عون المعبود
العظيم آبادي ج 3
[ 1 ]
عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية محتوى الجزء الثالث : تتمة كتاب الصلاة أبواب الجمعة - أبواب صلاة العيدين . الطبعة الثانية 1415 ه . 1995 م . دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 3 ]
باب ما جاء في نقصان الصلاة (عن سعيد المقبري) بمفتوحة وسكون قاف وضم موحدة وتفتح وتكسر نسبة إلى موضع القبور (عن عبد الله بن عنمة) بفتح المهملة والنون ويقال اسمه عبد الرحمن المزني يقال له صحبة وروى عن عمار قال المزي في الأطراف وفي رواية محمد ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عمر بن الحكم عن أبي لاس الخزاعي عن عمار بن ياسر قال ابن المديني ولعل أبا لاس هو عبد الله بن عنمة انتهى (إن الرجل لينصرف) أي من صلاته (وما كتب له إلا عشر صلاته) أي عشر ثوابها لما أخل في الأركان والشرائط والخشوع والخضوع وغير ذلك والجملة حالية (تسعها ثمنها سبعها إلخ) بحذف حرف العطف والمعنى أن الرجل قد ينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا عشر ثوابها أو تسعها أو ثمنها إلخ بل قد لا يكتب له شئ من الصلاة ولا تقبل أصلا كما ورد في طائفة من المصلين قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده عمر بن ثوبان ولم يحتج به باب تخفيف الصلاة (يصلي مع النبي) زاد مسلم من رواية منصور عن عمرو عشاء الآخرة فكأن العشاء
[ 4 ]
هي التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين (ثم يرجع فيؤمنا) في رواية منصور المذكورة فيصلي بهم تلك الصلاة وللبخاري في الأدب فيصلي بهم الصلاة أي المذكورة وفي هذا رد على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي غير الصلاة التي يصليها بقومه (قال) جابر (ثم يرجع فيصلي بقومه) وفي بعض الروايات ثم يرجع إلى بني سلمة فيصليها بهم ولا منافاة بين هذه الروايات لأن قومه هم بنو سلمة وجابر بن عبد الله منهم (فقرأ البقرة) أي ابتدأ في قراءتها وبه صرح مسلم ولفظه فافتتح سورة البقرة (فاعتزل رجل من القوم) ولابن عيينة عند مسلم فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة لكن ذكر البيهقي أن محمد بن عباد شيخ مسلم تفرد عن ابن عيينة بقوله ثم سلم وأن الحفاظ من أصحاب ابن عيينة وكذا من أصحاب شيخه عمرو بن دينار وكذا من أصحاب جابر لم يذكروا السلام وكأنه فهم أن هذه اللفظة تدل على أن الرجل قطع الصلاة لأن السلام يتحلل به من الصلاة وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا قال الرافعي في شرح المسند في الكلام على رواية الشافعي عن ابن عيينة في هذا الحديث فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده وهذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته واستأنفها لنفسه لكنه غير محمول عليه لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه انتهى ولهذا استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا ونازع النووي فيه فقال لا دلالة فيه لأنه ليس فيه أنه فارقه وبنى على صلاته بل في الرواية التي فيها أنه سلم دليل على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر قاله الحافظ في الفتح (فقيل نافقت يا فلان) همزة الاستفهام محذوفة وفي رواية الصحيحين فقالوا له أنافقت يا فلان أي أفعلت ما فعله المنافق من الميل والانحراف عن الجماعة والتخفيف في الصلاة قالوه تشديدا له قاله الطيبي (أصحاب نواضح) جمع ناضحة أنثى ناضح وهي الإبل التي يستقى عليها للشجر والزراعة (ونعمل بأيدينا) أراد أنا أصحاب عمل وتعب فلا نستطيع تطويل الصلاة (أفتان أنت
[ 5 ]
أفتان أنت) أي أمنفر لأن وموقع للناس في الفتنة قال الطيبي استفهام على سبيل التوبيخ وتنبيه على كراهة صنعه لأدائه إلى مفارقة الرجل الجماعة فافتتن به في شرح السنة الفتنة صرف الناس عن الدين وحملهم على الضلالة قال تعالى ما أنتم عليه بفاتنين أي بمضلين انتهى وقال الحافظ ومعنى الفتنة ههنا أن التطويل يكون سببا لخروجهم من الصلاة وللتكره للصلاة في الجماعة وروى البيهقي في الشعب بإسناد صحيح أن عمر قال لا تبغضوا إلى الله عباده يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه وقال الداودي يحتمل أن يريد بقوله فتان أي معذب لأنه عذبهم بالتطويل ومنه قوله تعالى (إن الذين فتنوا المؤمنين) قيل معناه عذبوهم انتهى (قال أبو الزبير سبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى فذكرنا لعمرو) أي ابن دينار (أراه) بضم الهمزة معناه أظنه وفي رواية مسلم قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال اقرأ والشمس وضحاها والليل إذا يغشى وسبح اسم ربك الأعلى فقال عمرو ونحو هذا وفي رواية الليث عن أبي الزبير عند مسلم مع الثلاثة (اقرأ باسم ربك) زاد ابن جريج عن أبي الزبير والضحى أخرجه عبد الرزاق وفي رواية الحميدي عن ابن عيينة مع الثلاثة الأول (والسماء ذات البروج والسماء والطارق) قاله الحافظ واستدل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل بناء على أن معاذا كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية النفل ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدارقطني وغيرهم من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب زاد هي له تطوع ولهم فريضة وهو حديث صحيح وقد صرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه فقول ابن الجوزي إنه لا يصح مردود وتعليل الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن عمر وأتم من سياق ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة ليس بقادح في صحته لأن ابن جريج أسن وأجل من ابن عيينة وأقدم أخذا عن عمرو منه ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها وأما رد الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة فجوابه أن الأصل عدم الإدراج حتى يثبت التفصيل فمهما كان مضموما إلى الحديث فهو منه ولاسيما إذا روي من وجهين والأمر هنا كذلك فإن الشافعي أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعا لعمرو بن دينار عنه وقول الطحاوي هو ظن من جابر مردود لأن جابرا كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلا بأن يكون ذلك الشخص
[ 6 ]
أطلعه عليه وأما احتجاج أصحابنا لذلك بقوله إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فليس بجيد لأن حاصله النهي عن التلبس بصلاة غير التي أقيمت من غير تعرض لنية فرض أو نفل ولو تعينت نية الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلي الثانية بقومه لأنها ليست حينئذ فرضا له وكذلك قول بعض أصحابنا لا يظن بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في المسجد الذي هو من أفضل المساجد فإنه وإن كان فيه نوع ترجيح لكن للمخالف أن يقول إذا كان ذلك بأمر النبي لم يمتنع أن يحصل له الفضل بالاتباع وكذلك قول الخطابي إن العشاء في قوله كان يصلي مع النبي العشاء حقيقة في المفروضة فلا يقال كان ينوي بها التطوع لأن لمخالفه أن يقول هذا لا ينافي أن ينوي بها التنفل وأما قول ابن حزم إن المخالفين لا يجيزون لمن عليه فرض إذا أقيم أن يصليه متطوعا فكيف ينسبون إلى معاذ ما لا يجوز عندهم فهذا إن كان كما قال نقص قوى وأسلم الأجوبة التمسك بالزيادة المتقدمة كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه (عن حزم بن أبي بن كعب أنه أتى معاذ بن جبل) قال الحافظ بن جابر لم يدرك حزما وروى أبو داود الطيالسي في مسنده والبزار من طريقه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال مر حزم بن أبي بن كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي بقومه صلاة العتمة فافتتح بسورة طويلة ومع حزم ناضح له الحديث قال البزار لا نعلم أحدا سماه عن جابر إلا ابن جابر انتهى ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر فسماه حازما وكأنه صحفه أخرجه ابن شاهين من طريقه ورواه أحمد والنسائي وأبو يعلى وابن السكن بإسناد صحيح عن عبد العزيز ابن صهيب عن أنس قال كان معاذ يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخله الحديث كذا فيه براء بعدها ألف وظن بعضهم أنه حرام بن ملحان خال أنس وبذلك جزم الخطيب في المبهمات لكن لم أره منسوبا في الرواية ويحتمل أن يكون تصحيف من حزم فتجتمع هذه الروايات انتهى (وهو يصلي بقوم صلاة المغرب) كذا في هذه الرواية بلفظ صلاة المغرب وفي معظم الروايات بلفظ العشاء قال الحافظ فإن حمل على تعدد القصة كما سيأتي أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازا وإلا فما في الصحيح أصح انتهى (في هذا الخبر) المذكور
[ 7 ]
آنفا (لا تكن فتانا) أي منفرا عن الدين وصادا عنه ففيه انكار على من ارتكب ما ينهى عنه وإن كان مكروها غير محرم وفيه جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام وفيه الأمر بتخفيف الصلاة والتعزير على إطالتها قاله النووي (فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر) فيه استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين وأما من قال لا يكره التطويل إذا علم رضا المأمومين فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة كما في حديث الباب فعلى هذا يكره التطويل مطلقا إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم وفي الحديث أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة وفيه جواز خروج المأموم من الصلاة لعذر قال النووي وفي الحديث جواز صلاة المفترض خلف المتنفل لأن معاذا كان يصلي مع رسول الله فيسقط فرضه ثم يصلي مرة ثانية بقومه هي له تطوع ولهم فريضة وقد جاء هكذا مصرحا به في غير مسلم وهذا جائز عند الشافعي رحمه الله تعالى وخرين ولم يجزه ربيعة ومالك وأبو حنيفة رضي الله عنهم والكوفيون وتأولوا حديث معاذ رضي الله عنه على أنه كان يصلي مع النبي تنفلا ومنهم من تأوله على أنه لم يعلم به النبي ومنهم من قال حديث معاذ كان في أول الأمر ثم نسخ وكل هذه التأويلات دعاوى لا أصل لها فلا يترك ظاهر الحديث بها انتهى قلت قد رد الحافظ بن حجر في فتح الباري هذه التأويلات ردا حسنا وأشبع الكلام فيه فإن شئت الاطلاع عليه فارجع إليه (كيف تقول في الصلاة) أي ما تدعو في صلاتك (قال) الرجل (أتشهد) هو تفعل من الشهادة يريد تشهد الصلاة وهو التحيات سمي تشهدا لأن فيه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم (إني لا أحسن) من الإحسان أي لا أعرف ولا أدري ولا أعمل قال الجوهري هو يحسن الشئ أي يعمله انتهى (دندنتك) بدالين مفتوحين ونونين هي أن يتكلم الرجل بالكلام تسمع نغمته ولا يفهم وهي أرفع من الهينمة قليلا قاله في النهاية وقال الخطابي الدندنة قراءة مبهمة غير مفهومة والهينمة مثلها أو
[ 8 ]
نحوها انتهى (ولا) أعرف ولا أدري (دندنة معاذ) أي لا أدري ما تدعو به أنت يا رسول الله وما يدعو به معاذ إمامنا ولا أعرف دعاءك الخفي الذي تدعو به في الصلاة ولا صوت معاذ ولا أقدر على نظم ألفاظ المناجاة مثلك ومثل معاذ وإنما ذكر الرجل الصحابي معاذا والله أعلم لأنه كان من قوم معاذ أو هو ممن كان يصلي خلف معاذ ويدل عليه أن جابر بن عبد الله ذكر مع قصة الرجل مع قصة إمامة معاذ كما يأتي بعد ذلك والحاصل أي إني أسمع صوتك وصوت معاذ ولكن لا أفهم (حولها) بالإفراد هكذا في نسخ الكتاب وهكذا في سنن ابن ماجه في الموضعين وقال المناوي في فتح القدير حولها يعني الجنة كذا هو بخط السيوطي وما في نسخ الجامع الصغير من أنه حولهما تحريف وإن كان رواية انتهى (ندندن) وفي الرواية الآتية حول هاتين قال ابن الأثير حولهما ندندن والضمير في حولهما للجنة والنار أي حولهما ندندن وفي طلبهما ومنه دندن وقد الرجل إذا اختلف في مكان واحد مجيئا وذهابا وأما عنهما ندندن فمعناه أن دندنتنا صادرة عنهما وكائنة بسببهما انتهى وقال المناوي في فتح القدير أي ما ندندن إلا حول طلب الجنة والتعوذ من النار وضمير حولهما للجنة والنار فالمراد ما ندندن إلا لأجلهما فالحقيقة لا مباينه بين ما ندعو به وبين دعائك انتهى قال السيوطي أي حول الجنة والنار ندندن وإنما نسأل الجنة ونتعوذ من النار كما تفعل قاله تواضعا وتأنيسا له (ذكر قصة معاذ) أي ذكر جابر قصة معاذ المذكورة نفا (حول هاتين أو نحو هذا) شك من الراوي أي قال رسول الله لفظ حول هاتين أو لفظا خر في معناه والمعنى أني ومعاذ حول هاتين أي الجنة والنار ندندن أي نحن أيضا ندعو الله بدخول الجنة ونعوذ به من النار وما في انجاح الحاجة حولهما ندندن أي حول هذين الدعائين من طلب الجنة والاستعاذة من النار فهذه الرواية تدفع هذا التأويل والله أعلم (إذا صلى أحدكم للناس) أي إماما لهم أو اللام بمعنى الباء (فإن فيهم الضعيف
[ 9 ]
والسقيم) المراد بالضعيف هنا ضعيف الخلقة وبالسقيم من به مرض (والكبير) أي في السن وفي رواية لمسلم والصغير والكبير وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص والحامل والمرضع وله من حديث عدي بن حاتم والعابر السبيل وقوله في حديث أبي هريرة الآتي وذا الحاجة هي أشمل الأوصاف المذكورة (فليطول ما شاء) ولمسلم فليصل كيف شاء أي مخففا ومطولا قال الحافظ واستدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وهو المصحح عند بعض أصحابنا وفيه نظر لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى أخرجه مسلم وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة ترك المفسدة أولى واستدل بعمومه أيضا على جواز تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (فليخفف) قال ابن دقيق العيد التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشئ خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة لعادة خرين قال وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا قلت وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي قال له أنت إمام قومك واقدر القوم بأضعفهم إسناده حسن وأصله في مسلم باب القراءة في الظهر لعل المقصود من هذا الباب إثبات القراءة فيه وأنها تكون سرا إشارة إلى من خالف في ذلك كابن عباس كما سيأتي البحث فيه
[ 10 ]
(في كل صلاة يقرأ) بضم أوله على البناء للمجهول (فما أسمعنا) ما موصولة وأسمعنا فعل ومفعول وفاعله رسول الله صلى الله عليه وسلم (أسمعناكم) بصيغة المتكلم قال النووي معناه ما جهر فيه بالقراءة جهرنا به وما أسر أسررنا به وقد اجتمعت الأمة على الجهر بالقراءة في ركعتي الصبح والجمعة والأوليين من المغرب والعشاء وعلى الإسرار في الظهر والعصر وثالثة المغرب والأخريين من العشاء واختلفوا في العيد والاستسقاء ومذهبنا الجهر فيهما وفي نوافل الليل قيل يجهر فيها وقيل بين الجهر والإسرار ونوافل النهار يسر بها والكسوف يسر بها نهارا ويجهر ليلا والجنازة يسربها ليلا ونهارا وقيل يجهر ليلا ولو فاته صلاة ليلة كالعشاء فقضاها في ليلة أخر جهر وإن قضاها نهارا فوجهان الأصح يجهر والثاني يسر وإن فاته نهارية كالظهر فقضاها نهارا أسر وإن قضاها ليلا فوجهان الأصح يجهر والثاني يسر وحيث قلنا يجهر أو يسر فهو سنة فلو تركه صحت صلاته ولا يسجد للسهو عندنا انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (وهذا لفظه) أي لفظ ابن المثنى (عن يحيى) أي كلاهما عن يحيى وهو ابن أبي كثير (قال ابن المثنى وأبي سلمة) أي قال ابن المثنى في روايته عن عبد الله ابن أبي قتادة وأبي سلمة وأما مسدد فقال في روايته عن عبد الله بن أبي قتادة فقط ولم يذكر أبا سلمة (ثم اتفقا) أي مسدد وابن المثنى (في الركعتين الأوليين) بتحتانيتين تثنية الأولى (وسورتين) أي في كل ركعة سورة (ويسمعنا الآية أحيانا) والنسائي من حديث البراء كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات قال الحافظ واستدل به على جواز الجهر في السرية وأنه لا سجود سهو على من فعل ذلك خلافا لمن قال ذلك من الحنفية وغيرهم سواء
[ 11 ]
قلنا كان يفعل ذلك عمد البيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر وفيه حجة على من زعم أن الإسرار شرط لصحة الصلاة السرية وقوله أحيانا يدل على تكرر ذلك منه انتهى قلت الحديث لا يدل إلا على أنه صلى الله عليه وسلم كان يسر في السرية ويسمع بعض الآيات أحيانا فالاستدلال به على جواز الجهر مطلقا في السرية بعيد والله تعالى أعلم (وكان يطول الركعة الأولى من الظهر) قال الشيخ تقي الدين كأن السبب في ذلك أن النشاط في الأولى يكون أكثر فناسب التخفيف في الثانية حذرا من الملل انتهى ويأتي في الباب حكمة أخرى لتطويل الأولى واستدل به على استحباب تطويل الأولى على الثانية وجمع بينه وبين حديث سعد الاتي حيث قال أمد في الأوليين أن المراد تطويلهما على الأخريين لا التسوية بينهما في الطول وقال من استحب استواءهما إنما طالت الأولى بدعاء الافتتاح والتعوذ وأما في القراءة فهما سواء ويدل عليه حديث أبي سعيد الآتي فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين اية الحديث وفي رواية لابن ماجه أن الذين حزروا ذلك كانوا ثلاثين من الصحابة وادعى ابن حبان أن الأولى إنما طالت على الثانية بالزيادة في الترتيل فيها مع استواء المقروء فيهما وقد روى مسلم من حديث حفصة أنه صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها ذكره الحافظ (وكذلك في الصبح) أي يقرأ في ركعتي الصبح ويطول الأولى ويقصر الثانية قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (ببعض هذا) أي هذا الحديث المذكور انفا (وزاد) أي الحسن بن علي عن يزيد عن همام وأبان كليهما (في الأخريين بفاتحة الكتاب) وروى مسلم هذه الزيادة من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن أبان وهما قال النووي في شرح صحيح مسلم في هذه الأحاديث كلها دليل على أنه لا بد من قراءة الفاتحة في جميع الركعات ولم يوجب أبو حنيفة رضي الله عنه في الأخريين القراءة بل خيره بين القراءة والتسبيح والسكوت والجمهور على وجوب القراءة وهو الصواب الموافق للسنن الصحيحة انتهى (وزاد) أي الحسن بن علي عن يزيد بن هارون (عن همام) وحده (وكان يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية)
[ 12 ]
يطول بالتشديد من التطويل وما نكرة موصوفة أي يطول في الأولى إطالة لا يطيلها في الثانية أو مصدرية أي غير إطالته في الثانية فتكون هي مع ما في حيزها صفة لمصدر محذوف (وهكذا في صلاة العصر وهكذا في صلاة الغداة) فيه دليل على عدم اختصاص القراءة بالفاتحة وسورة في الأوليين وبالفاتحة فقط في الأخريين والتطويل في الأولى بصلاة الظهر بل ذلك هو السنة في جميع الصلوات قال الحافظ تحت ترجمة البخاري باب يطول في الركعة الأولى أي في جميع الصلوات وهو ظاهر الحديث المذكور في الباب وعن أبي حنيفة يطول في أولى الصبح خاصة وقال البيهقي في الجمع بين أحاديث المسألة يطول في الأولى إن كان ينتظر أحدا وإلا فليسو بين الأوليين وروى عبد الرزاق نحوه عن ابن جريج عن عطاء قال إني لأحب أن يطول الإمام الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس فإذا صليت لنفسي فإني أحرص على أن أجعل الأوليين سواء وذهب بعض الأئمة إلى استحباب تطويل الأولى من الصبح دائما وأما غيرها فإن كان يترجى كثرة المأمومين ويبادر هو أول الوقت فينتظر وإلا فلا وذكر في حكمة اختصاص الصبح بذلك أنها تكون عقب النوم والراحة وفي ذلك الوقت يواطئ السمع واللسان القلب لفراغه وعدم تمكن الاشتغال بأمور المعاش وغيرها منه والعلم عند الله انتهى (قال) أي أبو قتادة (أنه) صلى الله عليه وسلم (يريد بذلك) أي التطويل في الركعة الأولى أن يدرك الناس الركعة الأولى فيه أن الحكمة في التطويل المذكور هي انتظار الداخل وكذا روى هذه الزيادة عبد الرزاق وابن خزيمة واستدل به بعض الشافعية على جواز تطويل الإمام في الركوع لأجل الداخل قال القرطبي ولا حجة فيه لأن الحكمة لا يعلل بها لخفائها أو لعدم انضباطها ولأنه لم يكن يدخل في الصلاة يريد تقصير تلك الركعة ثم يطيلها لأجل الاتي وإنما كان يدخل فيها ليأتي بالصلاة على سننها من تطويل الأولى فافترق الأصل والفرع فامتنع الإلحاق انتهى وقد ذكر البخاري في جزء القراءة كلاما معناه أنه لم يرد عن أحد من السلف في انتظار الداخل في الركوع شئ والله أعلم قاله الحافظ (عن عمارة) بضم المهملة وخفة الميم (بن عمير) بالتصغير (عن أبي معمر) هو
[ 13 ]
عبد الله بن سخبرة بفتح المهملة والموحدة بينهما خاء معجمة ساكنة الأزدي (قلنا لخباب) بموحدتين الأولى مثقلة ابن الأرت التميمي أبو عبد الله من السابقين إلى الإسلام وكان يعذب في الله وشهد بدرا ثم نزل الكوفة ومات بها (باضطراب لحيته) فيه الحكم بالدليل لأنهم حكموا باضطراب لحيته على قراءته لكن لا بد من قرينة تعين القراءة دون الذكر والدعاء مثلا لأن اضطراب اللحية يحصل بكل منهما وكأنهم نظروه بالصلاة الجهرية لأن ذلك المحل منها هو محل القراءة لا الذكر والدعاء وإذا انضم إلى ذلك قول أبي قتادة كان يسمعنا الآية أحيانا قوى الاستدلال والله أعلم وقال بعضهم احتمال الذكر ممكن لكن جزم الصحابي بالقراءة مقبول لأنه أعرف بأحد المحتملين فيقبل تفسيره قاله الحافظ والحديث يدل على القراءة في الظهر والعصر سرا واستدل به البيهقي على أن الإسرار بالقراءة لا بد فيه من إسماع المرء نفسه وذلك لا يكون إلا بتحريك اللسان والشفتين بخلاف ما لو أطبق شفتيه وحرك لسانه بالقراءة فإنه لا تضطرب بذلك لحيته فلا يسمع نفسه انتهى قال الحافظ وفيه نظر لا يخفى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه (محمد بن جحادة) بضم الجيم قبل المهملة الأودى الكوفي عن أنس وأبي حازم الأشجعي وعطاء وطائفة وعنه ابن عون وإسرائيل وشريك وآخرون وثقه أبو حاتم والنسائي (حتى لا يسمع وقع قدم) أي صوت قدم والحديث سكت عليه المؤلف والمنذري وفيه مجهول باب تخفيف الأخريين بتحتانيتين تثنية الأخرى أي في الركعتين الأخريين من الرباعية . وحكم ثالثة المغرب حكم الأخريين من الرباعية
[ 14 ]
(عن جابر بن سمرة) هو الصحابي ولأبيه سمرة بن جنادة صحبة أيضا (لسعد) هو ابن أبي وقاص وهو خال جابر بن سمرة الراوي عنه (شكاك الناس) هم أهل الكوفة وفي رواية للبخاري شكى أهل الكوفة سعدا وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك عن جابر بن سمرة قال كنت جالسا عند عمر إذ جاء أهل الكوفة يشكون إليه سعد بن أبي وقاص حتى قالوا إنه لا يحسن الصلاة انتهى واعلم أنه كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر سعد بن أبي وقاص على قتال الفرس في سنة أربع عشرة ففتح الله العراق على يديه ثم اختط الكوفة سنة سبع عشرة واستمر عليها أميرا إلى سنة إحدى وعشرين في قول خليفة بن خياط وعند الطبري سنة عشرين فوقع له مع أهل الكوفة ما ذكر (في كل شئ حتى في الصلاة) قال الزبير ابن بكار في كتاب النسب رفع أهل الكوفة عليه أشياء كشفها عمر فوجدها باطلة انتهى ويقويه قول عمر في وصيته فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة قاله الحافظ في الفتح (قال) أي سعد (أما أنا فأمد في الأوليين) أي أطول فيهما وفي رواية للبخاري ومسلم فأركد في الأوليين قال الحافظ قال القزاز أركد أي أقيم طويلا أي أطول فيهما القراءة قلت ويحتمل أن يكون التطويل بما هو أعم من القراءة كالركوع والسجود لكن المعهود في التفرقة بين الركعات إنما هو في القراءة انتهى (وأحذف) بفتح الهمزة وسكون المهملة والمراد بالحذف في الأخريين تخفيفهما وتقصيرهما عن الأوليين لا حذف أصل القراءة والإخلال بها فكأنه قال أحذف المد (ولا الو) بالمد في أوله وضم اللام أي لا أقصر ومنه قوله تعالى لا يألونكم خبالا أي لا يقصرون في إفسادكم (من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بيان لما (ذاك الظن بك) أي هذا الذي تقول هو الذي كنا نظنه قال النووي فيه مدح الرجل الجليل في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه والنهي عن ذلك إنما هو لمن خيف عليه الفتنة وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيح في الأمرين وجمع العلماء بينهما بما ذكرته انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (عن أبي صديق الناجي) واسمه بكر بن عمرو وقيل ابن قيس الناجي منسوب إلى ناجية
[ 15 ]
قبيلة (حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية مسلم كنا نحزر قال النووي هو بضم الزاي وكسرها لغتان من الحزر وهو التقدير والخرص (فحزرنا) أي قدرنا (في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين اية) أي في كل ركعة قدر ثلاثين اية كما جاء في رواية لمسلم بلفظ كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين اية (قدر ألم تنزيل) بالرفع على الحكاية ويجوز جره على البدل ونصبه بتقدير أعني (السجدة) قال النووي يجوز جر السجدة على البدل ونصبها بأعني ورفعها خبر مبتدأ محذوف ولا يخفى أن هذه الوجوه الثلاثة كلها مبنية على رفع تنزيل حكاية وأما على إعرابه فيتعين جر السجدة بالإضافة كذا قال القاري في المرقاة (وحزرنا قيامه في الأخريين على النصف من ذلك) المذكور في الأوليين أي حزرنا قيامه في كل ركعة من الأخريين من الظهر قدر خمس عشرة اية (وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر) أي حزرنا قيامه في كل ركعة من الأوليين من العصر قدر خمس عشرة اية الحديث يدل على تخفيف الأخريين من الظهر والعصر من الأوليين منهما ويدل أيضا على استحباب التخفيف في صلاة العصر وجعلها على النصف من صلاة الظهر والحكمة في إطالة الظهر أنها في وقت غفلة بالنوم في القائلة فطولت ليدركها المتأخر والعصر ليست كذلك بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخفف وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطول في صلاة الظهر تطويلا زائدا على هذا المقدار كما في حديث إصلاة الظهر كانت تقام ويذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر (كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق والسماء ذات البروج) قد تقرر في الأصول
[ 16 ]
أن كان تفيد الاستمرار وعموم الأزمان فينبغي أن يحمل قوله كان يقرأ في الظهر على الغالب من حاله صلى الله عليه وسلم أو تحمل على أنها لمجرد وقوع الفعل لأنها قد تستعمل لذلك كما قال ابن دقيق العيد لأنه قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بسبح اسم ربك الأعلى أخرجه مسلم وأنه قرأ من سورة لقمان والذاريات في صلاة الظهر أخرجه النسائي وأنه قرأ في الأولى من الظهر بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية أخرجه النسائي وثبت أنه كان يقرأ في الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية عند البخاري ولم يعين السورتين وثبت أنه كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين اية وفي الأخريين قدر خمس عشرة اية انتهى بتغيير واختصار قلت وقد ثبت أن صلاة الظهر كانت تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها أخرجه مسلم وكذا ورد أحاديث مختلفة في قراءته صلى الله عليه وسلم في سائر الصلوات قال الحافظ وجمع بينها بوقوع ذلك في أحوال متغايرة إما لبيان الجواز أو لغير ذلك من الأسباب واستدل ابن العربي باختلافها على عدم مشروعية سورة معينة في صلاة معينة وهو واضح فيما اختلف لا فيما لم يختلف كتنزيل وهل أتى في صبح الجمعة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن (إذا دحضت الشمس) أي إذا زالت عن كبد السماء (والعصر كذلك) أي يقرأ في العصر بنحو من سورة والليل إذا يغشى (والصلوات كذلك) أي كذلك يقرأ في سائر الصلوات مثل سورة والليل إذا يغشى (إلا الصبح فإنه كان يطيلها) وفي رواية مسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك وفي الصبح أطول من ذلك والحكمة في إطالة الصبح أنها تفعل في وقت الغفلة بالنوم في اخر الليل فيكون في التطويل انتظار للمتأخر قال النووي حاكيا عن العلماء إن السنة أن تقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل ويكون الصبح أطول وفي العشاء والعصر بأوساط المفصل وفي المغرب بقصاره قال قالوا والحكمة في إطالة الصبح والظهر إنهما في وقت غفلة بالنوم اخر الليل وفي القائلة فطولها ليدركهما المتأخر بغفلة
[ 17 ]
ونحوها والعصر ليست كذلك بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن ذلك والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى زيادة تخفيفها لذلك ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم والعشاء في وقت غلبة النوم والنعاس ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر انتهى قال الشوكاني وكون السنة في صلاة المغرب القراءة بقصار المفصل غير مسلم فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بسورة الأعراف والطور والمرسلات والدخان انتهى قال قال المنذري وأخرجه مسلم مختصرا وأخرجه النسائي (عن أمية) قال في الخلاصة أمية عن أبي مجلز وعنه سليمان أبو المعتمر مجهول (سجد في صلاة الظهر) أي سجدة التلاوة (ثم قام فركع) قال ابن الملك يعني لما قام من السجود إلى القيام ركع ولم يقرأ بعد السجدة شيئا من باقي السورة وإن كانت القراءة جائزة قلت بل القراءة بعدها افضل ولعلها كانت الصلاة تطول أو تركها لبيان الجواز مع أنه نص في عدم قراءته عليه السلام وإن كانت اخر السورة ثم أنه لم يكتف بالركوع وإن كان جائزا أيضا كما هو مذهبنا اختيارا للعمل بالأفضل كذا في المرقاة قلت لا بد للاكتفاء بالركوع من دليل وللكلام في هذه المسألة موضع اخر (فرأينا) أي علمنا (أنه قرأ تنزيل السجدة) بنصب تنزيل على المفعولية وبرفعه على الحكاية والسجدة مجرورة ويجوز نصبها بتقدير أعني ورفعها بتقدير هو المعنى سمعوا بعض قراءته لأنه كان قد يرفع صوته ببعض ما يقرأ به في الصلوات السرية ليعلموا سنية قراءة تلك السورة قاله القارئ (قال ابن عيسى لم يذكر أمية أحد) أي من شيوخه (إلا معتمر) ابن سليمان والحديث سكت عنه المؤلف المنذري قال الحافظ رواه أبو داود والطحاوي والحاكم من حديث ابن عمر نحوه وفيه أمية شيخ سليمان التيمي رواه له عن أبي مجلز وهو لا يعرف قاله أبو داود في رواية الرملي عنه وفي رواية الطحاوي عن سليمان عن أبي مجلز قال ولم أسمعه منه لكنه عند الحاكم بإسقاطه ودلت رواية الطحاوي على أنه مدلس انتهى وقال ميرك ورواه أحمد وزاد في الركعة الأولى من الظهر ورواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما وأقره الذهبي على ذلك
[ 18 ]
(في شباب) جمع شاب وهو من بلغ إلى ثلاثين سنة ولا يجمع فاعل على فعال غيره (سل) أمر من السؤال (فقال لا) أعلم أن ابن عباس رضي الله عنه كان يشك في القراءة في السرية تارة وينفيها أخرى وربما أثبتها أما نفيه ففي هذه الرواية وأما شكه ففي الرواية الآتية وأما إثباتها فما رواه أيوب عن أبي العالية البراء قال سألت ابن عباس أقرأ في الظهر والعصر قال هو إمامك أقرأ منه بأقل أو أكثر أخرجه ابن المنذر والطحاوي وغيرهما وقد أثبت قراءته فيهما خباب وأبو قتادة وغيرهم فروايتهم مقدمة على من نفى فضلا على من شك (فقال خمشا) قال الخطابي دعاء عليه أن يخمش وجهه أو جلده كما قاجد عاله وصلبا وطعنا ونحو ذلك من الدعاء بالسوء انتهى قلت وهو منصوب بفعل لا يظهر قاله في النهاية والخمش معناه بالفارسية خراشيدن حتى (أن نسبغ الوضوء) من اسباغ وهو في اللغة اتمام ومنه درع سابغ أي أن نتمه ولا نترك شيئا من فرائضه وسننه (وأن لا نأكل الصدقة) لأنها لا تحل لآل محمد صلى الله عليه وسلم (وان لا ننزي الحمار على الفرس) أي لا نحملها عليها للنسل يقال نزا الذكر على الأنثى ركبه وأنزيته أنا ولعل المعنى فيه أنه يقل عددها وانقطع نماؤها وتعطلت منافعها والخيل للركوب والركض والطلب والجهاد وإحراز الغنائم والأكل وغيرها من المنافع مما ليس في البغل واعلم أنه يشكل الاختصاص في الإسباغ والإنزاء فإن الأول مستحب أمر به كل واحد والثاني مكروه نهي عنه كل واحد نعم حرمة أكل الصدقة مخصوص بأهل البيت ويجاب بأن المراد الإيجاب وهو مختص بهم أو المراد الحث على المبالغة والتأكيد في ذلك وقيل هذا كقول علي رضي الله عنه إلا في هذه الصحيفة فالمقصود نفي الاختصاص والاستيثار بشئ من الأحكام لأن هذه الأشياء ليست مخصوصة بهم كذا في اللمعات قال المنذري وأخرجه النسائي قلت والترمذي أيضا مختصرا وقال هذا حديث حسن صحيح (لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا) وقد درى وعلم قراءته صلى الله عليه وسلم
[ 19 ]
خباب وأبو قتادة وغيرهما فرواية العالمين تكون مقدمة على الشاك والحديث أخرجه الطبراني أيضا باب قدر القراءة في المغرب (أن أم الفضل بنت الحارث) هي والدة ابن عباس الراوي عنها وبذلك صرح الترمذي في روايته فقال عن أمه أم الفضل واسمها لبابة ويقال أنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة والصحيح أخت عمر زوج سعيد بن زيد (إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ وصرح عقيل في روايته عن ابن شهاب إنها آخر صلوات النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه ثم صلى لنا بعدها حتى قبضه الله أورده المصنف في باب الوفاة وقد تقدم في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به من حديث عائشة أن الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مرض موته كانت الظهر وأشرنا إلى الجمع بينه وبين حديث أم الفضل هذا بأن الصلاة التي حكتها عائشة كانت في المسجد والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته كما رواه النسائي لكن يعكر عليه رواية ابن إسحاق عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب الحديث أخرجه الترمذي ويمكن حمل قولها خرج إلينا أي من مكانه الذي كان راقدا فيه إلى من في البيت فصلى بهم فتلتئم الروايات انتهى (يقرأ بها في المغرب) هو في موضع الحال أي سمعته في حال قراءته وهذا الحديث يرد على من قال التطويل في صلاة المغرب منسوخ قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (يقرأ بالطور) أي بسورة الطور قال ابن الجوزي يحتمل أن يكون الباء بمعنى من كقوله تعالى يشرب بها عباد الله وهو خلاف الظاهر وقد ورد في الأحاديث ما يشعر بأنه
[ 20 ]
قرأ السورة كلها فعند البخاري في التفسير بلفظ سمعته يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون الآيات إلى قوله المصيطرون كاد قلبي يطير وقد ادعى الطحاوي أنه لا دلالة في شئ من الأحاديث على تطويل القراءة لاحتمال أن يكون المراد أنه قرأ بعض السورة ثم استدل لذلك بما رواه من طريق هيثم عن الزهري في حديث جبير بلفظ سمعته يقرأ إن عذاب ربك لواقع قال فأخبر أن الذي سمعه من هذه السورة هو هذه الآية خاصة وليس في السياق ما يقتضي قوله خاصة وحديث البخاري المتقدم يبطل هذه الدعوى وقد ثبت في رواية أنه سمعه يقرأ والطور وكتاب مسطور ومثله لابن سعد وزاد في أخرى فاستمتعت قراءته حتى خرجت من المسجد (عن مروان بن الحكم) كان مروان حينئذ أميرا على المدينة من قبل معاوية رضي الله عنه (بقصار المفصل) اختلف في المراد بالمفصل مع الاتفاق على أن منتهاه اخر القران هل هو من أول الصافات أو الجاثية أو القتال أو الفتح أو الحجرات أو ق أو الصف أو تبارك أو سبح أو والضحى إلى اخر القران أقوال أكثرها مستغرب والراجح من هذه الأقوال أنه من الحجرات إلى آخر القرآن وسمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح والجمهور على أن قصار المفصل من سورة لم يكن اخر القران وطواله من سورة الحجرات إلى البروج وأوساطه من البروج إلى سورة لم يكن (بطولى الطوليين) أي بأطول السورتين الطوليين وطولي تأنيث أطول والطوليين بتحتانيتين تثنية طولى قال الحافظ بعد ما ذكر الاختلاف في تفسير الطوليين ما نصه فحصل الاتفاق على تفسير الطولى بالأعراف وفي الأخرى ثلاثة أقوال المحفوظ منها الأنعام (قال قلت ما طولي الطوليين قال الأعراف والآخر الأنعام) بين النسائي في رواية له أن التفسير من قول عروة ولفظه قال قلت يا أبا عبد الله وهي كنية عروة وفي رواية البيهقي قال فقلت لعروة ففاعل قال الأولى ابن مليكة وفاعل قال الثانية عروة (وسألت أنا ابن أبي مليكة) هذه مقولة ابن جريج قال المنذري وأخرجه البخاري مختصرا وأخرجه النسائي
[ 21 ]
وأحاديث الباب تدل على استحباب التطويل في قراءة المغرب وقد اختلفت حالات النبي صلى الله عليه وسلم فثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور والصافات وأنه قرأ فيها بحم الدخان وأنه قرأ فيها بسبح اسم ربك الأعلى وأنه قرأ بالتين والزيتون وأنه قرأ بالمعوذتين وأنه قرأ بالمرسلات وأنه قرأ بقصار المفصل وقال رافع بن خديج رضي الله عنه كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليح وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله رواه البخاري قال الحافظ وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين قال وليس في حديث جبير بن مطعم دليل على أن ذلك تكرر منه وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعار بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل ولو كان مروان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك لاحتج به على زيد لكن لم يرد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في شدة مرضه وهو مظنة التخفيف باب من رأى التخفيف فيها (هذا يدل أن ذاك منسوخ) أي قراءة عروة في المغرب بنحو والعاديات وشبهها من السور يدل على أن التطويل في قراءة المغرب منسوخ ولم يبين المؤلف وجه الدلالة وكأنه لما رأى عروة أوى الخبر عمل بخلافه حمله على أنه اطلع على ناسخه قال الحافظ ولا يخفى بعد هذا الحمل وكيف تصح دعوى النسخ وأم الفضل تقول إن اخر صلاة صلاها بهم قرأ بالمرسلات انتهى قلت إن سلك في هذه المسألة مسلك النسخ يثبت نسخ قراءة القصار بحديث أم الفضل لا العكس واعلم أنه لما ورد على القائلين باستحباب القصار في المغرب أنهم كيف قالوا به مع ثبوت طوال المفصل بل أطول منها عن النبي صلى الله عليه وسلم أجابوا عنه بثلاثة وجوه الأول أن تطويل القراءة لعله كان أولا نسخ ذلك وترك بما ورد في قراءة المفصل والثاني أنه لعله فرق
[ 22 ]
السورة الطويلة في ركعتين ولم يقرأها بتمامها في ركعة واحدة فصار قدر ما قرأ في الركعة بقدر القصار والثالث أن هذا بحسب اختلاف الأحوال قرأ بالطوال لتعليم الجواز والتنبيه على أن وقت المغرب ممتد وعلى أن قراءة القصار فيه ليس بأمر حتمي تعالى وأقول الجوابان الأولان مخدوشان أما الأول فلأن مبناه على احتمال النسخ والنسخ لا يثبت بالاحتمال ولأن كونه متروكا إنما يثبت لو ثبت تأخر قراءة القصار على قراءة الطوال من حيث التاريخ وهو ليس بثابت ولأن حديث أم الفضل صريح في أنها اخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سورة المرسلات في المغرب فحينئذ إن سلك مسلك النسخ يثبت نسخ قراءة القصار لا العكس وأما الثاني فلأن إثبات التفريق في جميع ما ورد في قراءة الطوال مشكل ولأنه قد ورد صريحا في رواية البخاري وغيره ما يدل على أن جبير بن مطعم سمع الطور بتمامه قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب فلا يفيد حينئذ ليت ولعل ولأنه قد ورد في حديث عائشة في سنن النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بسورة الأعراف في المغرب فرقها في ركعتين ومن المعلوم أن نصف الأعراف لا يبلغ القصار فلا يفيد التفريق ثبات القصار فإذن الجواب الصواب هو الثالث كذا قال بعض العلماء قلت هذا الجواب الثالث أيضا مخدوش لما في صحيح البخاري وغيره من إنكار زيد بن ثابت على مروان مواظبته على قصار المفصل في المغرب ولو كانت قراءته صلى الله عليه وسلم السور الطويلة في المغرب لبيان الجواز لما كان ما فعله مروان من المواظبة على قصار المفصل إلا محض السنة ولم يحسن من هذا الصحابي الجليل إنكار ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعل غيره إلا لبيان الجواز ولو كان الأمر كذلك لما سكت مروان عن الاحتجاج بمواظبته صلى الله عليه وسلم في مقام الإنكار عليه وأيضا بيان الجواز يكفي فيه مرة واحدة وقد عرفت أنه قرأ بالسور الطويلة مرات متعددة فالحق أن القراءة في المغرب بطوال المفصل وسائر السور سنة والاقتصار على نوع من ذلك إن انضم إليه اعتقاد أنه السنة دون غيره مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال) أي جده عبد الله بن عمرو بن العاص قال ابن حجر ولا يحتمل هنا عود الضمير لجد شعيب فيكون الحديث عن عمرو لأن
[ 23 ]
المصرح به في غير هذه الرواية هو الأول (ما من المفصل) هو من الحجرات إلى آخر القرآن على الصحيح (في الصلاة المكتوبة) أي المفروضة على الأعيان وهي الخمس باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين (أخبره) الضمير المستتر راجع إلى الرجل والبارز إلى معاذ ولا يضر الجهل به لأنه صحابي والصحابة كلهم عدول (أنه) أي الرجل (في الركعتين كلتيهما) تأكيدا لدفع توهم التبعيض قال ابن الملك أي قرأ في كل من ركعتيها إذا زلزلت بكمالها (فلا أدري أنسى) بهمزة الاستفهام (أم قرأ ذلك عمدا) تردد الصحابي في أن إعادة النبي صلى الله عليه وسلم للسورة هل كان نسيانا لكون المعتاد من قراءته أن يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الأولى فلا يكون مشروعا لأمته أو فعله عمد البيان الجواز فتكون اعادة مترددة بين المشروعية وعدمها وإذا دار الأمر بين أن يكون مشروعا أو غير مشروع فحمل فعله صلى الله عليه وسلم على المشروعية أولى لأن الأصل في أفعاله التشريع والنسيان على خلاف الأصول نظيره ذكره الأصوليون فيما إذا تردد فعله صلى الله عليه وسلم بين أن يكون جبليا أو لبيان الشرع والأكثر على التأسي به ذكره الشوكاني والحديث سكت عنه المؤلف والمنذري قال في النيل وليس في إسناده مطعن بل رجاله رجال الصحيح
[ 24 ]
باب القراءة في الفجر (كأني أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم) أراد بذلك قوة تحققه لذلك بحيث إنه لشدة استحضاره له كأنه يسمع الآن (يقرأ في صلاة الغداة) وفي رواية مسلم في الفجر (فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس) وفي رواية مسلم (والليل إذا عسعس) قال النووي أي يقرأ بالسورة التي فيها والليل إذا عسعس قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وأخرجه مسلم من حديث الوليد بن سريع مولى عمرو بن حريث عن عمرو بن حريث أتم منه والحديث يدل على جواز قراءة سورة إذا الشمس كورت في الصبح وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم بمكة الصبح فاستفتح سورة المؤمنين عند مسلم من حديث عبد الله بن السائب وانه قرأ بالطور ، ذكر البخاري تعليقا من حديث أم سلمة وأنه كان يقرأ في ركعتي الفجر أو إحداهما مابين الستين إلى المائة أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي برزة وأنه قرأ الروم أخرجه النسائي عن رجل من الصحابة وأنه قرأ المعوذتين أخرجه النسائي أيضا من حديث عقبة بن عامر وأنه قرأ إنا فتحنا لك فتحا مبنيا أخرجه عبد الرزاق عن أبي بردة وأنه قرأ الواقعة أخرجه عبد الرزاق أيضا عن جابر بن سمرة وأنه قرأ بيونس وهود أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي هريرة وأنه قرأ إذا زلزلت كما تقدم في الباب المتقدم وأنه قرأ ألم تنزيل السجدة وهل أتى على الإنسان أخرجه الشيخان من حديث ابن مسعود قاله الشوكاني باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب أي ما حكمه فثبت من أحاديث الباب أنه لا تصح صلاته (أمرنا) على البناء للمجهول والأمر إنما هو رسول الله لأن مطلق الأمر والنهي
[ 25 ]
ينصرف بظاهره إلى من له الأمر والنهي وهو الرسول (أن نقرأ بفاتحة الكتاب) فيه وفيما يأتي من الأحاديث دليل على وجوب القراءة في الصلاة وأنها متعينة لا يجزي غيرها إلا لعاجز عنها وهذا مذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقال أبو حنيفة وطائفة قليلة لا يجب الفاتحة بل الواجب ية من القرن (وما تيسر) في محل الجر عطف على فاتحة الكتاب أي أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وبما تيسر من القرآن واستدل به وبقوله فما زاد في حديث أبي هريرة الآتي وبقوله فصاعدا في حديث عبادة بن الصامت الآتي على وجوب قدر زائد على الفاتحة وتعقب بأنه ورد لدفع توهم قصر الحكم على الفاتحة قال البخاري في جزء القراءة هو نظير قوله تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا وادعى ابن حبان والقرطبي وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد عليها وفيه نظر لثبوته عن بعض الصحابة ومن بعدهم فيما رواه ابن المنذر وغيره ولعلهم أرادوا أن الأمر استقر على ذلك وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة يقول كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم وإن لم تزد على أم القرن أجزأت وإن زدت فهو خير لابن خزيمة من حديث ابن عباس أن النبي قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب كذا أفاد الحافظ في فتح الباري قال الشوكاني في النيل بعد ذكر الأحاديث التي فيها زيادة فصاعدا ما نصه وهذه الأحاديث لا تقصر عن الدلالة على وجوب قرن مع الفاتحة ولا خلاف في استحباب السورة مع الفاتحة في صلاة الصبح والجمعة والأوليين من كل الصلوات قال النووي أن ذلك سنة عند جميع العلماء وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة قال النووي وهو شاذ مردود وأما السورة في الركعة الثالثة والرابعة فكره ذلك مالك واستحبه الشافعي في قوله الجديد دون القديم ثم قال ما حاصله إنه قد ذهب إلى إيجاب قرآن مع الفاتحة عمر وابنه عبد الله وعثمان بن أبي العاص وغيرهم والظاهر ما ذهبوا إليه من إيجاب شئ من القرن وأما التقدير بثلاث يات فلا دليل عليه إلا توهم أنه لا يسمى دون ذلك قرانا لعدم إعجازه كما قيل وهو فاسد لصدق القرن على القليل والكثير لأنه جنس وأيضا المراد ما يسمى قرنا ما يسمى معجزا ولا تلازم بينهما وكذلك التقدير بالآية الطويلة نعم لو كان حديث أبي سعيد الذي عند ابن ماجه بلفظ لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها صحيحا لكان مفسرا للمبهم في الأحاديث من قوله فما زاد وقوله فصاعدا وقوله ما تيسر ولكان دالا على وجوب الفاتحة وسورة في كل ركعة ولكنه ضعيف وقد عورضت هذه الأحاديث بما في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أنه قال في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم وإن تزد على أم القرآن أجزأت وإن
[ 26 ]
زدت فهو خير ولكن الظاهر من السياق أن قوله وإن لم تزد إلخ ليس مرفوعا ولا مما له حكم الرفع فلا حجة فيه وقد أخرج أبو عوانة هذا الحديث كرواية الشيخين إلا أنه زاد في خره وسمعته يقول لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب قال الحافظ في الفتح وظاهر سياقه أن ضمير سمعته للنبي فيكون مرفوعا بخلاف رواية الجماعة ثم قال نعم قوله ما أسمعنا وما أخفى عنا يشعر بأن جميع ما ذكره متلقى عن النبي فيكون للجميع حكم الرفع انتهى وهذا الاشعار في غاية الخفاء باعتبار جميع الحديث فإن صح جمع بينه وبين الأحاديث المصرحة بزيادة ما تيسر من القرن بحملها على الاستحباب انتهى حاصل كلام الشوكاني وحديث أبي سعيد أخرجه البخاري في جزء القراءة قال ابن سيد الناس إسناده صحيح ورجاله ثقات وقال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح (أخرج فناد) أمر من النداء أصله نادى على وزن قاتل حذفت الياء للأمر (لا صلاة إلا بقرن ولو بفاتحة الكتاب فما زاد) استدل الحنفية على عدم تعين الفاتحة بهذا الحديث ويجاب بأنه من رواية جعفر بن ميمون وليس بثقة كما قال النسائي وقال أحمد ليس بقوي في الحديث وقال ابن عدي يكتب حديثه في الضعفاء وأيضا قد روى المؤلف هذا الحديث بعده بلفظ أمرني رسول الله أن أنادي أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد وليست الرواية الأولى بأولى من الرواية الثانية وأيضا أين تقع هذه الرواية على فرض صحتها بجنب الأحاديث المصرحة بفرضية فاتحة الكتاب وعدم إجزاء الصلاة بدونها وأما الجواب بأن معناه أقل مجزئ الفاتحة كصم فإن ولو يوما فليس بجيد لأن للخصم أن يقول معناه كاتقوا عمر النار ولو بشق تمرة (أمرني رسول الله أن أنادي أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد) هذا الحديث ضعيف لأنه من طريق جعفر بن ميمون وهو ضعيف ليس بثقة كما عرفت ولكنه يشهد لصحته ما عند مسلم وابن حبان والمؤلف من حديث عبادة بن الصامت بلفظ لا صلاة لمن لم
[ 27 ]
يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا ويشهد له أيضا حديث أبي سعيد المتقدم والحديث يدل على أنه لا تصح صلاة بغير قراءة الفاتحة وهو حجة على الحنفية فإن قلت الحديث حجة على القائلين بفرضية الفاتحة في الصلاة لا على الحنيفة لأنهم إذا أثبتوا به فرضية الفاتحة لزمهم أن يثبتوا به فرضية شئ من القرن زائد على الفاتحة أيضا وهم ليسوا بقائلين به قيل قال أبو هريرة وإن لم تزد على أم القرن أجزأت وإن زدت فهو خير رواه البخاري وله حكم الرفع كما قال الحافظ وروى ابن خزيمة عن ابن عباس أن النبي قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب وروى البخاري في جزء القراءة عن ابي هريرة رضي الله عنه قا : يجزئ بفاتحة الكتاب . وإن زاد فهو خير فهذه الأحاديث تدل على أن ما زاد على الفاتحة ليس بفرض في الصلاة فقالوا باستحباب ما زاد على الفاتحة لتأتلف الأخبار (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرن فهي خداج) بكسر الخاء المعجمة قال الإمام الخطابي في المعالم يعني ناقصة نقص فساد وبطلان تقول العرب أخدجت الناقة إذا ألقت ولدها وهو دم لم يستبن خلقه فهي مخدج والخداج اسم مبني منه انتهى وقال النووي قال الخليل بن أحمد والأصمعي وأبو حاتم السجستاني والهروي رحمهم الله تعالى وآخرون الخداج النقصان يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تام الخلق وأخدجته إذا ولدته ناقصا وإن كان لتمام الولادة ومنه قيل لذي اليدية مخدج اليد أي ناقصها قالوا فقوله خداج أي ذات خداج وقال جماعة من أهل اللغة خدجت وأخدجت إذا ولدت لغير تمام انتهى وفيه فرضية قراءة الفاتحة في كل صلاة وأن الصلاة إذا لم يقرأ فيها الفاتحة فهي ناقصة نقص فساد وبطلان لأن الخداج النقصان والفساد ومن ذلك قولهم أخدجت الناقة وخدجت إذا ولدت قبل تمام وقتها وقبل تمام الخلق وذلك نتاج فاسد وقد زعم الحنيفة أن قوله خداج يدل على جواز الصلاة لأنه النقصان والصلاة الناقصة جائزة وهذا تحكم فاسد (غير تمام) بيان خداج أو بدل منه وقيل إنه تأكيد (فغمز ذراعي) أي كبس ساعدي قال الباجي هو على معنى التأنيس له وتنبيه على فهم مراده والبعث له على جمع ذهنه وفهمه
[ 28 ]
لجوابه (اقرأ بها يا فارسي في نفسك) معناه اقرأها سرا بحيث تسمع نفسك وأما ما حمله عليه بعض المالكية وغيرهم أن المراد تدبر ذلك وتذكره فلا يقبل لأن القراءة لا تطلق إلا على حركة اللسان بحيث يسمع نفسه ولهذا اتفقوا على أن الجنب لو تدبر القرن بقلبه من غير حركة لسانه لا يكون قارئا مرتكبا لقراءة الجنب المحرمة قاله النووي (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) قال الخطابي المراد بالصلاة القراءة يدل على ذلك قوله عليه السلام عند التفسير له والتفصيل للمراد منه إذا قال الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى حمدني عبد إلى خر السورة وقد سمي القرن صلاة لوقوعها في الصلاة وكونها جزءا من أجزائها قال الله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها أي قراءتك وقال تعالى وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا أي صلاة الفجر فسمى الصلاة مرة قرآنا والقرن صلاة لانتظام أحدهما بالآخر يدل على صحة ما قلناه قوله عليه السلام بيني وبين عبدي نصفين والصلاة خالصة لله عز وجل لا يشرك فيها أحد فعقل أن المراد به القراءة وحقيقة هذه القسمة منصرة الى المعنى لا الى اللفظ ، وذلك ان سورة الحمد نصفها ثناء ونصفها مسألة دعاء والثناء لله والدعاء لعبده وليس هذا انقسام ألفاظ وحروف وقسم الثناء من جهة المعنى إلى قوله تعالى إياك نعبد وهو تمام النصف الأول وباقي الآية وهو قوله تعالى من قسم الدعاء والمسألة ولذا قال عليه السلام حاكيا عن ربه وهذه الآية بيني وبين عبدي ولو كان المراد به قسمة الألفاظ والحروف لكان النصف الأخير يزيد على الأول زيادة بينة فيرتفع معنى التعديل والتنصيف وإنما هو قسمة المعاني كما ذكرته لك وهذا كما يقال نصف السنة إقامة ونصفها سفر يراد به انقسام السنة مدة السفر ومدة اقامة لا على سبيل التعديل والتسوية بينهما حتى يكونا سواء لا يزيد أحدهما على الآخر وقيل لشريح كيف أصبحت قال أصبحت ونصف الناس علي غضبان يريد أن الناس بين محكوم له ومحكوم عليه فالمحكوم عليه غضبان علي باستخراجي النبي الحق منه وإكراهي إياه ولقول الشاعر إذا مت كان الناس نصفين شامت لموتي وإن ومثن بالذي كنت أفعل (فنصفها لي) وهو الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين (ونصفها لعبدي) وهو من إهدنا الصراط المستقيم إلى خره (ولعبدي ما سأل) أي بعينه
[ 29 ]
إن كان معلقا على السؤال وإلا فمثله من رفع درجة ودفع مضرة ونحوهما (اقرؤا) ليست هذه اللفظة في رواية مسلم (يقول العبد) وفي رواية مسلم فإذا قال العبد (حمدني عبدي إلى قوله مجدني عبدي) قال النووي إنما قاله لأن التحميد الثناء بجميل الفعال والتمجيد الثناء بصفات الجلال ويقال أثنى عليه في ذلك كله ولهذا جاء جوابا للرحمن الرحيم لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية (يقول العبد إياك نعبد) أي نخصك بالعبادة (وإياك نستعين) أي نخصك بالاستعانة (فهذه بيني وبين عبدي) لأن العبادة لله تعالى والاستعانة من الله وقال القرطبي إنما قال الله تعالى هذا لأن في ذلك تذلل العبد لله وطلبه الاستعانة منه وذلك يتضمن تعظيم الله وقدرته على ما طلب منه (يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم إلى خر السورة) إنما كان هذا للعبد لأنه سؤال يعود نفعه إلى العبد (فهؤلاء لعبدي) وفي رواية مسلم فهذا لعبدي قال النووي هكذا هو في صحيح مسلم وفي غيره فهؤلاء لعبدي وفي هذه الرواية دليل على أن اهدنا وما بعده إلى خر السورة ثلاث يات لا يتان وفي المسألة خلاف مبني على أن البسملة من الفاتحة أم لا فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنها من الفاتحة وأنها ية واهدنا وما بعده يتان ومذهب مالك وغيره ممن يقول إنها ليست من الفاتحة يقول اهدنا وما بعده ثلاث يات وللأكثرين أن يقولوا قوله هؤلاء المراد به الكلمات لا الآيات بدليل رواية مسلم فهذا لعبدي وهذا أحسن من الجواب بأن الجميع محمول على الاثنين لأن هذا مجاز عند الأكثرين فيحتاج إلى دليل على صرفه عن الحقيقة إلى المجاز انتهى وقال الخطابي قد يستدل بهذا الحديث من لا يرى التسمية آية من فاتحة الكتاب وقالوا لو كانت ية لذكرت كما ذكر سائر الآي فلما بدأ بالحمد دل أنه أول ية منها وأنه لاحظ للتسمية فيها وقد اختلف الناس فيها فقال قوم هي ية من فاتحة الكتاب وهو قول ابن عباس وأبي
[ 30 ]
هريرة وسعيد بن جبير وعطاء وابن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وقال خرون ليست التسمية من فاتحة الكتاب وروى ذلك عن عبد الله بن المغفل وإليه ذهب أصحاب الرأي وهو قول مالك والأوزاعي انتهى والحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه (عن محمود بن الربيع) في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري سمعت محمود بن الربيع ولمسلم من رواية صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن محمود بن الربيع أخبره أن عبادة بن الصامت أخبره وبهذا التصريح بالاخبار يندفع تعليل من أعله بالانقطاع لكون بعض الرواة أدخل بين محمود وعبادة رجلا وهي رواية ضعيفة عند الدارقطني قاله الحافظ (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فيه دلالة صريحة واضحة على أن كل صلاة لا تقرأ فيها فاتحة الكتاب لا تصح ولا تجوز لأن النفي في قوله لا صلاة يتوجه إلى الذات إن أمكن انتفاؤها وإلا توجه إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة لا إلى الكمال لأن الصحة أقرب المجازين والكمال أبعدهما والحمل على أقرب المجازين واجب وتوجه النفي ههنا إلى الذات ممكن كما قال الحافظ في الفتح لأن المراد بالصلاة معناها الشرعي لا اللغوي لما تقرر من أن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه لكونه بعث لتعريف الشرعيات لا لتعريف الموضوعات اللغوية وإذا كان المنفي الصلاة الشرعية استقام نفي الذات لأن المركب كما ينتفي بانتفاء جميع أجزائه ينتفي بانتفاء بعضها فلا يحتاج بإضمار الصحة ولا الأجزاء ولا الكمال كما روي عن جماعة لأنه إنما يحتاج إليه عند الضرورة وهي عدم إمكان انتفاء الذات ولو سلم أن المراد ههنا الصلاة اللغوية فلا يمكن توجه النفي إلى ذاتها لأنها قد وجدت في الخارج كما قاله البعض لكان المتعين توجيه النفي إلى الصحة أو اجزاء إلى الكمال وإما أولا فلما ذكرنا من أن ذلك أقرب المجازين وإما ثانيا فلرواية الدار قطني بلفظ لا تجزئ الصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقال إسناده صحيح وصححها ابن القطان ولها شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بهذا اللفظ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما ولأحمد بلفظ لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرن ومن ههنا لاح لك أن قول الحنفية بأن المراد بالنفي في الحديث نفي الكمال باطل لا دليل عليه
[ 31 ]
واعلم أن بعض العلماء الحنفية قد تأولوا رواية الدارقطني المذكورة وقالوا أنها محمولة على الإجزاء الكامل وأنت تعلم أن هذا تحكم بحت وتعصب محض لأنه ليس بعد الإجزاء إلا البطلان وماذا بعد الحق إلا الضلال واستدل بالحديث على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن الركعة الواحدة تسمى صلاة لو تجردت وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة من الرباعية مثلا يقتضي حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة والأصل أيضا عدم إطلاق الكل على البعض لأن الظهر مثلا كلها صلاة واحدة حقيقة كما صرح به في حديث اسراء حيث سمى المكتوبات خمسا وكذا حديث عبادة خمس صلوات كتبهن الله على العباد وغير ذلك فإطلاق الصلاة على ركعة منها يكون مجازا قال الشيخ تقي الدين وغاية ما في البحث أن يكون في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في كل ركعة واحدة منها فإن دل دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدما انتهى وقال بمقتضى هذا البحث الحسن البصري رواه عنه ابن المنذر بإسناد صحيح ودليل الجمهور قوله وافعل ذلك في صلاتك كلها بعد أن أمره بالقراءة وفي رواية لأحمد وابن حبان ثم افعل ذلك في كل ركعة كذا قال الحافظ واستدل بالحديث على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسر الإمام أم جهر لأن صلاته صلاة حقيقة فتنتفي عند انتفاء القراءة وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى (فصاعدا) أي فما زاد على فاتحة الكتاب من الصعود وهو الارتفاع من سفل إلى علو قال المظهر أي زائدا وهو منصوب على الحال أي لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرن فقط أو بأن القرن حل كون قراءته زائدا على أم القرن كذا في المرقاة (قال سفيان لمن يصلي وحده) قال الإمام الخطابي هذا عموم لا يجوز تخصيصه إلا بدليل قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وليس في حديث بعضهم فصاعدا (فثقلت عليه القراءة) أي شق عليه التلفظ والجهر بالقراءة ويحتمل أن يراد به أنها التبست عليه القراءة بدليل الرواية الآتية (فلما فرغ) أي من الصلاة (قلنا نعم هذا) قال الخطابي الهذ سرد القراءة ومداركتها كما في سرعة واستعجال وقيل أراد بالهذ هو الجهر بالقراءة
[ 32 ]
وكانوا يلبسون عليه قراءته بالجهر وقد روي ذلك في حديث عبادة هذا من غير هذا الطريق (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) قال الخطابي هذا الحديث صريح بأن قراءة الفاتحة واجبة على من خلف الإمام سواء جهر الإمام بالقراءة أو خافت بها وإسناده جيد لا طعن فيه قلت القراءة خلف الإمام فيما أسر وفيما جهر هذا هو الحق وإليه ذهب الشافعي وإسحاق والأوزاعي والليث بن سعد وأبو ثور وبه قال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير والحسن البصري ومكحول قال البخاري في جزء القراءة قال الحسن وسعيد بن جبير وميمون بن مهران وما لا أحصي من التابعين وأهل العلم إنه يقرأ خلف الإمام وإن جهر انتهى وقال فيه وقال عمر بن الخطاب اقرأ خلف الإمام قلت وإن قرأت قال نعم وإن قرأت وكذلك قال أبي بن كعب وحذيفة بن اليمان وعبادة رضي الله تعالى عنهم ويذكر عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد الخدري وعدة من أصحاب النبي نحو ذلك انتهى وظاهر الحديث إذن بقراءة الفاتحة جهرا لأنه استثنى من النهي عن الجهر خلفه ولكنه أخرج ابن حبان من حديث أنس قال قال رسول الله أتقرؤن في صلاتكم خلف الإمام والإمام يقرأ فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط والبيهقي وأخرجه عبد الرزاق عن أبي قلابة مرسلا كذا في التلخيص قلت وأخرج البخاري في جزء القراءة حدثنا يحيى بن يوسف قال أنبأنا عبد الله عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى بأصحابه فلما قضى صلاته
[ 33 ]
أقبل عليهم بوجهه فقال أتقرؤن في صلاتكم والإمام يقرأ فسكتوا فقالها ثلاث مرات فقال قائل أو قائلون إنا لنفعل قال فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن قلت وأخرجه أيضا أحمد والبخاري في جزء القراءة وصححه وابن حبان والبيهقي من طريق ابن إسحاق قال حدثني مكحول عن محمود بن ربيعة عن عبادة وتابعه زيد بن واقد وغيره عن مكحول ومن شواهده ما رواه أحمد من طريق خالد الحذاء عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي قال قال رسول الله لعلكم تقرأون والإمام يقرأ قالوا إنا لنفعل قال لا إلا بأن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب قال الحافظ إسناده حسن ورواه ابن حبان من طريق أيوب عن أبي قلابة عن أنس وزعم أن الطريقتين محفوظتان وخالفه البيهقي فقال إن طريق أبي قلابة عن أنس ليست بمحفوظة ومحمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث فذهبت مظنة تدليسه وتابعه من تقدم كذا قال الشوكاني (عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري) قال في الخلاصة عن عبادة بن الصامت وعنه مكحول وثقة ابن حبان (أبطأ عبادة عن صلاة الصبح) أي تأخر عنها (فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة) زاد الدارقطني وكان أبو نعيم أول من أذن في بيت المقدس (فالتبست) أي اختلطت (وأنا أقول) أي في نفسي (مالي ينازعني) أي يعالجني ولا يتيسر (القرآن) بالرفع أي لا يتأتى لي
[ 34 ]
فكأني أجاذبه وسلم فيعصي ويقل علي قاله الطيبي وبالنصب أي ينازعني من ورائي فيه بقراءتهم على التغالب يعني تشوش قراءتهم على قراءتي ويؤيد ما في نسخة ينازعني بضم العين وتشديد النون على حذف الواو ونصب القرآن لكن في صحتها نظر إذ لا يجوز التأكيد إلا في الاستقبال بشرط الطلب كذا في المرقاة (فلا تقرأوا بشئ من القررن إذا جهرت إلا بأم القرآن) أي بفاتحة الكتاب وسميت أم القرن لأنها فاتحته كما سميت مكة أم القرى لأنها أصلها قاله النووي والحديث قال المنذري وأخرجه النسائي قلت وأخرجه البخاري في جزء القراءة والدارقطني في سننه وقال هذا إسناد حسن ورجاله ثقات كلهم وهذا الحديث أيضا يدل على قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام جهر أو أسر (قالوا) أي ابن جابر وسعيد بن عبد العزيز و عبد الله بن العلاء (فكان مكحول يقرأ) هو أبو عبد الله الدمشقي ثقة فقيه عن كثير من الصحابة مرسلا قال أبو حاتم ما أعلم بالشام أفقه منه (يقرأ في المغرب إلخ) لقوله فلا تقرأوا بشئ من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرن (قال مكحول إقرأ) أمر للمخاطب (إذا قرأ بفاتحة الكتاب وسكت) أي اقرأ في سكتة الإمام التي بعد الفاتحة وهي سنة للامام كما تقدم (سرا) أي اقرأ سرا (فإن لم يسكت) أي الإمام (اقرأ بها قبله ومعه وبعده لا تتركها على كل حال) لأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب قال المنذري هذا منقطع مكحول لم يدرك عبادة ابن الصامت فائدة قد اختلفت الشافعية في قراءة الفاتحة هل تكون عند سكتات الإمام أو عند قراءته وظاهر الأحاديث أنها تقرأ عند قراءة الإمام وفعلها حال سكوت الإمام إن أمكن أحوط لأنه يكون فاعل ذلك أخذا بالإجماع وأما اعتياد قراءتها حال قراءته للسورة فقط فليس عليه دليل بل الكل جائز وسنة نعم حال قراءة الإمام للفاتحة مناسب من جهة عدم الاحتياج إلى تأخير الاستعاذة عن محلها الذي هو بعد التوجه أو تكريرها عند إرادة قراءة الفاتحة إن فعلها في محلها أولا وأخر الفاتحة الى حال قراءة الإمام للسورة ومن جهة
[ 35 ]
الاكتفاء بالتأمين مرة واحدة عند فراغه وفراغ الإمام من قراءة الفاتحة إن وقع الاتفاق في التمام بخلاف من أخر قراءة الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة كذا في النيل باب من رأى القراءة إذا لم يجهر (انصرف) أي فرغ (انفا) بالمد ويجوز قصره يعني الآن وأراد به قريبا (إني أقول مالي أنازع القران) بفتح الزاي ونصب القران على أنه مفعول ثان أي فيه كذا في الأزهار وفي نسخة بكسر الزاي وفي شرح المصابيح لابن الملك قيل على صيغة المجهول أي أداخل في القراءة وأشارك إن فيها وأغالب عليها كذا في المرقاة قال الخطابي معناه أداخل في القراءة وأغالب عليها وقد تكون المنازعة بمعنى المشاركة والمداولة ومنه منازعة الكأس في المدام وقال في النهاية أي أجاذب في قراءته كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه فالتبست عليه القراءة وأصل النزع الجذب ومنه نزع الميت بروحه (فانتهى الناس عن القراءة إلخ) زاد البخاري في جزء القراءة وقرأوا في أنفسهم سرا فيما لا يجهر فيه الإمام
[ 36 ]
واعلم أن قوله فانتهى الناس إلخ ليس من الحديث بل هو مدرج من كلام الزهري بينه الخطيب واتفق عليه البخاري في التاريخ وأبو داود ويعقوب بن سفيان والذهلي والخطابي وغيرهم كذا قال الحافظ في التلخيص وقال البخاري في جزء القراءة وقوله فانتهى الناس من كلام الزهري وقد بينه لي الحسن بن صباح قال حدثنا مبشر عن الأوزاعي قال الزهري فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرأون فيما جهر وقال مالك قال ربيعة للزهري إذا حدثت فبين كلامك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وقال البيهقي في المعرفة قوله فانتهى الناس عن القراءة من قول الزهري قاله محمد بن يحيى الذهلي صاحب الزهريات ومحمد بن إسماعيل البخاري وأبو داود واستدلوا على ذلك برواية الأوزاعي حين ميزه من الحديث وجعله من الزهري وكيف يصح ذلك عن أبي هريرة وأبو هريرة يأمر بالقراءة خلف الإمام فيما جهر به وفيما خافت انتهى مختصرا والحديث استدل به القائلون بأنه لا يقرأ المؤتم خلف الإمام في
[ 37 ]
الجهرية وهو خارج عن محل النزاع لأن الكلام في قراءة المؤتم خلف الإمام سرا والمنازعة إنما تكون مع جهر المؤتم لا مع اسراره وأيضا لو سلم دخول ذلك في المنازعة لكان هذا الاستفهام الذي للانكار عاما لجميع القران أو مطلقا في جميعه وحديث عباده خاصا ومقيدا وبناء العام على الخاص واجب كما تقرر في الأصول كذا في النيل قلت قد عرفت أن جملة فانتهى الناس إلخ ليست من الحديث وأما الحديث فقال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث حسن لكن قال النووي وأنكر الأئمة على الترمذي تحسينه واتفقوا على ضعف هذا الحديث لأن ابن أكيمة مجهول كذا قال علي القاري في المرقاة وقال بعد أسطر قال ميرك نقلا عن ابن الملقن حديث أبي هريرة رواه مالك والشافعي والأربعة وقال الترمذي حسن وصححه ابن حبان وضعفه الحميدي والبيهقي انتهى وبهذا يعلم أن قول النووي اتفقوا على ضعف هذا الحديث غير صحيح قلت لكن الأكثرين على ضعفه ولو سلم صحته فلا يتم الاستدلال به على ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر كما تقدم قال الترمذي ليس في هذا الحديث ما يدخل على من رأى القراءة خلف الإمام لأن أبا هريرة هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القران
[ 38 ]
فهي خداج غير تمام فقال له حامل الحديث إني أكون أحيانا وراء الإمام قال اقرأ بها في نفسك وروى أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أن لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن وابن أكيمة الليثي اسمه عمارة ويقال عمرو بن أكيمة وذكر الترمذي أن اسمه عامر وقيل عمار ويقال يزيد وقيل عباد وأن كنيته أبو الوليد (على معنى مالك) أي على معنى حديثه لا على لفظه (عن الزهري) محمد بن شهاب (قال) أي الزهري (سمعت ابن أكيمة) بضم الهمزة وفتح الكاف مصغر أكمة قال أبو حاتم صحيح الحديث وفي التقريب وشرح الزرقاني على الموطإ ثقة وقال البيهقي في المعرفة هذا حديث تفرد به ابن أكيمة وهو مجهول ولم يكن عند الزهري من معرفته أكثر من أن راه يحدث سعيد بن المسيب واختلفوا في اسمه فقيل عمارة وقيل عمار قاله البخاري انتهى (يحدث) أي ابن أكيمة (سعيد بن المسيب) مفعول يحدث وهذه الجملة حال أي يقول الزهري إني سمعت ابن أكيمة حال كون ابن أكيمة يحدث بهذا سعيد بن المسيب (قال) ابن أكيمة (سمعت أبا هريرة) وفي الموطإ مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة وفي رواية للطحاوي من طريق الأوزاعي حدثني الزهري عن سعيد عن أبي هريرة (بمعناه) أي بمعنى الحديث المتقدم (قال أبو داود قال مسدد في حديثه قال معمر إلخ) حاصل كلام المؤلف أن معمرا قد اختلف عليه فمعمر تارة قوله فانتهى إلخ من كلام أبي هريرة وأما غيره من أصحاب الزهري كسفيان وعبد الرحمن بن إسحاق والأوزاعي ومحمد بن يحيى بن فارس فيجعلانه من كلام الزهري
[ 39 ]
(عن زرارة) بضم الزاي المعجمة هو ابن أوفى الحرشي بفتح المهملتين ثم شين معجمة أبو حاجب البصري قاضيها عن عمران بن حصين بن المغيرة بن شعبة وعبد الله بن سلام وأبي هريرة وعنه قتادة وعلي بن زيد بن جدعان وأيوب وعوف بن أبي جميلة وثقه النسائي وابن سعد (فجاء رجل فقرأ) أي جهرا (قالوا) أي الصحابة رضي الله عنهم (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد عرفت أن بعضكم خالجنيها) أي نازعنيها ومعنى هذا الكلام انكار عليه في جهره أو رفع صوته بحيث أسمع غيره لا عن أصل القراءة بل فيه أنهم كانوا يقرأون بالسورة في الصلاة السرية وفيه إثبات قراءة السورة في الظهر للامام والمأموم قال النووي وهكذا الحكم عندنا ولنا وجه شاذ ضعيف أنه لا يقرأ المأموم السورة في السرية كما لا يقرأها في الجهرية وهذا غلط لأنه في الجهرية يؤمر بالإنصات وهنا لا يسمع فلا معنى لسكوته من غير استماع ولو كان بعيدا عن الإمام لا يسمع قراءته فالصحيح أنه يقرأ السورة لما ذكرناه انتهى وظاهر الأحاديث المنع من قراءة ما عدا الفاتحة من القران من غير فرق بين أن يسمع المؤتم الإمام أو لا يسمعه لأن قوله صلى الله عليه وسلم فلا تقرأوا بشئ من القران إذا جهرت يدل على النهي عن القراءة عند مجرد وقوع الجهر من الإمام وليس فيه ولا في غيره ما يشعر باعتبار السماع كذا في النيل قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (قال شعبة فقلت لقتادة أليس
[ 40 ]
قول سعيد) ابن المسيب (أنصت للقران) ولا تقرأ حال قراءة الإمام فالإنصات للقرآن على قول سعيد بن المسيب يشتمل للصلاة الجهرية والسرية وفي حديث عمران أن الرجل قرأ في صلاة الظهر خلف النبي صلى الله عليه وسلم بسبح اسم ربك الأعلى ففي الظاهر قول سعيد يخالف حديث عمران هذا معنى قول شعبة (قال) قتادة مجيبا لقول شعبة (ذاك) أي قول سعيد أنصت للقران (إذا جهر) الإمام (به) أي بالقران أي مراد سعيد بن المسيب بهذا القول الإنصات للقران في الصلاة الجهرية وقت قراءة الإمام دون فيما يخافت (وقال ابن كثير في حديثه قال) شعبة (قلت لقتادة كأنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (كرهه) أي كره النبي صلى الله عليه وسلم قراءة الرجل خلفه بسبح اسم ربك الأعلى (قال) قتادة (لو كرهه) أي كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك (نهى) النبي صلى الله عليه وسلم (عنه) عن ذلك الفعل أي القراءة ولم ينه فدل على عدم الكراهة قال البيهقي في المعرفة وقد روي عن الحجاج بن أرطاة عن قتادة عن زرارة بن أوفي عن عمران بن حصين قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القراءة خلف الإمام وفي سؤال شعبة وجواب قتادة في هذه الرواية الصحيحة تكذيب من قلب هذا الحديث وأتى فيه بما لم يأت به الثقات من أصحاب قتادة انتهى (فلما انفتل) أي فرغ وانصرف من الصلاة (فقال علمت أن بعضكم خالجنيها) قال الخطابي في المعالم أي جاذبنيها إلا والخلج فيه الجذب وهذا وقوله نازعنيها في المعنى سواء وإنما أنكر عليه مجاذبته إياه في قراءة السورة حين تداخلت القراءتان وتجاذبتا صلى فأما قراءة فاتحة الكتاب فإنه مأمور بها على كل حال إن أمكنه أن يقرأ في السكتة فعل وإلا قرأ معه لا محالة وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فروى عن جماعة من الصحابة أنهم أوجبوا القراءة خلف الإمام وقد روي عن آخرين أنهم كانوا لا يقرأون وافترق الفقهاء فيه على ثلاثة أقاويل فكان مكحول والأوزاعي والشافعي وأبو ثويقولون لا بد من أن يقرأ خلف الإمام فيما جهر به وفيما لم يجهر به من الصلاة وقال الزهري ومالك وابن المبارك وأحمد وإسحاق يقرأ فيما أسر الإمام فيه بالقراءة ولا يقرأ فيما جهر به وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي لا يقرأ أحد خلف الإمام جهر أو أسر واحتجوا بحديث رواه عبد الله بن شداد مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة انتهى
[ 41 ]
قلت هذا الحديث ضعيف قال البخاري في جزء القراءة هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم من أهل الحجاز وأهل العراق لارساله وانقطاعه وقال الدارقطني لم يسنده عن موسى بن أبي عائشة غير أبي حنيفة والحسن بن عمارة وهما ضعيفان قال وروى هذا الحديث سفيان الثوري وشعبة وإسرائيل وشريك وأبو خالد الدالاني وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وحريث بن عبد الحميد وغيرهم عن موسى ابن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب انتهى قال الحافظ هو مشهور من حديث جابر وله طرق عن جماعة من الصحابة كلها معلولة وقال في الفتح إنه ضعيف عند جميع الحفاظ وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني وقد احتج به القائلون بأن الإمام يتحمل القراءة عن المؤتم في الجهرية الفاتحة وغيرها والجواب أنه عام لأن القراءة مصدر مضاف وهو من صيغ العموم وحديث عبادة المتقدم خاص فلا معارضة كذا في النيل باب ما يجزي الأمي والأعجمي من القراءة (وفينا) أي معشر القراء (الأعرابي) أي البدوي (والعجمي) أي غير العربي من الفارسي والرومي والحبشي كسلمان وصهيب وبلال قاله الطيبي قال الطيبي وقوله فينا يحتمل احتمالين أحدهما أن كلهم منحصرون في هذين الصنفين وثانيهما أن فينا معشر العرب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو فيما بيننا تانك الطائفتان وهذا الوجه أظهر لأنه عليه الصلاة والسلام فرق بين الأعرابي والعربي بمثل ما في خطبته مهاجر ليس بأعرابي حيث جعل المهاجر ضد الأعرابي والأعراب ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة والعرب اسم لهذا الصنف المعروف من الناس ولا واحد له من لفظه سواء أقام بالبادية أو المدن انتهى وحاصله أن العرب أعم من الأعراب وهم أخص ومنه قوله تعالى الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله (فقال اقرأوا) أي كلكم (فكل
[ 42 ]
حسن) أي فكل واحدة من قراءتكم حسنة مرجوة للثوب إذا اثرتم اجلة على العاجلة ولا عليكم أن لا تقيموا ألسنتكم إقامة القدح وهو السهم قبل أن يراش (وسيجئ أقوام يقيمونه) أي يصلحون ألفاظه وكلماته ويتكلفون في مراعاة مخارجه وصفاته (كما يقام القدح) أي يبالغون في عمل القراءة كمال المبالغة لأجل الرياء والسمعة والمباهاة والشهرة قال الطيبي وفي الحديث رفع الحرج وبناء الأمر على المساهلة في الظاهر وتحري الحسبة والإخلاص في العمل والتفكر في معاني القرآن والغوص في عجائب أمره (يتعجلونه) أي ثوابه في الدنيا (ولا يتأجلونه) بطلب الأجر في العقبى بل يؤثرون العاجلة على الآجلة ويتأكلون وقال ولا يتوكلون (عن وفاء) بفاء ممدودة ابن شريح الحضرمي المصري مقبول من الثالثة (ونحن نقترئ) أي نحن نقرأ القران من باب الافتعال من القراءة (وفيكم الأحمر وفيكم الأبيض وفيكم الأسود) معناه فيكم العربي والعجمي كما في الحديث المتقدم (اقرأوه قبل أن يقرأه أقوام) أي اقرأوا القران كما تقرأون فقراءتكم أنه حسنة ويأتي بعدكم قوم (يقيمونه كما يقوم السهم يتعجل أجره) أي في الدنيا (ولا يتأجله) أي في العقبى (عن أبي خالد الدالاني) اسمه يزيد بن عبد الرحمن عن عمرو بن مرة والمنهال بن عمرو وعنه الثوري وشعبة وثقه أبو حاتم وقال النسائي ليس به بأس وقال ابن عدي في حديثه لين (عن إبراهيم السكسكي) هو ابن عبد الرحمن أبو إسماعيل الكوفي مولى صخير صدوق ضعيف الحفظ من الخامسة والسكسكي بفتح السين وسكون الكاف وفتح السين الثانية وكسر الكاف الثانية منسوب إلى سكسك هي قبيلة باليمن ينسب إليها (لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا) وفي رواية ابن ماجه بلفظ إني لا أحسن من القرآن شيئا (فعلمني ما يجزئني
[ 43 ]
منه) قال شارح المصابيح اعلم أن هذه الواقعة لا تجوز أن تكون في جميع الأزمان لأن من يقدر على تعلم هذه الكلمات لا محالة يقدر على تعلم الفاتحة بل تأويله لا أستطيع أن أتعلم شيئا من القران في هذه الساعة وقد دخل علي وقت الصلاة فإذا فرغ من تلك الصلاة لزمه أن يتعلم (هذا لله) أي ما ذكر من الكلمات ذكر لله مختص له أذكره به (فمالي) أي علمني شيئا يكون لي فيه دعاء واستغفار وأذكره لي عند ربي (اللهم ارحمني) أي بترك المعاصي أبدا أو بغفرانها (وارزقني) أي رزقا حلالا طيبا كافيا مغنيا عن الأنام أو التوفيق والقبول وحسن الاختتام (وعافني) من آفات الدارين (واهدني) أي ثبتني على دين الإسلام أو دلني على متابعة الأحكام (قال أي فعل الرجل (هكذا) قال الطيبي أي أشار إشارة مثل هذه الإشارة المحسوسة (بيده) تفسير وبيان وفي المشكاة بيديه وقبضهما قال القاري وفي نسخة فقبضهما فقيل أي عد تلك الكلمات بأنامله وقبض كل أنملة بعدد كل كلمة قال ابن حجر ثم بين الراوي المراد بالإشارة بهما فقال وقبضهما أي إشارة إلى أنه يحفظ ما أمره به كما يحفظ الشئ النفيس بقبض اليد عليه وظاهر السياق أن المشير هو المأمور أي حفظت ما قلت لي وقبضت عليه فلا أضيعه ويؤيده قول الراوي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد ملأ يده من الخير) قال ابن حجر المكي كناية عن أخذه مجامع الخير بامتثاله لما أمر به ويصح أن يكون المشير هو عليه السلام حملا له على الامتثال والحفظ لما أمر به وحينئذ فيكون معنى قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فهم من ذلك الرجل الامتثال فبشره ومدحه بأنه ظفر بما لم يظفر به غيره كذا في في المرقاة قال الخطابي الأصل أن بالصلاة لا تجزئ إلا بقراءة فاتحة الكتاب ومعقول أن قراءة فاتحة الكتاب على من أحسنها دون من لا يحسنها فإذا كان المصلي لا يحسنها ويحسن غيرها من القرآن كان عليه أن يقرأ منها قدر سبع آيات لأن أولى الذكر بعد الفاتحة ما كان مثلا لها من القران وإن كان رجلا ليس في وسعه أن يتعلم شيئا من القران لعجز في طبعه أو سوء حفظ أو عجمة لسان أو افة تعرض له كان أولى الذكر بعد القران ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التسبيح
[ 44 ]
والتحميد والتهليل وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفضل الذكر بعد كلام الله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وقال إبراهيم السكسكي ليس بذاك القوي وقال يحيى بن سعيد القطان كان شعبة يضعف إبراهيم السكسكي وذكر ابن عدي أن مدار هذا الحديث على إبراهيم السكسكي وقد احتج البخاري في صحيحه بإبراهيم السكسكي (ندعو قياما وقعودا) حال أي في حالة القيام والقعود (ونسبح ركوعا وسجودا) أي في حالة الركوع والسجود والحديث يدل على أنه يكفي الدعاء في صلاة التطوع وأن القراءة ليست بفرض فيه لكنه موقوف ثم هو منقطع لأن الحسن البصري لم يسمع من جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال المنذري ذكر علي بن المديني وغيره أن الحسن البصري لم يسمع من جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأيضا هو معارض بحديث حبيب بن الشهيد لا صلاة إلا بقراءة رواه مسلم مرفوعا من رواية أبي أسامة عنه وبحديث عبادة بن الصامت لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة عام يشمل التطوع والفريضة (إماما أو خلف إمام) أي حال كونه إماما أو مأموما (قدر قاف والذاريات) أي قدر سورة قاف وسورة الذاريات هذا فعل الحسن البصري رضي الله عنه وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع باب تمام التكبير أي إتمام عدد التكبير في الصلاة ففي كل صلاة ثنائية إحدى عشرة تكبيرة وهي تكبيرة
[ 45 ]
الإحرام وخمس في كل ركعة وفي الثلاثية سبع عشرة وهي تكبيرة الإحرام وتكبيرة القيام من التشهد الأول وخمس في كل ركعة وفي الرباعية ثنتان وعشرون ففي المكتوبات الخمس أربع وتسعون تكبيرة واعلم أن تكبيرات الإحرام واجبة وما عداها سنة لو تركه صحت صلاته لكن فاتته الفضيلة وموافقة السنة هذا مذهب العلماء كافة إلا أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في إحدى الروايتين عنه أن جميع التكبيرات واجبة (إذا سجد كبر وإذا ركع كبر) وفي رواية الصحيحن إذا سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر (وإذا نهض) أي قام (وقال لقد صلى هذا قبل أو قال لقد صلى بنا هذا) شك من الراوي (قبل صلاة محمد صلى الله عليه وسلم) أي مثل صلاته صلى الله عليه وسلم وفي رواية البخاري فقال قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم أو قال لقد صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم وفي رواية أخرى له فقال ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ قوله ذكرنا بتشديد الكاف وفتح الراء وفيه إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك وقد روى أحمد والطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال ذكرنا على صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما نسيناها وإما تركناها عمدا ولأحمد من وجه اخر عن مطرف قال قلنا يعني لعمران بن حصين يا أبا نجيد هو بالنون والجيم مصغر من أول من ترك التكبير قال عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر وروى الطبراني عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية وروى أبو عبيد أن أول من تركه زياد وهذا لا ينافي الذي قبله لأن زيادا تركه بترك معاوية وكان معاوية تركه بترك عثمان وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء ويرشحه حديث أبي سعيد الآتي في باب يكبر وهو ينهض من السجدتين لكن حكى الطحاوي أن قوما كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع قال وكذلك كانت بنو أمية تفعل وروى ابن المنذر نحوه عن ابن عمر وعن بعض السلف أنه كان لا يكبر سوى تكبيرة الإحرام وفرق بعضهم بين المنفرد وغيره ووجهه بأن التكبير شرع للايذان بحركة الإمام فلا يحتاج إليه المنفرد لكن استقر الأمر على مشروعية التكبير في الخفض والرفع لكل مصل انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه
[ 46 ]
(يكبر حين يقوم) فيه التكبير قائما وهو بالاتفاق في حق القادر (ثم يكبر حين يركع) قال النووي فيه دليل على مقارنة التكبير للحركة وبسطه عليها فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتقال إلى الركوع ويمده حتى يصل إلى حد الراكع انتهى ودلالة هذا اللفظ على البسط الذي ذكره غير ظاهرة قاله الحافظ (ثم يقول سمع الله لمن حمده) أي حين يرفع رأسه من الركوع (ثم يقول ربنا ولك الحمد) أي وهو قائم وفي رواية البخاري ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم ربنا لك الحمد قال الحافظ فيه أن التسميع ذكر النهوض وأن التحميد ذكر الاعتدال وفيه دليل على أن الإمام يجمع بينهما خلافا لمالك لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حال الإمامة لكون ذلك هو الأكثر الأغلب من أجواله وهو (حين يهوي) بفتح الأول وكسر الواو أي يهبط وينزل إلى السجود فيه أن التكبير ذكر الهوي فيبتدئ به من حين يشرع في الهوي بعد الاعتدال إلى حين يتمكن ساجدا (ثم يكبر حين يرفع رأسه) أي من السجود (ثم يكبر حين يسجد) أي حين يريد السجدة الثانية (ثم يكبر حين يرفع رأسه) أي من السجدة الثانية (ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في إثنتين) فيه أن يشرع في التكبير من حين إبتداء القيام إلى الثالثة بعد التشهد الأول خلافا لمن قال إنه لا يكبر حتى يستوي قائما وفي رواية البخاري حين يقوم من الثنيتين بعد الجلوس أي في التشهد الأول (ثم يقول) أي أبو هريرة (حين ينصرف) أي من الصلاة (إن كانت) إن مخففة من المثقلة والحديث يدل على مشروعية التكبير في المواضع المذكورة قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وأخرجه البخاري ومسلم من حديث الزهري عن أبي سلمة وحده ومن حديث أبي بكر بن عبد الرحمن وحده (هذا الكلام) يعني إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا (والزبيدي) هو محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي بالضم أبو الهذيل القاضي الحمصي أحد الأعلام عن مكحول والزهري ونافع
[ 47 ]
وخلق وعنه الأوزاعي وشعيب بن أبي حمزة ومحمد بن حرب وخلق وثقه ابن معين (عن الزهري عن علي بن حسين) أي مرسلا ورواية مالك في الموطإ هكذا أخبرني ابن شهاب الزهري عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر كلما خفض وكلما رفع فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله عز وجل (ووافق عبد الأعلى عن معمر شعيب بن أبي حمزة) بالنصب مفعول لوافق وعبد الأعلى فاعله واعلم أن الحديث عند ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن وأبي سلمة بن عبد الرحمن كليهما لكن وقع الاختلاف بين أصحاب الزهري فقال عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن ولم يذكروا أبا سلمة وقال مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ولم يذكر أبا بكر بن عبد الرحمن وهاتان الروايتان في صحيح البخاري وقال شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة فذكر كليهما كما في رواية المؤلف لذكور انفا وكذا قال عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهذه الرواية في سنن النسائي فوافق عبد الأعلى عن معمر شعيبا عن الزهري في ذكر شيخيه وهذا المراد بقوله وافق عبد الأعلى الخ والله تعالى أعلم باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه (إذا سجد) أي أراد السجود (وإذا نهض) أي أراد النهوض وهو القيام والحديث أخرجه
[ 48 ]
الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرف أحدا رواه غير شريك وذكر أن هماما رواه عن عاصم مرسلا ولم يذكر فيه وائل بن حجر وقال النسائي لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون وقال الدارقطني تفرد به يزيد عن شريك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به وقال البيهقي هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي وإنما تابعه همام مرسلا هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تعالى هذا اخر كلامه وشريك هذا هو ابن عبد الله النخعي القاضي وفيه مقال وقد أخرج له مسلم في المتابعة كذا قال المنذري والحديث يدل على مشروعية وضع الركبتين قبل اليدين ورفعهما عند النهوض قبل رفع الركبتين وإلى ذلك ذهب الجمهور وحكاه القاضي أبو الطيب عن عامة الفقهاء وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب والنخعي ومسلم بن يسار وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي قال وبه أقول (محمد بن جحادة) بتقديم الجيم المضمومة على الحاء المهملة (فذكر حديث الصلاة) المذكور (فلما سجد وقعتا ركبتاه) الظاهر وقعت ركبتاه بإفراد الفعل وقد تقدم الكلام عليه (قبل أن يقعا كفاه) الظاهر أن يقع كفاه وقد تقدم والحديث منقطع قال المنذري عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه (قال همام) أي بالسند المذكور إليه (أخبرنا شقيق) هو أبو ليث روى عن عاصم بن كليب ويقال عاصم بن شتم وعنه همام بن
[ 49 ]
يحيى مجهول (بمثل هذا) الحديث المتقدم من طريق محمد بن جحادة (وفي حديث أحدهما) أي محمد بن جحادة وشقيق (وإذا نهض) أي قام (نهض على ركبتيه واعتمد على فخذه) أي اعتمد بيده على فخذه يستعين بذلك على النهوض قال الحافظ الزين العراقي ورواية أبي داود هذه موافقة لما قبلها لأنه إذا رفع يديه تعين نهوضه على ركبتيه إذ لم يبق ما يعتمد عليه غيرهما انتهى قلت قد ثبت الاعتماد على الأرض حين النهوض في صحيح البخاري وقد عرفت أن طريق محمد بن جحادة منقطعة وأما طريق همام عن شقيق فمرسلة قال المنذري وكليب بن شهاب والد عاصم حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل فإنه لم يدركه (إذا سجد أحدكم فلا يبرك) نهي وقيل نفي (كما يبرك البعير) أي لا يضع ركبتيه قبل يديه كما يبرك البعير شبه ذلك ببروك البعير مع أنه يضع يديه قبل رجليه لأن ركبة انسان في الرجل وركبة الدواب في اليد وإذا وضع ركبتيه أولا فقد شابه الإبل في البروك (وليضع) بسكون اللام وتكسر (يديه قبل ركبتيه) قال التوربشتي كيف نهي عن بروك البعير ثم أمر بوضع اليدين قبل الركبتين والبعير يضع اليدين قبل الرجلين والجواب أن الركبة من الإنسان في الرجلين ومن ذوات الأربع في اليدين كذا في المرقاة . قلت : القول بان الركبة من ذوات الاربع في اليدين يدل على صحته قول سراقة ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين في حديث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ومن ههنا ظهر أن القول بأن الركبة في ذوات الأربع في اليدين ليس كلاما لا يعقل ولا يعرفه أهل اللغة كما قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد والحديث أخرجه الترمذي وقال غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه انتهى
[ 50 ]
وقال البخاري إن محمد بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب لا يتابع عليه وقال لا أدري من أبي الزناد أو لا قال الدارقطني تفرد به الدراوردي عن محمد بن عبد الله المذكور قال المنذري وفيما قال الدارقطني نظر فقد روى نحوه عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديثه كذفي النيل وحديث أبي هريرة هذا يدل على سنية وضع اليدين قبل الركبتين وإليه ذهب الأوزاعي ومالك وابن حزم وأحمد في رواية وروى الحازمي عن الأوزاعي أنه قال أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم قال ابن أبي داود وهو قول أصحاب الحديث وهذا الحديث أقوى من حديث وائل بن المذكور لأن له شاهدا من حديث ابن عمر أخرجه ابن خزيمة وصححه وذكره البخاري تعليقا موقوفا كذا قال الحافظ في بلوغ المرام وقد أخرجه الدارقطني بإسناد حسن والحاكم في المستدرك مرفوعا بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه وقال على شرط مسلم وقال الحافظ بن سيد الناس أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح وقال ينبغي أن يكون حديث أبي هريرة داخلا في الحسن على رسم الترمذي لسلامة رواته من الجرح فإن قيل قال الخطابي في المعالم حديث وائل أثبت من حديث أبي هريرة وله أيضا شاهد عن عاصم الأحول عن أنس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي على شرطهما قيل المقال الذي في حديث أبي هريرة لا يزيد على المقال الذي في حديث وائل قاله الشوكاني وأما شاهده عن عاصم الأحول عن أنس فقال البيهقي تفرد به العلاء بن إسماعيل العطار وهو مجهول قال الدارقطني تفرد به العلاء بن إسماعيل عن حفص بهذا الإسناد وأما الحاكم فتساهله صلى الله عليه وسلم مشهور فإن قيل قال بعضهم إن اخر حديث أبي هريرة انقلب على بعض الرواة وأنه كان وليضع ركبتيه قبل يديه قيل كلا إذ لو فتح هذا الباب لم يبق اعتماد على رواية راو مع كونها صحيحة فإن قيل روى أبو بكربن أبي شيبة عن محمد بن فضل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروق إذا الفحل فهذه الرواية تدل على الانقلاب المذكور وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يصدق ذلك ويوافق حديث وائل بن حجر قال ابن أبي داود حدثنا يوسف بن عدي حدثنا ابن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه قيل في كلتا الروايتين
[ 51 ]
واسطة عبد الله بن سعيد وقد ضعفه يحيى القطان وغيره قال أبو أحمد الحاكم إنه ذاهب الحديث وقال أحمد بن حنبل هو منكر الحديث متروك الحديث وقال يحيى بن معين ليس بشئ لا يكتب حديثه وقال أبو زرعة هو ضعيف لا يوقف منه على شئ وقال أبو حاتم ليس بقوى وقال ابن عدي عامة ما يروي الضعف عليه بين فهما لضعفهما ليستا على الدلالة على الانقلاب المذكور في شئ فإن قيل إن حديث أبي هريرة وابن عمر منسوخان بما أخرج ابن خزيمة في صحيحه من حديث مصعب ابن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين قيل قال الحازمي في إسناده مقال ولو كان محفوضا فقال لدل على النسخ غير أن المحفوظ عن مصعب عن أبيه حديث نسخ التطبيق وقال الحافظ في الفتح إنه من أفراد أبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهما ضعيفان وقد ذكروا وجوها في ترجيح حديث وائل على حديث أبي هريرة لكنها كلها مخدوشة (يعمد أحدكم) بتقدير همزة الاستفهام انكاري (يبرك كما يبرك الجمل) بأن يضع ركبتيه قبل يديه وفي رواية الترمذي يعمل أحدكم فيبرك برك الجمل قال الخطابي قد اختلف الناس في هذا فذهب أكثر العلماء إلى وضع الركبتين قبل اليدين وهذا أرفق بالمصلين وأحسن بالشكل ورأى العين وقال مالك يضع يديه قبل ركبتيه وكذلك قال الأوزاعي وأظنهما ذهبا إلى حديث أبي هريرة المذكور في الباب وحديث وائل بن حجر أثبت من هذا وزعم بعض العلماء أن هذا منسوخ وروى فيه خبرا عن سلمة بن كهيل عن مصعب بن سعد قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين انتهى وقد تقدم الكلام على ذلك
[ 52 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 53 ]
باب النهوض في الفرد (عن أبي قلابة) بكسر القاف وخفة اللام اسمه عبد الله بن يزيد (والله إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة) استشكل نفي هذه الإرادة لما يزيد عليها من وجود صلاة غير قربة ومثلها لا يصح وأجيب بأنه لم يرد نفي القربة وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة وكأنه قال ليس الباعث لي على هذا الفعل حضور صلاة معينة من أداء أو إعادة أو غير ذلك وإنما الباعث لي عليه قصد التعليم وكأنه كان تعين عليه حينئد لأنه أحد من خوطب بقوله صلوا كما رأيتموني (أصلي) ورأى أن التعليم بالفعل أوضح من القول ففيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العبادة (قال) أي أيوب (قلت لأبي قلابة كيف صلى) أي مالك بن الحويرث (قال) أي أبو قلابة (يعني عمرو بن سلمة) بكسر اللام كنيته أبو يزيد كان يؤم قومه وهو صبي روى عن أبيه وعنه أبو قلابة (إمامهم) بيان لعمرو أو بدل منه (ذكر أنه) أي ذكر أبو قلابة أن مالك بن الحويرث (إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة) أي من السجدة الثانية (قعد ثم قام) وفي رواية للبخاري إذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام والحديث يدل على مشروعية جلسة الاستراحة وأخذ بها الشافعي وطائفة من أهل
[ 54 ]
الحديث ومن أحمد روايتان وذكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بها ولم يستحبها الأكثر واحتج الطحاوي بخلو حديث أبي حميد عنها فإنه ساقه بلفظ فقام ولم يتورك وأخرجه أبو داود أيضا كذلك قال فلما تخالفا احتمل أن يكون ما فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد لأجلها لا أن ذلك من سنة الصلاة ثم قوى ذلك بأنها لو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص وتعقب بأن الأصل عدم العلة وبأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث صلوا كما رأيتموني أصلي فحكاياته لصفات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت هذا الأمر واستدل بحديث أبي حميد المذكور على عدم وجوبها فكأنه تركها لبيان الجواز وتمسك من لم يقل باستحبابها بقوله صلى الله عليه وسلم لا تبادروني بالقيام والقعود فإني قد بدنت فدل على أنه كان يفعلها لهذا السبب فلا يشرع إلا في حق من اتفق له نحو ذلك وأما الذكر المخصوص فإنها جلسة خفيفة جدا استغنى فيها بالتكبير المشروع للقيام فإنها من جملة النهوض إلى القيام ومن حيث المعنى أن الساجد يضع يديه وركبتيه ورأسه مميزا لكل عضو وضع فكذا ينبغي إذا رفع رأسه ويديه أن يميز رفع ركبتيه وإنما يتم ذلك بأن يجلس ثم ينهض قائما نبه عليه ناصر الدين بن المنير في الحاشية ولم تتفق الروايات عن أبي حميد على نفي هذه الجلسة كما يفهمه صنيع الطحاوي بل أخرجه أبو داود أيضا من وجه اخر عنه بإثباتها وسيأتي ذلك عند الكلام على حديثه بعد بابين إن شاء الله تعالى وأما قول بعضهم لو كانت سنة لذكرها كل من وصف صلاته فيقوي أنه فعلها للحاجة ففيه نظر فإن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف وإنما أخذ مجموعها عن مجموعهم كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (قال) أي أبو قلابة (فقعد) أي مالك بن الحويرث (في الركعة الأولى حين رفع رأسه من السجدة الآخرة) كذاقيد في هذه الرواية والمتقدمة الركعة بالأولى لكن الرواية الآتية بلفظ إذا كان في وتر من صلاته وهو عام لكل فرد من الركعات
[ 55 ]
(إذا كان في وتر) أي فرد (من صلاته) أي عددها قال القاضي المراد بالوتر الركعة الأولى والثالثه (لم ينهض) أي لم يقم (حتى يستوي قاعدا) قال في المرقاة قال القاضي هذا دليل على استحباب جلسة الاستراحة قال ابن حجر المكي ودعوى الطحاوي أنها ليست في حديث وهم عجيب منه وأما حديث وائل بن حجر أنه عليه السلام كان إذا رفع رأسه من السجود استوى قائما فغريب وبفرض عدم غرابته محمول على بيان الجواز وقول أحمد أكثر الأحاديث على عدم التعرض لها نفيا وإثباتا لا يؤثر بعد صحة التعرض لها إثبات كما علمت انتهى قال ابن الهمام ولنا حديث أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه أخرجه الترمذي وقال عليه العمل عند أهل العلم وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه وأخرج نحوه عن علي وكذا عن ابن عمر وابن الزبير وكذا عن عمر وأخرج عن الشعبي قال كان عمر وعلي وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم وأخرج عن النعمان بن أبي عياش أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع أحدهم رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة نهض كما هو ولم يجلس انتهى كلام القاري قلت حديث أبي هريرة الذي أخرجه الترمذي ضعيف لأن في إسناده خالد بن إياس وقال الترمذي بعد إخراجه خالد بن إياس ضعيف عند أهل الحديث وعلى تقدير صحته وصحة هذه الآثار منافاة بينها وبين القول بسنية جلسة الاستراحة لأن الترك لها من النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الحالات إنما ينافي وجوبها فقط وكذلك ترك بعض الصحابة لها لا يقدح في سنيتها لأن ترك ما ليس بواجب جائز باب الإقعاء بين السجدتين (في اقعاء على القدمين في السجود) معنى الإقعاء ههنا أن يجعل إليتيه على عقبيه
[ 56 ]
بين السجدتين وله معنى اخر وهو أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب لكن المراد ههنا هو المعنى الأول كما يدل عليه قوله على القدمين في السجود (إنا لنراه جفاء بالرجل) قال النووي ضبطناه بفتح الراء وضم الجيم أي بالإنسان وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم قال وضبطه أبو عمر بن عبد البر بكسر الراء وإسكان الجيم قال أبو عمر ومن ضم الجيم فقد غلط ورد الجمهور على ابن عبد البر وقالوا الصواب الضم وهو الذي يليق به إضافة الجفاء إليه والله أعلم (فقال ابن عباس هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم) اعلم أن الإقعاء ورد فيه حديثان ففي هذا الحديث أنه سنة وفي حديث اخر النهي عنه رواه الترمذي وغيره من رواية علي وابن ماجه من رواية أنس وأحمد بن حنبل رحمهما الله تعالى من رواية سمرة وأبي هريرة والبيهقي من رواية سمرة وأنس وأسانيدها كلها ضعيفة وقد اختلف العلماء في حكم الإقعاء وفي تفسيره اختلافا كثيرا لهذه الأحاديث والصواب الذي لا معدل عنه أن الإقعاء نوعان أحدهما أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي والنوع الثاني أن يجعل إليتيه على عقبية بين السجدتين وهذا هو مراد ابن عباس بقوله سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد نص الشافعي رحمه الله في البويطي والإملاء على استحبابه في الجلوس بين السجدتين وحمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما عليه جماعة من المحققين منهم البيهقي والقاضي عياض واخرون رحمه الله تعالى قال القاضي وقد روى عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه قال وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس رضي الله عنهما من السنة أن تمس عقبيك إليتيك فهذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس وقد ذكرنا أن الشافعي رحمه الله نص على استحبابه في الجلوس بين السجدتين وله نص اخر وهو الأشهر أن السنة فيه الافتراش وحاصله أنهما سنتان وأيهما أفضل فيه قولان وأما جلسة التشهد الأول وجلسة الاستراحة فسنتهما الافتراش وجلسة التشهد الأخير السنة فيه التورك هذا مذهب الشافعي رحمه الله كذا قال النووي في شرح صحيح مسلم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي
[ 57 ]
باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع (عبيد بن الحسن) هو أبو الحسن الكوفي عن ابن أبي أوفي وعنه شعبة والثوري وثقه ابن معين (إذا رفع رأسه) أي حين شرع في رفعه (ملء السماوات) بالنصب وهو الأكثر على أنه صفة مصدر محذوف وقيل على نزع الخافض أي بملء السموات وبالرفع على أنه صفة الحمد والملء بالكسر اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ وهو مجاز عن الكثرة قال المطهر هذا تمثيل وتقريب إذ الكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تسعه الأوعية وإنما المراد منه تكثير العدد حتى لو قدر أن تلك الكلمات تكون أجساما تملأ الأماكن لبلغت من كثرتها ما تملأ السماوات والأرضين (وملء ما شئت من شئ بعد) أي بعد ذلك أي ما بينهما أو غير ما ذكر كالعرش والكرسي وما تحت الثرى قال التوربشتي هذا أي ملء ما شئت يشير إلى اعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود فإنه حمده ملء السموات والأرض وهذا نهاية إقدام السابقين ثم ارتفع وترقى فأحال الأمر فيه على المشيئة إذ ليس وراء ذلك للحمد منتهى ولهذه الرتبة التي لم يبلغها أحد من خلق الله استحق عليه السلام أن يسمى أحمد كذا في المرقاة (قال سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج عن عبيد أبي الحسن) أي لم ينسباه إلى أبيه وذكرا كنيته وأما عبد الله بن نمير وغيره فقالوا عبيد بن الحسن بذكر اسم أبيه وترك كنيته (هذا الحديث ليس فيه بعد الركوع) أي هذا الحديث الذي رواه سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج ليس فيه ذكر كون الدعاء بعد الركوع بل ليس فيه ذكر المحل أصلا ورواية شعبة عن عبيد عن
[ 58 ]
عبد الله بن أوفي أخرجها مسلم ولفظه هكذا قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد (فلم يقل فيه بعد الركوع) أي فلم يقل الشيخ عبيد في الحديث كون الدعاء بعد الركوع والحاصل أن الحديث رواه عبد الله بن نمير وأبو معاوية ووكيع ومحمد بن عبيد كلهم عن الأعمش عن عبيد بن الحسن فذكروا في رواياتهم محل الدعاء بعد الركوع بلفظ إذا رفع رأسه من الركوع يقول إلخ ورواه سفيان وشعبة عن عبد الله بن أبي أوفى فلم يذكرا في روايتهما لفظ إذا رفع رأسه من الركوع ولا ما في معناه (ورواه شعبة عن أبي عصمة إلخ) فرواية شعبة من هذا الطريق موافقة لرواية عبد الله بن نمير وغيره والحديث أخرجه مسلم وابن ماجه (عن قزعة) بزاء وفتحات هو ابن يحيى البصري عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن عمر وعنه مجاهد وعاصم الأحول وثقه العجلي (حين يقول سمع الله لمن حمده) قال العلماء معنى سمع ههنا أجاب ومعناه أن من حمد الله تعالى متعرضا لثوابه استجاب الله تعالى وأعطاه ما تعرض له فإنا نقول ربنا لك الحمد لتحصيل ذلك (قال مؤمل) في روايته (ملأ السموات) بلفظ الجمع (أهل الثناء والمجد) بالنصب على النداء أي يا أهل الثناء هذا هو المشهور وجوز بعضهم رفعه على تقدير أنت أهل الثناء والمختار النصب والثناء الوصف الجميل والمدح والمجد العظمة ونهاية الشرف (أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت إلخ) تقديره أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت إلخ واعترض بينهما وكلنا لك عبد ومثل هذا الاعتراض في
[ 59 ]
القرآن قول الله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون واعترض قوله تعالى وله الحمد في السماوات والأرض ونظائره كثيرة وإنما يعترض ما يعترض من هذا الباب للاهتمام به وارتباطه بالكلام السابق وتقديره ههنا أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت وكلنا لك عبد فينبغي لنا أن نقوله هذا خلاصة ما قال النووي وقال القاري قوله أحق ما قال العبد بالرفع وما موصولة أو موصوفة وال للجنس أو للعهد والمعهود النبي صلى الله عليه وسلم أي أنت أحق بما قال العبد لك من المدح من غيرك أو يكون التقدير المذكور من الحمد الكثير أحق ما قاله أحمد والأظهر أن يكون قوله أحق مبتدأ وقوله اللهم لا مانع إلخ خبره والجملة الحالية معترضة بين المبتدأ والخبر وبالنصب على المدح أو على المصدر أي قلت أحق ما قال العبد أي أصدقه وأثبته انتهى (زاد محمود) أي في روايته (ثم اتفقوا) أي مؤمل ومحمود وابن السرح ومحمد بن مصعب كلهم (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) المشهور فيه فتح الجيم هكذا ضبطه العلماء المتقدمون والمتأخرون وهو الصحيح ومعناه الحظ والغنى والعظمة والسلطان أي لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان منك حظه أي لا ينجيه حظه منك وإنما ينفعه وينجيه العمل الصالح كقوله تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عن ربك والله تعالى أعلم (قال بشر ربنا لك الحمد) أي لم يقل لفظ اللهم وكذلك لم يقل محمود) في روايته لفظ (اللهم) بل (قال ربنا ولك الحمد) بحذف لفظ اللهم وإثبات الواو بين ربنا ولك الحمد فائدة الواو في قوله ربنا ولك ثابتة في أكثر الروايات وهي عاطفة على مقدر بعد قوله ربنا وهو استجب كما قال ابن دقيق العيد أو حمدناك كما قال النووي أو الواو زائدة كما قال أبو عمرو بن العلاء أو للحال كما قال غيره وروي عن أحمد بن حنبل أنه إذا قال ربنا قال ولك الحمو إذا قال اللهم ربنا قال لك الحمد قال ابن القيم لم يأت في حديث صحيح الجمبين لفظ اللهم وبين الواو وأقول قد ثبت الجمع بينهما في صحيح البخاري في بابصلاة القاعد من حديث أنس بلفظ وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد وقد تطابقت على هذا اللفظ النسخ الصحيحة من صحيح البخاري وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم والنسائي
[ 60 ]
(إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد) استدل به على أن الإمام لا يقول ربنا لك الحمد وعلى أن المأموم لا يقول سمع الله لمن حمده لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية كما حكاه الطحاوي وهو قول مالك وأبي حنيفة وفيه نظر لأنه ليس فيه ما يدل على النفي بل فيه أن قول المأموم ربنا لك الحمد يكون عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده والواقع في التصوير ذلك لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله فقوله يقع عقب قول الإمام كما في الخبر وقد ثبت من أدلة صحيحة صريحة أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين التسميع والتحميد فالسنة للامام أن يجمعها قال الحافظ وهو قول الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد والجمهور والأحاديث الصحيحة تشهد له وزاد الشافعي أن المأموم يجمع بينهما أيضا لكن لم يصح في ذلك شئ ولم يثبت عن ابن المنذر أنه قال إن الشافعي انفرد بذلك لأنه قد نقل في الأشراف عن عطاء وابن سيرين وغيرهما القول بالجمع بينهما للمأموم وأما المنفرد فحكى الطحاوي وابن عبد البر الإجماع على أنه يجمع بينهما وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد لكن أشار صاحب الهداية إلى خلاف عندهم في المنفرد انتهى (فإنه) أي الشأن (من وافق قوله) وهو قوله ربنا لك الحمد بعد قول الإمام سمع الله لمن حمده (غفر له ما تقدم من ذنبه) ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية وهو محمول عند العلماء على الصغائر قاله الحافظ قال الخطابي في هذا دلالة على أن الملائكة يقولون مع المصلي هذا القول ويستغفرون ويحضرون بالدعاء والذكر قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (عن عامر) هو ابن شراحيل الحميري الشعبي أبو عمرو الكوفي امام العلم ولد لست سنين خلت من خلافة عمر روى عنه وعن علي وابن مسعود ولم يسمع منهم وعن أبي هريرة وعائشة وجرير وابن عباس وخلق قال أدركت خمسمائة من الصحابة وعنه ابن سيرين والأعمش وشعبة وجابر الجعفي وخلق قال أبو مجلز ما رأيت فيهم أفقه من الشعبي وقال العجلي مرسل الشعبي صحيح وقال ابن عيينة كانت الناس تقول ابن عباس في زمانه والشعبي
[ 61 ]
في زمانه (لا يقول القوم خلف الإمام سمع الله لمن حمده إلخ) قال الخطابي اختلف الناس فيما يقوله المأموم إذا رفع رأسه من الركوع فقالت طائفة يقتصر على ربنا لك الحمد وهو الذي جاء به الحديث لا يزيد عليه هذا قول الشعبي وإليه ذهب مالك وأحمد وقال أحمد إلى هذا انتهى أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقالت طائفة يقول سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد يجمع بينهما وهو قول ابن سيرين وعطاء وإليه ذهب الشافعي وهو مذهب أبي يوسف ومحمد قلت وهذه الزيادة وإن لم تكن مذكورة في الحديث أيضا فإنها مأمور بها الإمام وقد جاء إنما جعل الإمام ليؤتم به فكان هذفي جميع أقواله وأفعاله وا مام يجمع بينهما وكذلك المأموم وإنما كان القصد بما جاء في الحديث مداركة الدعاء والمقاربة بين القولين ليستوجب به دعاء الإمام وهو قول سمع الله لمن حمده ليس بيان كيفية الدعاء والأمر بالاستيفاء وجميع ما يقال في ذلك المقام إذا قد وقعت الغنية بالبيان المتقدم فيه انتهى باب الدعاء بين السجدتين (اللهم اغفر لي) أي ذنوبي أو تقصيري في طاعتي (وارحمني) أي من عندك لا بعملي أو ارحمني بقبول عبادتي من البلاء في الدارين أو من الأمراض الظاهرة والباطنة (واهدني) لصالح الأعمال أو ثبتني على دين الحق (وارزقني) رزقا حسنا أو توفيقا في الدرجة أو درجة عالية في الاخرة والحديث يدل على مشروعية الدعاء بهذه الكلمات في القعدة بين السجدتين وهي نغم في الفرائض والسنن وهذا هو الصحيح القوي قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث غريب وقال وروى بعضهم هذا الحديث عن كامل أبي العلاء مرسلا هذا اخر كلامه وكامل هو أبو العلاء ويقال أبو عبيدالله كامل بن العلاء التميمي السعدي الكوفي وثقه يحيى بن معين وتكلم فيه غيره
[ 62 ]
باب رفع النساء إذا كن مع الإمام رؤوسهن من السجدة (كراهية) بالنصب على العلية وهو مضاف إلى أن يرين (من عورات الرجال) أي الذين كانوا في ضيق من الثياب قال أبو هريرة لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته قال سهل بن سعد كان الناس يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم عاقدوا أزرهم من الصغر على رقابهم فقيل للنساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا رواهما البخاري قال المنذري مولى أسماء مجهول باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين أي وطول القعود بين السجدتين (وقعوده وما بين السجدتين) لفظه ما زائدة أي وجلوسه بين السجدتين وفي بعض النسخ وقعوده ما بين السجدتين بحذف الواو العاطفة وفي رواية البخاري كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وإذا رفع رأسه من الركوع وبين السجدتين (قريبا من السواء) أي قريبا من التساوي والتماثل وفيه إشعار بأن فيها تفاوتا لكنه لم يعينه والحديث يدل على تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين وحديث أنس الاتي أصرح في الدلالة على ذلك بل هو نص فيه
[ 63 ]
تنبيه روى البخاري هذا الحديث من طريق بدل بن المحبر عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن البراء بلفظ كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء ورواه من طريق أبي الوليد عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن البراء ولم يقع في هذه الطريق الاستثناء المذكور أعني قوله ما خلا القيام والقعود كما لم يقع في رواية المؤلف المذكورة ورواه المؤلف من طريق هلال بن أبي حميد عن ابن أبي عن البراء بلفظ فوجدت قيامه كركعته الحديث وفي رواية لمسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله الحديث وحكى ابن دقيق العيد عن بعض العلماء أنه نسب هذه الرواية إلى الوهم ثم استبعده لأن توهم الراوي الثقة على خلاف الأصل ثم قال في اخر كلامه فلينظر ذلك من الروايات ويحقق الاتحاد أو الاختلاف من مخارج الحديث انتهى قال الحافظ وقد جمعت طرقه فوجدت مداره على ابن أبي ليلى عن البراء لكن الرواية التي فيها زيادة ذكر القيام من طريق هلال بن أبي حميد عنه ولم يذكره الحكم عنه وليس بينهما اختلاف في سوى ذلك إلا ما زاده بعض الرواة عن شعبة عن الحكم من قوله ما خلا القيام والقعود وإذا جمع بين الروايتين ظهر من الأخذ بالزيادة فيهما أن المراد بالقيام المستثنى القيام للقراءة وكذا القعود والمراد به القعود للتشهد انتهى وقيل إن المراد بالقيام والقعود الذين استثنيا الاعتدال والجلوس بين السجدتين وجزم به بعضهم وتمسك به في أن الاعتدال والجلوس بين السجدتين لا يطولان ورده ابن القيم في كلامه على حاشية السنن فقال هذا سوء فهم من قائله لأنه قد ذكرهما بعينهما فكيف يستثنيهما وهل يحسن قول القائل جاء زيد وعمرو وبكر وخالد إلا زيدا وعمرا فإنه متى أراد نفي المجئ عنهما كان تناقضا انتهى وتعقب بأن المراد بذكرها إدخالها في الطمأنينة وباستثناء بعضها إخراج المستثنى من المساوات قلت الظاهر هو ما قال الحافظ من أن المراد بالقيام والقعود للتشهد والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام) المراد بالإيجاز مع التمام الإتيان بأقل ما يمكن من الأركان والأبعاض قاله الحافظ (حتى نقول) بالنصب وقيل بالرفع
[ 64 ]
حكاية حال ماضية قال التوربشتي نصب نقول بحتى وهو الأكثر ومنهم من لا يعمل حتى إذا حسن فعل موضع يفعل كما يحسن في هذا الحديث حتى قلنا قد أوهم وأكثر الرواة على ما علمنا على النصب وكان تركه من حيث المعنى أتم وأبلغ قال الطيبي وقيل إن المراد أن المضارع إذا كان حكاية عن الحال الماضية لا يحسن فيه الأعمال وإلا فيحسن وهذا الحديث من قبيل الأول بدليل قوله قام وفيه بحث إذ ورد في التنزيل (وزلزلوا حتى يقول الرسول) بالنصب على قراءة الأكثر وقرء نافع بالرفع مع أن المعنى وقع الزلزال منهم إلى أن قال الرسول والمؤمنون متى نصر الله ومعنى الحديث يطيل القيام أو أطاله حتى نظن إذ القول قد جاء بمعناه (قد أوهم) على صيغة الماضي المعلوم وقيل مجهول في الفائق أوهمت الشئ إذا تركته وأوهمت في الكلام والكتاب إذا أسقطت منه شيئا ذكره الطيبي يعني كان يلبث في حال الاستواء من الركوع زمانا نظن أنه أسقط الركعة التي ركعها وعاد إلى ما كان عليه من القيام قال ابن الملك ويقال أوهمته إذا أوقعته في الغلط وعلى هذا يكون على صيغة الماضي المجهول أي أوقع عليه الغلط ووقف سهوا وقال ابن حجر أي أوقع في وهم الناس أي ذهنهم أنه تركها (وكان يقعد بين السجدتين) أي يطيل القعود بينهما (حتى نقول قد أوهم) أي نظن أنه أسقط السجدة الثانية وفي الحديث دلالة ظاهرة على تطويل الاعتدلال ثنا والجلوس بين السجدتين (رمقت) أي نظرت (فوجدت قيامه كركعته وسجدته) بالجر عطف على ركعته (واعتداله) بالنصب عطف على قيامه (في الركعة) أي في الركوع (وجلسته) بالنصب ولفظ مسلم هكذا رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته
[ 65 ]
ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء قال النووي فيه دليل على تخفيف القراءة والتشهد وإطالة الطمأنينة في الركوع والسجود وفي الاعتدال عن الركوع وعن السجود ونحو هذا قول أنس أي في الحديث المذكور انفا ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام وقوله قريبا من السواء يدل على أن بعضها كان فيه طول يسير على بعض وذلك في القيام ولعله أيضا في التشهد وأعلم أن هذا الحديث محمول على بعض الأحوال وإلا فقد ثبتت الأحاديث السابقة بتطويل القيام وأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة وفي الظهر بالم تنزيل السجدة وأنه كان يقام الصلاة فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يرجع فيتوضأ ثم يأتي المسجد فيدرك الركعة الأولى وأنه قرأ سورة المؤمنين حتى بلغ ذكر موسى وهارون وأنه قرأ بالمغرب بالطور وبالمرسلات هذا كله يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كانت له في إطالة القيام أحوال بحسب الأوقات وهذا الحديث الذي نحن فيه جرى في بعض الأوقات وقوله فجلسته ما بين التسليم والانصراف دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يجلس بعد التسليم شيئا يسيرا في مصلاه انتهى ملخصا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وفي رواية ما خلا القيام والقعود باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره) قال المظهر أي لا تجزئ صلاة من لا يسوي ظهره (في الركوع والسجود) والمراد منهما الطمأنينة وهي واجبة عند الشافعي وأحمد في الركوع والسجود ونحوهما وعند أبي حنيفة ليست بواجبة لأن الطمأنينة أمروا لاعتدال أمر كذا ذكره الطيبي قلت الحديث حجة على من لم يقل بوجوب الطمأنينة فيهما وسيأتي مزيد بيان في هذا حديث أبي هريرة الآتي قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن صحيح
[ 66 ]
(فدخل رجل) هو خلاد بن رافع كذا بينه ابن أبي شيبة (فصلى) زاد النسائي ركعتين وفيه إشعار بأنه صلى نفلا قال الحافظ والأقرب أنها تحية المسجد (ثم جاء) وفي رواية للبخاري فجاء فسلم وهي أولى لأنه لم يكن بين صلاته ومجيئه تراخ (ارجع) قال الحافظ في رواية ابن عجلان فقال أعد صلاتك (فصل فإنك لم تصل) قال عياض فيه ان أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ وهو مبني على أن المراد بالنفي نفى الأجزاء وهو الظاهر ومن حمله على نفي الكمال تمسك بأنه لم يأمر بعد التعليم بالإعادة فدل على إجزائها وإلا لزم تأخير البيان كذا قاله بعض المالكية وهو المهلب ومن تبعه وفيه نظر لأنه قد أمره بالمرة الأخيرة بالإعادة فسأله التعليم فعلمه فكأنه قال أعد صلاتك على هذه الكيفية (كما كان صلى) أي في أول مرة (حتى فعل) أي الرجل (ذلك) المذكور (ثلاث مرار) فإن قيل لم سكت النبي عن تعليمه أولا حتى افتقر إلى المراجعة كرة بعد أخرى قلنا لأن الرجل لما لم يستكشف الحال مغترا بما عنده سكت عن تعليمه زجرا له وإرشادا إلى أنه ينبغي أن يستكشف ما استبهم عليه فلما طلب كشف الحال بينه بحسن المقال قاله ابن الملك في شرح المشارق قال القاري واستشكل تقريره عليه السلام على صلاته وهي فاسدة ثلاث مرات على القول بأن النفي للصحة وأجيب بأنه أراد استدراجه بفعل ما جهله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسيا أو غافلا فيتذكر فيفعله من غير تعليم فليس من باب التقرير على الخطأ بل من باب تحقق الخطأ أو بأنه لم يعلمه أو لا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره ولتفحيم به الأمر وتعظيمه عليه وقال ابن دقيق العيد لا شك في زيادة قبول المتعلم لما يلقى إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم لاسيما مع عدم خوف (ما أحسن غير هذا) أي لا أدري غير هذا
[ 67 ]
(إذا قمت إلى الصلاة فكبر) وفي الرواية للبخاري إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرن) وفي الرواية الآتية من طريق رفاعة ثم اقرأ بأم القرن وبما شاء الله أن تقرأ ولأحمد وابن حبان ثم اقرأ بأم القرن ثم اقرأ بما شئت وقد تمسك بحديث الباب من لم يوجب قراءة الفاتحة في الصلاة وأجيب عنه بالرواية التي فيها التصريح بأم القرن وقد تقدم الكلام في ذلك (ثم اركع حتى تطمئن راكعا) في رواية لأحمد والمؤلف فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك وتمكن لركوعك (ثم ارفع حتى تعتدل قائما) في رواية ابن نمير عند ابن ماجه حتى تطمئن قائما أخرجه علي بن أبي شيبة عنه وقد أخرج مسلم إسناده بعينه في هذا الحديث لكن لم يسبق لفظه فهو على شرطه وكذا أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة وهو في مستخرج أبي نعيم من طريقه وكذا أخرجه السراج عن يوسف بن موسى أحد شيوخ البخاري عن أبي أسامة فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان وفي لفظ لأحمد فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها وعرف بهذا أن قول إمام الحرمين في القلب من إيجابها أي الطمأنينة في الرفع من الركوع شئ لأنها لم تذكر في حديث المسئ صلاته دال على أنه لم يقف على هذه الطرق الصحيحة كذا في فتح الباري (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا) فيه وجوب السجود والطمأنينة فيه ولا خلاف في ذلك (ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) قال الخطابي فيه دليل على أن عليه أن يقرأ في كل ركعة كما كان عليه أن يركع ويسجد في كل ركعة وقال أصحاب الرأي إن شاء أن يقرأ في الركعتين الأخريين قرأ وإن شاء أن يسبح سبح وإن لم يقرأ فيهما شيئا أجزأه وقد رووا فيه عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة أنه قال يقرأ في الأوليين ويسبح في الأخريين من طريق الحارث عنه قلت وقد تكلم الناس في الحديث قديما وممن ضعف فيه الشعبي ورماه بالكذب وتركه أصحاب الحديث ولو صح ذلك عن علي لم يكن حجة لأن جماعة من الصحابة قد خالفوه في ذلك منهم أبو بكر وعمر وابن مسعود وعائشة وغيرهم وسنة رسول الله أو لما اتبع بل قد ثبت عن علي من طريق عبيدالله بن أبي رافع أنه كان يأمر أن يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب أخبرنا محمد بن المكي
[ 68 ]
قال أخبرنا الصائغ قال أخبرنا سعيد بن منصور قال أخبرنا عبد الرحمن بن زياد قال أخبرنا شعبة عن سفيان بن حسين قال سمعت الزهري يحدث عن ابن أبي رافع عن أبيه عن علي بذلك انتهى كلام الخطابي واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة وبه قال الجمهور واشتهر عن الحنيفة أن الطمأنينة سنة وصرح بذلك كثير من مصنفيهم لكن كلام الطحاوي كالصريح في الوجوب عندهم فإنه ترجم مقدار الركوع والسجود ثم ذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره في قوله سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع وذلك أدناه قال فذهب قوم إلى أن هذا مقدار الركوع والسجود لا يجزئ أدنى منه قال وخالفهم خرون فقالوا إذا استوى راكعا واطمأن ساجدا أجزأ ثم قال وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد قال ابن دقيق العيد تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر أما الوجوب فلتعلق الأمر به وأما عدمه فليس بمجرد كون الأصل عدم الوجوب بل لكون الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر ويتقوى بكونه ذكر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلى وما لم تتعلق به فدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت به الإساءة قال فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه وكان مذكورا في هذا الحديث فلسنا أن نتمسك به في وجوبه وبالعكس لكن يحتاج أولا إلى جمع طرق هذا الحديث وإحصاء الأمور المذكورة فيه والأخذ بالزائد فالزائد ثم إن عارض الوجوب أو عدمه دليل أقوى منه عمل به وإن جاءت صيغة الأمر في حديث آخر بشئ لم يذكر في هذا الحديث قدمت قال الحافظ قد امتثلت ما أشار إليه وجمعت طرقه القوية من رواية أبي هريرة ورفاعة وقد أمليت الزيادات التي اشتملت عليها فمما لم يذكر فيه صريحا من الواجبات المتفق عليها النية والقعود الأخير ومن المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي والسلام في خر الصلاة قال النووي وهو محمول على أن ذلك كان معلوما عند الرجل انتهى وهذا يحتاج إلى تكملة وهو ثبوت الدليل على إيجاب ما ذكر كما تقدم وفيه دليل على أن الإقامة والتعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره ووضع اليمنى على اليسرى وتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود وهيئات الجلوس ووضع اليد على الفخذ ونحو ذلك مما لم يذكر في الحديث ليس بواجب انتهى وهو في معرض المنع لثبوت بعض ما ذكر في بعض الطرق كما تقدم بيانه فيحتاج من لم يقل بوجوبه إلى دليل على عدم وجوبه كما تقدم تقريره انتهى
[ 69 ]
قال الخطابي وفي الحديث دليل على أن صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود غير مجزية وفي قوله إذا قمت إلى الصلاة فكبر دليل على أن غير التكبير لا يصح به افتتاح الصلاة لأنه إذا افتتحها بغيره كان الأمر بالتكبير قائما لم يمتثل انتهى قال ابن دقيق العيد ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات ولأن رتب هذه الأذكار مختلفة فقد لا يتأدى برتبة منها ما يقصد برتبة أخرى ونظير الركوع فإن المقصود به التعظيم بالخضوع فلو أبدله بالسجود لم يجزئ مع أنه غاية الخضوع انتهى قال الخطابي قوله اقرأ ما تيسر معك من القرن ظاهره الإطلاق والتخيير والمراد منه فاتحة الكتاب لمن أحسنها لا يجزئه غيرها بدليل لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وهذا في الإطلاق كقوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى ثم كان أقل ما يجزي من الهدى معينا معلوم المقدار ببيان السنة وهو الشاة انتهى قلت يأتي في حديث رفاعة قوله ثم اقرأ بأم القرن وبما شاء الله أن تقرأ ففيه تصريح بوجوب قراءة الفاتحة (قال القعنبي عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة) أي لم يقل عن أبيه واعلم أن يحيى القطان خالف أصحاب عبيدالله كلهم في هذا الإسناد فإنهم لم يقولوا عن أبيه ويحيى حافظ فيشبه أن يكون عبيدالله حدث به على الوجهين وقال البزار لم يتابع يحيى عليه ورجح الترمذي رواية يحيى قاله الدارقطني قال الحافظ لكل من الروايتين وجه مرجح أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ وأما الرواية الأخرى فللكثرة ولأن سعيدا لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة انتهى (وقال) أي القعنبي (في خره) أي في اخر الحديث (فأسبغ الوضوء) قال الطيبي أي أتممه يعني توضأ وضوءا تاما وقال ابن الملك مشتملا على فرائضه وسننه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي نحوه وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة
[ 70 ]
(ذكر نحوه) أي ذكر موسى بن إسماعيل نحو الحديث المذكور (أنه) أي الشأن (لا تتم صلاة لأحد) أي لا تصح لأن نفي التمام يستلزم نفي الصحة لأنا متعبدون بصلاة لا نقصان فيها فالناقصة غير صحيحة ومن ادعى صحتها فعليه البيان وقد جعل صاحب ضوء النهار نفي التمام هنا هو نفى التكمال هذا بعينه واستدل على ذلك بقوله في الحديث المتقدم فإن انتقصت من ذلك شيئا فقد انتقصت من صلاتك وأنت خبير بأن هذا من محل النزاع أيضا لأنا نقول الانتقاص يستلزم عدم الصحة لذلك الدليل الذي أسلفناه ولا نسلم أن ترك مندوبات الصلاة ومسنوناتها انتقاص منها لأنها أمور خارجة عن ماهية الصلاة فلا يرد الزام بها وكونها تزيد في الثواب لا يستلزم أنها منها كما أن الثياب الحسنة تزيد في جمال الذات وليست منها كذا في النيل (فيضع الوضوء يعني مواضعه) أراد به إسباغ الوضوء (ثم يكبر) تكبيرة الإحرام (ويحمد الله عز وجل ويثني عليه) وفي النسائي يمجده مكان يثني عليه وفيه وجوب الحمد والثناء بعد تكبيرة الاحرام (ثم يقول الله اكبر الخ) فيه جوب تكبير الانتقال في جميع الأركان ووجوب التسميع قال المنذري المحفوظ في هذا علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع كما سيأتي (عن عمه رفاعة بن رافع بمعناه) أي بمعنى الحديث المتقدم (حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى) أي في سورة المائدة (فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه
[ 71 ]
إلى الكعبين) المشهور أن الكعب هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم وهو الصحيح وقوله رجليه في حالة النصب معطوف على وجهه أي يغسل رجليه قال الخطابي فيه من الثقة أن ترتيب الوضوء وتقديم ما قدمه الله في الذكر واجب وذلك معنى قوله عليه السلام يسبغ الوضوء كما أمره الله ثم عطف عليه بحرف الفاء الذي يقتضي التعقيب من غير تراخ (وتيسير) هذا تفسير لقوله أذن له فيه (فيسجد فيمكن وجهه قال همام وربما قال) أي إسحاق بن عبد الله (جبهته من الأرض) يقال أمكنته من الشئ ومكنته منه فتمكن واستمكن أي قوي عليه قال الخطابي فيه دليل على أن السجود لا يجزئ على غير الجبهة وأن من سجد على كور العمامة لم يسجد معها على شئ من جبهته لم تجزه صلاته (حتى تطمئن مفاصله) جمع مفصل وهو رؤوس العظام والعروق (وتسترخي) أي تفتر وتضعف (ثم اقرأ بأم القرن وبما شاء الله أن تقرأ) قد تمسك بحديث المسئ من لم يوجب قراءة الفاتحة في الصلاة وأجيب عنه بهذه الرواية المصرحة بأم القرن (فضع راحتيك) أي كفيك (على ركبتيك فيه على أهل التطبيق (وامدد ظهرك) أي أبسطه (فمكن) أي يديك قاله الطيبي (لسجودك) أي اسجد سجودا تاما مع الطمأنينة قاله ابن الملك وقال ابن حجر معناه فمكن جبهتك من مسجدك فيجب تمكينها بأن يتحامل عليها بحيث لو كان تحتها قطن انكبس (فإذا رفعت) أي رأسك من السجود (فاقعد على فخذك اليسرى) أي ناصبا قدمك اليمنى قال ابن حجر أي تنصب رجلك اليمنى كما بينه بقية الأحاديث السابقة ومن ثم كان
[ 72 ]
الافتراش بين السجدتين أفضل من الإقعاء المسنون بينهما كما مر لأن ذلك هو الأكبر من أحواله عليه السلام (فإذا جلست في وسط الصلاة) بفتح السين قال في النهاية يقال فيما كان متفرق الأجزاء غير متصل كالناس والدواب بسكون السين وما كان متصل الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح والمراد ههنا القعود للتشهد الأول في الرباعية ويلحق به الأول في الثلاثية (فاطمئن) يؤخذ منه أن المصلي لا يشرع في التشهد حتى يطمئن يعني يستقر كل مفصل في مكانه ويسكن من الحركة (وافترش فخذك اليسرى) أي القها على الأرض وابسطها كالفراش للجلوس عليها والافتراش في وسط الصلاق موفق لمذهب الشافعي واحمد ، لكن احمد يقول يفترش في التشهد الثاني كالأول والشافعي يتورك في الثاني ومالك يتورك فيهما كذا ذكره ابن رسلان وفيه دليل لمن قال إن السنة الافتراش في الجلوس للتشهد الأوسط وهم الجمهور قال شمس الدين ابن القيم ولم يرو عنه في هذه الجلسة غير هذه الصفة يعني الفرش والنصب وقال مالك يتورك فيه لحديث ابمسعود أن النبي كان يجلس في وسط الصلاة وفي خرها متوركا قال ابن القيم لم يذكر عنه التورك إلا في التشهد الأخير والحديث دليل لمن قال بوجوب التشهد الأوسط كذا في النيل (قال فيه) أي في الحديث (كما أمرك الله) أي في سورة المائدة (ثم تشهد) أي قل أشهد أن لا أله إلا الله وأن محمدا رسول الله بعد الوضوء (فأقم) أي الصلاة وقيل معنى تشهد إذن لأنه مشتمل على كلمتي الشهادة فأقم على هذا يراد به إقامة للصلاة كذا نقله ميرك عن
[ 73 ]
الأزهار قال ابن حجر وفيه دلالة ظاهرة لمن قال بوجوب الأذان والإقامة على الكفاية وقيل أي أحضر قلبك وانو وكبر فأقم الصلاة أو أحضر قلبك واستقم كذا في المرقاة (عن جعفر بن الحكم هو جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري الأوسي المدني عن أنس ومحمد بن لبيد وسليمان بن يسار وعنه ابنه عبد الحميد ويزيد بن أبي حبيب والليث موثق (عن جعفر بن عبد الله الأنصاري) هو عبد الله بن الحكم المذكور (عن عبد الرحمن ابن شبل) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة ابن عمرو بن زيد الأنصاري الأوسي المدني أحد النقباء نزيل حمص مات أيام معاوية رضي الله عنه (عن نقرة الغراب) بفتح النون يريد المبالغة في تخفيف السجود وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله وقال الخطابي هي أن لا يتمكن الرجل من السجود فيضع جبهته على الأرض حتى يطمئن ساجدا فإنما هو أن يمس بجبهته أو بأنفه الأرض كنقرة الطائر ثم يرفعه (وافتراش السبع) وهو أن يضع ساعديه على الأرض في السجود (وأن يوطن) بتشديد الطاء ويجوز تخفيفها (الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) فيه وجهان أحدهما أن يألف مكانا معلوما من المسجد لا يصلي إلا فيه كالبعير لا يأوي من عطنه إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخا لا يبرك إلا فيه والوجه الآخر أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود برك البعير على المكان الذي أوطنه وأن لا يهوي في سجوده فيثني ركبتيه حتى يضعها بالأرض على سكون ومهل قاله الخطابي قلت الوجه الثاني لا يصح ههنا لأنه لا يمكن أن يكون مشبها به وأيضا لو كان أريد هذا المعنى لما اختص النهي بالمكان في المسجد فلما ذكر دل على أن المراد هو الأول قال ابن حجر وحكمته أن يؤدي إلى الشهرة والرياء والسمعة والتقيد بالعادات والحظوظ والشهوات وكل هذه فات أي فات فتعين البعد عما أدى إليها ما أمكن قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه (عن سالم البراد) هو أبو عبد الله الكوفي عن ابن مسعود وأبي مسعود وعنه عطاء بن
[ 74 ]
السائب وإسماعيل بن أبي خالد وثقه ابن معين وغيره (فلما ركع وضع يديه على ركبتيه) فيه رد على أهل التطبيق (وجعل أصابعه أسفل من ذلك) المعنى أنه وضع كفيه على الركبتين وأصابعه أسفل منهما وفي رواية النسائي وضع راحتيه على ركبتيه وجعل أصابعه من وراء ركبتيه (وجافى بين مرفقيه) أي باعدهما عن جنبيه وهو من الجفاء وهو البعد عن الشئ (فصلى صلاته) أي أتمها وفرغ منها قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 75 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 76 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 77 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 78 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 79 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 80 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 81 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 82 ]
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه (فنسبني) نسب صيغة الماضي من التفصيل أي أظهر وذكر أبو هريرة نسبه معي وجعلني في نسبه وبالفارسية بس إظهار نسب كردبا رسول من ومرا دررشته ولا ونسب خود داخل كرد قال في أساس البلاغة ومن المجاز قولهم جلست إليه فنسبني فانتسبت له انتهى وليس المراد أنه سأل عن نسبي لأنه يقال للرجل إذا سئل عن نسبه استنسب لم لنا أي انتسب لنا حتى نعرفك قاله أبو زيد كذا في اللسان (فانتسبت له) صيغة المتكلم من الافتعال ومن خواصه المطاوعة ومعناه فاتصلت معه في النسب والله أعلم قال العراقي في شرح الترمذي لا تعارض بينه وبين الحديث الصحيح أن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء فحديث الباب محمول على حق الله تعالى وحديث الصحيح محمول على حقوق الآدميين فيما بينهم فإن قيل فأيهما يقدم محاسبة العباد على حق الله تعالى ومحاسبتهم على حقوقهم فالجواب أن هذا أمر توقيفي وظواهر الأحاديث دالة على أن الذي يقع أولا المحاسبة على حقوق الله تعالى قبل حقوق العباد كذا في مرقاة الصعود (انظروا في صلاة عبدي) أي صلاته الفريضة (أتمها) أي أداها تامة وصحيحة (أم نقصها) أي صلاها ناقصة (هل لعبدي من تطوع) في صحيفته أي سنة أو نافلة من صلاة على ما هو ظاهر من السياق قبل الفرض أو بعده أو مطلقا (أتموا لعبدي فريضته من تطوعه) قال العراقي في شرح الترمذي هذا الذي ورد من إكمال ما ينتقص العبد من الفريضة
[ 83 ]
بما له من التطوع يحتمل أن يراد به ما انتقص من السنن والهيئات المشروعة المرغب فيها من الخشوع والأذكار والأدعية وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله في الفريضة وإنما فعله في التطوع ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأسا فلم يصله فيعوض عنه من التطوع والله تعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضا عن الصلاة المفروضة والله سبحانه أن يفعل ما شاء فله الفضل والمن بل له أن يسامح وإن لم يصل شيئا لا فريضة ولا نفلا (ثم تؤخذ الأعمال على ذاك) أي إن انتقض فريضة من سائر الأعمال تكمل من التطوع وفي رواية لابن ماجه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (ثم الزكاة مثل ذلك) أي مثل الصلاة إن كان انتقص منها شيئا تكمل من التطوع (ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) قال في المرقاة أي تؤخذ سائر الأعمال من الجنايات والسيئات على حسب ذلك من الطاعات والحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات وقال ابن الملك أي على حسب ذلك المثال المذكور فمن كان حق عليه لأحد يؤخذ من عمله الصالح بقدر ذلك ويدفع إلى صاحبه انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه باب تفريع ابواب الركوع والسجود تفريع أبواب الركوع والسجود ووضع اليدين على الركبتين (عن أبي يعفور) اسمه وقدان العبدي الكوفي عن ابن أبي أوفى وابن عمر وأنس وعنه ابنه يونس وشعبة وأبو عوانة وأبو الأحوص وثقه أحمد واعلم أن أبا يعفور هذا هو الأكبر كما جزم به المزي وهو مقتضى صنيع ابن عبد البر وصرح الدارمي في روايته من طريق اسرائيل
[ 84 ]
عن يعفور بأنه العبدي والعبدي هو الأكثر بلا نزاع وذكر النووي في شرح مسلم أنه الأصغر وتعقب (عن مصعب بن سعد) أي ابن أبي وقاص (فجعلت يدي بين ركبتي) وفي رواية البخاري فطبقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذي والتطبيق الصاق بين باطني الكفين حال الركوع وجعلهما بين الفخذين (فعدت) من العود (فإنا كنا نفعله فنهينا عن ذلك وأمرنا إلخ) فيه دليل على نسخ التطبيق لأن هذه الصيغة حكمها الرفع قال الترمذي التطبيق منسوخ عند اهل العلم وقال لا اختلاف بينهم في ذلك الا ماروي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم يطبقون انتهى وقد روى ابن المنذر عن ابن عمر بإسناد قوي قال إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة يعني التطبيق وروى ابن خزيمة من وجه اخر عن علقمة عن عبد الله قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أراد أيركع طبق يديه بين ركبتيه فركع فبلغ ذلك سعدا فقال صدق أخي كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا يعني الإمساك بالركب فهذا شاهد قوي لطريق مصعب بن سعد وروى عبد الرزاق عن معمر ما يوافق قول سعد أخرجه من وجه اخر عن علقمة والأسود قال صلينا مع عبد الله فطبق ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا فلما انصرف قال ذلك شئ كنا نفعله ثم ترك وفي الترمذي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال قال لنا عمر بن الخطاب إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب ورواه البيهقي بلفظ كنا إذا ركعنا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا فقال عمر إن من السنة الأخذ بالركب وهذا أيضا حكمه حكم الرفع لأن الصحابي إذا قال السنة كذا أو سن كذا الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولاسيما إذا قاله مثل عمر كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن إبراهيم) هو ابن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه يرسل كثيرا عن علقمة وهمام بن الحارث والأسود بن يزيد وأبي عبيدة بن عبد الله ومسروق وعنه الحكم ومنصور والأعمش وابن عون وزبيد وخلق (فليفرش) بضم الراء أي فليبسط (وليطبق بين كفيه) أي وليلصق حدثنا بين باطني كفيه في حال الركوع وليجعلهما بين فخذيه قال
[ 85 ]
النووي مذهبنا ومذهب العلماء كافة أن السنة وضع اليدين على الركبتين وكراهة التطبيق إلا ابن مسعود وصاحبيه علقمة والأسود فإنهم يقولون إن السنة التطبيق لأنه لم يبلغهم الناسخ وهو حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه والصواب ما عليه الجمهور لثبوت الناسخ الصريح انتهى قلت تقدم انفا حديث سعد بن أبي وقاص وشواهده قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده (عن موسى) هو ابن أيوب الغافقي المصري عن عمه إياس بن عامر وعنه الليث بن المبارك وثقه ابن معين (قال أبو سلمة) كنية موسى بن إسماعيل (موسى بن أيوب) أي نسبة إلى أبيه (اجعلوها) أي مضمونها ومحصولها (في ركوعكم) يعني قولوا سبحان ربي العظيم قال الفخر الرازي معنى العظيم الكامل في ذاته وصفاته ومعنى الجليل الكامل في صفاته ومعنى الكبير الكامل في ذاته (اجعلوها في سجودكم) يعنى قولوا سبحان ربي الأعلى والحكمة في تخصيص الركوع بالعظيم والسجود بالأعلى أن السجود لما كان فيه غاية التواضع لما فيه من وضع الجبهة التي هي أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام كان أفضل من الركوع فحسن تخصيصه بما فيه صيغة أفعل التفضيل وهو الأعلى بخلاف العظيم جعلا للأبلغ مع الأبلغ والمطلق مع المطلق قال الخطابي في الحديث دلالة على وجوب التسبيح في الركوع والسجود لأنه قد اجتمع في ذلك أمر الله سبحانه وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم وترتيبه في موضعه في الصلاة فتركه غير جائز وإلى إيجابه ذهب إسحاق بن راهويه ومذهب أحمد بن حنبل قريب منه وقد روي عن الحسن البصري نحو من هذا فأما عامة الفقهاء مالك وأصحاب الرأي والشافعي فإنهم لم يروا تركه مفسدا للصلاة انتهى
[ 86 ]
(عن أيوب بن موسى أو موسى بن أيوب) شك من الراوي والصواب أنه موسى بن أيوب كما في الرواية المتقدمة (قال أبو داود وهذه الزيادة) أي وبحمده (نخاف أن لا تكون محفوظة) أي نخاف أن تكون غير محفوظة واعلم أن ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه فهو الشاذ ومقابله يقال له المحفوظ وما رواه الضعيف مخالفا لمن هو أولى منه يقال له المنكر ومقابله يقال له المعروف والفرق بين الشاذ والمنكر بحسب غالب الاستعمال وقد يطلق أحدهما مكان الآخر قال في التلخيص وهذه الزيادة للدارقطني من حديث ابن مسعود أيضا قال من السنة أن يقول الرجل في ركوعه سبحان ربي العظيم وبحمده وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده وفيه السري به إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عنه والسري ضعيف وقد اختلف فيه على الشعبي فرواه الدارقطني أيضا من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي عن صلة عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف وقد رواه النسائي من طريق المستورد بن الأحنف عن صلة عن حذيفة وليس فيه وبحمده ورواه الطبراني وأحمد من حديث أبي مالك الأشعري وهي فيه وأحمد من حديث ابن السعدي وليس فيه وبحمده وإسناده حسن ورواه الحاكم من حديث أبي جحيفة في تاريخ نيسابور وهي فيه وإسناده ضعيف وفي هذا جميعه رد لأنكار ابن الصلاح وغيره هذه الزيادة وقد سئل أحمد بن حنبل عنه فيما حكاه ابن المنذر فقال أما أنا فلا أقول بحمده قلت وأصل هذه في الصحيح عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك الحديث انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه بدون الزيادة
[ 87 ]
(أخبرنا شعبة قال) أي شعبة (بآية تخوف) مصدر من التفعل أي بآية مخوفة (عن صلة) بكسر أوله وفتح اللام الخفيفة (بن زفر) بضم الزاء وفتح الفاء العبسي بالموحدة كنيته أبو العلاء أو أبو بكر الكوفي تابعي كبير من الثانية ثقة جليل (إلا وقف عندها) أي عند تلك الآية (فسأل) أي الرحمة (فتعوذ) أي من العذاب وشر العقاب قال ابن رسلان ولا باية تسبيح إلا سبح وكبر ولا باية دعاء واستغفار إلا دعا واستغفر وإن مر بمرجو سأل يفعل ذلك بلسانه أو بقلبه والحديث يدل على مشروعية هذا التسبيح في الركوع والسجود وقد ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء إلى أنه سنة وليس بواجب وقال إسحاق بن راهويه التسبيح واجب فإن تركه عمدا بطلت صلاته وإن نسيه لم تبطل وقال الظاهري واجب مطلقا وأشار الخطابي إلى اختياره كما مر وقال أحمد التسبيح في الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد والذكر بين السجدتين وجميع التكبيرات واجب فإن ترك منه شيئا عمدا بطلت صلاته وإن نسيه لم تبطل ويسجد للسهو هذا هو الصحيح عنه وعنه رواية أنه سنة كقول الجمهور واحتج الموجبون بحديث عقبة بن عامر المذكور وبقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي وبقول الله تعالى وسبحوه ولا وجوب في غير الصلاة فتعين أن يكون فيها وبالقياس على القراءة واحتج الجمهور بحديث المسئ صلاته فإن النبي صلى الله عليه وسلم علمه واجبات الصلاة ولم يعلمه هذه الأذكار مع أنه علمه تكبيرات الإحرام والقراءة فلو كانت هذه الأذكار واجبة لعلمه إياها لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فيكون تركه لتعليمه دالا على أن الأوامر الواردة بما زاد على ما علمه للاستحباب لا للوجوب والحديث يدل على أن التسبيح في الركوع والسجود يكون بهذا اللفظ فيكون مفسرا لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة اجعلوها في ركوعكم اجعلوها في سجودكم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه مختصرا ومطولا
[ 88 ]
(يقول في سجوده وركوعه سبوح قدوس) بضم أولهما وفتحهما والضم أكثر وأفصح قال ثعلب كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس فإن الضم فيهما أكثر قال الجوهري سبوح من صفات الله وقال ابن فارس والزبيدي وغيرهما سبوح هو الله عز وجل والمراد المسبح والمقدس فكأنه يقول مسبح مقدس ومعنى سبوح المبرأ من النقائض والشريك وكل ما لا يليق بالإلهية وقدوس المطهر من كل ما لا يليق بالخالق وهما خبران مبتدأهما قوله محذوف تقديره ركوعي وسجودي لمن هو سبوح قدوس وقال الهروي قيل القدوس المبارك قال القاضي عياض وقيل فيه سبوحا قدوسا على تقدير أسبح سبوحا أو أذكر أو أعظم أو أعبد (رب الملائكة والروح) هو من عطف الخاص على العام لأن الروح من الملائكة وهو ملك عظيم يكون إذا وقف كجميع الملائكة وقيل يحتمل أن يكون جبريل وقيل خلق لا تراهم الملائكة كنسبة الملائكة إلينا كذا في النيل قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (قمت) أي مصليا (فسأل) أي الرحمة (فتعوذ) أي بالله من عذابه (سبحان ذي الجبروت) فعلوت من الجبر بمعنى القهر والغلبة كذا في النهاية قال الطيبي وفي الحديث يكون ملك وجبروت أي عتو وقهر (والملكوت) فعلوت من الملك ظاهرا وباطنا (والكبرياء) الكبرياء العظمة والملك أو كمال الذات وكمال الوجود قولان ولا يوصف بها إلا الله من الكبر بالكسر وهو العظمة (ثم سجد بقدر قيامه) أي للقراءة (ثم قام فقرأ بال عمران ثم قرأ سورة سورة) قال ابن رسلان يحتمل أن المراد ثم قرأ سورة النساء ثم سورة المائدة
[ 89 ]
(عن رجل من بني عبس) قال الحافظ في التقريب كأنه صلة بن زفر (يصلي من الليل فكان) الفاء للتفصيل قاله الطيبي (يقول) أي بعد النية القلبية (الله أكبر) أي من كل شئ أي أعظم وتفسيرهم إياه بالكبير ضعيف كذا قاله صاحب المغرب وقيل معناه أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته وإنما قدر له ذلك وأول لأن أفعل فعلى يلزمه الألف واللام أو الإضافة كالأكبر وأكبر القوم كذا في النهاية (ذو الملكوت) أي صاحب الملك ظاهرا وباطنا والصيغة للمبالغة (والجبروت) قال الطيبي فعلوت من الجبر القهر والجبار الذي يقهر العباد على ما أراد وقيل هو العالي فوق خلقه (والكبرياء والعظمة) أي غاية الكبرياء ونهاية العظمة والبهاء ولذا قيل لا يوصف بهما إلا الله تعالى ومعناهما الترفع عن جميع الخلق مع انقيادهم له وقيل عبارة عن كمال الذات والصفات وقيل الكبرياء الترفع والتنزه عن كل نقص والعظمة تجاوز القدر عن الإحاطة والتحقيق الفرق بينهما للحديث القدسي في الصحيح الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته أي كسرته وأهلكته (ثم استفتح) أي قرأ الثناء فإنه يسمي دعاء الاستفتاح أو استفتح بالقراءة أي بدأ بها من غير اتيان بالثناء لبيان الجواز أو بعد الثناء جمعا بين الروايات وحملا على أكمل الحالات (فقرأ البقرة) أي كلها كما هو الظاهر (فكان ركوعه) أي طوله (نحوا) أي قريبا (من قيامه) قال ميرك والمراد أن ركوعه متجاوز عن المعهود كالقيام (وكان يقول) حكاية للحال الماضية استحضارا قاله ابن حجر (سبحان ربي العظيم) بفتح الياء ويسكن (فكان قيامه) أي بعد الركوع يعني اعتداله (نحوا من قيامه) وفي بعض النسخ نحوا من ركوعه قال ابن حجر وفيه تطويل الاعتدال مع أنه ركن قصير ومن ثم اختار النووي أنه طويل بل جزم به جزم المذهب في بعض كتبه انتهى ويدل عليه ما تقدم في الحديث المتفق عليه إذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء كذا في المرقاة (فكان سجوده نحوا من قيامه) أي للقراءة قاله عصام الدين وكأنه أراد أن لا يكون سجوده أقل من ركوعه والأظهر
[ 90 ]
الأقرب من قيامه من الركوع للاعتدا ثم رأيت ابن حجر قال أي من اعتداله قاله القاري (وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده) أي سجوده الأول (وكان يقول) أي في جلوسه بين السجدتين (فقرأ فيهن) أي في الركعات الأربع (شك شعبة) أي راوي الحديث والأظهر الأول مراعاة للترتيب المقرر مع أن الصحيح أن الترتيب في جميع السور وهو ما عليه الآن مصاحف الزمان ليس بتوقيفي له كما بوب لذلك الإمام البخاري في صحيحه باب الجمع بين السورتين في ركعة والقراءة بالخواتيم وبسورة قبل سورة وذكر السيوطي في الإتقان في علوم القران أنه توقيفي والأول هو الصحيح والله أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي أبو حمزة اسمه طلحة بن يزيد وقال النسائي أبو حمزة عندنا طلحة بن يزيد وهذا الرجل يشبه أن يكون صلة هذا آخر كلامه وطلحة بن يزيد أبو حمزة الأنصاري مولاهم الكوفي احتج به البخاري في صحيحه وصلة هو ابن زفر العبسي الكوفي كنيته أبو بكر ويقال أبو العلاء احتج به البخاري ومسلم رضي الله عنهم انتهى باب الدعاء في الركوع والسجود (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) أسند القرب إلى الوقت وهو للعبد مجازا أي هو في السجود أقرب من ربه منه في غيره والمعنى أقرب أكوان العبد وأحواله من رضا ربه وعطائه وهو ساجدوقيل أقرب مبتدأ محذوف الخبر لسد الحال مسده وهي وهو ساجد أي أقرب ما يكون العبد من ربه حاصل في حال كونه ساجدا (فاكثروا الدعاء) قال ابن الملك : وهذا لان حالة السجود تدل على غاية تذلل واعتراف بعبودية نفسه وربوبية ربه فكان مظنة
[ 91 ]
الإجابة فأمرهم بإكثار الدعاء في السجود قال واستدل به على أفضلية كثرة السجود على طول القيام قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (سليمان بن سحيم) بمهلتين مصغر وثقه ابن معين (كشف الستارة) بكسر السين المهملة وهي الستر الذي يكون على باب البيت والدار (لم يبق من مبشرات النبوة) أي من أول ما يبدو منها مأخوذ من تباشير الصبح وهو أول ما يبدو منه وهو كقول عائشة أول مبدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الحديث وفيه أن الرؤيا من المبشرات سواء راها المسلم أو راها غيره (أو ترى له) على صيغة المجهول أي رآها غيره له (وإني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا) أي إني نهيت عن قراءة القران في هذين الحالتين والنهي له صلى الله عليه وسلم نهي لأمته كما يشعر بذلك قوله في الحديث أما الركوع إلخ ويشعر به أيضا ما في صحيح مسلم وغيره أن عليا قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القران راكعا أو ساجدا وهذا النهي يدل على تحريم قراءة القران في الركوع والسجود وفي بطلان الصلاة بالقراءة حال الركوع والسجود خلاف قال الخطابي لما كان الركوع والسجود وهما غاية الذل والخضوع مخصوصين بالذكر والتسبيح نهى عليه السلام عن القراءة فيهما كأنه كره أن يجمع بين كلام الله تعالى وكلام الخلق في موضع واحد فيكونان سواء ذكره الطيبي وفيه أنه ينتفض بالجمع بينهما في حال القيام وقال ابن الملك وكأن حكمته أن أفضل أركان الصلاة القيام وأفضل الأذكار القران فجعل الأفضل للأفضل ونهي عن جعله في غيره لئلا يوهم باستوائه مع بقية الأذكار وقيل خصت القراءة بالقيام أو القعود عند العجز عنه لأنهما من الأفعال العادية ويتمحضان ذلك للعبادة بخلاف الركوع والسجود لأنهما بذواتهما محمد يخالفان العادة ويدلان على الخضوع والعبادة ويمكن أن يقال إن الركوع والسجود حالان دالان على الذل ويناسبهما إلى الدعاء والتسبيح فنهي عن القراءة فيهما تعظيما للقران الكريم وتكريما لقارئه القائم مقام الكليم والله بكل شئ عليم (فأما الركوع فعظموا الرب فيه) أي قولوا سبحان ربي العظيم (وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء) فيه الحث على الدعاء في السجود (فقمن) قال النووي هو بفتح القاف وفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا
[ 92 ]
يجمع ومن كسر فهو وصف يثنى ويجمع قال وفيه لغة ثالثة قمين بزيادة الياء وفتح القاف وكسر الميم ومعناه حقيق وجدير ويستحب الجمع بين الدعاء والتسبيح المتقدم ليكون المصلي عاملا بجميع ما ورد والأمر بتعظيم الرب في الركوع والاجتهاد في الدعاء في السجود محمول على الندب عند الجمهور وقد نقد ذكر من قال بوجوب تسبيح الركوع والسجود قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر) من الإكثار (أن يقول) قال الحافظ في الفتح قد بين الأعمش في روايته عن أبي الضحى في التفسير ابتداء هذا الفعل وأنه واظب عليه صلى الله عليه وسلم ولفظه ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح إلا يقول فيها الحديث (سبحانك) هو منصوب على المصدرية (وبحمدك) متعلق بمحذوف دل عليه التسبيح أي وبحمدك سبحتك ومعناه بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك على سبحتك لا بحولي وقوتي قال القرطبي ويظهر وجه اخر وهو إبقاء معنى الحمد على أصله وتكون الباء باء السببية ويكون معناه بسبب أنك موصوف بصفات الكمال والجلال سبحك المسبحون وعظمك المعظمون وقد روي بحذف الواو من قوله وبحمدك وبإثباتها (يتأول القران) قال الحافظ أي يفعل ما أمر به وقد تبين من رواية الأعمش أن المراد بالقران بعضه وهو السورة المذكورة انتهى قال القاضي جملة وقعت حالا عن ضمير يقول أي يقول متأولا للقران أي مبينا ما هو المراد من قوله فسبح بحمد ربك واستغفره اتيا بمقتضاه ذكره الطيبي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (اللهم اغفر لي ذنبي كله) للتأكد وما بعده تفصيل لأنواعه أو بيانه ويمكن نصبه بتقدير أعني (دقة) بكسر الدال أي دقيقة وصغيرة (وجله) بكسر الجيم وقد تضم أي جليلة وكبيره قيل
[ 93 ]
إنما قدم الدق على الجل لأن السائل يتصاعد في مسألته أي يترقى ولأن الكبائر تنشأ غالبا من الإصرار على الصغائر وعدم المبالاة بها فكأنها وسائل إلى الكبائر ومن حق الوسيلة أن تقدم إثباتا ورفعا (وأوله واخره) المقصود الإحاطة (زاد ابن السرح) أي في روايته (علانيته وسره) أي عند غيره تعالى وإلا فهما سواء عنده تعالى يعلم السر وأخفى قال المنذري وأخرجه مسلم (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وبالباء الموحدة (فقدت) ضد صادفت أي طلبت فما وجدت (فلمست المسجد) أي مسست بيدي الموضع الذي كان يصلي فيه (وقدماه منصوبتان) أي قائمتان وفي صحيح مسلم فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدمه وهو المسجد وهما منصوبتان وقال في المرقاة المسجد بفتح الجيم أي في السجود فهو مصدر ميمي أو في الموضع الذي كان يصلي فيه في حجرته وفي نسخة بكسر الجيم وهو يحتمل مسجد البيت بمعنى معبده كان والمسجد النبوي انتهى (أعوذ برضاك من سخطك) أي من فعل يوجب سخطك علي أو على أمتي (وبمعا فاتك) أي بعفوك وأتى بالمغالبة للمبالغة أي بعفوك الكثير (من عقوبتك) وهي أثر من اثار السخط وإنما استعاذ بصفات الرحمة لسبقها وظهورها من صفات الغضب (وأعوذ بك منك) إذ لا يملك أحد معك شيئا فلا يعيذه منك إلا أنت (لا أحصي ثناء عليك) قال الطيبي الأصل في الإحصاء العد بالحصى أي لا أطيق أن أثني عليك كما تستحقه (أنت كما أثنيت) ما موصولة أو موصوفة والكاف بمعنى مثل قال الطيبي (على نفسك) أي على ذاتك سئل الشيخ عز الدين ابن عبد السلام كيف شبه ذاته بثنائه وهما في غاية التباين فأجاب بأن في الكلام حذفا تقديره ثناؤك المستحق كثنائك على نفسك فحذف المضاف من المبتدأ فصار الضمير المجرور مرفوعا قال الخطابي في هذا الكلام معنى لطيف وهو أنه قد استعاذ بالله أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرضى والسخط ضدان متقابلان وكذلك المعافاة والمؤاخذ بالعقوبة فلما صار إلى ذكر مالا ضد له وهو الله سبحانه وتعالى استعاذ به منه لا غير ومعنى ذلك الاستغفار من التقصير من بلوع الواجب من حق عبادته والثناء عليه وقوله لا أحصي ثناء
[ 94 ]
عليك أي لا أطيقه ولا أبلغه انتهى قال النووي في هذا الحديث دليل لأهل السنة في جواز إضافة الشر إلى الله تعالى كما يضاف إليه الخير لقوله أعوذ بك من سخطك وعن عقوبتك والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم وابن ماجه باب الدعاء في الصلاة (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) ومنه شدة الضغطة ووحشة الوحدة قال ابن حجر المكي وفيه أبلغ الرد على المعتزلة في إنكارهله ومبالغتهم في الحط على أهل السنة في إثباتهم له حتى وقع لسني أنه صلى علمعتزلي فقال في دعائه اللهم أذقه عذاب القبر فإنه كان لا يؤمن به ويبالغ في نفيويخطئ مثبته انتهى (وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) قال أهل اللغة الفتنة الامتحان والاختبار قال عياض واستعمالها في العرف لكشف ما يكره انتهى وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك والمسيح بفتح الميم وتخفيف المهملة المكسورة واخره حاء مهملة يطلق على الدجال وعلى عيسى بن مريم عليه السلام لكن إذا أريد الدجال قيد به وقال أبو داود في السنن المسيح على وزن سكين مثقل الدجال ومخفف عيسى والمشهور الأول وأما ما نقل الفربري في رواية المستملي وحده عنه عن خلف بن عامر وهو الهمداني أحد الحفاظ أن المسيح بالتشديد والتخفيف واحد يقال للدجال ويقال لعيسى وأنه لا فرق بينهما بمعنى لا اختصاص لأحدهما بأحد الأمرين فهو رأي ثالث وقال الجوهري من قاله بالتخفيف فلمسحه الأرض ومن قاله بالتشديد فلكونه ممسوح العين وحكى بعضهم أنه قال بالخاء المعجمة في الدجال ونسب قائله إلى التصحيف واختلف في تلقيب الدجال بذلك فقيل لأنه ممسوح العين وقيل لأن أحد شقى وجهه خلق ممسوحا لا عين فيه ولا حاجب وقيل لأنه يمسح الأرض إذا خرج وأما عيسى فقيل سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن وقيل لأن زكريا مسحه وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ وقيل لأنه كان يمسح الأرض بسياحته وقيل لأن رجله كانت لا إخمص لها قاله الحافظ في الفتح وقال الشيخ مجد الدين الفيروز آبادي في القاموس المسيح عيسى عليه
[ 95 ]
السلام لبركته وذكرت في اشتقاقه خمسين قولا في شرحي لمشارق الأنوار وغيره والدجال لشؤمه انتهى (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) منسل أبو الحياة والموت قال ابن دقيق العيد المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قبل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة القبر وقد صح في حديث أسماء إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال ولا يكون مع هذا الوجه متكررا مع قوله عذاب القبر لأن العذاب مرتب عن الفتنة والسبب غير المسبب وقيل أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة وهذا من العام بعد الخاص لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات وفتنة الدجال داخلة تحت فتنة المحيا وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سفيان الثوري إن الميت إذا سئل من ربك تراآى له الشيطان فيشير إلى نفسه أني أنا ربك فلهذا ورد سؤال التثبت له حين يسأل ثم أخرج بسند جيد إلى عمرو بن مرة كانوا يستحبون إذا وضع الميت في القبر أن يقولوا اللهم أعذه من الشيطان كذا في الفتح (من المأثم) إما مصدر أثم الرجل أو ما فيه الإثم أو ما يوجب الإثم (والمغرم) أي الدين يقال غرم بكسرالراء أي ادان قيل والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز أو فيما يجوز ثم يعجز عن أدائه ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين وقال القرطبي المغرم الغرم وقد نبه في الحديث على الضرر اللاحق من المغرم والله أعلم (فقال قائل) أي عائشة كما في رواية النسائي (ما أكثر) بالنصب وما تعجبية (ما تستعيذ) ما مصدرية أي استعاذتك (إن الرجل) المراد به الجنس (إذا غرم) بكسر الراء أي لزمه دين والمراد استدان واتخذ ذلك دأبه وعادته كما يدل عليه السياق (حدث) أي أخبر عن ماضي الأحوال لتمهيد عذر في التقصير (فكذب) لأنه إذا تقاضاه رب الدين ولم يحضره ما يؤدي به دينه يكذب ليتخلص من يده ويقول لي ما لغائب إذا حضر أؤدي دينك وقال ابن حجر أي حدث الناس عن حاله ومعاملته فكذب عليهم حتى يحملهم على إدانته وإن كان معدما أو الصبر عليه ليربح فيه شيئا يبقى له قبل وفائه (ووعد) أي في المستقبل بأن يقول أعطيك غدا أو في المدة الفلانية (فأخلف) أي في وعده وقال ابن حجر ووعد بالوفاء
[ 96 ]
أو غيره مطلقا أو في وقت معلوم فأخلف طمعا في بقاء المال في يده أو لسوء تدبيره أو تصرفه وبما تقرر علم أن غرم شرط وحدث جزاء وكذب مترتب على الجزاء ووعد عطف على حدث لا على غرم خلافا لمن زعمه لفساد المعنى حينئذ كما هو ظاهر وأخلف مترتبا عليه قاله في المرقاة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (فسمعته يقول أعوذ بالله من النار ويل لأهل النار) ورواه أحمد بلفظ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة ليست بفريضة فمر بذكر الجنة والنار فقال أعوذ بالله إلخ والحديث يدل على استحباب التعوذ من النار عند المرور بذكرها وقد قيده الراوي بصلاة غير فريضة وكذلك حديث حذيفة مقيد بصلاة الليل وكذلك حديث عوف بن مالك الأشجعي قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وأبو ليلى له صحبة واختلف في اسمه فقيل يسار وقيل داود وقيل أوس وقيل أخوه وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف الحديث (لقد تحجرت واسعا) أي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون إخوانك من المسلمين هلا سألت الله لك ولكل المؤمنين وأشركتهم في رحمة الله تعالى التي وسعت كل شئ وفي هذا إشارة إلى ترك هذا الدعاء والنهي عنه وأنه يستحب الدعاء لغيره من المسلمين بالرحمة والهداية ونحوهما واستدل به على أنه لا تبطل صلاة من دعا بما لا يجوز جاهلا لعدم أمر هذا الداعي بالإعادة (يريد رحمة الله عز وجل) قال الحسن وقتادة وسعت في الدنيا البر والفاجر وهي يوم القيامة للمتقين خاصة جعلنا الله ممن وسعته رحمته في الدارين قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي
[ 97 ]
(كان إذا قرأ) إلخ قال المظهر عند الشافعي يجوز مثل هذه الأشياء في الصلاة وغيرها وعند أبي حنيفة لا يجوز إلا غيرها قال التوربشتي وكذا عند مالك يجوز في النوافل انتهى وكذا الحكم في حديث مسلم عن حذيفة أنه صلى وراء النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ كذا قال ملا علي القاري في المرقاة قلت ظاهر الحديث يوافق ما ذهب إليه الشافعي لأن قوله كان إذا قرأ عام يشمل الصلاة وغيرها وحديث حذيفة مقيد بصلاة الليل كما مر فهو حجة على من لم يجو التسبيح والسؤال والتعوذ عند المرور بآية فيها تسبيح أو سؤال أو تعوذ في الصلاة مطلقا (عن موسى بن أبي عائشة) هو الهمداني الكوفي مولى آل جعدة بن هبيرة المخزومي قال في التقريب ثقة عابد من الخامسة وكان يرسل ومن دونه هم رجال الصحيح (كان رجل) جهالة الصحابي مغتفرة عند الجمهور وهو الحق (يصلي فوق بيته) فيه جواز الصلاة على ظهر البيت والمسجد ونحوهما فرضا أو نفلا عند من جعل فعل الصحابي حجة أخذا بهذا والأصل الجواز في كل مكان من الأمكنة ما لم يقم دليل على عدمه (سبحانك) أي تنزيها لك أن يقدر أحد على إحياء الموتى غيرك وهو منصوب على المصدر وقال الكسائي منصوب على أنه منادى مضاف (فبلى) باللام وفي نسخة من سنن أبي داود فبكي بالكاف قال ابن رسلان وأكثر النسخ المعتمدة باللام بدل الكاف وبلى حرف لإيجاب النفي والمعنى أنت
[ 98 ]
قادر على أن تحيي الموت كذا في النيل (يعجبني) من الإعجاب أي يفرحني ويسرني (أن يدعو بما في القرآن) في معنى كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى وجهان أحدهما أن يدعو في الصلاة الفريضة بعد التشهد قبل التسليم بالأدعية التي هي مذكورة في القرآن نحو ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ومثل ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا وغير ذلك من الآيات الكريمة وثانيهما أن يدعو في الفريضة بما في القرآن من آيات الرحمة وغيرها أي إذا يمر المصلي بآية فيها تسبيح سبح وإذا يمر بسؤال سأل وإذا يمر بآية يتعوذ فيها تعوذ وهذا المعنى هو الأقرب إلى الصواب فالإمام أحمد لا يخص هذا في النوافل بل يستحبه في الفرائض أيضا وبه قال الشافعي قال البيهقي في المعرفة باب الوقوف عند آية الرحمة وآية العذاب قال الشافعي في القديم أحب للامام إذا قرأ آية الرحمة أن يقف فيسأل الله ويسأل الناس وإذا قرأ آية العذاب أن يقف فيستعيذ ويستعيذ الناس بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك في صلاته ثم ساق البيهقي بإسناده حديث حذيفة الذي أخرجه مسلم ثم قال وروينا عن عائشة وعن عوف بن مالك الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه في آية الرحمة وفي آية العذاب ثم روى من طريق عبد خير أن عليا قرأ في الصبح بسبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربي الأعلى قال الشافعي وهم يكرهون هذا ونحن نستحب هذا ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبهه فكأنه أراد ما روينا في حديث حذيفة أو أراد ما روى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال سبحان ربي الأعلى إلا أنه مختلف في رفعه وفي إسناده وروينا في حديث إسماعيل بن أمية عن الأعرابي مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها أليس الله بأحكم الحاكمين فليقل وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ لا أقسم بيوم القيامة فانتهى إلى أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى فليقل بلى ومن قرأ والمرسلات فبلغ فبأي حديث بعده يؤمنون فليقل آمنا به انتهى كلام البيهقي
[ 99 ]
باب مقدار الركوع والسجود (رمقت) أي نظرت (فكان يتمكن في ركوعه وسجوده) أي يلبث فيهما قال المنذري السعدي مجهول (سبحان ربي العظيم) بفتح ياء ربي ويسكن (وذلك أدناه) وفيه إشعار بأن المصلي لا يكون متسننا بدون الثلاث وقد قال الماوردي إن الكمال إحدى عشرة أو تسع وأوسطه خمس ولو سبح مرة حصل التسبيح وروى الترمذي عن ابن المبارك وإسحاق بن راهويه أنه يستحب خمس تسبيحات للامام وبه قال الثوري ولا دليل على تقيد الكمال بعدد معلوم بل ينبغي الاستكثار من التسبيح على مقدار تطويل الصلاة من غير تقييد بعدد وأما إيجاب سجود السهو فيما زاد على التسع واستحباب أن يكون عدد التسبيح وترا لا شفعا فيما زاد على الثلاث فمما لا دليل عليه كذا في النيل (هذا مرسل) أراد المؤلف بالمرسل المنقطع لأن المرسل صورته أن يقول التابعي سواء كان صغيرا أو كبيرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا أو فعل بحضرته كذا أو نحو ذلك وههنا ليس كذلك نعم صورة الانقطاع ههنا موجودة وهي أن يسقط راو واحد أو أكثر من الإسناد من أي موضع كان (عون) ابن عبد الله المذكور (لم يدرك عبد الله) أي لم
[ 100 ]
يلقه قال المنذري وذكره البخاري في تاريخه الكبير وقال مرسل وقال الترمذي إسناده ليس بمتصل عون ابن عبد الله بن عتبة لم يلق ابن مسعود قلت وعون هذا هو أبو عبد الله عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي انفرد مسلم بإخراج حديثه انتهى (أليس الله بأحكم الحاكمين) هذا بدل من قوله آخرها ومعنى قوله أحكم الحاكمين أي أقضى القاضين يحكم بينك وبين أهل التكذيب بك يا محمد (فليقل بلى) أي نعم (وأنا على ذلك) أي كونك أحكم الحاكمين (من الشاهدين) أي أنتظم في سلك من له مشافهة في الشهادتين من أنبياء الله وأوليائه قال ابن حجر وهذا أبلغ من أنا شاهد ومن ثم قالوا في وكانت من القانتين وفي إنه في الآخرة لمن الصالحين أبلغ من وكانت قانتة ومن إنه في الآخرة صالح لأن من دخل في عداد الكامل وساهم معهم الفضائل ليس كمن انفرد عنهم انتهى وقيل لأنه كناية وهي أبلغ من الصريح (أليس ذلك) أي الذي جعل خلق الإنسان من نطفة تمنى في الرحم (فليقل بلى) قال في المرقاة وفي رواية بلى إنه على كل شئ قدير وأما قول ابن حجر المكي فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين وكأنه حذف لفهمه من الأول فبعيد انتهى (فبأي حديث بعده) أي بعد القرآن لأنه آية مبصرة ومعجزة باهرة فحين لم يؤمنوا به فبأي كتاب بعده يؤمنون (فليقل آمنا بالله) أي به وبكلامه ولعموم هذا لم يقل آمنا بالقرآن وقال الطيبي أي قل أخالف أعداء الله المعاندين قاله في المرقاة والحديث يدل على أنه من يقرأ هذه الآيات يستحب له أن يقول تلك الكلمات سواء كان في الصلاة أو خارجها والحديث ضعيف لأن فيه مجهولا قال الترمذي بعد ما رواه مختصرا إنما يروى بهذا الإسناد عن هذا الأعرابي عن أبي هريرة ولا يسمى انتهى وقال في فتح الودود هذا الأعرابي لا يعرف ففي الإسناد جهالة ومع ذلك فالمتن لا يناسب الباب قلت الظاهر أن هذا الحديث داخل في الباب الأول لكن تأخيره من تصرف النساخ والله أعلم (قال
[ 101 ]
إسماعيل) بن أمية (ذهبت أعيد) أي شرعت في إعادة الحديث (على الرجل الأعرابي) المذكور (لعله) أي لعل الأعرابي أخطأ في الحديث ولم يحفظه (فقال) الأعرابي (يا ابن أخي أتظن أني لم أحفظه) أي الحديث والاستفهام إنكاري أي لا تظنن بي هذا الظن فإني قوي الحفظ غاية القوة وإن ارتبت في فيما قلت لك فاستمع ما أقول (لقد حججت ستين حجة إلخ) أي والله لقد حججت ستين حجة فمن كان هذا شأنه في الحفظ فكيف لا يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا قاله الرجل الأعرابي المجهول لكن هذه مبالغة عظيمة منه والله أعلم (عن وهب بن مانوس) قال الحافظ في التقريب بالنون وقيل بالموحدة البصري نزيل اليمن مستور من السادسة وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان (ومن هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز) ابن مروان الخليفة الصالح خامس الخلفاء الراشدين قال سفيان الثوري الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز كذا في تاريخ الخلفاء (قال) أي أنس (فحزرنا) بتقديم الزاي المفتوحة أي قدرنا (في ركوعه) قال في المرقاة أي ركوع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ركوع عمر انتهى قلت الظاهر أن الضمير في ركوعه يرجع إلى عمر والله تعالى أعلم (عشر تسبيحات) قيل فيه حجة لمن قال إن كمال التسبيح عشر تسبيحات والأصح أن المنفرد يزيد في التسبيح ما أراد وكلما زاد كان أولى والأحاديث الصحيحة في تطويله صلى الله عليه وسلم ناطقة بهذا وكذلك الإمام إذا كان المؤتمون لا يتأذون بالتطويل كذا في النيل (قلت له) الظاهر أن الضمير المجرور يرجع إلى عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان (مانوس) بالنون (أو مابوس) بالموحدة (فقال) أي عبد الله بن عمر بن إبراهيم كما هو الظاهر (أما عبد الرزاق
[ 102 ]
فيقول مابوس) أي بالموحدة (وأما حفظي فمانوس) أي النون بالنون (قال أحمد إلخ) في روايته بالعنعنة في الموضعين وأما ابن رافع فصرح بالسماع فيهما باب الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع (ونحن سجود) جمع ساجد والجملة حالية (فاسجدوا) فيه مشروعية السجود مع الإمام لمن أدركه ساجدا (ولا تعدوها شيئا) بضم العين وتشديد الدال أي لا تحسبوه شيئا والمعنى وافقوه في السجود ولا تجعلوا ذلك ركعة (ومن أدرك الركعة) قيل المراد به ههنا الركوع فيكون مدرك الإمام راكعا مدركا لتلك الركعة وفيه نظر لأن الركعة حقيقة لجميعها وإطلاقها على الركوع ومابعده مجاز لا يصار إليه إلا لقرينة كما وقع عند مسلم من حديث البراء بلفظ فوجدت قيامه فركعته فاعتداله فسجدته فإن وقوع الركعة في مقابلة القيام والاعتدال والسجود قرينة تدل على أن المراد بها الركوع وههنا ليست قرينة تصرف عن حقيقة الركعة فليس فيه دليل على أن مدرك الإمام راكعا مدرك لتلك الركعة واعلم أنه ذهب الجمهور من الأئمة إلى أن من أدرك الإمام راكعا دخل معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئا من القراءة وذهب جماعة إلى أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة وهو قول أبي هريرة وحكاه البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما من محدثي الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين ورجحه المقبلي قال وقد بحثت هذه المسألة وأحطتها في جميع بحثي فقها وحديثا فلم أحصل منها على غير ما ذكرت يعني من عدم الاعتداد بإدراك الركوع فقط
[ 103 ]
واستدل الجمهور بحديث الباب لكن الاستدلال به موقوف على إرادة الركوع من الركعة وقد عرفت ما فيه وبحديث أبي بكرة حيث صلى خلف الصف مخافة أن تفوته الركعة فقال زادك الله حرصا ولا تعد ولم يأمر بإعادة الركعة قال الشوكاني في النيل ليس فيه ما يدل على ما ذهبوا إليه لأنه كما لم يأمره بالإعادة لم ينقل إلينا أنه اعتد بها والدعاء له بالحرص لا يستلزم الاعتداد بها لأن الكون مع الإمام مأمور به سواء كان الشئ الذي يدركه المؤتم معتدا به أم لا كما في الحديث إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعددوها) شيئا على أن النبي قد نهى أبا بكرة عن العود إلى ذلك والاحتجاج بشئ قد نهي عنه لا يصح وقد أجاب ابن حزم في المحلى عن حديث أبو بكر فقال أنه لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه اجتراء بتلك الركعة انتهى وبحديث أبي هريرة من أدرك المركوع من الركعة الأخيرة في صلاته يوم الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى رواه الدارقطني لكن في إسناده ياسين بن معاذ وهو متروك فلا يقوم به الحجة واستدل من ذهب إلى أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة بحديث ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا أخرجه الشيخان بأنه أمر رسول الله بإتمام ما فاته ومن أدرك الإمام راكعا فإنه القيام والقراءة فيه وهما فرضان فلا بد له من إتمامهما وبما روي عن أبي هريرة أنه قال من أدرك الإمام في الركوع فليركع معه وليعد الركعة وقد رواه البخاري في القراءة خلف الإمام من حديث أبي هريرة أنه قال إن أدركت القوم ركوعا لم تعتد بتلك الركعة قال الحافظ وهذا هو المعروف عن أبي هريرة موقوفا وأما المرفوع فلا أصل له قال الشوكاني في النيل قد عرفت مما سلف وجوب الفاتحة على كل إمام ومأموم في كل ركعة وعرفناك أن تلك الأدلة صالحة للاحتجاج بها على أن قراءة الفاتحة من شروط صحة الصلاة فمن زعم أنها تصح صلاة من الصلوات أو ركعة من الركعات بدون فاتحة الكتاب فهو محتاج إلى إقامة برهان يخصص تلك الأدلة ومن ههنا يتبين لك ضعف ما ذهب إليه الجمهور أن من أدرك الإمام راكعا دخل معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئا من القراء ثم بين دلائل الفريقين ورجح خلاف ما ذهب إليه الجمهور وقال قد ألف السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير رسالة في هذه المسألة ورجح مذهب الجمهور وقد كتبت أبحاثا في الجواب عليها انتهى كلام الشوكاني في النيل ملخصا محررا قلت حديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود ثم المنذري في مختصره وفيه يحيى بن أبي سليمان المديني قال أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري في جزء
[ 104 ]
القراءة ويحيى هذا منكر الحديث روى عنه أبو سعيد مولى بني هاشم وعبد الله بن رجاء البصري مناكير ولم يتبين سماعه من زيد ولا من ابن المقبري ولا تقوم به الحجة انتهى وقال البيهقي في المعرفة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة حدثنا ابن أبي مريم حدثنا نافع بن يزيد حدثنا يحيى بن أبي سليمان عن زيد بن أبي عتاب وسعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة تفرد به يحيى بن أبي سليمان هذا وليس بالقوي انتهى وفي الميزان والتهذيب يحيى بن أبي سليمان المدني روى عن المقبري وعطاء وعنه شعبة وأبو سعيد مولى بني هاشم وأبو الوليد قال أبو حاتم يكتب حديثه وليس بالقوي وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه الحاكم وقال البخاري منكر الحديث انتهى والحديث أخرجه الدارقطني من هذه الطريق أي طريق نافع بن يزيد كما ذكره أبو داود سندا ومتنا ورواه الدارقطني أيضا من وجه آخر وهذا لفظه حدثنا أبو طالب الحافظ حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين حدثنا عمرو بن سوار ومحمد بن يحيى بن إسماعيل قالا حدثنا ابن وهب ح وحدثنا أبو طالب أخبرنا ابن رشدين حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب حدثني يحيى بن حميد عن قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه قال في التعليق المغني على سنن الدارقطني الحديث فيه يحيى بن حميد قال البخاري لا يتابع في حديثه وضعفه الدارقطني وأما قرة بن عبد الرحمن فأخرج له مسلم في الشواهد وقال الجوزجاني سمعت أحمد يقول منكر الحديث جدا وقال يحيى ضعيف الحديث وقال أبو حاتم ليس بقوي انتهى ورجح الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله تعالى مذهب من يقول بعدم الاعتداد بإدراك الركوع فقط وحقق هذه المسألة في كتابه جزء القراءة ما ملخصه قال البخاري وتواتر الخبر عن رسول الله لا صلاة إلا بقراءة أم القرآن ثم أخرج من طريق أبي الزاهرية عن كثير بن مرة الحضرمي قال سمعت أبا الدرداء يقول سئل رسول الله أفكل صلاة قراءة قال نعم فقال رجل من الأنصار وجبت هذه وأما حديث من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة فهذا خبر لم يثبت عند أهل العلم من أهل الحجاز وأهل العراق لإرساله وانقطاعه رواه ابن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى الحسن بن
[ 105 ]
صالح عن جابر عن أبي الزبير عن النبي ولا يدري أسمع جابر من أبي الزبير وذكر عن عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو صلى النبي صلاة الفجر فقرأ رجل خلفه فقال لا يقرأن أحدكم والإمام يقرأ إلا بأم القرآن فلو ثبت الخبران كلاهما لكان هذا مستثنى من الأول لقوله لا يقرأن إلا بأم الكتاب وقال أبو هريرة وعائشة قال رسول الله من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج قال البخاري فإن احتج محتج فقال إذا أدرك الركوع جازت فكما أجازته في الركعة كذلك يجزيه في الركعات قيل إنما أجاز زيد بن ثابت وابن عمرو الذين لم يروا القراءة خلف الإمام فأما من رأى القراءة فقد قال أبو هريرة لا يجزيه حتى يدرك الإمام وقال أبو سعيد وعائشة لا يركع أحدكم حتى يقرأ بأم القرآن وإن كان ذلك إجماعا لكان هذا المدرك للركوع مستثنى من الجملة مع أنه لا إجماع فيه قال البخاري وقال عدة من أهل العلم إن كل مأموم يقضي فرض نفسه والقيام والقراءة والركوع والسجود عندهم فرض فلا يسقط الركوع والسجود عن المأموم وكذلك القراءة فرض فلا يزول فرض عن احد إلا بكتاب أو سنة وقال أبو قتادة وأنس وأبو هريرة عن النبي إذا أتيتم الصلاة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا فمن فاته فرض القراءة والقيام فعليه إتمامه كما أمر النبي حدثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن النبي قال فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس عن النبي فليصل ما أدرك وليقض ما سبقه وفي لفظ له ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله يقول إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ثم أورد حديث أبي هريرة هذا نحو سبعة عشر طرقا بلفظ ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وبلفظ ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا وبلفظ صلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقتم وقال علي بن عبد الله إنما أجاز إدراك الركوع من أصحاب النبي الذين لم يروا القراءة خلف الإمام منهم ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر فأما من رأى القراءة فإن أبا هريرة قال اقرأ بها في نفسك يا فارسي وقال لا تعتد بها حتى تدرك الإمام قائما
[ 106 ]
حدثنا مسدد وموسى بن إسماعيل ومعقل بن مالك قالوا حدثنا أبو عوانة عن محمد بن إسحاق عن الأعرج عن أبي هريرة قال لا يجزئك إلا أن تدرك الإمام قائما وفي لفظ له قال إذا أدركت القوم ركوعا لم تعتد بتلك الركعة وفي لفظ له لا يجزئك إلا أن تدرك الإمام قائما قبل أن يركع وأخر من طريق عبد الرحمن بن هرمز قال قال أبو سعيد لا يركع أحدكم حتى يقرأ بأم القرآن قال البخاري وكانت عائشة تقول ذلك وأما حديث همام عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي فقال زادك الله حرصا ولا تعد وفي رواية يونس عن الحسن عن أبي بكرة فلما قضى رسول الله الصلاة قال لأبي بكرة أنت صاحب هذا النفس قال نعم جعلني الله فداك خشيت أن تفوتني ركعة معك فأسرعت المشي فقال رسول الله زادك الله حرصا ولا تعد صل ما أدركت واقض ما سبقك فليس لأحد أن يعود لما نهى النبي وليس في جوابه أنه اعتد بالركوع عن القيام والقيام فرض في الكتاب والسنة قال الله تعالى وقوموا لله قانتين وقال إذا قمتم إلى الصلاة وقال النبي صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا قال البخاري وروى نافع بن يزيد حدثني يحيى بن أبي سليمان المدني عن زيد بن أبي عتاب وابن المقبري عن أبي هريرة رفعه إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ويحيى هذا منكر الحديث روى عنه أبو سعيد مولى بني هاشم وعبد الله بن رجاء البصري مناكير ولم يتبين سماعه من زيد ولا من ابن المقبري ولا يقوم به الحجة وزاد ابن وهب عن يحيى بن حميد عن قرة عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه وأما يحيى بن حميد فمجهول لا يعتمد على حديثه غير معروف بصحة خبره وليس هذا مما يحتج به أهل العلم وإنما الحديث هو ما رواه مالك الإمام حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ثم أورد رواية مالك من طريق عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك مثله وقد تابع مالكا في حديثه ثمانية أنفس عبد الله بن عمر ويحيى بن سعيد وابن الهاد ويونس ومعمر وابن عيينة وشعيب وابن جريح . وكذلك قال عراك بن مالك عن أبي هريرة عن النبي وقد اتفق هؤلاء كلهم في روايتهم عن الزهري على لفظ من أدرك من الصلاة فقد أدركها وتابع عراك أبا سلمة وهو خبر مستفيض عند أهل العلم بالحجاز وغيرها وما قال واحد من هؤلاء مثل ما قال يحيى بن حميد بل قوله قبل
[ 107 ]
أن يقيم الإمام صلبه لا معنى له ولا وجه لزيادته ثم أخرج البخاري أحاديث هؤلاء الرواة الثمانية وكذا حديث عراك بن مالك ثم قال البخاري قال النبي من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة ولم يقل من أدرك الركوع أو السجود أو التشهد ومما يدل عليه قول ابن عباس فرض الله على لسان نبيكم صلاة الخوف ركعة وقال ابن عباس صلى النبي في الخوف بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة فالذي يدرك الركوع والسجود من صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ولم يخص صلاة دون صلاة والذي يعتمد على قول رسول الله وهو أن لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وما فسر أبو هريرة وأبو سعيد لا يركعن عبد أحدكم حتى يقرأ فاتحة الكتاب انتهى كلامه ملخصا محررا ملتقطا من مواضع شتى من كتابه وفي كنز العمال أخرج البيهقي في كتاب القراءة عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب خلف الإمام قال البيهقي إسناده صحيح والزيادة التي فيه صحيحة مشهورة من أوجه كثيرة انتهى كلامه فهذا محمد بن إسماعيل البخاري أحد المجتهدين وواحد من أركان الدين قد ذهب إلى أن مدركا للركوع لا يكون مدركا للركعة حتى يقرأ فاتحة الكتاب فمن دخل مع الإمام في الركوع فله أن يقضي تلك الركعة بعد سلام الإمام بل حكى البخاري هذا المذهب عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام وقال الحافظ في الفتح تحت حديث أبي هريرة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا واستدل به على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته الوقوف والقراءة فيه وهو قول أبي هريرة بل حكاه البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما من محدثي الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين انتهى قال العراقي في شرح الترمذي بعد أن حكى عن شيخه السبكي أنه كان يختار أنه لا يعتد بالركعة من لا يدرك الفاتحة ما لفظه وهو الذي يختاره وقال ابن حزم في المحلى لا بد في الاعتداد بالركعة من إدراك القيام والقراءة بحديث ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ولا فرق بين فوت الركعة والركن والذكر المفروض لأن الكل فرض لا تتم الصلاة إلا به قال فهو مأمور بقضاء ما سبقه الإمام وإتمامه فلا يجوز تخصيص شئ من ذلك بغير نص آخر ولا سبيل
[ 108 ]
إلى وجوده قال وقدم أقدم بعضهم على دعوى الإجماع على ذلك وهو كاذب في ذلك لأنه قد روي عن أبي هريرة أنه لا يعتد بالركعة حتى يقرأ أم القرآن ثم قال فإن قيل إنه يكبر قائما ثم يركع فقد صار مدركا للوقعة قلنا وهذه معصية أخرى وما أمر الله تعالى قط ولا رسوله أن يدخل في الصلاة من غير الحال التي يجد الإمام عليها وأيضا لا يجزئ قضاء شئ يسبق به من الصلاة إلا بعد سلام الإمام لا قبل ذلك وقال أيضا في الجواب عن استدلالهم بحديث من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة حجة عليهم لأنه مع ذلك لا يسقط عنه قضاء من لم يدرك من الصلاة انتهى وقال الحافظ في التلخيص حديث أبي هريرة إذا أدركت القوم ركوعا لم تعتد بتلك الركعة وهذا هو المعروف موقوف وأما المرفوع فلا أصل له وعزاه الرافعي تبعا للامام أن أبا عاصم العبادي عن ابن خزيمة أنه احتج بذلك انتهى قال الشوكاني في النيل فالعجب ممن يدعي الإجماع والمخالف مثل هؤلاء انتهى وهذا أي بعدم الاعتداد هو قول شيخنا العلامة السيد محمد نذير حسين الدهلوي متعنا الله تعالى بطول بقائه وذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف إلى أن مدرك الركوع مدرك للركعة من غير اشتراط قراءة فاتحة الكتاب قال حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار شرح الموطإ قال جمهور الفقهاء من أدرك الإمام راكعا فكبر وركع وأمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة ومن لم يدرك ذلك فقد فاتته الركعة ومن فاتته الركعة فقد فاتته السجدة أي يعتد بها هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق وروي ذلك عن علي وابن مسعود وزيد وابن عمر وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في التمهيد انتهى كلامه وللجمهور دلائل منها حديث أبي بكرة المتقدم ذكره ومنها حديث أبي هريرة الذي نحن في شرحه ومنها ما أخرجه مالك في الموطإ أنه بلغه أن ابن عمر وزيد بن ثابت كانا يقولان من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ومنها ما أخرجه أيضا بلاغا أن أبا هريرة كان يقول من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير ومنها ما أخرجه محمد في الموطإ عن مالك عن نافع عن أبي هريرة أنه قال إذا فاتتك الركعة فاتتك السجدة ومنها ما ذكره ابن عبد البر عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر بأسانيده إليهم في التمهيد شرح الموطإ ومنها ماقاله الحافظ في التلخيص راجعت صحيح ابن خزيمة فوجدته
[ 109 ]
أخرج عن أبي هريرة من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه وترجم له ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركا للركعة إذا ركع إمامه قبل وهذا مغاير لما نقلوه عنه ويؤيد ذلك أنه ترجم بعد ذلك باب إدراك الإمام ساجدا والأمر بالاقتداء به في السجود وأن لا يعتد به إذ المدرك للسجدة إنما يكون بإدراك الركوع قبلها وأخرج فيه من حديث أبي هريرة أيضا مرفوعا إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة وذكر الدارقطني في العلل نحوه عن معاذ وهو مرسل انتهى وقال الطحاوي في باب من صلى خلف الصف وحده وقد روي عن جماعة من أصحاب رسول الله أنهركعوا دون الصف ثم مشوا إلى الصف واعتدوا بتلك الركعة التي ركعوها دون الصف ثم ساق من طريق سفيان عن منصور عن زيد بن وهب قال دخلت المسجد أنا وابن مسعود فأدركنا الإمام وهو راكع فركعنا ثم مشينا حتى استوينا بالصف فلما قضى الإمام الصلاة قمت لأقضي قال عبد الله قد أدركت الصلاة وأخرج من طريق سيار أبي الحكم عن طارق قال كنا مع ابن مسعود فقام وقمنا فدخل المسجد فرأى الناس ركوعا في مقدم المسجد فكبر فركع ومشى وفعلنا مثل ما فعل وأخرج عن سفيان عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل قال رأيت زيد بن ثابت دخل المسجد والناس ركوع فمشى حتى إذا أمكنه أن يصل إلى الصف وهو راكع كبر فركع ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف وأخرج عن خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت كان يركع على عتبة المسجد ووجهه إلى القبلة ثم يمشي معترضا على شقة الأيمن ثم يعتد بها إن عليه وصل إلى الصف أو لم يصل انتهى وقال البيهقي في المعرفة باب إذا أدرك الإمام راكعا قال الشافعي بإسناده إن عبد الله بن مسعود دخل المسجد والإمام راكع فركع ثم دب راكعا قال الشافعي وهكذا نقول وقد فعل هذا زيد بن ثابت ثم ساق البيهقي بإسناده إلى عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبي أمامة سهل بن حنيف ثم قال وقد روينا في ذلك عن أبي بكر الصديق وعبد الله بن الزبير وفي معناه حديث أبي بكرة أنه دخل المسجد والنبي راكع فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف وفي ذلك دلالة على إدراك الركعة بإدراك الركوع وقد روي صريحا عن ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر وفي خبر مرسل عن النبي وفي خبر موصول عنه غير قوي أما المرسل فرواه عبد العزيز بن رفيع عن رجل عن النبي وأما الموصول فحديث أبي هريرة مرفوعا إذا جئتم إلى الصلاة الحديث وتفرد به يحيى وليس بالقوى انتهى كلامه ملخصا
[ 110 ]
وفي كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال أخرج ابن أبي شيبة عن عبد العزيز بن رفيع عن رجل من أهل المدينة من الأنصار عن النبي أنه سمع خفق نعلي وهو ساجد فلما فرغ من صلاته قال من هذا الذي سمعت خفق نعله فقال أنا يا رسول الله قال فما صنعت قال وجدتك ساجدا فسجدت فقال هكذا فاصنعوا ولا تعتدوا بها من وجدني راكعا أو قائما أو ساجدا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها وأخرج عبد الرزاق عن الزهري أن زيد بن ثابت وابن عمر كانا يفتيان الرجل إذا انتهى إلى القوم وهم ركوع أن يكبر تكبيرة وقد أدرك الركعة قالا وإن وجدهم سجودا سجد معهم ولم يعتد بذلك وأخرج أيضا عن ابن مسعود قال من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة ومن فاته الركوع فلا يعتد بالسجود انتهى وقال العيني في شرح البخاري تحت حديث وما فاتكم فأتموا استدل قوم على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته وقد فاته القيام والقراءة فيه وهو أيضا مذهب من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام وهو قول أبي هريرة أيضا واختاره ابن خزيمة عند أصحابنا وهو قول الجمهور أنه يكون مدركا لتلك الركعة لحديث أبي بكرة حيث ركع دون الصف ولم يأمر بإعادة تلك الركعة وروى أبو داود من حديث معاوية بن أبي سفيان قال قال رسول الله لا تبادروني بركوع ولا سجود فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت وإني قد بدنت وهذا يدل على أن المقتدي إذا لحق الإمام وهو في الركوع فلو شرع معه ما لم يرفع رأسه يصير مدركا لتلك الركعة فإذا شرع وقد رفع رأسه لا يكون مدركا لتلك الركعة ولو ركع المقتدي قبل الإمام فلحقه الإمام قبل قيامه يجوز عندنا خلافا لزفر رحمه الله انتهى كلام العيني وأنت رأيت كلام العلامة الشوكاني في نيل الأوطار أنه رجح مذهب من يقول بعدم اعتداد الركعة بإدراك الركوع من غير قراءة الفاتحة وبسط الكلام فيه وأجاب عن أدلة الجمهور القائلين بإدراك الركعة بمجرد الدخول في الركوع مع الإمام وحقق العلامة الشوكاني في الفتح الرباني في فتاوى الشوكاني خلاف ذلك ورجح مذهب الجمهور وهذه عبارته من غير تلخيص ولا اختصار ما قول علماء الإسلام رضي الله عنهم في قراءة أم القرن هل يجب على من لحق إمامه في الركوع أن يأتي بركعة عقب سلام الإمام لأنه قد فاته القيام والقراءة على ما اقتضاه مفهوم حديث الصحيحين فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وفي رواية فاقضوها أبي وكما وافقه زيادة الطبراني في حديث أبي بكرة بعد قوالنبي له زادك الله حرصا ولا تعد زاد الطبراني
[ 111 ]
صل ما أدركت واقض ما سبقك انتهى وكما في مصنف ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال لا أجده على حالة إلا كنت عليها وقضيت ما سبقني فوجده قد سبقه يعني النبي ببعض الصلا أو قال ببعض ركعة فوافقه فيما هو فيه وأتى بركعة بعد السلام فقال إن معاذا قد سن لكم فهكذا فاصنعوا أو يكون مدركا للركعة وإن لم يمكنه قراءة الفاتحة بمقتضى ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه أن رسول الله قال من أدرك ركعة مع الإمام قبل أن يقيصلبه فقد أدركها وترجم له ابن خزيمة باب ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركا للركعة ولما أخرجه الدارقطني من كان له إمام فقراءة الامام له قراءة وإن كان الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال طرقه كلها ضعاف عند جميع الحفاظ وقال ابن تيمية روى مسندا من طرق كلها ضعاف والصحيح أنه مرسل وقد قواه ابن الهمام في فتح القدير بكثرة طرقه وذكر الفقيه صالح المقبلي في الأبحاث المسددة بحثا زاد السائل ترددا فافضلوا (بما يطمئن به الخاطر جزاكم الله خيرا عن المسلمين أفضل الجزاء الجواب لبقية الحفاظ القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى بقوله قد تقرر بالأدلة الصحيحة أن الفاتحة واجبة في كل ركعة على كل مصل إمام ومأموم ومنفرد أما الامام والمنفرد فظاهر وأما المأموم فلما صح من طرق من نهية عن القراءة خلف الامام إلا بفاتحة الكتاب وأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ولما ورد في حديث المسئ صلاته من قوله ثم كذلك في كل ركعاتك ما فافعل بعد أن علمه القراءة لفاتحة الكتاب والحاصل أن الأدلة المصرحة بأن لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وإن كان ظاهرها أنها تكفي المرة الواحدة في جملة الصلاة فقد دلت الأدلة على وجوبها في كل ركعة دلالة واضحة ظاهرة بينة إذا تقرر لك هذا فاعلم أنه قد ثبت أن من أدرك الامام على حاله فليصنع كما يصنع الإمام فمن وصل والإمام في خر القيام فليدخل معه فإذا ركع بعد تكبير المؤتم فقد ورد الأمر بمتابعة له بقوله وإذا ركع فاركعوا كما في حديث إنما جعل الإمام ليأتم به وهو حديث صحيح فلو توقف المؤتم عن الركوع بعد ركوع الإمام وأخذ يقرأ فاتحة الكتاب لكان مخالفا لهذا الأمر فقد تقرر أنه يدخل مع الإمام وتقرر أنه يتابعه ويركع بركوعه ثم ثبت بحديث من أدرك مع الإمام ركعة قبل أن يقيم صلبه فقد أدركها أن هذا الداخل مع الإمام الذي لم يتمكن من قراءة الفاتحة قد أدرك الركعة بمجرد إدراكه له راكعا فعرفت بهذا أن مثل هذه الحالة مخصصة من عموم إيجاب قراءة الفاتحة في كل ركعة وأنه لا وجه لما قيل أنه يقرأ بفاتحة الكتاب ويلحق الإمام راكعا وأن المراد ادارك الكامل وهو لا يكون إلا مع إدراك الفاتحة
[ 112 ]
فإن هذا يؤدي إلى إهمال حديث إدراك الإمام قبل أن يقيم صلبه فإن ظاهره بل صريحة أن المؤتم إذا وصل والإمام راكع وكبر وركع قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد صار مدركا لتلك الركعة وإن لم يقرأ حرفامن حروف الفاتحة فهذا الأمر الأول مما يقع فيه من عرضت له الشكوك لأنه إذا وصل والإمام راكع أو في خر القيام ثم أخذ يقرأ ويريد أن يلحق الإمام الذي قد صار راكعا فقد حاول ما لا يمكن الوفاء به في غالب الحالات فمن هذه الحيثية مهملا لحديث إدراك الإمام قبل أن يقيم صلبه الأمر الثاني أنه صار مخالفا لأحاديث الاقتداء بالإمام وإيجاب الركوع بركوعه والاعتدال باعتداله وبيان ذلك أنه وصل حال ركوع الإمام أو بعد ركوعه ثم أخذ يقرأ الفاتحة من أولها إلى خرها ومن كان هكذا فهو مخالف لإمامه لم يركع بركوعه وقد يفوته أن يعتدل باعتداله وامتثال الأمر بمتابعة الإمام واجب ومخالفته حرام الأمر الثالث أن قوله من أدرك الإمام على حالة فليصنع كما يصنع الإمام يدل على لزوم الكون مع الإمام على الحالة التي أدركه عليها وأنه يصنع مثل صنعه ومعلوم أنه لا يحصل الوفاء بذلك إلا إذا ركع بركوعه واعتدل باعتداله فإذا أخذ يقرأ الفاتحة فقد أدرك الإمام على حالة ولم يصنع كما صنع إمامه فخالف الأمر الذي يجب امتثاله وتحرم مخالفته وإذا اتضح لك ما في إيجاب قراءة الفاتحة على المؤتم المدرك لإمامه حال الركوع أو بعده من المفاسد التي حدثت بسبب وقوعه في مخالفة ثلاث سنن صحاح كما ذكرنا تقرر لك أن الحق ما قدمنا لك من أن تلك الحالة التي وقعت للمؤتم وهي إدراك إمامه مشارفا للركوع أو راكعا أو بعد الركوع مخصصة من أدلة إيجاب قراءة الفاتحة على كل مصل ومما يؤيد ما ذكرنا الحديث الوارد من أدرك الإمام ساجدا فليسجد معه ولا يعذلك شيئا فإن هذا يدل على أن من أدركه راكعا يعتد بتلك الركعة وهذا الحديث ينبغي أن يجعل لاحقا بتلك الثلاثة الأمور التي ذكرناها فيكون رابعا لها في الاستدلال به على المطلوب وفي كون من لم يدخل مع الإمام ويعتد بذلك يصدق عليه أنه قد خالف ما يدل عليه هذا الحديث وفي هذا المقدار الذي ذكرنا كفاية فاشدد بذلك ودع عنك ما قد وقع في هذا المبحث من الخبط والخلط والتردد والتشكك والوسوسة والله سبحانه وتعالى أعلم انتهى كلام الشوكاني بلفظه وحروفه من الفتح الرباني قال شيخنا العلامة حسين بن محسن الأنصاري وقد كتب في هذه في فتاواه أربعة سؤالات وقد أجاب عنها وهذا خرها وهو الذي ارتضاه كما تراه واسم الفتاوي الفتح الرباني في فتاوى الإمام محمد بن علي الشوكاني سماه بذلك ولده العلامة شيخنا أحمد بن
[ 113 ]
محمد بن علي الشوكاني حرره الفقير إلى الله تعالى حسين بن محسن الخزرجي السعدي انتهى وقد أطال الكلام في غاية المقصود وهذا ملتقط منه والله أعلم (فقد أدرك الصلاة) قال ابن ارسلان المراد بالصلاة هنا الركعة أي صحت له تلك الركعة وحصل له فضيلتها انتهى قلت إذا أريد بالركعة معناها المجازي أي الركوع فإرادة الركعة بالصلاة ظاهر وأما إذا أريد بالركعة معناها الحقيقي فلا وقيل ثواب الجماعة قال ابن الملك وقيل المراد صلاة الجمعة وإلا فغيرها يحصل ثواب الجماعة فيه بإدراك جزء من الصلاة قال الطيبي ومذهب مالك أنه لا يحصل فضيلة الجماعة إلا بإدراك ركعة تامة سواء في الجمعة وغيرها كذا في المرقاة باب أعضاء السجود (أمر) قال الحافظ هو بضم الهمزة في جميع الروايات على البناء لما لم يسم فاعله وهو الله جل جلاله قال البيضاوي عرف ذلك بالعرف وذلك يقتضي الوجوب قيل وفيه نظر لأنه ليس فيه صيغة افعل انتهى وتعقب عليه الشوكاني حيث قال لفظ أمر أدل على المطلوب من صيغة افعل كما تقرر في الأصول انتهى وفي رواية للبخاري من طريق شعبة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس بلفظ أمرنا (على سبعة) أي على سبعة أعضاء ويجئ بيانها (ولا يكف شعرا ولا ثوبا) هو إما بمعنى المنع أي لا يمنعهما من الاسترسال حال السجود ليقعا على الأرض أو بمعنى الجمع أي لا يجمع ثوبه ولا شعره وظاهره يقتضي أن النهي عنه في حال الصلاة وإليه جنح الداودي ورده عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور فإنهم كرهوا ذلك للمصلي سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخل فيها قال الحافظ واتفقوا على أنه لا يفسد الصلاة لكن حكى ابن المنذر عن الحسن وجوب الإعادة قيل والحكمة في ذلك أنه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر انتهى وقال النووي اتفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبه مشمر أو كمه أو نحوه أو رأسه معقوص أو مردود شعره تحت عمامته أو
[ 114 ]
نحو ذلك فكل هذا منهي عنه باتفاق العلماء وهو كراهة تنزيه فلو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته ثم مذهب الجمهور أن النهي مطلقا لمن صلي كذلك سواء تعمده للصلاة أم كان كذلك لا لها بل لمعنى اخر وهو المختار الصحيح وهو الظاهر المنقول عن الصحابة وغيرهم انتهى ملخصا (أمر نبيكم أن يسجد على سبعة آراب) بالمد جمع إرب بكسر أوله وإسكان ثانية وهو العضو قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه انتهى قال الزيلعي وأخطأ المنذري إذ عزا في مختصره هذا الحديث للبخاري ومسلم وليس فيهما لفظ الآراب أصلا (وجهه) بالرفع بيان لسبعة آراب والمراد بالوجه ههنا الجبهة والأنف كما في رواية عند مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب الجبهة والأنف واليدين الحديث وفي رواية للبخاري أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده على أنفه الحديث قال الحافظ كأنه ضمن أشار معنى أمر بتشديد الراء فلذلك عبداه بعلى دون إلى ووقع في العمدة بلفظ إلى وهي في بعض النسخ من رواية كريمة وعند النسائي من طريق سفيان بن عيينة عن ابن طاؤس فذكر هذا الحديث وقال في اخره قال ابن طاوس ووضع يده على جبهته وأمرها على أنفه وقال هذا واحد فهذه رواية مفسرة انتهى واعلم أنه ذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم إلى وجوب السجود على الجبهة والأنف جميعا وهو قول للشافعي وذهب الجمهور إلى أنه يجب السجود على الجبهة دون الأنف قال الإمام أبو حنيفة إنه يجزئ السجود على الأنف وحدها وقد نقل ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده واستدل الطائفة الأولى برواية مسلم المذكورة عن ابن عباس ولأنه جعلهما كعضو واحد ولو كان كل واحد منهما عضوا مستقلا للزم أن تكون الأعضاء ثمانية وتعقب بأنه يلزم منه أن يكتفي بالسجود على الأنف وحدها والجبهة وحدها لأن كل واحد منهما بعض العضو وهو يكفي كما في غيره من الأعضاء
[ 115 ]
وأنت خبير بأن المشي على الحقيقة هو المتحتم ولا شك أن الجبهة والأنف حقيقة في المجموع وبحديث أبي سعيد الخدري الذي يأتي في باب السجود على الأنف والجبهة واحتج الجمهور برواية البخاري أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعرا ولا ثوبا الجبهة واليدين والركبتين والرجلين وتمسك الإمام أبو حنيفة برواية البخاري المذكورة بلفظ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده على أنفه الحديث لأنه ذكر الجبهة وأشار إلى الأنف فدل على أنه المراد والأقرب إلى الصواب ما ذهب إليه الأولون والله تعالى أعلم (وقدماه) أي أطراف قدميه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه انتهى واعلم أن حديث العباس هذا عزاه جماعه إلى مسلم منهم أصحاب الأطراف والحميدي في الجمع بين الصحيحين والبيهقي في سننه وابن الجوزي في جامع المسانيد وفي التحقيق ولم يذكره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين ولم يذكر القاضي عياض لفظة الآراب في مشارق الأنوار الذي وضعه على ألفاظ البخاري ومسلم والموطأ وأنكره في شرح مسلم فقال قال المازري قوله عليه السلام سجد معه سبعة اراب قال الهروي اراب الأعضاء واحدها إرب قال القاضي عياض وهذا اللفظ لم يقع عند شيوخنا في مسلم ولا هي في النسخ التي رأينا والتي في كتاب مسلم سبعة أعظم انتهى قال الزيلعي والذي يظهر والله أعلم أن أحدهم سبق بالوهم فتبعه الباقون وهو محل اشتباه (إن اليدين تسجدان) المراد باليدين الكفان لئلا يدخل تحت المنهي عنه من افتراش السبع والكلب قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 116 ]
باب السجود على الأنف والجبهة (وعلى أرنبته) بفتح همزة ونون وموحدة وسكون راء طرف الأنف (أثر طين) أي وماء كما في رواية البخاري (من صلاة صلاها بالناس) أي في ليلة القدر قال الخطابي وهو دال على وجوب السجود عليهما ولولا ذلك لصانهما أن عن لوث الطين قال الحافظ وفيه نظر وقد تقدم في الاختلاف في أن وجوب السجود هل هو على الجبهة وحدها أو على الأنف وحدها أو على الجبهة والأنف جميعا ولا خلاف أن السجود على مجموع الجبهة والأنف مستحب وقد أخرج أحمد من حديث وائل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الأرض واضعا جبهته وأنفه في سجوده وأخرج الدارقطني من طريق عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين قال الدارقطني الصواب عن عكرمة عن ابن عباس قال إذا سجد أحدكم فليضع أنفه على الأرض فإنكم قد أمرتم بذلك كذا في النيل قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه أتم منه باب صفة السجود (ورفع عجيزته) هي العجز للمرأة فاستعارها للرجل قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 117 ]
(اعتدلوا في السجود) أي توسطوا بين الافتراش والقبض وبوضع الكفين على الأرض ورفع المرفقين عنها وعن الجنبين والبطن عن الفخذ إذ هو أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة وأبعد من الكسالة كذا في المجمع قال ابن دقيق العيد لعل المراد بالاعتدال هنا وضع هيئة السجود على وفق الأمر لأن الاعتدال الحسي المطلوب في الركوع لا يتأتى هنا فإنه هناك استواء الظهر والعنق والمطلوب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي قال وقد ذكر الحكم هنا مقرونا بعلته فإن التشبه بالأشياء الخسيسة يناسب تركه في الصلاة انتهى قال الحافظ والهيئة المنهي عنها أيضا مشعرة بالتهاون وقلة الاعتناء بالصلاة (وافتراش الكلب) بالنصب أي كافتراش الكلب أي لا يجعل ذراعيه على الأرض كالفراش والبساط كما يجعلهما الكلب قال القرطبي لا شك في كراهة هذه الهيئة ولا في استحباب نقيضها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه (جافى) أي أبعد وفرق (بين يديه) أي وما يحاذيهما (أن بهمة) بفتح الباء وسكون الهاء ولد الضأن أكبر من السخلة قاله ابن الملك وفي القاموس البهمة أولاد الضأن والمعز قال أبو عبيد وغيره من أهل اللغة البهمة واحدة البهمة وهي أولاد الغنم من الذكور والأناث وجمع البهمة بهام بكسر الباء وقال الجوهري البهمة من أولاد الضأن خاصة ويطلق على الذكر والأنثى قال والسخال أولاد المعز (مرت) جواب لو قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (عن التميمي) اسمه أربدة بسكون الراء بعدها موحدة مكسورة ويقال أربد المفسر صدوق عن ابن عباس وعنه أبو إسحاق السبيعي والمنهال بن عمرو (فرأيت بياض إبطيه) فيه
[ 118 ]
دليل على أنه لم يكن عليه قميص لانكشاف إبطيه وتعقب باحتمال أن يكون القميص واسع الأكمام وقد روى الترمذي في الشمائل عن أم سلمة قالت كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم القميص أو أراد الراوي أن موضع بياضهما لو لم يكن عليه ثوب لرئي قاله القرطبي واستدل به على أن إبطيه صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهما شعر وفيه نظر فقد حكي المحب الطبري في الاستسقاء من الأحكام له أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الإبط من جميع الناس متغير اللون غيره كذا في فتح الباري (وهو مجخ) بضم الميم وفتح الجيم وآخره خاء مشددة منونة بالكسر وهو منقوص اسم فاعل من جخ يجخي فهو مجخ فهو مجخ قال الخطابي يريد أنه رفع مؤخره ومال قليلا هكذا تفسيره وقال في النهاية أي فتح عضديه وجافاهما عن جنبيه ورفع مؤخره ومال قليلا هكذا تفسيره وقال في النهاية أي فتح عضدية وجافاهما عن جنبيه ورفع بطنه على الارض (قد فرج يديه) من التفريج أي نحى كل يد عن الجنب الذي يليلها (أحمر بن جزء) بفتح الجيم بعدها زاي ساكنه ثم همز صحابي تفرد الحسن بالرواية عنه كذا في التقريب (حتى نأوى له) اوى يأوي من باب ضرب إذا رق وترحم أي حتى نترحم له لما نراه في شدة وتعب بسبب المبالغة في المجافاة وقلة الاعتماد قال المنذري : وأخرجه على ابن ماجه وقيل أنه لم يرو عنه غير الحسن ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا وكنيته أبو جزئ (عن ابن حجيرة) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم اسمه عبد الرحمن أبو عبد الله الخولاني قاضي مصر وثقه النسائي (وليضم فخذيه) فيه أن المصلى يضم فخذيه في السجود لكنه معارض بحديث أبي حميد في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شئ من فخذيه رواه المؤلف وقوله فرج بين فخذيه أي فرق بينهما قال الشوكاني حديث أبي حميد هذا والحديث يدل على مشروعية التفريج بين الفخذين في السجود ورفع البطن عنهما ولا خلاف في ذلك انتهى وأحاديث الباب تدل على أن للمصلي أن يفرج بين يديه في السجود ويباعدهما عن جبينه ولا يفترشهما على الأرض قال القرطبي الحكمة في استحباب هذه الهيئة في السجود أنه يخف بها اعتماده عن وجهه ولا يتأثر
[ 119 ]
أنفه ولا جبهته ولا يتأذى بملاقاة الأرض وقال غيره هو أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان وقال ناصر الدين ابن المنير في الحاشية الحكمة فيه أن يظهر كل عضو بنفسه ويتميز حتى يكون الانسان الواحد في سجوده كأنه عدد ومقتضى هذا أن يستقل كل عضو بنفسه ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض في سجوده وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض لأن المقصود هناك إظهار الاتحاد بين المصلين حتى كأنهم جسد واحد كذا ذكره الحافظ في الفتح وظاهر الأحاديث يدل على وجوب التفريج المذكور لكن حديث أبي هريرة الآتي في باب الرخصة في ذلك يدل على أنه للاستحباب باب الرخصة في ذلك للضرورة أي في ترك التفريج (إذا انفرجوا) أي باعدوا اليدين عن الجنبين (فقال استعينوا بالركب) قال ابن عجلان وذلك أن يمر فقيه على ركبتيه إذا طال السجود واعيا ذكره الحافظ وقال قد أخرج الترمذي هذا الحديث ولم يقع في روايته إذا انفرجوا فترجم له ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود فجعل محل الاستعانة بالركب لمن يرفع من السجود طالبا للقيام واللفظ محتمل ما قال لكن الزيادة التي أخرجها أبو داود تعين المراد انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وذكر أنه لا يعرفه من هذه الطريق إلا من هذا الوجه مرسلا وذكر أنه روي من غير باب التخصر والإقعاء (زياد بن صبيح) مصغر وقيل بالفتح وثقه النسائي (فوضعت يدي على خاصرتي)
[ 120 ]
الخاصرة بالفارسية تهى كاه قال في القاموس الخاصرة الشاكلة وما بين الحرقفة والقصيري وفسر الحرفقة قال بعظم الحجبة أي رأس الورك (قال هذا الصلب في الصلاة) أي شبه الصلب لأن المصلوب يمد باعه على الجذع وهيئة الصلب في الصلاة أن يضع يديه على خاصرته ويجافي بين عضديه في القيام كذا في المجمع (ينهى عنه) أي عن الصلب في الصلاة واعلم أنه ورد الحديث في النهي عن وضع اليد على الخاصرة في الصلاة بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصرا أخرجه مسلم وبلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التخصر في الصلاة وبلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة رواه أحمد وأبو داود المؤلف وبلفظ نهى عن الخصر في الصلاة أخرجه البخاري ومعنى الاختصار والتخصر والخصر واحد هو وضع اليد على الخاصرة وهذا هو الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون من أهل اللغة والحديث والفقه وحكى الخطابي وغيره قولا اخر في تفسيره الاختصار فقال وزعم بعضهم أن معنى الاختصار هو أن يمسك بيديه مخصرة أي عصيتوكأ عليها قال ابن العربي ومن قال إنه الصلاة على المخصرة لا معنى له وفيه قول ثالث حكاه الهروي في الغريبين وابن الأثير في النهاية وهو أن يختصر السورة فيقرأ من اخرها ايه أو ايتين وفيه قول اخر حكاه الهروي وهو أن يحذف من الصلاة فلا يمد قيامها وركوعها وسجودها والحديث يدل على تحريم الاختصار وقد ذهب إلى ذلك أهل الظاهر وذهب ابن عباس وابن عمر وعائشة وإبراهيم النخعي ومجاهد وأبو مجاومالك والأوزاعي والشافعي وأهل الكوفة واخرون إلى أنه مكروه والظاهر ما قاله أهل الظاهر لعدم قيام قرينة تصرف النهي عن التحريم الذي هو معناه الحقيقي كما هو الحق واختلف في المعنى الذي نهي عن الاختصار في الصلاة لأجله على أقوال الأول التشبيه بالشيطان الثاني أنه تشبه باليهود الثالث أنه راحة أهل النار والرابع أنه فعل المختالين والمتكبرين والخامس أنه شكل من أشكال المصائب يصفون أيديهم على الخواصر إذا قاموا في المأتم والله تعالى أعلم واعلم أن المؤلف ذكر في ترجمة الباب اقعاء أيضا ولم يورد فيه حديثا مع أنه ترجم
[ 121 ]
للاقعاء عن قبل وأورد فيه حديث ابن عباس وقد تقدم الكلام عليه ويجئ بعض البيان في باب الاختصار في الصلاة باب البكاء في الصلاة (وفي صدره أزيز) بفتح الألف بعدها زاي مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم زاي أيضا أي صوت (كأزيز الرحى) يعني الطاحون قال الخطابي أزيز الرحى صوتها وحرحرتها من (من البكاء) أي من أجله قال ابن حجر المكي في شرح الشمائل هو بالقصر خروج الدمع مع الحزن وبالمد خروجه مع رفع الصوت انتهى وروى النسائي هذا الحديث بلفظ وفي صدره أزيز كأزيز المرجل وهو بكسر الميوسكون الراء وفتح الجيم قدر من نحاس وقد يطلق على قدر يطبخ فيها ولعله المرا في الحديث قال الطيبي أزيز المرجل صوت غليانه ومنه الأز وهو الإزعاج قلت ومنه قوله تعالى تؤزهم أزا وقيل المرجل القدر من حديد أو حجر أو خزف لأنه إذا نصبكأنه أقيم على الرجل قاله في المرقاة وفي الحديث دليل على أن البكاء لا يبطل الصلاة سواء ظهر منه حرفان أم لا وقد قيل إن كان البكاء من خشية الله لم يبطل وهذا الحديث يدل عليه ويدل عليه أيضا ما رواه ابن حبان بسنده إلى علي ابن أبي طالب قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن الأسود ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح وبوب عليه ذكر الإباحة للمرء أن يبكي من خشية الله واستدل على جواز البكاء في الصلاة بقوله تعالى إذا تتلى عليهم ايات الرحمن خروا سجدا وبكيا قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي
[ 122 ]
باب كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة (فأحسن وضوءه) أي أتمه بادابه (لا يسهو فيهما) أي لا يغفل فيهما قال الطيبي أي يكون حاضر القلب أو يعبد الله كأنه يراه كذا في المرقاة قلت روى مسلم عن حمران مولى عثمان أنه رأى عثمان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات الحديث وفيه ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه فلو أريد بقوله لا يسهو فيهما أي لا يحدث فيهما نفسه لكان أولى والأحاديث يفسر بعضها بعضا وحينئذ يظهر مطابقة الحديث أتم ظهور قال النووي المراد بقوله لا يحدث فيهما نفسه أي لا يحدث بشئ من أمور الدنيا وما لا يتعلق بالصلاة ولو عرض له حديث فأعرض عنه لمجرد عروضه عفى عنه ذلك وحصلت له هذه الفضيلة إن شاء الله تعالى لأن هذا ليس من فعله وقد عفي لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر وهذا موضع الترجمة (غفر له ما تقدم من ذنبه) قيد بالصغائر وإن كان ظاهره شمول الكبائر (فيحسن الوضوء) من الإحسان (يقبل) من الإقبال وهو خلاف الإدبار أي يتوجه وفي رواية مسلم مقبل (بقلبه ووجهه) أراد بوجهه ذاته أي يقبل على الركعتين بظاهره وباطنه قال النووي وقد جمع صلى الله عليه وسلم بهاتين اللفظتين أنواع الخضوع والخشوع لأن الخضوع في الأعضاء والخشوع بالقلب وقد تقدم الحديث في كتاب الطهارة مطولا
[ 123 ]
باب الفتح على الإمام في الصلاة (عن المسور بن يزيد المالكي) بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد الواو وفتحها هو الأسدي المالكي قال أبو بكر الخطيب يروي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد هذا اخر كلامه والمالكي هذا نسبة إلى بطن من بني أسد بن خزيمة وفي الرواة المالكي نسبة إلى قبائل عدة والمالكي إلى الجد والمالكي إلى المذهب والمالكي إلى القرية المشهورة على الفرات يقال لها المالكية وذكره ابن أبي حاتم وأبو عمر النمري وغيرهما في باب من اسمه مسور بكسر الميم وسكون السين والذي قيده الحفاظ فيه ما ذكرنا قاله المنذري (وربما قال) أي المسور بن يزيد (أذكرتنيها) أي الآية التي تركتها (قال سليمان في حديثه) أي بعد قوله هلا أذكرتنيها (قال) أي الرجل (كنت أراها) بضم الهمزة أي كنت أظن أن الآية التي تركتها نسخت فلذلك لم نقرأها وفي رواية ابن حبان فقال ظننت أنها قد نسخت قال فإنها لم تنسخ (وقال سليمان قال أخبرنا يحيى بن كثير) أي بلفظ التحديث ونسبه إلى أبيه وأما محمد بن العلاء فقال عن يحيى الكاهلي بلفظ عن ولم ينسبه إلى أبيه (فلبس عليه) قال ابن رسلان بفتح اللام والباء المو حدة المخففة أي التبس واختلط عليه قال ومنه قوله تعالى وللبسنا عليهم ما يلبسون قال وفي بعض النسخ بضم اللام
[ 124 ]
وتشديد الموحدة المكسورة قال المنذري لبس بالتخفيف أي مع ضم اللام وكسر الموحدة (فلما انصرف) أي فرغ من الصلاة (قال لأبي) أي ابن كعب (أصليت معنا) بهمزة الاستفهام (قال فما منعك) قال الخطابي معقول أنه أراد به ما منعك أن تفتح علي إذا رأيتني قد لبس علي انتهى ولفظ ابن حبان فالتبس عليه فلما فرغ قال لأبي أشهدت معنا قال نعم قال فما منعك أن تفتح علي والحديثان يدلان على مشروعية الفتح على الإمام وتقييد الفتح بأن يكون على إمام لم يؤد الواجب من القراءة وباخر ركعة مما لا دليل عليه وكذا تقييده بأن يكون في القراءة الجهرية والأدلة قد دلت على مشروعية الفتح مطلقا فعند نسيان الإمام الآية في القراءة الجهرية يكون الفتح عليه بتذكيره تلك الآية كما في حديث الباب وعند نسيانه لغيرها من الأركان يكون الفتح بالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء قاله في النيل باب النهي عن التلقين المراد من التلقين هو الفتح على الإمام (عن أبي إسحاق) هو عمرو بن عبيدالله السبيعي أحد ثقات التابعين (عن الحارث) هو أبو زهير الحارث بن عبد الله الكوفي الأعور قال المنذري قال غير واحد من الأئمة إنه كذب (يا علي لا تفتح على الإمام في الصلاة) احتج بهذا الحديث من قال بكراهة الفتح على الإمام في الصلاة لكنه ضعيف لا ينتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بمشروعية الفتح قال الخطابي إسناد حديث أبي جيد وحديث علي هذا من رواية الحارث وفيه مقال (ليس هذا) أي حديث علي (منها) أي من تلك الأحاديث الأربعة فحديث على هذا منقطع قال الإمام أبو سليمان الخطابي وقد روي عن علي نفسه أنه قال إذا استطعمكم الإمام فأطعموه من طريق أبي عبد الرحمن السلمي يريد أنه إذا تعايا في
[ 125 ]
القراءة فلقنوه انتهى قلت وقد صحح الحافظ في التلخيص أثر علي هذا وأعلم أنه اختلف الناس في هذه المسألة فروي عن عثمان بن عفان وابن عمر أنهما كانا لا يريان به بأسا وهو قول عطاء والحسن وابن سيرين وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وروي عن ابن مسعود الكراهية في ذلك وكرهه الشعبي وكان سفيان الثوري يكرهه وقال أبو حنيفة إذا استفتحه الإمام ففتحه عليه فإن هذا كلام في الصلاة بلا شك وهذا غير صحيح كذا قال الإمام أبو سليمان الخطابي في معالم السنن باب الالتفات في الصلاة (مقبلا على العبد) أي ناظرا إليه الرحمة وإعطاء المثوبة (وهو في صلاته) والمعنى لم ينقطع أثر الرحمة عنه (ما لم يلتفت) أي بالعنق (فإذا التفت انصرف عنه) أي أعرض عنه قال ابن الملك المراد منه قلة الثواب قال المنذري وأخرجه النسائي وأبو الأحوص هذا لا يعرف له اسم هو مولى بني ليس وقيل مولى بني غفار ولم يرو عنه غير الزهري قال يحيى بن معين ليس هو بشئ وقال أبو أحمد الكرابيسي ليس بالمتين عندهم انتهى والحديث يدل على كراهة الالتفات في الصلاة وهو إجماع لكن الجمهور على أنها للتنزيه وقال المتولي يحرم إلا للضرورة وهو قول أهل الظاهر قال الحافظ المراد بالالتفات ما لم يستدبر القبلة بصدره أو عنقه كله وسبب كراهة الالتفات يحتمل أن يكون لنقص الخشوع أو لترك استقبال القبلة ببعض البدن انتهى (هو اختلاس) أي اختطاف بسرعة ووقع في النهاية والاختلاس افتعال من الخلسة وهي ما يؤخذ سلبا مكابرة وفيه نظر وقال غيره المختلس الذي يخطف من غير غلبة ويهرب
[ 126 ]
ولو مع معاينة المالك له والناهب يأخذ بقوة والسارق يأخذ في خفية فلما كان الشيطان قد يشغل المصلي عن صلاته بالالتفات إلى شئ ما بغير حجة يقيمها أشبه المختلس وقال ابن بزيزة أضيف إلى الشيطان لأن فيه انقطاعا من ملاحظة التوجه إلى الحق سبحانه وقال الطيبي سمي اختلاسا تصوير القبح تلك الفعلة بالمختلس لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة قيل الحكمة في جعل السجود جابر للمشكوك فيه دون الالتفات وغيره مما ينقص الخشوع لأن السهو لا يؤاخذ به المكلف فشرع له الجبر دون العمد ليتيقظ العبد له فيجتنبه كذا في الفتح قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي باب السجود على الأنف أورد فيه حديث أبي سعيد الخدري وقد تقدم الكلام عليه ولا حجة فيه لمن استدل به على جواز الاكتفاء بالأنف لأن في سياقه أنه سجد على جبهته وأرنبته (أبو علي) هو امام الحافظ محمد بن أحمد بن عمر اللؤلؤي البصري راوي هذه النسخة عن المؤلف أبي داود (لم يقرأ أبو داود في العرضة الرابعة) أي لما حدث وقرأ أبو داود هذا الكتاب في المرة الرابعة لم يقرأ هذا الحديث باب النظر في الصلاة (وهذا حديثه) أي حديث عثمان (وهو أتم) أي من حديث مسدد (قال عثمان) أي زاد
[ 127 ]
عثمان في روايته دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد إلى قوله إلى السماء ولم يزد هذا الكلام مسدد في روايته فلذلك صار حديث عثمان أتم من حديث مسدد ثم اتفق أي مسدد وعثمان (فقال لينتهين رجال) اللام جواب القسم وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا بمكروه بل ان رأى أو سمع ما يكره عمم كما قال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليتنهين أقوام عن كذا (يشخصون) أي يرفعون والجملة صفة لرجال (قال مسدد في الصلاة) أي زاد مسدد في روايته لفظة في الصلاة (أو لا ترجع إليهم أبصارهم) قال الطيبي أو ههنا للتخيير تهديدا أي ليكونن أحد الأمرين كقوله تعالى لنخرجك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا انتهى وفيه النهي الأكيد والوعيد الشديد في رفع الأبصار في الصلاة قال القاضي عياض واختلفوا في كراهة رفع البصر إلى السماء في الدعاء في غير الصلاة فكرهه شريح وآخرون وجوزه الأكثرون وقالوا لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة ولا ينكر رفع الأبصار إليها كما لا يكره رفع اليد قال الله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون انتهى قال علي القاري ناظرا في كلام القاضي هذا ما نصه قلت فيه أن رفع اليد في الدعاء مأثور ومأمور ورفع البصر فيه منهي عنه كما ذكره الشيخ الجزري في آداب الدعاء في الحسن قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وأخرج ابن ماجه طرفا منه (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم) زاد البخاري إلى السماء وزاد مسلم من حديث أبي هريرة عند الدعاء قال الحافظ فإن حمل المطلق على هذا المقيد اقتضى اختصاص الكراهة بالدعاء الواقع في الصلاة وقد أخرجه ابن ماجه وابن حبان من حديث ابن عمر بغير تقييد ولفظه لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء يعني في الصلاة وأخرجه بغير تقييد أيضا مسلم من حديث جابر بن سمرة والطبراني من حديث أبي سعيد الخدري وكعب بن مالك وأخرج ابن أبي شيبة من رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين كانوا يلتفتون في
[ 128 ]
صلاتهم حتى نزلت (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) فأقبلوا على صلاتهم ونظروا أمامهم وكانوا يستحبون أن لا يجاوز بصر أحدهم موضع سجوده وصله الحاكم بذكر أبي هريرة فيه ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره فطأطأ رأسه انتهى (فاشتد قوله في ذلك) إما بتكرير هذا القول أو غيره مما يفيد المبالغة في الزجر (لينتهين) وهو جواب قسم محذوف وفيه روايتان للبخاري فالأكثرون بفتح أوله وضم الهاء وحذف الياء المثناة وتشديد النون على البناء للفاعل والثانية بضم الياء وسكون النون وفتح الفوقية والهاء والياء التحتية وتشديد النون للتأكيد على البناء للمفعول (أو لتحفظن) بضم الفوقية وفتح الفاء على البناء للمفعول أي لتسلبن قال في النيل لا يخلو الحال من أحد الأمرين إما الانتهاء عنه وإما العمى وهو وعيد عظيم وتهديد شديد وإطلاق يقتضي بأنه لا فرق بين أن يكون عند الدعاء أو عند غيره إذا كان ذلك في الصلاة كما وقع به التقييد والعلة في ذلك أنه إذا رفع بصره إلى السماء خرج عن سمت القبلة أعرض عنها وعن هيئة الصلاة والظاهر أن رفع البصر حال الصلاة حرام لأن العقوبة بالعمى لا تكون إلا عن محرم والمشهور عند الشافعية أنه مكروه وبالغ ابن حزم فقال تبطل الصلاة به انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه (في خميصة) بفتح المعجمة وكسر الميم وبالصاد المهملة كساء مربع له علمان قاله الحافظ وقال في النهاية خميصة هي ثوب خز أو صوف معلم وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سودامعلمة وكانت من لباس الناس قديما وجمعها الخمائص (شغلتني) وفي رواية للبخاري ألهتني وهما بمعنى واحد (أعلام هذه) يعني الخميصة وقال في اللسان علم الثوب رقمة في أطرافه (إلى أبي جهم) هو عبيد ويقال عامر بن حذيفة القرشي العدوي صحابي مشهور وإنما خصه صلى الله عليه وسلم بإرسال الخميصة لأنه كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم كما رواه في الموطأ من طريق أخرى عن عائشة قالت أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها علم فشهد فيها الصلاة فلما انصرف قال ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم ووقع عند الزبير بن بكار ما يخالف ذلك فأخرج من وجه مرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بخميصتين سوداوين فلبس إحداهما وبعث الأخرى إلى أبي جهم ولأبي داود من طريق أخرى وأخذ كرديا لأبي جهم
[ 129 ]
فقيل يا رسول الخميصة كانت خيرا من الكردي قاله الحافظ (وأتوني بأنبجانيته) بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم وبعد النون ياء النسبة كساء غليظ لا علم له وقال ثعلب يجوز فتح همزته وكسرها وكذا الموحدة يقال كبش أنبجاني إذا كان ملتفا كثير الصوف وكساء أنبجاني كذلك وأنكر أبو موسى المديني على من زعم أنه منسوب إلى من منبج البلد المعروف بالشام قال صاحب الصحاح إذا نسبت إلى منبج فتحت الباء فقلت كساء منبجاني أخرجوه مخرج منظراني وفي الجمهرة منبج موضع أعجمي تكلمت به العرب ونسبوا إليه الثياب المنبجانية وقال أبو حاتم السجستاني لا يقال كساء أنبجاني وإنما يقال منبجاني قال وهذا مما تخطئ فيه العامة وتعقبه أبو موسى كما تقدم فقال الصواب أن هذه النسبة إلى موضع يقال له أنبجان والله أعلم قاله الحافظ قال ابن بطال إنما طلب منه ثوبا غيرها ليعلمه أنه لم يرد عليه هديته استخفافا به قال وفيه أن الواهب إذا ردت عليه عطيته من غير أن يكون هو الراجع فيها فله أن يقبلها من غير كراهة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (وأخذ كرديا) أي رداء كرديا الكرد بالضم ويشبه أن يكون الرداء منسوبا إلى كرد بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن صعصعة وكان عمرو بن عامر يلبس كل يوم حلة فإذا كان آخر النهار مزقها لئلا تلبس بعده هكذا ضبط نسبه أبو اليقظان أحد أئمة النساب وقيل الفاضل محمد أفندي الكردي أنه كرد بن كنعان بن كوش بن حام بن نوح وهم قبائل كثيرة يرجعون إلى أربعة قبائل السوران والكوران والكلهر واللر كذا في شرح القاموس باب الرخصة في ذلك يعني الالتفات في الصلاة أو النظر في الصلاة والأول أقرب معنى وإن كان بعيدا لفظا لأن الحديث المذكور في الباب يوافقه صراحة
[ 130 ]
(عن سهل ين الحنظلية) وهو سهل بن الربيع وقيل سهل بن عمرو والحنظلية أمه وقيل أم جده وقيل عرف بذلك لأن أم أبيه عمرو من بني حنظلة بن تميم قاله المنذري (ثوب بالصلاة) أي أقيمت (وهو يلتفت إلى الشعب) بكسر الشين الطريق في الجبل والحديث أخرجه الحاكم وقال على شرط الشيخين وحسنه الحازمي وأخرج الحازمي في الاعتبار عن ابن عباس أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلتفت في صلاته يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره قال هذا حديث غريب تفرد به الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند متصلا وأرسله غيره عن عكرمة قال وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا وقال لا بأس بالالتفات في الصلاة ما لم يلو عنه وإليه ذهب عطاء ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأهل الكوفة ثم ساق الحازمي حديث الباب بإسناده وجزم بعدم المناقضة بين حديث الباب وحديث ابن عباس قال لاحتمال أن الشعب كان في جهة القبلة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلتفت إليه ولا يلوي عنقه واستدل على نسخ الالتفات بحديث رواه بإسناده إلى سيرين قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة نظر هكذا وهكذا فلما نزل قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون نظر هكذا قال ابن شهاب ببصره نحو الأرض قال وهذا وإن كان مرسلا فله شواهد واستدل أيضا بقول أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزل الذين هم في صلاتهم خاشعون ذكره في النيل (وهو حامل أمامة) قال الحافظ المشهور في الروايات بالتنوين ونصب أمامة وروي بالإضافة كما قرئ في قوله تعالى إن الله بالغ أمره بالوجهين وأمامة بضم الهمزة
[ 131 ]
وتخفيف الميمين كانت صغيرة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها علي بعد وفاة فاطمة بوصية منها ولم تعقب (فإذا سجد وضعها) قال الحافظ كذا لمالك أيضا ورواه مسلم أيضا من طريق عثمان بن أبي سليمان ومحمد بن عجلان والنسائي من طريق الزبيدي وأحمد من طريق ابن جريج وابن حبان من طريق أبي العميس كلهم عن عامر بن عبد الله شيخ مالك فقالوا إذا ركع وضعها ولأبي داود يعني المؤلف من طريق المقبري عن عمرو بن سليم حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع (وإذا قام حملها) أي أمامة والحديث يدل على أن مثل هذا الفعل معفو عنه من غير فرق بين الفريضة والنافلة والمنفرد والمؤتم والإمام لما في الرواية الآتية بلفظ بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة في الظهر والعصر الحديث ولما في صحيح مسلم بلفظ وهو يؤم الناس في المسجد وإذا جاز ذلك في حال الإمامة في صلاة الفريضة جاز في غيرها بالأولى قال النووي الحديث حمله أصحاب مالك رحمه الله على النافلة ومنعوا جواز ذلك في الفريضة وهذا التأويل فاسد لأن قوله يؤم الناس صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة وادعى بعض المالكية أنه منسوخ وبعضهم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أنه كان لضرورة وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك وليس فيه ما يخالف قواعد الشر لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة ودلائل الشرع متظاهرة على هذا والأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانا للجواز وتنبيها به على هذه القواعد التي ذكرتها انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (بينا نحن في المسجد جلوسا) جمع جالس وهو بالنصب على الحالية (بنت أبي العاص بن الربيع) اسم أبي العاص لقيط وقيل مقسم وقيل القاسم وقيل مهشم وقيل هشيم وقيل ياسر وهو مشهور بكنيته أسلم قبل الفتح وهاجر ورد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب وماتت معه وأثنى عليه في مصاهرته وكانت وفاته في خلافة أبي بكر الصديق (وهي صبية)
[ 132 ]
الصبية من لم تفطم بعد (على عاتقه) وهو ما بين المنكبين إلى أصل العنق (يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام) هذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه صلى الله عليه وسلم لا من أمامة قال ابن دقيق العيد من المعلوم أن لفظ حمل لا يساوي لفظ وضع في اقتضاء فعل الفاعل لأنا نقول فلان حمل كذا ولو كان غيره حمله بخلاف وضع فعلى هذا فالفعل الصادر منه هو الوضع لا الرفع فيقل العمل قال وقد كنت أحسب هذا حسنا إلى أن رأيت في بعض طرقه الصحيحة فإذا قام أعادها انتهى وهذه الرواية في صحيح مسلم (يفعل ذلك) أي وضعها حين الركوع وحملها حين القيام (بها) أي بأمامة (يصلي للناس) أي يؤمهم وفيه رد على من حمل الحديث على النافلة (لم يسمع مخرمة) يعني ابن بكير (من أبيه إلا حديثا واحدا) وهو حديث الوتر قال في الخلاصة قال أبو داود لم يسمع منه إلا حديث الوتر انتهى فثبت أن رواية الباب هذه منقطعة (للصلاة في الظهر أو العصر) شك من الراوي وهذا نص على أن إمامته صلى الله عليه وسلم حاملا أمامة كان في الفريضة (وهي) أي أمامة (في مكانها) يعني عنقه صلى الله عليه وسلم (الذي هي) أي أمامة (فيه) الضمير المجرور يرجح إلى مكانها وجملة وهي في مكانها إلخ حالية والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم قام للصلاة في مصلاه وقمنا خلفه والحال أن أمامة ثبتت في مكانها أي عنقه صلى الله عليه وسلم الذي كانت أمامة مستقرة فيه قبل قيامه في مصلاه (قال) أبو قتادة (حتى إذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركع
[ 133 ]
أخذها فوضعها إلى قوله فردها في مكانها) هذا يرد تأويل الخطابي حيث قال يشبه أن تكون الصبية قد ألفتتة في فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته فينهض من سجوده فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها لأن قوله حتى إذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركع أخذها فوضعها وقوله أخذها فردها في مكانها صريح في أن الرفع صادر منه صلى الله عليه وسلم ثم قال الخطابي فإذا كان علم الخميصة يشغله عن صلاته يستبدل بها الأنبجانية فكيف لا يشغل عنها بما هذه صفته من الأمر انتهى وتعقبة النووي فقال وأما قضية الخميصة فلأنها تشغل القلب بلا فائدة وحمل أمامة لا نسلم أنه يشغل القلب وإن شغله فيترتب عليه فوائد وبيان قواعد مما ذكرنا وغيره فاحتمل ذلك الشغل لهذه الفوائد بخلاف الخميصة فالصواب الذي لا معدل عنه أن الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على هذه الفوائد فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين والله أعلم انتهى وفي الحديث دليل على أن لمس ذوات المحارم لا ينقض الطهارة وذلك لأنها لا يلابسه هذه الملابسة إلا وقد لمسه ببعض أعضائها وفيه دليل على أن ثياب الأطفال وأبدانهم على الطهارة ما لم تعلم نجاسته وفيه أن العمل اليسير لا تبطل به الصلاة وفيه أن الرجل إذا صلى وفي كمه متاع أو على رقبته كارة ونحوها فإن صلاته مجزية قاله الخطابي قلت وفيه دليل على جواز إدخال الصبيان في المساجد قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد أثنى عليه غير واحد وتكلم فيه غير واحد (اقتلوا الأسودين) هو من باب التغليب كالقمرين ولا يسمى بالأسود في الأصل إلا الحية (الحية والعقرب) بيان للأسودين قال الخطابي في المعالم فيه دلالة على جواز العمل اليسير في الصلاة وأن موالاة الفعل مرتين في حال واحدة لا تفسد الصلاة وذلك أن قتل الحية غالبا إنما يكون بالضربة والضربتين فأما إذا تتابع العمل وصار في حد الكثرة بطلت الصلاة وفي معنى
[ 134 ]
الحية كل ضرار مباح قتله كالزنابير والشبتان بن ونحوها ورخص عامة أهل العلم في قتل الأسودين في الصلاة إلا إبراهيم النخعي والسنة أولى ما اتبع واعلم أن الأمر بقتل الحية والعقرب مطلق غير مقيد بضربة أو ضربتين وقد أخرج البيهقي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاك للحية ضربة أصبتها أم أخطأتها وهذا يوهم التقيد بالضربة قال البيهقي هذا إن صح فإنما أراد والله أعلم وقوع الكفاية بها في الإتيان بالمأمور فقد أمر صلى الله عليه وسلم بقتلها وأراد والله أعلم إذا امتنعت بنفسها عند الخطأ ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة ثم استدل البيهقي على ذلك بحديث أبي هريرة عند مسلم من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأول ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية ذكره في النيل قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال المنذري حديث حسن صحيح (وهذا لفظه) أي لفظ مسدد (قال أحمد) هو ابن حنبل (والباب عليه مغلق) فيه أن المستحب لمن صلى في مكان بابه إلى القبلة أن يغلق الباب عليه ليكون سترة للمار بين يديه وليكون أستر وفيه إخفاء الصلاة عن الآدميين (فجئت فاستفحت هذه) أي طلبت فتح الباب والظاهر أنها ظنت أنه ليس في الصلاة وإلا لم تطلبه منه كما هو اللائق بأدبها سنة وعلمها (فمشى) قال ابن رسلان هذا المشي محمول علي أنه مشى خطوة أو خطوتين أو مشى أكثر من ذلك متفرقا وهو من التقييد بالمذهب ولا يخفى فساده قاله في النيل (وذكر) أي عروة بن الزبير (أن الباب كان في القبلة) أي فلم يتحول صلى الله عليه وسلم عنها عند مجيئه إليه ويكون رجوعه إلى مصلاه على عقبيه إلى خلف قال الأشرف هذا قطع وهم من يتوهم أن هذا الفعل يستلزم ترك القبلة انتهى والحديث يدل على إباحة المشي في صلاة التطوع للحاجة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب وفي حديث النسائي يصلي تطوعا وكذا ترجم عليه الترمذي رحمه الله تعالى
[ 135 ]
باب رد السلام في الصلاة (عن عبد الله) هو ابن مسعود (فيرد علينا أي السلام باللفظ (فلما رجعنا من عند النجاشي) بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء ثقيلة كياء النسب وقيل بالتخفيف ورجحه الصغاني وهو لقب من ملك الحبشة وحكى المطرزي تشديد الجيم عن بعضهم وخطأه قال ابن الملك كان هاجر جماعة من الصحابة من مكة إلى أرض الحبشة حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فارين منها لما يلحقهم من إيذاء الكفار فلما خرج عليه الصلاة والسلام منها إلى المدينة وسمع أولئك بمهاجرته عمرو هاجروا من الحبشة إلى المدينة فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ومنهم ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم (فلم يرد علينا) أي السلام روى ابن أبي شيبة من مرسل ابن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم رد عل ابن مسعود في هذه القصة السلام بالإشارة كذا في الفتح (إن في الصلاة لشغلا) بضم الشين وسكون الغين وبضمهما والتنكير فيه للتنويع أي بقراءة القرآن والذكر والدعاء أو للتعظيم أي شغلا وأي شغل لأنها مناجاة مع الله تستدعي الاستغراق بخدمته فلا يصلح الاشتغال بغيره وقال النووي معناه أن وظيفة المصلي الاشتغال بصلاته وتدبر ما يقوله فلا ينبغي أن يعرج على غيرها من رد السلام ونحوه قال الإمام أبو سليمان الخطابي في المعالم اختلف الناس في المصلي يسلم عليه فرخصت طائفة في الرد كان سعيد بن المسيب لا يرى بذلك بأسا وكذلك الحسن البصري وقتادة وروي عن أبي هريرة أنه كان إذا سلم عليه وهو في الصلاة رده حتى يسمع وروي عن جابر نحو ذلك وقال أكثر الفقهاء لا يرد السلام وروي عن ابن عمر أنه قال يرد إشارة وقال عطاء والشعبي والنخعي وسفيان الثوري إذا انصرف من الصلاة رد السلام وقال أبو حنيفة لا يرد السلام ولا يشير قلت رد السلام قولا ونطقا محظور ورده بعد الخروج من الصلاة سنة وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على ابن مسعود بعد الفراغ من صلاته السلام والإشارة حسنة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار في الصلاة وقد رواه أبو داود في هذا الباب انتهى قلت استدل
[ 136 ]
المانعون من رد السلام في الصلاة بحديث ابن مسعود هذا لقوله فلم يرد علينا ولكنه ينبغي أن يحمل الرد المنفي ههنا على الرد بالكلام لا الرد بالإشارة لأن ابن مسعود نفسه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رد عليه بالإشارة ولو لم ترو عنه هذه الرواية لكان الواجب هو ذلك جمعا بين الأحاديث قاله الشوكاني والحديث حجة على من قال بجواز رد السلام في الصلاة لفظا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا) وفي رواية النسائي كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيرد علينا السلام حتى قدمنا من أرض الحبشة (فأخذني ما قدم وما حدث) بفتح الدال وضمها لمشاكلة قدم يعني همومه وأفكاره القديمة والحديثة وقال الخطابي معناه الحزن والكآبة قديمها وحديثها يريد أنه قد عاوده قديم الأحزان واتصل بحديثها وفي النهاية يريد أنه عاوده أحزانه القديمة واتصلت بالحديثة وقيل معناه غلب علي التفكر في أحوالي القديمة والحديثة أيها كان سببا لترك رد السلام علي (فلما قضى) أي أدى (إن الله عز وجل يحدث) أي يظهر (من أمره) أي شأنه أو أوامره (قد أحدث) أي جدد من الأحكام بأن نسخ حل الكلام في الصلاة بقوله ناهيا عنه (أن لا تكلموا في الصلاة) ويحتمل كون الإحداث في تلك الصلاة أو قبلها (فرد علي السلام) يعني بعد فراغه من الصلاة وقد استدل به على أنه يستحب لمن سلم عليه في الصلاة أن لا يرد السلام إلا بعد فراغه من الصلاة وروي هذا عن أبي ذر وعطاء والنخعي والثوري قال ابن رسلان ومذهب الشافعي والجمهور أن المستحب أن يرد السلام في الصلاة بالإشارة وقال ابن الملك فيه دليل على استحباب رد جواب السلام بعد الفراغ من الصلاة وكذلك لو كان على قضاء الحاجة وقراءة القرآن وسلم عليه أحد قال المنذري وأخرجه النسائي (عن نابل صاحب العباء) قال الحافظ في التقريب نابل صاحب العبا والأكسية والشمال
[ 137 ]
مقبول من الثالثة انتهى ووثقه النسائي وقيل للدارقطني أثقة هو فأشار بيده أن لا (فرد إشارة) أي بالإشارة (قال) أي نابل (ولا أعلمه إلا قال) أي ابن عمر (إشارة بأصبعه) فيه دليل على استحباب رد السلام في الصلاة بالإشارة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي وحديث صهيب حسن لا نعرفه إلا من حديث الليث عن بكير وقال النسائي نابل ليس بالمشهور هذا آخر كلامه ونابل أوله نون وبعد الألف بالواحدة وآخر لام هو صاحب العباء ويقال صاحب الشمال سمع من ابن عمر وأبي هريرة روى عنه بكير بن الأشج وصالح بن عبيد (فأتيته) أي نبي الله صلى الله عليه وسلم (فكلمته) وفي رواية لمسلم فسلمت عليه (فقال لي بيده هكذا) زاد في مسلم وأومأ زهير بيده نحو الأرض وفي رواية البخاري فسلمت عليه فلم يرد علي فوقع في قلبي ما الله به أعلم قال الحافظ قوله فلم يرد علي أي باللفظ وكأن جابرا لم يعرف أولا أن المراد بالإشارة الرد عليه فلذلك قال فوقع في قلبي ما الله به أعلم أي من الحزن (ويومي برأسه) أي للركوع والسجود (فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي) وفي رواية لمسلم أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي قال النووي وفي حديث جابر رضي الله عنه رد السلام بالإشارة وأنه لا تبطل الصلاة بالإشارة ونحوها من الحركات اليسيرة وأنه ينبغي لمن سلم عليه ومنعه من رد السلام مانع أن يعتذر إلى المسلم ويذكر له ذلك المانع قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 138 ]
(إلى قباء) بضم قاف وخفة موحدة مع مد وقصر موضع بميلين أو ثلاثة من المدينة (يصلي فيه) أي في مسجده (وبسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنه) أي بطن الكف (أسفل) أي إلى جانب السفل (وجعل ظهره إلى فوق) واعلم أنه ورد الإشارة لرد السلام في هذا الحديث بجميع الكف وفي حديث جابر باليد وفي حديث ابن عمر عن صهيب بالإصبع وفي حديث ابن مسعود عند البيهقي بلفظ فأومأ برأسه وفي رواية له قفال برأسه يعني الرد ويجمع بين هذه الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا مرة وهذا مرة فيكون جميع ذلك جائزا والله تعالى أعلم (لا غرار في صلاولا تسليم) يروى بالجر عطفا على الصلاة وبالنصب عطفا على غرار قاله في المجمع قلت الرواية الآتية تؤيد رواية الجر قال الإمام أبو سليمان الخطابي في المعالم أصل الغرار نقصان لبن الناقة يقال غارت الناقة غرارا فهي مغارا إذ نقص لبنها فمعنى قوله لا غرار أي لا نقصان في التسليم ومعناه أن ترد كما يسلم عليك وافيا لا تنقص فيه مثل أن يقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فتقول السلام عليكم ورحمة الله ولا تقتصر على أن تقول عليكم السلام ولا ترد التحية كما سمعتها من صاحبك فتبخسه قبل حقه من جواب الكلمة وأما الغرار في الصلاة فهو على وجهين أحدهما أن لايتم ركوعه وسجوده والآخر أن يشك هل صلى ثلاثا أو أربعا فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين وينصرف بالشك وقد جاءت السنة في رواية أبي سعيد الخدري أن يطرح الشك ويبني على اليقين ويصلي ركعة رابعة حتى يعلم أنه قد أكملها أربعا وقال في النهاية الغرار في الصلاة نقصان هيئاتها وأركانها وقيل أراد بالغرار يحيى النوم أي ليس في الصلاة نوم قال وقوله ولا تسليم يروى بالجر والنصب فمن جره كان معطوفا على صلاة وغراره أن يقول المجيب وعليك ولا يقول السلام ومن نصبه كان معطوفا على غرار ويكون المعنى لا نقص وتسليم في الصلاة لأن الكلام في الصلاة بغير
[ 139 ]
كلامها لا يجوز انتهى (قال أحمد) هو ابن حنبل (يعني فيما أرى أن لا تسلم ولا يسلم عليك) أي في الصلاة لأنه لا يجوز فيها الكلام وهذا المعنى على رواية نصب تسليم عطفا على غرار (فينصرف) أي من الصلاة (وهو فيها شاك) جملة حالية والحديث استدل به على عدم جواز رد السلام في الصلاة ويجاب بأنه لا يدل على المطلوب لأنه ظاهر في التسليم على المصلي لا في الرد منه ولو سلم شموله للرد لكان الواجب حمل ذلك على الرد باللفظ جمعا بين الأحاديث (قال) أي معاوية بن هشام (أراه) بضم الهمزة والضمير المنصوب يرجع إلى سفيان أي أظن سفيان (رفعه) أي الحديث والحاصل أن عبد الرحمن بن مهدي ومعاوية بن هشام ومحمد بن فضيل به غزوان كلهم رووا عن سفيان الثوري واما ابن مهدي فجعله من رواية الثوري مرفوعا من غير شك ومعاوية عن الثوري مع الشك وابن فضيل عن الثوري لم يجعله مرفوعا بل موقوفا على أبي هريرة والله أعلم (لا غرار في تسليم ولا صلاة) بالجر عطفا على تسليم وقد تقدم معنى الغرار في التسليم والصلاة (على لفظ ابن مهدي) أي بلفظ لا غرار في صلاة ولا تسليم (ولم يرفعه) بل وقفه على أبي هريرة باب تشميت العاطس في الصلاة (فعطس) بفتح الطاء قال في القاموس عطس يعطس ويعطس عطسا وعطاسا أتته
[ 140 ]
العطسة (فقلت) أي وأنا في الصلاة (يرحمك الله) ظاهره أنه في جواب قوله الحمد الله (فرماني القوم بأبصارهم) أي أسرعوا في الالتفات إلي ونفوذ البصر في استعيرت من رمي السهم قال الطيبي والمعنى أشاروا إلي بأعينهم من غير كلام ونظروا إلي نظر زجر كيلا أتكلم في الصلاة (فقلت واثكل أمياه) بكسر الميم والمثكل بضم وسكون وبفتحهما فقدان المرأة ولدها والمعنى وافقدها فإني هلكت (ما شأنكم) أي ما حالكم (تنظرون إلي) نظر الغضب (فجعلوا) أي شرعوا (يضربون بأيديهم على أفخاذهم) قال النووي يعني فعلوا هذا ليسكتوه وهذا محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شئ في صلاته وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة وأنه لا تبطل به الصلاة وأنه لا كراهة فيه إذا كان لحاجة انتهى (يصمتوني) بتشديد الميم أي يسكتوني (قال عثمان) هو ابن أبشيبة (فلما رأيتهم يسكتوني) أي غضبت وتغيرت قاله الطيبي (لكني سكت) أي سكت ولم أعمل بمقتضى الغضب (بأبي وأمي) متعلق بفعل محذوف تقديره أفديه بأبي وأمي (ولا كهرني) أي ما انتهرني والكهر الانتهار قاله أبو عبيد وفي النهاية يقال كهره إذا زبره واستقبله بوجه عبوس (ولا سبني) أراد نفي أنواع الزجر والعنف وإثبات كمال الاحسان واللطف (إن هذه الصلاة) يعني مطلق الصلاة فيشمل الفرائض وغيرها (لا يحل فيها شئ من كلام الناس) فيه تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لحاجة أو غيرها وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها فإن احتاج إلى تنبيه أو إذن لداخل ونحوه سبح إن كان رجلا وصفقت إن كان كانت إمرأة وهذا مذهب الجمهور من السلف والخلف وقال طائفة منهم الأوزاعي يجوز الكلام لمصلحة الصلاة وهذا في كلام العامد العالم أما كلام الناس فلا تبطل صلاته بالكلام القليل عند الجمهور وقال أبحنيفة رحمه الله والكوفيون نبطل وأما كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام فهو ككلام الناس فلا تبطل الصلاة بقليله لحديث معاوية بن الحكم هذا الذي نحن فيه لأن النبي لم يأمره بإعادة الصلاة لكن علمه تحريم الكلام فيما يستقبل (إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرن) قال النووي معناه هذا ونحوه فإن التشهد والدعاء والتسليم من الصلاة وغير ذلك من الأذكار مشروع فيها فمعناه لا يصلح فيها
[ 141 ]
شئ من كلام الناس ومخاطباتهم وإنما هي التسبيح وما في معناه من الذكر والدعاء وأشباهما مما ورد به الشرع وفي هذا الحديث النهي عن تشميت العاطس في الصلاة وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتى به عالما عامدا قال الشافعية إن قال يرحمك الله بكاف الخطاب بطلت صلاته وإن قال يرحمه الله أو اللهم ارحمه أو رحم الله فلانا لم تبطل صلاته لأنه ليس بخطاب وأما العاطس في الصلاة فيستحب له أن يحمد الله تعالى سرا هذا مذهب الشافعي وبه قال مالك وغيروعن ابن عمر والنخعي وأحمد رضي الله عنهم أنه يجهر به والأول أظهر لأنه ذكر والسنة في الأذكار في الصلاة الإسرار إلا ما استثني من القراءة في بعضها ونحوها انتهى (إنا قوم حديث عهد) أي جديدة (بجاهلية) متعلق بعهد وما قبل ورود الشرع يسمى جاهلية لكثرة جهالتهم (ومنا رجال يأتون الكهان) بضم الكاف جمع كاهن وهو من يدعي معرفة الضمائر قال الطيبي الفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن يتعاطى الأخبار عن الكوائن في المستقبل والعراف يتعاطى معرفة الشئ المسروق ومكان الضالة ونحوهما انتهى (فلا تأتهم) قال العلماء إنما نهي عن إتيان الكهان لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك ولأنهم يلبسون على الناس كثيرا من أمر الشرائع وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون وتحريم ما يعطون من الحلوان وهو حرام بإجماع المسلمين (ومنا رجال يتطيرون) في النهاية الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن هي التشاؤم بالشئ وهي مصدر تطير طيرة كما تقول تخير خيرة ولم يجئ من المصادر غيرهما وأصل التطير التفاؤل بالطير واستعمل لكل ما يتفاءل به ويتشاءم وقد كانوا في الجاهلية يتطيرون بالصيد كالطير والظبي فيتيمنو بالسوانح ويتشاءمون بالبوارح والبوارح على ما في القاموس من الصيد ما مر من ميامنك إلى مياسرك والسوانح ضدها وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ويمنع عن السير إلى مطالبهم فنفاه الشرع وأبطله ونهاهم عنه (ذاك) أي التطهير (شئ يجدونه في صدورهم) يعني هذا وهم ينشأ من نفوسهم ليس له تأثير في اجتلاب نفع أو ضر وإنما هو شئ يسوله الشيطان ويزينه حتى يعملوا بقضيته ليجرهم بذلك إلى اعتقاد مؤثر غير الله تعالى وهو لا يحل باتفاق العلماء وقال النووي قال العلماء معناه أن الطيرة شئ تجدونه في نفوسكم ضرورة ولا عتب عليكم في ذلك فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به ولكن لا تمنعوا بسببه من التصرف في أموركم فهذا هو الذي تقدرون عليه وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف
[ 142 ]
فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها (فلا يصدهم) أي لا يمنعهم التطير من مقاصدهم لأنه لا يضرهم ولا ينفهم ما يتوهمونه وقال الطيبي أي لا يمنعهم عما يتوجهون من المقاصد أو من سوء السبيل ما يجدون في صدورهم من الوهم فالنهي وارد على ما يتوهمونه ظاهرا وهم منهيون في الحقيقة عن مزاولة ما يوقعهم من الوهم في الصدر (ومنا رجال يخطون) الخط عند العرب فيما فسره ابن الأعرابي قال يأتي الرجل العراف وبين يديه غلام فيأمره أن يخط في الرمل خطوطا كثيرة وهو يقول ابني عيان أسرعا البيان ثم يأمر من يمحو منها اثنين اثنين حتى ينظر خر ما يبقى من تلك الخطوط فإن كان الباقي زوجا فهو دليل الفلاح والظفر وإن بقي فردا فهو دليل الخيبة واليأس وقد طول الكلام في لسان العرب (قال كان نبي من الأنبياء يخط) أي فيعرف بالفراسة بتوسط تلك الخطوط قيل هو إدريس أو دانيال عليهما الصلاة والسلاكذا في المرقاة (فمن وافق) ضمير الفاعل راجع إلى من أي فمن وافق فيما يخط خطه) بالنصب على الأصح ونقل السيد جمال الدين عن البيضاوي أن المشهور خطه بالنصب فيكون الفاعل مضمرا وروي مرفوعا فيكون المفعول محذوفا انتهى أي من وافق خطه خطه أي خط ذلك النبي (فذاك) أي فذاك مصيب أو يصيب أو يعرف الحال بالفراسة كذلك النبي وهو كالتعليق بالمحال قاله في المرقاة قال النووي اختلف العلماء في معناه فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح له ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح والمقصود أنه حرام لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة وليس لنا يقين بها وإنما قال النبي فمن وافق خطه فذاك ولم يقل هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط فحافظ النبي على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا فالمعنى أن ذلك النبي لا منع في حقه وكذا لو علمتم موافقته ولكن لا علم لكم بها وقال الخطاب هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط إذا كان علما لنبوة ذلك النبي وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك قال القاضي عياض المختار أن معناه من وافق خطه فذاك الذيجدون إصابته فيما يقول لا أنه أباح ذلك لفاعله قال ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن انتهى (قبل أحدو الجوانية) بفتح الجيم وتشديد الواو وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مشددة
[ 143 ]
موضع بقرب أحد في شمالي المدينة وأما قول القاضي عياض إنها من عمل الفروع فليس بمقبول لأن الفرع بين مكة والمدينة بعيد من المدينة وأحد في شام المدينة وقد قال في الحديث قبل أحد والجوانية فكيف يكون عند الفرع (آسف كما يأسفون) أي أغضب كما يغضبون ومن هذا قوله تعالى فلما آسفونا انتقمنا منهم أي أغضبونا (لكني صككتها صكة) أي لطمتها لطمة (فمعظم ذلك) أي صكي إياها (أين الله إلى قوله أعتقها فإنها مؤمنة) قال الخطابي في المعالم قوله أعتقها فإنها مؤمنة ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قولها حين سألها أين الله قالت في السماء وسألها من أنا فقالت رسول الله فإن هذا سؤال عن أمارة الايمان وسمة أهله وليس بسؤال عن أصل الإيمان وحقيقته ولو أن كافرا جاءنا يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الذي تكلمت الجارية لم يصر به مسلما حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويتبرأ من دينه الذي كان يعتقده وإنما هذا كرجل وإمرأة يوجدان في بيت فيقال للرجل من هذه المرأة فيقول زوجتي فتصدقه المرأة فإنا نصدقهما ولا نكشف عن أمرهما ولا نطالبهما بشرائط عقد الزوجية حتى إذا جاءانا وهما أجنبيان يريدان ابتداء عقد النكاح بينهما فانا نطالبهما حينئذ بشرائط عقد الزوجية من إحضار الولي والشهود وتسمية المهر كذلك الكافر إذا عرض عليه اسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حتى يصف الإيمان بكماله وشرائطه فإذا جاءنا من نجهل حاله في الكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا خلاف ذلك انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي
[ 144 ]
(ما لكم تنظرون إلي بأعين شزر) بضم الشين المعجمة وسكون الزاي وبعدها راء مهملة جمع شزر وهو النظر عن اليمين والشمال وقيل هو النظر بمؤخر العين وأكثر ما يكون في حال الغضب وإلى الأعداء (فإذا كنت فيها) أي في الصلاة (فليكن ذلك) إشارة إلى ما ذكر من القراءة وذكر الله (شأنك) بالنصب خبر فليكن أي حالك باب التأمين وراء الإمام (أنبانا سفيان) هو الثوري (عن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم (أالعنبس) بفتح العين الموحدة بينهما نون (إذا قرأ ولا الضالين قال مين ورفع بها صوته) قال الحافظ في
[ 145 ]
التلخيص سنده صحيح وصححه الدراقطني وأعله ابن القطان بحجر بن عنبس وأنه لا يعرف وأخطأ في ذلك بل هو ثقة معروف قيل له صحبة ووثقه يحيى بن معين وغيره وتصحف اسم أبيه على ابن حزم فقال فيه حجر بن قيس وهو مجهول وهو غير مقبول منه انتهى قال المنذري وأخرجه والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن قلت في رواية الترمذي مد بها صوته مكان رفع بها صوته وليس المراد من المد إلا رفع الصوت بها قال الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي في اللمعات قوله مد بها صوته أي بكلمة مين يحتمل الجهر بها ويحتمل مد الألف على اللغة الفصيح والظاهر هو الأول بقرينة الروايات الأخر ففي بعضها يرفع بها صوته هذا صريح في معنى الجهر وفي رواية ابن ماجه حتى يسمعها الصف الأول فيرتج بها المسجد وفي بعضها يسمع من كان في الصف الأول رواه أبو داود وابن ماجه انتهى وقال الحافظ في التلخيص احتج الرافعي بحديث وائل أي الذي بلفظ مد بها صوته على استحباب الجهر بمين وقال في أماليه يجوز حمله على أنه تكلم على لغة المد دون القصر من جهة اللفظ ولكن رواية من قال رفع صوته تبعد هذا الاحتمال ولهذا قال الترمذي عقبه وبه يقول غير واحد يرون أنه يرفع صوته انتهى والحديث يدل على استنان الجهر بآمين قال الترمذي وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي والتابعين ومن بعدهم يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين ولا يخفيها وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق انتهى وقال مالك في رواية والحنفية بالسر بها وحجتهم ما أخرجه أحمد وأبو يعلي والحاكم من حديث شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل عن أبيه أن رسول الله لما بلغ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين وأخفى به صوته ولفظ الحاكم خفض صوته لكن قد أجمع الحفاظ منهم البخاري وغيره أن شعبة وهم في قوله خفض صوته وإنما هو مد صوته قال الترمذي في جامعه سمعت محمدا يقول حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث فقال عن حجر أبي العنبس وإنما هو حجر بن عنبس ويكنى أبا السكن وزاد فيه عن علقمة بن وائل وليس فيه عن علقمة وإنما هو حجر بن عنبس عن وائل بن حجر وقال وخفض بها صوته وإنما هو مد بها صوته قال الترمذي وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث فقال حديث سفيان في هذا أصح قال روى العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان انتهى وطعن صاحب التنقيح في حديث شعبة هذا بأنه قد روى عنه خلافه كما أخرجه البيهقي في سننه عن أبي الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت حجرا أبا عنبس يحدث عن وائل
[ 146 ]
الحضرمي أنه صلى خلف النبي فلما قال ولا الضالين قال مين رافعا به صوته قال فهذه الرواية توافق رواية سفيان وقال البيهقي في المعرفة إسناد هذه الرواية صحيح وكان شعبة يقول سفيان أحفظ وقال يحيى القطان ويحيى بن معين إذا خالف شعبة سفيان فالقول قول سفيان قال وقد أجمع الحفاظ البخاري وغيره على أن شعبة أخطأ فقد روى من أوجه فجهر بها انتهى وقال الإمام ابن القيم في اعلام الموقعين عن رب العالمين قال البيهقي لا أعلم اختلافا بين أهل العلم بالحديث أن سفيان وشعبة إذا اختلفا فالقول قول سفيان وقال يحيى بن سعيد ليس أحد أحب إلي من شعبة ولا يعد له عندي أحد وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان وقال شعبة سفيان أحفظ مني انتهى وقال الدارقطني في سننه بعد إخراج حديث شعبة ويقال أنه وهم فيه لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بكهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا ورفع صوته بمين وهو الصواب انتهى وقال الحافظفي التلخيص وقد رجحت رواية سفيان بمتابعة اثنين له بخلاف شعبة فلذلك جزم النقاد بأن روايته أصح انتهى فقد تحصل لك من هذا كله أمور الأول أن شعبة خالف سفيان في قوله خفض بها صوته وأخطأ فيه والثاني أنه اتفق المحدثون على أن سفيان وشعبة إذا اختلفا في شئ فالقول قول سفيان والثالث أنه روى شعبة نفسه موافقا لرواية سفيان بلفظ فلما قال ولا الضالين قال مين رافعا به صوته والرابع أنه تابع سفيان في الرفع العلاء بن صالح ومحمد بن سلمة بن كهيل عن سلمة والخامس أنه لم يتابع شعبة أحد في الخفض فهذه الأمور تدل على أن رواية شعبة شاذة ضعيفة فالاستدلال بها على الإسرار بمين ليس بصحيح (عن وائل بن حجر أنه صلى خلف رسول الله فجهر بمين) رواه علي بن صالح عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل فتابع علي ابن صالح في الجهر سفيان الثوري كما تابعه فيه العلاء بن صالح ومحمد بن سلمة وقد مر ذكرهما (عن بشر بن رافع) قال في الخلاصة عن بشر بن رافع الحرثي أبو الأسباط إمام مسجد نجران عن يحيى بن أبي كثير وعنه حاتم بن إسماعيل وعبد الرزاق وثقه ابن معين وابن عدي
[ 147 ]
وقال البخاري لا يتابع (إذا تلا) أي قرأ (قال آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول) وفي رواية ابن ماجه (حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد) والحديث أخرجه أيضا الدارقطني وقال إسناده حسن والحاكم وقال صحيح على شرطهما والبيهقي وقال حسن صحيح قاله في النيل وهذا الحديث أيضا يدل على الجهر بالتأمين ويشهد لحديث سفيان المذكور (فقولوا آمين) هو بالمد والتخفيف في جميع الروايات وعن جميع القراء وحكي أبو نصر عن حمزو الكسائي الإمالة وفيه ثلاث لغات أخر شاذة القصر حكاه ثعلب وأنشد له شاهدا وأنكره ابن درستويه وطعن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر وحكى عياض ومن تبعه عن ثعلب إنما أجازه في الشعر خاصة والثانية التشديد مع المد والثالثة التشديد مع القصر وخطأهما جماعة من أئمة اللغة وآمين من أسماء الأفعال ويفتح في الوصل لأنها مثل كيف ومعناه اللهم استجب عند الجمهور وقيل غير ذلك ما يرجع جميعه إلى هذا المعنى وقيل إنه اسم لله حكاه صاحب القاموس عن الواحدي قال الإمام الخطابي في معالم السنن معنى قوله عليه السلام إذا قال ولا الضالين فقولوا مين أي مع الإمام حتى يقع تأمينكم وتأمينه معا فأما قوله عليه السلام إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه لا يخالفه ولا يدل على أنهم يؤخرونه عن وقت تأمينه وإنما هو كقول القائل إذا رحل الأمير فارحلوا يعني إذا أخذ الأمير للرحيل فتهيؤا للارتحال لتكون رحلتكم مرحلته وبيان هذا في الحديث الآخر إن الإمام يقول مين والملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينه الملائكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وأحب أن يجمع التأمينان في وقت
[ 148 ]
رجاء المغفرة انتهى والحديث يدل على مشروعية التأمين للمأموم والجهر به وقد ترجم الإمام البخاري باب جهر المأموم بالتأمين وأورد فيه هذا الحديث قال الحافظ في الفتح قال الزين بن المنير مناسبة الحديث مترجمة من جهة أن في الحديث الأمر بقول آمين والقول إذا وقع به الخطاب مطلقا حمل على الجهر ومتى أريد به اسرار أو حديث النفس قيد بذلك وقال ابن رشيد تؤخذ المناسبة منه من جهات منها أنه قال إذا قال الإمام فقولوا مقابل القول بالقول والإمام إنما قال ذلك جهرا فكان الظاهر الاتفاق في الصفة ومنها أنه قال فقولوا ولم يقيده بجهر ولا غيره وهو مطلق في سياق الإثبات وقد عمل به في الجهر بدليل ما تقدم يعني في مسألة الإمام والمطلق إذا عمل به في صورة لم يكن حجة في غيرها باتفاق ومنها أنه تقدم أن المأموم مأمور بالاقتداء بالإمام وقد تقدم أن الإمام يجهر فلزم جهره بجهره انتهى قال الحافظ وهذا الأخير سبق إليه ابن بطال وتعقب بأنه يستلزم أن يجهر المأموم بالقراءة لأن الإمام جهر بها لكن يمكن أن ينفصل عنه بأن الجهر بالقراءة خلف الإمام قد نهي عنه فبقي التأمين داخلا تحت عموم الأمر باتباع الإمام ويتقوى ذلك بما تقدم عنه عن عطاء أن من خلف ابن الزبير كانوا يؤمنون جهرا وروى البيهقي من وجه خر عن عطاء قال أدركت مائتين من أصحاب رسول الله في هذا المسجد إذا قال الإمام ولا الضالين سمعت لهم رجة بمين انتهى (فإنه من وافق قوله قول الملائكة) قال النووي واختلف في هؤلاء الملائكة فقيل هم الحفظة وقيل غيرهم لقوله (من وافق قوله قول أهل السماء) وأجاب الأولون بأنه إذا قاله الحاضرون من الحفظة قاله من فوقهم حتى ينتهي إلى أهل السماء والمراد بالموافقة الموافقة في وقت التأمين فيؤمن مع تأمينهم قاله النووي (غفر له ما تقدم من ذنبه) ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية وهو محمول عند العلماء على الصغائر قاله الحافظ قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي (إذا أمن الإمام فأمنوا) ظاهره أن المؤتم يوقع التأمين عند تأمين الإمام وظاهر الرواية المذكورة نفا أنه يوقعه عند قول الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين وجمع الجمهور بين الروايتين بأن المراد بقوله إذا أمن أي أراد التأمين ليقع تأمين الإمام والمأموم معا قال الحافظ ويخالفه رواية معمر عن ابن شهاب بلفظ إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فإن
[ 149 ]
الملائكة تقول آمين والإمام يقول آمين قال أخرجها النسائي وابن السراج وهو صريح في كون الإمام يؤمن وقيل المراد بقوله إذا قال ولا الضالين فقولوا مين أي ولو لم يقل الإمام مين وقيل الأول لمن قرب من الإمام والثاني لمن تباعد عنه لأن جهر الإمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة وقيل يؤخذ من الروايتين تخيير المأموم في قولها مع الامام أو بعده قاله الطبري قال الخطابي وهذه الوجوه كلها محتملة وليست بدون الوجه الذي ذكروه يعني الجمهور كذا في النيل والحديث يدل على جهر الإمام بالتأمين ووجه الدلالة أنه لو لم يكن التأمين مسموعا للمأموم لم يعلم به وقد علق تأمينه بتأمينه وأجيب بأنه موضعه معلوم فلا يستلزم الجهر به وفيه نظر لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به وقد روى روح بن عبادة عن مالك في هذا الحديث قال ابن شهاب وكان رسول الله إذا قال ولا الضالين جهر بمين أخرجه السراج ولابن حبان من رواية الزبيدي في حديث الباب عن ابن شهاب كان إذا فرغ من قراءة أم القران رفع صوته وقال مين قاله الحافظ وقال الخطابي فيه دليل على أن رسول الله كان يجهر بمين ولولا جهر به لم يكن لمن يتحرى متابعته في التأمين على سبيل المداركة طريق إلى معرفته فدل على أنه كان يجهر به جهرا يسمعه من وراءه وقد روى وائل بن حجر أن رسول الله كان إذا قرأ ولا الضالين قال مين رفع به صوته وقد رواه أبو داود بإسناده في هذا الباب انتهى (قال ابن شهاب وكان رسول الله يقول منين) هو متصل إليه برواية مالك عنه وأخطأ من زعم أنه معلق ثم هو من مراسيل ابن شهاب وروي عنه موصولا أخرجه الدارقطني في الغرائب والعلل من طريق حفص بن عمرو العدني عن مالك عنه وقال الدارقطني تفرد به حفص بن عمرو وهو ضعيف قاله الحافظ قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن بلال) هو ابن رباح المؤذن مولى أبي بكر رضي الله عنه (قال يا رسول الله لا تسبقني بآمين) قال الحافظ رجاله ثقات لكن قيل إن أبا عثمان لم يلق بلالا وقد روى عنه بلفظ إن بلالا قال وهو ظاهر الإرسال ورجحه الدارقطني وغيره على الموصول انتهى وروى عبد الرزاق نحو قول بلال عن أبي هريرة بلفظ كان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام فيناديه فيقول لا
[ 150 ]
تسبقني بآمين ورواه البخاري في صحيحه تعليقا بلفظ لا تفتني بمين وهو بمعنى لا تسبقني قال الحافظ مراد أبي هريرة أن يؤمن مع الإمام داخل الصلاة وقد تمسك به بعض المالكية في أن المأموم لا يؤمن وقال معناه لا تنازعني بالتأمين الذي هو من وظيفة المأموم وهذا تأويل بعيد انتهى قلت ورواية بلال تضعف هذا التأويل لأن بلالا لا يقع منه ما حمل هذا القائل كلام أبي هريرة عليه قال الحافظ وقد جاء عن أبي هريرة من وجه خر أخرجه البيهقي من طريق حماد عن ثابت عن أبي رافع قال كان أبو هريرة يؤذن لمروان فاشترط أن لا يسبقه بالضالين حتى يعلم أنه دخل في الصف وكأنه كان يشتغل بالاقامة وتعديل الصفوف وكان مروان يبادر إلى الدخول في الصلاة قبل فراغ أبي هريرة وكان أبو هريرة ينهاه عن ذلك انتهى (عن صبيح) قال في الخلاصة صبيح بالفتح ابن محرز خره زاي المقرائي بضم الميم الحمصي وقيده ابن ماكولا بالضم وكذا عبد الغني عن عمرو بن قيس السكوني وعنه محمد بن يوسف الفريابي وثقه ابن حبان (أبو مصبح) بموحدة مكسورة بعد الصاد المهملة المفتوحة على وزن محدث (المقرائي) بهمزة مكسورة بعد راء ممدودة كذا ضبطه في الخلاصة وقال الحافظ في التقريب بفتح الميم والراء بينهما قاف ثم همزة قبل ياء النسبة ويأتي بسط الكلام فيه (فإن مين مثل الطابع على الصحيفة) الطابع بفتح الباء الخاتم يريد أنها تختم على الدعاء وترفع كفعل الإنسان بما يعز عليه (ذات ليلة) أي ساعة من ساعات ليلة (قد ألح في المسألة) أي بالغ في السؤال والدعاء من الله تعالى (أوجب) أي الجنة لنفسه يقال أوجب الرجل إذا فعل فعلا وجبت له به الجنة أو النار أو المغفرة لذنبه أو الإجابة لدعائه قاله في المرقاة (إن ختم) أي المسألة (فقال رجل من القوم بأي شئ يختم فقال بآمين) قال الطيبي فيه دلالة على أن من دعا يستحب له أن يقول آمين بعد دعائه وإن كان الإمام يدعو والقوم يؤمنون فلا حاجة إلى تأمين الامام اكتفاء بتأمين المأموم انتهى قال علي القاري
[ 151 ]
وفيه نظر إذ القياس على الصلاة أن يؤمن الامام أيضا وأما في الخارج فينبغي أن يجمع كل بين الدعاء والتأمين (فأتى الرجل) أي الذي قد ألح في المسألة (قال أبو داود والمقري قبيل من حمير) قال المنذري هكذا ذكر غيره وذكر أبو سعيد المروزي أن هذه النسبة إلى مقرا قرية بدمشق والأول أشهر ويقال بضم الميم وفتحها وصوب بعضهم الفتح وقال أبو زهير النميري قيل اسمه فلان بن شرحبيل وقال أبو حاتم الرازي إنه غير معروف بكنيته فكيف يعرف اسمه وذكر له أبو عمر والنمري هذا الحديث وقال ليس إسناده بالقائم ومصبح بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة وتشديدها وبعدها حاء مهملة انتهى قال في غاية المقصود تحت قوله والمقري قبيل من حمير ما نصه قال في تاج العروس شرح القاموس مقرء بن سبيع بن الحارث بن مالك بن زيد على وزن مكرم بطن من حمير وبه عرف البلد الذي باليمن لنزوله وولده هناك ونقل الرشاطي عن الهمداني مقري بن سبيع بوزن معطي قال فإذا نسبت إليه شددت الباء وقد شدد في الشعر قال الرشاطي وقد ورد في الشعر مهموزا أي مقرء قال الحافظ عبد الغني بن سعيد الهمداني عليه المعول في انساب الحميريين وقال الحافظ الذهبي في كتاب المشتبه والمختلف مقرا بن سبيع بطن من بني جشم وهو بضم الميم وبفتحها وخره همزة مقصورة والنسبة إليه مقرأي ويكتب بألف هي صورة الهمزة ليفرق بينه وبين المقرئ من القراءة وقال ابن الكلبي بفتح الميم والنسبة إليه مقرأي والمحدثون يضمونة وهو خطأ ومنهم أبو المصبح المرأي حدث عنه صبيح بن محرز المقرأي الحمصي انتهى كلامه واعلم أن المصنف رحمه الله تعالى قد ذكر في باب التأمين وراء الإمام سبعة أحاديث ومناسبة الحديث الرابع والخامس والسادس للباب ظاهرة وأما الأول والثاني والثالث فحيث أن المأموم أمر باتباع الإمام في شأنه كله إلا فيما نهي عنه وقال النبي صلوا كما رأيتموني فلما أمن النبي وكان إماما ثبت التأمين للمقتدي المأموم وأما السابع فحيث أن فاتحة الكتاب دعاء فمن قرأها إماما أو مأموما أو منفردا داخل الصلاة أو خارجها يؤمن عقبها والله أعلم .
[ 152 ]
باب التصفيق في الصلاة (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) فيه أن السنة لمن نابه شئ في صلاته كإعلام من يستأذن عليه وتنبيه الإمام وغير ذلك أن سبح (يسبح) إن كان رجلا فيقول سبحان الله وأن تصفق إن كانت امرأة فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر ولا تضرب بطن كف على بطن كف على وجه اللهو واللعب فإن فعلت هكذا على جهة اللعب بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة قاله النووي وكأن منع النساء من التسبيح لأنها مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقا لما يخشى من الافتتان ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء قاله الحافظ قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (ذهب إلى بني عمرو بن عوف) ابن مالك بن الأوس أحد قبيلتي الأنصار وهما الأوس والخزرج وبنو عمرو بن عوف بطن كبير من الأوس فيه عدة أحياء كانت منازلهم بقباء (ليصلح بينهم) وللبخاري في الصلح من طريق محمد ابن جعفر عن أبي حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال اذهبوا بنا نصلح بينهم وله في الأحكام من طريق حماد بن زيد عن أبي حازم أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر (وحانت الصلاة) أي قرب وقتها والمراد بالصلاة صلاة العصر وفي رواية للبخاري فلما حضرت صلاة العصر (فجاء المؤذن) هو بلال كما تدل عليه الرواية الآتية (فأقيم) بالنصب ويجوز الرفع (فصلى أبو بكر) أي دخل في الصلاة وفي رواية عبد العزيز ابن أبي حازم عن أبيه عند البخاري وتقدم أبو بكر فكبر وفي رواية المسعودي عن أبي حازم فاستفتح أبو بكر الصلاة وهي عند الطبراني قال الحافظ في الفتح وبهذا يجاب عن الفرق بين المقامين حيث امتنع أبو بكر هنا أن يستمر إماما وحيث استمر في مرض موته صلى الله عليه وسلم حين صلى خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرح به
[ 153 ]
موسى بن عقبة في المغازي فكأنه لما أن مضى معظم الصلاة حسن الاستمرار ولما أن لم يمضي منها إلا اليسير لم يستمر وكذا وقع لعبد الرحمن بن عوف حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه الركعة الثانية من الصبح فإنه استمر في صلاته إماما لهذا المعنى وقصة عبد الرحمن عند مسلم من حديث المغيرة بن شعبة (فتخلص) وفي رواية للبخاري فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في الصف الأول (وكان أبو بكر لا يلتفت) قيل كان ذلك لعلمه بالنهي عن ذلك وقد صح أنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد وقد تقدم (فرفع أبو بكر يديه فحمد الله) ظاهره أنه تلفظ بالحمد (يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك) فيه سؤال الرئيس عن سبب مخالفة أمره قبل الزجر عن ذلك وفيه إكرام الكبير بمخاطبته بالكنية واعتماد ذكر الرجل لنفسه بما يشعر بالتواضع من جهة استعمال أبي بكر خطاب الغيبة مكان الحضور إذ كان حد الكلام أن يقول أبو بكر ما كان لي فعدل عنه إلى قوله ما كان لابن أبي قحافة لأنه أدل على التواضع من الأول (أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي يؤمه كما في بعض الروايات (أكثرتم من التصفيح) هو التصفيق وظاهره أن الإنكار إنما حصل عليهم لكثرته لا لمطلقه (من نابه) أي أصابه (فليسبح) أي فليقل سبحان الله (التفت إليه) بضم المثناة على البناء للمجهول قال الخطابي في هذا الحديث أنواع من الفقه منها تعجيل الصلاة في أول الوقت ألا ترى أنهم لما حانت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب لم يؤخروها انتظارا له ومنها أن الالتفات في الصلاة لا يبطلها ما لم يتحول المصلي عن القبلة بجميع بدنه ومنها أنه عليه السلام لم يأمرهم بإعادة الصلاة كما صفقوا بأيديهم وفيه أن التصفيق سنة النساء في الصلاة وهو معنى التصفيح المذكور في أول الحديث وهو أن يضرب بظهور أصابع اليمنى صفح الكف من اليسرى ومنها أن تقدم المصلي عن مصلاه وتأخره عن مقامه لحاجة تعريض له غير مفسد صلاته ما لم تطل ذلك ومنها إباحة رفع اليدين في الصلاة والحمد لله تعالى والثناء عليه في أضعاف
[ 154 ]
القيام عند ما يحدث للمرء من نعمة الله ويتجدد له من صنع الله تعالى ومنها جواز الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر ومنها جواز الإتمام بصلاة من لم يلحق أول الصلاة وفيه أن سنة الرجال عند ما ينوبهم شئ في الصلاة التسبيح وفيه أن المأموم إذا سبح يريد بذلك إعلام الإمام لم يكن ذلك مفسدا للصلاة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (إن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس) هذا لا يخالف ما تقدم من قول بلال لأبي بكر أتصلي بالناس لأنه يحمل على أنه استفهمه هل يبادر أول الوقت أو ينتظر قليلا ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم ورجح عند أبي بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة (قال في اخره) أي اخر الحديث (فليسبح الرجال وليصفح النساء) واعلم أنه قال مالك وغيره في قوله صلى الله عليه وسلم التصفيق للنساء أي هو من شأنهن في غير الصلاة وهو على جهة الذم له ولا ينبغي فعله في الصلاة لرجل ولا امرأة وتعقب بهذه الرواية فإنها بصيغة الأمر فهي ترد ما تأوله أهل هذه المقالة قال القرطبي القول بمشروعية التصفيق للنساء هو الصحيح خبرا ونظرا (عن عيسى بن أيوب قال) أي عيسى (قوله التصفيح للنساء تضرب بإصبعين من يمينها على كفها اليسرى) هذا يدل على أن التصفيح غير التصفيق لأن التصفيق الضرب بباطن الراحة على الأخرى قال زين الدين العراقي والمشهور أن معناهما واحد قال عقبة والتصفيح التصفيق وكذا قال أبو علي البغدادي والخطابي والجوهري قال ابن حزم لا خلاف في أن التصفيح والتصفيق بمعنى واحد وهو الضرب بإحدى صفحتي الكف على الأخرى قال العراقي وما ادعاه من نفي الخلاف ليس بجيد بل فيه قولان اخران أنهما مختلفا المعنى أحدهما أن التصفيح الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى والتصفيق الضرب بباطن إحداهما
[ 155 ]
على باطن الأخرى حكاه صاحب الإكمال وصاحب المفهم والقول الثاني أن التصفيح الضرب بإصبعين للانذار والتنبيه وبالقاف بالجميع للهو واللعب باب الإشارة في الصلاة (كان يشير في الصلاة) فيه جواز الإشارة في الصلاة لحاجة كرد السلام وغيره (من أشار في صلاته إشارة تفهم) على البناء للمجهول (عنه) الضمير يرجع إلى من والحديث يدل على عدم جواز الإشارة المفهمة لكنه ضعيف قال المؤلف رحمه الله هذا الحديث وهم قلت وقد صححت الإشارة المفهمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أم سلمة في حديث الركعتين بعد العصر ومن حديث عائشة وجابر لما صلى بهم جالسا في مرض له فقاموا خلفه فأشار إليهم أن اجلسوا وقد تقدم أحاديث الإشارة في الصلاة لرد السلام قال في النيل وفي إسناد حديث أبي هريرة هذا أبو غطفان قال ابن أبي داود هو رجل مجهول قال واخر الحديث زياده والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير في الصلاة قال العراقي قلت وليس بمجهول فقد روى عنه جماعة ووثقه النسائي وابحبان وهو أبو غطفان المري قيل اسمه سعيد اه وعلى فرض صحته ينبغي أن تحمل الإشارة المذكورة في الحديث على الإشارة لغير رد السلام والحاجة جمعا بين الأدلة
[ 156 ]
باب مسح الحصا في الصلاة (عن أبي الأحوص شيخ من أهل المدينة) قال المنذري وقد تقدم أن أبا الأحوص هذا لا يعرف اسمه وقد تكلم فيه يحيى بن معين وغيره انتهى (إذا قام أحدكم إلى الصلاة) أي شرع فيها (فإن الرحمة تواجهه) أي تنزل عليه وتقبل إليه (فلا يمسح الحصا) هي الحجارة الصغيرة والتقييد بالحصى خرج مخرج الغالب لكونه كان الغالب على فرش مساجدهم ولا فرق بينه وبين التراب والرمل على قول الجمهور ويدل على ذلك قوله في حديث معيقيب عند البخاري في الرجل يسوي التراب والمراد بقوله إذا قام أحدكم إلى الصلاة الدخول فيها فلا يكون منهيا عن مسح الحصى إلا بعد دخوله ويحتمل أن المراد قبل الدخول حتى لا يشتغل عند إرادة الصلاة إلا بالدخول فيها قال العراقي والأول أظهر ويرجحه حديث معيقيب فإنه سأل عن مسح الحصى في الصلاة دون مسحه عند القيام كما في رواية الترمذي قاله الشوكاني وقال الخطابي في المعالم يريد بمسح الحصى تسويته ليسجد عليه وكان كثير من العلماء يكرهون ذلك وكان مالك بن أنس لا يرى به بأسا ويسوي في صلاته غير مرة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه (عن معيقيب) بالمهملة وبالقاف واخره موحدة مصغر هو ابن أبي فاطمة الدوسي حليف بني عبدشمس كان من السابقين الأولين (لا تمسح) أي الحصى (وأنت تصلي) جملة حالية أي في حال الصلاة (فإن كنت لا بد فاعلا لذلك فواحدة) بالنصب أي فافعل فعلة واحدة أو مرة واحدة لا أزيد منها قال الحافظ ويجوز الرفع فيكون التقدير فالجائز واحدة أو فيجوز واحدة أو فمرة واحدة تكفي أو تجوز (تسوية الحصا) أي لأجل تسوية الحصا وحديث معيقيب أخرجه الأئمة الستة
[ 157 ]
باب الرجل يصلي مختصرا (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة) قال النووي اختلف العلماء في معنى الاختصار فالصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون من أهل اللغة والغريب والمحدثين وبه قال أصحابنا في كتب المذهب أن المختصر هو الذي يصلي ويده على خاصرته وقال الهروي قيل هو أن يأخذ بيده عصا يتوكأ عليها وقيل أن يختصر السورة فيقرأ من اخرها اية أو ايتين وقيل هو أن يحذف فلا يمد قيامها وركوعها وسجودها وحدودها والصحيح الأول قيل نهي عنه لأنه فعل اليهود وقيل فعل الشيطان وقيل لأن إبليس هبط من الجنة كذلك وقيل لأنه فعل المتكبرين انتهى (قال أبو داود يعني يضع يده على خاصرته) هذا هو الصحيح في معنى الاختصار قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي بنحوه وقد ترجم المؤلف أبو داود رحمه الله تعالى قبل باب التخصر والإقعاء وأورد فيه حديث زياد بن صبيح الحنفي قال صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي الحديث وترجم ههنا باب الرجل يصلي مختصرا وأورد فيه حديث أبي هريرة ومفاد الترجمتين والحديثين واحد فلا أدري في الإعادة فائدة إلا أن يقال إن لفظ الحديث نهي عن الاختصار كان محتملا للمعاني منها أن يختصر السورة فيقرأ من اخرها اية أو ايتين ولما كان هذا المعنى في الظاهر موافقا للفظ أورد الباب بهذا اللفظ لكن ترجح عند المؤلف غير هذا المعنى الظاهر لورود هذا الحديث بلفظ آخر والحديث يفسر بعضه بعضا ولذا عقبه بقوله قال أبو داود يعني يضع يده على خاصرته ولفظ البخاري نهى عن الخصر في الصلاة قال التوربشتي فسر الخصر بوضع اليد على الخاصرة وهو صنع اليهود والخصر لم يفسر على هذا الوجه في شئ من كتب اللغة ولم أطلع عليه إلى الآن والحديث على هذا الوجه أخرجه البخاري ولعل بعض الرواة ظن أن الخصر يرد بمعنى الاختصار وهو وضع اليد على الخاصرة وفي رواية
[ 158 ]
أخرى له قد نهى أن يصلي الرجل مختصرا وكذا رواه مسلم والدارمي والترمذي والنسائي وفي رواية المؤلف نهى عن الاختصار في الصلاة فتبين أن المعتبر هو الاختصار لا الخصر قال الطيبي رده هذه الرواية على مثل هذه الأئمة المحدثين بقوله لم يفسر الخصر بهذا الوجه في شئ من كتب اللغة لا وجه له لأن ارتكاب المجاز والكناية لم يتوقف على السماع بل على العلاقة المعتبرة وبيانه أن الخصر وسط الإنسان والنهي لما ورد عليه علم أن المراد النهي عن أمر يتعلق به ولما اتفقت الروايات على أن المراد وضع اليد على الخاصرة وجب حمله عليه وهو من الكناية فإن نفي الذات أقوى من نفي الصفة ابتداء انتهى كلامه باب الرجل يعتمد في الصلاة على عصا (قدمت الرقة) بفتح الراء المهملة وفتح القاف المشددة بلد بالشام (هل لك في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) أي هل لك رغبة في لقائه (قلت غنيمة) أي فقلت نعم لقاؤه غنيمة (فدفعنا) أي ذهبنا (نبدأ فننظر إلى دله) قال في القاموس الدل كالهدي وهما من السكينة والوقار وحسن المنظر (فإذا عليه قلنسوة لاطية) أي لازقة بالرأس ملصقة به (وبرنس خز) قال ابن الأثير الخز ثياب تنسح من صوف وإبريسم وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون وقال غيره الخز اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها وقال الترمذي أصله من وبر الأرنب ويسمى ذكره الخز وقيل إن الخز ضرب من ثياب الإبريسم وقيل غير ذلك والبرنس كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة أو غيره ويجئ تحقيق لبس الخز في موضعه إن شاء الله تعالى (أغبر) أي كأن لونه لون التراب (فقلنا) أي في اعتماده على العصا في الصلاة (لما أسن) أي كبر (وحمل اللحم) أي ضعف أو كثر اللحم (اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه) فيه جواز
[ 159 ]
الاعتماد على العمود والعصا ونحوهما لكن القيد بالعذر المذكور وهو الكبر وكثرة اللحم ويلحق بهما الضعيف والمرض ونحوهما قال العلامة الشوكاني في النيل وقد ذكر جماعة من العلماء أن من احتاج في قيامه إلى أن يتكئ على عصا أو على عكاز أو يستند إلى حائط أو يميل على أحد جانبيه جاز له ذلك وجزم جماعة من أصحاب الشافعي باللزوم وعدم جواز القعود مع إمكان القيام مع الاعتماد ومنهم المتولي والأذرعي وكذا قال باللزوم ابن قدامة الحنبلي وقال القاضي حسين من أصحاب الشافعي لا يلزم ذلك ويجوز القعود انتهى ملخصا قلت قد ثبت اعتماد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على العصا في صلاة التراويح فقد روى مالك في الموطإ عن السائب بن يزيد قال أمر عمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس في رمضان بإحدى عشرة ركعة فكان القارئ يقرأ بالمئتين حتى كنا نعتمد على العصا من طول القيام فما كنا ننصرف إلا في فروع (بزوغ) الفجر باب النهي عن الكلام في الصلاة (عن الحارث بن شبيل) بضم الشين المعجمة وفتح الموحدة مصغرا (كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة) وفي رواية البخاري إن كنا نتكلم في الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته (فنزلت وقوموا لله قانتين) أي ساكتين قال في النيل فيه إطلاق القنوت على السكوت قال زين الدين العراقي في شرح الترمذي وذكر ابن العربي أن له عشرة معان قال وقد نظمتها في بيتين بقولي ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد مزيدا على عشرة معاني مرضيه دعاء خشوع والعبادة طاعة إقامتها إقرارنا بالعبودية سكوت صلاة والقيام وطوله كذاك دوام الطاعة الرابح الفيه
[ 160 ]
وفي رواية البخاري حتى نزلت قال الحافظ ظاهر في أن نسخ الكلام في الصلاة وقع بهذه الآية فيقتضي أن النسخ وقع بالمدينة لأن الآية مدنية باتفاق فيشكل ذلك على قول ابن مسعود إن ذلك وقع لما رجعوا من عند النجاشي وكان رجوعهم من عنده إلى مكة وذلك أن بعض المسلمين هاجر إلى الحبشة ثم بلغهم أن المشركين أسلموا فرجعوا إلى مكة فوجدوا الأمر بخلاف ذلك واشتد الأذى عليهم فخرجوا إليها أيضا فكانوا في المرة الثانية أضعاف الأولى وكان ابن مسعود مع الفريقين واختلف في مراده بقوله فلما رجعنا هل أراد الرجوع الأول والثاني فجنح القاضي أبو الطيب الطبري وآخرون إلى الأول وقالوا كان تحريم الكلام بمكة وحملوا حديث زيد على أنه وقومه لم يبلغهم النسخ وقالوا لا مانع أيتقدم الحكم ثم تنزل اية بوفقه وجنح آخرون إلى الترجيح فقالوا يترجح حديث ابن مسعود بأنه حكى لفظ النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف زيد بن أرقم فلم يحكه وقال اخرون إنما أراد ابن مسعود رجوعه الثاني وقد ورد أنه قدم المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر وفي مستدرك الحاكم من طريق أبي إسحاق عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ثمانين رجلا فذكر الحديث بطوله وفي اخره فتعجل عبد الله بن مسعود فشهد بدرا وفي السير لابن إسحاق أن المسلمين بالحبشة لما بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة رجع منهم إلى مكة ثلاثة وثلاثون رجلا فمات منهم رجلان بمكوحبس منهم سبعة وتوجه إلى المدينة أربعة وعشرون رجلا فشهدوا بدرا فعلى هذا كان ابن مسعود من هؤلاء فظهر أن اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه كان بالمدينة وإلى هذا الجمع نحا الخطابي ولم يقف من تعقب كلامه على مستنده ويقوي هذا الجمع رواية كلثوم المتقدمة فإنها ظاهرة في أن كلا من ابن مسعود وزيد بن أرقم حكى أن الناسخ قوله تعالى وقوموا الله قانتين انتهى (فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) قوله نهينا عن الكلام ليس للجماعة وإنما زاده المؤلف ومسلم واستدل به على أن الأمر بالشئ ليس نهيا عن ضده إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى قوله ونهينا عن الكلام وأجيب بأن دلالته على ضده دلالة التزام ومن ثم وقع الخلاف فلعله ذكلكونه أصرح والله أعلم والحديث يدل على تحريم الكلام في الصلاة قال الحافظ أجمعو على أن الكلام في الصلاة من عالم بالتحريم عامد لغير مصلحتها أو انقاذ مسلم مبطل لها واختلفوا في الساهي والجاهل فلا يبطلها القليل منه عند الجمهور وأبطلها الحنفية مطلقا واختلفوا في أشياء أيضا كمن جرى على لسانه بغير قصد أو تعمد إصلاح الصلاة لسهو دخل على إمامه أو لإنقاذ مسلم
[ 161 ]
لئلا يقع في مهلكة أو فتح على إمامه أو سبح لمن مر به أو رد السلام أو أجاب دعوة أحد والديه أو أكره على الكلام أو تقرب بقربة كأعتقت عبدي لله ففي جميع ذلك خلاف محل بسطه كتب الفقه قا ابن المنير في الحاشية الفرق بين قليل الفعل للعامد فلا يبطل وبين قليل الكلام أن الفعل لا تخلو منه الصلاة غالبا لمصلحتها وتخلو من الكلام الأجنبي غالبا مطرد انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي باب في صلاة القاعد) (قال حدثت) على البناء للمجهول أي حدثني الناس من الصحابة (صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة) أي قائما قال النووي معناه أن ثواب القاعد فيها نصف ثواب القائم فيتضمن صحتها ونقصان أجرها قال وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائما وأما الفرض فإن الصلاة قاعدا مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم قال أصحابنا وإن استحله كفر وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الربا والزنا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم وإن صلى الفرض قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود فثوابه كثوابه قائما لا ينقص باتفاق أصحابنا فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث وحكاه القاضي عياض عن جماعة منهم الثوري وابن الماجشون وحكي عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله على المصلي فريضة لعذر أو نافلة لعذر أو لغير عذر قال وحمله بعضهم على من له عذر يرخص في القعود في الفرض والنفل ويمكنه القيام بمشقة انتهى (فوضعت يدي على رأسي) أي بالتعجب وفي رواية مسلم فوضعت يدي على رأسه قال علي القاري أي ليتوجه إليه وكأنه كان هناك مانع من أن يحضر بين يديه ومثل هذا لا يسمى خلاف الأدب عند طائفة العرب لعدم تكلفهم وكمال
[ 162 ]
تألفهم (ولكني لست كأحد منكم) قال النووي هو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم وقال القاضي عياض معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه مشقة من القيام بحطم الناس وللسن فكان أجره تاما بخلاف غيره من لا عذر له هذا كلامه وهو ضعيف أو باطل لأن غيره صلى الله عليه وسلم إن كان معذورا فثوابه أيضا كامل وإن كان قادرا على القيام فليس هو كالمعذور فلا يبقى فيه تخصيص فلا يحسن على هذا التقدير لست كأحد منكم وإطلاق هذا القول فالصواب ما قاله أصحابنا إن نافلته صلى الله عليه وسلم قاعدا مع القدرة على القيام ثوابها كثوابه قائما وهو من الخصائص والله أعلم انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (إنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل) ذكر الرجل خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له بل الرجل والمرأة في ذلك سواء (وصلاته قاعدا على النصف من صلاته قائما) قال الخطابي إنما هو في التطوع دون الفرض لأن الفرض لا يجوز للمصلي قاعدا والمصلي يقدر على القيام وإذا لم يكن له جواز لم يكن لشئ من الأجر ثبات (وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدا) قال الخطابي في معالم السنن لا أعلم أني سمعت هذه الرواية إلا في هذا الحديث ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم رخص في صلاة التطوع نائما كما رخص فيها قاعدا فإن صحت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن من كلام بعض الرواة أدرجه في الحديث وقاسه على صلاة القاعد أو اعتبر بصلاة المريض نائما إذا لم يقدر على القعود فإن التطوع مضطجعا للقادر على القعود جائز كما يجوز للمسافر إذا تطوع على راحلته فأما من جهة القياس فلا تجوز أن يصلي قاعدا لأن القعود شكل من أشكال الصلاة وليس الاضطجاع في شئ من أشكال الصلاة انتهى وقال ابن بطال وأما قوله من صلى نائما فله نصف أجر القاعد فلا يصح معناه عند العلماء لأنهم مجمعون أن النافلة يصليها القادر على القيام إيماء قال وإنما دخل الوهم على
[ 163 ]
ناقل الحديث وتعقب ذلك العراقي فقال أما نفي الخطابي وابن بطال للخلاف في صحة التطوع مضطجعا للقادر فمردود فإن في مذهب الشافعية وجهين الأصح منهما الصحة وعند المالكية ثلاثة أوجه حكاها القاضي عياض في اكمال أحدها الجواز مطلقا في الاضطرار والاختيار للصحيح والمريض وقد روى الترمذي بإسناده عن الحسن البصري جوازه فكيف يدعي مع هذا الخلاف القديم والحديث الاتفاق اه قال الطيبي وهل يجوز أن يصلي التطوع نائما مع القدرة على القيام أو القعود فذهب بعض إلى أنه لا يجوز وذهب قوم إلى جوازه وأجره نصف القاعد وهو قول الحسن وهو الأصح والأولى لثبوته في السنة انتهى قلت من ذهب إلى الجواز هو الحق وهو الظاهر من الحديث والله تعالى أعلم قال في النيل واختلف شراح الحديث في الحديث هل هو محمول على التطوع أو على الفرض في حق غير القادر فحمله الخطابي على الثاني وهو محمل ضعيف لأن المريض المفترض الذي أتى بما يجب عليه من القعود والاضطجاع يكتب له جميع الأجر لا نصفه قال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أنه لا يقال لمن لا يقدر على الشئ لك نصف أجر القادر عليه بل الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من منعه الله وحبسه عن عمله بمرض أو غيره يكتب له أجر عمله وهو صحيح انتهى وحمله سفيان الثوري وابن الماجشون على التطوع حكاه النووي عن الجمهور وقال إنه يتعين حمل الحديث عليه انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (كان بي الناصور) قال أبو سليمان الخطابي في معالم السنن أهل اللغة ذكروا الناسور بالسين خاصة كذا ذكره الأقلشي انتهى وفي رواية البخاري كانت بن بواسير قال في الفتح البواسير جمع باسور يقال بالموحدة وبالنون والذي بالموحدة ورم في باطن المقعدة والذي بالنون قرحة فاسدة لا تقبل البرء ما دام فيها ذلك الفساد (فإن لم تستطع) أي القيام (فقاعدا) أي فصل قاعدا ولم يبين في الحديث كيفية القعود فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي وهو قضية كلام الشافعي في البويطي وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعا وقيل يجلس مفترشا وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني
[ 164 ]
وصححه الرافعي ومن تبعه وقيل متوركا وفي كل منها أحاديث كذا في الفتح (فإن لم تستطع) أي القعود (فعلى جنب) في حديث علي عند الدارقطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه وهو حجة للجمهور في الانتقال من القعود إلى الصلاة على الجنب وعن الحنفية وبعض الشافعية يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة ووقع في حديث علي أن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة الاضطجاع واستدل به من قال لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى كالإشارة بالرأس ثم الإيماء بالطرف ثم إجراء القران والذكر على اللسان ثم على القلب لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي (حتى دخل في السن) أي حتى كبر وفي رواية البخاري حتى أسن (حتى إذا بقي أربعين أو ثلاثين آية قام) قال النووي فيه جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وعامة العلماء وسواء قام ثم قعد أو قعد ثم قام ومنعه بعض السلف وهو غلط وحكى القاضي عن أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة في آخرين كراهة القعود بعد القيام ولو نوى القيام ثم أراد أن يجلس جاز عندنا وعند الجمهور وجوزه من المالكية ابن القاسم ومنعه أشهب انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (فإذا بقي من قراءته قدر ما يكو ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم) فيه إشارة إلى أن الذي كان يقرؤه قبل أن يقوم أكثر لأن البقية تطلق في الغالب على الأقل وفيه أنه لا يشترط لمن افتت النافلة قاعدا أن يركع قاعدا أو قائما أن يركع قائما قال المنذري وأخرجه
[ 165 ]
البخاري ومسلم والنسائي (قال أبو داود رواه علقمة بن وقاص عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) وصله مسلم قال حدثنا ابن نمير قال أخبرنا محمد بن بشر قال أخبرنا محمد بن عمرو قال حدثني محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص قال قلت لعائشة كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين وهو جالس قالت كان يقرأ فيهما فإذا أراد أن يركع قام فركع لكن بين هذه الرواية وبين الرواية المذكورة في الكتاب فرق وهو أن هذه الرواية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم يجلس في الركعتين ويقرأ ويتم القراءة جالسا فإذا أراد أن يركع يقوم فيركع والرواية المذكورة في الكتاب تدل على أنه يجلس في الركعتين ويقرأ لكن لا يتم القراءة جالسا بل إذا بقي قدر ما يكون ثلاثين اية أو أربعين اية يقوم ويقرأ قائما ثم يركع (فإذا صلى قائما ركع قائما وإذا صلى قاعدا ركع قاعدا) هذا الحديث يدل على أن المشروع لمن قرأ قائما أن يركع ويسجد من قيام ومن قرأ قاعدا أن يركع ويسجد من قعود والحديث الذي قبله يدل على جواز الركوع من قيام لمن قرأ قاعدا ويجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل مرة كذا ومرة كذا قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (قالت المفصل) أي قالت عائشة نعم يقرأ في ركعة السورة من المفصل وهو من ق إلى اخر القرآن على الصحيح وسمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح (حين حطمه الناس) قال الهروي في تفسيره يقال حطم فلان أهله إذا كبر فيهم كأنه لما حمله من أمورهم وأثقالهم والاعتناء بمصالحهم صيروه شيخا محطوما والحطم كسر الشئ اليابس ذكره النووي
[ 166 ]
باب كيف الجلوس في التشهد (ثم جلس فافترش رجله اليسرى) أي وجلس على باطنها ونصب اليمنى (وحد) بصيغة الماضي مشددة الدال بعد الواو العاطفة (مرفقة) بكسر الميم وفتح الفاء ويعكس (الأيمن على فخذه اليمنى) قيل أصل الحد المنع والفصل بين الشيئين ومنه سمي المناهي حدود الله والمعنى فصل بيمرفقه وجنبه ومنع أن يلتصقا في حال استعلائهما على الفخذ كذا قاله الطيبي وقال المظهر أي رفع مرفقه عن فخذه وجعل عظم مرفقة كأنه رأس وتد فجعله مشدد الدال من الحدة وقال الأشرف ويحتمل أن يكون وحد مرفوعا مضافا إلى المرفق على الابتداء وقوله على فخذه الخبر والجملة حال وأن يكون منصوبا عطفا على مفعول وضع أي وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ووضع حد مرفقه اليمنى على فخذه اليمنى نقله ميرك وكتب تحته وفيه نظر ولعل وجه النظر أن وضع حد المرفق لا يثبت عن أحد العلماء ولا دلالة على ما قاله على ما قيل في حديث صححه البيهقي وهو أنه عليه السلام جعل مرفقه اليمنى على فخذه اليمنى كما لا يخفى كذا في المرقاة وقال ابن رسلان يرفع طرف مرفقه من جهة العضد عن فخذه حتى يكون مرتفعا عنه كما يرتفع الوتد عن الأرض ويضع طرفه الذي من جهة الكف على طرف فخذه الأيمن انتهى (وقبض ثنتين) أي الخنصر والبنصر من أصابع اليمنى (وحلق) بتشديد اللام (حلقة) بسكون اللام وتفتح أي أخذ إبهامه بأصبعه الوسطى كالحلقة (ورأيته) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يقول) أي يفعل (وحلق بشر) أي ابن المفضل (وأشار بالسبابة) قال العلماء خصت السبابة بالإشارة لاتصالها بنياط القلب فتحريكها سبب لحضوره قال في السبل وموضع الإشارة عند قوله لا إله إلا الله لما رواه البيهقي من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وينوي
[ 167 ]
بالإشارة التوحيد والاخلاص فيه فيكون جامعا في التوحيد بين الفعل والقول والاعتقاد ولذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاشارة بالأصبعين وقال احد احد لمن راه يشير بأصبعيه انتهى قال الإمام الخطابي في معالم السنن في هذا الحديث إثبات الإشارة بالسبابة وكان بعض أهل العراق لا يرى الإشارة بالسبابة وفيه إثبات التحليق بالإبهام والوسطى وكان بعض أهل المدينة لا يرى التحليق وقال يقبض أصابعه الثلاث ويشير بالسبابة وكان بعضهم يرى أن يحلق فيضع أنملته الوسطى بين عقدي الإبهام وإنما السنة أن يحلق برؤوس الأنامل من الإبهام والوسطى حتى يكون كالحلقة المستديرة لا يفضل من جوانبها شئ انتهى واعلم أنه قد ورد في وضع اليمنى على الفخذ حال التشهد هيئات إحداها التحليق كما في حديث الباب والثانية ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبتيه اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة قال الحافظ في التلخيص صورتها أن يجعل الإبهام معترضة تحت المسبحة والثالثة قبض كل الأصابع والإشارة بالسبابة كما في حديث ابن عمر عند مسلم بلفظ كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى والرابعة ما أخرجه مسلم من حديث ابن الزبير بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه السبابة ووضع إبهامه على أصبعه الوسطي ويلقم كفه اليسرى ركبته والخامسة وضع اليد اليمنى على الفخذ من غير قبض والإشارة بالسبابة وقد أخرج مسلم رواية أخرى عن ابن الزبير تدل على ذلك لأنه اقتصر فيها على مجرد الوضع والإشارة وكذلك أخرج عن ابن عمر ما يدل على ذلك وكذلك أخرج المؤلف والترمذي من حديث أبي حميد بدون ذكر القبض اللهم إلا أن تحمل الرواية التي لم يذكر فيها القبض على الرواية التي فيها القبض حمل المطلق على المقيد واعلم أن قوله في حديث ابن عمر وعقد ثلاثا وخمسين إشارة إلى طريقة معروفة تواطأت عليها العرب في عقود الحساب وهي أنواع من الآحاد والعشرات والمئين والألوف أما الآحاد فللواحد عقد الخنصر إلى أقرب ما يليه من باطن الكف وللاثنين عقد البنصر معها كذلك وللثلاثة عقد الوسطي معها كذلك وللاربعة حل الخنصر معها كذلك وللخمسة حل البنصر معها دون الوسطي وللستة عقد البنصر وحل جميع الأنامل وللسبعة بسطا الخنصر إلى أصل الإبهام مما يلي الكف وللثمانية بسط البنصر فوقها كذلك وللتسعة بسط الوسطي فوقها كذلك وأما العشرات فلها الإبهام والسبابة فللعشرة الأولى عقد رأس الإبهام على طرف
[ 168 ]
السبابة وللعشرين إدخال الإبهام بين السبابة والوسطى وللثلاثين عقد رأس السبابة على رأس الابهام عكس العشرة وللاربعين ولم تركيب الابهام على العقد الأوسط من السبابة وعطف الابهام إلى أصلها وللخمسين عطف الابهام على أصلها وللستين تركيب السبابة على ظهر الابهام عكس الأربعين وللسبعين إلقاء رأس الابهام على العقد الأوسط من السبابة ورد طرف السبابة إلى الابهام وللثمانين رد طرف السبابة إلى أصلها وبسط الابهام على جنب السبابة من ناحية الابهام وللتسعين عطف السبابة إلى أصل الابهام وضمها بالابهام وأما المئين فكا حاد إلى تسع مائة في اليد اليسرى والألوف كالعشرات في اليسرى قال المنذري وأخرجه النسائي ابن ماجه (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد أبي بكر الصديق (عن عبد الله بن عبد الله) بن عمر كما في الموطأ بن الخطاب المدني التابعي الثقة سمي باسم أبيه وكني بكنيته (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب وفي رواية الموطأ مالك عن عبد الرحمن ابن القاسم عن عبد الله بن عبد الله بن عمرانة أخبره وكذا في رواية البخاري ولفظه حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن عبد الله أنه أخبره قال الحافظ في الفتح هذا صريح في أن عبد الرحمن بن القاسم حمله عنه بلا واسطة وقد اختلف فيه الرواة عن مالك فأدخل معن بن عيسى وغيره عنه فيه بين عبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن عبد الله القاسم بن محمد والد عبد الرحمن فكأن عبد الرحمن سمعه من أبيه عنه ثم لقيه أو سمعه منه معه وثبته فيه أبوه انتهى (قال سنة الصلاة) هذه الصيغة حكمها الرفع إذا قالها الصحابي ولو بعد النبي صلى الله عليه وسلم بزمان كما هنا قال العيني في شرح البخاري تدل على أن هذا الحديث مسند لأن الصحابي إذا قال سنة فإنما يريد سنة النبي صلى الله عليه وسلم إما بقوله أو بفعل شاهد كذا قاله ابن التين انتهى (أن تنصب) أي لا تلصقه بالأرض (وتثني) بفتح أوله أي أن تعطف قال الحافظ في الفتح لم يبين في هذه الرواية ما يصنع بعد ثنيها هل يجلس فوقها أو يتورك ووقع في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدمه ثم قال أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمرو حدثني أن أباه كان يفعل ذلك انتهى
[ 169 ]
(قال سمعت يحيى) بن سعيد الأنصاري وروى النسائي من طريق عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أن القاسم حدثه عن عبد الله بن عمر عن أبيه قال من سنة الصلاة أن تنصب اليمنى وتجلس على اليسرى انتهى (أن القاسم بن محمد أراهم) ولفظ الموطأ مالك عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى رجله اليسرى وجلس على وركه الأيسر ولم يجلس على قدمه ثم قال أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمرو حدثني أن أباه كان يفعل ذلك فتبين من رواية القاسم ما أجمل في رواية ابنه وإنما اقتصر البخاري والمؤلف على رواية عبد الرحمن لتصريحه فيها بأن ذلك هو السنة لاقتضاء ذلك الرفع بخلاف رواية القاسم ورجح ذلك عند البخاري حديث أبي حميد المفصل بين الجلوس الأول والثاني على أن الصفة المذكورة قد يقال إنها لا تخالف حديث أبي حميد لأن في الموطأ أيضا عن عبد الله بن دينار التصريح بأن جلوس ابن عمر المذكور كان في التشهد الأخير وروى النسائي من طريق عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد كما تقدم انفا فإذا حملت هذه الرواية على التشهد الأول ورواية مالك على التشهد الأخير انتفى عنهما التعارض ووافق ذلك التفصيل المذكور في حديث أبي حميد قاله الحافظ (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي فقيه أهل الكوفة وأورد المزي هذه الرواية في الأطراف في كتاب المراسيل من رواية أبي داود وقال في ترجمة إبراهيم بن يزيد حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة افترش رجله اليسرى وتقدم في ترجمة عبد الله بن عبد الله بن عمر عن
[ 170 ]
أبيه انتهى كلام المزي (حتى اسود) من السواد أي من كثر ملابسة الأرض أو نحوها وأعلم أن هذه الرواية الخمسة أي من قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة إلى دونه حدثنا هناد بن السري ليست في رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكرها المنذري في مختصره ولم توجد في عامة النسخ وإنما وجدت في نسخة واحدة صحيحة وذكرها المزي في الأطراف وقال العيني في شرح البخاري في باب بيان سنة الجلوس في التشهد في ذكر من أخرج حديث عبيدالله بن عمر هذا غير البخاري ما نصه أخرجه أبو داود أيضا في الصلاة عن القعنبي وعن عبيدالله بن معاذ وعن عثمان بن أبي شيبة وعن هناد بن السري وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن الليث وعن الربيع بن سليمان انتهى كلامه باب من ذكر التورك في الرابعة (في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في محضر عشرة يعني بين عشرة وحضرتهم (قالوا فاعرض) بهمزة وصل أي إذا كنت أعلم فاعرض في النهاية يقال عرضت عليه أمر كذا أو عرضت الشئ أظهرته وأبرزته إليه اعرض بالكسر لا غير أي بين علمك بصلاته عليه السلام إن كنت صادقا فيما تدعيه لنوافقك إن حفظناه وإلا استنفدناه (ويفتخ) بالخاء المعجمة (أصابع رجليه) أي يثنيها ويلينها فيوجهها إلى القبلة وفي النهاية أي يلينها فينصبها ويغمز
[ 171 ]
موضع المفاصل ويثنيها إلى باطن الرجل يعني حينئذ قال وأصل الفتخ الكسر ومنه قيل للعقاب فتخ لأنها إذا انحطت كسرت جناحها قال ابن حجر المكي والمراد ههنا نصبها مع الاعتماد على بطونها وجعل رؤوسها للقبلة لخبر الصحيحين أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولخبر البخاري أنه عليه السلام سجد واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ومن لازمها الاستقبال ببطونها والاعتماد عليها كذا في المرقاة (ويرفع) أي رأسه مكبرا (ويثني) بفتح الياء الأولى أي يعطف (حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم) أي في عقبها التسليم (أخر) أي أخرج رجله اليسرى أي من تحت مقعدته إلى الأيمن (متوركا على شقه الأيسر) أي مفضيا بوركه اليسرى إلى الأرض غير قاعد على رجليه قال الطيبي التورك أن يجلس الرجل على وركه أي جانب إليته ويخرج رجله من تحته (قالوا) أي العشرة من الصحابة (صدقت) أي فيما قلت هكذا كان أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولم يذكر) أي أحمد بن حنبل ومسدد (في الثنتين) أي في الركعتين الأوليين (كيف جلس) والمعنى أن أحمد بن حنبل ومسددا لم يبينا في روايتهما كيفية الجلوس في الركعتين الأوليين وأما غيرهما فقد صرح في حديث أبي حميد هذا بأنه صلى الله عليه وسلم جلس في الأوليين مفترشا وفي حديث أبي حميد حجة قوية صريحة على أن المسنون في الجلوس في التشهد الأول الافتراش وفي الجلوس في الأخير التورك وهو مذهب الشافعي وهو الحق عندي والله تعالى أعلم قال النووي اختلف العلماء في أن الأفضل في الجلوس في التشهدين التورك أم الافتراش فمذهب مالك وطائفة تفضيل التورك فيهما ومذهب الشافعي رحمه الله وطائفة يفترش في الأول ويتورك في الأخير لحديث أبي حميد الساعدي ورفقته في صحيح البخاري وهو صريح في الفرق بين التشهدين قال الشافعي رحمه الله تعالى والأحاديث الواردة بتورك أو افتراش مطلقة لم يبين فيها
[ 172 ]
أنه في التشهدين أو أحدهما وقد بينه أبو حميد ورفقته ووصفوا الافتراش في الأول والتورك في الأخير وهذا مبين فوجب حمل ذلك المجمل عليه والله أعلم انتهى وقد قيل في حكمة المغايرة بينهما أنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات ولأن الأول تعقبه حركة بخلاف الثاني ولأن المسبوق إذ راه علم قدر ما سبق به واستدل به الشافعي أيضا على أن تشهد الصبح كالتشهد الأخير من غيره لعموم قوله حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم واختلف فيه قوأحمد والمشهور عنه اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه (بهذا الحديث) أي المذكور (ولم يذكر) أي عيسى بن إبراهيم المصري (أبا قتادة) كما ذكره أحمد بن حنبل ومسدد في روايتهما المذكورة حيث قالا منهم أبو قتادة (فإذا جلس في الركعتين) أي الأوليين (جلس على رجله اليسرى) زاد البخاري ونصب اليمنى (فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى) أي أخرجها من تحت مقعدته إلى الجانب الأيمن في هذا الحديث حجة قوية للشافعي ومن قال بقوله في أن هيئة الجلوس في التشهد الأول غير هيئة الجلوس في الأخير واعلم أن الحنفية ومن وافقهم حملوا هذا الحديث على العذر وعلى بيان الجواز وهو حمل يحتاج إلى دليل وذكر في إثبات مذهبهم وهو الافتراش في التشهدين أحاديث لا يثبت بها مطلوبهم منها حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرش رجله وينصب اليمنى وحديث وائل صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قعد وتشهد فرش رجله اليسرى أخرجه سعيد بن منصور وحديث المسئ صلاته أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا جلست فاجلس على فخذك اليسرى أخرجه أحمد وأبو داود وحديث ابن عمر أنه قال من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى رواه النسائي ولا يخفى على الفطن المنصف أن هذه الأحاديث وأمثالها بعضها لا يدل على مذهبهم صريحا بل يحتمله وغيره وما كان منها دالا صريحا لا
[ 173 ]
يدل على كونه في جميع القعدات على ما هو المدعى والحق أنه لم يوجد حديث يدل صريحا على استنان الجلوس على الرجل اليسرى في القعدة الأخيرة وحديث أبي حميد مفصل فليحمل مفصل المبهم على المفصل والله تعالى أعلم (فإذا قعد في الركعتين) أي الأوليين (أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض) أي مس بما لان من الورك الأرض قال الجوهري أفضى بيده إلى الأرض إذ مسها ببطن راحته (وأخرج قدميه من ناحية واحدة) وهي ناحية اليمنى والحديث يدل على نوع اخر من التورك وهو إخراج القدمين من ناحية واحدة لكن الحديث ضعيف وقال في المرقاة إطلاق اخراج على اليمنى تغليب لأن المخرج حقيقة هو اليسرى لا غير (فسجد فانتصب) أي ارتفع واعتمد (وهو جالس فتورك ونصب قدمه الأخرى) قد تقدمت هذه الرواية في باب افتتاح الصلاة بلفظ وهو ساجد ثم كبر فجلس فتورك ونصب قدمه الأخرى وهذه الرواية المتقدمة هي الصحيحة معنى وهذه الرواية تخالف رواية عبد الحميد في صفة الجلوس فإنها ظاهرة في الافتراش بين السجدتينن بين وفبعض الروايات فاعتدل على عقبه وصدور قدميه قال الحافظ فإن لم يحمل على التعدد فرواية عبد الحميد أرجح (ثم جلس بعد الركعتين) أي الأوليين (حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام قام بتكبير) هذا
[ 174 ]
يخالف في الظاهر رواية عبد الحميد حيث قال ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه كما كبر عند افتتاح الصلاة قال الحافظ ويمكن الجمع بينهما بأن التشبيه واقع على صفة التكبير لا على محله ويكون معنى قوله إذا قام أي أراد القيام أو شرع فيه (قال أبو داود ولم يذكر أي عيسى بن عبد الله (في حديثه ما ذكر عبد الحميد في التورك والرفع إذا قام من ثنتين) حاصله أن عبد الحميد ذكر التورك في التشهد ورفع اليدين حين القيام من الركعتين الأوليين ولم يذكرهما عيسى (فذكر هذا الحديث) قد تقدم الحديث في باب افتتاح الصلاة مطولا (ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته) قد احتج به القائلون بالافتراش في التشهد الأخير وأجيب بأن هذه الجلسة التي ذكرت هيئتها في هذا الحديث هي جلسة التشهد الأول بدليل الروايات المتقدمة فانه وصف هيئة الجلوس الأول بهذه الصفة ثم ذكر بعدها هيئة الجلوس الآخر وقد تقدم الكلام في هذه المسألة باب التشهد (قلنا السلام على الله قبل عباده) أي قبل السلام على عباده وهو ظرف قلنا قال ميرك كذا وقع في أصل سماعنا في المشكاة وفي صحيح البخاري بفتح القاف وسكون الموحدة ووقع في بعض النسخ منهما بكسر القاف وفتح الموحدة ويؤيده ما وقع في رواية البخاري
[ 175 ]
بلفظ السلام على الله من عباده انتهى والسلام على الله بمعنى الاعتراف بسلامته تعالى من كل نقض فعلى فيه بمعنى اللام (السلام على فلان وفلان) في رواية البخاري السلام على جبرئيل وميكائيل السلام على فلان وفلان وفي رواية عبد الله بن نمير عن الأعمش عند ابن ماجه يعنون الملائكة وفي بعض الروايات فنعد من الملائكة ما شاء الله (لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام) قال البيضاوي ما حاصله إنه أنكر التسليم على الله تعالى وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال فإن كل سلامة ورحمة له ومنه وهو مالكها ومعطيها وقال التوربشتي وجه النهي عن السلام على الله لأنه المرجوع إليه بالمسائل المتعالي عن المعاني المذكورة فكيف يدعى له وهو المدعو على الحالات وقال الخطابي المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا السلام على الله فإن السلام منه بدأ وإليه يعود ومرجع الأمر في إضافته إليه أنه ذو السلام من كل آفة وعيب ويحتمل أن يكون مرجعها إلى حظ العبد فيما يطلبه من السلامة من الآفات والمهالك كذا في الفتح (ولكن إذا جلس أحدكم فليقل) استدل به على وجوب التشهد خلافا لمن لم يقل به كمالك وأجاب بعض المالكية بأن التسبيح في الركوع والسجود مندوب وقد وقع الأمر به في قوله لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم اجعلوها في ركوعكم الحديث فكذلك التشهد وأجاب الكرماني بأن الأمر حقيقته الوجوب فيحمل عليه إلا إذا دل دليل على خلافه ولولا الإجماع على عدم وجوب التسبيح في الركوع والسجود لحملناه على الوجوب انتهى وفي دعوى هذا الإجماع نظر فإن أحمد يقول بوجوبه ويقول بوجوب التشهد الأول أيضا وقد جاء عن ابن مسعود التصريح بفرضية التشهد وذلك فيما رواه الدارقطني وغيره بإسناد صحيح من طريق علقمة عن ابن مسعود كنا لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا التشهد (التحيات لله) أي دون غيره قيل التحية تفعله من الحياة بمعنى الاحياء والتبقية وقيل التحية الملك سمي بها لأن الملك سبب تحية مخصوصة كقولهم أبيت اللعن وأسلم وأنعم (والصلوات) قيل المراد الخمس أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافذ أهل في كل شريعة وقيل المراد العبادات كلها وقيل الدعوات وقيل المراد الرحمة وقيل التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية والطيبات الصدقات المالية (والطيبات) أي ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به وقيل الطيبات ذكر الله وقيل الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم قال القاضي يحتمل أن يكون الصلوات والطيبات معطوفتين حديث على التحيات ويحتمل أن
[ 176 ]
يكون الصلوات مبتدأ وخبرها محذوف والطيبات معطوفة عليها والواو الأولى لعطف الجملة على الجملة التي قبلها والثانية لعطف المفرد على الجملة انتهى (السلام عليك) قيل معناه اسم السلام أي اسم الله عليك فإنه من أسمائه تعالى لأنه المسلم لعباده من الآفات وقال الزهري السلام بمعنى التسليم ومن سلم الله عليه من الآفات كلها وقيل السلامة من الآفات كلها عليك قال النووي يجوز فيه وفيما بعده أي السلام حذف اللام وإثباتها والإثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين انتهى قال الحافظ لم يقع في شئ من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام وإنما اختلف ذلك في حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم فإن قيل كيف شرع هذا اللفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهيا عنه في الصلاة فالجواب أن ذلك من خصائصه (ورحمة الله) أي إحسانه وهي لغة عطف وميل نفساني غايته التفضل والإحسان والإنعام أو إرادة ذلك ولاستحالة ذلك على الله تعالى أريد بها غايتها التي هي صفة فعل أو صفة ذات قاله في المرقاة (وبركاته) وهو اسم لكل خير فائض منه تعالى على الدوام وقيل البركة الزيادة في الخير وإنما جمعت البركة دون السلام والرحمة لأنهما مصدران (السلام علينا) استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء وفي الترمذي مصححا من حديث أبي بن كعب أن رسول الله كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه وأصله في مسلم قاله الحافظ (وعلى عباد الله الصالحين) الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده (إذا قلتم ذلك أصاب) فاعله ضمير ذلك أي أصاب ثواب هذا الدعاء أو بركته (كل عبد صالح) قيد به لأن التسليم لا يصلح للمفسد والصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد وقيل المراد به كل مسلم أو بين السماء والأرض شك من الراوي (ثم ليتخير) أي ليختر (من الدعاء أعجبه إليه) أي أحب الدعاء وأرضاه من الدين والدنيا والآخرة واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة والمعروف في كتب الحنيفة أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القران أو ثبت في الحديث وعبارة بعضهم ما كان مأثورا قال قائلهم والمأثور أعم من أن يكون مرفوعا أو غير مرفوع لكن ظاهر حديث الباب يرد عليهم قاله الحافظ
[ 177 ]
قال الترمذي حديث ابن مسعود روي عنه من غير وجه وهو أصح حديث روى في التشهد والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم قال وذهب الشافعي إلى حديث ابن عباس في التشهد انتهى وقال البزار لما سئل عن أصح حديث في التشهد قال هو عندي حديث ابن مسعود وروي من نيف وعشرين طريقا ثم سرد أكثرها وقال لا أعلم في التشهد أثبتمنه ولا أصح أسانيد ولا أشهر رجالا ذكره الحافظ وقال لا اختلاف بين أهل الحديث فذلك وممن جزم بذلك البغوي في شرح السنة ومن رجحانه أنه متفق عليه دون غيره وأن الرواة عنه من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره وأنه تلقاه عن النبي تلقينا كما روى الطحاوي بلفظ أخذت التشهد من في رسول الله ولقننيه كلمة كلمة قال ورجح بأنه ورد بصيغة الأمر بخلاف غيره فإنه مجرد حكاية ولأحمد من حديث ابن مسعود أن رسول الله علمه وأمره أن يعلمه الناس ولم ينقل ذلك لغيره ففيه دليل على مزيته وقال الشافعي بعد أن أخرج حديث ابن عباس رويت أحاديث في التشهد مختلفة وكان هذا أحب إلي لأنه أكملها وقد اختار مالك وأصحابه تشهد عمر لكونه علمه للناس وهو على المنبر ولم ينكروه فيكون إجماعا ولفظه نحو حديث ابن عباس إلا أنه قال الزاكيات بدل المباركات وكأنه بالمعنى قال ثم إن هذا الاختلاف إنما هو في الأفضل ونقل جماعة من العلماء الاتفاق على جواز التشهد بكل ما ثبت انتهى ملخصا قال الإمام الخطابي في المعالم واختلفوا في التشهد هل هو واجب أم لا فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال من لم يتشهد فلا صلاة له وبه قال الحسن البصري وإليه ذهب الشافعي ومذهب مالك قريب منه وقال الزهري وقتادة وحماد إن ترك التشهد حتى انصرف مضت صلاته وقال أصحاب الرأي التشهد والصلاة على النبي واله مستحب غير واجب والقعود قدر التشهد واجب انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأخرجه الترمذي من حديث الأسود بن يزيد عن ابن مسعود
[ 178 ]
(قد علم) على البناء للمجهول من التعليم أي علم من الله تعالى ما لم يعلمه (وكان يعلمنا كلمات) أي غير التشهد وهي اللهم ألف بين قلوبنا إلخ (ألف بين قلوبنا) أي أوقع الألفة بينها (وأصلح ذات بيننا) أي أصلح أحوال بيننا قال في المجمع ذات الشئ نفسه وحقيقته والمراد ما أضيف إليه ومنه إصلاح ذات البين أي إصلاح أحوال بينكم حتى يكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق قال ولما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها ذات البين (سبل السلام) جمع سبيل أي طرق السلامة (وجنبنا الفواحش) أي الكبائر كالزنا (ما ظهر منها وما بطن) أي علانيتها وسرها (أتمها) أمر من الإتمام (إذا قلت هذا أو قضيت هذا إلخ) قال الخطابي في المعالم قد اختلفوا في هذا الكلام هل هو من قول النبي أو من قول ابن مسعود فإن صح مرفوعا إلى النبي ففيه دلالة على أن الصلاة على النبي في التشهد غيواجبة وقوله عليه السلام قد قضيت صلاتك يريد معظم الصلاة من القران والذكر والخفض والرفع وإنما بقي عليه الخروج منها بالسلام وكنى عن التسليم بالقيام إذا كان القيام إنما يقع عقب السلام ولا يجوز أن يقوم بغير تسليم لأنه تبطل صلاته لقوله عليه السلام تحريمها التكبير وتحليلها التسليم قال المنذري وأخرجه النسائي مختصرا وقال أبو بكر الخطيب قوله فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك وما بعده إلى اخر الحديث ليس من كلام النبي وإنما هو قول ابن مسعود أدرج في الحديث وقد بينه شبابة بن سوار في روايته عن زهير بن معاوية وفصل كلام ابن مسعود من كلام
[ 179 ]
النبي وكذلك رواه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن الحسين بن أبي الحسين مفصلا مبينا انتهى قال أبو الحسن السندي في شرح شرح النخبة وأما قول الخطابي في المعالم اختلفوا فيه هل هو من قول النبي أو من قول ابن مسعود فأراد اختلاف الرواة في وصله وفصله لااختلاف الحفاظ فأنهم متفقون على أنها مدرجة كذا قاله العراقي انتهى (قال ابن عمر زدت فيها وبركاته) ثبتت زيادة بركاته في الصحيحين وغيرهما مرفوعة (زدت فيها وحده لا شريك له) هذه الزيادة أيضا ثبتت في حديث أبي موسى عند مسلم وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني إلا أن سنده ضعيف (حطان) بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء (الرقاشي) بمفتوحة وخفة قاف وشين معجمة نسبة إلى رقاش بنت ضبيعة بن قيس وهي قبيلة من بني ربيعة (أقرت) من القرار أي أثبتت وأديمت عند قال النووي معناه قرنت وأقرت معهما وصار الجميع مأمورا به (بالبر) بالكسر الخير والفضل (والزكاة) أي الطهارة من الذنوب والآثام ومنه قوله تعالى (وتزكيهم بها) أي تطهرهم بها كذا في الصحاح للجوهري (فلما انفتل) أي انصرف من الصلاة (فأرم القوم) بفتح الراء وتشديد الميم قال الحافظ بن الأثير أي سكتوا ولم يجيبوا يقال أرم فهو مرم ويروى فأزم بالزاي وتخفيف الميم وهو بمعناه لأن الأزم امساك عن الطعام والكلام انتهى
[ 180 ]
كلامه وأيضا قال النووي في شرح مسلم هو بفتح الرا وتشديد الميم أي سكتوا (لقد رهبت أن تبكعني) هو بفتح المثناة في أوله وإسكان الموحدة بعدها أي تبكتني بها وتوبخني قال الأصمعي يقال بكعت الرجل بكعا إذا استقبله بما يكره (فأقيموا صفوفكم) أمر بإقامة الصفوف وهو مأمور به بإجماع الأمة والمراد تسويتها والإعتدال فيها وتتميم الأول فالأول منها والتراص فيها (ثم ليؤمكم أحدكم) فيه الأمر بالجماعة في المكتوباب لأنه ولا خلاف في ذلك ولكن اختلفوا في أنه أمر ندب أم إيجاب على أربعة مذاهب فالراجح عند الشافعي رحمه الله تعالى وعند أكثر أصحابه أنها فرض كفاية إذا فعله من يحصل به إظهار هذا الشعار سقط الحرج من الباقين وإن تركوه كلهم أثموا كلهم وقالت طائفة من أصحابه هي سنة وقال ابن خزيمة هي فرض عين لكن ليست بشرط فمن تركها وصلى منفردا بلا عذر أثم وصحت صلاته وقال بعض أهل الظاهر هي شرط لصحة الصلاة (فإذا كبر فكبروا) فيه أمر المأموم بأن يكون تكبيره عقب تكبير الإمام ويتضمن مسألتين إحداهما أنه لا يكبر قبله ولا معه بل بعده فلو شرع المأموم في تكبيرة الإحرام ناويا الاقتداء بالإمام وقد بقي للامام منها حرف لم يصح إحرام المأموم بلا خلاف لأنه نوى الاقتداء بمن لم يصر إماما بل بمن سيصير إماما إذا فرغ من التكبير والثانية أنه يستحب كون تكبيرة المأموم عقب تكبيرة الإمام ولا يتأخر فلو تأخر جاز وفاته كمال فضيلة تعجيل التكبير قاله النووي (وإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا امين) فيه دلالة ظاهرة لما قاله بعض علماء الشافعية وغيرهم إن تأمين المأموم يكون مع تأمين الإمام لا بعده فإذا قال الإمام ولا الضالين قال الإمام والمأموم معا امين وتأولوا قوله إذا أمن الإمام فأمنوا قالوا معناه إذا أراد التأمين ليجمع بينه وبين هذا الحديث وهو يريد التأمين في آخر قوله ولا الضالين فيعقب إرادته تأمينه وتأمينكم معا وفي امين لغتان المد والقصر أفصح والميم خفيفة فيهما ومعناه استجب قاله النووي (يحبكم الله) بالحاء المهملة من الحب هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها بالجيم
[ 181 ]
يجيبكم الله وهكذا في رواية مسلم قال النوو أي يستحب دعاءكم وهذا حث عظيم على التأمين فيتأكد الاهتمام به (فتلك بتلك) معناه اجعلوا تكبير للركوع وركوعكم بعد تكبيره وركوعه وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه ومعنى تلك بتلك أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تجبر لكم بتأخيركم في الركوع بعد رفعه لحظة فتلك اللحظة وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه وقال بمثله في السجود وقال الخطابي فيه وجهان أحدهما أن يكون ذلك مردودا إلى قوله وإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا امين يجيبكم الله يريد أن كلمة امين يستجاب بها الدعاء الذي تضمنته السورة والآية كأنه قال فتلك الدعوة متضمنة بتلك الكلمة أو معلقة بها والآخر أن يكون ذلك معطوفا على ما يليه من الكلام وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا يريد أن صلاتكم معلقة بصلاة إمامكم فاتبعوه وائتموا به ولا تختلفوا عليه إنما تصح وتثبت بتلك (وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم) قال النووي فيه دلالة لما قاله أصحابنا وغيرهم أنه يستحب للإمام الجهر بقوله سمع الله لمن حمده وحينئذ يسمعونه فيقولون وفيه دلالة لمذهب من يقول لا يزيد المأموم على قوله ربنا لك الحمد ولا يقول معه سمع الله لمن حمده ومذهبنا أنه يجمع بينهما الإمام والمأموم والمنفرد لأنه ثبت أنه جمع بينهما وثبت أنه قال صلوا كما رأيتموني أصلي ومعنى سمع الله لمن حمده أي أجاب دعاء من حمده ومعي يسمع الله لكم يستجيب دعاء كم قوله ربنا لك الحمد هكذا هو هنا بلا واو وفي غير هذا الموضع ربنا ولك الحمد وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الواو وبحذفها وكلاهما جاءت به روايات كثيرة والمختار أنه على وجه الجواز وأن الأمرين جائزان ولا ترجيح لأحدهما على آخر (فليكن من أول قول أحدكم أن يقول التحيات) استدل جماعة بهذا على أنه يقول في أول جلوسه التحيات ولا يقول بسم الله وليس هذا الاستدلال بواضح لأنه قال فليكن من أول ولم يقل فليكن أول قاله النووي والله أعلم
[ 182 ]
(زاد فإذا قرأ فانصتو) واعلم أن هذه الزيادة وهي قوله وإذا قرأ فأنصتوا مما اختلف الحفاظ في صحته فروى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي داود السجستاني أن هذه اللفظة ليست بمحفوظة وكذلك رواه عن يحيى بن معين وأبي حاتم الرازي والدارقطني والحافظ أبي على النيسابوري شيخ الحاكم أبي عبد الله قال البيهقي قال أبو علي الحافظ هذه اللفظة غير محفوظة قد خالف سليمان التيمي فيها جميع أصحاب قتادة واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفها مقدم على تصحيح مسلم لها لا سيما ولم يروها مسندة في صحيحه والله أعلم انتهى كلامه وقال الزيلعي روي هذا من حديث أبي موسى ومن حديث أبي هريرة فحديث أبي موسى رواه مسلم في صحيحه في باب القراءة والركوع والسجود والتشهد فقال وحدثنا أبو غسان المسمعي حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي ونحوه وحدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن سليمان التيمي عن قتادة بهذا الإسناد مثله يعني حديث قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى الأشعري عن النبي فذكر حديث إذا كبر الإمام فكبروا قال مسلم وفي حديث جرير عن سليمان عن قتادة من الزيادة وإذا قرأ فأنصتوا ثم قال قال أبو إسحاق يعني صاحب مسلم قال أبو بكر بن أخت أبي النضر في هذا الحديث أي طعن فيه فقال مسلم تريد أحفظ من سليمان التيمي فقال له أبو بكر فحديث أبي هريرة يعني وإذا قرأ فأنصتوا فقال مسلم هو عندي صحيح فقال لم لم تضعه ههنا فقال ليس كل شئ عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما اجتمعوا عليه انتهى كلام مسلم قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وقد تقدم الكلام على قوله وإذا قرأ فأنصتوا في باب الإمام يصلي من قعود في الجزء الرابع
[ 183 ]
(يعلمنا التشهد) سمي باسم جزئه الأشرف كما هو القاعدة عند البلغاء في تسمية الكل باسم البعض (كما يعلمنا القران) فيه دلالة على اهتمامه وإشارة إلى وجوبه (وكان يقول التحيات المباركات) أي الناميات (الصلوات الطيبات لله) قال بعض العلماء ومن جملة ما يرجح تشهد ابن مسعود أن واو العطف تقتضي المغايرة فتكون كل جملة ثناء مستقلا بخلاف ما إذا سقطت فإن ما عدا اللفظ الأول يكون صفة له فيكون جملة واحدة في الثناء والأول أبلغ وحذف واو العطف ولو كان جائزا لكن التقدير خلاف الظاهر لأن المعنى صحيح بدون تقديرها (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) قال الطيبي يجوز فيه وفيما بعده أعني (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) حذف اللام وإثباته والإثبات أفضل وهو الموجود في رواية الصحيحين قلت بل في الصحاح الست (وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) انفرد ابن عباس بهذا اللفظ إذ في سائر التشهدات الواردة عن عمرو ابن مسعود وجابر وأبي موسى عبد الله بن الزبير كلها بلفظ وأشهد أني محمدا عبده ورسوله وأما قول الرافعي المنقول أنه كان يقول في تشهده وأشهد أن رسول الله فمردود بأنه لا أصل له قاله علي القاري قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فقولوا التحيات) قال النووي جمع تحية وهي للملك قيل البقاء وقيل العظمة وقيل الحياة وإنما قيل التحيات بالجمع لأن ملوك العرب كان كل واحد منهم يحييه أصحابه بتحية مخصوصة فقيل جميع تحياتهم لله تعالى وهو المستحق لذلك حقيقة والمباركات والزاكيات في حديث عمر رضي الله عنه بمعنى واحد والبركة كثرة الخير وقيل النماء وكذا
[ 184 ]
الزكاة أصلها النماء (والطيبات) أي الكلمات الطيبات (والصلوات) هي الصلوات المعروفة وقيل الدعوات والتضرع وقيل الرحمة أي الله المتفضل بها (ثم سلموا) فقيل معناه التعويذ بالله والتحصين به سبحانه وتعالى فإن السلام اسم له سبحانه وتعالى تقديره الله عليكم حفيظ وكيل كما يقال الله معك أي بالحفظ والمعونة واللطف وقيل معناه السلامة والنجاة لكم ويكون مصدرا كاللذاذ واللذاذ كما قال الله تعالى (فسلام لك من أصحاب اليمين) أما السلام الذي في اخر الصلاة وهو سلام التحليل فاختلف العلماء فيه فمنهم من جوز الأمرين فيه هكذا ويقول الألف واللام أفضل ومنهم من أوجب الألف واللام لأنه لم ينقل إلا بالألف واللام ولأنه تقدم ذكره في التشهد فينبغي أن يعيده بالألف واللام ليعود التعريف إلى سابق كلامه كما يقول جاءني رجل فأكرمت الرجل انتهى (قال أبو داود ودلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة) وفي سنن أبي داود في باب اتخاذ المساجد في الدور عن سمرة بن جندب أنه كتب إلى بنيه أما بعد فإن رسول الله الحديث فثبت أنه كان عند أبناء سمرة صحيفة من سمرة وأنهم جمعوا ما كتب إليهم سمرة فصارت هذه المكاتيب عندهم بمنزلة الصحيفة والكتاب وأما قول المؤلف دلت هذه الصحيفة فوجه دلالتها وتعلقها بالباب أن هذا اللفظ الذي رواه سليمان بن سمرة عن أبيه بقوله أما بعد فإن رسول الله إلخ من ألفاظ الصحيفة التي أملاها سمرة ورواها عنه ولده سليمان فأراد أبو داود أن سليمان بن سمرة كما صح سماعه من أبيه بهذه الصحيفة وغيرها كذلك الحسن البصري صح سماعه بهذه الصحيفة وغيرها من سمرة لأن كل منهما أي سليمان بن سمرة وكذا الحسن بن يسار من الطبقة الثالثة فدل ذلك أن الحسن سمع من سمرة كما أن سليمان بن سمرة سمع من أبيه سمرة لأنهما من الطبقة الثالثة فلما سمع سليمان من أبيه سمرة فلا مانع أن يكون الحسن سمع منه وأن أبا داود من القائلين بأن الحسن البصري ثبت سماعه من سمرة وإن كان عند بعضهم أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة وما عدا ذلك فصحيفة يرويها عن سمرة من غير سماع منه ويدل على ذلك ما قاله الإمام الترمذي في جامعه في باب ما جاء في الصلاة الوسط أنها العصر حدثنا عبدة عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي أنه قال في الصلاة الوسطى صلاة العصر قال أبو عيسى قال محمد قال علي بن عبد الله حديث الحسن عن سمرة حسن وقد سمع منه وقال أيضا في هذا
[ 185 ]
الباب قال محمد قال علي سماع الحسن من سمرة صحيح واحتج بهذا الحديث يعني حديث العقيقة وفي الترمذي أيضا في باب احتلاب المواشي إذن الأرباب حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي قال إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه الحديث هذا حديث حسن غريب صحيح قال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقالوا إنما يحدث عن صحيفة سمرة انتهى لكن قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة الحسن البصري بعد نقل كلام المؤلف لم يظهر لي وجه الدلالة بعد والله أعلم كذا في غاية المقصود شرح سنن أبي داود باب الصلاة على النبي بعد التشهد الصلاة الدعاء والرحمة والاستغفار وحسن الثناء من الله تعالى على رسوله وهو من العباد طلب إفاضة الرحمة الشاملة لخير الدنيا والآخرة من الله تعالى عليه وقد أمر المؤمنين به وقد أجمعوا على أنه للوجوب فهي واجبة في الجملة فقيل يجب كلما جرى ذكره وقيل الواجب الذي به يسقط المأثم هو الإتيان بها مرة كالشهادة بنبوته وما عدا ذلك فهو مندوب كذا في اللمعات وقال في المرقاة اعلم أن العلماء اختلفوا في أن الأمر في قوله تعالى يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما هل هو للندب أو للوجوب ثم هل الصلاة عليه فرض عين أو فرض كفاية ثم هل تتكرر كلما سمع ذكره أم لا وإذا تكرر هل تتداخل في المجلس أم لا فذهب الشافعي إلى أن الصلاة في القعدة الأخيرة فرض والجمهور على أنها سنة والمعتمد عندنا الوجوب والتداخل انتهى والكلام في هذه المسألة طويل وقد أجاد وأحسن وأطال الشيخ العلامة الخفاجي في نسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض والإمام ابن القيم في جلاء الأفهام (عن كعب بن عجرة) بضم العين وسكون الجيم (فقد عرفناه) يعني بما تقدم في أحاديث التشهد وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وهو يدل على تأخير مشروعية الصلاة عن التشهد (فكيف نصلي عليك) فيه أنه يندب لمن أشكل عليه كيفية ما فهم جملته أن
[ 186 ]
يسأل عنه من له به علم (قولوا اللهم إلخ) استدل بذلك على وجوب الصلاة عليه بعد التشهد وإلى ذلك ذهب عمر وابنه عبد الله وابن مسعود وجابر بن زيد والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وأبو جعفر الباقر والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وابن المواز واختاره القاضي أبو بكر بن العربي وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وآخرون قال الطبري والطحاوي إنه أجمع المتقدمون والمتأخرون على عدم الوجوب قال الشوكاني ودعوى الإجماع من الدعاوى الباطلة لما عرفت من نسبة القول بالوجوب إلى جماعة من الصحابة والتابعين والفقهاء ولكنه لا يتم الاستدلال على وجوب الصلاة بعد التشهد بما في حديث الباب من الأمر بها وبما في سائر أحاديث الباب لأن غايتها الأمر بمطلق الصلاة عليه وهو يقتضي الوجوب في الجملة فيحصل الامتثال بايقاع فرد منها خارج الصلاة فليس فيها زيادة على ما في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ولكنه يمكن الاستدلال لوجوب الصلاة في الصلاة بما أخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي وصححوه وابن خزيمة في صحيحه والدارقطني من حديث أبي مسعود بزيادة كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا وفي رواية كيف نصلي عليك في صلاتنا وغاية هذه الزيادة أن يتعين بها محل الصلاة عليه وهو مطلق الصلاة وليس فيها ما يعين محل النزاع وهو إيقاعها بعد التشهد الأخير ويمكن الاعتذار عن القول بالوجوب بأن الأوامر المذكورة في الأحاديث تعليم كيفية وهي لا تفيد الوجوب فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره إذا أعطيتك درهما فكيف أعطيك إياه أسرا أم جهرا فقال له أعطنيه سرا كان ذلك أمرا بالكيفية التي هي السرية لا أمرا بالإعطاء وتبادر هذا المعنى لغة وشرعا وعرفا لا يدفع وقد تكرر في السنة وكثر فمنه إذا قام أحدكم الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين الحديث وأطال الكلام في نيل الأوطار (وآل محمد) بحذف على وسائر الروايات كذا في نيل الأوطار وفي المرقاة قيل الآل من حرمت عليه الزكا كبني هاشم وبني المطلب وقيل كل تقي آله ذكره الطيبي وقيل المراد بالآل جميع أمة الإجابة وقيل المراد بالآل الأزواج ومن حرمت عليه الصدقة ويدخل فيهم الذرية وبذلك يجمع بين الأحاديث وقال ابن حجر المكي هم مؤمنو بني هاشم والمطلب عند الشافعي وجمهور العلماء وقيل أولاد فاطمة ونسلهم وقيل أزواجه وذريته
[ 187 ]
لأنهم ذكروا جملة في رواية ورد بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة في حديث واحد وقيل كل مسلم ومال إليه مالك واختاره الزهري وآخرون وهو قول سفيان الثوري وغيره ورجحه النووي في شرح مسلم وقيده القاضي حسين بالأتقياء ويؤيده ما روى تمام في فوائده والديلمي عن أنس قال سئل رسول الله من آل محمد فقال كل تقي من آل محمد زاد الديملي ثم قرأ إن أولياؤه إلا المتقون (كما صليت على إبراهيم) ذكر في وجه تخصيصه من بين الأنبياء وجوه أظهرها كونه جد النبي وقد أمرنا بمتابعته في أصول الدين أو في التوحيد المطلق والانقياد المحقق انتهى كذا في المرقاة وقال في نيل الأوطار واستشكل جماعة من العلماء التشبيه للصلاة عليه بالصلاة على إبراهيم كما وقع في هذه الرواية أو على آل إبراهيم كما في بعض الرواية مع أن المشبه دون المشبه به في الغالب وهو أفضل من إبراهيم وآله وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن المشبه مجموع الصلاة على محمد وآله بمجموع الصلاة على إبراهيم وآله وفي آل إبراهيم معظم الأنبياء فالمشبه به أقوى من هذه الحيثية ومنها أن التشبيه وقع لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر ومنها أن التشبيه وقع في الصلاة على الآل لا على النبي وهو خلاف الظاهر ومنها أنه كان ذلك منه قبل أن يعلمه أنه أفضل من إبراهيم ومنها أن مراده أن يتم النعمة عليه كما أتمها على إبراهيم وآله ومنها أن مراده أن يبقي له لسان صدق في الآخرين كإبراهيم ومنها أنه سأل أن يتخذه الله خليلا كإبراهيم (وبارك على محمد) البركة هي الثبوت والدوام من قولهم برك البعير إذا ثبت ودام أي أدم شرفه وكرامته وتعظيمه (إنك حميد مجيد) أي محمود الأفعال مستحق لجميع المحامد لما في الصيغة من المبالغة وهو تعليل لطلب الصلاة منه والمجيد المتصف بالمجد وهو كمال الشرف والكرم والصفات المحمودة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (بإسناده بهذا) أي الحديث (وعلى آل محمد) أصل آل أهل فأبدلت الهاء همزة ثم الهمزة ألفا بدل عليه تصغير على أهيل ويختص بالأشهر الأشرف كقولهم القراء آل محمد ولا يقال آل الخياط والاسكاف اختلفوا في الآل من هم قيل من حرمت عليه الزكاة كبني هاشم
[ 188 ]
وبني المطلب والفاطمة والحسن والحسين وعلي وأخويه جعفر وعقيل وأعمامه العباس والحارث وحمزة وأولادهم وقيل كل تقي آله ذكره الطيبي وتقدم آنفا بيانه (كما صليت على آل إبراهيم) هم إسماعيل وإسحاق وأولادهما وقد جمع الله لهم الرحمة والبركة بقوله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ولم يجمعا لغيرهم فسأل النبي إعطاء ما تضمنته الآية قال ابن تيمية في المنتقى تحت حديث كعب بن عجرة هذا الحديث رواه الجماعة أي بلفظ كما صليت على آل إبراهيم وكما باركت على آل إبراهيم إلا أن الترمذي قال فيه على إبراهيم في الموضعين لم يذكر آله انتهى (أخبرني أبو حميد) بالتصغير واختلف في اسمه (قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك) قال علي القاري جاء في بعض طرق الحديث بسند جيد سبب هذا السؤال ولفظه لما نزلت إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قالوا يا رسول الله هذا السلام عليك قد علمنا ما هو فكيف تأمرنا أن نصلي عليك (قولوا اللهم) أي يا الله فالميم عوض عن ياء ومن ثم شذ الجمع بينهما وقيل الميم مقتطعة من جملة أخرى أي يا الله أمنا بخير وقيل زائدة للتفخيم وقيل دالة على الجمع كالواو أي يا من اجتمعت له الأسماء الحسنى ويؤيده قول الحسن البصري اللهم مجتمع الدعاء وقول النضر بن شميل من قال اللهم فقد سأل الله بجميع أسمائه وقول أبي رجاء الميم مفعول المضعف سمي به بإلهام من الله لجده
[ 189 ]
عبد المطلب ليحمده أهل السماء والأرض وقد حقق الله رجاءه ومن ثم كان يقول كما أخرجه البخاري في تاريخه وشق أخبرنا له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد وهو أشهر أسمائه لأن الله جمع له من المحامد وصفات الحمد ما لم يجمعه لغيره ومن ثم كان بيده لواء الحمد وكان صاحب المقام المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون وألهم من مجامع الحمد حين يسجد بين يدي ربه للشفاعة العظمى في فصل القضاء التي هي المقام المحمود ما لم يفتح به عليه قبل ذلك وسميت أمته الحمادون لحمدهم على السراء والضراء وأما أحمد فلم يسم به غيره قط وأما محمد فكذلك قبل أوان ظهوره وبعده مد أناس أعناقهم إلى رجائهم غفلة عن أن الله أعلم حيث يجعل رسالته فسموا أبنائهم محمدا حتى بلغوا خمسة عشر نفسا هذا وقد قال بعض العلماء إن زيادة وارحم محمدا وآل محمد كما رحمت على إبراهيم كما يقوله بعض الناس وربما يقولون ترحمت بالتاء لم يرد بل غير صحيح إذ لا يقال رحمت عليه ولأن الترحم فيه معنى التكلف والتصنع فلا يحسن إطلاقه على الله تعالى وقال النووي هي بدعة لا أصل لها ووافقه العلماء بعده (وأزواجه وذريته) بضم المعجمة وقال ابن حجر ويجوز كسرها من الذرء أي الخلق وسقطت الهمزة وقيل غير ذلك وهي نسل الإنسان من ذكر أو أنثى وعند أبي حنيفة وغيره لا يدخل فيه أولاد البنات إلا أولاد بناته عليه السلام لأنهم ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها فهم هنا أولاد فاطمة رضي عنها وكذا غيرها من بناته لكن بعضهن لم يعقب وبعضهن انقطع عقبه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال أتانا رسول الله) قال الشوكاني في النيل الحديث أخرجه أيضا أبو داود بن خزيمة وابن حبان والدارقطني وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي
[ 190 ]
وصححه وزاد والنبي الأمي بعد قوله قولوا اللهم صل على محمد وزاد أبو داود بعد قوله كما باركت على آل إبراهيم لفظ في العالمين وفي الباب عن كعب بن عجرة عند الجماعة وعن علي عند النسائي وعن أبي هريرة عند أبي داود وعن طلحة بن عبيدالله عند النسائي بلفظ اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وفي رواية وآل محمد في الموضعين ولم يقل فيهما وآل إبراهيم وعن أبي سعيد عند البخاري والنسائي ابن ماجه بلفظ قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم وعن بريدة عند أحمد بلفظ اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وفيه أبو داود الأعمى نفيع وهو ضعيف جدا وعن زيد بن خارجة عند أحمد والنسائي بلفظ قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعن أبي حميد عند الشيخين وعن رويفع بن ثابت وجابر وابن عباس عند المستغفري في الدعوات قال النووي في شرح المهذب ينبغي أن تجمع ما في الأحاديث الصحيحة فتقول اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد قال العراقي بقي عليه مما في الأحاديث الصحيحة ألفاظ أخر وهي خمسة يجمعها قولك اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد انتهى وهذه الزيادات التي ذكرها العراقي ثابتة في أحاديث الباب التي ذكرها ابن تيمية في المنتقي وقد وردت زيادات غير هذه في أحاديث أخر عن علي وابن مسعود وغيرهما ولكن فيها مقال انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وفي رواية اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد تم كلامه
[ 191 ]
(بالمكيال) بكسر الميم وهو ما يكال به وفيه دليل على أن هذه الصلاة أعظم أجرا من غيرها وأوفر ثوابا (أهل البيت) الأشهر فيه النصب على الاختصاص ويجوز إبداله من ضمير علينا (فليقل اللهم صل على محمد) قال الإسنوي قد اشتهر زيادة سيدنا قبل محمد عند أكثر المصلين وفي كون ذلك أفضل نظر وقد روي عن ابن عبد السلام أنه جعله من باب سلوك الأدب وهو مبني على أن سلوك طريق الأدب أحب من الامتثال ويؤيده حديث أبي بكر حين أمره أن يثبت مكانه فلم يمتثل وقال ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يد رسول الله وكذلك امتناع على محو اسم النبي من الصحيفة في صلح الحديبية بعد أن أمره بذلك وقال لا أمحو اسمك أبدا وكلا الحديثين في الصحيح فتقريره لهما على الامتناع من امتثال الأمر تأدبا مشعر بأولويته والحديث استدل به القائلون بأن الزوجات من الآل والقائلون إن الذرية من الآل وهو أدل دليلا على ذلك لذكر الآل فيه مجملا ومبينا والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي عن المجمر عن أبي هريرة عن وقد اختلف فيه على أبي جعفر وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن عاصم عن حبان بن يسار الكلابي عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي عن أبي جعفر عن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي عن النبي بلفظ حديث أبي هريرة وقد اختلف فيه على أبي جعفر وعلى حبان بن يسار باب ما يقول بعد التشهد (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر) فيه تعيين محل هذه الاستعاذة بعد التشهد الأخير
[ 192 ]
وهو مقيد وحديث عائشة المروي في الصحيحين والسنن بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر الحديث مطلق فيحمل عليه وهو يرد ما ذهب إليه ابن حزم من وجوبها في التشهد الأول وما ورد من الاذن للمصلي بالدعاء بما شاء بعد التشهد يكون بعد هذه الاستعاذة لقوله إذا فرغ (فليتعوذ بالله) استدل بهذا الأمر على وجوب الاستعاذة وقد ذهب إلى ذلك بعض الظاهرية وفي السبل والحديث دليل على وجوب الاستعاذة مما ذكر وهو مذهب الظاهرية وابن حزم منهم ويجب عنده أيضا في التشهد الأول عملا منه بإطلاق اللفظ المتفق عليه وأمر طاوس ابنه بإعادة الصلاة لما لم يستعذ فيها فإنه يقول بالوجوب وبطلان الصلاة من تركها والجمهور جعلوه على الندب انتهى (من عذاب جهنم) قدم فإنه أشد وأبقى بدل بإعادة الجار (ومن عذاب القبر) فيه رد على المنكرين لذلك من المعتزلة والأحاديث في الباب متواترة (ومن فتنة المحيا والممات) قال ابن دقيق العيد فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتنان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد على هذا بفتنة المحيا ما قبل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة القبر وقد صح أنهم يفتنون في قبورهم وقيل أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة كذا في الفتح (ومن شر المسيح الدجال) قال أبو داود في السنن مثقل الدجال ومخفف عيسى ونقل العزيزي عن خلف بن عامر أن المسيح بالتشديد والتخفيف واحد ويقال للدجال ويقال لعيسى وأنه لا فرق بينهما قال الجوهري في الصحاح من قاله بالتخفيف فلمسحه الأرض ومن قاله بالتشديد فلكونه ممسوح العين قال الحافظ وحكي عن بعضهم بالخاء المعجمة في الدجال ونسب قائله إلى التصحيف قال في القاموس والمسيح عيسى بن مريم صلوات الله عليه لبركته كذا في النيل وفي السبل وأما عيسى فقيل له المسيح لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن وقيل لأن زكريا مسحه وقيل لأنه ما كان يمسح ذا عاهة إلا برئ وذكر صاحب القاموس أنه جمع في وجه تسميته بذلك خمسين قولا قال المنذري وأخرجمسلم والنسائي وابن ماجه
[ 193 ]
(اللهم إني) بفتح الياء وسكونها (من عذاب القبر) ومنه شدة الضغطة ووحشة الوحدة قال ابن حجر المكي وفيه أبلغ الرد على المعتزلة في إنكارهم له ومبالغتهم في الحط على أهل السنة في إثباتهم له حتى وقع لسني أنه صلى على معتزلي فقال في دعائه اللهم أذقه عذاب القبر فإنه كان لا يؤمن به ويبالغ في نفيه ويخطئ مثبته (من فتنة الدجال) أي ابتلائه وامتحانه (أن تغفر لي) أي تستر بي (إنك أنت الغفور الرحيم) فالمغفرة ستر الذنوب ومحوها والرحمة إيصال الخيرات ففي الأول طلب الزحزحة عن النار وفي الثاني طلب إدخال الجنة مع الأبرار وهذا هو الفوز العظيم والنعيم المقيم رزقنا الله بفضله الكريم (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه النسائي باب إخفاء التشهد (عن عبد الله قال من السنة أن يخفي التشهد) قال الطيبي إذا قال الصحابي من السنة كذا أو السنة كذا فهو في الحكم كقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مذهب الجمهور من المحدثين والفقهاء وجعله بعضهم موقوفا وليس بشئ وقيل معنى سن كذا شامل لمعنى قال وفعل
[ 194 ]
وقرر والحديث أخرجه الترمذي وقال حسن ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين باب الإشارة في التشهد (وأنا أعبث) الواو حالية أي ألعب (وقبض أصابعه كلها) والحديث فيه دليل على قبض كل الأصابع والإشارة بالسبابة وفي رواية لمسلم عن عبد الله بن عمر إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع اصبعه اليمنى التي تلي الابهام فدعا بها وديه اليسرى على ركبته باسطها عليها وظاهر هذه الرواية عدم القبض لشئ من الأصابع إلا أن تحمل الرواية التي لم يذكر فيها القبض على الروايات التي فيها القبض حمل المطلق على المقيد ويمكن أن يقال إن قوله ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها مشعر بقبض اليمنى ولكنه إشعار فيه خفاء على أنه يمكن أن يكون توصيف اليسرى بأنها مبسوطة ناظرا إلى رفع أصبع اليمنى للدعا فيفيد أنه لم يرفع أصبع اليسرى للدعاء والله أعلم ذكره الشوكاني (وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام) وهي السبابة قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (إذا قعد في الصلاة) ولفظ مسلم في صحيحه من حديث ابن الزبير أنه صلى الله عليه وسلم كان يجعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه ويفرش قدمه اليمنى واختار هذه الصفة أبو القاسم الخرقي في مصنفه ولعله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا تارة وقد وقع الخلاف في الجلوس للتشهد الأخير هل هو
[ 195 ]
واجب أم لا فقال بالوجوب عمر بن الخطاب وأبو مسعود ومن الأئمة أبو حنيفة والشافعي وقال علي بن أبي طالب ومن الفقهاء الثوري والزهري ومالك إنه غير واجب استدل الأولون بملازمته صلى الله عليه وسلم والآخرون بأنه صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسئ ومجرد الملازمة لا تفيد الوجوب قال الشوكاني هذا هو الظاهر لاسيما مع قوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسئ بعد أن علمه فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك ولا يتوهم أن ما دل على وجوب التسليم دل على وجوب جلوس التشهد لأنه لا ملازمة بينهما (أشار بالسبابة) أي المسبحة حين الجلوس وقد ورد في وضع اليمنى على الفخذ حال التشهد هيئات الأولى ما أخرجه المؤلف من حديث وائل في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه جعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم قبض ثنيتين من أصابعه وحلق حلقثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها والثانية ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبتيه اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة والثالثة قبض كل الأصابع والاشارة بالسباحة كما في حديث ابن عمر والرابعة ما أخرجه مسلم والمؤلف من حديث ابن الزبير بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه السبابة ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى ويلقم كفه اليسرى ركبته والخامسة وضع اليد اليمنى على الفخذ من غير قبض والإشارة بالسبابة وقد أخرج مسلم رواية أخرى عن ابن الزبير تدل على ذلك لأنه اقتصر فيها على مجرد الوضع والإشارة وتقدمت هذه الرواية وكذلك أخرج المؤلف والترمذي من حديث أبي حميد بدون ذكر القبض اللهم إلا أن يحمل الرواية التي لم يذكر فيها القبض كما تقدم بيانه آنفا وقد جعل الحافظ بن القيم في زاد المعاد الروايات المذكورة كلها واحدة قال فإن من قال قبض أصابعه الثلاث أراد به أن الوسطى كانت مضمومة ولم تكن منشورة كالسبابة ومن قال قبض اثنين أراد أن الوسطى لم تكن مقبوضة مع البنصر بل الخنصر والبنصر متساويتان في القبض دون الوسطى وقد صرح بذلك من قال وعقد ثلاثا وخمسين فإن الوسطى في هذا العقد تكون مضمومة ولا تكون مقبوضة مع البنصر انتهى قلت ما قاله الحافظ بن القيم ليس بواضح والصحيح ما قال الرافعي إن الأخبار وردت بها جميعا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصنع مرة هكذا ومرة هكذا انتهى وقال الطيبي وللفقهاء
[ 196 ]
في كيفية عقدها وجوه أحدها أن يعقد الخنصر والبنصر والوسطى ويرسل المسبحة ويضم الإبهام إلى أصل المسبحة وهو عقد ثلاثة وخمسين والثاني أن يضم الإبهام إلى الوسطى المقبوضة كالقابض ثلاثا وعشرين فإن ابن الزبير رواه كذلك قال الأشرف وهذا يدل على أن في الصحابة من يعرف هذا العقد والحساب المخصوص والثالث أن يقبض الخنصر والبنصر ويرسل المسبحة ويحلق الإبهام والوسطى كما رواوائل بن حجر انتهى قال في المحلى وهي صورة عقد تسعين وهو المختار عند الحنابلة وهو القول القديم للشافعي انتهى والحديث يدل على استحباب وضع اليدين على الركبتين حال الجلوس للتشهد وهو مجمع عليه قال أصحاب الشافعي يكون الإشارة بالأصبع عند قوله إلا الله من الشهادة قال النووي والسنة أن لا يجاوز بصره إشارته وفيه حديث صحيح في سنن أبي داود ويشير بها موجهة إلى القبلة وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص قال ابن ارسلان والحكمة في الإشارة بها إلى أن المعبود سبحانه وتعالى واحد ليجمع في توحيده بين القول والفعل والاعتقاد وروي عن ابن عباس في الإشارة أنه قال هي الإخلاص وقال مجاهد مقمعة الشيطان وفي المحلى شرح الموطأ قال الحلواني من الحنيفة يقيم إصبعه عند قوله لا إله إلا الله ويضع عند قوله إلا الله فيكون الرفع للنفي والوضع للاثبات وقال الشافعية يشير عند قوله إلا الله وروى البيهقي فيهما حديثا ذكره النووي وفيه حديث خفاف أنه صلى الله عليه وسلم كان يشير بها للتوحيد ذكره البيهقي وقال السنة أن لا يجاوز بصره إشارته كما صح في أبي داود ويشير بها موجهة إلى القبلة وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص انتهى وسيجئ بعض بيانه قال المنذري والحديث أخرجه مسلم (كان يشير بإصبعه إذا دعا) أي إذا تشهد قال في المرقاة والمراد إذا تشهد والتشهد حقيقة النطق بالشهادة وإنما سمي التشهد دعاء لاشتماله عليه ومنه قوله في الرواية الثانية يدعو بها أي يتشهد بها وأن يستمر على الرفع إلى آخر التشهد انتهى وفي المحلى شرح الموطأ ونقل عن بعض أئمة الشافعية والمالكية أنه يديم رفعها إلى آخر التشهد واستدل له بمفي أبي داود أنه رفع إصبعه فرأيناه يحركها ويدعو وفيه تحريكها دائما إذا الدعاء بعد التشهد قال ابن حجر المكي ويسن أن يستمر إلى الرفع إلى آخر التشهد انتهى كلام صاحب المحلى
[ 197 ]
وقال السيد العلامة نذير حسين الدهلوي في بعض فتاواه أن المصلي يستمر إلى الرفع إلى آخر الدعاء بعد التشهد وقد نقل صاحب غاية المقصود فتواه بتمامه (ولا يحركها) قال ابن الملك يدل على أنها لا يحرك الإصبع إذا رفعها للاشارة وعليه أبو حنيفة قال الشيخ سلام الله في المحلى شرح الموطأ وفي حديث وائل عند أبي داود وفيه ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها ففيه تحريك السبابة عند الرفع وبه أخذ مالك والجمهور على أن المراد بالتحريك ههنا هو الرفع لا غير فلا يعارضه ما في مسلم عن ابن الزبير كان صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها قال المالكية إنه لا يخالف ما قبله لأنه تركه لبيان أنه ليس بواجب انتهى كلامه (يدعو كذلك) أي يشير بها أي يرفع إصبعه الواحدة إلى وحدانية الله تعالى في دعائه أي تشهده وهو حقيقة النطق بالشهادتين وسمي التشهد دعاء لاشتمالة يا عليه قاله علي القاري (ويتحامل) أي يضع (قال لا يجاوز بصره إشارته) أي بل كان يتبع بصره إشارته لأنه الأدب الموافق للخضوع والمعنى لا ينظر إلى السماء حين الإشارة إلى التوحيد كما هو عادة بعض الناس بل ينظر إلى إصبعه ولا يجاوز بصره عنها قال المنذري وأخرجه النسائي (قد حناها شيئا) أي أمالها قليلا قال المنذري وأخرجه النسائي ابن ماجه
[ 198 ]
باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة (حدثنا أحمد بن حنبل وأحمد بن محمد) سيجئ بيان ألفاظ شيوخ المؤلف في هذا الحديث وهناك تظهر لك الرواية الراجحة من الرواية المرجوحة قال ابن رسلان في شرح السنن وقال ابن عبد الملك في روايته نهي أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة قال في شارح المصابيح يعني لا يضع يديه على الأرض ولا يتكئ عليها إذا نهض للقيام وهذه الرواية حجة للحنفية واختيار الخرقي وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وبه يقول مالك وأصحاب الرأي وقال أحمد أكثر الأحاديث على أنه لا يجلس للاستراحة ولا يضع يديه معتمدا عليهما وذهب الشافعي إلى أنه يجلس وبه قال مالك بن الحويرث وأبو حميد ورواية عن أحمد وحجة الشافعية حديث مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فإذكان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا رواه البخاري وأجابوا عن قول أحمد انه الذي عليه أكثر الأحاديث فمراده أن أكثر الأحاديث ليس فيها ذكر الجلسة إثباتا ولا نفيا واحتجوا على الاعتماد على الأرض للقيام بحديث أيوب السختياني عن أبي قلابة وفيه فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام رواه البخاري في صحيحه وأجابوا عن حديث ابن عمر هذا بأنه ضعيف من وجهين أحدهما أن رواية محمد بن عبد الملك مجهول والثاني أنه مخالف لرواية الثقات لأن أحمد بن حنبل رفيق محمد بن عبد الملك الغزال بفتح الغين المعجمة والزاي المشددة في الرواية لهذا الحديث عن عبد الرزاق وقال فيه نهي أن يجلس الرجل في الصلاة وهو يعتمد على يده ولم يقل بالاعتماد على إحدى اليدين دون الأخرى أحد وقد علم من قاعدة المحدثين وغيرهم أن من خالف الثقات كان حديثه شاذا مردودا وعلى تقدير صحة هذا الرواية فهي محمولة على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في آخر عمره عند كبره وضعفه وهذا فيه جمع بين الأخبار أو محمول على أنه فعله مرة لبيان الجواز انتهى كلام ابن رسلان رحمه الله بلفظه انتهى
[ 199 ]
وقال السيد عبد الله الأمير رحمه الله تعالى حديث ابن عمر رضي الله عنهما في النهي عن الاعتماد على اليد في الصلاة رواه أبو داود عن أربعة من شيوخه الإمام أحمد بن حنبل وأحمد بن محمد بن شبويه ومحمد بن رافع ومحمد بن عبد الملك ولفظ أحمد بن حنبل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده قال ابن رسلان الرواية الصحيحة يديه ولفظ ابن رافع نهي أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة وقال أبو داود وذكروه في باب الرفع من السجدة قال ابن رسلان يعني بل يضعها على ركبتيه انتهى فعرف من هذا أن رواية ابن شبويه وابن رافع مطلقة ورواية أحمد بن حنبل مقيدة بحال الجلوس ورواية ابن عبد الملك مقيدة بحال النهوض فقد تعارض القيدان والحديث واحد وراوية الإمام أحمد أرجح لأنه إمام ثقة مشهور العدالة ومحمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي قال فيه في التقريب صدوق وهو ممن يصحح حديثه أو يحسن بالمتابعة والشواهد ويرجح رواية الإمام أحمد بن حنبل أيضا ما في البخاري من حديث مالك بن الحويرث بلفظ واعتمد على الأرض وعند الشافعي واعتمد بيديه على الأرض والله سبحانه أعلم انتهى من خط السيد العلامة رحمه الله وقال علي القاري في المرقاة نهي أن يعتمد أي يتكئ الرجل على يديه إذا نهض أي قام في الصلاة بل ينهض على صدور قدميه من غير اعتماد على الأرض وبه قال أبو حنيفة قال في الأزهار قيل معنى قوله أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده أن يضع يده في التشهد على الأرض ويتكئ عليها وقيل هو أن يجلس الرجل في الصلاة ويرسل اليدين إلى الأرض من فخذيه وقيل هو أن توضع على الأرض قبل الركبتين في الهوى وقيل هو أن يضع يديه على الأرض عند القيام والأول أقرب إلى اللفظ يعني والأخير هو في غاية من البعد في اللفظ والمعنى إذ معناه لا يلائم النهي عن الجلوس وأيضا لو حمل على المعنى الأخير لتناقضت لو الروايتان عن راو واحد ومع هذا قال وبه قال الشافعي وتمسك أبو حنيفة بالرواية الثانية على أن المصلي لا يعتمد على يديه عند قيامه ويعتمد على ظهور القدمين لما روى أبو هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه رواه أبو داود انتهى كلام القاري
[ 200 ]
قلت حديث صدور القدمين ما أخرجه أبو داود بل أخرجه الترمذي وضعفه وأخرجه ابن عدي في الكامل وهو أيضا ضعيف فلا يصلح لمعارضة حديث مالك بن الحويرث الذي عند البخاري نعم روي عن جماعة من الصحابة أنهم ينهضون في الصلاة على صدور قدميه أخرج عنهم ابن أبي شيبة وعبد الرازق في مصنفيهما والبيهقي في سننه لكن هذا كله موقوف فكيف يترك المرفوع بالموقوف ومعنى رواية أحمد بن حنبل هو ما ذكره العلامة عبد الله الأمير اليماني وقال في الأزهار هو أقرب إلى اللفظ والله أعلم (إذا نهض) أي قام (وهو مشبك) التشبيك إدخال أصابع إحدى اليدين في أصابع اليد الأخرى (وهذا لفظه) أي لفظ محمد بن سلمة (جميعا) حال زيد بن الزرقاء أبي وابن وهب أي يرويان جميعا (ثم اتفقا) أي هارون بن زيد ومحمد بن سلمة (فقال) ابن عمر (لا تجلس هكذا) خطاب للرجل المذكور وهذا الأثر يؤيد رواية ابن عمر مرفوعا من طريق أحمد بن حنبل والله أعلم
[ 201 ]
باب في تخفيف القعود (كأنه على الرضف) بسكون المعجمة وتفتح الراء وبعدها فاء جمع رضفة وهي حجارة محماة على النار أراد به تخفيف التشهد الأول وسرعة القيام في الثلاثية والرباعية قاله الطيبي يعني لا يلبث في التشهد الأول كثيرا بل يخففه ويقوم مسرعا كمن هو قاعد على حجر حار فيكون مكتفيا بالتشهد دون الصلاة والدعاء على مذهب أبي حنيفة أو مكتفيا بالتشهد والصلاة على الدعاء عند الشافعية قال ابن حجر المكي ومنه أخذ أئمتنا أنه لا يسن فيه الصلاة على الآل والأظهر ما قاله بعض الشراح إن معناه إذا قام في الركعتين الأوليين يعني الأولى والثالثة من كل صلاة رباعية فهما الأوليان من كل ركعتين تقع الفاصلة بينهما بالتشهد وحاصله أن الثالثة هي الأولى من الشفع الثاني ويؤيد هذا المعنى حيث قال في الركعتين دون بعدهما والله أعلم (قال) أي شعبة (قلنا حتى يقوم) النبي صلى الله عليه وسلم (قال) أي سعد بن إبراهيم (حتى يقوم) وفي رواية الترمذي قال شعبة ثم حرك سعد شفتيه بشئ فأقول حتى يقوم فيقول حتى يقوم قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم يختارون أن لا يطيل الرجل القعود في الركعتين الأوليين ولا يزيد على التشهد ششيئا في الركعتين الأوليين وقالوا إن زاد على التشهد فعليه سجدة السهو هكذا روي عن الشعبي وغيره انتهى وفي حاشية السندي والمراد بقوله في الركعتين في جلوس الركعتين في غير الثنائية يدل عليه قوله حتى يقوم وكونه على الرضف كناية عن التخفيف وحتى في قوله حتى يقوم للتعليل بقرينة الجواب بقوله ذاك يريد ولا يناسب هذا الجواب كون حتى للغاية انتهى ولفظ النسائي من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه سعد بن إبراهيم عن أبي عبيدة وفيه قلت حتى يقوم قال ذاك يريد انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي هذا حديث حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه هذا آخر كلامه وأبو عبيدة هذا اسمه عامر ويقال اسمه كنيتوقد احتج البخاري ومسلم بحديثه في صحيحيهما غير أنه لم يسمع من أبيه كما قال الترمذي وغيره وقال عمرو بن مرة سألت أبا عبيدة هل تذكر من عبد الله شيئا قال ما أذكر شيئا والله أعلم
[ 202 ]
باب في السلام (كلهم عن أبي إسحاق) قا أخونا أبو الطيب في غاية المقصود شرح سنن أبي داود أي سفيان الثوري وزائدة وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي الكوفي وعمر بن عبيد الطنافسي وشريك وإسرائيل هؤلاء ستة أنفس كلهم يروون عن أبي إسحاق وأما الأحوص عوف بن مالك (عن عبد الله) وهو ابن مسعود (كان يسلم) أي من صلاته حال كونه ملتفتا بخده (عن يمينه) قال الطيبي أي مجاوزا نظره عن يمينه كما يسلم أحد على من في يمينه (وعن شماله) فيه مشروعية أن يكون التسليم إلى جهة اليمين ثم إلى جهة الشمال قال النووي ولو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه أو الأولى عن يساره والثانية عيمينه صحت صلاته وحصلت التسليمتان ولكن فاته الفضيلة في كيفيتهما (حتى يرى بياض خده) بضم الياء المثناة من تحت من قوله يرى مبنيا للمجهول كذا قال ابن رسلان وبياض بالرفع على النيابة وفيه دليل على المبالغة في الالتفات إلى جهة اليمين وإلى جهة اليسار وزاد النسائي فقال عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر وفي رواية له حتى يرى بياض خده من ههنا وبياض خده من ههنا انتهى (السلام عليكم الخ) إما حال مؤكدة أي يسلم قائلا السلام عليكم أو جملة استئنافية على تقدير ماذا كان يقول كذا في المرقاة قال المنذر وأخرجه الترمذي والنسائي ابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن صحيح
[ 203 ]
(وهذا لفظ حديث سفيان) الثوري وحديث الثوري أخرجه أيضا أحمد والترمذي والنسائي كلهم من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد اللمثله سندا ومتنا وأخرج أيضا أحمد من طريق وكيع عن سفيان وأخرج الطحاوي من طريق عبيدالله بن موسى العبسي وأبي نعيم عن سفيان بالإسناد المذكور فهذا سفيان الثوري لم يختلف عليه رواته بل اتفق كل من رواه عنه كمحمد بن كثير وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع وعبيدالله بن موسى وأبي نعيم على هذا الإسناد والمتن قالوا كلهم أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله أن النبي كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله (وحديث إسرائيل لم يفسره) يشبه أن يكون الضمير المنصوب إلى حديث سفيان وفاعله حديث إسرائيل فالمعنى والله أعلم أي لم يفسر حديث إسرائيل لحديث سفيان ولم يبينه ولم يوافقه في الاسناد بل يخالفه تارة في المتن أيضا لأن سفيان الثوري يروي عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله وإنما إسرائيل يروي عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص والأسود كليهما عن عبد الله بل يروي إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله فإسرائيل اختلف عليه فروى حسين بن محمد عن إسرائيل كما ذكره المؤلف أي عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص والأسود عن عبد الله ولفظ أحمد في مسنده حدثنا هاشم وحسين المعنى قالا حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص والأسود بن يزيد عن عبد الله قال رأيت رسول الله يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يبدو بياض خده الأيمن وعن يساره بمثل ذلك وروى يحيى بن آدم وأبو أحمد وإسحاق بن منصور ثلاثتهم عن إسرائيل بلفظ آخر قال أحمد في مسنده حدثنا يحيى بن آدم وأبو أحمد قالا حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله قال كان رسول الله يكبر في كل ركوع وسجود ورفع ووضع وأبو بكر وعمر ويسلمون على أيمانهم وشمائلهم السلام عليكم ورحمة الله وقال البيهقي في المعرفة بسنده إلى إسحاق بن منصور حدثنا إسرائيل وزهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله نحوه وروى وكيع عن إسرائيل بلفظ آخر قال أحمد في مسنده حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود وعلقمة أو أحدهما عن عبد الله أن النبي كان يكبر في كل رفع وخفض قال وفعله أبو بكر وعمر وروى أسد عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله وحديثه عند الطحاوي وروى عبيدالله بن موس عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن
[ 204 ]
عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله وهو عند الطحاوي أيضا فهذا الاختلاف كما ترى على إسرائيل وروى عنه بخمسة أوجه وأما سفيان فلم يختلف عليه وتابع سفيان على ذلك عمرو بن عبيد الطنافسي فإنه يروى عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله وحديثه عند النسائي وأحمد وابن ماجه وكذا تابعه علي بن صالح أبو محمد بن الكوفي عن أبي إسحاق وهو عند النسائي وكذا تابعه حسن بن صالح أبو عبد الله الكوفي عن أبي إسحاق وهو عند أحمد في مسنده واستنبط من هذا البيان ترجيح رواية سفيان على رواية إسرائيل وإن كان إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق وأجيب بأن ذلك ليس وجه الترجيح لأن أبا إسحاق روى الحديث عن أبي صالح وعلقمة والأسود بن يزيد جميعا وقد جمع الحسين بواقد هؤلاء الثلاثة في روايته فقال الحسين حدثنا أبو إسحاق عن علقمة والأسود وأبي الأحوص قالوا حدثنا عبد الله بن مسعود وحديث حسين بن واقد عند النسائي والدارقطني فسفيان روى عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وحده وروى إسرائيل عن هؤلاء جميعا مرة كذا ومرة كذا على أن زهيرا روى عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أيضا فعبد الرحمن شيخ رابع لأبي إسحاق كما سيذكره المؤلف ورجح الدارقطني هذا الإسناد كما سيجئ (قال أبو داود ورواه زهير) بن معاوية (عن أبي إسحاق) وحديث زهير وصله النسائي بقوله أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن معاذ حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود وعلقمة عن عبد الله قال رأيت رسول الله يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود ويسلم عن يمينه وعشماله السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده ورأيت أبا بكر وعمر يفعلان ذلك ولفظ أحمد حدثنا يحيى عن زهير حدثني أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود وعلقمة عن عبد الله الحديث وفي لفظ لأحمد حدثنا سلمان بن داود حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة والأسود عن عبد الله ولفظ الدارقطني من طريق حميد الرواسي حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله الحديث وفي لفظ لأحمد حدثنا أبو كامل حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن عبد الله بن الأسود عن الأسود وعلقمة عن عبد الله الحديث (ويحيى بن آدم) أي روى يحيى بن آدم (عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه) الأسود بن يزيد (وعلقمة) هذا معطوف على
[ 205 ]
عبد الرحمن أو على أبيه فيه احتمالان فعلى الأول أبو إسحاق روى عن علقمة وعلى الثاني أبو إسحاق روى عن عبد الرحمن عن علقمة ويؤيد الاحتمال الأول كون أبي إسحاق كثير الرواية عن علقمة ويؤيد الاحتمال الثاني إخراج أحمد في مسنده من طريق سليمان بن داود حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة والأسود عن عبد الله والله أعلم (عن عبد الله) أخرج أحمد في مسنده حدثنا يحيى بن آدم وأبو أحمد قالا حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله قال كان رسول الله يكبر في كل ركوع وسجود ورفع ووضع وأبو بكر وعمر ويسلمون على أيمانهم وشمائلهم السلام عليكم ورحمة الله ورجح الدارقطني إسناد زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود فقال في سننه اختلف على أبي إسحاق في إسناده ورواه زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله وهو أحسن إسنادا وإنما رجح الدارقطني إسناد زهير لأن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري روى حديث عبد الله بن مسعود قال خرج النبي لحاجته فقال التمس لي ثلاثة أحجار قال فأتيته بحجرين الحديث بإسناد زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله فكما اختلف على أبي إسحاق في حديث التسليم اختلف في حديث الاستنجاء بالحجارة أيضا فالبخاري رجح في حديث الاستنجاء رواية زهير وترك كل ما سواه فاختار الدارقطني لأجل هذا الاختلاف الفاحش في حديث التسليم رواية زهير كما اختاره البخاري في حديث الاستنجاء وللأئمة في اختيار رواية زهير هذه وترجيحها على غيرها كلام طويل قال الترمذي في باب الاستنجاء بالحجرين روى معمر وعمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله وروى زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه الأسود بن يزيد عن عبد الله وروى زكريا ابن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال أبو عيسى سألت عبد الله بن عبد الرحمن أي الروايات في هذا عن أبي إسحاق أصح فلم يقض فيه بشئ وسألت محمدا عن هذا فلم يقض فيه بشئ وكأنه رأى حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله أشبه ووضعه في كتابه الجامع انتهى مختصرا
[ 206 ]
(قال أبو داود شعبة) بن الحجاج إمام ناقد (كان ينكر هذا الحديث) ويبدل منه (حديث أبي إسحاق) وفي بعض النسخ زيادة هذه الجملة أن يكون مرفوعا أي ينكر شعبة حديث أبي إسحاق رفعه إلى النبي وليست هذه الزيادة في عامة النسخ وإسقاطها أشبه إلى الصواب لأن حديث أبي إسحاق من رواية ابن مسعود رواه جم غفير عن أبي إسحاق وكلهم رووا عنه مرفوعا وما روى واحد منهم موقوفا على ابن مسعود وأما من غير طريق أبي إسحاق أيضا فحديث صح سنده وثبت رفعه ويشبه أن يكون معنى قول شعبة على صورة حذف هذه العبارة أن شعبة ينكر حديث أبي إسحاق ولم يره محفوظا لأجل اختلافه عليه وبسبب الاضطراب فيه ولعل المحفوظ عند شعبة ما روي من غير طريق أبي إسحاق وهي عدة روايات منها ما رواه أحمد في مسنده حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة بن مغيرة عن إبراهيم قال قال عبد الله كأنما أنظر إلى بياض خد رسول الله لتسليمته اليسرى ومنها ما رواه أحمد أيضا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن جابر عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله عن رسول الله أنه كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى أرى بياض وجهه فما نسيت بعد فيما نسيت السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله ومنها ما رواه أحمد في مسنده حدثنا يحيى عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله قال سمعته مرة رفعه ثم تركه رأى أميرا أو رجلا سلم تسليمتين فقال أني علقها ورواه مسلم من جهته فقال حدثني أحمد بن حنبل قال أخبرنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله قال شعبة رفعه مرة أن أميرا أو رجلا سلم تسليمتين فقال عبد الله إني علقها وأخرج مسلم أيضا حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم ومنصور عن مجاهد عن أبي معمر أن أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال عبد الله أني علقها قال الحكم في حديثه إن رسول الله كان يفعله وأخرج الطحاوي حدثنا ابن أبي داود حدثنا مسدد حدثنا يحيى بسعيد نحوه أو المحفوظ عند شعبة عن أبي إسحاق من غير رواية ابن مسعود كما أخرجه الطحاوي حدثنا ابن
[ 207 ]
مرزوق حدثنا وهب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال كان عمار أميرا علينا سنة لا يصلي صلاة إلا سلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وعلى صورة إثبات هذه الجملة معنى قول شعبة والله أعلم أن أبا إسحاق غلط في رفعه وإنما هو موقوف على ابن مسعود كما تقدم من رواية مسلم من طريق زهير حدثنا يحيى عن شعبة عن منصور وفيه فقال عبد الله أن علقها ولم يجعله منصور مرفوعا وأما الحكم أيضا مرة رفعه ثم ترك رفعه وأخرج الطحاوي حدثنا ابن أبي داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله أن أميرا صلى بمكة فسلم تسليمتين فقال ابن مسعود أترى من أين علقها وسمعت ابن أبي داود يقول قال يحيى بن معين هذا أصح ما روي في هذا الباب انتهى وأجيب بأن رفعه ليس بوهم من أبي إسحاق بل إنما المحفوظ رفعه كما عرفت من الروايات المتقدمة هذا غاية ما في وسعنا في بيان معنى كلام المؤلف وقول شعبة والله أعلم بمراد الإمام فإن في العبارة الاختصار المفضي إلى فوت المقصود انتهى كلام صاحب غاية المقصود بلفظه (عن علقمة بن وائل عن أبيه قال صليت مع النبي فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إلخ) قال في سبل السلام شرح بلوغ المرام هذا الحديث أخرجه أبو داود من حديث علقمة بن وائل عن أبيه ونسبه المصنف في التلخيص إلى عبد الجبار بن وائل وقال لم يسمع من أبيه فأعله بالانقطاع وهنا أي في بلوغ المرام قال صحيح وراجعنا سنن أبي داود فرأيناه رواه عن علقمة بن وائل عن أبيه وقد صح سماع علقمة عن أبيه خالف ما في التلخيص وحديث التسليمتين رواه خسمة عشر من الصحابة بأحاديث مختلفة فيها صحيح وحسن وضعيف ومتروك وكلها بدون زيادة وبركاته إلا في رواية وائل هذه ورواية عن ابن مسعود عند ابن ماجه وعند ابن حبان ومع صحة إسناد حديث وائل كما قال الحافظ في بلوغ
[ 208 ]
المرام يتعين قبول زيادته إذ هي زيادة عدل وعدم ذكرها في رواية غيره ليست رواية لعدمها وقد عرفت أن الوارد زيادة وبركاته وقد صحت ولا عذر عن القول بها وقال به جماعة من العلماء وقول ابن الصلاح إنها لم تثبت قد تعجب منه الحافظ وقال هي ثابتة عند ابن حبان في صحيحه وعند أبي داود وعند ابن ماجه قال صاحب السبل إلا أنه قال ابن رسلان في شرح السنن لم نجدها في ابن ماجه قال صاحب السبل راجعنا سنن ابن ماجه من نسخة صحيحة مقروءة فوجدنا فيه ما لفظه باب التسليم حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عمر بن عبيد عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله أن رسول الله كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انتهى لفظه قال مؤلف غاية المقصود لكن نسخة السنن لابن ماجه التي عند شيخنا نذير حسين المحدث أظنها بخط القاضي ثناء الله رحمه الله والتي بأيدينا تؤيد كلام ابن رسلان فإنها خالية عن هذه الزيادة لكن الاعتماد في ذلك الباب على نسخة صحيحة مقروءة على الحفاظ كما قاله الأمير اليماني في السبل فإنه رأى هذه الزيادة وأيضا قد أثبت هذه الزيادة من رواية ابن ماجه الحافظ في التلخيص وغيره من الكتب والله أعلم وفي تلقيح الأفكار تخريج الأذكار للحافظ ابن حجر لما ذكر النووي أن زيادة وبركاته زيادة فردة ساق الحافظ طرقا عدة لزيادة وبركاته ثم قال فهذه عدة طرق ثبتت بها وبركاته بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ أنها رواية فردة انتهى كلامه وحيث ثبت أن التسليمتين من فعله في الصلاة وقد ثبت قوله صلوا كما رأيتموني أصلي وثبت حديث تحريمها التكبير وتحليلها السلام أخرجه أصحاب السنن بإسناد صحيح فيجب التسليم لذلك وقد ذهب إلى القول بوجوبه الشافعية وقال النووي إنه قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وذهبت الحنفية وآخرون إلى أنه سنة مدلين على ذلك بقوله وسلم في حديث ابن عمر إذا رفع الإمام رأسه من السجدة وقعد ثم أحدث قبل التسليم فقد تمت صلاته فدل على أن التسليم ليس بركن واجب وإلا لوجبت الإعادة ولحديث المسئ صلاته فإنه لم يأمره بالسلام وأجيب عنه بأن حديث ابن عمر ضعيف باتفاق الحفاظ فإنه أخرجه الترمذي وقال هذا حديث إسناده ليس بذاك القوي وقد اضطربوا في إسناده وحديث المسئ صلاته لا ينافي الوجوب فإن هذه زيادة وهي مقبولة والاستدلال بقوله تعالى اركعوا واسجدوا على عدم وجوب السلام استدلال غير تام لأن الآية مجملة بين المطلوب منها فعله ولو عمل بها وحدها لما وجبت القراءة ولا غيرها
[ 209 ]
قال أصحاب السبل ودل الحديث على وجوب التسليم على اليمين واليسار وإليه ذهب جماعة وذهب الشافعي إلى أن الواجب تسليمة واحدة والثانية مسنونة قال النووي أجمع العلماء الذين يعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة فإن اقتصر عليها إستحب له أن يسلم تلقاء وجهه فإن سلم تسليمتين جعل الأولى عن يمينه والثانية عن يساره ولعل حجة الشافعي حديث عائشة أنه كان إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة فيحمد الله ويذكره ويدعو ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي التاسعة فيجلس ويذكر الله ويدعو ثم يسلم تسليمة أخرجه ابن حبان وإسناده عن شرط مسلم وأجيب عنه بأنه لا يعارض حديث الزيادة كما عرفت من قبول الزيادة إذا كانت من عدل وعند مالك أن المسنون تسليمة واحدة وقد بين ابن عبد البر ضعف أدلة هذا القول من الأحاديث واستدل المالكية على كفاية التسليمة الواحدة بعمل أهل المدينة وهو عمل توارثوه كابرا عن كابر وأجيب عنه بأنه قد تقرر في الأصول أن عملهم ليس بحجة وقد أطال الكلام فيه الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين بما لا يزيد عليه وقوله عن يمينه وعن شماله أي منحرفا إلى الجهتين بحيث يرى بياض خده (يومي بيده) هكذا في أكثر النسوفي بعضها يرمي قال الإمام ابن الأثير إن صحت الرواية بالراء ولم يكن تصحيف اللواو فقد جعل الرمي باليد موضع الإيماء بها لجواز ذلك في اللغة يقول رميت ببصري إليك أي مددته ورميت إليك بيدي أي أشرت بها قال والرواية المشهورة رواية مسلم علام ماتومؤن يكون بهمزة مضمومة بعد الميم والإيم مع الإشارة أومأ يومئ إيماء وهم يومؤن مهموزا ولا تقل أوميت بياء ساكنة قاله الجوهري (كأنها أذناب خيل شمس) قال النووي وهو بإسكان الميم وضمها وهي التي لا تستقر بل تضطرب وتتحرك بأذنابها وفي النيل بإسكان الميم وضمها مع ضم الشين المعجمة جمع شموس بفتح الشين وهو من الدواب النفور الذي يمتنع على راكبه ومن الرجال صعب الخلق (أن يقول) أي أن يفعل (هكذا وأشار) النبي (بإصبعه) بأن يضع أحدكم يده على فخذه وهذا المعنى متعين لأن الرواية
[ 210 ]
الآتية من طريق محمد بن سليمان الأنباري مبينة للمراد وفيها أما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم وأرود مسلم في صحيحه من هذه الطريق أي طريق مسعر بلفظ كنا إذا صلينا مع رسول الله قلنا السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وأشار بيده إلى الجانبين فقال رسول الله إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله ومن طريق إسرائيل بلفظ فكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا السلام عليكم فنظر إلينا رسول الله فقال ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومي بيده انتهى وليس المراد أن النبي نها أن يشير بيده وأمر أن يشير بإصبعه وأن عثمان بن أبي شيبة شيخ المؤلف تفرد بهذه اللفظة وغيره من الحفاظ كمحمد بن سليمان الأنباري شيخ المؤلف وأبي بكر بن أبن شيبة وأبي كريب والقاسم بن زكريا من شيوخ مسلم كلهم رووه باللفظ المذكور آنفوالله أعلم (ما لي أراكم رافعي أيديكم) قال النووي والمراد بالرفع المنهم عنه ههنا رفعهم أيديهم عند السلام مشيرين إلى السلام من الجانبين كما صرح به في الرواية الأخرى وقد احتج بعض من لا خبرة له بحديث جابر هذا على ترك رفع اليدين عند الركوع والرفع منه وهذا احتجاج باطل قال البخاري في جزء رفع اليدين فأما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث وكيع عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال دخل علينا رسول الله ونحن رافعو أيدينا الحديث فإنما كان هذا في التشهد لا في القيام كان يسلم بعضهم على بعض فنهى النبي عن رفع الأيدي في التشهد ولا يحتج بهذا من له حظ من العلم هذا معروف مشهور لا اختلاف فيه ولو كان كما ذهب إليه لكان رفع الأيدي في أول التكبيرة وأيضا تكبيرات صلاة العيد منهيا عنها لأنه لم يستثن رفعا دون رفع وقد ثبت حديث
[ 211 ]
مسعر وفيه أن يضع يده على فخذه ثم يسلم الحديث قال البخاري فليحذر أمره أن يتقول على رسول الله ما لم يقل قال الله عزوجل فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم انتهى كلام البخاري وقال ابن حبان ذكر الخبر التقصي للقصة المختصرة المتقدمة بأن القوم إنما أمروا بالسكون في الصلاة عن الإشارة بالتسليم دون الرفع الثابت عند الركوع ثم رواه كنحو رواية مسلم وقال الحافظ في التلخيص ولا دليل فيه على منع الرفع على الهيئة المخصوصة في الموضع المخصوص وهو الركوع والرفع منه لأنه مختصر من حديث طويل انتهى وقال الزيلعي في نصب الراية ولقائل أن يقول أنهما حديثان لا يفسر أحدهما بالآخر كما جاء في لفظ الحديث دخل علينا رسول الله وإذ الناس رافعي أيديهم في الصلاة فقال مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له اسكن في الصلاة إنما يقال ذلك لمن يرفع يديه أثناء الصلاة وهو حالة الركوع والسجود ونحو ذلك وهذا هو الظاهر والراوي هذا في وقت آخر كما شاهده وليس في ذلك بعد انتهى كلام الزيلعي قلت العجب كل العجب من الامام جمال الدين الزيلعي أنه كيف قال هذه المقالة ولو قال غيره كالطحاوي والعيني وأمثالهما لا يعجب منهم إنما منه لأنه محدث كبير من أهل الإنصاف ولا يخفى على من له مذاق في العلم فساد بيانه والظاهر أنهما ليسا بحديثين بل هما حديث واحد يفسر أحدهما بالآخر والراوي واحد وهو جابر بن سمرة والمتن واحد قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي باب الرد على الإمام (أن يرد على الإمام) قال في المرقاة أي ننوي الرد على الإمام بالتسليمة الثانية من على يمينه وبالأولى من على يساره وبهما من على محاذاته كما هو مذهب الحنيفة قال الطيبي قيل رد المأموم على الإمام سلامه أن يقول ما قاله وهو مذهب مالك يسلم المأموم ثلاث تسليمات تسليمة يخرج بها من الصلاة تلقاء وجهه يتيامن يسيرا وتسليمة على الإمام وتسليمة على من كان
[ 212 ]
على يساره وفي النيل قال أصحاب الشافعي إن كان المأموم عن يمين الإمام فينوي الرد عليه بالثانية وإن كان عن يساره فينوي الرد عليه بالأولى وإن حاذاه فيما شاء وهو في الأولى أحب ولفظ ابن ماجه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض (أن نتحاب) تفاعل من المحبة أي وأن نتحاب مع المصلين وسائر المؤمنين بأن يفعل كل منا من الأخلاق الحسنة والأفعال الصالحة والأقوال الصادقة والنصائح الخالصة ما يؤدي إلى المحبة والمودة وفي النيل بتشديد الموحدة آخر الحروف والتحابب التوادد وتحابوا أحب كل واحد منهم صاحبه (وأن يسلم بعضنا على بعض) أي في الصلاة وما قبله معترضة ويدل عليه ما رواه البزاز ولفظه وأن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض في الصلاة أي ينوي المصلي من عن يمينه وشماله من البشر وكذا من الملك فإنه أحق بالتسليم المشعر بالتعظيم قال بعض العلماء هذه السنة تركها الناس ويمكن أن يكون هذا في خارج الصلاة قال الطيبي هذا عطف الخاص على العام لأن التحاب أشمل معنى من التسليم ليؤذن بأنه فتح باب المحبة ومقدمتها سعيد قال الحافظ بن حجر وإسناده حسن وروى أحمد والترمذي وحسنه عن علي رضي الله عنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها أربعا وقبلي العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن معهم من المؤمنين قال علي القارئ ولكن الظاهر أن حديث علي محمول على تسليم التشهد حيث يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإن عند التسليم بالخروج عن الصلاة لا ينوي الأنبياء باتفاق العلماء وفي النيل ظاهرة شامل للصلاة وغيرها ولكنه قيده البزار بالصلاة كما تقدم ويدخل في ذلك سلام الإمام على المؤمنين والمأمومين على الإمام وسلام المقتدين بعضهم على بعض انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه مختصرا قد تقدم الكلام في سماع الحسن من سمرة باب التكبير بعد الصلاة (عن ابن عباس قال كان يعلم انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) أي بعد الصلاة
[ 213 ]
وفي الرواية الآتية بالذكر وهو أعم من التكبير والتكبير أخص وهذا مفسر للأعم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (ابن جريج) بضم الجيم أوله وفتح الراء عبد الملك بن عبد العزيز أبا معبد) بفتح الميم وسكون العين وفتح الموحدة آخره دال مهملة اسمه نافذ (كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي على زمانه فله حكم الرفع وحمل الشافعي رحمه الله فيما حكاه النووي رحمه الله هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتا يسيرا لأجل تعليم صفة الذكر لا أنهم داوموا على الجهر به والمختار أن الإمام والمأموم يخفيان الذكر إلا إن احتيج إلى التعليم (وأن ابن عباس) أي بالإسناد السابق كما عند مسلم عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق به (قال كنت أعلم) أي أظن (إذا انصرفوا بذلك) أي أعلم وقت انصرافهم برفع الصوت (وأسمعه) أي الذكر ولفظ البخاري كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته قال القسطلاني وظاهره أن ابن عباس لم يكن يحضر الصلاة في الجماعة في بعض الأوقات لصغره أو كان حاضرا لكنه في آخر الصفوف فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم وإنما كان يعرفه بالتكبير وقال الشيخ تقي الدين ويؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد انتهى وقال النووي ونقل ابن بطال وآخرون أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير وحمل الشافعي رحمه الله تعالى هذا الحديث على أنه جهر وقتا يسيرا حتى يعلمهم صفة الذكر لا أنهم جهروا دائما فاختار للامام والمأموم أن يذكر الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيان ذلك إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلم منه ثم يسر وحمل الحديث على هذا انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
[ 214 ]
باب حذف السلام (عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وفي إسناده قرة بن عبد الرحمن المعافري المصري قال أحمد منكر الحديث جدا وقال ابن معين ضعيف وقال أبو حاتم ليس بالقوى وقال ابن عدي لم أر له حديثا منكرا وأرجو أنه لا بأس به وقد ذكره مسلم في الصحيح مقرونا بعمرو بن الحرث وقال الأوزاعي ما أعلم أحدا بالزهري من قرة وقد ذكره ابن حبان في ثقاته وصحح الترمذي هذا الحديث من طريقه (حذف السلام) والحذف بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة بعدها فاء وهو ما رواه الترمذي عن عبد الله بن المبارك أن لا يمده مدا يعني يترك الإطالة في لفظه ويسرع فيه وقال ابن الأثير هو تخفيفه وترك الإطالة فيه ويدل عليه حديث النخعي التكبير جزم والسلام جزم فإنه إذا جزم السلام وقطعه فقد خففه وحذفه انتهى قال الترمذي وهو الذي يستحبه أهل العلم قال وروي عن إبراهيم النخعي قال التكبير جزم والسلام جزم قال ابن سيد الناس قال العلماء يستحب أن يدرج لفظ السلام ولا يمده مدا لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء وقد ذكر المهدي في البحر أن الرمي بالتسليم عجلا مكروه قال لفعله صلى الله عليه وسلم بسكينة ووقار انتهى قال الشوكاني وهو مردود بهذا الدليل الخاص إن كان يريد كراهة الاستعجال باللفظ قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال هذا صحيح هذا آخر كلامه وفي إسناده قرة بن عبد الرحمن بن حيويل المصري قال الإمام أحمد بن حنبل قرة بن عبد الرحمن صاحب الزهري منكر الحديث جدا (قال عيسى نهاني ابن المبارك) هذه العبارة أي من قوله قال عيسى إلى قوله نهاه أحمد بن حنبل عن رفعه وجدت في بعض النسخ والأكثر عنها خالية وما ذكره الحافظ المزي في الأطراف أيضا وأخرج الترمذي هذا الحديث من طريق عبد الله بن المبارك وهذا لفظه حدثنا علي بن حجر أخبرنا عبد الله بن المبارك والهقل بن زياد عن
[ 215 ]
الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال حذف السلام سنة انتهى (لما رجع الفريابي) أي ما قال محمد بن يوسف في روايته بعد الرجوع من مكة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذف السلام سنة بل قال هكذا عن أبي هريرة قال حذف السلام سنة كما أخرجه الترمذي عن ابن المبارك وقال ابن تيمية في المنتقى أخرجه الترمذي موقوفا على أبي هريرة انتهى واعترض عليه شارحه الشوكاني في النيل وقال ليس الحديث موقوفا كما قال ابن تيمية فان لفظ الترمذي عن أبي هريرة قال حذف السلام سنة قال ابن سيد الناس وهذا مما يدخل في المسند عند أهل الحديث أو أكثرهم وفيه خلاف بين الأصوليين معروف انتهى قلت ابن تميمة لم يرد بقوله موقوفا إلا ما أراه به عبد الله بن المبارك والفريابي وأحمد بن حنبل وهو ترك القول عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذف السلام سنة والاقتصار على القول عن أبي هريرة قال حذف السلام سنة فالحذف لجملة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مراد هؤلاء الأئمة لأن من رواه مرفوعا ومن رواه موقوفا كلهم اتفقوا على لفظ المتن وهو قوله حذف السلام سنة وما قال الحافظ بن سيد الناس هو صحيح أنه مما يدخل في المسند والله أعلم كذا في غاية المقصود (وقال) أي المؤلف أبو داود (نهاه) الضمير المنصوب إلى أبي داود أي نهى أحمد بن حنبل أبا داود عن رواية أبي هريرة مرفوعا كما تقدم والله أعلم باب إذا أحدث في صلاته (عن علي بن طلق) بن المنذر الحنفي السحيمي وقد تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد والمتن في كتاب الطهارة في باب فيمن يحدث في الصلاة فليرجع هناك (إذا فسا أحدكم) أي
[ 216 ]
خرج منه ريح بلا صوت (في الصلاة) أي في أثنائها فلا ينافي الحديث عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحدث أحدكم وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته رواه الترمذي وقال هذا حديث إسناده ليس بالقوى وقد اضطربوا في إسناده (فلينصرف) عن صلاته (فليتوضأ) وفي رواية وليتوضأ (وليعد صلاته) قال الترمذي قال البخاري لا أعلم لعلي بن طلق غير هذا الحديث الواحد والحديث دليل على أن الفساء ناقض الوضوء وهو مجمع عليه ويقاس عليه غيره من النواقض وأنها تبطل به الصلاة وقد تقدم في كتاب الطهارة في الباب المذكور ذكر حديث عائشة في من أصابه قئ في صلاته أو رعاف فإنه ينصرف ويبني على صلاته حيث لم يتكلم وهو معارض لهذا وكل منهما فيه مقال فالترجيح لحديث علي بن طلق لأنه قال بصحته ابن حبان وحديث عائشة لم يقل أحد بصحته فهذا أرجح من حيث الصحة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن وقد تقدم في الطهارة باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة (أيعجز أحدكم) وفيه دليل على أنه لا ينبغي أن يصلي النفل في المكان الذي صلى فيه المكتوبة بل يتقدم أو يتأخر عن يمينه أو شماله (قال) أي مسدد عن عبد الوارث دون حماد (في السبحة) أي النفل قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وسئل أبو حاتم الرازي عن إبراهيم بن إسماعيل هذا فقال مجهول (صلى بنا إمام لنا يكنى) بالتخفيف ويشدد (أبا رمثة) بكسر الراء (فقال) أي أبو رمثة
[ 217 ]
(صليت هذه الصلاة) الإشارة هنا ليست للخارج لأن عين المشار إليه الواقع في الخارج لم يصله معه صلى الله عليه وسلم وإنما الذي صلاه معه نظيره فتعينت الإشارة للحقيقة الذهنية الموجودة في ضمن هذه الخارجية وغيرها ولذ قال (أو) على الشك (قال أي أبو رمثة (وكان أبو بكر وعمر يقومان في الصف المقدم عن يمينه) لقوله عليه السلام ليليني منكم أولو الأحلام وفيه إفادة الحث على أنه يسن تحري الصف الأول ثم تحري يمين الإمام لأنه أفضل (وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى) أي تكبيرة التحريمة فإنها الأولى حقيقة أو تكبير الركوع فإنها تكبيرة الركعة الأولى (من الصلاة) احتراز من التكبير المعتاد بعد الصلاة أي تكبيرة التحريمة ووجه ذكرها مزيد بيان أن مدركها إنما قام عقب صلاته لصلاة السنة إلا لكونه مسبوقا بقي عليه شئ يقوم لإكماله (فصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي صلاته (ثم سلم) أي مائلا ومنصرفا (عن يمينه وعن يساره) وليس فيه سلام تلقاء وجهه (حتى رأينا) متعلق بالمقدر المذكور (بياض خديه) أي من طرفي وجهه أي خده الأيمن في الأولى والأيسر في الثانية (ثم انفتل) أي انصرف النبي صلى الله عليه وسلم (كانفتال أبي رمثة) أي كانفتالي بكر جرد عنه نفسه أبا رمثة ووضعه موضع ضميره مزيدا للبيان كما بينه الطيبي ولذا قال الراوي (يعني) أي يريد أبو رمثة بقوله أبي رمثة (نفسه) أي ذاته لا غيره (يشفع) بالتخفيف ويشدد أي يريد يصلي شفعا من الصلاة قال الطيبي الشفع ضم الشئ إلى مثله يعني قام الرجل يشفع الصلاة بصلاة أخرى (فوثب إليه عمر) أي قام بسرعة (فأخذ بمنكبيه) بالتثنية (فهزه) بالتشديد أي حركه بعنف (فإنه) أي الشأن (إلا أنهم) وفي نسخة إلا أنه أي الشأن (فصل) أي فرق بالتسليم أو التحويل يحتمل أنهم كانوا أمروا بالفصل فلم يمتثلوا ويحتمل أنهم لم يؤمروا به فاعتقدوا اتصال الصلوات وأنها صلاة واحدة فصلوا أو أنهم لم يؤهلوا إلى ذكر الله عقب صلاتهم فأدى بهم ذلك إلى قسوة القلب المؤدية إلى الإعراض عن الله وأوامره كذا في المرقاة قال الطيبي ويحتمل أن يراد بعدم الفصل ترك الذكر بعد السلام والتقدير لن يهلكهم شئ إلا عدم الفصل (فرفع
[ 218 ]
النبي صلى الله عليه وسلم بصره) أي إليهما (فقال أصاب الله بك يا ابن الخطاب) قيل الباء زائدة وقيل الباء للتعدية والمفعول محذوف أي أصاب الله بك الرشد وقال الطيبي من باب القلب أي أصبت الرشد فيما فعلت بتوفيق الله كذا في المرقاة وقال في إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي الفجر والفصل يكون بالزمان وقد يكون بالتقدم من مكان إلى مكان أما الفصل بالزمان فكما روى أحمد وأبو يعلى بإسناد رجالهما رجال الصحيح كما صرح بذلك في مجمع الزوائد عن عبد الله بن رباح عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فقام رجل يصلي فرآه عمر فقال له اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل ثم ذكر حديث أبي رمثة هذا ثم قال صاحب إعلام أهل العصر والظاهر أن عمر رضي الله عنه لم يرد بالفصل فصلا بالتقدم لأنه قال له اجلس ولم يقل تقدم أو تأخر فتعين الفصل بالزمان وأما الفصل بالتقدم أو التأخر فكما أخرجه مسلم من حديث معاوية وفيه إذا صليت الجمعة في تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج انتهى ملخصا قال المنذري في إسناده أشعث بن شعبة والمنهال بن خليفة وفيهما مقال باب السهو في السجدتين (عن محمد) بن سيرين (إحدى صلاتي العشي) هو بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد المثناة التحتية قال الأزهري هو ما بين الشمس وغروبها وقد عينها أبو هريرة في رواية لمسلم أنها الظهر وفي أخرى أنها العصر وقد جمع بينهما بأنها تعددت القصة (الظهر) عطف بيان أو بدل من إحدى (ثم سلم) في حديث عمران بن حصين المروي في
[ 219 ]
مسلم أنه سلم في ثلاث ركعات وليس باختلاف بل وهما قضيتان كما حكاه النووي في الخلاصة عن المحققين (ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد) بتشديد الدال المفتوحة أي في جهة القبلة وفي رواية ابن عون فقام إلى خشبة معروضة أي موضوعة بالعرض (فوضع يديه عليها) أي الخشبة (إحداهما على الأخرى) وفي رواية وضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه (يعرف في وجهه الغضب) ولعل عضبه لتأثير التردد والشك في فعله وكأنه كان غضبان فوقع له الشك لأجل غضبه كذا في المرقاة (ثم خرج سرعان الناس) من المسجد وهو بفتح السين المهملة وفتح الراء هو المشهور ويروى بإسكان الراء هم المسرعون إلى الخروج قيل وبضمها وسكون الراء على أنه جمع سريع كقفيز وقفزان (وفي الناس أبو بكر وعمر فهاباه) أي غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه (أن يكلماه) أي بأنه سلم على ركعتين وخشيا أن يكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم في نقصان الصلاة وقوله أن يكلماه بدل اشتمال من ضمير هاباه لبيان أن المقصود هيبة تكليمه لا نحو نظره واتباعه (فقام رجل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين) وفي رواية رجل يقال له الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة آخره قاف وكان في يديه طول لقب ذي اليدين لطول كان في يديه وفي الصحابة رجل آخر يقال له ذو الشمالين وهو غير ذي اليدين ووهم الزهري فجعل ذا اليدين وذا الشمالين واحد وقد بين العلماء وهمه قال ابن عبد البر ذو اليدين غير ذي الشمالين وإن ذا اليدين هو الذي جاء ذكره في سجود السهو وأنه الخرباق وأما ذو الشمالين فإنه عمير بن عمرو انتهى (فقال يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة) بضم القاف وكسر الصاد وروي بفتح القاف وضم الصاد وكلها صحيح والأول أشهر أي شرع الله قصر الرباعية إلى اثنين (قال لم أنس ولم تقصر) بالوجهين أي في ظني (فأومأوا) أي أشاروا برؤوسهم قال في السيل إن الحديث دليل على أن نية الخروج من الصلاة وقطعها إذا كانت بناء على ظن التمام لا يوجب بطلانها ولو سلم التسليمتين وأن كلام الناس لا يبطل الصلاة وكذ
[ 220 ]
كلام من ظن التمام وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف وهو قول ابن عباس وابن الزبير وأخيه عروة وعطاء والحسن وغيرهم وقال به الشافعي وأحمد وجميع أئمة الحديث وقالت الحنفية التكلم في الصلاة ناسيا أو جاهلا يبطلها مستدلين بحديث ابن مسعود وحديث زيد بن أرقم في النهي عن التكلم في الصلاة وقالوا هما ناسخان لهذا الحديث وأجيب بأن حديث ابن مسعود كان بمكة متقدما على حديث الباب بأعوام والمتقدم لا ينسح المتأخر وبأن حديث زيد بن أرقم وحديث ابن مسعود أيضا عموميان قد وهذا الحديث خاص بمن تكلم ظانا لتمام صلاته فيخص به الحديثين المذكورين فتجتمع الأدلة من غير إبطال لشئ منها ويدل الحديث أيضا أن الكلام عمدا لإصلاح الصلاة لا يبطلها كما في كلام ذي اليدين وفي رواية الصحيحين فقالوا وفي رواية المؤلف كما سيأتي فيقال يريد الصحابة نعم فإنه كلام عمد لإصلاح الصلاة وقد روي عن مالك أن الإمام إذا تكلم بما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفسار والسؤال عند الشك وإجابة المأموم أن الصلاة لا تفسد وقد أجيب بأنه صلى الله عليه وسلم تكلم معتقدا للتمام وتكلم الصحابة معتقدين للنسخ وظنوا حينئذ التمام قال محمد بن إسماعيل الأمير اليماني ولا يخفي أن الجزم باعتقادهم التمام محل نظر بل فيهم متردد بين القصر والنسيان وهو ذو اليدين نعم سرعان الناس اعتقدوا القصر ولا يلزم اعتقاد الجميع ولا يخفي أنه لا عذر عن العمل بالحديث لمن يتفق له مثل ذلك وما أحسن كلام صاحب المنار فإنه ذكر كلام المهدي ودعواه نسخه كما ذكرناه ثم رده بما رددناه ثم قال وأنا أقول أرجو الله للعبد إذا لقي الله عاملا لذلك ويثاب على العمل به وأخاف على المتكلفين وعلى المجبرين على الخروج من الصلاة للاستئناف فإنه ليس بأحوط كما ترى لأن الخروج بغير دليل ممنوع وإبطال العمل وفي الحديث دليل على أن الأفعال الكثيرة التي ليست من جنس س الصلاة إذا وقعت سهوا أو مع ظن التمام لا تفسد بها الصلاة فإن في رواية أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى منزله وفي أخرى يجر رداءه مغضبا وكذلك خروج سرعان الناس فإنها أفعال كثيرة قطعا وقد ذهب إلى هذا الشافعي وفيه دليل على صحة البناء على الصلاة بعد السلام وإن طال زمن الفصل بينهما وقد روي هذا عن ربيعة ونسب إلى مالك وليس بمشهور عنه
[ 221 ]
ومن العلماء من قال يختص جواز البناء إذا كان الفصل بزمن قريب وقيل بمقدار ركعة وقيل بمقدار الصلاة ويدل أيضا أنه يجبر ذلك سجود السهو وجوبا لحديث صلوا كما رأيتموني أصلي ويدل أيضا على أن سجود السهو لا يتعدد بتعدد أسباب السهو ويدل على أن سجود السهو بعد السلام قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي رواية قال فقام الناس نعم ثم رفع ولم يقل وكبر ولم يذكر فأومأوا إلا حماد بن زيد وفي رواية قال قلت فالتشهد قال لم أسمع في التشهد وأحب إلي أن يتشهد وفي رواية كبر ثم كبر وسجد انتهى كلام المنذري (ثم سلم ثم كبر) قال القرطبي فيه دلالة على أن التكبير للاحرام لإتيانه بثم المقتضية للتراخي فلو كان التكبير للسجود لكان معه وقد اختلف هل يشترط لسجود السهو بعد السلام تكبيرة إحرام أو يكتفي بتكبير السجود فالجمهور على الاكتفاء ومذهب مالك وجوب التكبير لكن لا تبطل بتركه وأما نية إتمام ما بقي فلا بد منها ذكره الزرقاني (وسجد) للسهو (مثل سجوده) للصلاة (أو أطول ثم رفع) من سجوده (وكبر وسجد) ثانية (مثل سجوده) للصلاة (أو أطول) منه (ثم رفع) أي ثانيا من السجدة الثانية (وكبر) ولم يذكر أنه تشهد بعد سجدتي السهو (قال) أيوب (فقيل لمحمد) بن سيرين والقائل سلمة بن علقمة (سلم) بحذف حرف الاستفهام (في السهو) أي بعد سجود السهو عند الفراغ (فقال) محمد بن سيرين (ثم سلم) النبي صلى الله عليه وسلم وسيجئ تحقيقه فسؤال سلمة بن علقمة من ابن سيرين عن أمرين الأول هل سلم النبي صلى الله عليه وسلم بعد سجود السهو والثاني هل تشهد في سجود السهو فالجواب عن الأول في هذه الرواية والجواب عن الثاني في الرواية الآتية والله أعلم (عن محمد بإسناده) إلى أبي هريرة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وأخرجه أيضا مالك في الموطإ ولفظه مالك عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق ذو اليدين فقال الناس نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 222 ]
فصلى ركعتين أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع هذا لفظ الموطإ وهذا يوضح الإغلاق الذي في رواية المؤلف من طريق مالك فإن أبا داود أخرج الحديث من طريق مالك ولم يسبق ألفاظه بتمامه بل اختصر اختصارا لا يصل (به) الطالب إلى المقصود (لم يقل) أي مالك في روايته (بنا) وقال حماد في روايته صلى بنا (ولم يقل) مالك (فأومأوا) كما قال حماد بل (قال) مالك (فقال الناس نعم) مكان فأومأ أي نعم (قال) مالك (ثم رفع) رأسه أي ثانيا من السجدة الثانية (ولم يقل) مالك (وكبر) كما قاله حماد في روايته فإنه قال في اخر الحديث ثم رفع وكبر ومالك اقتصر على لفظ رفع دون وكبر وقال مالك هذه الجملة كما قالها حماد وهي (ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع وتم حديثه) أي حديث مالك على هذه الجملة (لم يذكر) مالك (ما بعده) من الكلام الذي في رواية حماد وهو قوله فقيل لمحمد سلم إلى قوله ثم سلم وأخرج الطحاوي من طريق مالك بقوله حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة ثم ذكر نحو ما بعد ذلك في حديث حماد بن زيد ولم يذكر في هذا الحديث نحو ما ذكره حماد في حديثه من قول أبي هريرة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى (ولم يذكر فأومأ إلا حماد بن زيد) بل حماد اختلف عليه روى محمد بن عبيد عن حماد بن زيد هكذا كما قال المؤلف بلفظ فأومأوا وروى أسد عن حماد بلفظ قالوا نعم ورواية أسد عند الطحاوي (قال أبو داود وكل من روى هذا الحديث) كحماد بن سلمة ومالك الإمام عن أيوب عن ابن سيرين وكذا يحيى بن عتيق وابن عون وحميد ويونس وعاصم وغيرهم عن ابن سيرين (لم يقل) أحد منهم (فكبر) أي زيادة لفظة فكبر قبل قوله ثم كبر فسجد غير حماد بن زيد عن هشام بن حسان فإن حماد بن زيد عن هشام قال فكبر ثم كبر وسجد كما سيجئ (ولا ذكر رجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه غير حماد بن زيد كما تقدم وهذه العبارة وجدت في بعض النسخ أي من قوله قال أبو داود إلى قوله رجع والله أعلم
[ 223 ]
(نبئت أن عمران بن حصين) قال الخطابي والحديث فيه دليل على أنه لا يتشهد لسجدتي السهو وإن سجدهما بعد السلام انتهى وأخرج أيضا البخاري عن سلمة بن علقمة قال قلت لمحمد يعني ابن سيرين في سجدتي السهو تشهد قال ليس في حديث أبي هريرة ومفهومه أنه ورد في حديث غيره وقد روى المؤلف والترمذي وابن حبان والحاكم من طريق أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسهى فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم صححه الحاكم على شرطهما قال الترمذي حسن غريب وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا رواية أشعث لمخالفة غيره من الحفاظ عن ابن سيرين فإن المحفوظ عنه في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد وكذا المحفوظ عن خالد بهذا الإسناد لا ذكر للتشهد فيه كما أخرجه مسلم فصارت زيادة أشعث شاذة لكن قد جاء التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند المؤلف والنسائي وعن المغيرة عند البيهقي وفي إسنادهما ضعف إلا أنه باجتماع الأحاديث الثلاثة ترتقي إلى درجة الحسن وليس ذلك ببعيد وقد صح ذلك عند أبي شيبة عن ابن مسعود من قوله قاله الزرقاني في شرح الموطأ (عن أيوب وهشام) بن حسان (ويحيى بن عتيق وابن عون عن محمد) أي هؤلاء الأربع كلهم يروون عن محمد بن سيرين (وقال هشام يعني ابن حسان كبر) فيه دلالة على التكبير للاحرام كما هو مذهب مالك وتقدم بيانه (ثم كبر وهذا التكبير للسجود (وسجد) للسهو لكن قوله كبر في الأول هو مما تفرد به حماد بن زيد عن هشام بن حسان كما سيذكره المؤلف الإمام
[ 224 ]
(حتى يقنه الله ذلك) أي ألقي الله تعالى اليقين في قلبه قال في سبل السلام أي صير تسليمه على اثنين يقينا عنده إما بوحي أو تذكر حصل له اليقين والله أعلم ما مستند أبي هريرة في هذا انتهى كلامه (أن أبا بكر بن سليمان) قال المنذري وأخرجه النسائي وهو مرسل أبو بكر هذا تابعي انتهى
[ 225 ]
(سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن) قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وقال النسائي لا أعلم أحدا ذكر في هذا الحديث ثم سجد سجدتين غير سعد انتهى (فقال الناس قد فعلت) احتج الأوزاعي بهذا الحديث على أن الكلام العمد إذا كان لمصلحة الصلاة لا تبطل الصلاة لأن ذا اليدين تكلم عامدا والقوم أجابوا النبي صلى الله عليه وسلم عامدين مع علمهم بأنهم لم يتموا الصلاة ومن ذهب إلى أن كلام الناس يبطل الصلاة زعم أن هذا كان قبل تحريم الكلام في الصلاة بمكة وحدوث هذا الأمر كان بالمدينة لأن أبا هريرة متأخر الإسلام وهذا القول ضعيف جدا وأجاب عنه المحققون كابن عبد البر والنووي بأجوبة شافية قال الترمذي واختلف أهل العلم في هذا الحديث فقال بعض أهل الكوفة إذا تكلم في الصلاة ناسيا أو جاهلا أو ما كان فإنه يعيد الصلاة واعتلوا بأن هذا الحديث كان قبل تحريم الكلام في الصلاة وأما الشافعي فرأى هذا حديثا صحيحا فقال به وقال هذا أصح من الحديث الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصائم إذا أكل ناسيا فإنه لا يقضي وإنما هو رزق رزقه الله قال الشافعي وفرقوا هؤلاء بين العمد والنسيان في أكل الصائم لحديث أبي هريرة قال أحمد في حديث أبي هريرة إن تكلم الإمام في شئ من صلاته وهو يرى أنه قد أكملها ثم على أنه لم يكملها يتم صلاته ومن تكلم خلف الإمام وهو يعلم أن عليه بقية من الصلاة فعليه أن يستقبلها واحتج بأن الفرائض كانت تزاد وتنقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تكلم ذو اليدين وهو على يقين من صلاته أنها تمت وليس هكذا اليوم ليس لأحد أن يتكلم على معنى ما تكلم ذو اليدين لأن الفرائض اليوم لا يزاد فيها ولا ينقص قال أحمد نحوا من هذا الكلام وقال إسحاق نحو قول أحمد في هذا الباب انتهى كلامه
[ 226 ]
(رواه داود بن الحصين عن أبي سفيان) قال المنذري حديث أبي سفيان مولى أبي أحمد هذا الذي علقه أبو داود أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن داود بن الحصين وأبو سفيان هذا احتج البخاري ومسلم بحديثه واسمه قزمان وقيل وهب وقيل عطاء ويقال فيه مولى أبي أحمد ومولى ابن أبي أحمد انتهى (عن ضمضم بن جوس) بفتح الجيم ثم مهملة كذا في التقريب (الهفاني) بكسر الهاء وفتح الفاء المشددة ثم النون هو اليمامي قال المنذري وأخرجه النسائي (عن ابن عمر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين) قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (عن أبي المهلب) قال النووي اسمه عبد الرحمن بن عمر وقيل معاوية بن عمر وقيل عمرو بن معاوية ذكر هذه الأقوال الثلاثة في اسمه البخاري في تاريخه واخرون وقيل اسمه النضر بن عمر الجرمي الأزدي البصري التابعي الكبير روى عن عمر بن الخطاب وعثمان وأبي بن كعب وعمران بن حصين رضي الله عنهم أجمعين وهو عم أبي
[ 227 ]
قلابة الراوي عنه هنا (رجل يقال له الخرباق) بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وفي اخره قاف لقبه أو اسمه قال ابن حجر أسلم في أواخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعاش حتى روى عنه متأخروا التابعين وهو ذو اليدين السابق كما قاله المحققون وغير ذي الشمالين خلافا لمن وهم فيه كالزهري (مغضبا يجر رداءه) واعلم أن حديث ذي اليدين هذا فيه فوائد كثيرة وقواعد مهمة منها جواز النسيان في الأفعال والعبادات على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأنهم لا يقرون عليه ومنها الواحد إذا ادعى شيئا جرى بحضرة جمع كثير لا يخفى عليهم سئلوا عنه ولا يعمل بقوله من غير سؤال ومنها إثبات سجود السهو وأنه سجدتان وأنه يكبر لكل واحدة منهما وأنهما على هيئة سجود الصلاة لأنه أطلق السجود فلو خالف المعتاد لبينه وأنه يسلم من سجود السهو وأنه لا تشهد له وأن سجود السهو في الزيادة يكون بعد السلام وأن الشافعي رحمه الله تعالى يحمله على أن تأخير سجود السهو كان نسيانا لا عمدا ومنها أن كلام الناس للصلاة والذي يظن أنه ليس فيها لا يبطلها وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف وهو قول ابن عباس وعبد الله بن الزبير وأخيه عروة وعطاء والحسن والشعبي وقتادة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وجميع المحدثين وفي هذا الحديث دليل على أن العمل الكثير والخطوات إذا كانت في الصلاة سهوا لا يبطلها كما لا تبطلها الكلام سهوا وفي هذه المسألة وجهان لأصحاب الشافعي أصحهما عند المتولي لا يبطلها لهذا الحديث فإنه ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى الجذع وخرج السرعان وفي رواية دخل الحجرة ثم خرج ورجع الناس وبنى على صلاته والوجه الثاني وهو المشهور في المذهب أن الصلاة تبطل بذلك وهذا مشكل وتأويل الحديث صعب على من أبطلها والله أعلم انتهى كلام النووي مختصرا قال النووي وأخرجه مسلم والنسائي ابن ماجه باب إذا صلى خمسا (قال حفص أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة (عن
[ 228 ]
إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (فقيل له) عليه السلام لما سلم (أزيد في الصلاة) بهمزة الاستفهام الاستخباري (قال) عليه الصلاة والسلام (وما ذاك) أي وما سؤالكم عن الزيادة في الصلاة (قال صليت خمسا فسجد) عليه الصلاة والسلام بعد أن تكلم (سجدتين) للسهو (بعد ما سلم) أي بعد سلام الصلاة لتعذر السجود قبله لعدم علمه بالسهو ولم يذكر في الحديث انتظره الصحابة أو اتبعوه في الخامسة والظاهر أنهم اتبعوه لتجويزهم الزيادة في الصلاة لأنه كان زمان توقع النسخ أما غير الزمن النبوي فليس للمأموم أن يتبع إمامه في الخامسة مع علمه بسهوه لأن الأحكام استقرت فلو تبعه بطلت صلاته لعدم العذر بخلاف من سها كسهوه واستدل الحنفية بالحديث على أن سجود السهو كله بعد السلام وظاهر صنيع الإمام البخاري يقتضي التفرقة بين ما إذا كان السهو بالنقصان أو الزيادة ففي النقصان يسجد قبل السلام وفي الزيادة يسجد بعده وبذلك لما ذكر قال مالك والمزني والشافعي في القديم وحمل في الجديد السهو فيه على أنه تدارك للمتروك قبل السلام سهوا لما في حديث أبي سعيد الأمر بالسجود قبل السلام من التعرض للزيادة ولفظه إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم وفي قول قديم ثان للشافعي أيضا يتخير إن شاء سجد قبل السلام وإن شاء بعده لثبوت الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم كما مر ورجحه البيهقي ونقل الماوردي وغيره الإجماع على جوازه وإنما الخلاف في الأفضل ولذ أطلق النووي وذهب أحمد إلى أنه يستعمل كل حديث فيما يرد فيه وما لم يرد فيه شئ يسجد فيه قبل السلام ذكره القسطلاني في شرح البخاري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (فلا أدري زاد أم نقص) بالشك قال في المرقاة الرواية التي فيها فقيل له أزيد في
[ 229 ]
الصلاة أصح من رواية زاد أو نقص بالشك (فإذا نسيت فذكروني) فكان حقهم أن يذكروه بالإشارة أو نحوها عند إرادة قيامه إلى الخامسة (فليتحر) التحري طلب الحري وهو اللائق والحقيق والجدير أي فليطلب بغلبة ظنه واجتهاده قال الطيبي التحري القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تحصيل الشئ بالفعل والضمير البارز في (فليتم عليه) راجع إلى ما دل عليه فليتحر والمعنى فليتم والمعنى فليتم على ذلك ما بقي من صلاته بأن الضم إليه ركعة أو ركعتين أو ثلاثا وليقعد في موضع يحتمل القعدة الأولى وجوبا وفي مكان يحتمل القعدة الأخرى فرضا وبقي حكم اخر وهو أنه إذا لم يحصل له اجتهاد وغلبة ظن فليبن على الأقل المستيقن كما سبق في حديث أبي سعيد كذا في المرقاة (ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين) وثم لمجرد التعقيب وفيه إشارة إلى أنه ولو وقع تراخ يجوز ما لم يقع منه مناف كذا في المرقاة وقال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (عن عبد الله بهذا قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ثم تحول) النبي صلى الله عليه وسلم (فسجد سجدتين) أي للسهو (رواه حصين نحو الأعمش) أي من غير ذكر الجملة إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه فحصين والأعمش ما ذكرا هذه الجملة عن إبراهيم وأما منصور فذكرها عن إبراهيم وحديث منصور أخرجه الأئمة الستة بهذه الزيادة إلا الترمذي فإنه لم يخرجه أصلا وإلا النسائي فإنه لم يذكر هذه الجملة وذكره أبو داود بلفظ البخاري قال البيهقي في المعرفة وأخرجه البخاري من حديث جرير عن منصور وقال فليتحر الصواب وهذا اللفظ في جملة حديث رواه عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سها فصلى خمسا وقد روى الحكم بن عتيبة والأعمش تلك القصة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله دون لفظ
[ 230 ]
التحري ورواها إبراهيم بن سويد عن علقمة عن عبد الله دون لفظ ورواها الأسود بن يزيد عن عبد الله دون لفظ التحري فذهب بعض أهل المعرفة بالحديث إلى أن الأمر بالتحري في هذا الحديث مشكوك فيه فيشبه أن يكون من جهة ابن مسعود أو من دونه فأدرج في الحديث وذهب غيره إلى تصحيح الحديث بأن منصور بن المعتمر من حفاظ الحديث وثقاتهم وقد روى القصة بتمامها وروى فيها لفظ التحري غير مضاف إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم ورواها عنه جماعة من الحفاظ مسعر والثوري وشعبة ووهب بن خالد وفضيل بن عياض وجرير بن عبد الحميد وغيرهم والزيادة من الثقة مقبولة إذا لم يكن فيها خلاف رواية الجماعة والجواب عنه ما ذكره الشافعي رحمه الله وهو أن قوله فليتحر الصواب معناه فليتحر الذي يظن أنه نقصه فيتمه حتى يكون التحرى أن يعيد ما شك فيه ويبني على حال يستيقن فيها وقال الخطابي إن التحري يكون بمعنى اليقين قال الله تعالى فأولئك تحروا رشدا انتهى كلام البيهقي مختصرا (فلما انفتل) أي انصرف (توشوش القوم بينهم) الوشوشكلام خفي مختلط لا يكاد يفهم وروى بسين مهملة ويريد به الكلام الخفي كما في فتل الودود وقال النووي ضبطناه بالشين المعجمة وقال القاضي روي بالمعجمة والمهملة وكلاهما صحيح ومعناه تحركوا ومنه وسواس الحلي بالمهملة وهو تحركه ووسوسة الشيطان قال أهل اللغة الوشوشة بالمعجمة صوت في اختلاط قال الأصمعي ويقال رجل وشواش أي خفيف انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم قال الخطابي اختلف أهل العلم في هذا الباب فقال بظاهر هذا الحديث جماعة منهم علقمة والحسن البصري وعطاء والنخعي والزهري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق قال سفيان الثوري إن كان لم يجلس في الرابعة أحب إلي أن يعيد وقال أبو حنيفة إن كان لم يقعد في الرابعة قدر التشهد وسجد في الخامسة فصلاته فاسدة وعليه أن يستقبل الصلاة وإن كان قد قعد في الرابعة قدر التشهد
[ 231 ]
فقد تمت له الظهر والخامسة تطوع وعليه أن يضيف إليها ركعة ثم يتشهد ويسلم ويسجد سجدتين للسهو وتمت صلاته قال الشيخ الخطابي ومتابعة السنة أولى فإسناد هذا الحديث يعني حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا مزيد عليه في الجودة من إسناد أهل الكوفة قال من صار إلى ظاهر الحديث لا يخلو من أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قعد في الرابعة أو لم يكن قعد فإن كان قعد فيها فإنه لم يضف إليها السادسة وإن كان لم يقعد في الرابعة فإنه لم يستأنف الصلاة ولكن احتسب بها وسجد سجدتين للسهو فعلى الوجهين جميعا يدخل الفساد على الكوفة فيما قالوه انتهى كلامه والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم (وعن معاوية بن خديج) بضم الحاء المهملة قال المنذري وأخرجه النسائي وقال أبو سعيد بن يونس هذا أصح حديث باب إذا شك في الثنتين والثلاث من قال يلقي بصيغة للمجهول (الشك) ويلزمه البناء على اليقين وهو الأقل فيأتي بما بقي ويسجد للسهو فمن شك هل صلى ثلاثا أم أربعا مثلا يبني على الأقل وهو الثلاث ومن شك هل صلى ثلاثا أو اثنتين يبني على اثنتين وأصرح في المراد حديث عبد الرحمن بن عوف كما سيأتي قال النووي وهو مذهب الشافعي والجمهور فإنهم قالوا في وجوب البناء على اليقين وحملوا التحري في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين قالوا والتحري هو القصد ومنه قوله تعالى تحروا رشدا فمعنى حديث عبد الله فليقصد الصواب فليعمل
[ 232 ]
به وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره انتهى وسيجئ توضيحه من كلام الخطابي وسلف انفا كلام البيهقي فيه والله أعلم (عن عطاء بن يسار) هو مولى أم سلمة (إذا شك أحدكم في صلاته) أي تردد بلا رجحان فإنه مع الظن يبني عند أبي حنيفة خلافا للشافعي (فليلق الشك) أي ما يشك فيه وهو الركعة الرابعة يدل عليه قوله (وليبن) بسكون اللام وكسره (على اليقين) أي علم يقينا وهو ثلاث ركعات (كانت الركعة نافلة والسجدتان) أي نافلتان أيضا (مرغمتي الشيطان) مرغمة كل اسم فاعل على وزن مكرمة من الإفعال أي مذلتين واعلم أن حديث أبي سعيد روى من طرق شتى وله ألفاظ ونحن نسردها فأقول أخرج مسلم من طريق زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان ولفظ النسائي من هذا الوجه إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين فإذا استيقن بالتمام فليسجد سجدتين وهو قاعد فإن كان صلى خمسا شفعتا له صلاته وإن صلى أربعا كانتا ترغيما للشيطان وفي رواية الدارقطني إذا شك أحدكم وهو يصلي في الثلاث والأربع فليصل ركعة حتى يكون الشك في الزيادة ثم يسجد سجدتي السهو قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعتا له صلاته وإن كان أتمها فهما ترغمان أنف الشيطان وفي رواية للدارقطني أيضا إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أربعا أو ثلاثا فليطرح الشك وليبن على اليقين ثم ليقم فيصلي ركعة ثم سجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم فإن كانت صلاته أربعا وقد زاد ركعة كانت هاتان السجدتان تشفعان الخامسة وإن كانت صلاته ثلاثة كانت الرابعة تمامها والسجدتان ترغيما للشيطان ومن أحاديث الباب ما أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن عوف قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليبن
[ 233 ]
على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم قال الترمذي حسن صحيح ولفظ ابن ماجه إذا شك أحدكم في الثنتين والواحدة فليجعلها واحدة وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى تكون الوهم في الزيادة ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم وأخرجه الحاكم في المستدرك ولفظه فإن الزيادة خير من النقصان (وحديث أبي خالد أشبع) أي أتم وأكمل من حديث هشام بن سعد ومحمد بن مطرف قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (المرغمتين) قال ابن الأثير يقال أرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام وهو التراب هذا هو الأصل ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره انتهى والمعنى المذلتين للشيطان وسيجئ بيانه أيضا (وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم) هو من أدلة القائلين بأن السجود للسهو قبل السلام (شفعها بهاتين) يعني أن السجدتين بمنزلة الركعة لأنهما ركناها فكأنه بفعلهما قد فعل ركعة سادسة فصارت شفعا فالسجدتان ترغيم للشيطان لأنه لما قصد التلبيس على المصلي وإبطال صلاته كان السجدتان لما فيهما من الثواب ترغيما له وظاهر الحديث أن مجرد حصول الشك موجب للسهو ولو زال وحصلت معرفة الصواب قاله الشوكاني وقال الزرقاني قوله شفعها بهاتين السجدتين أي ردها إلى الشفع قال الباجي يحتمل أن الصلاة
[ 234 ]
مبنية على الشفع فإن دخل عليه ما يوترها من زيادة وجب إصلاح ذلك بما يشفعها (وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم) أي أغاظه وإذلال (للشيطان) قال النووي هو مأخوذ من الرغام وهو التراب ومنه أرغم الله أنفه والمعنى أن الشيطان لبس عليه صلاته وتعرض فسادها ونقضها فجعل الله تعالى للمصلي طريقا إلى جبر صلاته وتدارك ما لبسه عليه وإرغام الشيطان ورده خاسئا مبعدا عن مراده وكملت صلاة ابن ادم وامتثل أمر الله تعالى الذي عصى به إبليس من امتناعه من السجود انتهى قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى قد روى أبو داود في أبواب السهو عدة أحاديث في أكثر أسانيدها مقال والصحيح منها والمعتمد عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة التي ذكرناها وهي حديث عبد الله بن مسعود من طريق منصور وحديث أبي سعيد الخدري وحديث عطاء مرسلا وحديث أبي هريرة من طريق الزهري عن أبي سلمة وحديث عبد الله بن بجينة فأما حديث أبي هريرة مجمل ليس فيه بيان ما يصنعه من شئ سوى ذلك ولا فيه بيان موضع السجدتين من الصلاة وحاصل الأمر على حديث ابن مسعود فأما حديث ابن مسعود وهو أنه يتحرى في صلاته ويسجد سجدتين بعد السلام فهو مذهب أصحاب الرأي ومعنى التحري عندهم غالب الظن وأكبر الرأي كأنه شك في الرابعة من الظهر هل صلاها أم لا فإن كان أكثر رأيه أنه لم يصلها أضاف إليها أخرى ويسجد سجدتين بعد السلام وإن كان أكبر رأيه في الرابعة أنه صلاها أتمها ولم يضف إليها ركعة وسجد سجدتي السهو بعد السلام هذا إذا كان الشك يعتريه في الصلاة مرة بعد أخرى فإن كان ذلك أول ما سها فعليه أن يستأنف الصلاة عندهم وأما حديث ابن بجينة وذي اليدين فإن مالكا اعتبرهما جميعا وبنى مذهبه عليهما في الوهم إذا وقع في الصلاة فإن كان من زيادة زادها في صلب الصلاة سجد سجدتين بعد السلام لأن في خبر ذي اليدين أن النبي صلى الله عليه وسلم عن ثنتين وهو زيادة في الصلاة وإن كان من نقصان سجدهما قبل السلام لأن في حديث ابن بجينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام عن ثنتين ولم يتشهد وهذا نقصان في الصلاة وذهب أحمد بن حنبل إلى أن كل حديث منها تتأمل صفته ويستعمل في موضعه ولا يحمل على الخلاف وكان يقول ترك الشك على وجهين أحدهما إلى اليقين والآخر إلى التحري فمن رجع إلى اليقين فهو أن يلقى الشك ويسجد سجدتي السهو قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري وإذا رجع إلى التحري وهو أكثر لتوهم سجد سجدتي السهو بعد السلام على حديث بن مسعود فأما مذهب الشافعي فعلى الجمع بين
[ 235 ]
الأخبار ورد المجمل منها على المفسر والتفسير إنما جاء في حديث أبي سعيد الخدرى وهو قوله عليه السلام فليلق الشك وليبن على اليقين وقوله إذا لم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليصل ركعة وليسجد سجدتين وهو جالس قبل السلام وقوله عليه السلام فإن كانت الركعة التي صلاها خامسة شفعها بهاتين وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم الشيطان قال وهذا فصول في الزيادات حفظها أبو سعيد الخدري لم يحفظها غيره من الصحابة وقبول الزيادات واجب فكان المصير إلى حديثه أولى ومعنى التحري المذكور في حديث ابن مسعود عند الشافعي هو البناء على اليقين على ما جاء تفسيره في حديث أبي سعيد الخدري وحقيقة التحري هو طلب إحدى الأمرين وأولاهما بالصواب وأحراهما ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري من البناء على اليقين لما فيه من كمال الصلاة والاحتياط لها ومما يدل على أن التحري قد يكون بمعنى اليقين قوله تعالى فمن أسلم فأولئك تحروا رشداوأما حديث ذي اليدين وسجوده فيها بعد التسليم فإن ذلك محمول على السهو في مذهبهم لأن تلك الصلاة قد نسبت إلى السهو في مذهبهم فجرى حكم أحدهما على مشاكلة حكم ما تقدم منها وقد زعم بعضهم أنه منسوخ بخبر أبي سعيد الخدرى وقد روى عن الزهري أنه قال كل فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تقديم السجود قبل السلام أحرى الأمرين وقد ضعف حديث أبي سعيد قوم زعموا أن مالكا أرسله عن عطاء بن يسار ولم يذكر فيه أبا سعيد الخدري قال الشيخ وهذا مما لا يقدح في صحته ومعلوم عن مالك أنه يرسل الأحاديث وهي عنده مسندة وذلك معروف من عادته وقد رواه أبو داود من طريق ابن عجلان عن زيد بن أسلم وذكر أن هشام بن سعيد أسنده فبلغ به أبا سعيد الخدري قال الشيخ وقد أسنده أيضا سليمان بن بلال حدثناه حمزة بن الحارث ومحمد بن أحمد بن زيرك قالا حدثنا عباس الدوري قال أخبرنا موسى بن داود قال أخبرنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلى أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا كانتا شفعا وإن كان صلى تمام الأربع كانتا ترغيما للشيطان قال الشيخ ورواه ابن عباس كذلك أيضا حدثونا به عن محمد بن إسماعيل الصائغ قال أخبرنا ابن قعنب قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسارعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليقم
[ 236 ]
فليصل ركعة ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل السلام فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان قال الشيخ وفي هذا الحديث بيان فساد قول من ذهب فيمن صلى خمسا إلى أنه يضيف إليها سادسة إن كان قد فعل واعتلوا بأن النافلة لا تكون ركعة وقد نص فيه من طريق ابن عجلان على أن تلك الركعة الرابعة تكون نافلة ثم لم يأمره بإضافة أخرى إليها انتهى كلامه بحروفه (عبد الرحمن القارئ) أي منسوب إلبني قارة قال المنذري وهذا أيضا مرسل (كذلك) أي كما روى القعنبي مرسلا (رواه ابن وهب عن مالك) بن أنس مرسلا (و) كذا روى (حفص بن ميسرة وداود بن قيس وهشام بن سعد) كلهم من أقران مالك عن زيد بن أسلم مرسلا إلا أن هاشما أي ابن سعد (بلغ به أبا سعيد الخدري) فهشام من بين أقران مالك جعله متصلا بذكر أبي سعيد الخدري ورواية ابن وهب عن مالك وعن حفص بن ميسرة وداود بن قيس وهشام بن سعد أخرجها البيقهي في المعرفة وقال الزرقاني في شرح الموطأ هكذا مرسلا عند جميع الرواة وتابع مالكا على إرساله الثوري وحفص بن ميسرة ومحمد بن جعفر وداود بن قيس في رواية ووصله الوليد بن مسلم ويحيى بن راشد المازني كلاهما عن مالك عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري وقد وصله مسلم من طريق سليمان بن بلال وداود بن قيس كلاهما عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد وله طرق عند النسائي وابن ماجه عن زيد موصولا ولذا قال أبو عمر بن عبد البر هذا الحديث وإن كان الصحيح فيه عن مالك الإرسال فإنه متصل من وجوه ثابتة من حديث من تقبل زيادته لأنهم حفاظ فلا يضره تقصير من قصر في وصله وقد قال الأثرم لأحمد بن حنبل أتذهب إلى حديث أبي سعيد ، قال نعم ، قلت انهم
[ 237 ]
يختلفون في اسناده ، قال انما قصر به مالك وقد أسنده عدة منهم ابن عجلان وعبد العزيز بن أبي سلمة انتهى قال ابن عبد البر وفي حديث أبي سعيد دلالة قوية لقول مالك والشافعي والثوري وغيرهم أن الشاك يبني على اليقين ولا يجزيه التحري وقال أبو حنيفة إن كان ذلك أول ما شك استقبل وإن اعتراه غير مرة تحرى وليس في شئ من الأحاديث فرق بين اعتراه ذلك أول مرة أو مرة بعد مرة وقال أحمد الشك على وجهين اليقين والتحري فمن رجع إلى اليقين ألغى الشك وسجد قبل السلام على حديث أبي سعيد وإذا رجع إلى التحري وهو أكثر الوهم سجد للسهو بعد السلام على حديث ابن مسعود الذي يرويه منصور وهو حديث معلول وقال جماعة التحري هو الرجوع إلى اليقين وعلى هذا يصح استعمال الخبرين بمعنى واحد وأي تحر يكون لمن انصرف وهو شاك غير متيقن ومعلوم أن من تحرى على أغلب ظنه أن شعبة من الشك تصحبه انتهى وتقدم بيان ذلك من كلام الخطابي رحمه الله باب من قال يتم على أكثر ظنه فلا قال به الحنفية قال الزيلعى وعند الحنفية إن كان له ظن بنى على غالب ظنه وإلا فبنى على اليقين وحجتهم حديث ابن مسعود من طريق منصور ومذهب الشافعي أنه يبنى على اليقين مطلقا في الصور كلها ويأخذ بحديث الخدري وحديث عبد الرحمن بن عوف انتهى قال النووي حديث ابن مسعود من طريق منصور دليل لأبي حنيفة وموافقيه من أهل الكوفة وغيرهم من أهل الرأي على أن من شك في صلاته في عدد ركعات تحرى وبنى على غالب ظنه ولا يلزمه الاقتصار على الأقل والإتيان في الزيادة وظاهر حديث ابن مسعود حجة لهم ثم اختلف هؤلاء فقال أبو حنيفة ومالك في طائفة هذا لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى وأما غيره فيبني على اليقين وقال اخرون هو على عمومه وذهب الشافعي والجمهور إلى حديث أبي سعيد المتقدم وهو صريح في وجوب البناء على اليقين فإن قالت الحنفية حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلنا لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين بنى على الأقل بالإجماع بخلاف من غلب على ظنه أنه صلى أربعا مثلا فالجواب أن تفسير الشك بمستوى الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشئ وعدمه كله يسمى شكا سواء المستوى والراجح والمرجوح والحديث يحمل
[ 238 ]
على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح انتهى كلامه وقال الشوكاني في النيل والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقل والبناء على اليقين وتحري الصواب وذلك لأن التحري في اللغة كما عرفت هو طلب ما هو أحرى إلى الصواب وقد أمر به صلى الله عليه وسلم وأمر بالبناء على اليقين والبناء على الأقل عند عروض الشك فإن أمكن الخروج بالتحري عن أثرة الشك ولا يكون إلا بالإستيقان منه بأنه قد فعل من الصلاة كذا ركعات فلا شك أنه مقدم على البناء على الأقل لأن الشارع قد شرط في جواز البناء على الأقل عدم الدراية كما في حديث عبد الرحمن بن عوف وهذا المتحري قد حصلت له الدارية وأمر الشاك بالبناء على اليقين كما في حديث أبي سعيد ومن بلغ به تحريه إلى اليقين قد بنى على ما استيقن وبهذا تعلم أنه لا معارضة بين الأحاديث المذكورة وأن التحري المذكور مقدم على البناء على الأقل انتهى كلامه قلت وما قاله الشوكاني حسن جدا والله أعلم (عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه) لم يسمع أبو عبيدة من أبيه قاله الحافظ في التهذيب والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه وفي الخلاصة قال عمرو بن مرة سألته هل تذكر عن عبد الله شيئا قال لا قلت وقد ثبت في غير موضع من السنن للترمذي أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه (رواه عبد الواحد عن خصيف ولم يرفعه) والحاصل أن محمد بن سلمة تفرد برفع هذا الحديث وأما عبد الواحد وسفيان وإسرائيل وشريك فهؤلاء لم يرفعوه وكذا قال الدارقطني في سننه وقال البيهقي في المعرفة وروى خصيف عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث مختلف في رفعه ومتنه وخصيف غير قوي وأبو عبيدة عن أبيه مرسل انتهى وفي خصيف بن عبد الرحمن الجزري أبو عون صدوق سئ الحفظ خلط بآخره ورمي بالأرجاء وفي الخلاصة ضعفه أحمد ووثقه ابن معين وأبو زرعة انتهى فالحديث مع كونه غير متصل الإسناد ضعيف أيضا فالاحتجاج بهذا الحديث لمن يقول يتم على أكبر ظنه غير
[ 239 ]
صحيح ولذا احتج الزيلعي على هذه المسألة بحديث عبد الله بن مسعود من طريق منصور وكذا الاحتجاج بحديث أبي عبيدة هذا على التشهد الثاني بعد سجدتي السهو فقال بعضهم يتشهد فيهما ويسلم وقال بعضهم ليس فيهما تشهد وتسليم وإذا سجدهما قبل التسليم لم يتشهد وهو قول أحمد وإسحاق قالا إذا سجد سجدتي السهو قبل السلام لم يتشهد انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي وقد تقدم أن عبيدة لم يسمع من أبيه قال أبو داود ورواه عبد الواحد عن خصيف ولم يرفعه ووافق عبد الواحد أيضا سفيان وشريك واختلفوا في الكلام في متن الحديث ولم يسندوه انتهى (فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد) قد استدل بظاهر هذا الحديث من قال أن المصلي إذا شك فلم يدر زاد أو نقص فليس عليه إلا سجدتان عملا بظاهر هذا الحديث وبحديث أبي هريرة الآتي وإلى ذلك ذهب الحسن البصري وطائفة من السلف وروي ذلك عن أنس وأبي هريرة وخالف في ذلك الأئمة الأربعة وغيرهم فمنهم من قال يبني على أقل ومنهم من قال يعمل على غالب ظنه ومنهم من قال يعيد وقد تقدم تفصيل ذلك وليس في حديث الباب أكثر من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بسجدتين عند السهو في الصلاة وليس فيها بيان ما يصنعه من وقع له ذلك والأحاديث الآخرة قد اشتملت على زيادة وهي بيان ما هو الواجب عليه عند ذلك من غير السجود فالمصير إليها واجب وظاهر قوله من شك في صلاته وقوله فإذا وجد أحدكم ذلك وقوله في حديث أبي سعيد المتقدم إذا شك أحدكم في صلاته وقوله في حديث ابن مسعود المتقدم أيضا وإذا شك أحدكم فليتحر الصواب أن سجود السهو مشروع في صلاة النافلة كما هو مشروع في صلاة الفريضة وإلى ذلك ذهب الجمهور من العلماء قديما وحديثا لأن الجبران وإرغام الشيطان يحتاج إليه في النفل كما يحتاج إليه في الفرض وذهب ابن سيرين وقتادة وروي عن عطاء ونقله جماعة من أصحاب الشافعي عن قوله القديم إلى أن التطوع لا يسجد فيه وهذا يبتنى على الخلاف في اسم الصلاة الذي هو حقيقة مشروعية في الأفعال المخصوصة هل هو متواطئ فيكون مشتركا معنويا
[ 240 ]
فيدخل تحته كل صلاة أو هو مشترك لفظي بين صلاتي الفرض والنفل فذهب الرازي إلى الثاني لما بين صلاتي الفرض والنفل من التباين في بعض الشروط كالقيام واستقبال القبلة وعدم اعتبار العدد المعنوي وغير ذلك قال العلائي والذي يظهر أنه مشترك معنوي لوجود القدر الجامع بين كل ما يسمى صلاة وهو التحريم والتحليل مع ما يشمل الكل من الشروط التي لا تنفك قال في الفتح وإلى كونه مشتركا معنويا ذهب جمهور أهل الأصول قال ابن رسلان وهو أولى لأن الاشتراك اللفظي على خلاف الأصل والتواطؤ خير منه انتهى فمن قال أن لفظ الصلاة مشترك معنوي قال بمشروعية سجود السهو في صلاة التطوع ومن قال بأنه مشترك لفظي فلا عموم له حينئذ إلا على قول الشافعي إن المشترك يعم جميع مسمياته وقد ترجم البخاري على باب السهو في الفرض والتطوع وذكر عن ابن عباس أنه يسجد بعد وتره وذكر حديث أبي هريرة انتهى كلام الشوكاني (إلا ما وجد ريحا بأنفه) أي استيقن أنه أحدث قال المنذري وأخرجه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن (وهذا لفظ حديث أبان) دون هشام الدستوائي (وقال معمر وعلي بن المبارك) والحاصل أن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير قال عياض من غير ذكر أبيه وقال أبان عن يحيى بن أبي كثير هلال بن عياض وأما معمر وعلي بن المبارك فقالا عياض بن هلال وقال الأوزاعي عياض بن أبي زهير قال الحافظ عياض بن هلال وقيل ابن أبي زهير الأنصاري وقال بعضهم هلال بن عياض وهو مرجوح مجهول تفرد يحيى بن أبي كثير بالرواية عنه انتهى (إن أحدكم إذا قام يصلي) فرضا أو نفلا (فلبس عليه) بتخفيف الموحدة المفتوحة على الصحيح وبتشديد الموحدة أيضا أي خلط عليه أمر صلاته وشوش خاطره قال في النهاية لبست الأمر بالفتح ألبسه إذا خلطت بعضه ببعض ومنه قوله تعالى وللبسنا عليهم ما
[ 241 ]
يلبسون وربما شدد للتكثير وقال النووي أيضا هو بالتخفيف أي خلط عليه صلاته وهو شبهها عليه وشككه فيها (حتى لا يدري كم صلى) أي ركعة أو ركعتين أو غيرهما لاشتغال قلبه (فإذا وجد أحدكم ذلك) أي التردد وعدم العلم (سجدتين) فيه دلالة على أنه لا زيادة عليهما وإن سها بأمور متعددة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وكذا) أي كما رواه مالك وانتهى حديثه على قوله وهو جالس من غير ذكر جملة قبل أن يسلم (رواه ابن عيينة ومعمر والليث) أيضا فهؤلاء الحفاظ من أصحاب الزهري مالك وابن عيينة ومعمر والليث لم يقولوا قبل أن يسلم وإنما ذكرها ابن إسحاق وابن أخي الزهري كلاهما عن ابن شهاب كما سيأتي قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر حديث أبي هريرة هذا محمول عند مالك والليث وابن وهب وجماعة على المستنكح الذي لا يكاد ينفك عنه ويكثر عليه السهو ويغلب على ظنه أنه قد أتم لكن الشيطان يوسوس له فيجزيه أن يسجد للسهو دون أن يأتي بركعة لأنه لا يأمن أن ينوبه مثل ذلك فيما يأتي به وأما من غلب على ظنه أنه لم يكمل صلاته فيبني على يقينه فإن اعتراه ذلك أيضا فيما يبني لهى عنه أيضا كما قاله ابن القاسم وغيره والدليل على أن حديث أبي هريرة هذا غير حديث البناء على اليقين أن أبا سعيد راوي حديث البناء على اليقين المتقدم روى أيضا حديث إذ صلى أحدكم فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد رواه أبو داود ومحال أن يكون معناهما واحد الاختلاف ألفاظهما بل لكل واحد منهما موضع كما ذكرنا انتهى كذا في شرح الزرقاني على الموطأ (فليسجد سجدتين قبل أن يسلم) فيه دليل لمن قال إن سجود السهو قبل التسليم والأحاديث الصحيحة الواردة في سجود السهو لأجل الشك كحديث عبد الرحمن بن عوف عند أحمد والترمذي وابن ماجه وأبي سعيد المتقدم وأبي هريرة وغيرها قاضية بأن سجود السهو لهذا السبب يكون قبل السلام وحديث عبد الله بن جعفر الآتي لا ينتهض لمعارضتها لا سيما مع ما
[ 242 ]
فيه من المقال الذي سيأتي ولكنه يؤيده حديث ابن مسعود المذكور قريبا فيكون الكل جائزا وسيجئ بعض البيان باب من قال يسجد بعد التسليم حديث الباب أخرجه النسائي وأحمد في مسنده وابن خزيمة في صحيحه ورواه البيهقي وقال إسناده لا بأس به وعتبة بن محمد ويقال عقبة ذكره ابن حبان في الثقات ومصعب بن شيبة وثقه ابن معين وأخرج له مسلم في صحيحه لكن ضعفه أحمد وأبو حاتم والدارقطني وقال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار اختلف الناس في سجود السهو على أربعة أقوال فطائفة راه السجدة بعد السلام عملا بحديث ذي اليدين وهو مذهب أبي حنيفة وقال به من الصحابة علي وسعد وابن الزبير ومن التابعين الحسن والنخعي وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح وأهل الكوفة وذهب طائفة إلى أن السجود قبل السلام أخذا بحديث ابن بجينة وبحديث معاوية عند النسائي وزعموا أن حديث ذي اليدين منسوخ وأخرج الشافعي بسنده إلى الزهري أنه قال سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتي السهو قبل السلام وبعده واخر الأمرين قبل السلام ثم أكده الشافعي بحديث معاوية المذكور قال وصحبة معاوية متأخرة كلها ثابتة صحيحة وفيها نوع تعارض ولم يثبت تقدم بعضها على بعض برواية صحيحة وحديث الزهري منقطع فلا يدل على النسخ ولا يعارض بالأحاديث الثابتة والأولى حمل الأحاديث على التوسع وجواز الأمرين المذهب الثالث أن السهو إذا كان في الزيادة كان السجود بعد السلام أخذا بحديث ذي اليدين وإذا كان في النقصان كان قبل السلام وإليه ذهب مالك بن أنس القول الرابع أنه إذا نهض من ثنتين سجدهما قبل السلام أخذا بحديث ابن بجينة وكذا إذا شك فرجع إلى اليقين أخذا بحديث أبي سعيد وإذا سلم من ثنتين سجد بعد السلام أخذا بحديث أبي هريرة وكذا إذا شك وكان ممن يرجع إلى التحري أخذا بحديث ابن مسعود
[ 243 ]
وإليه ذهب أحمد فإنه احتياط ففعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو قاله في نظير كل واقعة عنه انتهى وحكى الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي في هذا ثمانية مذاهب لا نطيل الكلام في هذا المختصر وقال النووي قال الإمام أبو عبد الله المازري أحاديث الباب خمسة حديث أبي هريرة فيمن شك فلم يدر كم صلى وفيه أنه يسجد سجدتين ولم يذكر موضعهما وحديث أبي سعيد فيمن شك وفيه أنه يسجد سجدتين قبل أن يسلم وحديث ابن مسعود وفيه القيام إلى خامسة وأنه سجد بعد السلام وحديث ذي اليدين وفيه السلام من اثنتين والمشي والكلام وأنه سجد بعد السلام وحديث ابن بجينة وفيه القيام من اثنتين والسجود قبل السلام واختلف العلماء في كيفية الأخذ بهذه الأحاديث فقال أبو داود لا يقاس عليها بل تستعمل في مواضعها على ما جاءت وقال أحمد كقول داود في هذه الصلوات خاصة وخالفه في غيرها وقال يسجد فيما سواها قبل السلام لكل سهو أما الذين قالوا القياس فاختلفوا فقال بعضهم هو مخير في كل سهو إن شاء سجد بعد السلام وإن شاء قبله في الزيادة والنقص وقال أبو حنيفة الأصل هو السجود بعد السلام وتأول باقي الأحاديث عليه وقال الشافعي الأصل هو السجود قبل السلام ورد بقية الأحاديث إليه وقال مالك إن كان السهو زيادة سجد بعد السلام وإن كان نقصا فقبله فأما الشافعي فيقول قال في حديث أبي سعيد فإن كانت خامسة شفعها ونص على السجود قبل السلام مع تجويز الزيادة والمجوز كالموجود ويتأول حديث ابن مسعود في القيام إلى خامسة والسجود بعد السلام على أنه صلى الله عليه وسلم ما علم السهو إلا بعد السلام ولو علمه قبله يسجد قبله ويتأول حديث ذي اليدين على أنها صلاة جرى فيها سهو فسها عن السجود قبل السلام فتداركه بعده وهذا كلام المازري قا النووي وهو كلام حسن نفيس وأقوى المذاهب هنا مذهب مالك ثم مذهب الشافعي وللشافعي قول كمذهب مالك وقول بالتخيير وعلى القول بمذهب مالك ولو اجتمع في صلاة خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء أنه لو سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أو النقص أنه يجزئه ولا تفسد صلاته وإنما اختلافهم في الأفضل انتهى كلام النووي باب من قام من ثنتين ولم يتشهد (عن عبد الله بن بجينة) مصغرا بنت الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وهو صحابي
[ 244 ]
ذكره ابن عبد البر وغيره من الصحابة قال وأبوه مالك له صحبة أيضا وإنما بجينة امرأته وابنه عبد الله وكان عبد الله بن بجينة ناسكا فاضلا صائم الدهر ولا يخفى أنه لو كتب عبد الله بن مالك ابن بجينة ينبغي أن يكتب ألف ابن وينون مالك ليندفع الوهم ويعرف أن ابن بجينة نعت لعبدالله لا لمالك (ثم قام فلم يجلس) هو تأكيد لقام من باب أقول له ارحل لا تقيمن عندنا أي في التشهد الأول (فقام الناس معه) فيه دليل على وجوب المتابعة حيث تركوا القعود الأول وتشهده (فسجد سجدتين) أي للسهو (قبل التسليم ثم سلم) قال النووي في الحديث دليل لمسائل كثيرة إحداهما أن سجود السهو قبل السلام إما مطلقا كما يقوله الشافعي وما في النقص كما يقوله مالك الثانية أن التشهد الأول والجلوس له ليسا بركنين في الصلاة ولا واجبين إذ لو كانا واجبين لما جبرهما السجود كالركوع والسجود وغيرهما وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وقال أحمد في طائفة قليلة هما واجبان وإذا سها جبرهما السجود على مقتضى الحديث الثالثة فيه أنه يشرع التكبير لسجود السهو وهذا مجمع عليه واختلفوا فيما إذا فعلهما بعد السلام هل يتحرم ويتشهد ويسلم أم لا والصحيح في مذهب الشافعي أنه يسلم ولا يتشهد ولم يثبت في التشهد حديث انتهى قال محمد بن إسماعيل الأمير في السيل الحديث دليل على أن ترك التشهد الأول سهوا يجبره سجود السهو وقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي يدل على وجوب التشهد الأول وجبرانه هنا عند تركه دل على أنه وإن كان واجبا فإنه يجبره بسجود السهو والاستدلال على عدم وجوبه بأنه لو كان واجبا لما جبره السجود إذ حق الواجب أن يفعل بنفسه لا يتم إذ يمكن أنه كما قال أحمد بن حنبل أنه واجب ولكنه إن ترك سهوا جبره سجود السهو وحاصله أنه لا يتم الاستدلال على عدم وجوبه حتى يقوم الدليل أن كل واجب لا يجزئ عنه سجود السهو إن ترك سهوا وقوله أكبر دليل على مشروعية تكبيرة الإحرام لسجود السهو وأنها غير مختصة بالدخول في الصلاة وأنه يكبرها وإن لم يخرج من صلاته بالسلام منها وأما تكبيرة النفل فلم تذكر هنا ولكنها ذكرت في رواية لمسلم بلفظ يكبر في كل سجدة وهو جالس ويسجد وسجد الناس معه انتهى قلت حديث عبد الله بن بجينة له
[ 245 ]
ألفاظ ففي رواية مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلو س وفي لفظ له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الشفع الذي يريد أن يجلس في صلاته فلما كان في اخر الصلاة سجد قبل أن يسلم ثم سلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وكان منا المتشهد) بصيغة اسم الفاعل (في قيامه) أي كان يقرأ التشهد في حال القيام والمعنى لما قام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجلس في التشهد قمنا أيضا فكان يقرأ منا التشهد حال القيام وظننا أن الجلوس قد تركنا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فكيف نترك التشهد بل نقرأ حال القيام والله أعلم (وكذلك سجدهما) عبد الله (ابن الزبير قام من ثنتين) أي في الركعتين الأوليين من الظهر كما سيجئ (قبل التسليم) الظاهر أنه ظرف لقوله سجد أي سجد سجدتي السهو قبل السلام وسلم بعدهما ويحتمل أنه ظرف لقوله قام أي قام قبل التسليم على عباد الله الصالحين والمراد به التشهد لأن فيه التسليم على عباد الله الصالحين ويؤيد هذا الثاني ما أخرجه الطحاوي بسنده إلى يوسف بن ماهك قال صلى بنا ابن الزبير فقام في الركعتين الأوليين من الظهر فسبحنا به قال سبحان الله ولم يلتفت إليهم فقضى ما عليه ثم سجد سجدتين بعد ما سلم ففي هذه الرواية أنه سجدهما بعد ما سلم (وهو قول الزهري) أي من قام من اثنتين ولم يتشهد لا يجلس بل يمضي في صلاته ويسجد سجدتي السهو قبل السلام وهو قول الزهري قال العيني في شرح البخاري إن سجود السهو قبل السلام مطلقا روى عن أبي هريرة والزهري ومكحول وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري والسائب القاري والأوزاعي والليث بن سعد انتهى
[ 246 ]
باب من نسي أن يتشهد وهو جالس يسجد سجدتي : السهو كما جزم به أصحاب الشافعي وغيره أنه يسجد لترك التشهد وإن أتى بالجلوس كما في النيل وبوب الترمذي باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسيا (إذا قام الإمام) أي شرع في القيام وفي معناه المنفرد (في الركعتين) أي بعدهما من الثلاثية أو الرباعية قبل أن يقعد ويتشهد (فإن ذكر) أي تذكر أن عليه بقية من الصلاة (قبل أن يستوي قائما) سواء يكون إلى القيام أقرب أو إلى القعود واختار الشيخ ابن الهمام من الحنفية ويؤيده الحديث (فليجلس) وفي وجوب سجود السهو عليه حينئذ عن اختلاف بين المشايخ الحنفية والأصح عندهم عدم الوجوب لأن فعله لم يعد قياما فكان قعودا كذا في غنية المستملي وقال ابن حجر المكي من الشافعية ظاهر الحديث أن قوله الآتي ويسجد سجدتي السهو خاص بالقسم الثاني فلا يسجد هنا للسهوإن كان إلى القيام أقرب وهو الأصح عند جمهور أصحاب الشافعي وصححه النووي في عدة من كتبه واستدل له بالحديث الصحيح لا سهو في وثبة من الصلاة إلا قيام عن جلوس أو جلوس عن قيام انتهى وقال الشوكاني وتمسك بهذا الحديث من قال إن السجود إنما هو لفوات التشهد لا لفعل القيام وإلى ذلك ذهب النخعي وعلقمة والأسود والشافعي في أحد قوليه وذهب أحمد بن حنبل إلى أنه يجب السجود لفعل القيام لما روي عن أنس أنه تحرك للقيام في الركعتين الآخرتين من العصر على جهة السهو فسبحوا له فقعد ثم سجد للسهو أخرجه البيهقي والدارقطني موقوفا عليه وفي بعض طرقه أنه قال هذه السنة قال الحافظ ورجاله ثقات وأخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي عن ابن عمر من حديثه بلفظ لا سهو إلا في قيام عن جلوس أو جلوس عن قيام وهو ضعيف انتهى (فإن استوى قائما) ولفظ أحمد في مسنده وإن استتم قائما (فلا يجلس) لتلبسه بفرض فلا يقطعه (ويسجد) بالرفع (سجدتي السهو) لتركه واجبا وهو القعدة الأولى والحديث فيه أنه لا يجوز
[ 247 ]
العود إلى القعود والتشهد بعد الانتصاب الكامل لأنه قد تلبس بالفرض فلا يقطعه ويرجع إلى السنة وقيل يجوز له العود ما لم يشرع في القراءة فإن عاد عالما بالتحريم بطلت لظاهر النهي ولأنه زاد قعودا وهذا إذا تعمد العود فإن عاد ناسيا لم تبطل صلاته وأما إذا لم يستم القيام فإنه يجب عليه العود لقوله في الحديث إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس كذا في نيل الأوطار (قال أبو داود وليس في كتابي) هذا حديث واحد (عن جابر) بن يزيد بن الحارث (الجعفي) الكوفي (إلا هذا الحديث) وجابر الجعفي هذا أحد علماء الشيعة يؤمن برجعة علي بن أبي طالب قال الثوري كان جابر ورعا في الحديث وقال شعبة صدوق وإذا قال حدثنا وسمعت فهو من أوثق الناس وقال وكيع إن جابرا ثقة هذا قول المعدلين فيه وأما أقوال الجارحين فقال أيوب كذاب وقال إسماعيل بن أبي خالد اتهم بالكذب وتركه يحيى القطان وقال أبو حنيفة النعمان الكوفي ما رأيت أكذب من جابر الجعفي وقال ليث بن أبي سليم كذاب وقال النسائي وغيره متروك وتركه سفيان بن عيينة وقال الجوزجاني كذاب وقال ابن عدي عامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة وليس لجابر بن الجعفي في النسائي وأبي داود سوى حديث واحد في سجود السهود وقال ابن حبان كان يقول إن عليا يرجع إلى الدنيا وقال زائدة جابر الجعفي رافضي يشتم أصحاب النبي والحاصل أن جابرا ضعيف رافضي لا يحتج به كذا في غاية المقصود قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده جابر الجعفي ولا يحتج به (فنهض في الركعتين) يعني أنه قام إلى الركعة الثالثة ولم يتشهد عقب الركعتين ولفظ الترمذي فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو فلما أتم صلاته وسلم سجد سجدتي السهو ولفظ الطحاوي من هذه الطريق قال صلى بنا رسول الله فنسا غير فنهض في الركعتين فسبحنا به فمضى فلما أتم الصلاة وسلم سجد سجدتي السهو انتهى وفي لفظ للطحاوي قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فقام من الركعتين قائما فقلنا سبحان الله فأومى وقال سبحان الله فمضى في
[ 248 ]
صلاته فلما قضى صلاته سجد سجدتين وهو جالس ثم قال صلى بنا رسول الله فاستوى قائما من جلوسه فمضى في صلاته فلما قضى صلاته سجد سجدتين وهو جالس ثم قال إذا صلى أحدكم فقام من الجلوس فإن لم يستتم قائما فليجلس وليس عليه سجدتان فإن استوى قائما فليمض في صلاته وليسجد سجدتين وهو جالس انتهى وحديث المغيرة فيه دلالة أن سجدتي السهو بعد السلام وزاد الترمذي في حديث عبد الله بن بجينة وسجدهما الناس معمكان ما نسي من الجلوس وفي هذه الزيادة فائدتان إحداهما أن المؤتم يسجد مع إمامه لسهو الإمام ولقوله في الحديث الصحيح لا تختلفوا وقد أخرج البيهقي والبزار عن عمه قال قال رسول الله إن الإمام يكفي من وراءه فإن سها الإمام فعليه سجدتا السهو وعلى من وراءه أن يسجدوا معه وإن سها أحد ممن خلفه فليس عليه أن يسجد والإمام يكفيه وفي إسناده خارجة بن مصعب وهو ضعيف وأبو الحسين المدائني وهو مجهول والحكم ابن عبيدالله وهو أيضا ضعيف وفي الباب عن ابن عباس عند ابن عدي وفي إسناده عمرو العسقلاني وهو متروك وقد ذهب إلى أن المؤتم يسجد لسهو الإمام ولا يسجد لسهو نفسه الحنفية والشافعية وروى عن مكحول أنه يسجد لسهوه لعموم الأدلة قال الشوكاني وهو الظاهر لعدم انتهاض هذا الحديث لتخصيصها وإن وقع السهو من الإمام والمؤتم فالظاهر أنه يكفي سجود واحد من المؤتم إما مع الإمام أو منفردا وإليه ذهب جماعة والفائدة الثانية أن قوله مكان ما نسي من الجلوس يدل على أن السجود إنما هو لأجل ترك الجلوس لا لترك التشهد حتى لو أنه جلس مقدار التشهد ولم يتشهد لا يسجد وجزم أصحاب الشافعي وغيرهم أنه يسجد لترك التشهد وإن أتى بالجلوس انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح هذا آخر كلامه وفي إسناده المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي استشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد وأخرجه الترمذي من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة وحكي عن الإمام أحمد أنه قال لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى وتكلم فيه غيره وقد أشار أبو داود إلى حديث ابن أبي ليلى وقال ورواه أبو عميس عن ثابت بن عبيد قال صلى بنا المغيرة بن شعبة مثل حديث زياد بن علاقة قال أبو داود وأبو عميس أخو المسعودي وفعل سعد بن أبي وقاص مثل ما فعل المغيرة وعمران بن حصين والضحاك بن قيس ومعاوية بن أبي سفيان وابن عباس أفتى بذلك وعمر بن عبد العزيز قال أبو داود هذا فيمن قام من ثنتين سجدوه أحمد بعد ما سلموا هذا كلامه وحديث أبي عميس أجود شئ في هذا فإن أبا العميس عتبة بن عبد الله ثقة احتج به الشيخان في صحيحيهما وثابت بن عبيد ثقة احتج به مسلم انتهى كلام المنذري
[ 249 ]
(وكذلك) أي مثل رواية المسعودي (رواه ابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال الترمذي وقد تكلم بعض أهل العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه قال أحمد لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى وقال محمد بن إسماعيل بن أبي ليلى وهو صدوق ولا أروي عنه لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئا (عن الشعبي) عامر ثقة إمام (عن المغيرة بن شعبة ورفعه) والحديث أخرجه الترمذي من طريق هشيم أخبرنا ابن أبي ليلى عن الشعبي قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين فسبح به القوم وسبح بهم فلما قضى صلاته سلم ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس ثم حدثهم أن رسول الله فعل بهم مثل الذي فعل وأخرجه الطحاوي من طريق علي بن مالك الرواسي عن عامر الشعبي نحوه (ورواه أبو عميس مصغر) وسلف نفا ترجمته من كلام المنذري عن ثابت بن عبيد قال صلى بنا المغيرة بن شعبة مثل حديث زياد بن علاقة ومقصود المؤلف الإمام بيان تقوية رواية المسعودي فالمسعودي يروي عن زياد بن علاقة عن المغيرة ويروي ابن أبي ليلى عن عامر الشعبي عن المغيرة ويروي أبو عميس عن ثابت عن المغيرة وحديث المغيرة هذا فيه حجة قاطعة على أنه من قام من اثنتين ولم يجلس ولم يتشهد عليه أن يسجد سجدتي السهو وفيه دليل أيضا لمن ذهب إلى أن سجدتي السهو بعد السلام وأما مطابقة الباب من الحديث فبحيث أن النبي قام من اثنتين ولم يتشهد فسجد سجدتي السهو والظاهر أن السجدتين كانت لترك التشهد لأن الجلوس لا يكون إلا لقراءة التشهد فيقاس عليه أنه من جلس ولم يتشهد يسجد سجدتي السهو وهذا هو مذهب الشافعي رحمه الله وقال الإمام أحمد رحمه الله كانت السجدتان لأجل ترك الجلوس لا لترك التشهد كما تقدم والله أعلم (وفعل سعد بن أبي وقاص) مالك الصحابي الجليل (مثل ما فعل المغيرة) وحديث سعد بن مالك أبي وقاص أخرجه الطحاوي من طريق شعبة عن بيان سمعت قيس بن أبي حازم قال صلى بنا سعد بن مالك فقام في الركعتين الأوليين فقالوا سبحان الله فمضى فلما سلم سجد سجدتي السهو وفي مجمع الزوائد وعن قيس بن حازم قال صلى بنا سعد بن
[ 250 ]
أبي وقاص فنهض في الركعتين فسبحنا له فاستتم قائما قال فمضى في قيامه حتى فرغ قال أكنتم ترون أن أجلس إنما صنعت كما رأيت رسول الله يصنع رواه أبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح (وعمران بن حصين) الصحابي أي فعل عمران مثل ما فعل المغيرة (و) كذلك فعل (الضحاك بن قيس) الفهري الصحابي ولد قبل وفاة النبي بسبع سنين (و) كذلك فعل (معاوية بن أبي سفيان) وحديثه عند الطحاوي في شرح معاني الآثار والدارقطني في سننه والبيهقي في المعرفة من طريق محمد بن عجلان مولى فاطمة عن محمد بن يوسف مولى عثمان عن أبيه أن معاوية بن أبي سفيان صلى بهم فقام وعليه جلوس فلم يجلس فلما كان في آخر صلاته سجد سجدتين قبل أن يسلم وقال هكذا رأيت رسول الله يصنع (وابن عباس أفتي بذلك) أي بسجدتي السهو على من قام من اثنتين من غير تشهد وجلوس (و) كذا أفتى (عمر بن عبد العزيز) الخليفة العادل (وهذا) الحديث أي حديث المغيرة (في) حق (من قام من ثنتين) أي الركعتين الأوليين من غير تشهد وجلوس ثم (سجدوا) من السهو (بعدما سلموا) أي بعد السلام ومراد المؤلف من هذه الجملة بيان أن حديث المغيرة نص على أمرين الأول أنه من لم يجلس في الركعتين الأوليين وقام يلزم عليه سجدتي السهو وهكذا فعله جماعة من الصحابة المذكورين والثاني أن سجدة السهو بعد الفراغ من السلام وأما فعل الصحابة في ذلك فمختلف منهم من سجد بعد السلام ومنهم من سجد قبله كما عرفت والله أعلم (قال عمرو) بن عثمان شيخ المؤلف (وحده) دون الربيع بن نافع وعثمان بن أبي شيبة وشجاع بن مخلد عن شيوخ المؤلف (عن أبيه) وهو جبير بن نفير والمعنى أن عمرو بن عثمان قال في روايته عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان وقال الباقون بحذف عن أبيه أي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن ثوبان (لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم) قال
[ 251 ]
الحافظ في بلوغ المرام سنده ضعيف وفي فتح القدير شرح الجامع الصغير قال البيهقي في المعرفة انفرد به إسماعيل بن عياش وليس بقوي وقال الذهبي قال الأثرم هذا منسوخ وقال الزين العراقي حديث مضطرب وقال ابن عبد الهادي وابن الجوزي بعدما عزياه لأحمد بن حنبل إسماعيل بن عياش مقدوح فيه وقال ابن حجر في سنده اختلاف انتهى قال في سبل السلام قالوا في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال وخلاف قال البخاري إذا حدث عن أهل بلده يعني الشاميين فصحيح وهذا الحديث من روايته عن الشاميين فتضعيف الحديث به فيه نظر والحديث دليل لمسألتين الأولى أنه إذا تعدد المقتضي لسجود السهو تعدد لكل سهو سجدتان وقد حكي عن ابن أبي ليلى وذهب الجمهور أنه لا يتعدد السجود وإن تعدد موجبه لأن النبي في حديث ذي اليدين سلم وتكلم ومشى ناسيا ولم يسجد إلا سجدتين ولئن قيل إن القول أولى بالعمل به من الفعل فالجواب أنه لا دلالة فيه على تعدد السجود لتعدد مقتضيه بل هو للعموم لكل ساه فيفيد الحديث أن كل من سها في صلاته بأي سهو كان يشرع له سجدتان ولا يختصان بالمواضع التي سها فيها النبي ولا بالأنواع التي سها بها والحمل على هذا المعنى أولى من حمله على المعنى الأول وإن كان هو الظاهر فيه جمعا بينه وبين حديث ذي اليدين والمسألة الثانية يحتج به من يرى سجود السهو بعد السلام انتهى وفي رحمة الأمة وإذا تكرر منه السهو كفاه للجميع سجدتان بالاتفاق وعن الأوزاعي أنه إذا كان السهو من جنسين كالزيادة والنقصان سجد لكل سهو سجدتين عن ابن أبي ليلى أنه قال يسجد لكل سهو سجدتين مطلقا انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال وقال أبو بكر الأثرم لا يثبت حديث ابن جعفر ولا حديث ثوبان باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم كما قاله الحنفية (عن عمران بن حصين) والحديث أخرجه الترمذي وقال حسن غريب وروى ابن
[ 252 ]
سيرين عن أبي المهلب وهو عم أبي قلابة غير هذا الحديث وروى محمد هذا الحديث عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب وأبو المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمرو ويقال معاوية بن عمرو وقد روى عبد الوهاب الثقفي وهشيم وغير واحد هذا الحديث عن خالد الحذاء عن أبي قلابة بطوله وهو حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم في ثلاث ركعات من العصر فقام رجل يقال له الخرباق واختلف أهل العلم في التشهد في سجدتي السهو فقال بعضهم يتشهد فيهما ويسلم وقال بعضهم ليس فيهما تشهد وتسليم وإذا سجدهما قبل التسليم لم يتشهد وهو قول أحمد وإسحاق قالا إذا سجد سجدتي السهو قبل السلام لم يتشهد انتهى والحديث أخرجه الحاكم وصححه قلت وفي سياق حديث سنن أبي داود الذي تقدم في باب السهو في السجدتين وفي غير سننه أن هذا السهو سهوه صلى الله عليه وسلم الذي في خبر ذي اليدين فإنه فيه بعد أن ساق حديث أبي هريرة إلى قوله ثم رفع وكبر ما لفظه فقيل لمحمد بن سيرين الراوي سلم في السهو فقال لم أحفظه من أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم وفي السنن أيضا من حديث عمران بن حصين قال سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم دخل فقام إليه رجل يقال الخرباق كان طويل اليدين إلى قوله فقال أصدق فقالوا نعم فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتيها ثم سلم رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي ويحتمل أنها تعددت القصة وفي الحديث دليل على أنه يستحب عقب الصلاة كما تدل له الفاء وفيه تصريح بالتشهد قيل ولم يقل أحد بوجوبه ولفظ تشهد يدل على أنه أتى بالشهادتين وبه قال بعض العلماء وقيل يكفي التشهد الأوسط واللفظ في الأول أظهر وفيه دليل على شرعية التسليم كما يدل له رواية عمران بن الحصين التي ذكرناها لا الرواية التي في الباب فإنها ليست بصريحة أن التسليم كان لسجدتي السهو فإنها تحتمل أنه لم يكن سلم للصلاة وأنه سجد لها قبل السلام ثم سلم تسليم الصلاة قاله في سبل السلام وفي نيل الأوطار اختلف أهل العلم هل حديث عمران هذا وحديث أبي هريرة المتقدم حكاية لقصة واحدة أو لقصتين مختلفتين والظاهر ما قاله ابن خزيمة ومن تبعه من التعدد لأن دعوى الاتحاد تحتاج إلى تأويلات متعسفة والله أعلم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب انتهى
[ 253 ]
باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة (إذا سلم) أي من الصلاة (كيما ينفذ) بضم الفاء وبذال المعجمة أي يمضين ويتخلصن بعد من مزاحمة الرجال والحديث فيه أنه يستحب للامام مراعاة أحوال المأمومين والاحتياط في الاجتناب ما قد يفضي إلى المحذور واجتناب مواقع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا من البيوت ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط لا يستحب هذا المكث وعليه حمل ابن قدامة حديث عائشة أنه صلى الله عليه واله وسلم كان إذا سلم لا يقعد إلا قدر ما يقول اللهم أنت السلام قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي ابن ماجه باب كيف الانصراف من الصلاة (فكان ينصرف عن شقيه) أي حينا عن يمينه وحينا من شماله قال المنذري وقد خرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث هلب حديث حسن (عن عبد الله) هو ابن مسعود (أن لا ينصرف إلا عن يمينه) بيان لما قبله وهو الجعل أو
[ 254 ]
استئناف بياني كأنه قيل كيف يجعل للشيطان شيئا من صلاته فقال يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه قال القسطلاني قال النووي في حديث ابن مسعود لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءا لا يرى إلا أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله وفي حديث أنس أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وفي رواية كان ينصرف عن يمينه وجه الجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه فدل على جوازهما ولا كراهية في واحد منهما وأما الكراهية التي اقتضاها كلام ابن مسعود فليست بسبب أصل الانصراف عن اليمين أو الشمال وإنما هي في حق من يرى أن ذلك لا بد منه فإن من اعتقد وجوب واحد من الأمرين مخطئ ولهذا قال يرى أن حقا عليه فإنما ذم من راه حقا عليه ومذهبنا أنه لا كراهية في واحد من الأمرين لكن يستحب أن ينصرف في جهة حاجته سواء كانت عن يمينه أو شماله فإن استوى الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها هذا صواب الكلام في هذين الحديثين وقد يقال فيهما خلاف الصواب والله أعلم انتهى قال المنذري قال عمارة وهو ابن عمير أتيت المدينة بعد فرأيت منازل النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وليس فيه قول عمارة وقد أخرج مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال سألت أنسا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري قال أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر هذا مدة وهذا مدة والله عز وجل أعلم تم كلام المنذري (قال عمارة) ابن عمير (أتيت المدينة بعد) مبني على الضم أي بعد سماع هذا الحديث (فرأيت منازل النبي صلى الله عليه وسلم) جمع منزل أي بيوته صلى الله عليه وسلم (عن يساره) يسار النبي صلى الله عليه وسلم في حال أداء الصلاة فكأن عمارة بين وجه تحوله صلى الله عليه وسلم إلى جانب اليسار أي لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة تحول إلى جانب اليسار للتسبيح أو الدعاء مثلا ثم قام ذاهبا إلى بيوته وهي في جانب يساره صلى الله عليه وسلم والله أعلم
[ 255 ]
باب صلاة الرجل التطوع في بيته (اجعلوا في بيوتكم) بكسر الباء وضمها (من صلاتكم) أي بعض صلاتكم التي هي النوافل مؤداة في بيوتكم وقوله من صلاتكم مفعول أول وفي بيوتكم مفعول ثان قدم على الأول للأهتمام بشأن البيوت وأن من حقها أن يجعل لها نصيبا من الطاعات لتصير منورة لأنها مأواكم ومنقلبكم وليست كقبوركم يقول التي لا تصلح لصلاتكم كذا في المرقاة وقال النووي ولا يجوز حمله على الفريضة وفي الصحيحين صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وإنما شرع ذلك لكونه أبعد من الرياء ولتنزل الرحمة فيه والملائكة وفي حديث ذكر ابن الصلاح أنه مرسل فضل صلاة النفل فيه على فعلها في المسجد كفضل صلاة الفريضة في المسجد على فعلها في البيت لكن قال صاحب قوت الأحياء إن ابن الأثير ذكره في معرفة الصحابة عن عبد العزيز بن ضمرة بن حبيب عن أبيه عن جده حبيب بن ضمرة ورواه الطبراني وأسند مرفوعا بنحوه ما تقدم عن صهيب بن النعمان عنه صلى الله عليه وسلم ويستثنى من ذلك نفل يوم الجمعة وركعتا الطواف والإحرام والتراويح الجماعة (ولا تتخذوها قبورا) أي مثل القبور التي ليست محلا للصلاة بأن لا تصلوا فيها كالميت الذي انقطعت عنه الأعمال أو المراد لا تجعلوا بيوتكم أوطانا للنوم لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت ذكره القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (قال صلاة المرء في بيته أفضل) لأنه أبعد من الرياء والحديث يدل على استحباب فعل صلاة التطوع في البيوت وأن فعلها فيها أفضل من فعلها في المساجد ولو كانت المساجد فاضلة كالمسجد الحرام ومسجده صلى الله عليه وسلم ومسجد بيت المقدس وقد ورد التصريح بذلك في هذا
[ 256 ]
الحديث فإن فيه صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة قال العراقي وإسناده صحيح فعلى هذا لو صلى نافلة في مسجد المدينة كانت بألف صلاة على القول بدخول النوافل في عموم الحديث وإذا صلاها في بيته كانت أفضل من ألف صلاة وهذا حكم المسجد الحرام وبيت المقدس وقد استثنى أصحاب الشافعي من عموم أحاديث الباب عدة من النوافل فقالوا فعلها في غير البيت أفضل وهي ما تشرع فيها الجماعة كالعيدين والكسوف والاستسقاء وتحية المسجد وركعتي الطواف وركعتي الإحرام قاله الشوكاني (إلا المكتوبة) قال العراقي هو في حق الرجال دون النساء فصلاتهن في البيوت أفضل وإن أذن لهن في حضور بعض الجماعات وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن وبيوتهن خير لهن والمراد بالمكتوبة الواجبات بأصل الشرع والصلوات الخمس دون المنذورة قال النووي إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء وأصون من محيطات الأعمال وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان كما جاء في الحديث قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي بمثله وقال الترمذي حديث حسن باب من صلى لغير القبلة ثم علم (كانوا يصلون) قال البغوي في المعالم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو أخواله من الأنصار وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن يكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان تحويل القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين (من بني سلمة) بكسر اللام غير هذا (وهم ركوع) جمع راكع
[ 257 ]
(فمالوا كما هم) أي انصرفوا كما كانوا راكعين قال الخطابي فيه من العلم أن ما مضى من صلاتهم كان جائزا ولولا جوازه لم يجز البناء عليه وفيه دليل على أن كل شئ له أصل صحيح في التعبد ثم طرأ عليه الفساد قبل أن يعلم صاحبه فإن الماضي منه صحيح وذلك مثل أن يجد المصلي نجاسة بثوبه لم يكن علمها حتى صلى ركعة فإنه إذا رأى النجاسة ألقاها على نفسه وبنى على ما مضى من صلاته وكذلك في المعاملات فلو وكل وكيلا فباع الوكيل واشترى ثم عزله بعد أيام فإن عقوده التي عقدها قبل بلوغ الخبر إياه صحيحة وفيه دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد وقال النووي فيه دليل على جواز النسخ ووقوعه وفيه قبول خبر الواحد وأن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه وقوله ببيت المقدس فيه لغتان مشهورتان إحداهما فتح الميم وإسكان القاف والثانية ضم الميم وفتح القاف وأصل المقدس التقديس من التطهير انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي والله أعلم
[ 258 ]
(باب تفريع أبواب الجمعة) (فيه) أي يوم جمعة (خلق ادم) الذي هو مبنى العالم (وفيه أهبط) أي أنزل من الجنة إلى الأرض لعدم تعظيمة يوم الجمعة بما وقع له من الزلة ليتداركه بعد النزول في الطاعة والعبادة فيرتقي إلى أعلى درجات الجنة وليعلم قدر النعمة لأن المنحة تتبين عند المحنة والظاهر أن أهبط هنا بمعنى أخرج وفي رواية لمسلم فيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها قيل كان الإخراج من الجنة إلى السماء والإهباط الذي منها إلى الأرض فيفيد أن كلا منهما كان يوم الجمعة إما في يوم واحد وإما في يومين والله أعلم (تيب عليه) وهو ماض مجهول من تاب أي وفق للتوبة وقبلت التوبة منه وهي أعظم المنة عليه قال الله تعالى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى (وفيه) أي في نحوه من أيام الجمعة (مات) والموت تحفة المؤمنين كما ورد عن ابن عمر مرفوعا رواه الحاكم والبيهقي وغيرهما قال القاضي لا شك أن خلق ادم فيه يوجب له شرفا وكذ وفاته فإنه سبب لوصوله إلى الجناب الأقدس والخلاص عن النكبات (وفيه تقوم الساعة) وفيها نعمتان عظيمتان للمؤمنين وصولهم إلى النعيم المقيم وحصول اعدائهم في عذاب الجحيم (وما من دابة) زيادة من لإفادة الاستغراق في النفي (إلا وهي مسيخة) بالسين بإبدال الصاد سينا ويروى مصيخة بالصاد وهما لغتان أي منتظرة أي منتظرة لقيام الساعة قال الخطابي قوله مسيخة معناه مصيغة لأن مستمعة يقال أصاخ وأساخ وقد بمعنى واحد انتهى (يوم الجمعة) ووجه إصاخة كل دابة وهي مالا يعقل هو أن الله تعالى يجعلها ملهمة بذلك مستشعرة عنه فلا عجب
[ 259 ]
في ذلك من قدرة الله تعالى (من حين تصبح) قال الطيبي بني على الفتح ضافته إلى الجملة ويجوز إعرابه إلا أن الرواية بالفتح (حتى تطلع الشمس) لأن القيامة تظهر يوم الجمعة بين الصبح وطلوع الشمس (شفقا) أي خوفا (من الساعة) أي من قيام القيامة وإنما سميت ساعة لوقوعها في ساعة (إلا الجن والإنس) فإنهم لا يعلمون ذلك أو أنهم لا يلهمون بأن هذا يوم يحتمل وقوع القيامة فيه (لا يصادفها) أي لا يوافقها وهو يصلي حقيقة أو حكما بالانتظار (يسأل الله) حال أو بدل (حاجة) من أمر الدنيا والآخرة (إلا أعطاء إياه) بالشروط المعتبرة في اداب الدعاء (ذلك في كل سنة يوم) قال الطيبي اشارة إلى اليوم المذكور المشتمل على تلك الساعة الشريفة ويوم خبره (فقلت بل في كل جمعة) قال الطيبي أي هي في كل جمعة أو في كل أسبوع يوم (فقرأ كعب التوارة) بالحفظ أو بالنظر (فقال) أي كعب (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي هذا معجزة عظيمة دالة على كمال علمه صلى الله عليه وسلم مع أنه أمي حيث أخبر بما خفي على أعلم أهل الكتاب (عبد الله بن سلام) هو صحابي جليل كان من علماء اليهود فدخل في الإسلام (بمجلسي) أي بجلوسي مع كعب ومذاكرتي علي معه (أية ساعة هي) بنصب أية أي عرفت تلك الساعة وبرفعها أيضا ورجحه ابن حجر المكي حيث قال هي هنا كهي في لنعلم أي الحزبين (فقلت له) أي لعبدالله (فأخبرني بها) أي بتلك الساعة (هي اخر ساعة من يوم الجمعة) قال الأشرف يدل على قوله حديث التمسوا الساعة كما سيأتي (وقد قال رسول الله) والحال أنه قال (صلى الله عليه وسلم) في شأنها (لا يصادفها) أي لا يوافقها (من جلس مجلسا)
[ 260 ]
أي جلوسا أو مكان جلوس (ينتظر الصلاة) أي فيه (فهو في صلاة) أي حكما (حتى يصلي) أي حقيقة (فقلت بلى) أي بلى قال صلى الله عليه وسلم ذلك (قال) عبد الله (هو) أي المراد بالصلاة (ذلك) أي الانتظار وقيل أي الساعة الخفيفة اخر ساعة من يوم الجمعة وتذكير الضمير باعتبار الوقت ذكره في المرقاة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث صحيح وقد أخرج البخاري ومسلم طرفا منه في ذكر ساعة الجمعة من رواية الأعرج عن أبي هريرة وأخرج مسلم الفصل الأول في فضل الجمعة من رواية الأعرج أيضا تم كلامه (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة) قال علي القاري وفيه إشارة إلى أن يوم عرفة أفضل أو مساو (فيه خلق ادم) أي طينته (فيه النفخة) أي النفخة الثانية التي توصل الأبرار إلى النعم الباقية قال الطيبي وتبعه ابن حجر المكي أي النفخة الأولى فإنها مبدأ قيام الساعة ومقدم النشأة الثانية ولا منع من الجمع كذا في المرقاة (وفيه الصعقة) أي الصيحة والمراد بها الصوت الهائل الذي يموت الإنسان من هوله وهي النفخة الأولى فالتكرار باعتبار تغاير الوصفين والأولى ما اخترناه من التغاير الحقيقي (فاكثروا علي من الصلاة فيه) أي في يوم الجمعة فإن الصلاة من أفضل العبادات وهي فيها أفضل من غيرها لاختصاصها بتضاعف الحسنات إلى سبعين على سائر الأوقات ولكون إشغال الوقت الأفضل بالعمل الأفضل هو الأكمل والأجمل ولكونه سيد الأيام فيصرف في خدمة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام (فإن صلاتكم معروضة علي) يعني على وجه القبول فيه وإلا فهي دائما تعرض عليه بواسطة الملائكة إلا عند روضته فيسمعها بحضرته وقد جاء أحاديث كثيرة في فضل الصلاة يوم الجمعة وليلتها وفضيلة الإكثار منها على سيد الأبرار (وقد أرمت) جملة حالية بفتح الراء وسكون الميم وفتح التاء المخففة ويروى بكسر الراء أي بليت وقيل على البناء للمفعول من الارم وهو الأكل أي صرت مأكولا للأرض وقيل أرمت بالميم المشددة والتاء الساكنة أي أرمت العظام وصارت رميما كذا قاله التوربشتي قال الطيبي ويروي رممت بالميمين أي صرت رميما قيل فعلى هذا يجوز أن يكون ارمت بحذف إحدى الميمين كظلت حتى ثم كسرت الراء لالتقاء الساكنين يعني أو فتحت
[ 261 ]
بالأخفية تعالى أو بالنقلية فإن على ما عرف في محله قال الخطابي أصله أرممت فحذفوا إحدى الميمين وهي لغة بعض العرب وقال غيره هو أرمت بفتح الراء والميم المشددة وإسكان التاء أي أرمت العظام (قال) أي أوس الراوي (يقولون) أي الصحابة أي يريدون بهذا القول (بليت فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله عز وجل حرم على الأرض) أي منعها وفيه مبالغة لطيفة (أجساد الأنبياء) أي من أن تأكلها فإن الأنبياء في قبورهم أحياء قال ابن حجر المكي وما أفاده من ثبوت حياة الأنبياء حياة بها يتعبدون ويصلون في قبورهما مع استغنائهم عن الطعام والشراب كالملائكة أمر لا مرية فيه وقد صنف البيهقي جزأ في ذلك قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وله علة دقيقة أشار إليها البخاري وغيره وقد جمعت طرقه في جزء وفي النيل بعد سرد الأحاديث في هذا الباب ما نصه وهذه الأحاديث فيها مشروعية الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وأنها تعرض عليه صلى الله عليه وسلم وأنه حي في قبره وقد أخرج ابن ماجه بإسناد جيد أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي الدرداء إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وفي رواية للطبراني ليس من عبد يصلي علي إلا بلغني صلاته قلنا وبعد وفاتك قال وبعد وفاتي إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حي بعد وفاته وأنه يسر بطاعات أمته وأن الأنبياء لا يبلون مع أن مطلق الإدراك كالعلم والسماع ثابت سائر الموتى وقد صح عن ابن عباس مرفوعا ما من أحد يمر على قبر أخيه المؤمن وفي رواية بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه ولابن أبي الدنيا إذا مر الرجل بقبر يعرفه فيسلم عليه السلام وعرفه وإذا مر بقبر لا يعرفه رد عليه السلام وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى البقيع لزيارة الموتى ويسلم عليهم وورد النص في كتاب الله في حق الشهداء أنهم أحياء يرزقون وأن الحياة فيهم متعلقة بالجسد فكيف بالأنبياء والمرسلين وقد ثبت في الحديث الأنبياء أحياء في قبورهم رواه المنذري وصححه البيهقي وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مررت بموسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبر انتهى
[ 262 ]
باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة (ثنتا عشرة يريد ساعة) ولفظ النسائي يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة والمراد ههنا الساعة النجومية والمراد أنها في عدد الساعات كسائر الأيام (يسأل الله) أي في ساعة منها وهذه الساعات عرفية وضمير التمسوها راجع إلى هذه الساعة (اخر ساعة) ظرف لالتمسوا والمراد بها الساعة النجومية فلا إشكال في الظرفية بأن يقال كيف يلتمس الساعة كذا في حاشية النسائي للسندي قال القاضي اختلف السلف في وقت هذه الساعة وفي معنى قائم يصلي فقال بعضهم هي من بعد العصر إلى الغروب قالوا ومعنى يصلي يدعو ومعنى قائم ملازم ومواظب كقوله تعالى (ما دمت عليه قائما) وقال اخرون هي من حين خروج الإمام إلى فراغ الصلاة وقال اخرون من حين تقام الصلاة حتى يفرغ والصلاة عندهم على ظاهرها وقيل من حين يجلس الإمام على المنبر حتى يفرغ من الصلاة وقيل اخر ساعة من يوم الجمعة قال القاضي وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل هذا اثار مفسرة لهذه الأقوال قال وقيل عند الزوال وقيل من الزوال إلى أن يصير الظل نحو ذراع وقيل هي مخفية في اليوم كله كليلة القدر وقيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس قال القاضي وليس معنى هذه الأقوال أن هذا كله وقت لها بل معناه أنها تكون في أثناء ذلك الوقت لقوله وأشار بيده يقللها هذا كلام القاضي والصحيح بل الصواب ما رواه مسلم من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضي الصلاة ذكره النووي قال المنذري وأخرجه النسائي (عن أبي بردة) هو عامر بن عبد الله بن قيس وعبد الله هو أبو موسى الأشعري وأبو
[ 263 ]
بردة من التابعين المشهورين (يقول هي) أي ساعة الجمعة (ما بين أن يجلس الإمام) أي على (المنبر إلى أن تقضى الصلاة) وقد اختلف العلماء في هذه الساعة وذكر الحافظ في فتح الباري عن العلماء ثلاثة وأربعين قولا وهذا المروي عن أبي موسى أحدها ورجحه مسلم على ما روى عنه البيهقي وقال هو أجود شئ في هذا الباب وأصحه وقال به البيهقي وابن العربي وجماعة وقال القرطبي هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره وقال النووي هو الصحيح بل الصواب قال الحافظ وليس المراد أنها تستوعب جميع الوقت الذي عين بل تكون في أثنائه وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلا وانتهاؤها انتهاء الصلاة قال المنذري وأخرجه مسلم باب فضل الجمعة (وزيادة ثلاثة أيام) هو بنصب زيادة على الظرف كما قال النووي قال قال العلماء معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام أن الحسنة التي تجعل بعشر أمثالها وصار يوم الجمعة الذي فعل فيه هذه الأفعال الجميلة في معنى الحسنة التي تجل بعشر أمثالها قال بعض العلماء والمراد بما بين الجمعتين من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل ذلك الوقت حتى يكون سبعة أيام بلا زيادة ولا نقصان ويضم إليها ثلاثة فتصير عشرة (ومن مس الحصا فقد لغا) أي سواه للسجود غير مرة في الصلاة وقيل بطريق اللعب في حال الخطبة فقد لغا أي
[ 264 ]
بصوت لغو مانع عن الاستماع فيكون شبيها لقوله تعالى وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القران والغوا فيه وقال ابن حجر المكي فقد لغا أي تكلم بما لا يشرع له أو عبث بما يظهر له صوت قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه (فيرمون الناس بالترابيث أو الربائث) شك من الراوي قال الخطابي إنما هو الربائث جمع ربيثة وهي ما يعوق الإنسان عن الوجه الذي يتوجه إليه وأما الترابيث فليست بشئ وقال في النهاية في حديث علي إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها فيأخذون الناس بالربائث فيذكرونهم الحاجات أي ليربثوهم عمر بها عن الجمعة يقال ربثته عن الأمر إذا حبسته وثبطته النبي والربائث جمع ربيثة وهي الأمر الذي يحبس الإنسان عن مهامه وقد جاء في بعض الروايات يرمون الناس بالترابيث قال الخطابي وليس بشئ قلت يجوز إن صحت الرواية أن يكون جمع تربيثة وإن وهي المرة الواحدة من التربيث كما تقول ربثته وهما قولان للشافعي قال القاضي قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء تربيثا ووتربيثة واحدة مثل قدمته تقديما وتقديمة عنه واحدة انتهى (ويثبطونهم) أي يؤخرونهم إن (والنظر) أي إلى الأمام (فأنصت) أي سكت (ولم يلغ) من اللغو (كان له كفلان) أي سهمان ونصيبان (فإن نأى) أي تباعد (كان له كفل) بالكسر أي حظ ونصيب (لصاحبه صه) اسم فعل بمعنى اسكت (شئ) من الأجر قال النووي الملائكة التي تستمعون الذكر هؤلاء الملائكة غير الحفظة وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة ومعنى فقد لغا أي قال اللغو وهو الكلام الملغى الساقط الباطل المردود
[ 265 ]
وقيل معناه قال غير الصواب وقيل تكلم بما لا ينبغي ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة ونبه بهذا على ما سواه لأنه إذا قال أنصت وهو في الأصل أمر بمعروف وسماه لغوا فغيره من الكلام أولى وإنما طريقه إذا أراد به نهى غيره عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فهمه فإن تعذر فهمه فلينهه بكلام مختصر ولا يزيد على أقل ممكن واختلف العلماء في الكلام هل هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه يجب الإنصات للخطبة واختلفوا إذا لم يسمع الإمام هل يلزمه الإنصات كما لو سمعه فقال الجمهور يلزمه وقال النخعي وأحمد وأحد قولي الشافعي لا يلزمه انتهى قال المنذري فيه رجل مجهول وعطاء بن أبي مسلم الخراساني وثقه يحيى بن معين وأثنى عليه غيره وتكلم ابن حبان وكذبه سعيد بن المسيب (عن ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (قال) أي الوليد بن مسلم بالربائث من غير شك وأما حديث عيسى فقد روى عن ابن جابر بالشك بين الترابيث والربائث وقال أي الوليد بن مسلم (مولى امرأته) أي عطاء الخراساني (أم عثمان) بدل من امرأته (ابن عطاء) الخراساني والحاصل أن عطاء الخراساني يروي عن مولى امرأته ولم يعرف اسم مولاها وأما امرأة عطاء فهي أم عثمان وعثمان هذا هو ابن عطاء الخراساني والله أعلم باب التشديد في ترك الجمعة (عن أبي الجعد الضمري) قال في جامع الأصول بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم منسوب إلى ضمرة بن بكر بن عبدمناف وفي الخلاصة صحابي له أربعة أحاديث (من ترك ثلاث جمع) بضم الجيم وفتح الميم جمع جمعة (تهاونا بها) قال الطيبي أي إهانة وقال ابن الملك أي تساهلا عن التقصير لا عن عذر (طبع الله) أي ختم (على قلبه) بمنع
[ 266 ]
إيصال الخير إليه وقيل كتبه منافقا قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي وحديث أبي الجعد حديث حسن قال وسألت محمدا يعني البخاري عن اسم أبي الجعد الضمري فلم يعرفه اسمه وقال لا أعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث قال أبو عيسى ولا يعرف هذا الحديث إلا من حديث محمد بن عمرو هذا اخر كلامه وذكر الكرابيسي أن اسم أبي الجعد هذا عمرو بن بكر وقال غيره اسمه أدرع وقيل جنادة باب كفارة من تركها (العجيفي) مصغرا نسبة إلى عجيف بن ربيعة (عن سمرة بن جندب) بضم الدال وفتحها (فليتصدق) الأمر للتصدق لدفع إثم الترك (بدينار) في الأزهار أي كفارة (فإن لم يجد) أي الدينار كماله (فبنصف دينار) أي فليتصدق بنصفه قال ابن حجر المكي وهذا التصدق لا يرفع إثم الترك أي بالكلية حتى ينافي خبر من ترك الجمعة من غير عذر لم يكن لها كفارة دون يوم القيامة وإنما يرجى بهذا التصدق تخفيف الإثم وذكر الدينار ونصفه لبيان الأكمل فلا ينافي ذكر الدرهم أو نصفه وصاع حنطة أو نصفه في الرواية الآتية لأن هذا البيان أدنى ما يحصل به الندب قال العلامة السندي والحكم للتصدق لأن الحسنات يذهبن السيئات والظاهر أن الأمر للاستحباب ولذلك جاء التخيير بين الدرهم والنصف ولا بد من التوبة مع ذلك فإنها ماحية للذنب انتهى وقال المنذري وأخرجه النسائي وقيل ليحيى بن معين من قدامة بن وبرة وما حاله قال ثقة وقال أحمد بن حنبل قدامة بن وبرة لا يعرف وحكي عن البخاري أنه قال لا يصح سماع قدامة من سمرة (هكذا رواه خالد) حديث خالد أخرجه النسائي بقوله أخبرنا نصر بن علي أنبأنا نوح
[ 267 ]
عن خالد عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ترك الجمعة متعمدا فعليه دينار فإن لم يجد فنصف دينار انتهى وأيضا وأخرجه ابن ماجه نحوه (عن قدامة بن وبرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال المنذري هذا مرسل وقد أخرج النسائي وابن ماجه هذا الحديث في سننهما من حديث الحسن عن سمرة وهو منقطع (وقال عن سمرة) أي قال سعيد بن بشير عن قتادة عن قدامة بن وبرة عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فحينئذ يكون الحديث متصلا لكن رجح المؤلف رواية همام على رواية أيوب وسعيد بن بشير فإن في رواية همام ذكر دينار بخلاف رواية أيوب ففيها ذكر درهم والمحفوظ ذكر الدينار والله أعلم باب من تجب عليه الجمعة فثبت بحديثي الباب أن الجمعة واجبة على من كان خارج المصر والبلد كما كانت واجبة على كل من سمع النداء من أهل البلد وأشار بهذا الباب إلى الرد على الكوفيين فإنهم لم يوجبو إلا الجمعة على من كان خارج المصر (ينتابون الجمعة) يفتعلون من النوبة أي يحضرونها
[ 268 ]
نوبا والانتياب افتعال من النوبة وفي رواية يتناوبون (من منازلهم) القريبة من المدينة (ومن العوالي) جمع عالية مواضع وقرى شرقي المدينة وأدناها من المدينة على أربعة أميال أو ثلاثة وأبعدها ثمانية قاله القسطلاني وفي لسان العرب والعوالي هي أماكن بأعلى أراضي المدينة وأدناها من المدينة على أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد ثمانية انتهى وفي كتاب المراسيل لأبي داود قال مالك العوالي على ثلاثة أميال من المدينة وأخرج أبو داود في المراسيل من طريق أحمد بن عمرو بن السرح عن ابن وهب عن يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أهل العوالي في مسجده يوم الجمعة انتهى قال القرطبي وصاحب التوضيح في حديث عائشة رد لقول الكوفيين إن الجمعة لا تجب على من كان خارج المصر لأن عائشة أخبرت عنهم بفعل دائم أنهم كانوا يتناوبون الجمعة فدل على لزومها عليهم انتهى فإن قلت لو كان حضور أهل العوالي واجبا إلى المدينة ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعا قلت ليس المراد من قولها ينتابون أن بعض أهل العوالي كانوا يأتون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يجمعون في منازلهم بل المراد من كان حاضرا في منازلهم حضروا المدينة يوم الجمعة لأن فيهم من يتفرق إلى حوائجه من سفر أعمل ولم يصل إلى منزلة يوم الجمعة ومنهم من كان من أصحاب الأعذار لا يستطيع الحضور إلى المدينة فكيف يحضرون جميعا نعم لما وصلوا هؤلاء إلى منازلهم وزالت عنهم الأعذار كانوا يحضرون المسجد ومنهم من كان حضر المدينة في الجمعة الأولى لعله غاب للعلة المذكورة في الجمعة الآخرة ولم يصل إلى المدينة والحاصل أن بعض هؤلاء يحضرون المدينة في الجمعة الأولى مثلا ثم من هؤلاء الحاضرين من يغيب في الجمعة الأخرى فصدقت عائشة رضي الله عنها في قولها أنهم كانوا ينتابون فانتيابهم فيه لأجل هذا لا لعدم المبالاة في حضور الصلاة لأن في الرواية المذكورة عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أهل العوالي في مسجده يوم الجمعة وهذه الرواية مبينة للمراد والحديث فيه دليل على لزوم حضور المسجد الجامع لصلاة الجمعة لمن كان على مسافة ثلاثة أميال فما دونها ولا يحسن له التجميع في غيره فمن جمع في غيره من غير عذر شرعي فقد خالف السنة وأثم لكن لا تبطل صلاته لأنه ما ورد فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء فيه وعيد وأما من كان على أكثر مسافة منها فيجوز له أن يجمع حيث شاء مع الجماعة
[ 269 ]
ويؤيده ما أخرجه ابن ماجة عن ابن عمر قال إن أهل قباء كانوا يجمعون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وسنده حسن وأخرج الترمذي عن رجل من أهل قباء عن أبيه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشهد الجمعة من قباء انتهى وفيه رجل مجهول وقباء موضع بقرب المدينة من جهة الجنوب نحو ميلين وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ثابت قال كان أنس يكون في أرضه وبينه وبين البصرة ثلاثة أميال فيشهد الجمعة بالبصرة وأخرج أبو داود في المراسيل من طريق محمد بن سلمة المرادي عن ابن وهب عن ابن لهيعة أن بكير بن الأشج حدثه أنه كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمع أهلها تأذين بلال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلون في مساجدهم ولفظ البيهقي في المعرفة أنبأني أبو عبد الله عن أبي الوليد حدثنا إبراهيم بن علي حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا ابن لهيعة عن بكير بن الأشج قال حدثني أشياخنا أنهم كانوا يصلون في تسع مساجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسمعون أذان بلال فإذا كان يوم الجمعة حضروا كلهم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو بكر بن المنذر روينا عن ابن عمر أنه كان يقول لا جمعة إلا في المسجد الأكبر الذي فيه الإمام انتهى كلام البيهقي وقال الحافظ في التلخيص وروى البيهقي أن أهل ذي الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة قال ولم ينقل أنه أذن لأحد في إقامة الجمعة في شئ من مساجد المدينة ولا في القرى التي بقربها انتهى قال الأثرم لأحمد بن حنبل أجمع جمعتين في مصر قال لا أعلم أحدا فعله وقال ابن المنذر لم يختلف الناس أن الجمعة لم تكن تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين إلا في مسجد واحد أبين البيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات وأنها لا تصلى إلا في مكان واحد وذكر الخطيب في تاريخ بغداد أن أول جمعة أحدثت في الإسلام في بلد مع قيام الجمعة القديمة في أيام المعتصم في دار الخلافة من غير بناء مسجد لإقامة الجمعة وسبب ذلك خشية الخلفاء على أنفسهم في المسجد العام وذلك في سنة ثمانين ومائتين ثم بني في أيام المكتفى مسجد فجمعوا فيه وذكر ابن عساكر في مقدمة تاريخ دمشق أن عمر كتب إلى أبي موسى وإلى عمرو بن العاص وإلى سعد بن أبي وقاص أن يتخذ مسجدا جامعا للقبائل فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى المسجد الجامع فشهدوا الجمعة وقال ابن المنذر لا أعلم أحدا قال بتعداد الجمعة غير عطاء انتهى كلام الحافظ
[ 270 ]
قال الخازن في تفسيره ولا تنعقد إلا في موضع واحد من البلد وبه قال الشافعي ومالك وأبو يوسف وقال أحمد تصح بموضعين إذا كثر الناس وضاق الجامع وفي رحمة الأمة والراجح من مذهب الشافعي أن البلد إذا كبر وعسر اجتماع أهله في موضع واحد جاز إقامة جمعة أخرى بل يجوز التعدد بحسب الحاجة وقال داود الجمعة كسائر الصلوات يجوز لأهل البلد أن يصلوها في مساجدهم انتهى وأنت عرفت أن الجمعة في بلد واحد أو قرية واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء لم تكن تصلي إلا في المسجد الجامع ولم يحفظ عن السلف خلاف ذلك إلا ما روي عن عطاء بن أبي رباح وداود إمام الظاهرية وقولهما هذا خلاف السنة الثابتة فلا يحتج بقولهما هذا ملخص من غاية المقصود والمطالب الرفيعة في المسائل النفيسة كلاهما لأخينا الأعظم أبي الطيب أدام الله مجده وحديث عائشة هذا أخرجه البخاري ومسلم (الجمعة) واجبة (على كل من سمع النداء) أو كان في قوة السامع وليس المراد أن الجمعة لا تجب على من لم يسمع النداء وإن كان في البلد الذي تقام فيه الجمعة أو في خارجه لقول الله تبارك وتعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله الآية فأمر الله تعالى بالسعي بمجرد النداء ولم يقيده بالسماع وهذا هو الظاهر قال الحافظ في الفتح والذي ذهب إليه الجمهور أنها تجب على من سمع النداء أو كان في قوة السامع سواء كان داخل البلد أو خارجه انتهى وقد حكى الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي عن
[ 271 ]
الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل أنهم يوجبون الجمعة على أهل المصر وإن لم يسمعوا النداء انتهى والحديث وإن كان فيه المقال كما سيأتي لكن يشهد لصحته قوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة الآية قال النووي في الخلاصة إن البيهقي قال له شاهد فذكره بإسناد جيد قال العراقي وفيه نظر قال ويغني عنه حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يارسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال فأجب وروى نحوه أبو داود بإسناد حسن عن ابن أم مكتوم قال فإذا كان هذا في مطلق الجماعة فالقول به في خصوصية الجمعة أولى والمراد بالنداء المذكور في الحديث هو النداء الواقع وقت جلوس الإمام على المنبر لأنه الذي كان في زمن النبوة (مقصورا) أي موقوفا (وإنما أسنده قبيصة) وفي إسناده محمد بن سعيد الطائفي قال المنذري وفيه مقال وقال في التقريب صدوق قال أبو بكر بن أبي داود وهو ثقة قال وهذه سنة تفرد بها أهل الطائف انتهى قال الشوكاني وقد تفرد به محمد بن سعيد عن شيخه أبي سلمة وتفرد به أبو سلمة عن شيخه عبد الله بن هارون وقد ورد من حديث عبد الله بن عمرو من وجه اخر أخرجه الدارقطني من رواية الوليد عن زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا والوليد وزهير كلاهما من رجال الصحيح قال العراقي لكن زهير روى عن أهل الشام مناكير منهم الوليد والوليد مدلس وقد رواه بالعنعنة فلا يصح ورواه الدارقطني أيضا من رواية محمد بن الفضل بن عطية عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ومحمد بن الفضل ضعيف جدا والججاج صلى هو ابن أرطاة وهو مدلس مختلف في الاحتجاج به والله أعلم
[ 272 ]
باب الجمعة في اليوم المطير بفتح الميم صيغة اسم الفاعل أي يوم ماطر أي ذو مطر كذا في اللسان أي هل يلزم للمصلي حضوره في الجامع أو يجمع في رحله لأجل المطر أو يسقط عنه الجمعة (عن أبي المليح) قال المنذري وأبو المليح اسمه عامر بن أسامة وقيل زيد بن أسامة وقيل أسامة بن عامر وقيل عمير بن أسامة هذلي بصري اتفق الشيخان على الاحتجاج بحديثه وأبوه له صحبة ويقال إنه لم يرو عنه إلا ابنه أبو المليح (أن يوم حنين) مصغر واد بين مكة والطائف هو مذكر منصرف وقد يؤنث على معنى البقعة وقصة حنين أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة في رمضان سنة ثمان ثم خرج منها لقتال هوازن وثقيف وقد بقيت أيام من رمضان فسار إلى حنين فلما التقى الجمعان انكشف المسلمون ثم أمدهم الله بنصره فعطفوا وقاتلوا المشركين فهزموهم وغنموا أموالهم وعيالهم ثم صار المشركون إلى أوطاس فمنهم من سار على نخلة اليمانية ومنهم من سلك الثنايا وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك نخلة ويقال إنه صلى الله عليه وسلم أقام عليها يوما وليلة ثم سار إلى أوطاس فاقتتلوا وانهزم المشركون إلى الطائف وغنم المسلمون منها أيضا أموالهم وعيالهم ثم سار إلى الطائف فقاتلهم بقية شوال فلما أهل ذو القعدة ترك القتال لأنه شهر حرام ورحل راجعا فنزل جعرانة وقسم بها غنائم أوطاس وحنين ويقال كانت ستة الاف سبى قلت وقد اختلف على أبي المليح فقال قتادة عنه إن القصة وقعت بحنين وقال خالد الحذاء عنه إنها وقعت زمن الحديبية والله أعلم (الرحال) جمع رحل والمراد بها الدور والمساكن والمنازل قاله ابن الأثير ولفظ النسائي أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين فأصابنا مطر فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلوا في رحالكم (أخبرنا سعيد) هو ابن عبد العزيز الدمشقي (عن صاحب له) أي لسعيد ولم يعرف هذا
[ 273 ]
(قال سفيان بن حبيب خبرنا) بصيغة المجهول من التفعيل والمخبر لسفيان بن حبيب لم يعرف وأخرج ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن خالد الحذاء عن أبي المليح قال خرجت في ليلة مطيرة فلما رجعت استفتحت فقال أبي من هذا قال أبو المليح قال لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وأصابنا سماء لم تبل أسافل نعالنا فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا في رحالكم (زمن الحديبية) بئر بقرب مكة على طريق جدة دون مرحلة ثم أطلق على الموضع ويقال بعضه في الحل وبعضه في الحرم وهو أبعد أطراف الحرم على البيت وقال الزمخشري إنها على تسعة أميال من المسجد وقال أبو العباس أحمد الطبري حد الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال ومن طريق جدة عشرة أميال ومن طريق الطائف سبعة أميال ومن طريق اليمن سبعة أميال ومن طريق العرا سبعة أميال انتهى وقال الطرطوشي في قوله تعالى (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) هو صلح الحديبية قال ابن القيم وكانت سنة ست في ذي القعدة على الصحيح (لم يبتل أسفل نعالهم) والمراد به قلة المطر واعلم أنه في الإستدلال بهذه الرواية على ترجمة الباب نظر لأن الراوي لم يبين أن النداء المذكور كان لصلاة الجمعة نعم كانت هذه الواقعة يوم الجمعة فيحتمل أن هذا الأمر كان لصلاة الجمعة وكذا يحتمل أن يكون لغيرها من الصلاة وإن تعين احتمال يوم الجمعة فهذه واقعة سفر لا يستدل بها على الحضر والله أعلم باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة (نزل بضجنان) بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم بعدهما نون وبعد ألف نون آخر وهو جبل علبريد من مكة وقال الزمخشري بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا كذا
[ 274 ]
في عمدة القاري (في ليلة باردة) وفي رواية للبخاري (في الليلة الباردة أو المطيرة) وفي أخرى له (إذا كانت ذات برد ومطر) وفي صحيح أبي عوانة ليلة باردة وذات مطر أو ذات ريح وفيه أن كلا من الثلاثة عذر في التأخر عن الجماعة ونقل ابن بطال فيه الإجماع لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل وفي حديث الباب من طريق بن إسحاق عن نافع في هذا الحديث في الليلة المطيرة والغداة القرة وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه أنهم مطروا يوما فرخص لهم كما تقدم وكذلك في حديث ابن عباس الآتي في الباب في يوم مطير قال الحافظ ولم أر في شئ من الأحاديث الترخيص لعذر الريح في النهار صريحا (أن الصلاة في الرحال) في رواية للبخاري ثم يقول على أثره يعني أثر الأذان ألا صلوا في الرحال وهو صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان وفي رواية لمسلم بلفظ في آخر ندائه قال القرطبي يحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه جمعا بينه وبين حديث ابن عباس الآتي في الباب وحمل ابن خزيمة حديث ابن عباس على ظاهره وقال إنه يقال ذلك بدلا من الحيعلة نظرا إلى المعنى لأن معنى حي على الصلاة هلموا إليها ومعنى الصلاة في الرحال تأخروا عن المجئ فلا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر قال الحافظ ويمكن الجمع بينهما ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو يحمل المشقة ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا فقال ليصل من شاء منكم في رحله والرحال قال أهل اللغة الرحل المنزل وجمعه رحال سواء كان من حجر أو مدر أو خشب أو وبر أو صوف أو شعر أو غير ذلك وفي فتح الباري والصلاة في الرحل أعم من أن يكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد والمقصود الأصلى في الجماعة إيقاعها في المسجد
[ 275 ]
(ورواه حماد بن سلمة) والمعنى أن حماد بن سلمة يروي عن أيوب وعبيدالله كلاهما عن نافع بحرف الترديد أي في الليلة القرة أو المطيرة وأما إسماعيل عن أيوب فلم يذكر حرف الترديد وقال في الليلة الباردة وفي الليلة المطيرة ولكن اتفقوا على أن هذه واقعة سفر وخالفهم محمد بن إسحاق فقال كان ذلك في المدينة كما سيأتي قال المنذري وخالفه الثقات (في الليلة القرة) أي الباردة قال في النهاية يوم قربالفتح أي بارد وليلة قرة بالفتح أي بارد وليلة قرة قال المنذري وأخرجه ابن ماجوفي رواية في الليلة القرة أو المطيرة (عن عبيدالله عن نافع) قال النووي في هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من أعذار وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر وأنها مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها ويحمل المشقة لقوله في الرواية الثانية ليصل من شاء في رحله وأنها مشروعة في السفر وأن الأذان مشروع في السفر وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن يقول ألا صلوا في رحالكم في نفس الأذان وفي حديث ابن عمر أنه قال في اخر ندائه والأمران جائزان نص عليهما الشافعي رحمه الله فيجوز بعد الأذان وفي أثنائه لثبوت السنة فيهما لكن قوله بعده أحسن ليبقى نظم الأذان على وضعه ومن أصحابنا من قال لا يقوله إلا بعد الفراغ وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس رضي الله عنه ولا منافاة بينهما لأن هذا جرى في وقت وذاك في وقت كلاهما صحيح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (عن مالك عن نافع) قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (في الليلة
[ 276 ]
المطيرة) أي ذي مطر (والغداة القرة) أي الباردة قال المنذري محمد بن إسحاق فيه مقال وقد خالفه الثقات والقاسم هذا هو ابن محمد ابن أبي بكر الصديق أحد الثقات النبلاء (عن جابر) قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي (ابن عم محمد بن سيرين) قال الدمياطي ليس ابن عمه وإنما كان زوج بنت سيرين فهو صهره قال في الفتح لا مانع أن يكون بين سيرين والحارث أخوة من الرضاع ونحوه فلا ينبغي تغليط الرواية الصحيحة مع وجود الاحتمال المقبول (قل صلوا في بيوتكم) بدل الحيعلة مع إتمام الأذان (فكأن الناس استنكروا ذلك) أي قوله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم (فقال) ابن عباس (قد فعل ذا) أي الذي قلته للمؤذن (من هو خير مني) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الجمعة عزمة) بفتح العين وسكون الزاي أي واجبة فلو تركت المؤذن يقول حي على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجئ في المطر فيشق عليه فأمرته أن يقول صلوا في بيوتكم ليعلموا أن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة وهذا مذهب الجمهور لكن عند الشافعية والحنابلة مقيد بما يؤذي ببل الثوب فإن كان خفيفا أو وجد كنا يمشي فيه فلا عذر
[ 277 ]
وعن مالك رحمه الله لا يرخص في تركها بالمطر والحديث حجة عليه قاله القسطلاني في إرشاد الساري وقال العيني في عمدة القاري والمراد بقول ابن عباس إن الجمعة عزيمة ولكن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة وهذا مذهب ابن عباس أن من جملة الأعذار لترك الجمعة المطر وإليه ذهب ابن سيرين وعبد الرحمن بن سمرة وهو قول أحمد وإسحاق وقالت طائفة لا يتخلف عن الجمعة في اليوم المطير وروى ابن قانقيل لمالك أنتخلف عن الجمعة في اليوم المطير قال ما سمعت قيل له في الحديث ألا صلوا في الرحال قال ذلك في السفر انتهى كلامه قلت هذا من استنباطات عبد الله بن عباس رضي الله عنه ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحا أنه رخص في ترك صلاة الجمعة لأجل المطر والصحيح عندي في معنى قول ابن عباس رضي الله عنه إن الجمعة واجبة متحتمة لا تترك لكن يرخص للمصلي في حضور المسجد الجامع لأجل المطر فيصلي الجمعة في رحله بمن كان معه جماعة وليس المراد والله أعلم أن الجمعة تسقط لأجل المطر فإنه لم يثبت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم وغرض المؤلف من انعقاد هذا الباب أن التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو المطيرة كما ثبت من حديث ابن عمر فكذا يجوز التخلف عن حضور المسجد الجامع يوم الجمعة بدليل رواية ابن عباس كذا في غاية المقصود (وإني كرهت أن أخرجكم) بضم الهمزة وسكون الحاء من الحرج ويؤيده ما في بعض الروايات أوثمكم أي أن أكون سببا في إكسابكم الإثم عند حرج صدوركم فربما يقع تسخط أو كلام غير مرضي (فتمشون في الطين والمطر) فتكونون في الحرج قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه . باب الجمعة للمملوك والمرأة (عن طارق بن شهاب) بن عبدشمس الأحمسي البجلي الكوفي أدرك الجاهلية ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وليس منه سماع وغزا في خلافة أبي بكر وعمر ثلاثا وثلاثين أو أربعا وثلاثين غزوة
[ 278 ]
وسرية ومات سنة اثنين وثمانين ذكره في السبل (قال الجمعة حق) أي ثابت فرضيتها بالكتاب والسنة (واجب) أي فرض مؤكد (على كل مسلم) فيه رد على القائل بأنها فرض كفاية (في جماعة) لأنها لا تصح إلا بجماعة مخصوصة بالإجماع وإنما اختلفوا في العدد الذي تحصل به وأقلهم عند أبي حنيفة ثلاثة سوى الإمام ولا يشترط كونهم ممن حضر الخطبة وقال اثنان سوى الإمام وقال ابن حجه المكي ومذهبنا أنه لا بد من أربعين كاملين قلت ويجئ تحقيق ذلك في شرح الباب الآتي (أو امرأة) فيه عدم وجوب الجمعة على النساء أما غير العجائز فلا خلاف في ذلك وأما العجائز فقال الشافعي يستحب لهن حضورها (أو صبي) فيه أن الجمعة غيواجبة على الصبيان وهو مجمع عليه (أو مريض) فيه أن المريض لا تجب عليه الجمعة إذا كان الحضور يجلب عليه مشقة وقد ألحق به الإمام أبو حنيفة الأعمى وإن وجد قائدا لما في ذلك من المشقة وقال الشافعي إنه غير معذور عن الحضور إن وجد قائدا قال البيهقي في المعرفة وعند الشافعي لا جمعة على المريض الذي لا يقدر على شهود الجمعة إلا بأن يزيد في مرضه أو يبلغ به مشقة غير محتملة وكذلك من كان في معناه من أهل الأعذار انتهى وقوله عبد مملوك أنه أو امرأة أو صبي أو مريض هكذا في النسخ بصورة المرفوع قال السيوطي وقد يستشكل بأن المذكورات عطف بيان لأربعة وهو منصوب لأنه استثناء من موجب والجواب أنها منصوبة لا مرفوعة وكانت عادة المتقدمين أن يكتبوا المنصوب بغير ألف ويكتبوا عليه تنوين النصب ذكره النووي في شرح مسلم قال السيوطي ورأيته أنا في كثير من كتب المتقدمين المعتمدة ورأيته في خط الذهبي في مختصر المستدرك وعلى تقدير أن تكون مرفوعة تعرب خبر مبتدأ انتهى قال الخطابي أجمع الفقهاء على أن النساء لا جمعة عليهن فأما العبيد فقد اختلفوا فيهم فكان الحسن وقتادة يوجبان على العبد الجمعة إذا كان مخارجا وكذا قال الأوزاعي وأحسب أن مذهب داود إيجاب الجمعة عليه وقد روي عن الزهري أنه قال إذا سمع المسافر الأذان فليحضر الجمعة وعن إبراهيم النخعي نحو من ذلك وفيه دلالة على أن فرض الجمعة من فروض الأعيان وهو ظاهر مذهب الشافعي وقد علق القول فيه وقال أكثر الفقهاء هو من فروض الكفاية وليس إسناد هذا الحديث
[ 279 ]
بذاك وطارق بن شهاب لا يصح له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه قد لقي النبي صلى الله عليه وسلم انتهى ويجئ الجواب عن ذلك (ولم يسمع منه شيئا) وقال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول ليست له صحبة والحديث الذي رواه مرسل انتهى وقال البيهقي في المعرفة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا عبيد بن محمد العجلي حدثني العباس بن عبد المطلب العنبري حدثني إسحاق بن منصور حدثنا هريم بن سفيان عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض أسنده عبيد بن محمد وأرسله غيره فذكر البيهقي بإسناده رواية أي داود ثم قال أحمد البيهقي هذا هو المحفوظ مرسل وهو مرسل جيد وله شواهد ذكرناها في كتاب السنن وفي بعضها المريض وفي بعضها المسافر انتهى كلام البيهقي وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وغزوت في خلافة أبي بكر قال ابن حجر وهذا إسناد صحيح وبهذا الإسناد قال قدم وفد بجيلة النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابدأوا بالأحمسين وهو ودعا لهم قال الحافظ بن حجر إذا ثبت أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي على الراجح وإذا ثبت أنه لم يسمع منه فروايته عنه مرسل صحابي وهو مقبول على الراجح وقد أخرج له النسائي عدة أحاديث وذلك مصير منه إلى إثبات صحبته انتهى وقال الحافظ زين العراقي فإذا قد ثبتت صحبته فالحديث صحيح وغايته أن يكون مرسل صحابي وهو حجة عند الجمهور إنما خالف فيه أبو إسحاق الاسفرايني بل ادعي بعض الحنفية الإجماع على أن مرسل الصحابي حجة انتهى قلت على أنه قد اندفع اعلال با رسال بما في رواية الحاكم والبيهقي من ذكر أبي موسى وفي الباب عن جابر عند الدارقطني والبيهقي وتميم الداري عند العقيلي والحاكم أبي أحمد وابن عمر عند الطبراني في الأوسط وكلها ضعيفة قاله الحافظ في التلخيص وعن أم عطية بلفظ نهينا عن اتباع الجنائز ولا جمعة علينا أخرجه ابن خزيمة وقد استدل بهذه الروايات على أن الجمعة من فرائض الأعيان وهذا هو الحق والله أعلم قاله في غاية المقصود
[ 280 ]
باب الجمعة في القرى في هذه الترجمة إشارة إلى خلاف من خص الجمعة بالمدن دون القرى والقرية واحدة القرى كل مكان اتصلت فيه الأبنية واتخذ قرارا ويقع ذلك على المدن وغيرها والأمصار المدن الكبار واحدها مصر والكفور القرى الخارجة عن المضر واحدها كفر بفتح الكاف (طهمان) بفتح المهملة وسكون الهاء الخراساني (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عبد الرحمن بن عصام (جمعت) بضم الجيم وتشديد الميم المكسورة (بجواثا قرية من قرى البحرين) بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز ثم مثلثة خفيفة وهي قرية من قرى عبد القيس أو مدينة أو حصن أو قرية من قرى البحرين وفيه جواز إقامة الجمعة في القرى لأن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرن كما استدل بذلك جابر وأبو سعيد في جواز العزل بأنهم فعلوا والقرن ينزل فلم ينهوا عنه وحكى الجوهري والزمخشري وابن الأثير أن جواثى اسم حصن البحرين قال الحافظ وهذا لا ينافي كونها قرية وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أنها مدينة وما ثبت في نفس الحديث من كونها قرية أصح مع احتمال أن تكون في أول الأمر قرية ثم صارت مدينة وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأسنده ابن أبي شيبة عن علي وحذيفة وغيرهما أن الجمعة لا تقام إلا في المدن دون القرى واحتجوا بما روي عن علي مرفوعا لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع وقد ضعف أحمد رفعه وصحح ابن حزم وقفه وللاجتهاد فيه مسرح فلا ينهض للاحتجاج به وقد روى ابن أبي شيبة عن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين أن جمعوا حيث ما كنتم وهذا يشمل المدن والقرى وصححه ابن خزيمة وروى البيهقي من طريق الوليد بن مسلم سألت الليث بن سعد فقال كل مدينة أو قرية فيها جماعة أمروا بالجمعة فإن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة
[ 281 ]
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب عليهم فلما اختلف الصحابة وجب الرجوع إلى المرفوع كذا في فتح الباري ويؤيد عدم اشتراط المصر حديث أم عبد الله الدوسية الآتي ويجئ بسط الكلام فيه في آخر الباب وذهب البعض إلى اشتراط المسجد قال لأنها لم تقم إلا فيه وقال أبو حنيفة والشافعي وسائر العلماء إنه غير شرط وهو قوي إن صحت صلاته صلى الله عليه وله وسلم في بطن الوادي وقد روى صلاته صلى الله عليه وله وسلم في بطن الوادي ابن سعد وأهل السير ولو سلم عدم صحة ذلك لم يدل فعلها في المسند على اشتراطه قال المنذري وأخرجه البخاري (ترحم) الناضي صلى الله عليه وسلم من التفعيل وفي رواية ابن ماجه كلما سمع أذان الجمعة يستغفر لأبي أمامة ويصلى عليه (في هزم) بفتح الهاء وسكون الزاء المطمئن من الأرض قال ابن الأثير هزم بني بياضة هو موضع بالمدينة (النبيت) بفتح النون وكسر الباء الموحدة وسكون الياء التحتية وبعدها تاء فوقية هو أبو حي باليمن اسمه عمرو بمالك كذا في القاموس (من حرة) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء هي الأرض ذات الحجارة السود العيني هي قرية على ميل من المدينة (بني بياضة) هي بطن من الأنصار (في نقيع) بالنون ثم القاف ثم الياء التحتية بعدها عين مهملة قال ابن الأثير هو موضع قريب من المدينة كان يستنقع فيه الماء أي يجتمع وقال الخطابي في المعالم النقيع بطن الوادي من الأرض يستنقع فيه الماء مدة وإذا نضب الماء أي غار في الأرض أنبت الكلأ ومنه حديث عمر أنه حمى النقيع لخيل المسلمين وقد يصحف أصحاب الحديث فيروونه البقيع بالباء موضع القبور بالمدينة وهو المعالي من الأرض انتهى (يقال له) أي النقيع (نقيع الخضمات) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين موضع بنواحي المدينة كذا في النهاية والمعنى أنه جمع في قرية يقال لهاهزم النبيت وهي
[ 282 ]
كانت في حرة بني بياضة في المكان الذي يجتمع فيه الماء واسم ذلك المكان نقيع الخضمات وتلك القرية هي على ميل من المدينة كذا في غاية المقصود قال الخطابي وفي الحديث من الفقه أن الجمعة جوازها في القرى كجوازه في المدن والأمصار لأن حرة بني بياضة يقال على ميل من المدينة وقد استدل به الشافعي على أن الجمعة لا تجوز بأقل من أربعين رجلا أحرارا مقيمين وذلك أن هذه الجمعة كانت أول ما شرع من الجمعات فكان جميع أوصافها معتبرة فيها لأن ذلك بيان لمجمل واجب وبيان المجمل الواجب واجب وقد روي عن عمر بن عبد العزيز اشتراط عدد الأربعين في الجمعة وإليه ذهب أحمد وإسحاق إلا أن عمر قد اشترط مع عدد الأربعين أن يكون فيها وال وليس الوالي من شرط الشافعي وقال مالك إذا كان جماعة في القرية التي بيوتها متصلة وفيها مسجد يجمع فيه وسوق وجبت عليهم الجمعة ولم يذكر عددا محصورا ولم يشترط الوالي ومذهبه في الوالي كمذهب الشافعي وقال أصحاب الرأي لا جمعة إلا في مصر جامع وتنعقد عندهم الجمعة بأربعة قال الأوزاعي إذا كانوا ثلاثة صلوا جمعة إذا كان فيهم الوالي وقال أبو ثور كسائر الصلوات في العدد انتهى كلام الخطابي قلت حديث ابن عباس وكعب بن مالك المذكوران في الباب فيهما دلالة واضحة على صحة صلاة الجمعة في القرى فحديث ابن عباس أخرجه أيضا البخاري في صحيحه وحديث كعب أخرجه أيضا ابن ماجه وزاد فيه كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم النبي من مكة وأخرجه الدارقطني وابن حبان والبيهقي في سننه وقال حسن الإسناد صحيح وقال في خلافياته رواته كلهم ثقات والحاكم وقال صحيه على شرط مسلم وقال الحافظ في التلخيص إسناده حسن قلت الأمر كما قال البيهقي فإن إسناده حسن قوي ورواته كلهم ثقات وفيه محمد بن إسحاق وقد عنعن عن محمد بن أبي أمامة في رواية ابن إدريس كما عند المؤلف أبي داود لكن أخرج الدارقطني ثم البيهقي في المعرفة من طريق وهب بن جرير حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن أبي أمامة عن أبيه ثم ساق الحديث ومحمد بن إسحاق ثقة عند شعبة وعلي بن عبد الله وأحمد ويحيى بن معين والبخاري وعامة أهل العلم ولم يثبت فيه جرح
[ 283 ]
فتقبل روايته إذا صرح بالتحديث وههنا صرح به فارتفعت عنه مظنة التدليس وفي هذا كله رد على العلامة العيني حيث ضعف الحديث في شرح البخاري لأجل محمد بن إسحاق وهذا تعنت وعصبية منه وفي الباب عند الدارقطني من طريق الزهري عن أم عبد الله الدوسية قالت قال رسول الله الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلا أربعة وهذا الحديث أخرجه الدارقطني بثلاثة طرق وكلها ضعيفة وأخرجه أيضا الطبراني والبيهقي وابن عدي وضعفوه والتفصيل في التعليق المغني على سنن الدارقطني وقال العيني ليس في حديث كعب أن النبي أمرهم بذلك أو أقرهم عليه انتهى وتقدم آنفا الجواب عن هذا الكلام وقال البيهقي في المعرفة وكانوا لا يستبدون بأمور الشرع لجميل نياتهم في الإسلام فالأشبه أنهم لم يقيموا في هذه القرية إلا بأمر النبي إنتهى وقال الإمام بن حزم رحمه الله ومن أعظم البرهان على صحتها في القرى أن النبي أتى المدينة وإنما هي قرى صغار متفرقة فبنى مسجده في بني مالك بن النجار وجمع فيه في قرية ليست بالكبيرة ولا مصر هناك انتهى وهذا الكلام حسن جدا وأخرج محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح عن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس عن شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة عن أبي رافع أن أبا هريرة كتب إلى عمر رضي الله عنه يسأله عن الجمعة وهو بالبحرين فكتب إليهم أن جمعوا حيث ما كنتم قال البيهقي في المعرفة إسناد هذا الأثر حسن قال الشافعي معناه في أي قرية كنتم لأن مقامهم بالبحرين إنما كان في القرى وأيضا أخرجه ابن أبي شيبة من طريق أبي رافع عن أبي هريرة عن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين أن جمعوا حيثما كنتم قال العيني سنده صحيح وأيضا أخرجه سعيد بن منصور في سننه وصححه ابن خزيمة وهذا يشم المدن والقرى وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي مسعود الأنصاري قال أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب بن عمير وهو أول من جمع بها يوم الجمعة جمعهم قبل أن يقدم رسول الله وهم اثنا عشر رجلا وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف قال الحافظ ويجمع بين رواية الطبراني هذه ورواية أسعد بن زرارة التي عند المؤلف بأن أسعد كان مرا وكان مصعب إماما قال البيهقي في المعرفة وروينا عن معاذ بن موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق أن النبي حين ركب من بني عمرو بن عوف في هجرته إلى المدينة مر على بني سالم وهي قرية بين قباء والمدينة فأدركته الجمعة فصلى فيهم الجمعة وكانت أول جمعة صلاها رسول الله حين قدم
[ 284 ]
انتهى ثم أخرج البيهقي من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة قال كل قرية فيها أربعون رجلا فعليهم الجمعة ومن طريق سليمان بن موسى أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل المياه فيما بين الشام ومكة جمعوا إذا بلغتم أربعين رجلا قال البيهقي وروينا عن أبي المليح الرقي أنه قال أتانا كتاب عمر بن عبد العزيز إذا بلغ أهل القرية أربعين رجلا فليجمعوا وعن جعفر بن برقان قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي الكندي أنظر كل قرية أهل قرار ليسوا هم بأهل عمود ينتقلون فأمر عليهم أميرا ثم مره فليجمع بهم وحكى الليث بن سعد أن أهل الاسكندرية ومدائن مصر ومدائن سواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان بأمرهما وفيها رجال من الصحابة وكان الوليد بن مسلم يروي عن شيبان عن مولى لآل سعيد بن العاص أنه سأل ابن عمر عن القرى التي بين مكة والمدينة ما ترى في الجمعة قال نعم إذا كان عليهم أمير فليجمع انتهى كلام البيهقي وفي المصنف عن مالك كان أصحاب النبي في هذه المياه بين مكة والمدينة يجمعون انتهى هذه الآثار للسلف في صحة الجمعة في القرى ويكفي لك عموم ية القرن الكريم إذا نودي للصلاة الآية ولا ينسخها أو لا يخصصها إلاية أخرى أو سنة ثابتة صحيحة عن رسول الله ولم تنسخها ية ولم يثبت خلاف ذلك عن رسول الله واعلم أن جماعة من الأئمة استدلوا بحديث كعب بن مالك وما ذكر من الآثار على اشتراط أربعين رجلا في صلاة الجمعة وقالوا إن الأمة أجمعت على اشتراط العدد والأصل الظهر فلا تصلح الجمعة إلا بعدد ثابت بدليل وقد ثبت جوازها بأربعين فلا يجوز بأقل منه إلا بدليل صحيح وقد ثبت أن النبي قال صلوا كما رأيتموني أصلي قالوا ولم تثبت صلاته لها بأقل من أربعين وأجيب عن ذلك بأنه لا دلالة في الحديث على اشتراط الأربعين لأن هذه واقعة عين وذلك أن الجمعة فرضت على النبي وهو بمكة قبل الهجرة كما أخرجه الطبراني عن ابن عباس فلم يتمكن من إقامتها هنالك من أجل الكفار فلما هاجر من هاجر من أصحابه إلى المدينة كتب إليهم يأمرهم أن يجمعوا فجمعوا واتفق أن عدتهم إذا كانت أربعين وليس فيه ما يدل على أن من دون الأربعين لا تنعقد بهم الجمعة وقد تقرر أن وقائع الأعيان لا يحتج بها على العموم وروى عبد بن حميد وعبد الرزاق عن محمد بن سيرين قال جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي وقبل أن تنزل الجمعة قالت الأنصار لليهود يوم يجمعون فيه كل أسبوع وللنصارى مثل ذلك فهلم فلنجعل يوما نجمع فيه فنذكر الله تعالى ونشكره فجعلوه يوم
[ 285 ]
العروبة واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه فأنزل الله تعالى في ذلك بعد يا أيها الذين منوا إذا نودي للصلاة الآية قال الحافظ في التلخيص ورجاله ثقات إلا أنه مرسل وقولهم لم يثبت أنه صلى الجمعة بأقل من أربعين يرده حديث جابر عند الشيخين وأحمد والترمذي أن النبي كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا إثنا عشر رجلا فأنزلت هذه الآية وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما واللفظ لأحمد وما أخرجه الطبراني عن أبي مسعود الأنصاري والدارقطني والبيهقي عن أم عبد الله الدوسية وتقدم كل ذلك وأما احتجاجهم بحديث جابر عند الدارقطني والبيهقي بلفظ في كل أربعين رجلا وهذا هو الصحيح المختار وقال الحافظ عبد الحق في أحكامه لا يصح في عدد الجمعة شئ وقال الحافظ بن حجر في التلخيص وقد وردت عدة أحاديث تدل على الاكتفاء بأقل من أربعين وكذلك قال السيوطي لم يثبت في شئ من الأحاديث تعيين عدد مخصوص انتهى والخلاف في هذه المسألة منتشر جدا وقد ذكر الحافظ في الفتح خمسة عشر مذهبا لا نطيل الكلام بذكره واستدل الحنفية على أن الجمعة لا تجوز في القرى بما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال لا تشريق ولا جمعة إلا في مصر جامع وابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عباد بن العوام عن حجاج عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة وفيهما الحارث الأعور وهو ضعيف جدا لا يحل الاحتجاج به وروى ابن أبي شيبة أيضا حدثنا جرير عن منصور عن طلحة عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن أنه قال قال علي لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع وأخرجه أيضا عبد الرزاق أنبأنا الثوري عن زبيد الأيامي عن سعد بن عبيدة عن أبي الرحمن السلمي عن علي مثله قال العيني إسناد طريق جرير صحيح وقال البيهقي في المعرفة أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان حدثنا أبو بكر بن محموية حدثنا جعفر بن محمد القلانسي حدثنا شعبة عن زبيد الأيامي عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال لا تشريق ولا جمعة إلا في مصر جامع وكذلك رواه الثوري عن زبيد موقوفا انتهى
[ 286 ]
قال البيهقي والزيلعي وابن حجر لم يثبت حديث علي مرفوعا وأما موقوفا فيصح وقال ابن الهمام في شرح الهداية وكفى بعلي قدوة وإماما انتهى وهذا ليس بشئ لأن للاجتهاد فيه مسرحا فلا تقوم به الحجة وقد عارضه عمل عمر وعثمان وعبد الله بن عمروأبي هريرة ورجال من الصحابة رضي الله عنهم وهذه الآثار مطابقة لإطلاق الآية الكريمة والأحاديث النبوية فهي أحرى بالقبول ولذا قال الحافظ بن حجر فلما اختلف الصحابة وجب الرجوع إلى المرفوع قلت هذا هو المتعين ولا يحل سواه وأيضا لا يدرى ما حد المصر الجامع أهي القرى العظام أم غير ذلك فإن قال قائل بل هي القرى العظام قيل له فقد جمع الناس في القرى التي بين مكة والمدينة على عهد السلف وبالربذة على عهد عثمان كما ذكره البيهقي في المعرفة وإنما رأينا الجمعة وضعت عن المسافر والنساء وأما أهل القرى فلم توضع عنهم قال في التعليق المغنى وحاصل الكلام أن أداء الجمعة كما هو فرض عين في الأمصار فهكذا في القرى من غير فرق بينهما ولا ينبغي لمن يريد اتباع السنة أن يترك العمل على ظاهر آية القرآن والأحاديث الصحاح الثابتة بأثر موقوف ليس علينا حجة على صورة المخالفة للنصوص الظاهرة وأما أداء الظهر بعد أداء الجمعة على سبيل الاحتياط فبدعة محدثة فاعلها آثم بلا مرية فإن هذا إحداث في الدين والله أعلم باب إذا وافق يوم الجمعة فاعل وافق (يوم عيد) مفعوله (قال صلى العيد) في يوم الجمعة (ثم رخص في الجمعة) أي في صلاتها (فقال من شاء أن يصلي) أي الجمعة (فليصل) هذا بيان لقوله رخص وإعلام بأنه كان الترخيص بهذا اللفظ وسيأتي حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه واله وسلم قال قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون وأخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث أبي صالح
[ 287 ]
وفي إسناده بقية وصحح الدارقطني وغيره إرساله والحديث دليل على أن صلاة الجمعة بعد صلاة العيد الدارقطني وغيره إرساله والحديث دليل على صلاة العيد تصير رخصة ولا يجوز فعلها ولا تركها وهو خاص بمن صلى العيد دون من لم يصلها وإلى هذا ذهب جماعة إلا في حق الإمام وثلاثة معه وذهب الشافعي وجماعة إلى أنها لا تصير رخصة مستدلين بأن دليل وجوبها عام لجميع الأيام وما ذكر من الأحاديث والآثار لا يقوى على تخصيصها لما في أسانيدها من المقال قال في السبل قلت حديث زيد بن أرقم قد صححه ابن خزيمة ولم يطعن غيره فيه فهو يصلح للتخصيص فإنه يخص العام بالآحاد انتهى وفي النيل حديث زيد بن أرقم أخرجه أيضا الحاكم وصححه علي بن المديني وفي إسناده إياس ابن أبي رملة وهو مجهول انتهى وذهب عطاء إلى أنه يسقط فرضها عن الجميع لظاهر قوله من شاء أن يصلي فليصل ولفعل ابن الزبير فإنه صلى بهم في يوم عيد صلاة العيد يوم الجمعة قال ثم جئنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا قال وكان ابن عباس في الطائف فلما قدم ذكرنا له ذلك فقال أصاب السنة وفي رواية عن ابن الزبير أنه قال عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعتهما فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر وعلى القول بأن الجمعة الأصل في يومها والظهر بدل فهو يقتضي صحة هذا القول لأنه إذا سقط وجوب الأصل مع إمكان أدائه سقط البدل وظاهر الحديث أيضا حيث رخص لهم في الجمعة ولم يأمرهم بصلاة الظهر مع تقدير إسقاط الجمعة للظهر يدل على ذلك كما قاله الشارح المغربي في شرح بلوغ المراوأيد مذهب ابن الزبير قال في السبل قلت ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة يكون عيدا على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله بل في قول عطاء إنهم صلوا وحدانا أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه ولا يقال إن مراده صلاة الجمعة وحدانا فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعا ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة والظهر بدل عنها قول مرجوح بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الاسراء والجمعة متاخرة فرضها . ثم إذا فاتت وجب الظهر اجماعا فهي البدل عنه . وقد حققناه في رسالة مستقلة انتهى كلام محمد بن إسماعيل الأمير قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه
[ 288 ]
(فقال أصاب السنة) الحديث رجاله رجال الصحيح وحكي عن الشافعي في أحد قوليه وأكثر الفقهاء أنه لا ترخيص لأن دليل وجوبها لم يفصل وأحاديث الباب ترد عليهم وحكي عن الشافعي أيضا أن الترخيص يختص بمن كان خارج المصر واستدل له بقول عثمان من أراد من أهل العوالي أن يصلي معنا الجمعة فليصل ومن أحب أن ينصرف فليفعل ورده بأن قول عثمان لا يخصص قوله صلى الله عليه وسلم قاله الشوكاني قال في رحمة الأمة إذا اتفق يوم عيد يوم جمعة فالأصح عند الشافعي أن الجمعة لا تسقط عن أهل البلد بصلاة العيد وأما من حضر من أهل القرى فالراجح عنده سقوطها عنهم فإذا صلوا العيد جاز لهم أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة وقال أبو حنيفة بوجوب الجمعة على أهل البلد وقال أحمد لا تجب الجمعة لا على أهل البلد بل يسقط فرض الجمعة بصلاة العيد ويصلون الظهر وقال عطاء تسقط الجمعة والظهر معا في ذلك اليوم فلا صلاة بعد العيد إلا العصر انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي من حديث وهب بن كيسان عن ابن عباس نحوه مختصرا (لم يزد عليهما حتى صلى العصر) قال الشوكاني ظاهره أنه لم يصل الظهر وفيه أن الجمعة إذا سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر وإليه ذهب عطاء والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة الأصل وأنت خبير بأن الذي افترض الله تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة فإيجاب صلاة الظهر على من تركها لعذر أو لغير عذر محتاج إلى دليل ولا دليل يصلح للتمسك به على ذلك فيما أعلم انتهى كلامه قلت هذا قول باطل والصحيح ما قاله الأمير اليماني في سبل السلام قال ابن تيمية في المنتقى بعد أن ساق الرواية المتقدمة عن ابن الزبير قلت إنما وجه هذا أنه رأى تقدمة الجمعة قبل الزوال فقدمها واجتزأ بها عن العيد انتهى
[ 289 ]
(وإنا مجمعون) قال الخطابي في إسناد حديث أبي هريرة مقال ويشبه أن يكون معناه لو صح أن يكون المراد بقوله فمن شاء أجزأه من الجمعة أي عن حضور الجمعة ولا يسقط عنه الظهر وأما صنيع ابن الزبير فإنه لا يجوز عندي أن يحمل إلا على مذهب من يرى تقديم الصلاة قبل الزوال وقد روي ذلك عن ابن مسعود وروي عن ابن عباس أنه بلغه فعل ابن الزبير فقال أصاب السنة وقال عطاء كل عيد حين يمتد الضحى الجمعة والأضحى والفطر وحكى إسحاق بن منصور عن أحمد بن حنبل أنه قيل له الجمعة قبل الزوال أو بعد الزوال قال إن صليت قبل الزوال فلا أعيبه وكذلك قال ابن إسحاق فعلى هذا يشبه أن يكون ابن الزبير صلى الركعتين على أنهما جمعة وجعل العيدين في معنى التبع لها والله أعلم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده بقية ابن الوليد وفيه مقال (قال عمر) بن حفص (عن شعبة) بصيغة عن وأما محمد بن المصفي فقال حدثنا شعبة باب ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة (مخول) على وزن محمد على الأشهر (كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة إلخ) قال النووي فيه دليل في استحبابهما في صبح الجمعة وأنه لا تكره قراءة آية السجدة في الصلاة ولا السجود وكره مالك وآخرون ذلك وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المروية من طرق عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم انتهى وفي كتاب الشريعة لابن أبي داود من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال غدوت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في صلاة الفجر فقرأ سورة فيها سجدة فسجد الحديث وفي إسناده من ينظر في حاله وللطبراني
[ 290 ]
في الصغير من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة لكن في إسناده ضعف قاله الحافظ قال العراقي قد فعله عمر بن الخطاب وعثمان وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير وهو قول الشافعي وأحمد وقد اختلف القائلون باستحباب قراءة الم تنزيل السجدة في يوم الجمعة هل للامام أن يقرأ بدلها سورة أخرى فيها سجدة فيسجد فيها أو يمتنع ذلك فروى ابن أبي شيبة في المصنف عن إبراهيم النخعي قال كان يستحب أن يقرأ يوم الجمعة بسورة فيها سجدة وروى أيضا عن ابن عباس وقال ابن سيرين لا أعلم به بأسا قال النووي في الروضة من زوائده لو أراد أن يقرأ آية أو آيتين فيهما سجدة لغرض السجود فقط لم أر فيه كلاما لأصحابنا قال وفي كراهته خلاف للسلف (وزاد في صلاة الجمعة بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون) قال النووي فيه استحباب قراءتهما بكماليهما فقال فيهما وهو مذهب آخرين قال العلماء والحكمة في قراءة الجمعة اشتمالها على وجوب الجمعة وغير ذلك من أحكامها وغير ذلك مما فيها من الفوائد والحث على التوكل والذكر وغير ذلك وقراءة سورة المنافقين لتوبيخ حاضريها منهم وتنبيههم على التوبة وغير ذلك مما فيها من القواعد لأنهم ما كانوا يجتمعون في مجلس أكثر من اجتماعهم فيها قال المنذري وأخرجه ومسلم والنسائي بتمامه وأخرج الترمذي قصة الفجر خاصة وأخرجه أيضا ابن ماجه باب اللبس للجمعة (رأى حلة سيراء) في فتح الباري بكسر المهملة وفتح التحتانية ثم راء ثم مد أي حرير قال ابن قرقول ضبطناه عن المتقنين بالإضافة كما يقال ثوب خز وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل قال الخطابي يقال حلة سيراء كناقة عشراء ووجهه ابن التين فقال يريد أن عشراء مأخوذ من عشرة أكملت الناقة عشرة أشهر فسميت عشراء كذلك الحلة سميت سيراء
[ 291 ]
لأنها مأخوذة من السيور لما فيها من الخطوط التي تشبه السيور وعطارد صاحب الحلة هو ابن حاجب التميمي انتهى (إنما يلبس هذه) أي حلة الحرير (من لا خلاق له) أي من لا حظ له ولا نصيب له من الخير (في الآخرة) كلمة من يدل على العموم فيشمل الذكور والإناث لكن الحديث مخصوص بالرجال لقيام دلائل أخر على إباحة الحرير للنساء (منها) أي من جنس الحلة السيراء (وقد قلت في حلة عطارد) بضم المهملة وكسر الراء وهو ابن حاجب بن زرارة التميمي قدم في وفد بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم وله صحبة (ما قلت) من أنه إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة (إني لم أكسكها لتلبسها) بل لتنتفع بها في غير ذلك وفيه دليل على أنه يقال كساء إذا أعطاه كسوة لبسها أم لا فباعه بألفي درهم لكنه يشكل بما هنا من قوله (فكساها عمر أخا له) من أمه عثمان بن حكيم قاله المنذري أو هو أخو أخيه زيد بن الخطاب لأمه أسماء بنت وهب قاله الدمياطي أو كان أخاه من الرضاعة وانتصاب أخا على أنه مفعول ثان لكسا أي يقال كسوته جبة فيتعدى إلى مفعولين وقوله في محل نصب صفة لقوله أخا كائنا له وكذا قوله (مشركا بمكة) نصب صفة بعد صفة واختلف في إسلامه فإن قلت الصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ومقتضاه تحريم لبس الحرير عليهم فكيف كساها عمر أخاه المشرك أجيب بأنه يقال كساء إذا أعطاه كسوة لبسها أم لا كما مر فهو إنما أهداها له لينتفع بها ولا يلزم منه لبسها قاله القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (استبرق) هو ما غلظ من الديباج (ابتع) أي اشترها (تجمل) أي تتزين (للوفود) جمع وفد وهم القوم يجتمعون ويردون البلاد وكذلك الذين يقصدون الأمراء
[ 292 ]
(ما على أحدكم) قال في المرقاة قيل ما موصولة وقال الطيبي ما بمعنى ليس واسمه محذوف وعلى أحدكم خبره وقوله (إن وجد) أي سعة يقدر بها على تحصيل زائد على ملبوس مهنته وهذه شرطية معترضة وقوله (أن يتخذ) متعلق بالاسم المحذوف معمول له ويجوز أن يتعلق علي بالمحذوف والخبر أن يتخذ كقوله تعالى ليس على الأعمى حرج إلى قوله أن تأكلوا من بيوتكم والمعنى ليس على أحد حرج أي نقص يخل بزهده في أن يتخذ (ثوبين ليوم الجمعة) أي يلبسهما فيه وفي أمثاله من العيد وغيره وفيه أن ذلك ليس من شيم المتقين لولا تعظيم الجمعة ومراعاة شعار الاسلام (سوى ثوني مهنته) بفتح الميم ويكسر أي بذلته وخدمته أي غير الثوبين اللذين معه في سائر الأيام في الفائق روى بكسر الميم وفتحها والكسر عند الإثبات خطأ وقال الأصمعي بالفتح الخدمة ولا يقال بالكسر وكأن القياس لو جئ بالكسر أن يكون كالجلسة والخدمة إلا أنه جاء على فعلة يقال مهنت ثنا القوم أمهنهم به أي ابتذلهم هذا في الخدمة ذكره الطيبي واقتصر في النهاية على الفتح أيضا لكن قال في القاموس المهنة بالكسر والفتح والحديث يدل على استحباب لبس الثياب الحسنة يوم الجمعة وتخصيصه بملبوس غير ملبوس سائر الأيام قلت والحديث مرسل لأن محمد بن يحيى بن حبان بفتح المهملة وتشديد الموحدة من صغار التابعين (قال عمرو) بن الحارث (وأخبرني) أي كما أخبرني يحيى ابن سعيد الأنصاري (ابن أبي حبيب) هو يزيد بن أبي حبيب كما في رواية ابن ماجه والرواية الآتية (عن ابن حبان) هو محمد بن يحيى بن حبان كما عند ابن ماجه (عن ابن سلام) هو عبد الله بن سلام كما عند ابن ماجه من هذا الوجه (عن يوسف بن عبد الله بن سلام) قال الحافظ في الإصابة رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير وحفظ عنه وذكر البخاري أن ليوسف صحبة ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه أن له روية وكلام البخاري أصح وقال البغوي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ابن سعد في الطبقة الخامسة من الصحابة وذكره جماعة في الصحابة
[ 293 ]
انتهى وأخرج ابن ماجه بقوله حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة حدثنا شيخ لنا عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن يحيى بن حبان عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم قال المزي هذا الشيخ هو محمد بن عمر الواقدي وحاصل الكلام أن الحديث اختلف في إسناده من وجوه الأول الاختلاف على يحيى بن سعيد الأنصاري فروى عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن يحيى بن حبان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا كما عند المؤلف وروى يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة مرفوعا قاله ابن عبد البر في التمهيد قال الحافظ وفي إسناده نظر وأخرجه مالك بلاغا الثاني الاختلاف على يزيد بن أبي حبيب فروى عمرو بن الحارث عن يزيد عن موسى عن ابن حبان عن ابن سلام كما عند المؤلف وهكذا عند ابن ماجه وهذا لفظه حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر يوم الجمعة فذكر الحديث فجعله من مسندات عبد الله بن سلام وروى يحيى بن أيوب عن يزيد عن موسى عن يوسف بن عبد الله بن سلام فجعله من مسندات يوسف بن عبد الله بن سلام لا ابنه يوسف والله أعلم كذا في غاية المقصود باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة (وأن ينشد فيه شعر) قال الترمذي عقب روايته وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير حديث رخصة في إنشاد الشعر في المسجد قال العراقي في شرحه ويجمع بين أحاديث النهي وبين أحاديث الرخصة فيه بوجهين أحدهما أن يحمل النهي على التنزيه وتحمل الرخصة على بيان الجواز والثاني أن يحمل أحاديث الرخصة على الشعر الحسن المأذون فيه كهجاء المشركين
[ 294 ]
ومدح النبي صلى الله عليه وسلم والحث على الزهد ومكارم الأخلاق ويحمل النهي على التفاخر والهجاء والزور وصفة الخمر ونحو ذلك (ونهى عن التحلق) الحلقة والاجتماع للعلم والمذاكرة قال الخطابي إنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم والمذاكرة وأمر أن يشتغل بالصلاة وينصت للخطبة والذكر فإذا فرغ منها كان الاجتماع والتحلق بعد ذلك وقال الطحاوي النهي عن التحلق في المسجد قبل الصلاة إذا عم المسجد وغلبه فهو مكروه وغير ذلك لا بأس به وقال العراقي وحمله أصحابنا والجمهور على بابه لأنه ربما قطع الصفوف مع كونهم مأمورين يوم الجمعة بالتكبير والتراص في الصفوف الأول فالأول قاله السيوطي قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن وقد تقدم الكلام على اختلاف الأئمة في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب باب اتخاذ المنبر (القاري) بالقاف والراء المخففة وياء النسبة نسبة إلى قارة وهي قبيلة وإنما قيل له القرشي لأنه حليف بني زهرة كذا في عمدة القاري (أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي واسمه سلمة الأعرج (أن رجالا) قال الحافظ بن حجر لم أقف على أسمائهم (وقد امتروا) جملة حالية أي تجادلوا أو شكوا من المماراة وهي المجادلة قال الراغب الامتراء والممارة المجادلة ومنه فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا وقال الكرماني من الامتراء وهو الشك (في المنبر) أي منبر النبي (مم عوده) أي من أي شئ هو (فسألوه) أي سهل بن سعد (عن ذلك) الممترى ثم فيه (مما هو) بثبوت ألف ما الاستفهامية المجرورة على الأصل وهو قليل وهي قراءة عبد الله وأبي في عم يتساءلون والجمهور بالحذف وهو المشهور وإنما أتى بالقسم مؤكدا بالجملة الاسمية وبإن التي للتحقيق وبلام التأكيد في الخبر لإرادة التأكيد فيما قاله للسامع (ولقد رأيته) أي المنبر (أول) أي في أول (يوم وضع) موضعه هو زيادة على السؤال كقوله (وأول يوم) أي في أول يوم وفائدة هذه الزيادة المؤكدة باللام وقد إعلامهم بقوة معرفته بما سألوه عنه ثم شرح
[ 295 ]
الجواب بقوله أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة امرأة بعدم الصرف في فلانة للتأنيث والعلمية ولا يعرف اسم المرأة وقيل فكيهة بنت عبيد بن دليم أو علاثة بالعين المهملة وبالمثلثة وقيل انه تصحيف فلانة أو هي عائشة فقال لها (قد سماها سهل) أخرج قاسم بن أصبغ وأبو سعد في شرف المصطفى من طريق يحيى بن بكير عن ابن لهيعة حدثني عمارة بن غزية عن عباس بن سهل عن أبيه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة فلما كثر الناس قيل له لو كنت جعلت منبرا وكان بالمدينة نجار واحد يقال ميمون فذكر الحديث (أن مري) أصله أومري رسول على أفعلى فاجتمعت همزتان فثقلتا ولا فحذفت الثانية واستغنى عن همزة الوصل فصار مري على وزن علي لأن المحذوف فاء الفعل (غلامك النجار) بالنصب صفة لغلام (أجلس) بالرفع أي أنا أجلس أو بالجزم جواب للأمر والغلام اسمه ميمون كما عند قاسم بن أصبغ أو إبراهيم كما في الأوسط للطبراني أو باقول بالموحدة والقاف المضمومة كما عند عبد الرزاق أو باقوم بالميم بدل اللام كما عند أبي نعيم في المعرفة أو صباح بضم الصاد كما عند ابن بشكوال أو قبيصة المخزومي مولاهم كما ذكره عمر بن شبة في الصحابة أو كلاب مولى ابن عباس أو تميم الداري كما عند أبي داود والبيهقي أو مبنيا كما ذكره ابن بشكوال أو رومي كما عند الترمذي وابن خزيمة وصححاه ويحتمل أن يكون المراد به تميما الداري لأنه كان كثير السفر إلى أرض الروم وأشبه الأقوال بالصواب أنه ميمون ولا اعتداد بالأخرى لوهائها وحمله بعضهم على أن الجميع اشتركوا في عمله وعورض بقوله في كثير من الروايات ولم يكن بالمدينة إلا نجار واحد وأجيب باحتمال أن المراد بالواحد الماهر في صناعته والبقية أعوان له كذا في الفتح والإرشاد (فأمرته) أي أمرت المرأة غلامها أن يعمل (فعملها) أي الأعواد (من طرفاء الغابة) بفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وبعد الراء فاء ممدودة شجر من شجر البادية وفي منتهى الارب طرفاء جمع طرفة بالتحريك بالفارسية درخت كز انتهى والغابة بالغين المعجمة وبالموحدة موضع من عوالي المدينة من جهة الشام (ثم جاء) الغلام (بها) بعد أن عملها (فأرسلته) أي المرأة (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) تعلمه بأنه فرغ منها (فأمر بها) عليه الصلاة والسلام (فوضعت) أنث لإرادة الأعواد والدرجات ففي رواية مسلم من طريق عبد العزيز بن أبي حازم
[ 296 ]
فعمل له هذه الدرجات الثلاث (صلى عليها) أي على الأعواد المعمولة منبرا ليراه من قد تخفى عليه رؤيته إذا صلى على الأرض (وكبر عليها) زاد في رواية سفيان عن أبي حازم عند البخاري فقرأ (ثم ركع وهو عليها) جملة حالية زاد سفيان أيضا ثم رفع رأسه (ثم نزل القهقرى) أي رجع إلى خلفه محافظة على استقبال القبلة (فسجد في أصل المنبر) أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه (ثم عاد) إلى المنبر وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على المنبر فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة (فلما فرغ) من الصلاة (أقبل على الناس) بوجهه الشريف (فقال) عليه الصلاة والسلام مبينا لأصحابه رضي الله عنهم حكمة ذلك (يا أيها الناس إنما صنعت ذلك لتأتموا ولتعلموا صلاتي) بكسر اللام وفتح المثناة الفوقية والعين أي لتتعلموا فحذفت إحدى التاءين تخفيفا وفيه جواز العمل اليسير في الصلاة وكذا الكثير إن تفرق وجواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل وارتفاع الإمام على المأمومين وشروع الخطبة على المنبر لكل خطيب واتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه كذا ذكره القسطلاني في إرشاد الساري قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (لما بدن) قال أبو عبيد روي بالتخفيف وإنما هو بالتشديد أي كبر وأسن وبالتخفيف من البدانة وهي كثرة اللحم ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمينا (أو يحمل عظامك) كناية عن القعود عليه وأو للشك من الراوي بين لفظ يجمع أو يحمل (مرقاتين) بفتح أفصح من كسرها أي ذا درجتين والحديث أخرجه أيضا الحسن بن سفيان والبيهقي من طريق عبد العزيز بن أبي داود هذه قال الحافظ في الفتح وإسناده جيد وروى ابن سعد في الطبقات من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب وهو مستند
[ 297 ]
إلى جذع فقال إن القيام قد شق علي فقال له تميم الداري ألا أعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام فشاور النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين في ذلك فرأوا أن يتخذه فقال العباس بن عبد المطلب إن لي غلاما يقال له كلاب أعم لا لناس فقال مره أن يعمل الحديث قال الحافظ رجاله ثقات إلا الواقدي قال وليس في حديث ابن عمر هذا التصريح بأن الذي اتخذ المنبر تميم الداري بل قد تبين من رواية ابن سعد أن تميما لم يعمله وأشبه الأقوال بالصواب قول من قال هو ميمون انتهى فإن قلت قد ثبت في حديث سهل بن سعد من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عند مسلم أن أعواد المنبر كانت ثلاث درجات وكذا عند ابن ماجه من حديث الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع إذا كان المسجد عريشا وكان يخطب إلى ذلك الجذع فقال رجل من أصحابه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك أن تجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة وتسمع الناس يوم الجمعة خطبتك قال نعم فصنع له ثلاث درجات الحديث وفي حديث ابن عمر هذا اتخله منبرا درجتين فكيف التوفيق بينهما قلت إن المنبر لم يزل على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله والذي قال مرقاتين لم يعتبر الدرجة التي كان يجلس عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن نجار وغيره استمر على ذلك إلا ما أصلح منه إلى أن احترق مسجد المدينة سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق قاله العيني والله أعلم باب موضع المنبر أين يكون في المسجد فثبت أن يكون عند جدار القبلة (كان بين منبر رسول الله) ورواه الإسماعيلي من طريق أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد بلفظ كان المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بينه وبين حائط القبلة إلا قدر ما يمر العنز ولفظ مسلم من طريق حماد بن مسعدة عن يزيد عن سلمة قال وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة
[ 298 ]
ولفظ البخاري حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال كان جدار المسجد عند المنبر ما كادت الشاة تجوزها (وبين الحائط) أي جدار القبلة (كقدر ممر الشاة) وهو موضع مرورها فكان النبي صلى الله عليه وسلم وبين الجدار نظير مسافة ما بين المنبر والجدار وهذه المسافة بين المنبر وجدار القبلة كقدر مر الشاة وقد تقدم في باب الدنو من السترة من حديث سهل بن سعد قال كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر العنز ولفظ الشيخين قال كان بين مصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة كذا في غاية المقصود باب الصلاة من السنن والنوافل تجوز (يوم الجمعة) وقت استواء الشمس (قبل الزوال) ولا يجوز ذلك في غير يوم الجمعة (إن جهنم تسجر) بصيغة المجهول من باب نصر أي توقد قال الخطابي قوله تسجر جهنم وبين قرني الشيطان وأمثالها من الألفاظ الشرعية التي أكثرها ينفرد الشارع بمعانيها ويجب علينا التصديق بها والوقوف عند الإقرار بصحتها والعمل بموجبها كذا في النهاية (إلا يوم الجمعة) فإنها لا تسجر فتجوز الصلاة يوم الجمعة وقت استواء الشمس قبل الزوال (هو مرسل) قال المنذري وأبو الخليل صالح بن أبي مريم ضبعي بصري ثقة احتج به البخاري ومسلم انتهى وأخرج البيهقي في المعرفة من طريق سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة ومن طريق أبي نضرة العبدي أنه حدثه عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة الدوسي صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ثم ساق رواية أبي قتادة وقال بعد ذلك هذا مرسل أبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة ورواية أبي
[ 299 ]
هريرة وأبي سعيد في إسنادهما من لا يحتج به ولكنها إذا انضمت إلى رواية أبي قتادة أخذت بعض القوة وروينا الرخصة في ذلك عن طاوس ومكحول انتهى مختصرا قال الحافظ بن القيم في زاد المعاد في خصائص يوم الجمعة الحادي عشر أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي ومن وافقه وهو اختيار شيخنا ابن تيمية وحديث أبي قتادة قال أبداود هو مرسل والمرسل إذا اتصل به عمل وعضده قياس أو قول صحابي أو كان مرسله معروفا باختيار الشيوخ ورغبته عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين ونحو ذلك مما يقتضي قوته عمل به انتهى ملخصا قال صاحب الإمام وقوى الشافعي ذلك بما رواه عن ثعلبة بن أبي مالك عن عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة قال الحافظ بن حجر كراهة الصلاة نصف النهار هو مذهب الأئمة الثلاثة والجمهور وخالف مالك فقال وما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون يصلون نصف النهار قال ابن عبد البر وقد روى مالك حديث الصنابحي ولفظه ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها وفي اخره ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات فأما أنه لم يصح عنده وإما أنه رده بالعمل الذي ذكره وقد استثنى الشافعي ومن وافقه من ذلك يوم الجمعة انتهى كذا في أعلام أهل العصر وأما صلاة الجمعة قبل الزوال فأخرج الدارقطني في سننه من طريق ثابت بن الحجاج الكلابي عن عبد الله بن سيدان السلمي قال شهدت يوم الجمعة مع أبي بكر وكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار ثم شهدتها مع عمر وكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره قال في التعليق المغني الحديث رواته كلهم ثقات إلا عبد الله بن سندان وقيل سيدان قال البخاري لا يتابع على حديثه وقال أبو القاسم اللالكائي مجهول وقال ابن عدي شبه المجهول والحديث أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وأبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له وابن أبي شيبة من رواية عبد الله بن سيدان قال الحافظ في الفتح رجاله ثقات إلا عبد الله بن سيدان فإنه تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة وروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن سلمة قال صلى بنا عبد الله يعني ابن مسعود الجمعة ضحى وقال خشيت عليكم الحر وعبد الله بن سلمة صدوق إلا أنه ممن تغير لما كبر قاله شعبة وغيره وأخرج أيضا من طريق سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية الجمعة ضحى وسعيد ذكره ابن
[ 300 ]
عدي في الضعفاء وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي رزين قال كنا نصلي مع علي الجمعة فأحيانا نجد فيأ وأحيانا لا نجد كذا في الفتح وقال ابن تيمية في المنتقى حديث عبد الله بن سيدان أخرجه الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله قال وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعيد بن زيد ومعاوية أنهم صلوها قبل الزوال انتهى وهذه الروايات استدل بها من ذهب إلى جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وإن كان بعد الزوال أفضل وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية قال النووي قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق فجواز ما قبل الزوال انتهى وقد أغرب أبو بكر بن العربي فنقل الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس إلا ما نقل عن أحمد أنه إن صلاها قبل الزوال أجزأ قال الحافظ وقد نقد ابن قدامة وغيره عن جماعة من السلف مثل قول أحمد انتهى وقال الشيخ العابد الزاهد عبد القادر الجيلاني في غنية الطالبين ووقتها قبل الزوال في الوقت الذي تقام فيه صلاة العيد انتهى والحاصل أن صلاة الجمعة بعد الزوال ثابتة بالأحاديث الصحيحة الصريحة غير محتمل التأويل وقوية من حيث الدليل وأما قبل الزوال فجائز أيضا والله أعلم باب وقت الجمعة (إذا مالت الشمس) أي زالت الشمس قال الطيبي أي يزيد على الزوال مزيدا يحس ميلانها وفي المرقاة أي مالت إلى الغروب وتزول عن استوائها بعد تحقق الزوال انتهى قال الشيخ العارف عبد القادر الجيلاني في غنية الطالبين فإذا أردت أن تعرف ذلك فقس الظل بأن تنصب عمودا أو تقوم قائما في موضع من الأرض مستويا معتدلا ثم علم على منتهى الظل بأن تخط خطا ثم انظر أينقص أو يزيد فإن رأيته ينقص علمت أن الشمس لم تزل بعد وإن رأيته قائما لا يزيد ولا ينقص فذلك قيامها وهو نصف النهار لا تجوز الصلاة حنيئذ فإذا أخذ الظل
[ 301 ]
في الزيادة فذلك زوال الشمس فقس من حد الزيادة إلى ظل ذلك الشئ الذي قست به طول الظل فإذا بلغ إلى اخر طوله فهو اخر وقت الظهر انتهى وقد أطال رحمه الله كلاما حسنا والحديث فيه إشعار بمواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وقال حسن صحيح (ليس للحيطان فئ) وفي رواية البخاري ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به وفي رواية مسلم وما نجد فيئا نستظل به وعند الشيخين أيضا بلفظ إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفئ فالمراد نفي الظل الذي يستظل به لا نفي أصل الظل ويدل على ذلك قوله ثم نرجع نتتبع الفئ بل فيه التصريح بأنه قد وجد في ذلك الوقت فئ يسير قال النووي إنما كان ذلك لشدة التبكير وقصر حيطانهم انتهى فلا دلالة في ذلك على أنهم كانوا يصلون قبل الزوال نعم يستدل على ذلك بما أخرجه مسلم من طريق حسن بن عياش عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع فنريح نواضحنا قال حسن فقلت لجعفر في أية ساعة تلك قال زوال الشمس ومن طريق سليمان بن بلال عن جعفر عن أبيه أنه سأل جابر بن عبد الله متى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قال كان يصلي ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس يعني النواضح وقالوا وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين ويجلس بينهما يقرأ القران ويذكر الناس كما في مسلم من حديث أم هشام وعند ابن ماجة من حديث أبي بن كعب وعند مسلم من حديث علي وأبي هريرة وابن عباس ولو كانت خطبته بعد الزوال لما انصرف منها إلا وقد صار للحيطان ظل يستظل به والتفصيل في التعليق المغني وفي السبل أجار مالك الخطبة قبل الزوال دون الصلاة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (نقيل ونتغذى بعد الجمعة) من القيلولة قال في النهاية المقيل والقيلولة الاستراحة
[ 302 ]
نصف النهار وإن لم يكن معها نوم انتهى وحكوا عن ابن قتيبة أنه قال لا يسمى غداء ولا قائله بعد الزوال والحديث استدل به من قال بجواز صلاة الجمعة قبل الزوال ووجه الاستدلال به أن الغداء والقيلولة محلهما قبل الزوال وأجاب المانعون أن الحديث ليس فيه دليل على الصلاة قبل الزوال لأنهم في المدينة ومكة لا يقيلون ولا يتغدون إلا بعد صلاة الظهر كما قال تعالى وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسارع بصلاة الجمعة في أول وقت الزوال بخلاف الظهر فقد كان يؤخره بعده حتى يجتمع الناس قاله في السبل قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه مختصرا مطولا باب النداء يوم الجمعة (أن الأذان كان أوله) وفي رواية لأبن خزيمة كان ابتداء النداء الذي ذكره الله تعالى في القران يوم الجمعة وله في روايته كان الأذان على عهد رسول الله وآله وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة وفسر الأذانين بالأذان والإقامة يعني تغليبا (حين يجلس الإمام على المنبر) قال الملهب الحكمة في جعل الأذان في هذا المحل ليعرف الناس جلوس الإمام على المنبر فينصتون له إذا خطب قال الحافظ وفيه نظر لمن عند الطبراني وغيره من طريق ابن إسحاق في هذا الحديث أن بلالا كان يؤذن على باب المسجد فالظاهر أنه كان لمطلق الإعلام لا لخصوص الإنصات نعم لما زيد الأذان الأول كان للاعلام وكان الذي بين يدي الخطيب للانصات (فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس) أي بالمدينة كما هو مصرح به في رواية عند البخاري وكان أمره بذلك بعد مضي مدة من خلافته كما عند أبي نعيم في المستخرج (بالأذان الثالث) في رواية فأعمر عثمان بالنداء الأول وفي رواية التأذين الثاني أمر به عثمان ولا منافاة لأنه سمى ثالثا باعتبار كونه مزيدا وأولا باعتبار كونه فعله مقدما على الأذان والإقامة وثانيا باعتبار الأذان الحقيقي لا الإقامة قال في عمدة القاري الأذان الثالث الذي هو الأول في الوجود لكنه ثالث باعتبار شرعيته باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم
[ 303 ]
الإنكار فصار إجماعا سكوتيا وإنما أطلق الأذان على الإقامة لأنها إعلام كالأذان انتهى (على الزوراء) بفتح وسكون الواو بعدها راء ممدودة قال البخاري هي موضع بسوق المدينة قال الحافظ وهو المعتمد وقال ابن بطال هو حجر كبير عند باب المسجد ورد بما عند ابن خزيمة وابن ماجه عن الزهري أنها دار بالسوق يقال لها الزوراء وعند الطبراني فأمر بالنداء الأول على دار يقال لها الزوراء فكان يؤذن له عليها فإذا جلس على المنبر أذن مؤذنه الأول فإذا نزل أقام الصلاة (فثبت الأمر على ذلك) أي الأذان الثالث الذي هو الأول في الوجود قال في الفتح والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك لكونه كان خليفة مطاع الأمر لكن ذكر الفاكهاني أن أول من أحدث الأذان الأول بمكة الحجاج وبالبصرة زياد قال الحافظ وبلغني أن أهل الغرب الأدنى الآن لا تأذين عندهم سوى مرة وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر قال الأذان الأول يوم الجمعة بدعة فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار ويحتمل أن يريد أنه لم يكن في زمن النبي وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياسا على بقية الصلوات وألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب وأما ما أحدث الناس قبل الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي فهو في بعض البلاد دون بعض واتباع السلف الصالح أولى كذا في الفتح قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (كان يؤذن بين يدي رسول الله) قال في لسان العرب قال الفراء في تفسير قوله تعالى جعلناها نكالا لما بين يديها يعني المسخة جعلت نكالا لما مضى من الذنوب ولما تعمل بعدها ويقال بين يديك كذا لكل شئ أمامك قال الله عز وجل من بين أيديهم ومن خلفهم وقال الزجاج في قوله تعالى ولا بالذي بين يديه أراد بالذي بين يديه الكتب المتقدمة انتهى وقال الخفاجي في عناية الراضي وقيل الذي بين يديه يوم القيامة فيكون بين يديه عبارة عن المستقبل فإنه يراد به ما مضى وقد يراد به ما سيأتي انتهى وقال الجوهري يقال إن بين يدي الساعة أهوالا أي قدامها انتهى وهكذا في القاموس وفي تفسير لباب
[ 304 ]
التأويل للخازن لما بين يديه من مجاز الكلام وذلك أن ما بين يديه فهو أمامه فقيل لكل شئ تقدم على الشئ هو بين يديه لغاية ظهوره واشتهاره قال أبو بكر بن الأنباري اليدان تستعملهما لم العرب في المجاز على معنى التقدمة تقول هذه تكون في الفتن بين يدي الساعة يريدون قبل أن تقوم الساعة تشبيها وتمثيلا بما إذا كانت يدا الإنسان تتقدمانه حدثنا انتهى قال في المدارك ما بين أيدينا أي له ما قدامنا وقال في الجلالين ما بين أيدينا أي أمامنا وهذا الحديث أخرجه أيضا الطبراني من طريق محمد بن إسحاق بلفظ إن بلالا كان يؤذن على باب المسجد والحاصل أن بين يديه يستعمل لكل شئ يكون قدامه وأمامه سواء كان قريبه أو بعيده والمعنى أن بلالا كان يؤذن قدام النبي وأمامه إذا جلس النبي على المنبر يوم الجمعة لكن لا يؤذن قدامه عند المنبر متصلا به كما هو المتعارف الآن في أكثر بلاد الهند إلا ما عصمه الله تعالى لأن هذا ليس موضع الأذان وتفوت منه فائدة الأذان بل كان يؤذن (على باب المسجد) وهذا كالتفسير لما بين يدي لأن بين يدي بمعنى قدام وأمام وهما ظرفان مبهمان قال في القاموس قدام كزنار ضد الوراء والأمام نقيض الوراء كقدام يكون اسما ظرفا انتهى وفسر المبهم من المكان بالجهات الست وهي أمام وخلف ويمين وشمال وفوق وتحت وما في معناه فإن أمام زيد مثلا يتناول جميع ما يقابل وجهه إلى انقطاع الأرض فيكون مبهما قاله الجامي في شرح الكافية وقال بعض محشيه والمبهم هو الذي لا حد ولا نهاية له انتهى فتعين أنه لايراد بقوله بين يديه قدام النبي عند المنبر بل على باب المسجد ويؤيده ما نقل حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر عن مالك ابن انس الإمام أن الأذان بين يدي الإمام ليس من الأمر القديم وقال الزرقاني في شرح المواهب قال الشيخ خليل بن إسحاق في التوضيح شرح كتاب ابن الحاجب واختلف النقل هل كان يؤذن بين يديه عليه الصلاة والسلام أو على المنار الذي نقله أصحابنا أنه كان على المنار نقله عبد الرحمن ابن القاسم عمالك في المجموعة كتاب له ونقل ابن عبد البر في كافيه اسم كتاب له في الفقه عن مالك أن الأذان بين يدي الإمام ليس من الأمر القديم انتهى وقال في المرقاة نقل بعض المالكية عن ابن القاسم عن مالك انه في زمنه صلى الله عليه وسلم لم يكن بين يديه بل على المنارة انتهى وقال الإمام ابن الحاج محمد المالكي في كتاب المدخل إن في أذان الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر أن يكون المؤذن على المنار كذلك كان على عهد النبي وأبي بكر وعمر وصدرا من خلافة عثمان رضي الله عنهم وكان المؤذنون ثلاثة يؤذنون واحدا بعد واحد ثم زاد عثمان بن
[ 305 ]
عفان أذانا آخر بالزوراء وأبقى الأذان الذي كان على عهد رسول الله على المنار والخطيب على المنبر إذ ذاك ثم إنه لما أن تولى هشام بن عبد الملك أخذ الأذان الذي فعله عثمان بالزوراء وجعله على المنار وكان المؤذن واحدا يؤذن عند الزوال ثم نقل الأذان الذي كان على المنار حين صعود الإمام على المنبر على عهد النبي وأبي بكر وعمر وصدرا من خلافة عثمان بين يديه وكانوا يؤذنون ثلاثة فجعلهم يؤذنون جماعة ويستريحون قال علماؤنا وسنة النبي أولى أن تتبع فقد بان أن فعل ذلك في المسجد بين يدي الخطيب بدعة وأن أذانهم جماعة أيضا بدعة أخرى فتسمك ابن بعض الناس بهاتين البدعتين وهما مما أحدثه هشام بن عبد الملك ثم تطاول الأمر على ذلك حتى صار بين الناس كأنه سنة معمول بها انتهى كلامه وما قاله ابن الحاج حسن جدا غير أبي لم أقف على نقل صريح أن المؤذنين كانوا ثلاثة على عهد النبي وكلهم يؤذنون يوم الجمعة واحدا بعد واحد بل سيجئ أنه لم يكن لرسول الله إلا مؤذن واحد بلال والله أعلم ثم قال ابن الحاج فصل في النهي عن الأذان في المسجد إن للأذان ثلاثة مواضع المنار وعلى سطح المسجد وعلى بابه وإذا كان ذلك كذلك فيمنع من الأذان في جوف المسجد لوجوه أحدها أنه لم يكن من فعل من مضى الثاني أن الأذان إنما هو نداء للناس ليأتوا إلى المسجد ومن كان فيه فلا فائدة لندائه لأن ذلك تحصيل حاصل ومن كان في بيته فإنه لا يسمعه من المسجد غالبا وإذا كان الأذان في المسجد على هذه الصفة فلا فائدة له وما ليس فيه فائدة تمنع وقال في فصل موضع الأذان ومن السنة الماضية أن يؤذن المؤذن على المنار فإن تعذر ذلك فعلى سطح المسجد فإن تعذر ذلك فعلى بابه وكان المنار عند السلف بناء يبنونه على سطح المسجد انتهى فإن قلت قال صاحب الهداية وإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يدي المنبر بذلك جرى التوارث ولم يكن على عهد رسول الله إلا هذا الأذان انتهى وقال العلامة العيني في البناية شرح الهداية في تفسير التوارث يعني هكذا فعل النبي والأئمة من بعده إلى يومنا هذا ولفظ التوارث إنما يستعمل في أمر خطر وشرف يقال توارث المجد كابرا عن كابر أي كبيرا عن كبير في القدر والشرف وقيل هي حكاية العدل عن العدل انتهى قلت هذه المذكورة عبارة الهداية وهكذا في عامة كتب الحنفية لا اختلاف بينهم ومعنى هذا الكلام أن الخطيب إذا جلس على المنبر أذن المؤذن أمام الخطيب ومستقبله عند
[ 306 ]
المنبر ولا يبعد المؤذن عن المنبر بحيث يكون على المنارة أو المأذنة أو على باب المسجد أو على السطح ويكون المؤذن قريبا من الخطيب عند المنبر جرى التوارث وأنت خبير أن الفقيه الإمام برهان الدين مؤلف الهداية من الأئمة الكبار لكن لا يقبل منه دعوى التوارث على ذلك إلا بنقل صريح إلى النبي ولم يثبت قط فيما أعلم بل تبطل دعوى التوارث ما نقله ابن عبد البر عن مالك الإمام كما تقدم وما وقع في تفسير جويبر عن الضحاك عن برد بن سنان عن مكحول عن معاذ أن عمر أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس الجمعة خارجا من المسجد حتى يسمع الناس وأمر أن يؤذن بين يديه كما كان في عهد النبي وأبي بكر ثم قال عمر نحن ابتدعناه لكثرة المسلمين فضعيف جدا قال الحافظ وهذا الأثر منقطع بين مكحول ومعاذ ولا يثبت لأن معاذا كان خرج من المدينة إلى الشام في أول ما غزوا الشام واستمر إلى أن مات بالشام في طاعون عمواس وقد تواردت الروايات أن عثمان هو الذي زاده فهو المعتمد انتهى وجويبر بن سعيد المفسر صاحب الضحاك متروك الحديث قاله النسائي والدارقطني وغيرهما وقال ابن معين ليس بشئ وقال الجوزجاني لا يشتغل به وضحاك بن مزاحم ضعفه يحيى بن سعيد ووثقه الأكثرون واعلم أن أذان يوم الجمعة الذي ذكره الله تعالى هو الأذان حين صعود الإمام على المنبر لما أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده من حديث السائب كان النداء الذي ذكره الله في القرآن يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر في عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وحتى خلافة عثمان فلما كثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء وعند ابن خزيمة في صحيحه من رواية أبي عامر عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن السائب كان ابتداء النداء الذي ذكره الله تعالى في القرآن يوم الجمعة وكذا أخرجه عبد بن حميد كما في الدر المنثور وحديث أذان الجمعة روي من حديث السائب ابن يزيد وابن عمر وسعيد بن حاطب أما حديث السائب فأخرجه الأئمة الستة إلا مسلما وأيضا أخرجه أحمد وإسحاق بن راهويه في مسندهما وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في السنن والمعرفة والطبراني وابن الجارود في المنتقى ويدور إسناد حديث السائب علي ابن شهاب الزهري وروى عن الزهري سبعة أنفس ابن أبي ذئب وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وعقيل بن خالد ويونس بن يزيد مصانح قوله وسليمان التيمي ومحمد بن إسحاق لكن هؤلاء السبعة غير محمد بن إسحاق ما ذكروا في روايته موضع الأذان وما قالوا لفظ بين يديه ولا غيره من الألفاظ المخبر لتعين المكان نعم ذكروا وقت الأذان وهو حين جلوس الإمام على المنبر وأما محمد بن
[ 307 ]
إسحاق فذكر في روايته موضع الأذان وهو بين يدي رسول الله على باب المسجد وحديث ابن عمر أخرجه الحاكم في المستدرك كان رسول الله إذا خرج يوم الجمعة فقعد على المنبر أذن بلال وفي إسناده مصعب بن سلام ضعفه أبو داود كذا في التلخيص وحديث سعيد بن حاطب أخرجه ابن مندة من طريق الحسن بن صالح الأترجي له عن أبيه عن سعيد بن حاطب قال كان النبي يخرج يجلس على المنبر يوم الجمعة ثم يؤذن المؤذن فإذا فرغ قام يخطب كذا في الإصابة وهكذا في أسد الغابة فليس في الباب أي لتعيين مكان أذان الجمعة غير حديث محمد بن إسحاق ومحمد بن إسحاق بن يسار هذا ثقة حجة ولم يثبت فيه جرح وما نقم عليه إلا التدليس وفي هذه الرواية قد عنعن لكن ثبت سماع محمد بن إسحاق عن الزهري في حديث أذان الجمعة كما أخرج أحمد في مسنده حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني محمد بن مسلم بن عبيدالله الزهري عن السائب بن يزيد بن أخت نمر قال لم يكن لرسول الله إلا مؤذن واحد في الصلوات كلها في الجمعة وغيرها يؤذن ويقيم قال كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله على المنبر يوم الجمعة ويقيم إذا نزل ولأبي بكر وعمر حتى كان عثمان انتهى وقال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد شرح الموطإ بعد سرد الروايات وقال ابن إسحاق في هذا الحديث عن الزهري عن السائب بن يزيد قال كان يؤذن بين يدي رسول الله إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد وأبي بكر وعمر ذكروا أبو داود حدثنا النفيلي عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق ثم ساق حديث يونس الذي تقدم وفي حديث ابن إسحاق هذا مع حديث مالك ويونس ما يدل على أن الأذان كان بين يدي رسول الله إلا أن الأذان الثاني عند باب المسجد والثالث أحدثه عثمان على الزوراء انتهى كلامه فهذا ابن عبد البر قد قيد الأذان الذي يكون بين يدي الإمام أن يكون عند باب المسجد وهذا هو الصحيح ولم يثبت حرف واحد في الأذان مستقبل الإمام محاذيا به عند المنبر كما هو المتعارف الآن فإن قلت من أذن في الباب كيف يكون بين يدي الإمام ومستقبله قلت قد عرفت أن بين يدي بمعنى أمام وهو يتناول جميع ما يقابل وجهه إلى انقطاع الأرض فإذا أذن الرجل في باب المسجد صار أمام الخطيب ومستقبله لأن باب المسجد يكون غالبا مستقبل المنبر وهكذا حال المساجد من خير القرون إلى يومنا هذا أخرج ابن شيبة في المصنف حدثنا عبد الصمد عن المستمر بن الريان قال رأيت أنسا عند الباب الأول يوم الجمعة قد استقبل المنبر هذا ملخص من غاية المقصود والمطالب الرفيعة والله أعلم
[ 308 ]
(إلا مؤذن واحد) فيه أنه قد اشتهر أنه كان للنبي جماعة من المؤذنين منهم بلال وابن أم مكتوم وسعد القرظ وأبو محذورة وأجيب بأنه أراد في الجمعة وفي مسجد المدينة ولم ينقل أن ابن أم مكتوم كان يؤذن يوم الجمعة بل الذي ورد عنه التأذين يوم الجمعة بلال وأبو محذورة جعله مؤذنا بمكة وسعد جعله بقباء (ثم ذكر) محمد بن إسحاق (معناه) أي معنى حديث يونس وأخرج ابن ماجه بتمامه من طريق محمد بن إسحاق ولفظه ما كان لرسول الله إلا مؤذن واحد إذا خرج أذن وإذا نزل أقام والدارقطني وعمر كذلك فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء (وساق) أي صالح الراوي عن ابن شهاب (هذا الحديث) مثل حديث يونس (و) لكن (ليس) حديث صالح (بتمامه) أي ما ساق صالح حديثه بالتمام والكمال كما ساق يونس عن الزهري وأخرج أحمد من طريق يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق أتم من حديث صالح وتقدم آنفا وأخرج أحمد أيضا حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن إدريس وأبو شهاب عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن السائب بن يزيد بن أخت نمر قال ماكان لرسول الله إلا مؤذن واحد يؤذن إذا قعد على المنبر ويقيم إذا نزل وأبو بكر كذلك وعمر كذلك باب الإمام يكلم الرجل في خطبته (لما استوى) أي جلس مستويا على المنبر (قال اجلسوا) قال الطيبي فيه دليل على
[ 309 ]
جواز التكلم في المنبر انتهى وعند الحنفية كلام الخطيب في أثناء الخطبة مكروه إذا لم يكن أمرا بالمعروف (فسمع ذلك) أي أمره صلى الله عليه وسلم بالجلوس (فجلس على باب المسجد) مبادرة إلى الامتثال (فقال تعال) أي ارتفع عن صف النعال إلى مقام الرجال وهلم إلى المسجد وقال الراغب أصله أن يدعى الإنسان إلى مكان مرتفع ثم جعل للدعاء إلى كل مكان وتعلى ذهب صاعدا يقال عليته فتعلى (إنما رواه الناس) والحديث المرسل أخرجه ابن أبي شيبة بقوله حدثنا حفص عن ابن جريج عن عطاء قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الحديث (ومخلد هو شيخ) أي يكتب حديثه وينظر فيه ذكره ابن الصلاح قال المنذري ومخلد هذا الذي أشار إليه هو مخلد بن يزيد الجزري وهو الذي روى هذا الحديث عن ابن جريج عن عطاء ابن أبي رباح عن جابر مرفوعا وقد احتج البخاري ومسلم في صحيحهما بحديث مخلد بن يزيد هذا وقال أحمد بن حنبل كان يهم باب الجلوس إذا صعد المنبر (يخطب خطبتين) أي يوم الجمعة وهذا إجمال وتفصيله (كان يجلس) استئناف مهين وقوله يجلس هو موضع الترجمة والجلوس على المنبر قبل الخطبة سنة وعليه عامة العلماء خلافا لأبي حنيفة كذا قاله ابن بطال وتبعه ابن التين وقالا خالف الحديث انتهى قلت وفي الهداية ما يخالفه وهذه عبارته وإذا صعد الإمام على المنبر جلس انتهى (إذا صعد المنبر) قال العلماء يستحب الخطبة على المنبر وقال بعضهم إلا بمكة فإن
[ 310 ]
الخطبة على منبرها بدعة وإنما السنة أن يخطب على باب الكعبة كما فعله عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة وتبعه على ذلك الخلفاء الراشدون وإنما أحدث ذلك بمكة معاوية رضي الله عنه وفيه أنه فعله وأقره السلف مع اعتراضهم عليه في وقائع أخرى تدل على جوازه كذا في المرقاة (حتى يفرغ أراه) بضم الهمزة (المؤذن) بالنصب على المفعولية لأراه وبالرفع على الفاعلية ليفرغ أي قال الراوي عن ابن عمر أظن ابن عمر قال حتى يفرغ المؤذن كذا قاله بعض العلماء وقال الطيبي أي قال الراوي أظن أن ابن عمر أراد بإطلاق قوله حتى يفرغ تقيده بالمؤذن والمعنى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس على المنبر مقدار ما يفرغ المؤذن من أذانه (ثم يجلس) أي جلسة خفيفة (فلا يتكلم) أي حال جلوسه بغير الذكر أو الدعاء أو القراءة سرا والأولى القراءة لرواية ابن حبان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في جلوسه كتاب الله والأولى قراءة الإخلاص كذا في شرح الطيبي قال المنذري في إسناده العمري وهو عبد الله بن عمر حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وفيه مقال باب الخطبة قائما (كان يخطب قائما) فيه أن القيام حال الخطبة مشروع قال ابن المنذر وهو الذي عليه عمل أهل العلم من علماء الامصار انتهى واختلف في وجوبه فذهب الجمهور إلى الوجوب ونقل عن أبي حنيفة أن القيام سنة وليس بواجب قاله الشوكاني وأخرج ابن أبي شيبه عن طاوس قال لم يكن أبو بكر وعمر يقعدان على المنبر وأول من جلس على المنبر معاوية وروى ابن أبي شيبه عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال إنما خطب معاوية قاعدا حيث كثر شحم بطنه ولحمه وقال الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثني صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أنهم كانوا يخطبون يوم الجمعة خطبتين قياما يفصلون بينهما بالجلوس حتى جلس معاوية في الخطبة الأولى فخطب جالسا وخطب في الثانية قائما قلت إن الثابت بمجرده لا يفيد الوجوب (أكثر من ألفي صلاة) قال النووي المراد الصلوات
[ 311 ]
الخمس لا الجمعة انتهى ولا بد من هذا لأن الجمع التي صلاها صلى الله عليه وآله وسلم من عند افتراض صلاة الجمعة إلى عند موته لا تبلغ المقدار ولا نصفه وقال في فتح الودود ظاهر المقام يفيد أنه أراد صلاة الجمعة فالعدد مشكل إلا أن يراد به الكثرة والمبالغة فإن حمل على مطلق الصلاة فالأمر سهل انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (خطبتان يجلس بينهما) قال النووي فيه دليل لمذهب الشافعي والأكثرين أن خطبة الجمعة لا تصح من القادر على القيام إلا قائما في الخطبتين ولا يصح حتى يجلس بيهنما وأن الجمعة لا تصح إلا بخطتين محمد قال القاضي ذهب عامة العلماء إلى اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة وعن الحسن البصري وأهل الظاهر ورواية ابن الماجشون عن مالك أنها تصح بلا خطبة وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون إلا قائما لمن أطاقه وقال أبو حنيفة يصح قاعدا وليس القيام بواجب وقال مالك هو واجب ولو ترك أساء وصحت الجمعة وقال أبو حنيفة ومالك والجمهور الجلوس بين الخطبتين سنة ليس بواجب ولا شرط ومذهب الشافعي أنه فرض وشرط ومذهب الشافعي أنه فرض وشرط لصحة الخطبة قال الطحاوي لم يقل هذا غير الشافعي دليل الشافعي أنه ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني انتهى كلامه وقال الرافعي واظب النبي صلى الله عليه وسلم على الجلوس بينهما انتهى واستشكل ابن المنذر إيجاب الجلوس بين الخطبتين وقال إن استفيد من فعله فالفعل بمجرده عند الشافعي لا يقتضي الوجوب ولو اقتضاه لوجب الجلوس الأول قبل الخطبة الأولى ولو وجب لم يدل على إبطال الجمعة بتركه (يقرأ القرآن ويذكر الناس) فيه دليل للشافعي في أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقراءة قال الشافعي لا يصح الخطبتان إلا بحمد الله تعالى والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما والوعظ وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين وتجب قراءة آية من القرآن في أحديهما على الأصح ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح وقال مالك وأبو حنيفة والجمهور يكفي من الخطبة ما يقع عليه الاسم وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك في رواية عنه يكفي تحميدة أو تسبيحة أو تهليله وهذا ضعيف لأنه يسمى خطبة ولا يحصل به مقصودها مع مخالفته ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قاله النووي قلت وقوله يذكر الناس فيه دليل صريح على أن الخطبة وعظ وتذكير للناس وأن
[ 312 ]
النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك وأمره بالجلوس وكان يدعو الرجل في خطبته تعال اجلس يا فلان وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته فلا بد للخطيب أن يقرأ القرآن ويعظ به ويأمر وينهى ويبين الأحكام المحتاج إليها فإن كان السامعون أعجميا يترجم بلسانهم فإن أثر التذكير والوعظ في غير بلاد العرب لا يحصل ولا يفيد إلا بالترجمة بلسانهم وحديث جابر هذا هو أدل دليل على جواز ذلك وقال الله تبارك وتعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم الآية قال في جامع البيان أي ليبين لهما أمروا به فيفهموه إلى بلا كلفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم وإن بعث إلى الأحمر والأسود بصرائح الدلائل لكن الأولى أن يكون بلغة من هو فيهم حتى يفهموا ثم ينقلوه ويترجموه انتهى فإن قلت إن كانت الترجمة تجوز في الخطبة فتجوز قراءة ترجمة القرآن أيضا في الصلاة فإن صلى واحد وقرأ ترجمة سورة الفاتحة مثلا مكان الفاتحة صحت صلاته قلت كلا ولا يجوز ذلك في الصلاة قط والقياس على الخطبة قياس مع الفارق لأن الخطبة ليس فيها ألفاظ مخصوصه وأذكار معينة بل إنما هي التذكير كما تقدم والصلاة ليست بتذكير بل إنما هي ذكر وبين التذكير والذكر فرق عظيم ولا بد في الصلاة قراءة القرآن للإمام والمأموم والمنفرد لقوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن فلفظ اقرؤا صيغة أمر يدل على الوجوب ولا يمتثل الأمر إلا بقراءة القرآن بالنظم العربي كما أنزل علينا ووصل إلينا بالنقل التواتر لأن من يقرأ ترجمته في الصلاة لا يطلق عليه قراءة القرآن بل هو خالف الأمر المأمور به فكيف يجوز قراءة ترجمة القرآن في الصلاة بل هو ممنوع وأما الخطبة فهي تذكير فلا بد للخطيب أن يفهم معاني القرآن بعد قراءته ويذكر السامعين بلسانهم وإلا فيفوت مقصود الخطبة هكذا قاله شيخنا العلامة المحدث نذير حسين المحدث الدهلوي كذا في غاية المقصود ملخصا قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه
[ 313 ]
باب الرجل يخطب على قوس (رزيق) بتقديم المهملة على المعجمة (الكل بضم الكاف وفتح اللام ليس له غير هذا الحديث قاله السيوطي (والشأن إذ ذاك دون إلخ) أي الحال يومئذ كانت ضعيفة والحديث فيه مشروعية الاعتماد على سيف أو عصا أو قوس حاالخطبة قيل والحكمة في ذلك الاشتغال عن العبث وفيه أيضا مشروعية اشتمال الخطبة على الحمد لله والوعظ وأما الحمد لله فذهب الجمهور إلى أنه واجب في الخطبة وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم قال المنذري في إسناده شهاب بن خراش أبو الصلت الحوشي قال ابن المبارك ثقة وقال الإمام أحمد وأبو حاتم الرازي لا بأس به وقال يحيى بن معين ليس به بأس وقال ابن حبان كان رجلا صالحا وكان ممن يخطئ كثيرا حتى خرج عن حد الاعتداد به إلا عند الاعتبار (قال أبو علي) محمد اللؤلؤلي أبو تلميذ المؤلف أبي داود (أبا داود) أي المؤلف (قال) أبو داود (ثبتني) من التثبيت أي ذكرني بعد أن غاب عني أو شككت فيه (في شئ منه) من هذا الحديث (بعض أصحابي) هو فاعل ثبتني (وقد كان انقطع) ذلك اللفظ (من القرطاس) أي من قرطاس كتابي فلما ذكرني بعض أصحابي ما غاب بانقطاع ذلك القرطاس والله أعلم
[ 314 ]
(رشد) بفتح الشين المعجمة (ومن يعصهما) فيه جواز التشريك بين ضمير الله تعالى ورسوله ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه واله وسلم بلفظ أن يكون الله تعالى ورسوله أحب إليه مما سواهما وما ثبت أيضا أنه صلى الله عليه واله وسلم أمر مناديا ينادي يوم خيبر إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية وأما ما في صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من حديث عدي بن حاتم أن خطيبا خطب عند النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال من يطع الله تعالى ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال له صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت قل من يعص الله تعالى ورسوله فقد غوى فمحمول على ما قال النووي من أن سبب الإنكار عليه أن الخطبة شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز قال ولهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان إذ تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لتفهم عنه قال وإنما ثنى الضمير في مثل قوله أن يكون الله رسوله أحب إليه مما سواهما لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكل ما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها وإنما يراد الاتعاظ بها ولكنه يرد عليه أنه قد وقع الجمع بين الضميرين منه صلى الله عليه واله وسلم في حديث الباب وهو وارد في الخطبة لا في تعليم الأحكام وقال القاضي عياض وجماعة من العلماء إن النبي صلى الله عليه واله وسلم إنما أنكر على الخطيب تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم ما شاء فلان ويرد على هذا ما قدمنا من جمعه صلى الله عليه وسلم بين ضمير الله وضميره ويمكن أن يقال إن النبي صلى الله عليه واله وسلم إنما أنكر على ذلك الخطيب التشريك لأنه فهم منه اعتقاد التسوية فنبهه على خلاف معتقده وأمره بتقديم اسم الله تعالى على اسم رسوله ليعلم بذلك فساد ما اعتقده قال المنذري في إسناده عمران بن داود أبو العوام القطا البصري قال عفان كان ثقة واستشهد به البخاري وقال يحيى بن معين والنسائي ضعيف الحديث وقال يحيى بن مرة ليس بشئ وقال يزيد بن زريع كان عمران حروريا وكان يرى السيف على أهل القبلة هذا اخر كلامه وداور اخره راء مهملة
[ 315 ]
(فقد غوى) بفتح الواو وكسرها والصواب الفتح كما في شرح مسلم وهو من الغي وهو الانهماك في الشر وقد اختلف أهل العلم في حكم خطبة الجمعة فذهب الشافعي وأبو حنيفة ومالك إلى الوجوب ونسبه القاضي عياض إلى عامة العلماء واستدلوا على الوجوب بما ثبت عنه صلى الله عليه واله وسلم بالأحاديث الصحيحة ثبوتا مستمرا أنه كان يخطب في كل جمعة وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي وذهب الحسن البصري وداود الظاهري والجويني إلى أن الخطبة مندوبة فقط قال الشوكاني وأما الاستدلال للوجوب بحديث أبي هريرة مرفوعا قال كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم رواه أبو داود وفي رواية الخطبة التي ليس فيها شهادة كاليد الجذماء رواه أحمد وبحديثه أيضا عند البيهقي في دلائل النبوة مرفوعا حكاية عن الله تعالى بلفظ وجعلت أمتك لا تجوز له خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي فوهم لأن غاية الأول عدم قبول الخطبة التي لا حمد فيها وغاية الثاني عدم جواز خطبة لا شهادة فيها بأنه صلى الله عليه واله وسلم عبد الله ورسوله والقبول والجواز وعدمها لا ملازمة بينها وبين الوجوب قطعا انتهى قلت والحق مع الجمهور قال المنذري وهذا مرسل (بئس الخطيب) تقدم تفسير هذا الحديث انفا وقد بسط الكلام فيه السيوطي في مرقاة الصعود وكلامه أحسن من كلام النووي يطول الكلام بذكره قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وفيه بئس الخطيب أنت وكذا أخرجه أبو داود في كتاب الأدب
[ 316 ]
(يخطب بها كل جمعة) قال الطيبي إن المراد أول السورة لاجميعها أو لأنه عليه الصلاة والسلام لم يقرأ جميعها في الخطبة انتهى قال القاري وفيه أنه لم يحفظ أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ أولها في كل جمعة وإلا لكانت قراءتها واجبة أو سنة مؤكدة بل الظاهر أنه كان يقرأ في كل جمعة بعضها فحفظت الكل في الكل انتهى وقال ابن حجر المكي قوله يقرؤها أي كلها وحملها على أول السورة صرف للنص عن ظاهره انتهى قلت القول ما قال ابن حجر المكي وما قاله الطيبي هو خلاف الظاهر (وكان تنور) ولفظ مسلم لقد كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا سنتين أو سنة وبعض سنة قال النووي رحمه الله فيه إشارة إلى حفظها ومعرفتها بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وقربها من منزله (عن شعبة قال بنت حارثة) بين المؤلف الاختلاف على شعبة فروى محمد بن جعفر عن شعبة عن خبيب عن عبد الله بن معن عن بنت الحارث بن النعمان وروى روح بن عبادة عشعبة بلفظ بنت حارثة ابن النعمان (وقال ابن إسحاق) في روايته (أم هشام بنت حارثة) وحديث محمد بن إسحاق أخرجه مسلم وأحمد وأبو يعلى واللفظ لمسلم حدثنا عمرو الناقد أخبرنا يعقوب بن إبراهيم أخبرنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان الحديث والحاصل أن محمد بن إسحاق سمي بنت الحارثة بأم هشام وشعبة قد أبهمها وقال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (قصدا وخطبته قصدا) القصد في الشئ هو الاقتصاد فيه وترك التطويل وإنما كانت صلاته صلى الله عليه واله وسلم وخطبته كذلك لئلا يمل الناس والحديث فيه مشروعية إقصار
[ 317 ]
الخطبة ولا خلاف في ذلك واختلف في أقل ما يجزئ على أقوال مبسوطة في كتب الفقه قاله الشوكاني قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (عن أختها) هذا صحيح يحتج به ولا يضر عدم تسميتها لأنها صحابية والصحابة كلهم عدول والظاهر أن أخت عمرة هي أم هشام كما سيجئ (كان يقرؤها في كل جمعة) فيه دليل على مشروعية قراءة سورة في الخطبة كل جمعة قال العلماء وسبب اختياره صلى الله عليه وسلم هذه السورة لما اشتملت عليه من ذكر البعث والموت والمواعظ الشديدة والزواجر الأكيدة وفيه دلالة لقراءة شئ من القرآن في الخطبة وهي مشروعة في الروعة بلا خلاف واختلفوا في وجوبها والصحيح عندنا وجوبها أقلها اية انتهى (كذا رواه يحيى بن أيوب) أي كما روى سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد بلفظ عن عمرة عن أختها (و) أي وروى (ابن أبي الرجال) هو عبد الرحمن بن أبي الرجال الأنصاري ثقة (عن يحيى بن سعيد عن عمرة) بلفظ (عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان) كما رواه محمد بن إسحاق (عن عمرة عن أخت لعمرة) أخت عمرة هي أم هشام لكن يشكل بأن أم هشام هي بنت حارثة بن النعمان بن نقع بن زيد الأنصاري الخزرجي وعمرة هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري فكيف تكون أختها ويجاب بأن المراد أختها من الرضاعة أو من القرابة البعيدة فلا إشكال ورواية
[ 318 ]
سليمان بن بلال ويحيى بن أيوب أخرجها مسلم أيضا في صحيحه (كانت) أي أخت لعمرة (أكبر منها) من عمرة (بمعناه) أي بمعنى حديث سليمان بن بلال والله أعلم باب رفع اليدين على المنبر ما حكمه وبوب الترمذي باب كراهية رفع الأيدي على المنبر وبوب النسائي بقوله باب الإشارة في الخطبة وبوب أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف باب الرجل يخطب يشير بيده (عمارة) بضم وتخفيف الميم (ابن رويبة) بالتصغير (وهو) أي بشر ابن مروان (يدعو في يوم جمعة) ولفظ مسلم وابن شيبة من طريق عبد الله بن إدريس وأبي عوانة عن حصين عن عمارة بن رويبة قال رأى بشر بن مروان علي المنبر رافعا يديه وكذا أخرجه النسائي من طريق سفيان عن حصين بلفظ رفع يديه يوم الجمعة على المنبر ولفظ الترمذي من طريق هشيم أخبرنا حصين قال سمعت عمارة وبشبن مروان يخطب فرفع يديه في الدعاء ولفظ أحمد في مسنده حدثنا حصين عن عمارة برويبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه يشير بأصبعيه يدعو فقال لعن الله هاتين اليدين ورأيت رسول الله على المنبر يدعو وهو يشير بإصبع قال في المرقاة قوله رافعا يديه أي عند التكلم كما هو دأب الوعاظ إذا جموا يشهد له قوله الآتي وأشار بإصبعه المسبحة قاله الطيبي وقال النووي فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض انتهى وفي المصنف لابن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة عن سماك بن حرب قال قلت له كيف كان يخطب النعمان قال كان يلمع بيديه قال وكان الضحاك ابن قيس إذا خطب ضم يده على فيه حدثنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أذن الإمام يوم الجمعة أن يشير
[ 319 ]
بيده حدثنا ابن المهدي عن سفيان عن خالد عن ابن سيرين قال كانوا يستأذنون الإمام وهو على المنبر فلما كان زياد وكثر ذلك قال من وضع يده على أنفه فهو إذنه انتهى قلت وهل المراد في حديث عمارة بالرفع المذكور رفع اليدين عند الدعاء على المنبر أو المراد رفع اليدين لا وقت الدعاء بل عند التكلم كما هو دأب الوعاظ والقصاص أنهم يحركون أيديهم يمينا وشمالا ينبهون السامعين على الاستماع فحديث عمارة يدور إسناده على حصين بن عبد الرحمن ورواته اختلفوا عليه فرواية عبد الله بن إدريس وأبي عوانة وسفيان كلهم عن حصين تدل على المعنى الثاني ولذا بوب النسائي باب الإشارة في الخطبة وبوب ابن أبي شيبة الرجل يخطب يشير بيده وهكذا فهم الطيبي ورواية هشيم وزائدة وابن فضيل كلهم عن حصين تدل على المعنى الأول وهكذا فهم النووي وأما ترجمة المؤلف وكذا الترمذي فمتحمل) لمعنيين وعندي للمعنى الثاني ترجيح من وجهين الأول أن أبا عوانة الوضاح وسفيان الثوري وعبد الله بن إدريس أوثق وأثبت من هشيم بن بشير ومحمد بن فضيل وإن كان زائدة بن قدامة مثل هؤلاء الثلاثة في الحفظ فتعارض رواية هؤلاء الثلاثة الحفاظ برواية زائدة بن قدامة والعدد الكثير أولى بالحفظ والثاني أن قوله الآتي لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ما يزيد على هذه يعني السبابة التي تلي الإبهام يؤيد هذا المعنى الأخير لأن رفع اليدين في الدعاء ليس مأثورا بهذه الصفة بل أراد الراوي أن رفع اليدين كلتيهما لتخاطب السامعين ليس من دأب النبي صلى الله عليه وسلم بل إنما يشير النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه السبابة انتهى مختصرا من غاية المقصود (قبح الله هاتين اليدين) دعاء عليه أو إخبار عن قبح صنعه نحو قوله تعالى تبت يدا أبي لهب (وهو على المنبر) قال في القاموس نبر الشئ رفعه ومنه المنبر بكسر الميم (ما يزيد على هذه) ولفظ مسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بأصبعه المسبحة ولفظ النسائي ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا وأشار بأصبعه السبابة قال الطيبي والمعنى أي يشير عند التكلم في الخطبة بأصبعه يخاطب الناس وينبههم على الاستماع قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي
[ 320 ]
(عن ابن أبي ذباب) اسمه حارث بن عبد الرحمن (شاهرا يديه) أي مظهرا رافعا يديه حيث يظهر بياض إبطيه أو نحوه وكأنه أراد المبالغة وإلا فالرفع معلوم عند الدعاء (ولا غيره) أي المنبر فلم يكن من دأبه صلى الله عليه وسلم أن يرفع يديه إلى هذا الحد (يقول هكذا) أي يشير هكذا (وأشار بالسبابة) كأنه يرفعها عند التشهد وهذا الحديث وقع جوابا وكأن سائلا سأل سهل ابن سعد هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على المنبر شاهرا يديه فأجاب سهل بأنه ما رأيت ذلك يفعله بالوصف المذكور إنما رأيته يشير وقت الموعظة بالسبابة ويعقد الوسطى بالإبهام كأنه يرفعها عند التشهد والله أعلم وقال المنذري في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق القرشي المدني ويقال له عباد بن إسحاق وعبد الرحمن بن معاوية وفيهما مقال باب إقصار الخطب (بإقصار الخطب) إنما إقصار الخطبة علامة من فقه الرجل لأن الفقيه هو المطلع على جوامع الألفاظ فيتمكن بذلك من التعبير باللفظ المختصر على المعاني الكثيرة قال المنذري أبو راشد هذا سمع عمارا لم يسهم ولم ينسب (لا يطيل الموعظة يوم الجمعة) قال في النيل الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري
[ 321 ]
وهو من رواية شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن سماك ورجال إسناده ثقات وفيه أن الوعظ في الخطبة مشروع وأن إقصار الخطبة أولى بن إطالتها باب الدنو من الإمام عند الموعظة (وجدت في كتاب أبي) قال البيهقي في السنن الكبرى كذا رواه أبو داود عن علي بن المديني وهو الصحيح وقد أخبرناه عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر ابن محمد بن حمدان الصيرفي حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي أخبرنا معاذ ابن هشام حدثني أبي عن قتادة فذكره قاله البيهقي ولا أظنه إلا وهما في ذكر سماع معاذ عن أبيه هو أو شيخه فأما إسماعيل القاضي فهو أجل من ذلك انتهى (جندب) بفتح الدال وضمها (احضروا الذكر) أي الخطبة المشتملة على ذكر الله وتذكير الأنام (وادنوا) أي اقربوا قدر ما أمكن (من الإمام) يعني إذا لم يكن هناك مانع من الدنو (فإن الرجل لا يزال يتباعد) أي عن مواطن الخيرات بلا عذر (حتى يؤخر الجنة) أي في دخولها أو درجاتها قال الطيبي أي لا يزال الرجل يتباعد عن استماع الخطبة وعن الصف الأول الذي هو مقام المقربين حتى يؤخر إلى اخر صف المتسلقين وفيه توهين أمر المتأخرين وتسفيه رأيهم حيث وضعوا أنفسهم من أعالي الأمور إلى أسافلها (وإن دخلها) فيه تعريض بأن الداخل قنع من الجنة ومن الدرجات العالية والمقامات الرفيعة بمجرد الدخول كذا في المرقاة وفي النيل الحديث قال المنذري في إسناده انقطاع وهو يدل على مشروعية حضور الخطبة والدنو من الإمام لما في الأحاديث من الحض على ذلك والترغيب إليه وفيه أن التأخر عن يوم الجمعة من أسباب التأخر عن دخول الجنة جعلنا الله تعالى من المتقدمين في دخولها
[ 322 ]
باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث (يعثران) من العثرة وهي الزلة من باب نصر (فنزل) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر (ثم قال صدق الله) الخ فيه جواز الكلام في الخطبة للأمر يحدث وما قال بعض الفقهاء إذا تكلم أعاد الخطبة فهو باطل قال الخطابي والسنة أولى ما اتبع (ثم أخذ في الخطبة) أي شرع قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد هذا اخر كلامه والحسين بن واقد هو أبو قاضي مرو ثقة احتج به مسلم في صحيحه باب الاحتباء والإمام يخطب (نهي عن الحبوة) هي أن يقيم الجالس ركبتيه ويقيم رجليه إلى بطنه يجمعهما به مع ظهره ويشد عليهما ويكون إليتاه على الأرض وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب يقال احتبى احتباء والاسم الحبوة بالضم والكسر معا والجمع حبي وحبي بالضم والكسر قال الخطابي وإنما نهي عن الاحتباء في ذلك الوقت لأنه يجلب النوم ويعرض طهارته للانتقاض
[ 323 ]
وقد ورد النهي عن الاحتباء مطلقا غير مقيد بحال الخطبة ولا بيوم الجمعة لأنه مظنة لانكشاف عورة من كان عليه ثوب واحد وقد اختلف العلماء في كراهية الاحتباء يوم الجمعة فقال بالكراهة قوم من أهل العلم كما قاله الترمذي منهم عبادة بن نسي قال العراقي وورد عن مكحول وعطاء والحسن أنهم كانوا يكرهون أن يحتبوا والإمام يخطب يوم الجمعة رواه ابن أبي شيبة في المصنف قال ولكنه قد اختلف عن الثلاثة فنقل عنهم القول بالكراهة ونقل عنهم عدمها وذهب أكثر أهل العلم كما قال العراقي إلى عدم الكراهة قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن هذا آخر كلامه وسهل بن معاذكنيته أبو أنس جهني مصري ضعفه يحيى بن معين وتكلم فيه غيره وأبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون مولى بني ليث مصري أيضا ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به (جل من) أي أكثر وفي النيل والأثر الذي رواه يعلى بن شداد عن الصحابة سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده سليمان بن عبد الله بن الزبرقان وفيه لين وقد وثقه ابن حبان (كان ابن عمر) أثر ابن عمر وصله ابن أبي شيبة في المصنف حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحتبئ والإمام يخطب ثم ساق بسندين آخرين عن ابن عمر (و) كذا (أنس بن مالك) الصحابي (وشريح) القاضي مخضرم وقيل له صحبة (وصعصعة بن صوحان) تابعي كبير مخضرم قال كل واحد منهم (لا بأس بها) أي بالحبوة وأخرج ابن أبي شيبة حدثنا الضحاك بن مخلد عن سالم الخياط قال رأيت الحسن ومحمدا وعكرمة بن خالد المخزومي وعمرو بن دينار وأبا الزبير وعطاء يحتبون يوم الجمعة والإمام يخطب (ولم يبلغني أن أحدا) من الصحابة والتابعين وأتباعهم (كرهها) أي الحبوة (إلا
[ 324 ]
عبادة بن نسي) الشامي من التابعين لكن أخرج ابن أبي شيبة في المصنف حدثنا محمد بن مصعب عن الأوزاعي عن مكحول وعطاء والحسن أنهم كانوا يكرهون أن يحتبوا والإمام يخطب يوم الجمعة والحاصل أن حديث النهي لم يثبت عند المؤلف أو ثبت لكن ثبت عنده نسخه بفعل جماعة من الصحابة منهم أنس بن مالك الذي روى حديث النهي والله أعلم باب الكلام والإمام يخطب (إذا قلت) أي لصاحبك كما في رواية (أنصت) من الإيصات أبي بمعنى السكوت مقول القول (والإمام يخطب) جملة حالية مشعرة بأن إبتداء الإنصات من الشروع في الخطبة خلافا لمن قال بخروج الإمام نعم الأحسن الإنصات (فقد لغوت) قال النووي ومعنى فقد لغوت أي قلت اللغو وهو الكلام الملغي الساقط الباطل المردود وقيل معناه قلت غير الصواب وقيل تكلمت بما لا ينبغي ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة ونبه بهذا على ما سواه لأنه إذا قال أنصت وهو في الأصل أمر بمعروف وسماه لغوا فغيره من الكلام أولى وإنما طريقه إذا أراد به نهي غيره عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فهمه فإن تعذر فهمه فلينهه (بكلام مختصر ولا يزيد على أقل ممكن واختلف العلماء في الكلام هل هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه وهما قولان الشافعي قال القاضي قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء يجب الإنصات للخطبة وحكى عن النخعي والشعبي وبعض السلف أنه لا يجب إلا إذا تلي فيها القرآن قال واختلفوا إذا لم يسمع الإمام هل يلزمه الإنصات كما لو سمعه فقال الجمهور يلزمه وقال النخعي وأحمد وأحد قولي الشافعي لا يلزمه وفي قوله صلى الله عليه وسلم والإمام يخطب دليل على أن وجوب الإنصات والنهي عن الكلام إنما هو في حال الخطبة وهذا مذهب الشافعي ومذهب مالك والجمهور وقال أبو حنيفة يجب الإنصات بخروج الإمام قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (يحضر الجمعة ثلاثة نفر) أي اتصفوا بأوصاف ثلاثة (فرجل) كذا في بعض النسخ بالفاء
[ 325 ]
وفي بعضها رجل بحذفها والفاء تفصيليه لأن التقسيم حاصر فإن حاضري الجمعة ثلاثة فمن رجل لاغ مؤذ يتخطى رقاب الناس فحظه من الحضور اللغو والأذى ومن ثان طالب حظه غير مؤذ فليس عليه ولا له إلا أن يتفضل الله بكرمه فيسعف مطلوبه ومن ثالث طالب رضا الله عنه متحر احترام الخلق فهو هو ذكره الطيبي (حضرها يلغو) حال من الفاعل (وهو) اللغو (حظه) أي حظ ذلك الرجل (منها) أي من حضورها قال ابن حجر المكي أي لا حظ له كامل لأن اللغو يمنع كمال ثواب الجمعة ويجوز أن يراد باللغو ما يشمل التخطي والإيذاء بدليل نفيه عن الثالث أي فذلك الأذى حظه (ورجل حضرها يدعو) أي مشتغلا به حال الخطبة حتى منعه ذلك من أصل سماعه أو كماله أخذا من قوله في الثالث بإنصات وسكوت (إن شاء أعطاه) أي مدعاه لسعة حلمه وكرمه (وإن شاء منعه) عقابا على ما أساء به من اشتغاله بالدعاء عن سماع الخطبة فإنه لا يجوز (ورجل حضرها بإنصات) أي مقترنا بسكوت مع استماع (وسكوت) أي مجرد فالأول إذا كان قريبا والثاني إذا كان بعيدا وهو يؤيد قول محمد بن أبي سلمة وابن الهمام من الأئمة الحنفية ويحتمل أن الإنصات والسكوت بمعنى وجمع بينهما للتأكيد ومحله إذا سمع الخطبة ففي النهاية الإنصات أن يسكت سكوت مستمع وفي القاموس أنصت سكت وأنصت له سكت له واستمع لحديثه وأنصته أسكته انتهى فيجوز حمله على المتعدي بأنه يسكت الناس بالإشارة فإن التأسيس أولى من التأكيد قال ابن حجر المكي بإنصات للخطيب وسكوت عن اللغو (ولم يتخط رقبة مسلم) أي لم يتجاوز عنها (ولم يؤذ أحدا) أي بنوع آخر من الأذى كالإقامة من مكانه أو القعود على بعض أعضائه أو على سجادته بغير رضاه أو بنحو رائحة ثوم أو بصل (فهي) أي جمعته الشاملة للخطبة والصلاة والأوصاف المذكورة (كفارة) أي له قاله الطيبي أي لذنوبه من حين انصرافه (إلى الجمعة التي) أي إلى مثل تلك الساعة من الجمعة التي (تليها) أي تقر بها وهو التي قبلها على ما ورد منصوصا (وزيادة ثلاثة أيام) بالجر عطف على الجمعة (وذلك) أي ما ذكر من كفارة ما بين الجمعتين من السبعة وزيادة ثلاثة (بأن الله تعالى عز وجل يقول) أي بسبب مطابقة قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر
[ 326 ]
أمثالها) فإنه لما قام بتعظيم هذا اليوم فقد جاء بحسنة تكفر ذنبه في ذلك الوقت وتتعدى الكفارة إلى الأيام الماضية بحكم أقل التضاعف في الحسنة والحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة في صحيحه قاله علي القاري قال المنذري قد تقدم الكلام على عمرو بن شعيب باب استئذان المحدث للإمام (فليأخذ بأنفه) قال الخطابي إنما أمره أن يأخذ بأنفه ليوهم القوم أن به رعافا وفي هذا الباب من الأخذ بالأدب في ستر العورة وإخفاء القبيح والتورية بما هو أحسن وليس يدخل في باب الرياء والكذب وإنما هو من التجمل واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس كذا في مرقاة الصعود قال الحافظ الإمام البيهقي في المعرفة باب استئذان من حديث إمامه في الخروج روينا عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أنه قال إذا أحدث أحدكم يوم الجمعة فليمسك على أنفه ثم ليخرج هكذا رواه الثوري وغيره عن هشام مرسلا وقد حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد الأصبهاني الحافظ حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحدث أحدكم وهو في الصلاة فليأخذ على أنفه فلينصرف وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا محمد بن إسماعيل بن الفضل السوائي حدثنا جدي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا الفضل بن موسى فذكره غير أنه قال في صلاته فليأخذ على أنفه فلينصرف فليتوضأ تابعه ابن جريج وعمر بن علي عن هشام في وصله وفيه دلالة على أن ليس عليه أن يستأذن الإمام يوم الجمعة إذا أراد أن يخرج وأن قول الله عز وجل وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه خاص في الحرب ونحوها انتهى كلامه قال المنذري وذكر أن حماد بن سلمة وأبا أسامة رويا نحوه مرسلا وأخرجه ابن ماجه
[ 327 ]
باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب (أن رجلا جاء) هو سليك بضم السين كما في الرواية الآتية وزاد مسلم عن الليث عن أبي الزبير عن جابر فقعد سليك قبل أن يصلي (فقال) له صلى الله عليه وسلم (أصليت) بهمزة الاستفهام (قال قم فاركع) والحديث فيه دليل على أن تحية المسجد تصلى حال الخطبة وقد ذهب إلى هذا طائفة من الفقهاء والمحدثين ويخففهما ليفرغ لسماع الخطبة وذهب جماعة من السلف إلى عدم شرعيتهما حال الخطبة والحديث هذا حجة عليهم وقد تأولوه بأحد عشر تأويلا كلها مردودة سردها الحافظ في فتح الباري بردودها واستدلوا بقوله تعالى فاستمعوا له وأنصتوا ولا دليل في ذلك لأن هذا خاص وذلك عام ولأن الخطبة ليست قرآنا ولأنه صلى الله عليه وسلم نهى الرجل أن يقول لصاحبه والخطيب يخطب أنصت وهو أمر بمعروف وجوابه أن هذا أمر الشارع وهذا أمر الشارع فلا تعارض بين أمريه بل القاعد ينصت والداخل يركع التحية كذا في السبل وقال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (سليك) بضم السين وفتح اللام (الغطفاني) بفتحات (صل ركعتين) حملهما الشافعية على تحية المسجد فإنها واجبة عندهم وكذا عند أحمد وعند الحنفية لما لم تجب في غير وقت الخطبة لم تجب فيه بطريق الأولى وهو مذهب مالك وسفيان الثوري كذا قال النووي قال المنذري وأخرجه مسلم من حديث جابر فقط وأخرجه ابن ماجه بالإسنادين
[ 328 ]
(فليصل ركعتين) فيه أن داخل المسجد حال الخطبة يقتصر على ركعتين قال في المنتقى ومفهومه يمنع من تجاوز الركعتين بمجرد خروج الإمام وإن لم يتكلم (يتجوز فيهما) فيه دلالة على مشروعية التخفيف لتلك الصلاة ليتفرغ لسماع الخطبة ولا خلاف في ذلك بين القائلين بأنها تشرع صلاة التحية حال الخطبة وقال النووي هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب استحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويكره الجلوس قبل أن يصليها وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة وحكي هذا المذهب أيضا عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين قال القاضي وقال مالك والليث وأبو حنيفة والثوري وجمهور السلف من الصحابة والتابعين لا يصليهما وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وحجتهم الأمر بالإنصات للامام وتأولوا هذه الأحاديث أنه كان عريانا فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا عليه وهذا تأويل باطل يرده صريح قوله صلى الله عليه وسلم إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما وهذا نص لا يتطرف إليه التأويل ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ صحيحا فيخالفه وفي هذه الأحاديث أيضا جواز الكلام في الخطبة لحاجة وفيها جوازه للخطيب وغيره وفيها الأمر بالمعروف والإرشاد إلى المصالح في كل حال وموطن وفيها أن تحية المسجد ركعتان وأن نوافل النهار ركعتان وأن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس في حق جاهل حكمها وقد أطلق الشافعية فواتها بالجلوس وهو محمول على العالم بأنها سنة أما الجاهل فيتداركها على قرب لهذا الحديث والمستنبط من هذه الأحاديث أن تحية المسجد لا تترك في أوقات النهي عن الصلاة وأنها ذات سبب تباح في كل وقت ويلحق بها كل ذوات الأسباب كقضاء الفائتة ونحوها لأنها لو سقطت في حال لكان هذا الحال أولى بها فإنه مأمور باستماع الخطبة فلما ترك لها استماع الخطبة وقطع النبي صلى الله عليه وسلم لها الخطبة وأمره بها بعد أن قعد وكان هذا الجالس جاهلا حكمها دل على تأكدها وأنها لا تترك بحال ولا في وقت من الأوقات والله أعلم انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم
[ 329 ]
باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة (يتخطى رقاب الناس) قد فرق النووي بين التخطي والتفريق بين الاثنين وجعل ابن قدامة في المغني التخطي هو التفريق قال العراقي والظاهر الأول لأن التفريق يحصل بالجلوس بينهما وإن لم يتخط وقد اختلف أهل العلم في حكم التخطي يوم الجمعة فقال الترمذي حاكيا عن أهل العلم إنهم كرهوا تخطي الرقاب يوم الجمعة وشددوا في ذلك وحكى أبو حامد في تعليقه عن الشافعي التصريح بالتحريم وقال النووي في زوائد الروضة إن المختار تحريمه للاحاديث الصحيحة واقتصر أصحاب أحمد على الكراهة فقط وروى العراقي عن كعب الأحبار أنه قال لأن أدع الجمعة أحب إلى من أن أتخطى الرقاب وقال ابن المسيب لأن أصلي الجمعة بالحرة أحب إلى من التخطي وروى عن أبي هريرة نحوه ولا يصح عنه لأنه من رواية صالح مولى التوأمة عنه قال العراقي وقد استثنى من التحريم أو الكراهة الإمام أو من كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي وهكذا أطلق النووي في الروضة وقيد ذلك في شرح المهذب فقال إذا لم يجد طريقا إلى المنبر أو المحراب إلا بالتخطي لم يكره لأنه ضرورة وروى نحو ذلك عن الشافعي وحديث عقبة بن الحارث المروي في صحيح البخاري قال صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم الحديث يدل على جواز التخطي للحاجة في غير الجمعة فمن خصص الكراهة بصلاة الجمعة فلا معارضة بينهما عنده ومن عمم الكراهة لوجود علة التأذي فهو محتاج إلى الاعتذار عنه وقد خص الكراهة بعضهم بغير من يتبرك الناس بمروره ويسرهم ذلك ولا يتأذون لزوال علة الكراهة التي هي التأذي قاله الشوكاني قال المنذري وأخرجه النسائي وأبو الزاهرية اسمه حدير بن كريب حميري ويقال حضرمي شامي أخرج له مسلم
[ 330 ]
باب الرجل ينعس والإمام يخطب (إذا نعس أحدكم) لم يرد بذلك جميع اليوم بل المراد به إذا كان في المسجد ينتظر صلاة الجمعة كما ورد في رواية أحمد في مسنده بلفظ إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة وسواء فيه حال الخطبة أو قبلها لكن حال الخطبة أكثر (فليتحول) والحكمة في الأمر بالتحول أن الحركة تذهب النعاس ويحتمل أن الحكمة فيه انتقاله من المكان الذي أصابته فيه الغفلة بنومه وإن كان النائم لا حرج عليه فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قصة نومهم عن صلاة الصبح في الوادي بالانتقال منه وأيضا من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة والنعاس في الصلاة من الشيطان فربما كان الأمر بالتحول لإذهاب ما هو منسوب إلى الشيطان من حيث غفلة الجالس في المسجد عن الذكر أو سماع الخطبة أو ما فيه منفعة كذا ذكره في النيل قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وفيه إذا نعس أحدكم يوم الجمعة باب الإمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر (لا أدري كيف قاله مسلم أولا) ضمير قاله لقوله وهو ابن حازم وقوله أولا بسكون الواو أو عاطفة ولا نافية والظاهر أن يقال لا أدري أقاله مسلم أولا كيف قاله كما لا يخفى وأما هذا الكلام فالظاهر أن يقدر كيف الأمر ثم يجعل قاله إلخ بتقدير همزة الاستفهام لجملة كيف الأمر وبعضهم ضبطوا أولا بتشديد الواو كأن المعنى لا أدري كيف قاله مسلم أول ما حدثني به وهذا بعيد كذا في فتح الودود للسندي ووجد في نسخة الشيخ عبد الله بن سالم بتسكين الواو
[ 331 ]
في الأصل وفي الهامش بدلها أم لكن نبه ابن رسلان بتشديد الواو وهو الذي وافق المقام انتهى وأخرج النسائي بقوله أخبرني محمد بن علي بن ميمون حدثنا الفريابي حدثنا جرير بن حازم عن ثابت البناني عن أنس الحديث ولفظ ابن ماجه حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود حدثنا جرير بن حازم عن ثابت عن أنس الحديث ولفظ الترمذي حدثنا محمد بن بشار أخبرنا أبو داود الطيالسي أخبرنا جرير بن حازم عن ثابت عن أنس الحديث (فيعرض له الرجل) أي فيكلمه الرجل في الحاجة (حتى يقضي حاجته) أي يكلمه صلى الله عليه وسلم كما في رواية فيكلمه الرجل في الحاجة ويكلمه فيه أنه لا بأس بالكلام بعد فراغ الخطيب من الخطبة وأنه لا يحرم ولا يكره ونقله ابن قدامة في المغني عن عطاء وطاوس والزهري وبكر المزني والنخعي ومالك والشافعي وإسحاق ويعقوب ومحمد قال وروي ذلك عن ابن عمر قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جرير بن حازم سمعت محمدا يعني البخاري يقول وهم جرير بن حازم في هذا الحديث وقال وجرير بن حازم ربما يهم في الشئ وهو صدوق وقال الدارقطني تفرد به جرير بن حازم عن ثابت (والحديث ليس بمعروف) وقال الترمذي هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث جرير بن حازم سمعت محمدا يقول وهم جرير بن حازم في هذا الحديث والصحيح ما روى ثابت عن أنس قال أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبي صلى الله عليه وسلم فما زال يكلمه حتى نعس بعض القوم قال محمد والحديث هو هذا قال محمد وهم جرير بن حازم في حديث ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قال محمد ويروي عن حماد بن زيد قال كنا عند ثابت البناني فحدث حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني فوهم جرير فظن أن ثابتا حدثهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه
[ 332 ]
باب من أدرك من الجمعة ركعة (من أدرك ركعة من الصلاة) وفي رواية الشيخين مع الإمام وأخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى ومن فاتته الركعان ما فليصل أربعا (فقد أدرك الصلاة) قال الشافعي أي لم تفته الجمعة صلاها ركعتين قال ابن الملك فيقوم بعد تسليم الإمام ويصلي ركعة أخرى قال الطيبي وهذا مختص بالجمعة والأظهر حمل هذا الحديث على العموم ولا ينافيه ما ورد في خصوص الجمعة في حديث من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى وقال النووي من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة وقوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفي رواية من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر أجمع المسلمون على أن هذا ليس على ظاهره وأنه لا يكون بالركعة مدركا لكل صلاة وتكفيه وتحصل براءته من الصلاة بهذه الركعة بل هو متأول وفيه إضمار تقديره فقد أدرك حكم الصلاة أو وجوبها أو فضلها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه باب ما يقرأ في الجمعة (كان يقرأ في العيدين) أي الفطر والأضحى أي في صلاتهما (ويوم الجمعة) أي في صلاتها (بسبح اسم ربك الأعلى) أي في الركعة الأولى بعد الفاتحة (وهل أتاك حديث الغاشية) أي في الثانية بعدها وكأنه كان يقرأ ما ذكره ابن عباس تارة من قراءة سورة الجمعة
[ 333 ]
والمنافقين كما عند مسلم وما ذكره النعمان تارة وفي سورة سبح والغاشية من التذكير بأحوال الآخرة والوعد والوعيد ما يناسب قراءتهما في تلك الصلاة الجامعة وقد ورد في العيدين أنه كان يقرأ بقاف واقتربت فالسنة أن يقرأ الإمام في صلاة الجمعة في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين أو في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية أو في الأولى بالجمعة وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية قال العراقي والأفضل من هذه الكيفيات قراءة الجمعة في الأولى ثم المنافقين في الثانية كما نص عليه الشافعي فيما رواه عنه الربيع وقد ثبتت الأوجه الثلاثة التي قدمناها فلا وجه لتفضيل بعضها على بعض إلا أن الأحاديث التي فيها لفظ كان مشعرة بأنه فعل ذلك في أيام متعددة وقال أبو حنيفة وأصحابه ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن الحسن البصري أنه يقرأ الإمام بما شاء وقال ابن عيينه إنه يكره أن يتعمد القراءة في الجمعة بما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لئلا يجعل ذلك من سننها وليس منها قال ابن العربي وهو مذهب ابن مسعود وقد قرأ فيها أبو بكر الصديق بالبقرة وحكى ابن عبد البر في الاستذكار عن أبي إسحاق المروزي مثل قول سفيان بن عيينة وحكي عن أبي هريرة مثله وخالفهم جمهور العلماء وممن خالفهم من الصحابة علي وأبو هريرة قال العراقي وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور انتهى مختصرا (وربما اجتمعا) أي العيد والجمعة (فقرأ بهما) أي بهاتين السورتين قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (أن الضحاك) قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه
[ 334 ]
(يقرأ بهما يوم الجمعة) قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى إلخ) وفي رواية مسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية قال النووي فيه استحباب القراءة فيهما بهما وفي الحديث الآخر القراءة في العيد بقاف واقتربت وكلاهما صحيح فكان صلى الله عليه وسلم في وقت يقرأ في الجمعة الجمعة والمنافقين وفي وقت يقرأ في العيد قاف واقتربت ، وفي وقت ، سبح وهل أتاك تم كلامه قال المنذري وأخرجه النسائي باب الرجل يأتم من الائتمام أي يقتدي (بالإمام وبينهما جدار) هل يضر ذلك بالاقتداء أولا والظاهر من حديث الباب أنه لا يضر كما ذهب إليه المالكية والمسألة ذات خلاف شهير ومنهم من فرق بين المسجد وغيره وبوب البخاري بقوله باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة (في حجرته) قال الحافظ ظاهره أن المراد حجرة بيته ويدل عليه ذكر جدار الحجرة في رواية البخاري من طريق عبدة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير الحديث وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي نعيم بلفظ كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه ويحتمل أن المراد الحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير كما في رواية عند الشيخين من حديث أبي سلمة عن عائشة وكذا حديث زيد بن ثابت عند الشيخين ولأبي داود ومحمد بن
[ 335 ]
نصر عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها فإما أن يحمل على التعدد أو على المجاز في الجدار وفي نسبته الحجرة إليها (يأتمون به من وراء الحجرة) مقتضاه أنهم كانوا يصلون بصلاته وهو داخل الحجرة وهم خارجها وأخرج ابن أبي شيبة من طريق صالح مولى التوأمة قال صليت مع أبي هريرة فوق المسجد بصلاة الإمام وصالح فيه ضعف لكن رواه سعيد ابن منصور من وجه الآخر عن أبي هريرة فاعتضد وروى سعيد بن منصور أيضا عن الحسن البصري في الرجل يصلي خلف الإمام أو فوق السطح يأتم به لا بأس بذلك وأخرج ابن أبي شيبة عن معتمر عن ليث بن أبي سليم عن أبي مجلز نحوه وليث ضعيف لكن أخرجه عبد الرزاق عن ابن التيمي وهو معتمر عن أبيه عنه فإن كان مضبوطا فهو إسناد صحيح كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه البخاري بنحوه باب الصلاة بعد الجمعة (في مقامه) أي المقام الذي صلى فيه الجمعة (فدفعه) أي منعه (يطيل الصلاة قبل الجمعة) والحديث يدل على مشروعية الصلاة قبل الجمعة ولم يتمسك المانع من ذلك إلا بحديث النهي عن الصلاة وقت الزوال وهو مع كون عمومه مخصصا بيوم الجمعة ليس فيه ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق وغاية ما فيه المنع في وقت الزوال وهو غير محل النزاع والحاصل أن الصلاة قبل الجمعة مرغب فيها عموما وخصوصا فالدليل على مدعي الكراهة على الإطلاق قاله الشوكاني وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى الجمعة فصلى
[ 336 ]
ما قدر له ثم أنصت الحديث وأخرج ابن ماجه من طريق بقية عن مبشر بن عبيد عن حجاج بن أرطاة عن عطية العوفي عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع من قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شئ منهن وهذا الحديث ضعيف جدا ولا تقوم به الحجة بقية بن الوليد كثير التدليس ومبشر منكر الحديث قال أحمد كان يضع الحديث والحجاج بن ارطاة تركه يحيى القطان وابن مهدي وعطية ضعفه الجمهور قال الشيخ أبو شامة في كتاب الباعث ولعل الحديث انقلب على أحد هؤلاء الضعفاء لعدم ضبطهم واتقانهم فقال قبل الجمعة وإنما هو بعد الجمعة فيكون موافقا لما ثبت في الصحيح انتهى وقال الترمذي وروي عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعون بعدها أربعا وإليه ذهب الثوري وابن المبارك (كان يفعل ذلك) قال أبو شامفي الباعث على إنكار البدع والحوادث أراد بقوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته ولا يصليهما في المسجد وذلك هو المستحب وقد ورد من غير هذا الحديث وأرشد إلى هذا التأويل ما تقدم من الأدلة على أنه لا سنة للجمعة قبلها وأما إطالة ابن عمر الصلاة قبل الجمعة فذلك منه ومن أمثاله تطوعا من عند أنفسهم لأنهم كانوا يبكرون إلى حضور الجمعة فيشتغلون بالصلاة وكذا المراد من صلاة ابن مسعود رضي الله عنه قبل الجمعة أربعا أنه كان يفعل ذلك تطوعا إلى خروج الإمام فمن أين لكم أنه كان يعتقد أنها سنة الجمعة وقد جاء عن غيره من الصحابة أكثر من ذلك قال أبو بكر بن المنذر روينا عن ابن عمر أنه كان يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة وعن ابن عباس أنه كان يصلي ثماني ركعات وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع من قبل أنفسهم من غير توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك اختلف العدد المروي عنهم وباب التطوع مفتوح ولعل ذلك كان يقع منهم أو معظمه قبل الأذان ودخول وقت الجمعة لأنهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام وجرت عادة الناس أنهم يصلوبين الأذانين يوم الجمعة متنفلين بركعتين أو أربع ونحو ذلك إلى خروج الإمام وذلك جائز ومباح وليس بمنكر من جهة كونه صلاة وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم ومعظم المتفقهه منهم أن ذلك سنة للجمعة قبلها كما يصلون السنة قبل الظهر وكل ذلك بمعزل عن التحقيق والجمعة لا سنة لها قبلها كالعشاء والمغرب وكذا العصر انتهى كلامه ملخصا قلت حديث ابن عمر الذي نشرحه قال النووي في الخلاصة صحيح على شرط البخاري وقال العراقي في شرح الترمذي إسناده صحيح وقال الحافظ بن الملقن في رسالته
[ 337 ]
إسناده صحيح لا جزم وأخرجه ابن حبان في صحيحه انتهى وأما المشار إليه في قول ابن عمر كان يفعل ذلك فالظاهر ما قاله الشيخ أبو شامة من أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته وقال الحافظ احتج النووي بحديث ابن عمر على إثبات سنة الجمعة التي قبلها وتعقب بأن قوله وكان يفعل ذلك عائد على قوله ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك أخرجه مسلم وأما قوله كان يطيل الصلاة قبل الجمعة فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق وقد ورد الترغيب فيه وورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة انتهى ويؤيد قول الحافظ ما أخرجه الإمام أبو بكر بن أبي شيبه في المصنف حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون عن نافع قال كان ابن عمر يهجر يوم الجمعة فيطيل الصلاة قبل أن يخرج الإمام والله أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي بنحوه وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من وجه الآخر بمعناه (صليت معه الجمعة في المقصورة) قال في المصباح قصرته قصر أحبسته ومنه حور مقصورات في الخيام ومقصورة الدار الحجرة منها ومقصورة المسجد أيضا انتهى قال النووي فيه دليل على جواز اتخاذها في المسجد إذا راها ولي الأمر مصلحة قالوا وأول من علمها معاوية بن أبي سفيان حين ضربه الخارجي قال القاضي واختلفوا في المقصورة فأجازها كثيرون من السلف وصلوا فيها منهم الحسن والقاسم بن محمد وسالم وغيرهم وكرهها ابن عمر والشعبي وأحمد وإسحاق وكان ابن عمر إذا حضرت الصلاة وهو في المقصورة خرج منها إلى المسجد قال القاضي وقيل إنما يصح فيها الجمعة إذا كانت مباحة لكل أحفإن كانت مخصوصة ببعض الناس ممنوعة من غيرهم لم تصح فيها الجمعة لخروجها عن حكم الجامع (لا تعد) من الإعادة (فلا تصلها) بفتح فكسر وسكون اللام المخففة من الوصل أي لا تصل الجمعة بصلاة أخرى (حتى تكلم أو تخرج)
[ 338 ]
فيه دليل على أن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها عن موضع الفريضة إلى موضع اخر وأفضله التحول إلى بيته وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره ليكثر مواضع سجوده ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة وقوله حتى تتكلم على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام أيضا ولكن بالانتقال أفضل قاله النووي قال المنذري وأخرجه مسلم (فصلى الجمعة تقدم) ليفصل بينهما بالمشي واختلاف المكان (فقيل له) أي سألوه عن سبب ذلك وفي النيل وكون ابن عمر بن الخطاب كان يصلي بمكة بعد الجمعة ركعتين ثم أربعا وإذا كان بالمدينة صلى بعدها ركعتين في بيته فقيل له فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فليس في ذلك علم ولا ظن أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل بمكة ذلك وإنما أراد رفع فعله بالمدينة فحسب لأنه لم يصح أنه صلى الجمعة بمكة وعلى تقدير وقوعه بمكة منه فليس ذلك في أكثر الأوقات بل نادرا أو ربما كانت الخصائص في حقه بالتخفيف في بعض الأوقات فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش الحديث فربما لحقه تعب من ذلك فاقتصر على الركعتين في بيته وكان يطيلهما كما ثبت في رواية النسائي وأفضل الصلاة طول القنوت أي القيام فلعلها كانت أطول من أربع خفاف أو متوسطات والحاصل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأمة مختصا بهم بصلاة أربع ركعات بعد الجمعة وأطلق ذلك ولم يقيده بكونها في البيت واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ركعتين كما في حديث ابن عمر لا ينافي مشروعية الأربع لعدم المعارضة بينهما والحديث سكت عنه المؤلف ثم المنذري قال الحافظ العراقي إسناده صحيح (فليصل أربعا) قال في سبل السلام حديث أبي هريرة بلفظ إذا صلى أحدكم الجمعة
[ 339 ]
فليصل بعدها أربعا أخرجه مسلم فيه دليل على شرعية أربع ركعات بعد الجمعة والأمر بها وإن كان ظاهره الوجوب إلا أنه أخرجه عنه ما وقع في لفظه من رواية ابن الصباح من كان مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا أخرجه أبو داود فدل على أن ذلك ليس بواجب والأربع أفضل من الاثنتين لوقوع الأمر بذلك وكثرة فعله لها صلى الله عليه وآله وسلم قال في الهدي النبوي وكان صلى الله عليه واله وسلم إذا صلى الجمعة دخل منزله فصلى ركعتين سنتها وأمر من صلاها أن يصلي بعدها أربعا قال شيخنا ابن تيمية إن صلى في المسجد صلى أربعا وإن صلى في بيته صلى أربعا وإذا صلى في بيته صلى ركعتين وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه صلى عليه وآله وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وتم حديثه) أي حديث محمد بن الصباح عن إسماعيل بن زكريا عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه (وقال ابن يونس) عن زهير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه (إذا صليتم الجمعة الخ) هذه اللفظة في رواية ابن يونس عن زهير وتابع زهيرا على ذلك خالد بن عبد الله وعبد الله بن إدريس كلاهما عن سهيل وروايتهما عند مسلم وأما الجملة من كان مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا هي لفظة محمد بن الصباح عن إسماعيل بن زكريا وتابع إسماعيل على هذه سفيان وجرير كلاهما عن سهيل وروايتهما عند مسلم زاد سفيان في روايته لفظ منكم أي من كان منكم مصليا وباختلاف هذه الجملة يختلف الحكم كما عرفت انفا من كلام الأمير اليماني (قال) أي سهيل (فقال لي أبي) أبو صالح وهذه الزيادة في رواية ابن يونس فقط دون ابن الصباح وفي صحيح مسلم من طريق عبد الله بن إدريس قال سهيل فإن عجل بك شئ فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت (يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته) استدل به على أن سنة الجمعة ركعتان وممن فعل ذلك عمران بن حصين وقد حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد قال العراقي لم يرد الشافعي وأحمد بذلك إلا بيان أقل ما يستحب وإلا فقد استحبا أكثر من ذلك فنص الشافعي في الأم
[ 340 ]
على أنه يصلي بعد الجمعة أربع ركعات ذكره في باب صلاة الجمعة والعيدين ونقل ابن قدامة عن أحمد أنه قال إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين وإن شاء صلى أربعا قاله الشوكاني قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن صحيح وليس في حديث الترمذي في بيته (وكذلك) أي كما رواه سالم عن أبيه ابن عمر (رواه عبد الله بن دينار) العدوي مولى بن عمر (عن ابن عمر) أيضا وهكذا رواه نافع عن ابن عمر أيضا وحديث نافع عند الشيخين وأصحاب السنن (فينماز) انفعال من الميز وهو الفصل أي فينفصل عن المكان الذي صلى فيه ويفارقه قاله السندي وقال في النهاية يماز عن مصلاه أي يتحول عن مقامه الذي صلى فيه واستماز لا رجل من رجل أي انفصل عنه وتباعد وهو استفعل من الميز انتهى (أنفس من ذلك) أي أبعد قليلا من الأول قال في النهاية أي أفسح وأبعد قليلا (قال مرارا) أي رأيت مرارا (رواه عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء بن أبي رباح هذا الحديث ولم يتمه) كما أتم ابن جريج عن عطاء بل اقتصر عبد الملك على بعض الحديث باب في القعود بين الخطبتين هذا الباب مع هذا الحديث وجد في بعض النسخ وتقدم هذا الحديث بهذا الإسناد والمتن في باب الجلوس إذا صعد المنبر وأورد الحديث ههنا ثبات القعود بين الخطبتين وهناك ثبات الجلوس بعد صعود المنبر عند الأذان والله أعلم
[ 341 ]
باب صلاة العيدين قال النووي هي عند الشافعي وجمهور أصحابه وجماهير العلماء سنة مؤكدة وقال أبو سعيد الاصطخري من الشافعية هي فرض كفاية وقال أبو حنيفة هي واجبة فإذا قلنا فرض كفاية فامتنع أهل موضع من إقامتها قوتلوا عليها كسائر فروض الكفاية وإذا قلنا إنها سنة لم يقاتلوا بتركها كسنة الظهر وغيرها وقيل يقاتلون لأنها شعار ظاهر قالوا وسمي عيد العوده وتكرره وقيل لعود السرور فيه وقيل تفاؤلا بعوده على من أدركه كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤلا لقفولها سالمة وهو رجوعها وحقيقتها الراجحة (قدم رسوالله صلى الله عليه وسلم المدينة) أي من مكة بعد الهجرة (ولهم) أي لأهل المدينة (يومان) وهما يوم النيروز ويوم المهرجان كذا قاله الشراح وفي القامو س النيروز أول يوم السنة معرب نوروز والنوروز مشهور وهو أول يوم تتحول الشمس فيه الى برج الحمل وهو أول السنة الشمسية كما أن غرة شهر المحرم أول السنة القمرية وأما المهرجان فالظاهر بحكم مقابلته بالنيروز أن يكون أول يوم الميزان وهميومان معتدلان في الهواء لا حر ولا برد ويستوي فيهما الليل والنهار فكأن الحكماء المتقدمين المتعلقين بالهيئة اختاروهما على للعيد في أيامهم وقلدهم أهل زمانهم لاعتقادهم بكمال عقول حكمائهم فجاء الأنبياء وأبطلوا ما بني عليه الحكماء (في الجاهلية) أي في زمن الجاهلية قبل أيام الإسلام (أبدلكم بهما خيرا) الباء هنا داخلة على المتروك وهو الأفصح أي جعل لكم بدلا عنهما خيرا (منهما) أي في الدنيا والأخرى وخيرا ليست أفعل تفضيل إذ لا خيرية في يوميهما (يوم الأضحى ويوم الفطر) بدل من خيرا أو بيان له
[ 342 ]
وقدم الأضحى فإنه العيد الأكبر قالت الطيبي ونهى عن اللعب والسرور فيهما أي في النيروز والمهرجان وفيه نهاية من اللطف وأمر بالعبادة لأن السرور الحقيقي فيها قال الله تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا قال المظهر فيه دليل على أن تعظيم النيروز والمهرجان وغيرهما أي من أعياد الكفار منهي عنه قال أبو حفص الكبير الحنفي من أهدى في النيروز بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى وأحبط أعماله وقال القاضي أبو المحاسن الحسن بن منصور الحنقي من اشترى فيه شيئا لم يكن يشتريه في غيره أو أهدي فيه هدية إلى غيره فإن أراد بذلك تعظيم اليوم كما يعظمه الكفرة فقد كفر وإن أراد بالشراء التنعم والتنزه وبالإهداء التحاب جريا على العادة لم يكن كفرا لكنه مكروه كراهة التشبيه بالكفرة حينئذ فيحترز عنه قاله علي القاري قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي باب وقت الخروج إلى العيد في أي وقت يستحب (يزيد) بالياء التحتانية والزاي (ابن خمير) بضم المعجمة (فأنكر) عبد الله بن يسر (إبطاء الإمام) أي تأخير الإمام في الخروج إلى المصلي (فقال) عبد الله (قد فرغنا) أي عن صلاة العيد في مثل هذه الساعة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وذلك) أي وكان ذلك الوقت (حين التسبيح) قال السيوطي أي حين يصلي صلاة الضحى وقال القسطلاني أي وقت صلاة السبحة وهي النافلة إذا مضى وقت الكراهة وفي رواية صحيحة للطبراني وذلك حين يسبح الضحى قاله السندي في حاشية ابن ماجه وقال ابن رسلان يشبه أن يكون شاهدا على جواز حذف اسمين مضافين والتقدير وذلك حين وقت صلاة التسبيح كقوله تعالى فإنها من تقوى القلوب أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي القربى القلوب وقوله فقبضت قبضة من أثر الرسول أي من أثر حافر فرس الرسول وقوله حين التسبيح يعني ذلك الحين حين وقت صلاة العيد فدل ذلك
[ 343 ]
على أن صلاة العيد سبحة ذلك اليوم انتهى وحديث عبد الله بن بسر يدل على مشروعية التعجيل لصلاة العيد وكراهة تأخيرها تأخيرا زائدا على الميعاد وحديث عمرو بن حزم عند الشافعي يدل على مشروعية تعجيل الأضحى وتأخير الفطر ولعل الحكمة في ذلك من استحباب الإمساك في صلاة الأضحى حتى يفرغ من الصلاة فإنه ربما كان ترك التعجيل لصلاة الأضحى مما يتأذى به منتظر الصلاة لذلك وأيضا فإنه يعو إلى الاشتغال بالذبح لأضحيته بخلاف عيد الفطر فإنه لا إمساك ولا ذبيحة وأحسن ما ورد من الأحاديث في تعيين وقت صلاة العيدين حديث جندب عند الحافظ أحمد بن حسن البناء في كتاب الأضاحي قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين والأضحى على قيد رمح أورده الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه قال بعض العلماء وهي من بعد انبساط الشمس إلى الزوال ولا أعرف فيه خلافا انتهى قال النووي في الخلاصة حديث عبد الله بن بسر إسناده صحيح على شرط مسلم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه باب خروج النساء في العيد (عن محمد) هو ابن سيرين (أن أم عطية) هي الأنصارية اسمها نسيبة بنت الحارث (أن نخرج ذوات الخدور) قال النووي الخدور البيوت وقيل الخدور ستر يكون في ناحية البيت قال القاضي عياض واختلف السلف في خروجهن للعيدين فرأى جماعة ذلك حقا عليهن منهم أبو بكر وعلي وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم ومنهم من منعهن ذلك منهم عروة والقاسم ويحيى الأنصاري ومالك وأبو يوسف وأجازه أبو حنيفة مرة ومنعه مرة (فالحيض) هو بضم الحاء وتشديد الياء المفتوحة جمع حائض أي البالغات من البنات أو المباشرات بالحيض مع أنهن غير طاهرات (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ليشهدن) أي يحضرن (الخير) وفي رواية الشيخين فيشهدن جماعة المسلمين (ودعوة المسلمين) أي دعاءهم ويكثرن سوادهم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم
[ 344 ]
(تلبسها) من الإلباس (صاحبتها) بالرفع على الفاعلية قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وتعتزل الحيض) أي تتفضل وتقف في موضع منفردات لئلا يؤذين غيرهن بدمهن الله أو ريحهن قال الخطابي أمر جميع النسا بحضور المصلى يوم العيد لتصلى من ليس لها عذر وتصل بركة الدعاء إلى من لها عذر وفيه ترغيب الناس في حضور الصلوات ومجالس الذكر ومقاربة الصلحاء لينالهم بركتهم (ولم يذكر) محمد بن عبيد في روايته (الثوب) قصة الثوب (قال) محمد بن عبيد (وحدث) أي حماد عن أيوب (عن حفصة) بنت سيرين (عن امرأة) لم تعرف اسمها (تحدثه) أي الحديث (عن امرأة أخرى) هي أم عطية قال الحافظ في الفتح رواه أبو داود عن محمد بن عبيد وأبو يعلى الموصلي عن أبي الربيع كلاهما عن حماد عن أيوب عن محمد عن أم عطية وعن أيوب عن حفصة عن امرأة تحدث عن امرأة أخرى وزاد أبو الربيع في رواية حفصة ذكر الجلباب انتهى وهذه المرأة التي لم تعرف اسمها جاء ذكرها في رواية البخاري من طريق عبد الوارث عن أيوب عن حفصة بنت سيرين قلت كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد فجاءت امرأة فنزلت قصر بني خلف فأتيتها فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة فكانت أختها معه في ست غزوات قالت فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى فقالت يارسول الله على إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج فقال لتلبسها صاحبتها من جلبابها قالت حفصة فلما قدمت أم عطية أتيتها فسألتها أسمعت في كذا وكذا قالت نعم الحديث والحاصل أن أيوب حدث حمادا عن محمد عن أم عطية وعن حفصة عن أم عطية أيضا والله أعلم كذا في غاية المقصود (فذكر) محمد بن عبيد (معنى) حديث (موسى) بن إسماعيل (في الثوب) أي في ذكر الثوب من الجلباب وغيره
[ 345 ]
(كنا نؤمر بهذا الخبر) ومسلم ساق الحديث بتمامه ولفظه كنا نؤمر بالخروج في العيدين والمخبأة والبكر قال الحيض يخرجن فيكن خلف الناس (فيكبرن مع الناس) فيه جواز ذكر الله تعالى للحائض والجنب وإنما يحرم عليها القران قال النووي فيه دليل على استحباب التكبير لكل أحد في العيدين وهو مجمع عليه قال العلماء يستحب التكبير ليلقي العيدين وحال الخروج إلى الصلاة قال القاضي التكبير في العيدين أربعة مواطن في السعي إلى الصلاة إلى حين يخرج الإمام والتكبير في الصلاة وفي الخطبة وبعد الصلاة أما الأول فاختلفوا فيه فاستحبه جماعة من الصحابة والسلف فكانوا يكبرون إذا خرجوا حتى يبلغوا المصلى يرفعون أصواتهم وقاله الأوزاعي ومالك والشافعي وزاد استحبابه ليلة العيدين وقال أبو حنيفة رحمه الله يكبر في الخروج للأضحى دون الفطر وخالفه أصحابه فقالوا بقول الجمهور وأما التكبير بتكبير الإمام في الخطبة فمالك يراه وغيره يأباه (فأرسل) النبي صلى الله عليه وسلم (فسلم) عمر بن الخطاب (عليه) على عمر (وأمرنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (والعتق) بضم المهملة وفتح المثناة الفوقية المشددة جمع عاتق قال أهل اللغة وهي الجارية البالغة وقال ابن دريد هي التي قاربت البلوغ قال ابن السكيت هي ما بين أن يبلغ إلى أن تعنس ما لم تتزوج والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بلا زوج حتى تطعن في السن قالوا سميت عاتقا لأنها عتقت من امتهانها في الخدمة والخروج في الحوائج وقيل ما قاربت أن تتزوج فتعتق من قهر أبويها وأهلها وتستقل في بيت زوجها قاله النووي (و) قال النبي صلى الله عليه وسلم بأن (لا جمعة) فرض (علينا) كما هي فرض على الرجال وأخرج ابن خزيمة عن أم عطية بلفظ نهينا عن اتباع الجنائز ولا جمعة علينا وترجم عليه إسقاط الجمعة عن النساء (ونهانا) أي لقلة صبرهن
[ 346 ]
باب الخطبة يوم العيد (وعن قيس بن مسلم) الجدلي أبو عمرو الكوفي أي يروي الأعمش عن إسماعيل بن رجاء ويروي عن قيس بن مسلم فلأعمش قال شيخان ولهما إسنادان (أخرج مروان المنبر) ليخطب عليه وهذا يؤيد على أن مروان أول من فعل ذلك ووقع في المدونة لمالك ورواه عمر بن شبة عن أبي غسان عنه قال أول من خطب الناس في المصلى على منبر عثمان بن عفان قال الحافظ يحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان (فبدأ بالخطبة قبل الصلاة) وقد اعتذر مروان عن فعله لما قال له أبو سعيد غيرتم والله كما في البخاري بقوله إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبلها قال في الفتح وهذا يشعر بأن مروان فعل ذلك باجتهاد منه وقال في موضع آخر لكن قيل إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع الخطبة لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح بعض النا س فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه (فقام رجل) في المبهمات أنه عمارة بن رويبة وقال في الفتح يحتمل أن يكون هو أبا مسعود كما في رواية الرزاق وفي البخاري ومسلم أن أبا مسعود أنكر على مروان أيضا فيمكن أن يكون الإنكار من أبي سعيد وقع في أول الأمر ثم تعقبه الإنكار من الرجل المذكور ويؤيد ذلك ما عند البخاري في حديث أبي سعيد بلفظ فإذا مروان يريد أن يرتقيه يعني المنبر قبل أن يصلي فجبذت بثوبه فجذبني فارتفع فخطب فقلت له غيرتم فقال يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم فقلت ما أعلم والله خير مما لا أعلم وفي مسلم فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة فلما رأيت ذلك منه قلت أين الابتداء بالصلاة فقال لا أبا سعيد قد ترك ما تعلم فقلت كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم ثلاث مرات ثم انصرف والحديث فيه مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد إن استطاع
[ 347 ]
ذلك وإلا فباللسان وإلا فبالقلب وليس وراء ذلك من الإيمان شئ (فقد قضى ما عليه) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (فإن لم يستطع) أي التغير بيده (فبلسانه) أي فينكر بلسانه (فإن لم يستطع) أي الإنكار بلسانه (فبقلبه) أي فينكر بقلبه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فبدأ بالصلاة قبل الخطبة) كما كان دأبه صلى الله عليه وسلم (نزل فأتى النساء) قال القاضي هذا النزول كان في أثناء الخطبه قال النووي وليس كما قال إنما نزل إليهن بعد فراغ خطبة العيد وبعد انقضاء وعظ الرجال كما في حديث جابر هذا وهو صريح في أنه أتاهن بعد فراغ خطبة الرجال وفي هذا الحديث استحباب وعظ النساء وتذكيرهن الآخرة وأحكام الإسلام وحثهن على الصدقة وهذا إذا لم يترتب على ذلك مفسدة وخوف على الواعظ أو الموعوظ وغيرهما ويدل على أن خطبته كانت على شئ عال وفيه أن النساء إذا حضرن صلاة الرجال ومجامعهم يكن بمعزل عنهم خوفا من فتنة أو نظرة أو فكر ونحوه وفيه أن صدقة التطوع لا تفتقر إلى إيجاب وقبول بل تكفي فيها المعاطاة لأنهن ألقين الصدقة في ثوب بلال من غير كلام منهن ولا من بلال ولا من غيره هذا هو الصحيح وقال أكثر أصحابنا العراقيين تفتقر إلى إيجاب وقبول باللفظ كالهبة والصحيح الأول وبه جزم المحققون (وهو يتوكأ على يد بلال) قال الطيبي فيه أن الخطيب ينبغي أن يعتمد على شئ كالقوس والسيف والعنزة والعصا أو يتكئ على إنسان (وبلال باسط ثوبه) معناه أنه بسطه ليجمع الصدقة فيه (قال تلقي المرأة فتختها) هو بفتح الفاء والتاء المثناة فوق وبالخاء المعجمة واحدها فتخة كقصبة وقصب واختلف في
[ 348 ]
تفسيرها ففي صحيح البخاري عن عبد الرزاق قال هي الخواتيم العظام قال الأصمعي هي خواتيم لا فصوص لها وقال ابن السكيت خواتيم يلبس في أصابع اليد وقال ثعلب وقد يكون في أصابع الواحد من الرجال وقال ابن دريد وقد يكون لها فصوص وتجمع أيضا فتخات وأفتاخ وفي هذا الحديث جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها فلا يتوقف ذلك على ثلث مالها هذا مذهبنا ومذهب الجمهور قال مالك لا يجوز الزيادة على ثلث مالها إلا برضاء زوجها (وقال ابن بكر فتخها) بزيادة التاء قال المنذري وأخرجه النسائي (أكبر علم شعبة) أي أغلب ظن شعبة أنه سمع من أيوب هذه الجملة أيضا يعني فأمرهن بالصدقة انتهى (قال) ابن عباس (فظن) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أنه لم يسمع النساء) لبعدهن عنه صلى الله عليه وسلم (فكانت المرأة تلقي القرط) قال ابن دريد كل ما علق من شحمة الأذن فهو قرط سواء كان من ذهب أو خرز (والخاتم) وفيه أربع لغات فتح التاء وكسرها وخاتام وخيتام (فقسمه على فقراء المسلمين) وفيه دليل على أن الصدقات العامة إنما يصرفها في مصارفها الامام . وفي هذه الاحاديث استحباب وعظ النساء وتعليمهن احكام الاسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن واستحباب حثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة بنحوه
[ 349 ]
وأفتاخ وفي هذا الحديث جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها فلا يتوقف ذلك على ثلث مالها هذا مذهبنا ومذهب الجمهور قال مالك لا يجوز الزيادة على ثلث مالها إلا برضاء زوجها (وقال ابن بكر فتخها) بزيادة التاء قال المنذري وأخرجه النسائي (أكبر علم شعبة) أي أغلب ظن شعبة أنه سمع من أيوب هذه الجملة أيضا يعني فأمرهن بالصدقة انتهى (قال) ابن عباس (فظن) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أنه لم يسمع النساء) لبعدهن عنه صلى الله عليه وسلم (فكانت المرأة تلقي القرط) قال ابن دريد كل ما علق من شحمة الأذن فهو قرط سواء كان من ذهب أو خرز (والخاتم) وفيه أربع لغات فتح التاء وكسرها وخاتام وخيتام (فقسمه على فقراء المسلمين) وفيه دليل على أن الصدقات العامة إنما يصرفها في مصارفها الامام . وفي هذه الاحاديث استحباب وعظ النساء وتعليمهن احكام الاسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن واستحباب حثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة بنحوه
[ 349 ]
باب يخطب على قوس (نول يوم العيد قوسا) بواو واحد وكأن أصله بواوين والمناولة هكذا في بعض النسخ وفي بعضها بالواوين والحديث أخرجه أحمد مطولا ولفظه حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة أبو جناب الكلبي حدثني يزيد بن البراء بن عازب عن البراء بن عازب قال كنا جلوسا في المصلى يوم الضحى فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على الناس ثم قال إن أول نسك يومكم هذا الصلاة قال فتقدم فصلى ركعتين ثم سلم ثم استقبل الناس بوجهه وأعطي قوسا أو عصا واتكأ عليه فحمد الله وأثنى عليه الحديث قال في التلخيص وأخرجه الطبراني وصححه ابن السكن . تم - بحمد الله - الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع وأوله باب ترك الاذان في العيد