وحمله الجمهور على الندب قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وأخرجه الترمذي أيضا مرسلا وقال وهذا أصح من الحديث الأول باب في الوتر قبل النوم (أوصاني خليلي) قال النووي لا يخالف قوله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا من أمتي خليلا لأن الممتنع أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم غيره خليلا ولا يمتنع اتخاذ الصحابي وغيره النبي صلى الله عليه وسلم خليلا وفي هذا الحديث وحديث أبي الدرداء الحث على الضحى وصحتها ركعتين والحث على صوم ثلاثة أيام من كل شهر وعلى الوتر وتقديمه على النوم لمن خاف أن يستيقظ آخر الليل (وأن لا أنام إلا على وتر) إنما أمره بتقديم الوتر على النوم لأنه كان لا يثق على الانتباه قال المنذري وقد أخرجه البخاري ومسلم بنحوه من حديث أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة وأخرجه مسلم من حديث أبي رافع الصائغ عن أبي هريرة وليس في حديثهما في سفر ولا حضر (لا أدعهن) أي اتركهن (من كل شهر) يعني أيام البيض وقيل يوما من أوله ويوما من وسطه ويوما من آخره وقيل كل يوم من أول كل عشر وقيل مطلقا قال المنذري وأخرجه مسلم من حديث أبي مرة مولى أم هانئ‌عن أبي الدرداء بنحوه وليس فيه في الحضر والسفر
[ 219 ]
(بالحزم) بالحاء المهملة ثم الزاي قال في النهاية الحزم ضبط الرجل أمره والحذر من فواته من قولهم حزمت الشئ أي شددته ومنه حديث الوتر أنه قال لأبي بكر أخذت بالحزم انتهى وفي بعض النسخ أخذ هذا بالحذر أي حذرا من الفوات والله أعلم (بالقوة) أي بالعمل القوي وبثبت منه العزيمة على قيام الليل والحديث سكت عنه المنذري باب في وقت الوتر (أوتر أول الليل ووسطه وآخره) قال النووي فيه جواز الإيتار في جميع أوقات الليل بعد دخول وقته واختلفوا في أول وقته فالصحيح في مذهب الشافعي أنه يدخل وقته بالفراغ من صلاة العشاء ويمتد إلى طلوع الفجر الثاني (ولكن انتهى وتره حين مات إلى السحر) بفتح السين والحاء معناه كان آخر الإيتار في السحر والمراد به آخر الليل كما قالت في الروايات
[ 220 ]
الأخرى ففيه استحباب الإيتار آخر الليل وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة عليه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (قال بادروا الصبح بالوتر) قال علي القاري أي أسرعوا بأداء الوتر قبل الصبح والأمر للوجوب عند أبي حنيفة وفي شرح السنة قيل لا وتر بعد الصبح وهو قول عطاء وبه قال أحمد ومالك وذهب آخرون إلى أنه يقضيه متى كان وهو قول سفيان الثوري وأظهر قولي الشافعي لما روى أنه قال منام عن وتر فليصل إذا أصبح ذكره الطيبي وتقدم بيانه ومذهب أبي حنيفة أنه يجب قضاء الوتر حتى لو كان المصلي صاحب ترتيب وصلى الصبح قبل الوتر ذاكرا لم يصح قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح (قالت ربما أوتر أول الليل) وهو القليل الأسهل (وربما أوتر من آخره) وهو الكبير الأفضل بحسب ما رأى فيه من مصلحة الوقت (ربما أسر وربما جهر) أي في الليل بحسب ما يناسب المقام والحال قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وفي حديثهما فقلت الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة (قال اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا) في فتح الباري أنه اختلف السلف في موضعين أحدهما في مشروعية ركعتين بعد الوتر من جلوس والثاني من أوتر ثم أراد أن يتنفل من الليل هل يكتفي بوتره الأول ويتنفل ما شاء أو يشفع وتره بركعة ثم يتنفل ثم إذا فعل هذا هل يحتاج إلى وتر آخر أو لا أما الأول فوقع عند مسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ركعتين بعد الوتر وهو جالس وقد ذهب إليه بعض أهل العلم وجعل الأمفي قوله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا
[ 221 ]
مختصة بمن أوتر آخر الليل وأجاب من لم يقل بذلك بأن الركعتين المذكورتين هما ركعتا الفجر وحمله النووي على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان جواز النفل بعد الوتر وجواز التنفل جالسا وأما الثاني فذهب الأكثر إلى أنه يصلي شفعا ما أراد ولا ينقض وتره الأول قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم باب في نقض الوتر (لا وتران في ليلة) قال السيوطي هذا جاء على لغة بني الحارث الذين ينصبون المثنى بالألف فإنه لا يبنى الاسم معها على ما ينصب به فيقال في المثنى لا رجلين في الدار فجئ لا وتران بالألف على غير لغة الحجاز على حد من قرأ إن هذان لساحران انتهى قال في النيل وقد احتج به على أنه لا يجوز نقض الوتر ومن جملة المحتجين به على ذلك طلق بن علي الذي رواه كما قال العراقي قال وإلى ذلك ذهب أكثر العلماء وقالوا إن من أوتر وأراد الصلاة بعد ذلك لا ينقض وتره ويصلي شفعا حتى يصبح قال فمن الصحابة أبو بكر الصديق وعمار بن ياسر ورافع بن خديج وعائذ ابن عمرو وطلق بن علي وأبو هريرة وعائشة ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن سعد ابن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس وممن قال به من التابعين سعيد بن المسيب وعلقمة والشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومكحول والحسن البصري روى ذلك ابن أبي شيبة عنهم في المصنف أيضا وقال به من التابعين طاؤس وأبو مجلز ومن الأئمة سفيان الثوري ومالك وابن المبارك وأحمد روى ذلك الترمذي عنهم في سننه وقال إنه أصح ورواه العراقي عن الأوزاعي والشافعي وأبي ثور وحكاه القاضي عياض عن كافة أهل الفتيا وروى الترمذي عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم جواز نقض الوتر وقالوا يضيف إليها أخرى ويصلي ما بدا له ثم يوتر في آخر صلاته قال وذهب إليه إسحاق انتهى قال
[ 222 ]
المنذري وأخرجه النسائي وأخرجه الترمذي مختصرا وقال حديث حسن غريب هذا آخر كلامه وقيس بن طلق قد ضعفه غير واحد انتهى باب القنوت في الصلاة (فكان أبو هريرة يقنت) قال النووي يستحب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله قال الشافعي رحمه الله إن القنوت مسنون في صلاة الصبح دائما وأما غيرها فله فيه ثلاثة أقوال الصحيح المشهور أنه إن نزلت نازلة كعدو وقحط ووباء وعطش وضرر ظاهر في المسلمين ونحو ذلك قنتوا في جميع الصلوات المكتوبة وإلا فلا ومحل القنوت بعد رفع الرأس من الركوع في الركعة الأخيرة وفي استحباب الجهر بالقنوت في الصلاة الجهرية وجهان أصحه ما يجهر ويستحب رفع اليدين فيه ولا يمسح الوجه وقيل يستحب مسحه والصحيح أنه لا يتعين فيه دعاء مخصوص بل يحصل بكل دعاء وفيه وجه أنه لا يحصل إلا بالدعاء المشهور اللهم اهدني فيمن هديت إلخ والصحيح أن هذا مستحب لا شرط وذهب أبو حنيفة وأحمد وآخرون إلى أنه لا قنوت في الصبح وقال مالك يقنت قبل الركوع ودلائل الجميع معروفة وقد أوضحتها في شرح المهذب والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (كان يقنت في صلاة الصبح زاد ابن معاذ وصلاة المغرب) وروى أحمد ومسلم
[ 223 ]
والترمذي وصححه عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة المغرب والفجر وأخرج البخاري عن أنس قال كان القنوت في المغرب والفجر قال في النيل تمسك بهذا الطحاوي في ترك القنوت في الفجر قال لأنهم أجمعوا على نسخه في المغرب فيكون في الصبح كذلك وقد عارضه بعضهم فقال أجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح ثم اختلفوا هل ترك أم لا فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه قال ابن القيم صح حديث أبي هريرة أنه قال والله لأنا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ثم تركه فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وهذا رد على الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقا عند النوازل وغيرها ويقولون هو منسوخ فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها فإنهم يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتركونه حيث تركه فيقتدون به في فعله وتركه انتهى ملخصا قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي مشتملا على الصلاتين (الوليد) قال السيوطي صوابه أبو الوليد كما في رواية ابن داسة وابن الأعرابي واسمه هشام بن عبد الملك الطيالسي انتهى (اللهم نج) أي خلص (اللهم اشدد) أي خذهم أخذا شديدا (وطأتك) الوطأة بفتح الواو وإسكان الطاء بعدها همزة أي شدتك وعقوبتك قال الطيبي إن الوطأ في الأصل الدوس بالقدم فسمى به الغزو والقتل لأن من يطأ على الشئ برجله فقد استقصى في إهلاكه وإماتته انتهى (اجعلها) أي وطأتك (سنين) جمع سنة وهو القحط أي اجعل عذابك عليهم بأن تسلط عليهم قحطا عظيما سبع سنين (كسني يوسف) بكسر السين وتخفيف الياء أي كسني أيام يوسف من القحط العام في سبعة أعوام قال الخطابي ومعنى الوطأة العقوبة لهم والإيقاع بهم ومعنى سنين كسني يوسف القحط
[ 224 ]
وهي السبع الشداد التي أصابتهم (قد قدموا) أي الوليد وسلمة وغيرهما من ضعفاء المسلمين من مكة إلى المدينة نجاهم الله من دار الكفار وكان ذلك الدعاء لهم لأجل تخليصهم من أيدي الكفرة وقد خلصوا منهم وجاؤوا بالمدينة فما بقي حاجة بالدعاء لهم بذلك قال الخطابي فيه من الفقه إثبات القنوت في غير الوتر وفيه دليل على أن الدعاء لقوم بأسمائهم وأسماء آبائهم لا يقطع الصلاة وأن الدعاء على الكفار والظلمة لا يفسدها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (شهرا متتابعا) أي مواليا في أيامه أو في صلاته (في دبر كل صلاة) فيه أن القنوت للنوازل لا يختص ببعض الصلوات فهو يرد على من خصصه بصلاة الفجر عندها (إذا قال سمع الله لمن حمده) فيه التصريح بأن موضع القنوت بعد الركوع لا قبله وهو الثابت في أكثر الروايات (على أحياء) أي قبائل (من بني سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام قبيلة معروفة (على رعل) براء مكسورة وعين مهملة ساكنة قبيلة من سليم كما في القاموس وهو ما بعده بدلا من قوله من بني سليم (وذكوان) هم قبيلة أيضا من سليم (وعصية) تصغير عصا سميت به قبيلة من سليم أيضا قال المنذري في إسناده هلال بن خباب أبو العلاء العبدي مولاهم الكوفي نزل المداين وقد وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي وقال أبو حاتم وكان يقال تغير قبل موته من كبر السن وقال العقيلي في حديثه وهم وتغير بأخرة وزان قصبة بمعنى الأخير وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد
[ 225 ]
(فقال نعم) قنت فيها (قال مسدد بيسير) أي زمان يسير وهو شهر كما في رواية عاصم عند البخاري من طريق مسدد قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا (قنت شهرا ثم تركه) قال الخطابي ومعنى قوله ثم تركه أي ترك الدعاء على هذه القبائل المذكور أو ترك القنوت في الصلوات الأربع ولم يتركه في صلاة الصبح ولا ترك الدعاء المذكور في حديث الحسن بن علي وهو قوله اللهم اهدنا فيمن هديت يدل على ذلك الأحاديث الصحيحة في قنوته إلى حياته وقد اختلف الناس في قنوته في صلاة الفجر وفي موضع القنوت منها فقال أصحاب الرأي لا قنوت إلا في الوتر ويقنت قبل الركوع وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق يقنت في صلاة الفجر والقنوت بعد الركوع وقد روي القنوت بعد الركوع في صلاة الفجر عن علي وأبي بكر وعمر وعثمان فأما القنو ت في شهر رمضان فمذهب إبراهيم النخعي وأهل الرأي وإسحاق لا يقنت إلا في النصف الآخر منه واحتجوا في ذلك بفعل أبي بن كعب وابن عمر ومعاذ القاري انتهى وفي شرح السنة ذهب أكثر أهل العلم إلى أن لا يقنت في الصلوات لهذا الحديث وحديث أبي مالك الأشجعي وذهب بعضهم إلى أنه يقنت في الصبح وبه قال مالك والشافعي حتى قال الشافعي إن نزلت نازلة بالمسلمين قنت في جميع الصلوات وتأول قوله تركه أي ترك اللعن والدعاء على القبائل أو تركه في الأربع دون الصبح بدليل ما روي عن أنس قال ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا رواه عبد الرزاق والدار قطني والحاكم قال المنذري وأخرجه مسلم أتم منه وليس فيه ثم تركه (قام هنية) أي قدرا يسيرا قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 226 ]
باب فضل التطوع في البيت (احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حجرة) أي حوط موضعا من المسجد بحصير ليستره ليصلي فيه ولا يمر بين يديه مار ولا يتهوش بغيره ويتوفر خشوعه وفراغ قلبه وفيه جواز مثل هذا إذا لم يكن فيه تضييق على المصلين ونحوهم ولم يتخذه دائما لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجرها بالليل يصلي فيها ويبسطها في النهار كما ذكره مسلم في رواية له ثم تركه النبي صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار وعاد إلى الصلاة في البيت (فتنحنحوا) والتنحنح إشارة إلى الإعلام بوجود المتنحنح بالباب أو بطلبه خروج من قصده إليه وأمثال ذلك (وحصبوا بابه) أي رموه بالحصباء وهي الحصاء الصغار تنبيها له وظنوا أنه نسي (صنيعكم) أي شدة حرصكم في إقامة صلاة التروايح بالجماعة (فإن خير صلاة المرء في بيته) هذا عام في جميع النوافل المرتبة مع الفرائض والمطلقة إلا في النوافل التي هي من شعائر الإسلام وهي العيد والكسوف والاستسقاء قاله النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا (اجعلوا في بيوتكم) معناه صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة والمراد به صلاة النافلة أي صلوا النوافل في بيوتكم ولا يجوز حمله على الفريضة وإنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الريا وأصون من المحبطات وليتبرك البيت بذلك
[ 227 ]
وتتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر عنه الشيطان ذكره النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه باب (طول القيام) في الصلاة وفي بعض الروايات أفضل الصلاة طول القنوت (جهد المقل) بضم الجيم وبفتح قال الطيبي الجهد بالضم الوسع والطاقة وبالفتح المشقة وقيل هما لغتان انتهى قال في النهاية فأما في المشقة والغاية فالفتح لا غير انتهى أي أفضل الصدقة قدر ما يحتمله حال القليل المال والجمع بينه وبين قوله أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غني أن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين وقيل المراد بالمقل الغني القلب ليوافق قوله أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غني وقيل المراد بالمقل الفقير الصابر على الجوع وبالغني في الحديث الثاني من لا يصبر على الجوع والشدة (وعقر جواده) وأصل العقر ضرب قوائم الحيوان بالسيف وهو قائم والجواد هو الفرس السابق الجيد وقد تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد مختصرا في باب افتتاح صلاة الليل بركعتين باب الحث على قيام الليل (قام من الليل) أي بعضه (فصلى) أي التهجد (وأيقظ امرأته) بالتنبيه أو الموعظة وفي
[ 228 ]
معناها محارمه (فصلت) ما كتب الله لها ولو ركعة واحدة (فإن أبت) أي امتنعت لغلبة النوم وكثرة الكسل (نضح) أي رش (في وجهها الماء) والمراد التلطف معها والسعي في قيامها لطاعة ربها مهما أمكن قال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وهذا يدل على أن إكراه أحد على الخير يجوز بل يستحب (قامت من الليل) أي وفقت بالسبق (فصلت وأيقظت زوجها) والواو لمطلق الجمع وفي الترتيب الذكرى إشارة لطيفة لا تخفى (فإن أبى نضحت في وجهه الماء) وفيه بيان حسن المعاشرة وكمال الملاطفة والموافقة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي إسناده محمد بن عجلان وقد تقدم الكلام عليه (كتبا) أي الصنفان من الرجال والنساء (من الذاكرين الله كثيرا) أي في جملتهم (والذاكرات) كذلك وفي الحديث إشارة إلى تفسير الآية الكريمة والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقد تقدم الكلام عليه في الجزء قبله أي في باب قيام الليل باب في ثواب قراءة القرآن (خيركم) أي يا معشر القراء أو يا أيها الأمة أي أفضلكم كما في رواية (من تعلم
[ 229 ]
القرآن) أي حق تعلمه (وعلمه) أي حق تعليمه ولا يتمكن من هذا إلا بالإحاطة بالعلوم الشرعية أصولها وفروعها ومثل هذا الشخص يعد كاملا لنفسه مكملا لغيره فهو أفضل المؤمنين مطلقا ولذا ورد عن عيسى عليه الصلاة والسلام من علم وعمل وعلم يدعى في الملكوت عظيما والفرد الأكمل من هذا الجنس هو النبي صلى الله عليه وسلم ثم الأشبه فالأشبه وقال الطيبي أي خير الناس باعتبار التعلم والتعليم من تعلم القرآن وعلمه قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (من قرأ القرآن) أي فأحكمه كما في رواية أي فأتقنه وقال ابن حجر المكي أي حفظه عن ظهر قلب (تاجا يوم القيامة) قال الطيبي كناية عن الملك والسعادة انتهى والأظهر حمله على الظاهر كما يظهر من قوله (ضوؤه أحسن) اختاره على أنور وأشرق إعلاما بأن تشبيه التاج مع ما فيه من نفائس الجواهر بالشمس ليس بمجرد الإشراق والضوء بل مع رعاية من الزينة والحسن (من ضوء الشمس) حال كونها (في بيوت الدنيا) فيه تتميم صيانة من الإحراق وكلال النظر بسبب أشعتها كما أن قوله (لو كانت) أي الشمس على الفرض والتقدير (فيكم) أي في بيوتكم تتميم للمبالغة فإن الشمس مع ضوئها وحسنها لو كانت داخلة في بيوتنا كانت آنس وأتم مما لو كانت خارجة عنها وقال الطيبي أي في داخل في بيوتكم كذا في المرقاة (فما ظنكم) أي إذا كان هذا جزاء والديه لكونهما سببا بوجوده (بالذي عمل بهذا) أي القرآن قال الطيبي استقصار للظن عن كنه معرفة ما يعطي للقارئ العامل به من الكرامة والملك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما أفادته ما الاستفهامية المؤكدة لمعنى تحير الظان انتهى قال المنذري سهل بن معاذ الجهني ضعيف ورواه عنه زبان بن فائد وهو ضعيف أيضا (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به) الماهر من المهارة وهي الحذق جاز أن يريد به جودة
[ 230 ]
الحفظ أو جودة اللفظ وأن يريد به ما هو أعم منهما وأن يريد به كلاهما (مع السفرة الكرام البررة) قال النووي السفرة جمع سافر ككاتب وكتبه والسافر الرسول والسفرة الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله وقيل السفرة الكتبة والبررة المطيعون من البر وهو الطاعة والماهر الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة لجودة حفظه وإتقانه قال القاضي يحتمل أن معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة لا تصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى قال ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم (والذي يقرأه وهيشتد عليه فله أجران) فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران أجر بالقراءة وأجر لتشدده : وتردده في تلاوته قال القاضي وغيره من العلماء وليس معناه أن الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر ما الماهر به بل الماهر أفضل وأكثر أجرا لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة ولم يذكر هذه المنزلة لغيره وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته ودرايته كاعتنائه حتى مهر فيه انتهى والحاصل أن المضاعفة للماهر لا تحصى فإن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف وأكثر والأجر شئ مقدر وهذا له أجران من تلك المضاعفات والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله) أي المسجد وألحق به نحو مدرسة ورباط (يتلون كتاب الله ويتدارسونه) أي يشتركون في قراءة بعضهم على بعض ويتعهدونه خوف النسيان (إلا نزلت عليهم السكينة) فعيلة من السكون للمبالغة والمراد هنا الوقار والرحمة أو الطمأنينة (وحفتهم الملائكة) أي أحاطت بهم ملائكة الرحمة (وذكرهم الله) أثنى عليهم أو أثابهم (فيمن عنده) من الأنبياء وكرام الملائكة قاله عبد الرؤوف المناوي والحديث سكت عنه المنذري
[ 231 ]
(ونحن في الصفة) أهل الصفة فقراء المهاجرين كانوا يأوون إلى موضع مظلل في المسجد وفي القاموس أهل الصفة كانوا أضياف الإسلام يبيتون في صفة مسجده عليه الصلاة والسلام وفي حاشية السيوطي على البخاري عدهم أبو نعيم في الحلية أكثر من مائة والصفة مكان في مؤخر المسجد أعد لنزول الغرباء فيه من لا مأوى له ولا أهل (فقال أيكم يحب أن يغدو) أي يذهب في الغدوة وهي أول النهار (إلى بطحان) بضم الموحدة وسكون الطاء اسم واد بالمدينة سمي بذلك لسعته وانبساطه من البطح وهو البسط وضبطه ابن الأثير بفتح الباء أيضا (أو العقيق) قيل أراد العقيق الأصغر وهو على ثلاثة أميال أو ميلين من المدينة وخصهما بالذكر لأنهما أقرب المواضع التي يقام فيها أسواق الإبل إلى المدينة والظاهر أن أو للتنويع لكن في جامع الأصول أو قال إلى العقيق فدل على أنه شك من الراوي (كوماوين) تثنية كوماء قلبت الهمزة واوا وأصل الكوم العلو أي فيحصل ناقتين عظيمتي غير السنام وهي من خيار مال العرب (زهراوين) أي سمينتين مائلتين إلى البياض من كثرة السمن (بغير إثم) كسرقة وغصب سمى موجب الإثم إثما مجازا (ولا قطع رحم) أي بغير ما يوجبه وهو تخصيص بعد تعميم (قالوا كلنا) أي يحب ذلك (خير له من ناقتين وإن ثلاث فثلاث) ولفظ مسلم خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع والمعنى أن الآيتين خير له من ناقتين وثلاث من الآيات خير له من ثلاث من الإبل وأربع خير له من أربع من الإبل (مثل أعدادهن) جمع عدد (من الإبل) بيان للأعداد فخمس آيات خير من خمس إبل وعلى هذا القياس ولفظ مسلم ومن أعدادهن من الإبل فيحتمل أن يراد أن الآيتين خير من ناقتين ومن أعدادهما من الإبل وثلاث خير من ثلاث ومن أعدادهن من الإبل وكذا أربع والحاصل أن الآيات تفضل على أعدادهن من النوق ومن أعدادهن من الإبل كذا ذكره الطيبي والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم أراد ترغيبهم في الباقيات وتزهيدهم عن الفانيات فذكره هذا على سبيل التمثيل والتقريب إلى فهم العليل وإلا فجميع الدنيا أحقر من أن يقابل بمعرفة آية من كتاب الله تعالى أو بثوابها من الدرجات العلى قال المنذري وأخرجه مسلم بنحوه
[ 232 ]
باب فاتحة الكتاب (والسبع المثاني) قال في النهاية سميت بذلك لأنها تثنى في كل صلاة أي تعاد وقيل المثاني السور التي تقصر عن المئين وتزيد عن المفصل كأن المئين جعلت مبادي والتي تليها مثاني انتهى وقال علي القاري سميت السبع لأنهما سبع آيات بالاتفاق على خلاف بين الكوفي والبصري في بعض الآيات وقيل لأنها تثنى بسورة أخرى أو لأنها نزلت مرة بمكة ومرة بالمدينة تعظيما لها واهتماما بشأنها وقيل لأنها استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي (عن أبي سعيد بن المعلى) بتشديد اللام المفتوحة (قال كنت أصلي) قال ابن الملك وقصته أنه قال مررت ذات يوم على المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقلت لقد حدث أمر فجلست فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نرى تقلب وجهك في السماء فقلت لصاحبي تعال حتى نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنزل فنكون أول من صلى فكنت أصلي فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى صليت قال ألم يقل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول) بالطاعة (إذا دعاكم) وحد الضمير لأن دعوة الله تسمع من رسوله (لما يحييكم) أي الإيمان فإنه يورث الحياة الأبدية أو القرآن فيه الحياة والنجاة أو الشهادة فإنهم أحياء عند الله يرزقون أو الجهاد فإنه سبب بقائكم كذا في جامع البيان ودل الحديث على أن إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تبطل الصلاة كما أن خطابه بقولك السلام عليك أيها النبي لا يبطلها وقيل إن دعاءه كان لأمر لا يحتمل التأخير وللمصلي أن يقطع الصلاة بمثله (أعظم سورة) أي أفضل
[ 233 ]
وقيل أكثر أجرا قال الطيبي وإنما قال أعظم سورة اعتبار بعظيم قدرها وتفردها بالخاصية التي لم يشاركها فيها غيرها من السور ولاشتمالها على فوائد ومعان كثيرة مع وجازة ألفاظها (يارسول الله قولك) أي راع قولك واحفظه (هي السبع المثاني) قيل اللام للعهد من قوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم الآية (والقرآن العظيم) عطف على السبع عطف صفة على صفة وقيل هو عطف عام على خاص وفيه دليل على جواز إطلاق القرآن على بعضه وفي رواية للبخاري قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته وفي رواية له من حديث أبي هريرة مرفوعا أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه وأبو سعيد بن المعلى أنصاري مدني وقيل لا يعرف اسمه وقيل اسمه رافع وهو من الصحابة الذين انفرد البخاري بإخراج حديثهم وليس له في كتابه سوى هذا الحديث باب من قال هي أي الفاتحة (من الطول) بضم الطاء وفتح الواو جمع الطولى مثل الكبر في الكبر وأما عد الفاتحة من الطول فمشكل جدا والحديث ليس بظاهر بهذا بل أخرج النسائي ما يدل على خلافه وسيجئ أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعا من المثاني (الطول) قال السيوطي في الدر المنثور أخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم السبع المثاني وهي الطول وأوتي موسى ستا فلما ألقى الألواح رفعت اثنتان وبقيت أربع انتهى وفي فتح الباري وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس أن السبع المثاني هي السبع الطوال أي السور من أول البقرة إلى آخر الأعراف ثم براءة وقيل يونس قال الحافظ وفي لفظ للطبري أي من حديث ابن عباس أيضا البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف قال الراوي وذكر السابعة فنسيتها وفي
[ 234 ]
رواية صحيحة عند ابن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير أنها يونس وعند الحاكم أنها الكهف وزاد قيل له ما المثاني قال تثنى فيهن القصص ومثله عن سعيد بن جبير عند سعيد بن منصور في سننه والحاصل أن المراد بالسبع المثاني في الآية الكريمة هو الفاتحة لتصريح الأحاديث الصحيحة بذلك والمراد بالسبع المثاني الطول الوارد في الحديث هو سبع سور من البقرة إلى التوبة والله أعلم قاله في الشرح (وأوتي موسى) صلى الله عليه وسلم (ستا) من الألواح كتبت فيها التوراة قال السيوطي وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أعطي موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد فيها تبيان لكل شئ وموعظة فلما جاء بها فرأى بني إسرائيل عكوفا على عبادة العجل رمى بالتوراة من يده فتحطمت فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع (فلما ألقى) موسى (الألواح) أي طرحها غضبا (رفعت ثنتان وبقين أربع) وفي الحلية عن مجاهد قال كانت الألواح من زمرد فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل يعني أخبار الغيب وبقي الهدى أي ما فيه من المواعظ والأحكام وعند ابن المنذر عن ابن جريج قال أخبرت أن ألواح موسى كانت تسعة فرفع منها لوحان وبقي سبعة والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي باب ما جاء في آية الكرسي (أبا المنذر) بصيغة الفاعل كنية أبي بن كعب (أي آية معك) أي حال كونه مصاحبا لك قال الطيبي وقع موقع البيان لما كان يحفظه من كتاب الله لأن مع كلمة تدل على المصاحبة انتهى قال القاري وكان رضي الله عنه ممن حفظ القرآن كله في زمنه صلى الله عليه وسلم وكذا ثلاثة من بني عمه (أعظم) قال إسحاق بن راهويه وغيره المعنى راجع إلى الثواب والأجر أي أعظم ثوابا وأجرا وهو المختار كذا ذكره الطيبي (قلت الله ورسوله أعلم) فوض الجواب أولا ولما كرر عليه السؤال وظن أن مراده عليه الصلاة والسلام طلب الأخبار عما عنده فأخبره بقوله (قلت الله لا إله
[ 235 ]
إلا هو الحي القيوم) ويحتمل أن يقال فوض أولا أدبا وأجاب ثانيا طلبا فجمع بين الأدب والامتثال كما هو دأب أرباب الكمال (فضرب) أي النبي صلى الله عليه وسلم (في صدري) أي محبة وتعديته بفي نظير قوله تعالى وأصلح لي في ذريتي أي أوقع الصلاح فيهم حتى يكونوا محلا له (ليهن لك) وفي نسخة ليهنئ بهمزة بعد النون على الأصل فحذف تخفيفا أي ليكن العلم هنيئا لك قال الطيبي يقال هنأني الطعام يهنأني ويهنئني بعد وهنأت أي تهنأت به وكل أمر أتاك من غير تعب فهو هنئ وهذا دعاء له بتيسير العلم ورسوخه فيه ويلزمه الأخبار بكونه عالما وهو المقصود وفيه منقبة عظيمة لأبي المنذر رضي الله عنه كذا ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه مسلم باب في سورة الصمد (وكأن الرجل يتقالها) أي يعدها قليلة (إنها لتعدل ثلث القرآن) قال النووي وفي الرواية الأخرى إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزأ من أجزاء القرآن قال القاضي قال المازري قيل معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات الله تعالى وقل هو الله أحد متمحضة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء وقيل معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وروي عن أبي سعيد الخدري عن قتادة بن النعمان وأخرجه النسائي كذلك وأخرجه البخاري تعليقا
[ 236 ]
باب في المعوذتين (ألا أعلمك خير سورتين) قال النووي فيه حجة للقول بجواز تفضيل بعض القرآن على بعض قال وفيه خلاف للعلماء فمنع منه أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني وجماعة لأن تفضيل بعضه يقتضي نقص المفضول وليس في كلام الله نقص وتأول هؤلاء ما ورد من إطلاق أعظم وأفضل في بعض الآيات والسور بمعنى عظيم وفاضل وأجاز ذلك إسحاق بن راهويه وغيره قالوا وهو راجع إلى عظم أجر قاري ذلك وجزيل ثوابه والمختار جواز قول هذه الآية أو السورة أعظم أو أفضل بمعنى أن الثواب المتعلق بها أكثر وهو معنى الحديث والله أعلم (فلم يرني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سررت) بصيغة المجهول (بهما) بهاتين السورتين (جدا) لعله لكونهما قصيرة لا كبيرة وأراد أن يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة كبيرة (صلى بهما) أي المعوذتين (كيف رأيت) هاتين السورتين المشتملتين على التعوذ من الشرور كلها فمن حفظهما فقد وقي من الآفات والبليات قال المنذري وأخرجه النسائي والقاسم هو أبو عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن القرشي الأموي مولاهم الشامي وثقه يحيى ابن معين وعدة وتكلم فيه غير واحد (بين الجحفة) وهي ميقات أهل الشام قديما وأهل مصر والمغرب وتسمى في هذا الزمان رابغ سميت بذلك لأن السيول أجحفتها لأن وهي التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم بنقل حمى المدينة إليها فانتقلت إليها وكان لا يمر بها طائر إلاحم وقد (والأبواء) بفتح الهمزة وسكون الباء والمد جبل بين مكة والمدينة وقيل قرية من أعمال الفرع وبه توفيت أم النبي صلى الله عليه وسلم بينها وبين الجحفة عشرون أو
[ 237 ]
ثلاثون ميلا (فجعل) أي طفق وشرع (يتعوذ بأعوذ برب الفلق) أي الخلق أو بئر في قعر جهنم (وأعوذ برب الناس) أي بهاتين السورتين المشتملتين على ذلك (يا عقبة تعوذ بهما) أي بل هما أفضل التعاويذ ومن ثم لما سحر عليه الصلاة والسلام مكث مسحورا سنة حتى أنزل الله عليه ملكين يعلمانه أنه يتعوذ بهما ففعل فزال ما يجده من السحر قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه باب كيف يستحب الترتيل في القراءة (يقال) أي عند دخول الجنة (لصاحب القرآن) أي من يلازمه بالتلاوة والعمل لا من يقرؤه ولا يعمل به (اقرأ وارتق) أي إلى درجات الجنة أو مراتب القرب (ورتل) أي لا تستعجل في قراءتك في الجنة التي هي لمجرد التلذذ والشهود الأكبر كعبادة الملائكة (كما كنت ترتل) أي في قراءتك وفيه إشارة إلى أن الجزاء على وفق الأعمال كمية وكيفية (في الدنيا) من تجويد الحروف ومعرفة الوقوف (فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها) وقد ورد في الحديث أن درجات الجنة على عدد آيات القرآن وجاء في حديث من أهل القرآن فليس فوقه درجة فالقراء يتصاعدون علي بقدرها قال الداني وأجمعوا على أن عدد آي القرآن ستة آلاف آية ثم اختلفوا فيما زاد فقيل ومائتا آية وأربع آيات وقيل وأربع عشرة وقيل وتسع عشرة وقيل وخمس وعشرون وقيل وست وثلاثون انتهى ويؤخذ من الحديث أنه لا ينال هذا الثواب الأعظم إلا من حفظ القرآن وأتقن أداءه وقراءته كما ينبغي له قال الخطابي جاء في الأثر عداد آي القرآن على قدر درج الجنة يقال للقارئ اقرأ وارتق الدرج على قدر ما تقرأ من آي القرآن فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة ومن قرأ جزء منها كان رقيه من الدرج على قدر ذلك فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة انتهى وقال الطيبي إن الترقي يكون دائما فكما أن قراءته في حال الاختتام استدعت الافتتاح الذي لا انقطاع له كذلك هذه
[ 238 ]
القراءة والترقي في المنازل التي لا تتناهى وهذه القراءة لهم كالتسبيح للملائكة لا تشغلهم من مستلذاتهم حتى بل هي أعظمها انتهى قال بعض العلماء إن من عمل بالقرآن فكأنه يقرؤه دائما وإن لم يقرأه ومن لم يعمل بالقرآن فكأنه لم يقرأه وإن قرأه دائما وقد قال الله تعالى كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب فمجرد التلاوة والحفظ لا يعتبر اعتبارا يترتب عليه المراتب العلية في الجنة العالية قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (كان يمد مدا) المراد أنه كان يمد ما كان في كلامه من حروف المد واللين بالقدر المعروف وبالشرط المعلوم عند أرباب الوقوف وفي صحيح البخاري سئل أنس كيف كان قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد ببسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمد قراءته في البسملة وغيرها وقد استدل به القائلون باستحباب الجهر بقراءة البسملة في الصلاة لأن كون قراءته كانت على الصفة التي وصفها أنس تستلزم سماع أنس لها منه صلى الله عليه وسلم وما سمع مجهور به ولم يقصر أنس هذه الصفة على القراءة الواقعة منه صلى الله عليه وسلم خارج الصلاة فظاهره أنه أخبر عن مطلق قراءته صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن يعلى بن مملك) بميمين على وزن جعفر مقبول من الثالثة كذا في التقريب (وصلاته) أي في الليل (فقالت وما لكم وصلاته) معناه أي شئ يحصل لكم مع وصف قراءته وأنتم لا تستطيعون أن تفعلوا مثله ففيه نوع تعجب ونظيره قول عائشة وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق (كان يصلي وينام قدر ما صلى الخ) أي كان صلاته في أوقات ثلاث إلى الصبح أو كان يستمر حاله هذا من القيام والنيام إلى أن يصبح (ونعتت) أي وصفت (حرفا حرفا) أي مرتلة ومجودة تعالى مميزة غير مخالطة بل كان يقرأ بحيث يمكن عد حروف ما يقرأ
[ 239 ]
والمراد حسن الترتيل والتلاوة قال الطيبي وهذا يحتمل وجهين أحدهما أن تقول كانت قراءته كيت وكيت وثانيهما أن تقرأ مرتلة مبينة كقراءة النبي صلى الله عليه وسلم كذا ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك (وهو يرجع) قال النووي إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ورجع في قراءته قال القاضي أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها قال أبو عبيد والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على التشويق قال واختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم وأباحها أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية وإقبال النفوس على استماعه قلت قال الشافعي في موضع أكره القراءة بالألحان وقال في موضع لا أكرهها قال أصحابنا ليس له فيها خلاف وإنما هو اختلاف حالين فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص أو مد غير ممدود أو إدغام ما لا يجوز إدغامه ونحو ذلك وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغير لموضوع الكلام والله أعلم انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة وبعدها فاء مشددة مفتوحة ولام (زينوا القرآن بأصواتكم) قال الخطابي معناه زينوا أصواتكم بالقرآن هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث وزعموا أنه من باب المقلوب كما يقال عرضت الحوض على الناقة قال ورواه معمر عن منصور عن طلحة فقدم الأصوات على القرآن وهو الصحيح ثم أسند من طريق عبد الرازق حدثنا معمر عن منصور عن طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال زينوا أصواتكم بالقرآن والمعنى اشغلوا أصواتكم بالقرآن والهجوا بقراءته واتخذوه شعارا وزينة وفي دليل على هذه الرواية من طريق منصور أن
[ 240 ]
المسموع من قراءة القارئ هو القرآن وليس بحكاية للقرآن قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (قال يزيد) بن خالد (عن ابن أبي مليكة عن سعيد بن أبي سعيد) مكان عبيدالله بن أبي نهيك فالحاصل أن أبا الوليد يقول عن ابن أبي مليكة عن عبيدالله بن أبي نهيك عن سعد بن أبي وقاص وأما قتيبة ويزيد فيقولان عن ابن أبي مليكة عن سعيد بن أبي سعيد عن سعد بن أبي وقاص (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) قال الخطابي هذا يتأول على وجهين أحدهما تحسين الصوت والوجه الثاني الاستغناء بالقرآن من غيره وإليه ذهب سفيان ابن عيينة ويقال تغنى الرجل بمعنى استغنى وفيه وجه ثالث قاله ابن الأعرابي أخبرني إبراهيم بن فراس قال سألت ابن الأعرابي عن هذا فقال إن العرب كانت تتغنى بالركباني إذا ركبت الإبل وإذا جلست في الأفنية وعلى أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون القرآن هجيراهم مكان التغني بالركباني والحديث سكت عنه المنذري (رث البيت) قال الجوهري الرث الشئ البالي وفلان رث الهيئة وفي هيئته رثاثة أي بذاذة وأرث الثوب أي أخلق انتهى (قال يحسنه) من التحسين والحديث سكت عنه المنذري .
[ 241 ]
(يعني يستغني به) كذا قال وكيع وسفيان بن عيينة في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم من لم يتغن بالقرآن أي من لم يستغن بالقرآن عمن سواه (ما أذن الله) قال الخطابي معناه استمع يقال أذنت لشئ أذن له أذنا مفتوحة الألف والذال قال الشاعر إن همي في سماع وأذن انتهى قال في النهاية أي ما استمع الله لشئ كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن أي يتلوه ويجهر به يقال منه أذن يأذن أذنا بالتحريك انتهى قال الخطابي قوله يجهر به زعم بعضهم أنتفسير لقوله يتغنى به قال وكل من رفع صوته بشئ معلنا به فقد تغنى به وهذا وجه رابع في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقرآن وقال النووي معنى أذن في اللغة الاستماع ومنه قوله تعالى وأذنت لربها قالوا ولا يجوز أن تحمل ههنا على الاستماع بمعنى الإصغاء فإنه يستحيل على الله تعالى بل هو مجاز ومعناه الكناية عن تقريبه للقارئ وإجزال ثوابه لأن سماع الله تعالى لا يختلف فوجب تأويله وقوله يتغنى بالقرآن معناه عند الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء من الطوائف وأصحاب الفنون يحسن صوته به ويؤيده الرواية الأخرى يتغنى بالقرآن يجهر به قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه (ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه) أي بالنظر أو بالغيب أالمعنى ثم يترك قراءته نسى
[ 242 ]
أو ما نسي (إلا لقي الله يوم القيامة أجذم) أي ساقط الأسنان أو على هيئة المجذوم أو ليست له يدا أو لا يجد شيئا يتمسك به في عذر النسيان أو ينكسر رأسه بين يدي الله حياء وخجالة عمر من نسيان كلامه الكريم وكتابه العظيم وقال الطيبي أي مقطوع اليد من الجذم وهو القطع وقيل مقطوع الأعضاء يقال رجل أجذم إذا تساقطت أعضاؤه من الجذام وقيل أجذم الحجة أي لا حجة ولا لسان يتكلم به وقيل خالي اليد عن الخير قاله القاري وقال المنذري في إسناده يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي كنيته أبو عبد الله ولا يحتج بحديثه وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم عيسى بن فائد رواه عمن سمع سعد بن عبادة فهو على هذا منقطع أيضا باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (هشام بن حكيم بن حزام) بكسر الحاء قبل الزاي قال الطيبي حكيم بن حزام قرشي وهو ابن أخي خديجة أم المؤمنين وكان من أشراف قريش في الجاهلية والإسلام تأخر إسلامه على عام الفتح وأولاده صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم (على غير ما أقرؤها) أي من القراءة (أقرأنيها) أي سورة الفرقان (فكدت أن أعجل عليه) بفتح الهمزة والجيم وفي نسخه بالتشديد أي قاربت أن أخاصمه وأظهر بوادر غضبي عليه بالعجلة في أثناء القراءة (ثم أمهلته حتى انصرف) أي عن القراءة (ثم لببته) بالتشديد (بردائي) أي جعلته في عنقه وجررته قال الطيبي لببت الرجل تلبيبا إذا جمعت ثيابه عند صدره في الخصومة ثم جررته وهذا يدل على اعتنائهم بالقرآن والمحافظة على لفظه كما سمعه بلا عدول إلى ما تجوزه العربية (هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها قيل نزل القرآن على لغة قريش فلما عسر على غيرهم أذن في القراءة بسبع لغات للقبائل المشهورة كما ذكر في أصول الفقه وذلك لا ينافي زيادة القراءات على سبع
[ 243 ]
للاختلاف في لغة كل قبيلة وإن كان قليلا وللتمكن بين الاختلاف في اللغات (اقرأ فقرأ) أي هشام (القراءة التي سمعته) أي سمعت هشاما إياها على حذف المفعول الثاني (هكذا أنزلت) أي السورة أو القراءة (فقال هكذا أنزلت) أي على لسان جبرئيل كما هو الظاهر أو هكذا على التخيير أنزلت (أنزل على سبعة أحرف) أي لغات أو قراءات أو أنواع قيل اختلف في معناه على أحد وأربعين قولا منها أنه مما لا يدرى معناه لأن الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء وعلى الكلمة وعلى المعنى وعلى الجهة قال العلماء إن القراءات وإن زادت على سبع فإنها راجعة إلى سبعة أوجه من الاختلافات الأول اختلاف الكلمة في نفسها بالزيادة والنقصان كقوله تعالى ننشزها ننشرها الأول بالزاي المعجمة والثاني بالراء المهلمة وقوله سارعوا وسارعوا فالأول بحذف الواو العاطفة قبل السين والثاني بإثباتها الثاني التغيير بالجمع والتوحيد ككتبه وكتابه الثالث بالاختلاف في التذكير والتأنيث كما في يكن وتكن الرابع الاختلاف التصريفي كالتخفيف النبي والتشديد نحو يكذبون ويكذبون والفتح والكسر نحو يقنط ويقنط الخامس الاختلاف الإعرابي كقوله تعالى ذو العرش المجيد برفع الدال وجرها السادس اختلاف الأداة نحو لكن الشياطين بتشديد النون وتخفيفها السابع اختلاف اللغات كالتفخيم وإن والإمالة وإلا فلا يوجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه إلا القليل مثل عبد الطاغوت كما ولا تقل أف لهما وهذا كله تيسير على الأمة المرحومة ولذا قال صلى الله عليه وسلم (فاقرأوا ما تيسر منه) أي من أنواع القراءات بخلاف قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر منه فإن المراد به الأعم من المقدار والجنس والنوع والحاصل أنه أجاز بأن يقرؤوا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالتواتر بدليل قوله أنزل على سبعة أحرف والأظهر أن المراد بالسبعة التكثير لا التحديد فإنه لا يستقيم على قول من الأقوال لأنه قال النووي في شرح مسلم أصح الأقوال وأقربها إلى معنى الحديث قول من قال هي كيفية النطق بكلماتها من إدغام وإظهار
[ 244 ]
وتفخيم وترقيق وإمالة ومد وقصر وتليين لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه فيسر الله عليهم ليقرأ كل بما يوافق لغته ويسهل على لسانه انتهى كلام النووي قال القاري وفيه أن هذا ليس على إطلاقه فإن الإدغام مثلا في مواضع لا يجوز الإظهار فيها وفي مواضع لا يجوز الإدغام فيها وكذلك البواقي وفيه أيضا أن اختلاف اللغات ليس منحصرا في هذه الوجوه لوجوه إشباع ميم الجمع وقصره وإشباع هاء الضمير وتركه مما هو متفق على بعضه ومختلف في بعضه وقال ابن عبد البر إن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وعجل وهلم وأسرع فيجوز إبدال اللفظ بمرادفه أو ما يقرب منه لا بضده وحديث أحمد بإسناد جيد صريح فيه وعنده بإسناد جيد أيضا من حديث أبي هريرة أنزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما وفي حديث عنده بسند جيد أيضا القرآن كله صواب ما لم يجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة ولهذا كان أبي يقرأ كلما أضاء لهم سعوا فيه بدل مشوا فيه وابن مسعود أمهلونا أخرونا بدل أنظرونا قال القاري إنه مستبعد جدا من الصحابة خصوصا من أبي وابن مسعود أنهما يبدلان لفظا من عندهما بدلا مما سمعاه من لفظ النبوة وأقاماه هو مقامه من التلاوة فالصواب أنه تفسير منهما أو سمعا منه صلى الله عليه وسلم الوجوه فقرأ مرة كذا ومرة كذا كما هو الآن في القرآن من الاختلافات المتنوعة المعروفة عند أرباب الشأن وكذا قال الطحاوي وإنما كان ذلك رخصة لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة بلفظ واحد لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ ثم نسخ بزوال العذر وتيسير الكتابة والحفظ قاله في المرقاة وقال الحافظ الإمام الخطابي قال بعضهم معنى الحروف اللغات يريد أنه أنزل على سبع لغات من لغات العرب هي أفصح اللغات وأعلاها في كلامهم قالوا وهذه اللغات متفرقة في القرآن غير مجتمعة في الكلمة الواحدة وإلى نحو من هذا أشار أبو عبيد وقال القتيبي لا نعرف في القرآن حرفا يقرأ على سبعة أحرف قال ابن الأنباري هذا غلط وقد جاء في القرآن حروف يصح أن تقرأ على سبعة أحرف منها قوله تعالى وعبد الطاغوت وقوله تعالى أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وذكر وجوها كأنه يذهب في تأويل الأحاديث إلى أن بعض القرآن أنزل على سبعة أحرف لا كله وذكر بعضهم وجوها أخر قال وهو أن القرآن أنزل مرخصا للقارئ وموسعا عليه أن يقرأ على سبعة أحرف أي يقرأ على أي حرف شاء منها على البدل من صاحبه ولو كان معنى
[ 245 ]
ما قاله ابن الأنباري لقيل أنزل القرآن بسبعة أحرف وإنما قيل على سبعة أحرف ليعلم أنه أريد به هذا المعنى أي كأنه أنزل على هذا من الشرط أو على هذا من الرخصة والتوسعة وذلك لتسهيل قراءته على الناس ولو أخذوا بأن يقرؤوه على حرف واحد لشق عليهم ولكان ذلك داعيا إلى الزهادة فيه وسببا للفتور وسلم عنه وقيل فيه وجه آخر وهو أن المراد به التوسعة ليس حصر العدد انتهى وقال السندي على سبعة أحرف أي على سبع لغات مشهورة بالفصاحة وكان ذاك رخصة أولا تسهيلا عليهم ثم جمعه عثمان رضي الله عنه حين خاف الاختلاف عليهم في القرآن وتكذيب بعهضم بعضا على لغة قريش التي أنزل عليها أولا انتهى وقال السيوطي المختار أن هذا من المتشابه الذي لا يدرى تأويله وفيه أكثر من ثلاثين قولا أوردتها في الإتقان انتهى قلت سبع اللغات المشهورة هي لغة الحجاز والهذيل والهوازن عنه واليمن والطي والثقيف وبني تميم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (هذه الأحرف) أي القراءة على سبعة أحرف (في الأمر الواحد) من الإباحة والحلال أو النهي والحرام (ليس يختلف) حكمه (في حلال ولا حرام) والمعنى أن من اختلاف القراءة لا يبدل المعنى فلا يصير حكم واحد من بعض القراءة حلالا ويصير ذلك الحكم بعينه من قراءة أخرى حراما مثلا بل يبقى حكم واحد من الحلال والحرام وإن اختلفت القراءة والله أعلم (أقرئت القرآن) بصيغة المجهول أي أقرأني جبريل عم (فقيل لي) القائل هو الله تعالى على لسان الملائكة أتقرأ يا محمد صلى الله عليه وسلم (على حرف) واحد (أو) للتخبير أي أو تقرأ على (حرفين) تسهيلا للأمة (قل) يا محمد صلى الله عليه وسلم إني أقرأ (على حرفين قلت على حرفين) أي أقرأ على
[ 246 ]
حرفين (حتى بلغ) ذلك القائل المفهوم من قبل أو جبرئيل أو النبي صلى الله عليه وسلم (سبعة أحرف) أي إلى سبعة أحرف (ثم قال) ذلك القائل (ليس منها) أي من سبعة أحرف (إلا شاف) أي للعليل في فهم المقصود (كاف) للإعجاز في إظهار البلاغة وقيل أي شا ف لصدور المؤمنين في إثبات المطلوب للاتفاق في المعنى وكاف في الحجة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم على الكافرين كذا في المرقاة (قلت) يا محمد صلى الله عليه وسلم (سميعا عليما) مكان قوله (عزيزا حكيما) يكفيك ولا يضرك (ما لم تختم) يا محمد صلى الله عليه وسلم (آية عذاب برحمة) أي مكان آية رحمة (آية رحمة بعذاب) فلا يجوز لك وهذا يفيد أنه كما رخص للنبي صلى الله عليه وسلم في اللغات السبع كذلك رخص له صلى الله عليه وسلم في رؤوس الآيات بما يناسب المقام من أسماء الله تعالى من غير تقييد ببعض ولكن لا يجوز هذا التغير والتبدل لكل أحد ولم يرخص في ذلك عموما بل لا بد أن يقتصر في القراءة على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أكثر الأئمة من السلف والخلف والله أعلم كذا في غاية المقصود والحديث سكت عنه المنذري (عند أضاة بني غفار) بكسر الغين وأضاة إن بوزن الحصاة الغدير (أن تقرئ) من الإقراء (أمتك) مفعول تقرئ وعند مسلم في حديث طويل عن أبي ابن كعب فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتى فرد إلى الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتى فرد إلى الثالثة إلى اقرأه على سبعة أحرف وعند الشيخين من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرأني جبرئيل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف وعند الترمذي من
[ 247 ]
حديث أبي قال لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل فقال يا جبرئيل إلا إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف وفي رواية للنسائي قال إن جبرئيل وميكائيل أتياني فقعد جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبرئيل اقرأ القرآن على حرف قال ميكائيل استزده حتى بلغ سبعة أحرف فكل حرف شاف كاف قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي باب الدعاء (الدعاء هو العبادة) أي هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة لدلالته على الإقبال على الله والإعراض عما سواه بحيث لا يرجو ولا يخاف إلا إياه قائما بوجوب العبودية معترفا بحق الربوبية عالما بنعمة الإيجاد طالبا لمد الإمداد على وفق المراد وتوفيق الإسعاد كذا في المرقاة وقال الشيخ في اللمعات الحصر للمبالغة وقراءة الآية تعليل بأنه مأمور به فيكون عبادة أقله أن يكون مستحبة وآخر الآية إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين والمراد بعبادتي هو الدعاء ولحوق الوعيد ينظر إلى الوجوب لكن التحقيق أن الدعاء ليس بواجب والوعيد إنما هو على الاستكبار انتهى (قال ربكم ادعوني أستجب لكم) قيل استدل بالآية على أن الدعاء عبادة لأنه مأمور به والمأمور به عبادة وقال القاضي استشهد بالآية لدلالتها على أن المقصود يترتب عليه ترتيب الجزاء على الشرط والمسبب على السبب ويكون أتم العبادات ويقرب من هذا قوله مخ العبادة أي خالصها وقال الطيبي رحمه الله يمكن أن تحمل العبادة على المعنى اللغوي وهو غاية التذلل والافتقار والاستكانة وما شرعت العبادة إلا للخضوع للبارئ وإظهار الافتقار إليه وينصر هذا التأويل ما بعد الآية المتلوة إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين حيث عبر عن عدم الافتقار والتذلل بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الهوان والصغار قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح
[ 248 ]
(عن أبي نعامة) بفتح النون اسمه عيسى بن سوادة ثقة (وبهجتها) البهجة الحسن (وسلاسلها) جمع سلسلة (وأغلالها) جمع غل بالضم يقال في رقبته غل من حديد (يعتدون في الدعاء) أي يتجاوزون ويبالغون في الدعاء (فإياك) للتحذير (أن تكون منهم) أي من المبالغين في الدعاء قال المنذري سعد هو ابن أبي وقاص رضي الله عنه وابنه هذا لم يسم فإن كان عمر ف لا يحتج به (رجلا يدعو في صلاته) أي في آخر صلاته أو بعدها (عجل هذا) بكسر الجيم ويجوز الفتح والتشديد أي حين ترك الترتيب في الدعاء وعرض السؤال قبل الوسيلة قال الإمام الزاهدي في تفسيره الفرق بين المسارعة والعجلة أن المسارعة تطلق في الخير أي غالبا وفي الشرأي فيه أحيانا والعجلة لا تطلق إلا في الشر وقيل المسارعة المبادرة في وقته والعجلة المبادرة في غير وقته (ثم دعاه فقال له) فيه دلالة على أن من حق السائل أن يتقرب إلى المسؤول منه بالوسائل قبل طلب الحاجة بما يوجب الزلفى عنده ويتوسل بشفيع له بين يديه ليكون أطمع في الإسعاف وأرجى بالإجابة فمن عرض السؤال قبل الوسيلة فقد استعجل ولذا قال مؤدبا لأمته (إذا صلى أحدكم) أي إذا صلى وفرغ فقعد للدعاء أو إذا كان مصليا فقعد للتشهد فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه بقوله التحيات إلخ ويؤيد الأول إطلاق قوله بعد (فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه) من كل ثناء جميل ويشكره على كل عطاء جزيل (ثم يصلي على
[ 249 ]
النبي ص) فإنه واسطة عقد المحبة ووسلية صلى العبادة والمعرفة كذا في مرقاة المفاتيح (ثم يدعو بعد) أي بعد ما ذكر (بما شاء) من دين أو دنيا مما يجوز طلبه وفي رواية للترمذي بينا رسول الله قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال اللهم اغفر لي وارحمني فقال رسول الله عجلت أيها المصلي إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصل علي ثم ادعه قال ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي أي ولم يدع فقال له النبي أيها المصلي ادع تجب قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي صحيح (يستحب الجوامع من الدعاء) أي الجامعة لخير الدنيا والآخرة وهي ما كان ولفظه قليلا ومعناه كثيرا كما في قوله تعالى ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ومثل الدعاء بالعافية في الدنيا والآخرة وقال علي القاري وهي التي تجمع الأغرا ض الصالحة أو تجمع الثناء على الله تعالى وآداب المسألة وقال المظهر هي ما لفظه قليل ومعناه كثير شامل لأمور الدنيا والآخرة نحو اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة وكذا اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ونحو سؤال الفلاح والنجاح (ويدع) أي يترك (ما سوى ذلك) أي مما لا يكون جامعا بأن يكون خالصا بطلب أمور جزئية كارزقني زوجة حسنة فإن الأولى والأحرى منه ارزقني الراحة في الدنيا والآخرة فإنه يعمها وغيرها انتهى والحديث سكت عنه المنذري (اللهم اغفر لي إن شئت) قيل منع عن قوله إن شئت لأنه شك في القبول والله تعالى كريم لا بخل عنده فليستيقن وقال بالقبول (ليعزم المسألة) أي ليطلب جازما من غير شك (فإنه لا مكره له) أي لله على الفعل أو لا يقدر أحد أن يكرهه على فعل أراد تركه بل يفعل ما يشاء فلا معنى لقوله إن شئت لأنه أمر معلوم من الدين بالضرورة فلا حاجة إلى التقيد به مع أنه موهم
[ 250 ]
لعدم الاعتناء بوقوع ذلك الفعل أو لاستعظامه أنه على الفاعل على المتعارف بين الناس ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (قال يستجاب لأحدكم) أي الدعاء (ما لم يعجل) أي يستجاب ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال قال (فيقول) الداعي (قد دعوت) أي مرة بعد أخرى يعني مرات كثيرة أو طلبت شيئا وطلبت آخر فلم يستجب لي وهو إما استبطاء أو إظهار يأس وكلاهما مذموم أما الأول فلأن الإجابة لها وقت معين كما ورد أن بين دعاء موسى وهارون على فرعون وبين الإجابة أربعين سنة وأما القنوط فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون مع أن الإجابة على أنواع منها تحصيل عين المطلوب في الوقت المطلوب ومنها ادخاره ليوم يكون أحوج إلى ثوابه ومنها وجوده في وقت آخلحكمة اقتضت تأخيره ومنها دفع شر بدله كذا في المرقاة قال المنذري أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (لا تستروا الجدر) جمع جدار أي لا تستروا الجدر بثياب لأن هذا من دأب المتكبرين ولأن فيه إضاعة المال من غير ضرورة (من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار) قال الخطابي قوله عليه السلام فإنما ينظر في النار إنما هو مثل يقول كما تحذر النار فلتحذر هذا الصنيع إذا كان معلوما أن النظر في النار والتحديق إليها يضر البصر وقد يحتمل أن يكون أراد بالنظر إلى النار الدنو منها والتصلي وهو فيها لأن النظر إلى الشئ إنما يتحقق عند قرب المسافة بينك وبين الدنو منه وفيه وجه آخر وهو أن يكون معناه كأنما ينظر إلى ما يوجب عليه النار فأضمره في الكلام وزعم بعض أهل العلم أنه إنما أراد به الكتاب الذي فيه أمانة أو سر يكره صاحبه أن يطلع عليه أحد دون الكتاب التي فيها علم فإنه لا يحل منه ولا يجوز كتمانه وقيل إنه عالم في كل كتاب لأن صاحب الشئ أولى بماله وأحق بمنفعة ملكه وإنما يأثم بكتمان العلم
[ 251 ]
الذي يسأل عنه فأما أن يأثم في منعه كتابا عنده وحبسه من غيره فلا وجه له والله أعلم انتهى (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) لأن اللائق بالطالب لشئ يناله أن يمد كفه إلى المطلوب ويبسطها متضرعا ليملأها من عطائه الكثير المؤذ به رفع اليدين إليه جميعا أما من سأل رفع الشئ وقع به من البلاء فالسنة أن يرفع إلى السماء ظهر كفيه اتباعا له عليه الصلاة والسلام وحكمته التفاؤل في الأول بحصول المأمول وفي الثاني بدفع المحذور (فإذا فرغتم) أي من الدعاء (فامسحوا بها) أي بأكفكم (وجوهكم) فإنها تنزل عليها آثار الرحمة فتصل بركتها إليها (كلها واهية) أي ضعيفة (وهذا الطريق) أي طريق عبد الله بن يعقوب (أمثلها) أي أحسن الوجوه (وهو ضعيف أيضا) لأن فيه راو مجهول قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (إذا سألتم الله) أي شيئا من جلب نفع أو دفع ضر (فسلوه ببطون أكفكم) جمع الكف قال الطيبي لأن هذه هيئة السائل الطالب المنتظر للأخذ فيراعى مطلقا كما هو ظاهر الحديث (ولا تسألوه بظهورها) قال الطيبي روي أنه عليه الصلاة والسلام أشار في الاستسقاء بظهر كفيه ومعناه أنه رفع يديه رفعا بليغا حتى ظهر بياض إبطه وصارت كفاه محاذيين لرأسه ملتمسا أن يغمره برحمته من رأسه إلى قدميه قال المنذري قال أبو داود قال سليمان بن عبد الحميد له عندنا صحبة يعني مالك بن يسار وفي نسخه ماله عندنا صحبة قال أبو القاسم البغوي ولا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث ولا أدري لمالك بن يسار صحبة أم لا هذا آخر كلامه وفي إسناده إسماعيل بن عياش وقد تكلم فيه غير واحد وصحح بعضهم روايته عن الشاميين وفي إسناده أيضا ضمضم بن زرعة الحضرمي وهو شامي وثقه يحيى بن معين
[ 252 ]
(وظاهرهما) أي ظاهر الكفين وهذا في الاستسقاء قال المنذري في إسناده عمر بن نبهان البصري ولا يحتج بحديثه (عن سلمان) أي الفارسي (إن ربكم حيي) فعيل أي مبالغ في الحياء وفسر في حق الله بما هو الغرض والغاية وغرض الحيي من الشئ تركه والإباء منه لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الانسان من تخوف ما يعاب ويذم بسببه وهو محال على الله تعالى لكن غايته فعل ما يسر وترك ما يضر أو معناه عامل معاملة المستحيي (كريم) وهو الذي يعطي من غير سؤال فكيف بعده (يستحيي من عبده) أي المؤمن (أن يردهما صفرا) بكسر الصاد وسكون الفاء أي فارغتين خاليتين من الرحمة قال الطيبي يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع قاله القاري قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب وروى عن بعضهم ولم يرفعه هذا آخر كلامه وفي إسناده جعفر بن ميمون أبو علي بياع الأنماط قال يحيى بن معين صالح وقال مرة ليس بذاك وقال مرة ليس بثقة وقال أبو حاتم الرازي صالح وقال أحمد بن حنبل ليس بقوي في الحديث وقال أبو علي أرجو أنه لا بأس به (قال المسألة) مصدر بمعنى السؤال والمضاف مقدر ليصح الحمل أي آدابها (أن ترفع يديك حذو منكبيك) أي قريبا منهما لكن إلى ما فوق (والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة) قال الطيبي أدب الاستغفار الاشارة بالسبابة سبا للنفس الأمارة والشيطان والتعوذ منهما وقيده
[ 253 ]
بواحدة لأنه يكره الإشارة بإصبعين لما روي أنه عليه الصلاة والسلام رأى رجلا يشير بهما فقال له أحد أحد (والابتهال) أي التضرع والمبالغة في الدعاء في دفع المكروه عن النفس أدبه (أن تمد يديك جميعا) أي حتى يرى بياض إبطيك صلى الله عليه وسلم (قال فيه والابتهال هكذا) تعليم فعلى وتفسير المشار إليه قوله (ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه) أي رفع يديه رفعا كليا حتى ظهر بياض الإبطين جميعا وصارت كفاه محاذيين لرأسه قال الطيبي ولعله أراد بالابتهال دفع ما يتصوره من مقابلة العذاب فيجعل يديه الترس ليستره عن المكروه والحديث سكت عنه المنذري (كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه) في إسناده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف قاله المنذري وقوله مسح وجهه بيديه خبر كان وإذا ظرف له قال الطيبي دل على أنه إذا لم يرفع يديه في الدعاء لم يمسح وهو قيد حسن لأنه كان يدعو كثيرا كما في الصلاة والطواف وغيرهما من الدعوات المأثورة دبر الصلوات وعند النوم وبعد الأكل وأمثال ذلك ولم يرفع يديه لم يمسح بهما وجهه قاله على القاري (الأحد) أي بالذات والصفات (الصمد) أي المطلوب الحقيقي (إذا سئل به أعطى وإذا
[ 254 ]
دعي به أجاب) السؤال أن يقول العبد أعطني فيعطي والدعاء أن ينادي ويقول يا رب فيجيب الرب تعالى ويقول لبيك يا عبدي ففي مقابلة السؤال الإعطاء وفي مقابلة الدعاء الإجابة وهذا هو الفرق بينهما ويذكر أحدهما مقام الآخر أيضا واعلم أنه قد ورد أقوال من العلماء في الاسم الأعظم فقال قائل إن أسماء الله تعالى كلها عظيمة لا يجوز تفضيل بعضها على بعض وينسب هذا إلى الأشعري والباقلاني وغيرهما وحمل هؤلاء ما ورد في ذكر الاسم الأعظم على أن المراد به العظيم وقال ابن حبان الأعظمية الواردة في الأخبار المراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك قاله عبد الحق الدهلوي في اللمعات وقال الطيبي وفي الحديث دلالة على أن لله تعالى اسما أعظم إذا دعي به أجاب وأن ذلك مذكور ههنا وفيه حجة على من قال كل اسم ذكر بإخلاص تام مع الإعراض عما سواه هو اسم الأعظم إذ لا شرف للحروف قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب وقال شيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رضي الله عنه وهو إسناد لا مطعن فيه ولا أعلم أنه روي في هذا الباب حديث أجود إسنادا منه وهو يدل على بطلان مذهب من ذهب إلى نفي القول بأن الله اسما هو الاسم الأعظم وهو حديث حسن (ثم دعا اللهم إني أسألك) لعله حذف المفعول اكتفاء بعلم المسؤول (بأن لك) تقديم الجار للاختصاص (الحمد لا إله إلا أنت المنان) أي كثير العطاء من المنة بمعنى النعمة والمنة مذمومة من الخلق لأنه لا يملك شيئا قال صاحب الصحاح من عليه هنا أي أنعم والمنان من أسمائه تعالى بديع السموات والأرض يجوز فيه الرفع على أنه صفة المنان أو خبر مبتدأ محذوف أي هو أو أنت وهو أظهر والنصب على النداء ويقويه رواية الواحدي في كتاب الدعاء له يا بديع إذا السموات كذا في شرح الجزري على المصابيح أي مبدعهما وقيل بديع سمواته وأرضه وفي الصحاح أبدعت الشئ اخترعته لا
[ 255 ]
على مثال سبق (يا ذا الجلال والإكرام أي صاحب العظمة والمنة قال المنذري وأخرجه النسائي (عن أسماء بنت يزيد) أي ابن السكن ذكره ميرك (وفاتحة سورة آل عمران) بالجر على أنها وما قبلها بدلان وجوز الرفع والنصب ووجههما ظاهر الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم وروى الحاكم اسم الله تعالى الأعظم في ثلاث سور البقرة وآل عمران وطه قال القاسم بن عبد الرحمن الشامي التابعي روى أنه قال لقيت مائة صحابي فالتمستها أي السور الثلاث فوجدت أنه الحي القيوم قال ميرك وهنا أقوال أخرى في تعيين الاسم الأعظم منها أنه رب أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس وأبي الدرداء أنهما قالا اسم الله الأكبر رب رب ومنها الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم نقل هذا عن الإمام زين العابدين ومنها أنه الله لأنه اسم لم يطلق على غيره تعالى ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى وثم أضيفت إليه ومنها الرحمن الرحيم وقد استوعب السيوطي الأقوال في رسالته ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه قال الترمذي حديث حسن هذا آخر كلامه وشهر بن حوشب وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد وفي إسناده أيضا عبيدالله بن أبي زياد القداح المكي وقد تكلم فيه غير واحد (لا تسبخي عنه) بسين مهملة ثم موحدة مشددة ثم خاء معجمة هو مثل تخففي وزنا ومعنى أي لا تسبخي عنه بدعائك عليه أي لا تخففي عنه الإثم الذي استحقه بالسرقة والحديث سكت عنه المنذري
[ 256 ]
(استأذنت النبي في العمرة) أي من المدينة في قضاء عمرة كان نذرها في الجاهلية (فأذن لي) أي فيها (يا أخي) بصيغة التصغير وهو تصغير تلطف وتعطف لا تحقير ويروى بلفظ التكبير (من دعائك) فيه إظهار الخضوع والمسكنة في مقام العبودية بالتماس الدعاء ممن عرف له الهداية وحث للأمة على الرغبة في دعاء الصالحين وأهل العبادة وتنبيه لهم على أن لا يخضعوا أنفسهم بالدعاء ولا يشاركوا فيه أقاربهم وأحباءهم لا سيما في مظان الإجابة وتفخيم لشأن عمر وإرشاد إلى ما يحمي دعاءه من الرد (فقال) عطف على قال لا تنسنا لتعقيب المبين بالمبين أي قال عمر فقال بمعنى تكلم النبي (كلمة) وهي لا تنسنا (ما يسرني أن لي بها الدنيا) الباء للبدلية وما نافية وأن مع اسمه وخبره فاعل يسرني أي لا يعجبني ولا يفرحني كون جميع الدنيا لي بدلها كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح هذا آخر كلامه وفي إسناده عاصم بن عبيدالله بن عاصم ابن عمر بن الخطاب وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة (فقال أحد أحد) أي أشر بواحدة ليوافق التوحيد المطلوب بالإشارة قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبي صالح عن أبي هريرة بنحوه وقال حديث حسن غريب
[ 257 ]
باب التسبيح بالحصى (على امرأة) قال القاري أي محرم له أو كان ذلك قبل نزول الحجاب على أنه لا يلزم من الدخول الرؤية ولا من وجود الرؤية حصول الشهوة (وبين يديها) الواو للحال نوى) جمع نواة وهي عظم التمر (أو حصى) شك من الراوي (تسبح) أي المرأة (به) أي بما ذكر من النوى أو الحصى وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما بعد به ولا يعتد بقول من عدها بدعة (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (بما هو أيسر) أي أسهل وأخف (عليك من هذا) أي من هذا الجمع والتعداد (أو أفضل) قيل أو للشك من سعد أو ممن دونه وقيل بمعنى الواو وقيل بمعنى بل وهو الأظهر قال ابن الملك تبعا للطيبي وإنما كان أفضل لأنه اعتراف بالقصور وأنه لا يقدر أن يحصى ثناءه وفي العد بالنوى إقدام على أنه قادر على الإحصاء (عدد ما خلق) فيه تغليب لكثرة غير ذوي العقول الملحوظة في المقام (في السماء) أي في عالم العلويات جميعها (عدد ما خلق في الأرض) أي في عالم السفليات كلها كذا قيل والأظهر أن المراد بهما السماء والأرض المعهودتان لقوله (وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك) أي ما بين ما ذكر من السماء والأرض (وسبحان الله عدد ما هو خالق) أي خالقه أو خالق له فيما بعد ذلك واختاره ابن حجر المكي وهو أظهر لكن الأدق الأخفى ما قال الطيبي أي ما هو خالق له من الأزل إلى الأبد والمراد الاستمرار فهو إجمال بعد التفضيل لأن اسم الفاعل إذا أسند إلى الله تعالى يفيد الاستمرار من بدء الخلق إلى الأبد كما تقول الله قادر عالم فلا تقصد زمانا دون زمان كذا في المرقاة وفي النيل والحديث دليل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأة على ذلك وعدم إنكاره
[ 258 ]
والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز وقد وردت بذلك آثار قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب من حديث سعد (عن يسيرة) بضم التحتية وفتح السين ويقال أسيرة بالهمزة أم ياسر صحابية من الأنصاريات ويقال من المهاجرات كذا في التقريب (والتقديس) أي قول سبحان الملك القدوس أو سبوح قدوس رب الملائكة والروح قال ابن حجر هذا عادة العرب أن الكلمة إذا تكررت على ألسنتهم اختصروها ليسهل تكررها بضم بعض حروف إحداها إلى الأخرى كالحوقلة والحيعلة والبسملة وكالتهليل أي فإنه مأخوذ من لا إله إلا الله يقال هيلل الرجل وهلل إذا قال ذلك (فإنهن) أي الأنامل كسائر الأعضاء (مسؤولات) أي يسألن يوم القيامة عما اكتسبن وبأي شئ استعملن (مستنطقات) بفتح الطاء أي متكلمات بخلف النطق فيها فيشهدن لصاحبهن أو عليه بما اكتسبه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث غريب إنما نعرفه من حديث هانئ بن عثمان هذا آخر كلامه ويسيره بضم الياء آخر الحروف وبعد السين المهملة ياء أيضا وراء مهملة وتاء التأنيث هي يسيرة بنت ياسر أنصارية تكنى أم ياسر وقيل أم حميضة لها صحبة وقيل كانت من المهاجرات (يعقد التسبيح قال ابن قدامة بيمينه) وقد علل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في الحديث السابق بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات يعني أنهن يشهدن بذلك فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث الأعمش عن عطاء بن السائب
[ 259 ]
(فحول اسمها) فسماها جويرية (لو وزنت) بصيغة المؤنث المجهول (لوزنته أي لترجحت تلك الكلمات على جميع أذكارك ثنا وزادت عليهن في الأجر والثواب يقال وازنه فوزنه إذا غلب عليه وزاد في الوزن (سبحان الله وبحمده) أي بحمده أحمده (عدد خلقه) منصوب على نزع الخافض أي بعدد كل واحد من مخلوقاته وقال السيوطي نصب على الظرف أي قدر عدد خلقه (ورضاء نفسه) أي أقول له التسبيح والتحميد بقدر ما يرضيه خالصا مخلصا له فالمراد بالنفس ذاته والمعنى ابتغاء وجهه (وزنة عرشه) أي أسبحه وأحمده بثقل عرشه أو بمقدار عرشه (ومداد كلماته) المداد مصدر مثل المدد وهو الزيادة والكثرة أي بمقدار ما يساويها في الكثرة بمعيار أو كيل أو وزن أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير وهذا تمثيل يراد به التقريب لأن الكلام لايدخل في الكيل وكلماته تعالى هو كلامه وصفته لا تعد ولا تنحصر فإذا المراد المجاز مبالغة في الكثرة لأنه ذكر أولا ما يحصره العدد الكثير من عدد الخلق ثم ارتقى إلى ما هو أعظم منه أي ما لا يحصيه عد كما لا تحصى كلمات الله قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرج منه مسلم تحويل الاسم فقط وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عباس عن جويرية بنت الحارث بتمامه رضي الله عنهم (ذهب أصحاب الدثور) قال الخطابي الدثور جمع الدثر جمع وهو المال الكثير (وتختمها بلا إله إلا الله) قال السيوطي هكذا في نسخ سنن أبي داود وفيه سقط والحديث من إفراده لم
[ 260 ]
يروه من أصحاب الكتب الستة غيره وقد روى مسلم والنسائي والبيهقي في الدعوات من طريق عطاء بن يزيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسعة وتسعون وقال تمام المائة لا اله إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر انتهى وقال النووي في هذا الحديث دليل لمن فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر وفي المسألة خلاف مشهور بين السلف والخلف من الطوائف والله أعلم قال المنذري وقد أخرج مسلم بعضه من حديث أبي الأسود الديلي وفيه زيادة ونقص باب ما يقال الرجل إذا سلم (له الملك وله الحمد) قال الحافظ في الفتح زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير إلى قدير ورواته موثقون وثبت مثله عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند صحيح لكن في القول إذا أصبح وإذا أمسى انتهى (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) قال النووي المشهور الذي عليه الجمهور أنه بفتح الجيم ومعناه لا ينفع ذا الغنى والحظ منك غناه وضبطه جماعة بكسر الجيم انتهى قال في النهاية أي لا ينفع ذا الغناء منك غناؤه وإنما ينفعه الإيمان والطاعة انتهى والحديث يدل على مشروعية هذا الذكر بعد الصلاة وظاهره أنه يقول ذلك مرة ووقع عند أحمد والنسائي وابن خزيمة أنه كان يقول الذكر المذكور ثلاث مرات قال الحافظ في الفتح وقد اشتهر على الألسنة في الذكر المذكور
[ 261 ]
زيادة ولا راد لما قضيت وهو في مسند عبد بن حميد من رواية معمر عن عبد الملك بهذا الإسناد لكن حذف قوله ولا معطي لما منعت ووقع عند الطبراني تاما من وجه آخر انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (أهل النعمة والفضل) أي أنت أهل النعمة (يهلل في دبر كل صلاة) هو بضم الدال على المشهور في اللغة والمعروف في الروايات قاله النووي وقال أبو عمر المطرز في كتاب اليواقيت دبر كل شئ بفتح الدال آخر أوقاته من الصلاة وغيرها قال هذا هو المعروف في اللغة وأما الجارحة فبالضم وقال الداودي عن ابن الأعرابي دبر الشئ بالضم والفتح آخر أوقاته والصحيح الضم كما قال النووي ولم يذكر الجوهري وآخرون غيره وفي القاموس الدبر بضمتين نقيض القبل ومن كل شئ عقبه وبفتحتين الصلاة في آخر وقتها والحديث يدل على مشروعية هذا الذكر بعد الصلاة مرة واحدة لعدم ما يدل على التكرار قاله الشوكاني قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 262 ]
(عن زيد بن أرقم قال سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم) قال المنذري وأخرجه النسائي وقال الدارقطني تفرد به معتمر بن سليمان عن داود الطفاوي عن أبي مسلم البجلي عن زيد بن أرقم هذا آخر كلامه وفي إسناده داود الطفاوي قال يحيى بن معين ليس بشئ هذا آخر كلامه والطفاوي في قيس غيلان نسبوا إلى أمهم طفاوة بنت حزم بن زياد وهي بضم الطاء المهملة بعدها فاء وبعد الألف واو مفتوحة وتاء تأنيث وفي الرواة طفاوي كان ينزل طفاوة وهي موضع بالبصرة ويحتمل أن يكون بنو طفاوة نزلوا هذا الموضع فسمي بهم كما وقع هذا من مواضع كثيرة بالعراق ومصر وغيرها انتهى (اللهم اغفر لي ما قدمت) أي من الذنوب فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين (وما أخرت) أي من التقصير في العبادة (وما أسررت) أي أخفيت ولو مما خطر بالبال (وما أعلنت) من الأقوال والأفعال والأحوال الردية الناشئة من القصور البشرية (قال ميرك) فإن قلت إنه مغفور له فما معنى سؤال المغفرة قلت سأله تواضعا وهضما لنفسه وإجلالا وتعظيما لربه وتعليما لأمته (وما أنت أعلم به منى) وهذا تعميم بعد تخصيص (أنت المقدم) بكسر الدال أي لمن تشاء (والمؤخر) أي لمن تشاء
[ 263 ]
قال ابن بطال معناه أنه عليه السلام أخر عن غيره في البعث وقدم عليهم يوم القيامة بالشفاعة وغيرها كقوله نحن الآخرون السابقون نقله ميرك قال المنذري وأخرجه والترمذي وقال حديث صحيح (يدعو رب أعني) أي وفقني لذكرك وشكرك وحسن عبادتك (ولا تعن علي) أي لا تغلب علي من يمنعني من طاعتك من شياطين الإنس والجن (وانصرني ولا تنصر علي) أي أغلبني على الكفار ولا تغلبهم علي أو انصرني على نفسي فإنها أعدى أعدائي ولا تنصر النفس الأمارة علي بأن أتبع الهوى وأترك الهدى (وامكر لي ولا تمكر علي) قال الطيبي المكر الخداع وهو من الله إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون وقيل استدراج العبد بالطاعة فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة وقال ابن الملك المكر الحيلة والفكر في دفع عدو بحيث لا يشعر به العدو فالمعنى اللهم اهدني إلى طريق دفع أعدائي عني ولا تهد عدوي إلى طريق دفعه إياي عن نفسي (واهدني) أي دلني على الخيرات أو على عيوب نفسه (ويسر هداي إلي) أي سهل اتباع الهداية أو طرق الدلالة لي حتى لا أستثقل الطاعة ولا أشتغل عن العبادة (وانصرني) أي بالخصوص (على من بغى علي) أي ظلمني وتعدى علي وهذا تخصيص لقوله وانصرني في الأول (لك شاكرا) قدم المتعلق للاهمتام به والاختصاص أو لتحقيق مقام الإخلاص أي على النعماء والآلاء (لك ذاكرا) في الأوقات والآناء (لك راهبا) أي خائفا في السراء والضراء وقال ابن حجر أي منقطعا عن الخلق (لك مطواعا) بكسر الميم مفعال للمبالغة أي كثير الطوع وهو الانقياد والطاعة وفي رواية ابن أبي شيبة مطيعا أي منقادا (إليك مخبتا) قال السيوطي هو من الإخبات وهو الخشوع والتواضع انتهى وفي المرقاة أي خاضعا خاشعا متواضعا من الخبت وهو المطمئن من الأرض يقال أخبت الرجل إذا نزل الخبت ثم استعمل الخبت استعمال اللين والتواضع قال تعالى وأخبتوا إلى ربهم أي اطمأنوا إلى ذكره (أو منيبا) شك للراوي قال في النهاية الإنابة الرجوع إلى الله بالتوبة يقال أناب إذا أقبل ورجع أي إليك راجعا (رب
[ 264 ]
تقبل توبتي) بجعلها صحيحة بشرائطها واستجماع آدابها فإنها لا تتخلف عن حيز القبول قال تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده (واغسل حوبتي) بفتح الحاء ويضم أي امح ذنبي والحوب بالضم مصدر والحاب هذا الآثم سمي بذلك لكونه مزجورا عنه لحوب في الأصل لزجر الإبل وذكر المصدر دون الإثم وهو إذ الحوب ثم لأن الاستبراء من فعل الذنب أبلغ منه من نفس الذنب (وأجب دعوتي) أي دعائي وأما قول ابن حجر المكي ذكر لأنه من فوائد قبول التوبة فموهم أنه لا تجاب دعوة غير التائب وليس الأمر كذلك لما صح من أن دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراوفي رواية ولو كان كافرا (وثبت حجتي) أي على أعدائك في الدنيا والعقبى (واهد قلبي) أي إلى معرفة ربي (وسدد) أي صوب وقوم (لساني) حتى لا ينطق إلا بالصدق ولا يتكلم إلا بالحق (واسلل) بضم اللام الأولى أي أخرج (سخيمة قلبي) أي غشه وغله وحقده وحسده ونحوها مما ينشأ من الصدر ويسكن في القلب من مساوئ الأخلاق قاله علي القاري قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح (إذا سلم) أي من الصلاة المكتوبة (اللهم أنت السلام) أي من المعائب والحوادث والتغير والآفات (ومنك السلام) أي منك يرجى ويستوهب ويستفاد (تباركت) أي تعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا أو تعالى صفاتك عن صفات المخلوقين (يا ذا الجلال والإكرام) أي ما يا مستحق رسول الجلال وهو العظمة وقيل الجلال التنزه عما لا يليق وقيل الجلال لا يستعمل إلا لله والإكرام والإحسا وقيل المكرم لأوليائه بالإنعام عليهم والإحسان إليهم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 265 ]
(أي ينصرف) أي يفرغ قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه باب في الاستغفار (ما أصر) ما نافية أي ما دام على المعصية (من استغفر) أي من كل سيئة (وإن عاد) أي ولو رجع إلى ذلك الذنب أو غيره (في اليوم) أو الليلة (سبعين مرة) ظاهره التكثير والتكرير قال بعض العلماء المصر هو الذي لم يستغفر ولم يندم على الذنب والإصرار على الذنب إكثاره وقال ابن الملك الإصرار الثبات والدوام على المعصية يعني من عمل معصية ثم استغفر فندم على ذلك خرج عن كونه مصرا ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب إنما نعرفه من حديث أبي نصيرة بضم النون وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة وتاء تأنيث (عن الأغر) بفتح الهمزة والغين المعجمة وتشديد الراء (المزني) نسبة إلى قبيلة مزينة مصغرا وقيل الجهني له صحبة وليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث ذكره ميرك (ليغان) بضم الياء بصيغة المجهول من الغين وأصله الغيم لغة قال في النهاية وغينت ولا السماء تغان لم إذا أطبق عليها الغيم وقيل الغين شجر ملتف أراد ما يغشاه من السهو الذي لا يخلو منه البشر لأن قلبه أبدا كان مشغولا بالله تعالى فإن عرض له وقتا ما عارض بشري يشغله عن أمور الأمة والملة ومصالحهما عد ذلك ذنبا وتقصيرا فيفرغ إلى الإستغفار انتهى وقال في المرقاة أي
[ 266 ]
يطبق ويغشى أو يستر ويغطي على قلبي عند إرادة ربي انتهى وقال السيوطي هذا من المتشابه الذي لا يعلم معناه وقد وقف الأصمعي أمام اللغة على تفسيره وقال لو كان قلب غير النبي صلى الله عليه وسلم لتكلمت عليه انتهى قال السندي وحقيقته بالنظر إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم لا تدري وإن قدره صلى الله عليه وسلم أجل وأعظم مما يخطر في كثير من الأوهام فالتفويض في مثله أحسن نعم القدر المقصود بالإفهام مفهوم وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يحصل له حالة داعية إلى الاستغفار فيستغفر كل يوم مائة مرة فكيف غيره والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم (عن ابن عمر قال إن) مخففة من المثقلة (كنا لنعد) اللام فارقة (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق بنعد (مائة مرة) مفعول مطلق لنعد (وتب علي) أي ارجع علي بالرحمة أو وفقني للتوبة أو اقبل توبتي قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح غريب (حفص بن عمر بن مرة الشني) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون منسوب إلى الشن بطن من عبد القيس كذا في تاج العروس (حدثني أبي عمر بن مرة) بدل من أبي أو عطف بيان (قال) أي هلال (سمعت أبي) أي يسار (عن جدي) أي زيد (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم) روى بالنصب على الوصف للفظ الله وبالرفع لكونهما بدلين أو بيانين لقوله هو والأول هو الأكثر والأشهر وقال الطيبي يجوز في الحي القيوم النصب صفة لله أو مدحا والرفع بدلا من الضمير أو على المدح أو على أنه خبر مبتدأ محذوف (وأتوب إليه) ينبغي أن لا يتلفظ بذلك إلا إن كان صادقا وإلا يكون بين يدي الله كاذبا منافقا قال بعض السلف إن المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه (غفر له
[ 267 ]
وإن كان فر) وفي نسخه قد فر وهو مطابق لما في الحصن أي هرب (من الزحف) قال الطيبي الزحف الجيش الكثير الذي يرى لكثرته كأنه يزحف قال في النهاية من زحف الصبي إذا دب على إسته قليلا قليلا وقال المظهر هو اجتماع الجيش في وجه العدو أي من حرب الكفار حيث لا يجوز الفرار بأن لا يزيد الكفار على المسلمين مثلي عدد المسلمين ولا نوي التحرف والتحيز قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه هذا آخر كلامه ووقع في كتاب أبي داود هلال بن يسار بن زيد عن أبيه عن جده بالهاء ووقع فكتاب الترمذي وغيره وفي بعض نسخ سنن أبي داود بلال بن يسار بالباء الموحدة وقد أشار الناس إلى الخلاف فيه وذكره البغوي في معجم الصحابة بالباء وقال لا أعلم لزيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث وذكر أن كنيته أبو يسار بالياء التحتانية وسين مهملة وأنه سكن المدينة وذكره البخاري في تاريخه الكبير أيضا بالباء وذكر أن بلالا سمع من أبيه يسار وأن يسارا سمع من أبيه زيد (من لزم الاستغفار) أي عند صدور معصية وظهور بلية أو من داوم عليه فإنه في كل نفس يحتاج إليه ولذا قال صلى الله عليه وسلم طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا رواه ابن ماجه بإسناد حسن صحيح (من كل ضيق) أي شدة ومحنة (مخرجا) أي طريقا وسببا يخرج إلى سعة ومنحة والجار متعلق به وقدم عليه الاهتمام وكذا (ومن كل وهم) أي غم يهمه (فرجا) أي خلاصا (ورزقه) حلالا طيبا (من حيث لا يحتسب) أي لا يظن ولا يرجو ولا يخطر بباله والحديث مقتبس من قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي إسناده الحكم بن مصعب ولا يحتج به (كان أكثر دعوة يدعو بها) أي لكونه دعاء جامعا ولكونه من القرآن مقتبسا وجعل الله
[ 268 ]
داعية ممدوحا (اللهم آتنا في الدنيا) أي قبل الموت (حسنة) أي كل ما يسمى نعمة ومنحة عظيمة وحالة مرضية (وفي الآخرة) أي بعد الموت (حسنة) أي مرتبة مستحسنة (وقنا عذاب النار) أي احفظنا منه وما يقرب إليه وقيل حسنة الدنيا اتباع الهدى وحسنة الآخرة موافقة الرفيق الأعلى وعذاب النار حجاب المولى (أن يدعو بدعوة) أي واحدة لأن الفعلة للمرة (أن يدعو بدعاء) أي كثير (دعا بها) أي بهذه الدعوة (فيها) أي في هذا الدعاء قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه (من سأل الله الشهاد) أي الموت شهيدا (بصدق) قيد به لأنه معيار الأعمال ومفتاح بركاتها (بلغه الله منازل الشهداء) مجازاة له على صدق الطلب (وإن مات على فراشه) لأن كلا منهما نوى خيرا وفعل مقدوره فاستويا في أصل الأجر قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (نفعني الله) بالعمل به (فإذا حلف لي صدقته) على وجه الكمال وإن كان القبول الموجب للعمل حاصلا بدونه (وصدق أبو بكر) أي علمت صدقه بلا حلف (فيحسن الطهور) أي الوضوء (ثم قرأ) أي أبو بكر (إلى آخر الآية) وتمام الآية ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن
[ 269 ]
يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجوذكر أن بعضهم رواه فوقفه (أخذ بيده) كأنه عقد محبة وبيعة مودة (والله إني لأحبك) لامه للابتداء وقيل للقسم وفيه أن من أحب أحدا يستحب له إظهار المحبة له (فقال أوصيك يا معاذ لا تدعن) إذا أردت ثبات هذه المحبة فلا تتركن (في دبر كل صلاة) أي عقبها وخلفها أو في آخرها (تقول اللهم أعني على ذكرك) من طاعة اللسان (وشكرك) من طاعة الجنان (وحسن عبادتك) من طاعة الأركان قال الطيبي ذكر الله مقدمه انشراح الصدر وشكره وسيلة النعم المستجابة وحسن العبادة المطلوب منه التجرد عما يشغله عن الله تعالى قال النووي إسناده صحيح ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه النسائي ولم يذكر الوصية (أن أقرأ بالمعوذات) بكسر الواو وتفتح (دبر كل صلاة) قال ميرك رواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وصححاه بلفظ المعوذات ورواه الترمذي ولفظه أن اقرأ
[ 270 ]
بالمعوذتين في دبر كل صلاة فعلى الأول إما أن يكون أقل الجمع اثنين وإما أن يدخل في المعوذتين سورة الإخلاص والكافرون إما تغليبا يعني لأن المعوذتين أكثر أو لأن في كلتيهما يعني الإخلاص والكافرون براءة من الشرك والتجاء إلى الله تعالى يعني ففيهما معنى التعوذ أيضا كذا في المرقاة قال المنذري أخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب (عن عبد الله) قال المنذري هو ابن مسعود انتهى وكلما كان عبد الله بغير اسم أبيه فهو ابن مسعود رضي الله عنه (يعجبه) أي يحسنه (أن يدعو) أي يقول اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أو غيره (ويستغفر ثلاثا) أي يقول أستغفر الله قال المنذري وأخرجه النسائي (عند الكرب) أي المحنة والمشقة (أو في الكرب) شك الراوي قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا وأخرجه ابن ماجه (وعلي بن زيد) بن جدعان (وسعيد) بن إياس (الجريري) فحماد يروي عن ثلاثة شيوخ عن ثابت وعلي بن زيد وسعيد الجريري وكلهم عن أبي عثمان النهدي (إنكم لا تدعون) الله
[ 271 ]
بالتكبير أو لا تذكرون (أصم ولا غائبا) المراد به أنه لا حاجة لكم إلى الجهر البليغ ورفع الصو ت كثيرا فإنه سميع عليم (بينكم وبين أعناق ركابكم) بل هو أقرب من حبل الوريد فهو بحسب مناسبة المقام تمثيل وتقريب إلى فهم اللبيب والمعنى قرب التقريب وكناية عن كمال قربه إلى العبد (على كنز) أي عظيم (من كنوز الجنة) سمى هذه الكلمة الآتية كنزا لأنها كالكنز في نفاسته وصيانيه حدثنا من أعين الناس أو أنها من ذخائر الجنة أو من محصلات نفائس الجنة قال النووي المعنى أن قولها يحصل ثوابا نفيسا يدخر لصاحبه في الجنة (قال لا حول) أي لا حركة في الظاهر (ولا قوة) أي لا استطاعة في الباطن (إلا بالله) أو لا تحويل عن شئ ولا قوة على شئ إلا بمشيئته وقوته وقيل الحول الحيلة إذ لا دفع ولا منع إلا بالله وقال النووي هي كلمة استسلام وتفويض وأن العبد لا يملك من أمره شيئا وليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى انتهى قال القاري والأحسن ما ورد فيه عن ابن مسعود قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلتها فقال تدري ما تفسيرها قلت الله ورسوله أعلم قال لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله أخرجه البزار ولعل تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالطاعة والمعصية لأنهما أمران مهمان في الدين (وهم يتصعدون في ثنية) هو الطريق في الجبل (يا عبد الله بن قيس) اسم أبي موسى الأشعري (أربعوا) بفتح الباء (على أنفسكم) أي أرفقوا بها وأمسكوا عن الجهر الذي يضركم ذكره
[ 272 ]
في المرقاة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه مختصرا ومطولا (أنه سمع أبا سعيد الخدري) قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي عبد الله بن زيد عن أبي سعيد أتم منه (من صلى علي) صلاة (واحدة فصلى الله عليه عشرا) قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وفي حديثهم صلى الله عليه عشرا انتهى (فإن صلاتكم معروضة علي) قال المناوي أي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة وإنما خص يوم الجمعة لأن يوم الجمعة سيد الأيام والمصطفى سيد الأنام فللصلاة عليه فيه مزية ليست لغيره (وقد أرمت) على وزن ضربت قال في النهاية قال الحربي هكذا يرويه المحدثون ولا أعرف وجهه والصواب أرمت فتكون التاء لتأنيث العظام أو رممت أي صرت رميما وقال غيره إنما هو أرمت بوزن ضربت وأصله أرممت أي بليت بتشديد التاء على أنه أدغم إحدى الميمين في التاء وهذا قول ساقط لأن الميم لا تدغم
[ 273 ]
في التاء أبدا وقيل يجوز أن يكون أرمت بضم الهمزة بوزن أمرت من قولهم أرمت الإبل تأرم إذا تناولت العلف وقلعته من الأرض (قلت) أصل هذه الكلمة من رم الميت وأرم إذا بلي والرمة العظم البالي والفعل الماضي من أرمم ابن للمتكلم والمخاطب أرممت وأرممت قوله بإظهار التضعيف وكذلك كل فعل مضعف فإنه يظهر فيه التضعيف معهما تقول في شدد شددت وفي أعد أعددت وإنما ظهر التضعيف لأن تاء المتكلم والمخاطب متحركة ولا يكون ما قبلهما إلا ساكنا فإذا سكن ما قبلها
[ 274 ]
وهي الميم الثانية التقى ساكنان فإن الميم الأولى سكنت لأجل الإدغام ولا يمكن الجمع بين ساكنين ولا يجوز تحريك الثاني لأنه وجب سكونه لأجل تاء المتكلم والمخاطب فلم يبق إلا تحريك الأول وحيث حرك ظهر التضعيف والذي جاء في هذا الحديث بالإدغام وحيث لم يظهر التضعيف فيه على ما جاء في الرواية احتاجوا أن يشددوا التاء ليكون ما قبلها ساكنا حيث تعذر تحريك الميم الثانية أو يتركوا القياس في التزام ما قبل تاء المتكلم والمخاطب فإن صحت الرواية ولم تكن محرفة فلا يمكن تخريجه إلا على لغة بعض العرب فإن الخليل زعم أن ناسا من بكر بن وائل يقولون ردت ورددت وأردون له وأمررن ذلك قال كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول التاء والنون فيكون لفظ الحديث أرمت بتشديد الميم وفتح التاء والله أعلم انتهى كلامه قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وله علة وقد جمعت طرقه في جزء مفرد انتهى باب النهي أن يدعو الإنسان على أهله وماله (أبو حزرة) بفتح الحاء المهملة ثم زاء معجمة ساكنة ثم راء مهملة (لا تدعوا) أي دعاء
[ 275 ]
سوء (على أنفسكم) أي بالهلاك ومثله (ولا تدعوا على أولادكم) أي بالعمى ونحوه (ولا تدعوا على أموالكم) أي من العبيد والإماء بالموت وغيره (لا توافقوا) نهي للداعي وعلة النهي أي لا تدعوا على من ذكر لئلا توافقوا (من الله ساعة نيل) أي عطاء (فيها عطاء فيستجيب لكم) أي لئلا تصادفوا ساعة إجابة ونيل فتستجاب دعوتكم السوء ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه مسلم في أثناء حديث جابر الطويل وليس فيه ذكر الخدم باب الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم (للنبي صلى الله عليه وسلم صل علي) قال ابن الملك الصلاة بمعنى الدعاء والتبرك قيل يجوز على غير النبي قال الله تعالى في معطي الزكاة وصل عليهم وأما الصلاة التي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها بمعنى التعظيم والتكريم فهي خاصة له انتهى وقد أطال الكلام في هذه المسألة القاضي عياض في الشفاء والخفاجي في شرحه فليرجع إليه والله أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي مختصرا وأشار إلى هذا الفصل وأخرجه النسائي باب الدعاء بظهر الغيب (إذا دعا الرجل لأخيه) أي المؤمن (بظهر الغيب) الظهر مقحم للتأكيد أي في غيبة
[ 276 ]
المدعو له عنه وإن كان حاضرا معه بأن دعاله بقلبه حينئذ أو بلسانه ولم يسمعه (قالت الملائكة آمين) أي استجب له يا رب دعاءه لأخيه فقوله (ولك) فيه التفات أو استجاب الله دعاءك في حق أخيك ولك (بمثل) بكسر الميم وسكون المثلثة وتنوين اللام أي أعطى الله لك بمثل ما سألت لأخيك قال الطيبي الباء زائدة في المبتدأ كما في بحسبك درهم وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة ليدعو له الملك بمثلها فيكون أعون للاستجابة قال المنذري وأخرجه مسلم بنحوه وأم الدرداء هذه هي الصغرى تابعية واسمها هجيمة ويقال جهيمة ويقال جمانة والكبرى اسمها خيرة لها صحبة وليس لها في الكتابين حديث وذكر خلف الواسطي في تعليقه هذا الحديث في مسند أم الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لظاهر رآه في صحيح مسلم وقد ذكر مسلم قبل ذلك وبعده على أنه من روايتها عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نبه على هذا غير واحد من الحفاظ رضي الله عنهم والله أعلم (إن أسرع الدعاء إجابة) تميز (دعوة غائب لغائب) لخلوصه وصدق النية وبعده عن الرياء والسمعة قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والإفريقي يضعف في الحديث وهو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي (ثلاث دعوات) مبتدأ خبره (مستجابات لا شك فيهن) أي في استجابتهن وهو آكد من حديث ثلاثة لا ترد دعوتهم وإنما آكد به لالتجاء إلى هؤلاء الثلاثة إلى الله تعالى بصدق الطلب ورقة القلب وانكسار الخاطر (دعوة الوالد) أي لولده أو عليه ولم يذكر الوالدة لأن حقها أكثر فدعاؤها أولى بالإجابة (ودعوة المسافر) يحتمل أن تكون دعوته لمن أحسن إليه وبالشر لمن أذاه وأساء إليه لادعائه لا يخلو عن الرقة (ودعوة المظلوم) أي لمن يعينه وينصره أو يسليه
[ 277 ]
ويهون عليه أو على من ظلمه بأي نوع من أنواع الظلم كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي وأبو جعفر الذي روى عن أبي هريرة يقال له أبو جعفر المؤذن ولا نعرف اسمه وقد روى عنه يحيى بن كثير غير حديث وأخرجه في موضع آخر وقال هذا حديث حسن باب ما يقول الرجل إذا خاف (اللهم إنا نجعلك في نحورهم) يقال جعلت فلانا في نحر العدو أي قبالته وحذاءه ليقاتل منك ويحول بينك وبينه وخص النحر بالذكر لأن العدو به يستقبل عند المناهضة للقتال والمعنى نسألك أن تصد صدورهم وتدفع شرورهم وتكفينا أمورهم وتحول بيننا وبينهم قال المنذري وأخرجه النسائي باب الاستخارة (يعلمنا الاستخارة) أي طلب تيسر الخير في الأمرين من الفعل أو الترك من الخير وهو ضد الشر في الأمور التي نريد الإقدام عليها مباحة كانت أو عبادة لكن بالنسبة إلى إيقاع العبادة في وقتها وكيفيتها لا بالنسبة إلى أصل فعلها كما جاء في رواية البخاري (كما يعلمنا السورة من القرآن) وهذا يدل على شدة الاعتناء بهذا الدعاء (يقول) بدل أو حال (إذا هم) أي قصد
[ 278 ]
(أحدكم بالأمر) أي من نكاح أو سفر أو غيرهما مما يريد فعله أو تركه قال ابن أبي جمرة الوارد على القلب على مراتب الهمة ثم اللمة ثم الخطرة ثم النية ثم الإرادة ثم العزيمة فالثلاثة الأول لا يؤاخذ بها بخلاف الثلاث الأخيرة فقوله إذا هم يشير إلى أنه أول ما يرد على القلب فيستخير فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده وقويت عزيمته فيه فإنه يصير إليه ميل وحب فيخشى أن يخفى عليه وجه الأرشدية لغلبة ميله إليه قال ويحتمل أن يكون المراد بالهم العزيمة لأن الخواطر لا تثبت فلا يستخير إلا على ما يقصد التصميم على فعله وإلا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به فتضيع عليه أوقاته ووقع في حديث ابن مسعود بلفظ إذا أراد أحدكم أمرا رواه الطبراني وصححه الحاكم (فليركع) أي ليصل أمر ندب (ركعتين) بنية الاستخارة وهما أقل ما يحصل به المقصود يقرأ في الأولى الكافرون وفي الثانية الإخلاص (من غير الفريضة) بيان للأكمل ونظيره تحية المسجد وشكر الوضوء قال ميرك فيه إشارة إلى أنه لا تجزئ الفريضة وما عين وقتا فتجوز في جميع الأوقات وإليه ذهب جمع والأكثرون على أنها في غير الأوقات المكروهة (وليقل) أي بعد الصلاة (اللهم أني أستخيرك) أي أطلب أصلح الأمرين (بعلمك) أي بسبب علمك والمعنى أطلب منك أن تشرح صدري لخير الأمرين بسبب علمك بكيفيات الأمور كلها قال الطيبي الباء فيه وفقوله (وأستقدرك بقدرتك) إما للاستعانة كما في قوله تعالى بسم الله مجريها ومرساها أي أطلب خيرك مستعينا بعلمك فإني لا أعلم فيم خيرك وأطلب منك القدرة فإنه لا حول ولا قوة إلا بك وإما للاستعطاف أي بحق علمك الشامل وقدرتك الكاملة (وأسألك من فضلك العظيم) أي تعيين الخير وتبيينه وإعطاء القدرة لي عليه (فإنك تقدر) بالقدرة الكاملة على كل شئ ممكن تعلقت به إرادتك (ولا أقدر) على شئ إلا بقدرتك وحولك وقوتك (وتعلم) بالعلم المحيط بجميع الأشياء خيرها وشرها (ولا أعلم) شيئا منها إلا بإعلامك وإلهامك (اللهم فإن كنت تعلم) أي إن كان في علمك (أن هذا الأمر) أي الذي يريده (يسميه) أي يسمي ذلك الأمر وينطق بحاجته ويتكلم بمراده (بعينه) أي بعين ذلك الأمر الذي يريد به المستخير وهذه الجملة صفة قوله هذا الأمر وقوله يسميه بعينه جملة مستأنفة (خير لي) أي الأمر الذي عزمت عليه أصلح (في ديني) أي فيما يتعلق بديني أولا وآخرا (ومعاشي) في
[ 279 ]
الصحاح العيش الحياة وقد عاش الرجل معاشا ومعيشا وكل واحد منهما يصلح أن يكون مصدرا وأن يكون اسما مثل معاب ومعيب ولفظ الطبراني في الأوسط من حديث ابن مسعود في ديني وفي دنياي وعنده في الكبير عن أبي أيوب في دنياي وآخرتي (ومعادي) أي ما يعود إليه يوم القيامة وهو إما مصدر أو ظرف (وعاقبة أمري) الظاهر أنه بدل من قوله ديني (فاقدره) بضم الدال وبكسر (لي) أي اجعله مقدورا لي أو هيئه وأنجزه أبو لي قال في النهاية القدر عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمر وهو مصدر قدر يقدر قدرا وقد تسكن داله ومنه ليلة القدر التي تقدر فيها الأرزاق وتقضى ومنه حديث الاستخارة فاقدره لي قال ميرك روي بضم الدال وكسرها ومعناه أدخله تحت قدرتي ويكون قوله (ويسره لي) طلب التيسير بعد التقرير وقيل المراد من التقدير التيسير فيكون ويسره عطفا تفسيريا (وبارك لي فيه) أي أكثر الخير والبركة فيما أقدرتني عليه ويسرته لي (مثل الأول) أي يقول ما قال في الأول من قوله في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري (فاصرفني عنه) أي اصرف خاطري عنه حتى لا يكون سبب اشتغال البال (واصرفه عني) أي لا تقدرني عليه (واقدر لي الخير) أي يسره علي واجعله مقدورا لفعلي (حيث كأن) أي الخير من زمان أو مكان وفي رواية النسائي حيث كنت وفي رواية البزار وإن كان غير ذلك خيرا فوفقني للخير حيث كان وفي رواية ابن حبان وإن كان غير ذلك خيرا لي فاقدر لي الخير حيثما كان وفي رواية له أينما كان لا حول ولا قوة إلا بالله (ثم رضي) من الترضية وهو جعل الشخص راضيا وأرضيت ورضيت بالتشديد بمعنى (به) أي بالخير وفي رواية النسائي بقضائك قال ابن الملك أي اجعلني راضيا بخيرك المقدور لأنه ربما قدر له ما هو خير له فرآه شرا (أو قال في عاجل أمري وآجله) قال في المرقاة الظاهر أنه بدل من قوله في ديني إلخ وقال الجزري في مفتاح الحصن أو في الموضعين للتخيير أي أنت مخير إن شئت قلت عاجل أمري وآجله أو قلت معاشي وعاقبة أمري قال الطيبي الظاهر أنه شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله وإليه ذهب القوم حيث قالوا هي على أربعة أقسام خير في دينه دون دنياه وخير في دنياه فقط وخير في العاجل دون الآجل وبالعكس وهو أولى والجمع أفضل ويحتمل أن يكون الشك في أنه صلى الله عليه وسلم قال في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال بدل الألفاظ
[ 280 ]
الثلاثة في عاجل أمري وآجله ولفظ في المعادة في قوله في عاجل أمري ربما يؤكد هذا وعاجل الأمر يشمل الديني والدنيوي والآجل يشملهما والعاقبة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه باب في الاستعاذة (من الجبن) قال الشوكاني بضم الجيم وسكون الباء وتضم المهابة للأشياء والتأخر عن فعلها وإنما تعوذ منه صلى الله عليه وآله وسلم لأنه يؤدي إلى عدم الوفاء بفرض الجهاد والصدع بالحق وإنكار المنكر ويجر إلى الإخلال بكثير من الواجبات (والبخل) بضم الباء الموحدة وإسكان الخاء المعجمة وبفتحهما وبضمهما وبفتح الباء وإسكان الخاء ضد الكرم ذكر معنى ذلك في القاموس وقد قيده بعضهم في الحديث بمنع ما يجب إخراجه من المال شرعا أو عادة ولا وجه له لأن البخل بما ليس بواجب من غرائر النقص المضادة للكمال فالتعوذ منها حسن بلا شك فأولى تبقية الحديث على عمومه وترك التعرض لتقييده بما لا دليل عليه (وسوء العمر) هو البلوغ إلى حد في الهرم يعود معه كالطفل في سخف العقل وقلة الفهم وضعف القوة (وفتنة الصدر) قال ابن الجوزي في جامع المسانيد هي أن يموت غير تائب وقال الأشرفي في شرح المصابيح قيل هي موته وفساده وقيل ما ينطوي عليه الصدر من غل وحسد وخلق سيئ وعقيدة غير مرضية وقال الطيبي هو الضيق المشار إليه بقوله تعالى ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا (وعذاب القبر) فيه رد على المنكرين لذلك من المعتزلة والأحاديث في هذا الباب متواترة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (المعتمر) هو ابن سليمان التيمي (إني أعوذ بك) أي ألتجئ إليك (من العجز) هو ضد القدرة (والكسل) أي التثاقل عن الأمر المحمود (والجبن) هو ضد الشجاعة وهو الخوف عند
[ 281 ]
القتال (والبخل) وهو ترك أداء الواجبات المالية (والهرم) أي أرذل العمل (وأعوذ بك من عذاب القبر) فيه إثبات لعذاب القبر وتعليم للأمة لأن الأنبياء لا يعذبون (من فتنة المحيا والممات) تعميم بعد تخصيص قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (قال سعيد) بن منصور (الزهري) هذه صفة يعقوب بن عبد الرحمن (من الهم والحزن) بضم الحاء وسكون الزاي وبفتحهما قال الطيبي لهم في المتوقع والحزن فيما فات (وظلع الدين) بالظاء المعجمة بفتحتين في أكثر النسخ أي الضعف لحق بسبب الدين وفي بعضها بالضاد المعجمة بفتحتين وتسكين اللام وذكره في النهاية في ضلع أي ثقله وشدته وذلك حين لا يجد من عليه الدين وفاءه لا سيما مع المطالبة وقال بعض السلف ما دخل هم الدين قلبا إلا أذهب من العقل ما لا يعود إليه (وغلبة الرجال) أي قهرهم وشدة تسلطهم عليه والمراد بالرجال الظلمة أو الدائنون واسعتاذ) عليه الصلاة والسلام من أن يغلبه الرجال لما في ذلك من الوهن في النفس كذا في المرقاة (ما ذكره التيمي) هو معتمر بن سليمان التيمي قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي (كان يعلمهم) أي أصحابه أو أهل بيته (هذا الدعاء) الذي يأتي قال النووي ذهب طاؤس إلى وجوبه وأمر ابنه بإعادة الصلاة حين لم يدع بهذا الدعاء فيها والجمهور على أنه مستحب (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم) في إشارة إلى أنه لا مخلص من عذابها إلا بالالتجاء إلى بارئها (من فتنة المسيح الدجال) أي على تقدير لقيه (وأعوذ بك من فتنة المحيا
[ 282 ]
والممات) تعميم بعد تخصيص وكرر أعوذ في كل واحدة إظهارا لعظم موقعها وأنها حقيقة بإعاذة عبد مستقلة قاله القاري قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي والترمذي (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار) أي فتنة تؤدي إلى النار لئلا يتكرر ويحتمل أن يراد بفتنة النار سؤاالخزنة على سبيل التوبيخ وإليه الإشارة بقوله تعالى كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير (وعذاب النار) أي من أن أكون من أهل النار وهم الكفار فإنهم هم المعذبون وأما الموحدون فإنهم مؤدبون ومهذبون بالنار لا معذبون بها (ومن شر الغنى) وهو البطر والطغيان وتحصيل المال من الحرام وصرفه في العصيان والتفرخر عليه بالمال والجاه (والفقر) هو الحسد على الأغنياء والطمع في أموالهم والتذلل بما يدنس العرض ويثلم الدين وعدم الرضا بما قسم الله له وغير ذلك مما لا تحمد عاقبته وقيل الفتنة هنا الابتلاء والامتحان أي من بلاء الغنى وبلاء الفقر أي من الغنى والفقر الذي يكون بلاء ومشقة ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه أتم منه (اللهم إني أعوذ بك من الفقر) أي من قلب حريص على جمع المال أو من الذي يفضي بصاحبه إلى كفران النعمة في المال ونسيان ذكر المنعم المتعال وقال الطيبي أراد فقر النفس أعني الشره الذي يقابل غنى النفس الذي هو قناعتها (والقلة) القلة في أبواب البر وخصال الخير لأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤثر الإقلال في الدنيا ويكره الاستكثار من الأعراض الفانية (والذلة) أي من أن أكون ذليلا في أعين الناس بحيث يستخفونه ويحقرون شأنه والأظهر أن المراد بها الذلة الحاصلة من المعصية أو التذلل للأغنياء على وجه المسكنة والمراد بهذه الأدعية تعليم الأمة قال الطيبي أصل الفقر كسر فقار الظهر والفقر يستعمل على أربعة أوجه الأول وجود الحالة الضرورية وذلك عام للإنسان ما دام في الدنيا بل عام في الموجودات كلها وعليه قوله تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والثاني عدم المقتنيات وهو المذكور في قوله تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله وإنما الصدقات
[ 283 ]
للفقراء والثالث فقر النفس وهو المقابل بقوله الغنى غني النفس والمعنى بقولهم من عدم القناعة لم يفده المال غنى الرابع الفقر إلى الله المشار إليه بقوله اللهم اغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك وإياه عنى تعالى بقوله رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير والمستعاذ منه في الحديث هو القسم الثالث وإنما استعاذ من الفقر الذي هو فقر النفس لا قلة المال (من أن أظلم أو أظلم) معلوم ومجهول والظلم وضع الشئ في غير موضعه أو التعدي في حق غيره قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث جعفر بن عياض عن أبي هريرة (من زوال نعمتك) أي نعمة الإسلام والإيمان ومنحة الإحسان والعرفان (وتحول عافيتك) بضم الواو المشددة أي انتقالها من السمع والبصر وسائر الأعضاء فإن قلت ما الفرق بين الزوال والتحول قلت الزوال يقال في شئ كان ثابتا في شئ ثم فارقه والتحول تغير الشئ وانفصاله عن غيره فمعنى زوال النعمة ذهابها من غير بدل وتحول العافية إبدال الصحة بالمرض والغنى بالفقر وفي بعض نسخ الكتاب وتحويل عافيتك من باب التفعيل فيكون من باب إضافة المصدر إلى مفعوله (وفجأة نقمتك) بضم الفاء والمد وفي نسخه بفتح الفاء وسكون الجيم بمعنى البغتة والنقمة بكسر النون وبفتح مع سكون القاف وكفرحة المكافأة بالعقوبة والانتقام بالغضب والعذاب وخصها بالذكر لأنها أشد (وجميع سخطك) أي ما يؤدي إليه أو جميع آثار غضبك قال المنذري وأخرجه مسلم (دويد بن نافع) بدالين مهملتين مصغرا وقيل أوله معجمة كذا في التقريب (أعوذ
[ 284 ]
بك من الشقاق) أي من مخالفة الحق ومنه قوله تعالى بل الذين كفروا في عزة وشقاق (والنفاق) أي إظهار الإسلام وإبطال الكفر وقال الطيبي أن تظهر لصاحبك خلاف ما تضمره وقيل النفاق في العمل بكثرة كذبه وخيانة أمانته وخلف وعده الفجور في مخاصمته (وسوء الأخلاق) من عطف العام على الخاص وفيه إشعار بأن المذكورين أولا أعظم الأخلاق السيئة لأنه يسري ضررهما إلى الغير ذكره الطيبي قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده بقية بن الوليد ودويد بن نافع وفيهما مقال (اللهم إني أعوذ بك من الجوع) أي الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة من الغذاء ويؤدي تارة إلى المرض وتارة إلى الموت (فإنه بئس الضجيع) أي المضاجع وهو ما يلازم صاحبه في المضجع كذا في المرقاة وقال السندي والضجيع أبي بفتح فكسر من ينام في فراشك أي بئس الصاحب الجوع الذي يمنعك من وظائف العبادات كالسجود والركوع وقال الطيبي رحمه الله الجوع يضعف القوى ويشوش الدماغ فيثير أفكارا ردية وخيالات فاسدة فيخل بوظائف العبادات والمراقبات ولذلك خص بالضجيع الذي يلازمه ليلا ومن ثم حرم الوصال وقد يستدل بهذا الحديث لما قيل من أن الجوع المجرد لا ثواب فيه (وأعوذ بك الخيانة) وهي ضد الأمانة قال الطيبي هي مخالفة الحق بنقض العهد في السر والأظهر أنها شاملة لجميع التكاليف الشرعية كما يدل عليه قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة الآية وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم شامل لجميعها (فإنها بئست البطانة) أي الخصلة الباطنة هي ضد الطهارة وأصلها في الثوب فاستعير لما يستبطنه الإنسان من أمره ويجعله بطانة حاله قال في المغرب بطانة الشئ أهله أو خاصته مستعارة من بطانة الثوب قاله في المرقاة قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده محمد بن عجلان وفيه مقال
[ 285 ]
(اللهم إني أعوذ بك من الأربع) وهو إجمال وتفصيله قوله الآتي (من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع إلخ) أي لا يستجاب ولا يعتد به فكأنه غير مسموع يقال اسمع دعائي أي أجب لأن الغرض من السماع هو الإجابة والقبول قال أبو طالب المكي قد استعاذ من نوع من العلوم كما استعاذ من الشرك والنفاق وسوء الأخلاق والعلم الذي لم يقترن به التقوى فهو باب من أبواب الدنيا ونوع من أنواع الهوى وقال الطيبي اعلم أن في كل من القرائن الأربع ما يشعر بأن وجوده مبني على غايته وأن الغرض منه تلك الغاية وذلك أن تحصيل العلوم إنما هو للانتفاع بها فإذا لم ينتفع به لم يخلص منه كفافا بل يكون وبالا ولذلك استعاذ وإن القلب إنما خلق لأن يتخشع لبارئه وينشرح لذلك الصدر ويقذف النور فيه فإذا لم يكن كذلك كان قاسيا فيجب أن يستعاذ منه قال تعالى فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله وإن النفس يعتد بها إذا تجافت عن دار الغرور وأنابت إلى دار الخلود وهي إذا كانت منهومة لا تشبع حريصة على الدنيا كانت أعدى عدو المرء فأولى الشئ الذي يستعاذ منه هي أي النفس وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه وعمله ولم يخشع قلبه ولم تشبع نفسه ذكره علي القاري قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم عن رسول الله بنحوه أتم منه وأخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله وقال حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه انتهى كلام المنذري (قال أبو المعتمر) قال المنذري أبو المعتمر هو سليمان بن طرخان التيمي والد المعتمر بن سليمان وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه غير أنه لم يجزم بسماعه عن أنس بن مالك
[ 286 ]
(من شر ما عملت) أي فعلت قال الطيبي أي من شر عمل يحتاج فيه إلى العفو والغفران (ومن شر ما لم أعمل) استعاذ من شر أن يعمل في المستقبل ما لا يرضاه بأن يحفظه منه أو من شر أن يصير معجببنفسه في ترك القبائح فإنه يجب أن يرى ذلك من فضل ربه أو لئلا يصيبه شر عمل غيره قال تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ويحتمل أنه استعاذ من أن يكون ممن يحب أن يحمد بما لم يفعل كذا في المرقاة قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (المعنى) واحد وأحمد ووكيع كلاهما يرويان عن سعد بن أوس (عن شتير) تصغير شتر (بن شكل) بفتحتين (عن أبيه) أي شكل وهو صحابي ولم يرو عنه غير ابنه (في حديث أبي أحمد) هو محمد بن عبد الله بن الزبير المذكور (من شر سمعي) حتى لا أسمع به ما تكرهه (ومن شر بصري) حتى لا أرى شيئا لا ترضاه (ومن شر لساني) حتى لا أتكلم بما لا يعنيني (ومن شر قلبي) حتى لا أعتقد اعتقادا فاسدا ولا يكون فيه نحو حقد وحسد وتصميم فعل مذموم أبدا (ومن شر منيي) وهو أن يغلب المني عليه حتى يقع في الزنا أو مقدماته يعني من شر فرجه وغلبة المني علي حتى لا أقع في الزنا والنظر إلى المحارم وقيل هو جمع المنية بفتح الميم أي من شر الموت أي قبض روحه على عمل قبيح قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه هذا آخر كلامه وشكل بن حميد العبسي له صحبة سكن الكوفة لم يرو عنه غير ابنه شتير بن شكل وذكر له ابن القاسم البغوي هذا الحديث وقال ولا أعلم له غيره
[ 287 ]
وشتير بضم الشين المعجمة وفتح التاء ثالث الحروف وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة وشكل بفتح الشين وبعدها كاف مفتوحة أيضا ولام (صيفي) بن زياد هو مولى أفلح وأفلح هو مخضرم مولى أبي أيوب (عن أبي اليسر) بفتح التحتية والسين المهملة (من الهدم) بسكون الدال وهو سقوط البناء ووقوعه على الشئ وروي بالفتح وهو اسم ما انهدم منه ذكره الطيبي (من التردي) أي السقوط من مكان عال كالجبل والسطح أو الوقوع في مكان سافل كالبئر (من الغرق) بفتحتين مصدر غرق في الماء (والحرق) بالتحريك أيضا أي بالنار وإنما استعاذ من الهلاك بهذه الأسباب مع ما فيه من نيل الشهادة لأنها محن مجهدة مقلقة لا يكاد الإنسان يصبر عليها ويثبت عندها (والهرم) أي سوء الكبر المعبر عنه بالخرف (وأرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا (أن يتخبطني الشيطان) أي إبليس أو أحد أعوانه قيل التخبط الإفساد والمراد إفساد العقل والدين وتخصيصه بقوله (عند الموت) لأن المدار على الخاتمة وقال القاضي أي من أن يمسني الشيطان بنزعاته التي تزل الأقدام وتصارع ما العقول والأوهام وأصل التخبط أن يضرب البعير الشئ بخف يده فيسقط قال الخطابي استعاذته عليه السلام من تخبط الشيطان عند الموت هو أن يستولي عليه الشيطان عند مفارقته الدنيا فيضله ويحول بينه وبين التوبة أو يعوقه عن إصلاح شأنه والخروج من مظلمة تكون قبله أو يؤسه لا من رحمة الله تعالى أو يكره الموت ويتأسف على حياة الدنيا فلا يرضى بما قضاه الله من الفناء والنقلة إلى دار الآخرة فيختم له بسوء ويلقى الله وهو ساخط عليه وقد روي أن الشيطان لا يكون في حال أشد على ابن ادم منه في حال الموت يقول لأعوانه دونكم هذا فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه بعد اليوم نعوذ بالله من شره ونسأله أن يبارك لنا في ذلك المصرع وأن يختم لنا ولكافة المسلمين وأن يجعل خير أيامنا لقائه انتهى (أن أموت في سبيلك مدبرا) أي مرتدا أو مدبرا عن ذكرك ومقبلا على غيرك وقال الطيبي أي فارا وتبعه ابن حجر المكي وقال إدبارا محرما أو مطلقا قيل إن ذلك من باب تعليم الأمة وإلا فرسول الله لا يجوز عليه التخبط والفرار من الزحف وغير ذلك من الأمراض المزمنة (أن أموت لديغا) فعيل بمعنى مفعول من اللدغ وهو يستعمل في ذوات السم من العقرب والحية
[ 288 ]
ونحوهما وقيد بالموت من اللدغ فلا ينافيه ما رواه الطبراني في الصغير عن علي أنه لدغت النبي عقرب وهو يصلي فلما فرغ قال لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره ثم دعا بماء وملح فجعل يمسح عليها أي على موضع لدغها ويقرأ قل يا أيها الكافرون وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس قال المنذري وأخرجه النسائي وأبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري السلمي له صحبة وهو بفتح الياء آخر الحروف وبعدها سين مهملة مفتوحة وراء مهملة (مولى لأبي أيوب) هو صيفي مولى أفلح وإسناد مولى إلى أبي أيوب على سبيل المجاز لأن الصيفي مولى أفلح لا مولى أبي أيوب وإنما مولى أبي أيوب هو أفلح كما في كتب الرجال لكن هذا يخالف ما في رواية النسائي فإنه روى من طريق الفضل بن موسى ومحمد بن جعفر كلاهما عن عبد الله بن سعيد بلفظ عن صيفي مولى أبي كذا في غاية المقصود (من البرص) بفتحتين بياض يحدث في الأعضاء (والجنون) أي زوال العقل الذي هو منشأ الخيرات (والجذام) بضم الجيم علة يذهب معها شعور الأعضاء وفي القاموس الجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء وهيئاتها وربما انتهى إلى تآكل الأعضاء وسقوطها عن تقرح (وسيئ الأسقام) كالسل والاستسقاء والمرض المزمن الطويل وهو تعميم بعد تخصيص قال الطيبي وإنما لم يتعوذ من الأسقام مطلقا فإن بعضها مما يخف مؤنته وتكثر مثوبته عند الصبر عليه مع عدم إزمانه كالحمى والصداع والرمد وإنما استعاذ من السقم المزمن فينتهي بصاحبه إلى حالة يفر منها الحميم ويقل دونها المؤانس والمداوي مع ما يورث من الشين قال المنذري وأخرجه النسائي (الغداني) بضم الغين المعجمة وخفة الدال المهملة نسبة إلى غدانة ابن يربوع (قال) أي
[ 289 ]
أبو أمامة (هموم) جمع الهم وحذف الخبر لدلالة قوله (لزمتني) عليه (أو ديون) عطف على هموم أي وديون لزمتني فلزمتني صفة للنكرة متخصصة أن له وقال الطيبي أقول هموم لزمتني مبتدأ وخبر كما في قولهم شراهر على ذا ناب أي هموم عظيمة لا يقادر قدرها وديون جمة نهضتني وأثقلتني الله انتهى (قال أفلا أعلمك) عطف على محذوف أي ألا أرشدك فلا أعلمك وأصله فألا أعلمك ثم قدمت الهمزة لأن لها صدر الكلام وهو أظهر لبعده عن التكلف فإنه لا يبقى للفاء فائدة (كلاما) أي دعاء (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت) يحتمل أن يراد بهما الوقتان وأن يراد بهما الدوام كقوله تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا (من الهم والحزن) بضم الحاء وسكون الزاء وبفتحهما قال الطيبي الهم في المتوقع والحزن فيما فات (من العجز) هو ضد القدرة وأصله التأخر عن الشئ مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشئ ثم استعمل في مقابله في مقابلة القدرة واشتهر فيها والمراد هنا العجز عن أداء الطاعة وعن تحمل المصيبة (والكسل) أي التثاقل عن الأمر المحمود مع وجود القدرة عليه (من الجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة ضد الشجاعة وهو الخوف عند القتال ومنه عدم الجراءة عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (من غلبة الدين) أي كثرته وثقله (وقهر الرجال) أي غلبتهم (قال) أي الرجل أو أبو سعيد (ففعلت ذلك) أي ما ذكر من الدعاء عند الصباح والمساء (فأذهب الله همي) أي حزني (وقضى عني ديني) قاله علي القاري قال المنذري في إسناده غسان بن عوف وهو بصري وقد ضعف
[ 290 ]
باب الزكاة اختلف في أول وقت فرض الزكاة فذهب الأكثر إلى أنه وقع بعد الهجرة فقيل كان في السنة الثانية قبل فرض رمضان كما قاله النووي في الروضة وجزم ابن الأثير في التاريخ بأن ذلك كان في التاسعة قال الحافظ وفيه نظر فقد ثبت في حديث ضمام بن ثعلبة الذي أخرجه البخاري وغيره وفي حديث وفد عبد القيس وفي عدة أحاديث ذكر الزكاة وأطال الكلام في ذلك الحافظ في الفتح (لما توفي) على بناء المفعول أي مات (واستخلف أبو بكر) بصيغة المفعول على الصحيح أجعله خليفة (بعده) أي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (وكفر من كفر) أي منع الزكاة وعامل معاملة من كفر أو ارتد نكاره افتراض الزكاة (من العرب) قال الطيبي يريد غطفان وفزارة وبني سليم وغيرهم منعوا الزكاة فأراد أبو بكر أن يقاتلهم فاعترض عمر رضي الله عنه بقوله الآتي وقال (كيف تقاتل الناس) أي الذي يمنع الزكاة من المسلمين وأهل الإيمان (أن أقاتل الناس) المراد به المشركون وأهل الأوثان (فمن قال لا إله إلا الله) يعني كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للإجماع على أنه لا يعقد الإسلام بتلك وحدها (عصم) بفتح الصاد أي حفظ ومنع (مني) أي من تعرضي أنا ومن اتبعني (إلا بحقه) أي بحق الإسلام قال الطيبي أي
[ 291 ]
لا يحل لأحد أن يتعرض لماله ونفسه بوجه من الوجوه إلا بحقه أي بحق هذا القول أو بحق أحد المذكورين (حسابه) أي جزاؤه ومحاسبته (على الله) بأنه مخلص أم لا قال الطيبي يعني من قال لا إله إلا الله وأظهر الإسلام نترك مقاتلته ولا نفتش باطنه هل هو مخلص أم منافق فإن ذلك مفوض إلى الله تعالى وحسابه عليه (فقال أبو بكر) جوابا وتأكيدا (من فرق) بالتشديد والتخفيف أي من قال بوجوب الصلاة دون الزكاة (فإن الزكاة حق الما) كما أن الصلاة حق النفس قاله الطيبي وقال غيره يعني الحق المذكور في قوله إبحقه أعم من المال وغيره قال الطيبي كأن عمر حمل قوله بحقه على غير الزكاة فلذلك صح استدلاله بالحديث فأجاب أبو بكر بأنه شامل للزكاة أيضا أو توهم عمر أن القتال للكفر فأجاب بأنه لمنع الزكاة لا للكفر ولذلك رجع عمر إلى أبي بكر وعلم أن فعله موافق للحديث وأنه قد وفق به من الله تعالى (عقالا) بكسر العين الحبل الذي يعقل به البعير وليس من الصدقة فلا يحل له القتال فقيل أراد المبالغة بأنهم لو منعوا من الصدقة ما يساوي هذا القدر يحل قتالهم فكيف إذا منعوا الزكاة كلها وقيل قد يطلق العقال على صدقة عام وهو المراد هاهنا كما سيجئ بيانه وفي رواية أخرى عناقا مكان عقالا (فوالله ما هو) أي الشأن أو سبب رجوعي إلرأي أبي بكر رضي الله عنه (إلا أن رأيت) أي علمت وأيقنت (شرح) أي فتح ووسولين (للقتال) معناه علمت أنه جازم بالقتال لما ألقى الله سبحانه وتعالى في قلبه من الطمأنية لذلك واستصوابه ذلك (فعرفت أنه) أي رأى أبي بكر أو القتا (الحق) أي بما أظهر من الدليل وإقامة الحجة فعرفت بذلك أن ما ذهب إليه أنه الحق قال الخطابي إنه صلى الله عليه وسلم جعل آخر كلامه عند وفاته قوله الصلاة وما ملكت أيمانكم ليعقل أن فرض الزكاة قائم كفرض الصلاة وأن القائم بالصلاة هو القائم بأخذ الزكاة ولذلك قال أبو بكر والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة استدلالا بهذا مع سائر ما عقل من أنواع الأدلة على وجوبها وفي هذا الحديث حجة لمن ذهب إلى أن الكفار مخاطبون بالصلاة والزكاة وسائر العبادات وذلك لأنهم إذا كانوا مقاتلين على الصلاة والزكاة فقد عقل أنهم مخاطبون بها وفيه دليل على أن الردة لا تسقط عن المرتد الزكاة الواجبة في أمواله انتهى كلامه قال المنذري
[ 292 ]
وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (قال أبو عبيدة) من قوله قال أبو داود إلى قوله سنتين وجد في نسخه واحدة قال النووي اختلف العلماء قديما وحديثا فيها فذهب جماعة منهم إلى أن المراد بالعقال زكاة عام وهو معروف في اللغة بذلك وهو قول الكسائي والنضر بن شميل وأبي عبيد والمبرد وغيرهم من أهل اللغة وهو قول جماعة من الفقهاء واحتج هؤلاء على أن العقال يطلق على زكاة العام بقول عمرو بن العداء سعى عقالا فلم يترك لنا سيدا فكيف لو قد سعى عمرو عقالين أراد مدة عقال فنصبه على الظرف وعمرو هذا الساعي هو عمرو بن عقبة بن أبي سفيان ولاه عمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه صدقات كلب فقال فيه قائلهم ذلك قالوا ولأن العقال الذي هو الحبل الذي يعقل به البعير لا يجب دفعه في الزكاة فلا يجوز القتال عليه فلا يصح حمل الحديث عليه وذهب كثيرون من المحققين إلى أن المراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير وهذا القول يحكى عن مالك وابن أبي ذئب وغيرهما وهو اختيار صاحب التحرير وجماعة من حذاق المتأخرين انتهى (قال أبو داود رواه رباح بن زيد) القرشي (و عبد الرزاق عن معمر عن الزهري) ابن شهاب (بإسناده) أي بإسناد الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة لكن رواية معمر في سنن النسائي والدارقطني من غير هذه الطريق فلفظ النسائي حدثنا محمد بن بشار حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا عمران أبو العوام القطان حدثنا معمر عن الزهري عن أنس قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث قال أبو عبد الرحمن النسائي عمران القطان ليس بالقوي في الحديث وهذا الحديث خطأ والذي قبله الصواب حديث الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة وكذا قال الترمذي (قال بعضهم عقالا) يشبه أن يكون المعنى والله أعلم أن بعض شيوخ الزهري قال عقالا فالزهري روى عن بعض شيوخه عقالا وروى أيضا بلفظ
[ 293 ]
آخر ففي رواية رباح بن زيد وعبد الرزاق كلاهما عن معمر قال الزهري هكذا وأما في رواية أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله عن أبي هريرة فقال الزهري عناقا وهي عند البخاري في الزكاة وكذا في رواية يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيدالله عن أبي هريرة بلفظ عناقا وهي عند البخاري في استتابة المرتدين وهكذا روى عثمان بن سعيد والوليد وبقية كلهم عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عبيدالله عن أبي هريرة إلا الوليد فإنه روى عن شعيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بلفظ عناقا وهذه الروايات عند النسائي في كتاب المحاربة وتحريم الدم وكتاب الجهاد وأما قتيبة بن سعيد فروى عن الليث عن عقيل عن الزهري بالسند المذكور بلفظ عقالا وهي عند مسلم والترمذي في كتاب الأيمان وعند أبي داود والنسائي في كتاب الزكاة وأما عند البخاري في الاعتصام فعن قتيبة بهذا الإسناد بلفظ لو منعوني كذا وكذا ليس فيه ذكر العقال ولا العناق قال البخاري وقال لي ابن بكير وعبد الله عن الليث عن عقيل عناقا وهو أصح ورواه الناس عناقا وعقالا ههنا لا يجوز انتهى (ورواه ابن وهب) هو عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي عن الزهري (عناقا) كما روى عن الزهري جماعة (و) كذا (قال شعيب بن أبي حمزة ومعمر والزبيدي عن الزهري) بإسناده (عناقا) فرواية شعيب أخرجها البخاري في الزكاة وأيضا النسائي كما تقدمت ورواية الزبيدي أخرجها النسائي في الجهاد من طريق كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبيدالله عن أبي هريرة (و) كذا (روى) وفي بعض النسخ رواه (عنبسة عن يونس عن الزهري) بإسناده إلى أبي هريرة (عناقا) بفتح العين وبالنون وهي الأنثى من ولد المعز لم تبلغ سنة فإما هو على المبالغة أو مبنى على أن من عنده أربعين سخلة تجب عليه واحدة منها وأن حول الأمهات حول النتاج ولا يستأنف لها حول قاله السندي ويجئ بيانه مفصلا من كلام الخطابي والنووي والحاصل أنه روى يونس وشعيب ومعمر والزبيدي كلهم عن الزهري عناقا وأما
[ 294 ]
يونس فاختلف عليه قال عنبسة عن يونس عناقا وقال ابن وهب عن يونس عقالا ومرة قال ابن وهب عناقا كما قال الجماعة واعلم أن هذا الحديث رواه الزهري عن ثلاثة شيوخ عبيدالله بن عبد الله وسعيد ابن المسيب وأنس فحديث عبيدالله بن عبد الله أخرجه الأئمة الستة في كتبهم غير ابن ماجه وحديث سعيد بن المسيب عند النسائي وحديث أنس عند النسائي أيضا وقال هو خطأ ثم روى عن الزهري ثمانية أنفس شعيب بن أبي حمزة وعقيل ومعمر وعبد الرحمن بن خالد والزبيدي وسفيان بن عيينة وسفيان بن الحسين ويونس وكلهم قالوا عن الزهري عناقا غير يونس فإنه قال مرة عناقا ومرة قال عقالا وأما عقيل فروى عنه الليث بن سعد وروى عن الليث اثنان يحيى بن بكير وقتيبة بن سعيد فيحيى بن بكير قال عناقا كما قال الجماعة وقتيبة بن سعيد مرة قال عقالا ومرة قال لو منعوني كذا وكذا فيعلم عند التعمق أن أكثر الروات قالوا عناقا أما عقالا فما قال غير يونس في طبقة رواه الزهري وأما من بعدهم فما قال غير قتيبة ولذا قال الإمام البخاري في صحيحه قال لي ابن بكير وعبد الله عن الليث عن عقيل عناقا وهو أصح ورواه الناس عناقا وعقالا ههنا لا يجوز انتهى والأمر كما قال البخاري رضي الله عنه وقال النووي هكذا في صحيح مسلم عقالا وكذا في بعض روايات البخاري وفي بعضها عناقا وكلاهما صحيح وهو محمول على أنه كرر الكلام مرتين فقال في مرة عقالا وفي الأخرى عناقا فروي اللفظان فأما رواية العناق فهي محمولة على ما إذا كانت الغنم صغارا كلها بأن ماتت أمهاتها في بعض الحول فإذا حال حول الأمهات زكي السخال الصغار بحول الأمهات سواء بقي من الأمهات شئ أم لا هذا هو الصحيح المشهور وقال أبو القاسم الأنماطي لا تزكى الأولاد بحول الأمهات إلى أن يبقى من الأمهات نصاب وقال بعض الشافعية إلا أن يبقى من الأمهات شئ ويتصور ذلك أيضا فيما إذا مات معظم الكبار وحدثت صغار فحال حول الكبار على بقيتها وعلى الصغار انتهى وقال الإمام الخطابي وفي قوله لو منعوني عناقا دليل على وجوب الصدقة في السخال والفصلان والعجاجيل وأن واحدة منها تجزئ عن الواجب في الأربعين منها إذا كانت كلها صغارا ولا يكلف صاحبها مسنة وفيه دليل على أن النتاج حول الأمهات ولو كان يستأنف بها الحول لم يوجد السبيل إلى أخذ العناق انتهى كلامه كذا في غاية المقصود باختصار
[ 295 ]
باب ما تجب فيه الزكاة (سمعت أبا سعيد) قال الخطابي حديث أبي سعيد أصل في بيان مقادير ما يحتمل من الأموال المواساة وإيجاب الصدقة فيها وإسقاطها عن القليل الذي لا يحتملها لئلا يجحف بأرباب الأموال ولا يبخس الفقراء حقوقهم وجعلت هذه المقادير أصولا وأنصبة إذا بلغتها أنواع هذه الأموال وجب فيها الحق (ليس فيما دون خمس ذود) الذود بإعجام الأول وإهمال آخره قال الخطابي هو اسم لعدد من الإبل غير كثير ويقال ما بين الثلاث إلى العشر ولا واحد له من لفظه وإنما يقال للواحد بعير كما قيل للواحدة من النساء امرأة وقال أبو عبيد الذود من الإناث دون الذكور قال في النهاية والحديث عام لأن من ملك خمسا من الإبل وجبت عليه الزكاة ذكورا كانت أو إناثا وروى بالإضافة وروي بتنوين خمس فيكون ذود بدلا عنها لكن الرواية المشهورة هي الأولى (خمس أواق) كجوار جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد الياء ويقال لها الوقية بحذف الألف وفتح الواو وهي أربعون درهما وخسمة أواق مائتا درهم (خمسة أوسق) جمع وسق بفتح الواو وكسرها والوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث قال الداودي معياره الذي لا يختلف أربع حفنات وبكفي الرجل ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما قال صاحب القاموس جربت ذلك فوجدته صحيحا قال الخطابي وقد يستدل بهذا الحديث من يرى أن الصدقة لا تجب في شئ من الخضراوات لأنه يزعم أنها لا توسق ودليل الخبر أن الزكاة إنما تجب فيما يوسق ويكال من الحبوب والثمار دون مالا يكال من الفواكه والخضراوات ونحوها وعليه عامة أهل العلم قال وقد اختلف الناس فيما زاد من الورق على مائتي درهم فقال أكثر أهل العلم يخرج عما زاد على المائتي درهم بحسابه ربع العشر قلت الزيادة أو كثرت وروي ذلك عن علي وابن عمر وبه قال النخعي والثوري وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأبي عبيد وروي عن الحسن وعطاء وطاؤس والشعبي ومكحول والزهري أنهم قالوا لا شئ في الزيادة حتى
[ 296 ]
تبلغ أربعين درهما وبه قال أبو حنيفة انتهى كلامه (الجملي) بفتح الجيم والميم منسوب إلى جمل بن كنانة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه مختصرا (ستون مختوما) أي ستون صاعا وكان الصاع معلما بعلامة فلذلك سماه مختوما (أبو البختري) بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة ساكنة اسمه سعيد بن فيروز (مختوما بالحجاجي) أي مختوما بعلامة الحجاج وهي ستون صاعا وكل صاع أربعة أمداد وكل مد رطل وثلث عند الحجازيين وهو قول الشافعي وعامة العلماء وتقدم بيانه في الطهارة قال المنذري أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (فغضب عمران) بن حصين وغرضه أنه إن وجدنا في القرآن مسألة فحسبنا وإن لم أجد في القرآن أنظر إلى السنة فنأخذ منها فكم من المسائل ليس ذكرها في القرآن وإنما أخذناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مثل عمران للسائل (وقال) عمران (للرجل) السائل (أوجدتم) في القرآن (في كل أربعين درهما) منصوب على التميز (درهما) مفعول وجدتم (وذكر أشياء نحو هذا) ثبات مدعاه
[ 297 ]
باب العروض إلخ جمع عرض بسكون الراء مثل فلس وفلوس هو المتاع قالوا والدرهم والدنانير عين وما سواهما عرض وقال أبو عبيد العروض الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا تكون حيوانا ولاعقارا كذا في المصباح (من الذي) أي من المال الذي (نعد) أي نهيئه (للبيع) أي للتجارة وخص لأنه الأغلب قال الطيبي وفيه دليل على أن ما ينوى به القنية لا زكاة فيه انتهى والحديث سكت عنه أبو داود ثم المنذري وقال ابن عبد البر إسناده حسن وقال عبد الحق في أحكامه خبيب هذا ليس بمشهور ولا نعلم روى عنه إلا جعفر بن سعد وليس جعفر ممن يعتمد عليه قال ابن القطان في كتابه متعقبا على عبد الحق فذكر في كتاب الجهاد حديث من كتم مالا فهو مثله وسكت عنه من رواية جعفر بن سعد هذا عن خبيب بن سليمان عن أبيه فهو منه تصحيح وقال الشيخ تقي الدين في الإمام وسليمان بن سمرة بن جندب لو يعرف ابن أبي حاتم بحاله وذكر أنه روى عنه ربيعة وابنه خبيب انتهى ورواه الدارقطني في سننه والطبراني في معجمه وأخرج الدارقطني والحاكم عن أبي ذر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الإبل صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البقر صدقتها وفي البز صدقته الحديث والبز بالباء الموحدة والزاي المعجمة ما يبيعه البزازون كذا ضبطه الدارقطني والبيهقي والحديث صححه الحاكم وتكلم فيه غيره وقال النووي ومن الناس من صحفه بضم الباء وبالراي عن المهملة وهو غلط انتهى وأخرج الشافعي وأحمد وعبد الرزاق والدارقطني عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه أنه قال كنت أبيع الأدم فمر بي عمر بن الخطاب فقال لي أد صدقة مالك فقلت يا أمير المؤمنين إنما هو في الأدم فقال قومه ثم أخرج صدقته وروى البيهقي عن ابن عمر قال ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب والقاسم أنهم قالوا بذلك وقال في سبل السلام والحديث دليل على وجوب الزكاة في مال التجارة واستدل للوجوب أيضا بقوله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم الآية قال مجاهد نزلت في التجارة قال ابن المنذر الإجماع قائم
[ 298 ]
على وجوب الزكاة في مال التجارة وممن قال بوجوبها الفقهاء السبعة قال لكن لا يكفر جاحدها للاختلاف فيها باب الكنز ما هو وزكاة الحلى هذه الترجمة مشتملة على الأمرين الأول في تعريف الكني والثاني في زكاة الحلى (أن امرأة) هي أسماء بنت يزيد بن السكن (مسكتان) بفتح الميم وفتح السين المهملة الواحدة مسكة وهي الإسورة والخلاخيل (قال أيسرك) قال الخطابي إنما هو تأويل قوله تعالى يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم قال المنذري وأخرجه الترمذي بنحوه وقال لا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا وذكر أن المرسل أولى بالصواب انتهى كلامه قال الزيلعي قال ابن القطان في كتابه إسناده صحيح وقال المنذري إسناده لا مقال فيه فإن أبا داود رواه عن أبي كامل الجحدري وحميد بن مسعدة وهما من الثقات احتج بهما مسلم وخالد بن الحارث إمام فقيه احتج به البخاري ومسلم وكذلك حسين بن ذكوان المعلم احتجابه في الصحيح ووثقه ابن المديني وابن معين وأبو حاتم وعمرو بن شعيب فهو ممن قد علم وهذا إسناد تقوم به الحجة إن شاء الله تعالى (كنت ألبس أوضاحا) بالضاد المعجمة والحاء المهملة جمع وضح قال في النهاية هي نوع من الحلى تعمل من الفضة سميت بها لبياضها واحدها وضح انتهى وفي منتهى الإرب بالفارسية وضح بمعنى خلخال أي حلقة طلا ونقره كه درباي في كنند بن وآترا هذه بفارسي اي برنجن نامند سنة انتهى (أكنزهو عمرو) أاستعمال الحلى كنز من الكنوز الذي توعد على اقتنائه في القرآن أم
[ 299 ]
لا (فقال ما بلغ) أي الذي بلغ (أن تؤدى) بصيغة المجهول (زكاته) أي بلغ نصابا (فزكي) على صيغة المجهول قال المنذري في إسناده عتاب بن بشير أبو الحسين الحراني وقد أخرج له البخاري وتكلم فيه غير واحد انتهى وأخرجه الحاكم في المستدرك عن محمد بن المهاجر عن ثابت به وقال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ولفظه إذا أديت زكاته فليس بكنز وكذلك رواه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما قال البيهقي تفرد به ثابت بن عجلان قال في التنقيح وهذا لا يضر فإن ثابت بن عجلان روى له البخاري ووثقه ابن معين والنسائي وقول عبد الحق فيه لا يحتج به قول لم يقله غيره انتهى وقال ابن دقيق العيد وقول العقيلي في ثابت بن عجلان لا يتابع على حديثه تحامل منه انتهى وأخرج مالك في الموطأ عن عبد الله ابن دينار أنه قال سمعت عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز ما هو فقال هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة انتهى أي فما أديت منه فليس بكنز وعلى هذا التفسير جمهور العلماء وفقهاء الأمصار وأخرج البيهقي عن ابن عمر مرفوعا كل ما أديت زكاته وإن كانت تحت سبع أرضين فليس بكنز وكل مالا تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا على وجه الأرض قال البيهقي ليس بمحفوظ والمشهور وقفه قال ابن عبد البر ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك أخرجه الترمذي وقال حسن غريب وصححه الحاكم وقال ابن عبد البر وفي سند حديث أم سلمة مقال وقال الزين العراقي سنده جيد وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس ما أدي زكاته فليس بكنز وللحاكم عن جابر مرفوعا إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره ورواه عبد الرزاق موقوفا ورجحه أبو زرعة والبيهقي وغيرهما (فتخات من ورق) أي الخواتيم الكبار كانت النساء يتختمن بها والواحدة فتخة قال المنذري ذكر البيهقي أن بعضهم زعم أن ذلك حين كان التحلي بالذهب حراما على النساء فلما أبيح ذلك لهن سقطت منه الزكاة قال البيهقي وكيف يصح هذا القول مع حديث عائشة إن كان ذكر الورق فيه محفوظا غير أن رواية القاسم بن محمد وابن أبي مليكة عن عائشة في ترك إخراج الزكاة
[ 300 ]
من الحلي مع ما ثبت من مذهبها إخراج الزكاة عن أموال اليتامى يوقع ريبا في هذه الرواية المرفوعة وهي لا تخالف النبي صلى الله عليه وسلم إلا فيما علمته منسوخا انتهى والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك عن محمد بن عمرو بن عطاء به وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأخرجه الدارقطني في سننه عن محمبن عطاء فنسبه إلى جده دون أبيه ثم قال ومحمد بن عطاء مجهول قال البيهقي في المعرفة هو محمد بن عمرو بن عطاء لكنه لما نسب إلى جده ظن الدارقطني أنه مجهول وليس كذلك انتهى وتبع الدارقطني في تجهيل محمد بن عطاء عبد الحق في أحكامه وتعقبه ابن القطان فقال لما خفي على الدارقطني أمره جعله مجهولا وتبعه عبد الحق في ذلك وإنما هو محمد بن عمرو بن عطاء أحد الثقاة وقد جاء مبينا عند أبي داود بينه شيخه محمد بن إدريس الرازي وهو أبو حاتم الرازي إمام الجرح والتعديل انتهى قال ابن دقيق العيد في الإمام ويحيى بن أيوب أخرج له مسلم وعبيدالله بن أبي جعفر من رجال الصحيحين وكذلك عبد الله بن شداد والحديث على شرط مسلم انتهى أخرج مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة وأخرج عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة وأخرج الدارقطني عن شريك عن علي بن سليمان قال سألت أنس بن مالك عن الحلي فقال ليس فيه زكاة وأخرج البيهقي من طريق عمرو بن دينار قال سمعت ابن خالد يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي أفيه زكاة قال جابر لا فقال وإن كان يبلغ ألف دينار فقال جابر أكثر انتهى وأخرج الدارقطني عن هشام ابن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه نحوا من خمسين ألف قال صاحب التنقيح قال الأثرم سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة أنس بن مالك وجابر وابن عمر وعائشة وأسماء انتهى قال الإمام الخطابي واختلف الناس في وجوب الزكاة في الحلي فروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمروابن عباس أنهم أو جيبوا قبل فيه الزكاة وهو قول ابن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء وابن سيرين وجابر بن زيد ومجاهد والزهري وإليه ذهب الثوري وأصحاب الرأي وروي عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة وعن القاسم بن محمد
[ 301 ]
والشعبي أنهم لم يروا فيه زكاة وإليه ذهب مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو أظهر قولي الشافعي قال الخطابي الظاهر من الكتاب يشهد لقول من أوجبها والأثر يؤيده ومن أسقطها ذهب إلى النظر ومعه طرف من الأثر والاحتياط أداؤها انتهى وفي سبل السلام والحديث دليل على وجوب الزكاة في الحلية وظاهره أنه لا نصاب لها لأمره صلى الله عليه وسلم بتزكية هذه المذكورة ولا يكون خمس أواقي في الأغلب وفي المسألة أربعة أقوال الأول وجوب الزكاة وهو مذهب جماعة من السلف وأحد أقوال الشافعي عملا بهذه الأحاديث والثاني لا تجب الزكاة في الحلية وهو مذهب مالك وأحمد والشافعي في أحد أقواله لآثار وردت عن السلف قاضية بعدم وجوبها في الحلية ولكن بعد صحة الحديث لا أثر للآثار والثالث أن زكاة الحلية عاريتها كما روى الدارقطني عن أنس وأسماء بنت أبي بكر الرابع أنها تجب فيه الزكاة مرة واحدة رواه البيهقي عن أنس وأظهر الأقوال دليلا وجوبها لصحة الحديث وقوته وأما نصابها فعند الموجبين نصاب النقدين وظاهر حديثها الاطلاق وكأنهم قيدوه بأحاديث النقدين ويقوي الوجوب حديث أم سلمة رضي الله عنها انتهى ما في سبل السلام (سفيان) هو الثوري (عن عمر بن يعلى) هو عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الكوفي ضعفه ابن معين واعلم أن هذا الحديث وجد في النسختين وهو من رواية ابن داسة قال الحافظ جمال الحافظ جمال المزي في الأطراف في كتاب المراسيل عمر بن يعلى وهو عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة حديث في زكاة الخاتم أبو داود في الزكاة عن صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم عن سفيان عن عمر بن يعلى نحو حديث عبد الله بن شداد عن عائشة في رواية ابن داسة انتهى (نحو حديث الخاتم) أي نحو حديث عائشة في زكاة الخاتم (قيل لسفيان) الثوري (كيف تزكيه) أي خاتما واحدا من ورق وهو لا يبلغ النصاب (قال) سفيان (تضمه) أي الخاتم (إلى غيره) من الحلي فتزكي الخاتم مع حلي آخر والله أعلم قلت والحديث أخرجه ابن الجارود في المنتقى حدثنا إسحاق بن عبد الله النيسابوري حدثنا حفص بن عبد الرحمن حدثنا سفيان بن سعيد عن عمرو الثقفي عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم من ذهب عظيم فقال أتؤدي زكاة هذا قال وما
[ 302 ]
زكاته قال فلما ولي قال جمهرة عظيمة قال أبو محمد قال الوليد بن مسلم في هذا عن سفيان عن عمرو بن يعلى الطائفي انتهى باب في زكاة السائمة أي المواشي التي ترعى في الصحراء والمرعى (قال أخذت من ثمامة) بضم المثلثة قال الحافظ بن حجر صرح إسحاق بن راهويه في مسنده بأن حمادا سمعه من ثمامة وأقرأه الكتاب فانتفى تعليل من أعله بكونه مكاتبة (أن أبا بكر كتبه) أي كتابا (لأنس) ليعمل به (عليه) أي على الكتاب (حين بعثه) أي أنسا (مصدقا) هو الذي يأخذ صدقات المسلمين أي حين وجه أنسا إلى البحرين عاملا على الصدقة (وكتبه) أي كتب النبي الكتاب (له) أي لأنس (فرضها رسول الله) أي أوجب أو شرع أو قدر لأن إيجابها بالكتاب إلا أن التحديد والتقدير عرفناه ببيان النبي (التي أمر الله) عطف على التي عطف تفسير أي الصدقة التي (فمن سألها) بصيغة المجهول أي طلبها (على وجهها) حال من المفعول الثاني في سئلها أي كائنة على الوجه المشروع بلا تعد وقال الخطابي أي حسب ما بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مقاديرها (فليعطها) أي الصدقة (ومن سئل فوقها فلا يعطه) يتناول على وجهين أحدهما أن لا يعطي الزيادة على الواجب والوجه الآخر أن لا يعطي شيئا منها لأن الساعي إذا طلب فوق الواجب كان خائنا فإذا ظهرت خيانته سقطت طاعته وفي ذلك دليل على أن الإمام والحاكم إذا ظهر فسقهما بطل حكمهما وفيه دليل على جواز إخراج المرء صدقة أمواله الظاهرة بنفسه دون الإمام وفي الحديث بيان أنه لا شئ في الأوقاص وهو ما بين الفريضتين وفيه دليل أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة ليستأنف لها الفريضة لأنه علق بغير الفرض كالواحدة بعد الخمسة والثلاثين وبعد الخمسة والأربعين وبعد كمال الستين قاله الخطابي (في
[ 303 ]
كل خمس ذود) بإضافة خمس إلى ذود أي إبل وتقدم معناه (ففيها بنت مخاض) وهي التي مضى عليها سنة وطعنت في الثانية وحملت أمها والمخاض بفتح الميم والمعجمة المخففة الحامل أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل (فابن لبون ذكر) هو الذي دخل في السنة الثالثة وقوله ذكر تأكيد لقوله ابن لبون وفيه دليل على جواز العدول إلى ابن اللبون عند عدم بنت المخاض (ففيها بنت لبون) وهي التي أتى عليها حولان وصارت أمها لبونا بوضع الحمل (ففيها حقة) بكسر المهملة وتشديد القاف هي التي أتت عليها ثلاث سنين وطعنت في الرابعة (طروقة الفحل) بفتح أوله أي مطروقة كحلوبة بمعنى محلوبة والمراد أنها بلغت أن يطرقها الفحل وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة (ففيها جذعة) بفتح الجيم والذال المعجمة وهي التي أتى عليها أربع سنين وطعنت في الخامسة (ففي كل أربعين بنت لبون) أي إذا زاد يجعل الكل على عدد الأربعينات والخمسينات مثلا إذا زاد واحد على العدد المذكور يعتبر الكل ثلاث أربعينات وواحد والواحد لا شئ فيه وثلاث أربعينات فيها ثلاث بنات لبون إلى ثلاثين ومائة وفي ثلاثين ومائة حقة لخمسين وبنتا لبون لأربعينين يحيى وهكذا ولا يظهر التغير إلا عند زيادة عشر (فإذا تباين) أي اختلف الأسنان في باب الفريضة بأن يكون المفورض الرحمن سنا والموجود عند صاحب المال سنا آخر (فإنها تقبل منه) والمراد أن الحقة تقبل موضع الجذعة مع شاتين أو عشرين درهما وحمله بعض على أن ذاك تفاوت قيمة ما بين الجذعة والحقة في تلك الأيام فالواجب هو تفاوت القيمة لا تعيين ذلك فاستدل به على جواز أداء القيم في الزكاة والأكثر على تعيين ذلك القدر برضا صاحب المال وإلا فليطلب السن الواجب ولم يجوزوا القيمة (استيسرتا له) أي كانتا موجودتين في
[ 304 ]
ماشيته مثلا (وليست عنده) أي صاحب المال (فإنها تقبل) مبني للمفعو وكان (منه) أي صاحب المال (ويعطيه المصدق) أصله المتصدق أي العامل على أخذ الصدقات بتخفيف الصاد وكسر الدال أي العامل على أخذ الصدقات من أربابها وهو المراد ها هنا يقال صدقهم يصدقهم فهو مصدق وأما المصدق بتشديد الصاد والدال معا وكسر الدال فهو صاحب الماشية وأصله المتصدق (عشرين درهما أو شاتين) أو للتخيير أي فيه خيار للمصدق أي إن شاء أعطى عشرين درهما وإن شاء أعطى شاتين (إلى ههنا) أي لم أضبط هذا القدر من حديث موسى ابن إسماعيل أي من قوله ويجعل معها شاتين إلى قوله إلا حقة فإنها تقبل منه ثم أتقنت الباقي من الحديث كما أحب (فإنه يقبل منه) أي بدلا من بنت مخاض قهرا على الساعي (وليس معه شئ) أي لا يلزمه مع ابن لبون شئ آخر من الجبران قال الطيبي وهذا يدل على أن فضيلة الأنوثة تجبر بفضل السن (إلا أربع) من الإبل (فليس فيها شئ) لأنه لم يبلغ النصاب (إلا أن يشاء ربها) فيخرج عنها نفلا منه وإلا واجب عليه فهو استثناء منقطع ذكر لدفع توهم نشأ من قوله ليس فيها صدقة أن المنفي مطلق الصدقة لاحتمال اللفظ له وإن كان غير مقصود فهذه صدقة الإبل الواجبة فصلت في هذا الحديث وظاهره وجوب أعيان ما ذكر إلا أنه من لم يجد العين الواجبة أجزأه غيرها (وفي سائمة الغنم) سميت به لأنه ليس له آلة الدفاع فكانت غنيمة لكل طالب ثم الضأن والماعز سواء في الحكم والسائمة هي التي ترعى في أكثر السنة قال في شرح السنة فيه دليل على أن الزكاة إنما تجب في الغنم إذا كانت سائمة فأما
[ 305 ]
المعلوفة فلا زكاة فيها ولذلك لا تجب الزكاة في عوامل البقر والإبل عند عامة أهل العلم وإن كانت سائمة وأوجبها مالك في عوامل البقر ونواضح الإبل انتهى (فإذا زادت) ولو واحدة كما في كتاب عمرو بن حزم (فإذا زادت على مائتين) ولوواحدة (فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة شاة) في النيل ظاهره أنه لا تجب الشاة الرابعة حتى تفي أربع مائة وهو قول الجمهور وفي رواية عن أحمد وبعض الكوفيين إذا زادت على ثلاثمائة واحدة وجبت الأربع انتهى وفي شرح السنة معناه أن تزيد مائة أخرى فتصير أربعمائة فيجب أربع شياه وهو قول عامة أهل العلم وقال الحسن بن صالح إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه انتهى (هرمة) بفتح الهاء وكسر الراء هي الكبير التي سقطت أسنانها (ولا ذات عوار) بفتح العين المهملة وضمها أي معيبة وقيل بالفتح العيب وبالضم العور (ولا تيس الغنم) بتاء فوقية مفتوحة ثم الياء التحتانية وهو فحل الغنم (إلا أن يشاء المصدق) اختلف في ضبطه فالأكثر على أنه بالتشديد والمراد المالك وهو اختيار أبي عبيد وتقدير الحديث لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب أصلا ولا يؤخذ التيس وهو فحل الغنم إلا برضا المالك لكونه يحتاج إليه ففي أخذه بغير اختياره إضرار به وعلى هذا فالاستثناء مختص بالثالث ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد وهو الساعي وكأنه يشير بذلك إلى التفويض إليه في اجتهاده لكونه يجري مجرى الوكيل فلا يتصرف بغير المصلحة وهذا قول الشافعي في البويطي ولفظه ولا تؤخذ ذات عوار ولا تيس ولا هرمة إلا أن يرى المصدق أن ذلك أفضل للمساكين فيأخذ على النظر لهم كذا في فتح الباري (ولا يجمع بين مفترق الخ) قال مالك في الموطأ معنى هذا أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم إلا شاة واحدة أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد منهما إلا شاة واحدة قال الشافعي هو خطاب للمالك من جهة وللساعي من جهة فأمر كل واحد أن لا يحدث شيئا من الجمع والتفريق خشية الصدقة قرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر فمعنى قوله خشية الصدقة أي خشية أن تكثر الصدقة أو خشية ان تقل الصدقة ، فلما كان محتملا
[ 306 ]
للامرين لم يكن الحمل على احدهما باولى من الآخر فحمل عليهما معا لكن الأظهر حمله على المالك ذكره في فتح الباري (وما كان من خليطين) أي شريكين (فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) قال الخطابي فمعناه أن يكونا شريكين في الإبل يجب فيها الغنم فتوجد الإبل في أيدي أحدهما فتؤخذ منه صدقتها فإنه يرجع على شريكه بحصته على السوية وفيه دلالة على أن الساعي إذا ظلم فأخذ زيادة على فرضه فإنه لا يرجع بها على شريكه وإنما يغرم له قيمة ما يخصه من الواجب دون الزيادة التي هي ظلم وذلك معنى قوله بالسوية وقد يكون تراجعها من وجه آخر وهو أن يكون بين رجلين أربعون شاة لكل واحد منهما عشرون قد عرف كل واحد منهما عين ماله فيأخذ المصدق من نصيب أحدهما شاة فيرجع المأخوذ من ماله على شريكه بقيمة نصف شاته وفيه دليل على أن الخلطة تصح مع تعين أعيان الأموال وقد روي عن عطاء وطاؤس أنهما قالا إذا عرف الخليطان كل واحد منها أموالهما فليس بخليطين وقد اختلف مالك والشافعي في شرط الخليطة روى فقال مالك إذا كان الراعي والمراح والفحل واحدا فهما خليطان وكذلك قال الأوزاعي وقال مالك فإن فرقهما المبيت هذه في قرية وهذه في قرية فهما خليطان وقال الشافعي إن فرق بينهما في المراح فليسا بخليطة ولم واشترط في الخلطة المراح والمسرح والسقي واختلاط الفحولة وقال إذا افترقا في شئ من هذه الخصال فليسا بخليطين إلا أن مالكا قال لا يكونان خليطين حتى يكون لكل واحد منهما تمام النصاب وعند الشافعي إذا تم مالهما نصاب فهما خليطان وإن كان لأحدهما شاة واحدة (إلا أن يشاء ربها) أي فيعطي شيئا تطوعا (وفي الرقة) بكسر الراء وتخفيف القاف الفضة الخالصة مضروبة كانت أولا أصله ورق وهو الفضة حذف منه الواو وعوض عنها التاء كما في عدة ودية (ربع العشر) بضم الأول وسكون الثاني وضمهما فيهما يعني إذا كانت الفضة مائتي درهم العشر خمسة دراهم (إلا تسعين ومائة) من الدراهم والمعنى إذا كانت الفضة ناقصة عن مائتي درهم قال
[ 307 ]
المنذري أخرجه النسائي وأخرجه البخاري وابن ماجه (مخافة الصدقة) منصوب على أنه مفعول له وقد تنازع فيه الفعلان يجمع ويفرق والمخافة مخافتان بين مخافة الساعي أن تقل الصدقة ومخافة رب المال أن تكثر الصدقة فأمر كل واحد منهما أن لا يحدث شيئا من الجمع والتفريق والحاصل أن التقدير مخافة وجوب الصدقة أو كثرتها إن رجع للمالك ومخافة سقوط الصدقة أو قلتها إن رجع إلى الساعي قال بعض العلماء الحنفية النهي للساعي عن جمع المتفرقة مثل أن يجمع أربعين شاة لرجلين لأخذ الصدقة وتفريق المجتمعة مثل أن يفرق مائة وعشرين لرجل أربعين أربعين ليأخذ ثلاث شياه وهذا قول أبي حنيفة والنهي للمالك أن يجمع أربعينه مثلا إلى أربعين بغيره لتقليل الصدقة وأن يفرق عشرين له مخلوطة بعشرين لغيره لسقوطها وهذا قول الشافعي وفي شرح السنة هذا نهي للمالك والساعي جميعا نهي رب المال عن الجمع والتفريق قصدا إلى تكثير الصدقة قال الطيبي ويتأتى هذا في صور أربع أشار إليها القاضي بقوله الظاهر أنه نهى للمالك
[ 308 ]
عن الجمع والتفريق قصدا إلى سقوط الزكاة أو تقليلها كما إذ كان له أربعون شاة فيخلطها بأربعين لغيره واجبة من شاة إلى نصفها وكما إذا كان له عشرون مخلوطة بمثلها ففرقها لئلا يكون نصابا يجب شئ وهو قول أكثر أهل العلم وقد نهى الساعي أن يفرق المواشي على المالك فيزيد الواجب كما إذا كان له مائة وعشرون شاة وواجبها شاة ففرقها الساعي أربعين أربعين ليأخذ ثلاث شياه وأن يجمع بين متفرق لتجب فيه الزكاة أو يزيد كما إذا كان لرجلين أربعون شاة متفرقة فجمعها الساعي ليأخذ شاة أو كان لكل واحد منهما مائة وعشرون فجمع بينهما ليصير الواجب ثلاث شياه وهو قول من لم يعتبر الخلطة ولم يجعل لها تأثيرا كالثوري وأبي حنيفة قال الطيبي رحمه الله وظاهر قوله وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية يعضد الوجه الأول وقوله بالسوية أي بالعدالة بمقتضى الحصة فيشمل أنواع المشاركة قال ابن الملك مثل أن كان بينهما خمس إبل فأخذ الساعي وهي في يد أحدهما شاة فإنه يرجع على شريكه بقيمة حصته على السوية وباقي بيانه تقدم قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه قال الترمذي حسن غريب وقد روى يونس بن يزيد وغير واحد عن الزهري عن سالم هذا الحديث ولم يرفعه وإنما رفعه سفيان بن حسين هذا كلامه وسفيان بن حسين أخرج له مسلم واستشهد به البخاري إلا أن حديثه عن الزهري فيه مقال وقد تابع سفيان بن حسين على رفعه سليمان بن كثير وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه وقال الترمذي في كتاب العلل سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال أرجو أن يكون محفوظا وسفيان بن حسين صدوق (ولم يذكر الزهري البقر) أي تقسيم البقر أثلاثا كما ذكر في الشاة (بإسناده ومعناه) أي بإسناد عباد بن العوام ومعنى حديثه إلا أن محمد ابن يزيد الواسطي زاد هذه الجملة في روايته فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون وليست هذه الزيادة في رواية عباد عن سفيان (ولم يذكر) محمد بن يزيد الواسطي (كلام الزهري) من تقسيم الشاء أثلاثا كما ذكره عباد عن سفيان والله أعلم
[ 309 ]
(الذي كتبه) أي الكتاب (في الصدقة وهي) أي النسخة (فوعيتها) أي حفظت النسخة (وهي) أي النسخة (فذكر) أي الزهري (الحديث) مثل حديث سالم عن أبيه (ففيها بنتا لبون وحقة) الحقة عن خمسين وبنتا اللبون عن ثمانين وكذلك إذا بلغت مائة وأربعين ففيها حقتان عن مائة وبنت لبون عن أربعين وإذا بلغت مائة وخمسين ففيه ثلاث حقاق عن كل خمسين حقة وإذا بلغت مائة وستين ففيها أربع بنات لبون عن كل أربعين واحدة وإذا بلغت مائة وسبعين ففيها ثلاث بنات لبون عن مائة وعشرين حقة عن خمسين وإذا بلغت مائة وثمانين ففيها حقتان عن مائة وابنتا لبون عن ثمانين وإذا بلغت مائة وتسعين ففيها ثلاث حقاق عن مائة وخمسين وبنت لبون عن أربعين وإذا بلغت مائتين ففيها أربع حقاق عن كل خمسين حقة أو خمس بنات لبون عن كل أربعين واحدة وهذا لا يخالف ما تقدم في حديث أنس لأن قوله فيه ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة معناه مثل هذا لا فرق بينه وبينه إلا أنه مجمل وهذا مفصل قاله الشوكاني قال المنذري رواية الزهري هذه عن سالم مرسلة (ثلاث حقاق) جمع حقة (ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون) أو ههنا للتخيير لتوافق حساب الأربعينات
[ 310 ]
والخمسينات (أي السنين) من بنات اللبون والحقاق (أن يشاء المصدق) روى أبو عبيد بفتح الدال وهو المالك وجمهور المحدثين بكسرها فعلى الأول يختص الاستثناء بقوله ولا تيس إذ ليس للمالك أن يخرج ذات عور في صدقته وعلى الثاني معناه أن للعامل يأخذ ما شاء مما يراه أصلح وأنفع للمستحقين فإنه وكيلهم (قول عمر) أي معنى قول عمر وهو مبتدأ (هو أن يكون) خبره (لكل رجل) من النفر الثلاثة (أربعون شاة) قد وجبت على كل واحد منهم في غنمهم الصدقة (فإذا أظلهم) بظاء معجمة أشرف عليهم (إلا شاة) واحدة لأنها واجب مائة وعشرين فنهوا عن تقليل الصدقة (مائة شاة) بإضافة مائة إلى الشاة (وشاة) واحدة (إلا شاة) واحدة فنهوا عن ذلك (سمعت في) تفسير (ذلك) وإليه ذهب سفيان الثوري (قال زهير أحسبه) أي أظن أن أبا إسحاق روى الحديث عن عاصم عن علي مرفوعا لا موقوفا عليه (هاتوا) أي آتوا في كل حول (ربع العشور) من الفضة (درهما) نصب على التميز (درهم) بالرفع على الابتداء وبالنصب على المفعولية (عليكم شئ) من الزكاة (حتى تتم) بالتأنيث أي تبلغ الرقة أو الدراهم (مائتي درهم) نصبه على الحالية أي بالغة مائتين (فإذا كانت)
[ 311 ]
الدراهم (ففيها) أي حينئذ (فما زاد) أي على أقل نصاب (فعلى حساب ذلك) قال الخطابي فيه دليل على أن القليل والكثير من الزيادة على النصاب محسوب على صاحبه ومأخوذ منه الزكاة بحصته انتهى قال ابن الملك وهذا يدل على أنه تجب الزكاة في الزائد على النصاب بقدره قل أو كثر وإليه ذهب أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا زكاة في الزائد عليه حتى يبلغ أربعين درهما انتهى (في كل أربعين شاة شاة) إلى عشرين ومائة فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين فإن زادت فثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة (فإن لم تكن) روي بالتأنيث والتذكير (إلا تسع وثلاثون) من الغنم (فليس عليك فيها شئ) لأنها لم تبلغ النصاب (تبيع) أي ماله سنة وسمي به لأنه يتبع أمه بعد والأنثى تبيعه قال الخطابي إن العجل ما دام يتبع أمه فهو تبيع إلى تمام سنة ثم هو جذع ثم ثني ثم رباع ثم سدس وسديس ثم صالغ وهو المسن انتهى (مسنة) أي ماله سنتان وطلع سنها حكى في النهاية عن الأزهري أن البقر والشاة يقع عليها اسم المسن إذا كان في السنة الثانية والاقتصار على المسنة في الحديث يدل على أنه لا يجزئ المسن ولكنه أخرج الطبراني عن ابن عباس مرفوعا وفي كل أربعين مسنة أو مسن انتهى (وليس على العوامل) قال الخطابي فيه بيان فساد قول من أوجب فيها الصدقة وفي الحديث دليل على أن البقر إذا زادت على الأربعين لم يكن فيها شئ حتى تستكمل ستين ويدل على صحة ذلك ما روي عن معاذ أنه أتي بوقص البقر فلم يأخذه ومذهب أبي حنيفة أن ما زاد على الأربعين فبحسابه انتهى
[ 312 ]
وحديث معاذ في الأوقاص أخرجه أحمد في مسنده (ما سقته الأنهار) موصولة (وسقت السماء) أي ماء المطر (وما سقي بالغرب نصف العشر) قال الخطابي الغرب الدلو الكبير يريد ما سقي بالسواني وما في معناهما مما سقي بالدواليب لأن ما عمت منفعته وخفت مؤنته كان أحمل للمواساة فوجب فيه العشر توسعة على الفقراء وجعل فيما كثرت مؤنته نصف العشر رفقا بأهل الأمول انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه طرفا منه (قال مرة) أي مرة واحدة في كل سنة
[ 313 ]
(وسمى آخر) أي سمى ابن وهب مع جرير رجلا آخر (ففيها خمسة دراهم) أي ربع عشرها (إلا أن جريرا قال ابن وهب يزيد) لفظ جرير اسم إن وجملة يزيد خبر إن وقال ابن وهب هو مدرج بين اسم إن وخبره (حتى يحول عليه الحول) قال الخطابي إنما أراد به المال النامي كالمواشي والنقود لأن نماها لا يظهر إلا بمدة الحول عليها فأما الزرع والثمار فإنه لا يراعى فيها الحول وإنما ينظر إلى وقت إدراكها واستحصادها أهل فيخرج الحق منه وفيه حجة لمن ذهب إلى أن القول بالفوائد والأرباح يستأنف بها الحول ولا يبنى على حول الأصل وفيه دليل على أن النصاب إذا نقص في خلال الحول ولم يوجد كاملا من أول الحول إلى آخره أنه لا تجب فيه الزكاة وإلى هذا ذهب الشافعي وعند أبي حنيفة أن النصاب إذا وجد كاملا في طرفي الحول وإن نقص في خلاله لم تسقط عنه الزكاة ولم يختلفا في العروض التي هي للتجارة أن الاعتبار إنما هو لنظر في الحول وذلك لأنه لا يمكن ضبط أمرها في خلال السنة انتهى قال في سبل السلام الحديث أخرجه أبو داومرفوعا من حديث الحارث الأعور إلا قوله فما زاد فبحساب ذلك قال فلا أدري أعلي يقول فبحساب ذلك أو يرفعه إلى النبي وإلا قوله ليس في المال زكاة حتى يحول عليه الحول فأفاد كلام أبي داود أن في رفعه بجملته اختلافا ونبه الحافظ بن حجر في التلخيص على أنه معلول وبين علته ولكنه أخرج الدارقطني الجملة الآخرة من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ لا زكاة في مال امرئ حتى يحول عليه الحول وأخرج أيضا عن عائشة مرفوعا ليس في المال زكاة حتى يحول عليه الحول وله طرق أخرى انتهى
[ 314 ]
وقال الحافظ في التلخيص أخرجه أبو داود بقوله حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب حدثنا جرير بن حازم وسمى آخر عن أبي إسحاق عن عاصم ابن ضمرة والحارث عن علي ونبه ابن المواق على علة خفية فيه وهي أن جرير بن حازم والحارث بن نبهان عن الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق فذكره قال ابن المواق والحمل فيه على سليمان شيخ أبي داود فإنه وهم في إسقاط رجل انتهى وقوله فبحساب ذلك أسنده زيد بن حبان الرقي عن أبي إسحاق بسنده انتهى كلامه والحديث دليل على أن نصاب الفضة مائتا درهم وهو إجماع وإنما الخلاف في قدر الدرهم فإن فيه خلافا كثيرا وفي شرح الدميري أن كل درهم ستة دوانيق كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل والمثقال لم يتغير في جاهلية ولا إسلام قال واجتمع المسلمون على هذا وقال بعض العلماء إن نصاب الفضة من القروش الموجودة على رأي بعض ثلاثة عشر قرشا وعلى رأي الشافعية أربعة عشر وعلى رأي الحنفية عشرون وتزيد قليلا وإن نصاب الذهب عند بعض خمس عشر أحمر وعشرين عند الحنفية ثم قال وهذا تقريب قال في سبل السلام أقدر زكاة المائتي درهم ربع العشر هو إجماع وقوله فما زاد فبحساب ذلك قد عرفت أن في رفعه خلافا وعلى ثبوته فيدل على أنه يجب في الزائد وقال بذلك جماعه من العلماء وروي عن علي وعن ابن عمر أنهما قالا ما زاد على النصاب من الذهب والفضة ففيه أي الزائد ربع العشر في قليله وكثيره وأنه لا وقص فيهما ولعلهم يحملون حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ وليس فيما دون خمس أواقي صدقة على ما إذا انفردت عن نصاب منهما لا إذا كانت مضافة إلى نصاب منهما وهذا الخلاف في الذهب والفضة وأما الحبوب فقال النووي في شرح مسلم إنهم أجمعوا فيما زاد على خمسة أوسق أنها تجب زكاته بحسابه وأنه لا أوقاص فيها انتهى وحملوا حديث أبي سعيد الذي أخرجه مسلم بلفظ وليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة على ما لم ينضم إلى خمسة أوسق وهذا يقوي مذهب علي وابن عمر رضي الله عنهما الذي قدمنا في النقدين وقوله وليس عليك شئ حتى يكون لك عشرون دينارا وفيه حكم نصاب الذهب وقدر زكاته وأنه عشرون دينارا وفيها نصف دينار وهو أيضا ربع عشرهاوهو عام لكل فضة وذهب مضروبين أو غير مضروبين وفي حديث أبي سعيد مرفوعا أخرجه الدارقطني وفيه لا يحل في الورق زكاة حتى يبلغ خمس أواق وأخرج أيضا من حديث جابر مرفوعا ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وأما الذهب ففيه هذا الحديث ونقل الحافظ بن حجر عن الشافعي
[ 315 ]
أنه قال فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الورق صدقة فأخذ المسلمون بعده في الذهب صدقة إما بخبر لم يبلغنا وإما قياسا وقال ابن عبد البر لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذهب شئ من جهة نقل الأحاد الثقات وذكر هذا الحديث الذي أخرجه أبو داود وأخرجه الدارقطني قال صاحب السبل قلت لكن قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله الآية منبه على أن في الذهب حقا لله وأخرج البخاري وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقهما إلا جعلت له يوم القيامة صفائح وأحمي عليها الحديث فحقها هو زكاتها وفي الباب أحاديث يشد بعضها بعضا سردها في الدر المنثور ولا بد في نصاب الذهب والفضة من أن يكونا خالصين من الغش وفي شرح الدميري على المنهاج أنه إذا كان الغش يماثل أجرة الضرب والتخليص فيتسامح به وبه عمل الناس على الإخراج انتهى كلام صاحب السبل (قد عفوت عن الخيل والرقيق) أي تركت لكم أخذ زكاتها وتجاوزت عنه قال الخطابي إنما أسقط الزكاة عن الخيل والرقيق إذا كانت للركوب والخدمة فأما ما كان للتجارة ففيه الزكاة في قيمتها وقد اختلف الناس في وجوب الصدقة في الخيل فذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا صدقة وقال حماد بن أبي سليمان فيها صدقة وقال أبو حنيفة في الخيل الإناث والذكور التي يطلب منها نسلها في كل فرس دينار فإن شئت قومتها دراهم فجعلت في كل مائتي درهم خمسة دراهم وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أخذ من كل فرس دينارا قلت وإنما هو شئ تطوعوا به لم يلزمهم عمر إياه روى مالك عن الزهري عن سليمان بن يسار أن أهل الشام عرضوه على أبي عبيدة فأبى ثم كلموه فأبى ثم كتب إلى عمر رضي الله عنه في ذلك فكتب إليه إن أحبوا فخذها منهم وارددهم حديث عليهم وارزقهم رقيقهم انتهى كلامه وفي نيل الأوطار وتمسك أيضا بما روي عن عمر أنه أمر عامله بأخذ الصدقة من الخيل وقد تقرر أن أفعال الصحابة وأقوالهم لا حجة فيها لا سيما بعد إقرار عمر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر لم يأخذا الصدقة من الخيل كما في رواية أحمد عن عمر وجاءه ناس من أهل الشام فقالوا إنا قد أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور قال ما فعله
[ 316 ]
صاحباي قبلي فأفعله واستشار أصحاب محمد الحديث وقد احتج بظاهر حديث الباب الظاهرية فقالوا لا تجب الزكاة في الخيل والرقيق لا لتجارة ولا لغيرها وأجيب عنهم بأن الزكاة التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث والحديث يدل على وجوب الزكاة في الفضة وهو مجمع على ذلك ويدل أيضا على أن زكاتها ربع العشر و أعلم في ذلك خلافا ويدل أيضا على اعتبار النصاب في زكاة الفضة وهو إجماع أيضا وعلى أنه مائتا درهم (فهاتوا) أي آتوا (صدقة الرقة) قال الخطابي هي الدراهم المضروبة أصلها الورق حذفت الواو وعوض منها الهاء كعدة وزنة وأخرجه الترمذي وابن ماجه قال المنذري (كما قال أبو عوانة) أي عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة ورواه شيبان وإبراهيم عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور وأما زهير فجمع بين عاصم والحارث (روى حديث النفيلي) هو عبد الله بن محمد النفيلي وحديثه قبل هذا بحديثين (شعبة وسفيان) والحاصل أن شعبة وسفيان وغيرهما رووه عن أبي إسحاق لكنه لم يرفعوه بل جعلوه موقوفا على علي رضي الله عنه وأما زهير وجرير بن حازم وغيرهما عن أبي إسحاق رفعوه إلى النبي (عن بهز) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وبالزاي (بن حكيم) ابن معاوية وبهز تابعي مختلف في الاحتجاج به قال أبو حاتم هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به وقال الشافعي ليس بحجة وقال الذهبي
[ 317 ]
ما تركه عالم قط (عن أبيه عن جده) هو معاوية بن حيدة صحابي (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون) تقدم في حديث أنس أن بنت اللبون تجب من ستة وثلاثين إلى خمس وأربعين فهو يصدق على أنه يجب في الأربعين بنت لبون ومفهوم العدد هنا مطرح زيادة ونقصانا لأنه عارضه المنطوق الصريح وهو حديث أنس (لا يفرق إبل عن حسابها) معناه أن الملك لا يفرق ملكه عن ملك غيره حيث كانا خليطين كما تقدم أو المعنى تحاسب الكل في الأربعين ولا يترك هزال ولا سمين ولا صغير ولا كبير نعم العامل لا يأخذ إلا الوسط (من أعطاها مؤتجرا بها) أي قاصدا للأجر بإعطائها (وشطر ماله) اختلف في ضبط لفظ شطر وإعرابه فقال بعض الأئمة هو عطف على الضمير المنصوب في آخذوها والمراد من الشطر البعض وظاهره أن ذلك عقوبة بأخذ جزء من المال على منعه إخراج الزكاة وقال بعض الأئمة شطر بضم الشين المعجمة وكسر الطاء المهملة المشددة فعل مبني للمجهول ومعناه جعل ماله شطرين يأخذ المصدق الصدقة من أي الشطرين أراد قال الإمام ابن الأثير قال الحربي غلط الراوي في لفظ الرواية إنما هو وشطر ماله أي يجعل ماله شطرين ويتخير عليه المصدق فيأخذ الصدقة من غير النصفين عقوبة لمنعه الزكاة فأما لا تلزمه فلا وقال الخطابي في قول الحربي لا أعرف هذ الوجه وقيل إنه كان في صدر الإسلام يقع بعض العقوبات في الأموال ثم نسخ وله في الحديث نظائر وقد أخذ أحمد بن حنبل بشئ من هذا وعمل به وقال الشافعي في القديم من منع زكاة ماله أخذت منه وأخذ شطر ماله عقوبة على منعه واستدل بهذا الحديث وقال في الجديد لا يؤخذ منه إلا الزكاة لا غير وجعل هذا الحديث منسوخا وقال كان ذلك حيث كانت العقوبات في المال ثم نسخت ومذهب عامة الفقهاء أن لا واجب على متلف الشئ أكثر من مثله أو قيمته انتهى كلامه وقال الحافظ في التلخيص وقال البيهقي وغيره حديث بهز هذا منسوخ وتعقبه النووي بأن الذي ادعوه من كون العقوبة كانت بالأموال في الأموال في أول الاسلام ليس بثابت ولا معروف ودعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ والجواب عن ذلك ما أجاب به إبراهيم الحربي فإنه قال في سياق هذا المتن لفظه وهم فيها الراوي وإنما هو فإنا آخذوها من شطر ماله أي نجعل ماله شطرين فيتخير عليه المصدق ويأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنع الزكاة فأما ما لا تلزمه فلا نقله ابن الجوزي في جامع المسانيد عن الحربي والله أعلم
[ 318 ]
(عزمة) قال في البدر المنير عزمه خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلك عزمة وضبطه صاحب إرشاد الفقه بالنصب على المصدر وكلا الوجهين جائز من حيث العربية ومعنى العزمة في اللغة الجد في الأمر وفيه دليل على أن ذلك واجب مفروض من الأحكام والعزائم الفرائض كما في كتب اللغة كذا في النيل وقال في سبل السلام يجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ونصبه على المصدرية وهو مصدر مؤكد لنفسه مثل له على ألف درهم اعترافا والناصب له فعل يدل عليه جملة فإنا آخذوها والعزمة الجد والحق في الامر يعني آخذ ذلك بجد لأنه واجب مفروض (من عزمات ربنا) أي حقوقه وواجباته والحديث دليل على أنه يأخذ الإمام الزكاة قهرا ممن منعها انتهى ما في السبل
[ 319 ]
وقال الخطابي اختلف الناس في القول بظاهر الحديث فذهب أكثر الفقهاء إلى أن الغلول الصدقة والغنيمة لا يوجب غرامة في المال وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وإليه ذهب الشافعي وكان الأوزاعي يقول في الغنيمة إن للامام أن يحرق رحله وكذلك قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقال أحمد في الرجل يحمل التمرة في أكمامها فيه القيمة مرتين وضرب النكال وقال كل من درأنا عنه الحد أضعفنا عليه العزم واحتج في هذا بعضهم بما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها والنكال وفي الحديث تأويل آخر ذهب إليه بعض أهل العلم وهو أن يكون معناه أن الحق يستوفى منه غير متروك عليه وإن تلف ماله فلم يبق إلا شطر كرجل كان له ألف شاة فتلف حتى لم يبق منه إلا عشرون فإنه يؤخذ منه عشر شياه لصدقة الألف وهو شطر ماله الباقي أي نصفه وهذا محتمل وإن كان الظاهر ما ذهب إليه غيره ممن قد ذكرناه وفي قوله ومن منعنا فإن آخذوها دليل على أن من فرط في إخراج الصدقة بعد وجوبها فمنع بعد الإمكان ولم يردها حتى هلك المال أن عليه الغرامة انتهى (من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة) فيه أنه مخير
[ 320 ]
بين الأمرين والتبيع ذو الحول ذكرا كان أو أنثى (مسنة) وهي ذات الحولين (ومن كل حالم) أراد بالحالم من بلغ الحلم وجرى عليه حكم الرجال سواء احتلم أم لا كما فسره الراوي (دينارا) والمراد به الجزية ممن لم يسلم أي من أهل الذمة (أو عدله) قال الخطابي عدله أي ما يعادل قيمته من الثياب قال الفراء هذا عدل الشئ بكسر العين أي مثله في الصورة وهذا عدله بفتح العين إذا كان مثله في القيمة انتهى وفي النهاية العدل الكسر والفتح وهما بمعنى المثل (المعافر) وهكذا في رواية أحمد معافر بفتح الميم على وزن مساجد وفي بعض نسخ الكتاب المعافري وهي برود باليمن منسوبة إلى معافر وهي قبيلة في اليمن إليهم تنسب الثياب المعافرية يقال ثوب معافري وفي سبل السلام والحديث دليل على وجوب الزكاة في البقر وأن نصابها ما ذكر قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر على ما في حديث معاذ وأنه النصاب المجمع عليه وفيه دلالة على أنه لا يجب فيما دون الثلاثين شئ وفيه خلاف للزهري فقال يجب في كل خمس شاة قياسا على الإبل وأجاب الجمهور بأن النصاب لا يثبت بالقياس وبأنه قد روي ليس فيما دون ثلاثين من البقر شئ وهو إن كان مجهول الإسناد فمفهوم حديث معاذ يؤيده قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن وذكر أن بعضهم رواه مرسلا وقال هذا أصح (قال يعلى ومعمر عن معاذ مثله) مراد المؤلف أن جريرا وشعبة وأبا عوانة ويحيى بن سعيد كلهم يروون عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن النبي مرسلا ويعلى ومعمر روياه عن الأعمش متصلا بذكر معاذ قال الترمذي والرواية المرسلة أصح انتهى وفي بلوغ المرام والحديث حسنه الترمذي وأشار إلى اختلاف في وصله وصححه ابن حبان والحاكم انتهى وإنما رجح الترمذي الرواية المرسلة لأنها اعترضت رواية الاتصال بأن مسروقا لم يلق معاذا وأجيب عنه بأن مسروقا همداني النسب ويماني الدار وقد كان في أيام معاذ باليمن فاللقاء ممكن بينهما فهو محكوم باتصاله على رأي الجمهور وكأن رأي الترمذي رأي البخاري أنه لا بد من تحقق اللقاء والله أعلم
[ 321 ]
(من سار ممصدق) في القاموس المصدق كمحدث آخذ الصدقة والمتصدق معطيها (في عهد رسول الله) يعني كتابه (أن لا تأخذ) بصيغة الخطاب (من راضع لبن) في النهاية أراد بالراضع ذات الدر واللبن وفي الكلام مضاف محذوف تقديره ذات راضع فأما من غير حذف فالراضع الصغير الذي يرضع ونهيه عن أخذها لأنه خيار المال ومن زائدة وقيل هو أن يكون عند الرجل الشاة الواحدة واللقحة قد اتخذها للدر فلا يؤخذ منها شئ وقال العلامة السندي أي لا نأخذ صغيرا يرضع اللبن أو المراد ذات لبن بتقدير المضاف أي ذات راضع لبن والنهي عن الثاني لأنها من خيار المال وعلى الأول لأن حق الفقراء في الأوساط وفي الصغار إخلال بحقهم وقيل المعنى أن ما أعدت للدر لا يؤخذ منها شئ انتهى (يأتي المياه) جمع ماء (ترد) للسقي (فعمد) قصد (كوماء) بفتح الكاف وسكون الواو أي مشرفة السنام عاليته (فأبى) المصدق (قال) الرجل المتصدق (فخطم له أخرى) أي قادها إليه بخطامها والإبل إذا أرسلت في مسارحها لم يكن عليها تخطم وإنما خطم إذا أراد أودها (دونها أي أدنى قيمة من الأولى أن يجد) أي يغضب (عمدت) بفتح الميم قال المنذري
[ 322 ]
وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي إسناده هلال بن خباب وقد وثقه غير واحد وتكلم فيه بعضهم انتهى (إلا أنه قال لا يفرق) أي بصيغة النائب المجهول وأما في الرواية الأولى فبصيغة عند الحاضر المعروف والله أعلم (فأخذت بيده) أي أخذت السند فيه ذكر أخذ الصدقة (وقرأت في عهده) أن في سنده وكتابه (قال أبو داود) من ههنا إلى قوله حكم ما وجد إلا في نسخة واحدة (بين) رواية (لا تجمع) بصيغة الحاضر والخطاب للمصدق كما في رواية أبي عوانة عن هلال بن خباب (و) بين رواية (لا يجمع) أي بصيغة الغائب المجهول كما في رواية أبي ليلى الكندي (حكم) مغاير بينهما لأن الأول هو خاص بالنهي للمصدق ولا يدخل المتصدق تحت هذا النهي والثاني هو عام بالنهي للمصدق والمتصدق فإن المصدق يطلب منفعته والمتصدق يريد فائدة نفسه فأمر لهما أن لا يجمعوا بين متفرق ولا يفرقوا بين مجتمع خشية الصدقة والله أعلم (مسلم بن ثفنة) قال الذهبي وابن حجر كلاهما في المشتبه بمثلثة وفاء ونون مفتوحات والأصح مسلم بن شعبة وقال المزي في التهذيب مسلم بن ثفنة ويقال ابن شعبة البكري ويقال اليشكري قال أحمد بن حنبل أخطأ وكيع في قوله ابن ثفنة والصواب ابن شعبة وكذا قال الدارقطني وقال النسائي لا أعلم أحدا تابع وكيعا على قوله ابن ثفنة قال السيوطي (روح) مبتدأ (يقول مسلم) خبره (استعمل نافع بن علقمة) هو فاعل استعمل (أبي) مفعول استعمل (عرافة) بكسر العين هو القيم بأمور القبيلة (أن يصدقهم) أي يأخذ صدقتهم (سعر)
[ 323 ]
بكسر السين وسكون العين المهملتين وآخره راء كذا في جامع الأصول وقال المنذري سعر بكسر السين وسكون العين المهملتين وآخره راء مهملة هو سعر الدولي ذكر الدارقطني وغيره أن له صحبة وقيل كان في زمن رسول الله على ما جاء في هذا الحديث وفي كتاب ابن عبد البر بفتح السين المهملة وهو ابن ديسم بفتح الدال المهملة وسكون الياء التحتية وفتح السين المهملة الكناني الديلي روى عنه ابنه جابر هذا الحديث انتهى (قال ابن أخي) بحذف حرف النداء (إنا نبين) من البيان أي نقدر هكذا في بعض النسخ إنا نبين وأما في أكثر النسخ إنا نشبر لأنه أي نمسح بالشبر لنعلم جودتها وفي بعض النسخ نسبر أخبرنا بالنون ثم السين المهملة قال في النهاية أسبر أأختبر وأعتبر وأنظر انتهى (محضا) بالحاء المهملة والضاد المعجمة قاله السيوطي قال الخطابي المحض اللبن وقال ابن الأثير أي سمينة كثير اللبن وقد تكرر في الحديث بمعنى اللبن مطلقا انتهى (الشاة الشافع) قال ابن الأثير هي التي معها ولدها سميت به لأن ولدها شفعها وشفعته هي فصارا شفعا وقيل شاة شافع إذا كان في بطنها ولدها ويتلوها آخر وقال في رواية شاة الشافع بالإضافة كقولهم صلاة الأولى ومسجد الجامع انتهى وقال الخطابي الشافع الحامل (قالا عناقا) بفتح العين الأنثى من ولد المعزأتى يا عليها أربعة أشهر وإن كان ذكرا فهو جدي قال الخطابي وهذا يدل على أن غنمه كانت ماعزة ولو كانت ضائنة لم تجزه العناق ولا يكون العناق إلا الأنثى من المعز وقال مالك الجذع يؤخذ من الماعز والضأن وقال الشافعي يؤخذ من الضأن ولا يؤخذ من المعز إلا الأنثى وقال أبو حنيفة لا تؤخذ الجذعة من الضأن ولا من الماعز انتهى (معتاط) بالمثناة الفوقية والعين وآخره الطاء
[ 324 ]
قال الخطابي والمعتاط من الغنم هي التي امتنعت عن الحمل لسمنها وكثرة شحمها يقال اعتاطت لو الشاة وشاة معتاط (أبو عاصم رواه) أي الحديث عن زكريا بن إسحاق فقال في إسناده مسلم بن شعبة كما قال روح عن زكريا ابن إسحاق فاتفاق أبي عاصم وروح يدل على وهم وكيع فإنه قال مسلم بن ثفنة وتقدم بيانه (وقرأت في كتاب عبد الله بن سالم) الأشعري الحمصي ولم يدركه أبو داود لأن عبد الله بن سالم من الطبقة السابعة وهي طبقة كبار أتباع التابعين كمالك والثوري ولذا قال المنذري الحديث منقطع (عن الزبيدي) هو محمد بن الوليد القاضي الحمصي روى عنه عبد الله بن سالم (قال) الزبيدي (وأخبرني يحيى بن جابر) الطائي قاضي حمص كما أخبرني غير يحيى (عن جبير بن نفير) هكذا في عامة النسخ الموجودة لكن قال الحافظ بن حجر في الإصابة روى أبو داود والطبراني من طريق يحيى بن جابر عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عبد الله بن معاوية وأخرج البخاري في تاريخه من طريق يحيى بن جابر أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه أن أباه حدثه أن عبد الله بن معاوية الغاضري حدثهم انتهى والذي في الإصابة من رواية أبي داود هو الصحيح والنسخ التي بأيدينا سقط منها لفظ عبد الرحمن ابن جبير بين يحيى بن جابر وجبير بن نفير وتؤيده رواية البخاري في التاريخ وأيضا يحيى بن جابر الحمصي يروي عن عبد الرحمن بن جبير لا عن أبيه جبير ابن نفير (عن عبد الله بن معاوية الغاضري) صحابي نزل حمص قال أبو حاتم الرازي وابن حبان له صحبة كذا في الإصابة قال المنذري الحديث أخرجه أبو داود منقطعا وذكره أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة مسندا وذكره أيضا أبو القاسم الطبراني وغيره مسندا
[ 325 ]
وعبد الله بن معاوية هذا له صحبة وهو معدود في أهل حمص وقيل إنه روى عن النبي حديثا واحدا انتهى (من غاضرة قيس) غاضرة هو أبو قبيلة قال في اللسان والغواضري يكون آل قيس وغاضرة قبيلة من أسد وهم بنو غاضرة بن بغيض بن ريث ابن غطفان بن سعد وغاضرة حي من بني غالب بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وغاضرة أمه وغاضرة بطن من ثقيف ومن بني كندة هكذا في تاج العروس وفي المغني لمحمد طاهر الغاضري بكسر الضاد المعجمة منسوب إلى غاضرة بن مالك ومنه عبد الله بن معاوية والله أعلم (رافدة عليه) الرافدة فاعلة من الرفد وهو الإعانة يقال رفدته أرفده إذا أعنته أي تعينه نفسه على أداء الزكاة (ولا الدرنة) بفتح الدال المهملة بعدها راء مكسورة ثم نون وهي الجرباء قاله الخطابي وأصل الدرن الوسخ كما في القاموس (ولا الشرط) بفتح الشين المعجمة والراء قال أبو عبيد هي صغار الما وشراره وقال الخطابي والشرط رذالة المال (اللئيمة) البخيلة باللبن ويقال لئيم للشحيح مع والدني النفس والمهين (ولكن من وسط أموالكم) فيه دليل على أنه ينبغي أن يخرج الزكاة من أوساط المال لا من شراره ولا من خياره (لم أجد عليه) أي لم أجد على ذمته من الصدقة المفروضة (إلا ابنة مخاض) وهي التي أتى عليها حول ودخلت في السنة الثانية (فقال ذاك) أي بنت المخاض لا ينتفع بها لا بلبن ولا بركوب (فتية) بفتح الفاء وتشديد الياء الشابه القوية (أن تأتيه) أي رسول الله (ما عرضت) ما
[ 326 ]
موصولة (فخرج) الرجل (أن ما علي) اسم أن فيه) في مالي (ابنه مخاض) خبر أن (وها) للتنبيه (هي) الناقة (ذه) هذه موجودة (ذاك) أي بنت مخاض (الذي عليك) فرض قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم اختلاف الأئمة في الاحتجاج بحديثه انتهى قلت محمد بن إسحاق ههنا صرح بالتحديث فتقبل روايته لأنه ثقة وثقه جماعة من الأئمة وإنما نقم عليه التدليس (بعث معاذا) بضم الميم أي أرسل وكان بعثه سنة عشر قبل حج النبي كما ذكره البخاري في أواخر المغازي وفيه أقوال أخرى ذكرها الواقدي وابن سعد واتفقوا على أنه لم يزل باليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر ثم توجه إلى الشام فمات بها (أهل الكتاب) اليهود والنصارى قال الطيبي قيد قوله قوما أهل الكتاب ومنهم أهل الذمة وغيرهم من المشركين تفضيلا لهم أو تغليبا على غيرهم (فادعهم) إنما وقعت البداية بالشهادتين لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شئ غيرهما إلا بهما فمن كان منهم غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين ومن كان موحدا فالمطالبة بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة وإن كانوا ما يقتضي الإشراك أو يستلزمه فيكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم (فإن هم أطاعوك لذلك) استدل به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع
[ 327 ]
حيث دعوا أولا إلى الإيمان فقط ثم دعوا إلى العمل ورتب عليه بالفاء وفيه بحث ذكره الحافظ في الفتح (صدقة) أي زكاة لأموالهم (تؤخذ من أغنيائهم) استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه فمن أمتنع منهم أخذت منه قهرا (في فقرائهم) أي المسلمين واستدل به على أنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد قال الخطابي وقد يستدل به من لا يرى المديون زكاة إذا لم يفضل من الدين الذي عليه قدر نصاب لأنه ليس بغني إذا خرج ماله مستحقا لغرمائه وفيه دليل على أن تدفع إلى جيرانها وأن لا تنقل من بلد إلى بلد آخر انتهى وجوز البخاري والحنفية نقل الزكاة ومعهم أدلة صحيحة والله أعلم (وكرائم أموالهم) منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره والكرائم جمع كريمة أي نفيسة وفيه دليل على أنه لا يجوز للمصدق أخذ خيار المال لأن الزكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب ذلك الإجحاف بالمالك إلا برضاه قال الطيبي فيه دليل على أن تلف المال يسقط الزكاة ما لم يقصر في الأداء وقت الإمكان أي بعد الوجوب (واتق دعوة المظلوم) فيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ كرائم الأموال الإشارة إلى أن أخذها ظلم (حجاب) أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع والمراد مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه وإسناده حسن وقد احتج به أنها تجب في مال المجنون والطفل الغني لعموم قوله من أغنيائهم قاله عياض وفيه بحث وفيه دليل على بعث السعاة وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به وقد استشكل عدم ذكر الصوم والحج في الحديث مع أن بعث معاذ كان في آخر الأمر كما تقدم وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك تقصير من بعض الرواة وتعقب بأنه يفضي إلى ارتفاع الوثوق بكثير من الأحاديث النبوية لاحتمال الزيادة والنقصان وأجار الكرماني بأن اهمتام سعيد الشارع بالصلاة والزكاة أكثر ولهذا كرر في القرآن فمن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان اسلام كذا في فتح الباري ملخصا محررا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 328 ]
(المعتدي) هو أن يعطي الزكاة غير مستحقيها وقيل أراد أن الساعي إذا أخذ خيار المال ربما منعها في السنة الأخرى فيكون سببا في ذلك فهما في الإثم سواء قال في شرح السنة معنى الحديث أن على المعتدي في الصدقة من الإثم ما على المانع فلا يحل لرب المال كتمان المال وإن اعتدى عليه الساعي قال الطيبي يريد أن المشبه به في الحديث ليس بمطلق بل مقيد بقيد الاستمرار في المنع فإذا فقد القيد فقد التشبيه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث أنس حديث غريب من هذا الوجه وقد تكلم أحمد بن حنبل في سعد بن سنان انتهى وسعد بن سنان كندي مصري تكلم فيه غير واحد من الأئمة واختلف فيه فقيل سعد بن سنان وقيل سنان بن سعد وقال البخاري والصحيح سنان بن سعد وذكره أبو سعيد بن يونس في تاريخ المصريين في باب سنان ولم يذكر سواه انتهى كلامه باب رضاء المصدق أي الساعي الذي يأخذ الصدقات من الناس (من بني سدوس) صفة رجل (الخصاصية) بتشديد الياء تحتها نقطتان كذا في جامع الأقال الطيبي وقيل بالتخفيف وهو بشير بن معبد وقيل بشير بن يزيد وهو المعروف بابن الخصاصية بتشديد الياء وهي أمه وقيل منسوبة إلى خصاص وهو قبيلة من أزد (إن أهل الصدقة) أي أهل أخذ الصدقة من العمال (يعتدون
[ 329 ]
علينا) أي يظلمون ويتجاوزون ويأخذون أكثر مما وجب علينا (فقال لا) قال ابن الملك وإنما لم يرخص لهم في ذلك لأن كتمان بعض المال خيانة ومكر ولأنه لو رخص لربما كتم بعضهم على عامل غير ظالم والحديث أخرجه أيضا عبد الرزاق وسكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده ديسم السدوسي ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول وفي الباب عن جرير بن عبد الله وأبي هريرة عند البيهقي والحديث استدل به على أنه لا يجوز كتم شئ عن المصدقين وإن ظلموا وتعدوا قال ابن رسلان لعل المراد بالمنع من الكتم أن ما أخذه الساعي ظلما يكون في ذمته لرب المال فإن قدر المالك على استرجاعه منه استرجعه وإلا استقر في ذمته (رفعه عبد الرزاق عن معمر) معنى هذا الكلام أن في رواية حماد عن أيوب أن بشير بن الخصاصية قال قلنا ولم يذكر لمن قال هذا القول للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون الحديث مرفوعا أو للخلفاء بعده فيكون موقوفا وأما معمر عن أيوب فصرح في روايته أنه قال قلنا يارسول الله فمعمر عن أيوب رفعه وحماد عن أيوب لم يرفعه والله أعلم (جابر بن عتيك) بفتح العين وكسر التاء الفوقية (سيأتيكم ركب) وهو اسم جمع للراكب أي سعاة وعمال للزكاة (مبغضون) بفتح الباء والغين المشددة أي يبغضون طبعا لا شرعا لأنهم يأخذون محبوب قلوبهم وقيل بسكون الباء وفتح الغين المخففة أي تبغضونهم لأنهم يأخذون الأموال (فإذا جاؤوكم فرحبوا بهم) أي قولوا لهم مرحبا وأهلا وسهلا وأظهروا الفرح بقدومهم وعظموهم (وخلوا) أي اتركوا (بينهم وبين ما يبتغون) أي ما يطلبون من الزكاة قال ابن الملك يعني لا تمنعون وإن ظلموكم لأن مخالفتهم مخالفة السلطان لانهم مامورون من جهته
[ 330 ]
ومخالفة السلطان تؤدي تؤدي إلى الفتنة وهو كلام المظهر بناء على أنه عم الحكم في جميع الأزمنة قال الطيبي وفيه بحث لأن العلة لو كانت هي المخالفة لجاز الكتمان لكنه لم يجز لقوله في الحديث أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون قال لا (فإن عدلوا) أي في أخذ الزكاة (فلأنفسهم) أي فلهم الثواب (وإن ظلموا) بأخذ الزكاة أكثر مما وجب عليكم أو أفضل مما وجب (فعليها) أي فعلى أنفسهم إثم ذلك الظلم وعليكم الثواب بتحمل ظلمهم (وأرضوهم) أي اجتهدوا وبالغوا في إرضائهم بأن تعطوهم الواجب من غير مطل ومكث ولا غش ولا خيانة (فإن تمام زكاتكم) أي كمالها كما وجب (رضاهم) بالقصر وقد يمد أي حصول رضائهم ما أمكن (وليدعوا) بسكون اللام وكسرها (لكم) هو أمر ندب لقابض الزكاة ساعيا أو مستحقا أن يدعوا للمزكي وعلى تقدير أن تكون اللام مفتوحة للتعليل يكون المعنى أرضوهم لتتم زكاتكم وليدعوا وفيه إشارة إلى أن استرضاء سبب لحصول الدعاء ووصول القبول قال الطيبي فالمعنى أنه سيأتيكم عمال يطلبون منكم زكاة أموالكم والنفس مجبولة على حب المال فتبغضونه بكر وتزعمون أنهم ظالمون وليسوا بذلك وقوله عدلوا وظلموا مبني على هذا الزعم ولو كانوا ظالمين في الحقيقة والواقع كيف يأمرهم بالدعاء لهم بقوله ويدعوا لكم قال المنذري في إسناده أبو الغصن وهو ثابت بن قيس المدني الغفاري مولاهم وقيل مولى عثمان بن عفان وقال الإمام أحمد بن حنبل ثقة وقال يحيى بن معين وقال مرة ليس بذاك صالح وقال مرة ليس به بأس قال المنذري وفي الرواة خمسة كل منهم اسمه ثابت بن قيس لا نعرف فيهم من تكلم فيه غيره انتهى كلامه (عن محمد بن أبي إسماعيل) أي عبد الواحد بن زياد وعبد الرحيم بن سليمان كلاهما
[ 331 ]
يرويان عن محمد بن أبي إسماعيل (فقال أرضوا مصدقيكم) معناه أرضوهم ببذل الواجب وملاطفتهم وترك مشاقتهم وهذا محمول على ظلم لا يفسق به الساعي إذ لو فسق لانعزل قد ولم يجب الدفع إليه بل لا يجزى (ما صدر عني) ما رجع عني وأخرجه مسلم والنسائي باب دعاء المصدق لأهل الصدقة (قال كان أبي) أي أبو أوفى (من أصحاب الشجرة) أي الذين بايعوه صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان تحت الشجرة (قال اللهم صلي على آل فلان) وفي بعض الرواية على فلان وفي أخرى عليهم (على آل أبي أوفى) يريد أبا أوفى نفسه لأن ال يطلق على ذات الشئ كقوله في قصة أبي موسى لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود وقيل لا يقال ذلك إلا حق الرجل الجليل القدر واسم ابي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي شهد هو وابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة واستدل بهذا الحديث على جواز الصلاة على غير الأنبياء وكراهه وفي مالك وأكثر العلماء قال ابن التين وهذا الحديث يعكر عليه وقد قال جماعة من العلماء يدعو آخذ الصدقة للمصدق بهذا الدعاء لهذا الحديث وأجيب عنه بأن أصل الصلاة الدعاء إلا أنه يختلف بحسب المدعو له فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته دعاء لهم بالمغفرة وصلاة أمته دعاء بزيادة القربة والزلفى ولذلك كانت لا تليق بغيره وفيه دليل على أنه يستحب الدعاء عند أخذ الزكاة لمعطيها وأوجبه بعض أهل الظاهر وحكاه الحناطي وجها لبعض الشافعية وأجيب
[ 332 ]
بأنه لو كان واجبا لعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم السعاة ولأن سائر ما يأخذه الإمام من الكفارات والديون وغيرها لا يجب عليه فيه الدعاء فكذلك الزكاة وأما اية فيحتمل أن يكون الوجوب خاصا به لكون صلاته صلى الله عليه وسلم سكنا لهم بخلاف غيره وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه باب تفسير أسنان الإبل جمع سن بمعنى العمر وهي مؤنثة قال في اللسان وجمعها أسنان لا غير وفي حديث عثمان وجاوزت أسنان أهل بيتي أي أعمارهم والمعنى باب أعمار الإبل وأما السن من الفم فهي مؤنثة أيضا وجمعها الأسنان أيضا مثل حمل وأحمال والله أعلم (سمعته من الرياشي) بكسر الراء ثم الياء التحتانية المخففة اسمه عباس بن الفرج البصري النحوي وثقه ابن حبان والخطيب (وأبي حاتم) الرازي اسمه محمد بن إدريس الحافظ الكبير روى عن ابن معين وأحمد والأصمعي وجماعة قال النسائي ثقة وقال الخطابي كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات (من كتاب النضر بن شميل) الكوفي النحوي وثقه ابمعين والنسائي وكتابه في غريب الحديث (ومن كتاب أبي عبيد) القاسم بن سلام البغدادي صاحب التصانيف قال أبو داود ثقة مأمون وكتابه في غريب الحديث (وربما ذكر أحدهم) ممن ذكر وأوهم الرياشي وأبو حاتم والنضر وأبو عبيد (الكلمة) مفعول ذكر أي ذكر واحد منهم بعض الألفاظ ولم يذكره غيره والحاصل أني أحرر الألفاظ في تفسير الأسنان آخذا من كلام هؤلاء فربما اتفقوا جميعهم على تفسير بعض الألفاظ وربما انفرد به بعض دون بعض ولكن أنا لا أتركه بل أحرره على وجه الاستيعاب والله أعلم (يسمى الحوار) بضم الحاء وقد تكسر ولد الناقة ساعة تضعه أو إلى أن يفصل عن أمه كذا في القاموس وفي الصحاح الحوار ولد الناقة ولا يزال حوارا حتى يفصل فإذا فصل عن أمه فهو فصيل (حق وحقة) قال الجوهري الحق بالكسر ما كان من الإبل ابن ثلاث سنين وقد دخل في الرابعة والأنثى حقة وحق أيضا سمي بذلك لاستحقاقه أن
[ 333 ]
يحمل عليه أن ينتفع به (لأنها) أي الحقة (الفحل) للذكر من الإبل أي يضربها الفحل ويقضي حاجته منها (وهي تلقح) يقال لقحت الناقة تلقح إذا حملت فاستبان حملها والمعنى أن الناقة إلى تمام أربع سنين تكون قابلة لضرب الفحل وتكون حاملة (ولا يلقح) بصيغة المجهول (الذكر) قال في القاموس وشرحه واللقاح اسم ماء الفحل من الإبل أو الخيل هذا هو الأصل والمعنى أن الذكر من الإبل لا يصير قابلا للضرب وصب ماء الفحل (حتى يثني) الإبل أي يستكمل ستا من السنين بإلقاء ثنيته قال في لسان العرب الثنية واحدة الثنايا من السن وثنايا الإنسان في فمه الأربع التي في مقدم فيه ثنتان من فوق وثنتان من أسفل قال ابن سيده وللإنسان والخف والسبع ثنيتان من فوق وثنيتان من أسفل والثني من الإبل الذي يلقي ثنيته وذلك في السادسة وإنما سمي البعير ثنيا لأنه ألقى ثنيته قال الجوهري الثني الذي يلقى ثنيته ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في السنة السادسة (وألقى السن السديس) بفتح السين وكسر الدال هو السن التي بعد الرباعية والسديس والسدس من الإبل والغنم الملقي سديسه وقد أسدس البعير إذا ألقى السن بعد الرباعية وذلك في السنة الثامنة (بعد الرباعية) قال في اللسان والرباعية مثل الثمانية إحدى الأسنان الأربعة التي تلي الثنايا بين الثنية والناب تكون للانسان وغيره والجمع رباعيات قال الأصمعي ل نسان من فوق ثنيتان ورباعيتان بعدهما ونابان وضاحكان وستة أرحاء من كل جانب وناجذان وكذلك من أسفل قال أبو زيد وللحافر بعد الثنايا أربع رباعيات وأربعة قوارح وأربعة أنياب وثمانية أضراس يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رباعيته رباع وللأنثى رباعية بالتخفيف وذلك إذا دخلا في السنة السابعة (فهو سديس) بفتح السين وكسر الدال (وسدس) بفتح السين وفتح الدال المهملتين قال في اللسان السديس من الإبل ما دخل في السنة الثامنة وذلك إذا ألقى السن التي
[ 334 ]
بعد الرباعية والسدس بالتحريك السن قبل البازل يستوي فيه المذكر والمؤنث لأن الإناث في الأسنان كلها بالهاء إلا السدس والسديس والبازل (طلع نابه) الناب هي السن التي خلف الرباعية (فهو بازل أي بزل نابه يعني طلع) قال الأصمعي وغيره يقال للبعير إذا استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة وفطرنا به فهو حينئذ بازل وكذلك الأنثى بغير هاء جمل بازل وناقة بازل وهو أقصى أسنان البعير سمي بازلا من البزل وهو الشق وذلك أن نابه إذا طلع يقال له بازل لشقه اللحم عن منبته شقا (مخلف) بضم الميم وسكون الخاء وكسر اللام قال في اللسان والإختلاف أن يأتي على البعير البازل سنة بعد بزوله يقال بعير مخلف والمخلف من الإبل الذي جاز البازل وفي المحكم المخلف بعد البازل وليس بعده سن ولكن يقال مخلف عام أو عامين وكذلك ما زاد والأنثى بالهاء وقيل الذكر والأنثى فيه سواء انتهى (بازل عام) بالإضافة (وبازل عامين) قال في تاج العروس وقولهم بازل عام وبازل عامين إذا مضى له بعد البزول عام أو عامان انتهى وكذا معنى قولهم مخلف عام ومخلف عامين إذا مضى له بعد الإخلاف عام أو عامان أو ثلاثة أعوام إلى خمس سنين (والخلفة) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الحامل من النوق وتجمع على خلفات وخلائف (والجذوعة) بفتح الجيم وضم الذال المعجمة بعدها واو هكذا في جميع النسخ بزيادة الواو بعد الذال والذي في القاموس ما نصه الجذع محركة قبل الثني وهي بهاء اسم له في زمن وليس بسن تنبت أو تسقط انتهى وفي لسان العرب الجذع الصغير السن والجذع اسم له في زمن ليس بسن تنبت ولا تسقط وتعاقبها أخرى فأما البعير فإنه يجذع لاستكماله كل أربعة أعوام ودخوله في السنة الخامسة وهو قبل ذلك حق والذكر جذع والأنثى جذعة وهي التي أوجبها النبي صلى الله عليه وسلم في صدقة الإبل إذا جاوزت ستين وليس في صدقات الإبل سن فوق الجذعة ولا يجزئ الجذع من الإبل في الأضاحي (وفصول الأسنان) أي أعمار الإبل (عند طلوع سهيل) بضم السين قال في لسان العرب سهيل كوكب يمان قال الزهري سهيل كوكب لا يرى بخراسان ويرى بالعراق قال الليث بلغنا أن سهيلا كان عشارا على طريق اليمن ظلوما فمسخه الله تعالى كوكبا وقال ابن كناسة سهيل يرى بالحجاز وفي جميع أرض العرب ولا يرى بأرض أرمنية وبين رؤية أهل
[ 335 ]
الحجاز سهيلا ورؤية أهل العراق إياه عشرون يوما ويقال إنه يطلع عند نتاج الإبل فإذا حالت السنة تحولت أسنان الإبل والمعنى أن حساب أسنان الإبل أي أعمارها عند طلوع سهيل لأن سهيلا إنما يطلع في زمن نتاج الإبل فحساب عمرها إنما يكون من زمن طلوعه فالإبل التي كانت ابن لبون تصير عند طلوع سهيل حقا وقلما تنتج الإبل غير زمن طلوع سهيل فالإبل التي تلد في غير زمنه لا بحسب سنها من طلوع سهيل بل بولادتها وإليه أشار الشاعر (إذا سهيل) كوكب يمان (أول الليل) في فصل طلوعه (طلع) وفي لسان العرب إذا سهيل (مطلع الشمس طلع) أي لفظ مطلع الشمس بدل أول الليل لكن ما نقله أبو داود أحسن منلأن من المعلوم أن الكواكب بأسرها تطلع مطلع الشمس أي جهة المشرق فلا فائدة في ذكره مع قوله طلع بخلاف ما في الكتاب فإن الكواكب مختلفة الطلوع فبعضها تطلع أول الليل وبعضها وسطه وبعضها آخره فذكره مفيد واعلم أن ما ذكره المؤلف أبو داود رحمه الله ههنا مما أنشده الرياشي ثلاث أبيات أحدها قوله إذا سهيل أول الليل طلع والثاني فابن اللبون الحق والحق جذع والثالث لم يبق من أسنانها غير الهبع وكلها من مشطور الرجز والقافية متراكب وهذا على قول غير الخليل وأما الخليل فإنه لا يعده شعرا وكان الشعر عنده ما له مصراعان وعروض وضرب أصل الرجز مستفعلن ست مرات وهو في الاستعمال يسدس تارة على الأصل ويربع مجزوا أخرى ويثلث مشطورا ثالثة وسمي المثلث مشطورا والتفصيل في علمي العروض والقوافي (فابن اللبون) التي دخلت في الثالثة وهو مبتدأ (الحق) التي دخلت في الرابعة وهو خبره والجملة جواب الشرط (والحق) مبتدأ (جذع) التي دخلت في الخامسة خبره والجملة معطوفة على جملة جواب الشرط المعنى أنه إذا طلع سهيل أول الليل صار ابن اللبون حقا وصار الحق جذعا وكذا صار الجذع ثنيا والثني رباعيا والرباعي سديسا وهكذا لما سبق من أن سهيلا يطلع أو الليل عند نتاج الإبل
[ 336 ]
فإذا حالت السنة بطلوع سهيل تحولت أسنان الإبل ثم قال الشاعر (لم يبق من أسنانها) الإبل (غير الهبع) يعن أن الإبل على قسمين أحدهما وهو الأكثر ما يولد زمن طلوع سهيل أو الليل والثاني ما يولد في غير زمنه وقد مر ذكر أسنان القسم الأول في البيتين السابقين فلم يبق من أسنان الإبل غير مذكور إلا القسم الثاني وهو الذي يقال له الهبع على ما قال المؤلف (والهبع الذي يولد) بصيغة المجهول (في غير حينه) أي حين طلوع سهيل أو الليل قال في اللسان الهبع الفصيل الذي ينتج في الصيف وقيل هو الفصيل الذي فصل في آخر النتاج قال ابن السكيت العرب تقول ماله هبع ولا ربع فالربع ما نتج في أول الربيع والهبع ما نتج في الصيف هذا كله من غاية المقصود شرح سنن أبي داود باب أين تصدق الأموال (قال لا جلب) أي بفتحتين بمعنى لا يقرب العامل أموال الناس إليه لما فيه من المشقة عليهم بأن ينزل الساعي محلا بعيدا عن الماشية ثم يحضرها وإنما ينبغي له أن ينزل على مياههم أو أمكنة مواشيهم لسهولة الأخذ حينئذ ويطلق الجلب أيضا على حث فرس السباق على قوة الجري بمزيد الصياح عليه لما يترتب عليه من إضرار الفرس (ولا جنب) بفتحتين أي لا يبعد صاحب المال المال بحيث تكون مشقة على العامل (ولا تؤخذ) بالتأنيث وتذكر (إلا في دورهم) أي منازلهم وأماكنهم ومياههم وقبائلهم على سبيل الحصر لأنه كنى بها عنه فإن أخذ الصدقة في دورهم لازم لعدم بعد الساعي عنها فيجلب إليه ولعدم بعد المزكي فإنه إذا بعد عنها لم يؤخذ فيها وحاصله أن آخر الحديث مؤكد لأوله أو إجمال لتفصيله كذا في المرقاة
[ 337 ]
(والجنب عن هذه الفريضة) أي في فريضة الزكاة ولا في السباق (أيضا) يجئ بمعنى (لا يجنب) بصيغة المجهول (أصحابها) أي أصحاب الأموال (ولا يكون الرجل) الساعي المصدق (أصحاب الصدقة) أي مالك المواشي (فتجنب بصيغة المجهول أي تحضر المواشي إليه) إلى المصدق (لكن تؤخذ) المواشي (في موضعه) أي صاحب الأموال قال ابن الأثير في النهاية الجلب يكون في شيئين أحدهما في الزكاة وهو أن يقدم المصدق على أهل الزكاة فينزل موضعا ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها فنهى عن ذلك وأمر أن تؤخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم الثاني أن يكون في السباق وهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثا له على الجري فنهى عن ذلك والجنب بالتحريك في السباق أن يجنب فرسا إلى فرسه الذي يسابق عليه فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب وهو في الزكاة أن ينزل العامل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه أي تحضر فنهوا عن ذلك وقيل هو أن يجنب رب المال بماله أي يبعده عن مواضعه حتى يحتاج العامل إلى الإبعافي اتباعه وطلبه انتهى كلامه قال المنذري وأخرجه أبو داود في الجهاد من حديث الحسن البصري عن عمران بن الحصين وليس فيه ولا تؤخذ صدقاتهم في دورهم وأخرجه أيضا من هذا الوجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح هذا آخر كلامه وقد ذكر علي بن المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهما من الأئمة أن الحسن لم يسمع من عمران ابن حصين انتهى كلامه باب الرجل يبتاع صدقته (فوجده يباع) أي أصابه حال كونه يباع بضم الياء مبنيا للمفعول وفيه دلالة على أن فرس الصدقة ما كان على سبيل الوقف بل ملكه له ليغزو عليه إذ لو وقفه لما صح أن يبتاعه قاله
[ 338 ]
القسطلاني (فقال لا تبتاعه) فيه النهي عن الرجوع في الهبة وعن شراء الرجل صدقته قال ابن بطال كره أكثر العلماء شراء الرجل صدقته لحديث عمر رضي الله عنه وهو قول مالك والكوفيين والشافعي سواء كانت الصدقة فرضا أو نفلا فإن اشترى أحد صدقته لم يفسخ بيعه وأولى به التنزه عنها وكذا قولهم فيما يخرجه المكفر في كفارة اليمين وأجمعوا على أن من تصدق بصدقة ثم ورثها فإنها حلال له قاله العيني وقا ابن المنذر ليس لأحد أن يتصدق ثم يشتريها للنهي الثابت ويلزم من ذلك فساد البيع إلا إن ثبت الإجماع على جوازه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي باب صدقة الرقيق (ليس على المسلم) قال ابن حجر المكي يؤخذ منه أن شرط وجوب زكاة المال بأنواعها الإسلام ويوافقه قول الصديق في كتابه قال علي القاري هذا حجة على من يقول إن الكفار مخاطبون بالشرائع في الدنيا بخلاف من يقول إن الكافر مخاطب بفروع الشريعة بالنسبة للعقاب عليها في الآخرة كما أفهمه قوله تعالى فويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وقالوا لم نك نطعم المسكين وعليه جمع من الحنفية والأصح عند الشافعي (في عبده ولا في فرسه صدقة) أي الذين لم يعدا للتجارة وبه قال مالك والشافعي وغيرهما وأوجبها أبو حنيفة في أناثى الخيل دينارا في كل فرس أو يقومها صاحبها ويخرج من كل مائتي درهم خمسة
[ 339 ]
دراهم كذا ذكره ابن حجر المكي قال ابن الملك هذا حجة لأبي يوسف ومحمد في عدم وجوب الزكاة في الفرس وللشافعي في عدم وجوبها في الخيل والعبيد مطلقا في قوله القديم وذهب أبو حنيفة إلى وجوبها في الفرس والعبيد إذا لم يكن للخدمة وحمل العبد على العبد للخدمة والفرس على فرس الغازي وفي فتح الباري قال ابن رشيد لا خلاف في عدم وجوب الزكاة في العبد المتصرف والفرس المعد للركوب ولا خلاف أيضا أنها لا تؤخذ من الرقاب وإنما قال بعض الكوفيين يؤخذ منها بالقمية ولعل البخاري أشار في ترجمة الباب إلى حديث علي مرفوعا عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة الحديث أخرجه أبو داود وإسناده حسن والخلاف في ذلك عن أبي حنيفة إذا كانت الخيل ذكرانا وإناثا نظرا إلى النسل فإذا انفردت فعنه روايتان ثم عنده أن المالك يتخير بين أن يخرج عن كل فرس دينارا أو يقوم ويخرج ربع العشر واستدل عليه بهذا الحديث وأجيب بحمل النفي فيه على الرقبة لا على القيمة واستدل به من قال من أهل الظاهر بعدم وجوب الزكاة فيهما مطلقا ولو كانا للتجارة وأجيبوا بأن زكاة التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث والله أعلم قال المنذري أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وحديث محمد بن المثنى ومحمد بن يحيى بلفظ ليس في الخيل قال المنذري في إسناده رجل مجهول وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر انتهى باب صدقة الزرع (فيما سقت السماء) المراد بذلك المطر أو الثلج أو البرد أو الطل وهو خبر مقدم (العشر) مبتدأ مؤخر والبعل بفتح الباء الموحدة وسكن العين المهملة ويروى بضمها قال في القاموس البعل الأرض المرتفعة تمطر في السنة مرة وكل نخل وزرع لا يسقى أو ما سقته السماء انتهى وفي النهاية هو الأشجار التي تشرب بعروقها من الأرض من غير سقي سانية
[ 340 ]
(وفيما سقى بالسواني) جمع سانية وهي بعير يستقى عليه (أو النضح) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بعدها حاء مهملة أي بالسانية أي البعير أو ما سقي من الآبار بالغرب والمراد سقي النخل والزرع بالبعير والبقر والحمر قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (فيما سقت الأنهار والعيون) المراد بالعيون الأنهار الجارية التي يستقى منها من دون اعتراف بآلة بل تساح إساحة (وما سقي بالسواني) جمع سانية هي البعير الذي يستقى به الماء من البئر ويقال له الناضح يقال منه سنا يسنو سنا إذا استقى به والحديث يدل على أنه يجب العشر فيما سقي بماء السماء والأنهار ونحوهما مما ليس فيه مؤنة كثيرة ونصف العشر فيما سقي بالنواضح ونحوها مما فيه مؤنة كثيرة قال النووي وهذا متفق عليه وإن وجد مما يسقى بالنضح تارة وبالمطر أخرى فإن كان ذلك على جهة الاستواء وجب ثلاثة أرباع العشر وهو قول أهل العلم قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافا وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعا للأكثر عند أحمد والثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقيل يؤخذ بالتقسيط قال الحافظ ويحتمل أن يقال إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه وعن ابن القاسم صاحب مالك العبرة بما تم به الزرع ولو كان أقل قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وقال النسائي ورواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قوله ولا نعلم أحدا رفعه غير عمرو بن الحارث وحديث ابن جريج أولى بالصواب وإن كان عمرو أحفظ منه وعمرو من الحفاظ روى عنه مالك انتهى وإذا كان عمرو أحفظ من ابن جريج وقد رفعه فالرفع فيه زيادة وزيادة الثقة مقبولة وكأن حديث عمور أولى بالترجيح والله أعلم (الكبوس) قال الجوهري كبست النهر والبئر كبسا طممتهما % بالتراب واسم ذلك
[ 341 ]
التراب كبس بالكسر انتهى وفي اللسان وقد كبس الحفرة يكبسها كبسا طواها بالتراب وغيره (والبعير من الإبل) أي إذا كانت كثيرة وإلا فيما دون خمس وعشرون يؤخذ الشياه والحاصل أن الأصل أن تؤخذ الزكاة من المال الذي يجب فيه الزكاة والله أعلم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه باب زكاة العسل (قال جاء هلال أحد بني متعان) بدل من هلال متعان بضم الميم وسكون المثناة بعدها مهملة (نحل له) أي لهلال والنحل هو ذباب العسل والمرا العسل (يحمي واديا) كان فيه النحل ومعنى يحمي أي يحفظه حتى لا يطمع فيه أحد (سلبه) بفتح المهملة واللام والباء الموحدة هو ولد لبني متعان قاله البكري في معجم البلدان (ولي) بكسر لام مخففة على بناء الفاعل أو مشددة على بناء المفعول (إن أدى) أي هلال (صح) أي احفظ (له) لهلال واستدل بأحاديث الباب على وجوب العشر في العسل أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وحكاه الترمذي عن
[ 342 ]
أكثر أهل العلم وحكاه بعض عن عمر وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وأحد قولي الشافعي وقد حكى البخاري وابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن عمر بن عبد العزيز أنه لا يجب في العسل شئ من الزكاة وروى عنه عبد الرزاق أيضا مثل ما روى عنه بعض ولكنه إسناده ضعيف كما قال الحافظ في الفتح وذهب الشافعي ومالك وحكاه ابن عبد البر عن الجمهور إلى عد وجوب الزكاة في العسل وأشار العراقي في شرح الترمذي إلى أن الذي نقله ابن المنذر عن الجمهور أولى من نقل الترمذي قال الشوكاني حديث هلال لا يد على وجوب الزكاة في العسل لأنه تطوع بها وحمى له بدل ما أخذ ويؤيد عدم الوجوب ما تقدم من الأحاديث القاضية بأن الصدقة إنما تجب في أربعة أجناس ويؤيده أيضما رواه الحميدي بإسناده إلى معاذ بن جبل أنه أتي بوقص البقر والعسل فقال معا كلاهما لم يأمرني فيه صلى الله عليه وآله وسلم بشئ انتهى كلامه مختصرا (وإلا فإنما هو ذباب غيث) أي وإن لم يؤدوا عشور النحل فالعسل مأخوذ من ذباب النحل وأضاف الذباب إلى الغيث لأن النحل يقصد مواضع القطر لما فيها من العشب والخصب (يأكله من يشاء) يعني العسل فالضمير المنصوب راجع إلى النحل وفيه دليل على أن العسل الذي يوجد في الجبال يكون من سبق إليه أحق به قاله الشوكاني قال السندي وإلا فإنما هو ذباب غيث أي وإلا فلا يلزم عليك حفظه لأن الذباب غير مملوك فيحل لمن يأخذه وعلم أن الزكاة فيه غير واجبة على وجه يجبر صاحبه على الدفع لكن لا يلزم الإمام حمايته إلا بأداء الزكاة انتهى قال المنذري وأخرج النسائي وأخرجه ابن ماجه طرفا منه وتقدم الكلام على حديث عمرو بن شعيب وقال البخاري وليس في زكاة العسل شئ يصح وقال الترمذي ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شئ وقال أبو بكر بن المنذر ليس في وجوب صدقة العسل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع فلا زكاة فيه انتهى (ونسبه) أي نسب أحمد بن عبدة المغيرة إلى عبد الرحمن إلى المغيرة هو ابن عبد الرحمن ابن الحارث (حدثني أبي) هو عبد الرحمن ابن الحارث (أن شبابة) بفتح الشين المعجمة وببائين فلا الموحدتين بينهما ألف بطن من فهم نزلوا السراة أو الطائف قال في المغرب بنو شبابة قوم بالطائف من خثعم كانوا
[ 343 ]
يتخذون النحل حتى نسب إليهم العسل فقيل عسل شبابي انتهى (وقال) أي عبد الرحمن ابن الحارث في روايته (سفيان بن عبد الله الثقفي) مكان سفيان بن وهب وتابع عبد الرحمن أسامة بن زيد كما يجئ من رواية الطبراني وأما عمرو بن الحارث المصري فقال سفيان بن وهب والصحيح سفيان بن عبد الله الثقفي وهو الطائفي الصحابي وكان عامل عمر على الطائف (يحمي) من التفعيل (واديين) بالتثنية ويجئ تمام الحديث (وحمى) من التفعيل أي عمر بن الخطاب (وادييهم) بالتثنية (أسامة بن زيد) الحديث أخرجه الطبراني في معجمه من طريق أحمد ابن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن بني شبابة بطن من فهما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نحل كان لهم العشر من كل عشر قرب قربة وكان يحمي واديين لهم فلما كان عمر استعمل على ما هناك سفيان بن عبد الله الثقفي فأبوا أن يؤدوا إليه شيئا وقالوا إنما كنا نؤديه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب سفيان إلى عمر فكتب إليه عمر إنما النحل ذباب غيث يسوقه الله عزوجل رزقا إلى من يشاء فإن أدوا إليك ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحم لهم أوديتهم وإلا فخل بينه وبين الناس فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمى لهم أوديتهم وأخرج أيضا ابن الجارود في المنتفى أخبرنا بحر بن نصر أن ابن وهب أخبرهم قال أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم عن عبد الرحمن ابن الحارث المخزومي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فذكر الحديث نحوه مختصرا وأخرجه أيضا أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال كذا في غاية المقصود شرح سنن أبي داود باب في خرص العنب (الناقط) قال في التقريب الناقد ويقال بالطاء بدل الدال مقبول من العاشرة (عتاب)
[ 344 ]
بفتح الهمزة المهملة وتشديد المثناة الفوقية آخره موحدة (ابن أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وسكون المثناة التحتية (أن يخرص العنب كما يخرص النخل) أي يحرز ويخمن العنب (زكاته) أي المخروص قال ابن الملك أي إذا ظهر في العنب والتمر حلاوة يقدر الخارص أن هذا العنب إذا صار زبيبا كم يكون فهو حد الزكاة إن بلغ نصابا انتهى وقال في السبل وصفة الخرص أن يطوف بالشجر ويرى جميع ثمرتها ويقول خرصها كذا وكذا رطبا ويجئ منه كذا وكذا يابسا واعلم أن النص ورد بخرص النخل والعنب قيل ويقاس عليه غيره مما يمكن ضبطه وإحاطة النظر به وقيل يقتصر على محل النص وهو الأقرب لعدم النص على العلة ويكفي فيه خارص واحد عدل لأن الفاسق لا يقبل خبره عارف لأن الجاهل بالشئ ليس من أهل الاجتهاد فيه لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة وحده يخرص على أهل خيبر ولأنه كالحاكم يجتهد ويعمل فإن أصابت الثمرة جائحة بعد الخرص فقال ابن عبد البر أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحقبل الجداد فلا ضمان وفائدة الخرص أمن الخيانة من رب المال ولذلك يجب عليه البينة في دعوى النقص بعد الخرص وضبط حق الفقراء على الملك ومطالبة المصدق بقدر ما خرصه وانتفاع المالك بالأكل ونحوه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال حديث ابن جريج غير محفوظ وحديث سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أصح هذا آخر كلامه وذكر غيره أن هذا الحديث منقطع وما ذكره ظاهر جدا فإن عتاببن أسيد توفي في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر الصديق ومولد سعيد بن المسيب فخلافة عمر سنة خمس عشرة على المشهور وقيل كان مولده بعد ذلك انتهى كلام المنذري
[ 345 ]
باب في الخرص بفتح الخاء المعجمة وقد تكسر وسكون الراء بعدها صاد مهملة هو حرز ما على النخل من تمر ليحصى على ماله ويعرف مقدار عشره فيثبت على مالكه ويخلى بينه وبين الثمر قاله القسطلاني والباب الأول كان خاصا في خرص العنب وهذا عام في كل شئ من التمر وغير ذلك مما يكال ويوزن والله أعلم (إذ اخرصتم) الخرص تقدير ما على النخل من الرطب ثمرا وما على الكرم من العنب زبيبا ليعرف مقدار عشره ثم يخلى بينه وبين مالكه ويؤخذ ذلك المقدار وقت قطع الثمار وفائدة التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها وهو جائز عند الجمهور خلافا للحنفية وأحاديث الباب ترد عليه قال الطيبي وجواز الخرص هو قول قديم للشافعي وعامة أهل الحديث وعند أصحاب الرأي لا عبرة بالخرص لإفضائه إلى الربا وزعموا أن الأحاديث الواردة فيه كانت قبل تحريم الربا ويرده حديث عتاب فإنه أسلم يوم الفتح وتحريم الربا كان مقدما انتهى (فجذوا) بالجيم ثم الذال المعجمة كذا في بعض نسخ الكتاب هو أمر من الجذ وهو القطع والكسر وفي بعض النسخ فحذوا بالحاء المهملة ثم الذال المعجمة وهكذا في جامع الأصول من رواية أبي داود قال ابن الأثير في النهاية الجذ التقدير والقطع وفي بعض النسخ فجدوا بالجيم والدال المهملة بمعنى القطع وفي بعض النسخ فخذوا بالخاء المعجمة ثم الذال المعجمة من الأخذ وهو موافق لما أخرجه أصحاب السنن وأحمد في مسنده فالمعنى فخذوا أي زكاة المخروص إن سلم المخروص من الآفة قال الطيبي فخذوا جواب للشرط ودعوا عطف عليه أي إذا خرصتم فبينوا مقدار الزكاة ثم خذوا ثلثي ذلك المقدار واتركوا الثلث لصاحب المال حتى يتصدق به (ودعوا الثلث) أي من القدر الذي قررتم بالخرص وقد اختلف في معنى الحديث على قولين أحدهما أن يترك الثلث أو الربع من العشر وثانيهما أن يترك ذلك من نفس الثمر قبل أن يعشر وقال الشافعي معناه أن يدع ثلث الزكاة أو ربعها ليفرقها هو بنفسه على أقاربه وجيرانه وقال في فتح الباري قال بظاهره الليث وأحمد وإسحاق وغيرهم وفهم منه
[ 346 ]
أبو عبيد في كتاب الأموال أن القدر الذي يأكلونه بحسب احتياجهم إليه فقال يترك قدر احتياجهم وقال مالك وسفيان لا يترك لهم شئ وهو المشهور عن الشافعي قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي باب متى يخرص التمر (يبعث) أي يرسل (إلى يهود) أي في خيبر (فيخرص النخل) بضم الراء أي يحزرها (حين يطيب) بالتذكير والتأنيث أي يظهر في الثمار الحلاوة (قبل أن يؤكل منه) هذا الحديث فيه واسطة بين ابن جريج والزهري ولم يعرف وقد رواه عبد الرزاق والدارقطني بدون الواسطة المذكورة وابن جريج مدلس وذكر الدارقطني الاختلاف فيه فقال رواه صالح عن أبي الأخضر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة وأرسله معمر ومالك وعقيل ولم يذكروا أبا هريرة ورواه المؤلف أبو داود هذا الحديث في هذا الباب وفي إسناده رجل مجهول لكن أخرج هو أيضا في كتاب البيوع من حديث أبي الزبير عن جابر قال المنذري رجاله ثقات باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة (الجعرور) بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم الراء وسكون الواو بعدها قال في القاموس هو تمر ردئ (ولون الحبيق) بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون التحتية بعدها قاف كزبير تمر دقل ونوع ردئ من التمر منسوب إلى ابن أبي حبيق اسم رجل واسطة بين ابن جريج والزهري ولم يعرف وقد رواه عبد الرزاق والدارقطني بدون الواسطة المذكورة وابن جريج مدلس وذكر الدارقطني الاختلاف فيه فقال رواه صالح عن أبي الأخضر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة وأرسله معمر ومالك وعقيل ولم يذكروا أبا هريرة ورواه المؤلف أبو داود هذا الحديث في هذا الباب وفي إسناده رجل مجهول لكن أخرج هو أيضا في كتاب البيوع من حديث أبي الزبير عن جابر قال المنذري رجاله ثقات باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة (الجعرور) بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم الراء وسكون الواو بعدها قال في القاموس هو تمر ردئ (ولون الحبيق) بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون التحتية بعدها قاف كزبير تمر دقل ونوع ردئ من التمر منسوب إلى ابن أبي حبيق اسم رجل
[ 347 ]
(لونين) أي نوعين وفيه دليل على أنه لا يجوز للمالك أن يخرج الردئ عن الجيد الذي وجبت فيه الزكاة نصا في التمر وقياسا في سائر الأجناس التي تجب فيها الزكاة وكذلك لا يجوز للمصدق أن يأخذ ذلك (أسنده أيضا أبو الوليد) كما أسنده سفيان بن حسين عن الزهري وكذا أسنده عبد الجليل بن حيمد اليحصبي عن الزهري وروايته عند النسائي فهؤلاء الثلاث أسندوا الحديث عن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما زياد بن سعد عن الزهري فجعله من كلام الزهري وروايته في الموطأ (أبي كريب) بفتح العين المهملة وكسر الراء (وقد علق الرجل) وكانوا يعلقون في المسجد ليأكل منه من يحتاج إليه (قنا حشفا) القنا بالفتح والكسر مقصور وهو العذق بما فيه من الرطب والحشف بفتحتين هو اليابس الفاسد من التمر والقنو بكسر القاف أوضحها وسكون النون مثله وقنوان وأقناء جمعه وبالفارسية خوشة : خرما فطعن في القاموس طعنة بالرمح كمنع نصر ضربه (يأكل الحشف) أي جزاء حشف فسمى الجزاء باسم الأصل ويحتمل أن يجعل الجزاء من صنف الأصل ويخلق الله تعالى في هذا الرجل شهاء الحشف فيأكله قاله السندي قال المنذري أخرجه النسائي وابن ماجه .