عون المعبود
العظيم آبادي ج 1
[ 1 ]
عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية المجلد الاول محتوى الجزء الاول : كتاب الطهارة . دار الكتب العلمية بيروت . لبنان
[ 2 ]
الطبعة الثانية 1415 ه . 1995 م .
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم (مقدمة شرح أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي) الحمد لله الذي بنعمة تتم الصالحات ، وصلى الله تعالى على رسوله محمد الذي جعل اتباعه سببا لكفارة السيئات ، وعلى آله وأزواجه وسائر أصحابه الذين نالوا به المنازل الرفيعة والدرجات . أما بعد : فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى أبو عبد الرحمن شرف الحق الشهير بمحمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر الصديقي العظيم آبادي ، غفر الله لهم وستر عيوبهم : إن هذه الفوائد المتفرقة والحواشي النافعة على أحاديث سنن الامام الهمام المجتهد المطلق أبي داود سليمان بن الاشعث السجستاني رضي الله تعالى عنه ، جمعتها من كتب أئمة هذا الشأن رحمهم الله تعالى ، مقتصرا على حل بعض المطالب العالية ، وكشف بعض اللغات المغلقة ، وتراكيب بعض العبارات ، مجتنبا عن الاطالة والتطويل إلا ما شاء الله تعالى ، وسميتها بعون المعبود على سنن أبي داود ، تقبل الله مني ، والمقصود من هذه الحاشية المباركة الوقوف على معنى أحاديث الكتاب فقط ، من غير بحث لترجيح الاحاديث بعضها على بعض إلا على سبيل الايجاز والاختصار ، ومن غير ذكر أدلة المذاهب المتبوعة على وجه الاستيعاب ، إلا في المواضع التي دعت إليها الحاجة ، أعان الله تعالى وتبارك على إتمام هذه الحواشي ، ونفع بها إخواننا أهل العلم وإياي خاصة . وأما الجامع لهذه المهمات المذكورة من الترجيح والتحقيق ، وبيان أدلة المذاهب ، والتحقيقات الشريفة ، وغير ذلك من الفوائد الحديثية في المتون والاسانيد وعللها ، الشرح الكبير لاخينا العلامة الاعظم الاكرم أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي المسمى بغاية المقصود في حل سنن أبي داود ، وفقه الله تعالى لاتمامه
[ 4 ]
كما وفقه لابتدائه ، وهو شرح كبير جليل عظيم الشأن ، وشارحه العلامة صرف همته إلى إتمامه والمشغول فيه بحسب الامكان ، جزاه الله تبارك وتعالى وتقبل منه وجعله خير العقبى ، وإني استفدت كثيرا من هذا الشرح المبارك ، وقد أعانني شارحه في هذه الحاشية في جل من المواضع وأمدني بكثير من المواقع فكيف يكفر شكره والباعث على تأليف هذه الحاشية المباركة أن أخانا الاعظم الامجد أبا الطيب شارح السنن ذكر غير مرة في مجلس العلم والذكر أن شرحي غاية المقصود يطول شرحه إلى غير نهاية ، لا أدري كم تطول المدة في إتمامه ، والله يعينني ، والان لا نرضي بالاختصار ، لكن الحبيب المكرم الشفيق المعظم جامع الفضائل والكمالات ، خادم سنن سيد الكونين الحاج تلطف حسين العظيم آبادي مصر على تأليف الشرح الصغير سوى غاية المقصود ، فكيف أرد كلامه ، فأمرني أخوانا العلامة الاعظم الاكرم أبو الطيب أدام الله مجده لابرام هذا المرام ، فاعتذرت كثيرا ، لكن ما قبل عذري ، وقال : لابد عليك هذا الامر ، وإني أعينك بقدر الامكان والاستطاعة ، فشرعت متوكلا على الله في إتمام هذه الحاشية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أستغفر الله ربي من كل ذنب وأتوب إليه . وأما إسناد هذا الكتاب المبارك مني إلى المؤلف الامام المتقن فمذكور في غاية المقصود شرح سنن أبي داود لا نعيد الكلام بذكره ، غير أن الشيخ العلامة الرحالة السيد محمد ندير حسين المحدث الدهلوي يروي عن أربعة من الائمة سوى الشيخ العلامة محمد إسحاق المحدث الدهلوي رحمهم الله ، كما هو مذكور في المكتوب اللطيف إلى المحدث الشريف لاخينا الاكرم الاعظم أبي الطيب أدام الله مجده فأقول : إني أروي سنن أبي داود وغير ذلك من كتب الحديث عن جماعة من الائمة منهم السيد العلامة محمد نذير حسين المحدث الدهلوي (1) ، وهو يروي عن خمسة من الائمة . (1) قال أخونا الاعظم أبو الطيب محمد شمس الحق في كتابه " نهاية الرسوخ في معجم الشيوخ " : (*) =
[ 5 ]
أولهم : الشيخ المحدث محمد بن إسحاق الدهلوي (1) عن جده من جهة الام ، (هو الامام العلامة الرحالة ملحق الاصاغر بالاكابر السيد محمد نذير حسين المحدث الدهلوي ابن السيد جواد علي ابن السيد عظمت الله ، وينتهي نسبه إلى الامام زين العابدين علي ابن الامام حسين ابن الامام الهمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولد في وطنه سورج كده من مضافات البهار سنة عشرين بعد الالف والمائتين ، وقيل سنة خمس وعشرين بعد الالف والمائتين ، والاول أصح لان بعض الثقات من سكان على نكر الذي (هو) متصل بسورج كده قال إني رأيت مكتوبا على بعض الدفاتر بخط بعض القدماء أن ولادته عام عشرين بعد الالف والمائتين . وهكذا سمعنا من أفواه بعض أقاربنا . انتهى . قال أبو الطيب : وإنما أرخت في غاية المقصود شرح سنن أبي داود سنة خمس وعشرين أو العلامة لما سألته عن عام ولادته أجابني أني لم أحفظه بالتعيين لكن أظن أني ولدت سنة خمس وعشرين أو قبل ذلك بقليل ، وهو من أجل تلامذة الشيخ العلامة محمد إسحاق المحدث الدهلوي ، حصل له الاجازة في شوال سنة ثمان وخمسين بعد الالف والمائتين ، وهو أحد من ملا فيضه شرقا وغربا ، متعنا الله تعالى بطول بقائه . (1) هو الشيخ العلامة الورع الناسك الزاهد التقي المحدث أبو سليمان محمد بن إسحاق الدهلوي بن محمد أفضل الفاروقي اللاهوري ، ولد تقريبا عام اثنين وتسعين بعد الالف والمائة ، وهو ابن بنت الكريمة للشيخ عبد العزيز الدهلوي ، قرأ على أجداده : الشيخ عبد القادر بن ولي الله الدهلوي ، والشيخ رفيع الدين بن ولي الله الدهلوي ، والشيخ الامام عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي ، وحصل له الاجازة العامة بعد القراءة والسماع من جده الشيخ عبد العزيز . ويروي أيضا عن الشيخ عمر بن عبد الكريم المكي وحصل له منه الاجازة عام أحد وأربعين بعد الالف والمائتين في مكة المشرفة ، وهاجر في سنة ثمان وخمسين بعد الالف والمائتين من الدهلي إلى مكة المشرفة ، وجده الشيخ عبد العزيز رحمه الله يفرح به كثيرا ويتلو هذه الاية الكريمة : (الحمد الله الذي وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحاق) . ولابد عليه أن يشكر بمثل هذه الاولاد ، فإن ابن بنته محمد إسحاق ، وابن أخيه العلامة الذي لم تر مثله العيون محمد إسماعيل الغازي الشهيد من آيات الله تبارك وتعالى . وهذا كل ذلك ببركة العمل الصالح والنية الخالصة من جدهما الاعلى الشيخ ولى الله الدهلوي رحمه الله . وكان شيخه العلامة عمر بن عبد الكريم المكي المتوفى سنة 1247 يشهد بكماله في علم الحديث ورجاله ، وكان يقول : قد حلت فيه بركة جده الشيخ عبد العزيز الدهلوي . وقال الشيخ العلامة عبد الله السراج المكي المتوفى سنة 1264 وقت غسل جنازته في حقه : والله إنه لو عاش وقرأت عليه الحديث طول عمري ما نلت ما ناله . توفي رحمه الله تعالى عام اثنين وستين بعد الالف والمائتين ، ودفن بالمعلي عند قبر سيدتنا أم المؤمنين (*) =
[ 6 ]
الشيخ العلامة المحدث المفسر عبد العزيز الدهلوي (1) عن أبيه الامام الاجل ولي الله المحدث الدهلوي (1) بالاسناد الذي هو مذكور في الارشاد إلى مهمات علم الاسناد للشيخ ولي الله ، وكتاب الامم لايقاظ الهمم للشيخ العلامة إبراهيم الكردي الكوراني (2) . وثانيهم : العلامة الجليل مسند اليمن السيد عبد الرحمن بن سليمان بن = خديجة رضي الله عنها ، وله تلامذة لا يحصون في العرب والعجم منهم الشيخ الاجل السيد محمد نذير حسين الدهلوي ، والشيخ العلامة المحدث محمد الانصاري السهار نفوري ثم المكي ، والشيخ العلامة محمد إبراهيم النكر نهسوي العظيم آبادي ، والشيخ محمد بن حمد الله الشهير بشيخ محمد تهانوي مظفر نكري ، والمولوي سبحان بخش شكاربوري مظفر لكري ، والمولوي علي أحمد نزيل التونك ، والشيخ المحدث عبد الغني بن أبي سعيد المجددي الدهلوي ثم المدني المتوفي سنة 1297 ، والشيخ الحافظ أحمد علي السهارنفوري ، والفاضل عالم علي المراد آبادي ، والفاضل النواب قطب الدين خان الدهلوي ، والقاري عبد الرحمن الفاني فتي ، والمفتي عنايت أحمد صاحب التأليفات الشهيرة ، والمولوي فضل رحمن المراد آبادي ، والشيخ العلامة المحدث المحقق محمد بن ناصر الحازمي ، رحمهم الله تعالى ، كذا في نهاية الرسوخ في معجم الشيوخ . (1) هو الشيخ العلامة أستاذ الاساتذة إمام الجهابذة عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي . ولد عام تسع وخمسين بعد الالف والمائة ، وتوفي عام تسع وثلاثين بعد الالف والمائتين . له تلامذة كثيرة ، وكان رحمه الله تعالى بحرا في جميع العلوم ، وله مؤلفات جليلة مشهورة ، وترجمته مبسوطة في نهاية الرسوخ وإتحاف النبلاء للعلامة القنوجي ثم البوفالي رحمه الله . (1) هو الشيخ الامام الاجل ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي بن وجية الدين وينتهي نسبه إلى عمر الفاروق ، ولد رحمه الله تعالى يوم الاربعاء رابع شوال من سنة أربع ، وعاد إلى الوطن عام خمس وأربعين ، وكانت وفاته عام ست وسبعين بعد مائة وألف في الدهلي ، له مناقب جليلة ومآثر عظيمة لا يسع هذا المختصر (ذكرها) ومن أعظم مؤلفاته : حجة الله البالغة ، وإزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء : وفتح الرحمن في ترجمة القرآن ، والمسوى شرح الموطا ، والمصفي شرح الموطا ، والارشاد إلى مهمات علم الاسناد . وقرة العينين في تفصيل الشيخ وغير ذلك . (2) هو الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني الشهرزوري الشافعي نزيل المدينة المنورة عمدة المسندين خاتمة المحققين . ولد في شوال سنة خمس وعشرين وألف ، وتوفي سنة إحدي ومائة وألف ، ودفن بالبقيع . كذا في نهاية الرسوخ . (*)
[ 7 ]
يحيى بن عمر بن مقبول الاهدال (1) مؤلف كتاب النفس اليمان والروح الريحاني في إجازة القضاة بني الشوكاني ، عن جماعة من الائمة ، منهم الشيخ الامام محمد بن سنة (2) . ثالثهم : الشيخ العلامة محمد عابد السندي ثم المدني (3) مؤلف حصر الشارد في أسانيد محمد عابد ، عن جماعة منها صالح بن محمد الفلاني المغربي (4) صاحب قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والاثر . رابعهم : مسند الدمشق الشامي . (1) هو الشيخ الامام العلامة عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر بن مقوبل الاهدال . ولد سنة تسع وسبعين بعد الالف والمائة . وتوفي سنة خمسين بعد الالف - والمائة - (والمائتين) وكان من كبار العلماء وعديم النظير في عصره . (2) هو الشيخ العلامة محمد بن سنة بكسر السين وشدة النون . توفي عام ستة وثمانين ومائة وألف . رحمه الله تعالى . (3) هو الشيخ العلامة محمد عابد بن أحمد علي بن محمد مراد السندي ثم المدني توفى يوم الاثنين من ربيع الاول سنة سبع وخمسين - ومائة - (ومائتين) وألف ، ودفن بالبقيع - له تلامذة كثيرة ، منها الشيخ ه عبد الغني المجددي الدهلوي ، ومفتي بغداد السيد داود ، والشيخ محمد خوج المكي ، والشيخ جمال المكي ، والشيخ أبو المحاسن السيد محمد القاوقجي ، وغيرهم . (4) هو الشيخ الامام المحقق صالح الفلاني المسوفي بن محد بن نوح ، وينتهي نسبه إلى سالم بن عبد الله بن عمر ، كانت ولادته عام ست وستين ومائة وألف ، وتوفي في المدينة عام ثمانية عشر بعد الالف والمائتين ، له مؤلفات جليلة نفسية منها : إيقاظ همم أهل الابصار في تحقيق مسألة التقليد ، ومنها قطف الثمر . رحمه الله تعالى . (5) هو الشيخ العلامة عبد الرحمن الكزبري بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن زين العابدين الكزبري الشافعي الدمشقي ، بركة الشام وعمدة ساداتها الكرام . ولد بدمشق الشام عام أربع وثمانين بعد الالف والمائة ، وتوفي بمكة تاسع عشر ذي الحجة عام اثتنين وستين بعد الالف - والمائة - (والمائتين) . كذا في تاج التواريخ ، والذي بخط الشيخ العلامة عبد الرحمن بن عبد الله السراج أنه توفي عام أربع = (*)
[ 8 ]
خامسهم : الشيخ العلامة عبد اللطيف البيروتي الشامي (4) رحمهم الله . = وسبعين بعد الالف - والمائة - (والمائتين) وله تلامذة كثيرة ، منهم : الشيخ المفسر العلامة السيد محمود الالوسي البغدادي مؤلف تفسير روح المعاني ، ومنهم : الشيخ أحمد بن دحلان الشافعي . (4) هو الشيخ العلامة عبد اللطيف بن فتح الله البيروتي . توفي بدمشق سنة نيف وخمسين بعد الالف والمائتين . وتراجم هؤلاء كلهم مذكورة في نهاية الرسوخ منه . (*)
[ 9 ]
الكتاب الطهارة باب التخلي عند قضاء الحاجة أي هذا باب في التخلي عن الناس عند قضاء الغائط والمراد بالتخلي التفرد (مسلم) بفتح الميم وسكون السين (القعنبي) بفتح القاف وسكون العين وفتح النون منسوب إلى قعنب جد عبد الله بن مسلمة (أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري ثقة فقيه (المذهب) موضع التغوط أو مصدر ميمى بمعنى الذهاب المعهود وهالذهاب إلى موضع التغوط قال العراقي هو بفتح الميم وإسكان الذال وفتح الهاء مفعل من الذهاب ويطلق على معنيين أحدهما المكان
[ 10 ]
الذي يذهب إليه والثاني المصدر يقال ذهب ذهابا ومذهبا فيحتمل أن يراد المكان فيكون التقدير إذا ذهب في المذهب لأن شأن الظروف تقديرها بفي ويحتمل أن يراد المصدر أي إذا ذهب مذهبا والاحتمال الأول هو المنقول عن أهل العربية وقال به أبو عبيد وغيره وجزم به في النهاية ويوافق الاحتمال الثاني قوله في رواية الترمذي أتى حاجته فأبعد في المذهب فإنه يتعين فيها أن يراد بالمذهب المصدر (أبعد) في موضع ذهابه أو في الذهاب المعهود أي أكثر المشي حتى بعد عن الناس في موضع ذهابه والحديث أخرجه الدارمي والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح (أبي الزبير) هو محمد بن مسلم المكي وثقه الجمهور وضعفه بعضهم لكثرة التدليس (البراز) قال الخطابي مفتوحة الباء اسم للفضاء الواسع من الأرض كنوا به عن حاجة الإنسان كما كنوا بالخلاء عنه يقال تبرز الرجل إذا تغوط وهو أن يخرج إلى البراز كما قيل تخلى إذا صار إلى الخلاء وأكثر الرواة يقولون البراز بكسر الباء وهو غلط إنما البراز مصدر بارزت الرجل في الحرب مبارزة وبرازا وفيه من الأدب استحباب التباعد عند الحاجة عن حضور الناس إذا كان في مراح من الأرض ويدخل في معناه الاستتار بالأبنية وضرب الحجب وإرخاء الستر وأعماق الآبار والحفائر ونحو ذلك من الأمور الساترة للعورات وكل ما ستر العورة عن الناس انتهى قلت وخطأ الخطابي الكسر وخالفه الجوهري فجعله مشتركا بينهما وقال في المصباح البراز بالفتح والكسر لغة قليلة الفضاء الواسع الخالي من الشجر ثم كنى بالغائط انتهى والحديث فيه إسماعيل بن عبد الملك الكوفي نزيل مكة قد تكلم فيه غير واحد وأخرجه أيضا ابن ماجه
[ 11 ]
2 الرجل يتبوأ لبوله وقد أي يتخذ لبوله مكانا سهلا لئلا يرجع إليه رشاش البول (حماد) هو ابن سلمة قال السيوطي إن موسى إذا أطلق حمادا يريد ابن سلمة وهو قليل الرواية عن حماد بن زيد حتى قيل إنه لم يرو عنه إلا حديثا (أبو التياح) بفتح المثناة والتحتانية الثقيلة اسمه يزيد بن حميد ثقة (فكان يحدث) على بناء المجهول أي كان ابن عباس يحدث عن أبي موسى بأحاديث والمحدثون عن أبي موسى كانوا بالبصرة لأن في رواية البيهقي سمع أهل البصرة يتحدثون عن أبي موسى (دمثا) بفتح الدال وكسر الميم قال الخطابي الدمث المكان السهل الذي يجذب فيه البول فلا يرتد على البائل يقال للرجل إذا وصف باللين والسهولة إنه لدمث علي الأخلاق وفيه دماثة (فليرتد) أي ليطلب وليتحر مكانا لينا ومنه المثل الرائد يكذب أهله وهو الرجل يبعثه القوم يطلب لهم الماء والكلأ يقال رادهم يرودهم حتى ريادا تعالى وارتاد لهم ارتيادا والحديث فيه مجهول لكن لا يضر فإن أحاديث الأمر بالتنزه عن البول تفيد ذلك والله أعلم
[ 12 ]
3 ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء هو موضع قضاء الحاجة أي إذا أراد الدخول (قال) مسدد (عن حماد) بن زيد (قال) النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك يعني ألجأ وألوذ والعوذ والعياذ والمعاذ والملجأ ما سكنت إليه تقية عن محذور (وقال) مسدد (عن عبد الوارث قال) النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بالله من الخبث والخبائث فلفظ مسدد عن حماد اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ولفظ مسدد عن عبد الوارث أعوذ بالله من الخبث والخبائث قال الخطابي الخبث بضم الباء جماعة الخبيث والخبائث جمع الخبيثة يريد ذكران الشياطين وإناثهم وجماعة أصحاب الحديث يقولون الخبث ساكنة الباء وهو غلط والصواب الخبث بضم الباء وقال ابن الأعرابي أصل الخبث في كلام العرب المكروه فإن كان من الكلام فهو الشتم وإن كان من الملل فهو الكفر وإن كان من الطعام فهو الحرام وإن كان من الشراب فهو الضار انتهى كلام الخطابي وقال ابن سيد الناس وهذا الذي أنكره الخطابي هو الذي حكاه أبو عبيد القاسم بن سلام وحسبك به جلالة وقال القاضي عياض أكثر روايات الشيوخ بالإسكان وقال القرطبي رويناه بالضم والإسكان قال ابن دقيق العيد ثم ابن سيد الناس لا ينبغي أن يعد مثل هذا غلطا انتهى قال النووي وهذا الأدب مجمع على استحبابه ولا فرق فيه بين البنيان والصحراء والحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وقال الترمذي حديث أنس أصح شئ في هذا الباب
[ 13 ]
(وقال) شعبة عن عبد العزيز (مرة أعوذ بالله وقال وهيب) عن عبد العزيز (فليتعوذ بالله) بصيغة الأمر أراد المؤلف الإمام رضي الله عنه بيان اختلاف الآخذين عن عبد العزيز بن صهيب فقال روى حماد بن زيد عن عبد العزيز اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث بلفظ المضارع وزيادة بك بكاف الخطاب قبلها باء موحدة وروى عبد الوارث عن عبد العزيز أعوذ بالله من الخبث والخبائث بلفظ الجلالة بعد أعوذ وأسقط لفظ اللهم قبلها ورواه شعبة عن عبد العزيز مثلهما فقال مرة كلفظ حماد بن زيد وقال مرة كعبد الوارث فإن وروى وهيب بن خالد عن عبد العزيز بلفظ فليتعوذ بصيغة الأمر فعلى رواية وهيب هو حديث قولي لا فعلي أي إذا أراد أحدكم الخلاء أو أتى أحدكم الخلاء أو نحوهما فليتعوذ بالله من الخبث والخبائث قال الحافظ وقد روى العمري عن طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث إسناده على شرط مسلم انتهى (بهذا الحديث) المذكور بقوله إذ دخل الخ وصرح ثانيا اختلاف لفظ شعبة للا يضاح فقال (قال) شعبة عن عبد العزيز (اللهم إني أعوذ بك) من الخبث والخبائث (وقال شعبة وقال) عبد العزيز (مرة أعوذ بالله) من الخبث والخبائث (إن هذه الحشوش) بضم الحاء المهملة وشينين معجمتين هي الكنف ومواضع قضاء الحاجة واحدها حش قال الخطابي وأصل الحش جماعة النخل المتكاثفة وكانوا يقضون حوائجهم إليها قبل أن تتخذ الكنف في البيوت وفيه لغتان حش وحش بالفتح والضم (محتضرة) على البناء للمجهول أي تحضرها الجن والشياطين وتنتابها عمر لقصد الأذى والحديث أخرجه ابن ماجه والنسائي في السنن الكبرى
[ 14 ]
4 باب كراهية استقبال القبلة عند الحاجة القبلة بكسر القاف جهة يقال أين قبلتك أي إلى أين تتوجه وسميت القبلة قبلة لأن المصلي يقابلها وتقابله والحاجة تعم الغائط والبول (أبو معاوية) هو محمد بن خازم وفي بعض النسخ أبو معوذ وهو غلط (قيل له) أي لسلمان والقائلون بهذا القول المشركون ففي رواية مسلم قال لنا المشركون (الخراءة) قال الخطابي هو مكسورة الخاء ممدودة الألف أدب التخلي والقعود عند الحاجة وأكثر الرواة يفتحون الخاء ولا يمدون الألف فيفحش معناه انتهى وقال عياض بكسر الخاء ممودود النبي (ممدود) وهو اسم فعل الحدث وأما الحدث نفسه فبغير تاء ممدودة وبفتح للحاء وفي المصباح خرئ يخرأ من باب تعب إذا تغوط واسم الخارج خرء مثل فلس وفلوس انتهى (بغائط) قال ولي العراقي ضبطناه في سنن أبي داود بالباء الموحدة وفي مسلم باللام (أو بول) قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة والحديث يدل على المنع من استقبالها ببول أو غائط وهذه الحالة تتضمن أمرين أحدهما بخروج الخارج المستقذر والثاني كشف العورة فمن الناس من قال المنع للخارج لمناسبته لتعظيم القبلة عنه ومنهم من قال المنع لكشف العورة ويبنى على هذا الخلاف خلافهم في جواز الوطء مستقبل القبلة مع كشف العورة فمن علل بالخارج أباحه إذ لا خارج ومن علل بالعورة منعه (وأن لا نستنجي باليمين) أي أمرنا أن لا نستنجي باليمين أو لا زائدة أي نهانا أن نستنجي باليمين والنهي عن الاستنجاء باليمين على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها لأن اليمين للأكل والشرب والأخذ والإعطاء ومصونة عن مباشرة الثفل وعن ممارسة الأعضاء التي هي مجاري الأثفال والنجاسات وخلقت اليسرى لخدمة أسفل البدن لإماطة ما هنالك من القذارات وإن وتنظيف ما يحدث فيها من الدنس وغيره
[ 15 ]
قال الخطابي ونهيه عن الاستنجاء باليمين في قول أكثر العلماء نهي أدب وتنزيه وقال بعض أهل الظاهر إذا استنجى بيمينه لم يجزه كما لا يجزيه برجيع أو عظم (وأن لا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار) أي أمرنا أن لا يستنجي أحدنا بأقل منهما وفي رواية لأحمد ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار وهذا نص صريح صحيح في أن استيفاء ثلاث مسحات لا بد منه قال الخطابي فيه بيان أن الاستنجاء بالأحجار أحد المطهرين وأنه إذا لم يستعمل الماء لم يكن بد من الحجارة أو ما يقوم مقامها وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وفي قوله وأن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار البيان الواضح أن الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار لا يجوز وإن وقع الإنقاء بما دونها ولو كان به الإنقاء حسب لم يكن لاشتراط عدد الثلاث معنى إذ كان معلوما أن الإنقاء يقع بالمسحة الواحدة وبالمسحتين فلما اشترط العدد لفظا وعلم الإنقاء فيه معنى دل على إيجاب الأمرين (أو نستنجي برجيع أو عظم) ولفظ أو للعطف لا للشك ومعناه معنى الواو أي نهانا عن الاستنجاء بهما والرجيع هو الروث والعذرة فعيل بمعنى فاعل لأنه رجع عن حالته الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا والروث هو رجيع ذوات الحوافر وجاء في رواية رويفع بن ثابت فيما أخرجه المؤلف رجيع دابة وأما عذرة انسان أي غائطه فهي داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم إنها ركس قال النووي في شرح صحيح مسلم فيه النهي عن الاستنجاء بالنجاسات ونبه صلى الله عليه وسلم بالرجيع على جنس النجس وأما العظم فلكونه طعاما للجن فنبه به على جميع المطعومات انتهى (النفيلي) بضم النون منسوب إلى نفيل القضاعي (ولا يستطب بيمينه) أي لا يستنجي بها
[ 16 ]
وسمي الاستنجاء الاستطابة لما فيه من إزالة النجاسة وتطهير موضعها من البدن يقال استطاب الرجل إذا استنجى فهو مستطيب وأطاب فهو مطيب ومعنى الطيب ههنا الطهارة (الرمة) بكسر الراء وشدة الميم والرمة والرميم العظم البالي أو الرمة جمع رميم أي العظام البالية (سفيان) هو ابن عيينة (ولكن شرقوا أو غربوا) قال الخطابي هذا خطاب لأهل المدينة ولمن كانت قبلته على ذلك السمت وأما من كانت قبلته إلى جهة الغرب والشرق فإنه لا يغرب ولا يشرق مراحيض) بفتح الميم وبالحاء المهملة والضاد المعجمة جمع مرحاض بكسر الميم وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان (أبي زيد) اسمه الوليد (القبلتين) الكعبة وبيت المقدس وهذا قد يحتمل أن يكون على معنى الاحترام لبيت المقدس إذ كان هذه قبلة لنا ويحتمل أن يكون من أجل استدبار الكعبة لأن من استقبل بيت المقدس بالمدينة فقد استدبر الكعبة (أناخ) أي أقعد يقال أناخ الرجل الجمل إناخة (راحلته) الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى
[ 17 ]
5 (باب الرخصة في ذلك) أي في استقبال القبلة عند الحاجة واستدبارها (لبنتين) بفتح اللام وكسر الموحدة وفتح النون تثنية لبنة وهي ما تصنع من الطين أو غيره للبناقبل أن يحرق (قبل أن يقبض بعام) قال الخطابي وفي هذا بيان من صحته من فرق بين البنيان والصحراء غير أن جابرا توهم أن النهي كان على العموم فحصل الأمر في ذلك على النسخ
[ 18 ]
6 (باب كيف إلخ) * (عن رجل) قيل هو قاسم بن محمد أحد الأئمة الثقاة وقيل هو غياث ابن إبراهيم أحد الضعفاء (وهو ضعيف) قال السيوطي ليس مراده تضعيف عبد السلام لأنه ثقة حافظ من رجال الصحيحين بل تضعيف من قال عن أنس لأن الأعمش لم يسمع من أنس ولذا قال مرسل ويوجد في بعض النسخ بعد قول المؤلف وهو ضعيف هذه العبارة قال أبو عيسى الرملي حدثناه أحمد بن الوليد حدثنا عمرو بن عون حدثنا عبد السلام به انتهى قلت أبو عيسى هو إسحاق وراق أبي داود وهذه إشارة من الرملي إلى أن الحديث اتصل إليه من غير طريق شيخه أبي داود فهذه العبارة من رواية أبي عيسى الرملي إلا من رواية اللؤلؤي عن أبي داود فلعل بعض النساخ لرواية اللؤلؤي أطلع على رواية الرملي فأدرجها في نسخة اللؤلؤي ومراده بذلك أنه لما كانت رواية عبد السلام غير موصولة أشار بوصلها برواية أبي عيسى الرملي
[ 19 ]
7 كراهية الكلام عند الخلاء (عكرمة بن عمار) العجلي أحد الأئمة وثقه امعين والعجلي وتكلم البخاري وأحمد والنسائي في روايته عن يحيى بن أبي كثير وأحمد في إياس ابن سلمة (لا يخرج الرجلان) ذكر الرجلين في الحديث خرج مخرج الغالب وإلا فالمرأتان والمرأة والرجل أقبح من ذلك (يضربان الغائط) يقال ضربت الأر ض إذا أتينا بخلاء وضربت في الأرض إذا سافرت يقال ويضرب الغائط إذا ذهب لقضاء الحاجة والمراد ههنا يقضيان الغائط (كاشفين) منصوب على الحال (يمقت) المقت البغض ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ لا يقعد الرجلان على الغائط يتحدثان يرى كل منهما عورة صاحبه فإن الله يمقت على ذلك وسياق اللفظ يدل على أن المقت على المجموع لا على مجرد الكلام (لم يسنده إلا عكرمة بن عمار) وعكرمة عن يحيى متكلم فيه ومع هذا فهو متفرد فلا يصلح إسناده وفي بعض النسخ بعد قوله إلا عكرمة هذه العبارة حدثنا أبان حدثنا يحيى بهذا يعني حديث عكرمة بن عمار انتهى قلت ليست هذه العبارة للمؤلف أصلا لأن أبا داود ذكر أنه لم يسنده إلا عكرمة فلم يقف عليه أبو داود مسندا من غير رواية عكرمة فأراد ملحق هذه العبارة الاستدراك على أبي داود بأنه قد أسنده عن يحيى بن أبي كثير أبان ابن يزيد العطار لكن لم أقف على نسبة هذه العبارة لأحد من الأئمة
[ 20 ]
8 في الرجل إلخ (فلم يرد عليه) الجواب وفي هذا دلالة على أن المسلم في هذا الحال لا يستحق جوابا وهكذا في رواية مسلم وأصحاب السنن من طريق الضحاك عن نافع عن ابن عمر قال مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه وكذا في ابن ماجة من حديث أبي هريرة وجابر بن عبد الله وأما في رواية محمد بن ثابت العبدي وابن الهاد كلاهما عن نافع عن ابن عمر التي أخرجه المؤلف في باب التيمم ففيها أن السلام كان بعد البول وفي سائر الروايات أن السلام كان حالة البول ولهذه الروايات ترجيحة (وروى عن ابن عمر وغيره) كأبي الجهم ابن الحارث ووصل المؤلف هاتين الروايتين في باب التيمم في الحضر (أو قال على طهارة) هذا شك من المهاجر أو ممن دونه وفيه دلالة على أنه ينبغي لمن سلم عليه في تلك الحال أن يدع الرد حتى يتوضأ أو يتيمم ثم يرد وهذا إذا لم يخش فوت المسلم وأما إذا خشى فوته فالحديث لا يدل على المنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم تمكن من الرد بعد أن توضأ أو تيمم على اختلاف الروايتين فيمكن أن يكون تركه لذلك طلبا للأشرف وهو الرد حال الطهارة
[ 21 ]
9 باب في الرجل إلخ (الفأفاء) لقب خالد يعرف به (عن البهي) بفتح الباء الموحدة وكسر الهاء ثم التحتانية المشددة هو لقب واسمه عبد الله بن بشار (على كل أحيانه) وأخرج الترمذي من حديث علي كان يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا فيه دلالة على أنه إذا كان الحدث الأصغر لا يمنعه عن قراءة القرآن وهو أفضل الذكر كان جواز ما عداه من الأذكار بالطريق الأولى وكذلك حديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه مشعر بوقوع الذكر منه حال الحدث الأصغر لأنه من جملة الأحيان المذكورة والجمع بين هذا الباب والباب الذي قبله باستحباب الطهارة لذكر الله تعالى والرخصة في تركها والحديث أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه الخاتم إلخ (هذا حديث) أي حديث همام عن ابن جريج (منكر) المنكر ما رواه الضعيف مخالفا للثقة (وإنما يعرف) بالبناء للمجهول هذا الحديث (عن ابن جريج عن زياد بن سعيد عن الزهري عن أنس) وهذا الحديث هو المعروف والمعروف مقابل المنكر لأنه إن وقعت مخالفة الحديث القوي
[ 22 ]
مع الضعيف فالراجح يقال له المعروف ومقابله يقال له المنكر قلت والتمثيل به للمنكر إنما هو مذهب ابن الصلاح من عدم الفرق بين المنكر والشاذ وقال السخاوي في فتح المغيث وكذا قال النسائي إنه غيمحفوظ انتهى وهمام ثقة احتج به أهل الصحيح ولكنه خالف الناس ولم يوافق أبو داود على الحكم عليه بالنسكارة كما فقد قال موسى بن هارون لا أدفع أن يكونا حديثين ومال إليه ابن حبان فصححهما معا ويشهد له أن ابن سعد أخرج بهذا السند أن أنسا نقش في خاتمه محمد رسول الله قال فكان إذا أراد الخلاء وضعه لاسيما وهمام لم ينفرد به بل تابعه عليه يحيى بن المتوكل عن ابن جريج وصححه الحاكم على شرط الشيخين ولكنه متعقب فإنهما لم يخرجا لكل منهما على انفراده وقول الترمذي إنه حسن صحيح غريب فيه نظر وبالجملة فقد قال شيخنا إنه لا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي انتهى وقد روى ابن عدي حدثنا محمد بن سعد الحراني حدثنا عبد الله بن محمد بن عيشون حدثنا أبو قتادة عن ابن جريج عن ابن عقيل يعني عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جعفر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس خاتمه في يمينه وقال كان ينزع خاتمه إذا أراد الجنابة ولكن أبو قتادة وهو عبد الله بن واقد الحراني مع كونه صدوقا كان يخطئ ولذا أطلق غير واحد تضعيفه وقال البخاري منكر الحديث تركوه بل قال أحمد أظنه كان يدلس وأورده شيخنا في المدلسين وقال إنه متفق على ضعفه ووصفه أحمد بالتدليس انتهى فروايته لا تعلى رواية همام انتهى قال السيوطي في مرقاة الصعود أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن المتوكل البصري عن ابن جريج عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتما نقشه محمد رسول الله فكان إذا دخل الخلاء وضعه وقال وهذا شاهد ضعيف
[ 23 ]
قال الحافظ بن حجر وقد توزع أبو داود في حكمه على هذا الحديث بالنكارة مع أن رجاله رجال الصحيح والجواب أنه حكم بذلك لأن هماما انفرد به عن ابن جريج وهمام وإن كان من رجال الصحيح فإن الشيخين لم يخرجا من رواية همام عن ابن جريج شيئا لأنه لما أخذ عنه كان بالبصر باابصره والذين سمعوا من ابن جريج بالبصرة في حديثهم خلل من قبله والخلل في هذا الحديث من قبل ابن جريج دلسه عن الزهري بإسقاط الواسطة وهو زياد بن سعد ووهم همام في لفظه على ما جزم به أبو داود وغيره وهذا وجه حكمه عليه بكونه منكرا قال وحكم النسائي عليه بكونه غير محفوظ أصوب فإنه شاذ في الحقيقة إذ المنفرد به من شرط الصحيح لكنه بالمخالفة صار حديثه شاذ قال وأما متابعة يحيى بن المتوكل له عن ابن جريج فقد تفيد لكن يحيى بن معين قال فيه لا أعرفه أي إنه مجهول العدالة وذكره ابن حبان في الثقاة وقال كان يخطئ قال على أن للنظر مجالا في تصحيح حديث همام لأنه مبني على أن أصله حديث الزهري عن أنس في اتخاذ الخاتم ولا مانع أن يكون هذامتناآ هو خر غير ذلك المتن وقد مال إلى ذلك ابن حبان فصححهما جميعا ولا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته انتهى كلام الحافظ في نكته على ابن الصلاح انتهى (إن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق) هذا الحديث أخرجه المؤلف في باب ما جاء في ترك الخاتم من كتاب الخاتم ولفظه حدثنا محمد بن سليمان عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أنس أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا فصنع الناس فلبسوا وطرح النبي صلى الله عليه وسلم فطرح الناس قال أبو داود رواه الزهري وزياد بن سعد وشعيب وابن مسافر كلهم قال من ورق (والوهم فيه) أي في هذا الحديث في إتيان هذه الجملة إذا دخل الخلاء وضع خاتمه (من همام ولم يروه) حديث أنس بهذه الجملة (إلا همام) وقد خالف همام جميع الرواة عن ابن جريج لأنه روى عبد الله بن الحارث المخزومي وأبو عاصم وهشام بن سليمان وموسى بن طارق كلهم عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فأضطرب الناس الخواتيم فرمى به النبي صلى الله عليه وسلم وقال لا ألبسه أبدا وهذا هو المحفوظ والصحيح عن ابن جريج قاله الدارقطني في كتاب العلل
[ 24 ]
11 الاستبراء من البول وهو أن يستفرغ بقية البول وينقي موضعه ومجراه حتى يبرءهما وسلم يقال استبرأت من البول أي تنزهت عنه (وما يعذبان في كبير) وفي رواية البخاري ثم قال بلى أي وإنه لكبير وهكذا في الأدب المفرد من طريق عبد بن حميد عن منصور فقال وما يعذبان في كبير وإنه لكبير وهذا من زيادات رواية منصور على الأعمش ولم يخرجهما مسلم قال الخطابي معناه أنهما لم يعذبا في أمر كان يكبر عليهما أو شق فعله لو أراد أن يفعلاه وهو التنزه من البول وترك النميمة ولم يرد أن المعصية في هاتين الحالتين ليست بكبير وأن الذنب فيهما هين سهل (أما هذا فكان لا يستنزه من البول)
[ 25 ]
قال الخطابي فيه دلالة على أن الأبوال كلها نجسة منجسة من مأكول اللحم وغير مأكوله لورود اللفظ به مطلقا على سبيل العموم والشمول انتهى قلت حمله على العموم في بول جميع الحيوان فيه نظر لأن ابن بطال قال في شرح البخاري أراد البخاري أن المراد بقوله في رواية الباب كان لا يستنزه من البول بول الإنسان لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان قال الحافظ بن حجر وكأنه أراد ابن بطال ردا على الخطابي ومحصل الرد أن العموم في رواية من البول أريد به الخصوص لقوله من بوله والألف واللام بدل من الضمير لكن يلتحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق قال وكذا غير المأكول وأما المأكول فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بنجاسة بوله ولمن قال بطهارته حجج أخرى وقال القرطبي قوله من البول اسم مفرد لا يقضي العموم ولو سلم فهو مخصوص بالأدلة المقضية بطهارة بول ما يؤكل انتهى (يمشي بالنميمة) هي نقل الكلام على جهة الفساد والشر (بعسيب رطب) بفتح العين وكسر السين المهملتين وهو الجريد والغصن من النخل يقال له العثكال (فشقه) أي العسيب (باثنين) هذه الباء زائدة واثنين منصوب على الحال (لعله) الهاء ضمير الشأن (يخفف) العذاب (عنهما ما لم ييبسا) العودان قال الخطابي هو محمول على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النداوة لا أن في الجريدة معنى يخصه ولا أن في الرطب معنى ليس في اليابس انتهى قلت ويؤيده ما ذكره مسلم في اخر الكتاب في الحديث الطويل حديث جابر في صاحبي القبرين فأجيبت شفاعتي أن يرفع ذلك عنهما ما دام العودان رطبين
[ 26 ]
والله أعلم (يستتر مكان يستنزه) كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وفي رواية ابن عساكر يستبرئ بموحدة ساكنة من الاستبراء فعلى رواية الأكثر معنى
[ 27 ]
الاستتار أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه فتوافق رواية لا يستنزه لأنها من التنزه وهو الإبعاد ووقع عند أبي نعيم عن الأعمش كان لا يتوقى وهي مفسرة للمراد وأجراه بعضهم على ظاهره فقال معناه لا يستتر عورته قلت لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية ويؤيده ما أخرجه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا أكثر عذاب القبر من البول أي بسبب ترك التحرز منه وعند أحمد وابن ماجه من حديث أبي بكرة أما أحدهما فيعذب في البول ومثله للطبراني عن أنس (درقة) بفتحتين الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عصب (انظروا إليه) تعجب وإنكار وهذا لا يقع من الصحابي فلعله كان قليل العلم (ذلك) الكلام (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (ما لقي) ما موصولة والمراد به العذاب (صاحب بني إسرائيل) بالرفع ويجوز نصبه أي واحد منهم بسبب ترك التنزه من البول حال البول (كانوا) أي بنو إسرائيل (إذا أصابهم البول) من عدم المراعاة واهتمام التنزه (قطعوا ما) أي الثوب الذي (منهم) أي من بني إسرائيل وكان هذا القطع مأمورا به في دينهم فنهاهم) أي نهى الرجل المذكور سائر بني إسرائيل (فعذب)
[ 28 ]
بالبنا للمجهول أي الرجل المذكور بسبب هذه المخالفة وعصيان حكم شرعه وهو ترك القطع فحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم من إنكار الاحتراز من البول لئلا يصيب ما أصاب اسرائيلي بنهيه عن الواجب وشبه نهي هذا الرجل عن المعروف عند المسلمين بنهي صاحب بني إسرائيل عن معروف دينهم وقصده فيه توبيخه وتهديده وأنه من أصحاب النار فلما عير بالحياء وفعل النساء وبخه وأنه ينكر ما هو معروف بين الناس من الأمم السابقة واللاحقة (قال أبو داود) أي المؤلف (قال منصور) بن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي أحد سادة التابعين قال ابن معين ثقة لا يسأل عن مثله (عن أبي موسى) الأشعري واسمه عبد الله بن قيس بن سليم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال جلد أحدهم) القائل هو أبو موسى والحديث وصله مسلم قال الحافظ في فتح الباري وقع في مسلم جلد أحدهم قال القرطبي مراده بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها وحمله بعضهم على ظاهره وزعم أنه من الإصر الذي حملوه ويؤيده رواية أبي داود ففيها كان إذا أصاب جسد أحدهم لكن رواية البخاري صريحة في الثياب فلعل بعضهم رواه بالمعنى (وقال عاصم) بن بهدلة أبو بكر الكوفي أحد القراء السبعة وثقه أحمد والعجلي وأبو زرعة ويعقوب بن سفيان قال الدارقطني في حفظه شئ مات سنة تسع وعشرين ومائة 12 البول قائما أي محكمه (حفص بن عمر) بن الحارث أبو عمر الحوضي البصري عن شعبة وهمام وطائفة وعنه البخاري وأبو داود ومحمد بن عبد الرحيم وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال أحمد ثقة ثبت متقن (ومسلم بن إبراهيم) الأزدي البصري عن مالك بن مغول وشعبة وخلق قال الترمذي سمعت مسلم بن إبراهيم يقول كتبت عن ثمانمائة شيخ روى عنه البخاري وأبو داود ويحيى بن معين ومحمد بن نمير وخلق قال ابن معين ثقة مأمون وقال العجلي وأبو حاتم ثقة زاد أبو حاتم صدوق (شعبة) بن الحجاج بن الورد (مسدد) بن مسرهد (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي أحد الأئمة قال الحافظ هو أحد المشاهير وثقه الجماهير قال أبو حاتم كان يغلط كثيرا إذا حدث من حفظه وكذا قال أحمد وقال ابن المديني في أحاديثه عن
[ 29 ]
قتادة لين لأن كتابه كان قد ذهب قلت اعتمده الأئمة كلهم (وهذا لفظ حفص) أي اللفظ المذكور فيما بعد هو لفظ حفص بن عمر لا لفظ مسلم بن إبراهيم (عن سليمان) بن مهران الأعمش أي يروي شعبة وأبو عوانة كلاهما عن سليمان (أبي وائل) شقيق بن سلمة (حذيفة) بن اليمان أبي عبد الله الكوفي صحابي جليل من السابقين (سباطة قوم) بضم السين المهملة وبعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل (فبال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكناسة (قائما) للجواز أو لأنه لم يجد للقعود مكانا فاضطر للقيام قال الحافظ قيل السبب في ذلك ما روى عن الشافعي وأحمد أن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بذلك فلعله كان به وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة قال إنما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما لجرح كان في مأبضه والمأبض بهمزة ساكنة بعدها موحدة ثم معجمة باطن الركبة فكأنه لم يتمكن لأجله من القعود ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي والأظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر أحواله البول عن قعود وسلك أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديث عائشة الذي قدمناه ما بال قائما منذ أنزل عليه القرآن وبحديثها أيضا من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا والصواب أنه غير منسوخ والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه وقد حفظه حذيفة وهومن كبار الصحابة وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش والله أعلم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شئ انتهى (فمسح على خفيه) أي فتوضأ ومسح على خفيه مقام غسل الرجلين (قال) حذيفة (فدعاني) فقال يا حذيفة استرني كما عند الطبراني من حديث عصمة بن مالك (حتى كنت عند عقبة) صلى الله عليه وسلم وعقب بالإفراد وفي بعض الروايات عقبيه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 30 ]
13 باب في الرجل إلخ (عن حكيمة بنت أميمة ابنة رقيقة) كلهن مصغرة (قدح) بفتحتين آنية من خشب والجمع أقداح (من عيدان) بفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة التحتية النخلة الطوال المتجردة من السعف من أعلاه إلى أسفله جمع عيدانة وحديث الباب وإن كان فيه مقال لكنه يؤيده حديث عائشة الذي أخرجه النسائي وحديث الأسود الذي أخرجه الشيخان وفيهما أنه لقد دعي بالطست ليبول فيها الحديث لكن وقع هذا في حال المرض قال المنذري وأخرجه النسائي 14 المواضع إلخ (اتقوا اللاعنين) قال الحافظ الخطابي يريد الأمرين الجالبين للعن الحاملين للناس عليه والداعيين إليه وذلك أن من فعلهما لعن وشتم يعني عادة الناس لعنه فلما صارا سببا لذلك أضيف إليهما الفعل فكانا كأنهما اللاعنان يعني أسند اللعن إليهما على طريق المجاز العقلي وقد يكون اللاعن أيضا بمعنى الملعون فاعل بمعنى مفعول كما قالوا مر كاتم أي مكتوم انتهى فعلى هذا يكون التقدير اتقوا الأمرين الملعون فاعلهما (الذي يتخلى في طريق الناس) أي يتغوط أو يبول في موضع يمر به الناس قال في التوسط شرح سنن أبي داود المراد بالتخلي التفرد لقضاء الحاجة غائطا أو بولا فإن التنجس والاستقذار موجود فيهما فلا يصح تفسير النووي بالتغوط ولو سلم فالبول يلحق به قياسا والمراد بالطريق الطريق المسلوك لا المهجور الذي لا يسلك إلا نادرا (أو ظلهم) أي مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلا ومنزلا ينزلونه ويقعدون فيه وليس كل يحرم
[ 31 ]
القعود للحاجة تحته فقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته تحت حائش من النخل وللحائش عنه لا محالة ظل والحديث يدل على تحريم التخلي في طرق الناس ظلهم لما فيه من إيذاء المسلمين بتنجيس من يمر به واستقذاره قال المنذري وأخرجه مسلم (وحديثه) أي حديث عمر بن الخطاب (أتم) من إسحاق (حدثه) أي حدث أبو سعيد حيوة بن شريح (الملاعن) جمع ملعنة وهي مواضع اللعن (الموارد) المراد بالموارد المجاري والطرق إلى الماء واحدها مورد يقال وردت الماء إذا حضرته لتشرب والورد الماء الذي ترد عليه (وقارعة الطريق) أي الطريقة التي يقرعها الناس بأرجلهم ونعالهم أي يدقونها ويمرون عليها فهذه إضافة الصفة إلى الموصوف أي الطريقة المقروعة وهي وسط الطريق (والظل) أي ظل الشجرة وغيرها مما تقدم واعلم أن المؤلف أورد في هذا الباب حديثين الأول في النهي عن التخلي في طريق الناس وقد علمت أن المراد بالتخلي التفرد لقضاء الحاجة غائطا أو بولا والثاني في النهي عن البراز وأنت تعلم أن البراز اسم للفضاء الواسع من الأرض وكنوا به عن حاجة الإنسان يقال تبرز الرجل إذا تغوط فإنه كان اسما للغائط لكن يلحق به البول قلت إيراد الحديثين لا يخلو عن تكلف والله أعلم وعلمه أتم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه 15 في البول في المستحم إن المستحم الذي يغتسل فيه من الحميم وهو الماء الحار والمراد المغتسل مطلقا وفي معناه المتوضأ (قال أحمد) بن حنبل في سنده (حدثنا معمر) وفيه إشارة إلى أن الحسن بن علي لم يرو على سبيل التحديث بل بالعنعنة كما رواه عبد الله بن المبارك عن معمر بصيغة العنعنة وهي في رواية الترمذي والنسائي كذا في غاية المقصود وقال في منهية غاية المقصود ويحتمل أن الاختلاف بين
[ 32 ]
أحمد بن حنبل والحسن بن علي في صيغة الرواية عن أشعث فقط أي يقول أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر أخبرني أشعث عن الحسن ويقول الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن أشعث بن عبد الله والله أعلم انتهى (أخبرني أشعث) بصيغة الإخبار وهي في رواية أحمد (وقال الحسن) بن علي بصيغة العنعنة (عن أشعث بن عبد الله) بن جابر أبي عبد الله البصري (لايبولن أحدكم في مستحمه) قال الحافظ ولي الدين العراقي حمل جماعة من العلماء هذا الحديث على ما إذا كان المغتسل لينا وليس فيه منفذ بحيث إذا نزل فيه البول شربته الأرض واستقر فيها فإن كان صلبا ببلاط ونحوه بحيث يجري عليه البول ولا يستقر أو كان فيه منفذ كالبلوعة ونحوها فلا نهي وقال النووي في شرحه إنما نهى عن الاغتسال فيه إذا كان صلبا يخاف منه إصابة رشاشة فإن كان لا يخاف ذلك بأن يكون له منفذ أو غير ذلك فلا كراهة قال الشيخ ولي الدين وهو عكس ما ذكره الجماعة فإنهم حملوا النهي على الأرض اللينة وحمله على الصلبة وقد لمح هو معنى آخر وهو أنه في الصلبة يخشى عود الرشاش بخلاف الرخوة وهم نظروا إلى أنه في الرخوة يستقر موضعه وفي الصلبة يجري ولا يستقر فإذا صب عليه الماء ذهب أثره بالكلية قلت الأولى أن لا يقيد المغتسل بلين ولا صلب فإن الوسواس ينشأ منهما جميعا فلا يجوز البول في المغتسل مطلقا (ثم يغتسل فيه) أي في المستحم وهذا في رواية الحسن (قال أحمد) بن محمد في روايته (ثم يتوضأ فيه) أي في المستحم قال الطيبي ثم يغتسل عطف على الفعل المنفي وثم استبعادية أي بعيد عن العاقل الجمع بينهما (فإن عامة الوسواس منه) أي أكثره يحصل منه لأنه يصير الموضع نجسا فيوسوس قلبه بأنه هل أصابه من رشاشه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث غريب (لقيت رجالا) ولم يعرف الرجل وهذا لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول بتزكية الله (كما صحبه أبو هريرة) وفي رواية النسائي أربع سنين أي صحب الرجل المذكور أربع سنين (أن يمتشط أحدنا كل يوم) لأن ترفه وتنعم ولا يعارضه الحديث أنه يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته
[ 33 ]
وحديثا أنه لا يفارقه المشط في سفر ولا حضر لأنهما ضعيفان ولو سلم فلا يلزم من الإكثار أن يمتشط كل يوم وصحبته ليتمشط إلا عند الحاجة لا كل يوم ولا فرق بين الرأس واللحية فإن قلت ورد أنه كان يسرح كل يوم مرتين قلت لم أره من ذكره إلا الغزالي ولا يخفى ما في الإحياء من أحاديث لا أصل لها ويحتمل إلحاق النساء بالرجال في هذا الحكم إلا أن الكراهة في حقهن أخف لأن باب التزين في حقهن أوسع كذا في المتوسط شرح سنن أبي داود قال المنذري وأخرجه النسائي 16 النهي عن البول في الجحر فيه بتقديم الجيم المعجمة المضمومة وسكون الحاء المهملة ما يحتفره الهوام والسباع وجمعه أجحار صلى (سرجس) بفتح أوله وسكون الراء وكسر الجيم وهو غير متصرف للعجمة والعلمية (في الجحر) أي الثقب لأنه مأوى الهوام المؤذية فلا يؤمن أن يصيبه مضرة منها (قال) هشام الدستوائي (ما يكره) ما استفهامية أي لم يكره (إنها) أي الجحرة والجحرة وقال جمع جحر كالأجحار قال المنذري وأخرجه النسائي أيضا 17 ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء (غفرانك) قال ابن العربي في عارضة الأحوذي غفران مصدر كالغفر وهو والمغفرة ومثله سبحانك ونصبه بإضمار فعل تقديره ههنا أطلب غفرانك وفي طلب المغفرة ههنا محتملان الأول أنه سأل المغفرة من تركه ذكر الله في ذلك الوقت في تلك الحالة والثاني وهو أشهر أن النبي
[ 34 ]
صلى الله عليه وسلم سأل المغفرة في العجز عن شكر النعمة في تيسير الغذاء وإبقاء منفعته وإخراج فضلته على سهولة فيؤدي قضاء حقها بالمغفرة وقال الرضى في شرح الكافية ما حاصله أن المصادر التي بين فاعلها بإضافتها إليه نحو كتاب الله ووعد الله أو بين مفعولها بالأضافة نحو ضرب الرقاب وسبحان الله أو بين فاعلها بحرف جر نحو بؤسا لك وسحقا لك أو بين مفعولها بحرف جر نحو غفرا لك وجدعا صلى الله عليه وسلم لك فيجب حذف فعلها في جميع هذا قياسا وغفرانك داخل في هذا الضابط فعلى هذا يكون فعله المقدر اغفر أي اغفر غفرانا قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة هذا اخر كلام الترمذي قال المنذري وفي هذا الباب حديث أبي ذر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني وحديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وفي لفظ الحمد لله الذي أحسن إلى في أوله وآخره وحديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم يعني كان إذا خرج قال الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه غير أن هذه الأحاديث أسانيدها ضعيفة ولهذا قال أبو حاتم الرازي أصح ما فيه حديث عائشة انتهى كلام المنذري والحديث ما أخرجه النسائي في السنن المجتبى بل إذا أخرجه في كتاب عمل اليوم والليلة فإطلاقه من غير تقييد لا يناسب 18 كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء أي في الاستنجاء (فلا يمس ذكره بيمينه) أي حال البول تكريما لليمين فيكره بها بلا حاجة تنزيها عند الشافعية وتحينما عند الحنابلة والظاهرية قاله المناوي (فلا يتمسح بيمينه) أي لا يستنجي بيمينه (فلا يشرب) شرابه (نفسا واحدا) بل يفصل القدح عن فيه ثم يتنفس خارج القدح وهو على طريق الأدب مخافة من سقوط شئ من الفم والأنف فيه ونحو ذلك والأفعال الثلاثة إما مجزوم على النهي أو مرفوع على النفي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا
[ 35 ]
(المصيصي) بكسر الميم وشدة الصاد المهملة نسبة إلى مصيصة بلد بالشام (الفريقى) بكسر الهمزة والراء بينهما فاء ساكنة منسوب إلى إفريقية وهي بلاد واسعة قبالة الأندلس (كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه) أي كان يجعل يده اليمنى لهما (وثيابه) أي للبس ثيابه أو تناولها (ويجعل شماله لما سوى ذلك) المذكور من الطعام والشراب والثياب قال النووي هذه قاعدة مستمرة في الشرع وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخلف ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود وغير ذلك ومما هو في معناه يستحب التيامن فيه وأما ما كان بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها (لخلائه) أي لاستنجائه أي (وما كان من أذى) أي النجاسة قال المنذري إبراهيم لم يسمع من عائشة فهو منقطع وأخرجه من حديث الأسود عن عائشة بمعناه وأخرجه في اللباس من حديث مسروق عن عائشة ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة انتهى كلام المنذري
[ 36 ]
19 الاستتار في الخلاء فإن قلت ما الفرق بين الباب المتقدم التخلي عند قضاء الحاجة وبين هذا الباب قلت بينهما فرق بين لأن المقصود من الباب الأول التفرد عن الناس للحاجة وليس فيه ذكر الاستتار وهذا الباب إنما وضعه للاستتار عند الحاجة فحصل من البابى جميعا أن التفرد للخلاء سنة ومع هذا التفرد ينبغي الاستتار أيضا ليتأتى على وجه الكمال حفظ عورته (الحبراني) بضم المهملة وسكون الموحدة منسوب إلى حبران بن عمرو وهو أبو قبيلة باليمن كذا في القاموس والمغني وقال السيوطي في اللب اللباب حبران بطن من حمير انتهى (من اكتحل فليوتر) أي من أراد الاكتحال فليوتر والوتر الفرد أي ثلاثا متوالية في كل عين وقيل ثلاثا في اليمنى واثنين في اليسرى ليكون المجموع وترا والتثليث علم من فعله صلى الله عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه كذا في المرقاة شرح المشكاة (من فعل فقد أحسن) أي فعل فعلا حسنا يثاب عليه لأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه تخلق بأخلاق الله تعالى فإن الله وتر يحب الوتر (ومن لا) أي لا يفعل الوتر (فلا حرج) أي لا إثم عليه (ومن استجمر فليوتر) الاستجمار بالجمار وهي الحجارة الصغار أي فليجعل حجارة الاستنجاء وترا واحدا أو ثلاثا أو خمسا (فلا حرج) إذ المقصود الإنقاء (أكل) شيئا (فما تخلل) ما شرطية والجزاء فليلفظ أي ما أخرجه من الأسنان بالخلال (فليلفظ) بكسر الفاء فليلق وليرم وليطرح ما يخرجه من الخلال من بين أسنانه لأنه ربما يخرج به دم (وما لاك بلسانه) عطف على متخلل أي ما أخرجه بلسانه واللوك إدارة الشئ بلسانه في الفم يقال لاك يلوك (فليبتلع) أي فليأكله وإن تيقن بالدم حرم أكله (من فعل) أي رمي وطرح ما أخرجه من الأسنان
[ 37 ]
بالخلال (ومن لا) أي لم يلفظه بل أكله على تقدير عدم خروج الدم (فلا حرج) في ذلك (فليستتر) بشئ من الأشياء الساترة (فإن لم يجد) شيئا ليستره (كثيبا) الكثيب هو ما يرتفع من الرمل (من رمل) بيان كثيب (فليستدبره) أي فليجمعه وليوله دبره (فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم) قال العراقي المقاعد جمع مقعدة وهي تطلق على شيئين أحدهما في السافلة أي أسفل البدن والثاني موضع القعود وكل من المعنيين ههنا محتمل أي أن الشيطان يلعب بأسافل بني آدم أو في موضع قعودهم لقضاء الحاجة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتست ما أمكن وأن لا يكون قعود الإنسان في مراح من أن يقع عليه أبصار الناظرين فيتعرض لانتهاك الستر وتهب الرياح عليه فيصيب البول فيلوث بدنه أو ثيابه وكل ذلك ملعب الشيطان به وقصده إياه بالأذى والفساد (من فعل) أي جمع كثيبا وقعد خلفه (فقد أحسن) بإتيان السنة (ومن لا) بأن كان في الصحراء من غير ستر (فلا حرج) (قال حصين الحميري) أي قال أبو عاصم الحميري بدل الحبراني (فقال) أي عبد الملك (أبو سعيد الخير) بزيادة لفظ الخير على الرواية السابقة (قال أبو داود أبو سعيد الخير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) غرض المؤلف من إيراد هذه الجملة أن في رواية إبراهيم بن موسى أبا سعيد بغير إضافة لفظ الخير فهو ليس بصحابي لأن أبا سعيد هذا بغير إضافة الخير لا يعد في الصحابة بل هو مجهول وإنما يعد في الصحابة أبو سعيد الخير قال المنذري وأخرجه ابن ماجة في إسناده أبو سعيد الخير الحمصي وهو الذي رواه عن أبي هريرة قال أبو زرعة الرازي لاأعرفه قلت لقي أبا هريرة قال على هذا يوضع انتهى 20 ما ينهى عنه إلخ أي هذا باب في بيان الأشياء التي نهى الاستنجاء بها (القتباني) بكسر القاف وسكو المثناة
[ 38 ]
الفوقانية وبموحدة ونون نسبة إلى قتبان بن رومان (شييم) بتحتانيتين مصغرا (بيتان) بموحدة ثم تحتانية ثم مثناة (أخبره) أي أخبر شييم عياش بن عباس (مخلد) على وزن محمد (استعمل) أي مسلمة بن مخلد (على أسفل الأرض) يعني أن مسلمة كان أميرا على بلاد مصر من جهة معاوية فاستناب رويفعا على أسفل أرض مصر وهو الوجه البحري وقيل الغربي كذا في التوسط (معه) أي مع رويفع (من كوم شريك) قال العراقي هو بضم الكاف على المشهور وممن صرح بضمها ابن الأثير في النهاية واخرون وضبط بعض الحفاظ بفتحها قال مغلطائي إنه المعروف وإنه في طريق اسكندرية (إلى علقماء) بفتح العين وسكون اللام ثم القاف مفتوحة موضع من أسفل ديار مصر (أو من علقماء إلى كوم شريك) وهذا شك من شيبان أي من أي موضع كان ابتداء السير من الكوم أو من علقماء وعلى كل تقدير فمن أحد الموضعين كان ابتداء السير وإلى الآخر انتهائه (يريد علقام) أي إرادتهم الذهاب إلى علقام وانتهاء سيرهم إليه وعلقام ثنا غير علقماء كما يفهم من قوله يريد علقام وفي مجمع البحار كوم علقام موضع فاستفيد منه أن علقام غير علقماء وأن علقام يقال له كوم علقام (نضو أخيه) النضو بكسر النون وسكون المعجمة فواو البعير المهزول يقال بعير نضو وناقة نضو ونضوة به وهو الذي أنضاه العمل وهزله الكد والجهد (على أن له) للمالك (ولنا النصف) أي للأخذ والمستأجر النصف (ليطير له النصل والريش) فاعلان ليطير أي يصيبهما في القسمة يقال طار لفلان النصف ولفلان الثلث إذا وقع له ذلك في القسمة (وللآخذ القدح هذا) معطوف على له النصل والقدح خشب السهم قبل أن يراش ويركب فيه النصل قاله الخطابي والنصل حديدة السهم والريش من الطائر ويكون في السهم وحاصله أنه كان يقتسم الرجلان السهم فيقع لأحدهما نصله وريشه وللآخذ قدحه ثم قال الخطابي وفي هذا دليل على أن الشئ المشترك بين الجماعة إذا احتمل القسمة فطلب أحد الشركاء المقاسمة كان له ذلك ما دام ينتفع بالشئ الذي يخصه منه وإن قل وذلك أن القدح قد ينتفع به عريا من الريش والنصل وكذلك قد ينتفع بالريش والنصل وإن لم يكونا مركبين في قدح فأما ما لا
[ 39 ]
ينتفع بقسمته أحد من الشركاء وكان في ذلك الضرر والإفساد للمال كاللؤلؤه رسول تكون بين الشركاء أو نحوها من الشئ الذي إذا فرق بين أجزائه بطلت قيمته وذهبت منفعته فإن المقاسمة لا تجب فيه لأنها حينئذ من باب إضاعة المال فيبيعون الشئ ويقتسمون الثمن بينهم على قدر حقوقهم منه انتهى (من عقد لحيته) أي عالجها حتى تنعقد وتتجعد وقيل كانوا يعقدونها في الحروب فأمرهم بإرسالها كانوا يفعلون ذلك تكبرا وعجبا قاله ابن الأثير (أو تقلد وترا) بفتح الواو قال أبو عبيدة الأشبه أنه نهى عن تقليد الخيل أوتار القسى نهوا عن ذلك إما لاعتقادهم أن تقليدها بذلك يدفع عنها العين ومخافة اختناقها به لاسيما عند شدة الركض بدليل ما روى أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقطع الأوتار عن أعناق الخيل كذا في كشف المناهج (برجيع دابة) هو الروث والعذرة (أو عظم) عطف على رجيع قال المنذري وأخرجه النسائي (أيضا) أي كما روى شييم بن بيتان عن شيبان القتباني روى أيضا عن أبي سالم الجيشاني (يذكر) أي عبد الله بن عمرو (ذلك) الحديث المذكور (وهو) أي أبو سالم (معه) أي مع عبد الله (مرابط المرابطة أن يربط كل من الفريقين خيولهم في الموضع الذي يخاف منه هجوم العدو معدا لصاحبه (بحصن باب أليون) الحصن المكان الذي لا يقدر عليه لارتفاعه وجمعه حصون وأليون بفتح الهمزة وسكون اللام وضم الياء التحتانية اسم مدينة قديما وسمي بعد فتحها فسطاط (بالفسطاط) قال ابن الأثير الفسطاط بالضم والكسر المدينة التي فيها مجمع الناس وكل مدينة فسطاط وقيل هو ضرب من الأبنية وبه سميت المدينة ويقال لمصر والبصرة الفسطا ط وقول أبي داود حصن أليون بالفسطاط على جبل لا ينافي قول ابن الأثير لأن الذي على جبل هو الحصن لا نفس أليون والحاصل أن أبا سالم الجيشاني كان مع عبد الله بن عمرو مرابطا بحصن الذي كان في أليون وأليون والفسطاط هما اسمان لمدينة مصر وكان حصن أليون على جبل وكان الجبل في فسطاط (قال أبو داود هو) أي شيبان القتباني
[ 40 ]
(نتمسح) أي نستنجي (أو بعر) البعر معروف وهو من كل ذي ظلف وخف والجمع الأبعار مثل السبب والأسباب وبعر ذلك الحيوان بعرا من باب نفع قال المنذري وأخرجه مسلم (قدم وفد الجن) هو جن نصيبين وكان قدومه بمكة قبل الهجرة والوفد قوم يجتمعون ويردون البلاد الواحد وافد وكذا من يقصد الأمراء بالزيارة يقال وفد على القوم وفدا من باب وعد ووفودا فهو وافد والجمع وفاد ووفد مثل صاحب وصحب (يا محمد إنه) أمر من النهي (وحممه ولا) بضم الحاء والميمين مفتوحتين على وزن رطبة ما أحرق من خشب ونحوه والجمع بحذف الهاء كذا في المصباح قال المنذري في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال 21 الاستنجاء إلخ (يستطيب بهن) أي بالأحجار ويستطيب صفة أحجار أو مستأنفة والاستطابة والاستنجاء والاستجمار كناية عن إزالة الخارج من السبيلين عن مخرجه فالاستطابة والاستنجاء
[ 41 ]
تارة يكونان بالماء وتارة بالأحجار والاستجمار مختص بالأحجار (فإنها تجزئ) بضم التاء بمعنى الكفاية من أجزأ أي تكفي وتغني وقال الزركشي ضبطه بعضهم بفتح التاء ومنه قوله تعالى لا تجزي نفس عن نفس شيئا انتهى فهو من جزى يجزي مثل قضى يقضي وزنا ومعنى أي تقضي الأحجار (عنه) أي عن الاستطابة والاستنجاء أو عن المستنجي أو عن الماء المفهوم من المقام وهو الأظهر معنى وإن كان بعيدا لفظا فالحاصل أن الاستطابة بالأحجار تكفي عن الماء وإن بقي أثر النجاسة بعد ما زالت عين النجاسة وذلك رخصة وقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم إن الاستنجاء بالحجارة يجزي وإن لم يستنتج بالماء إذا أنقى أثر الغائط والبول وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قاله الترمذي في جامعه وفيه دليل واضح على وجوب التثليث لأن الأجزاء يستعمل غالبا في الواجب قال المنذري وأخرجه النسائي (عن الاستطابة) أي عدد حجارة الاستنجاء (رجيع) روث دابة لأنه علف دواب الجن قال البيهقي في معرفة السنن والآثار إذا استنجى بالعظم لم يقع موقعه كما لو استنجى بالرجيع لم يقع موقعه وكما جعل العلة في العظم أنه زاد الجن جعل العلة في الرجيع أنه علف دواب الجن وإن كان في الرجيع أنه نجس ففي العظم أنه لا ينظف لما فيه من الدسومة وقد نهي عن الاستنجاء بهما قال المنذري وأخرجه ابن ماجة (كذا رواه أبو أسامة وابن نمير عن هشام) غرضه من إيراد هذه الجملة أن أبا أسامة وابن نمير قد تابعا أبا معاوية عن هشام على اسم شيخ هشام فقالوا عن هشام عن عمرو بن خزيمة وهذا تعريض على رواية سفيان فإنه قال أخبرني هشام ابن عروة قال أخبرني أبو وجزة روى البيهقي في المعرفة أخبرنا أبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرني هشام بن عروة قال أخبرني أبو وجزة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث قال البيهقي هكذا قال سفيان أبو وجزة وأخطأ فيه وإنما هو ابن خزيمة
[ 42 ]
واسمه عمرو بن خزيمة كذلك رواه الجماعة عن هشام بن عروة ووكيع وابن نمير وأبو أسامة وأبو معاوية وعبدة بن سليمان ومحمد بن بشر العبدي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الحسن الطرائفي سمعت سعيد بن عثمان الدارمي يقول سمعت علي بن المديني يقول قال سفيان فقلت فايش أبو وجزة فقالوا شاعر ههنا فلم آته قال علي إنما هو أبو خزيمة واسمه عمرو بن خزيمة ولكن كذا قال سفيان قال علي الصواب عندي عمرو بن خزيمة انتهى كلام البيهقي 22 في الاستبراء هو أن يمكث وينتر حتى يظن أنه لم يبق في قصبة الذكر شئ من البول كذا في حجة الله البالغة للشيخ المحدث ولي الله الدهلوي وحاصل معنى الاستبراء الاستنقاء من البول وهو المراد ههنا وهل الاستنقاء أي الاستنجاء بالماء ضروري أو يكفي المسح بالحجارة فدل الحديث على أنه ليس أمرا ضروريا فإن قلت ما الفرق بين البابين ولم كرر الترجمة مرتين فإنه أورد أولا باب الاستبراء من البول وثانيا باب الاستبراء قلت أورد في الترجمة الأولى حديث ابن عباس والمراد بها المباعدة عن النجاسة والتوقي عنها فإن في الحديث إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول والمراد بالترجمة الثانية الاستنجاء بالحجارة لأن الاستبراء طلب البراءة (المقرئي) بضم الميم وسكون القاف وفتح الراء وهمزة ثم ياء نسب إلى مقرأ قرية بدمشق (ح) هو علامة التحويل أي الرجوع من سند إلى آخر سواء كان الرجوع من أول السند أو وسطه أو آخره (أبو يعقوب التوأم) هو عبد الله بن يحيى المتقدم (بكوز) الكوز بالضم جمعه كيزان وأكواز لم وهو ماله عروة من أواني الشرب وما لاعروة له فهو كوب وجمعه أكواب (ما هذا يا عمر) أي ما حملك على قيامك خلفي ولم جئتني بماء (تتوضأ به) أي تتوضأ بالماء بعد البول الوضوء الشرعي أو المراد به الوضوء اللغوي وهو الاستنجاء
[ 43 ]
بالماء وعليه حمله المؤلف وابن ماجة ولذا أورده في باب الاستبراء (ما أمرت) بصيغة المجهول (كلما بلت) صيغة المتكلم من البول (أن أتوضأ) بعد البول أو استنجي بعده بالماء وكان قد يترك ما هو أولى وأفضل تخفيفا على الأمة وإبقاء وتيسيرا عليهم (لكانت) فعلتي حدثنا (سنة) أي طريقة واجبة لازمة لأمتي فيمتنع عليهم الترخص باستعمال الحجر وما جعل عليكم في الدين من حرج قال عبد الرؤوف المنادي في فتح القدير وما ذكر من حمله الوضوء على المعنى اللغوي هو ما فهمه أبو داود وغيره وبوبوا عليه وهو مخالف للظاهر بلا ضرورة والظاهر كما قاله ولي العراقي حمله على الشرعي المعهود فأراد عمر رضي الله عنه أن يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الحدث فتركه المصطفى صلى الله عليه وسلم تخفيفا وبيانا للجواز قال المنذري وأخرجه ابن ماجة 23 في الاستنجاء بالماء بعد قضاء الحاجة أراد بهذه الترجمة الرد على من كرهه وعلى من نفى وقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذا لا يزال في يدي نتن وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء وعن ابن الزبير قال ما كنا نفعله ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم قاله الحافظ في الفتح (حائطا) أي بستانا (غلام) قال في المحكم الغلام من لدن الفطام إلى سبع سنين وقيل غير ذلك (معه) أي من الغلام (ميضأة) بكسر الميم وبهمزة بعد الضاد المعجمة وهي الإناء الذي يتوضأ به كالركوة والإبريق وشبههما (فوضعها عند السدرة) أي فوضع الميضأة عند السدرة التي كانت في الحائط والسدرة شجرة النبق قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم
[ 44 ]
فيما بعد وهو قوله تعالى فيه رجال (في أهل قباء) أي في ساكنيه (إبربن ميمونة) الحجازي مجهول الحال (هذه الآية) والمشار إليها وقباء بضم القاوخفة الموحدة والممدودة مصروفة وفيه لغة بالقصر وعدم الصرف موضع بميلين أو ثلاثة من المدينة قال ابن الأثير هو بمد وصرف على الصحيح (يحبون أن يتطهروا) أي يحبون الطهارة بالماء في غسل الأدبار (قال) أبو هريرة (كانوا) أي أهل قباء قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي غريب 24 الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى لتزيل الرائحة ابن الكريهة إن بقيت بعد الغسل (عن المغيرة) أعلم أن لفظ المغيرة بين جرير وأبي زرعة موجود في أكثر النسخ وقد بالغت في تتبعه فلم أعرف من هو والذي تحقق لي أنه غلط بثلاثة وجوه الأول أن الحافظ جمال الدين المزي ذكر في تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف في مسند أبي هريرة هذا الحديث ولم يذكر المغيرة وهذا لفظه أبو زرعة بن عمرو بن حزم بن عبد الله البجلي عن أبي هريرة قيل اسمه هرم وقيل عبد الرحمن وقيل عمر وإبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي قوله عن ابن أخيه أبي زرعة عن أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو
[ 45 ]
ركوة الحديث أخرجه أبو داود في الطهارة عن أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي عن أسود بن عامر وعن محمد بن عبد الله المخرمي عن وكيع كلاهما عن شريك عن إبراهيم بن جرير به انتهى وذكر الزيلعي أيضا هذا الحديث في فصل الاستنجاء من تخريجه ولم يذكر المغيرة في السند وهذا لفظه حديث آخر أخرجه أبو داود عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الثاني قال الطبراني لم يروه عن أبي زرعة إلا إبراهيم بن جرير تفرد به شريك وهذا نص على أن المغيرة لم يرو عن أبي زرعة الثالث قال شيخنا العلامة حسين بن محسن الأنصاري اطلعت على نسخة صحيحة قلمية وليس فيها ذكر للمغيرة بين جرير وأبي زرعة موافق لإسناد ابن ماجة والذي يظهر أن ذكرها إما أن يكون من المزيد غلطا من بعض الرواة وإما وهما من النساخ انتهى كذا في غاية المقصود وقال الشارح في منهية غاية المقصود والرابع أني طالعت كتاب رجال سنن أبي داود للحافظ ولي الدين العراقي في مكة المشرفة عند شيخنا أحمد الشرقي فما وجدت فيه ذكر المغيرة (في تور) بفتح التاء وسكون الواو إناء صغير من صفر أو حجارة يشرب منه وقد يتوضأ منه ويؤكل منه الطعام قاله الطيبي وفي المتوسط فيه جواز التوضئ بآنية الصفر وأنه ليس بكبيرة (أو ركوة) بفتح الراء وسكون الكاف ظرف من جلد أي دلوصغير من جلد يتوضأ منه ويشرب فيه الماء والجمع ركاء وأو للشك للراوي عن أبي هريرة أو أن أبا هريرة يأتيه تارة هذا وتارة هذا (ثم أتيته بإناء آخر) ليتوض به (فتوضأ) بالماء ليس المعنى أنه لا يجوز التوضئ بالماء الباقي من الاستنجاء أو بالإناء الذي استنجى به وإنما أتى بإناء آخر لأنه لم يبق من الأول شئ أو بقي قليل والإتيان بالإناء الآخر اتفاقي له كان فيه الماء فأتى به وقال بعض العلماء قد يؤخذ من هذا الحديث أنه يندب أن يكون إناء الاستنجاء غير إناء الوضوء (وحديث الأسود بن عامر أتم) من حديث وكيع وحديث وكيع أقصر من حديث الأسود أخرج النسائي وابن ماجه واللفظ للنسائي من طريق وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فلما استنجى دلك يده بالأرض انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجة
[ 46 ]
25 السواك بكسر السين المهملة والسواك ما تدلك به الأسنان من العيدان من ساك فاه يسوكه إذا دلكه بالسواك فإذا لم تذكر الفم قلت استاك وهو يطلق على الفعل والآلة والأول هو المراد ههنا وجمعه سوك ككتب قال النووي يستحب أن يستاك بعود من أراك ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن من فمه عرضا لا طولا لئلا يدمي لحم أسنانه قال الحافظ وأما الأسنان فالأحب فيها أن يكون عرضا وفيه حديث مرسل عند أبي داود وله شاهد موصول عند العقيلي (يرفعه) هذه مقولة الأعرج أي يقول الأعرج يرفع أبو هريرة هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذه صيغة يكني بها عن صريح الرفع فهو أيضا من أقسام المرفوع الحكمي كقول التابعي عن الصحابي يرفع الحديث صرح بذلك الحافظ وفي صحيح مسلم من رواية الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (لولا) مخافة (أن أشق) مصدرية في محل الرفع على الابتداء والخبر محذوف وجوبا أي لولا المشقة موجود (بتأخير العشاء) إلى ثلث الليل كما في رواية الترمذي وأحمد من حديث زيد بن خالد وروى الحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ لأخرت صلاة العشاء إلى نصف الليل (وبالسواك) أي لأمرتهم باستعمال السواك لأن السواك هو آلة ويطلق على الفعل أيضا فعلى هذا لا تقدير والسواك مذكر على الصحيح وحكى في المحكم تأنيثه وأنكر ذلك الأزهري (عند كل صلاة) وكذا في رواية مسلم والنسائي من طريق أبي الزناد عن الأعرج بلفظ عند كل صلاة وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال مع الوضوء بدل الصلاة أخرجه أحمد من طريقه وفي رواية البخاري مع كل صلاة قال الحافظ قال القاضي البيضاوي لولا كلمة تدل على انتقاء الشئ لثبوت غيره والحق أنها مركبة من لو الدالة على انتفاء الشئ لانتفاء غيره ولا النافية فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين أحدهما أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي وثانيهما أنه جعل
[ 47 ]
الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك وقال الشافعي فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبا لأمرهم به شق عليهم أو لم يشق وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم بل ادعى بعضهم فيه بالإجماع لكن حكى الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه قال هو واجب لكل صلاة فمن تركه عامدا بطلت صلاته وعن داود أنه قال وهو واجب لكن ليس شرطا واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به فعند ابن ماجة من حديث أبي أمامة مرفوعا تسوكوا ولأحمد نحوه من حديث العباس وغير ذلك من الأحاديث قال المنذري وأخرج البخاري ومسلم فضل السواك فقط وأخرج النسائي الفضلين وأخرج ابن ماجة فضل الصلاة وأخرج فضل السواك من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة وأخرج الترمذي فضل السواك من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة انتهى (الجهني) المدني من مشاهير الصحابة وفضلائهم (لولا أن أشق) أي لولا مخافة المشقة عليهم لأمرتهم به لكن لم آمر به ولم أفرض عليهم لأجل خوف المشقة (وإن السواك) أي موضع السواك بتقدير المضاف لتصحيح الحمل كقوله تعالى ولكن البر من آمن بالله أي ولكن ذا البر من آمن أو ولكن البر بر من آمن (من أذنه) حال من الاسم المضاف أو صفة له (موضع القلم) بالرفع خبر إن (من أذن الكاتب) حال من الخبر أو صفة له أي أن موضع السواك الكائن من أذن زيد موضع القلم الكائن من أذن الكاتب أي يضع السواك على أذنه موضع القلم أو تقدير أن السواك كان موضوعا على أذنه موضع القلم الموضوع على أذن الكاتب والله أعلم (استاك) ولفظ الترمذي فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وحديث الترمذي مشتمل على الفضلين وقال هذا حديث حسن صحيح
[ 48 ]
(محمد بن إسحاق) بن يسار أحد الأئمة ثقة على ما هو الحق (حبان) بفتح أوله والموحدة (قال) أي محمد بن يحيى (قلت) لعبد الله بن عبد الله (أرأيت) معناه الاستخبار أي أخبرني عن كذا وهو بفتح المثناة الفوقانية في الواحد والمثنى والجمع تقول أرأيت وأرأيتك وأرأيتكما وأرأيتكم واستعمال أرأيت في الإخبار مجاز أي أخبروني عن حالتكم العجيبة ووجه المجاز أنه لما كان العلم بالشئ سببا للإخبار عنه أو الإبصار به طريقا إلى الإحاطة به علما وإلى صحة الإخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم أو لطلب الإبصار في طلب الخير لاشتراكهما في الطلب ففيه مجازان استعمال رأي التي بمعنى علم أو أبصر في الإخبار واستعمال الهمزة التي هي لطلب الرؤية في طلب الإخبار قال أبو حيان في النهر ومذهب البصريين أن التاء هي الفاعل وما لحقها حرف خطاب يدل على اختلاف المخاطب ومذهب الكسائي أن الفاعل هو التاء وأن أداة الخطاب اللاحقة في موضع المفعول الأول ومذهب الفراء أن التاء هي حرف خطاب كهي في أنت وأن أداة الخطاب بعده هي في موضع الفاعل استعيرت فيه ضمائر النصب للرفع ولا يلزم عن كون أرأيت بمعنى أخبرني أن يتعدى تعديته لأن أخبرني يتعدى بعن تقول أخبرني عن زيد وأرأيت يتعدى لمفعول به صريح وإلى جملة استفهامية هي في موضع المفعول الثاني أرأيتك زيدا ما صنع فما بمعنى أي شئ مبتدأ وصنع في موضع الخبر ويرد على مذهب الكسائي أمران أحدهما أن هذا الفعل يتعدى إلى مفعولين كقولك أرأيتك زيدا ما فعل فلو جعلت الكاف مفعولا كانت المفاعيل ثلاثة وثانيهما أنه لو كان مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى لأ كلا من الكاف والتاء واقع على المخاطب وليس المعنى على ذلك إذ ليس الغرض أرأيت نفسك بل أرأيت غيرك ولذلك قلت أرأيتك زيدا وزيد ليس هو المخاطب ولا هو بدل منه وقال الفراء كلاما حسنا رأيت أن أذكره فإنه متين نافع قال للعرب في أرأيت لغتان ومعنيان أحدهما رؤية العين فإذا أردت هذا عديت الرؤية بالضمير إلى المخاطب وتتصرف تصرف سائر الأفعال تقول للرجال أرأيتك على غير هذه الحال تزيد هل رأيت نفسك ثم تثنى وتجمع فتقول أرأيتما كما أرأيتموكم ذلك أرأيتك المعنى الآخر أن تقول أرأيتك وأنت تريد معنى أخبرني كقولك أرأيتك إن فعلت كذا ماذا تفعل أي أخبرني وتترك التاء إذا أردت هذا المعنى موحدة على كل حال تقول أرأيتكما محمد أرأيتكم أرأيتكن وإنما تركت العرب التاء واحدة لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل واقعا من المخاطب على نفسه فاكتفوا من علاقة المخاطب بذكرها في الكاف وتركوا التاء في التذكير والتوحيد مفردة إذا لم يكن الفعل واقعا واعلم أن الناس اختلفوا في الجملة الاستفهامية الواقعة بعد المنصوب أرأيتك زيدا ما صنع فالجمهور على أن زيدا مفعول أول والجملة بعده في محل
[ 49 ]
نصب سادة مسد المفعول الثاني وقال ابن كيسان إن جملة الاستفهامية في أرأيتك زيدا ما صنع بدل من أرأيتك وقال الأخفش إنه لا بد بعد أرأيت التي بمعنى أخبرني من اسم المستخبر عنه ويلزم الجملة التي بعده الاستفهام لأن أخبرني موافق لمعنى الاستفهام قاله العلامة سليمان بن جمل في حاشيته على تفسير الجلالين (توضئ ابن عمر) بكسر الضاد فهمزة بصورة الياء قال النووي صوابه توضؤ بضم الضاد فهمزة بصورة الواو وهو مصدر من التفعل (طاهرا) أي سواء كان ابن عمر طاهرا (وغير طاهر الواو بمعنى أو (عم ذاك) بإدغام نون عن في ميم ما سؤال عن سببه (فقال) عبد الله بن عبد الله (حدثتنيه) أي في شأن الوضوء لكل صلاة (أمر) بضم الهمزة على البناء للمجهول (فلما شق ذلك) أي الوضوء لكل صلاة (عليه) أي على النبي صلى الله عليه وسلم وفي التوسط شرح سنن أبي داود وهذا الأمر يحتمل كونه له خاصا به أو شاملا لأمته ويحتمل كونه بقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا بأن تكون الآية على ظاهرها انتهى قلت وهكذا فهم علي رضي الله عنه من هذه الآية أخرج الدارمي في مسنده حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا شعبة حدثنا مسعود بن علي عن عكرمة أن سعدا كان يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد وأن عليا كان يتوضأ لكل صلاة وتلا هذه الآية إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية (أمر بالسواك لكل صلاة) واستدل به من أوجب السواك لكل صلاة (فكان ابن عمر يرى) هذه مقولة عبد الله بن عبد الله (أن) حرف مشبه بالفعل (به) أي بعبد الله والجار مع مجروره خبر مقدم لأن (قوة) على ذلك وهي اسمه المؤخر والجملة قائمة مقام مفعولي يرى ولفظ أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث وكان عبد الله بن عمر يرى أن به قوة على ذلك كان يفعله حتى مات وظاهره أن سبب توضئ ابن عمر ورود الأمر قبل النسخ فيستدل به على أنه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز (لا يدع) من ودع يدع أي لا يترك وأحاديث الباب مع ما أ خرجه مالك وأحمد والنسائي وصححه ابن خزيمة وذكره البخاري تعليقا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء
[ 50 ]
تدل على مشروعية السواك عند كل وضوء وعند كل صلاة فلا حاجة إلى تقدير العبارة بأن يقال أي عند كل وضوء صلاة كما قدرها بعض الحنفية بل في هذا رد السنة الصحيحة الصريحة وهي السواك عند الصلاة وعلل بأنه لا ينبغي عمله في المساجد لأنه من إزالة المستقذرات وهذا التعليل مردود لأن الأحاديث دلت على استحبابه عند كل صلاة وهذا لا يقتضي أن لا يعمل إلا في المساجد حتى يتمشى هذا التعليل بل يجوز أن يستاك ثم يدخل المسجد للصلاة كما روى الطبراني في معجمه عن صالح بن أبي صالح عن زيد بن خالد الجهني قال ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشئ من الصلوات حتى يستاك انتهى وإن كان في المسجد فأراد أن يصلي جاز أن يخرج من المسجد ثم يستاك ثم يدخل ويصلي ولو سلم فلا نسلم أنه من إزالة المستقذرات كيف وقد تقدم في بيان أن زيد بن خالد الجهني كايشهد الصلوات في المساجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوكهم خلف آذانهم يستنون بها لكل صلاة وأن عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يروحون والسواك على آذانهم (رواه) أي الحديث المذكور بالسند المتقدم (قال) أي إبراهيم (عبيدالله) مصغرا لا مكبرا وأخرجه بلفظ التصغير الدارمي أيضا قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد اختلف الأئمة في الاحتجاج بحديثه انتهى 26 كيف يستاك على لسانه (أبي بردة) أبو بردة بن أبي موسى اسمه عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري (أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس رضي الله عنه (قال) أبو موسى (نستحمله) أي نطلب من النبي صلى الله عليه وسلم حملانه على البعير وهذا السؤال من أبي موسى حين جاء هو ونفر من الأشعريين إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستحملونه فخلف لا يحملهم ثم جاءه إبل فحملهم عليها وقال لا أحلف على يمين فأرى غيرها
[ 51 ]
خيرا منها إلا كفرت عن يميني الحديث (قال) أبو موسى (على طرف لسانه) أي طرفه الداخل كما عند أحمد يستن إلى فوق (يقول إه إه) بهمزة مكسورة ثم هاء وفي رواية البخاري أع أع بضم الهمزة وسكون المهملة وفي رواية النسائي بتقديم العين على الهمزة وللجوزقي بخاء معجمة بعد الهمزة المكسورة قال الحافظ ورواية أعأع إلى أشهر وإنما اختلف الرواة لتقارب مخارج هذه الأحرف وكلها ترجع إلى حكاية صوته إذ جعل السواك على طرف لسانه (يعني يتهوع) وهذا التفسير من أحد الرواة دون أبي موسى وفي مختصر المنذري أراه يعني يتهوع وفي رواية البخاري كأنه يتهوع وهذا يقتضي أنه من مقولة أبي موسى والتهوع التقئ أي له صوت كصوت المتقيئ على سبيل المبالغة والحديث دليل على مشروعية السواك على اللسان طولا وأما الأسنان فالأحب فيها أن تكون عرضا وقد تقدم بعض بيانه (قال مسدد كان) أي المذكور (اختصره) بصيغة المضارع المتكلم قال الشيخ ولي الدين العراقي كذا في أصلنا ونقله النووي في شرحه عن بعض النسخ ونقل عن عامة النسخ اختصرته انتهى قلت والذي في عامة النسخ هو الصحيح قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي في الرجل إلخ (يستن) بفتح أوله وسكون المهملة وفتح المثناة وتشديد النون من السن بالكسر أو الفتح إما لأن السواك يمر على الأسنان أو لأنه يسنها أي يحددها يقال سننت الحديد أي حككته على الحجر حتى يتحدد والمسن بكسر الميم الحجر الذي يمد عليه السكين وحاصل المعنى أنه كان يستاك (أن كبر) بصيغة الأمر نائب فاعل أوحى أي أوحى إليه أن فضل السواك وحقه أن يقدم من هو أكبر ومعنى كبر أي قدم الأكبر سنا في إعطاء السواك قال العلماء فيه تقديم ذي السن في السواك ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام وهذا ما لم يترتب القوم في
[ 52 ]
الجلوس فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن وفيه أن استعمال سواك الغير برضاه الصريح أو العرفي ليس بمكروه (أعط السواك أكبرهما) الظاهر أنه تفسير من الراوي كذا في الشرح وقال في منهية الشرح ويحتمل أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم وفي بعض نسخ الكتاب ههنا هذه العبارة قال أحمد هو ابن حزم قال لنا أبو سعيد هو ابن الأعرابي هذا مما تفرد به أهل المدينة انتهى قلت أحمد هو أبو عمر أحمد بن سعيد بن حزم صرح بذلك الشيخ العلامة وجيه الدين أبو الضياء عبد الرحمن بن علي بن عمر الديبع الشيباني في ثبته وأبو سعيد هو أحمد بن محمد بن زياد بن بشر المعروف بابن الأعرابي أحد رواة السنن للامام أبي داود السجستاني وكانت هذه العبارة في نسخة ابن الأعرابي فبعض النساخ لرواية اللؤلؤي اطلع على رواية ابن الأعرابي فأدرجها في نسخة اللؤلؤي وغرض ابن الأعرابي من هذا أن هذا الحديث من متفردات كان أهل المدينة لم يروه غيره قال المنذري وأخرج مسلم معناه من حديث ابن عمر مسندا وأخرجه البخاري تعليقا 28 غسل السواك بعد الاستعمال أبو للنظافة ودفع ما أصابه من الفم لئلا ينفر الطبع عنه في الاستعمال مرة أخرى (لأغسله) أي السواك للتطيب والتنظيف (فأبدأ به) أي باستعماله في فمي قبل الغسل ليصل برك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي والحديث فيه ثبوت التبرك باثار الصالحين والتلذذ بها وفيه أن استعمال سواك الغير جائز وفيه استحباب غسل السواك
[ 53 ]
29 السواك من الفطرة بكسر الفاء أي السنة القديمة للأنبياء السابقين (يحيى بن معين) بفتح الميم وكسر العين المهملة أبو زكريا البغدادي ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل عن سفيان بن عيينة ويحيى بن سعد القطان وجماعة وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد وخلائق قال أحمد كل حديث لا يعرفه يحيى فليس بحديث رضي الله تعالى عنه (عشر من الفطرة) قال الحافظ أبو سليمان الخطابي فسر أكثر أو العلماء الفطرة في هذا الحديث بالسنة وتأويله أن هذه الخصال من سنن الأنبياء الذين أمرنا أن نقتدي بهم بقوله تعالى فبهداهم اقتده وأول من أمر بها إبراهيم صلى الله عليه وسلم وذلك قوله تعالى وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال ابن عباس أمره بعشر خصال ثم عددهن فلما فعلهن قال إني جاعلك للناس إماما ليقتدى بك ويستن بسنتك وقد أمرت هذه الأمة بمتابعته خصوصا وبيان ذلك في قوله تعالى ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ويقال كانت عليه فرضا وهن لنا سنة (قص الشارب) أي قطع الشعر النابت على الشفة العليا من غير استئصال كذا في الفتح وورد الخبر بلفظ الحلق وهي رواية النسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا ويجئ تحقيق ذلك في كتاب الخاتم إن شاء الله تعالى (وإعفاء اللحية) هو إرسالها وتوفيرها واللحية بكسر اللام شعر الخدين والذقن وفي رواية البخاري وفروا اللحى وفي رواية أخرى لمسلم أوفوا اللحى وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشارع عن ذلك وأمر بإعفائها (والسواك) لأنه مطهرة الفم مرضاة للرب (والاستنشاق بالماء) أي إيصال الماء إلى خياشيمه يحتمل حمله على ما ورد فيه الشرع باستحبابه من الوضوء والاستيقاظ وعلى مطلقه وعلى حال الاحتياج إليه باجتماع أوساخ في الأنف وكذا السواك يحتمل كلا منها (وقص الأظفار) جمع ظفر أي تقليمها (البراجم) بفتح الباء وبالجيم جمع برجمة بضم الباء وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها (ونتف الإبط) بكسر الهمزة والموحدة
[ 54 ]
وسكونها وهو المشهور وهو يذكر ويؤنث والمستحب البداءة فيه باليمنى ويتأدي أصل السنة بالحلق ولاسيما من يؤلمه النتف قال الغزالي هو في الابتداء موجع ولكن يسهل على من اعتاده قال والحلق كاف لأن المقصود النظافة وتعقب بأن الحكمة في نتفه أنه محل للرائحة الكريهة وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فشرع فيه النتف الذي يضعفه فتخفف الرائحة به بخلاف الحلق فإنه يكثر الرائحة وقال ابن دقيق العيد من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل (وحلق العانة) قال النووي المراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه وكذا الشعر الذي حوالي فرج المرأة ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر فتحصل عن مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما لكن قال ابن دقيق العيد قال أهل اللغة العانة الشعر النابت على الفرج وقيل هو منبت الشعر فكأن الذي ذهب إلى استحباب حلق ما حول الدبر ذكره بطريق القياس قال والأولى في إزالة الشعر ههنا الحلق اتباعا (يعني الاستنجاء بالماء) هذا التفسير من وكيع كما بينه قتيبة في رواية مسلم فسره وكيع بالإستنجاء وقال أبو عبيدة وغيره انتقاص البول باستعمال الماء في غسل المذاكير قال النووي انتقاص بالقاف والصاد هو الانتضاح وقد جاء في رواية الانتضاح بدل انتقاص الماء قال الجمهور الانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس انتهى وقال في القاموس الانتفاص بالفاء رش الماء من خلل الأصابع على الذكر وانتقاص بالقاف مثله واستدل به على أن في الماء خاصية قطع البول (أن تكون) العاشرة (المضمضة) فهذا شك من مصعب في العاشرة لكن قال القاضي عياض ولعلها الختان المذكور مع الخمس قال النووي وهو أولى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن (عن سلمة) المدني مجهول الحال (قال موسى) بن إسماعيل (عن أبيه) محمد بن عمار بن ياسر العنسى ذكره ابن حبان في الثقاة قال المنذري في تلخيصه وحديث سلمة بن محمد عن أبيه مرسل لأن أباه ليست له صحبة انتهى (وقال داود عن عمار بن ياسر) قال المنذري وحديثه عن جده
[ 55 ]
عمار قال ابن معين مرسل وقال إنه لم ير جده انتهى وعمار بن ياسر صحابي جليل والحاصل أن سلمة بن محمد بن عمار إن روى عن أبيه فالحديث مرسل لأن محمد بن عمار ليثبت له صحبة وإن روى عن جده عمارا (فذكر نحوه) أي ذكر عمار بن ياسر ومحمد نحو حديث عائشة وتمام حديث عمار بن ياسر على ما جاء في رواية ابن ماجة قال من الفطرة المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط والاستحداد وغسل البراجم والانتضاح والاختتان (ولم يذكر) أحدهما في حديثه (وزاد) أحدهما (قال) أي أحدهما وحاصل الكلام أن الحديث ليس فيه ذكر إعفاء اللحية وانتقاص الماء وزاد فيه الختان والانتضاح وهو نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينتقي عنه الوسواس (وروى) بالبناء للمجهول (نحوه) أي نحو حديث سلمة بن محمد (الفرق) بفتح الفاء وسكون الراء هو أن يقسم رأسه نصفا من يمينه ونصفا من يساره (ولم يذكر) ابن عباس وهذا الأثر وصل عبد الرزاق في تفسيره والطبري من طريقه بسند صحيح واللفظ لعبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء (روى) بالبناء للمجهول (قولهم) مفعول ما لم يسم فاعله (روي) أي قول طلق بن حبيب ومجاهد وبكر المزني موقوفا عليهم دون متصل مرفوع ولم يذكروا هؤلاء في حديثهم (نحوه) أي نحو حديث محمد بن عبد الله (وذكر) أي إبراهيم في روايته قال المنذري وأخرجه ابن ماجه
[ 56 ]
30 السواك إلخ (إذا قام من الليل) ظاهر قوله من الليل عام في كل حالة ويحتمل أن يخص بما إذا قام للصلاة ويدل عليه رواية البخاري في الصلاة بلفظ إذا قام للتهجد ولمسلم نحوه وكذا في ابن ماجه في الطهارة (يشوص) بفتح الياء وضم الشين المعجمة وبالصاد المهملة دلك الأسنان بالسواك عرضا قاله ابن الأعرابي والخطابي وغيرهما وقيل هو الغسل قاله الهروي وغيره وقيل غير ذلك قال النووي أظهرها الأول وما في معناه (فاه بالسواك) لأن النوم يقتضي تغير الفم فيستحب تنظيفه عند مقتضاه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (وضوؤه) بفتح الواو أي ماء يتوضأ به (تخلى) أي قضى حاجته قال المنذري وفي إسناده بهز بن حكيم بن معاوية وفيه مقال (عن علي بن زيد) بن جدعان فيه مقال (عن أم محمد) واسمها أمية أو أمينة هي زوجة زيد بن جدعان تفرد عنها ربيبها على بن زيد مجهولة (لا يرقد) بضم القاف أي لا ينام قال في المصباح رقد نام ليلا كان أو نهارا وبعضهم يخصه بنوم الليل والأول هو الحق انتهى قال المنذري في إسناده على بن زيد بن جدعان ولا يحتج به
[ 57 ]
(بت) متكلم من بات أي نمت (طهوره) بفتح الطاء ما يتطهر به (ثم تلا) قرأ بعد الاستياك (هذه الأيات) من سورة آل عمران إن في خلق السماوات والأرض وما فيهما من العجائب واختلاف الليل والنهار بالمجئ والذهاب والزيادة والنقصا لآيات دلالات لأولي الألباب لذوي العقول (أو) شك من ابن عباس (مصلاه) أي في المكان الذي اتخذه لصلاته (ثم استيقظ ففعل مثل ذلك) فصار مجموع صلاته صلى الله عليه وسلم ست ركعات (كل ذلك يستاك ويصلي ركعتين) هذا تفسير لقوله مثل ذلك (ثم أوتر) أخرج المؤلف في باب صلاة الليل من رواية عثمان أوتر بثلاث ركعات (رواه) أي الحديث المذكور (قال) أي ابن عباس (حتى ختم السورة) من غير شك قال المنذري وأخرجه مسلم مطولا والنسائي مختصرا وأخرجه أبو داود في الصلا من رواية كريب عن ابن عباس بنحوه أتم منه ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا انتهى (قال) أي شريح (بأي شئ كان يبدأ) من الأفعال (بالسواك) فيه بيان فضيلة السواك في جميع الأوقات وشدة الاهتمام به وتكراره لعدم تقييده بوقت الصلاة والوضوء والحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري والترمذي واعلم أن هذا الحديث ليس في عامة النسخ وكذا ليس فمختصر المنذري ولا الخطابي وإنما وجد في بعض النسخ المطبوعة ففي بعضها في هذا الباب
[ 58 ]
أي في باب السواك لمن قام بالليل وفي بعضها في باب الرجل يستاك بسواك غيره ولا يخفى أنه لا يطابق الحديث ترجمة البابين فرجعت إلى جامع الأصول للحافظ بن الأثير فلم أجد هذا الحديث فيه من رواية أبي داود بل فيه من رواية مسلم وأما الإمام بن تيمية فنسبه في المنتقى إلى الجماعة إلا البخاري والترمذي وكذا الشيخ كمال الدين الدميري في ديباجة حاشية ابن ماجه نسبه إلى ابن ماجه وغيره فازداد إشكالا ثم من الله علي بمطالعة تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للحافظ جمال الدين المزي فرأيته أنه نسبه إلى مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه وقال حديث أبي داود في رواية أبي بكر بن داسة انتهى فعلم أن وجه عدم مطابقة الحديث ترجمة البابين هو أن الحديث ليس في رواية اللؤلؤي أصلا وإنما درجه الناسخ فيها من رواية ابن داسة فخلط والله أعلم ويمكن أن يقال في وجه المناسبة إنه إذا كان يستاك عند دخوله البيت بغير تقييد بوقت الصلاة والوضوء فبالأولى أن يستاك إذا قام من الليل للصلاة 31 فرض الوضوء أي الوضوء فرض لا تصح الصلاة بدونه (من غلول) ضبطه النووي ثم ابن سيد الناس بضم الغين المعجمة قال أبو بكر بن العربي الغلول الخيانة خفية فالصدقة من مال حرام في عدم القبول واستحقاق العقاب كالصلاة بغير طهور انتهى قال القرطبي في المفهم الغلول هو الخيانة مطلقا والحرام وقال النووي الغلول الخيانة وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة انتهى (بغير طهور) قال ابن العربي في عارضة الأحوذي قراءته بفتح الطاء وهو بضمها عبارة عن الفعل وبفتحها عبارة عن الماء وقال ابن الأثير الطهور بالضم التطهر وبالفتح الماء الذي يتطهر به قال السيوطي وقال سيبويه الطهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معا فعلى هذا يجوز أن يكون الحديث بفتح الطاء وضمها والمراد التطهر انتهى وضبطه ابن سيد الناس بضم الطاء لا غير وقال أبو بكر بن العربي قبول الله العمل هو رضاه وثوابه عليه قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما والصلاة في حديث جميعهم مقدمة على الصدقة انتهى
[ 59 ]
(إذا أحدث) أي وجد منه الحدث الأكبر كالجنابة والحيض أو الأصغر الناقض للوضوء (حتى يتوضأ) أي إلى أن يتوضأ بالماء أو ما يقوم مقامه فتقبل حينئذ وفيه دليل على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أو اضطراريا لعدم التفرقة بين حدث وحدث وحالة دون حالة قاله القسطلاني قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي (عن ابن عقيل) بفتح العين وكسر القاف هو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب أبو محمد المدني (عن محمد بن الحنفية) هو محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو محمد الإمام المعروف بابن الحنفية أن خولة بنت جعفر الحنفية نسب إليها وكانت من سبي اليمامة الذين سباهم أبو بكر وقيل كانت أمة لبنى حنيفة ولم تكن من أنفسهم (مفتاح الصلاة الطهور) بالضم وبفتح
[ 60 ]
والمراد به المصدر وسمي النبي صلى الله عليه وسلم الطهور مفتاحا مجازا لأن الحدث مانع من الصلاة فالحدث كالقفل موضوع على المحدث حتى إذا توضأ انحل الغلق وهذه استعارة بديعة لا يقدر عليها إلا النبوة وكذلك قوله مفتاح الجنة الصلاة لأن أبواب الجنة مغلقة يفتحها الطاعات وركن الطاعات الصلاة قاله ابن العربي قال النووي وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة إلا ما حكي عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري من قولهما تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة وهذا مذهب
[ 61 ]
باطل وأجمع العلماء على خلافه ولو صلى محدثا متعمدا بلا عذر أثم ولا يكفر عندنا وعند الجماهير وحكي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يكفر لتلاعبه انتهى (وتحريمها التكبير وتحليلها
[ 62 ]
التسليم) قال ابن مالك إضافة التحريم والتحليل إلى الصلاة لملابسة بينهما لأن التكبير يحرم ما كان حلالا في خارجها والتسليم يحلل ما كان حراما فيها وقال بعض العلماء سمي الدخول في
[ 63 ]
الصلاة لأنه يحرم الأكل والشرب وغيرهما على المصلي ويمكن أن يقال إن التحريم بمعنى الإحرام أي الدخول في حرمتها فالتحليل بمعنى الخروج عن حرمتها قال السيوطي قال الرافعي وقد روى محمد بن أسلم في مسنده هذا الحديث بلفظ وإحرامها التكبير وإحلالها
[ 64 ]
التسليم قال الحافظ أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي قوله تحريمها التكبير يقتضي أن تكبيرة الإحرام جزء من أجزائها كالقيام والركوع والسجود خلافا لسعيد والزهري فإنهما يقولان إن الإحرام يكون بالنية وقوله التكبير يقتضي اختصاص إحرام الصلاة بالتكبير دون غيره من
[ 65 ]
صفات تعظيم الله تعالى وهو تخصيص لعموم قوله وذكر اسم ربه فصلى فخص التكبير بالسنة من الذكر المطلق في القرآن لاسيما وقد اتصل في ذلك فعله بقوله فكان يكبر صلى الله عليه وسلم ويقول الله أكبر وقال أبو حنيفة يجوز بكل لفظ فيه تعظيم الله تعالى لعموم القرآن وقال الشافعي يجوز
[ 66 ]
بقولك الله الأكبر وقال أبو يوسف يجوز بقولك الله الكبير أما الشافعي فأشار إلى أن الألف واللام زيادة لم تخل باللفظ ولا بالمعنى وأما أبو يوسف فتعلق بأنه لم يخرج من اللفظ الذي هو التكبير قلنا لأبي يوسف إن كان لا يخرج من اللفظ الذي هو في الحديث فقد خرج من اللفظ
[ 67 ]
الذي جاء به الفعل ففسر المطلق في القول وذلك لا يجوز في العبادات التي لا يتطرق إليها التعليل وبهذا يرد على الشافعي أيضا فإن العبادات إنما تفعل على الرسم الوارد دون نظر إلى شئ من المعنى وقوله تحليلها التسليم مثله في حصر الخروج عن الصلاة في التسليم دون غيره
[ 68 ]
من سائر الأفعال والأقوال المناقضة للصلاة خلافا لأبي حنيفة حيث يرى الخروج منها بكل فعل وقول مضاد كالحدث وغيره حملا على السلام وقياسا عليه وهذا يقتضي إبطال الحصر انتهى
[ 69 ]
بتلخيصه قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه هذا الحديث أصح شئ في الباب وأحسن انتهى
[ 70 ]
32 الرجل يجدد) من التجديد وفي بعض النسخ يحدث من الإحداث وهما بمعنى واحد (قال) أبو غطيف (نودي) أذن (فقلت له) أي لابن عمر في تكراره الوضوء مع كونه متوضئا (فقال) ابن عمر (على ظهر) أي مع كونه طاهرا (كتب له عشر حسنات) قال ابن رسلان في شرحه يشبه أن يكون المراد كتب الله به عشرة وضوءات فإن أقل ما وعد به من الأضعاف الحسنة بعشر أمثالها وقد وعد بالواحدة سبعمائة ووعد ثوابا بغير حساب قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا إسناد ضعيف (وهو أتم) أي أكمل وأزيد من حديث محمد بن يحيى وحديث محمد بن يحيى أنقص من حديث مسدد وهذا لا ينافي قوله وأنا لحديث ابن يحيى أضبط لأن الضبط هو الإتقان والحفظ ولا منافاة بين اتقان والحفظ وبين الكمال والزيادة فيجوز أن يكون الشئ أكمل وأزيد ولا يكون أشد محفوظية وكذا يجوز أن يكون الشئ أشد محفوظية ولا يكون أكمل وأزيد 33 ما ينجس الماء مضارع معلوم من باب التفعيل أي أي شئ ينجس الماء فعلم من الحديث أن كون الماء أقل من القلتين ينجسه بوقوع النجاسة فيه
[ 71 ]
(عن الماء وما ينوبه) هو بالنون أي يرد عليه نوبة بعد نوبة وحاصله أي ما حال الماء الذي تنوبه الدواب والسباع أي يشرب منها ويبول ويلقي الروث فيها (قلتين) القلة بضم القاف وتشديد اللام بمعنى الجرة العظيمة روى الدارقطني في سننه بسند صحيح عن عاصم بن المنذر أنه قال القلال هي الجوابي العظام وقال في التلخيص قال إسحاق بن راهويه الخابية تسع ثلاث قرب وعن إبراهيم قال القلتان الجرتان الكبيرتان وعن الأوزاعي قال القلة ما تقله اليدأي عبد ترفعه وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق قال القلة الجرة التي تستقي فيها الماء والدورق ومال أبو عبيد في كتاب الطهور إلى تفسير عاصم بن المنذر وهو أولى وروى على بن الجعد عن مجاهد قال القلتان الجرتان ولم يقيدهما بالكبر وعن عبد الرحمن بن مهدي ووكيع ويحيى بن آدم مثله رواه ابن المنذر انتهى (لم يحمل الخبث) بفتحتين النجس ومعناه لم ينجس بوقوع النجاسة فيه كما فسره الرواية الآتية إذا بلغ الماء قلتين فإنه لا ينجس وتقدير المعنى لا يقبل النجاسة بل يدفعها عن نفسه ولو كان المعنى أنه يضعف عن حمله لم يكن للتقييد بالقلتين معنى فإن ما دونهما أولى بذلك وقيل معناه لا يقبل حكم النجاسة كما في قوله تعالى مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها أي لم يقبلوا حكمها (هذا لفظ ابن العلاء) أي قال محمد بن العلاء في روايته محمد بن جعفر بن الزبير (محمد بن عباد بن جعفر) مكان محمد بن جعفر بن الزبير وحاصله الاختلاف على الوليد بن كثير فقيل عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير وقيل عنه عن محمد بن عباد بن جعفر (وهو الصواب) أي محمد بن عباد هو الصواب واعلم أنه قد اختلف الحفاظ في هذا الاختلاف بين محمد بن عباد ومحمد بن جعفر فمنهم من ذهب إلى الترجيح فقال المؤلف حديث محمد بن عباد هو الصواب وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب العلل عن أبيه أنه قال محمد بن عباد بن جعفر ثقة ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة والحديث لمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه وقال ابن منده واختلف على أبي أسامة فروي عنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر وقال مرة عن محمد بن جعفر بن الزبير وهو الصواب لأن عيسى بن يونس رواه عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيدالله بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فذكره وأما الدارقطني فإنه جمع بين الروايتين فقال ولما اختلف على أبي
[ 72 ]
أسامة في إسناده أحببنا أن نعلم من أتى بالصواب في ذلك فوجدنا شعيب بن أيوب قد رواه عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعا عن محمد بن جعفر بن الزبير ثم أتبعه عن محمد بن عباد بن جعفر فصح القولان جميعا عن أبي أسامة وصح أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير وعن محمد بن جعفر جميعا فكان أبو أسامة يحدث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر بن الزبير ومرة يحدث به عن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر وكذلك البيهقي قاله الزيلعي قلت هو جمع حسن والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه والشافعي وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي قال الحاكم صحيح على شرطهما وقد احتجا بجميع رواته وقال ابن منده إسناده على شرط مسلم ومداره على الوليد بن كثير فقيل عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير وقيل عنه عن محمد بن عباد بن جعفر وتارة عن عبيدالله بن عبد الله بن عمر وتارة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر والجواب أن هذا ليس اضطرابا قادحا فإنه على تقدير أن يكون الجميع محفوظا انتقال من ثقة إلى ثقة وعند التحقيق الصواب أنه عند الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر المكبر وعن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيدالله بن عبد الله بن عمر المصغر ومن رواه على غير هذا الوجه فقد وهم كذا في التلخيص (عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر) فكلاهما أي حماد بن سلمة ويزيد بن زريع يرويان عن محمد بن إسحاق كذا في منهية الشرح (ابن الزبير) مكان محمد بن جعفر أي قال أبو كامل بإسناده إلى محمد بن إسحاق عن ابن الزبير عن عبيدالله بن عبد الله وأما موسى بن إسماعيل فقال بإسناده إلى محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عبيدالله بن عبد الله ففي رواية أبي كامل نسب محمد بن جعفر إلى جده وفي روايه موسى بن إسماعيل نسب إلى أبيه ويحتمل أن أبا كامل قال في روايته محمد بن جعفر بن الزبير بذكر والد جعفر أي الزبير وقال موسى محمد بن جعفر بغير ذكر والد جعفر والله أعلم كذا في (منهية) غاية المقصود (الفلاة) بفتح الفاء الأرض لا ماء فيها والجمع فلا مثل حصاة وحصى (فذكر معناه) أي مثل الحديث الأول
[ 73 ]
(قلتين) والمراد من القلال قلال هجر لكثرة استعمال العرب لها في أشعارهم كما قال أبو عبيد في كتاب الطهور وكذلك ورد التقيد بها في الحديث الصحيح قال البيهقي في معرفة السنن والآثار قلال هجر كانت مشهورة عند أهل الحجاز ولشهرتها عندهم شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى ليلة المعراج من نيق سدرة المنتهى بقلال هجر فقال مثل آذان الفيلة وإذا نبقها مثل قلال هجر واعتذار الطحاوي في ترك الحديث أصلا بأنه لا يعلم مقدار القلتين لا يكون عذرا عند من علمه انتهى (فإنه) أي الما (لا ينجس) بفتح الجيم وضمها وهذا مفسر لقوله صلى الله عليه وسلم يحمل الخبث قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وسئل يحيى بن معين عن حديث حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر فقال هذا جيد الإسناد فقيل له فإن ابن علية لم يرفعه قال يحيى وإن لم يحفظه ابن علية فالحديث حديث جيد الإسناد وقال أبو بكر البيهقي وهذا إسناد صحيح موصول انتهى (حماد بن زيد وقفه عن عاصم) قال الدارقطني في سننه خالفه حماد بن زيد فرواه عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيدالله بن عبد الله بن عمر عن أبيه موقوفا غير مرفوع وكذلك رواه إسماعيل بن علية عن عاصم بن المنذر عن رجل لم يسمه عن ابن عمر موقوفا أيضا انتهى
[ 74 ]
وقد سلف آنفا ما يجاب عن هذا واعلم أن حديث القلتين صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعمول به قال يحيى بن معين جيد الإسناد وقال البيهقي إسناد صحيح موصول وصححه الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال ابن منده هو صحيح على شرط مسلم وقال الترمذي في جامعه قال أبو عيسى وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق قالوا إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شئ ما لم يتغير ريحه أو طعمه وقالوا يكون نحوا من خمس قرب وفي المحلى شرح الموطأ وقال الشافعي ما بلغ القلتين فهو كثير لا ينجس بوقوع النجاسة وبه قال إسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وجماعة من أهل الحديث منهم ابن خزيمة انتهى وأما الجرح في حديث القلتين كما ذهب إليه الحافظ بن عبد البر والقاضي إسماعيل بن إسحاق وغيرهما فلا يقبل جرحهم إلا ببيان واضح وحجة بالغة وقد حقق شيخنا العلامة الأجل الأكمل السيد محمد نذير حسين المحدث الدهلوي هذا المبحث بما لا مزيد عليه وقال في آخره وبهذا التحقيق اندفع ما قال بعض قاصري الأنظار المعذورين في بعض الحواشي على بعض الكتب ولا يخفى أن الجرح مقدم على التعديل
[ 75 ]
فلا يدافعه تصحيح بعض المحدثين له من ذكره ابن حجر وغيره ووجه الاندفاع لا يخفى عليك بعد التأمل الصادق ألا ترى أن تقديم الجرح على التعديل فرع لوجود الجرح وقد نفيناه لعدم وجود وجهه وجعلناه هباء منثورا فأين المقدم وأين التقديم وإن سلمنا أن وجه الاضطراب في الإسناد والمتن والمبني فقد نفينا الاضطراب في الإسناد وسننفي عليه الأخيرين وقد قال الشيخ محب الله البهاري في المسلم إذا تعارض الجرح والتعديل فالتقديم للجرح مطلقا وقيل بل للتعديل عند زيادة المعدلين ومحل الخلاف إذا أطلقا أو عين الجارح شيئا لم ينفه المعدل أو نفاه لا بيقين وأما إذا نفاه يقينا فالمصير إلى الترجيح اتفاقا وقال العلوي في حاشيته على شرح النخبة نعم إن عين سببا نفاه المعدل بطريق معتبر فإنهما يتعارضان انتهى فثبت صلوح معارضة الجرح للتعديل ثم الترجيح للتعديل لجودة الأسانيد من حيث ثقاة الرواة انتهى كلامه . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 76 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 77 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 78 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 79 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 80 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 81 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 82 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 83 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 84 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 85 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 86 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 88 ]
34 ما جاء في بئر بضاعة أبي هي دار بني ساعدة بالمدينة وهم بطن من الخزرج وأهل اللغة يضمون الباء ويكسرونها والمحفوظ في الحديث الضم كذا في المفاتيح وقال في البدر المنير بضاعة قيل هو اسم لصاحب البئر وقيل هو إسم لموضعها وهي بئر بالمدينة بصق رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرك وتوضأ في دلو ورده فيها وكان إذا مرض مريض يقول له اغتسل بمائها فيغتسل فكأنما نشط من عقال وهي في دار بني ساعدة مشهورة انتهى (إنه) الضمير للشأن (يطرح) أي يلقي (الحيض) بكسر الحاء جمع حيضة بكسر الحاء مثل سدر وسدرة وهي الخرقة التي تستعملها المرأة في دم الحيض (والنتن) بنون مفتوحة وتاء مثناة من فوق ساكنة ثم نون قال ابن رسلان في شرح السنن وينبغي أن يضبط بفتح النون وكسر التاء وهو الشئ الذي له رائحة كريهة من قولهم نتن الشئ بكسر التاء ينتن بفتحها فهو نتن انتهى يعني أن الناس يلقون الحيض ولحوم الكلاب والنتن في الصحاري خلف بيوتهم فيجري عليها المطر ويلقيها الماء إلى تلك البئر لأنها في ممر الماء وليس معناه أن الناس يلقونها فيها لأن هذا مما لا
[ 89 ]
يحوزه كافر فكيف يجوز الصحابة رضي الله عنهم كذا قالوا (الماء) اللام فيه للعهد يعني أن الماء الذي وقع السؤال عنه (طهور) بضم الطاء (لا ينجسه شئ) لكثرته فإن بئر بضاعة كان بئرا كثير الماء يكون ماؤها أضعاف قلتين لا يتغير بوقوع هذه الأشياء والماء الكثير لا ينجسه شئ ما لم يتغير قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وتكلم فيه بعضهم وحكى عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال حديث بئر بضاعة صحيح وقال الترمذي هذا حديث حسن وجود أبو أسامة هذا الحديث لم يرو حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد انتهى (قال بعضهم عبد الرحمن بن رافع) أي مكان عبد الله بن رافع فعبيد الله مولى عبد الله أو ابن عبد الرحمن (الحرانيان) أي أحمد وعبد العزيز وكلاهما الحرانيان وهو بالفتح والتشديد نسبة إلى حران مدينة بالجزيرة (سلمة) بفتح اللام قال النووي سلمة كله بفتح اللام إلا عمرو بن سلمة إمام قومه وبني سلمة القبيلة من الأنصار فبكسرها انتهى (عن سليط) بفتح السين وكسر اللام هو ابن أيوب بن الحكم الأنصاري المدني عن عبد الرحمن بن أبي سعيد وعنه خالد بن أيوب وثقه ابن حبان (العدوي) بالعين والدال المهملتين منسوب إلى عدى بن يزيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بطن من الأنصار وهذا ذكر الخاص بعد العام وهو صفة الرافع (وهو) أي النبي صلى الله عليه وسلم والجملة حال (إنه) ضمير الشأن أو الماء الذي يفهم من السياق (يستقي لك) بصيغة للمجهول أي يخرج لك الماء (وهي) أي بئر بضاعة (والمحائض) عطف على اللحوم قيل هو جمع المحيض وهو مصدر حاض ويقع الحيض على المصدر والزمان والمكان والدم (وعذر الناس) بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة جمع عذرة ككلمة وكلم وهي الغائط
[ 90 ]
قال الإمام الحافظ الخطابي قد يتوهم كثير من الناس إذا سمع هذا الحديث أن هذا كان منهم عادة وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصدا وتعمدا وهذا مما لا يجوز أن يظن بذمي بل بوثني فضلا عن مسلم فلم يزل من عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم تنزيه المياه وصونها عن النجاسات فكيف يظن بأهل ذلك الزمان وهم أعلى طبقات أهل الدين وأفضل جماعة المسلمين والماء ببلادهم أعز والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنعهم بالماء وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تغوط في موارد الماء ومشارعه فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصدا للأنجاس ومطرحا للأقذار ولا يجوز فيهم مثل هذا الظن ولا يليق بهم وإنما كان ذلك من أجل أن هذا البئر موضعها في حدور من الأرض وأن السيول كانت تكشح ما هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها وتلقيها فيها وكان لكثرته لا يؤثر فيه هذه الأشياء ولا تغيره فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شأنها ليعلموا حكمها في النجاسة والطهارة (إن الماء طهور لا ينجسه شئ) قال في المتوسط استدل به على عدم تنجسه إلا بالمغير وأجاب الطحاوي بأن بئر بضاعة كانت طريقا إلى البساتين فهو كالنهر وحكاه عن الواقدي وضعف بأن الواقدي مختلف فيه فمكذب له وتارك ومضعف وقيل كذاب احتال في إبطال الحديث نصرة للرأي فإن بئر بضاعة مشهورة في الحجاج بخلاف ما حكي عن الواقدي وما روى ابن أبي شيبة أن زنجيا وقع في بئر زمزم فأمر بترج الماء ضعفها البيهقي وروى عن سفيان بن عيينة قال أنا بمكة سبعين سنة لم أر أحدا صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي وحديث بئر بضاعة هذا لا يخالف حديث القلتين إذ كان معلوما أن الماء في بئر بضاعة يبلغ القلتين إذ أحد الحديثين يوافق الآخر ولا يناقصه والخاص يقضي على العام ويبينه ولا ينسخه ولا يبطله قاله الخطابي (قيم) بفتح القاف وتشديد الياء المكسورة أي من كان يقوم بأمر البئر ويحافظها لا (العانة) قال أهل اللغة هي موضع منبت الشعر فوق قبل الرجل والمرأة (فإذا نقص) ماؤها فما يكون مقدار الماء (دون العورة) قال ابن رسلان يشبه أن يكون المراد به عورة الرجل أي دون الركبة لقوله صلى الله عليه وسلم عورة الرجل ما بين سرته وركبته (بردائي) متعلق بقدرت أن (مددته عليها) أي بسطت ردائي على البئر وهذه كيفية تقديرها ولم يسهل تقديرها إلا بهذه الكيفية (ثم ذرعته) أي ردائي بعد مدة (فإذا عرضها) أي بئر بضاعة (ستة أذرع) جمع ذراع وهو من المرفق إلى أطراف
[ 91 ]
الأصابع قال أبو داود (سألت الذي فتح لي باب البستان) وكانت البئر في ذلك البستان (هل غير) على البناء للمجهول (بناؤها) أي بئر بضاعة (عما كانت عليه) الضمير المجرور يرجع إلى ما الموصولة والمراد من ما الحالة والعمارة التي كانت البئر عليها وجملة هل غير مع متعلقها المفعول الثاني لسألت (قال) محافظها (لا) أي لم يغير بناؤها قال أبو داود (ورأيت فيها ماء متغير اللون) قال النووي يعني بطول المكث وأصل المنبع لا بوقوع شئ أجنبي فيه انتهى وإنما فسرنا بذلك لأنه قال ابن منذر أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغير له طعما أو لونا أو ريحا فهو نجس أما حديث الباب فقال الحافظ في تلخيص الحبير أخرجه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد قال الترمذي حديث حسن وقد جوده أبو أسامة وصححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو محمد بن حزم وزاد في البدر المنير والحاكم وآخرون من الأئمة الحفاظ قال الحافظ ونقل ابن الجوزي أن الدارقطني قال إنه ليس بثابت ولم نر ذلك في العلل له ولا في السنن قلت وقال في كشف المناهج وقول الدارقطني هذا الحديث غير ثابت غير مسلم له وقول الإمام أحمد وغيره ممن صححه مقدم على الدارقطني انتهى 35 الماء لا يجنب على (بعض أزواج) وهي ميمونه رضي الله تعالى عنها لما أخرجه الدارقطني وغيره من حديث ابن عباس عن ميمونة قالت أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه فقلت له فقال الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه (في جفنة) بفتح الجيم وسكون الفاء قصعة كبيرة وجمعه جفان (أو يغتسل) الظاهر أن الشك من بعض الرواة لا من ابن عباس
[ 92 ]
لأن المروي عنه من غير طرق بتعيين لفظ يغتسل من غير شك (إني كنت جنبا) وقد اغتسلت منها وهو بضم الجيم والنون والجنابة معروفة يقال منها أجنب بالألف وجنب على وزن قرب فهو جنب ويطلق على الذكر والأنثى والمفرد والتثنية والجمع (إن الماء لا يجنب) قال في القاموس جنب أي كمنع وجنب أي كفرح وجنب أي ككرم فيجوز فتح النون وكسرها ويصح من أجنب بجنب وهو إصابة الجنابة وجاء في الأحاديث الأخرى أن الإنسان لا يجنب وكذا الثوب والأرض ويريد أن هذه الأشياء لا يصير شئ منها جنبا يحتاج إلى الغسل لملامسة الجنب قال في المتوسط واحتج بحديث الباب على طهورية الماء المستعمل وأجيب بأنه اغترف منه ولم ينغآس إذ يبعد الاغتسال داخل الجفنة عادة وفي بمعنى من فيستدل به على أن المحدث إذا غمس يده في الإناء للاغتراف من غير رفع الحدث عن يده لا يصير مستعملا قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح 36 البول في الماء الراكد ركد ركودا من باب قعد أي سكن وأركدته أسكنته وركدت السفينة أي وقفت فلا تجري (في حديث هشام) أي فيما حدثنا به عن هشام أو عن حديث هشام ففي بمعنى عن ويدل لذلك رواية الدارمي في مسنده حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا زائدة عن هشام عن محمد الحديث قال صاحب القاموس في منظومته في اصطلاح الحديث الحمد لله العلى الأحد ثم الصلاة للنبي أحمد قال شارحها السيد العلامة سليمان بن يحيى بن عمر الأهدل قوله للنبي أحمد اللام بمعنى على كما في قوله تعالى ويخرون للأذقان أي عليها وقال ولده السيد العلامة عبد الرحمن بن سليمان في حاشيته على شرح والده المذكور قوله إن اللام بمعنى على هذا إنما يأتي على مذهب الكوفيين وابن مالك القائلين أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض بقياس وقال شيخنا العلامة حسين بن محسن وفي القرآن والحديث وكلام العرب كثير من هذا النوع (لا يبولن) بلا النهي والنون الثقيلة (في الماء الدائم) الساكن الذي لا يجري (ثم يغتسل منه) أي من الماء الدائم الذي بال فيه وثم يغتسل عطف على الفعل المنفي وثم استبعادية أي بعيد من العاقل أن يجمع
[ 93 ]
بينهما والحديث وإن دل بظاهره على منع الجمع بين البول والاغتسال فيه لاعلى المنع من كل واحد منهما بانفراده ولكن الحديث الآتي يدل على المنع من كل واحد منهما بانفراده أيضا وإن كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه بمفهوم الحديث قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وأخرجه البخاري من حديث الأعرج عن أبي هريرة وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة ولفظ الترمذي وفي لفظ النسائي ثم يتوضأ منه انتهى (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة) وهذا الحديث صريح المنع من كل واحد من البول والاغتسال فيه على انفراده كما مر وأخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب فقالوا يا أبا هريرة كيف يفعل قال يتناوله تناولا وقد استدل بهذه الأحاديث على أن الماء المستعمل يخرج عن كونه أهلا للتطهير لأن النهي ههنا عن مجرد الغسل فدل على وقوع المفسدة بمجرده وحكم الغسل في هذا الحكم وقالوا والبول ينجس الماء فكذا الاغتسال لأنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عنهما جميعا وذهب بعض الحنفية إلى هذا وقال إن الماء المستعمل نجس وأجيب عن الاستدلال بحديث الباب بأن علة النهى ليست كونه يصير مستعملا بل مصيره مستخبثا بتوارد الاستعمال فيبطل نفعه ويوضح ذلك قول أبي هريرة يتناوله تناولا فإنه يدل على أن النهي إنما هو من الانغماس لا عن الاستعمال وإلا لما كان بين الانغماس والتناول فرق وذهب جماعة من العلماء كعطاء وسفيان الثوري والحسن البصري والزهري والنخعي وأبي ثور وجميع أهل الظاهر ومالك والشافعي وأبي حنيفة في إحدى الروايات عن الثلاثة المتأخرين إلى طهارة الماء المستعمل للوضوء ومن أدلتهم حديث أبي جحيفة عند البخاري قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فأتى بوضوء فتوضأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به وحديث أبي موسى عنده أيضا قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه ثم قال لهما يعني أبا موسى وبلالا اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وعن السائب بن يزيد عنده أيضا قال ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابن أختي وقع أي مريض فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه الحديث فإن قال الذاهب إلى نجاسة المستعمل للوضوء إن هذه الأحاديث غاية ما فيها الدلالة على طهارة ما توضأ به صلى الله عليه وسلم ولعل ذلك من خصائصه قلنا هذه دعوى غير
[ 94 ]
نافقة فإن الأصل أن حكمه وحكم أمته واحد إلا أن يقوم دليل يقتضي بالاختصاص ولا دليل قاله الشوكاني قال المنذري وأخرجه ابن ماجه ولفظه لا يبولن أحدكم في الماء الراكد انتهى 37 الوضوء بسؤر الكلب هل يجوز أم لا فاختلف فيه قال الزهري إذا ولغ الكلب في إناء ليس له وضوء غيره يتوضأ به وقال سفيان هذا الفقه بعينه يقول الله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا وهذا ماء وفي النفس منه شئ يتوضأ به ويتيمم رواه البخاري تعليقا وقال الحافظ في الفتح وقول الزهري هذا رواه الوليد بن مسلم في مصنفه عن الأوزاعي وغيره عنه ولفظه سمعت الزهري في إناء ولغ فيه كلب فلم يجدوا ماء غيره قال يتوضأ به وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريقه بسند صحيح وعن مالك رواية أن الأمر بالتسبيع للندب والمعروف عند أصحابه أنه للوجوب لكنه للتعبد لكون الكلب طاهرا عندهم انتهى لكن القول المحقق نجاسة سؤر الكلب لقوله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم والطهارة تستعمل إما عن حدث أو خبث ولا حدث على الإناء فتعين الخبث وقد ثبت عن ابن عباس التصريح بأن الغسل من ولوغ الكلب لأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه فلا يجوز التوضي (التوضؤ) به (طهور إناء أحدكم) الأشهر فيه الضم ويقال بفتحها قاله النووي (إذا ولغ) قال أهل اللغة يقال ولغ الكلب في اناء يلغ بفتح اللام فيهما ولوغا إذا شرب بطرف لسانه قال أبو زيد يقال ولغ الكلب بشرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا (أن يغسل سبع مراب أولاهن بالتراب) وفيه دليل على وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات وهذا مذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء وقال أبو حنيفة يكفي غسله ثلاث مرات قال النووي ومعنى الغسل بالتراب أن يخلط التراب في الماء حتى يتكدر ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب أو التراب على الماء أو يأخذ الماء الكدر من موضع فيغسل به وأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزي انتهى وفيه دليل أيضا على أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء
[ 95 ]
الذي في الإناء غالبا قال الحافظ في فتح الباري واختلف الرواة عن ابن سيرين في محل غسله التتريب فلمسلم وغيره من طريق هشام بن حسان عنه أولاهن وهي رواية الأكثر عن ابن سيرين واختلف عن قتادة عن ابن سيرين فقال سعيد بن بشير عنه أولاهن أيضا أخرجه الدارقطني وقال أبان عن قتادة السابعة وللشافعي عن سفيان عن أيوب عن ابن سيرين أولاهن أو إحداهن وفي رواية السدى عن البزار إحداهن وكذا في رواية هشام بن عروة عن أبي الزناد عنه فطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال إحداهن مبهمة وأولاهن والسابعة معينة وأو إن كانت في نفس الخبر فهي التخيير فيقتضى حمل المطلق على المقيد أن يحمل على أحدهما لأن فيه زيادة على الرواية المعينة وإن كانت أوشكا من الراوي فرواية من عين ولم يشك أولى من رواية من أبهم أوشك فيبقى النظر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حيث المعنى أيضا لأن تتريب الأخير يقتضي الاحتياج إلى غسله أخرى لتنظيفه قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وأخرجه الترمذي وفيه أولاهن أو أخراهن بالتراب وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة وقال هذا حديث حسن صحيح (وكذلك) أي بزيادة لفظ أولاهن بالتراب (عن محمد) هو ابن سيرين بمعناه) أي بمعنى الحديث الأول (ولم يرفعاه) أي ولم يرفع الحديث حماد بن زيد والمعتمر عن أيوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل وقفاه على أبي هريرة (وزاد) أي أيوب في روايته فيما رواه عنه المعتمر وحماد (وإذا ولغ الهر غسل مرة) قال الترمذي في جامعه وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ولم يذكر فيه إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة انتهى وقال المنذري وقال البيهقي أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم ووهموا فيه والصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع وفي ولوغ الهر موقوف انتهى وقال الزيلعي قال في التنقيح وعلته أن مسددا رواه عن معتمر فوقفه رواه عنه أبو داود قال في الإمام والذي تلخص أنه مختلف في رفعه واعتمد الترمذي في تصحيح على عدالة الرجل عنده ولم يلتفت لوقف من وقفه والله أعلم
[ 96 ]
(في الإناء) ظاهره العموم في الآنية ومفهومه يخرج الماء المستنقع مثلا وبه قال الأوزاعي لكن إذا قلنا بأن الغسل للتنجيس يجري الحكم في القليل من الماء دون الكثير (فاغسلوه) أي الإناء وهذا يقتضي الفور لكن حمله الجمهور على الاستحباب إلا لمن أراد أن يستعمل ذلك الإناء (بالتراب) ولم يقع في رواية مالك التتريب ولم يثبت في شئ من الروايات عن أبي هريرة إلا عن ابن سيرين وأيوب السختياني وأبي رافع والحسن على أن بعض أصحاب ابن سيرين لم يذكروه ومع هذا أخذنا بالتتريب لأن زيادة الثقة مقبولة (ولم يذكروا التراب) في روايتهم عن أبي هريرة ولا يضر عدم ذكر هؤلاء لهذه اللفظة لأن ابن سيرين وأيوب السختياني والحسن البصري وأبا رافع ذكروا هذه اللفظة عن أبي هريرة وحديث الحسن وأبي رافع أخرجه الدارقطني في سننه وإسناد حديث أبي رافع صحيح وحديث الحسن لا بأس به وللطحاوي في شرح معالي الآثار في إبطال الغسلات السبع كلام شنيع وقد أجاد الحافظ البيهقي في رد كلامه في كتابه المعرفة والحافظ بن حجر في فتح الباري فجزاهما الله أحسن الجزاء (أبو التياح) بفتح المثناة فوق وبعدها مثناة تحت مشددة وآخر حاء مهملة هو يزيد بن حميد البصري ثقة ثبت (عن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وبعدها الراء المكسورة المشددة هو ابن عبد الله الشخير العامري أبو عبد الله البصري أحد سادة التابعين قال ابن سعد ثقة له فضل وورع وعقل وأدب (عن ابن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة المفتوحة وهو عبد الله بن المغفل المزني بايع تحت الشجرة ونزل البصرة (أمر بقتل الكلاب) قال القاضي عياض ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث بقتل الكلاب إلا ما استثنى قال وهذا مذهب مالك وأصحابه وذهب آخرون إلى جواز اقتنائها جميعا ونسخ قتلها إلا الأسود البهيم قال وعندي أن النهي أولا كان نهيا عاما من اقتنائها جميعا والأمر بقتلها
[ 97 ]
جميعا ثم نهى عن قتل ما عدا الأسود وامتنع الاقتناء في جميعها إلا المستثنى كذا في سبل السلام قلت ما قاله القاضي هو الحق الصريح (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (مالهم) أي للناس يقتلون الكلاب (ومالها) أي ما للكلاب أن تقتل ولفظ مسلم ما بالهم وبال الكلاب وفيه دليل على امتناع قتل الكلاب ونسخه وقد عقد الحافظ الحازمي في كتابه الاعتبار لذلك بابا وأخرج مسلم عن جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فتقتله ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان (في) اقتناء كلب الصيد أي الكلاب التي تصيد (وفي) اقتناء (كلب الغنم) أي التي تحفظ الغنم في المرعى وزاد مسلم وكلب الزرع (عفروه بالتراب) التعفير التمريغ بالتراب والحديث فيه حكم غسلة ثامنة وأن غسلة التراب غير الغسلات السبع بالماء وبه قال الحسن البصري وأفتى بذلك أحمد بن حنبل وغيره وروي عن مالك أيضا قال ابن دقيق العيد قوله عفروه الثامنة بالتراب ظاهر في كونها غسلة مستقلة لكن لو وقع التغفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسلة على التراب مجازا وجنح بعضهم إلى الترجيح لحديث أبي هريرة على حديث عبد الله بن مغفل والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع والأخذ بحديث ابن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس والزيادة من الثقة مقبولة ولو سلك الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلا لأن رواية مالك بدونه أرجح من رواية من أثبته ومع ذلك فقلنا به أخذا بزيادة الثقة قاله الحافظ قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه 38 سؤر الهرة الهر الذكر وجمعه هررة مثل قرد وقردة والأنثى هرة مثل سدرة قاله الأزهري قال
[ 98 ]
ابن الأنباري الهر يقع على الذكر والأنثى وقد يدخلون الهاء في المؤنث وتصغيرها هريرة كذا في المصباح (عن حميدة) قال ابن عبد البر هي بضم الحاء المهملة وفتح الميم عند رواة الموطأ إلا يحيى الليثي فقال إنها بفتح الحاوكسر الميم (بنت عبيد بن رفاعة) الأنصارية الزرقية أم يحيى عن خالتها كبشة بنت كعب وعنها زوجها إسحاق بن عبد الله المذكور آنفا وابنها يحيى بن إسحاق وثقها ابن حبان وقال الحافظ هي مقبولة قال في النيل الحديث صححه البخاري والعقيلي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني وأعله ابن مندة بأن حميدة الراوية عن كبشة مجهولة وكذلك كبشة قال ولم يعرف لهما إلا هذا الحديث وتعقبه الحافظ بن حجر بأن لحميدة حديثا آخر في تشميت العاطس رواه أبو داود ولها حديث ثالث رواه أبو نعيم في المعرفة وقد روى عنها مع إسحاق ابنه يحيى وهو ثقة عند ابن معين فارتفعت الجهالة (كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة (بنت كعب بن مالك) الأنصارية زوج عبد الله بن أبي قتادة (وكانت) كبشة (تحت ابن أبي قتادة) أي في نكاحه (دخل) في بيت كبشة (فسكبت) بصيغة المتكلم والسكب الصب أي صببت ويحتمل أن يكون بصيغة الغائب (وضوءا) بفتح الواو أي صبت له ماء الوضوء في قدح ليتوضأ منه (منه) أي من الماء الذي كان في الإناء (فأصغى لها الإناء) أي أمال أبو قتادة للهرة الإناء حتى يسهل عليها الشرب (فرآني) أبو قتادة والحال أني (أنظر إليه) أي إلى شرب الهرة للماء نظر المنكر أو المتعجب (يا ابنة أخي) المراد أخوة الإسلام ومن عادة العرب أن يدعوا بيا ابن أخي ويا ابن عمي وإن لم يكن أخا أو عما له في الحقيقة (فقال) أبو قتادة لا تعجبي (بنجس) يعني نجاسة مؤثرة في نجاسة الماء وهو مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث ولو قيل بكسر الجيم لقيل بنجسة لأنها صفة لهرة وقال بعضهم النجس بفتح الجيم النجاسة والتقدير أنها ليست بذات نجس كذا في بعض شروح الترمذي وقال السيوطي قال المنذري ثم النووي ثم ابن دقيق العيد ثم ابن سيد الناس مفتوح الجيم من النجاسة قال الله تعالى إنما المشركون نجس انتهى إنها من الطوافين عليكم هذه جملة مستأنفة فيها معنى العلة إشارة إلى أن علة الحكم بعدم نجاسة الهرة
[ 99 ]
هي الضروة الناشئة من كثرة دورانها في البيوت ودخولها فيه بحيث يصعب صون الأواني عنها والمعنى أنها تطوف عليكم في منازلكم ومساكنكم فتمسحونها الله بأبدانكم وثيابكم ولو كانت نجسة لأمرتكم بالمجانبة عنها وفيه التنبيه على الرفق بها واحتساب الأجر في مواساتها والطائف الخادم الذي يخدمك برفق وعناية وجمعه الطوافون قال البغوي في شرح السنة يحتمل أنها شبهها بالمماليك من خدم البيت الذين يطوفون على بيته للخدمة كقوله تعالى طوافون عليكم ويحتمل أنه شبهها بمن يطوف للحاجة يريد أن الأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة والأول هو المشهور وقول الأكثر وصححه النووي في شرح أبي داود وقال ولم يذكر جماعة سواه (والطوافات) وفي رواية الترمذي أو الطوافات قال ابن سيد الناس جاء هذا الجمع في المذكر والمؤنث على صيغة جمع من يعقل قال السيوطي يريد أن هذا الحيوان لا يخلو أن يكون زمن جملة الذكور الطوافين أو الإناث الطوافات ومحصل الكلام أنه شبه ذكور الهر بالطوافين وإناثها بالطوافات قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال وهو أحسن شئ في هذا الباب وقد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ولم يأت به أحد أتم من مالك وقال محمد بن إسماعيل البخاري جود مالك بن أنس هذا الحديث وروايته أصح من رواية غيره انتهى (أن مولاتها) أي معتقة أم داود وكانت أمه مولاة لبعض نساء الأنصار والمولى اسم مشترك بين المعتق بالكسر والفتح والمراد ههنا بالكسر (أرسلتها) الضمير المرفوع للمولاة قال والمنصوب لأمه (بهريسة) فعيلة بمعنى مفعولة هرسها عن من باب قتل دقها قال ابن فارس الهرس دق الشئ ولذلك سميت الهريسة وفي النوادر الهريس الحب المدقوق بالمهراس قبل أن يطبخ فإذا طبخ فهو الهريسة بالهاء والمهراس بكسر الميم هو الحجر الذي يهرس به الشئ وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب فقيل لها مهراس على التشبيه بالمهراس من الحجر كذا في المصباح وفي بعض كتب اللغة هريس كأمير طعام ينخذمن من الحبوب واللحم وأطيبه ما يتخذ من الحنطة ولحم الديك قالت أم داود فوجدتها) أي عائشة (فأشارت إلي أن ضعيها) أي
[ 100 ]
الهريسة وأن مفسرة لما في الإشارة وفيه دليل على أن مثل هذه الأشياء جائزة في الصلاة وقد ثبت في الأحاديث الكثيرة الإشارة في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الحق (بفضلها) أي بسؤر الهرة قال الإمام الخطابي فيه من الفقه أن ذات الهرة طاهرة وأن في سؤرها غير بن نجس وأن الشرب منه والوضوء غير مكروه وفيه دليل على أن سؤركل طاهر الذات من السباع والدواب والطير وإن لم يكن مأكول اللحم طاهر انتهى قال الترمذي وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة بأسا قلت وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة بل نجس كالسبع لكن خفف فيه فكره سؤره واستدل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن الهرة سبع في حديث أخرجه أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة بلفظ السنور سبع وأجيب بأن حديث الباب ناطق بأنها ليست بنجس فيخصص به عموم حديث السباع بعد تسليم ورود ما يقضي بنجاسة السباع وأما مجرد الحكم عليها بالسبعية فلا يستلزم أنها نجس إذ لا ملازمة بين النجاسة والسبعية على أنه قد أخرج الشافعي والدارقطني والبيهقي في المعرفة وقال له أسانيد إذا ضم بعضها إلى بعض كانت قوية بلفظ أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها وحديث عائشة المذكور في الباب نص على محل النزاع قاله الشوكاني قال المنذري قال الدارقطني تفرد به عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذه الألفاظ انتهى 39 الوضوء بفضل المرأة وفي بعض النسخ الوضوء بفضل وضوء المرأة والفضل هو بقية الشئ أي استعمال ما يبقى في الإناء من الماء بعد ما شرعت المرأة في وضوئها أو غسلها سواء كان استعماله من ذلك الماء معها أو بعد فراغ من تطهيرها فيه صورتان وأحاديث الباب تدل على الصورة الأولى وهي استعماله معها صريحة وعلى الثانية استنباطا أو بانضمام أحاديث أخرى (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن يكون مفعولا معه ويحتمل أن يكون عطفا
[ 101 ]
على الضمير (ونحن جنبان) هذا بناء على إحدى اللغتين في الجنب أنه يثنى ويجمع فيقال جنب وجنبان وجنبيون هذه وأجناب واللغة الأخرى رجل جنب ورجلان جنب ورجال جنب ونساء جنب بلفظ واحد وأصل الجنابة في اللغة البعد ويطلق الجنب على الذي وجب عليه الغسل بجماع أو خروج مني لأنه يجتنب الصلاة والقراءة والمسجد ويتباعد عنها قال النووي وفيه دليل على طهارة فضل المرأة لأن عائشة رضي الله عنها لما اغترفت بيدها من القدح وأخذت الماء منه المرة الأولى صار الماء بعدها من فضلها وما كان أخذه صلى الله عليه وسلم بعدها من ذلك الماء إلا من فضلها وأما مطابقة الحديث للباب فمن حيث أنه كان الغسل مشتملا على الوضوء قال المنذري وأخرجه النسائي مختصرا وأخرج مسلم من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من جنابة انتهى (ابن خربوذ) بفتح الخاء المعجمة وشدة الراء المهملة مفتوحة وضم الموحدة وسكون الواو ثم الذال المعجمة آخرا هو سالم بن سرج أبو النعمان المدني عن مولاته أم حبيبة وثقه ابن معين قال الحافظ بن حجر قال الحاكم أبو أحمد من قال ابن سرج عربه ومن قال ابن خربوذ أراد به إلا كاف بالفارسية ومنهم من قال فيه سالم بن النعمان (عن أم صبية الجهنية) بصاد مهملة ثم موحدة مصغرا مع التثقيل هي خولة بنت قيس وهي جدة خارجة بن الحارث وقال ابن مندة إن أم صبية هي خولة بنت قيس بن قهد ورد عليه أبو نعيم قال الحافظ فأصاب أي أبو نعيم وفي شرح معاني الآثار للطحاوي إنها قد أدركت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عبد الله ابن ماجه سمعت محمدا يقول أم صبية هي خولة بنت قيس فذكرت لأبي زرعة فقال صدق (اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كان يغترف تارة قبلها وتغترف هي تارة قبله ولمسلم من طريق معاذة عن عائشة فيبادرني حتى أقول دع لي زاد النسائي وأبادر سنة حتى يقول دعى لي (في الوضوء) بضم الواو أي في التوضئ (من إناء واحد) متعلق بالوضوء وفي هذا الحديث جواز اغتراف الجنب من الماء القليل وأن ذلك لا يمنع من التطهر بذلك الماء ولا بما يفضل منه ويدل على أن النهي عن انغماس الجنب في الماء الدائم إنما هو للتنزيه كراهية أن يستقذر لا لكونه يصير نجسا بانغماس الجنب فيه لأنه فرق بين جميع بدن الجنب وبين عضو من أعضائه قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وحكى أن أم صبية هي خولة بنت قيس انتهى
[ 102 ]
(في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يستفاد منه أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون حكمه الرفع وهو الصحيح وحكى عن قوم خلافه لاحتمال أنه لم يطلع وهو ضعيف لتوفر دواعي الصحابة على سؤالهم إياه عن الأمور التي تقع لهم ومنهم ولو لم يسألوه لم يقروا على غير الجائز من الأفعال في زمن التشريع (قال مسدد) وحده في روايته (من الإناء الواحد) ثم اتفقا بقولهما (جميعا) فلفظ مسدد كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإناء الواحد جميعا ولفظ عبد الله كان الرجال والنساء يتوضؤون فزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا فقوله جميعا ظاهره أنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة وحكى ابن التين عن قوم إن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون جميعا في موضع واحد هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة والزيادة المتقدمة في قوله من الإناء الواحد ترد عليه وكأن هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب وقد أجاب ابن التين عنه أن معناه كان الرجال يتوضؤون ويذهبون ثم تأتي النساء فتتوضأن عمرو وهو خلاف الظاهر من قوله جميعا قال أهل اللغة الجميع ضد المفترق وقد وقع مصرحا بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث من طريق معتمر عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر منه قاله الحافظ قال الحافظ الإمام المنذري وأخرجه وابن ماجه وأخرجه البخاري وليس فيه من الإناء الواحد انتهى (ندلي فيه أيدينا) هو من الإدلاء ومن التفعيل والأول لغة القران كذا في التوسط يقال أدليت الدلو في البئر ودليتها قبل إذا أرسلتها في البئر وفيه دليل على أن الاغتراف من الماء القليل لا يصيره مستعملا لأن أوانيهم كانت صغارا كما صرح به الإمام الشافعي في الأم في عدة مواضع وأما اجتماع الرجال والنساء للوضوء في إناء واحد فلا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم ونقل الطحاوي ثم القرطبي والنووي الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الإناء الواحد وفيه نظر لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهي عنه وكذا حكاه ابن عبد البرعن قوم وهذا الحديث حجة عليهم
[ 103 ]
40 النهي عن ذلك المذكور إباحته وهو الوضوء بفضل المرأة وهذا النهي يشمل الصورتين المذكورتين سابقا (عن حميد الحميري) هو بالتصغير ابن عبد الرحمن الحميري البصري الفقيه عن أبي هريرة وأبي بكرة وعنه ابن سيرين وابن أبي وحشية وثقه العجلي قال ابن سيرين هو أفقه أهل البصرة والحمير بكسر الحاء وسكون الميم وفتح الياء منسوب إلى حمير بن سبأ (لقيت رجلا) ودعوى الحافظ البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة لأن إبهام الصحابي لا يضر وقد صرح التابعي بأنه لقيه ووصفه بأنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين (قال) الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (بفضل الرجل) أي بالماء الذي يفضل بعد فراغه من الغسل أو بعد شروعه في الغسل فلا يجوز للمرأة أن تغتسل معه بفضله ولا بعد غسله بفضله (بفضل المرأة) أي بالماء الذي يفضل بعد فراغها من غسلها أو بعد شروعها في الغسل فلا يجوز للرجل أن يغتسل معها بفضلها ولا بعد غسلها
[ 104 ]
بفضلها (وليغترفا) بصيغة الأمر أي ليأخذ الرجل والمرأة غرفة غرفة من الماء عند اغتسالهما منه (جميعا) أي يكون اغترافهما جميعا لا باختلاف أيديهما فيه واحد بعد واحد وحاصل الكلام أن تطهير كل منهما بفضل الآخر ممنوع سواء يتطهران معا من إناء واحد كل منهما بفضل الآخر أو واحد بعد واحد كذلك لكن يجوز لهما التطهير من الفضل في صورة واحدة وهي أن يتطهرا من إناء واحد ويكون اغترافهما جميعا لا باختلاف أيديهما فيه واحد بعد واحد هذا ما يفهم من تبويب المؤلف الإمام رضي الله عنه قال الإمام المنذري وأخرجه النسائي (وهو الأقرع) أي عمرو والد الحكم هو الأقرع (بفضل طهور المرأة) بفتح الطاء ما يتطهر به قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن وقال البخاري سوادة بن عاصم أبو حاجب يعد في البصريين ولا أراه يصح عن الحكم بن عمرو انتهى وقال النووي حديث الحكم بن عمرو ضعيف ضعفه أئمة الحديث منهم البخاري وغيره وقال الخطابي قال محمد بن إسماعيل خبر الأقرع في النهي لا يصح واعلم أن تطهير الرجل بفضل المرأة وتطهيرها بفضله فيه مذاهب الأول جواز التطهير لكل واحد من الرجل والمرأة بفضل الآخر شرعا جميعا أو تقدم أحدهما على الآخر والثاني كراهة تطهير الرجل بفضل المرأة وبالعكس والثالث جواز التطهير لكل منهما إذا اغترفا جميعا والرابع جواز التطهير ما لم تكن المرأة حائضا والرجل جنبا والخامس جواز تطهير المرأة بفضل طهور الرجل وكراهة العكس والسادس جواز التطهير لكل منهما إذا شرعا جميعا للتطهير في إناء واحد سواء اغترفا جميعا أو لم يغترفا يحيى كذلك ولكل قائل من هذه الأقوال دليل يذهب إليه ويقول
[ 105 ]
به لكن المختار في ذلك ما ذهب إليه أهل المذهب الأول لما ثبت في الأحاديث الصحيحة تطهيره صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وكل منهما يستعمل فضل صاحبه وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل بعض أزواجه وجمع الحافظ الخطابي بين أحاديث الإباحة والنهي فقال في معالم السنن كان وجه الجمع بين الحديثين إن ثبت حديث النهي وهو حديث الأقرع أن النهي إنما وقع عن التطهير بفضل ما تستعمله المرأة من الماء وهو ما سال وفضل عن أعضائها عند التطهير دون الفضل الذي يبقى في الإناء ومن الناس من جعل النهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب وكان ابن عمر رضي الله عنه يذهب إلى أن النهي عن فضل وضوء المرأة إنما هو إذا كانت جنبا أو حائضا فإذا كانت طاهرة فلا بأس به قال وإسناد حديث عائشة في الإباحة أجود من إسناد خبر النهي قال النووي إن المراد النهي عن فضل أعضائها وهو المتساقط منها وذلك مستعمل وقال الحافظ في الفتح وقول أحمد إن الأحاديث من الطريقين مضطربة إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن بأن يحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء والجواز على مبقي من الماء وبذلك جمع الخطابي أو بحمل النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة والله أعلم 41 الوضوء بماء البحر وهو الماء الكثير أو المالح فقط وجمعه بحور وأبحر وبحار وأشار بهذا الرد على من قال بكراهة الوضوء بماء البحر كما نقل عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما (وهو من بني عبد الدار) أي المغيرة (سأل رجل) وقع في بعض الطرق التي ذكرها الدارقطني
[ 106 ]
أن اسم السائل عبد الله المدلجي وكذا ساقه ابن بشكوال وأورده الطبراني فيمن اسمه عبد وتبعه أبو موسى فقال عبد أبو زمعة البلوي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر قال ابن معين بلغني أن اسمه عبد وقيل اسمه عبيد بالتصغير وقال السمعاني في الأنساب اسمه العركي وغلط في ذلك وإنما العركي وصف له وهو ملاح السفينة قال أبو موسى وأورده ابن منده في من اسمه عركي والعركي هو الملاح وليس هو اسما والله أعلم كذا في التلخيص قلت وكذا وقع في رواية الدارمي ولفظه قال أتى رجل من بني مدلج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا نركب البحر) الملح وهو مالح ومر وريحه منتن زاد الحاكم نريد الصيد (به) أي بالماء القليل الذي نحمله (عطشنا) بكسر الطاء لقلة الماء وفقده (أفنتوضأ بماء البحر) فإن قيل كيف شكوا في جواز الوضوء بماء البحر قلنا يحتمل أنهم لما سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا أخرجه أبو داود وسعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر مرفوعا ظنوا أنه لا يجزئ التطهير به وقد روي موقوفا على ابن عمر بلفظ ماء البحرلا يجزئ من وضوء ولا جنابة إن تحت البحر نارا ثم ماء ثم نارا حتى عد سبعة أبحوسبع أنيار وروى أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لا يجزئ التطهير به ولا حجة في أقوال الصحابة إذا عارضت المرفوع والإجماع وحديث ابن عمر المرفوع قال أبو داود رواته مجهولون وقال الخطابي ضعفوا إسناده وقال البخاري ليس هذا الحديث بصحيح وقال أبو بكر بن العربي إنما توقفوا عن ماء البحر لأحد وجهين إما لأنه لا يشرب وإما لأنه طبق جهنم وما كان طبق سخط لا يكون طريق طهارة ورحمة (هو) أي البحر ويحتمل في إعرابه أربعة أوجه الأول أن يكون هو مبتدأ والطهور مبتدأ ثان خبره ماؤه والجملة خبر المبتدأ الأول والثاني أن يكون هو مبتدأ خبره الطهور وماؤه بدل اشتمال والثالث أن يكون هو ضمير الشأن والطهور ماؤه مبتدأ وخبر والرابع أن يكون هو مبتدأ والطهور خبر ماؤه فاعله قاله ابن دقيق العيد (الطهور ماؤه) بفتح الطاء هو المصدر واسم ما يتطهر به أو الطاهر المطهر كما في القامو س وههنا بمعنى المطهر لأنهم سألوه عن تطهير مائه لاعن طهارته وضمير ماؤه يقتضي أنه أريد بالضمير في قوله هو الطهور البحر إذ لو أريد به الماء لما احتيج إلى قوله ماؤه إذ يصير في معنى الماء طهور ماؤه وفي بعض لفظ الدارمي فإنه الطاهر ماؤه
[ 107 ]
(الحل) هو مصدر حل الشئ ضد حرم ولفظ الدارمي والدارقطني الحلال (ميتته) بفتح الميم ما مات فيه من حيوان البحر ولا يكسر ميمه والحل عطف على الطهور ماؤه ووجه إعرابه ما تقدم في الجملة السابقة والحديث فيه مسائل الأولى أن ماء البحر طاهر ومطهر الثانية أن جميع حيوانات البحر أي ما لا يعيش إلا بالبحر حلال وبه قال مالك والشافعي وأحمد قالوا ميتات البحر حلال وهي ما خلا السمك حرام عند أبي حنيفة وقال المراد بالميتة السمك كما في حديث أحل لنا ميتتان السمك والجراد ويجئ تحقيقه في موضعه إن شاء الله تعالى الثالثة أن المفتي إذا سئل عن شئ وعلم أن للسائل حاجة إلى ذكر ما يتصل بمسألته استحب تعليمه إياه لأن الزيادة في الجواب بقوله الحل ميتته لتتميم الفائدة وهي زيادة تنفع لأهل الصيد وكان السائل منهم وهذا من محاسن الفتوى قال الحافظ ابن الملقن إنه حديث عظيم أصل من أصول الطهارة مشتمل على أحكام كثيرة وقواعد مهمة قال الماوردي في الحاوي قال الحميدي قال الشافعي هذا الحديث نصف علم الطهارة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال هو حديث صحيح قال البيهقي وإنما لم يخرجه البخاري ومسلم بن الحجاج في الصحيح لأجل اختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة انتهى 42 الوضوء بالنبيذ الرحمن بفتح النون وكسر الباء ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذ أو أنبذته وكان اتخذته نبيذا سواء كان مسكرا أو لا يقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر قاله ابن الأثير في النهاية (عن أبي زيد) قال الترمذي في جامعه وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث لا نعرف له رواية غير هذا الحديث وقال الزيلعي قال ابن حبان في كتاب الضعفاء أبو زيد شيخ يروي عن ابن مسعود ليس يدري من هو ولا يعرف أبوه ولا بلده ومن كان بهذا النعت ثم لم يروا إلا خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والقياس استحق مجانبة ما رواه وقال ابن أبي حاتم في كتابه العلل سمعت أبا زرعة يقول حديث أبي فزارة بالنبيذ ليس بصحيح وأبو زيد مجهول وذكر ابن
[ 108 ]
عدى عن البخاري قال أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف القرآن قال ابن عدى أبو زيد مولى عمرو بن حريث مجهول قال ابن عبد البر وأبو زيد مولى عمرو ابن حريث مجهول عندهم لا يعرف بغير رواية أبي فزارة وحديثه في الوضوء بالنبيذ منكر لا أصل له ولا رواه من يوثق به ولا يثبت انتهى (ليلة الجن) هي الليلة التي جاءت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهبوا به إلى قومه ليتعلموا منه الدين وأحكام الإسلام (ما في إداوتك) بالكسر إناء صغير من جلد يتخذ للماء وجمعها أداوى (تمرة طيبة) أي النبيذ ليس إلا تمرة وهي طيبة ليس منها ما يمنع التوضي (وماء طهور) بفتح الطاء أي مطهر زاد الترمذي قال فتوضأ منه وفي مسند أحمد بن حنبل فتوضأ منه وصلى وقد ضعف المحدثون حديث أبي زيد بثلاث علل أحدها جهالة أبي زيد والثاني التردد في أبي فزارة هل هو راشد بن كيسان أو غيره والثالث أن ابن مسعود لم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن واختلف العلماء في التوضي بالنبيذ فقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأكثر الأئمة لا يجوز التوضي به قال الترمذي وقول من يقول لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه لأن الله تعالى قال فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وعند أبي حنيفة وسفيان الثوري جاز الوضوء به إذا لم يوجد ماء وهذا قول ضعيف قال أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي هذه زيادة على ما في كتاب الله عز وجل والزيادة عندهم على النص نسخ ونسخ القرآن عندهم لا يجوز إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر ولا ينسخ الخبر الواحد إذا صح فكيف إذا كان ضعيفا مطعونا فيه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وفي حديث الترمذي قال فتوضأ منه وقال الترمذي وأبو زيد رجل مجهول عند أهل العلم لا يعلم له رواية غير هذا الحديث وقال أبو زرعة وليس هذا الحديث بصحيح وقال أبو أحمد الكرابيسي ولا يثبت في هذا الباب من هذه الرواية حديث بل الأخبار الصحيحة عن عبد الله بن مسعود ناطقة بخلافه هذا آخر كلامه وأبو زيد هو مولى عمرو بن حريث ولا يعرف له اسم ووقع في بعض الروايات عن زيد عن ابن مسعود وأبو فزارة قيل راشد بن كيسان وهو ثقة أخرج له مسلم وقيل إن أبا فزارة رجلان وراوي هذا الحديث رجل مجهول ليس هو راشد بن كيسان وهو ظاهر كلام الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فإنه قال أبو فزارة في حديث ابن مسعود رجل مجهول وذكر البخاري أبا فزارة العبسي راشد بن كيسان وأبا
[ 109 ]
فزارة العبسي غير مسمى فجعلهما اثنين ولو ثبت أن راوي هذا الحديث هو راشد بن كيسان كان فيما تقدم كفاية في ضعف الحديث انتهى (عن أبي زيد) أي بإضافة لفظ أبي إلى زيد (أو زيد) بلا إضافته (كذا قال شريك) أي الشاك فيه شريك وأما هناد فقال في روايته عن شريك أبا زيد بلا شك (ولم يذكر هناد) في روايته (ليلة الجن) وإنما ذكرها سليمان (قلت لعبد الله بن مسعود الخ) أخرج المؤلف هذا الحديث مختصرا ولم يذكر القصة وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة من صحيحه والترمذي في تفسير سورة الأحقاف من جامعه مطولا ومقصود المؤلف من إيراد هذا الحديث إثبات الضعف لحديث أبي زيد المتقدم قال النووي في شرحه لمسلم هذا صريح في إبطال الحديث المروي في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فإن هذا الحديث صحيح وحديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين وقال الإمام جمال الدين الزيلعي قال البيهقي في دلائل النبوة قد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ابن مسعود لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وإنما كان معه حين انطلق به وبغيره يريهم آثارهم وآثار نيرانهم قال وقد روى أنه كان معه ليلته ثم قال الزيلعي فقد تلخص لحديث ابن مسعود سبعة طرق صرح في بعضها أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو مخالف لما في صحيح مسلم أنه لم يكن معه وقد جمع بينهما بأنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم حين المخاطبة وإنما كان بعيدا منه ومن الناس من جمع بينهما بأن ليلة الجن كانت مرتين ففي أول مرة خرج إليهم لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ولا غيره كما هو ظاهر حديث مسلم ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره في أول سورة الجن من حديث ابن جريج والله أعلم
[ 110 ]
(إنه كره الوضوء باللبن والنبيذ) لأنه لا يصح إطلاق الماء عليهما وإنما الوضوء بالماء لا بغيره (وقال) عطاء (أن التيمم) عند فقد الماء (أعجب) أحب (إلي منه) أي من التوضي باللبن والنبيذ (سألت با العالية) هو رفيع بضم أوله ابن مهران الرياحي البصري مخضرم إمام من الأئمة قال الحافظ هو من كبار التابعين مشهور بكنية وثقه ابن معين وغيره حتى قال أبو قاسم اللالكائي مجمع على ثقته إلا أنه كثير الإرسال عمن أدركه (عن رجل) أي عن حاله 43 أيصلي الرجل وهو حاقن روى هو من يحبس بوله حقن الرجل بوله حبسه وجمعه فهو حاقن وقال ابن فارس ويقال لما جمع من لبن وشد حقين ولذلك سمي حابس البول حاقنا وأراد المؤلف بلفظ الحقن المعنى الأعم يعني حبس الغائط والبول ولذا أوردفي الباب أحاديث من القسمين أو أراد به المعنى الخاص وهو حبس البول وأراد بلفظ الخلاء وبلفظ الأخبثان الواقعين في الحديث أحد فرديهما ولم وهو حبس البول (وهو يؤمهم) في الصلاة ولفظ البيهقي في المعرفة أنه خرج إلى مكة صحبه قوم فكان يؤمهم (صلاة الصبح) بدل من الصلاة (ثم قال) عبد الله (ليتقدم أحدكم) للإمامة (وذهب)
[ 111 ]
وعبد الله (الخلاء) وهذه الجملة من مقولة عروة بن الزبير (فليبدأ بالخلاء) فيفرغ نفسه ثم يرجع فيصلي لأنه إذا صلى قبل ذلك تشوش خشوعه واختل حضور قلبه والحديث فيه دليل على أنه لا يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئا من الغائط والبول (عن رجل حدثه) فأدخلوا هؤلاء بين عروة وبين عبد الله بن الأرقم رجلا روى عن ابن جريج أيضا في بعض الروايات عنه مثل ما روى وهيب قاله ابن الأثير في أسد الغابة ورجح البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل المفرد رواية من زاد فيه عن رجل كذا في التلخيص (والأكثر) أي أكثر الحفاظ مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وحفص بن غياث ومحمد بن إسحاق وشجاع بن الوليد وحماد بن زيد ووكيع وأبي معاوية والمفضل بن فضالة ومحمد بن كنانة كما صرح به ابن عبد البروزاد الترمذي يحيى بن سعيد القطان وزاد ابن الأثير شعبة والثوري وحماد بن سلمومعمرا (كما قال زهير) بن معاوية بحذف واسطة بين عروة وعبد الله قال المنذر وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه إن عبد الله بن أرقم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا وليس له في هذه الكتب سوى هذا الحديث وقال الترمذي حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن (المعنى) أي المعنى واحد وإن تغاير ألفاظهم (قال ابن عيسى في حديثه ابن أبي بكر) أي قال محمد بن عيسى في رمايته عبد الله بن أبي بكر واقتصر يحيى ومسدد على عبد الله بن محمد فقط بدون زيادة ابن أبي بكر (ثم اتفقوا) ثلاثتهم في رواياتهم فقالوا (أخو القاسم بن محمد) أي عبد الله بن محمد (فقام القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق أبو محمد المدني أحد الفقهاء السبعة روى عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وجماعة وعنه الزهري ونافع والشعبي وخلائق قال مالك القاسم من فقهاء الأمة وقال ابن سعد كان
[ 112 ]
ثقة عالما فقيها إماما كثير الحديث قال أبو الزناد ما رأيت أعلم بالسنة من القاسم (لا يصلى) بالبناء للمجهول وفي رواية مسلم لا صلاة (بحضرة الطعام) أي عند حضور طعام تتوق نفسه إليه أي لا تقام الصلاة في موضع حضر فيه الطعام وهو يريد أكله وهو عام للنفل والفرض والجائع وغيره وفيه دليل صريح على كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال لاشتغال القلب به (ولا) يصلي (وهو) المصلي (يدافعه) المصلي (الأخبثان) فاعل يدافع وهو البول والغائط أي لا صلاة حاصلة للمصلي حالة يدافعه الأخبثان وهو يدافعهما بين لاشتغال القلب به وذهاب الخشوع ويلحق به كل ما هو معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع وأما الصلاة بحضرة الطعام فيه مذاهب منهم من ذهب إلى وجوب تقديم الأكل على الصلاة ومنهم من قال إنه مندوب ومن قيد ذلك بالحاجة ومن لم يقيد ويجئ بعض بيان ذلك إن شاء الله تعالى في موضعه (ثلاث) ثلاث خصال بالإضافة ثم حذف المضاف إليه ولهذا جاز الابتداء بالنكرة (أن يفعلهن) المصدر المنسبك من أن والفعل فاعل يحل أي لا يحل فعلهن بل يحرم قاله العزيزي (لا يؤم رجل) يؤم بالضم خبر في معنى النهى (فيخص) قال في التوسط هو بالضم للعطف وبالنصب للجواب وقال العزيزي في شرح الجامع هو منصوب بأن المقدرة لوروده بعد النفي على حد لا يقضي عليهم فيموتوا (بالدعاء دونهم) قال العزيزي أي في القنوت خاصة بخلاف دعاء الافتتاح والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين والتشهد وقال في التوسط معناه تخصيص نفسه بالدعاء في الصلاة والسكوت عن المقتدين وقيل نفيه عنهم كارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا وكلاهما حرام أو الثاني حرام فقط لما روى أنه كان يقول بعد التكبير اللهم نقني من خطاياي الحديث والدعاء بعد التسليم يحتمل كونه كالداخل وعدمه (فإن فعل) أي خص نفسه بالدعاء (فقد خانهم) لأن كل ما أمر به الشارع أمانة وتركه خيانة (ولا ينظر) بالرفع عطف على يؤم (في قعر) بفتح القاف وسكون العين قال في المصباح قعر الشئ نهاية أسفله
[ 113 ]
والجمع قعور مثل فلس وفلوس ومنه جلس في قعر بيته كناية عن الملازمة انتهى والمراد ههنا داخل البيت (قبل أن يستأذن) أهله فيه تحريم الاطلاع في بيت الغير بغير إذنه (فإن فعل) اطلع فيه بغير إذنه (دخل) ارتكب إثم من دخل البيت (ولا يصلي) بكسر اللام المشددة وهو فعل مضارع والفعل في معنى النكرة والنكرة إذا جاءت في معرض النفي تعم فيدخل في نفي الجواز صلاة فرض العين والكفاية كالجنازة والسنة فلا يحل شئ منها (حقن) بفتح الحاء وكسر القاف قال ابن الأثير الحاقن والحقن بحذف الألف بمعنى (يتخفف) بمثناة تحتية مفتوحة ففوقية أي يخفف نفسه بخروج الفضلة قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وحديث ابن ماجه مختصر وذكر حديث يزيد بن شريح عن أمامة وحديث يزيد بن شريح عن أبي هريرة في ذلك قال وكان حديث يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن عن ثوبان في هذا أجود إسنادا وأشهر انتهى (ساق نحوه) أي ساق ثور نحو حديث حبيب بن صالح المتقدم ذكره وذلك لأن ليزيد بن شريح تلميذين أحدهما حبيب بن صالح والآخر ثور بن يزيد الكلاعي فرواية ثور عن يزيد بن شريح نحو رواية حبيب بن صالح (على هذا اللفظ) المشار إليه هو ما ذكره ببقوله (قال) ثور (إلا بإذنهم) هذا صريح في أنه لا يجوز للزائر أن يؤم صاحب المنزل بل صاحب المنزل أحق بالإمامة من الزائر وإذا أذن له فلا بأس أن يؤمهم (ولا يختص) في بعض النسخ لا يخص وخلاصة المرام أن بين رواية حبيب بن صالح وثور تفاوتا في اللفظ لا في المعنى إلا أن في حديث ثور جملة ليست هي في رواية حبيب بن صالح وهي قوله لا يحل لرجل بالله واليوم الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم وفي رواية حبيب جملة ليست هي في رواية ثور وهي قوله ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل وباقي ألفاظهما متقاربة في اللفظ ومتحدة في المعنى كذا في منهية غاية المقصود وقال فيه قد زل قلمي في الشرح في كتابة فاعل لقوله ساق فكتبت ساق أي أحمد بن علي وإنما الصحيح أي ثور بن يزيد فبناء على ذلك كتبت من ابتداء قوله ساق إلى قوله والله أعلم لفظ أحمد بن علي في سبعة مواضع وفي كل ذلك ذهول مني
[ 114 ]
فرحم الله امرأ أصلحها وأبدلها بلفظ ثور بن يزيد انتهى كلا مه وهذه الأحاديث فيها كراهة الصلاة بحضرة الطعام ومع مدافعة الأخبثين وهذه الكراهة عند أكثر العلماء إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة وأما إذا ضاق الوقت بحيث لو أكل أو دافع الأخبثين خرج الوقت صلى على محاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها وحكى أبو سعيد المتولي عن بعض الأئمة الشافعية أنه لا يصلي بحاله بل يأكل ويتطهر وإن خرج الوقت قال النووي وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحة عندنا وعند الجمهور لكن يستحب إعادتها ولا يجب ونقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنها باطلة وحديث أبي هريرة تفرد به المؤلف (سنن) طرق (أهل الشام) أي رواة حديث أبي هريرة كلهم شاميون (فيها) في تلك الرواية (أحد) غير أهل الشام سوى ابى هريره باب ما يجزئ من الماء في الوضوء ما يكفي (بالصاع) أي بملء الصاع والصاع هو مكيال يسع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالعراقي وبه يقول اهل الحجاز والشافعي وقال فقهاء العراق وأبو حنيفة هو رطلان فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثا أو ثمانية أرطال قاله ابن الأثير وقال الكرماني في شرح البخاري كان الصاع في عهده صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم هذه أي كان صاعه صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد والمد رطل عراقي وثلث رطل فزاد عمر بن عبد العزيز في المد بحيث صار الصاع مدا وثلث مد من مد عمر وقال الحافظ بن حجر في الفتح الصاعلى ما قال الرافعي وغيره مائة وثلاثون درهما ورجح النووي أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وقد بين الشيخ الموفق سبب الخلاف في ذلك فقال إنه كان في الأصل مائة وثمانية وعشرين وأربعة أسباع ثم زادوا فيه لإزادة جبر الكسر فصار مائة وثلاثين (بالمد) هو بالضم ربع الصاع لغة وتقدم بيانه وقال في القاموس أو ملء كف انسان المعتدل إذا ملأهما ومد يده بهما ومنه سمي مدا وقد جربت ذلك فوجدته صحيحا (قال سمعت صفية) ففي رواية أبان قد صرح قتادة بالسماع فارتفعت مظنة التدليس
[ 115 ]
عنه في الرواية السابقة المعنعنة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن جبر عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد وأخرجه مسلم من حديث سفينة بنحوه (يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد) وليس الغسل بالصاع والوضوء بالمد للتحديد والتقدير بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما اقتصر على الصاع وربما زاد روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق قال ابن عيينة والشافعي وغيرهما هو ثلاثة آصع وروى مسلم أيضا من حديثها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء يسع ثلاثة أمداد فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة وفيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديثي الباب وحمله الأكثرون على الاستحباب لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وسلم وسلم من الصحابة قدرهما بذلك ففي مسلم عن سفينة مثله ولأحمد أيضا عن جابر مثله وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة وهو أيضا في حق من يكون خلقه معتدلا كذا في الفتح ويجئ بعض بيانه إن شاء الله تعالى في باب مقدار الماء الذي يجزئ به الغسل قال المنذري في إسناده يزيد بن أبي زياد يعد في الكوفيين ولا يحتج بحديثه (عن جدتي) وفي رواية النسائي يحدث عن جدتي فهي جدة حبيب الأنصاري كما يظهر من سياق عبارة الكتاب ورواية النسائي أصرح منه وقال الترمذي في باب ما جاء في فضل الصائم إذا أكل عنده وقال أبو عيسى وأم عمارة هي جدة حبيب بن زيد الأنصاري انتهى وقال المزي في الأطراف أم عمارة الأنصارية هي جدة حبيب بن زيد انتهى وأطال الكلام في الشرح بما لا مزيد عليه (أم عمارة) بضم العين وخفة الميم اسمها نسيبة بفتح النون وكسر السين هي بنت كعب الأنصارية النجارية (توضأ) أراد التوضي (فأتي) بصيغة المجهول (بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد) كان الماء الذي في الإناء قدر ثلثي المد فثلثا المد هو أقل ما روى أنه توضأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 116 ]
(يسع رطلين) من الماء والرطل معيار يوزن به وكسره أشهر من فتحه وهو بالبغدادي اثنتا عشرة أوقية والأوقية أستار وثلثا أستار والأستار أربعة مثاقيل ونصف مثقال والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم ستة دوانيق والدانق ثماني حبات وخمسا حبة وعلى هذا فالرطل تسعون مثقالا وهي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم والجمع أرطل والرطل مكيال أيضا وهو بالكسر وبعضهم يحكي فيه بالفتح كذا في المصباح (إلا أنه) أي شعبة بمكوك) بفتح الميم وضم الكاف الأولى وتشديدها جمعه مكاكيك ومكاكى حديث ولعل المراد بالمكوك ههنا المد قاله النووي وقال ابن الأثير أراد بالمكوك المد وقيل الصاع والأول أشبه وجمعه المكاكي بإبدال الياء من الكاف الأخيرة والمكوك اسللمكيال ويختلف مقداره باختلاف الاصطلاح في البلاد انتهى قلت المراد بالمكوك ههنا المد لاغير لأنه جاء في حديث آخر مفسرا بالمد قال القرطبي الصحيح أن المراد به ههنا المد بدليل الرواية الأخرى وقال الشيخ ولي الدين العراقي في صحيح ابن حبان في آخر الحديث قال أبو خيثمة المكوك المد (ولم يذكر) شعبة كما ذكر عبد الله بن عيسى (عتيك) بفتح العين وكسر التاء الفوقانية (قال) أبو داود وحاصل الكلام أنهم اختلفوا في إسم الراوي عن أنس فقال شعبة هو عبد الله بن عبد الله بن جبر ومنهم من نسبه إلى جده فقال شريك هو عبد الله بن جبر وقال يحيى بن آدم هو ابن جبر وأما سفيان فقال جبر بن عبد الله والصحيح المحفوظ عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك لاتفاق أكثر الحفاظ عليه والله أعلم (وهو) أي ما قاله أحمد في تقدير الصاع (ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب أبو الحارث المدني أحد الأئمة عن نافع
[ 117 ]
والزهري وشرحبيل وعنه الثوري ويحيى بن سعيد القطان وأبو نعيم وجماعة قال الحافظ هو من أحد الأئمة الأكابر العلماء الثقاة لكن قال ابن المديني كانوا يوهنونه في الزهري وكذا وثقه أحمد ولم يرضه في الزهري ورمي بالقدر ولم يثبت عنه بل نفى ذلك عنه مصعب الزبير وغيره وكان أحمد يعظمه جدا حتى قدمه في الورع على مالك وإنما تكلموا في سماعه عن الزهري لأنه كان وقع بينه وبين الزهري شئ فحلف الزهري أن لا يحدثه ثم ندم وقال عمرو بن علي الفلاس هو أحب إلي في الزهري من كل شامي (وهو) أي صاع ابن أبي ذئب كصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما يسع فيه خمسة أرطال وثلث من الماء قال المنذري وأخرجه النسائي ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمس مكاكي وأخرجه مسلم ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك وفي رواية مكاكي 45 الإسراف في الوضوء الزيادة على الثلاث في غسل أعضاء الوضوء أو إسراف في الماء للوضوء علقدر الحاجة (القصر الأبيض) القصر هو الدار الكبيرة المشيدة لأنه يقصر فيه الحرم كذا في التوسط (إذا دخلتها) أي الجنة (قال) عبد الله لابنه حين سمع يدعو بهذه الكلمات قال بعض الشراح إنما أنكر عبد الله على ابنه في هذا الدعاء لأن ابنه طمع ما لا يبلغه عملا حيث سأل منازل
[ 118 ]
الأنبياء وجعله من الاعتداء في الدعاء لما فيها من التجاوز عن حد الأدب وقيل لأنه سأل شيئا معينا و الله أعلم (إنه) الضمير للشأن (يعتدون) يتجاوزون عن الحد (في الطهور) بضم الطاء وفتحها فالاعتداء في الطهور بالزيادة على الثلاث وإسراف الماء وبالمبالغة عند في الغسل إلى حد الوسواس أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء ولو في شاطئ البحر لما أخرجه أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال لأنه ما هذا السرف يا سعد قال أفي الوضوء سر ف قال نعم وإن كنت على نهر جار انتهى وحديث ابن مغفل هذا يتناول الغسل والوضوء وإزالة النجاسة (والدعاء) عطف على الطهور والمراد بالاعتداء فيه المجاوزة الحد وقيل الدعاء بما لا يجوز ورفع الصوت به والصياح وقيل سؤال منازل الأنبياء عليهم السلام حكاها النووي في شرحه وذكر الغزالي في الإحياء أن المراد به أن يتكلف السجع في الدعاء قال المنذري وأخرجه ابن ماجه مقتصرا منه على الدعاء باب في إسباغ الوضوء في إتمامه بحيث لا يترك شئ من فرائضه وسننه (رأى قوما) وتمام الحديث كما أخرجه مسلم قال رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضأ وهم عجال فانتهينا إليهم (وأعقابهم) جمع عقب بفتح العين وكسر القاف وبفتح العين وكسرها مع سكون القاف مؤخر القدم إلى موضع الشراك (تلوح) تظهر يبوستها ويبصر الناظر فيها بياضا لم يصبه الماء وفي رواية مسلم تلوح لم يمسها الماء (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويل) جاز الابتداء بالنكرة لأنه دعاء واختلف في معناه على أقوال أظهرها ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا ويل واد في جهنم قاله الحافظ (للأعقاب) اللام للعهد ويلتحق بها ما يشاركها في ذلك معناه ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها وقيل إن العقب مخصوص بالعقاب إذا قصر في غسله (من النار) بيان للويل (أسبغوا الوضوء) أي أكملوه وأتموه أخبرنا ولا تتركوا أعضاء الوضوء غير مغسولة والمراد بالإسباغ ههنا إكمال الوضوء وإبلاغ الماء كل ظاهر أعضائه وهذا فرض
[ 119 ]
والإسباغ الذي هو التثليث سنة والإسباغ الذي هو التسييل شرط والإسباغ الذي هو إكثار الماء من غير إسراف الماء فضيلة وبكل هذا يفسر الإسباغ باختلاف المقامات كذا في اللمعات وقال شيخ شيخنا العلامة محمد إسحاق المحدث الدهلوي الإسباغ على ثلاثة أنواع فرض وهو استيعاب المحل مرة وسنة وهو الغسل ثلاثا ومستحب وهو الإطالة مع التثليث انتهى والحديث استدل به على عدم جواز مسح الرجلين من غير الخفين قال النووي وهذه مسألة اختلف الناس فيها على مذاهب فذهب جمع من الفقهاء من أهل الفتوى في الأعصار والأمصار إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئ مسحهما ولا يجب المسح مع الغسل ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به في الإجماع انتهى كلامه قال في التوسط وفيه نظر فقد نقل ابن التين التخيير عن بعض الشافعيين ورأى عكرمة يمسح عليهما وثبت عن جماعة يعتد بهم في الإجماع بأسانيد صحيحة كعلى وابن عباس والحسن والشعبي وآخرين انتهى وفي فتح الباري فقد تمسك من اكتفى بالمسح بقوله تعالى وأرجلكم عطفا على وامسحوا برؤوسكم فذهب إلى ظاهرها جماعة من الصحابة والتابعين فحكى عن ابن عباس في رواية ضعيفة والثابت عنه خلافه وعن عكرمة والشعبي وقتادة وهو قول الشيعة وعن الحسن البصري الواجب الغسل أو المسح وعن بعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما انتهى قلت قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو مبين لأمر الله تعالى وقد قال في حديث عمرو بن عنبسة الذي رواه ابن خزيمة وغيره مطولا في فضل الوضوء ثم يغسل قدميه كما أمره الله تعالى ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك قال الحافظ في الفتح وقال الكرماني في شرح البخاري وفيه رد للشيعة المتمسكين بظاهر قراءة وأرجلكم بالجر وما روى عن علي وغيره فقد ثبت عنهم الرجوع انتهى وروى سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ والله أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه واتفق البخاري ومسلم على إخراجه من يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمر بنحوه 47 الوضوء بآنية الصفر يا بضم الصاد وسكون الفاء ويجئ بيانه (صاحب لي) وفي السند الآتي حماد بن سلمة عن رجل ولعله هو شعبة قال الحافظ بن
[ 120 ]
حجر حماد بن سلمة عن رجل أو عن صاحب له (عن هشام بن عروة) هو شعبة (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام ثقة فقيه ربما دلس (أن عائشة الحديث فيه انقطاع لأن هشاما لم يدرك عائشة رضي الله عنها (في تور) أي من تور بحيث نأخذ منه الماء للاغتسال أو نصب منه الماء على أعضائنا لو والتور هي بفتح التاء وسكون الواو قال الحافظ بن حجر في الهدى الساري هو إناء من حجارة أو غيرها مثل القدر وقال في فتح الباري هو شبه الطست وقيل هو الطست ووقع في حديث شريك عن أنس في المعراج فأتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب فظاهره المغايرة بينهما ويحتمل الترادف وكأن الطست أكبر من التور انتهى قال الطيبي هو إناء صغير من صفر أو حجارة يشرب منه وقد يتوضأ منه ويؤكل منه الطعام (من شبه) بفتحتين وبكسر فساكن ضرب من النحاس يصنع فيصفر ويشبه الذهب بلونه وجمعه أشباه كذا في التوسط قال المنذري أخرجه من طريقين إحداهما منقطعة وفيها مجهول والأخرى متصلة وفيها مجهول انتهى (حدثهم) أي حدث إسحاق محمد بن العلاء في جماعة آخرين (عن رجل) هو شعبة (بنحوه) أي بنحو الحديث المذكور وهذا اسناد متصل والوضوء في هذين الحديثين وإن لم يكن مذكورا لكن يطابقان الترجمة من حيث أن الغسل يشتمل على الوضوء (من صفر) هو الذي تعمل منه الأواني ضرب من النحاس وقيل ما اصفر منه قاله في التوسط وهذه الأحاديث فيها دليل صريح على جواز التوضي من النحاس الأصفر بلا كراهة وإن أشبه الذهب بلونه وهذا هو الصحيح قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وقال فتوضأ منه انتهى
[ 121 ]
48 في التسمية على الوضوء هل هو ضروري يكون أم لا قال السيد العلامة عبد الرحمن بن سليمان الأهدل في شرح بلوغ المرام ناقلا عن شرح العباب البسملة عبارة عن قولك بسم الله الرحمن الرحيم بخلاف التسمية فإنها عبارة عن ذكر الله بأي لفظ كان انتهى (يعقوب بن سلمة) الليثي المدني قال الذهبي شيخ ليس بعمدة قال البخاري لا يعرف له سماع من أبيه ولا لأبيه من أبي هريرة روى عنه محمد بن موسى الفطري وأبو عقيل يحيى انتهى (لا صلاة) قال العلماء هذه الصيغة حقيقة في نفي الشئ وتطلق على نفي كماله والمراد ههنا الأول (لمن لا وضوء له ولا وضوء) بضم الواو أي لا يصح الوضوء قال المحدث الأجل ولي الله الدهلوي في الحجة وهو نص على أن التسمية ركن أو شرط ويحتمل أن يكون المعنى لا يكمل الوضوء لكن لا أرتضي بمثل هذا التأويل فإنه من التأويل البعيد الذي يعود بالمخالفة على اللفظ (لم يذكر اسم الله عليه) أي لم يقل بسم الله الرحمن الرحيم على الوضوء أو بسم الله والحمد لله لما أخرج الطبراني في الأوسط من طريق علي بن ثابت عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله فإن حفظتك لا تزال تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء قال تفرد به عمرو بن أبي سلمة عن إبراهيم بن محمد عنه وأخرج الإمام البيهقي بإسناده إلى الشافعي قال أحب للرجل أن يسمي الله في ابتداء الوضوء قال البيهقي وهذا لما روينا عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الإناء الذي وضع يده فيه والماء يفور من بين أصابعه توضأوا بسم الله انتهى وقال العلامة الشيخ محمد طاهر في تكملة مجمع البحار ويكفي بسم الله والأكمل بسم الله الرحمن الرحيم فإن ترك أولا قال في أثنائه بسم الله أولا وآخرا انتهى والحديث ظاهره نفي الصحة وإليه ذهب أحمد بن حنبل في رواية أن التسمية شرط لصحة الوضوء وهو قول أهل الظاهر قال الشعراني في الميزان قال الأئمة الثلاثة وإحدى الروايتين عن أحمد إن التسمية في الوضوء مستحبة مع قول داود وأحمد أنها واجبه لا يصح الوضوء إلا بها سواء في ذلك العمد والسهو
[ 122 ]
ومع قول إسحاق إن نسيها أجزأته طهارته وإلا فلا انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وليس فيه تفسير ربيعة وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث سعيد بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الباب أحاديث ليست أسانيدها مستقيمة وحكى الأثرم عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال ليس في هذا الباب حديث يثبت وقال أرجو أن يجزئه الوضوء لأنه ليس في هذا حديث أحكم به وقال أيضا لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده هذا الحديث الذي خرجه أبو داود ورواه عن الشيخ الذي رواه عنه أبو داود بسنده وهو أمثل الأحاديث الواردة إسنادا وتأويل ربيعة بن أبي عبد الرحمن له ظاهر في قبوله غير أن البخاري قال في تاريخه لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة ولا ليعقوب من أبيه انتهى (وذكر ربيعة) أي في جملة ما ذكره من الكلام أي ذكر أشياء وذكر تفسير هذا الحديث (لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه) بدل من قوله حديث النبي صلى الله عليه وسلم (أنه) الرجل وهذه الجملة بتمامها خبر أن في قوله أن تفسير إلخ (يتوضأ) للصلاة أو لغيرها (ولا ينوي) الرجل المتوضئ والمغتسل (ولا) ينوي (غسلا للجنابة) فهما غير قاصدين للطهارة فلا وضوء ولا غسل لهما من أجل أنهما لم يقصدا بهما وإن غسلا ظاهر أعضائهما فالنية شرط للوضوء والغسل قال الحافظ الإمام البيهقي في المعرفة وروينا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه حمله على النية في الوضوء قلت كلام ربيعة وإن كان صحيحا في الواقع وهو عدم صحة الطهارة بغير نية رفع الحدث لكن حمله الحديث على هذا المعنى محل تردد بل هو خلاف الظاهر وفي الباب أحاديث أخر ضعاف ذكرها الحافظ في التلخيص ثم قال والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له اصلا وقال أبو بكر بن أبي شيبة ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله إنتهى قال ابن كثير في الإرشاد وقد روى من طرق أخر يشد بعضها بعضا فهو حديث حسن أو صحيح وقال ابن الصلاح يثبت لمجموعها ما يثبت بالحديث الحسن
[ 123 ]
49 في الرجل إلخ (من الليل) إنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة لأن التعليل المذكور في الحديث يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل (يده) بالإفراد قال الحافظ والمراد باليد ههنا الكف دون ما زاد عليها وقوله فلا يغمس هو أبين في المراد من رواية الإدخال لأن مطلق الإدخال لا يترتب عليه كراهة كمن أدخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير من غير أن تلامس يده الماء (ثلاث مرات) هكذا ذكر لفظ ثلاث مرات وسعيد بن المسيب وأبو سلمة وعبد الله بن شقيق كلهم عن أبي هريرة كما أخرجه مسلم وأما الأعرج ومحمد بن سيرين وعبد الرحمن وهمام بن منبه وثابت فرووه عن أبي هريرة بدون ذكر الثلاث لكن زيادة الثقة مقبولة فتعين العمل بها وفيه النهى عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها وهذا مجمع عليه لكن أكثر العلماء على أنه نهي تنزيه لا تحريم فلو خالف وغمس اليد لم يفسد الماء وروى عن الحسن البصري وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري أنه لا ينجس إن كان قام من نوم الليل واستدل لهم بما ورد من الأمر بإراقته بلفظ فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها فليرق ذلك الماء لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن عدى وقال هذه زيادة منكرة لا تحفظ (فإنه) أي الغامس (باتت يده) زاد ابن خزيمة والدارقطني منه أي من جسده أي لا يدري تعيين الموضع الذي باتت فيه أي هل لاقت مكانا طاهرا منه أو نجسا أو بثرة أو جرحا أو أثر الاستنجاء بالأحجار بعد ابتلال موضع الاسنتجاء مع بالماء أو بنحو عرق قال الحافظ ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولو كان مستيقظا ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلا فاستيقظ وهي على حالها أن لا كراهة وإن كان غسلها مستحبا على المختار كما في المستيقظ ومن قال بأن الأمر في ذلك للتعبد كمالك لا يفرق بين شاك ومتيقن قال النووي قال الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى في معنى قوله أين باتت يده إن أهل
[ 124 ]
الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارة فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على بثرة أو قذر أو غير ذلك قال المنذري وأخرجه مسلم (أو أين كانت) قال الحافظ ولي الدين العراقي يحتمل أنه شك من بعض رواته وهو الأقرب ويحتمل أنه ترديد من النبي صلى الله عليه وسلم والحديث فيه مسائل كثيرة منها أن الماء القليل إذا وردت عليه نجاسة نجسته وإن قلت ولم تغيره فإنها تنجسه لأن الذي تعلق باليد ولا يرى قليل جدا وكانت عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تقصر عن قلتين بل لا تقاربها ورد بعض من لا خبرة له في صناعة الحديث حديث قلتين بحديث الباب وهذا جهل منه وأجاب عن إمام عصره أستاذ دهره العلامة المحدث الفقيه المفسر شيخنا ومعلمنا السيد محمد نذير حسين الدهلوي في بعض مؤلفاته بجواب كاف شفيت به صدور الناس وبهت المعترض ومنها الفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه وأنها إذ وردت عليه نجسته وإذا ورد عليها أزالها ومنها أن الغسل سبعا ليس عاما في جميع النجاسات وإنما ورد الشرع به في ولوغ الكلب خاصة ومنها استحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففي المحققة أولى ومنها استحباب الأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها ما لم يخرج عن حد الاحتياط إلى حد الوسوسة قاله النووي 50 باب صفة إلخ (توضأ) هذه الجملة مجملة عطفت عليها بجملة مفسرة لها وهي قوله (فأفرغ) أي فصب الماء والفاء فيه للعطف أي عطف المفصل على المجمل (يديه) وفي رواية للبخاري على كفيه (ثلاثا) أي إفراغا ثلاث مرار (ثم مضمض) وفي بعض النسخ تمضمض أي بأن أدار الماء في فيه
[ 125 ]
وليس في هذه الرواية ذكر عدد المضمضة ويجئ في رواية أبي مليكة ذكر العدد قال الحافظ أصل المضمضة في اللغة التحريك ثم اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه وأما معناه في الوضوء الشرعي فأكمله أن يضع الماء في الفم ثم يديره ثم يمجه انتهى (واستنثر) قال النووي الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق وقال وابن العربي وابن قتيبة الاستنثار هو الاستنشاق والصواب الأول ويدل عليه الرواية الأخرى استنشق واستنثر فجمع بينهما قال أهل اللغة هو مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف وقال الخطابي وغيره هي الأنف والمشهور الأول قال الأزهري روى سلمة عن الفراء أنه يقال نثر الرجل واستنثر إذا حرك النثرة في الطهارة انتهى وفي الرواية الآتية واستنثر ثلاثا (وغسل وجهة ثلاثا) وفي رواية الشيخين ثم غسل وجهه وهذا يدل على تأخير غسل الوجه عن المضمضة والاستنثار وحد الوجه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن طولا ومن شحمة الأذن عرضا (اليمنى إلى) مع (المرفق) بفتح الميم وكسر الفاء وبالعكس لغتان مشهورتان (مثل ذلك) أي ثلاث الى المرفق (ثم مسح رأسه) لم يذكر عدد المسح كغيره فاقتضى الاقتصار على مرة واحدة وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد قال الحافظ وبه قال أكثر العلماء وقال الشافعي يستحب التثليث في المسح كما في الغسل وسيجئ بيانه في الحديث الآتي (ثلاثا) أي ثلاث مرار إلى الكعبين كما في رواية الشيخين (مثل ذلك) أي غسلها ثلاث مرار مع الكعبين وفي رواية الشيخين ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين واللفظ للبخاري واعلم أنه أجمع العلماء على وجوب غسل الوجه واليدين والرجلين واستيعاب جميعهما بالغسل وانفردت الرافضة عن العلماء فقالوا الواجب في الرجلين المسح وهذا خطأ منهم فقد تظاهرت النصوص بإيجاب غسلهما وكذلك اتفق كل من نقل وضوء رسول الله على أنه غسلهما وأجمعوا على وجوب مسح الرأس واختلفوا فقدر الواجب فيه فذهب الشافعي في جماعة إلى أن الواجب ما يطلق عليه الإسم ولو شعرة واحدة وذهب مالك وأحمد وجماعة إلى وجوب استيعابه وقال أبو حنيفة في رواية الواجب ربعه قلت ما ذهب إليه الإمام الشافعي هو مذهب ضعيف والحق ما ذهب إليه مالك وأحمد واختلفوا في وجوب المضمضة والاستنشاق فقال الحسن والزهري والحكم وقتادة وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري والأوزاعي والليث بن سعد ومالك والشافعي إنهما سنتان في الوضوء والغسل وقال ابن أبي ليلى وحمادة وإسحاق بن
[ 126 ]
راهويه وأحمد بن حنبل إنهما واجبتان في الوضوء والغسل لا يصحان إلا بهما قلت هذا هو الحق وتجئ دلائله في باب الاستنثار إن شاء الله تعالى وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة إنهما واجبتان في الغسل دون الوضوء وقال أبو ثور وأبو عبيد وداود والظاهري وأبو بكر بن المنذر إن الاستنشاق واجب فيهما والمضمضة سنة فيهما حكاه النووي واتفق الجمهور على أنه يكفي في غسل الأعضاء في الوضوء والغسل جريان الماء على الأعضاء ولا يشترط الدلك وانفرد مالك والمزني باشتراطه واتفق الجماهير على وجوب غسل الكعبين والمرفقين وانفرد زفر وداود الظاهري بقولهما لا يجب واتفق العلماء على أن الكعبين العظمان الناتئان بين الساق والقدم وفي كل رجل كعبان وشذت الرافضة فقالت في كل رجل كعب وهو العظم الذي في ظهر القدم وحجة العلماء في ذلك نقل أهل اللغة وقوله غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين فأثبت في كل رجل كعبين قاله النووي (ثم قال) عثمان رضي الله عنه (ثم قال) رسول الله (وضوئي هذا) أي على وجه الاستيعاب والكمال بأن لم يقصر عما توضأت به (ثم صلى ركعتين) فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء (لا يحدث) من التحديث (فيهما) في الركعتين (نفسه) مفعول لا يحدث قال النووي والمراد به لا يحدث بشئ من أمور الدنيا وما لا يتعلق بالصلاة ولو عرض (له) حديث فأعرض عنه لمجرد عروضه عفى عن ذلك وحصلت له هذه الفضيلة إن شاء الله تعالى لأن هذا ليس من فعله وقد عفى لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر وقال الحافظ المرا به ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطعه لأن قوله يحدث يقتضي تكسبا منه فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه (من ذنبه) من الصغائر دون الكبائر كما في مسلم من التصريح بقوله كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة فالمطلق يحمل على المقيد قال الحافظ في فتح الباري ظاهره يعم الكبائر والصغائر لكن خصوه بالصغائر لوروده مقيدا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية وهو في حق من له كبائر وصغائر فمن ليس له إلا الصغائر كفرت عنه ومن ليس له إلا الكبائر خفف عنه منها بقدر ما لصاحب الصغائر ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته بنظير ذلك والحديث فيه مسائل التعليم بالفعل لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم والترتيب في أعضاء الوضوء للاتيان في جميعها بثم والترغيب في الإخلاص وتحذير من لها في صلاته بالتفكر في أمور الدنيا من عدم القبول انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 127 ]
(فذكر) أي أبو سلمة بن عبد الرحمن عن حمران (نحوه) أي نحو حديث عطاء بن يزيد (ولم يذكر) أبو سلمة في حديثه هذا (المضمضة والاستنثار) كما ذكرها عطاء عن حمران وفي بعض النسخ الاستنشاق بدل الاستنثار (وقال) أبو سلمة (فيه) أي في حديثه (ثم قال) عثمان (وقال) النبي (من توضأ دون هذا) بأن غسل بعض أعضائه مرة أو مرتين وبعضه ثلاثا (كفاه) الاقتصار على واحدة واحدة واثنتين اثنتين (ولم يذكر) أبو سلمة (أمر الصلاة) أي ذكر الركعتين بعد الوضوء والبشارة له بالغفران كما ذكر عطاء في حديثه عن حمران والحديث فيه تكرار مسح الرأس وبه قال عطاء والشافعي ويجئ بعض بيانه (الإسكندراني) بالكسر وسكون السين والنون وفتح الكاف والدال المهملة والراء منسوب إلى الإسكندرية بلد على طرف بحر المغرب من آخر حد ديار مصر (ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام هو عبد الله بن عبيدالله بن أبي مليكة القرشي التيمي ثقة (فقال) أي ابن أبي مليكة (فأتي) بصيغة المجهول (بميضأة) بكسر الميم وسكونه الياء وفتح الضاد فهمزة فهاء إناء التوضي تسع ماءا قدر ما يتوضأ به وهي بالقصر مفعلة وبالمد مفعالة كذا في مجمع البحار (ثم أدخل يده) في الميضأة (فأخذ ماء) جديدا (فمسح برأسه وأذنيه) وفيه مسح الأذنين بماء مسح بالرأس (فغسل) أي مسح وفيه إطلاق الغسل على المسح والفاءات العاطفة في جميع ما تقدم للترتيب المعنوي وهو أن يكون ما بعدها حاصلا بعد ما قبلها في الواقع وأما الفاء في قوله فغسل للترتيب الذكري وهو عطف مفصل على مجمل فهي تفصل ما أجمل في مسح الأذنين
[ 128 ]
وتبين كيفية مسحهما (بطونهما أي داخل الأذن اليمنى واليسرى مما يلي الوجه (وظهورهما) أي خارج الأذنين مما يلي الرأس (مرة واحدة) أي مسح الرأس والأذنين مرة واحدة ولم يمسحهما ثلاثا (أحاديث عثمان) التي هي (الصحاح) أي صحيحة لا مطعن فيها (كلها) خبر قوله (أحاديث) (أنه) أي المسح كان (مرة) واحدة دون الثلاث (فإنهم) أي الناقلين لوضوء عثمان كعطاء بن يزيد عن حمران عن عثمان وكأبي علقمة عن عثمان (ثلاثا) لكل عضو (وقالوا) هؤلاء (فيها) في أحاديثهم (لم يذكروا عددا) لمسح الرأس (كما ذكروا) عدد الغسل (في غيره) أي في غير مسح الرأس كغسل اليدين والوجه والرجلين فإنهم ذكروا فيها التثليث فثبت بذلك أن المسح كان مرة واحدة لأنه لو كان عثمان رضي الله عنه زاد عليها لذكره الراوي بل ذكر ابن أبي مليكة عن عثمان أنه مسح برأسه مرة واحدة قال الحافظ في الفتح وقول أبي داود إن الروايات الصحيحة عن عثمان ليس فيها عدد لمسح الرأس وإنه أورد العدد من طريقين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره والزيادة من الثقة مقبولة فيحمل قول أبي داود على إرادة استثناء الطريقين الذين ذكرهما فكأنه قال إلا هذين الطريقين قلت كأنه يشير بقوله صحح أحدهما ابن خزيمة إلى حديث عبد الرحمن بن وردان عن حمران عن عثمان فإن سنده صحيح وفيه تثليث مسح الرأس وأما الحديث الثاني فيأتي قريبا من رواية عامر بن شقيق وهو ضعيف قال وليس في شئ من طرقه في الصحيحين ذكر عدد المسح وبه قال أكثر العلماء وقال الشافعي يستحب التثليث في المسح كما في الغسل واستدل له بظاهر رواية لمسلم أن النبي توضأ ثلاثا ثلاثا وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب أو يختص بالمغسول وقال ابن المنذر إن الثابت عن النبتوضأ مرة واحدة وبأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل إذ حقيقة الغسل جريان الماء
[ 129 ]
والدلك ليس بمشترط على الصحيح عند أكثر العلماء وبالغ أبو عبيدة فقال لا نعلم أحدا من السلف استحب تثليث مسح الرأس إلا إبراهيم التيمي وفيما قاله نظر فقد نقله ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا الأزرق عن أبي العلاء عن قتادة عن أنس أنه كان يمسح على الرأس ثلاثا يأخذ لكل مسحة ماء جديدا وأخرجه أيضا عن سعيد بن جبير وعطاء وزاذان وميسرة وكذا نقله ابن المنذر وقال ابن السمعاني في الاصطلام اختلاف الرواية يحمل على التعدد فيكون مسح تارة مرة وتارة ثلاثا فليس في رواية مسح مرة حجة على منع التعدد قلت التحقيق في هذا الباب أن أحاديث المسح مرة واحدة أكثر وأصح وأثبت من أحاديث تثليث المسح وإن كان حديث التثليث أيضا صحيحا من بعض الطرق لكنه لا يساويها في القوة فالمسح مرة واحدة هو المختار والتثليث لا بأس به قال البيهقي روي من أوجه غريبة عن عثمان وفيها مسح الرأس ثلاثا إلا أنها مع خلاف الحفاظ الثقات ليست بحجة عند أهل المعرفة وإن كان بعض أصحابنا يحتج بها ومال ابن الجوزي في كشف المشكل إلى تصحيح التكرير وقد ورد التكرار في حديث علي من طرق منها عند الدارقطني من طريق عبد خير وهو من رواية أبي يوسف القاضي والدارقطني من طريق عبد الملك عن عبد خير أيضا ومسح برأسه وأذنيه ثلاثا ومنها عند البيهقي في الخلافيات من طريق أبي حية عن علي وأخرجه البزار أيضا ومنها عند البيهقي في السنن من طريق محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي في صفة الوضوء ومنها عند الطبراني في مسند الشاميين من طريق عثمان بن سعيد الخزاعي عن علي في صفة الوضوء وفيه عبد العزيز بن عبيدالله وهو ضعيف كذا في التلخيص (إلى الكوعين) الكوع بضم الكاف على وزن قفل قال الأزهري هو طرف العظم الذي على رسغ اليد المحاذي للابهام وهما عظمان متلاصقان في الساعد أحدهما أدق من الآخر وطرفاهما يلتقيان عند مفصل الكف فالذي يلي الخنصر يقال له الكرسوع والذي يلي الإبهام يقال له الكوع وهما عظما ساعد الذراع كذا في المصباح (قال) أي أبو علقمة (ثم مضمض) عثمان (واستنشق ثلاثا) أي أدخل الماء في أنفه بأن جذبه بريح أنفه ومعنى الاستنثار إخراج الماء من الأنف بريحه بإعانة يده أو بغيرها بعد إخراج الأذى لما فيه من تنقية مجرى النفس (وذكر) أي أبو علقمة (الوضوء ثلاثا) يعني غسل بقية الأعضاء المغسولة في الوضوء كالوجه واليدين إلى المرفقين
[ 130 ]
ثلاثا ثلاثا (قال) أبو علقمة (ومسح) عثمان (برأسه) وهذا مطلق من غير تقييد بالثلاث فيحمل على المرة الواحدة كما جاءت في الروايات الصحيحة (ثم ساق) أي أبو علقمة حديثه هذا (نحو حديث الزهري) أي بذكر الصلاة والتبشير لفاعلها (وأتم) الحديث وهو تأكيد لقوله ساق والحديث ما أخرجه أحد من الأئمة الخمسة قال المنذري في إسناده عبيدالله بن أبي زياد المكي وفيه مقال (ذراعيه) الذراع اليد من كل حيوان لكنها من انسان من المرفق إلى أطراف الأصابع كذا في المصباح (ومسح رأسه ثلاثا) اختصر الراوي حديثه فلم يذكر غسل جيمع أعضاء الوضوء بل اقتصر على ذكر بعض الأعضاء منها مسح الرأس لأن مقصوده بيان تثليث مسح الرأس ولذا ذكره (رواه) أي الحديث (وكيع) بن الجراح أحد الأعلام (قال) وكيع بسنده (قط) بفتح القاف وسكون الطاء بمعنى حسب يقال قطي وقطك سعيد وقط زيد درهم كما يقال حسبي وحسبك وحسب زيد درهم إلا أنها مبنية لأنها موضوعة على حرفين وحسب معربة قاله الإمام ابن هشام الأنصاري أي أن وكيعا اقتصر في روايته على لفظ توضأ ثلاثا فقط عن إسرائيل ولم يفصل ولم يبين في روايته كما بين يحيى بن آدم عن إسرائيل بقوله غسل ذراعيه ثلاثا ومسح رأسه ثلاثا والله أعلم قال المنذري في إسناده عامر بن شقيق بن جمرة وهو ضعيف انتهى (أتانا) في منازلنا وفي رواية النسائي أتينا أي نحن في منزله (وقد صلى) صلاة الفجر وهذه الجملة حالية (فقلنا) في أنفسنا وقال بعضنا لبعض ما يصنع) علي (ليعلمنا) بأن يتوضأ ونحن نرى (وطست) هو بفتح الطاء أصله طس أبدل أحد السينين تاء للاستثقال فإذا جمعت أو صغرت رددت السين لأنك فصلت بينهما بواو أو ألف أو ياء فقلت طسوس وطساس وطسيس
[ 131 ]
وحكى طشتبالشين من آنية الصفر يحتمل أنه تفسير لإناء ويحتمل أنه معطوف على الإناء أي أتى بالماء في قدح أو إبريق ونحو ذلك ليتوضأ من الماء الذي فيه وأتى بطست ليتساقط ويجتمع فيه الماء المستعمل المتساقط من أعضاء الوضوء والاحتمال الأول هو القوى لما أخرجه الطبراني في كتابه مسند الشاميين بسنده عن عثمان بن سعيد النخعي عن علي وفيه فأتي بطشت من ماء (واستنثر ثلاثا) المراد من الاستنثار ههنا الاشتنشاق بكر كما في رواية النسائي ثم تمضمض واستنشق ثلاثا وفي المجمع عن بعض شروح الشفا الاستنشاق والاستنثار واحد لحديث تمضمض واستنثر بدون ذكر الاستنشاق وقيل غيره انتهى (فمضمض ونثر) الفاء العاطفة فيه للترتيب الذكري وتقدم بيانه مرارا أي مضمض واستنشق وليس هاتان الجملتان في رواية النسائي وحذفهما أصرح (من الكف الذي يأخذ فيه) وفي رواية النسائي من الكف الذي يأخذ به الماء أي استنشق من الكف اليمنى وأما الاستنثار فمن اليد اليسرى كما في رواية النسائي والدارمي من طريق زائدة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي وفيه فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى ففعل هذا ثلاثا (وغسل يده الشمال ثلاثا) إلى المرفقين أي غسل كل واحدة من اليدين بعد الفراغ من الآخر فغسل اليد اليمنى أولا ثم اليد اليسرى ثانيا بعد الفراغ منها كما وقع بلفظ ثم في رواية عطاء بن يزيد وقد تقدمت فما شاع بين الناس أنهم يدلكون اليد اليمنى بقليل من الماء أولا ثم يدلكون اليد اليسرى ثانيا فهو مخالف للسنة لأن السنة غسل اليسرى بعد الفراغ من بعد اليمينه (مرة واحدة) قال الحافظ شمس الدين ان القيم في زاد المعاد والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه بل كان إذا كرر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس هكذا جاء عنه صريحا ولم يصح عنه خلافه البتة بل ما عدا هذا إما صحيح غير صريح كقول الصحابي توضأ ثلاثا ثلاثا وإما صريح غير صحيح انتهى بتلخيص وقد عرفت ما في هذا الباب من أدلة الفريقين (ثم قال) أي علي رضي الله عنه (من سره) من السرور أي فرحه (فهو هذا) أي مثله أو أطلقه عليه مبالغة قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرج الترمذي وابن ماجه طرفا منه انتهى
[ 132 ]
(الغداة) أي صلاة الصبح (الرحبة) بفتح الراء المهملة وسكون الحاء المهملة محلة بالكوفة كذا في القاموس (فأفرغ) أي صب قوله فأخذ الإناء إلى قوله ثلاثا هكذا في عامة النسخ وكذا في تلخيص المنذري وفي بعض النسخ هذه العبارة قال فأخذ اناء بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى وغسل كفيه ثم أخذ اناء بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى فغسل كفيه ثلاثا وفي رواية الدارقطني فأخذ بيمينه الإناء فأكفأه على يده اليسرى ثم غسل كفيه ثم أخذ بيده اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه ثم أخذ بيده اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه فعله ثلاث مرات قال عبد خير كل ذلك لا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات (ثم ساق) أي زائدة بن قدامة (حديث أبي عوانة) المذكور نفا ثم قال زائدة في حديثه (مقدمه ومؤخره مرة) أي بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه كما في رواية أخرى وفيه تصريح بأن مسح الرأس كان مرة واحدة وقوله مقدمه هو بضم الميم وفتح الدال المشددة (ثم ساق) زائدة (نحوه ) أي نحو (حديث) أبي عوانة قال المنذري وأخرجه النسائي بنحوه (مالك بن عرفطة) بضم العين وسكون الراء المه ملتين وضم الفاء وفتح الطاء واتفق الحفاظ كأبي داود والترمذي والنسائي على وهم شعبة في تسمية شيخه بمالك بن عرفطة وإنما هو خالد بن علقمة قال النسائي في سننه قال أبو عبد الرحمن هذا خطأ والصواب خالد بن علقمة ليس مالك بن عرفطة وقال الترمذي في جامعه وروى شعبة هذا الحديث عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه فقال مالك بن عرفطة وروى عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي وروى عنه عن مالك بن عرفطة مثل رواية شعبة والصحيح خالد بن علقمة انتهى ويجئ قول أبي داود في آخر الباب (بكرسي) بضم الكاف وسكون الراء هو السرير
[ 133 ]
(بكوز) بضم الكاف وهو ماله عروة من أواني الشرب وما لا فهو كوب (بماء واحد) قال الحافظ بن القيم في زاد المعاد وكان النبي يتمضمض ويستنشق تارة بغرفة وتارة بغرفتين وتارة بثلاث وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق فيأخذ نصف الغرفة لفمه ونصفها لأنفه ولا يمكن في الغرفة إلا هذا وأما الغرفتان قد والثلاث فيمكن فيهما الفصل والوصل إلا أن هديه كان الوصل بينهما كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله تمضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا وفي لفتمضمض واستنثر بثلاث غرفات فهذا أصح ما روى في المضمضة والاستنشاق ولم يجئ الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح البتة ويجئ بيان ذلك إن شاء الله تعالى تحت حديث عبد الله بن زيد وطلحة بن مصرف عن أبيه عن جده في موضعه (وذكر) شعبة (الحديث) بتمامه قال المنذري وأخرجه النسائي أتم منه واعلم أنه ذكر الحافظ المزي في الأطراف ههنا أي في آخر الحديث عبارات من قول أبي داود ليست هي موجودة في النسخ الحاضرة عندي لكن رأينا إثباتها لتكميل الفائدة وهي هذه قال أبو داود ومالك بن عرفطة إنما هو خالد بن علقمة أخطأ فيه شعبة قال أبو داود قال أبو عوانة يوما حدثنا مالك بن عرفطة عن عبد خير فقال له عمرو الأعصف رحمك الله أبا عوانة هذا خالد بن علقمة ولكن شعبة مخطئ فيه فقال أبو عوانة هو في كتابي خالد بن علقمة ولكن قال شعبة هو مالك بن عرفطة قال أبو داود حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا أبو عوانة عن مالك بن عرفطة قال أبو داود وسماعه قديم قال أبو داود حدثنا أبو كامل قال حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة وسماعه متأخر كان بعد ذلك رجع إلى الصواب انتهى قال المزي في آخر الكلام من قول أبي داود ومالك بن عرفطة إلى قوله رجع إلى الصواب في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى (أبو نعيم) بضم النون وفتح العين هو الفضل بن دكين الكوفي الحافظ (الكناني) بكسر
[ 134 ]
الكاف وبعدها النون منسوب إلى الكنانة (زر) بكسر الزاء المعجمة وتشديد الراء المهملة (حبيش) مصغرا (وسئل) والواو حالية (فذكر) زر (وقال) زر في حديثه (ومسح) على (لما يقطر) لما بفتح اللام وتشديد الميم بمعنى لم وهي على ثلاثة أوجه أحدهما أن يختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيا مثل لم إلا أنها تفارقها في أمور وثانيها أن تختص بالماضي فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما وثالثها أن تكون حرف استثناء فتدخل على الجملة الاسمية وههنا للوجه الأول أي لم يقطر الماء عن رأسه قال ابن رسلان في شرحه حتى لما يقطر الماء هي بمعنى لم والفرق بينهما من ثلاثة وجوه الأول أن النفي بلم لا يلزم اتصاله بالحال بل قد يكون منقطعا نحو هل أتى على الأنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا وقد يكون متصلا بالحال نحو ولم أكن بدعائك رب شقيا بخلاف لما فإنه يجب اتصال نفيها بالحال الثاني أن الفعل بعد لما يجوز حذفه اختيارا ولا يجوز خذفه بعد لم إلا في الضرورة الثالث أن لم تصاحب أدوات الشرط نحو إن لم ولئن لم ينتهوا انتهى كلامه لكن لصاحب التوسط شرح سنن أبي داود فيه مسلك آخر فقال مسح رأسه حتى لما يقطر في لما توقع أي قطره متوقع وفيه استحباب تحقيق المسح وعدم المبالغة بحيث يقطر وعكس بعض فاستدل به على التغسيل قلت ويقوى قول صاحب التوسط رواية معاوية الآتية والله أعلم والحديث تفرد به المؤلف عن أئمة الصحاح لكن أخرجه البيهقي قال الحافظ في التلخيص والحديث أعله أبو زرعة إنما يروى عن المنهال عن أبي حية عن علي انتهى وقال ابن القطان لاأعلم لهذا الحديث علة (قال رأيت إلخ) في هذا الحديث وفي بعض ما تقدم وبعض ما يجئ بيان غسل بعض أعضاء الوضوء وفيه تصريح بأن مسح الرأس كان مرة واحدة والحديث تفرد به المؤلف قال الحافظ في التلخيص سنده صحيح
[ 135 ]
(عن أبي حية) بفتح الحاء وتشديد الياء المفتوحة وهو ابن قيس الهمداني الوداعي قال الذهبي في الميزان لايعرف تفرد عنه أبو إسحاق قال أحمد أبو حية شيخ وقال ابن المديني وأبو الوليد مجهول وقال أبو زرعة لا يسمى وصحح خبره ابن السكن وغيره وفي التقريب مقبول في الثالثة واعلم أن عبارة الإسناد ههنا في نسخ الكتاب مختلفة فما صحح عندي وتحقق لي اعتمدت عليه وهكذا وجدت في الأطراف للحافظ المزي وعبارته هكذا أبو حية بن قيس الوداعي الهمداني عن علي حديث في صفة الوضوء أي أبو داود في الطهارة عن مسدد وأبي توبة الربيع بن نافع وعمرو ابن عون ثلاثتهم عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عنه به وقال أي أبو داود أخطأ فيه محمد بن أبي القاسم الأسدي قال فيه عن الثوري عن أبي إسحاق عن حية وإنما هو أبو حية انتهى كلام المزي وأما في بعض النسخ فهكذا حدثنا مسدد وأبو توبة قالا أنبأنا عمرو بن عون أنبأنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية والله أعلم بالصواب (فذكر) أبو حية (كله) أي غسل كل أعضاء الوضوء (إلى الكعبين) زاد في رواية الترمذي والنسائي ثم قام فأخذ فضل طهوره فشرب وهو قائم (أن أريكم) بصيغة المتكلم من أرى يرى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي بنحوه أتم منه (دخل علي) بالياء للمتكلم (أهراق الماء) بفتح الهمزة وسكون الهاء والمضارع فيه يهريق
[ 136 ]
بسكون الهاء تشبيها له باسطاع وفي يسطيع كأن الهاء زيدت عن حركة الياء التي كانت في الأصل ولهذا لا نظير لهذه الزيادة والظاهر أن المراد بالماء ههنا البول قال ابن رسلان في شرحه وفيه إطلاق أهرقت الماء وأما ما روى الطبراني في الكبير عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله لا يقولن أحدكم أهرقت الماء ولكن ليقل البول ففي إسناده عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة وقد أجمعوا على ضعفه (بوضوء) بفتح الواو أي الماء (بتور) بفتح التاء وسكون الواو إناء صغير من صفر أو حجارة يشرب منه وقد يتوضأ منه ويؤكل منه الطعام (حفنة من ماء) الحفن بفتح الحاء وسكون الفاء أخذ الشئ براحة الكف وضم الأصابع يقال حفنت له حفنا من باب ضرب والحفنة ملأ الكفين والجمع حفنات مثل سجدة وسجدات (فضرب) وفي رواية أحمد ثم أخذ بيديه فصك بهما وجهه (بها) أي بالحفنة (على وجهه) قال الحافظ ولي الدين العراقي ظاهره يقتضي لطم وجهه بالماء وفي رواية ابن حبان في صحيحه فصك به وجهه وبوب عليه استحباب صك الوجه بالماء للمتوضئ عند إرادته غسل وجهه انتهى وفي هذا رد على العلماء الشافعية فإنهم صرحوا بأن من مندوبات الوضوء أن لا يلطم وجهه بالماكما نقله العراقي في شرحه والخطيب الشربيني في الإقتناع وقالوا يمكن تأويل الحديث بأن المراد صب الماء على وجهه لا لطمه لكن رواية ابن حبان ترد هذا التأويل (ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه) قال في المتوسط أي جعل ابهامين كل في الأذنين كاللقمة وقال السيوطي في مرقاة الصعود قال النووي فيه دلالة لما كان ابن شريح يفعله فإنه كان يغسل الأذنين مع الوجه ويمسحهما أيضا منفردتين عملا بمذاهب العلماء وهذه الرواية فيها
[ 137 ]
تطهيرهما مع الوجه ومع الرأس وقال العلامة الشوكاني في نيل الأوطار وألقم إبهاميه أي جعل إبهاميه للبياض الذي بين الأذن والعذار كاللقمة للفم توضع فيه واستدل بذلك الماوردي على أن البياض الذي بين الأذن والعذار من الوجه كما هو مذهب الشافعية وقال مالك ما بين الأذن واللحية ليس من الوجه قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من علماء الأمصار قال بقول مالك وعن أبي يوسف يجب على الأمر غسله دون الملتحي قال ابن تيمية وفيه حجة لمن رأى ما أقبل من الأذنين من الوجه وفيه أيضا والحديث بدل على أن يغسل ما أقبل من الأذنين مع الوجه ويمسح ما أدبر منهما مع الرأس وإليه ذهب الحسن بن صالح والشعبي وذهب الزهري وداود إلى أنهما من الوجه فيغسلان معه وذهب من عداهم إلى أنهما من الرأس فيمسحان معه انتهى كلام الشوكاني (ثم الثانية ثم الثالثة مثل ذلك) بالنصب أي فعل في المرة الثانية والثالثة مثله (فصبها على ناصيته) قال النووي هذه اللفظة مشكلة فإنه ذكر الصب على الناصية بعد غسل الوجه ثلاثا وقبل غسل اليدين فظاهره أنها مرة رابعة في غسل الوجه وهذا خلاف إجماع المسلمين فيتأول على أنه كان بقي من أعلى الوجه شئ ولم يكمل فيه الثلاث فأكمل بهذه القبضة قال الشيخ ولي الدين العراقي الظاهر أنه إنما صب الماء على جزء من الرأس وقصد بذلك تحقق استيعاب الوجه كما قال الفقهاء وإنما يجب غسل جزء من الرأس لتحقق غسل الوجه قال السيوطي وعندي وجه ثالث في تأويله وهو أن المراد بذلك ما يسن فعله بعد فراغ غسل الوجه من أخذ كف ماء وإسالته على جبهته قال بعض العلماء يستحب للمتوضئ بعد غسل وجهه أن يضع كفا من ماء على جبهته ليتحدر على وجهه وفي معجم الطبراني الكبير بسند حسن عن الحسن بن علي أن رسول الله كان إذا توضأ فضل ماءا حتى يسيله على موضع سجوده قلت ما قاله السيوطي هو حسن جدا والحديث أخرجه أيضا أبو يعلي في مسنده من رواية حسين بن علي لكن بين حديث علي رضي الله عنه وحديث الحسنين رضي الله عنهما تغاير لأن في حديث علي إسالة الماء على جبهته بعد غسل الوجه وقبل غسل اليدين وفي حديثهما إسالته بعد الفراغ من
[ 138 ]
الوضوء ولهذه المغايرة قال الشوكاني تحت حديث علي فيه استحباب إرسال غرفة من الماء على الناصية لكن بعد غسل الوجه لا كما يفعله العامة عقيب الفراغ من الوضوء قلت نعم إنما يدل حديث علي على ما قال الشيخ العلامة الشوكاني لكن دليل ما يفعله العامة حديث الحسنين رضي الله عنهما (فتركها) أي القبضة من الماء (تستن) أي تسيل وتنصب يقال سننت الماء إذا جعلته صبا سهلا وفي رواية أحمد ثم أرسلها تسيل (على رجله) اليمنى (وفيها النعل) قال الخطابي قد يكون المسح في كلام العرب بمعنى الغسل أخبرني الأزهري أخبرني أبو بكر بن عثمان عن أبي حاتم عن أبي زيد الأنصاري قال المسح في كلام العرب يكون غسلا ويكون مسحا ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسح ويحتمل أن تكون تلك الحفنة من الماء قد وصلت إلى ظاهر القدم وباطنها وإن كانت الرجل في النعل ويدل على ذلك قوله فغسلها بها (ففتلها بها) هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها فغسلها بها والفتل من باب ضرب أي لوى قال في التوسط أي فتل رجله بالحفنة التي صبها عليها واستدل به من أوجب المسح وهم الروافض ومن خير بينه وبين الغسل ولا حجة لأنه حديث ضعيف ولأن هذه الحفنة وصلت إلى ظهر قدمه وبطنه لدلائل قاطعة بالغسل ولحديث على أنه توضأ ومسوقال هذا وضوء من لم يحدث انتهى وسيجئ بيانه في باب الوضوء مرتين إن شاء اللتعالى (ثم) ضرب بالحفنة على رجله (الأخرى) أي اليسرى (قال) أي عبد الله الخولاني (قلت) لابن عباس رضي الله عنهما (وفي النعلين) أي أضرب حفنة من ماء على رجليه وكانت الرجلان في النعلين (قال) ابن عباس نعم (قال قلت وفي النعلين) وإنما كررها وسألها ثلاثا لعجبه الذي حصل
[ 139 ]
له من فعل علي رضي الله عنه وهو ضرب الماء على الرجل التي فيها النعل وقال الشعراني في كشف الغمة عن جميع الأمة إن القائل للفظ قلت هو ابن عباس سأل عليا وهذا لفظه قال ابن عباس فسألت عليا رضي الله عنه فقلت وفي النعلين قال وفي النعلين الحديث انتهى والله أعلم قال المنذري في هذا الحديث مقال قال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه وقال ما أدري ما هذا انتهى والحديث أخرجه أحمد بن حنبل كذا في المنتقى وفي التلخيص ورواه البزار وقال لا نعلم أحدا روى هذا هكذا إلا من حديث عبيدالله الخولاني ولا نعلم أن أحدا رواه عنه إلا محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة وقد صرح ابن إسحاق بالسماع فيه وأخرجه ابن حبان من طريقه مختصرا وضعفه البخاري فيما حكاه الترمذي انتهى واعلم أن الحديث وإن كان رواته كلهم ثقات لكن فيه علة خفية أطلع عليها البخاري وضعفه لأجلها ولعل العلة الخفية فيه هي ما ذكر البزار وأما مظنة التدليس من ابن إسحاق فارتفعت من رواية البزار (وحديث ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج نسب إلى جده ثقة فاضل (عن شيبة) بن نصاح بكسر النون وتخفيف الصاد المهملة مولى أم سلمة زوج النبي (يشبه حديث علي) في بعض المعاني (قال فيه) أي في حديث شيبة والحديث أخرجه
[ 140 ]
النسائي موصولا ولفظه أخبرنا إبراهيم بن الحسن المقسمي قال حدثنا حجاج قال قال ابن جريج حدثني شيبة أن محمد بن علي أخبره قال أخبرني أبي علي أن الحسين بن علي قال دعاني أبي علي بوضوء فقربته له فغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن يدخلها في وضوئه ثم مضمض ثلاثا واستنثر ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ثم اليسرى كذلك (ومسح برأسه مرة واحدة) رواية النسائي ثم مسح برأسه مسحة واحدة ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثا ثم اليسرى كذلك ثم قام قائما فقال ناولني فناولته الإناء الذي فيه فضل وضوئه فشرب من فضل وضوئه قائما فعجبت فلما رني قال لا تعجب فإني رأيت أباك النبي يصنع مثل ما رأيتني صنعت (وقال ابن وهب فيه) أي في حديث شيبة قال البيهقي كذا قال ابن وهب عن ابن جريج عنه قاله ابن رسلان وقد ورد تكرار المسح في حديث علي منها عند الدارقطني من طريق عبد خير وتقدم بحث ذلك مشروحا (عن أبيه أنه قال) أي يحيى بن عمارة (وهو جد عمرو بن يحيى) الظاهر أن الضمير
[ 141 ]
هو يرجع إلى عبد الله بن زيد أي عبد الله بن زيد هو جد عمرو بن يحيى وعليه اعتمد صاحب الكمال ومن تبعه فقال في ترجمة عمرو بن يحيى أنه ابن بنت عبد الله بن زيد لكن قال الحافظ الإمام ابن حجرهو غلط لأنه ذكر ابن سعد أن أم عمرو بن يحيى هي حميدة بنت محمد بن إياس بن البكير وقال غيره هي أم النعمان بنت أبي حية انتهى فالضمير راجع للرجل القائل الثابت في أكثر الروايات فإن كان يرجع إلى عمرو بن حسن كما في رواية البخاري ومعن بن عيسى ومحمد بن الحسن فقوله ههنا هو جد عمرو بن يحيى فيه تجوز لأنه عم أبيه وسماه جدا لكونه في منزلته وإن كان يرجع إلى أبي حسن فهو جد عمرو حقيقة قال ابن عبد البر كذا لجميع رواة الموطأ وانفرد به مالك ولم يتابعه عليه أحد فلم يقل أحد إن عبد الله بن زيد جد عمرو قال ابن دقيق العيد هذا وهم قبيح من يحيى بن يحيى أو غيره وأعجب منه أن ابن وضاح سئل عنه وكان من الأئمة في الحديث والفقه فقال هو جده لأمه ورحم الله من انتهى إلى ما سمع ووقف دون ما لم يعلم وكيف جاز هذا على ابن وضاح قاله الزرقاني (مرتين مرتين) كذا
[ 142 ]
بتكرار مرتين لئلا يتوهم أن المرتين لكلتا اليدين ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل اليدين مرتين لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبي توضأ وفيه ويده اليمنى ثلاثا ثم الأخرى ثلاثا فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديثين غير واحد قال الحافظ ولي العراقي المنقول في علم العربية أن أسماء الأعداد والمصادر والأجناس إذا كررت كان المراد حصولها مكررة لا التأكيد اللفظي فإنه قليل الفائدة لا يحسن حيث يكون للكلام محمل غيره مثال ذلك جاء القوم اثنين اثنين أو رجلا رجلا أي اثنين بعد اثنين ورجلا بعد رجل وهذا منه أي غسلهما مرتين بعد مرتين أي أفرد كل واحدة منهما بالغسل مرتين (إلى المرفقين) ذهب الجمهور إلى دخولهما في غسل اليدين لأن إلى في الآية بمعنى مع كقوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم وقال الزمخشري لفظ الى يفيد معنى
[ 143 ]
في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل فقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل دليل عدم دخوله وقول القائل حفظت القرآن من أوله إلى آخره دليل الدخول وقوله تعالى إلى المرافق لا دليل فيه على أحد الأمرين قال الحافظ بن حجر ويمكن أن يستدل لدخولهما بفعله ففي الدارقطني بإسناحسن من حديث عثمان في صفة الوضوء فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين وفيه عن جابر قال كان رسول الله إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه لكن إسناده ضعيف وفي البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق وفي الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه فهذه الأحاديث يقوى بعضها بعضا قال إسحاق بن راهويه إلى في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وأن تكون بمعنى مع فبينت السنة أنها بمعنى مع وقد قال الشافعي في الأم لا أعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء انتهى كلامه (فأقبل بهما وأدبر) قد اختلف في كيفية الإقبال والإدبار المذكور في الحديث ووجد فيه ثلاثة أقوال الأول أن يبدأ بمقدم رأسه الذي يلي الوجه فيذهب إلى القفا ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه وهمبتدأ الشعر من حد الوجه وهذا هو الذي يعطيه ظاهر قوله بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه إلا أنه أورد على هذه الصفة أنه أدبر بهما وأقبل لأن ذهابه إلى جهة القفا إدبار ورجوعه إلى جهة الوجه إقبال وأجيب بأن الواو لا تقتضي الترتيب فالتقدير أدبر وأقبل والثاني أنه يبدأ بمؤخر رأسه ويمر إلى جهة الوجه ثم يرجع إلى المؤخر محافظة على ظاهر لفظ أقبل وأدبر فالإقبال إلى مقدم الوجه والإدبار إلى ناحية المؤخر وقد وردت هذه الصفة في الحديث الصحيح بدأ بمؤخر رأسه ويحمل الاختلاف في لفظ الأحاديث على تعدد الحالات والثالث أن يبدأ بالناصية ويذهب إلى ناحية الوجه ثم يذهب إلى جهة مؤخر الرأس ثم يعود إلى ما بدأ منه وهو الناصية ولعل قائل هذا قصد المحافظة على قوله بدأ بمقدم رأسه مع المحافظة على ظاهر لفظ أقبل وأدبر لأنه إذا بدأ بالناصية صدق أنه بدأ بمقدم رأسه وصدق أنه أقبل أيضا فإنه ذهب إلى ناحية الوجه وهو القبل قال العلامة الأمير اليماني في سبل السلام والظاهر أن هذا من العمل المخير فيه وأن المقصود من ذلك تعميم الرأس بالمسح انتهى (بدأ) أي ابتدأ (بمقدم رأسه) بفتح الدال مشددة ويجوز كسرها والتخفيف وكذا مؤخر قاله الزرقاني (ثم ذهب بهما إلى قفاه) بالقصر وحكى مده وهو قليل مؤخر العنق وفي المحكم وراء العنق يذكر ويؤنث (ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه) ليستوعب جهتي الشعر بالمسح والمشهور عند من أوجب التعميم أن الأولى
[ 144 ]
واجبة والثانية سنة وجملة قوله بدأ إلى آخره عطف بيان لقوله فأقبل بهما وأدبر ومن ثم لم تدخل الواو على بدأ قاله الزرقاني وفي فتح الباري أنه من الحديث وليس مدرجا من كلام مالك ففيه حجة على من قال السنة أن يبدأ بمؤخر الرأس إلى أن ينتهي إلى مقدمه لظاهر قوله أقبل وأدبر ويرد عليه أن الواو لا تقتضي الترتيب وعند البخاري من رواية سليمان بن بلال فأدبر بيديه وأقبل فلم يكن في ظاهره حجة لأن الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية ولم يعين ما أقبل وما أدبر عنه ومخرج الطريقين متحد فهما بمعنى واحد وعينت رواية مالك البداءة بالمقدم فيحمل قوله أقبل على أنه من تسمية الفعل بابتدائه أي بدأ بقبل الرأس وقيل في توجيهه غير ذلك انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا (من كف واحدة) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها واحد والكف يذكر ويؤنث حكاها أبو حاتم السجستاني والمشهور أنها مؤنثة قاله السيوطي وهو صريح في الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غرفة في كل مرة وذهب إليه بعض الأئمة (يفعل ذلك ثلاثا) أي الجمع بين المضمضة والاستنشاق ثلاث مرات (ثم ذكر) أي خالد (نحوه) أي نحو حديث مالك وهذا الحديث أخرجه البخاري سندا ومتنا ولفظه عن عبد الله بن زيد أنه أفرغ من الإناء على يديه فغسلهما ثم غسل أو مضمض واستنشق من كفة واحدة ففعل ذلك ثلاثا فغسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ومسح برأسه ما أقبل وما أدبر وغسل رجليه إلى الكعبين ثم قال هكذا وضوء رسول الله وأخرجه مسلم والدارمي والترمذي وقال حديث عبد الله بن زيد حديث حسن غريب وقد روى مالك وابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن عمرو بن يحيى ولم يذكروا هذا الحرف أن النبي مضمض واستنشق من كف واحد وإنما ذكره خالد بن عبد الله وخالد ثقة حافظ عند أهل الحديث وقال بعض أهل العلم المضمضة والاستنشاق من كف واحد يجزي وقال بعضهم يفرقهما أحب إلينا وقال الشافعي إن جمعهما في كف واحد فهو جائز وإن فرقهما فهو أحب إلينا انتهى وأخرج الدارمي وابن حبان والحاكم من ابن عباس أن النبي توضأ مرة مرة وجمع بين المضمضة والاستنشاق وأقرب منه إلى الصراحة رواية أبي داود التي تقدمت عن على ولفظه ثم تمضمض واستنثر ثلاثا فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه ولأبي داود الطيالسي ثم تمضمض ثلاثا مع الاستنشاق بماء واحد قال النووي في كيفية المضمضة
[ 145 ]
والاستنشاق خمسة أوجه الأصح يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق كما في رواية خالد المذكورة بلفظ من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا فإنها صريحة في الجمع في كل غرفة والثاني يجمع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا على ما في حديث ابن ماجه والثالث يجمع أيضا بغرفة ولكن يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتمضمض منها ثم يستنشق على ما في بعض الروايات والرابع يفصل بينهما بغرفتين فيتمضمض من إحداهما ثلاثا ثم يستنشق من الأخرى ثلاثا والخامس يفصل بست غرفات بأن يتمضمض بثلاث ثم يستنشق بثلاث غرفات وقال بعض المالكية إنه الأفضل وقال النووي والصحيح الأول وبه جاءت الأحاديث الصحيحة وهو أيضا الأصح عند المالكية بحيث حكى ابن رشد الاتفاق على أنه الأفضل قاله الزرقاني في شرح المواهب (أن حبان) بفتح الحاء المهملة وبالموحدة المشددة (حدثه) أي حبان حدث عمرو (أن أباه) وهو واسع (حدثه) أي ابنه حبان (بماء غير فضل يديه) أي مسح الرأس بماء جديد لا ببقية من ماء يديه أي لم يقتصر على بلل يديه ولا يستدل بهذا على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به لأن هذا إخبار عن الإتيان بماء جديد للرأس ولا يلزم من ذلك اشتراطه قاله النووي وفي سبل السلام وأخذ ماء جديللرأس هو أمر لا بد منه وهو الذي دلت عليه الأحاديث انتهى (حتى أنقاهما) أأزال الوسخ عنهما والحديث أخرجه مسلم والدارمي والترمذي وقال حسن صحيح وروى ابلهيعة هذا الحديث عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن النبي توضأ وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح لأنه قد روى من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبي أخذ لرأسه ماءا جديدا والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا أن يأخذ لرأسه ماءا جديدا انتهى كلام الترمذي (الحضرمي) بفتح الحاء وسكون الضاد وفتح الراء منسوب إلى حضر موت (ثم تمضمض
[ 146 ]
واستنشق ثلاثا) قال السيوطي احتج به من قال الترتيب فالوضوء غير واجب لأنه آخر المضمضة والاستنشاق من غسل الذراعين وعطف عليه بثم قلت هذه رواية شاذة لا تعارض الرواية المحفوظة التي فيها تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه (ظاهرهما وباطنهما) بالجر بدلان من أذنيه وظاهرهما ما يلي الرأس وباطنهما ما يلي الوجه وأما كيفية مسحهما فأخرجها ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله توضأ فغرف غرفة فغسل وجهه ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى ثم غرف غرفة فغسل يده اليسرى ثم غرف غرفة فمسح برأسه وأذنيه داخلهما بالسبابتين وخالف بإبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما الحديث وصححه ابن خزيمة وابن منده ورواه أيضا النسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي ولفظ النسائي ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه ولفظ ابن ماجه مسح أذنيه فأدخلهما السبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما ولفظ البيهقي ثم أخذ شيئا من ماء فمسح به رأسه وقال بالوسطيين من أصابعه في باطن أذنيه والإبهامين من وراء أذنيه ذكره الحافظ فا التلخيص وحديث الباب ظاهر في أنه لم يأخذ للأذنين ماءا جديدا بل مسح الرأس والأذنين بماء واحد قال الحافظ بن القيم في الهدى النبوي وكان يمسح أذنيه مع رأسه وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما ولم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماءا جديدا وإنما صح ذلك عن ابن عمر انتهى قال المنذري وأخرجه ابن ماجه مختصرا (لفظه) قال النووي هو بالرفع أي هذا لفظه وأما محمود فمعناه وقال الشيخ ولي الدين العراقي ضبطناه بالنصب أي حدثنا لفظه لا معناه (فأمرهما) من الإمرار أي أمضاهما إلى مؤخر الرأس (القفا) بالقصر وحكى مده وهو قليل مؤخر العنق وفي المحكم والقاموس وراء العنق
[ 147 ]
يذكر ويؤنث (قال محمود) بن خالد في روايته عن الوليد بن مسلم إنه (قال) أي الوليد (أخبرني حريز) فصرح الوليد بالأخبار عن حريز في رواية محمود فارتفعت مظنة التدليس عن الوليد كما كانت في رواية يعقوب بالعنعنة (المعنى) أي أنهما اتفقا على المعنى وإن اختلفا في اللفظ (بهذا الإسناد) المذكور (أصابعه) كذا في بعض النسخ بالجمع على إرادة الجنس والمراد السبابتان وفي بعض النسخ إصبعيه بالتثنية (في صماخ أذنيه) بكسر الصاد المهملة وآخره الخاء المعجمة الخرق الذي في الأذن المفضي إلى الدماغ ويقال فيه السماخ أيضا قال الحافظ وإسناده حسن وعزاه النووي تبعا لابن الصلاح لرواية النسائي وهو وهم انتهى وهذه الأحاديث تدل على استيعاب مسح جميع الرأس ومشروعية مسح الأذنين ظاهرا وباطنا وإدخال السبابتين في صماخي الأذنين قال المنذري وأخرجه ابن ماجه مختصرا (مؤمل) كمحمد (للناس) أي بحضرة الناس لتعليمهم (فلما بلغ) معاوية (غرفة) بفتح الغين مصدر وبالضم اسم للمغروف أي ملأ الكف (فتلقاها) التلقي الأخذ أي أخذ الغرفة (حتى وضعها) أي الغرفة (على وسط رأسه) بفتح السين لأنه اسم (من مقدمه) أي من مقدم رأسه وهو الناصية (إلى مؤخره) وهو القفا (ومن مؤخره إلى مقدمه) أي ثم عاد من القفا إلى الناصية والحديث فيه أخذ الماء باليسرى وليست هذه الجملة في رواية علي بن بحر عن الوليد بن مسلم بالسند المذكور إلى معاوية فيما أخرجه الطحاوي ولفظه فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه ثم مر بهما حتى بلغ القفا ثم ردهما حتى بلغ المكان الذي بدء منه (بهذا الإسناد) وفي بعض
[ 148 ]
النسخ في هذا الإسناد أي بالإسناد المذكور من عبد الله بن العلاء إلى معاوية (قال) محمود بن خالد في حديثه (فتوضأ ثلاثا ثلاثا) أي توضأ معاوية للناس كما رأى رسول الله يتوضأ ثلاثا ثلاثا لكل عضو (وغسل رجليه بغير عدد) واستدل به على أن غسل الرجلين لا يتقيد بعدد بل بالإنقاء وإزالة ما فيهما من الأوساخ وهو استدلال غير تام لأنه قد جاء في أكثر الروايات أن رسول الله غسلهما ثلاثا ثلاثا فيحمل غسل الرجلين في هذا الحديث على الغسلات الثلاث وإن لم يحسب الراوي الرائي كونها ثلاثة وإن سلمنا أنه غسلهما بغير عدد في بعض الأحيان لبيان الجواز فلا يخرج عن كونها سنة ومتقيدا بثلاث (عن الربيع) بضم الراء وفتح الباء الموحدة وكسر الياء التحتانية المشددة (بنت معوذ) بضم الميم وفتح العين وكسر الواو المشددة (فحدثتنا) أي الربيع (أنه) أي النبي (قال اسكبي) بضم الكاف من نصر ينصر أمر من السكب أي صبي يقال سكب الماء سكبا وسكوبا فانصب وسكبه غيره يتعدى ولا يتعدى (فذكرت) أي الربيع (ووضأ وجهه) بتشديد الضاد أي غسل (مضمض واستنشق مرة) لبيان الجواز (ومسح برأسه مرتين يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه) بيان لمرتين فليستا مسحتين بدليل أنها لم تقل ويبدأ بالواو ثم بدؤه بالمؤخر لبيان الجواز إن صحت هذه الرواية قال السيوطي احتج به من يرى أنه يبدأ بمسح الرأس بمؤخره ثم بمقدمه قال الترمذي ذهب أهل الكوفة إلى هذا الحديث منهم وكيع بن الجراح وأجاب ابن العربي عنه على مذهب الجمهور بأنه تحريف من الراوي بسبب فهمه فإنه فهم من قوله فأقبل بهما وأدبر أنه يقتضي الابتداء بمؤخر الرأس فصرح بما فهم منه وهو يخطئ في فهمه وأجاب غيره بأنه عارضه ما هو أصح منه وهو حديث عبد الله بن زيد أو بأنه فعل لبيان الجواز انتهى (وهذا معنى حديث مسدد) أي هذا الذي رويته عن مسدد رويته بالمعنى ولا أتحفظ جملة
[ 149 ]
الفاظه قال المنذري وأخرجه الترمذي مختصرا وقال هذا حديث حسن وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسنادا وأخرجه ابن ماجه (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة الإمام الحافظ كما صرح به المزي في الأطراف (بهذا الحديث) المذكور إلا أن سفيان بن عيينة (يغير بعض معاني بشر) بن المفضل أي حديث بن عيينة وبشر بن المفضل كلاهما متحدان في المعنى إلا أن بينهما بعض المغايرة بحسب المعنى وصرحها فلا بقوله (قال) أي سفيان بن عيينة (فيه) أي في الحديث المذكور (عندها) أي الربيع (من قرن الشعر) القرن يطلق على الخصلة من الشعر وعلى جانب الرأس من أي جهة كان وعلى أعلى الرأس قاله الشيخ ولي الدين العراقي وفي التوسط أراد بالقرن أعلى الرأس إذ لو مسح من أسفل لزم تغير الهيئة وقد قال لا يحرك إلخ أي يبتدئ المسح من الأعلى إلى أسفل (كل ناحية) أي في كل ناحية بحيث يستوعب مسح جميع الرأس عرضا وطولا (لمنصب الشعر) بضم الميم وسكون النون وفتح الصاد المهملة وتشديد الياء الموحدة المكان الذي ينحدر إليه وهو أسفل الرأس مأخوذ من انصباب الماء وهو انحداره من أعلى إلى أسفل قاله السيوطي واللام في المنصب لانتهاء الغاية أي ابتدأ من الأعلى في كل ناحية وانتهى إلى آخر موضع ينتهي إليه الشعر كذا في التوسط قال العراقي والمعنى أنه كان يبتدئ المسح بأعلى الرأس إلى أن ينتهي بأسفله يفعل ذلك في كل ناحية على حدتها انتهى وقال الشوكاني إنه مسح مقدم رأسه مسحا مستقلا ومؤخره كذلك لأن المسح مرة واحدة لا بد فيه من تحريك شعر أحد الجانبين انتهى (لا يحرك الشعر عن هيئته) التي هو عليها قال ابن رسلان وهذه الكيفية مخصوصة بمن له شعر طويل إذ لو رد يده عليه ليصل الماء إلى أصوله ينتفش ويتضرر صاحبه بانتفاشه وانتشار بعضه ولا بأس بهذه الكيفية للمحرم فإنه يلزمه الفدية بانتشار شعره وسقوطه وروى عن أحمد كيف تمسح المرأة ومن له شعر طويل كشعرها فقال إن شاء
[ 150 ]
مسح كما روى عن الربيع وذكر الحديث ثم قال هكذا ووضع يده على وسط رأسه ثم جرها إلى مقدمه ثم رفعها فوضعها حيث بدأ منه ثم جرها إلى مؤخره انتهى قلت والقرن أيضا الروق من الحيوان وموضعه من أسنا قاله في القاموس وهو مقدم الرأس أراد بالقرن هذا المعنى أي ابتدأ المسح من مقدم رأسه مستوعبا جميع جوانبه إلى منصب شعره وهو مؤخر رأسه إذ لو مسح من مؤخره إلى مقدمه أو من أعلاه وهو وسطه إلى أية جهة كانت أو من يمينه إلى شماله أو بالعكس لزم تحرك الشعر عن هيئته وقد قال لا يحرك إلخ والله أعلم بالصواب (قالت) أي الربيع (ومسح ما أقبل منه) هذا عطف تفسيري لقوله فمسح رأسه أي مسح ما أقبل من الرأس (و) مسح (ما أدبر) من الرأس أي مسح من مقدم الرأس إلى منتهاه ثم رد يديه من مؤخر الرأس إلى مقدمه (و) مسح (صدغيه) الصدغ بضم الصاد المهملة وسكون الدال الموضع الذي بين العين والأذن والشعر المتدلي على ذلك الموضع (و) مسح (أذنيه مرة واحدة) متعلق بمسح فيكون قيدا في الإقبال والإدبار وما بعده فباعتبار الإقبال يكون مرة وباعتبار الإدبار مرة أخرى وهو مسح واحد وبه يجمع بينه وبين ما سبق من حديثها أنه مسح برأسه قرنين ونقل الشعراني عن بعض السلف أنه قال لا خلاف بين تثليث المسح والمسحة الواحدة لأنه وضع يده على يافوخه أولا ثم مد يده إلى مؤخر رأسه ثم إلى مقدم رأسه ولا يفصل يده من رأسه ولا أخذ الماء ثلاث مرات فمن نظر إلى هذه الكيفية قال إنه مسح مرة واحدة ومن نظر إلى تحريك يده قال إنه مسح ثلاثا والله أعلم قال المنذري قال وأخرجه الترمذي (وقال) حديث الربيع حديث حسن صحيح (من فضل ماء كان في يده) ولفظ الدارقطني في سننه توضأ ومسح رأسه ببلل يديه وفي رواية له قالت كان النبي يأتينا فيتوضأ فمسح رأسه بما فضل في يديه ومسح هكذا ووصف ابن داود قال بيديه من مؤخر رأسه إلى مقدمه ثم رد يديه من مقدم رأسه إلى مؤخره انتهى قلت ابن عقيل هذا قد اختلف الحفاظ في الاحتجاج بحديثه وذكر الترمذي حديث عبد الله بن زيد
[ 151 ]
أنه رأى النبي توضأ وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه من رواية ابن لهيعة عن حبان بن واسع قال ورواية عمرو بن الحارث عن حبان بن واسع أصح لأنه قد روى من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبي أخذ لرأسه ماءا جديدا انتهى حديث ابن عقيل هذا في متنه اضطراب لأن ابن ماجه أخرج من طريق شريك عن عبد الله بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت أتيت النبي بميضأة فقال اسكبي فسكبت فغسل وجهه وذراعيه وأخذ ماءا جديدا فمسح به رأسه مقدمه ومؤخره تأوله الحافظ البيهقي على أنه أخذ ماء جديدا وصب نصفه ومسح رأسه ببلل يديه ليوافق ما في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني ومسح برأسه بماء غير فضل يديه أخرجه مسلم والمؤلف والدارمي والترمذي وقال حديث حسن صحيح وأخرج الطبراني في معجمه حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا أسد بن عمرو عن دهثم عن نمران بن جارية بن ظفر أن رسول الله قال خذوا للرأس ماءا جديدا والحديث لا يصح لحال دهثم وجهالة نمران قاله الذهبي وقال الحافظ في الإصابة دهثم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه ولا يعرف له رواية إلا من طريق دهثم ودهثم ضعيف جدا (إصبعيه) أي السبابتين (في جحري أذنيه) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة تثنية جحر وهو الثقبة والخرق وتقدم رواية هشام وفيها وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (عن ليث) هو ابن سليم القرشي الكوفي روى عن عكرمة وغيره وعنه شعبة والثوري ومعمر قال أحمد مضطرب الحديث وقال الفضيل بن عياض ليث أعلم أهل الكوفة
[ 152 ]
بالمناسك كذا في الخلاصة وقال الحافظ قال ابن حبان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم تركه يحيى القطان وابن مهدي وابن معين وأحمد بن حنبل وقال النووي في تهذيب الأسماء اتفق العلماء على ضعفه (عن أبيه) أي مصرف بن عمرو بن كعب قال ابن القطان مصرف بن عمرو والد طلحة مجهول ذكره الحافظ في التلخيص ومثله في التقريب (القذال) بفتح القاف والذال المعجمة كسحاب هو مؤخر الرأس وجمعه قذل منه ككتب وأقذلة كأغلمة ولفظ أحمد في مسنده أنه رأى رسول الله يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق ولفظ ابن سعد وجر يديه إلى قفاه (وهو) أي القذال (أول القفا) وهذا تفسير من أحد الرواة والقفا بفتح القاف مقصور هو مؤخر العنق كذا في المصباح وفي المحكم وراء العنق يذكر ويؤنث وفي رواية الطحاوي في شرح معاني الآثار مسح مقدم رأسه حتى بلغ القذال من مقدم عنقه وحاصل الكلام أن القذال هو مؤخر الرأس وأول القفا هو مؤخر الرأس أيضا لأن القفا بغير إضافة لفظ أول هو بمؤخر العنق فابتداء العنق هو مؤخر الرأس فالمعنى أنه مسح رأسه مرة من مقدم الرأس إلى منتهاه (وقال مسدد) في روايته (مسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره حتى أخرج يديه من تحت أذنيه) وجانب الأذن الذي يلي الرأس المعبر بظاهر الأذن هو تحتها بالنسبة إلى جانب الأذن الذي يلي الوجه المعبر بباطن الأذن والمعنى أنه مسح إلى مؤخر الرأس حتى مرت يداه على ظاهر الأذنين وما انفصلتا عن ذلك الموضع إلا بعد مرورهما على ظاهرهما قلت والحديث مع ضعفه لا يدل على استحباب مسح الرقبة لأن فيه مسح الرأس من مقدمه إلى مؤخر الرأس أو إلى مؤخر العنق على اختلاف الروايات وهذا ليس فيه كلام إنما الكلام في مسح الرقبة المعتاد بين الناس أنهم يمسحون الرقبة بظهور الأصابع بعد فراغهم عن مسح الرأس وهذه الكيفية لم تثبت في مسح الرقبة لا من الحديث الصحيح ولا من الحسن بل ما روى في مسح الرقبة كلها ضعاف كما صرح به غير واحد من العلماء فلا يجوز الاحتجاج بها وما نقل الشيخ ابن الهمام من حديث وائل بن حجر في صفة وضوء رسول الله ثم مسح على رأسه ثلاثا
[ 153 ]
وظاهر أذنيه ثلاثا وظاهر رقبته الحديث ونسبة إلى الترمذي فهو وهم منه لأن الحديث ليس له وجود في الترمذي (فحدثت به) أي بالحديث المذكور (يحيى) بن سعيد القطان كما صرح به البيهقي (فأنكره) أي الحديث من جهة جهالة مصرف أو أن يكون لجد طلحة صحبة ولذا قال عبد الحق هو إسناد لا أعرفه وقال النووي طلحة بن مصرف أحد الأئمة الأعلام تابعي احتج به الستة وأبوه وجده لا يعرفان قاله السيوطي لكن يحيى بن معين في رواية الدوري وعبد الرحمن بن مهدي وابن أبي حاتم وأبا داود أثبتوا صحبة لعمرو بن كعب جد طلحة (زعموا) أي قالوا أي قال الناس (إنه) أي سفيان بن عيينة (كان ينكره) أي الحديث والعبارة فيها تقديم وتأخير أي يقول أحمد بن حنبل زعم الناس أن ابن عيينة ينكر هذا الحديث (ويقول) سفيان (إيش هذا) بفتح الهمزة وسكون الباء وكسر الشين المعجمة معناه أي شئ هذا وهو استفهام إنكاري أي لا شئ هذا الحديث وفي المصباح وفي أي شئ خففت الياء وحذفت الهمزة تخفيفا وجعلا كلمة واحدة فقالوا أيش قاله الفارابي انتهى كلامه (طلحة عن أبيه عن جده) هذا تعليل للانكار أي لا شئ هذا الحديث إنما يروى لعمرو صحبة (فذكر الحديث كله ثلاثا ثلاثا) أي فذكر الراوي ما تضمنه الحديث من الأعضاء المغسولة كلها ثلاثا ثلاثا أي ذكر أن رسول الله غسل الأغضاء كلها ثلاثا ثلاثا (قال) أي ابن عباس (يمسح المأقين) وتثنية مأق بالفتح وسكون الهمزة أي يدلكهما في
[ 154 ]
القاموس موق العين مجرى الدمع منها أو مقدمها أو مؤخرها انتهى وقال الأزهري أجمع أهل اللغة أن الموق والماق مؤخر العين الذي يلي الأنف انتهى قال التوربشتي الماق طرف العين الذي يلي الأنف والأذن واللغة المشهورة موق قال الطيبي إنما مسحهما على الاستحباب مبالغة في الإسباغ لأن العين قلما تخلو من كحل وغيره أو رمص فيسيل فينعقد على طرف العين (قال) شهر (وقال) أي أبو أمامة (الأذنان من الرأس) يعني يجوز مسح الأذنين مع مسح الرأس بماء واحد وهو مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم كذا في المفاتيح حاشية المصابيح قال الترمذي والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ومن بعدهم أن الأذنين من الرأس وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم ما أقبل من الأذنين فمن الوجه وما أدبر : فمن الرأس وقال إسحاق أختار أن يمسح مقدمهما مع وجهه ومؤخرهما مع رأسه انتهى (يقولها) أي هذه الجملة وهي قوله الأذنان من الرأس (أبو أمامة) الباهلي أي قائل هذه الجملة أبو أمامة وما هي من قول النبي قال البيهقي في المعرفة وكان سليمان بن حرب يرويه عن حماد ويقول الأذنان من الرأس إنما هو من قول أبي أمامة فمن قال غير هذا فقد بدل وقال الدارقطني في سننه قال سليمان بن حرب الأذنان من الرأس إنما هو قول أبي أمامة فمن قال غير هذا فقد بدل أو كلمة قالها سليمان أي أخطأ (يعني قصة الأذنين) الظاهر أن هذا التفسير من المؤلف وقد كان في قول حماد إبهام فأرجع الضمير المرفوع في قول حماد لا أدري هو إلى قوله الأذنان من الرأس (قال قتيبة) في روايته (عن سنان أبي ربيعة) وقال سليمان بن حرب ومسدد سنان بن ربيعة (وهو) أي سنان (ابن ربيعة كنيته أبو ربيعة) فلا يتوهم متوهم أن قتيبة أخطأ فيه لأن كنية سنان أبو ربيعة واسم والده ربيعة فاتفق القولان واعلم أن حديث الأذنان من الرأس رواه ثمانية أنفس من الصحابة قال الحافظ في التلخيص الأول حديث أبي أمامة رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والقزويني وقد بينت أنه مدرج في كتابي تقريب المنهج بترتيب المدرج في ذلك الثاني حديث عبد الله بن زيد قواه المنذري وابن دقيق العيد وقد بينت أيضا أنه مدرج الثالث حديث ابن عباس رواه البزار وأعله الدارقطني بالاضطراب وقال إنه وهم والصواب رواية ابن جريج عن سليمان بن موسى
[ 155 ]
مرسلا الرابع حديث أبي هريرة رواه ابن ماجه وفيه عمرو بن الحصين وهو متروك الخامس حديث أبي موسى أخرجه الدارقطني واختلف في وقفه ورفعه وصوب الوقف وهو منقطع أيضا السادس حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني وأعله أيضا السابع حديث عائشة أخرجه الدارقطني وفيه محمد بن الأزهر وقد كذبه أحمد الثامن حديث أنس أخرجه الدارقطني من طريق عبد الحكيم عن أنس وهو ضعيف انتهى كلام الحافظ في التلخيص 51 الوضوء ثلاثا ثلاثا (عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي المدني نزيل الطائف واعلم أنه اختلف كلام الأئمة الحفاظ في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب روى عن ابن معين أنه قال إذا حدث عن غير أبيه فهو ثقة وقال أبو داود عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ليس بحجة وقال القطان إذا روى عن الثقات فهو ثقة حجة يحتج به وقال الترمذي في جامعه ومن تكلم في حديث عمرو بن شعيب إنما ضعفه لأنه يحدث عن صحيفة جده كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده قال علي بن عبد الله وذكر عن يحيى بن سعيد أنه قال حديث عمرو بن شعيب عندنا واه انتهى قال الحافظ جمال الدين المزي عمرو بن شعيب يأتي على ثلاثة أوجه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وعمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو فعمرو له ثلاثة أجداد محمد وعبد الله وعمرو بن العاص فمحمد تابعي وعبد الله وعمرو صحابيان فإن كالمراد بجده محمدا فالحديث مرسل لأنه تابعي وإن كان المراد به عمروا فالحديث منقطع لأن شعيبا لم يدرك عمروا وإن كان المراد به عبد الله فيحتاج إلى معرفة سماع شعيب من عبد الله وأجيب عن هذا بما قال الترمذي في كتاب الصلاة من جامعه عمرو بن شعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص قال محمد بن إسماعيل رأيت أحمد وإسحاق وذكر غيرهما يحتجون بحديث عمرو بن شعيب قال محمد وقد سمع شعيب بن محمد من عبد الله بن عمرو انتهى وقال الدارقطني في كتاب البيوع من سننه حدثنا محمد بن الحسن النقاش أخبرنا أحمد بن تميم قال قلت لأبي عبد الله بن إسماعيل البخاري شعيب والد عمرو بن شعيب
[ 156 ]
سمع من عبد الله بن عمرو قال نعم قلت فعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يتكلم الناس فيه قال رأيت علي بن المديني بن حنبل والحميدي وإسحاق بن راهويه يحتجون به انتهى ويدل على سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو ما رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي عنه في إفساد الحج فقالوا عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن رجلا أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن محرم وقع بامرأته فأشار إلى عبد الله بن عمر فقال اذهب إلى ذلك فاسأله قال شعيب فلم يعرفه الرجل فذهبت معه فسأل ابن عمرو قال الحافظ قال أحمد عمرو بن شعيب له أشياء مناكير وإنما يكتب حديثه يعتبر به فأما أن يكون حجة فلا قال الجوزجاني قلت لأحمد سمع من أبيه شيئا قال يقول حدثني أبي قلت فأبوه سمع من عبد الله بن عمرو قال نعم أراه قد سمع منه وقال أبو بكر الأثرم سئل أبو عبد الله عن عمرو بن شعيب فقال أنا أكتب حديثه وربما احتججنا به وربما وقع في القلب منه شئ وقال البخاري رأيت أحمد وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيدة وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد من المسلمين قال البخاري فمن الناس بعدهم انتهى ووثقه النسائي وقال الحافظ أبو بكر بن زياد صح سماع عمرو من أبيه وصح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو وفي شرح ألفية العراقي للمصنف وقد اختلف في الاحتجاج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأصح الأقوال أنها حجة مطلقا إذا صح السند إليه قال ابن الصلاح وهو قول أكثر أهل الحديث حملا للجد عند الإطلاق على الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك فقد قال البخاري رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وأبا خيثمة وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد منهم وثبتوه فمن الناس بعدهم وقول ابن حبان هي منقطعة لأن شعيبا لم يلق عبد الله مردود فقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو كما صرح به البخاري في التاريخ وأحمد وكما رواه الدارقطني والبيهقي في السنن بإسناد صحيح وذكر بعضهم أن محمدا مات في حياة أبيه وأن أباه كفل شعيبا ورباه وقيل لا يحتج به مطلقا انتهى بتلخيص ومحصل الكلام أن الأكثر على توثيقه وعلى الاحتجاج بروايته عن أبيه عن جده (عن أبيه) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن جده قد وثقه ابن حبان وثبت سماعه من جده عبد الله فالضمير في (عن جده) لشعيب وإن عاد على عمرو ابنه حمل على جده الأعلى الصحابي فالحديث متصل الإسناد (قال) أي عبد الله بن عمرو بن العاص (كيف الطهور)
[ 157 ]
الجمهور على أن ضم الطاء للفعل وفتح الطاء للماء وعن بعض عكسه (فدعا) أي النبي صلى الله عليه وسلم (السباحتين) بمهملة فموحدة فألف بعدها مهملة تثنية سباحة وأراد بهما مسبحتي اليد اليمنى واليسرى وسميت سباحة لأنه يشار بها عند التسبيح (ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم (هكذا الوضوء) أي تثليث الغسل هو أسبغ الوضوء وأكمله ورد في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي أخرجه الدارقطني بسند ضعيف في كتابه غرائب مالك عن أبي هريرة (على هذا) أي على الثلاث (أو نقص) عن الثلاث (فقد أساء وظلم) أي على نفسه بترك متابعة صلى الله عليه وسلم أو بمخالفته أو لأنه أتعب نفسه فيما زاد على الثلاثة من غير حصول ثواب له أو لأنه أتلف الماء بلا فائدة وأما في النقص فأساء الأدب بترك السنة وظلم نفسه بنقص ثوابها بتزداد غير المرات في الوضوء واستشكل بالإساءة والظلم على من نقص عن هذا العدد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين ومرة مرة وأجمع أئمة الحديث والفقه على جواز الاقتصار على واحدة وأجيب بأنه أمر نسبي والإساءة تتعلق بالنقص أي أساء من نقص عن الثلاث بالنسبة لمن فعلها لا حقيقة الإساءة والظلم بالزيادة عن الثلاث لفعله مكروها أو حراما وقال بعض المحققين فيه حذف تقديره من نقص شيئا من غسلة واحدة بأن تركه لمعة في الوضوء مرة ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد بن معاوية من طريق المطلب بن حنطب مرفوعا الوضوء مرة مرة وثلاثا فإن نقص من واحدة أو زاد على ثلاثة فقد أخطأ وهو مرسل لأن المطلب تابعي صغير ورجاله ثقات ففيه بيان ما أجمل في حديث عمرو بن شعيب وأجيب عن الحديث أيضا بأن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه بل أكثرهم يقتصر على قوله فمن زاد فقط ولذا ذهب جماعة من العلماء بتضعيف هذا اللفظ في قوله أو نقص قال ابن حجر والقسطلاني عده مسلم في جملة ما أنكروه على عمرو بن شعيب لأن ظاهره ذم النقص عن الثلاثة والنقص عنها جائز وفعله المصطفى صلى الله عليه وسلم فكيف يعبر عنه بأساء وظلم قال السيوطي قال ابن المواق إن لم يكن اللفظ شكا من الراوي فهو من الأوهام البينة التي لا خفاء لها إذ الوضوء مرة ومرتين لا خلاف في جوازه والآثار بذلك صحيحة والوهم فيه من أبي عوانة وهو وإن كان من الثقات فإن الوهم لا يسلم منه بشر إلا من عصم ويؤيده رواية أحمد والنسائي وابن ماجه وكذا ابن خزيمة في صحيحه ومن
[ 158 ]
زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم ولم يذكروا أو نقص فقوى بذلك أنها شك من الراوي أو وهم قال السيوطي ويحتمل أن يكون معناه نقص بعض الأعضاء فلم يغسلها بالكلية وزاد أعضاء أخر لم يشرع غسلها وهذا عندي أرجح بدليل أنه لم يذكر في مسح رأسه وأذنيه تثليثا انتهى قال الزرقاني ومن الغرائب ما حكاه أبو حامد الإسفرائني عن بعض العلماء أنه لا يجوز النقص عن الثلاث كأنه تمسك بظاهر الحديث المذكور وهو المحجوج بالإجماع وحكى الدارمي عن قوم أن الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء كالزيادة في الصلاة وهو قياس فاسد وقال أحمد وإسحاق وغيرهما لا تجوز الزيادة على الثلاث وقال ابن المبارك لا آمن أن يأثم من زاد على الثلاث (أو ظلم وأساء) هذا شك من الراوي قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وعمرو بن شعيب ترك الاحتجاج بحديثه جماعة من الأئمة ووثقه بعضهم انتهى 52 الوضوء مرتين (توضأ مرتين مرتين) لكل عضو من أعضاء الوضوء والنصب فيهما على المفعول المطلق المبين للكمية قال النووي قد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة وعلى أن الثلاث سنة وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا أو بعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين والاختلاف دليل على جواز ذلك كله وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله بن الفضل وهو إسناد حسن صحيح انتهى (فاغترف غرفة) بفتح الغين المعجمة بمعنى المصدر وبالضم بمعنى المغروف وهي ملء الكف
[ 159 ]
(فتمضمض واستنشق) فيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق (ثم أخذ) غرفة (أخرى فجمع بها) أي بالغرفة (يديه) أي جعل الماء الذي في يده في يديه جميعا لكي أمكن في الغسل لأن اليد قد لا تستوعب الغسل (ثم غسل وجهه) وفيه دليل غسل الوجبة واليدين جميعا (فرش) أي سكب الماء قليلا قليلا إلى أن صدق عليه مسمى الغسل على رجله اليمنى) وفي رواية البخاري وغيره حتى غسلها وهو صريح في أنه لم يكتف بالرش (وفيها) أي الرجل اليمنى (النعل) قال في التوسط هو لا يدل على عدم غسل اسفلها (ثم مسحها بيديه) قال الحافظ المراد بالمسح تسييل الماء حتى يستوعب العضو وقد أخرج البخاري في باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين من حديث ابن عمرو فيه أن النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها ففيه التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل رجليه الشريفتين وهما في نعليه وهذا موضع استدلال البخاري رحمه الله تعالى للترجمة وفي التوسط مسحها أي دلكها (يد) بكسر الدال المهملة على البدلية وبالرفع (ويد تحت النعل) قال الحافظ أما قوله تحت النعل فإن لم يحمل على التجوز عن القدم وإلا فهي رواية شاذة وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما انفربه فكيف إذا خالف وفي التوسط أجاب الجمهور بأنه حديث ضعيف ولو صح فهو مخالف لسائر الروايات ولعله كرر المسح حتى صار غسلا (ثم صنع باليسرى مثل ذلك) أي رش على رجله اليسرى وفيها النعل ثم مسحها بيديه فوق القدم ويد تحت النعل واعلم أن الحديث ليس فيه ذكر المرتين فلا يعلم وجه المناسبة بالباب قال المنذري وأخرجه البخاري مطولا ومختصرا وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مفرقا بنحوه مختصرا وفي لفظ البخاري ثم أخذ غرفة من ماء فرش على رجله اليمنى حتى غسلها ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعني اليسرى وفي لفظ النسائي ثم غرف غرفة فغسل رجله اليمنى ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى وذلك يوضح ما أبهم في لفظ حديث أبي داود وترجم البخاري والترمذي والنسائي على طرف من هذا الحديث الوضوء مرة مرة خلاف ما في هذه الترجمة وكذلك فعل أبو داود في الباب الذي بعده انتهى
[ 160 ]
53 الوضوء مرة مرة (فتوضأ مرة مرة) بالنصب فيهما على المفعول المطلق كالسابق وهذا الحديث طرف من الذي قبله واعلم أنه اتفق العلماء على أن الوضوء يجزى مرة مرة ومرتين أفضل وأفضله ثلاث وليس بعده شئ وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ بعض وضوئه مرة وبعضه ثلاثا أخرجه الترمذي وغيره 54 باب في الفرق إلخ (يسيل) أي يقطر (ولحيته) بكسر اللام وسكون الحاء (فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق) والحديث حجة لمن يرى الفصل بين المضمضة والاستنشاق لكن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة وأخرج الطبراني في معجمه عن طلحة بن مصرف عن أبيه كعب بن عمرو اليمامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحدة ماءا جديدا الحديث وهو ضعيف أيضا وتقدم رواية المؤلف من طريق ابن أبي مليكة عن عثمان أنه رآه دعا بماء فأتي بميضأة فأصغاها على يده اليمنى ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثا واستنثر ثلاثا الحديث وفيه رفعه وهو ظاهر في الفصل وروى أبو علي في صحاحه من طريق أبي وائل شقيق بن سلمة قال شهدت علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان توضأ ثلاثا ثلاثا وأفرد المضمضة من الاستنشاق ثم قالا هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فهذا صريح في الفصل وقد روى عن علي بن أبي طالب أيضا الجمع ففي مسند أحمد عن علي أنه دعا بماء فغسل وجهه وكفيه ثلاثا
[ 161 ]
وتمضمض وأدخل بعض أصابعه في فيه واستنشق ثلاثا بل في ابن ماجه أصرح من هذا بلفظ توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا من كف واحد وتقدم في باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بعض المباحث في الوصل بين المضمضة والاستنشاق ومحصل الكلام أن الوصل والفصل كلاهما ثابت لكن أحاديث الوصل قوية من جهة الإسناد والله أعلم 55 في الاستنثار بعد هو استفعال من النثر بالنون والمثلثة وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ أي يجذبه بريح أنفه لتنظيف ما في داخله فيخرج بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا (ثم لينثر) بمثلثة مضمومة بعد النون الساكنة من باب الثلاثي المجرد وفي بعض الروايات ثم لينتثر على وزن ليفتعل من باب الافتعال يقال نثر الرجل وانتثر إذا حرك النثرة وهي طرف الأنف في الطهارة قال الحافظ ظاهر الأمر أنه للوجوب فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر كأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر أن يقول به في الاسنتثار يقول وظاهر كلام صاحب المغني من الحنابلة يقتضي أنهم يقولون بذلك وأن مشروعية الاستنشاق لا تحصل إلا بالاستنثار وصرح ابن بطال بأن بعض العلماء قال بوجوب الاستنثار وفيه تعقب على من نقل الإجماع على عدم وجوبه واستدل الجمهور على أن الأمر فيه للندب بما حسنه الترمذي وصححه الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي توضأ كما أمرك الله فأحاله على الآية وليس فيها ذكر الاستنشاق ويحتمل أن يراد بالأمر ما هو أعلم من آية الوضوء فقد أمر الله سبحانه باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله أمره ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة وهو يرد على من لم يوجب المضمضة أيضا وقد ثبت الأمر بها أيضا في سنن أبي داود من حديث لقيط بإسناد صحيح ولم يذكر في هذه الرواية عددا وقد ورد في رواية سفيان عن أبي الزناد ولفظه إذا استنثرت فليستنثر وترا أخرجه الحميدي في مسنده عنه وأصله لمسلم انتهى مختصرا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم من وجه آخر
[ 162 ]
(استنثروا مرتين بالغتين) أي أعلى نهاية الاستنثار (أو ثلاثا) لم يذكر المبالغة في الثلاث وكأن المبالغة في الثنتين قائمة مقام المرة الثالثة قال الشوكاني والحديث يدل على وجوب الاستنثار والمراد بقوله بالغتين أنهما في أعلى نهاية الاستنثار من قولهم بلغت المنزل وأما تقييد الأمر بالاستنثار بمرتين أو ثلاثا فيمكن الاستدلال على عدم وجوب الثانية والثالثة بحديث الوضوء مرة ويمكن القول بإيجاب مرتين أو ثلاث إما لأنه خالص وحديث الوضوء مرة عام وإما لأنه قول خاص بنا فلا يعارضه فعله صلى الله عليه وسلم كما تقرر في الأصول والمقام لا يخلو عن مناقشة في كلا الطرفين انتهى وأخرج أبو داود الطيالسي إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا قال الحافظ وإسناده حسن قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (في آخرين) أي جماعة آخرين وكان قتيبة بن سعيد منهم (وافد) قال الجوهري في الصحاح وفد فلان على الأمير أي ورد رسولا فهو وافد والجمع وفد مثل صاحب وصحب وجمع الوافد أوفاد ووفود والاسم الوفادة وأوفدته أنا إلى الأمير أي أرسلته انتهى وفي مجمع بحار الأنوار الوفد قوم يجتمعون ويردون البلاد الواحد وافد وكذا من يقصد الأمراء بالزيارة (المنتفق) بضم الميم وسكون النون وفتح المثناة وكسر الفاء جد صبرة (أو في وفد) هو شك من الراوي والأول يدل على إنفراده أو كونه زعيم الوفد ورئيسهم وفيه دليل على أنه لا تجب الهجرة على كل من أسلم لأن بني المنتفق وغيرهم لم يهاجروا بل أرسلوا وفودهم وهو كذلك إذا كان في موضع يقدر على إظهار الدين فيه (قال) أي لقيط (فلم نصادفه) قال في الصحاح صادفت فلانا وجدته أي لم نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أي لقيط (فأمرت لنا) أي عائشة (بخزيرة) بخاء معجمة ثم الزاء بعدها التحتانية ثم الراء على وزن كبيرة هو لحم يقطع صغارا ويصب عليه الماء الكثير فإذا نضج
[ 163 ]
ذر عليه الدقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة وقيل هي حساء من دقيق ودسم وقيل إذا كان من دقيق فهو حريرة وإذا كان من نخالة فهو خزيرة كذا في النهاية واقتصر الجوهري على القول الأول (فصنعت) بصيغة المجهول أي الخزيرة (وأتينا) بصيغة المجهول (بقناع) بكسر القاف وخفة النون وهو الطبق الذي يؤكل عليه وقيل له القنع بالكسر والضمير وقيل القناع جمعه (ولم يقل قتيبة القناع) وفي بعض النسخ لم يقم قتيبة القناع من أقام يقيم أي لم يتلفظ قتيبة بلفظ القناع تلفظا صحيحا بحيث يفهم منه هذا اللفظ (والقناع الطبق) هذا كلام مدرج من أحد الرواة فسر القناع بقوله الطبق (أصبتم شيئا) من الطعام (أو أمر لكم) بصيغة المجهول والظاهر أن هذا شك من لقيط بن صبرة (فبينا نحن) كلمة بين بمعنى الوسط بسكون السين وهي من الظروف اللازمة للإضافة ولا يضاف إلا إلى الأثنين فصاعدا أو ما قام مقامه وقوله تعالى عوان بين ذلك وقد يقع ظرف زمان وقد يقع ظرف مكان بحسب المضاف إلي وقد يحذف المضاف إليه ويعوض عنه ما أو الألف فيقال بينما نحن كذا وبينا نحن كذا وقد لا يعوض فيقال هذا الشئ بين بين أي بين الجيد والردئ (جلوس) جمع جالس والمعنى بين أوقات نحن جالسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إذا دفع الراعي غنمه الحديث (إذا دفع) أي ساق (الراعي غنمه) وكانت الغنم لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى المراح) قال الجوهري المراح بالضم حيث تأوى إليه الإبل والغنم بالليل (ومعه) أي مع الراعي أو مع الغنم قال الجوهري الغنم اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور وعلى الإناث وعليهما جميعا وإذا صغرتها ألحقتها الهاء فقلت غنيمة (سخلة) بفتح السين وسكون الخاء المعجمة ولد الشاة من المعز والضأن حين يولد ذكرا كان أو أنثى كذا في المحكم وقيل يختص بأولاد المعز وبه جزم صاحب النهاية قاله السيوطي (تيعر) في القاموس بكسر العين كتضرب الذي وبفتح العين كتمنع ومصدره يعار بضم الياء كغراب وهو صوت الغنم أو المعز أو الشديد من أصوات الشاء وماضيه يعرت أي صاحت وفي النهاية يعار أكثر ما يقال لصوت المعز فمعنى تيعر أي تصوت (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (ما ولدت) بتشديد اللام وفتح التاء يقال ولدت الشاة توليدا إذا حضرت ولادتها فعالجتها حتى تبين الولد منها والمولدة القابلة والمحدثون يقولون ما ولدت يعنون الشاه والمحفوظ التشديد بخطاب الراعي قال الإمام أبو سليمان الخطابي هو بتشديد
[ 164 ]
وفتح تاء خطابا للراعي وأهل الحديث يخففون اللام ويسكنون التاء والشاة فاعله وهو غلط انتهى لكن قال في التوسط بخفة لام وسكون تاء لا بالتشديد إذ المولدة بالفتح أمها لاهي انتهى (يا فلان قال) الراعي المدعو بلفظ فلان (بهمة) قال ابن الأثير هذا الحديث يدل على أن البهمة اسم للأنثى لأنه إنما سأله ليعلم أذكرا ولد أم أنثى وإلا فقد كان يعلم إنما تولد أحدهما انتهى قال السيوطي ويحتمل أنه سأله ليعلم هل المولود واحد أو أكثر ليذبح بقدره من الشياه الكبار كما دل عليه بقية الحديث (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (مكانها) أي السخلة (ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحسبن) بكسر السين صرح به صاحب التوسط قال لقيط ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحسبن) بفتح السين قال النووي في شرحه مراد الراوي أنه صلى الله عليه وسلم نطق ههنا مكسورة السين ولم ينطق بها بفتحها فلا يظن ظان أني رويتها بالمعنى على اللغة الأخرى أو شككت فيها أو غلطت أو نحو ذلك بل أنا متيقن بنطقه صلى الله عليه وسلم بالكسر وعدم نطقه بالفتح ومع هذا فلا يلزم أن لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم نطق بالمفتوحة في وقت آخر بل قد نطق بذلك فقد قرئ بوجهين انتهى كلام النووي قال السيوطي ويحتمل أن الصحابي إنما نبه على ذلك لأنه كان ينطق بالفتح فاستغرب الكسر وضبطه ويحتمل أنه كان ينطق بالكسر ورأى الناس ينطقون بالفتح فنبه على أن الذي نطق به النبي صلى الله عليه وسلم الكسر (ذبحناها) أي الشاة أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا لم نتكلف لكم بالذبح لئلا يمتنعوا منا وليتبرى لأن عن التعجب والاعتداد على الضيف (أن تزيد) على المائة فتكثر لأن هذا القدر كاف لإنجاح حاجتي (ذبحنا مكانها شاة) وقد استمروا بي على هذا فلأجل ذلك أمرناها بالذبح فلا تظنوا بي أني أتكلف لكم والظاهر من هذا القول أنهم لما سمعوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذبح اعتذروا إليه وقالوا وقد لا تتكلفوا لنا فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا تحسبن هذا ما يفهم من سياق الواقعة (قال) لقيط (يعني البذاء) هو بالمد وفتح الموحدة الفحش في القول يقال بذوت على القوم وأبذيت على القوم وفلان بذي اللسان والمرأة بذية وقد بذو الرجل يبذو بذاء كذا في الصحاح (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فطلقها إذا)
[ 165 ]
أي إذا كانت المرأة ذات لسان وفحش فطلقها (صحبة) معي (ولي منها ولد) قال السيوطي يطلق الولد على الواحد والجمع وعلى الذكر والأنثى (فمرها) أي المرأة أن تطيعك ولا تعصيك في معروف (يقول) الراوي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أي (عظها) أمر من الموعظة وهي بالطريق الحسنة أسرع للتأثير فأمر لها بالموعظة لتلين قلبها فتسمع كلام زوجها سماع قبول (فإن يك) قال الجوهري قولهلم يك أصله يكون فلما دخلت عليها لم جزمتها علي فالتقي ساكنان فحذفت الواو فيبقى لم يكن فلما كثر استعمالها حذفوا النون تخفيفا فإذا تحركت أثبتوها فقالوا لم يكن الرجل وأجاز يونس حذفها مع الحركة (فيها) أي في المرأة (فستفعل) ما تأمرها به قال السيوطي وفي رواية الشافعي وابن حبان فتستقبل بالقاف والموحدة وهو صحيح المعنى إلا أنه ليس بمشهور انتهى (ظعينتك) بفتح الظاء المعجمة وكسر العين المهملة أصلها راحلة ترحل ويظعن عليها أي يسار وقيل للمرأة ظعينة لأنها تظعن مع الزوج حيث ما ظعن أو تحمل على الراحلة إذا ظعنت وقيل هي المرأة في الهودج ثم قيل للمرأة وحدها وللهودج حتى وحده كذا في المجمع قال السيوطي هي المرأة التي تكون في الهودج كني بها عن الكريمة وقيل هي الزوجة لأنها تظعن إلى بيت زوجها من الظعن وهو الذهاب (كضربك أميتك) بضم الهمزة وفتح الميم تصغير الأمة ضد الحرة أي جويريتك تعالى والمعنى لا تضرب المرأة مثل ضربك الأمة وفيه إيماء لطيف إلى الأمر بالضرب بعد عدم قبول الوعظ لكن يكون ضربا غير مبرح قاله السيوطي (أسبغ الوضوء) بفتح الهمزة أي أبلغ مواضعه وأوف كل عضو حقه وتممه ولا تترك شيئا من فرائضه وسننه (وخلل بين الأصابع) التخليل تفريق أصابع اليدين والرجلين في الوضوء وأصله من إدخال شئ في خلال شئ وهو وسطه قال الجوهري والتخليل اتخاذ الخل وتخليل اللحية والأصابع في الوضوء فإذا فعل ذلك قال تخللت انتهى والحديث فيه دليل على وجوب تخليل أصابع اليدين والرجلين (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فلا تبالغ وإنما كره المبالغة للصائم خشية أن ينزل إلى حلقه ما يفطره قال الطيبي وإنما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض سنن الوضوء لأن السائل كان عارفا بأصل الوضوء وقال في التوسط اقتصر في الجواب علما منه أن السائل لم يسأله عن ظاهر الوضوء بل عما خفي من باطن الأنف والأصابع
[ 166 ]
فإن الخطاب بأسبغ فإن إنما يتوجه نحو من علم صفته انتهى وفيه دليل على وجوب الاستنشاق قال المنذري وأخرجه الترمذي في الطهارة وفي الصوم مختصرا وقال هذا حديث حسن صحيح وأخرجه النسائي في الطهارة والوليمة مختصرا وأخرجه ابن ماجه في الطهارة مختصرا انتهى (حدثنا عقبة بن مكرم) بضم أوله وإسكان الكاف وفتح المهملة (فذكر) ابن جريج (معناه) أي معنى حديث يحيى بن سليم فحديث ابن جريج ويحيى بن سليم متقاربان في المعنى غير متحدين في اللفظ (قال) أي زاد ابن جريج في حديثه هذه الجملة (فلم ننشب) كنسمع عمر يقال لم ينشب أي لم يلبث وحقيقته لم يتعلق بشئ غيره ولا اشتغل بسواه (يتقلع) مضارع من التقلع والمراد به قوة مشيه كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا لا كمن يمشي اختيالا وتقارب خطا تنعما فإنه من مشي النساء (يتكفأ) بالهمزة فهو مهموز اللام وقد تترك الهمزة ويلتحق بالمعتل للتخفيف وهاتان الجملتان حاليتان قال في النهاية تكفأ أي مال يمينا وشمالا كالسفينة وقال الطيبي أي يرفع القدم من الأرض ثم يضعها ولا يمسح قدمه على الأرض كمشى المتبختر كأنما ينحط من صبب أي يرفع رجله عن قوة وجلادة والأشبه أن تكفأ بمعنى صب الشئ دفعه (وقال) ابن جريج في روايته (عصيدة) وهو دقيق يلت بالسمن ويطبخ يقال عصدت العصيدة وأعصدتها النبي اتخذتها (قال فيه) أي قال أبو عاصم في حديثه عن ابن جريج (فمضمض) أمر من المضمضة والحديث فيه الأمر بالمضمضة وهذا من الأدلة التي ذهب إليه أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن أبي ليلى وحماد بن سليمان من وجوب المضمضة في الغسل والوضوء كما ذكره بعض الأعلام وفي شرح مسلم للنووي أن مذهب أبي ثور وأبي عبيد وداود الظاهري وأبي بكر بن المنذر ورواية عن أحمد أن الاستنشاق واجب في الغسل والوضوء والمضمضة سنة فيهما ولله اعلم
[ 167 ]
تخليل اللحية بكسر اللام وسكون الحاء إسم لجمع من الشعر ينبت على الخدين والذقن (حنكه) بفتح المهملة والنون ما تحت الذقن من الإنسان وغيره وجمعه أحناك وإن (وقال) لمن حضره (هكذا أمرني ربي) أي أمرني بتخليلها وفي بعض نسخ الكتاب بعد قوله هكذا أمرني ربي هذه العبارة قال أبو داود والوليد بن زوران روى عنه حجاج بن حجاج وأبو المليح الرقي انتهى قال المناوى يقتضي هذا الحديث أنه كان يخلل بكف واحدة لكن في رواية لابن عدي خلل لحيته بكفيه انتهى وفي الباب عن عثمان بن عفان أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عامر
[ 168 ]
بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته قال الترمذي توضأ وخلل لحيته وقال حديث حسن صحيح قال محمد بن إسماعيل أصح شئ عندي في التخليل حديث عثمان وهو حديث حسن انتهى لكن ابن معين ضعف عامر بن شقيق والله أعلم وعن عمار بن ياسر رواه الترمذي وابن ماجه بلفظ قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته وعن ابن عباس رواه للطبراني في معجمه الوسط بلفظ هكذا أمرني ربي وعن عائشة رواه الحاكم في المستدرك وأحمد في مسنده
[ 169 ]
بلفظ إذا توضأ خلل لحيته وعن أبي أيوب رواه ابن ماجه بلفظ توضأ فخلل لحيته وفيه واصل بن السائب قال البخاري وأبو حاتم منكر الحديث وعن ابن عمر رواه ابن ماجه أيضا وعن أبي أمامة رواه الطبراني في معجمه وابن أبي شيبة في مصنفه وفي الباب أيضا عن عبد الله بن
[ 170 ]
أبي أوفى وأبي الدرداء وكعب بن عمرو وأبي بكرة وجابر بن عبد الله وأم سلمة وحديث كل هؤلاء مذكور في تخريج الإمام جمال الدين الزيلعي والأحاديث تدل على مشروعية تخليل اللحية وقد اختلف السلف الصالحون في ذلك فقال مالك والشافعي والثوري والأوزاعي إن تخليل اللحية
[ 171 ]
ليس بواجب في الوضوء قال مالك وطائفة من أهل المدينة ولا في غسل الجنابة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود الطبري وأكثر أهل العلم إن تخليل اللحية واجب في غسل الجنابة ولا يجب في الوضوء هكذا في شرح الترمذي لابن سيد الناس كذا في شرح المنتقى 57 المسح على العمامة بكسر العين وجمعه عمائم (سرية) بفتح السين وكسر الراء المهملتين وتشديد الياء قطعة من الجيش من خمس أنفس إلى ثلاثمائة وقيل إلى أربعة مائة قاله السيوطي قال الجوهري السرية قطعة من الجيش يقال خير السرايا أربعمائة رجل انتهى (البرد) بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة هو ضد الحرارة (العصائب) بفتح العين العمائم بذلك فسرها إمام أهل اللغة أبو عبيد سميت بذلك لأن الرأس يعصب بها فكل ما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو عصابة فهو عصابة صرح به ابن الأثير (والتساخين) بفتح التاء والسين المهملة المخففة وكسر الخاء قال الجوهري هي الخفاف ولا واحد لها انتهى قال ابن رسلان في شرحه يقال أصل ذلك كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها وقيل واحدها تسخان وتسخين انتهى والحديث يدل على أنه يجزي المسح على العمامة قال الترمذي في جامعه وهو قول واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح على العمامة قال وسمعت الجارود بن معاذ يقول سمعت وكيع الجراح يقول إن مسح على العمامة يجزئه للأثر انتهى قلت وهو قول أبي ثور وداود ابن علي ورواه ابن رسلان في شرحه عن أبي أمامة وسعد بن مالك وأبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز
[ 172 ]
والحسن وقتادة ومكحول وروى الخلال بإسناده عن عمر أنه قال من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله وذهب جماعة من العلماء أن المسح على العمامة لا يكفي عن مسح الرأس قال الترمذي قال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي انتهى قال الحافظ وهو مذهب الجمهور قلت أحاديث المسح على العمامة أخرجها البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والنسائي وابن ماجه وغير واحد من الأئمة من طرق قوية متصلة الأسانيد وذهب إليه جماعة من السلف كما عرفت وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الرأس فقط وعلى العمامة فقط وعلى الرأس والعمامة معا والكل صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم موجود في كتب الأئمة الصحاح والنبي صلى الله عليه وسلم مبين عن الله تبارك وتعالى فقصر الأجزاء على بعض ما ورد لغير موجب ليس من دأب المنصفين بل الحق جواز المسح على العمامة فقط (قطرية) بكسر القاف وسكون الطاء المهملة هو ضرب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة وقيل حلل جياد تحمل من البحرين من قرية تسمى قطرا وأحسب أن الثياب القطرية منسوب إليها فكسر القاف للنسبة قاله محمد طاهر واستدل به على التعمم بالحمرة وهو استدلال صحيح لولا في الحديث ضعف وفيه إبقاء العمامة حال الوضوء وهو يرد على كثير من الموسوسين ينزعون عمائمهم عند الوضوء وهو من التعمق المنهى عنه وكل الخير في الاتباع وكل الشر في الابتداع (ولم ينقض العمامة) أي لم يحلها وهو تأكيد لقوله فأدخل يده من تحت العمامة ومقصود أنس بن مالك رضي الله عنه به النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقض عمامته حتى يستوعب
[ 173 ]
مسح الرأس كله ولم ينف التكميل على العمامة وقد أثبته المغيرة بن شعبة وغيره فسكوت أنس عنه في هذا الحديث لا يدل على نفيه وبهذا التقرير يوافق الحديث الباب 58 غسل الرجل (يدلك) من باب نصر وفي رواية ابن ماجه يخلل بدل يدلك والحديث فيه دليل على غسل الرجلين لأن الدلك لا يكون إلا بعد الغسل قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة هذا آخر كلامه وابن لهيعة يضعف في الحديث قلت ابن لهيعة ليس متفردا بهذه الرواية بل تابعه الليث بن سعد وعمرو بن الحرث أخرجه البيهقي وأبو بشر الدولابي والدارقطني في غرائب مالك من طريق ابن وهب عن الثلاثة وصححه ابن القطان 59 المسح على الخفين قال النووي أجمع من يعتد به في الإجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر
[ 174 ]
سواء كان لحاجة أو لغيرها حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها والزمن الذي لا يمشي وقد روي عن مالك رحمه الله روايات كثيرة فيه والمشهور من مذهبه كمذهب الجماهير وقد روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة قال الحسن البصري حدثني سبعون من أصحاب رسول الله أن رسول الله كان يمسح على الخفين واختلف العلماء في أن المسح على الخفين أفضل أم غسل الرجلين فذهب جماعات من الصحابة والعلماء من بعدهم إلى أن الغسل أفضل لكونه الأصل وذهب جماعة من التابعين إلى أن المسح أفضل (عدل) أي مال من معظم الطريق إلى غيرها (تبوك) بتقديم التاء الفوقانية المفتوحة ثم الموحدة المضمومة المخففة لا ينصرف على المشهور قال النووي وابن حجر للتأنيث والعلمية هي مكان معروف بينها وبين المدينة من جهة الشام أربع عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة ويقال لها غزاوة كما العسرة كما قاله البخاري وغيره (قبل الفجر) أي الصبح ولابن سعد فتبعته بماء بعد الفجر ويجمع بأن خروجه كان بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح (فتبرز) بالتشديد أي خرج رسول الله لقضاء حاجته زاد في رواية للشيخين فانطلق حتى توارى عني ثم قضى حاجته (من الإداوة) قال النووي أما الإداوة والركوة والمطهرة والميضأة بمعنى متقارب وهو إناء الوضوء وفي رواية أحمد أن الماء أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من قربة من جلد ميتة فقال له سلها فإن كانت دبغتها فهو طهورها فقالب إي والله دبغتها وفيه قبول خبر الواحد في الأحكام ولو امرأة سواء كان مما تعمم به البلوى أم لا لقبول خبر الأعرابية (ثم حسر) من باب ضرب أي كشف يقال حسرت كمي عن ذراعي أحسره حسرا أي كشفت وحسرت العمامة عن رأسي والثوب عن بدني أي كشفتهما (عن ذراعيه) وفي الموطأ ثم ذهب يخرج يديه من كمي جبته (فضاق كما جبته) كما تثنية كم بضم الكاف فلم يستطع من ضيق كمي الجبة إخراج يديه وهي ما قطع من الثياب مشمرا قاله القاضي عياض في المشارق وللبخاري وعليه جبة شامية وفي الرواية الآتية للمؤلف من صوف من جباب الروم والحديث فيه التشمير في السفر ولبس الثياب الضيقة فيه لأنها أعون عليه قال الحافظ ابن عبد البر بل هو مستحب في الغزو للتشمير والتأسي به ولا بأس به عندي في الحضر (فأخرجهما
[ 175 ]
من تحت الجبة) زاد مسلم وألقى الجبة على منكبيه (ثم توضأ على خفيه) أي مسح على خفيه كما في عامة الروايات وفيه الرد على من زعم أن المسح عليهما منسوخ بآية المائدة لأنها أنزلت في غزوة المريسيع وهذه القصة في غزوة تبوك بعدها باتفاق إذ هي آخر المغازي ثم المسح على الخفين خاص بالوضوء ومدخل للغسل فيه بالإجماع قاله الزرقاني (ثم ركب) النبي راحلته (فأقبلنا) قدمنا وفي رواية لمسلم ثم ركب وركبت فانتهينا إلى القوم (حين كان) هو تامة أي حصل وفي رواية لمسلم فلما أحس بالنبي ذهب يتأخر فأومأ إليه وفيه من المسائل منها جواز اقتداء الفاضل بالمفضول وجواز صلاة النبي خلف بعض أمته ومنها أالأفضل تقديم الصلاة في أول الوقت فإنهم فعلوها أول الوقت ولم ينتظروا النبي وأن الإمام إذا أخر عن أول الوقت استحب للجماعة أن يقدموا أحدهم فيصلى بهم (فقام النبي في صلاته) لأداء الركعة الثانية وفيه أن من سبقه الإمام ببعض الصلا أتى بما أدرك فإذا سلم أتى بما بقي عليه ولا يسقط ذلك عنه وفيه اتباع المسبوق للإمام في فعله في ركوعه وسجوده وجلوسه وإن لم يكن ذلك موضع فعله للمأموم وأن المسبوق إنما يفارق الإمام بعد سلام الإمام (فأكثروا التسبيح) أي قولهم سبحان الله ومن عادة العرب أنهم يسبحون وقت التعجب والفزع (وقد أحسنتم) وهذا شك من الراوى أي أحسسنتم هو إذا جمعتم الصلاة لوقتها قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا (عن التيمى) التحويل ينتهى إلى التيمى أي يحيى بن سعيد القطان والمعتمر كلاهما يرويان
[ 176 ]
عن سليمان التيمي (ناصيته) أي مقدم رأسه (وذكر) أي المغيرة (فوق العمامة) أي مسح فوق العمامة وهذا لفظ يحيى ابن سعيد وأما لفظ معتمر بن سليمان فذكره بقوله (قال) أي مسدد (أبي) هو سليمان التيمي (قال بكر) بن عبد الله بالسند السابق (وقد سمعته) أي الحديث (من ابن المغيرة) من غير واسطة والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي (في ركبه) بفتح الراء وسكون الكاف قال الجوهري الركب أصحاب الإبل في السفر دون الدواب وهم العشرة فما فوقها والجمع أركب والركبة بالتحريك أقل من الركب والأركوب وسلم أكثر من الركب انتهى (ثم أقبل) أي انصرف إلينا بعد قضاء حاجته (ذراعيه) الذراع من المرفق إلى أطراف الأصابع (من صوف) قال القرطبي فيه أن الصوف لا ينجس بالموت لأن الشام إذ ذاك كانت دار كفر ومأكولها كلها الميتات كذا في فتح الباري وشرح الموطأ للزرقاني (ضيقة الكمين) صفة للجبة (فادرعهما ادراعا) قال أبو موسى والخطابي اذرع بالذال المعجمة على وزن افتعل أي اذرع ذراعيه اذراعا عنه من ذرع ويجوز اهمال ذلك كما في رواية الكتاب ومعناه أي أخرج ذراعيه من تحت الجبة ومدهما والذرع بسط اليد ومدها وأصله من الذراع وهي الساعد وقال السيوطي أي نزع ذراعيه عن كميه وأخرجهما من تحت الجبة وهو افتعال من ذرع إذا مد ذراعه كما يقال ادكر من ذكر انتهى (ثم أهويت) أي مددت يدي قال الأصمعي أهويت بالشئ إذا أومأت به وقال غيره أهويت قصدت وفي إرشاد الساري معناه مددت يدي أو قصدت أو أشرت أو أومأت انتهى (وهما طاهرتان) قال النووي فيه دليل على أن
[ 177 ]
المسح لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة بأن يفرع من الوضوء بكماله ثم يلبسهما لأن حقيقة إدخالهما طاهرتين أن تكون كل واحدة منهما أدخلت وهي طاهرة وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فمذهبنا أن يشترط لبسهما على طهارة كاملة حتى لو غسل رجله اليمنى ثم لبس خفها قبل غسل اليسرى ثم غسل اليسرى ثم لبس خفها لم يصح لبس اليمنى فلا بد من نزعها وإعادة لبسها ولا يحتاج إلى نزع اليسرى لكونها ألبست بعد كمال الطهارة وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق قال أبو حنيفة وسفيان الثوري ويحيى بن آدم والمزني وأبو ثور وداود يجوز اللبس على حدث ثم يكمل طهارته (فمسح عليهما) وروى الحميدي في مسنده عن المغيرة بن شعبه قال قلنا يارسول الله أيمسح أحدنا على الخفين قال نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان وأخرج أحمد وابن خزيمة عن صفوان بن عسال قال أمرنا يعنى النبي أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهم على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا قال الخطابي هو صحيح الإسناد وصححه أيضا ابن حجر في الفتح وفيه دلالة واضحة على اشتراط الطهارة عند اللبس (قال أبي) أي قال عيسى بن يونس قال أبي أي يونس بن أبي إسحاق (عروة) بن المغيرة (على أبيه) المغيرة بن شعبة على هذا الحديث (وشهد أبوه) أي المغيرة على هذا قال الجوهري الشهادة خبر قاطع تقول منه شهد الرجل على كذا انتهى ومراد الشعبي نثبيته إن هذا الحديث قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم مطولا ومختصرا (تخلف) أي تأخر عن الناس (فذكر) أي المغيرة (هذه القصة) أي قصة الوضوء والمسح على الخفين وإخراج اليدين عن الكمين وغير ذلك مما ذكر (فأومى) أي أشار النبي (إليه) إي إلى عبد الرحمن (أن يمضي) على صلاته أي يتمها ولا يتأخر عن موضعه (سبق) بالبناء للمجهول أي النبي (بها) أي بالركعة التي صلاها عبد الرحمن قبل مجيئه (ولم يزد عليها) أي على الركعة
[ 178 ]
الواحدة بعد تسليم عبد الرحمن من صلاته (شيئا) أي لم يسجد سجدتي السهو فيه دليل لمن قال ليس على المسبوق ببعض الصلاة سجود قال ابن رسلان وبه قال أكثر أهل العلم ويؤيد ذلك قوله وما فاتكم فأتموا وفي رواية فاقضوا ولم يأمر بسجود السهو (من أدرك إلخ) أي من أدرك وترا من صلاة إمامه فعليه أن يسجد للسهو لأنه يجلس للتشهد مع الإمام في غير موضع الجلوس وبه قال جماعة من أهل العلم منهم عطاء وطاوس ومجاهد وإسحاق ويجاب عن ذلك بأن النبي جلس خلف عبد الرحمن ولم يسجد ولا أمر به المنيرة وأيضا ليس السجود إلا للسهو ولا سهو ههنا وأيضا متابعة الإمام واجبة فلا يسجد لفعلها كسائر الواجبات والله أعلم وهذه الآثار قد تتبعت في تخريجها لكن لم أقف من أخرجها موصولا (يسأل بلالا) أي حضر أبو عبد الرحمن عند عبد الرحمن بن عوف حال كونه يسأل بلالا وبلال هو ابن رباح المؤذن مولى أبي بكر الصديق (وموقيه) تثنية موق بضم الميم بلا همزة قال الجوهري الموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب وكذا قال القاضي عياض وابن الأثير أنه فارسي معرب وكذلك قال الهروي الموق الخف فارسي معرب وحكى الأزهري عن الليث الموق ضرب من الخفاف ويجمع على أمواق وقال علي بن إسماعيل بن سيدة اللغوي صاحب المحكم الموق ضرب من الخفاف والجمع أمواق عربي صحيح وقال ابن العربي في شرح الترمذي الخف جلد مبطن مخروز يستر القدم كلها والموق جلد مخروز لا بطانة له قال الخطابي هو خف قصير الساق والجرموق خف قصير الساق في قول بعضهم وفي قول آخر خف على خف (وهو) أي الراوي عن أبي عبد الرحمن (تيم بن مرة) قال الجوهري وتيم قريش رهط أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ابن فهر بن مالك بن النضر انتهى
[ 179 ]
(ما يمنعني أن أمسح) أي أي شئ يمنعني عن المسح (قالوا) أي من عابوا على فعل جرير (إنما كان ذلك) أي المسح على الخفين (قال) جرير في رد كلامهم (ما أسلمت إلخ) معناه أن الله تبارك وتعالى قال في سورة المائدة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فلو كان إسلام جرير متقدما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخا بآية المائدة فلما كان إسلامه متأخرا بإقراره على ذلك علم أن المسح متأخر عن حكم المائدة وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف فتكون السنة المطهرة مخصصة للآية الكريمة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث همام بن الحارث النخعي عن جرير وهو ابن عبد الله البجلي ولفظ البخاري قال ثم توضأ ومسح على خفيه ثم قام فصلى فسئل فقال رأيت رسول الله صنع مثل هذا (عن حجير) بتقديم الحاء ثم الجيم مصغرا (أن النجاشي) بفتح النون على المشهور وقيل تكسر وتخفيف الجيم وأخطأ من شددها وبتشديد الياء وحكى المطرزي التخفيف ورجحه الصنعاني هو أصحمة بن بحر النجاشي ملك الحبشة واسمه بالعربية عطية والنجاشى لقب له أسلم على عهد النبي ولم يهاجر إليه وكان ردءا للمسلمين نافعا وقصته مشهورة في المغازي في إحسانه إلى المسلمين الذين هاجروا إليه في صدر الإسلام (ساذجين) بفتح الذال المعجمة وكسرها أي غير منقوشين ولا شعر عليهما أو على لون واحد لم يخالط سوادهما لون آخر قال الحافظ ولي الدين العراقي وهذه اللفظة تستعمل في العرف كذلك ولم أجدها في كتب اللغة بهذا المعنى ولا رأيت المصنفين في غريب الحديث ذكروها وقال القسطلاني الساذج معرب سادة قال الزرقاني (فلبسهما) بفاء التفريع أو التعقيب ففيه أن المهدي إليه ينبغي له التصرف في الهدية
[ 180 ]
عقب وصولها بما أهديت لأجله إظهارا لقبولها ووقوعها الموقع وفيه قبول الهدية حتى من أهل الكتاب فإنه أهدى له قبل إسلامه كما قاله ابن العربي وأقره زين الدين العراقي (عن دلهم بن صالح) بصيغة العنعنة أي حدثنا وكيع عن دلهم وأما أحمد بن أبي شعيب فقال حدثنا وكيع قال حدثنا دلهم (هذا مما تفرد به أهل البصرة) واعلم أن الغرابة إما أن تكون في أصل السند أي في الموضع الذي يدور الإسناد عليه ويرجع ولو تعددت الطرق إليه وهو طرفه الذي فيه الصحابي أولا يكون التفرد كذلك بل يكون التفرد في أثنائه كأن يرويه عن الصحابي أكثر من واحد ثم يتفرد بروايته عن واحد منهم شخص واحد فالأول الفرد المطلق والثاني الفرد النسبي سمي نسبيا لكون التفرد فيه حصل بالنسبة إلى شخص معين وإن كان الحديث في نفسه مشهورا ويقل إطلاق الفردية عليه لأن الغريب والفرد مترادفان لغة واصطلاحا إلا أن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي وهذا من حيث إطلاق الاسم عليهما وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون فيقولون في المطلق والنسبي تفرد به فلان أو أغرب به فلان كذا في شرح النخبة وإذا علمت تعريف الفرد وانقسامه فاعلم أن قول المؤلف الإمام هذا مما تفرد به أهل البصرة فيه مسامحة ظاهرة لأنه ليس في هذا السند أحد من أهل البصرة إلا مسدد بن مسرهد وما فيه إلا كوفيون أو من أهل مرو كما صرح به السيوطي ومسدد لم يتفرد به بل تابعه أحمد بن أبي شعيب الحراني كما في رواية المؤلف وتابعه أيضا هناد كما في رواية الترمذي وأيضا علي بن محمد وأبو بكر بن أبي شيبة كما في ابن ماجه وأما شيخ مسدد أعني وكيعا أيضا لم يتفرد به بل تابعه محمد بن ربيعة كما في الترمذي فإنما التفرد في دلهم بن صالح وهو كوفي قال السيوطي فالصواب أن يقال هذا مما تفرد به أهل الكوفة أي لم يروه إلا واحد منهم انتهى والحاصل أنه ليس في رواة هذا الحديث بصري سوى مسدد ولم يتفرد هو فنسبة التفرد إلى أهل البصرة وهم من المؤلف الإمام رضي الله عنه والله أعلم قال المنذري قال أبو الحسن الدارقطني تفرد به حجيربن عبد الله عن ابن بريدة ولم يروه عنه غير دلهم بن صالح وذكره في ترجمة عبد الله بن بريدة عن أبيه ورواه الإمام أحمد بن حنبل عن وكيع فقال عبد الله بن بريدة انتهى
[ 181 ]
(نسيت) همزة الاستفهام مقدرة (بل أنت نسيت) قال الزرقاني يشعر بعلم المغيرة قبل رؤيته يمسح فيحتمل أن النبي بأنه راه قبل ذلك يمسح أو علم بأنه بلغه من الصحابة قبل انتشار المسح بينهم انتهى قال الطيبي يحتمل حمله على الحقيقة أي نسيت أنني شارع فنسبت النسيان إلي أو يكون بمعنى أخطأت فجاء بالنسيان على المشاكلة انتهى وتعقبه الشيخ عبد الحق الدهلوي بقوله لا يخفي أن نسيان كونه شارعا بعيد غاية البعد وقد يشعر هذا الوجه بأنه لا يجوز النسيان على الشارع أو المراد نسبت النسيان إلي جزما من غير احتمال فالظاهر هو الوجه الثاني انتهى (بهذا أمرني ربي) بالوحي أو بلا واسطة والتقديم فيه للاهتمام 60 التوقيت في المسح (قال المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة) هذا الحديث يدل على توقيت المسح بالثلاثة الأيام للمسافر وباليوم والليلة للمقيم قال أبو عيسى الترمذي في جامعه وهو قول العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك
[ 182 ]
والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وقد روي عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين وهو قول مالك بن أنس والتوقيت أصح انتهى والتوقيت هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي وداود الظاهري وابن جرير الطبري والجمهور وأما ابتداء مدة المسح فقال الشافعي وأبو حنيفة وكثير من العلماء إن ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخف لا من حين اللبس ولا من حين المسح ونقل عن الأوزاعي وأبي ثور وأحمد أنهم قالوا إن ابتدائها من وقت اللبس والله أعلم (رواه) أي هذا الحديث (ولو استزدناه لزادنا) قال البيهقي قال الشافعي معناه لو سألناه أكثر من ذلك لقال نعم وفي رواية ابن ماجه من طريق سفيان عن أبيه عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن خزيمة بن ثابت قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثا ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمسا وقال ابن سيد الناس في شرح الترمذي لو ثبتت هذه الزيادة لم تقم بها حجة لأن الزيادة على ذلك التوقيت مظنونة أنهم لو سألوا زادهم وهذا صريح في أنهم لم يسألوا ولا زيد فكيف ثبتت زيادة بخبر دل على عدم وقوعها قال الشوكاني وغايتها بعد تسليم صحتها أن الصحابي ظن ذلك وأنه ليس بحجة وقد ورد توقيت المسح بالثلاث واليوم والليلة من طريق جماعة من الصحابة ولم يظنوا ما ظنه خزيمة والله أعلم بالصواب قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن وفي لفظ لأبي داود ولو استزدناه لزادنا وفي لفظ لابن ماجه ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمسا وذكر الخطابي أن الحكم وحمادا قد روياه عن إبراهيم فلم يذكرا فيه هذا الكلام ولو ثبت لم يكن فيه حجة لأنه ظن منه وحسبان والحجة إنما تقوم بقول صاحب الشريعة لا بظن الراوى وقال البيهقي وحديث خزيمة بن ثابت إسناده مضطرب ومع ذلك فما لم يرو لا يصير سنة هذا آخر كلامه وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما سئل عن المسح على الخفين قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم ولم يذكر هذه الزيادة انتهى
[ 183 ]
(عن محمد بن يزيد) بن أبي زياد الثقفي قال أبو حاتم مجهول وصحح الترمذي حديثه وقال الدارقطني مجهول وأقر ابن القطان على ذلك (عن أيوب بن قطن) بفتح القاف وقال الدارقطني مجهول (عن أبي) مصغرا (ابن عمارة) بكسر العين وفتح الميم المخفف هذا هو المشهور بين المحدثين ضبطه المنذري والزيلعي وابن حجر وغيرهم وقيل بضمها صحابي مشهور (وكان) أبى بن عمارة (القبلتين) أي بيت المقدس والكعبة المكرمة وفي سنن ابن ماجه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى في بيته القبلتين كلتيهما (نعم وما شئت) أي أمسح ثلاثة أيام وما شئت وما بدا لك من أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة أيام وأنت مخير بفعلك ولا توقيت له من الأيام (ابن نسى) بضم النون وفتح السين المهملة وتشديد الياء التحتانية (ما بدا لك من بدا يبدو أي ما ظهر لك في أمر المسح فامسح عليهما إلى أية مدة شئت ولفظ ابن ماجه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمسح على الخفين قال نعم قال يوما ويومين قال وثلاثا حتى بلغ سبعا قال له وما بدا لك (وقد اختلف) على يحيى بن أيوب (في إسناده) أي في إسناد يحيى لهذا الحديث (وليس هو بالقوى) أي مع كون يحيى غير قوى في الحديث اختلف رواته عليه فبعضهم روى عنه من وجه وبعضهم من وجه آخر ويحتمل أن اسم ليس هو يرجع إلى الحديث أي مع كون يحيى بن أيوب قد اختلف عليه أن الحديث ليس بقوى لجهالة رواته أخرج ابن ماجه عن حرملة ابن يحيى وعمرو بن سواد المصريين قالا حدثنا عبد الله (بن) وهب أنبأنا يحيى ابن أيوب عن
[ 184 ]
عبد الرحمن بن رزين عن محمد ين يزيد بن أبي زياد عن أيوب ابن قطن عن عبادة بن نسى عن أبي بن عمارة قال الحافظ ابن عساكر في الأطراف وكذا الحافظ جمال الدين المزي في تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف رواه سعيد بن كثير بن عفير عن يحيى بن أيوب مثل رواية ابن وهب ورواه يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب واختلف عليه فقيل عنه مثل رواية عمرو بن الربيع وقيل عنه عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين الغافقي عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن أيوب بن قطن الكندي عن عبادة الأنصاري قال قال رجل يارسول الله فذكره ورواه إسحاق بن الفرات عن يحيى بن أيوب عن وهب بن قطن عن أبي انتهى كلام المزى ورواه الدارقطني في سننه بسند أبي داود وقال هذا إسناد لا يثبت وقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافا كثيرا وعبد الرحمن ومحمد ابن يزيد وأيوب بن قطن مجهولون قال ابن القطان والاختلاف الذي أشار إليه أبو داود والدارقطني هو أن يحيى بن أيوب رواه عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة فهذا قول ثان ويروى عنه عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد عن أيوب بن قطن عن عبادة ابن نسي عن أبي بن عمارة فهذا قول ثالث ويروى عنه كذلك مرسلا يذكر فيه أبي بن عمارة فهذا ثالث قول انتهى قال الشيخ تقى الدين قال أبو زرعة سمعت أحمد بن حنبل يقول حديث أبي بن عمارة ليس بمعروف الإسناد انتهى وكذا ضعفه البخاري فيما نقل عنه البيهقي في المعرفة وقال أبو الفتح الأزدي هو حديث ليس بالقائم وقال ابن عبد البر لا يثبت وليس له إسناد قائم ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه وقال الحافظ ابن حجر وبالغ الجوزقاني فذكره فالموضوعات قال الشوكاني وبه أي بعدم التوقيت قال مالك والليث إنه لا وقت للمسح على الخفين ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بدا له والمسافر والمقيم في ذلك سواء وروى مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري انتهى
[ 185 ]
قلت وهو القول القديم للشافعي كما صرح به البيهقي في المعرفة لكن الصحيح ما قاله أهل المذهب الأول وهو التوقيت وأما الدلائل لأهل المذهب الثاني فليس فيها ما يشفي الغليل إن كان فيها حديث مرفوع فليس إسناده صحيحا وما فيه صحيح فليس صريحا في المقصود بل هو محمول على مدة الثلاث وإن كان آثارا فلا تستطيع المعارضة بالأحاديث المرفوعة الصحيحة الصريحة والله أعلم 61 المسح على الجوربين إلا بفتح الجيم تثنية الجورب قال في القاموس الجورب لفافة الرجل وفي الصحاح الجورب معرب والجمع الجواربة والهاء للعجمة ويقال الجوارب أيضا انتهى قال الطيبي الجورب لفافة الجلد وهو خف معروف من نحو الساق قال أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفاء فيه وهو التسخان ومثله في قوة المغتذي للسيوطي وقال القاضي الشوكاني في شرح المنتقي الخف نعل من أدم يغطي الكعبين والجرموق أكبر منه يلبس فوقه والجورب أكبر من الجرموق وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات الجورب خف يلبس على الخف إلى الكعب للبرد ولصيانة الخف الأسفل من الدرن والغسالة وقال في شرح كتاب الخرقي الجرموق خف واسع يلبس فوق الخف في البلاد الباردة وقال المطرزي الموق خف قصير يلبس فوق الخف انتهى كلام الشيخ وقال العلامة العينى من الأئمة الحنفية الجورب هو الذي يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب انتهى وقد ذكر نجم الدين الزاهدي عن إمام الحنفية شمس الأئمة الحلواني أن الجورب خمسة أنواع من المرعزى ومن الغزل والشعر والجلد الرقيق والكرباس قال وذكر التفاصيل في الأربعة من الثخين والرقيق والمنعل وغير المنعل والمبطن صلى وغير المبطن وأما الخامسة فلا يجوز المسح عليه انتهى
[ 186 ]
فعلم من هذه الأقوال أن الجورب هو نوع من الخف إلا أنه أكبر منه فبعضهم يقول هو إلى نحو الساق وبعضهم يقول هو خف يلبس على الخف إلى الكعب ثم اختلفوا فيه هل هو من جلد وأديم أو ما هو أعم منه من صوف وقطن ففسره صاحب القاموس بلفافة الرجل وهذا التفسير بعمومه يدل على لفافة الرجل من الجلد والصوف والقطن وأما الطيبي والشوكاني فقيداه بالجلد وهذا مآل كلام الشيخ الدهلوي أيضا وأما الإمام أبو بكر بن العربي ثم العلامة العيني فصرحا بكونه من صوف وأما شمس الأئمة الحلواني فقسمه إلى خمسة أنواع فهذا الاختلاف والله أعلم إما لأن أهل اللغة اختلفوا في تفسيره وإما لكون الجورب مختلف الهيئة والصنعة في البلاد المتفرقة ففي بعض الأماكن كان يتخذ من أديم وفي بعضها من كل الأنواع فكل من فسره إنما فسره على هيئة بلاده ومنهم مفسره بكل ما يوجد في البلاد بأي نوع كان (والنعلين) قال مجد الدين الفيرو آبادي في القاموس النعل ما وقيت به القدم من الأرض كالنعلة مؤنثة وجمعه نعال بالكسر وقال ابن حجر المكي في شرح شمائل الترمذي وأفرد المؤلف أي الترمذي الخف عنها بباب لتغايرهما عرفا بل لغة إن جعلنا من الأرض قيدا في النعل قال الشيخ أحمد الشهير بالمقرى في رسالته المسماة بفتح المتعال في مدح خير النعال إن ظاهر كلام صاحب القاموس وبعض أئمة اللغة أنه قيد فيه وقد صرح بالقيدية وقال ملاعصام الدين فإنه قال ولا يدخل فيه الخف لأنه ليس مما وقيت به القدم من الأرض انتهى ومعناه أن النعلين لبسهما فوق الجوربين كما قاله الخطابي فمسح على الجوربين والنعلين معا فلا يستدل به على جواز مسح النعلين فقط قال الطحاوي مسح على نعلين تحتهما جوربان وكان قاصدا بمسحه ذلك إلى جوربيه لا إلى نعليه وجورباه مما لو كانا عليه بلا نعلين جاز له أن يمسح عليهما فكان مسحه ذلك
[ 187 ]
مسحا أراد به الجوربين فأتى ذلك على الجوربين والنعلين فكان مسحه على الجوربين هو الذي تطهر به ومسحه على النعلين فضل انتهى كلامه وهذه المسألة اختلف فيها العلماء فالإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه والثوري وعبد الله بن المبارك ومحمد بن الحسن وأبو يوسف ذهبوا إلى جواز مسح الجوربين سواء كانا مجلدين أو منعلين أو لم يكونا بهذا الوصف بل يكونان ثخينين فقط بغير نعل بلا تجليد وبه قال أبو حنيفة في أحد الروايات عنه واضطربت أقوال علماء الشافعية في هذا الباب وأنت خبير أن الجورب يتخذ من الأديم وكذا من الصوف وكذا من القطن ويقال لكل من هذا إنه جورب ومن المعلوم أن هذه الرخصة بهذا العموم التي ذهبت إليها تلك الجماعة لا تثبت إلا بعد أن يثبت أن الجوربين الذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف سواء كانا منعلين أو ثخينين فقط ولم يثبت هذا قط فمن أين علم جواز المسح على الجوربين غير المجلدين بل يقال إن المسح يتعين على الجوربين المجلدين لا غيرهما لأنهما في معنى الخف والخف لا يكون إلا من الأديم نعم لو كان الحديث قوليا بأن قال النبي صلى الله عليه وسلم امسحوا على الجوربين لكان يمكن الاستدلال بعمومه على
[ 188 ]
كل أنواع الجورب وإذ ليس فليس فإن قلت لما كان الجورب من الصوف أيضا احتمل أن الجوربين الذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف أو قطن إذ لم يبين الراوي قلت نعم الاحتمال في كل جانب سواء يحتمل كونهما من صوف وكذا من أديم وكذا من قطن لكن ترجح الجانب الواحد وهو كونه من أديم لأنه يكون حينئذ في معنى الخف ويجوز المسح عليه قطعا وأما المسح على غير الأديم فثبت بالاحتمالات التي لم تطمئن النفس بها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك أخرجه أحمد في مسنده والنسائي عن الحسن بن على وغير واحد من الأئمة وهو حديث صحيح نعم أخرج عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا الثوري عن منصور عن خالد بن سعد قال كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على الجوربين له من شعر ونعليه وسنده صحيح والله أعلم وعلمه أتم قال في غاية المقصود بعدما أطال الكلام هذا ما فهمت ومن كان عنده علم بهذا من السنة فكلامه أحق بالاتباع قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح (وروى هذا أيضا) الحديث أخرجه ابن ماجه ولفظ حدثنا محمد بن يحيى حدثنا معلى بن منصور وبشر بن آدم قالا حدثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين قال المعلى في حديثه لاأعلمه إلا قال والنعلين (وليس بالمتصل) لأن الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى وعيسى بن سنان ضعيف لا يحتج به قاله البيهقي المتصل ما سلم إسناده من سقوط في أوله أو آخره أو وسطه بحيث يكون كل من رجاله سمع ذلك المروي من شيخه (ولا بالقوى) أي الحديث مع كونه غير متصل ليس بقوي من جهة ضعف راويه وهو أبو سنان عيسى بن سنان قال الذهبي ضعفه أحمد وابن معين وهو مما يكتب حديثه على لينه وقواه بعضهم يسيرا وقال العجلي لا بأس به وقال أبو حاتم ليس بقوي انتهى وكذا ضعفه العقيلي والبيهقي
[ 189 ]
(ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب) أخرج عبد الرزاق في مصنفه أخبرني الثوري عن الزبرقان عن كعب بن عبد الله قال رأيت عليا بال فمسح على جوربيه ونعليه ثم قام يصلي (وابن مسعود) أخرج عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن الأعمش عن إبراهيم أن ابن مسعود كان يمسح على خفيه ويمسح على جوربيه (والبراء بن عازب) أخرج عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال رأيت البراء بن عازب يمسح على جوربيه ونعليه (وأنس بن مالك) أخرج عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك أنه كان يمسح على الجوربين (وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث) لم أقف على روايات هؤلاء الثلاثة (وروى ذلك) أي المسح على الجوربين (عن عمر بن الخطاب وابن عباس) لم أقف على روايتهما أيضا
[ 190 ]
62 كذا في أكثر النسخ وهكذا في مختصر المنذري وليس في بعض النسخ لفظ الباب (أتى على كظامة قوم) بكسر الكاف وفتح الظاء المخففة قال ابن الأثير في النهاية هي كالقناة وجمعها كظائم وهي آبار تحفر في الأرض متناسقة ويخرق بعضها إلى بعض تحت الأرض فيجتمع مياهها جارية ثم يخرج عند منتهاها فيسيح على وجه الأرض وقيل هي السقاية انتهى وقال ابن الأثير في جامع الأصول هي آبار تحفر ويباعد ما بينها ثم يحفر ما بين كل بئرين بقناة يؤدي الماء من الأولى إلى ما يليها حتى يجتمع الماء إلى آخرهن ويبقى في كل بئر ما يحتاج إليه أهلها هكذا شرحه الأزهري وقد جاء في لفظ الحديث أنها الميضأة انتهى وفي القاموس الكظامة بئر جنب بئر بينهما مجرى في بطن الأرض كالكظيمة أنه والكظيمة وهو المزادة (يعني الميضأة) وهي إناء التوضي وهذا التفسير لأحد من الرواة ما فوق مسدد وعباد وإنما فسر كظامة بالميضأة لأنها تطلق على السقاية والمزادة أيضا فبهذا الاعتبار فسرها بالميضأة (ثم اتفقا) أي عباد بن
[ 191 ]
موسى ومسدد في بقية ألفاظ الحديث وغرضه أن مسددا وعباد بن موسى قد اختلفا في هذا الحديث في ثلاثة مواضع الأول في لفظ أخبرني أوس فقال عباد أخبرني بصيغة الإخبار ولم يقل به مسدد والثاني في سياق روايتهما للحديث فقال عباد رأيت رسول الله وقال مسدد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم والثالث زيادة لفظ أتى على كظامة قوم يعنى الميضأة فهي مذكورة في رواية عباد بن موسى دون مسدد عن أوس بن أبي الثقفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه ولفظ عباد أخبرني أوس بن أبي أوس الثققي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني على كظامة قوم يعني الميضأة فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه (على نعليه وقدميه) قال ابن رسلان هذه الرواية محمولة على الرواية التي قبلها أنه مسح على الجوربين والنعلين ولعل المراد ههنا بالمسح على القدمين المسح على الجوربين قال ابن قدامة والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم فعلى هذا المراد مسح على سيور نعليه وظاهر الجوربين اللتين فيهما قدماه انتهى كلام ابن رسلان وتحقيق المسح على النعلين قد تقدم في باب الوضوء مرتين تحت حديث ابن عباس فليرجع إليه وحديث أوس بن أبي أوس فيه اضطراب سندا ومتنا وقال الحافظ بن عبد البر ولأوس بن حذيفة أحاديث منها المسح على القدمين في إسناده ضعف والله أعلم 63 باب كيف إلخ أي هذا باب في كيفية المسح (على الخفين) لم يذكر محمد بن الصباح أن المسح كان أعلى الخف أو أسفله (وقال غير محمد) بن الصباح وهو علي بن حجر فيما روى عنه الترمذي ولفظ الترمذي حدثنا علي بن حجر أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما وقال حديث حسن قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن
[ 192 ]
(بالرأي) أي بالقياس وملاحظة المعاني (لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه) أي ما تحت القدمين أولى بالمسح من الذي هو أعلاهما لأن أسفل الخف هو الذي يباشر المشي ويقع على ما تنبغي إزالته بخلاف أعلاه وهو ما على ظهر القدم (يمسح على ظاهر خفيه) فلا يعتبر ولا يعبأ بالقياس والرأي الذي هو على خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن ورد في حديث رجاء بن حيوة عن وراد عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله وإسناده ضعيف وسيجئ بيانه وحديث علي من طريق حفص بن غياث أخرجه الدارقطني من وجهين قال الحافظ ابن حجر في الت لخيص حديث علي أخرجه أبو داود وإسناده صحيح وقال في بلوغ المرام إسناده حسن (بإسناده) أي عن أبي إسحا عن عبد خير عن علي (بهذا الحديث) الآتي وهو هذا (قال) على (ما كنت أرى) بضم الهمزة أي أظنه وبفتح الهمزة أي أعلمه (على ظهر خفيه) فعلمت أن ظهر الخفين مستحق للمسح لا باطنهما (بإسناده) المذكور من أبي إسحاق إلى علي رضي الله عنه (قال وكيع يعني الخفين) أي قال وكيع إن المراد بالقدمين الخفين (وساق الحديث) وأعلم أن الحديث هكذا معلقا في رواية اللؤلؤي وأما في رواية أبي بكر بن داسة فموصول وهذه عبارته حدثنا حامد بن يحيى أخبرنا سفيان عن أبي السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال رأيت عليا توضأ الحديث قال الشيخ الأجل ولي الله المحدث الدهلوي في المسوى شرح الموطا قال الشافعي مسح أعلى الخف فرض ومسح أسفله سنة وقال أبو حنيفة لا يمسح إلا الأعلى
[ 193 ]
وقال في المصفي شرح الموطا حديث علي رضي الله عنه يرجح قول عروة وهو المختار عندي انتهى وقال الشيخ سلام الله في المحلى شرح الموطا وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وصورة المسح أن يضع أصابع اليمنى على مقدم خفه وأصابع اليسرى على مقدم الأيسر ويمدهما إلى الساق فوق الكعبين ويفرج أصابعه وفي الباب عن جابر قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ ويغسل خفيه برجليه فقال بيده كأنه دفعه إنما أمرت بالمسح وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق خطوطا بالأصابع أخرجه ابن ماجه في سننه وقال تفرد به بقية انتهى ويجئ في شرح الحديث الآتي مذاهب باقي العلماء وهناك تعرف وجه التوفيق بين الأحاديث والله أعلم (حدثنا الوليد) بن مسلم أبو العباس الدمشقي عالم الشام قال الحافظ هو مشهور متفق على توثيقه في نفسه وإنما عابوا عليه كثرة التدليس والتسوية قال الدارقطني كان الوليد يروي عن الأوزاعي أحاديث عنده عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ ثقات قد أدركهم الأوزاعي فيسقط الوليد الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن الثقات انتهى (عن كاتب المغيرة) واسم كاتب المغيرة وراد كما وقع التصريح بذلك في رواية ابن ماجه وأما قول البيهقي في المعرفة وضعف الشافعي في القديم حديث المغيرة بأن لم يسم رجاء بن حيوة كاتب المغيرة بن شعبة وكذا قول ابن
[ 194 ]
حزم أن كاتب المغيرة لم يسم فيه فهو مجهول فيندفع بما بيناه من التصريح (فمسح على الخفين وأسفلهما) دل هذا الحديث على أن محل المسح أعلى الخف وأسفله وحديث علي والحديث الأول لمغيرة بن شعبة يدلان على أن المسح المشروع هو مسح ظاهر الخف دون باطنه قال الشوك اني وإليه ذهب الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي وأحمد بن حنبل وذهب مالك والشافعي وأصحابهما والزهري وابن المبارك وروى عن سعد بن أبي وقاص وعمر بن عبد العزيز إلى أنه يمسح ظهورهما وبطونهما قال مالك والشافعي إن مسح ظهورهما دون بطونهما أجزأه قال مالك من مسح باطن الخفين دون ظاهرهما لم يجزه وكان عليه الإعادة في الوقت وبعده وروى عنه غير ذلك والمشهور عن الشافعي إن مسح ظهورهما واقتصر على ذلك أجزأه ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما لم يجزه وليس بماسح وقال ابن شهاب وهو قول للشافعي إن مسح بطونهما ولم يمسح ظهورهما أجزأه والواجب عند أبي حنيفة مسح قدر ثلاث أصابع من أصابع اليد وعند أحمد أكثر الخف وروى عن الشافعي أن الواجب ما يسمى مسحا وأما الحديث الثاني للمغيرة وحديث علي فليس بين حديثيهما تعارض غاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح تارة على باطن الخف وظاهره وتارة اقتصر على ظاهره ولم يرو عنه ما يقتضي المنع من أحد الصفتين فكان جميع ذلك جائزا وسنة والله أعلم انتهى كلام الشوكاني قلت الحديث الثاني للمغيرة قد ضعفه الأئمة الكبار البخاري وأبو زرعة وأبو داود
[ 195 ]
وغيرهم كما يجئ بيانه عن قريب فلا يصلح لمعارضة حديث علي الصحيح فما قال الشوكاني في دفع التعارض لا حاجة إليه قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وضعف الإمام الشافعي رضي الله عنه حديث المغيرة هذا وقال أبو داود وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء وقال الترمذي هذا حديث معلول وقال وسألت أبا زرعة ومحمد عن هذا الحديث فقالا ليس بصحيح انتهى (لم يسمع هذا الحديث من رجاء) واعلم أن هذا الحديث ذكروا فيه أربع علل العلة الأولى أن ثور بن يزيد لم يسمعه من رجاء بن حيوة بل قال حدثت والثانية أنه مرسل قال الترمذي سألت أبا زرعة ومحمدا عن هذا الحديث فقالا ليس بصيح لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء قال حدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم الثالثة تدليس وليد ابن مسلم الرابعة جهالة كاتب المغيرة قلت علة جهالة كاتب المغيرة مدفوعة لمجئ التصريح في اسم كاتب المغيرة كما عرفت قال الحافظ ابن القيم وأيضا فالمعروف بكاتب المغيرة هو مولاه وراد وقد خرج له في الصحيحين وإنما ترك ذكر اسمه في هذه الرواية لشهرته وعدم التباسه بغيره ومن له خبرة بالحديث ورواته لا يتمارى في أنه وراد كاتبه وبعد فهذا حديث قد ضعفه الأئمة الكبار البخاري وأبو زرعة والترمذي وأبو داود والشافعي ومن المتأخرين ابن حزم وهو الصواب لأن الأحاديث الصحيحة كلها مخالفة وهذه العلل وإن كان بعضها غير مؤثر فمنها ما هو مؤثر مانع من صحة الحديث وقد تفرد الوليد بن مسلم بإسناده ووصله وخالفه من هو أحفظ منه وأجل وهو الإمام الثبت عبد الله بن المبارك فرواه عن ثور عن رجاء قال حدثت عن كاتب المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا اختلف عبد الله بن المبارك والوليد بن مسلم فالقول ما قال عبد الله وقد قال بعض الحفاظ أخطأ الوليد بن مسلم في هذا الحديث في موضعين أحدهما أن رجاء لم يسمعه من كاتب
[ 196 ]
المغيرة وإنما قال حدثت عنه والثاني أن ثورا لم يسمعه من رجاء وخطأ ثالث أن الصواب إرساله فميز الحفاظ ذلك كله في الحديث وبينوه ورواه الوليد معنعنا من غير تبيين 64 في الانتضاح صلى الله عليه وسلم النضح الرش قاله الجوهري وسيجئ بيانه في الحديث (عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان الثقفي) هو تردد بين اسمين والمسمى واحد (وينتضح) قال الخطابي في معالم السنن الانتضاح ههنا الاستنجاء بالماء وكان من عادة أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة لا يمسون الماء وقد يتأول الانتضاح أيضا على رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء ليدفع بذلك وسوسة الشيطان انتهى كلامه وذكر النووي عن الجمهور أن هذا الثاني هو المراد ههنا قلت وهذا هو الحق وبه فسر الجوهري كما تقدم وفي جامع الأصول الانتضاح رش الماء على الثوب ونحوه والمراد به أن يرش على فرجه بعد الوضوء ماءا ليذهب عنه الوسواس الذي يعرض للانسان أنه قد خرج من ذكره بلل فإذا كان ذلك المكان بللا دفع ذلك الوسواس وقيل أراد بالانتضاح الاستنجاء بالماء لأن الغالب كان من عادتهم أنهم يستنجون بالحجارة (وافق سفيان) مفعول لوافق (جماعة) فاعل لوافق (على هذا الإسناد) أي لفظ سفيان ابن الحكم الثقفي
[ 197 ]
أو الحكم بن سفيان الثقفي فقال جماعة كروح بن القاسم وشيبان ومعمر وغيرهم كما قال سفيان الثوري (قال بعضهم الحكم أو ابن الحكم) والصحيح الحكم بن سفيان قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه واختلف في سماع الثقفي هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال النمري له حديث واحد في الوضوء وهو مضطرب اسناد وقال أبو عيسى الترمذي واضطربوا في هذا الحديث وأخرج الترمذي وابن ماجه من حديث الحسن بن علي الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال جاءني جبريل فقال يا محمد إذا توضأت فانتضح قال الترمذي حديث غريب وسمعت محمدا يعني يقول الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث هذا آخر كلامه والهاشمي هذا ضعفه غير واحد من الأئمة انتهى (بال ثم نضح فرجه) أي بال ثم توضأ ثم نضح فرجه كما في عامة الروايات وهذا حديث فيه اختصار (بال ثم توضأ ونضح فرجه) وأخرج ابن ماجه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال قال منصور حدثنا مجاهد عن الحكم بن سفيان الثقفي أنه رأى رسول الله صلى الله عليوسلم توضأ ثم أخذ كفا من ماء فنضح به فرجه وأخرج النسائي أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة عن منصور عن مجاهد عن الحكم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فقال بها هكذا ووصف شعبة نضح به فرجه فذكرته لإبراهيم فأعجبه وأخرج النسائي أيضا أخبرنا العباس بن محمد الدوري حدثنا الأحوص بن جواب حدثنا عمار بن رزيق عن منصورح إذا وأخبرنا أحمد بن حرب حدثنا قاسم حدثنا سفيان حدثنا منصور عن مجاهد عن الحكم بن سفيان عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ونضح فرجه وهذه الأحاديث تدل على أن النضح إنما كان بعد الفراغ من الوضوء
[ 198 ]
65 ما يقول الرجل إذا توضأ فقال أي بعد الفراغ من الوضوء وأما الأذكار التي يقال عند غسل كل أعضاء الوضوء على حدة على حدة فكذب مختلق لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه ولا علمه أمته ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله وغير قوله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم أجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين في آخره وفي حديث آخر في النسائي مما يقال بعد الوضوء أيضا سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله ألا أنت أستغفرك وأتوب إليك ولم يكن يقول في أوله نويت رفع الحدث ولا استباحة الصلاة لا هو ولا أحد من أصحابه البتة ولم يرو عنه في ذلك حرف واحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف كذا في زاد المعاد (خدام أنفسنا) خدام جمع خادم أي كان كل منا خادما لنفسه فيخدم كل واحد نفسه ولم يكن لنا خادم غير أنفسنا يخدمنا (نتناوب الرعاية) التناوب أن تفعل الشئ مرة ويفعل الآخرة مرة أخرى والرعاية بكسر الراي الرعى (رعاية إبلنا) هذه اللفظة بدل من الرعاية ومعنى هذا الكلام أنهم كانوا يتناوبون رعى إبلهم فتجتمع الجماعة ويضمون إبلهم بعضها إلى بعض فيرعى كل واحد منهم ليكون أرفق بهم وينصرف الباقون في مصالحهم قاله النووي (فكانت علي رعاية الإبل) في يومى ونوبتي أي فروحتها) من الترويح (بعشي) على وزن فعيل قال في القاموس الرواح العشى أو من الزوال إلى الليل قال الجوهري أراح إبله أي ردها إلى المراح وكذلك الترويح ولا يكون ذلك إلا بعد الزوال والعشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة والعشاء بالمد والقصر مثل العشى وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر انتهى ما في الصحاح أي رددت الإبل إلى مراحها في آخر النهار وتفرغت من أمرها ثجئت إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيحسن الوضوء) من الإحسان أي يتمه بآدابه (يقبل عليهما بقلبه ووجهه) من الإقبال وهو خلاف الإدبار أي يتوجه وأراد بوجهه ذاته أي يقبل على الركعتين بظاهره وباطنه قال النووي
[ 199 ]
وقد جمع صلى الله عليه وسلم بهاتين اللفظتين أنواع الخضوع والخشوع لأن الخضوع في الأعضاء والخشوع بالقلب (ألا فقد أوجب) عليه الجنة ولفظ مسلم إلا وجبت له الجنة (قلت بخ بخ) قال الجوهري بخ كلمة تقال عند المدح والرضا بالشئ وتكرر للمبالغة فيقال بخ بخ فإن وصلت خففت ونونت فقلت بخ بخ وربما شددت (ما أجود هذه) يعني هذه الكلمة أو البشارة أو الفائدة وجودتها من جهات منها سهلة متيسرة يقدو عليها كل أحد بلا مشقة ومنها أن أجرها عظيم والله أعلم (التي قبلها يا عقبة أجود منها) أي الكلمة التي كانت قبل هذه الكلمة التي سمعت أجود من هذه (فنظرت) إلى هذا القائل من هو (ماهي) الكلمة (يا أبا حفص) عمر (قال) عمر (إنه) الضمير للشأن (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (آنفا) أي قريبا قال النووي هو بالمد على اللغة المشهورة وبالقصر على لغة صحيحة قرئ بها في السبع (من أيها) أي من أي أبواب الجنة (شاء) دخولها ولفظ الترمذي فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء قال الحافظ ابن عبد البر في كتاب التمهيد هكذا قال فتح له من أبواب الجنة وهو يدل على أنها أكثر من ثمانية وذكره أبو داود والنسائي وغيرهما فتحت له أبواب الجنة الثمانية ليس فيها ذكر من فعلى هذا أبواب الجنة ثمانية قال الإمام القرطبي في التذكرة في أحوال أمور الآخرة قال جماعة من أهل العلم إن للجنة ثمانية أبواب واستدلوا بحديث عمر الذي أخرجه مسلم وغيره وجاء تعيين هذه الأبواب لبعض العمال كما في حديث الموطأ والبخاري ومسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق في سبيل الله زوجين نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعى من باب الصيام فقال أبو بكر يارسول الله ما على أحد يدعى من هذه الأبواب من ضرورة هل يدعي أحد من هذه الأبواب قال نعم وأرجو أن تكون منهم قال القاضي عياض ذكر مسلم في هذا الحديث من أبواب الجنة أربعة وزاد غيره بقية الثمانية فذكر منها باب التوبة وباب الكاظمين الغيظ وباب الراضين والباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه قال القرطبي فذكر الحكيم الترمذي أبواب الجنة فعد أبوابا غير ما ذكر قال فعلى هذا
[ 200 ]
أبواب الجنة أحد عشر بابا وقد أطال القرطبي في تذكرته ويجئ بيانه إن شاء الله تعالى في موضعه (قال معاوية) وهذا موصول بالسند المذكور قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وفي لفظ لأبي داود فأحسن وضوءه ثم رفع نظره إلى السماء فقال وفي إسناد هذا رجل مجهول وأخرجه الترمذي من حديث أبي إدريس الخولاني عايذ الله بن عبد الله وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مختصرا وفيه دعا وقال وهذا حديث في إسناده اضطراب ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا البا ب كثير شئ قال محمد أبو إدريس لم يسمع من عمر شيئا (نحوه) أي نحو حديث جبير بنفير وأبي إدريس الخولاني (ولم يذكر أمر الرعاية) أي لم يذكر أبو عقيل أو من دونه قصة رعايتهم للإبل (قال) أبو عقيل في حديثه هذه الجملة أي (ثم رفع) المتوضئ فقال المتوضئ أشهد أن لا إله إلا الله إلى آخره (وساق) أبو عقيل أو من دونه (الحديث بمعنى حديث معاوية) بن صالح وحاصل الكلام أن أبا عقيل لم يذكر في حديثه قصة رعاية الإبل وقال فيه ما منكم من أحد توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله إلى آخر الحديث كما قال معاوية والله أعلم وأما الحكمة في رفع النظر إلى السماء فالعلم عند الشارع 66 الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد ولم يجدد الوضوء لكل صلاة ما لم يحدث (يتوضأ لكل صلاة) وللنسائي من طريق شعبة عن عمرو أنه سأل أنسا أكان النبي صلى الله عليه وسلم
[ 201 ]
يتوضأ قال نعم وللترمذي من طريق حميد عن أنس يتوضأ لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر وظاهره أن تلك كانت عادته لكن حديث بشير بن يسار مولى بنى حارثة عن سويد بن النعمان المروي في البخاري وغيره وسيجيئ تمامه يدل على أن المراد الغالب قال الطحاوي يحتمل أن ذلك كان واجبا عليه خاصة ثم نسخ يوم الفتح لحديث بريدة الآتي ويحتمل أنه كان يفعله استحبابا ثم خشي أن يظن وجوبه فتركلبيان الجواز قال الحافظ وهذا أقرب وعلى تقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر وهي قبل الفتح بزمان (وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد) ولابن ماجه كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (يوم الفتح) أي فتح مكة شرفها الله تعالى وهو سنة ثمان من الهجرة (خمس صلوات بوضوء واحد) قال الإمام محي الدين النووي والحديث فيه جواز الصلوات والمفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث وهذا جائز بإجماع من يعتد به وحكى أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن بن بطال فشرح صحيح البخاري عن طائفة عن العلماء أنهم قالوا يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان متطهرا واحتجوا بقول الله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة منها حديث بريدة هذا وحديث أنس في صحيح البخاري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يحدث وحديث سويد بن نعمان الذي تقدمت اشارة إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثم أكل سويقا ثم صلى المغرب ولم يتوضأ وفي معناه أحاديث كثيرة كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وسائر الأسفار والجمع بين الصلوات الفائتات يوم الخندق وغير ذلك وأما الآية الكريمة فالمراد بها والله أعلم إذا قمتم محدثين وقيل إنها منسوخة قال النووي وهذا القول ضعيف (لم تكن تصنعه) قبل هذا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (عمدا صنعته) قال علي بن سلطان في مرقاة المفاتيح الضمير راجع للمذكور وهو جمع الصلوات الخمس بوضوء واحد والمسح على الخفين وفيه دليل على أن من يقدر أن يصلي صلوات كثيرة بوضوء واحد لا يكره صلاته إلا أن يغلب عليه الأخبثان كذا ذكره الشراح لكن رجوع
[ 202 ]
الضمير إلى مجموع الأمرين يوهم أنه لم يكن يمسح على الخفين قبل الفتح والحال أنه ليس كذلك فالوجه أن يكون الضمير راجعا إلى الجمع فقط أي جمع الصلوات بوضوء واحد انتهى كلامه قال النووي وأما قول عمر رضي الله عنه صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ففيه تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانا للجواز كما قال صلى الله عليه وسلم عمدا صنعته يا عمر انتهى قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 67 تفريق الوضوء أي التفريق بين أعضاء الوضوء في الغسل بأن غسل أكثر الأعضاء ألأ بعضها وترك بعضها عمدا أو جاهلا ويبست الأعضاء ثم غسلها أو بل ذلك الموضع فما الحكم فيمن فعل ذلك أيعيد الوضوء أو يبل ذلك الموضع (الظفر) فيه لغات أجودها ظفر بضم الظاء والفاء وبه جاء القرآن العزيز ويجوز إسكان الفاء ويقال ظفر بكسر الظاء وإسكان الفاء وظفر بكسرهما وقرئ بها في الشواذ وجمعه أظفار وجمع الجمع أظافير ويقال في الواحد أيضاأظفور قاله النووي (ارجع فأحسن وضوءك) قال بعض العلماء هذا الحديث يدل على عدم وجوب إعادة الوضوء لأنه أمر فيه بالإحسان لا بالإعادة والإحسان يحصل بمجرد إسباغ غسل ذلك العضو وبه قال أبو حنيفة فعنده لا يجب الموالاة في الوضوء واستدل به القاضي عياض على خلاف ذلك فقال الحديث يدل على وجوب الموالاة في الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم أحسن وضوءك ولم يقل اغسل الموضع الذي تركته انتهى ويجئ بعض بيان ذلك تحت الحديث الآتي والحديث فيه من الفوائد منها أن من ترك شيئا من أعضاء طهارته جاهلا لم تصح طهارته ومنها تعليم الجاهل والرفق به ومنها أن الواجب في الرجلين الغسل دون المسح والله أعلم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (عن جرير بن حازم ولم يروه إلا ابن وهب) وقال الدارقطني تفرد به جرير بن حازم عن
[ 203 ]
قتادة وهو ثقة وحاصل الكلام أن ابن وهب وجريرا كل واحد منهما متفرد عن شيخه فلم يرو عن قتادة إلا جرير ولم يرو عن جرير إلا ابن وهب (ارجع فأحسن وضوءك) قال الخطابي ظاهر معناه إعادة الوضوء في تمام ولو كان تفريقه جائزا لأشبه أن يقتصر فيه على الأمر بغسل ذلك الموضع أو كان يأمره بإسالة الماء في مقامه ذلك وأن لا يأمره بالرجوع إلى المكان الذي يتوضأ فيه انتهى وحديث عمر رضي الله عنه أخرجه مسلم حدثني سلمة بن شبيب قال أخبرنا الحسن بن محمد بن أعين قال أخبرنا معقل عن أبي الزبير عن جابر قال أخبرني عمر بن الخطاب أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى وأخرجه أحمد في مسنده مثله وزاد ثم توضأ وعقد الإمام البخاري في ذلك بابا قال باب تفريق الغسل والوضوء ويذكر عن ابن عمر أنه غسل قدميه بعد ما جف وضوؤه قال الحافظ في الفتح باب تفريق الوضوء أي جواره وهو يقول الشافعي في الجديد واحتج بأن الله تعالى أوجب غسل الأعضاء فمن غسلها فقد أتى بما وجب عليه فرقها أو نسقها ثم أيد ذلك بفعل ابن عمر وبذلك قال ابن المسيب وعطاء وجماعة وقال ربيعة ومالك من تعمد ذلك فعليه الإعادة ومن نسي فلا وعن مالك إن قرب التفريق بني وإن أطال أعاد وقال قتادة والأوزاعي لا يعيد إلا أن جف وأجازه المضي مطلقا في الغسل دون الوضوء ذكر جميع ذلك ابن المنذر وقال ليس مع من جعل الجفاف حدا لذلك حجة وقال الطحاوي الجفاف ليس يحدث فينقض كما لو جف جميع أعضاء الوضوء لم تبطل الطهارة وأثر ابن عمر رويناه في الأم عن مالك عن نافع عنه لكن فيه أنه توضأ في السوق دون رجليه ثم رجع إلى المسجد فمسح على خفيه ثم صلى والإسناد صحيح فيحتمل أنه إنما لم يجزم به لكونه ذكر بالمعنى قال الشافعي لعله قد جف وضوؤه لأن الجفاف قد يحصل بأقل مما بين السوق والمسجد انتهى قال البيهقي في المعرفة أخبرنا أبو سعيد ابن أبي عمرو قال حدثنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وأحب أن يتابع الوضوء ولا يفرقه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء به متتابعا ثم ساق الكلام إلى أن قال فإن قطع الوضوء فأحب أن يستأنف وضوءا ولا يتبين لي أن يكون عليه استئناف وضوء واحتج بما أخبرنا أبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه توضأ بالسوق فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دعى لجنازة فدخل المسجد فمسح على خفيه ثم صلى عليها وفي الحديث الثابت عن عمر وغيره في معنى هذا ارجع فأحسن وضوءك وقد روينا عن عمر في جواز التفريق انتهى
[ 204 ]
(عن الحسن) بن يسار البصري إمام جليل مرسلا (بمعنى) حديث (قتادة) عن أنس (حدثنا بقية) بن الوليد الحمصي أحد الأئمة قال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة قال ابن عدي إذا حدث عن أهل الشام فهو ثبت وإذا روى عن غيرهم خلط قال الجوزجاني إذا حدث عن الثقات فلا بأس به وقال أبو مسهر الغساني بقية ليست أحاديثه نقية فكن منها على تقية كذا في تهذيب التهذيب والخلاصة وقال المنذري في الترغيب هو أحد الأعلام ثقة عند الجمهور لكنه يدلس انتهى (عن بحير) بفتح الباء وكسر الحاء (عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) قال البيهقي في المعرفة هو مرسل وكذا قال ابن القطان قال الحافظ ابن حجر وفيه بحث وقد قال الأثرم قلت لأحمد هذا إسناد جيد قال نعم فقلت له إذا قال رجل من التابعين حدثني رجل من أصحاب النبت صلى الله عليه وسلم فالحديث صحيح قال نعم (لمعة) قال في القاموس بالضم قطعة من النبت أخذت في اليبس والموضع لا يصيبه الماء في الغسل والوضوء (لم يصبها الماء) هذه الجملة تفسير للمعة (أن يعيد الوضوء والصلاة) وفي رواية ابن ماجه من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن
[ 205 ]
عمر بن الخطاب قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا توضأ فترك موضع الظفر على قدمه فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة قال فرجع وفي الباب عن أبي أمامة أخرجه الدارقطني وأما حديث الباب فقال المنذري في تلخيصه في إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال قال ابن القيم هكذا علل أبو محمد المنذري وابن حزم هذا الحديث برواية بقية وزاد ابن حزم تعليلا آخر وهو أن راويه مجهول لا يدري من هو والجواب عن هاتين العلتين أما الأولى فإن بقية ثقة في نفسه صدوق حافظ وإنما نقم عليه التدليس مع كثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين وأما إذا صرح بالسماع فهو حجة وقد صرح في هذا الحديث بسماعه له قال أحمد في مسنده أخبرنا إبراهيم بن أبي العباس أخبرنا بقية حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال وأمره أن يعيد الوضوء والعلة الثانية فباطلة أيضا على أصل ابن حزم وأصل سائر أهل الحديث وأن عندهم جهالة الصحابي لا يقدح في الحديث لثبوت عدالة جميعهم انتهى وقال الحافظ في التلخيص وأعله المنذري بأن فيه بقية وقال عن بحير وهو مدلس لكن في المسند والمستدرك تصريح بقية بالتحديث وأجمل النووي القول في هذا فقال في شرح المهذب هو حديث ضعيف الإسناد وفي هذا اطلاق نظر لهذه الطرق انتهى وهذا الحديث فيه دليل صريح على وجوب الموالاة لأن الأمر بالإعاد للوضوء بترك اللمعة لا يكون إلا للزوم الموالاة وهو مالك والأوزاعي وأحمد بن حنبل والشافعي في قول له وقد عرفت آنفا تفصيل بعض هذا المذهب والله أعلم 68 إذا شك في الحدث على وزن سبب وهو حالة مناقضة للطهارة شرعا والجمع الأحداث مثل سبب وأسباب (عن سعيد بن المسيب وعباد بن تميم) قال الحافظ قوله وعن عباد هو معطوف على قوله عن سعيد بن المسيب ثم إن شيخ سعيد بن المسيب فيه احتمالان يحتمل أن يكون عم عباد كأنه قال
[ 206 ]
كلاهما عن عمه أي عم الثاني وهو عباد ويحتمل أن يكون محذوفا ويكون من مراسيل ابن المسيب وعلى الأول جرى صاحب الأطراف ويؤيد الثاني رواية معمر لهذا الحديث عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري أخرجه ابن ماجه ورواته ثقات لكن سئل أحمد عنه فقال إنه منكر (شكي) على البناء للمفعول هكذا في أكثر النسخ وكذا في رواية مسلم واعتمد عليه النووفقال شكى بضم السين وكسر الكاف والرجل مرفوع ولا يتوهم أنه شكى مفتوحة الشين والكاف ويجعل الشاكي هو عمه المذكور فإن هذا الوهم غلط وجاء في بعض نسخ الكتاب شكا بالألف ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي وهكذا في صحيح البخاري ولفظه عن عمه أنه شكا وفي رواية ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ولفظه عن عمه عبد الله بن زيد قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل ومعنى قول النووي فإن هذا الوهم غلط أي ضبط لفظ شكى في رواية مسلم بالألف قياسا على رواية البخاري وغيره وهم فإن في رواية البخاري بلفظ أنه شكى وليس هذه في رواية مسلم (الرجل) مفعول ما لم يسم فاعله وعلى رواية شكا بالألف منصوب على المفعولية (يجد الشئ) أي الحدث خارجا من دبره وفيه العدول عن ذكر الشئ المستقذر بخاص إسمه إلا للضرورة (حتى يخيل إليه) بضم المثناة التحتية وفتح الخاء المعجمة مبنيا لما يسم فاعله أي يشبه له أنه خرج شئ من الريح أو الصوت (لا ينفتل) بالجزم على النهي ويجوز الرفع على أن لا نافية أو الانفتال الانصراف (صوتا) من دبره (أو يجد ريحا) منه قال النووي معناه يعلم وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى تيقن خلاف ذلك ولا يضر الشك الطارئ عليها فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارج الصلاة وهذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف انتهى فمن تيقن الطهارة وشك في الحدث عمل بيقين الطهارة أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بيقين الحدث والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه
[ 207 ]
(فوجد حركة في دبره) وفي رواية مسلم إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا (أحدث أو لم يحدث) وفي مسلم أخرج منه شئ أم لا (فأشكل عليه) لعل فيه تقديم وتأخير أي فأشكل عليه أحدث أو لم يحدث (أو يجد ريحا) وفيه دليل واضح على أن اليقين لا يزاول بالشك في شئ من أمر الشرع وتقدم آنفا شرح هذه المسألة على وجه التفصيل قال الترمذي وهو قول العلماء أن لا يجب عليه الوضوء إلا من حدث يسمع صوتا أو يجد ريحا وقال ابن المبارك إذا شك في الحدث فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقانا يقدر أن يحلف عليه وقال إذا خرج من قبل المرأة (المرء) الريح وجب عليه الوضوء وهو قول الشافعي وإسحاق انتهى 69 الوضوء من القبلة بضم القاف وسكون الباء اسم من قبلت تقبيلا والجمع قبل مثل غرفة وغرف (عن أبي روق) بفتح الراء وسكون الواو المخففة واسمه عطية بن الحارث الهمداني الكوفي عن أنس وإبراهيم التيمي والشعبي وعنه ابناه يحيى وعمارة والثوري قال أبو حاتم صدوق وقال أحمد ليس به بأس وقال ابن معين صالح وقال ابن عبد البر قال الكوفيون هو ثقة ولم يذكره أحد بجرح (قبلها ولم يتوضأ) فيه دليل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء لأن القبلة من اللمس ولم يتوضأ بها النبي صلى الله عليه وسلم وإلى هذا ذهب على وابن عباس وعطاء وطاوس وأبو حنيفة وسيفان الثوري وحديث الباب ضعيف لكنه تؤيده الأحاديث الأخر منها ما أخرجه مسلم والترمذي وصححه عن عائشة قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوضعت يدي على باطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك الحديث ومنها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سلمة عن عائشة قالت كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح وفي لفظ فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها إلى
[ 208 ]
ثم سجد وذهب ابن مسعود وابن عمر والزهري ومالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق إلى أن في القبلة وضوءا قال الترمذي وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولهذه الجماعة أيضا دلائل منها قوله تعالى أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا وقرئ أو لمستم قالوا الآية صرحت بأن اللمس من جملة الأحداث الموجبة للوضوء وهو حقيقة في لمس اليد ويؤيده بقاؤه على معناه الحقيقي قراءة أو لمستم فإنها ظاهرة في مجرد اللمس من دون الجماع وأجيب بأنه يجب المصير إلى المجاز وهو أن اللمس مراد به الجماع لوجود القرينة وهي حديث عائشة في التقبيل وحديثها في لمسها لبطن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فسر به ابن عباس الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم بأن اللمس المذكور في الآية هو الجماع وفي غاية المقصود في هذا المقام بسط حسن فارجع إليها يعطيك الثلج في هذه المسألة إن شاء الله تعالى (هو) أي حديث إبراهيم التيمي (مرسل) المرسل على المعنى المشهور ما يكون السقط فيه من آخره بعد التابعي وصورته أن يقول التابعي سواء كان كبيرا أو صغيرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل بحضرته كذا ونحو ذلك وللمرسل معنى آخره وهو ما سقط راو من سنده سواء كان في أوله أو آخره أو بينهما واحد أو أكثر وهو المعروف في الفقه وأصوله وإليه ذهب من أهل الحديث أبو بكر الخطيب كذا قال ابن الصلاح وهذا المعنى الأخير مراد ههنا (الفريابي وغيره) الفريابي بكسر الفاء وسكون الراء قال الذهبي في كتاب المشتبه الفريابي وفيراب ثنا ويقال فارياب مدينة بالترك منها محمد بن يوسف صاحب الثوري انتهى قلت هو محمد بن يوسف بن واقد من أجلة أصحاب الثوري روى عن يونس بن إسحاق وفطر بن خليفة وخلق وروى عنه أحمد ومحمد بن يحيى والبخاري وثقه أبو حاتم والنسائي وغرض المؤلف من إيراد هذه الجملة أن أكثر الحفاظ من أصحاب الثوري كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن يوسف الفريابي ووكيع وغيرهم رووه هكذا عن سفيان مرسلا غير موصول وفيه تعريض على من وصله من بعض أصحاب الثوري كمعاوية بن هشام قال الدارقطني وقد روى هذا الحديث معاوية بن هشام عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة فوصل سنده ومعاوية بن هشام هذا الأزدي أخرج له مسلم في صحيحه ووثقه أبو داود وقال ابن معين صالح وليس بذاك وقال ابن حبان ربما أخطأ وفي بعض نسخ سنن أبي داود ههنا هذه العبارة قال أبو داود مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة وكان يكنى أبا أسماء انتهى
[ 209 ]
(عروة) أي عروة بن الزبير لا عروة المزني (من هي إلا أنت) هذا السؤال ظاهر في أن سائله ابن الزبير لأن عروة المزني لا يجسر أن يقول هذا الكلام لعائشة واعلم أن الحديث أخرجه الترمذي أيضا ولم ينسب عروة في هذا الحديث أصلا وأما ابن ماجه فإنه نسبه وقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة الحديث وأبلغ من ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرج الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري أخبرنا حاجب بن سليمان حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ ثم ضحكت قال الحافظ عماد الدين وهذا نص في كونه عروة بن الزبير ويشهد له قوله من هي إلا أنت فضحكت (هكذا) أي لفظ عروة مطلقا من غير تقييد بابن الزبير أخرج الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا علي بن حرب وأحمد بن منصور ومحمد بن اشكاب وعباس بن محمد قالوا أخبرنا أبو يحيى بن الحماني أخبرنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت الحديث (حدثنا عبد الرحمن بن مغراء) بفتح الميم أوله وإسكان الغين المعجمة أبو زهير الكوفي نزيل الري وثقه أبو خالد الأحمر وابن حبان وقال أبو زرعة صدوق وقال علي بن المديني ليس بشئ كان يروي عن الأعمش ستمائة حديث تركناه لم يكن بذاك وقال ابن عدي والذي قاله ابن المديني هو كما قال فإنه روى عن الأعمش أحاديث لا يتابعه عليها الثقات هو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثه (أصحاب لنا) وهؤلاء رجال مجهولون وما سمى منهم إلا حبيب بن أبي ثابت (عن عروة المزني) قال الذهبي هو شيخ لحبيب بن أبي ثابت لا يعرف وفي الخلاصة له أحاديث ضعفها القطان وفي التقريب هو مجهول من الرابعة (بهذا الحديث) المذكور فهذا من رواية عبد
[ 210 ]
الرحمن بن مغراء وهو ضعيف عن الأعمش عن رجال مجهولين (إحك به) أمر الحكاية من باب ضرب (عني) أي أخبر الناس عن جانبي (أن هذين) الحديثين (هذا عن حبيب) عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه الحديث (وحديثه) بالنصب عطف على حديث الأعمش وهذا الحديث لعله هو ما يجئ في باب من قال تغتسل المستحاضة من طهر إلى طهر عن طريق وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت فاطمة بنت أبي حبيش الحديث (احك عني) أعاد هذه الجملة لكون الفصل والبعد بين المقول والمقولة هذا (أنهما شبه لا شئ) بكسر الشين وسكون الباء الموحد وسقط منه التنوين للاضافة إلى لا شئ ولا شئ إشارة إلى الإسناد أي هذان الحديثا ضعيفان من جهة الإسناد ذكره شهاب بن رسلان (يعني لم يحدثهم) أي لم يحدث حبيب أحدا من تلامذته ومنهم الثوري (بشئ) بل كل ما رواه فهو عن عروة المزني لكلم يرض أبو داود بما قاله الثوري ولذا نقله بصيغة التمريض وعنده سماع حبيب من عروة بن الزبير صحيح ثابت كما يدل عليه قوله (حديثا صحيحا) في غير هذا البا ب وهو ما أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات من سننه حدثنا أبو كريب أخبرنا معاوية بن هشام عن همزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم عافني في جسدي وعافني في بصري الحديث فمقصود المؤلف أن حبيبا وإن اختلف في شيخه أنه المزني أو ابن الزبير فلا يشك في سماع حبيب من عروة ابن الزبير فإنه صحيح وإليه أشار بقوله حديثا صحيحا فمحصل الكلام أن عبد الرحمن بن مغراء مع ضعفه ورواية شيخه الأعمش عن المجهولين قتفرد عن الأعمش عن حبيب عن عروة بهذا اللفظ أي عروة المزني وأما وكيع وعلي ابن هاشم وأبو يحيى الحماني من أصحاب الأعمش فلم يقولوا به فبعض أصحاب وكيع روعنه لفظ عروة بغير نسبة وبعضهم روى عنه بلفظ عروة بن الزبير ثم الأعمش أيضا ليس
[ 211 ]
متفردا بهذا بل تابعه أبو أويس بلفظ عروة بن الزبير ثم حبيب بن أبي ثابت أيضا ليس متفردا بل تابعه هشام بن عروة عن أبيه ومعلوم قطعا أنه ابن الزبير فثبت أن المحفوظ عروة بن الزبير فبعض الحفاظ أطلقه وبعضهم نسبه وقد تقرر في موضعه أن زيادة الثقة مقبولة وأما عروة المزني فغلط من عبد الرحمن بن مغراء وإذا عرفت هذا فاعلم أن سماع حبيب من عروة بن الزبير متكلم فيه وقال سفيان الثوري ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان ومحمد بن إسماعيل البخاري ولم يصح له سماع من عروة بن الزبير وصححه أبو داود وأبو عمر بن عبد البر لكن الصحيح هو القول الأول فيكون الحديث منقطعا وأجيب ضعف الإنقطاع منجبر بكثرة الطرق والروايات العديدة 70 الوضوء من مس الذكر هل هو واجب (عروة) هو ابن الزبير (فذكرنا) وفي الموطأ فتذاكرنا (ما يكون منه الوضوء) أي من شئ يلزم الوضوء (فليتوضأ) ليس المراد من الوضوء غسل اليد بدليل رواية ابن حبان ففيه من مس فرجه فليتوضأ وضوءه للصلاة وبدليل رواية أخرى له من مس فرجه فليعد الوضوء والإعادة لا تكون إلا لوضوء الصلاة والحديث يدل على انتقاض الوضوء من مس الذكر قال الإمام العلامة أبو بكر محمد بن موسى الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ وذهب إلى إيجاب الوضوء من مس الذكر جماعة وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وابن عباس في إحدى الروايتين وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وجابر بن زيد والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن أبي كثير وسعيد بن المسيب في أصح الروايتين وهشام بن عروة والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق وهو المشهور من قول مالك انتهى
[ 212 ]
وحديث بسرة أخرجه مالك في الموطأ والشافعي وأحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود من حديثها وصححه الترمذي ونقل عن البخاري أنه أصح شئ في الباب وقال أبو داود قلت لأحمد حديث بسرة ليس بصحيح قال بل هو صحيح وقال الدارقطني صحيح ثابت وصححه أيضا يحيى بن معين فيما حكاه ابن عبد البر وأبو حامد بن الشرقي والبيهقي والحازمي قال البيهقي هذا الحديث وإن لم يخرجه الشيخان لاختلاف وقع في سماع عروة منها أو من مروان فقد احتجا بجميع رواته قال الحافظ في التلخيص وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وزيد بن خالد وسعد بابي وقاص وأم حبيبة وعائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وطلق بن علي والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة وأروى بيت أنيس انتهى وفي الباب آثار أيضا أخرجها مالك وغيره واعلم أن المراد من مس الذكر مسه بلا حائل وأما المس بحائل فليس ناقضا للوضوء كما أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينها ستر ولا حائل فليتوضأ ورواه الحاكم في المستدرك وصححه وراوه أحمد في مسنده والطبراني في معجمه والدارقطني في سننه وكذلك البيهقي ولفظه في من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة
[ 213 ]
ثم اعلم أن حديث أم حبيبة مرفوعا بلفظ من مس فرجه فليتوضأ رواه ابن ماجه والأثرم وصححه أحمد وأبو زرعة يشمل الذكر والأنثى ولفظ الفرج يشمل القبل والدبر من الرجل والمرأة وبه يرد مذهب من خصص ذلك بالرجل وهو مالك وأخرج الدارقطني من حديث عائشة إذا مست إحداكن فرجه (فرجها) فلتتوضأ وفيه ضعف وأخرج أحمد والبيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما مرأة مست فرجها فلتتوضأ قال الترمذي في العلل عن البخاري وهذا عندي صحيح وفي إسناده بقيه بن الوليد ولكنه قال حدثني محمد بن الوليد الزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والحديث صريح في عدم الفرق بين الرجل والمرأة قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال محمد يعني إسماعيل البخاري أصح شئ في هذا الباب حديث بسرة هذا آخر كلامه وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه وقد روينا قولنا عن غير بسرة والذي يعيب علينا الرواية عن بسرة يروي عن عائشة بنت عجرد وأم خداش وعدة من النساء لسن بمعروفات في العامة ويحتج بروايتهن ويضعف بسرة مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النبي صلى الله عليه وسلم وقد حدثت بهذا في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون ولم يدفعه منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه عن روايتها منهم عروة بن الزبير وقد دفع وأنكر الوضوء من مس الذكر قبل أن يسمع الخبر فلما
[ 214 ]
علم أن بسرة روته قال به وترك قوله وسمعها ابن عمر تحدث به فلم يزل يتوضأ من مس الذكر حتى مات وهذه طريقة الفقه والعلم هذا آخر كلامه وقد وقع لنا هذا الحديث من رواية عبد الله بن عمر وعبد الله ابن عمرو وجابر بن عبد الله وزيد بن خالد وأبي أيوب الأنصاري وأبي هريرة وعائشة وأم حبيبة رضي الله عنهم انتهى كلام المنذرى
[ 215 ]
71 باب الرخصة في ذلك أي ترك الوضوء من مس الذكر (قال قدمنا) قال الزيلعي قال ابن حبان إن طلق بن علي كان قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم أول سنة من سنى الهجرة حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم أخرج عن قيس بن طلق عن أبيه قال بنيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة الحديث (بدوي) بفتحتين قال ابن رسلان نسبة إلى البادية على غير قياس والبدوي خلاف الحضري انتهى (ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ) هل هو ناقض للوضوء (هل هو إلا مضغة منه) أي ما هو أي الذكر إلا مضغة من الجسد والمضغة بضم الميم وسكون الضاد وفتح الغين المعجمتين قطعة لحم أي كما لا ينقض الوضوء من مس الجسد والأعضاء فكذا لا ينقض الوضوء من مس الذكر لأن الذكر أيضا قطعة من الجسد (أو بضعة منه) بفتح الباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة والمضغة والبضعة لفظان مترادفان وهو شك من الراوي الحديث يدل على أن مس الذكر لا ينقض الوضوء قال الحازمي في الاعتبار وذهب بعضهم إلى ترك الوضوء من مس الذكر آخذا بهذا الحديث وروى ذلك عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين عنه وسعيد بن المسيب في إحدى الروايتين وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وربيعة بن أبي عبد الرحمن وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ويحيى بن معين وأهل الكوفة انتهى وأما حديث طلق فقال الحافظ في التلخيص أخرجه أحمد وأصحاب السنن والدارقطني وصححه عمرو بن علي الفلاس وقال هو عندنا أثبت من حديث بسرة وروى عن ابن المديني أنه قال هو عندنا أحسن من حديث بسرة والطحاوي قال إسناده مستقيم غير مضطرب بخلاف حديث بسرة وصححه أيضا ابن حبان والطبراني وابن حزم وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي
[ 216 ]
وإذا عرفت هذا فاعلم أن ابن حبان والطبراني وابن العربي وآخرين زعموا أن حديث طلق منسوخ لتقدم إسلام طلق وتأخر إسلام بسرة ولكن هذا غير دليل على النسخ عند المحققين من أئمة الأصول وبعضهم رجحوا حديث بسرة على حديث طلق لكثرة طرق حديث بسرة وصحتها وكثرة من صححه من الأئمة ولكثرة شواهده وقال البيهقي يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وفي لفظ النسائي ورواية لأبي داود في الصلاة قال الإمام الشافعي قد سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره وقد عارضه من وصفنا نعته وتثبته في الحديث وقال يحيى بن معين لقد اضطرب الناس في طلق ابن قيس وأنه لا يحتج بحديثه وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سألت أبي وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا قيس بن طلق ليس ممن يقوم به حجة ووهناه ولم يثبتاه (بإسناده) بالإسناد السابق (ومعناه) أي وبمعنى الحديث الأول وهو حديث عبد الله بن بدر (وقال) أي محمد بن جابر في حديثه (في الصلاة) أي ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة والحاصل أن عبد الله بن بدر روى عن قيس بلفظ ما ترى في مس الرجل ذكره ما يتوضأ ولم يذكر فيه لفظ في الصلاة وروى مسدد وهشام بن حسان والثوري وشعبة وابن عيينة وجرير الرازي هؤلاء كلهم عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه بلفظ في الصلاة أي يمس الرجل حال كونه في الصلاة قا الخطابي إنهم تأولوا خبر طلق أيضا على أنه أراد به المس ودونه الحائل واستدلوا على ذلك برواية الثوري وشعبه وابن عيينة أنه سأله عن مسه في الصلاة والمصلى لا يمس فرجه من غير حائل بينه وبينه قلت ولا يخفى بعد هذا التأويل
[ 217 ]
72 الوضوء من لحوم الإبل أي من أكلها (عن الوضوء من) أكل (لحوم الإبل فقال توضؤا منها) والمراد به الوضوء الشرعي والحقائق الشرعية ثابتة مقدمة على غيرها والحديث يدل على أن الأكل من لحوم الإبل من جملة نواقض الوضوء وذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة واختار الحافظ أبو بكر البيهقي وحكى عن أصحاب الحديث مطلقا وحكى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين واحتج هؤلاء بحديث جابر بن سمرة والبراء قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان جابر وحديث البراء وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه قاله النووي وقال الدميري وأنه المختار المنصور من جهة الدليل وذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة والراشدون وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين ومالك وأبو حينفة والشافعي وأصحابهم وأجاب هؤلاء القائلون بعدم النقض بحديث جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار أخرجه أبو داود والنسائي قالوا ولحم الإبل داخل فيه أيضا لأنه من أفراد ما مسته النار بدليل أنه لا يؤكل نيئا بل يؤكل مطبوخا فلما نسخ الوضوء مما مسته النار نسخ من أكل
[ 218 ]
لحوم الإبل أيضا ورده النووي بأن حديث ترك الوضوء مما مسته النار عام وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص والخاص مقدم على العام وقال ابن المقيم وأما من يجعل كون لحم الإبل هو الموجب للوضوء سواء مسته النار أو لم تمسه فيوجب الوضوء من نيه ومطبوخه وقد يده فكيف يحتج عليه بهذا الحديث حتى لو كان لحم الإبل فردا من أفراده فإنما يكون دلالته عليه بطريق العموم فكيف يقدم على الخاص (لا توضأوا منها) لأن لحومها ليست ناقضة للوضوء ومن حمله على الوضوء اللغوي يعني المضمضة وغسل اليدين فدعواه محتاجة إلى بينة واضحة (في مبارك الإبل) على وزن مساجد جمع مبرك كجعفر وهو موضع بروك الإبل يقال برك البعير بروكا وقع على بركه وهو صدره كذا في المصباح قال الجوهري برك البعير يبرك بروكا أي استناخ (فإنها من الشياطين) أي الإبل تعمل عمل الشياطين والأجنة لأن الإبل كثيرة الشر فتشوش قلب المصلى وربما نفر ت وهو في الصلاة فتؤدي إلى قطعها أو أذى يحصل له منها فبهذه الوجوه وصفت بأعمال الشياطين والجن قال ولي الدين العراقي يحتمل أن يكون قوله فإنها من الشياطين على حقيقة وأنها أنفسها شياطين وقد قال أهل الكوفة إن الشيطان كل عات متمرد من الإنس والجن والدواب انتهى والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم (في مرابض الغنم) جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء الموحدة وآخرها ضاد معجمة قال الجوهري المرابض كالمعاطن ل بل قال وربوض الغنم والبقر والفرس مثل بروك الإبل وجثوم الطير (فإنها بركة) زاد الشافعي فإنها سكينة وبركة والمعنى أن الغنم فيها تمرد ولا شراد بل
[ 219 ]
هي ضعيفة وفيها سكينة فلا تؤذي المصلي ولا تقطع صلاته فهي ذو (ذات) بركة فصلوا في مرابطها والحديث يدل على عدم جواز الصلاة في مبارك الإبل وعلى جوازها في مرابض الغنم قال أحمد بن حنبل لا تصح الصلاة في مبارك الإبل بحال قال ومن صلى فيها أعاد أبدا وسئل مالك عمن لا يجد إلاعطن الإبل قال لا يصلى قيل فإن بسط عليه ثوبا قال لا وقال ابن حزم لا تحل في عطن الإبل وذهب أكثر العلماء إلى حمل النهي على الكراهة مع عدم النجاسة وعلى التحريم مع وجودها وهذا إنما يتم على القول بأن علة النهي هي النجاسة وذلك متوقف على نجاسة أبوال الإبل وأزبالها وستعرف بعيد هذا تحقيق ذلك على وجه الصواب ولو سلمنا النجاسة فيه لم يصح جعلها علة لأن العلة لو كانت النجاسة لما افترق الحال بين أعطانها وبين
[ 220 ]
مرابض الغنم إذ لا قائل بالفرق بين أوراث كل من الجنسين وأبوالها كما قال العراقي بل حكمة النهي ما فيها من النفور والتمرد والشراد ثم وبهذا علل النهي أصحاب الشافعي وأصحاب مالك وهذا هو الحق وقد تمسك بحديث الباب أي حديث البراء من قال بطهارة أبوال الغنم وأبعارها قالوا لأن مرابض الغنم لا تخلو من ذلك فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة ويؤيده ما أخرجه البخاري والترمذي عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل أن يبني المسجد في مرابض الغنم وبوب البخاري في صحيحه لذلك بابا وقال باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها وصلى أبو موسى في دار البريد والسرقين والبرية في جنبه فقال ههنا وثم سواء قلت السرقين هو الزبل والبرية الصحراء منسوبة إلى البر ودار البريد موضع بالكوفة كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الخلفاء إلى الأمراء وكان أبو موسى أميرا على الكوفة في زمن عمر رضي الله عنه وقوله ههنا وثم سواء يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة وحديث أنس في قصة أناس من عرينة الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها دليل ظاهر على طهارة أبوال الإبل أيضا قال الحافظ في فتح الباري وأما شربهم البول فاحتج به من قال بطهارته أما من الإبل فبهذا الحديث وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه انتهى وذهب إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه الإمام مالك وأحمد بن حنبل وعطاء والثوري وابن أبي ليلى وإبراهيم النخعي وغيرهم وهذا هو المذهب المنصور والقوي من حيث الدليل وسمعت شيخنا العلامة المحدث الفقيه سلطان العلماء السيد محمد نذير حسين الدهلوي أدام الله بركاته علينا يقول به والله أعلم وأما حديث عبد الله بن مسعود يقول أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغاية فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هذا ركس فلا تدل على نجاسة عموم الروثة لأنه صرح ابن خزيمة في صحيحه في رواية له في هذا الحديث أنها كانت روثة حمار على أن نقل التيمي أن الروث مختص من الخيل والبغال والحمير وإنا لا نقول بطهارة روث البغال والحمر الأهلية وأما النهي عن الاستنجاء بالروثة مطلقا فقد جاءت علة النهي عنه كونها من أم الجن لا من جهة أنها نجسة وذهب الإمام الشافعي
[ 221 ]
والجمهور (أي جمهور أصحابه) بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره وقال دواد الظاهري إن الأبوال كلها سواء كانت أبوال مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم والأرواث كلها كذلك طاهرة إلا بول الآدمي وغائطه وهذان المذهبان ليس عليهما برهان يقنع به القلب رسول الوضوء من مس اللحم النئ ولا على وزن حمل أي غير النضيح (وغسله) الواو بمعنى أو أي باب الوضوء الشرعي أو غسل اليد من مس لحم غير مطبوخ هل هو ضروري أم لا فبين الحديث أنه غير ضروري والضمير المجرور في غسله يرجع إلى الماس بقرينة المقام والله أعلم وأما إرجاع الضمير إلى اللحم أي الوضوء من غسل اللحم النئ فبعيد (الرقي) بفتح الراء وكسر القاف نسبة إلى الرقة مدينة على الفرات (المعنى) أي واحد أي أحاديثهم متقاربة في المعنى (لا أعلمه إلا عن أبي سعيد) أي لا أعلم هذا الحديث إلا أن عطاء بن يزيد أخبرني به عن أبي سعيد الخدري وفي رواية ابن حبان الجزم بأنه عن أبي سعيد ذكره السيوطي رح وهذا اللفظ في رواية محمد بن العلاء (وقال أيوب وعمرو) في روايتهما عن عطاء بن يزيد (وأراه) أي أظنه (يسلخ شاة) أي ينزع الجلد عن الشاة في المصباح سلخت الشاة سلخا من باب قتل ومن باب قتل ومن باب ضرب قالوا ولا يقال في البعير سلخت جلده وإنما يقال كشطته انتهى (تنح) أمر من تنحى يتنحى أي تحول عن مكانك (حتى أريك) قال الخطابي ومعنى أرك أعلمك ومنه قوله تعالى وأرنا مناسكنا (فدحس بها) في الصحاح الدحس إدخال اليديد جلد الشاة وصفاقها لسلخها أي أدخل يده بين الجلد واللحم بشدة وقوة ودسها بينهما كفعل السلاخ (حتى توارت) أي استترت و (ولم يتوضأ) قال الخطابي ومعنى
[ 222 ]
الوضوء في هذا الحديث غسل اليد ويؤيد ذلك رواية عمرو الآتية (زاد عمرو في حديثه) بعد قوله لم يتوضأ (يعني لم يمس ماء) والظاهر أن هذا التفسير من عمرو بن عثمان (وقال) أي عمرو في روايته (عن هلال بن ميمون الرملي) أي بصيغة العنعنة دون الإخبار كما في رواية محمد بن العلاء وأيوب (مرسلا لم يذكر أبا سعيد) المراد من المرسل ههنا معناه المشهور أي قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا أو فعل بحضرته كذا قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده هلال بن ميمون الجهني الرملي كنيته أبو المغيرة قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم الرازي ليس بقوى يكتب حديثه 74 ترك الوضوء من مس الميتة أي ميتة مأكول اللحم (مر بالسوق داخلا من بعض العالية) أي كان دخوله صلى الله عليه وسلم من بعض العالية إلى السوق والعالية والعوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة والنسبة إليها علوي وأدناها على أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد ثمانية أميال قاله ابن الأثير (والناس كنفتيه) بفتح الكاف والنون والفاء قال النووي والناس كنفته وفي بعض النسخ كنفتيه ومعنى الأول جانبه والثاني جانبيه (فمر بجدي) بفتح الجيم وسكون الدال من ولد المعز قاله الجوهري وكذا فسره الأردبيلي (أسك) بفتح الهمزة والسين المفتوحة والكاف المشددة قال القاضي عياض في المشارق يطلق على ملتصق الأذنين
[ 223 ]
وعلى فاقدهما وعلى مقطوعهما وعلى الأصم الذي لا يسمع والمراد ههنا الأول وقال ابن الأثير المراد الثالث وقال النووي في شرح مسلم والقرطبي المراد صغير الأذنين (وساق) الراوي (الحديث بتمامه والحديث أخرجه مسلم في الزهد من صحيحه وبقيته أيكم يحب أن هذا له بدرهم فقالوا ما نحب أنه لنا بشئ وما نصنع به قال تحبون أنه لكم قالوا والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك فيكف وهو ميت فقال والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وفيه الأسك الذي ليس له أذنان والحديث فيه جواز مس ميتة مأكول اللحم وأن غسل اليد بعد مسها ليس بضروري قال المنذري وأخرجه مسلم 75 في ترك الوضوء مما مست النار وفي بعض نسخ المتن مما مسته النار وهو أصرح أي ترك الوضوء من أكل شئ طبخته النار لأن ما طبخته النارومسته لا ينقض الوضوء (كتف شاة) الكتف كفرح ومثل وجبل يقال له بالفارسية شانه أي أكل اللحم الكتف وهذا الحديث نص صريح في عدم انتقاض الوضوء بأكل ما مسته النار وسيجئ بيانه في آخر الباب قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (ضفت) بكسر الضاد أي نزلت عليه ضيفا قال الجوهري ضفت الرجل ضيافة إذا نزلت عليه ضيفا (بجنب) بفتح الجيم وسكون النون قال ابن سيده جنب الشاة شقها وجنب الإنسان شقه وفي النهاية الجنب القطعة من الشئ يكون معظمه أو شيئا كثيرا منه فشوى) بضم الشين وكسر الواو المخففة يقال شويت اللحم أشويه لم شيا فانشوى حدثنا مثل كسرته فانكسر فهو مشوي (الشفرة) بفتح الشين وسكون الفاء قال الجوهري هي السكين العظيمة وقال ابن الأثير هي السكين العريضة (يحز) بالحاء المهملة والزاء المعجمة المشددة في الصحاح حزه واحتزه ابن أي قطعه والتحزز قوله التقطع والحزة قطعة من اللحم طولا وفيه دليل على جواز قطع اللحم
[ 224 ]
بالسكين وفي النهي عنه حديث ضعيف في سنن أبي داود فإن ثبت خص بعدم الحاجة الداعية إلى ذلك لما فيه من التشبه بالأعاجم وأهل الترف (فآذنه) أي أعلمه وأخبره في النهاية الآذان الإعلام بالشئ آذان إيذانا وأذن تأذينا والمشدد مخصوص بإعلام وقت الصلاة (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (ماله) لبلال قد عجل ولم ينتظر إلى أأفرغ من أكل طعامي (تربت يداه) قال الجوهري ترب الشئ بكسر الراء أصابه التراب ومنه ترب الرجل افتقر كأنه لصق بالتراب يقال تربت يداك وهو على الدعاء أي لا أصبت خيرا انتهى وقال الخطابي في المعالم تربت يداه كلمة تقولها العرب عند اللم ومعناه الدعاء عليه بالفقر والعدم وقد يطلقونها في كلاهم (كلامهم) وهم لا يريدون وقوع الأمر كما قالوا عقري حلقي فإن هذا الباب لما كثر في كلامهم وأدام استعماله في مجاري استعمالهم صار عندهم بمعنى اللغو وذلك من لغو اليمين الذي لا اعتبار به ولا كفارة فيه ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم فعليك بذات الدين تربت يداك (وقام يصلي) استدل الإمام البخاري بهذا الحديث على أن الأمر بتقديم العشاء على الصلاة خاص بغير الإمام الراتب قلت هذا الاستدلال صحيح وحسن جدا وقال الخطابي ليس هذا الصنيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالف لقوله إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء وإنما هو للصائم الذي أصابه الجوع وتاقت نفسه إلى الطعام وهذا فيمن حضره الطعام وهو متماسك في نفسه ولا يزعجه الجوع ولا يعجله عن إقامة الصلاة وإيفاء حقها انتهى ملخصا قلت وإن وافقه عليه جماعة فهو بعيد (وفى) على وزن رمى كذا في أكثر النسخ أي كثر وطال يقال وفى الشئ وفيا أي تم وكثر وفي بعض نسخ الكتاب وفاء وكذا في نسخ المصابيح أي طويلا تاما كثيرا (فقصه لي على سواك) أي قص ما ارتفع من الشعر فوق السواك قال السيوطي وفي رواية البيهقي في هذا الحديث فوضع السواك تحت الشارب وقص عليه (أو قال) هذا تردد من الراوي قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه (بمسح) بكسر الميم البلاس وهو كساء معروف (فصلى) من غير وضوء جديد والحديث
[ 225 ]
فيه ثلاث مسائل الأولى عدم انتقاض الوضوء مما مسته النار الثانية جواز أداء الصلاة بعد الأكل بغير المضمضة الثالثة جواز مسح اليد بعد الطعام وأن غسلها ليس بضروري قال المنذري وأخرجه ابن ماجه (انتهش) النهش بالمعجمة أخذ اللحم بالأضراس وبالإهمال له بمقدم الفم قاله الكرماني قال المنذري وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عطاء بن يسار عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ (قربت) بشدة الراء (ولم يتوضأ) الوضوء الشرعي المتبادر من السياق (كان آخر الأمرين) قال الحافظ في فتح الباري قال أبو داود وغيره إن المراد بالأمر ههنا الشأن والقصة لا مقابل النهي انتهى أي آخر الواقعتين منه صلى الله عليه وسلم (مما غيرت النار) بنضج وطبخ قال المنذري وأخرجه النسائي (من خيار المسلمين) وهذا من ابن السرح توثيق لابن أبي كريمة قلت ولم يعرف فيه جر (ثمامة) بضم الثاء المثلثة (المرادي) بضم الميم وتخفيف الراء وبالدال المهملة منسوب إلى مراد وهو
[ 226 ]
أبو قبيلة من اليمن (مصر) بدل من ضمير المتكلم (الجزء) بفتح الجيم وسكون الزاء المعجمة بعدها همزة (لقد رأيتني) الرؤية بمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين وياء المتكلم فيه المفعول الأول وسابع المفعول الثاني والشك من الراوي (فناداه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه دليل على جواز الإعلام للصلاة بعد الأذان لكن لا على الطريق المحدثة التي يقال لها التثويب بل فيه مجرد الإعلام والإيذان (وبرمته) بضم الباء وسكون الراء هي القدر وجمعها البرام بكسر الباء قاله الجوهري (أطابت برمتك) بهمزة الاستفهام والطيب خلاف الخبيث يقال طاب الشئ يطيب طببة ذلك وتطيابا ونسبة الطيبة إلى البرمة مجاز لأن المراد من طيبة البرمة تطياب محمد ما فيها من الطعام أي نضج ما في البرمة وصار لائقا للأكل (بأبي أنت وأمي) أي أنت مفدى بهما أو فديتك بهم (فتناول منها بضعة) أي أخذ من البرمة قطعة من الذي هو فيها وهو اللحم (يعلكها) أي يمضغها (أحرم بالصلاة) أي دخل فيها (وأنا أنظر إليه) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى مضغه لتلك القطعة ثم دخوله في الصلاة ويحتمل أن قوله وأنا أنظر إليه قاله الراوي وقت تحديثه بذلك أي أنا متيقن بتلك الواقعة كأني أنظر إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة واضحة على أن المضمضة بعد الأكل للصلاة ليس بضروري وعلى أن أكل ما غيرته النار ليس بناقص للوضوء 76 باب التشديد في ذلك أي في الوضوء مما مست النار أي وجوب الوضوء الشرعي منه (الأغر) بالغين المعجمة وشدة الراء المهملة (الوضوء مما أنضجت النار) قال الشيخ أبو زرعة بن زين الدين العراقي لفظه الخبر ومعناه الأمر أي توضأوا مما غيرته النار
[ 227 ]
(فسقته) أي أبا سفيان (قدحا) بفتحتين هو إناء يسع ما يروي رجلين أو ثلاثة (يا ابن أختي ألا توضأ) أي تتوضأ وفي الرواية الطحاوي قالت يااين إلى أخي توضأ فقال إني لم أحدث شيئا (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم والشك من الراوي واختلف العلماء في هذه المسألة فذهب أكثر الأئمة من السلفو الخلف إلى أنه لا ينتفض الوضوء بأكل ما مسته النار وذهبت طائفة إلى وجوب الشرعي بأكل ما مسته النار واستدلت بأحاديث الباب وأجاب الأكثرون عن أحاديث الوضوء مما مسته النار بوجوه أحدها أنه منسوخ بحديث جابر رضي الله عنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار وأنت خبير بأن حديث جابر كان آخر الأمرين ليس من قول جابر بل اختصره شعيب بن أبي حمزة أحد رواته كما عرفت وثانيها أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب وهذا اختيار الخطابي وابن تيمية صاحب المنتقى وثالثها أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين وهذا الجواب ضعيف جدا لأن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها وحقيقة الوضوء الشرعية هي غسل جميع الأعضاء التي تغتسل للوضوء فلا يخالف هذه الحقيقة إلا لدليل والذي تطمئن به القلوب ما حكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين وارتضى بهذا النووي في شرح المهذب وروى الطبراني في مسند الشاميين من طريق سليم بن عامر قال رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضأوا قال الحافظ ابن حجر إسناده حسن وأخرج أحمد في مسنده عن جابر قال أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر خبزا ولحما فصلوا ولم يتوضأوا وفي ترك الوضوء مما مس النار آثار أخر مروية عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
[ 228 ]
77 الوضوء من اللبن أي المضمضة وغسل الفم بعد شرب اللبن (عن عقيل) بضم العين (عن الزهري) هو محمد بن مسلم الإمام (إن له دسما) بفتحتين منصوبا اسم إن وهو بيان لعلة المضمضة من اللبن والدسم ما يظهر على اللبن من الدهن ويقاس عليه استحباب المضمضة من كل ما له دسم قال النووي الحديث فيه استحباب المضمضة من شرب اللبن قال العلماء وكذلك غيره من المشروب والمأكول يستحب له المضمضة لئلا يبقى منه بقايا يبتلعها في حال الصلاة ولينقطع لزوجته ودسمه ويتطهر فمه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 78 باب الرخصة في ذلك أي في الوضوء من اللبن (فلم يمضمض ولم يتوضأ وصلى) فيه دليل على أن المضمضة من اللبن وغيره من الأشياء التي فيها الدسومة ليس فيها أمرا ضروريا بل على سبيل الاختيار قال الحافظ وأغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخا لحديث ابن عباس ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ انتهى (قال زيد) بن الحباب الراوي عن مطيع (دلني شعبة) بن حجاج أحد الناقدين كان للرجال والدليل ما يستدل به والدليل الدال يقال قد دله على الطريق يدله دلالة (على هذا الشيخ) أي مطيع بن راشد فدلالة شعبة لزيد على مطيع بن راشد
[ 229 ]
لأخذ الحديث منه تدل على أن شعبة كان حسن الرأي في مطيع بن راشد وإلا لم يدل شعبة على من كان مستور الحال وضعيفا عنده قال السيوطي قال الشيخ ولي الدين ومطيع بصري قال الذهبي إنه لا يعرف لكن قال زيد بن الحباب إن شعبة دله عليه وشعبة لا يروي إلا عن ثقة فلا يدل إلا على ثقة وهذا هو المقتضى لسكوت أبي داود عليه انتهى قلت وكذا سكت عنه المنذري وقال الحافظ في الفتح إسناده حسن والله أعلم 79 الوضوء من الدم أي يكون هل الوضوء من خروج الدم سائلا كان أو غير سائل واجبا أم لا فدل الحديث على أنه غير واجب (عن عقيل بن جابر) بفتح العين ذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي فيه جهالة ما روى عنه سوى صدقة بن يسار وقال الحافظ لا أعرف فيه راويا عنه غير صدقة انتهى لكن الحديث قد صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق ابن إسحاق (ذات الرقاع) بكسر الراء كانت هذه الغزوة في سنة أربع قاله ابن هشام في سيرته وفي تسمية هذه الغزوة بذات الرقاع وجوه ذكرها أصحاب السير لكن قال السهيلي في الروض والأصح من هذه الأقوال ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا ونقبت قدماي وسقطت أظفاري فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من ال خرق على أرجلنا (فأصاب رجل) من المسلمين بأن قتلها (فحلف) الرجل المشرك الذي قتلت زوجته (أن لا أنتهى) أي لا أكف عن المعارضة (حتى أهريق) أي أصب من أراق يريق والهاء فيه زائدة (فخرج يتبع) من سمع يسمع يقال تبعت القوم تبعا وتباعة بالفتح إذا مشيت خلفهم وأتبعت القوم على أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم كذا في الصحاح (أثر النبي صلى الله عليه وسلم) بفتحتين أي قدمه صلى الله عليه وسلم والحاصل أنه يمشي
[ 230 ]
خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رجل يكلؤنا) بفتح اللام وضم الهمزة أي من يحفظنا ويحرسنا يقال كلأه الله كلاءه أبو بالكسر أي حفظه وحرسه (فانتدب) قال الجوهري ندبه لأمر فانتدب أي دعاه له فأجاب (رجل من المهاجرين) هو عمار بن ياسر (ورجل من الأنصار) هو عباد بن بشر سماها البيهقي في روايته في دلائل النبوة (فقال كونا بفم الشعب) قال ابن منظور في لسان العرب الشعب ما انفرج بين جبلين والشعب مسيل الماء في بطن من الأرض له حرفان مشرفان وعرضه بطحة رجل وقد يكون بين سندي جبلين انتهى وقوله بطحة رجل البطح بر روى درافكندن أو بطحه فانبطح والمراد من الشعب في الحديث المعنى الأخير أي مسيل الماء في بطن من الأرض له حرفان مشرفان وعرضه بطحة رجل لأنه زاد ابن إسحاق في روايته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي فهذه الزيادة تعين المعنى الأخير ومعنى كونا بفم الشعب أي قفا بطرفه الذي يلي العدو والفم ههنا كناية عن طرفه (فلما رأى) ذلك الرجل المشرك (شخصه) أي شخص الأنصاري والشخص سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد يقال ثلاثة أشخص والكثير شخوص وأشخاص (عرف) الرجل المشرك (أنه) أي الأنصاري (ربيئة للقوم) الربيئي) والربيئة الطليعة والجمع الربايا يقال ربأت القوم ربأ وارتبأتهم أي رقبتهم وذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف (فرماه بسهم فوضعه فيه) أي وقعه فيه ووصل إلى بدنه ولم يجاوزه وهذا من باب المبالغة في إصابة المرمى وصواب الرمي والتقدير رماه بسهم فما أخطأ نفسه كأنه وضعه فيه وضعا بيده ما رماه به رميا وفي الحديث من رفع السلاح ثم وضعه في المسلمين فدمه هدر أي من قاتل به من وضع الشئ من يده إذا ألقاه فكأنه ألقاه في الضريبة كذا في الم جمع (فنزعه) أي نزع السهم من جسده واستمر في الصلاة (حتى رماه بثلاثة أسهم) ولفظ محمد بن إسحاق فرمى بهم فوضعه فيه قال فنزعه فوضعه فثبت قائما ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه فنزعه وثبت قائما ثم عاد له في الثالث فوضعه فيه فنزعه (ثم ركع وسجد) الأنصاري ولم يقطع صلاته لا شتغاله بحلاوتها عن مرارة ألم الجرح (ثم أنبه صاحبه) من الإنباه وصاحبه مفعوله هكذا في عامة النسخ ومادته النبه عبد بالضم أي القيام من النوم ويتعدى بالهمزة والتضعيف فيقال أنبهه ونبهته وأما الانتباه فهو لازم يقال انتبه من النوم إذا استيقظ وفي بعض نسخ
[ 231 ]
الكتاب انتبه صاحبه فعلى هذا يكون صاحبه فاعله (فلما عرف) الرجل المشرك (أنهم) أي الأنصاري والمهاجري وضمير الجمع بناء على أن أقل الجمع اثنان (قد نذروا به) بفتح النون وكسر الذال المعجمة أي علموا وأحسوا بمكانه يقال نذرت به إذا علمته وأما الإنذار فهو الإعلام مع تخويف (من الدماء) بيان ما والدماء بكسر الدال جمع دم (سبحان الله) أصل التسبيح التنزيه التقديس والتبرية من النقائص سبحته تسبيحا وسبحانا ومعنى سبحان الله التنزيه لله نصب على المصدر بمحذوف أي أبرئ الله من السوء براءة والعرب تقول سبحان الله من كذا إذا تعجبت منه (ألا أنبهتني) أي لم ما أيقظتني (أول ما رمى) منصوب لأنه ظرف لأنبهتني عليه وما مصدرية أي حين رميه الأول (في سورة) وهي سورة الكهف كما بينه البيهقي في الدلائل (أن أقطعها) زاد ابن إسحاق حتى أنفدها فلما تابع علي الرمي ركعت فأذنتك وأيم الله لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفدها والحديث أخرجه محمد بن إسحاق في المغازي وأحمد والدار قطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق بن إسحاق وهذا الحديث يدل بدلالة واضح على أمرين أحدهما أن خروج الدم من غير السبيلين لا ينقض الطهارة سواء كان سائلا أو غير سائل وهو قول أكثر العلماء وهو الحق قال محمد بن إسماعيل الأمير اليماني في سبل السلام قال الشافعي ومالك وجماعة من الصحابة والتابعين إن خروج الدم من البدن من غير السبيلين ليس بناقض انتهى وقال الحافظ سراج الدين بن الملقن في البدر المنير روى البيهقي عن معاذ ليس الوضوء من الرعاف والقئ وعن ابن المسيب أنه رعف فمسح أنفه بخرقة ثم صلى وعن ابن مسعود وسالم بن عبد الله وطاؤس والحسن والقاسم ترك الوضوء من الدم زاد النووي في شرحه عطاءا ومكحولا وربيعة ومالكا وأبا ثور وداود قال البغوي وهو قول أكثر الصحابة والتابعين انتهى كلامه وزاد ابن عبد البر في الاستذكار يحيى بن سعيد الأنصاري وقال بدر الدين اليمني في شرح الهداية إنه قول ابن عباس وجابر وأبي هريرة وعائشة انتهى وثانيهما أن دماء الجراحات طاهرة معفوة للمجروحين وهو مذهب المالكية وهو الحق وقد تواترت الأخبار في أن المجاهدين في سبيل الله كانوا يجاهدون ويذوقون آلام الجراحات فوق ما وصفت فلا يستطيع أحد أن ينكر عن سيلان الدماء من جراحاتهم وتلويث ثيابهم ومع هذا هم يصلون على حالهم ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم بنزع ثيابهم المتلبسة بالدماء
[ 232 ]
حال الصلاة وقد أصيب سعد رضي الله عنه يوم الخندق فضرب له خيمة في المسجد فكان هو فيه ودمه يسيل في المسجد فما زال الدم يسيل حتى مات ومن الأدلة الدالة على طهارة دم الجراحة أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه أنه صلى صلاة الصبح وجرحه يجري دما ومن المعلوم أن الجرح الذي يجري يتلوث به الثياب قطعا ومن المحال أن يفعل عمر رضي الله عنه مالا يجوز له شرعا ثم يسكت عنه سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من غير نكير فهل هذا إلا لطهارة دماء الجراحات واعترض بعض الحنفية على حديث جابر بأنه إنما ينهض حجة إذا ثبت اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة ذلك الرجل ولم يثبت قلت أورد العلامة العيني في شرح الهداية حديث جابر هذا من رواية سنن أبي داود وصحيح ابجبان والدارقطني والبيهقي وزاد فيه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعلهما قال العيني ولم يأمره بالوضوء ولا بإعادة الصلاة والله أعلم والعهدة عليه قال الشوكاني في السيل الجرار حديث جابر أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اطلع على ذلك الاستمرار ولم ينكر عليه الاستمرار في الصلاة بعد خروج الدم ولو كان الدم ناقضلبين له ولمن معه في تلك الغزوة وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز انتهكلامه على أنه بعيد كل البعد أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة وقد كان ذلك الزمان زمان نزول الوحي ولم يحدث أمر قط إلا أوحى الله تعالى إليه صلى الله عليه وسلم وهذا ظاهر لمن تتبع الحوادث التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه أخبره بأن صلاته قد بطلت فإن قلت قد وقع في إسناد حديث جابر عقيل بن جابر وهو مجهول قال الذهبي فيه جهالة ما روى عنه سوى صدقة بن يسار وقال الحافظ لا أعرف راويا عنه غير صدقة انتهى فكيف يصح الاستدلال به قلت نعم عقيل مجهول لكن بجهالة العين لا بجهالة العدالة لأنه انفرد عنه راو واحد وهو صدقة بن يسار وكل من هو كذلك فهو مجهول العين والتحقيق في مجهول العين أنه إن وثقه أحد من أئمة الجرح والتعديل ارتفعت جهالته قال الحافظ في شرح النخبة فإن سمي الراوي وانفرد راوواحد بالرواية عنه فهو مجهول العين كالمبهم إلا أن يوثقه غير من انفرد عنه على الأصح وكذا من انفرد عنه إذا كان متأهلا لذلك انتهى وعقيل بن جابر الراوي قد وثقه ابن حبان وصحح حديثه هو وابن خزيمة والحاكم فارتفعت جهالته وصار حديث جابر صالحا للاحتجاج وقد أطال أخونا المعظم الكلام في شرح حديث جابر المذكور في غاية المقصود شرح سنن أبي داود وأورد أبحاثا شريفة فعليك أن ترجع إليه
[ 233 ]
80 في الوضوء من النوم من قليله وكثيره أبي هل هو واجب (شغل عنها) مبنيا للمفعول أي شغل عن صلاة العشاء والشغل المذكور كان في تجهيز جيش رواه الطبري من وجه صحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قاله الحافظ (حتى رقدنا في المسجد) الرقاد النوم قال الحافظ استدل به من ذهب إلى أن النوم لا ينقض الوضوء ولا دلالة فيه لاحتمال أن يكون الراقد منهم قاعدا متمكنا أو لاحتمال أن يكون مضطجعا لكنه توضأ وإن لم ينقل اكتفاء بما عرف من أنهم لا يصلون على غير وضوء انتهى ويجئ بيان المذاهب في آخر الباب (ثم خرج علينا) رسول الله من الحجرة (فقال ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم) وفي رواية للمؤلف وغيره عن أبي سعيد الخدري فقال إن الناس صلوا وأخذوا مضاجعهم وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم (حدثنا شاذ) بالشين المعجمة المشددة (بن فياض) بالفاء والياء المشددة اسمه هلال ولقبه شاذ أبو عبيدة البصري قال أبو حاتم ثقة (الدستوائي) بفتح الدال منسوب إلى الدستواء (وهي كورة من كور الأهواز أو قرية وقيل هو منسوب إلى بيع الثياب الدستوائية التي تجلب منها قاله ابن الأثير (العشاء الآخرة) العشى والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة تقول أتيته عشية أمس وعشى أمس والعشاء بالكسر والمد والعشاءان المغرب والعتمة وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر وأنشدوا غدونا غدوة سحرا بليل عشاء بعد ما انتصف النهار
[ 234 ]
والعشاء بالفتح والمد الطعام بعينه وهو خلاف الغداء كذا في الصحاح (حتى تخفق رؤوسهم) خفق يخفق من باب ضرب يضرب يقال خفق برأسه خفقة أو خفقتين إذا أخذته سنة من النعاس فمال رأسه دون جسده كذا في المصباح قال الخطابي معناه تسقط أذقانهم على صدورهم (ثم لا يصلون ولا يتوضأون) قال الخطابي في هذا الحديث من الفقه أن عين النوم ليس بحدث ولو كان حدثا لكان أي حال وجد ناقضا للطهارة كسائر الأحداث التي قليلها وكثيرها وعمدها وخطؤها سواء في نقض الطهارة وإنما هو مظنة للحدث موهم لوقوعه من النائم غالبا فإذا كان بحال من التماسك في الاستواء في القعود المانع من خروج الحدث منه كان محكوما ببقاء الطهارة المتقدمة وإذا لم يكن كذلك بل يكون مضطجعا أو ساجدا أو قائما أو مائلا إلى أحد شقيه أو على حالة يسهل معها خروج الحدث من حيث لا يشعر بذلك كان أمره محمولا على أنه قد أحدث لأنه قد يكون منه الحدث في تلك الحال غالبا ولو كان نوم القاعد ناقضا للطهارة لم يجز على عامة أصحاب رسول الله وهو بين أظهرهم والوحي ينزل عليه أن يصلوا محدثين بحضرته فدل أن النوم إذا كان بهذه الصفة غير ناقض للطهر وفي قوله كان أصحاب رسول الله ينتظرون إلخ دليل على أن ذلك أمر كان يتواتر منهم وأنه قد كثر حتى صار كالعادة لهم وأنه لم يكن نادرا في بعض الأحوال وذلك يؤكد ما قلناه من أن عين النوم ليس بحدث انتهى كلامه قال المنذري وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس قال كان أصحاب رسول الله ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون انتهى (ابن عروبة) بفتح العين وبضم الراء المخففة هو سعيد بن أبي عروبة (عن قتادة بلفظ آخر) لعله يشير إلى ما أخرجه في أبواب قيام الليل حدثنا أبو كامل أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك في هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم قال كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون قال ابن كثير في تفسيره عن أنس وعكرمة ومحمد بن المنكدر وأبي حازم وقتادة هو الصلاة بين العشاءين وعن أنس أيضا هو انتظار صلاة العتمة رواه ابن جرير بإسناد جيد انتهى (عن ثابت البناني) بضم الباء وبنونين منسوب إلى بنانة وهم ولد سعد بن لؤي وأم سعد
[ 235 ]
اسمها بنانة وقيل بل هي أمة سعد وقيل بنانة أم بنى سعد ابن ضبيعة (فقام رجل) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسم هذا الرجل وذكر بعض الشراح أنه كان كبيرا في قومه فأراد أن يتألف على الإسلام قال الحافظ ولم أقف على مستند ذلك وقيل يحتمل أن يكون ملكا من الملائكة جاء بوحي من الله عز وجل ولا يخفي بعد هذا الاحتمال (فقام) رسول الله (يناجيه) أي يحادثه والمناجاة التحديث وفيه جواز مناجاة الواحد غيره بحضور الجماعة وجواز الفصل بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة واستدل به للرد على من أطلق من الحنفية أن المؤذن إذا قال قد قامت الصلاة وجب على الإمام التكبير (حتى نعس القوم أو بعض القوم) نعس بفتح العين وغلط من ضمها وفي لفظ البخاري والنبي يناجي رجلا في جانب المسجد فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم ونعسوا ما قال الحافظ وظاهر كلام البخاري أن النعاس يسمى نوما والمشهور التفرقة بينهما إن استقرت حواسه بحيث يسمع كلام جليسه ولا يفهم معناه فهو ناعس وإن زاد على ذلك فهو نائم ومن علامات النوم الرؤيا طالت أو قصرت وفي العين والمحكم من كتب اللغة النعاس النوم وقيل مقاربته (ثم صلى) النبي (بهم) ولفظ مسلم فصلوا (ولم يذكر) ثابت البناني (وضوءا) أي أنهم صلوا وما توضأوا كما ذكره قتادة ثم يصلون ولا يتوضأون قال المنذري وأخرجه مسلم وليس فيه (لم يذكر وضوءا) وأخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس (الدالاني) منسوب إلى دالان بن سابقة بطن من همدان (وينفخ) النفخ هو إرسال الهواء من الفم بقوة والمراد هنا ما يخرج من النائم حين استغراقه في نومه أي كان ينتفس لا بصوت حتى يسمع منه صوت النفخ (فقلت) القائل ابن عباس (وقد نمت) جملة حالية ونمت بكسر النون قال ابن رسلان فيه دليل على أن الوضوء من النوم كان معلوما مشتهرا عندهم (إنما الوضوء على من نام مضطجعا) أي من نام على جنبه على الأرض يقال ضجعت أن ضجعا من باب نفع وضعت
[ 236 ]
جنبي بالأرض وأضجعت على بالألف لغة والمضجع بفتح الميم والجيم موضع الضجوع والجمع مضاجع وأضطجع وأضجع والأصل افتعل لكن من العرب من يقلب التاء طاء ويظهرها عند الضاد ومنهم من يقلب التاء ضادا ويدغمها في الضاد تغليبا للحرف الأصلي وهو الضاد ولا يقال اطجع الله بطاء مشددة كذا في المصباح قال بعض العلماء أي لا يجب الوضوء على نائم إلا على هذا النائم أو من في معناه بأن يكون مشاركا في العلة وهي استرخاء الأعضاء وقد أشار إليه بقوله فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله فحيث دارت العلة يدور معها المعلول ولهذا قالوا إذا كان ساجدا على هيئة السنة لا تنقض طهارته انتهى (زاد عثمان وهناد) في روايتهما (فإنه) أي المصلي وغيره (إذا اضطجع استرخت مفاصله) الرخو اللين أي لانت مفاصله وهي جمع مفصل وهو رؤوس العظام والعروق قال العيني إن الاضطجاع سبب لا سترخاء قال المفاصل فلا يخلو عن خروج شئ من الريح عادة أي من عادة النائم المضطجع والثابت بالعادة كالمتيقن به انتهى (هو حديث منكر) قال السخاوى إن الصدوق إذا تفرد بما لا متابع له فيه ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في المقبول فهذا أحد قسمي الشاذ فإن خولف من هذه صفته مع ذلك كان أشذ في شذوذه وربما سماه بعضهم منكرا وإن بلغ تلك الرتبة في الضبط لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط فهذا القسم الثاني من الشاذ وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو الضعف في بعض مشائخه خاصة أو نحوهم ممن لا يحكم لحديثهم بالقبول بغير عاضد يعضده بمالا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر وهو الذي يوجد إطلاق المنكر لكثير من المحدثين كأحمد والنسائي وإن خولف مع ذلك فهو القسم الثاني من المنكر فالحاصل أن كلا من الشاذ والمنكر قسمان يجتمعان في مطلق التفرد أو مع قيد المخالفة ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق غير ضابط والمنكر راويه ضعيف لسوء حفظه أو جهالته أو نحو ذلك (وروى أوله) أي أول الحديث وهو قوله كان يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ (لم يذكروا شيئا من هذا) أي سؤال ابن عباس عن النبي بقوله صليت ولم تتوضأ وقد نمت وجوابه بقوله إنما الوضوء على من نام مضطجعا قال ابن رسلان فعلى هذا فيكون الحديث اخره مفردا دون أوله قلت روايات جماعة عن ابن عباس التي أشار إليها المؤلف لم أقف عليها نعم روى كريب وسعيد بن جبير عن ابن عباس بألفاظ متقاربة بلفظ أول هذا
[ 237 ]
الحديث لا بعينه أما رواية كريب فأخرجها مسلم عن كريب عن ابن عباس قال بت ليلة عند خالتي ميمونة فقام النبي من الليل الحديث وفيه ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ فأتاه بلال فاذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ وأما رواية سعيد بن جبير فأخرجها المؤلف في باب صلاة الليل (قال) أي ابن عباس كما هو ظاهر من سياق العبارة وليس في النسخ الحاضرة عندي إسم القائل لكن نقل البيهقي في المعرفة عن المؤلف أن قائله هو عكرمة ولفظه وقال عكرمة أن النبي كان محفوظا وقالت عائشة إلخ قال البيهقي وقد ذكرنا إسنادهما في السنن (محفوظا) أي عن نوم القلب (ولا ينام قلبي) ليعي الوحي الذي يأتيه ولذا كانت رؤياه وحيا ولا ينقض طهارته بالنوم وكذا الأنبياء لقوله إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا رواه ابن سعد عن عطاء مرسلا ومقصود المؤلف من إيراد قول ابن عباس أو عكرمة وحديث عائشة تضعيف آخر الحديث أي سؤال ابن عباس بقوله صليت ولم تتوضأ وقد نمت وجوابه بقوله إنما الوضوء على من نام مضطجعا وتقريره أن آخر الحديثيدل على أن نومه مضطجعا ناقض لوضوئه والحال أنه مخالف لحديث عائشة تناعيناي ولا ينام قلبي أخرجه الشيخان ولقول ابن عباس أو عكرمة كان النبي محفوظا والحاصل أن آخر الحديث مع أنه منكر مخالف في المعنى للحديث الصحيح المتفق عليه فإن قلت حديث نومه في الوادي عن صلاة الصبح حيث كانوا قافلين من سفر معارض لحديث عائشة إذ مقتضى عدم نوم القلب إدراكه كل ما يحتاج إليه فلا يغيب عن علمه وقت الصبح فكيف نام حتى طلعت الشمس وحميت وأيقظه عمر رضي الله عنه بالتكبير كما أخرجه الشيخان عن عمران بن حصين رضي الله عنه قلت إن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان قاله النووي (أربعة أحاديث) وليس حديث أبي خالد الدالاني ههنا فيكون الحديث منقطعا وقال البيهقي في المعرفة فأما هذا الحديث قد أنكره على أبي خالد الدلاني جميع الحفاظ وأنكروا سماعه من قتادة أحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل وغيرهما انتهى (حديث يونس بن متى) بفتح الميم والتاء المشددة وحديثه أخرج المؤلف في باب التخيير بين الأنبياء عليهم السلام عن قتادة عن أبي
[ 238 ]
العالية عن ابن عباس عن النبي ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى (وحديث ابن عمر في الصلاة) لعل المراد بحديث ابن عمر عن النبي أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب أخرجه الشيخان والنسائي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر والشيخان أيضا من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ولم يخرجه أحد من هؤلاء من رواية قتادة عن أبي العالية عن ابن عمر لكن قول شعبة وحديث ابن عمر في الصلاة يدل على أن قتادة سمعه من أبي العالية عن ابن عمر وفي الخلاصة وغيره من كتب الرجال أن أبا العالية سمع من ابن عمر والله أعلم و (حديث القضاة ثلاثة) أخرج هذا الحديث المؤلف والترمذي وابن ماجه والطبراني والحاكم والبيهقي من حديث ابن بريدة عن أبيه مرفوعا وصححه الحاكم وغيره فلفظ أبي داود في باب القاضي يخطئ القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار (وحديث ابن عباس) حديث ابن عباس أخرجه الأئمة الستة في كتبهم أنه قال شهد عند رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس انتهى (وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل) أي سألته ليبين لي حاله من الصحة والضعف (فانتهرني) أي زجرني أحمد (استعظاما له) أي إنكارا لحديث يزيد الدالاني أي استعظم شأنه من جهة ضعفه وزجره عن تذكرته بمثل هذه الأحاديث المعلولة والضعيفة (فقال أحمد ما ليزيد الدالاني) أي ما باله وشأنه (يدخل) من الإدخال (على أصحاب قتادة) أي شيوخه ما لم يقله أي ما لم تروه شيوخ قتادة عن شيوخهم فما يرويه يزيد البناني عن قتادة عن شيوخهم مدخول عليهم وحقيقة القول المدخول ما لم يقله صاحبه بل أدخله غيره ونسبه إليه ونظيره ما قاله البخاري كان خالد المدائني يدخل على الشيوخ قال الحافظ في التلخيص يعني يدخل في رواياتهم ما ليس منها انتهى (ولم يعبأ) أي لم يبال أحمد (بالحديث) لضعفه قال المنذري وأخرجه الترمذي وذكر أن قتادة رواه عن ابن عباس قوله ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه وقال أبو القاسم البغوي يقال أن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية وقال الدارقطني نفردبه
[ 239 ]
به يزيد وهو الدالاني عن قتادة ولا يصح وذكر ابن حبان البستي أن يزيد الدالاني كان كثير الخطأ فاحش الوهم يخالف الثقات في الرواية حتى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة علم أنها معلولة أو مقلوبة لا يجوز الاحتجاج بها إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات وذكر أبو أحمد الكرابيسي الدالاني هذا فقال لا يتابع في بعض أحاديثه وسئل أبو حاتم الرازي عن الدالاني هذا فقال صدوق ثقة وقال الإمام أحمد بن حنبل يزيد لا بأس به وقال يحيى ابن معين وأبو عبد الرحمن النسائي ليس به بأس وقال البيهقي فأما الحديث فإنه قد أنكره على أبي خالد الدالاني جميع الحفاظ وأنكر سماعه من قتادة أحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخاري وغيرهما ولعل الشافعي رضي الله عنه وقف على علة هذا الأثر حتى رجع عنه في الجديد هذا آخر كلامه ولو فرض استقامة حال الدالاني كان فيما تقدم من الانقطاع في إسناده والاضطراب ومخالفة الثقات ما يعضد قول من ضعفه من الأئمة رضوان الله عليهم أجمعين انتهى كلام المنذري (حدثنا حيوة) على وزن رحمة (عن الوضين) على وزن كريم (وكاء السه العينان) بفتح السين المهملة وكسر الهاء المخففة قال الخطابي السه اسم من أسماء الدبر والوكاء الذي تشد به القربة ونحوها من الأوعية وفي بعض الكلام الذي (يجري) مجرى الأمثال احفظ ما في الوعاء بشد الوكاء والمعنى اليقظة وكاء الدبر أي حافظة ما فيه من الخروج لأنه ما دام مستيقظا أحس بما يخرج منه قال ابن الأثير ومعناه من كان مستيقظا كان استه كالمسدودة من الموكى عليها فإذا نام انحل وكاؤها كنى به عن الحدث بخروج الريح وقال الطيبي إذا تيقظ أمسك ما في بطنه فإذا نام زال اختياره واسترخت مفاصله انتهى وكنى بالعين عن اليقظ لأن النائم لا عين له تبصر قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده بقية بن الوليد والوضين بن عطاء وفيهما مقال انتهى وقال الجوزجاني الوضين واه وأنكر عليه هذا الحديث قلت وثقهما بعضهم سأل أبو زرعة عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوضين ابن عطاء فقال ثقة ووثقه ابن معين وأحمد وقال ابن عدي لم أر بحديثه بأسا وبقية صدوق كثير التدليس واختلف العلماء في النوم هل تنقض الطهارة أم لا على تسعة مذاهب المذهب الأول أن النوم لا ينقض الوضوء أصلا على أي حال كان واستدل لهم بحديث
[ 240 ]
أنس قال كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون تقرير الاستدلال أن النوم لو كان ناقضا لما أقرهم الله عليه ولأوحى في إلى رسول الله كما أوحى إليه في شأن نجاسة نعله المذهب الثاني أن النوم ينقض بكل حال قليله وكثيره وعلى أي هيئة كانت واستدل عليه بحديث صفوان بن عسال قال كان رسول الله يأمرنا إذا كنا سفرا أن لاننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم وفي رواية قال أمرنا النبي أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم ولا نخلعهما منها إلا من جناية فذكر الأحداث التي ينزع منها الخف والأحداث التي لا ينزع منها وعدمن جملتها النوم فأشعر بذلك بأنه من نواقض الوضوء لا سيما بعد جعله مقترنا بالبول والغائط الذين هما ناقضان بالإجماع قالوا فجعل مطلق النوم كالغائط والبول في النقض وبحديث على وفيه فمن نام فليتوضأ ولم يفرق بين قليل النوم وكثيره المذهب الثالث أن كثير النوم ينقض بكل حال وقليله لا ينقض بحال قال في السبيل وهؤلاء يقولون إن النوم ليس بناقض بنفسه بل مظنة النقض والكثير مظنة بخلاف القليل إلا أنهم لم يذكروا قدر القليل ولا الكثير حتى يعلم كلامهم يحقيقته بن انتهى ملخصا المذهب الرابع أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينقض وضوئه سواء كان في الصلاة أو لم يكن وإن نام مضطجعا أو مستلقيا على قفاه انتقض وهذا مذهب أبي حنيفة وداود وهو قول للشافعي غريب قاله النووي واستدلالهم بما أخرجه مالك عن عمر موقوفا إذا نام أحدكم مضطجعا فليتوضأ وبما أخرجه البيهقي في المعرفة عن أبي هريرة موقوفا ليس على المحتبى النائم ولا على القائم النائم ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع ولهؤلاء آثار وأحاديث آخر تدل على ما ذهبوا إليه المذهب الخامس أنه لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد روى هذا عن ابن حنبل رحمه الله قاله النووي ولعل وجهه أن هيئة الركوع والسجود مظنة للانتقاض المذهب السادس أن النوم ينقض إلا نوم الراكع والساجد واستدل له بحديث إذا نام العبد وهو ساجد يقول الله انظروا إلى عبدي روحه عندي وهو ساجد لي أخرجه أحمد في الزهد قالوا هذا الحديث وإن كان خاصا بالسجود فقد قاس عليه الركوع
[ 241 ]
المذهب السابع أنه لا ينقض إلا نوم الساجد وروي أيضا عن أحمد ذكره النووي ولعل وجهه أن مظنة الانتقاض في السجود أشد منها في الركوع المذهب الثامن أنه لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال وينقض خارالصلاة وهو قول ضعيف للشافعي ونسبه في النيل إلى أبي حنيفة واستدل لهما بحديث إذا نام العبد في سجوده ولعل سائر هيئات المصلى مقيسة على السجود المذهب التاسع أنه إذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض وإلا انتقض سواء قل أو كثر وسواء كان في الصلاة أو خارجها وهذا مذهب الشافعي رحمه الله والنوم عنده ليس حدثا في نفسه وإنما هو دليل خروج الريح فإذا نام غير ممكن للمقعدة هذه غلب على الظن خروج الريح فجعل الشرع هذا الغالب كالمحقق وأما إذا كان ممكنا فلا يغلب على الظن الخروج والأصل بقاء الطهارة قال النووي ودليل هذا المذهب حديث علي وابن عباس ومعاوية قال الشوكاني وهذا أقرب المذاهب عندي وبه يجمع بين الأدلة وقال الأمير اليماني في سبل السلام والأقرب القول بأن النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك ناقض والذي فهمت أنا بعد إمعان النظر في كل من الروايات أن النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك ينقض الوضوء للمضطجع والمستلقي وأما النائم المستغرق في هيئة من هيئات المصلي فإنه لا ينقض وضوؤه سواء كان داخل الصلاة أو خارجها وكذا لا ينقض الوضوء نوم المضطجع إن كان النوم غير مستغرق والله سبحانه وتعالى أعلم 81 الرجل يطأ الأذى برجله سنة والوطأ عمرو الدوس بالقدم أي من يدوس النجاسة وغيرها من الأشياء التي تتقذر بها النفس فهل ينقض وضوؤه (قال عبد الله) أي ابن مسعود (من موطئ) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الطاء قال الخطابي الموطئ ما يوطأ في الطريق من الأذى وأصله الموطوء وإنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون
[ 242 ]
الوضوء للأذى إذا أصاب أرجلهم لا أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها من الأذى إذا أصابها انتهى وقال بعضم الموطئ موضع وطء القدم وقال العراقي يحتمل أن يحمل الوضوء على الوضوء اللغوي وهو التنظيف فيكون المعنى أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم من الطين ونحوها ويمشون عليه بناء على أن الأصل فيه الطهارة وحمله الإمام البيهقي على النجاسة اليابسة وأنهم كانوا لا يغسلون الرجل من مسها وبوب عليه في المعرفة باب النجاسة اليابسة يطأها برجله أو يجر عليها ثوبه وقال الترمذي هو قول غير واحد من أهل العلم قالوا إذا وطئ الرجل على المكان القذر أن لا يجب عليه غسل القدم إلا أن يكون رطبا فيغسل ما أصابه انتهى (ولا نكف شعرا ولا ثوبا) أي لا نقيهما قبل من التراب إذا صلينا صيانة لهما عن التتريب ولكن نرسلهما يحيى حتى يقعا على الأرض فيسجدا الرحمن مع الأعضاء كذا في معالم السنن (فيه) أي في هذا الحديث المروى (عن مسروق) بزيادة مسروق بين شقيق وعبد الله بن مسعود (أو حدثه عنه) أي حدث شقيق الأعمش عن مسروق (قال) مسروق (قال عبد الله) بن مسعود (أو حدثه عنه) أي حدث الأعمش أبا معاوية عن شقيق (قال) شقيق (قال عبد الله) بن مسعود وغرض المؤلف أن أبا معاوية اختلف عليه فابنه إبراهيم يروي عنه عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله بزيادة مسروق بين شقيق وعبد الله وهناد يروي عن أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله بحذف مسروق ثم اختلفا أي إبراهيم بن أبي معاوية وهناد فقال إبراهيم روى الأعمش عن شقيق بالعنعنة أو بلفظ بالتحديث بالشك وقال هناد روى أبو معاوية عن الأعمش بالعنعنة أو بلفظ التحديث ففي رواية إبراهيم الشك في رواية الأعمش عن شقيق هل هي بصيغة العنعنة أو بالتحديث وفي رواية هناد الشك في رواية أبي معاوية عن الأعمش هل هي بالعنعنة أو بالتحديث وأما عثمان بن أبي شيبة فلم يشك فيه والله أعلم قال المنذري وأخرجه ابن ماجه فيمن يحدث في الصلاة ماذا يفعل وثبت بالحديث أنه ينصرف من صلاته ويتوضأ فعلم أن الحدث من نواقض الوضوء
[ 243 ]
(حطان) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملة (سلام) بتشديد اللام قال النووي سلام كله بالتشديد إلا عبد الله بن سلام الصحابي ومحمد بن سلام شيخ البخاري انتهى (إذا فسا) فعل ماض من فسا فسوا من باب قتل والاسم الفساء بالضم والهمزة والمد وهو ريح يخرج بغير صوت يسمع قاله في المصباح وقال الطيبي أي أحدث بخروج ريح من مسلكه المعتاد (فلينصرف) أي من صلاته (فليتوضأ وليعد الصلاة) فيه دليل على أن الفساء ناقض للوضوء وأنه تبطل به الصلاه ويلزم إعادة الصلاة منه لا البناء عليها وهو قول للشافعي ويعارضه حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أصابه قئ أو رعاف أو قلس أو مذى فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم أخرجه ابن ماجه وضعفه أحمد وغيره وجه التضعيف أن رفعه غلط والصواب أنه مرسل قال أحمد والبيهقي المرسل الصواب فمن يحتج بالمرسل ذهب إلى حديث عائشة ويقول إن المحدث يخرج من الصلاة ويعيد الوضوء ويبنى عليها ولا تفسد صلاته بشرط أن لا يفعل مفسدا وهذا هو مذهب مالك وأبي حنيفة وقول للشافعي قلت حديث علي بن طلق له ترجيح على حديث عائشة من جهة الإسناد لأن حديث علي صححه أحمد وحسنه الترمذي وحديث عائشة لم يقل أحد بصحته قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي بنحوه أتم منه وقال الترمذي حديث علي بن مطلق حديث حسن وسمعت محمدا يعني البخاري يقول لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد ولا أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن علي السحيمي وكأنه رأى هذا رجلا آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انتهى قلت ويظهر من كلام الترمذي هذا أن علي بن طلق وطلق بن علي رجلان والعجب من صاحب سبل السلام كيف قال مال أحمد والبخاري إلى أن على بن طلق وطلق بن علي اسم لذات واحدة والله تعالى أعلم 83 في المذي فيه لغات أفصحها بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء ثم بكسر الذال وتشديد الياء وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع وإرادته وقد لا يحس بخروجه كذا في الفتح
[ 244 ]
(مذاء) صيغة مبالغة من المذي أي كثير المذي يقال مذي يمذي مثل مضي يمضي ثلاثيا ويقال أمذي يمذي رباعيا (اغتسل) من المذي في الشتاء كما في بعض الروايات (تشقق ظهري) أي حصل لي شقوق من شدة ألم البرد (فذكرت ذلك) تلك الحالة التي حصلت لي (أو ذكر له) هكذا بالشك في هذه الرواية لكن في رواية النسائي والترمذي عن علي قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك وكذا في رواية لابن حبان الإسماعيلي أن عليا قال سألت ففي هذه الروايات أن عليا سأل عن ذلك بنفسه وفي رواية مالك والبخاري ومسلم عن علي أنه قال فأمرت المقداد بن الأسود فسأله وفي رواية للنسائي أن عليا قال أمرت عمار بن ياسر وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف بأن عليا أمر عمارا أن يسأل ثم أمر المقداد بذلك ثم سأل بنفسه قال الحافظ وهو جمع جيد إلا بالنسبة إلى اخره لكونه مغايرا لقوله إنه استحيى عن السؤال بنفسه فتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الآمر بذلك وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي (لا تفعل) أي لا تغتسل عند خروج المذي (فاغسل ذكرك) قال النووي والمراد به عند الشافعي والجماهير غسل ما أصابه المذي لا غسل جميع الذكر وحكي عن مالك وأحمد في رواية عنهما إيجاب غسل جميع الذكر وفيه دليل على أن الاستنجاء بالحجر إنما يجوز الاقتصار عليه في النجاسة المعتادة وهي البول والغائط والنادر كالدم والمذي فلا بدفيه من الماء (فإذا فضخت الماء فاغتسل) الفضخ بالفاء والضاد المعجمة والخاء المعجمة الدفق أي إذا صببت المني بشدة وجامعت فاغتسل والحديث فيه دليل ظاهر على أن خروج المذي لا يوجب الغسل وإنما يجب به الوضوء وهو مذهب الشافعي وأحمد ونعمان بن ثابت والجماهير قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرجه البخاري ومسلم من حديث محمد بن علي وهو ابن الحنفية عن أبيه بنحوه مختصرا وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح (إذا دنا من أهله) أي قريب (ماذا عليه) من الغسل أو الوضوء (ابنته) فاطمة رضي الله عنها (وأنا أستحيي أن أسأله) لأن المذي يكون غالبا عند ملاعبة الزوجة وقبلها ونحو ذلك من انواع
[ 245 ]
الاستمتاع وفيه استحباب حسن العشرة مع الأصهار وأن الزوج يستحب له أن لا يذكر ما يتعلق بجماع النساء والاستمتاع بهن بحضرة أبيها وأخيها وابنها وغيرهم من أقاربها (فلينضح فرجه) أي فليغسله فإن النضح يكون غسلا ويكون رشا وقد جاء في رواية البخاري عن علي وفيه اغسل ذكرك قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه حديث سليمان بن يسار عن المقداد مرسل لا نعلم منه شيئا قال البهيقي هو كما قال وقد رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ابن عباس في قصة على والمقدار موصولا (ليغسل ذكره وأنثييه) قال الخطابي أمر بغسل الأنثيين بزيادة التطهير لأن المذي ربما انتشر فأصاب الأنثيين ويقال إن الماء البارد إذا أصاب الأنثيين رالمذي فلذلك أمره بغسلها قال المنذري وأخرجه النسائي ولم يذكر أنثييه وقال أبو حاتم الرازي عروة بن الزبير عن علي مرسل (رواه الثوري وجماعة عن هشام) اعلم أن المؤلف رحمه الله ذكر ههنا ثلاثة تعاليق الأول هذا والثاني ما ذكره بقوله ورواه المفضل بن فضالة إلخ والثالث ما ذكره بقوله ورواه ابن إسحاق عن هشام بن عروة إلخ لأغراض ثلاثة أحدها بيان اختلاف السائل للنبي صلى الله عليه وسلم هل هو علي أو المقداد فالتعليق الأول والثاني يدلان على أن السائل هو علي والتعليق الثالث يدل على أن السائل هو المقداد وثانيهما أن حديث زهير عن هشام بن عروة عن أبيه عن علي يدل على غسل الذكر والأنثيين ورواية محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها ذكر الأنثيين فأراد المؤلف ذكر أن رواية غسل الأنثيين غير واردة من وجه صحيح لأن حديث زهير عن هشام بن عروة مرسل وأكثر الروايات في الصحيحين وغيرهما في هذا الباب خالية عن ذكر الأنثيين لكن رواية أبي عوانة عن علي بزيادة الأنثيين قال الحافظ وإسناده لا مطعن فيه ولا منافاة بين الروايتين مكان الجمع بغسلهما مع غسل الفرج وثالثها
[ 246 ]
الإشعار بالاضطراب الذي وقع في رواية هشام بن عروة عن أبيه فإن زهيرا يرويه عن هشام بن عروة عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال للمقداد والثوري والمفضل بن فضالة وابن عيينة يروونه عن هشام عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ومسلمة يرويه عن هشام عن أبيه عن حديث حدثه عن علي قال قلت للمقداد وابن إسحاق يرويه عن هشام عن أبيه عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم (كنت ألقى من المذي شدة وكنت أكثر منه الاغتسال) من الإكثار ومن للتعليل أي أكثر الغسل لأجل خروج المذي (إنما يجزئك) من الإجزاء أي يكفيك (من ذلك) أي من خروج المذي (فكيف بما يصيب ثوبي منه) أي فكيف أصنع بالمذي الذي يصيب ثوبي وقوله منه بيان لما (فتنضح بها) أي بالكف من الماء وفي رواية الترمذي فتنضح به بتذكير الضمير وفي رواية الأثرم يجزئك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عيه قال النووي النضح قد يكون غسلا وقد يكون رشا انتهى ولا شك أن استعمال هذا اللفظ جاء في كلا المعنيين لكن الرش ههنا متعين لرواية الأثرم (من ثوبك) من للتبعيض أي بعض ثوبك ولفظ الترمذي فتنضح به ثوبك بإسقاط من (حيث ترى) بضم التاء بمعنى تظن وبفتح التاء بمعنى تبصر (أنه) أي المذي (أصابه)
[ 247 ]
أي الثوب قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ولا يعرف مثل هذا إلا من حديث محمد ابن إسحاق واعلم أن أهل العلم اختلفوا في المذي يصيب الثوب فقال بعضهم لا يجزئ إلا الغسل وهو قول الشافعي وإسحاق وقال بعضهم يجزئه النضح وقال أحمد أرجو أن يجزئه النضح بالماء قال الترمذي وقال الشوكاني في النيل اختلف أهل العلم في المذي إذا أصاب الثوب فقال الشافعي وإسحاق وغيرهما لا يجزيه إلا الغسل أخذا برواية الغسل وفيه ما سلف على أن رواية الغسل إنما هي في الفرج لا في الثوب الذي هو محل النزاع فإنه لم يعارض رواية النضح المذكورة في الباب معارض فالاكتفاء به صحيح مجز وانتهى قلت ما قال الشوكاني هو الحق ولا ريب في أن المذي نجس يغسل الذكر منه وينضح بالماء ما مسه من الثوب وأن الرش مجزئ كالغسل (وعن الماء يكون بعد الماء) أي عن المذي بعد المذي وإنما فسرنا الماء في كلا الموضعين لأن ذلك شأن المذي أنه يسترسل في خروجه ويستمر بخلاف المني فإنه إذا دفق انقطع سوقه ولا يعود إلا بعد مضي زمن أو تجديد جماع قال السيوطي وقد وقع للشيخ ولي الدين ههنا كلام فيه تخليط انتهى قلت وكذا وقع للقاضي الشوكاني ههنا تخليط في كلامه فإنه قال قوله عن الماء يكون بعد الماء المراد به خروج المذي عقيب البول متصلا به انتهى (ذلك) الماء الخارج من الفرج (وكل فحل يمذي) فحل بفتح الفاء وسكون الحاء الذكر من الحيوان ويمذي بفتح الياء وبضمها (فتغسل) بصيغة الخطاب (فرجك وأنثييك) فيه دليل بين على غسل الذكر مع الأنثيين
[ 248 ]
قال المنذري وأخرج الترمذي طرفا منه في الجامع وطرفا في الشمائل وأخرجه ابن ماجه مختصرا في موضعين (ما يحل) من الاستمتاع والمباشرة (لك) حق الاستمتاع (ما فوق الإزار) أي ما فوق السرة لأن موضع الإزار هو السرة وفيه دليل على جواز الاستمتاع بما فوق السرة من الحائض وعدم جوازه بما تحت السرة لكن حديث عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها شيئا أخرجه المؤلف في باب الرجل يصيب منها دون الجماع ويدل على جواز الاستمتاع من غير تخصيص بمحدون محل من سائر البدن غير الفرج لكن مع وضع شئ على الفرج يكون حائلا بينه وبين ما يتصل به من الرجل ويجئ بيان هذا في الباب المذكور مبسوطا إن شاء الله تعالى (وذكر) أي عبد الله بن سعد الراوي في هذا الحديث (مؤاكلة الحائض) أي سؤاله من النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم مؤاكلة الحائض وجوابه صلى الله عليه وسلم بقوله فواكلها (اليزني) بفتح التحتانية والزاء بطن من حمير (عن سعد الأغطش) بمعجمتين بينهما مهملة كأعمش وكان وزنا ومعنى قال الجوهري الغطش في العين شبه العمش (قال هشام) بن عبد الملك شيخ أبي داود (هو) أي عائذ والد عبد الرحمن الأزدي (ابن قرط) بضم القاف وسكون الراء (أمير
[ 249 ]
حمص) بكسر الحاء وسكون الميم بلد معروف بالشام (والتعفف) أي التكفف والتجنب (عن ذلك) أي الاستمتاع من الحائض بما فوق الإزار (أفضل) قال العراقي هذا يقوي ما يقرر من ضعف الحديث فإنه خلاف المنقول عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم يستمتع فوق الإزار وما كان ليترك الأفضل وعلى ذلك عمل الصحابة والتابعون والسلف الصالحون قال السيوطي لعله علم من حال السائل غلبة شهوته فرأى أن تركه لذلك أفضل في حقه لئلا يوقعه في محظور ليس هو يعني الحديث بقوي لأن بقية روى بالعنعنة وسعد الأغطش فيه لين وعبد الرحمن بن عائذ لم يسمع من معاذ وإيراد حديث معاذ في هذا الباب لا يخلو عن التكلف إلا أن يقال إن حديث عبد الله بن سعد الذي في حكم المذي فيه الأمر بالاستمتاع من الحائض بما فوق الإزار وحديث معاذ فيه أن التعفف عن ذلك أفضل فصرح المؤلف بعد إيراده بتمامة بأن ذلك الحديث ضعيف 84 في الإكسال روى قال الجوهري أكسل الرجل في الجماع إذا خالط أهله ولم ينزل وفي النهاية أكسل إذا جامع ثم أدركه الفتور فلم ينزل (حدثني بعض من أرضي) قال السيوطي قال ابن خزيمة يشبه أن يكون هو أبا حازم سلمة بن دينار الأعرج انتهى (إنما جعل ذلك) أي عدم الاغتسال من الدخول بغير إنزال (لقلة الثياب) هكذا في عامة النسخ بالتحتانية بعد الثاء المثلثة وفي آخره الباء الموحدة جمع ثوب والذي
[ 250 ]
في كشف الغمة الثبات بالباء الموحدة بعد الثاء المثلثة وفي آخره تاء لكن لم يظهر المعنى على ما في عامة النسخ ولم يفهم تعليل الرخصة بقلة الثوب اللهم إلا أن يقال إنهم كانوا في بدء الإسلام محتاجين لم يكن عندهم كثير من الثياب حتى قال جابر رضي الله عنه وأينا كان له ثوبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري فلو كان الدخول بلا إنزال موجبا للاغتسال في ذلك الزمان لتحرج ولم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوقعوا بين في المشقة العظيمة لأن من له ثوب واحد لو اغتسل كل مرة من الدخول منزلا وغير منزل لتحمل المشقة الكثيرة وعلى النسخة التي في كشف الغم معناه ظاهر فإن الناس كانوا في أوائل الإسلام ضعيفي الإيمان قليلى الاستقامة والثبات في أمور الدين ولم يعرفوا كثيرا من أحكام الشرع فأراد النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفهم بذلك والله أعلم (ثم أمر) النبي صلى الله عليه وسلم (بالغسل ونهى عن ذلك) وهو عدم الترخيص (قال أبو داود يعني) أي يريد الراوي باسم الإشارة الذي وقع في قوله إنما جعل ذلك (الماء من الماء) فالماء من الماء مشار إليه للاشارة المذكورة في الحديث والمراد بالماء الأول ماء الغسل وبالماء الثاني المنى والمعنى أن إيجاب الغسل إنما يتوقف على الإنزال وأخرج الترمذي وابن شيبة عن ابن عباس أنه حمل حديث الماء من الماء على صورة مخصوصة وهي ما يقع في المنام من رؤية الجماع (أن الفتيا) بضم الفاء وسكون التاء مقصورا وبفتح الفاء أيضا وكذلك فتوى بالضم مقصورا ويفتح ما أفتى به الفقيه والمفتي يقال أفتاه في المسألة أي أجابه (يفتون) بها على علمهم ولعدم الاطلاع على نسخه وكانوا وهم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم علي وعثمان والزبير وطلحة وأبو أيوب يفتون بذلك كمان أخرجه الشيخان في صحيحيهما (أن الماء من الماء) هذا الجملة بدل من قوله الفتيا التي كانوا يفتون (كانت) تلك الفتوى فقوله الفتيا إلى أن الماء من الماء اسم أن وخبره قوله كانت رخصة إلى آخره قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه بنحوه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
[ 251 ]
(الفراهيذي) بفتح الفاء وتخفيف الراء وكسر الهاء وسكون الياء وبالذال المعجمة منسوب إلى فراهيذ من أولاد فهم بن غنم دوس بطن من الأزد كذا في جامع الأصول وأما في النسخ الحاضرة عندي فالفراهيدي أهل بالدال المهملة والله أعلم (إذا قعد) أي جلس الرجل (بين شعبها) المرأة (الأربع) المراد من الشعب الأربع ههنا على ما قيل اليدان والرجلان وهو الأقرب إلى الحقيقة أو الرجلان والفخذان أو الشفران والرجلان أو الفخذان والاسكتان قال الأزهري الاسكتان ناحيتا الفرج والشفران طرف الناحيتين (وألزق) قال الجوهري لزق به لزوقا والتزق به أي لصق به وألزقه به غيره (الختان بالختان) أي ختان الرجل بختان المرأة والمراد تلاقي موضع القطع من الذكر مع موضعه من فرج الأنثى قال العلماء معناه إذا غاب الذكر في الفرج وليس المراد حقيقة المس والإلصاق بغير غيبوبة وذلك أن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل لا عليه ولا عليها (فقد وجب الغسل) على الفاعل والمفعول وإن لم ينزل فالموجب للغسل هو غيبوبة الحشفة (وكان أبو سلمة يفعل ذلك) فهو لا يرى الغسل واجبا على من أدخل في الفرج ولم ينزل وذهب إلى حديث الماء من الماء واعلم أن قليلا من الصحابة والتابعين ذهبوا إلى أن لا غسل إلا من الإنزال وهو مذهب داود الظاهري وذهب الجمهور إلى إيجاب الغسل بمجرد التقاء الختانين بعد غيبوبة الحشفة وهو الصواب واستدل الفريق الأول بأحاديث منها حديث أبي سعيد الخدري قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوالأثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فصرخ به فخرج يجر إزاره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجلنا الرجل فقال عتبان أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الماء من الماء أخرجه مسلم ومنها حديث زيد بن الخالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان فقال أرأيت إذا جامع الرجل بامرأته فلم
[ 252 ]
يمن قال عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيدالله وأبي بن كعب فأمروه بذلك أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري واحتج الفريق الثاني أيضا بأحاديث منها حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل أخرجه الشيخان زاد مسلم في روايت مطر وإن لم ينزل وأخرجه المؤلف أيضا بزيادة وألزق الختان بالختان كما مر ومنها حديث عائشة قالت إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل وعائشة جالسة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل أخرجه مسلم وأجابوا عن الأحاديث التي استدل بها الفريق الأول بأنها منسوخة وقالوا إن عدم الاغتسال بغير انزال كان في بدء الإسلام ثم نسخ واحتجوا على النسخ برواية أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك قال الحافظ ولهذا الإسناد أيضا علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم وفي الجملة هو إسناد صالح لأن يحتج به وهو صريح في النسخ انتهى وبرواية أبي موسى قال اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء وقال المهاجرون بل إذا خالط وجب الغسل قال أبو موسى فأنا أشفيكم من ذلك فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي فقلت لها يا أماه أو يا أم المؤمنين إني أريد أن أسألك عن شئ وإني أستحييك فقالت لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك قلت فما يوجب الغسل قالت على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل أخرجه مسلم وههنا روايات أخر تدل على نسخ حديث الماء من الماء ومفي معناه مذكورة في غاية المقصود قال في سبل السلام حديث الغسل وإن لم ينزل أرجلو لم يثبت النسخ لأنه منطوق في إيجاب الغسل وذلك مفهوم والمنطوق مقدم على العمل بالمفهوم وإن كان المفهوم موافقا للبراءة الأصلية والآية تعضد المنطوق فايجاب الغسل فإنه تعالى قال وإن كنتم جنبا فاطهروا قال الشافعي إن كلام العرب يقتضي أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وإن لم يكن فيه إنزال قال فإن كل من خوطب بأن فلانا أجنب عن فلانة عقل أنه أصابها وإن لم ينزل ولم يختلف أن الزنا الذي يجب به الجلد هو الجماع وإن لم يكن منه إنزال انتهى فتعاضد الكتاب والسنة على إيجاب
[ 253 ]
الغسل من الإيلاج انتهى كلام صاحب السبل قلت ومما يؤيد النسخ أن بعض من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة أفتى بوجوب الغسل ورجع عن الأول أخرج مالك في الموطإ عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل قلت وثبت الرجوع عن علي وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهم أيضا فالحق ما ذهب إليه الجمهور 85 في الجنب يعود في الجماع ثانيا بعد الجماع الأول وهلم جرا بلا غسل بينهما (حميد الطويل) قال الأصعمي رأيت حميدا ولم يكن بطويل ولكن كان طويل اليدين وكان قصيرا ولم يكن بذاك الطويل ولكن كان له جار يقال له حميد القصير فقيل له حيمد الطويل ليعرف من الآخر (طاف) أي دار (ذات يوم) للجماع وفي رواية النسائي في ليلة (على نسائه) وفي رواية البخاري وهن إحدى عشرة فجامعهن (في غسل واحد) كان في آخره قال المنذري وأخرجه النسائي وأخرج مسلم من حديث هشام بن زيد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث قتادة عن أنس وقال الترمذي حديث حسن صحيح وأخرج البخاري من حديث قتادة عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قال قلت لأنس بن مالك وكان يطيقه قال كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين وفي لفظ تسع نسوة انتهى (وهكذا) أي بزيادة لفظ في غسل واحد (رواه هشام بن زيد عن أنس ومعمر إلخ) ومقصود المؤلف من إيراد هذه التعاليق أن زيادة في غسل واحد محفوظة وإن لم يذكرها بعض الرواة في حديث أنس والحديث فيه دليل على أن الغسل لا يجب بين الجماعين سواء كان لتلك المجامعة أو لغيرها فائدة استدل بهذا الحديث على أن القسم بين الزوجات لم يكن واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم وإلا
[ 254 ]
فوطء المرأة في نوبة ضرتها ممنوع عنه وهو قول طائفة من أهل العلم وبه جزم الاصطخري من الشافعية والمشهور عندهم وعند الأكثرين الوجوب قال الحافظ ويحتاج من قال به إلى الجواب عن هذا الحديث فقيل كان ذلك برضا صاحبة النوبة كما استأذنهن أن يمرض في بيت عائشة ويحتمل أن يكون ذلك كان يحصل عند استيفاء القسمة ثم يستأنف القسمة وقيل كان ذلك عند إقباله من سفر لأنه كان إذا سافر أقرع بينهن فيسافر بمن يخرج سهمها فإذا انصرف استأنف ويحتمل أن يكون كان يقع قبل وجوب القسمة ثم ترك بعدها والله أعلم والحديث يدل على ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من القوة على الجماع والحكمة في كثرة أزواجه أن الأحكام التي ليست ظاهرة يطلعن عليها فينقلنها وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها من ذلك الكثير الطيب ومن نم فضل بعضهم (بعضهن) على الباقيات 86 الوضوء لمن أراد أن يعود حديث (أي) في الجماع (يغتسل عند هذه وعند هذه) بعد المعاودة على حد على حدة (قال) أبو رافع (يارسول الله ألا تجعله غسلا واحدا) وأن لا تكتفي على الغسل الواحد في آخر الجماع (قال هذا أزكى وأطيب وأطهر) والحديث يدل على استحباب الغسل قبل المعاودة ولا خلاف فيه قال النسائي ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف بل كان يفعل هذا وذلك أخرى انتهى وقال النووي في شرح مسلم هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتين مختلفين والذي قالاه هو حسن جدا ولا تعارض بينهما فمرة تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا للجواز وتخفيفا على الأمة ومرة فعله لكونه أزكى وأطهر (حديث أنس) المتقدم (أصح من هذا) أي من حديث أبي رافع لأن حديث أنس مروى من طرق متعددة ورواته ثقات أثبات ورواة حديث أبي رافع ليسوا بهذه المثابة وقول المؤلف هذا ليس بطعن في حديث أبي رافع لأنه لم ينف الصحة عنه وأورد حديث أبي رافع في هذا الباب لأن الغسل يشمل الوضوء أيضا قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه
[ 255 ]
(إذا أتى أحدكم أهله) أي جامعها (ثم بداله) أي ظهر له (أن يعاود فليتوضأ وضوءا) ورواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وزاد فإنه أنشط للعود وفي رواية لابن خزيمة والبيهقي فليتوضأ وضوءة للصلاة قال الحافظ في فتح الباري اختلفوا في الوضوء بينهما فقال أبو يوسف لا يستحب وقال الجمهور يستحب وقال ابن حبيب المالكي وأهل الظاهر يجب واحتجوا بهذا الحديث وأشار ابن خزيمة إلى أن بعض أهل العلم حمله على الوضوء اللغوي فقال المراد به غسل الفرج ثم رده ابن خزيمة بما رواه من طريق ابن عيينة عن عاصم في هذا الحديث فقال فليتوضأ وضوءه للصلاة قال الحافظ وأظن المشار هو إسحاق بن راهويه فقد نقل ابن المنذر أنه قال لا بد من غسل الفرج إذا أراد العود ثم استدل ابن خزيمة على أن الأمر بالوضوء للندب لا للوجوب بما رواه من طريق شعبة عن عاصم في هذا الحديث كرواية ابن عيينة وزاد فإنه أنشط للعود فدل على أن الأمر للارشاد أو للندب ويدل أيضا أنه لغير الوجوب ما رواه الطحاوي من طريق موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ انتهى كلامه قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه 87 الجنب ينام قبل أن يغتسل هل يجوز له (أنه تصيبه الجنابة) الضمير المنصوب في تصيبه لابن عمر كما تدل عليه رواية النسائي من طريق ابن عون عن نافع قال أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر ذلك له فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال ليتوضأ وليرقد (من الليل) أي في الليل كقوله تعالى من يوم الجمعة أي فيه ويحتمل أنها لابتداء الغاية في الزمان أي إبتداء إصابة الجنابة الليل (توضأ) يحتمل أن يكون ابن عمر كان
[ 256 ]
حاضرا فوجه الخطاب إليه ويحتمل أن الخطاب لعمر في غيبة ابنه جوابا لاستفتائه ولكن يرجع إلى ابنه لأن استفتاء عمر إنما هو لأجل ابنه ذكره الزرقاني (واغسل ذكرك) أي اجمع بينهما فإن الواو لا تفيد الترتيب وفي رواية أبي نوح عن مالك اغسل ذكرك ثم توضأ ثم نم ولذا قال ابن عبد البر هذا من التقديم والتأخير أراد اغسل ذكرك وتوضأ وكذا روى من غير طريق بتقديم غسله على الوضوء قال الحافظ ابن حجر وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث وإنما هو للتعبد إذ الجنابة أشد من مس الذكر وتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدم على الوضوء ويمكن أن يؤخره عنه بشرط أن لا يمسه على القول بأن مسه ينقض (ثم نم) قال ابن دقيق العيد جاء الحديث بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط أخرج البخاري من طريق جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال استفتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ينام إذا توضأ وهو متمسك لمن قال بوجوبه وقال ابن عبد البر ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه وفيه شذوذ وقال ابن العربي قال مالك والشافعي لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل وقال لم يقل الشافعي بوجوبه ولا يعر ف ذلك أصحابه وهو كما قال كذا في فتح الباري وقال الزرقاني ولا يعرف عنهما وجوبه وقد نص مالك في المجموعة على أن هذا الوضوء ليس بواجب انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي 88 الجنب يأكل قبل أن يغتسل عند (توضأ وضوءه للصلاة) ليس في هذا الحديث ذكر الأكل للجنب الذي بوب له لكن حديث عائشة الآتي فيه ذكره فعلم أن الحديث فيه إختصار
[ 257 ]
(عن الزهري بإسناده) المذكور قبل هذا عن أبي سلمة عن عائشة (ومعناه) أي معنى حديث سفيان الذي قبل هذا لا بلفظه (زاد) أي يونس عن الزهري ففي هذه الرواية بيان قصتين قصة الأكل وقصة النوم (مقصورا) أي اقتصر ابن وهب في روايته على ذكر أكل الجنب ولم يذكر قصة النوم (صالح بن أبي الأخضر) قال الحافظ في التقريب ضعيف يعتبر به (كما قال ابن المبارك) بذكر القصتين (عن عروة أو أبي سلمة) بالشك في الراوي عن عائشة (ورواه الأوزاعي عن يونس) أي عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة من غير شك بذكر قصة الأكل والنوم معا وهذه الأحاديث تدل على أن الجنب له أن يأكل أو يشرب من غير التوضي والاغتسال والباب الآتي يدل على استحباب التوضي فلا منافاة بينهما والله أعلم 89 من قال الجنب يتوضأ ثم يأكل أو يشرب أو ينام (توضأ) وفي رواية النسائي توضأ وضوءه للصلاة (تعني) عائشة (وهو جنب) أي إذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب وهذا التفسير لأحد من الرواة فسر به للإيضاح قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه
[ 258 ]
(عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة (أن يتوضأ) والحديث يدل على أفضلية الغسل للجنب لأن العظيمة (العزيمة) أفضل من الرخصة وفرق بعض الأئمة بين الوضوء لإرادة النوم والوضوء لإرادة الأكل والشرب قال الشيخ أبو العباس القرطبي هو مذهب كثير من أهل الظاهر وهو رواية عن مالك وذهب الجمهور إلى أنه كوضوء الصلاة في الأكل والشرب والنوم والمعاودة واستدلوا بما في الصحيحين وعند المؤلف من حديث عائشة بلفظ كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وبحديث عمار هذا قال الشوكاني ويجمع بين الروايات بأنه كان تارة يتوضأ وضوء الصلاة وتارة يقتصر على غسل اليدين لكن هذا في الأكل والشرب خاصة وأما في النوم والمعاودة فهو كوضوء الصلاة لعدم المعارض للأحاديث المصرحة فيها بأنه كوضوء الصلاة انتهى (بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر في هذا الحديث رجل) ومفاد كلامه أن يحيى بن يعمر لم يسمع هذا الحديث عن عمار بن ياسر وبينه وبين عمار بن ياسر واسطة فالحديث منقطع قال المنذري وأخرجه الترمذي من حديث يحيى بن يعمر عن عمار وفيه وضوءه للصلاة 90 الجنب يؤخر الغسل هل عليه من الإثم (حدثنا برد) بضم الموحدة وسكون الراء (عن غضيف بن الحارث) بالتصغير (يغتس لأنه من الجنابة في أول الليل أو في آخره) أي إن كان النبي صلى الله عليه وسلم جنبا في أول الليل فيغتسل على الفور أم
[ 259 ]
كان يؤخر إلى آخر الليل (وربما اغتسل في آخره) فيه دليل واضح على أن الجنب لا يجب عليه أن يغتسل ليلا على الفور بل له أن ينام ويغتسل في آخر الليل (قلت الله أكبر) هذه الجملة تقولها العرب عند التعجب (في الأمر) في أمر الشرع أو في هذا الأمر (سعة) بفتح السين والمعنى أن الله تبارك وتعالى جعل في الاغتسال وسعة بأن يغتسل متى شاء من الليل ولم يضيق عليه فيه بأن يغتسل على الفور (وربما أوتر في آخره) وأخرج الأئمة الستة عن عائشة رضي الله عنها قالت من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره فاتنهى أخبرنا وتره إلى السحر وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر ثم ليرقد ومن وثق بقيامن يا (بقيام) آخر الليل فليوتر من آخره فإن قراءة أخر الليل محضورة وذلك أفضل ويجئ بحثه في كتاب الوتر إن شاء تعالى (أو يخفت به) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها أو يخافت به وكذا في ابن ماجه قال الجوهري خفت الصوت خفوتا سكن ولهذا قيل للميت خفت إذا انقطع كلامه وسكت فهو خافت وخفت وخفت خفاتا أي مات فجأة والمخافة والتخافت أسرار المنطلق والخفت مثله انتهى وقال في المصباح خافت بقراءته مخافتة إذا لم يرفع صوته بها (ربما جهر به وربما خفت) فيه دليل على أن المرء مخير في صلاة الليل يجهر بالقراءة أو يسر قال المنذري وأخرجه النسائي مقتصرا على الفصل الأول وابن ماجه مقتصرا على الفصل الأخير وقد أخرج مسلم في صحيحه عن مسروق عن عائشة قالت من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر وأخرجه البخاري مختصرا وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن عبد الله بن نجى) بالتصغير (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب) قال
[ 260 ]
الإمام الخطابي في معالم السنن يريد الملائكة الذين ينزلون بالبركة والرحمة دون الملائكة الذين هم الحفظة فإنهم لا يفارقون الجنب وغير الجنب وقد قيل إنه لم يرد بالجنب ههنا من أصابته جنابة فأخر الاغتسال إلى حضور الصلاة ولكن الذي يجنب فلا يغتسل ويتهاون به ويتخذ تركه عادة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يطوف على نسائه في غسل واحد وفي هذا تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء وأما الكلب فهو أن يقتني كلبا ليس لزرع أو لضرع أو لصيد فأما إذ يربطه للحاجة إليه في بعض هذه الأمور أو لحراسة داره إذا اضطر إليه فلا جناح عليه إن شاء الله تعالى وأما الصورة فهي كل مصور من ذوات الأرواح كانت له أشخاص منتصبة أو كانت منقوشة في سقف أو جدار أو مصنوعة في نمط أو منسوجة في ثوب أو ما كان فإن قضية العموم تأتي عليه فليجتنب انتهى كلامه بحروفه قال الحافظ ابن حجر يحتمل كما قال الخطابي أن المراد بالجنب من يتهاون بالاغتسال ويتخد تركه عادة لا من يؤخره ليفعله قال ويقويه أن المراد بالكلب غير ما أذن في أتخاذه وبالصورة ما فيه روح قال النووي وفي الكلب نظر ويحتمل أن يكون المراد بالجنب في حديث علي من لم يرتفع حدثه كله ولا بعضه وإذا توضأ ارتفع بعض حدثه على الصحيح وعليه تبويب البخاري في صحيحه حيث قال باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ وأورد فيه حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم يرقد وهو جنب إذا توضأ وأورد النسائي حديث علي هذا في باب الجنب إذا لم يتوضأ فظهر من تبويبه أنه ذهب إلى الاحتمال الثاني والذي قاله الخطابي هو أحب إلي إن صح الحديث قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وليس في حديث ابن ماجه ولا جنب وقال البخاري عبد الله بن نجى الحضرمي عن أبيه عن علي فيه نظر وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب وصورة انتهى (من غير أن يمس ماءا) أي لا يغتسل به ولا يتوضأ به قال النووي إن صح هذا الحديث
[ 261 ]
لم يكن مخالفا للروايات الأخر أنه كان يتوضأ ثم ينام بل كان له جوابان أحدهما جواب الإمامين الجليلين أبي العباس بن شريح وأبي بكر البيهقي أن المراد لا يمس ماء للغسل والثاني وهو عندي حسن أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلا لبيان الجواز إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال زيد بن هارون هذا الحديث وهم يعني حديث أبي إسحاق وقال الترمذي يرون أن هذا غلط من أبي إسحاق وقال سفيان الثوري فذكرت الحديث يوما يعني حديث أبي إسحاق فقال لي إسماعيل يافتى تشد هذا الحديث بشئقال البيهقي وحمل أبو العباس بن شريح رواية أبي إسحاق على أنه كان لا يمس ماء للغسل (يقول هذا الحديث وهم يعني حديث أبي إسحاق) وقال
[ 262 ]
الترمذي وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق وقال شارحه الإمام أبو بكر ابن العربي في عارضة الاحوذي شرح الترمذي تفسير غلط أبي إسحاق هو أن هذا الحديث رواه أبو إسحاق ههنا مختصرا اقتطعه من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه 91 في الجنب يقرأ القرآن أي هل يقرأ فثبت بحديث الباب عدم جوازها (دخلت على علي) بن أبي طالب (أنا ورجلان رجل منا أي من مراد وهو أبو قبيلة من اليمن (ورجل من بني أسد) وأسد أبو قبيلة من مصر (أحسب) أي أحسب كون رجل منا والآخر من بني أسد ولا أتيقن به (فبعثهما على وجها) الوجه والجهة بمعنى كذا في الصحاح وفي المصباح الوجه ما يتوجه إليه انسان من عمل وغيره انتهى والمعنى بعثهما عاملا أو لأمر آخر إلى جهة من المدن أو القرى (وقال إنكما علجان) تثنية علج بفتح العين وسكون اللام وكسر العين وسكون اللام وفتح العين وكسر اللام مثل ثلاث لغات في كتف قال الخطابي يريد الشدة والقوة على
[ 263 ]
العمل يقال رجل علج إذا كان قوي الخلقة وفي النهاية العلج القوي الضخم (فعالجا عن دينكما) قال الخطابي أي جاهدا أو جالدا لو انتهى وقال ابن الأثير أي مارسا يكون العمل الذي ندبتكما مع إليه واعملا به (ثم قام) هذه الجملة في نسخة واحدة وسائر النسخ خال عنها (فدخل المخرج) هو موضع قضاء الحاجة (فتمسح بها) أي بحفنة من الماء أي غسل بها بعض أعضائه ويشبه أن يكون العضو المغسول هو اليدان ويؤيده رواية الدارقطني وفيها فغسل كفيه (ثم جعل يقرأ القرآن) من غير أن يتوضأ (فأنكروا ذلك) الفعل عليه فأجاب عن استعجالهم (فيقرئنا القرآن) من الإقراء أي يعلمنا القرآن (ولم يكن يحجبه) أي لا يمنعه (أو قال يحجزه) وهذا شك من أحد الرواة ومعناه أيضا لا يمنع ولعل ضم أكل اللحم مع القراءة للإشعار بجواز الجمع بينهما من غير وضوء أو مضمضة (عن القرآن شئ) فاعل يحجز (ليس الجنابة) بالنصب قال الخطابي معناه غير الجنابة وحرف ليس لها معاني أحدها أن يكون بمعنى الفعل وهو يرفع الأسم وينصب الخبر كقولك ليس عبد الله غافلا ويكون بمعنى لا كقولك رأيت عبد الله ليس زيدا ينصب زيد كما ينصب بلا ويكون بمعنى غير كقولك ما رأيت أكرم من عمرو ليس زيد وهو يجر ما بعده انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا وقال الترمذي حديث حسن صحيح وذكر أبو بكر البزار أنه لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة وحكى البخاري عن عمرو بن مرة كان عبد الله يعني ابن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر وكان قد كبر لا يتابع في حديثه وذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث وقال لم يكن أهل الحديث يثبتونه قال البيهقي وإنما توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر قاله شعبة هذا آخر كلامه وذكر الخطابي أن الإمام أحمد ابن حنبل رضي الله عنه كان يوهن حديث علي هذا ويضعف أمر عبد الله ابن سلمة انتهى كلام المنذري والحديث يدل على جواز القراء للمحدث بالحدث الأصغر وهو مجمع عليه لم نر فيه خلافا وعلى عدم الجواز للجنب وقد وردت أحاديث في تحريم قراءة القرآن للجنب وفي كلها مقال لكن تحصل القوة بانضمام بعضها إلى بعض لأن بعض الطرق ليس فيه شديد الضعف وهو يصلح أن يتمسك به قال الخطابي في الحديث من الفقه أن الجنب لا يقرأ القرآن وكذلك
[ 264 ]
الحائض لا تقرأ لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة وقال مالك في الجنب إنه لا يقرأ الآية ونحوها وقد حكى أنه قال تقرأ الحائض ولا يقرأ الجنب لأن الحائض إن لم تقرأ نسيت القرآن لأن أيام الحيض تتطاول ومدة الجنابة لا تطول وروى عن ابن المسيب وعكرمة أنهما كانا لا يريان بأسا بقراءة الجنب القرآن وأكثر العلماء على تحريمه انتهى وأما قراءة المحدث في المصحف ومسه فلا يجوز إلا بطهارة لحديث رواه الأثرم والدارقطني عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان فيه لا يمس القرآن إلا طاهر وأخرجه مالك في الموطإ مرسلا عن عبد الله بن محمد بن عمر بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر وأخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي في الخلافيات والطبراني من حديث حكيم بن حزام قال لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر وفي إسناده سويد أبو حاتم وهو ضعيف وذكر الطبراني في الأوسط أنه تفرد به وحسن الحازمي إسناده وقد ضعف النووي وابن كثير في إرشاده وابن حزم حديث حكيم بن حزام وحديث عمرو بن حزم جميعا وفي الباب عن ابن عمر عند الدارقطني والطبراني قال الحافظ إسناده لا بأس به لكن فيه سليمان الأشدق وهو مختلف فيه رواه عن سالم عن أبيه ابن عمر قال صاحب المنتقي وابن حجر ذكر الأثرم إن أحمد بن حنبل احتج بحديث ابن عمر وأخرج نحوه الطبراني عن عثمان ابن العاص وفيه من لا يعرف وأخرج ابن أبي داود في المصاحف وفي سنده انقطاع وفي الباب عن ثوبان أورده على بن عبد العزيز في منتخب مسنده وفي سنده حصيب بن جحدر وهو متروك وروى الدارقطني في قصة إسلام عمر أن أخته قالت له قبل أن يسلم إنه رجس ولا يسمه إلا المطهرون وفي إسناده مقال وفيه عن سلمان موقوفا أخرجه الدارقطني والحاكم وكتاب عمرو بن حزم تلقاه الناس بالقبول قال ابن عبد البر إنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول وقال يعقوب بن سفيان لا أعلم كتابا أصح من هذا الكتاب فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعو رأيهم وقال الحاكم قد شهد عمر بن عبد العزيز والزهري لهذا الكتاب بالصحة كذا في التلخيص والنيل وهذه كلها تدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرا والمحدث بحدث أصغر أيضا غير طاهر من وجه كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم فإني أدخلتهما طاهرتين فعلى المحدث بالحدث الأصغر أن لا يمس القرآن إلا بالوضوء قال الشوكاني وأما المحدث حدثا أصغر فذهب ابن عباس والشعبي والضحاك وزيد بن علي وداود الظاهري إلى أنه يجوز له مس المصحف وقال أكثر الفقهاء لا يجوز انتهى والله تعالى أعلم
[ 265 ]
92 في الجنب يصافح هل يجوز له (لقيه) أي حذيفة زاد مسلم وهو جنب (فأهوى) قال في المصباح أهوى إلى الشئ بيده مدها ليأخذها إذا كان عن قرب وإن كان عن بعد قيل هوى إليه بغير ألف انتهى (إليه) أي مد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى حذيفة (فقال) حذيفة إني جنب) ولفظ النسائي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقى الرجل من اصحابه ماسحه ودعا له قال فرأيته يوما بكرة فحدت عنه ثم أتيته حين ارتفع النهار فقال إني رأيتك فحدت عني فقلت إني كنت جنبا فخشيت أن تمسني (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن المسلم ليس بنجس) فيه دليل على أن عرق الجنب طاهر لأن المسلم لا ينجس وإذا كان لا ينجس فعرقه لا ينجس وهذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتا فأما الحي فطاهر بإجماع المسلمين حتى الجنين وكذلك الصبيان أبدانهم وثيابهم محمولة على الطهارة حتى تتيقن النجاسة فيجوز الصلاة في ثيابهم والأكل معهم من المائع إذا غمسوا أيديهم فيه ودلائل هذا كله من السنة والإجماع مشهورة وأما الميت فيه خلاف للعلماء وذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس تعليقا المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا انتهى وتمسك بمفهوم الحديث بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى إنما المشركون نجس وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لأعتياده سعيد مجانبة النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة وعن اية بأن المراد أنهم نجس في الإعتقاد والإستقذار بكر وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدل على أن الآدمي الحي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين النساء والرجال كذا في فتح الباري قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه
[ 266 ]
(فاختنست) بالخاء المعجمة ثم المثناة الفوقانية ثم النون ثم السين المهملة هكذا في رواية سنن أبي داود كما صرح به الإمام ابن الأثير في جامع الأصول والعراقي في شرح الكتاب والمعنى تأخرت وتواريت (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (سبحان الله) تعجب من اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة أي كيف يخفي عليه هذا الظاهر وفي استحباب تنبيه المتبوع لتابعه على الصواب وإن لم يسأله قاله الحافظ (إن المسلم لا ينجس) يقال بضم الجيم وفتحها لغتان وفي ماضيه لغتان نجس ونجس بكسر الجيم وضمها فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضا قاله النووي ومعنى قوله لا ينجس أي بالحدث سواء كان أصغر أو أكبر ويدل عليه المقام إذ المقام مقام الحدث فلا يرد أنه يتنجس بالنجاسة وقد يقال إن المراد نفسه لا يصير نجسا لأنه إن صحبه شئ من النجاسة فنجاسته بسبب صحبته بذلك لا أن ذاته صار نجسا فإذا زال ماكان معه من النجاسة فالمؤمن على حاله من الطهارة فصدق أن المؤمن لا ينجس أصلا والحاصل أن مقتضى ما فعله أبو هريرة أن المؤمن يصير نجسا بحيث يحترز عن صحبته حالة الجناية فرده صلى الله عليه وسلم بأن المؤمن لا يصير كذلك أصلا وذلك لا ينافى أن المؤمن قد يحترز عنه بالنظر إلى ما يصحبه من بعض الأنجاس لأنه أمر معلوم من خارج قاله الفاضل السندي في حواشي الترمذي قال الحافظ والحديث فيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه وبوب عليه ابن حبان الرد على من زعم أن الجنب إذا وقع في البئر فنوى الاغتسال أن ماء البئر ينجس واستدل به البخاري على طهارة عرق الجنب لأن بدنه لا ينجس بالجنابة فكذلك ما تحلب منه انتهى (قال) المؤلف (حدثنا حميد قال حدثني بكر) فروى بشر في كلا الموضعين بالتحديث وأميحيى القطان فبالعنعنة قد قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي لفظ البخاري والترمذي فانسللت وفي 2 لفظ للبخاري فانخنست وفي لفظفا نسللت وفي لفظ مسلم والنسائي وابن ماجه فانسل انتهى
[ 267 ]
93 في الجنب يدخل المسجد وكذا الحائض هل يجوز لهما (حدثني جسرة) بفتح الجيم وسكون السيد المهملة (بنت دجاجة) قال ابن دقيق العيد في الإمام رأيت في كتاب الوهم والإيهام لابن القطان المقر وعليه دجاجة بكسر الدال وعليها صح وكتب الناسخ في الحاشية بكسر الدال انتهى وقال مغلطائ وفي هي بكسر الدال لا غير قاله الزمخشري في أمثاله (ووجوه بيوت أصحابه) صلى الله عليه وسلم ووجه البيت الحد الذي فيه الباب ولذا قيل لحد البيت فيه الباب وجه الكعبة أي كانت أبواب بيوت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (شارعة في الجسد) قال الجوهري أشرعت بابا إلى الطريق أي فتحت وفي المصباح شرع الباب إلى الطريق شروعا اتصل به وشرعته أنا يستعمل لازما ومتعديا ويتعدى بالألف أيضا فيقال أشرعته كل إذا فتحته وأوصلته وطريق شارع يسلكه الناس عامة والمعنى أنه كانت أبواب بعض البيوت حول مسجده صلى الله عليه وسلم مفتوحة يدخلون منها في المسجد ويمرون فيه فأمروا أن يصرفوها إلى جانب آخر من المسجد (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجهوا هذه البيوت عن المسجد) أي اصرفوا أبواب البيوت إلى جانب آخر من المسجد قال الخطابي يقال وجهت الرجل إلى ناحية كذا إذ جعلت وجهه إليها ووجهته عنها إذا صرفته عنها إلى غيرها (ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم) في المسجد أو في بيوتهم (ولم يصنع القوم شيئا) من تحويل أبواب بيوتهم إلى جانب آخر (رجاء أن ينزل فيهم) وفي بعض النسخ رجاءة أن تنزل لهم (رخصة) من الله تعالى على ما كانوا عليه (فخرج إليهم بعد) أي بعد ذلك (فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) والحديث استدل به على حرمة دخول المسجد للجنب والحائض لكنه مأول على المكث طويلا كان أو قصيرا وأما عبورهما
[ 268 ]
ومرورهما من غير مكث فليس بمحرم إلا إذا خافت التلوث ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى (يأ يها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) روى الحافظ ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم بسنده إلى ابن عباس في قوله تعالى (ولا جنبا إلا عابري سبيل) قال لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل قال تمر به مرا ولا تجلس ثم قال وروي عن عبد الله بن مسعود وأنس وأبي عبيدة وسعيد بن 2 المسيب الضحاك وعطاء ومجاهد ومسروق وإبراهيم النخعي وزيدين أسلم وأبي مالك وعمرو بن دينار والحكم بن عتبة وعكرمة والحسن البصري ويحيبن سعيد الأنصاري وابن ش هاب وقتادة نحو ذلك قلت والعبور إنما يكون في محل الصلاة وهو المسجد لا في الصلاة وتقييد جواز ذلك في السفر لا دليل عليه بل الظاهر أن المراد مطلق المار لأن المسافر ذكر بعد ذلك فيكون تكرارا يصان القرآن عمثله قال ابن كثير ومن الآية المذكورة احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد ويجوز له المرور وكذا الحائض والنفساء في معناه إلا أن بعضهم قال يمنع مرورهما التلويث لاحتمال ومنهم من قال إن أمنت كل واحدة منهما التلويث في حال المرور جاز لهما المرور وإلا فلا قال ابن رسلان في شرحه قوله صلى الله عليه وسلم فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب استدل به على تحريم اللبث في المسجد والعبور فيه سواء كان لحاجة أو لغيرها قائما أو جالسا أو متردد على أي حال متوضئا كان أو غيره لإطلاق هذا الحديث ويجوز عند الشافعي ومالك العبور في المسجد من غير لبث سواء كان لحاجة أم لا وحكاه ابن المنذر عن سفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه لا يجوز العبور إلا أن لا يجد بدا منه فيتوضأ ثم يمر وإن لم يجد الماء يتيمم ومذهب أحمد يباح العبور في المسجد للحاجة من أخذ شئ أو تركه أو كون الطريق فيه وأما غير ذلك فلا يجوز بحال انتهى كلامه
[ 269 ]
قلت القول المحقق في هذا الباب هو جواز العبور والمرور كما تدل عليه الآية المذكورة وحديث عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم نا وليني الخمر من المسجد فقلت إني حائض فقال إن حيضتك ليست في يدك أخرجه الجماعة إلا البخاري وحديث ميمونة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض ثم تقوم إحدانا بخمرة فتضعها في المسجد وهي حائض أخرجه أحمد والنسائي وأما المكث والجلوس في المسجد للجنب فلا يجوز أيضا عند مالك وأبي حنيفة وذهب الإمام أحمد وإسحاق إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد لما روى سعيد بن منصور في سننه عن عطاء بن يسار قال رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضأوا وضوء الصلاة قال ابن كثير هذا إسناد صحيح على شرط مسلم قال المنذري وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير وفيه زيادة وذكر بعده حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر ثم قال وهذا أصح قال الخطابي وضعفوا هذا الحديث وقالوا أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه وفيما حكاه الخطابي رضي الله عنه أنه مجهول نظر فإنه أفلت بن خليفة ويقال فليت بن خليفة العامري ويقال الذهلي وكنيته أبو حسان حديث في الكوفيين روى عنه سفيان بن سعيد الثوري وعبد الواحد بن زياد وقال الإمام أحمد بن حنبل ما أرى به بأسا وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال شيخ وحكى البخاري إنه سمع من جسرة بنت دجاجة قال البخاري وعند جسرة عجائب انتهى كلام المنذري (قال أبو داود هو) أي أفلت يقال به (فليت العامري) أيضا 94 في الجنب يصلي بالقوم وهو أي الإمام الجنب (ناس) للجنابة فذكر أنه جنب فماذا يصنع (فأومأ) بالهمزة أي أشار
[ 270 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يقال أومأت إليه أشرت ولا يقال أوميت وومأت فلا إليه (أن مكانكم) أن مفسرة ومكانكم بالنصب أي امكثوا مكانكم وألزموه (يقطر) بضم الطاء أي يسيل بسبب الاغتسال (بإسناده) الأول من زياد إلى أبي بكرة الصحابي (ومعناه) أي بمعنى الحديث الأول (وقال) يزيد بن هارون (في أوله) أي أول الحديث (فكبر) أي دخل في صلاة الفجر فكبر (وإني كنت جنبا) فنسيت أن أغتسل كما في رواية الدارقطني والبيهقي في المعرفة (وانتظرنا أن يكبر) وهذا صريح في أنه لم يكن كبر (وكذلك) أي مرسلا وبزيادة لفظ كبر (رواه مالك) بن أنس في موطإه (إمام مسجد صنعاء) بفتح الصاد وسكون النون وبالعين المهملة هي صنعاء اليمن واذن
[ 271 ]
إبراهيم بن خالد بمسجدها سبعين سنة (مؤمل) على وزن محمد (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن يكون المعنى خرج في حال الإقامة ويحتمل أن تكون الإقامة تقدمت خروجه وكان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف وكانت تسوية الصفوف سنة معهودة عند الصحابة رضي الله عنهم (في مقامه) بفتح الميم أي في مصلاه (ذكر) أي تذكر لا أنه قال لفظا وعلم الراوي بذلك من قرائن الحال أو بإعلامه له بعد ذلك (ينطف) بكسر الطاء وضمها أي يقطر (صفوف) جمع الصف يقال صففت الشئ صفا من باب قتل فهو مصفوف وصففت القوم فاصطفوا (فلم نزل قياما ننتظره) وفي هذا رد على الرواية المرسلة التي فيها ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا وسكت المؤلف عن ألفاظ بقية الرواة فلعلها كانت نحو لفظ ابن حرب وعياش قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وفي لفظ البخاري ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه وفي لفظ مسلم حتى خرج إلينا وقد اغتسل ينطف رأسه ماءا فكبر فصلى بنا انتهى كلام المنذري واعلم أن في حديث أبي هريرة هذا فوائد منها أنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد الخروج منه أن يتيمم وقد بوب البخاري إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم وأورد فيه هذا الحديث ومنها جواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأن قوله صلى بهم في رواية الشيخين من طريق أبي هريرة وفي رواية المؤلف من طريق أبي بكرة ظاهر أن الإقامة لم تعد ولم تجدد والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت وعن مالك رضي الله عنه إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يكن عذر ومنها جواز انتظار المأمومين مجئ الإمام قياما عند الضرورة وهو غير المقام المنهى في حديث إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني ثم اعلم أن رواية أبي بكرة المتصلة وروايات محمد بن سيرين وعطاء بن يسار والربيع بن محمد المرسلة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد ما دخل في الصلاة وكبر وكذا رواية أبي هريرة التي أخرجها ابن ماجه من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة والتي أخرجها البيهقي
[ 272 ]
من طريق وكيع عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد عن أبي ثوبان عن أبي هريرة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد التكبير والدخول في الصلاة وحديث أبي بكرة أخرجه أيضا أحمد وابن حبان والبيهقي في المعرفة قال الحافظ وصححه ابن حبان والبيهقي واختلف في إرساله ووصله انتهى وأما رواية أبي هريرة التي أخرجها المؤلف والشيخان تدل بدلالة صريحة على أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد ما قام في مصلاه وقبل أن يكبر فرواية أبي هريرة هذه معارضة للروايات المتقدمة قال الحافظ في فتح الباري ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله كبر ودخل في الصلاة أنه قام في مقامه للصلاة وتهيأ للاحرام بها وأورد أن يكبر أو بأنهما واقعتان أبداه العياض والقرطبي احتمالا وقال النووي إنه الأظهر وجزم ابن حبان كعادته فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح انتهى واحتج بحديث أبي بكرة وما في معناه مالك بن أنس وأصحاب سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي على أنه لا إعادة على من صلى خلف من نسي الجنابة وصلى ثم تذكر وإنما الإعادة على الإمام فقط وبه قال أحمد حكاه الأثرم وإسحاق وأبو ثور وداود والحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير وقال أبو حنيفة والشعبي وحماد بن أبي سليمان إنه يجب عليهم الإعادة أيضا قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار شرح الموطأ وللطائفتين منه أحاديث وآثار فمن الأحاديث للطائفة الأولى حديث أبي هرير ة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون بكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطأوا فلكم وعليهم أخرجه أحمد والبخاري ومنه حديث براء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أيما إمام منها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم وليغتسل هو ثم ليعد صلاته وسث (وإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك والحديث ضعيف لأن جويبرا أحد رواته متروك والضحاك الراوي عن البراء لم يلقه ومن آثار لهم ما أخرجه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب صلى بالناس الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلاما فقال إنا لما أصبنا الودك لانت العروق فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه وعاد لصلاته وأخرجه الدارقطني من طريق آخر بلفظ أن عمر صلى بالناس وهو جنب فأعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا وللطائفة الأخرى من الأحاديث حديث أبي هريرة مرفوعا الإمام ضامن أخرجه أحمد وإسناده صحيح وأخرجه أيضا أحمد والطبراني في الكبير عن أبي أمامة الباهلي قال الهيثمي رجاله موثقون وأخرجه البزار أيضا ورجاله موثقون أيضا قالوا إن الإمام إذا فسدت صلاته فسدت صلاة المؤتم لأن الإمام إنما جعل ليؤتم به وا مام ضامن لصلاة المقتدي فصلاة المقتدي مشمولة في صلاة الإمام وصلاة الإمام متضمنة لصلاة المأموم فصحة صلاة المأموم بصحة
[ 273 ]
صلاة الإمام وفسادها بفسادها فإذا صلى الإمام جنبا لم تصح صلاته لفوات الشرط وهي متضمنة لصلاة المأموم فتفسد صلاته أيضا فإذا علم ذلك يلزم عليه الإعادة ويتفرع عليه أنه يلزم للإمام إذا وقع ذلك أن يعلمهم به ليعيدوا صلاتهم ولو لم يعلمهم لا إثم عليهم وللطائفة الأخرى آثار كلها ضعاف ومما يحتج به على الطائفة الأولى بأن الأظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف قبل أن يكبر كما صرح به مسلم في الحديث فرواى أبي هريرة المروية في الصحيحين راجحة وروايات غير الصحيحين الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد التكبير مرجوحة إذ لا شك في أن الترجيح لأحاديث الشيخين أو أحدهما عند التعارض قلت وإذا عرفت هذا كله فاعلم أن حديث أبي بكرة الذي صححه ابن حبان والبيهقي وحديث أنس الذي صححه الهيثمي يدل على عدم فساد صلاة المأمومين بفساد صلاة الإمام لأنه صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة وكبر الناس ثم تذكر الجنابة وانصرف وبقي الناس قياما منتظرين فكان بعض صلاتهم خلف النبي صلى الله عليه وسلم وهو جنب ومع هذا لم يأمرهم بإعادة تكبير الإحرام مع أنه أعظم أجزاء الصلاة فثبت بهذا صحة صلاة المأمومين خلف الإمام الجنب الناسي ويؤيده فعل عمر رضي الله عنه أيضا كما مر ويؤيده أيضا فعل عثمان وعبد الله بن عمر أيضا كما أخرجهما البيهقي وأما الترجيح لأحاديث الصحيحين أو أحدهما على غيرهما عند التعارض فهو أمر محقق لا مرية فيه لكن ليس ههنا التعارض لأنهما واقعتان فحدث كل واحد منهم بما شاهد ولا حاجة إلى تأويل أن كبر في معنى قارب أن يكبر ومما يؤيد أنهما واقعتان مختلفتان أن الذين صلوا خلف عمر رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنه من الصحابة لم ينكروا عليهم بل سكتوا ففي سكوتهم وعدم أمر هؤلاء الأئمة إياهم بإعادة الصلاة دلالة على تعدد الواقعة وأنه كان لهم بذلك علم من النبي صلى الله عليه وسلم لكن يمكن أن يقال من قبل الطائفة الثانية إن الروايات التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد ما كبر ودخل في الصلاة لا تقاوم رواية أبي هريرة التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم انصرف قبل التكبير والدخول في الصلاة لأن هذه الروايات بعضها مرسلة وبعضها مرفوعة فأما المرسلة فمرسلة وأما المرفوعة فرواية أبي بكرة وإن صححها ابن حبان والبيهقي لكن اختلف في إرسالها ووصلها قاله الحافظ ورواية أنس وإن كان جيد الإسناد اختلف في وصلها وإرسالها أيضا كما قال الحافظ وأما رواية أبي هريرة التي أخرجها ابن ماجه فقال الحافظ في إسنادها نظر وأما رواية على مرفوعة (المرفوعة) فمدار طرقها على ابن لهيعة
[ 274 ]
فلما لم تصلح هذه الروايات لمعارضة حديث أبي هريرة الذي أخرجه المؤلف والشيخان ظهر أنه لا حاجة لدفع التعارض إلى القول بأنهما واقعتان مع أنه ليس في هذه الروايات ما تدل على تعدد الواقعة ولا حاجة أيضا إلى ارتكاب التجوز في معنى كبر ودخل ولاح لك أيضا أن الاستدلال بهذه الروايات على صحة صلاة المأمومين خلف الإمام الجنب الناسي ليس بتام وكذا الاستدلال على هذه المسألة بما أخرجه مالك من فعل عمر رضي الله عنه وبما أخرجه البيهقي من فعل عثمان رضي الله عنه وعبد الله بن عمر رضي الله عنه ليس بتام أيضا لأنه هو أفعالهم وأما القطع بأنهم إنما فعلوا ما فعلوا لأنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يفعله فغير مقطوع لأن للاجتهاد مجالا في هذه المسألة مع أنه معارض لحديث أبي هريرة المرفوع الصحيح ا مام ضامن وكذا الاستدلال بحديث يصلون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم ليس بتام أيضا لأنه ليس المراد به الخطأ المقابل للعمل لأنه لا إثم فيه بل المراد ارتكاب الخطيئة وهذه المسألة ليست من هذا الوادي فتأمل 95 في الرجل يجد البلة : بكسر الباء وتشديد اللام الرطبة من الماء وغيره يقال بللته من الماء بلا من باب قتل فابتل هو (في منامه) ولا يذكر الاحتلام فما حكمه (يجد البلل) بفتحتين أي الرطوبة (ولا يذكر احتلاما) الاحتلام افتعال من الحلم بضم المهملة وسكون اللام وهو ما يراه النائم في نومه يقال منه حلم بالفتح واحتلم والمراد به ههنا أمر خاص وهو الجماع أي لا يذكر أنه جامع في النوم (يغتسل) خبر بمعنى الأمر وهو للوجوب (يرى بفتح الياء أي يعتقد وبضم الياء أي يظن (قال لا غسل عليه) قال الخطابي في معالم السنن ظاهر هذا الحديث يوجب الاغتسال إذا رأى بلة وإن لم يتيقن أنها الماء الدافق وروى هذا القول عن جماعة من التابعين منهم عطاء والشعبي والنخعي وقال أحمد بن حنبل أعجب إلي أن يغتسل وقال أكثر أهل العلم لا يجب عليه الاغتسال حتى
[ 275 ]
يعلم أنها الماء الدافق واستحبوا أن يغتسل من طريق الاحتياط ولم يختلفوا أنه إذا لم ير الماء وإن كان رأى في النوم أنه قد احتلم فإنه لا يجب على الاغتسال انتهى كلامه قلت ما ذهب إليه الجماعة الأولى من أن مجرد رؤية البلة في المنام موجب للاغتسال هو أوفق بحديث الباب وبحديث أم سلمة أخرجه الشيخان بلفظ إذا رأت الماء وبحديث خولة بنت حكيم بلفظ ليس عليها غسل حتى تنزل فهذه الأحاديث تدل على اعتبار مجرد وجود المني سواء انضم إلى ذلك الدفق والشهوة أم لا وهذا هو الحق والله أعلم (فقالت أم سليم) هي أم أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهرت بكنيتها واختلف في إسمها (أعليها غسل) بهمزة الاستفهام وعليها خبر مقدم وغسل مبتدأ مؤخر (إنما النساء شقائق الرجال) هذه الجمله مستأنفة فيها معنى التعليل قال ابن الأثير أي نظائرهم وأمثالهم كأنهن شققن منهم ولأن حواء خلقت من آدم عليه الصلاة والسلام وشقيق الرجل أخوه لأبيه ولأمه لأن شق نسبه من نسبه يعني فيجب الغسل على المرأة برؤية البلل بعد النوم كالرجل قال الخطابي وفيه من الفقه إثبات القياس وإلحاق حكم النظير بالنظير فإن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وأشار الترمذي إلى أن راويه وهو عبد الله بن عمر بن حفص العمري ضعفه يحيي بن سعيد من قبل حفظه في الحديث 96 المرأة ترى ما يرى الرجل من الإحتلام والبلة غير (يرى الرجل) فما حكمها وإنما وضع الباب للمرأة للاشارة إلى الرد على من منع في حق المرأة دون الرجل كما حكاه ابن المنذر وغيره عن إبراهيم النخعي واستبعد النووي في شرح المهذب صحته عنه لكن رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد جيد قاله الحافظ (إن الله لا يستحي من الحق) قال النووي قال أهل العربية يقال استحيا بياء قبل الألف
[ 276 ]
يستحيي بياءين ويقال أيضا يستحي بياء واحدة في المضارع وقال الحافظ في فتح الباري والمراد بالحياء ههنا معناه اللغوي إذا الحياء الشرعي خير كله وقد تقدم أن الحياء اللغوي تغير وانكسار وهو مستحيل في حق الله تعالى فيحمل هنا على أن المراد أن الله لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يمنع من ذكر الحق انتهى (أرأيت أي أخبرني (ما يرى الرجل) من المني بعد الاستيقاظ (إذا وجدت الماء) أي المني) بعد الاستيقاظ (فقلت أف لك) قال النووي معناه استحقارا لها ولما تكلمت به وهي كلمة تستعمل في الاحتقار والاستقذار والإنكار قال الباجي المراد ههنا الإنكار وأصل الأف وسخ الأظفار وفي أف عشر لغات أف بضم الهمزة والحركات الثلاث في الفاء بغير تنوين وبالتنوين فهذه ستة والسابعة إف بكسر الهمزة وفتح الفاء والثامنة أف على وزن قل والتاسعة أفي بضم الهمزة وبالياء والعاشرة أفه أحمد بضم الهمزة وبالهاء وهذه لغات مشهورات ذكرهن كلهن ابن الأنباري وجماعات من العلماء ودلائلها مشهورة (وهل ترى ذلك) بكسر الكاف (المرأة) قال القرطبي إنكار عائشة وأم سلمة على أم سليم رضي الله عنها قضية احتلام النساء يدل على قلة وقوعه من النساء وقال ابن عبد البر فيه دليل أنه ليس كل النساء يحتلمن وإلا لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك قال وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال إلا أن ذلك في النساء أوجد وأكثر (فقال تربت يمينك) قال النووي فيه خلاف كثير منتشر جدا للسلف والخلف من الطوائف كلها والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناه أنها كلمة أصلها افتقرت ولكن العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة معناها الأصلي فيذكرون تربت يداك وقاتله الله ما أشجعه ولا أم له ولا أب لك وثكلته أمه وما أشبه هذا من ألفاظهم يقولونها عند إنكار الشئ أو الزجر عنه أو الذم عليه أو استعظامه أو الحث عليه أو الإعجاب به أي أن أم سليم فعلت ما يجب عليها من السؤال عن دينها فلم تستحق الإنكار واستحققت أنت الإنكار فيه (ومن أين يكون الشبه) بكسر الشين وإسكان الباء والثانية بفتحهما ومعناه أن الولد متولد من ماء الرجل وماء المرأة فأيهما غلب كان الشبه له وإذا كان للمرأة مني فإنزاله وخروجه منها ممكن (وكذا روى) أي من طريق عروة عن عائشة (ووافق الزهري) مفعول لوافق (مسافع الحجبي)
[ 277 ]
فاعل ومسافع بضم الميم وكسر الفاء والحجبي منسوب إلى الحجبة جمع حاجب والمراد بهم حجبة البيت الحرام من بني عبدالدار بن قصي بن كلاب بن مرة من قريش (قال عن عروة عن عائشة) هذه الجملة بيان للموافق (وأما هشام بن عروة فقال عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفيه أن المراجعة وقعت بين أم سلمة وأم سليم وقد أخرج الشيخان هذا الحديث من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أن أم سليم الحديث ففيه أيضا أن المراجعة وقعت بين أسلمة وأم سليم وفي رواية الزهري عن عروة عن عائشة الماضية وكذا في رواية مسافع الحجبي عن عروة عن عائشة أن المراجعة وقعت بين عائشة وأم سليم فبعضهم جمعوا بين الروايتين وبعضهم رجحوا أحداهما على الأخرى أما المؤلف فرجح رواية الزهري حيث أكثر بذكر أسامي الرواة عن الزهري وبين متابعة مسافع الحجبي للزهري عن عروة عن عائشة وأما القاضي عياض فنقل عن أهل الحديث أن الصحيح أن القصة وقعت لأم سلملا لعائشة وهذا بعد يقتضي ترجيح رواية هشام بن عروة وهو ظاهر صنيع الإمام البخاري في صحيحه وأما النووي فقال في شرح مسلم يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا على أم سليم قال الحافظ وهو جمع حسن قلت بل هو متعين لصحة الروايتين في ذلك ولا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد والله تعالى أعلم 97 مقدار الماء الذي يجزي به الغسل وفي بعض النسخ يجزيه في الغسل أي يجزي الغاسل (هو الفرق) بفتح الفاء وفتح الراء وإسكانها لغتان حكاهما ابن دريد وجماعة والفتح أفصح وزعم الباجي أنه الصواب وليس كما قال بل هما لغتان قاله النووي وقال الحافظ وقال ابن التين الفرق بتسكين الراء ورويناه
[ 278 ]
بفتحها وجوز بعضهم الأمرين وقال القعنبي وغيره هو بالفتح والمحدثون يسكنونه وكلام العرب بالفتح انتهى ويجئ تفسير الفرق مشروحا من الجنابة أي بسبب الجنابة (وروى ابن عيينة نحو حديث مالك) والحاصل أمالك بن أنس وسفيان بن عيينة كلاهما قالا عن الزهري بتوقيت وتحديد وهو الغسل من الفرق وقال معمر بلا توقيت وهو قدر الفرق واعلم أنه ليس الغسل بالصاع أو الفرق للتحديد والتقدير بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما اقتصر على الصاع وربما زاد عليه والقدر المجزي من الغسل ما يحصل به تعميم البد ن على الوجه المعتب سواء كان صاعا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلا أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف (يقول الفرق ستة عشر رطلا) الرطل معيار يوزن به وكسره أفصح من فتحه وهو بالبغدادي اثنتا عشر أوقية والأوقية أستار وثلثا أستار والأستار أربعة مثاقيل ونصف مثقال والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم ستة دوانيق والدانق ثماني حبات وخمسا حبة على هذ فالرطل تسعون مثقالا وهي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم كذا في المصباح وقال الجوهري الفرق مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا وفي صحيح مسلم في آخر رواية ابن عيينة عن الزهري قال سفيان يعين ابن عيينة الفرق ثلاثة آصع قال النووي وكذا قال الجماهير وقيل الفرق صاعان لكن أبو عبيد نقل الاتفاق على أالفرق ثلاثة آصع وعلى أن الفرق ستة عشر رطلا ويؤيد كون الفرق ثلاثة آصع ما رواه ابن حبان عن عائشة بلفظ قدر ستة عشر رطلا والقسط بكسر القاف وهو باتفاق أهل اللغة نصف صاع ولا اختلاف بينهم أن الفرق ستة عشر رطلا فصح أن الصاع خمسة أرطال وثلث قاله الحافظ (وسمعته) أي قال أبو داود وسمعت أحمد بن حنبل (يقول صاع ابن أبى بذئب) وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ابن الحارث بن أبي ذئب أحد الأئمة الثقات (خمسة أرطال وثلث) وهو قول أهل المدينة وأهل الحجاز كافة واستدل لهم بدلائل منها حديث كعب بن عجرة في الفدية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له صم ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف
[ 279 ]
صاع رواه البخاري ومسلم وفي لفظ لهما فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا بين ستة أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام فقوله نصف صاع حجة لهم والفرق اثني عشر مدا والمد هو ربع الصاع أو يقال إن الفرق ستة عشر رطلا فثبت بذلك أن الفرق ثلاثة آصع وأن الصاع خمسة أرطال وثلث ومنها ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي وهو ثققال قدم علينا أبو يوسف من الحج فقال إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم أهمني ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع فقال صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لهم ما حجتكم في ذلك فقالوا نأتيك بالحجة غدا فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت فإذا هي سواء قال فعيرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان يسير فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة قال صاحب التنقيح هذا هو المشهور من قول أبي يوسف وقد روى أن مالكا رضي الله عنه ناظره واستدل عليه بالصيعان التي جاء بها أولئك الرهط فرجع أبو يوسف إلقوله قلت قول أهل المدينة وأهل الحجاز في مقدار الصاع هو الحق والصحيح من حيث الرواية ولا يعرنك كلام الطحاوي في شرح معاني الآثار في ذلك الباب فإنه بنى الكلام على تأويلات بعيدة واحتمالات كاسدة (قال) أبو داود فقلت لأحمد (فمن قال) في تفسير الصاع إنه (ثمانية أرطال) فقوله صحيح أم لا (قال) أحمد (ليس ذلك) أي كون الصاع ثمانية أرطال (بمحفوظ) بل هو ضعيف لا يحتج في الأحبمثله قلت ذهب العراقيون منهم أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى إلى أن الصاع ثمانية أرطال واستدل لهم بروايات منها ما أخرجه النسائي عن موسى الجهني قال أتى مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال فقال حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بمثل هذا وإسناده صحيح والجواب عنه بوجوه الأول أن الحزر لا يعارض به التحديد والثاني لم يصرح مجاهد بأن الإناء المذكور كان صاعا فيحمل على اختلاف الأواني مع تقاربها والثالث أن مجاهدا قد شك في هذا الحزر والتقدير فقال ثمانية أرطال تسعة أرطال عشرة أرطال كما أخرجه الطحاوي فكيف يعارض التحديد المصرح بهذا الحزر المشكوك وهكذا في كل رواية من الروايات الدالة على كون الصاع ثمانية أرطال كلام يسقطها عن الاحتجاج وقد بسط أخونا المعظم الأدلة مع الكلام عليها وحقق أن الصاع الحجازي هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم في غاية المقصود (قال) أبو داود (وسمعت أحمد بن حنبل يقول من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا
[ 280 ]
خمسة أرطال وثلثا فقد أوفى) أي أتم وأكمل قال ابن رسلان نقل الجمهور على أنه لا فرق في الصاع بين قدر ماء الغسل وبين زكاة الفطر وتوسط بعض الشافعية فقال الصاع الذي لماء الغسل ثمانية أرطال والذي لزكاة الفطر وغيرها خمسة أرطال وثلث وهضعيف والمشهور أنه لا فرق انتهى (قيل) لأحمد بن حنبل (الصيحاني) تمر معروف بالمدينة قيل كان كبش اسمه صيحان يشد بنخله فنسب إليه قاله ابن رسلان وقال في لسان العرب الصيحاني ضرب من تمر المدينة قال الأزهري الصيحاني ضرب من التمر أسود صلب المضغة وسمي صيحانيا لأن صيحان اسم كبش كان ربط إلى نخلة بالمدينة فأثمرت تمرا فنسب إلى صيحان انتهى وفي القاموس وشرحه الصيحاني ضرب من تمر المدينة نسب إلى صيحان اسم لكبش كان يربط إلى تلك النخلة أو اسم الكبش الصياح ككتان وهو من تغيرات النسب كصنعاني يقول في صنعاء انتهى (ثقيل) في الوزن فإن يوزن بخمسة أرطال وثلث رطل يقل مقداره لثقله عند الرائي ولا يملأ به الصاع فهل يكفي الصاع من الصيحاني الموزون بالرطل في صدقة الفطر (قال) أحمد في جوابه (الصيحاني أطيب) التمر فيكفي الصاع منه الموزون بالرطل بلا مرية (قالا أدري) يشبه أن يكون المعنى لا أدري أيهما أثقل قال ابن رسلان في شرح السنن فتكون هذه الجملة من مقولة أحمد أي قال أحمد الصيحاني أطيب وقال لا أدري أيهما من الماء والصيحاني أثقل هذا معنى قول ابن رسلان ويحتمل أن تكون الجملة للسائل القائل لأحمد أي قال ذلك القائل إني لا أدري أن الصيحان الذي أطيب من غيره والأشبه بالصواب عندي أن يقال معنى لا أدري أي قال أحمد لا أدري هل يكفي أقل من الصاع الذي يكال وإن كان الصيحاني بوزن خمسة أرطال وثلث أو لا بد أن يكون بملء الصاع وإن كان وزنه أكثر من خمسة أرطال وثلث وحاصل هذا المعنى أن السائل قال الصيحاني ثقيل في الوزن فهل يكفي الصيحاني الموزون بالرطل وإن كان دون الصاع قال أحمد في جوابه الصيحاني أطيب التمر لكن لا أدري هل يكفي أم لا وحاصل المعنى الأول أي قال أحمد الصيحاني أطيب التمر فيكفي الصاع منه الموزون بالرطل بلا مرية ثم قال أحمد ولا أدري أيهما من الماء والصيحاني أثقل
[ 281 ]
98 باب في الغسل من الجنابة أي كيف يغتسل من الجنابة (أما أنا فأفيض) أي أسيل (على رأسي ثلاثا) أي ثلاث أكف كما في مسلم ولفظ أحمد في مسنده أما أنا فآخذ ملأ كفي فأصب على رأسي ثم أفيض بعد على سائر جسدي ورجاله رجال الصحيح (وأشار بيديه كلتيهما) في هذا الحديث أن الإفاضة ثلاثا باليدين على الرأس وهو متفق عليه وألحق به سائر الجسد قياسا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء وهو أولى بالتثليث من الوضوء فإن الوضوء مبني على التخفيف مع تكراره فإذا استحب فيه الثلاث ففي الغسل أولى ولا يعلم في هذا خلاف إلا ما انفرد به الإمام أبو الحسن الماوردي قال يستحب التكرار في الغسل وهذا قول متروك قاله النووي قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة (إذا اغتسل) أي إذا أراد أن يغتسل كما أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري (من نحو الحلاب) بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام أي طلب إناء مثل الإناء الذي يسمى الحلاب قال الخطابي في المعالم الحلاب إناء يسع قدرحلب ناقة وقد ذكر محمد بن إسماعيل رحمه الله تعالى في كتابه وتأوله على استعمال الطيب في الطهور وأحسبه توهم أنه أريد به المحلب الذي يستعمل في غسل الأيدي وليس الحلاب من الطيب في شئ وإنما هو ما فسرت لك انتهى وقد وصفه أبو عاصم بأنه أقل من شبر في شبر أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه وفي رواية لابن حبان وأشار أبو عاصم بكفيه فكأنه حلق بشبريه يصف به دوره الأعلى وفي رواية للبيهقي كقدر كوز يسع ثمانية أرطال (فأخذ) الماء الذي في الحلاب (بكفيه) وفي بعض النسخ بكفه (فبدأ) صب الماء
[ 282 ]
ابتداء (بشق بالكسر أي جانب (ثم الأيسر) أي ثم صب الماء على جانب رأسه الأيسر (ثم أخذ بكفيه) هذه إشارة إلى الغرفة الثالثة كما صرحت به رواية أبي عوانة (فقال بهما على رأسه) فيه إطلاق القول على الفعل مجازا ومعناه صب الماء بكفيه على رأسه كله وفي هذا الحديث استحباب البداءة بالميامن في التطهر قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (حدثنا جميع بن عمير) كلاهما مصغرا (أحد بني تيم الله بن ثعلبة) معنى تيم الله عبد الله قاله الجوهري (فسألها) أي عائشة (إحداهما) أم جميع أو خالته (كيف كنتم تصنعون عند الغسل) وفي رواية ابن ماجه كيف كان يصنع رسول الله عند غسله من الجنابة (ونحن نفيض على رؤوسنا خمسا من أجل الضفر) بضمتين جمع ضفيرة هي الخصلة من الشعر والذؤابة يقال ضفرت الشعر ضفرا من باب ضرب جعلته ضفائر كل ضفيرة على حدة بثلاث طاقات فما فوقها والضفير بغير هاء حبل شعر كذا في المصباح تقول أم المؤمنين إنا نغسل رؤوسنا خمسا ليصل الماء إلى أصول الشعر ويتشرب على وجه الكمال وقول عائشة رضي الله عنه هذا ظاهره حكم الرفع ففيه أن المرأة تغسل رأسها خمس مرار لكن الحديث ضعيف ومع ضعفه معارض لحديث أم سلمة الآتي في باب المرأة تنقض شعرها عند الغسل بلفظ يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيض على سائر جسدك قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وجميع هذا بضم الجيم وفتح الميم ولا يحتج بحديثه
[ 283 ]
(ثم اتفقا) أي سليمان ومسدد على روايتهما فقالا (وقال مسدد) وحده (يفرغ على شماله) أي يصب الماء على يده اليسرى ويغسل بها فرجه كما جاء في رواية مسلم (وربما كنت) أي عائشة (عن الفرج) أي اسمه وذكره لأن الكناية أبلغ من التصريح والكناية كلام استتر المراد منه بالاستعمال وإن كان معناه ظاهرا في اللغة سواء كان المراد به الحقيقة أو المجاز فيكون تردد فيما أريد به فلا بد من النية أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال والكناية عند علماء البيان هي أن يعبر عن شئ لفظا كان أو معنى بلفظ غير صريح في الدلالة عليه لغرض من الأغراض كالإبهام على السامع نحو جاء فلان أو لنوع فصاحة نحو فلان كثير الرماد أي كثير القرى قاله السيد الشريف في تعريفاته والكناية المذكورة في حديث عائشة لم يصرح بها مسدد في روايته وإنما ذكرها المؤلف في الرواية الآتية بلفظ غسل مرافغه وذكرها مسلم بلفظ ثم صب الماء على الأذى الذي به بيمينه وغسل عنه بشماله (فيخلل شعره) أي يدخل أصابعه في أصول الشعر ليلين الشعر ويرطبه فيسهل مرور الماء عليه (قد أصاب البشرة) بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ظاهر جلد الإنسان أي أوصل البلل إلى ظاهر جلد الرأس (أو أنقى البشرة) الشك من أحد الرواة والمعنى واحد (فإذا فضل) من باب نصر أي بقي وفي لغة من باب تعب وفضل بالكسر يفضل بالضم لغة ليست بالأصل لكنها على تداخل اللغتين قاله أحمد الفيومي (فضلة) بالضم إسم لما يفضل أي إذا بقي بقية من الماء (صبها عليه) أي صب الفضلة على جسده أو رأسه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي (ثم غسل مرافغه) بفتح الميم وكسر الفاء ثم الغين المعجمة هكذا في أكثر النسخ وهي جمع رفغ بضم الراء وفتحها وسكون الفاء هي المغابن من الآباط وأصول الفخذين وغيرها من مطاوي الأعضاء وما يجتمع فيه الوسخ والعرق قاله الجوهري وابن الأثير والمراد غسل الفرج
[ 284 ]
فكنت عنه بغسل المرافغ لأن كما جاء في بعض الروايات إذا التقى الرفغان وقد وجب الغسل يريد التقاء الختانين فكنى عنه بالتقاء أصول الفخذين كذا في النهاية وفي النسختين من المتن مرافقه بالقاف جمع مرفق مكان مرافغه ووقف على هذه الرواية الشيخ ولي الدين العراقي أيضا ولذا قال والأولى هي الدواية الصحيحة (وأفاض عليه) أي على رفغه وفرجه (فإذا أنقاهما) أي اليدين أي صب الماء على فرجه وغسله ثم غسل اليدين وأنقاهما (أهوى بهما إلى حائط) أي أمال وضرب بهما إلى جدار من صعيد لتحصل به النقاية الكاملة وفيه إشارة إلى أن ضرب اليدين على الجدار كان بعد غسلهما وإنقائهما علي بالماء فغسل أولا بالماء الخالص ثم ذلك يديه على الجدار وتتربهما وغسل (ثم يستقبل الوضوء) الاستقبال ضد الاستدبار أي يشرع في الوضوء واعلم أن متن هذا الحديث فيه اختصار وتقديم وتأخير ولعل بعض الرواة قد فعله ذلك والله تعالى أعلم (لئن شئتم) أيها الراغبون إلى رؤية أثر من آثار النبي (لأرينكم) من الإراءة والنون الثقيلة (حيث) للزمان أي حين يغتسل من الجنابة) فيضرب يده عليه مبتلا بالماء ويدلك دلكا ليذهب الاستقذار منها أو حيث للمكان أي في الموضع الذي كان يغتسل من الجنابة يضرب يده ثمة على الجدار وكان أثر يد في الجدار الذي دلت عليه عائشة رضي الله عنها كان موجودا في ذلك الزمان لقرب عهده فأرادت عائشة أن تريهم أثر يده قال المنذري وهذا مرسل الشعبي لم يسمع من عائشة (غسلا) بضم الغين وسكون السين هو الماء الذي يغتسل به كالأكل لما يؤكل تعالى وكذلك الغسول بضم الغين والمغتسل يقال لماء الغسل قال الله تبارك وتعالى هذا مغتسل بارد وشراب والغسل بالضم اسم أيضا من غسلته غسلا وبالفتح مصدر والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من خطمي وسدر ونحوهما كما صرح به أهل اللغة (فأكفأ) أي أمال (مرتين أو ثلاثا) الشك من
[ 285 ]
سليمان الأعمش كما أخرج البخاري من طريق أبي عوانة عن الأعمش فغسلها مرة أو مرتين قال سليمان لا أدري أذكر الثالثة أم لا (ثم ضرب بيده الأرض) فيه دليل على استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو الأرض (ثم تمضمض واستنشق) قال الحافظ فيه دليل على مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة وتمسك به الحنفية للقول بوجوبهما وتعقب بأن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب إلا إذا كان بيانا لمجمل تعلق به الوجوب وليس الأمر هنا كذلك قاله ابن دقيق العيد 0 قلت قد اختلف العلماء في المضمضة والاستنشاق في الغسل والوضوء هل هما واجبتان أو سنتان قال الترمذي اختلف أهل العلم فيمن ترك المضمضة والاستنشاق فقال طائفة منهم إذا تركهما في الوضوء حتى صلى أعاد ورأوا ذلك في الوضوء والجنابة سواء وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق وقال أحمد الاستنشاق أوكد من المضمضة وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد الوضوء وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة وقالت طائفة لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة لأنهما سنة من النبي فلا تجب الإعادة من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة وهو قول مالك والشافعي انتهى قلت إن المضمضة والاستنشاق في الوضوء لا يشك شاك في وجوبهما لأن أدلة الوجوب قد تكاثرت قال إذا توضأت فمضمض وقال عمرو بن عبسة يا نبي الله حدثني عن الوضوء فأعلمه رسول الله وذكر في تعليمه له المضمضة والاستنشاق فمن تركهما لا يكون متوضئا ولم يحك أحد من الصحابة أنه تركهما قط ولو بمرة بل ثبت بالأحاديث الصحيحة المشهورة التي تبلغ درجة التواتر مواظبته فأمره مع المواظبة عليهما يدل بدلالة واضحة على وجوبهما وأما وجوبهما في الغسل فهو أيضا ثابت بحديث أبي ذر قال رسول الله الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك أو قال بشرتك قال الترمذي حديث حسن صحيح وصححه أبو حاتم فقوله أمسه بشرتك ورد بصيغة الأمر وظاهره الوجوب وموضع المضمضة هو الفم واللسان وموضع الاستنشاق كلاهما من ظاهر الجلد فيجب إيصال الماء إليهما وبينته الروايات الأخرى أنه بالمضمضة والاستنشاق والله تعالى أعلم (ثم تنحى) أي تباعد وتحول عن مكانه (ناحية) أخرى (فغسل رجليه) وفيه التصريح بتأخير الرجلين في الغسل إلى آخر الغسل وقد جاءت الأحاديث في هذا الباب بثلاثة أنواع
[ 286 ]
النوع الأول ما ليس فيه ذكر غسل الرجلين أصلا بل اقتصر الراوي على قوله ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة كما في حديث عائشة أخرجه البخاري من طريق مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة النوع الثاني ما فيه التصريح بأنه لم يغسل الرجلين قبل إكمال الغسل بل أخره إلى أن فرغ منه كما في رواية ميمونة أخرجها البخاري في صحيحه من طريق سفيان عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة النوع الثالث ما فيه غسل الرجلين مرتين مرة قبل إتمام الغسل في الوضوء ومرة بعد الفراغ من الغسل كما في حديث عائشة كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه أخرجه مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة قال الحافظ ابن حجر تحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها وضؤه للصلاة أي أكثره وهو ما سوى الرجلين أو يحتمل على ظاهره ويحتمل أن يكون قولها في رواية أبي معاوية ثم غسل رجليه أي أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء قال وحديث ميمونة رضي الله عنها من طريق سفيان عن الأعمش مخالف لظاهر رواية عائشة من طريق مالك عن هشام ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز كما تقدم وإما بحمله على حالة أخرى وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم وعند الشافعية في الأفضل قولان أصحهما وأشهر هما ومختارهما أنه يكمل وضوءه قال لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمون كذلك انتهى كذا قال وليس في شئ من الروايات عنهما التصريح بذلك بل هي إما محتملة كرواية توضأ وضوءه للصلاة أو ظاهرة في تأخيرهما كحديث ميمونة من طريق سفيان عن الأعمش وراويها مقدم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش وقول من قال إنما فعل ذلك مرة لبيان الجواز متعقب فإن في رواية أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش ما يدل على المواظبة ولفظه كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه فذكر الحديث وفي آخره ثم يتنحى فيغسل رجليه قال القرطبي الحكمة في تأخير غسل الرجلين ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء انتهى كلام الحافظ قلت قال الشارح غسل الرجلين مرتين قبل إتمام الغسل في الوضوء وبعد الفراغ أو اقتصاره على أحدهما كل ذلك ثابت والذي نختاره هو غسلهما مرتين والله أعلم
[ 287 ]
(فناولته المنديل) بكسر الميم ما يحمل في اليد لإزالة الوسخ ومسح الدرن وتنشيف العرق وغيرهما من الخدمة وفي رواية للبخاري فناولته ثوبا أي لينشف به ماء الجسد (فلم يأخذه) المنديل واعلم أنه اختلف العلماء في التنشيف بعد الوضوء والغسل فكرهه بعضهم واستدلوا بحديث الباب ولا حجة فيه لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف بل لأمر يتعلق بالخرقة أو لكونه كان مستعجلا أو لغير ذلك وبحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء ولا أبو بكر ولا عمر ولا علي ولا ابن مسعود أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ وفيه سعيد بن ميسرة البصري قال البخاري منكر الحديث وقال ابن حبان يروي الموضوعات وإن صح فليس فيه نهيه وغاية ما فيه أن أنسا لم يره وإنما هو إخبار عن عدم رؤيته وهو غير مستلزم للنهي وذهب بعضهم إلى جواز ذلك بعد الوضوء والغسل واحتجوا بحديث سلمان الفارسي أن رسول الله توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه أخرجه ابن ماجه وإسناده حسن فهذا الحديث يصلح أن يتمسك به في جواز التنشيف بانضمام روايات أخرى جاءت في هذا الباب وذهب إليه الحسن بن علي وأنس وعثمان والثوري ومالك قاله الشوكاني (وجعل ينفض الماء) أي يحرك ويدفع الماء (عن جسده) واستدل له به على طهارة المتقاطر من أعضاء المتطهر خلافا لمن غلا من الحنفية فقال بنجاسته وقال بعض النفض ههنا محمول على تحريك اليدين في المشي وهو تأويل مردود وما جاء في النهي عن نفض الأيدي فهو ضعيف (فذكرت ذلك) أي حكم التنشيف ووجه رده (لإبراهيم) إبراهيم هذا هو النخعي والقائل له هو سليمان الأعمش كما في رواية أبي عوانة في هذا الحديث أخرجه أحمد بن حنبل والإسماعيلي في مستخرجه على صحيح البخاري (فقال) إبراهيم (يكرهون العادة) أي يكرهون التنشيف بالماء لمن يتخذه عادة لا لمن يفعله أحيانا في رواية أحمد لا بأس بالمنديل وإنما رده مخافة أن يصير عادة (يكرهونه) أي التنشيف (للعادة) فقط وليس كراهة في أصل الفعل (فقال) عبد الله (هكذا هو)
[ 288 ]
أي حديث ميمونة الذي فيه ناولته المنديل فلم يأخذه هكذا في حفظى وجه رده ولا مذاكرة الأعمش مع شيخه إبراهيم (لكن وجدته) أي توجيه إبراهيم ومذاكرة الأعمش معه (في كتابي هكذا) ويحتمل عكس ذلك أي حديث ميمونة هكذا في حفظي مع مذاكرة الأعمش مع شيخه إبراهيم وإنا نحفظها لكن وجدت حديث ميمونة في كتابي هكذا بغير قصة إبراهيم وليس فيه ذكر لمذاكرتهما فإن وهذا الاحتمال الثاني قرره شيخنا العلامة متعنا الله بطول بقائه وقت الدرس قال ابن رسلان قال أصحاب الحديث إذا وجد الحافظ الحديث في كتابه خلاف ما يحفظه فإن كان حفظه من كتابه فليرجع إلى كتابه وإن حفظه من المحدث أو من القراءة على المحدث وهو غير شاك في حفظه فليعتمد على حفظه والأحسن أن يجمع بينهما كما فعل عبد الله بن داود فيقول في حفظي كذا وفي كتابي كذا وكذا فعل شعبة وغير واحد من الحفاظ والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وليس في حديثهم قصة إبراهيم (عن شعبة) هو أبو عبد الله بن دينار مولى ابن عباس رضي الله عنه ضعيف (سبع مرار) هذا الحديث ليس بحجة لكونه ضعيفا وإن صح فيحمل فعل ابن عباس رضي الله عنه من غسله للأعضاء سبع مرار على ما كان الأمر قبل ذلك كما سيجئ بيانه في الحديث الآتي ثم رفع ذلك الحكم (ثم يغسل فرجه) كذلك سبع مرار (فنسى) ابن عباس (مرة كم أفرغ) أي على يديه أو على فرجه أو على أي عضو من اعضاء البدن من الماء (فسألني) ابن عباس وهذه مقولة شعبة (كم أفرغت) أأفرغت سبع مرار أو أقل من ذلك (فقال لا أم لك) قال الطيبي لا أم لك ولا أب لك هو أكثر ما يذكر في المدح أي لا كافي لك غير نفسك وقد يذكر للذم والتعجب ودفعا للعين انتهى فعلى الذم والسبب يكون المعنى أنت لقيط لا يعرف لك أم فأنت مجهول (وما يمنعك أن تدري) أي لم لم تنظر إلى حتى تعلم (ثم يقول هكذا كان رسول الله يتطهر) الظاهر من هذا الحديث أن النبي كان يغسل أعضاءه في الغسل سبع مرار لكن الحديث ضعيف فهذا الحديث لا يستطيع المعارضة للأحاديث الصحاب التي فيها تنصيص أنه ص
[ 289 ]
يغسل أعضاءه في الغسل ثلاث مرار قال المنذري شعبة هذا هو ابن عبد الله ويقال أبو يحيى مولى عبد الله بن عباس مدني لا يحتج بحديثه انتهى (يسأل) ربه عز وجل التخفيف (حتى جعلت الصلاة خمسا) قال الشيخ عبد الحق الدهلوي الظاهر أن ذلك ليلة المعراج والمشهور أحاديث المعراج في الصحيحين وغيرهما هو ذكر الصلوات فقط انتهى وأورد الشيخ عبد الوهاب الشعراني حديث ابن عمر هذا في كتابه كشف الغمة عن جميع الأمة بلفظ كان ابن عمر رضي الله عنه يقول كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرات وغسل البول من الثوب سبع مرات فلم يزل رسول الله يسأل ربه عز وجل ليلة الإسراء حتى جعلت الصلاة خمسا وغسل الجنابة مرة وغسل البول مرة قال عبد الحق الدهلوي وغسل الثوب مرة هو مذهب الشافعي وتثليث الغسل مندوب وعند أبي حنيفة التثليث في نجاسة غير مرئية واجب قال الفقيه برهان الدين المرغيناني من أجل أئمة الحنيفة والنجاسة ضربان مرئية وغير مرئية فما كان منها مرئيا فطهارتها بزوال عينها وما ليس بمرئي فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر لأن التكرار لا بد منه للاستخراج وإنما قدروا بالثلاث لأن غالب الظن يحصل عنده ويتأيد ذلك بحديث إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا انتهى قال المنذري عبد الله بن عصم ويقال ابن عصمة نصيبي ويقال كوفي كنيته أبو علوان تكلم فيه غير واحد والراوي عنه أيوب بن خالد أبو سليمان اليمامي ولا يحتج بحديثه (إن تحت كل شعرة جنابة) الشعر بفتح الشين وسكون العين للإنسان وغيره فيجمع على شعور مثل فلس وفلوس وبفتح العين فيجمع على أشعار مثل سبب وأسباب وهو مذكر الواحدة شعرة بفتح الشين والشعرة بكسر الشين على وزن سدرة شعر الراكب للنساء خاصة قاله في
[ 290 ]
العباب فلو بقيت شعرة واحدة لم يصل إليها الماء بقيت الجنابة (فاغسلوا الشعر) بفتح العين وسكونها أي جميعه قال الإمام الخطابي ظاهر هذا الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا أراد الاغتسال من الجنابة لأنه لا يكون شعره مغسولا إلا أينقضها وإليه ذهب إبراهيم النخعي وقال عامة أهل العلم إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره يجزيه والحديث ضعيف انتهى قلت واستثنيت من هذا الحكم كما سيجئ (وأنقوا البشر) من الإنقاء أي نظفوا البشر من الأوساخ لأنه لو منع شئ من ذلك وصول الماء لم ترتفع الجنابة والبشر بفتح الباء والشين قال إمام أهل اللغة الجوهري في الصحاح البشر ظاهر جلد الأنسان وفلان مؤدم مبشر إذا كان كاملا من الرجال كأنه جمع لين الأدمة باطن الجلد الذي يلي اللحم وقال في القاموس الأدمة محركة باطن الجلدة التي تلي اللحم أو ظاهره عليه الشعر قا الخطابي وقد يحتج به من يوجب الاستنشاق في الحنابة لما في داخل الأنف من الشعر واحتج بعضهم في إيجاب المضمضة بقوله وانقوا البشر فزعم أن داخل الفم من البشر وهذا خلاف قول أهل اللغة لأن البشرة عندهم هي ما ظهر من البدن وأما داخل الأنف والفم فهو الأدمة والعرب تقول فلان مؤدم مبشر إذا كان خشن الظاهر مخبوز الباطن كذلك أخبرني أبو عمر عن أبي العباس أحمد بن يحيى انتهى كلامه قلت على تصريح الجوهري داخل الفم والأنف ليس من الأدمة لأن الأدمة على تفسيره هي باطن الجلد الذي يلي اللحم وداخل الفم والأنف ليس كذلك بل هو مما لا يلي اللحم وليس هو من الباطن بل هو من الظاهر فالاستدلال على إيجاب المضمضة في الغسل من الجنابة بقوله وأنقوا البشر صحيح (حديثه منكر) إعلم أن المنكر ينقسم إلى قسمين الأول ما انفرد به المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو الضعف في بعض مشائخه خاصة أو نحوهم ممن لا يحكم لحديثهم بالقبول بغير عاضد يعضده بما لا متابع له ولا شاهد وعلى هذا القسم يوجد إطلاق المنكر لكثير من المحديثين كأحمد والنسائي وإن خولف مع ذلك فهو القسم الثاني من المنكر وهو المعتمد على رأي أكثر المحدثين ومراد المؤلف بقوله حديثه منكر هو القسم الأول (وهو) الحارث (ضعيف) وكذا ضعفه آخرون قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك وذكر الدارقطني أنه غريب من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة تفرد به مالك بن دينار وعنه الحارث بن وجيه وذكر الترمذي أيضا أن الحارث تفرد به عن مالك بن دينار وعنه الحارث بن وجيه وذكر الترمذي أيضا أن الحارث تفرد به عن مالك ابن دينار انتهى كلام المنذري
[ 291 ]
(من ترك موضع شعرة من جنابة) متعلق بترك أي من عضو مجنب (لم يغسلها) الظاهر بالنظر إلى المعنى أن يكون الضمير لموضع أنثة عمر باعتبار المضاف إليه (فعل) بصيغة المجهول (بها) الباء للسببية والضمير للتأنيث يرجع إلى الشعرة أو موضعها ولفظ أحمد فعل الله به (كذا وكذا من النار) كناية عن العدد أي كذا وكذا عذابا أو زمانا (قال علي رضي الله عنه فمن ثم) أي فمن أجل أن سمعت هذا التهديد (عاديت رأسي) أي فعلت بشعر رأسي فعل العدو بالعدو يعني قطعت شعر رأسي مخافة أن لا يصل الماء إلى جميع رأسي وقوله عاديت هو كناية عن دوام جز شعر الرأس وقطعه (وكان) علي (يجز شعره) من الجز بالجيم وتشديد الزاء المعجمة هو قص الشعر والصوف قال في المصباح جززت الصوف جزا قطعته من باب قتل وقال بعضهم الجز القطع في الصوف وغيره وقال المنذري وأخرجه ابن ماجه في إسناده عطاء بن السائب وقد وثقه أبو داود السجستاني وأخرج له البخاري حديثا مقرونا بأبي بشر وقال يحيى بن معين لا يحتج بحديثه وتكلم فيه غيره وقد كان تغير في آخر عمره وقال الإمام أحمد من سمع منه قديما فهو صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن بشئ ووافقه على هذه التفرقة غير واحد انتهى كلام المنذري واستدل بحديث علي هذا جواز حلق الرأس ولو دواما ويدل على جواز حلق الرأس حديث ابن عمر أن النبي رأى صبيا حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهى عن ذلك وقال احلقوا كله أو اتركوا كله أخرجه مسلم والمؤلف ويجئ بحث ذلك في كتاب الترجل إن شاء الله تعالى 99 الوضوء بعد الغسل (يغتسل) من الجنابة (ويصلي) بعد الغسل (الركعتين) قبل الصبح (و) يصلي (صلاة
[ 292 ]
الغداة) أي الصبح (ولا أراه بالضم أي لا أظنه (يحدث) من الأحداث أي يجدد (وضوءا بعد الغسل) اكتفاءا بوضوئه الأول قبل الغسل كما في أكثر الروايات أو باندراج ارتفاع الحدث الأصغر تحت ارتفاع الأكبر بإيصال الماء إلى جميع أعضائه قال الترمذي هذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين أن لا يتوضأ بعد الغسل قلت لا شك في أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في الغسل لا محالة فالوضوء قبل إتمام الغسل سنة ثابتة عنه وأما الوضوء بعد الفراغ من الغسل فلم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم ولم يثبت قال المنذري وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل وفي حديث ابن ماجه بعد الغسل من الجنابة حسن قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي أنها تختلف نسخ الترمذي في تصحيح حديث عائشة المذكور وأخرجه البيهقي بأسانيد جيدة وفي الباب عن ابن عمر مرفوعا وعنه موقوفا أنه قال لما سئل عن الوضوء بعد الغسل وأي وضوء أعم من الغسل رواه ابن أبي شيبة وروى ابن أبي شيبة أيضا أنه قال لرجل قال له إني أتوضأ بعد الغسل فقال لقد تعمقت وكذلك كان يقول جابر بن عبد الله والله تعالى أعلم 100 المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل أو يكفيها صب الماء على رأسها من غير نقض الضفائر (قالت إن امرأة من المسلمين) هذا لفظ ابن السرح فلم يصرح من هي (وقال زهير) في
[ 293 ]
روايته (إنها) أي أم سلمة فزهير صرح بأن السائلة هي أم سلمة (أشد) بفتح الهمزة وضم الشين أي احكم (ضفر رأسي) قال النووي هو بفتح الضاد وإسكان الفاء هذا هو المشهور المعروف في رواية الحديث والمستفيض عند المحدثين والفقهاء وقال الإمام ابن أبزي وقولهم في حديث أم سلمة أشد ضفر رأسي يقولونه بفتح الضاد وإسكان الفاء وصوابه ضم الضاد والفاء جمع ضفيرة كسفينة وسفن وهذا الذي أنكره ليس كما زعمه بل الصواب جواز الأمرين ولكل واحد منهما معنى صحيح ولكن يترجح فتح الضاد والمعنى أني إمرأة أحكم فتل شعر رأسي (أن تحفني) من الحفن وهو ملأ الكفين من أي شئ كان أي تأخذي الحفنة من الماء (عليه ثلاثا) أي على رأسك كما في رواية الترمذي وهذا لفظ ابن السرح (تحثي عليه) تحثي بكسر مثلثة وسكون ياء أصله تحثوين النبي كتضربين أو تنصرين فحذف حرف العلة بعد نقل حركته أو حذفه وحذف النون للنصب وهو بالواو والياء يقال حثيت وحثوت لغتان مشهورتان والحثية هي الحفنة وزنا ومعنى (ثم تفيضي على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت) قال الخطابي فيه دليل على أنه إذا انغمس في الماء أو جلل به بدنه عن غير ذلك باليد وإمرار بها عليه فقد أجزأه وهو قول عامة الفقهاء إلا مالك بن أنس فإنه قال في
[ 294 ]
الوضوء إذا غمس يده أو رجله لم يجزه وإن نوى الطهارة حتى يمر يديه على رجليه بذلك بينهما انتهى ويجئ بيانه مبسوطا في آخر الباب قال في سبل السلام والحديث دليل على أنه لا يجب نقض الشعر على المرأة في غسلها من جنابة أو حيض وأنه لا يشترط وصول الماء إلى أصوله وهي مسألة خلاف فعند البعض لا يجب النقض في غسل الجنابة ويجب في الحيض والنفاس لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة انقضى شعرك واغتسلي وأجيب بأنه معارض بهذا الحديث ويجمع بينهما بأن الأمر بالنقض للندب أو يجاب بأن شعر أم سلمة كان خفيفا فعلم صلى الله عليه وسلم أنه يصل الماء إلى أصوله وقيل يجب النقض إن لم يصل الماء إلى أصول الشعر وإن وصل لخفة الشعر لم يجب نقضه أو بأنه إن كان مشدودا نقض وإلا لم يجب نقضه لأنه يبلغ الماء أصوله وأما حديث بلوا الشعر وانفقوا البشر فلا يقوي على معارضة حديث أم سلمة وأما فعله صلى الله عليه وسلم وإدخال أصابعه كما سلف في غسل الجنابة ففعله لا يدل على الوجوب ثم هو في حق الرجال وحديث أم سلمة في حق النساء هكذا حاصل ما في الشرح المغربي إلا أنه لا يخفي أن حديث عائشة كان في الحج فإنها أحرمت بعمرة ثم حاضت قبل دخول مكة فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تنقض رأسها وتمشط وتغتسل وتهل بالحج وهي حينئذ لم تطهر من حيضها فليس إلا غسل تنظيف لا حيض فلا يعارض حديث أم سلمة أصلا فلا حاجة إلى هذه التأويلات التي في غاية الركاكة فإن خفة شعر هذه دون هذه يفتقر إلى دليل
[ 295 ]
والقول بأن هذا مشدود وهذا بخلافه والعبارة عنهما من الراوي بلفظ النقض دعوى بغير دليل انتهى كلام صاحب السبل قلت مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على فعله وزجره على تاركه يفيد الوجوب فالصحيح أنه في حق الرجال دون النساء والله تعالى أعلم قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (بمعناه) أي ذكر الراوي بمعنى الحديث الأول وزاد فيه هذه الجملة (واغمزي قرونك عند كل حفنة) قال في النهاية الغمز العصر والكبس باليد أي أكبسي وإن وأعصري كما ضفائر شعرك عند كل حفنة من الماء وقال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي الغمز هو التحريك بشدة والقرون واحدها قرن هو شئ مجموع من الشعر من قولك قرنت الشئ بغيره أي جمعته معه ويحتمل أن يكون ذلك الحمل من الشعر إذا جمعت وفتلت هو جاءت على هيأة القرون فسميت بها انتهى قال ابن تيمية فيه دليل على وجوب بل داخل الشعر المسترسل
[ 296 ]
(كانت إحدانا) أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (تعني) أي عائشة بقولها هكذا (بكفيها جميعا) وهذا تفسير من أحد الرواة (وأخذت) أي إحدانا الماء (بيد واحدة فصبتها) أي اليد الممتلئة من الماء (على هذا الشق) الأيمن من الرأس (والأخرى) أي اليد الأخرى (على الشق الآخر) وهو الأيسر وفي هذا الحديث أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقضن ضفائر رؤوسهن عند الاغتسال من الجنابة قال المنذري وأخرجه البخاري بنحوه (كنا نغتسل وعلينا الضماد) بكسر الضاد المعجمة وآخره الدال المهملة قال الجوهري ضمد فلان رأسه تضميدا وسلم أي شده بعصابة أو ثوب ما خلا العمامة وقال في النهاية أصله الشد يقال ضمد رأسه وجرحه إذا شده بالضماد وهي خرقة يشد بها العضو الماؤف ثم قيل لوضع الدواء على الجرح وغيره وإن لم يشد انتهى والمراد بالضماد في هذا الحديث ما يلطخ به الشعر مما يلبده ويسكنه من طيب وغيره لا الخرقة التي يشد بها العضو الماؤف والمعنى كنا نلطخ ضفائر رؤوسنا بالصمغ والطيب والخطمي وغير ذلك ثم نغتسل بعد ذلك ويكون ما نلطخ ونضمد عنه به من الطيب وغيره باقيا على حاله لعدم نقض الضفائر ويحتمل أن يكون المعنى كنا نغسل ونكتفي بالماء الذي نغسل به الخطمي ولا نستعمل بعده ماءا آخر أي نكتفي بالماء الذي نغسل به الخطمي وننوي به غسل الجنابة ولا نستعمل بعده ماءا نخص به الغسل قاله الحافظ ابن الأثير في جامع الأصول ويؤيده حديث عائشة الآتي من طريق قيس بن وهب من رجل من بني سواءة عنها والله تعالى أعلم (ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات) من الإحلال والإحرام وهما في موضع النصب
[ 297 ]
على الحال من قولها نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في محل الرفع على أنها خبر لقولها نحن والمعنى كنا نفعل ذلك المذكور في الحل وعند الإحرام قال المنذري إسناده حسن (قال قرأت في أصل إسماعيل بن عياش) أي في كتابه وإسماعيل بن عياش وثقه أحمد وابن معين ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين (وأخبرنا محمد بن إسماعيل عن أبيه) إسماعيل بن عياش قال في التقريب إنما عابوا عليه أي محمد بن إسماعيل بن عياش أنه حدث عن أبيه بغير سماع والحاصل أن ابن عوف روى هذا الحديث أولا عن صحيفة إسماعيل بن عياش بغير سماع وأجازه منه ثم رواه عن ابنه محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه إسماعيل وعلى كل حال فالحديث ليس بمتصل الإسناد لأن ابن عوف ومحمد بن إسماعيل كلاهما لم يسمع من إسماعيل بن عياش (حدثهم) أي جبيرا (جبير) وغيره ممن يروي عن ثوبان (عن ذلك) أي عن صفة غسل الجنابة (أما الرجل فلينشر رأسه) بالشين المعجمة من النشر هكذا في عامة النسخ أي ليفرق يقال جاء القوم نشرا أي منتشرين متفرقين (حتى يبلغ) الماء (أصول الشعر) ولا يحصل بلوغ الماء إلى أصول الشعر إلا بالنقض إن كان ضفيرا وإن لم يكن ضفيرا فبالإنتشار إن وتفرقة للشعر وهذا الحكم للرجال (وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه) لا نافية أي لا ضرر على المرأة في ترك نقض شعرها وقيل زائدة فالمعنى لا واجب على المرأة أن تنقض شعرها (لتغرف) أمر للمؤنث الغائب وهذه جملة مستأنفة (على رأسها ثلاث غرفات) جمع غرفة بفتح الغين مصدر
[ 298 ]
للمرة من غرف إذا أخذ الماء بالكف قاله الطيبي وفي بعض الشروح غرفة بفتح الغين مصدر وبضم الغين المغروف أي ملأ الكف وغرف بالضم جمع غرفة بالضم قال المنذري في إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه وفيهما مقال انتهى قال ابن القيم هذا الحديث رواه أبو داود من حديث إسماعيل بن عياش وهذا إسناد شامي وحديثه عن الشاميين صحيح انتهى واعلم أنه اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى في نقض المرأة ضفر رأسها على أربعة أقوال الأول لا يجب النقض في غسل الحيض والجنابة كليهما إذا وصل الماء إلى جميع شعرها ظاهره وباطنه حتى يبلغ الماء إلى داخل الشعر المسترسل وإلى أصول الشعر وإلى جلد الرأس وهذا مذهب الجمهور واستدلالهم بحديث علي من ترك موضع شعرة من جنابة الحديث وبحديث أم سلمة من طريق أسامة ابن زيد عن القبري عنها وفيه واغمزي قرونك عند كل حفنة والغمز هو التحريك بشدة وبحديث عائشة في صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الأئمة الستة إلا ابن ماجه وفيه يدخل يديه في الإناء فيخلل شعره حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة ولمسلم ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر وللترمذي والنسائي ثم يشربه الماء وبحديث عائشة أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض وفيه فتدلك حتى تبلغ شؤون رأسها أخرجه مسلم والمؤلف وبغير ذلك من الأحاديث التي تدل بظاهرها على دعواهم الثاني أنها تنقضه بكل حال وهو قول إبراهيم النخعي قال ابن العربي ووجه قوله وجوب عموم الغسل ولم ير ما ورد من النبي صلى الله عليه وسلم من الرخصة ولو رآه ما تعداه إن شاء الله تعالى الثالث وجوب النقض في الحيض دون الجنابة وهو قول الحسن وطاوس وأحمد بن حنبل واحتجاجهم بحديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسلت المرأة من حيضتها نقضت شعره نقضا وغسلته بخطمي وأشنان فإذا اغتسلت من الجنابة صبت على رأسها الماء وعصرته أخرجه الدارقطني في الأفراد والبيهقي في سننه الكبرى والطبراني في معجمه الكبير قلت قال في السيل الجرار في إسناده مسلم بن صبيح اليحمدي وهو مجهول وهو غير أبي الضحى مسلم بن صبيح المعروف فإنه أخرجه الجماعة كلهم وأيضا إقرانه بالغسل الخطمي وأشنان يدل على عدم الوجوب فإنه لم يقل أحد بوجوب الخطمي ولا الأشنان انتهى وبحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وكانت حائضا انقضي شعرك واغتسلي رواه الأئمة الستة وهذا
[ 299 ]
لفظ ابن ماجه وفي رواية البخاري فزعمت أنها حاضت ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة فقالت يارسول الله هذه ليلة عرفة وإنما كنت تمتعت بعمرة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم انقضي رأسك وامتشطي وأمسكي عن عمرتك الحديث قلت أجيب بأن الخبر ورد في مندوبات الإحرام والغسل في تلك الحال للتنظيف لا للصلاة والنزاع في غسل الصلاة ذكره الشوكاني في نيل الأوطار وقال في السيل الجرار واختصاص هذا بالحج لا يقتضي ثبوته في غيره ولا سيما وللحج مدخلة في مزيد التصييف إلا ثم اقترانه بالامتشاط الذي لم يوجبه أحد يدل على عدم وجوبه انتهى الرابع لا يجب النقض على النساء وإن لم يصل الماء إلى داخل بعض شعرها المضفور ويجب على الرجل إذا لم يصل الماء إلى جميع شعره ظاهره وباطنه من غير نقض وهذا المذهب الرابع هو القوي من حيث الرواية والدراية فإنك تعلم أن النصوص الصحيحة قد دلت وقام الإجماع على أن عموم الغسل يجب في جميع الأجزاء من شعر وبشر حتى لا يتم الغسل إن بقي موضع يسير غير مغسول وهذا الحكم بعمومه يشمل الرجال والنساء لأن النساء شقائق الرجال لكن رخص الشارع للنساء في ترك نقض ضفر رؤوسهن يدل عليه حديث أم سلمة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله إني إمرأة أشد ضفر رأسي أفانقضه قال لا إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حفنات وكذا قول عائشة عجبا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن الحديث وكذا حديث ثوبان المتقدم وإنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم للنساء لترداد حاجتهن وأجل مشقتهن فيه في نقض شعورهن المضفورة فحكم الرجال في ذلك مغاير للنساء فإذالا يبل الرجال جميع شعورهم ظاهرها وباطنها لا يتم غسلهم بخلاف النساء فإنهن إذا صببن على رؤوسهن ثلاث حثيات ثم غسلهن وإن لم يصل الماء إلى داخل بعض شعورهن المضفورة وأما الضفر للرجال فكان أقل القليل ونادرا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة فلذا ما دعت حاجتهم لسؤاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما اضطروا لأظهار مشقتهم لديه فلم يرخص لهم في ذلك وبقي لهم حكم تعميم غسل الرأس على وجوبه الأصلي وأما الجواب عن حديث عائشة أن أسماء بنت شكل سألت النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فتدلكه دلكا شديدا حتى يبلغ الماء أصول شعرها فمن وجهين الأول أن هذا الحديث أخرجه الشيخان من طريق منصور بن صفية عن امه عن عائشة ولم يذكر منصور هذه الجملة وأنما أتى بها إبراهيم بن المهاجر وهو ليس بقوي وأخرجه مسلم في المتابعات والثاني أنه يحمل حديث أم سلمة على الرخصة وحديث أسماء بنت شكل على العزيمة فلا منافاة والله تعالى أعلم والبسط في غاية المقصود
[ 300 ]
في الجنب يغسل رأسه بالخطمي وقال هو بكسر الخاء المعجمة الذي يغسل به الرأس كذا للجوهري وقال الأزهري هو بفتح الخاء ومن قال خطمي بالكسر فقد لحن قاله ابن رسلان وقال الطيبي هو بكسر خاء نبت يغسل به الرأس (عن رجل من بني سواءة) بضم السين على وزن خرافة (كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب) أي في حال الجنابة (يجتزي بذلك) قال ابن رسلان أي أنه كان يكتفي بالماء المخلوط به الخطمي الذي يغسل به وينوى به غسل الجنابة ولا يستعمل بعده ماءا آخر صاف يخص به الغسل وهذا فيما إذا وضع السدر أو الخطمي على الرأس وغسله به فإنه يجزي ذلك ولا يحتاج إلى أن يصب عليه الماء ثانيا مجردا للغسل وإنما إذا طرح السدر في الماء ثم غسل به رأسه فإنه لا يجزيه ذلك بل لا بد من الماء القراح بعده فليتنبه لذلك لئلا يلتبس ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم غسل رأسه بالماء الصافي قبل أن يغسله بالخطمي فارتفعت الجنابة عن رأسه ثم يغسل سائر الأعضاء ويحتمل أن الخطمي كان قليلا والماء لم يفحش تغيره انتهى كلام ابن رسلان (ولا يصب عليه الماء) قال ابن رسلان الضمير في عليه عائد إلى الخطمي ولم يتعرض لإفاضة الماء على جسده ويحتمل أن يكون الضمير في عليه عائدا إلى رأسه أي يصب الماء الذي يزيل به الخطمي ولا يصب على رأسه الماء الآخر بعد إزالته قال المنذري رجل من بني سواءة مجهول قيل يكتفي بالماء الذي يغسل به الخطمي وينوي غسل الجنابة ولا يستعمل بعده ماء آخر يخص به الغسل انتهى باب فيما يفيض بفتح أوله من باب ضرب أي يسيل أنه (بين الرجل والمرأة من الماء) أي المني أو المذي (من الماء) قال ابن رسلان يعني أنه سأل
[ 301 ]
عائشة رضي الله عنها عن الماء الذي ينزل بين الرجل والمرأة من المذي والمني ما حكمه (يصب علي الماء) الذي ينزل منه عند مباشرتها ويروي يصب علي بتشديد الياء قاله ابن رسلان (كفا من ماء) يعني الماء الباقي منه وفيه حجة لما ذهب إليه أحمد بن حنبل في المذي أنه يكفي في غسل رش كف من ماء كذا في شرح ابن رسلان وقال السيوطي في مرقاة الصعود قال الشيخ ولي الدين العراقي الظاهر أن معنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حصل في ثوبه أو بدنه مني يأخذ كفا من ماء فيصبه على المني لإزالته عنه ثم بقية ماء في الإناء فيصبه عليه لإزالة الأثر وزيادة تنظيف المحل فقولها يأخذ كفا من ماء تعني الماء المطلق يصب على الماء تعني المني ثم يصبه تعني بقية الماء الذي اغترف منه كفا عليه أي على المحل هذا ما ظهر لي في هذا المقام في معناه ولم أر من تعرض شرحه هذا آخر كلام السيوطي قال المنذري وفيه أيضا رجل مجهول مؤاكلة الحائض أي الأكل مع الحائض (ومجامعتها) أي مخالطتها في البيت وقت الحيض ماذا حكمها (ولم يؤاكلوها) أي لم يأكلوا معها ولم تأكلن معهم (ولم يجامعوها في البيت) أي لم يخالطوها ولم يساكنوها في بيت واحد قاله النووي (عن ذلك) أي فعل اليهود مع نسائهم من ترك المؤاكلة والمشاربة والمجالسة معها (عن المحيض) أي الحيض أو مكانه ماذا يفعل بالنساء فيه (قل هو أذى) قذر أو محله أي شئ يتأذى به أي برائحته (فاعتزلوا النساء) أي اتركوا وطئهن (في المحيض) أي وقته أو مكانه والمراد من هذا الاعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة والملابسة (جامعوهن في البيوت) أي خالطوهن في البيوت بالمجالسة والمضاجعة والمؤاكلة والمشاربة (واصنعوا كل شئ) من أنواع
[ 302 ]
الاستمتاع كالمباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو القبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك (غير النكاح) قال الطيبي إن المراد بالنكاح الجماع إطلاق لاسم السبب باسم المسبب لأن عقد النكاح سبب للجماع انتهى وقوله اصنعوا كل شئ هو تفسير للآية وبيان لاعتزلوا وهو فإن الاعتزال شامل للمجانبة عن المؤاكلة والمصاحبة والمجامعة فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالاعتزال ترك الجماع فقط لا غير ذلك (فقالت اليهود ما يريد هذا الرجل) يعنون به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم (أن يدع) من ودع أي يترك (إلا خالفنا فيه) أي في الأمر الذي نفعله (فجاء أسيد بن حضير) بلفظ التصغير (وعباد بن بشر) بكسر الباء وسكون الشين وهما صحابيان مشهوران (تقول كذا وكذا) في ذكر مخالفتك إياهم في مؤاكلة الحائض ومشاربتها ومصاحبتها (أفلا ننكحهن في المحيض) أي أفلا نباشرهن بالوطء في الفرج أيضا لكي تحصل المخالفة التامة معهم والإستفهام إنكاري (فتمعر) كتغير وزنا ومعنى قال الخطابي معناه تغير والأصل في التمعر قلة النضارة وعدم إشراق اللون ومنه مكان معر وهو الجدب الذي ليس فيه خصب (حتى ظننا) قال الخطابي يريد علمنا فالظن الأول حسبان والآخر علم ويقين والعرب تجعل الظن مرة حسبانا ومرة علما ويقينا وذلك لاتصال طرفيهما فمبدأ العلم ظن وآخره علم ويقين قال الله عزوجل الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم معناه يوقنون (أن قد وجد عليهما) يقال وجد عليه يجد وجدا وموجدة بمعنى غضب (فاستقبلتهما هدية من لبن) أي جاءت مقابلة لهما في حال خروجهما من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصادف خروجهما مجئ الهدية مقابلة لهما (فبعث) النبي صلى الله عليه وسلم (في آثارهما) أي وراء خطاهما صلى الله عليه وسلم لطلبهما فرجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فسقاهما) من ذلك اللبن المهدي إليه (فظننا أنه) صلى الله عليه وسلم (لم يجد عليهما) أي لم يغضب غضبا شديدا باقيا بل زال غضبه سريعا والحديث فيه مسائل الأولى جواز الاستمتاع من الحائض غير الوطء والمؤاكلة والمجانسة معها والثانية الغضب عند انتهاك محارم الله تعالى الثالثة سكوت التابع عند غضب المتبوع وعدم مراجعته له بالجواب إن كان الغضب للحق الرابعة المؤانسة والملاطفة بعد الغضب على من غضب إن كان أهلا لها وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
[ 303 ]
(أتعرق العظم) يقال عرقت العظم وتعرقته واعترقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك أي آخذ ما على العظم من اللحم بأسناني (فأعطيه) أي ذلك العظم الذي أخذت منه اللحم (فيضع) النبي صلى الله عليه وسلم (وضعته) فمي (فأناوله) أي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث نص صريح في المؤاكلة والمشاربة مع الحائض وأن سؤرها وفضلها طاهران وهذا هو الصحيح خلافا للبعض كما أشار إليه الترمذي وهو مذهب ضعيف قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (في حجري) بفتح المهملة وسكون الجيم ويجوز كسر أوله (فيقرأ وأنا حائض) قال النووي فيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا على الحائض وبقرب موضع النجاسة انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه 104 الحائض تناول أي تأخذ شيئا (من المسجد) وهي خارجة من المسجد وتعطيه رجلا آخر سواء كان ذلك الرجل في المسجد أو خارجه (ناوليني) أي أعطيني (الخمرة) بضم الخاء وإسكان الميم قال الخطابي هي السجادة التي يسجد عليها المصلي ويقال سميت بها لأنها تخمر وجه المصلي عن الأرض أي تستره وصرح جماعة بأنها لا تكون إلا قدر ما يضع الرجل حر وجهه في سجوده وقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنه قال جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها موضع درهم
[ 304 ]
فهذا تصريح بإطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه وفي النهاية لابن الأثير هي مقدار ما يضع عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات وفي حديث الفأرة تصريح في إطلاق الخمرة على الكبير منها (من المسجد) اختلف في متعلقه فبعضهم قالوا متعلق بناوليني وآخرون قالوا متعلق بقال أي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد ذهب القاضي عياض إلى الثاني وقال معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها من المسجد أي وهو في المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخرج الخمرة من المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم كان معتكفا في المسجد وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض لقوله صلى الله عليه وسلم إن حيضتك ليست في يدك فإنما خافت من إدخال يدها المسجد ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى قاله النووي وذهب إلى الأول المؤلف والنسائي والترمذي وابن ماجه والخطابي وأكثر الأئمة قلت هو الظاهر من حديث عائشة المذكور ليس فيه خفاء وهو الصواب وعليه تحمل رواية النسائي من طريق منبوز عن أمة أن ميمونة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض والحديث إسناده قوي والمعنى أنه تقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد ونقف خارج المسجد فتبسطها وهي حائض خارجة من المسجد (إن حيضتك ليست في يدك) قال النووي هو بفتح الحاء هذا هو المشهور في الرواية وهو الصحيح وقال الإمام أبو سليمان الخطابي المحدثون يقولونها بفتح الحاء وهو خطأ وصوابها بالكسر أي الحالة والهيئة وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي وقال الصواب ههنا ما قاله المحدثون من الفتح لأن المراد الدم وهو الحيض بالفتح بلا شك لقوله صلى الله عليه وسلم ليست في يدك معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها وهي دم الحيض ليست في يدك وهذا بخلاف حديث أم سلمة فأخذت ثياب حيضتي فإن الصواب فيه الكسر هذا كلام القاضي عياض وهذا الذي اختاره من الفتح هو الظاهر ههنا ولما قاله الخطابي وجه انتهى كلام النووي قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وأخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله البهي 105 في الحائض لا تقضي الصلاة أيام حيضها
[ 305 ]
(فقالت أحرورية أنت) بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى قال السمعاني هو موضع على ميلين من الكوفة كان أول اجتماع الخوارج به قال الهروي تعاقدوا في هذه القرية فنسبوا إليها قاله النووي وفي فتح الباري ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي رضي الله عنه بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها وهم فرق كثيرة لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه الحديث مطلقا ولذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار (فلا نقضي) الصلاة (ولا نؤمر) بصيغة المجهول (بالقضاء) أي بقضاء الصلاة الفائتة زمن الحيض ولو كان القضاء واجبا لأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم به قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (وزاد) معمر عن أيوب (فيه) أي في هذا الحديث قال الحافظ في الفتح والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصيام والصلاة أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف الصيام 106 في إتيان الحائض بالجماع في فرجها ما حكمه (يتصدق بدينار أو نصف دينار يكون ذلك كفارة لإثمه (هكذا الرواية الصحيحة قال
[ 306 ]
دينارا ونصف دينار) أي رواية ابن عباس بلفظ دينار أو نصف دينار بحرف أو على التخيير هي الرواية الصحيحة وأما الرواية الأخرى التي فيها التفصيل أو الاقتصار على نصف دينار فليست مثلها في الصحة (وربما لم يرفعه شعبة) بل رواه موقوفا على ابن عباس رضي الله عنه (عن مقسم عن ابن عباس) موقوفا عليه (إذا أصابها) إذا جامعها (في الدم) وفي بعض النسخ في أول الدم (وكذلك) أي مثل رواية علي بن الحكم
[ 307 ]
(فليتصدق بنصف دينار) فيه اقتصار على نصف دينار (وكذا) أي مثل رواية خصيف بالاقتصار على نصف دينار (بذيمة) بفتح الموحدة وكسر المعجمة (أمره أن يتصدق بخمسي دينار) هذا الحديث مختصر وأخرجه الدارمي بتمامه عن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب قال كان لعمر بن الخطاب امرأة تكره الجماع فكان إذا أراد أن يأتيها اعتلت عليه بالحيض فوقع عليها فإذا هي صادقة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتصدق بخمسي دينار (وهذا معضل) بفتح الضاد على صيغة اسم المفعول وهو ما سقط من سنده اثنان فصاعدا لكن لا بد أن يكون سقوط اثنين على التوالي فلو سقط واحد من موضع وآخر من موضع اخر من السند لم يكن معضلا بل منقطع قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه مرفوعا وقال الترمذي قد روي عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا
[ 308 ]
وأخرجه النسائي مرفوعا وموقوفا ومرسلا وقال الخطابي قال أكثر العلماء لا شئ عليه ويستغفر الله وزعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس ولا يصح متصلا مرفوعا والذمم برئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها هذا آخر إذا كلامه وهذا الحديث قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه فروى مرفوعا وموقوفا ومرسلا ومعضلا وقال عبد الرحمن بن مهدي قيل لشعبة إنك كنت ترفعه قال إني كنت مجنونا فصححت وأما الاضطراب في متنه فروي بدينار أو نصف دينار على الشك وروي يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار وروي التفرقة بين أن يصيبها في الدم أو انقطاع الدم وروي يتصدق بخمسي دينار وروي بنصف دينار وروي إذا كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار وروي إن كان الدم عبيطا فليتصدق بدينار وإن كان صفرة فنصف دينار انتهى كلام المنذري قلت وأحاديث الباب تدل على وجوب الكفارة على من وطئ امرأته وهي حائض قال الخطابي في المعالم ذهب إلى إيجاب الكفارة عليه غير واحد من العلماء منهم قتادة وأحمد بن حنبل وإسحاق وقال به الشافعي قديما ثم قال في الجديد لا شئ عليه قلت ولا ينكر أن يكون فيه كفارة لأنه وطء محظور كالوطء في رمضان وقال أكثر العلماء لا شئ عليه ويستغفر الله وزعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس ولا يصح متصلا مرفوعا والذمم برئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها وكان ابن عباس يقول إذا أصابها في فور الدم تصدق بدينار وإن كان في آخره فنصف دينار وقال قتادة دينار للحائض ونصف دينار إذا أصابها قبل أن يغتسل وكان أحمد بن حنبل يقول هو مخير بين الدينار ونصف الدينار وروي عن الحسن أنه قال عليه ما على من وقع على أهله في شهر رمضان انتهى كلامه بحروفه 107 في الرجل يصيب منها من المرأة الحائض (ما دون الجماع) من ملابستها من السرة إلى الركبة (عن ندبة مولاة ميمونة) قال الحافظ في التقريب ندبة بضم النون ويقال بفتحها وسكون
[ 309 ]
الدال بعدها موحدة ويقال بموحدة أولها مع التصغير مقبولة المباشرة هي الملامسة والمعاشرة وفي رواية لمسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وأنا حائض وبيني وبينه ثوب (إذا كان عليها إزار) وهو ما يستر به الفروج (إلى أنصاف الفخذين) الأنصاف جمع نصف وهو أحد شقي الشئ وإنما عبر بالجمع لما تقرر من أنه إذا أريد إضافة مثنى إلى المثنى يعبر عن الأول بلفظ الجمع كقوله تعالى فقد صغت قلوبكما (أو الركبتين) هكذا في الأصول المعتمدة بلفظ أو للتخيير وفي سنن النسائي والركبتين بالواو وهو بمعنى أو والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم يضاجع المرأة من نسائه وهي حائض ويستمتع بها إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف فخذيها أو ركبتيها (تحتجز)
[ 310 ]
تلك المرأة (به) بالإزار وهذه جملة حالية والحجز المنع والحاجز الحائل بين الشيئين أي تشد بالإزار فقال على وسطها لتصون أي العورة وما لا يحل مباشرته عن قربانه صلى الله عليه وسلم ولا تنفصل مئزرها عن العورة ويجئ تحقيق المذاهب والقول المحقق في آخر الباب قال المنذري وأخرجه النسائي (أن تتزر) أي تشد إزارا يستر سرتها ومتحتها إلى الركبة فما تحتها وقوله تتزر بتشديد المثناة الفوقانية قال الحافظ وللكشمهيني أن تأتزر بهمزة ساكنة وهي أفصح ويأتي حديث عائشة أيضا في آخر الباب بلفظ يأمرنا أن نتزر وهو بفتح النون وتشديد المثناة الفوقانية وأنكره أكثر النحاة وأصله فنأتزر بهمزة ساكنة بعد النون المفتوحة ثم المثناة الفوقانية على وزن افتعل قال ابن هشام وعوام المحدثين يحرفونه فيقرؤون بألف وتاء مشددة أي أتزر ولا وجه له لأنه افتعل ففاؤه ثنا همزة ساكنة بعد النون المفتوحة وقطع الزمخشري بخطأ الإدغام وقد حاول ابن مالك جوازه وقال إنه مقصور على السماع كاتكل به ومنه قراءة ابن محيض فليؤد الذي هذا أئتمن بهمزة وصل وتاء مشددة وعلى تقدير أن يكون خطأ فهو من الرواة عن عائشة فإن صح عنها كان حجة في الجواز لأنها من فصحاء العرب وحينئذ فلا خطأ نعم نقل بعضهم أنه مذهب الكوفيين وحكاه الصغاني في مجمع البحرين كذا في الفتح والإرشاد (ثم يضاجعها زوجها وقال مرة يباشرها) قال السيوطي قال الشيخ ولي الدين العراقي انفرد المؤلف بهذه الجملة الأخيرة وليس في رواية بقية الأئمة ذكر الزوج فيحتمل الوجهان أحدهما أن يكون أرادت بزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فوضعت الظاهر موضع المضمر وعبرت عنه بالزوج ويدل على ذلك رواية البخاري وغيره وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض والآخر أن يكون قولها أو لا يأمر إحدانا لا من حيث أنها إحدى أمهات المؤمنين بل من حيث أنها إحدى المسلمات والمراد أن يأمر كل مسلمة إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يباشرها زوجها لكن جعل الروايات متفقة أولى ولا سيما مع اتحاد المخرج ومع أنه إذا ثبت هذا الحكم في حق أمهات المؤمنين ثبت في حق سائر النساء انتهى فشعبة شاك فيه مرة يقول ثم يضاجعها زوجها ومرة يقول ثم يباشرها والله أعلم قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه مختصرا ومطولا
[ 311 ]
(في الشعار الواحد) الشعار بكسر الشين ما يلي الجسد من الثياب شاعرتها ثم نمت معها في الشعار الواحد كذا في المصباح وفيه دليل على جواز مباشرة الحائض والاضطجاع معها في الثوب الواحد وهو الشعار من غير إزار يكون عليها (وأنا حائض طامث) قال الجوهري طمثت المرأة تطمث بالضم وطمثت بالكسر لغة فهي طامث انتهى فقوله طامث تأكيد لقوله حائض (فإن أصابه مني شئ) من دم الحيض (ولم يعده) بإسكان العين وضم الدال أي لم يجاوز موضع الدم إلى غيره بل يقتصر على موضع الدم (وإن أصاب تعني ثوبه) هذا تفسير من بعض الرواة أظهر مفعول أصاب أي إن أصاب ثوبه صلى الله عليه وسلم بعد العود (منه) من الدم وفي بعض النسخ مني كما في الرواية للنسائي الآتية (شئ) فاعل أصاب وأخرجه النسائي من رواية محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد القطان بإسناده ولفظ النسائي أصرح في المراد من لفظ المؤلف وأوضح ولفظه كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض فإن أصابه مني شئ غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه ثم يعود فإن أصابه مني شئفعل مثل ذلك غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه فمفاد الروايتين واحد وليس في رواية المؤلف ثم يعود لكنه مراد والأحاديث يفسر بعضها بعضا وقال المنذري وأخرجه النسائي وهو حسن (عن عمارة) بضم العين (ابن غراب) بضم الغين قال في التقريب هو مجهول (مسجد بيته) أي الموضع الذي اتخذه في البيت للصلاة (حتى غلبتني عيني) أي نمت (فقال ادني) من دنا يدنو أي اقربي رسول (وحنيت عليه) أي عطفت الهري وكببت ولا عليه (حتى دفئ) دفئ يدفأ
[ 312 ]
مهموز من باب تعب أي سخن بملاقاة البشرة وملامستها وإيصال الحرارة الحاصلة منها قال المنذري عمارة بن غراب والراوي عنه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي والراوي عن الأفريقي عبد الله بن عمر بن غانم وكلهم لا يحتج بحديثه انتهى (عن المثال) بكسر الميم ثم الثاء المثلثة قال الجوهري المثال هو الفراش (على الحصير) قال في المصباح الحصير البارية وجمعها حصر مثل بريد وبرد (فلم نقرب) قال الطيبي والحديث منسوخ إلا أن يحمل القرب على الغشيان انتهى قلت التأويل هو المتعين لتجتمع الروايات (كان إذا أراد من الحائض شيئا) من الاستمتاع والمباشرة (ألقى على فرجها ثوبا) ليكون حائلا وحاجزا من مس البشرتين قال في الفتح إسناده قوي (يأمرنا في فوح حيضتنا) فوح بفتح الفاء وسكون الواو ثم الحاء المهملة قال الخطابي فوح الحيض معظمه وأوله مثله فوعة الدم يقال فاح وفاع بمعنى وجاء في الحديث النهي عن السير في
[ 313 ]
أول الليل حتى تذهب فوعته يريد إقبال ظلمته كما جاء النهي عن السير حتى تذهب فحمة العشاء انتهى كلامه وقولها حيضتنا بفتح الحاء أي الحيض (يملك إربه) قال الخطابي يروى على وجهين أحدهما الإرب مكسورة الألف والآخر الأرب مفتوحة الألف والراء وكلاهما معناه وطر النفس وحاجتها انتهى والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى ومع ذلك فكان يباشر فوق الإزار تشريعا لغيره ممن ليس بمعصوم واعلم أن المؤلف رحمه الله أورد في هذا الباب سبعة أحاديث فبعضها يدل على جواز الاستمتاع من الحائض بما فوق الإزار وعدم جوازه بما عداه وبعضها على جواز الاستمتاع من غير تخصيص بمحل دون محل من سائر البدن وبعضها يدل على جوازه أيضلكن مع وضع شئ على الفرج قال العلماء إن مباشرة الحائض أقسام أحدها أن يباشرها بالجماع في الفرج وهذا حرام بالإجماع بنص القرآن والسنة الصحيحة الثاني أن يباشرها بما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر والقبلة واللمس وغير ذلك وهو حلال باتفاق العلماء الثالث المباشرة فيما بين السرة في غير القبل والدبر وفيه ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي الأشهر منها التحريم وذهب إليه مالك وأبو حنيفة وهو قول أكثر العلماء والثاني عدم التحريم مع الكراهة قال النووي وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل وهو المختار والثالث إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه إما لضعف شهوته أو لشدة ورعه جاز وإلا لم يجز وممن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والحسن والشعبي وإبراهيم النخعي والحكم وسفيان الثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ومحمد بن الحسن من الحنفية ورجحه الطحاوي وهو اختيار أصبغ من المالكية وغيرهم قلت ما ذهب إليه هذه الجماعة من جواز المباشرة بالحائض بجميع عضوها ما خلا الجماع هو قول موافق للأدلة الصحيحة والله تعالى أعلم 108 في المرأة تستحاض لم وقال الجوهري استحيضت المرأة استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة (ومن قال تدع) أي تترك (الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض) في أيام الصحة قبل حدوث العلة
[ 314 ]
(تهراق الدماء) بالنصب على التميز وتهراق بصيغة المجهول ونائب فاعله ضمير فيه يرجع إلى المرأة أي تهراق هي الدماء ويجوز الرفع بتقدير تهراق دماؤها والبدل من الإضافة والهاء في هراق بدل من همزة أراق يقال أراق الماء يريقه وهراقه يهريقه بفتح الهاء هراقة قاله ابن الأثير الجزري (فإذا خلفت ذلك) من التخليف أي تركت أيام الحيض الذي كانت تعهده وراءها (فلتغتسل) أي غسل انقطاع الحيض (ثم لتستثفر بثوب) أي تشد فرجها بخرقة بعد أن تختشي قطنا وتوثق طرفي الخرقة فشئ تشده على وسطها فيمنع ذلك سيل الدم مأخوذ من ثفر الدابة بفتح الفاء الذي يجعل تحت ذنبها (ثم لتصلي) هكذا في النسختين من المنذري قال الحافظ ولي الدين العراقي هو بإثبات الياء للاشباع كقوله تعالى إنه من يتقي ويصبر انتهى قلت وهكذا بإثبات الياء في نسخ الموطإ وأما في نسخ السنن الموجودة عندي فبإسقاط الياء بلفظ ثم لتصل واحتج بهذا الحديث من قال إن المستحاضة المعتادة ترد لعادتها ميزت أم لا وافق تميزها عادتها أو خالفها قال الإمام الخطابي هذا حكم المرأة ويكون لها من الشهر أيام معلومة تحيضها في أيام الصحة قبل حدوث العلة ثم تستحاض فتهريق حدثنا الدماء ويستمر بها السيلان أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة من الشهر قدر الأيام التي كانت تحيض قبل أن يصيبها ما أصابها فإذا استوفت عدد تلك الأيام اغتسلت مرة واحدة وحكمها حكم الطواهر في وجوب الصلاة والصوم عليها وجواز الطواف إذا حجت وغشيان الزوج إياها إلا أنها إذا أرادت أن تصلي توضأت لكل صلاة لأن طهارتها ضرورة فلا يجوز أن تصلي صلاتي فرض كالمتيمم انتهى كلامه قال المنذري حسن (معناه) أي معنى حديث مالك (قا) أي الليث في حديثه (فإذا خلفت ذلك وحضرت
[ 315 ]
الصلاة فلتغتسل بمعنا فيه دليل على أن الحائض ليس الغسل عليها واجبا على الفور بعد انقطاع الحيض حتى جاءت وقت الصلاة قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي إسناد هذه الرواية مجهول (فإذا خلفتهن) أي تركت أيام الحيض وراءها (وتغتسل فيما سوى ذلك) أي فيما سوى أيام الحيض وهو بعد انقطاعه (وتستذفر) بذال معجمة من الذفر أي لتسعمل ابن طيبا يزيل به هذا الشئ الكريه عنها وإن روى بمهملة فالمعنى لتدفع عن نفسها الدفر أي الرائحة الكريهة كذا في التوسط شرح سنن أبي داود وفي بعض النسخ تستثفز قوله (سمي المرأة) مفعول سمي (حماد بن زيد) فاعل سمي (قال) أي حماد (فاطمة) فظهر أن المرأة المبهمة هي فاطمة (عن الدم) أي دم الاستحاضة (فرأيت مركنها) بكسر الميم اجانة تغتسل فيها الثياب يقال
[ 316 ]
بالفارسية لكن وتغاره له (ملآن دما) على وزن عطشان (فقال لها) أي لأم حبيبة (امكثي) أمر من المكث وهو الإقامة مع الانتظار والتلبث في المكان أي انتظري للطهارة وتلبثي ذلك غير مصلية (قدر ما) أي الأيام التي (تحبسك) بكسر الكاف عن الصلاة والصوم وغيرهما (حيضتك) بفتح الحاء أي اتركي الصلاة والصوم وقراءة القرآن وغيرها قدر أيام حيضتك التي كنت تتركينها محمد فيها قبل حدوث هذه العلة وانتظري الطهارة (ثم اغتسلي) بعد انقضاء تلك المدة قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي (ورواه قتيبة) أي ذكره والضمير المنصوب في رواه يرجع إلى جعفر بن ربيعة (بين) ظرف (أضعاف) بفتح الهمزة قال الجوهري وقع فلان في أضعاف كتابه يريدون توقيعه في أثناء السطور أو الحاشية وفي القاموس أضعاف الكتاب أثناء سطوره (حديث) بالتنوين المضاف إليه لأضعاف إلى (جعفر بن ربيعة) بدل من الضمير المنصوب في رواه (في آخرها) بفتح الخاء أي في آخر المرة وحاصل المعنى أن قتيبة ذكر مرة أخرى عند التحديث أن لفظ جعفر بن ربيعة في الإسناد ثابت بين السطور أو الحاشية وكأنه لم يتيقن به ولذا حدث مرة بإثبات ومرة بإسقاطه ويحتمل فيه توجيه آخر وهو أن يجعل جعفر منونا مضافا إليه لحديث وابن ربيعة بدلا من الضمير المنصوب في رواه وقوله في آخرها بكسر الخاء أي في آخر السطور والمعنى أن قتيبة روى الحديث بلفظ جعفر فقط من غير نسبة لأبيه وذكر أن بين سطور حديث جعفر في آخر السطور موجود لفظ ابن ربيعة (فقالا جعفر بن ربيعة) بذكر لفظ جعفر بن ربيعة في الإسناد لا بين السطور أو في الحاشية هذا على التوجيه الأول وعلى التوجيه الثاني معناه روى علي بن عياش ويونس بن محمد لفظ جعفر مع نسبته إلى أبيه ولا كما روى قتيبة بأن ذكر لفظ جعفر في الإسناد ولفظ ابن ربيعة بين السطور أو في الحاشية والله تعالى أعلم (إنما ذلك عرق) بكسر العين وسكون الراء هو المسمى بالعاذل قال الخطابي في المعالم
[ 317 ]
يريد أن ذلك علة حدثت بها من تصدع العروق فانفجر الدم وليس بدم الحيض الذي يقذفه الرحم لميقات معلوم فيجري مجرى سائر الأثفال والفضول التي تستغني عنها الطبيعة فتقذفها عن البدن فتجد النفس راحة لمفارقته انتهى وقال الشيخ ولي الله المحدث الدهلوي في المصفى بعد نقل قول الخطابي والأمر المحقق في ذلك أن دم الاستحاضة ودم الحيض هما يخرجان من محل واحد لكن دم الحيض هو مطابق لعادة النساء التي جبلن عليها ودم الاستحاضة يجري على خلاف عادتهن لفساد أوعية الدم والرطوبة الحاصلة فيها وإنما عبر هذا بتصدع كان العروق (قرءك أبو) بفتح القاف ويجمع على القروء والأقراء قال الخطابي يريد بالقرء ههنا الحيض وحقيقة القرء الوقت الذي يعود فيه الحيض أو الطهر ولذلك قيل للطهر كما قيل للحيض قرءا انتهى (فإذا مر قرؤك) أي مضى (فتطهري) أي تغتسلي (ثم صلي ما بين القرء إلى القرء) أي صلي من انقطاع الحيض الذي في الشهر الحاضر إلى الحيض الذي في شهر يليه قال المنذري وأخرجه النسائي وفي إسناده المنذر بن المغيرة سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال هو مجهول ليس بمشهور (أو أسماء حدثتني أنها أمرتها) أي أسماء (فاطمة) فاعل أمرتها وهذه الرواية على التردد هل روى عروة عن أسماء بنت عميس أو فاطمة بنب أبي حبيش وقد وقع في رواية للمؤلف والدارقطني من طريق خالد عن سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس استحيضت منذ كذا وكذا فذكر الحديث بطوله بلفظ آخر (فأمرها) أي فاطمة (أن تقعد) وتكف نفسها عن فعل ما تفعله الطاهرة (كانت تقعد) قبل ذلك الداء (ثم تغتسل) بعد انقضاء تلك الأيام التي عدتها للحيض وفيه دليل
[ 318 ]
لمن ذهب إلى أن الاعتبار للعادة لا للتمييز قال المنذري حسن (وهذا) أي هذا اللفظ وهو قوله فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها (وهم من ابن عيينة) فهو مع كونه حافظا متقنا قد وهم في رواية هذه الجملة (ليس هذا) اللفظ المذكور (في حديث الحفاظ) كعمرو بن الحارث والليث ويونس وابن أبي ذئب والأوزاعي ومعمر وغيرهم وستعرف ألفاظهم بتمامها بعد هذا الباب (إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح) عن الزهري في الحديث المتقدم فأصحاب الزهري غير سفيان بن عيينة رووا عن الزهري مثل ما رواه سهيل بن أبي صالح وهو قوله فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد (لم يذكر فيه) أي في حديثه هذه الجملة ولقائل أن يقول إن الوهم ليس من ابن عيينة بل من رواية أبي موسى محمد بن المثنى فهو ذكر هذه الجملة في روايته عن ابن عيينة وأما الحميدي فلم يذكرها فالقول ما قال الحميدي لأنه أثبت أصحاب ابن عيينة لازمه تسع عشرة سنة وحاصل الكلام أن جملة تدع الصلاة أيام أقرائها ليست بمحفوظة في رواية الزهري ولم يذكرها أحد من حفاظ أصحاب الزهري غير ابن عيينة وهو وهم فيه والمحفوظ في رواية الزهري إنما قوله فأمرها أن تقعد الأيام كانت تقعد ومعنى الجملتين واحد لكن المحدثين معظم قصدهم إلى ضبط الألفاظ المروية بعينها فرووها كما سمعوا وإاختلطت رواية بعض الحفاظ في بعض ميزوها وببنوها
[ 319 ]
أو (وهو قول الحسن الخ) وحاصل الكلام أن علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم من الصحابة والحسن البصري وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحولا والنخعي وسالم بن عبد الله والقاسم من التابعين كلهم قالوا إن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها فهؤلاء من القائلين بما ترجم به المؤلف في الباب بقوله ومن قال تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض فعند هؤلاء ترجع المستحاضة إلى عادتها المعروفة إن كانت لها عادة والله تعالى أعلم (استحاض) بضم الهمزة وفتح التاء المثناة يقال استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة فهي مستحاضة (فلا أطهر) لأنها اعتقدت أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن اتصاله (أفأدع الصلاة) أي أيكون لي حكم الحائض فأتركها (قال إنما ذلك) بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث (بالحيضة) قال الحافظ الحيضة بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار الكسر لكن الفتح ههنا أظهر (فإذا أقبلت الحيضة) قال الطيبي أي أيام حيضتك فيكون رد إلى العادة أو الحال التي تكون للحيض من قوة الدم في اللون والقوام فيكون رد إلى التمييز وقال النوو يجوز ههنا الكسر أي على إرادة
[ 320 ]
الحالة والفتح على المرة جوازا حسنا (فإذا أدبرت) الحيضة وهو ابتداء انقطاعها والمراد بالإقبال ابتداء دم الحيض (فاغسلي عنك الدم ثم صلي) أي بعد الاغتسال كما جاء في التصريح به في رواية البخاري وهذا الأختلاف واقع بين أصحاب هشام منهم من ذكر غسل الدم ولم يذكر الاغتسال ومنهم من ذكر الاغتسال ولم يذكر غسل الدم قال الحافظ وكلهم ثقات وأحاديثهم في الصيحيحن) فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده إنتهى قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (فإذا ذهب قدرها) أي قدر الحيضة على ما قدره الشرع أو على ما تراه المرأة باجتهادها أو على ما تقدم من عادتها في حيضتها فيه احتمالات ذكره الباجي في شرح الموطأ وأعلم أن هذا الباب لم يوجد في أكثر النسخ وكذا ليس في المنذري 109 إذا أقبلت الحيضة وميزت المرأة دم الحيض من دم الاستحاضة (تدع الصلاة) وأنها تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فتترك الصلاة عند إقبال الحيضة فإذا أدبرت اغتسلت وحلت (حدثنا أبو عقيل) بفتح العين وكسر القاف ضعفه على بن المديني والنسائي وقال ابن معين ليس بشئ وقال أبو زرعة لين الحديث قاله الذهبي (عن بهية) بالتصغير مولاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه (فسد حيضها) أي تجاوز حيضها عن عادتها المعروفة (وأهريقت دما) بالبناء للمجهول أي جرى لها دم الاستحاضة (أن آمرها) أي السائلة عن حكم الاستحاضة (فلتنظر) هكذا في جميع النسخ وهو من النظر يقال نظرت الشئ وانتظرته بمعنى وفي التنزيل ما ينظرون إلا صيحة واحدة أي ما ينتظرون إلا صيحة واحدة والمعنى أنها تنتظر قدر الأيام التي كانت تحيض قبل ذلك ويحتمل أن يكون من الإنظار وهو التأخير والإمهال والمعنى تؤخر وتمهل نفسه عن أداء الصلاة والصيام وغير ذلك مما يحرم فعله على الحائض (قدرها) أي الأيام والليالي
[ 321 ]
(كانت تحيض) فيها (وحيضها مستقيم) أي في حالة استقامة الحيض وهذه جملة حالية (فلتعتد) من الاعتداد يقال اعتددت بالشئ أي أدخلته في العد والحساب فهو معتد به محسوب غير ساقط والفاء للتفسير أي تحسب أيام حيضها بقدر ذلك من الأيام التي كانت تحيض قبل حدوث العلة (ثم لتدع الصلاة فيهن) أي في الأيام المحسوبة المعتدة للحيض (أو بقدرهن) أي تترك الصلاة بقدر الأيام المعتدة للحيض قال المنذري أبو عقيل بفتح العين وهو يحيى بن المتوكل مديني لا يحتج بحديثه وقيل إنه لم يرو عن بهية إلا هو (ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح الخاء والتاء المثناة من فوق ومعناه قريبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال أهل اللغة الأختان جمع ختن وهم أقارب زوجة الرجل والأحماء أقارب زوج المرأة والأصهار يعم الجميع (وتحت عبد الرحمن بن عوف) معناه أنه زوجته فعرفها بشيئين أحدهما كونها أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم والثاني كونها زوجة عبد الرحمن (إن هذه ليست بالحيضة) أي هذه الحالة التي أنت فيها من جريان الدم على خلاف عادة النساء ليست بحيضة (ولكن هذا عرق) أي لكن هذا الدم الخارج عرق وسلف تفسير العرق قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه
[ 322 ]
(لم يذكر هذا الكلام) أي جملة إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي (ولم يذكروا) هؤلاء (هذا الكلام) أي جملة إذا أقبلت الحيضة إلخ (وإنما هذا) الكلام أي الجملة المذكورة (لفظ حديث هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة) وليس من لفظ حديث الزهري عن عروة عن عائشة (زاد ابن عيينة فيه) أي في حديثه (أيضا) هذا اللفظ (أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها وهو وهم من ابن عيينة) لأن هذه الزيادة لم يذكرها أحد من حفاظ أصحاب الزهري عنه غير ابن عيينة وسلف تحقيق ذلك (و) هكذا (حديث محمد بن عمرو) الآتي (عن الزهري فيه شئ) من الوهم (وبقرب) حديث محمد بن عمرو في الوهم أو زيادة ابن عيينة (من) الكلام (الذي زاد الأوزاعي في حديثه) ولم يذكر أحد من أصحاب الزهري غيره وهو إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة فإذا أدبرت فأغتسلي عبد وصلي فزيادة ابن عيينة وزيادة الأوزاعي وحديث محمد بن عمرو في كلها وهم وتفرد كل واحد منهم بما لم يذكره أحد سواه
[ 323 ]
(إذا كان) تامة بمعنى وجد (يعرف) فيه احتمالان الأول أنه على صيغة المجهول من المعرفة قال ابن رسلان أي تعرفه النساء قال الطيبي أي تعرفه النساء باعتبار لونه وثخانته كما تعرفه باعتبار عادته والثاني أنه على صيغة المعروف من الأعراف أي له عرف ورائحة (فإذا كان ذلك) بكسر الكاف أي كان الدم دما أسو (فإذا كان الآخر) بفتح الخاء أي الذي ليس بتلك الصفة (فتوضئي) أي بعد الاغتسال (وصلي فإنما هو) أي الدم الذي على غير صفة السواد (عرق) أي دم عرق قال في سبل السلام وهذا الحديث فهي رد المستحاضة إلى صفة الدم بأنه إذا كان بتلك الصفة فهو حيض وإلا فهو استحاضة وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال لها إنما ذلك عرق فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فأغسلي عنك الدم وصلي ولا ينافيه هذا الحديث فإنه يكون قوله إن دم الحيض أسود يعرف بيانا لوقت إقبال الحيضة وإدبارها فالمستحاضة إذا ميزت أيام حيضها إما بصفة الدم أو بإتيانه في وقت عادتها إن كانت معتادة عملت بعادتها ففاطمة هذه يحتمل أنها كانت معتادة إن كانت معتادة فيكون قوله فإذا أقبلت حيضتك أي بالعادة أو غير معتادة فيزاد بإقبال حيضتها بالصفة ولا مانع من اجتماع المعرفتين في حقها وحق غيرها انتهى كلامه قال المنذري وأخرجه النسائي حسن
[ 324 ]
(قال ابن المثنى حدثنا به) بالحديث المذكور (ابن أبي عدي من كتابه هكذا) أي من غير ذكر عائشة بين عرووفاطمة (ثم حدثنا به) بالحديث المذكور (بعد) أي بعد ذلك والحاصل أن ابن أبي عدي لما حدث ابن المثنى من كتابه حدثه من غير ذكر عائشة بين عروة وفاطمة ولما حدثه من حفظه ذكر عائشة بين عروة وفاطمة قال ابن القطان هذا الحديث منقطع وأجاب شمس الدين ابن القيم بأنه ليس كذلك فإن محمد بن أبي عدي مكانه من الحفظ والإتقان لا يجهل وقد حفظه وحدث به مرة عن عروة عن فاطمة ومرة عن عائشة عن فاطمة وقد أدرك كلتيهما وسمع منهما بلا ريب ففاطمة بنت عمه وعائشة خالته فالانقطاع الذي رمى به الحديث مقطوع دابره وقد صرح بأن فاطمة حدثته (الدم البحراني) بفتح الباء قال الخطابي يريد الدم الغليظ الواسع يخرج من قعر الرحم ونسب إلى البحر لكثرته وسعته والبحر التوسع في الشئ والانبساط وفي المصباح المنير البحر معروف ويقال للدم الخالص الشديد الحمرة باحر وبحراني (وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي) والمعنى أن المستحاضة إذا رأت دما شديد الحمرة فلا تصلي وإذا رأت الطهو عليه وهو انقطاع الدم البحراني فلتغتسل وتصلي فجعل ابن عباس رضي الله عنه علامة دم الحيض خروج
[ 325 ]
الدم البحراني وعلامة دم الاستحاضة خروج غير الدم البحراني (إذا مد بها الدم) أي استمر الدم بعد انقضاء مدته المعلومة (تمسك) المرأة عن الصلاة وغيرها (فهي) بعد ذلك (مستحاضة) أخرجه الدارمي بلفظ إذا رأت الدم فإنها تمسك عن الصلاة بعد أيام حيضها يوما أو يومين ثم هي بعد ذلك مستحاضة (قال التيمي فجعلت أنقص) الأيام التي زادت على أيام حيضها (فقال) قتادة مجيبا (إذا كان) اليوم الزائد (يومين فهو من حيضها) فلا تصلي فيه أخرج الدارمي أخبرنا محمد بن عيسى حدثنا معتمر عن أبيه قال قلت لقتادة أمرأة كان حيضها معوما فزادت عليه خمسة أيام أو أربعة أيام أو ثلاثة أيام قال تصلي قلت يومين قال ذلك من حيضها وسألت ابن سيرين قال النساء أعلم بذلك (وسئل ابن سيرين عنه فقال النساء أعلم بذلك) فهن يميزن دم الحيض عن دم الاستحاضة وكأن ابن سيرين لم يجبه وأحال على النساء (حدثنا زهير بن حرب وغيره) هكذا في جميع النسخ الحاضرة وقال الحافظ جمال الدين المزي في تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف وفي رواية أبي الحسن بن العبد عن زهير بن حرب وأبي جعفر محمد بن أبي سمينة جميعا عن عبد الملك (أستحاض حيضة كثيرة) بفتح الحاء وهو مصدر استحاض على أنبته الله نباتا حسنا
[ 326 ]
ولا يضره الفرق في اصطلاح العلماء بين الحيض والاستحاضة إذ الكلام وارد على أصل اللغة (أستفتيه وأخبره) الواو المطلق الجمع وإلا كان حقها أن تقول فأخبره وأستفتيه (فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم) بالنصب وفاعل منعتني الحيضة وهذه الجملة مستأنفة مبنية لما ألجأها إلى السؤال ويمكن أن يجعل حالا من الضمير المجرور في قولها فيها (أنعت) أي أصف (الكرسف) بضم الكاف وسكون الراء وضم السين القطن والمعنى أبين لك القطن فاستعمليه وتحشي به فرجك (فإنه يذهب الدم) من الإذهاب (قالت هو أكثر من ذلك) أي الدم أكثر من أن ينقطع بالقطن لاشتداده وفوره (قالت فاتخذي ثوبا) أي إن لم يكن القطن فاستعملي (الثوب مكانه (إنما أثجث) بالمثلثة وتشديد الجيم أي أصب صبا والثج جري الدم والماء جريا شديدا لازم ومتعد يقال ثججت الماء والدم إذا أسكبته ما وعلى هذا فالمفعول محذوف أي أثج الدم ثجاوعلى الأول إضافة الجري إلى نفسها للمبالغة على معنى أن النفس جعلت كأن كلها دم ثجاج وهذا أبلغ في المعنى (سآمرك بأمرين أيهما فعلت) قال أبو البقاء في إعرابه إنه بالنصب لا غير والناصب له فعلت (فإن قويت عليهما) أي على الأمرين بأن تقدري على أن تفعلي أيهما شئت (فأنت أعلم) بما تختارينه منهما فأختاري أيهما شئت (إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان) الراكضة لا بفتح الراء وسكون الكاف ضرب الأرض بالرجل حال العدو كما تركض الدابة وتصاب بالرجل أراد بها
[ 327 ]
الإضرار والأذى يعني أن الشيطان قد وجد به طريقا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها حتى أنساها ذلك عادتها وصار في التقدير كأنه ركضة نالتها من ركضاته قاله الخطابي (فتحيضي) يقال تحيضت المرأة أي قعدت أيام حيضها عن الصلاة والصوم أي أجعلي أن نفسك حائضة وأفعلي على ما تفعل الحائض (ستة أيام أو سبعة أيام) قال الخطابي يشبه أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم على غير وجه التحديد من الستة والسبعة لكن على معنى اعتبار حالها بحال من هي مثلها وفي مثل سنها من نساء أهل بيتها فإن كانت عادة مثلها أن تقعد ستا قعدت ستا وإن سبعا فسبعا وفيه وجه آخر وذلك أنه قد يحتمل أن تكون هذه المرأة قد ثبت لها فيما تقدم أيام ستة أو سبعة إلا أنها قد نسيتها فلا تدري أيتهما كانت فأمرها أن تتحرى وتجتهد وتبني أمرها على ما تيقنته من أحد العددين ومن ذهب إلى هذا استدل بقوله في علم الله أي فيما علم الله من أمرك ستة أو سبعة انتهى (فعلم الله تعالى) قال ابن رسلان أي في علم الله من أمرك من الست أو السبع أي هذا شئ بينك وبين الله فإنه يعلم ما تفعلين من الإتيان بما أمرتك به أو تركه وقيل في علم الله أي حكم الله تعالى أي بما أمرتك فهو حكم الله تعالى وقيل في علم الله أي أعلمك الله من عادة النساء من الست أو السبع (واستنقأت) أي بالغت في التنقية قال السيوطي قال أبو البقاء كذا وقع في هذه الرواية بالألف والصواب استنقيت لأنه من نفى الشئ وأنقيته إذا نظفته ولا وجه فيه للألف ولا للهمزة انتهى وقال في المغرب الهمزة فيه
[ 328 ]
خطاء وقال بعض العلماء النسخ كلها بالهمزة مضبوطة ففي تخطئة الهمزة تخطئة للحفاظ الضابطين مع إمكان حمله على الشذوذ (فصلي ثلاثا وعشرين ليلة) إن كانت أيام الحيض سبعا (أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها) إن كانت أيام حيضها ستا (وصومي) ما شئت من تطوع وفريضة (فإن ذلك يجزئك) من الإجزاء أي يكفيك فهذا أول الأمرين المأمور بهما والأمر الثاني أنها بمرور الستة أو السبعة تغتسل للجمع بين صلاتي الظهر والعصر غسلا واحدا وصلاتي المغرب والعشاء غسلا واحدا ولصلاة الصبح غسلا على حدة (إن قدرت على ذلك) أي على الجمع بين الصلاتين مع ثلاث غسلات في اليوم والليلة وجزاؤه محذوف أي فافعلي (وهذا) أي الأمر الثاني (أعجب الأمرين إلى) أي أحبهما إلي لكونه أشقهما والأجر على قدر المشقة والنبي صلى الله عليه وسلم يحب ما فيه أجر عظيم (وذكره عن يحيى بن معين) أي ذكر أبو داود هذا الكلام أي كونه رافضيا عن يحيى بن معين
[ 329 ]
(قال أبو داود سمعت أحمد يقول حديث ابن عقيل في نفسي منه شئ) ونقل عن الإمام أحمد خلاف ذلك قال الترمذي حديث حمنة حسن صحيح وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن وهكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح انتهى وكذا نقل البيهقي في المعرفة تصحيحه عن أحمد فالجواب عن قول أبي داود بأن الترمذي قد نقل عن أحمد تصحيحه نصا وهو أولى مما ذكره أبو داود لأنه لم ينقل التعيين عن أحمد وإنما هو شئ وقع له ففسر به كلام أحمد وعلى فرض أنه من كلام أحمد فيمكن أن يكون قد كان في نفسه من الحديث شئ ثم ظهر له صحته والله أعلم قال المنذري قال الخطابي قد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث لأن ابن عقيل راويه ليس كذلك وقال أبو بكر البيهقي تفرد به عبد الله بن محمد ابن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به هذا آخر كلامه وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال أيضا سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن وهكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح وعمرو بن ثابت هذا هو أبو ثابت ويعرف بابن أبي المقدام كوفي لا يحتج بحديثه انتهى وأطال الكلام أخونا العلامة في غاية المقصود تحت حديث حمنة وقال في آخره ومحصل الكلام أن المستحاضة المعتادة
[ 330 ]
سواء كانت مميزة أو غير مميزة ترد على عادتها المعروفة لحديث عائشة وفيه إمكثي الله قدر ما كانت تحبسك حيضتك رواه مسلم والمبتدئة المميزة تعمل بالتمييز لحديث إذ كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف وغير ذلك ما انضم به والتي تفقدت العادة والتمييز فإنها تحيض ستا أو سبعا على غالب عادة النساء لحديث حمنة وهذا الجنع قال بين هذه الأحاديث هو جمع حسن جيد لا مزيد على حسنه انتهى ملخصا 110 ما روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة (فكانت) أي أم حبيبة (تغتسل في مركن) بكسر الميم وفتح الكاف هو الإجانة التي تغسل فيها الثياب (حتى تعلو حمرة الدم الماء) قال ابن رسلان يعني أنها كانت تغتسل في القصرية التي تغسل فيها الثياب كانت تقعد فيها فتصب عليها الماء من غيرها فتستنقع فيها فيختلط الماء المتساقط عنها بالدم فيعلوه حمرة الدم السائل عنها فيمر الماء به ثم إنه لا بد أن تنتظف بعد ذلك من تلك الغسالة المتغيرة فتغسل خارجها ما أصاب رجليها من ذلك الماء المتغير بالدم انتهى
[ 331 ]
(فكانت تغتسل) أي أم حبيبة (لكل صلاة) قال الإمام الشافعي رحمه الله إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعا (قال القاسم بن مبرور عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة عن أم حبيبة بنت جحش) فجعل القاسم عمرة مكان عروة كما جعله عنبسة عن الزهري إلا أن القاسم جعله من مسند أم حبيبة لا من مسند عائشة (وكذلك) أي يكون عمرة مكان عروة (وربما قال معمر عن عمرة عن أم حبيبة بمعناه) أي حذف واسطة عائشة رضي الله عنها أيضا (وكذلك رواه إبراهيم بن سعد) أي بذكر عمرة مكان عروة (ولم يقل إلخ) فاعل لم يقل الزهري وجملة ولم يقل إلخ مقولة لقال أي زاد ابن عيينة في روايته جملة ولم يقل إلخ (وكذلك رواه) المشار إليه لقوله كذلك جملة قالت عائشة فكانت تغتسل لكل صلاة والمعنى أن ابن أبي ذئب والأوزاعي كلاهما قال عن الزهري إن عائشة قالت إن أم حبيبة تغتسل لكل صلاة (إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت إلخ) في إسناده محمد بن إسحاق وهو ثقة على ما
[ 332 ]
هو الحق لكنه مدلس ولم يصرح في هذا الحديث بالتحديث قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وهو مختلف في الاحتجاج بحديثه (ولم أسمعه منه) أي لم يسمع المؤلف هذا الحديث من أبي الوليد الطيالسي مع كون الؤلف من تلامذته فبين المؤلف وأبي الوليد واسطة لم يذكرها المؤلف (وهذا) أي قوله توضئي لكل صلاة (والقول فيه) أي القول الصحيح في حديث سليمان بن كثير (قول أبي الوليد) الطيالسي وهو قوله اغتسلي لكل صلاة وهذا ترجيح من
[ 333 ]
المؤلف لرفع الاغتسال لكل صلاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المنذري وفي صحيح مسلم قال الليث بن سعد ولم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة ولكنه شئ فعلته هي وقال البيهقي والصحيح رواية الجمهور عن الزهري وليس فيها الأمر بالغسل إلا مرة واحدة ثم كانت تغتسل عند كل صلاة من عند نفسها (أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي) حديث أبي سلمة هذا إسناده حسن ليس فيه علة فيحمل الأمر على الندب جمعا بين الروايتين (وأخبرني) هذه المقولة ليحيى بن أبي كثير أي يقول يحيى وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن (أخبرته) أي أبا سلمة (ترى ما) أي الدم (يريبها) رابني الشئ وأرابني بمعنى شككني (بعد الطهر) أي بعد الغسل قاله محمد بن يحيى شيخ ابن ماجه (إنما هو عرق) أي دم يخرج من انفجار العروق ولا يخرج من الرحم ويجئ بحث هذه المسألة في باب المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم وهذا بيان للأمرين (وإلا) أي إن لم تغتسل لكل صلاة (فأجمعي) بين الصلاتين بغسل واحد (كما قال القاسم في حديثه) الآتي بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة أن تغتسل عند كل صلاة فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل وتغتسل للصبح
[ 334 ]
فحديث ابن عقيل وحديث القاسم الآتي في كليهما الأمران جميعا وهذا المعنى هو ظاهر من عبارة المؤلف لكن فيه إشكال لأنه ليس في حديث ابن عقيل الأمر بالاغتسال لكل صلاة نعم إن كان المراد بالقاسم القاسم بن مبرور وبحديثه حديث حمنة الذي روى عن ابن عقيل ليزول الإشكال أي روى القاسم في روايته عن ابن عقيل الأمرين جميعا إن قويت فاغتسلي لكل صلاة وإن لم تغتسلي فأجمعي بين الصلاتين بغسل واحد ولكن هذا المعنى يتوقف على ثبوت رواية هذا الحديث للقاسم بن مبرور عن ابن عقيل لكن لم أقف عليها والله تعالى أعلم 111 من قال تجمع أي المستحاضة (بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا) واحدا وتغتسل لصلاة الصبح على حدة (فأمرت) بصيغة المجهول والظاهر أن الآمر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت لعبد الرحمن) هذه مقولة شعبة أي قال شعبة لشيخه عبد الرحمن هل تحدث هذا الحديث (فقال) عبد الرحمن (لا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم بشئ) هكذا في أكثر النسخ الحاضرة والمعنى أن عبد الرحمن أنكر على شعبة من سؤاله إياه لما علم من عادة عبد الرحمن أنه لا يحدث لشعبة إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال لاأحدثك عن عن النبي صلى الله عليه وسلم بشئ أي لا أحدثك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما في بعض النسخ لا أحدثك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم بشئ وبشئ متعلق بأحدثك من والمعنى لا أحدثك بشئ إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن شعبة يقول إن قولها أمرت هكذا في روايتنا ولا أدري أن الآمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره فقال عبد الرحمن لا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم بشئ من شأنها إن الآمر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره والله تعالى أعلم قال المنذري وأخرجه النسائي
[ 335 ]
(فلما جهدها ذلك) أي فلما شق على سهلة بنت سهيل الغسل لكل صلاة يقال جهد في الأمر جهدا من باب نفع إذا طلب حتى بلغ غايته في الطلب وجهده الأمر والمرض جهدا أيضا إذا بلغ منه المشقة قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد اختلف في الاحتجاج به انتهى (إن امرأة) بغير ذكر اسم المرأة كما ذكره محمد بن إسحاق (لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء) أي إذا رأت صفرة فوق الماء الذي تقعد فيه فإنه تظهر الصفرة فوق الماء فعند ذلك تصب الماء للغسل خارج المركن وفائدة القعود في المركن لأن يعلو الدم الماء فتظهر به تمييز دم الاستحاضة من غيره فإنه علا الدم الأصفر فوق الماء فهي مستحاضة أو غيره فهو حيض فهذه هي النكتة في الجلوس في المركن وأما الغسل فخارج المركن لا فيه في الماء النجس قاله العلامة اليماني (وتوضأ فيما بين ذلك) أي إذا اغتسلت للظهر والعصر توضأت مع ذلك للعصر وإذا اغتسلت للمغرب والعشاء توضأت مع ذلك للعشاء قال المنذري حسن (لما اشتد عليها) أي على المرأة السائلة (أمرها) أي أمر ابن عباس رضي الله عنه
[ 336 ]
باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر بالإهمال في أي تغتسل مرة واحدة بعد الطهر من الحيض وهذا هو مذهب الجمهور وهو أقوى دليلا وأحاديث الغسل عند كل صلاة محمولة على الندب كما مر (ثم تغتسل) بعد الطهر أي بعد انقطاع الحيض غسلا مرة واحدة (وتصلي) بعد الاغتسال متى شاءت (والوضوء عند كل صلاة) ولفظ الترمذي تتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقلت عدي بن ثابت عن أبيه عن جده جد عدي ما اسمه فلم يعرف محمد اسمه وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين إن اسمه دينار فلم يعبأ به هذا آخر كلامه وقد قيل إنه جده أبو أمه عبد الله بن يزيد الخطمي قال الدارقطني ولا يصح من هذا كله شئ وقال أبو نعيم وقال غير يحيى اسمه قيس الخطمي هذا آخر كلامه وقيل لا يعلم جده وكلام الأئمة يدل على ذلك وشريك هو ابن عبد الله النخعي قاضي الكوفة تكلم فيه غير واحد وأبو اليقظان هذا هو عثمان بن عفير الكوفي ولا يحتج بحديثه انتهى كلام المنذري
[ 337 ]
(عن امرأة مسروق) اسمها قمير مقبولة (ودل على ضعف حديث الأعمش إلخ) واعلم أن المؤلف بين لضعف حديث الأعمش وجهين وحاصل الوجه الأول أن حفص بن غياث رواه عن الأعمش فوقفه على عائشة وأنكر أن يكون مرفوعا وأوقفه أيضا أسباط بن محمد عن الأعمش على عائشة وبأن الأعمش أيضا رواه مرفوعا أوله وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة والوجه الثاني بينه المؤلف بقوله ودل على ضعف حديث حبيب هذا أن رواية الزهري عن عروة عن عائشة قالت فكانت تغتسل لكل صلاة في حديث المستحاضة وحاصله أن حبيب بن أبي ثابت خالف الزهري لأنه ذكر في روايته عن عروة عن عائشة الاغتسال لكل صلاة وذكر حبيب في روايته عن عروة عن عائشة الوضوء لكل صلاة وهذا الوجه الثاني قد زيفه الخطابي فقال في المعالم رواية الزهري لا تدل على ضعف حديث حبيب بن أبي ثابت لأن الاغتسال في حديث مضاف إلى فعلها وقد يحتمل أن يكون ذلك اختيارا منها وأما الوضوء لكل صلاة في حديث حبيب فهو مروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضاف إليه وإلى أمره إياها بذلك والواجب هو الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به دون ما فعلته وأتته من ذلك انتهى كلامه قلت والأمر كما قال الخطابي
[ 338 ]
(عن عائشة توضأ لكل صلاة) أي روى عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعائشة كل واحد منهم أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة (وهذه الأحاديث كلها ضعيفة) واعلم أنه قد ذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب تسع روايات ثلاث منها مرفوعة حديث أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده وحديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت وحديث ابن شبرمة عن امرأة مسروق وست منها موقوفة أثر أم كلثوم عن عائشة وأثر عدى بن أبيه عن علي وأثر عمار عن ابن عباس وأثر عبد الملك بن ميسرة وببان بن ومغيرة وفراس ومجالد عن الشعبي وأثر داود وعاصم عن الشعبي وأثر هشام بن عروة عن أبيه وضعف المؤلف الروايات كلها إلا ثلاثة من الآثار المذكورة فإنه استثناها من التضعيف كما بين بقوله (إلا حديث قمير وحديث عمار مولى بني هاشم وحديث هشام بن عروة عن أبيه) فهذه الثلاثة من الآثار ليست بضعيفة لكن استثنى من هذه الثلاثة أيضا حديث عمار مولى بني هاشم بقوله (والمعروف عن ابن عباس الغسل) أي لكل صلاة كما في رواية الدارمي والمعروف في اصطلاح المحدثين الحديث الضعيف الذي خالف القوى فالراجح يقال له المعروف ومقابله يقال له المنكر فحديث عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس في الوضوء لكل صلاة منكر والمنكر من أقسام الضعيف فالحاصل أن كل ما في هذا الباب من الروايات ضعيفة إلا أثرين أثر قمير وأثر هشام بن عروة عن أبيه 113 من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر بالظاء المعجمة أي من وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد لصلاة الظهر (تغتسل من
[ 339 ]
ظهر إلى ظهر) بالمعجمة قال الحافظ بن سيد الناس في شرح الترمذي اختلف فيه فمنهم من رواه بالطاء المهملة ومنهم من رواه بالظاء المعجمة أي من وقت صلاة الظهر إلى وقت صلاة الظهر قال الحافظ ولي الدين العراقي وفيه نظر فالمروى إنما هو الإعجام وأما الإهمال فليس رواية مجزوما بها قلت ويؤيد قول العراقي ما أخرجه الدارمي بلفظ أن القعقاع بن حكيم وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله كيف تغتسل المستحاضة فقال سعيد تغتسل من الظهر إلى مثلها من الغد لصلاة الظهر (من ظهر إلى ظهر) بالمعجمتين (وكذلك روى داود وعاصم) أي بالاغتسال من صلاة الظهر إلى مثلها من الغد (عند الظهر) الظاهر أنه بالظاء المعجمة لكن ضبطه ابن رسلان بالطاء المهملة والله تعالى أعلم وإني لم أقف هي رواية عاصم هذه (وهو قول سالم بن عبد الله والحسن وعطاء) أخرج الدارمي عن الحسن في المستحاضة تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر من الغد وأخرج أيضا عن عطاء مثل ذلك (من ظهر إلى ظهر) بالمعجمتين (إنما هو من طهر إلى طهر) أي بالمهملتين (ولكن الوهم دخل فيه) أي في الحديث (فقلبها) أي هذه الجملة (من ظهر إلى ظهر) بالمعجمتين وإنما الصحيح بالمهملتين قال الخطابي في المعالم قلت ما أحسن ما قال مالك وما أشبهه بما ظنه من ذلك لأنه لا معنى للإغتسال من وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد ولا أعلمه قولا لأحد من الفقهاء وإنما هو من طهر إلى طهر وهو وقت انقطاع الحيض انتهى ونازعه أبو بكر بن العربي فقال والذي استبعد غير صحيح لأنه إذا سقط لأجل المشقة عنها
[ 340 ]
الاغتسال لكل صلاة فلا أقل من الاغتسال مرة في كل يوم عند الظهر في وقت دفاء النهار وذلك للتنظيف انتهى (ورواه المسور إلخ) مقصود المؤلف من إيراد رواية المسور تأييد كلام مالك فإن مسورا رواه بالإهمال فقلبه الناس بالإعجام من قال تغتسل كل يوم مرة ولم يقل عند الظهر فتغتسل كل يوم أي وقت شاءت (واتخذت صوفة) قال الجوهري في الصحاح الصوف للشاة والصوفة أخص منه وقال في المصباح الصوف للضأن والصوفة أخص منه (فيها سمن أو زيت) أي اتخذت المستحاضة صوفة مدهونة بالسمن أو الزيتون وتحملت في فرجها فهذه تقطع جريان الدم وتسترخي تشنج العروق الذي هو سبب لسيلان الدم قاله بعض العلماء قال المنذري غريب 115 من قال تغتسل بين الأيام أي بين أيام الحيض (ثم تغتسل) غسلا واحدا بعد انقضاء الأيام التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة (ثم تغتسل) ثانيا (في الأيام) التي كانت حسبتها أيام الحيض فتغتسل في كل شهر مرتين مرة عند
[ 341 ]
انقضاء مدة الحيض ومرة في أيام الحيض وهذا قول تفرد به قاسم بن محمد ولا يظهر توجيهه ولا أدري من أين قال ذلك والله تعالى أعلم باب من قال توضأ لكل صلاة بعد أن تغتسل مرة واحدة عند الطهر (فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي) هذا هو موضع الترجمة لكن ليس فيه لكل صلاة وتقدم هذا الحديث مع شرحه (وروى) بالبناء للمجهول (عن العلاء بن المسيب إلخ) حاصله أن العلاء وشعبة كلاهما رويا هذا الحديث عن الحاكم عن أبي جعفر مرفوعا لكن قوله توضأ لكل صلاة هو مرفوع في رواية العلاء وأما في رواية شعبة فهو من قول أبي جعفر محمد بن علي موقوف عليه 117 من لم يذكر الوضوء للمستحاضة (إلا عند الحدث) غير جريان الدم فلا يجب عليها الوضوء لكل صلاة أو لوقت كل صلاة بل لها أن تصلي ما شاءت ومتى شاءت ما ليحدث حدثا غير جريان الدم
[ 342 ]
(فإن رأت شيئا من ذلك توضأت وصلت) المراد من قوله شيئا من ذلك حدث غير الدم لأنه لا يجب الوضوء من الدم الخارج عنها لأن الدم لا يفارقها ولو أريد بقوله شيئا من ذلك الدم لم يكن للجملة الشرطية معنى لأنها مستحاضة فلم تزل ترى الدم ما لم ينقطع استحاضتها فظهر أن المراد بقوله شيئا من ذلك هو حدث غير الدم وبهذا التقرير طابق الحديث الباب لكن الحديث مع إرساله ليس صريحا في المقصود لأنه يحتمل أن يكون المراد بقوله شيئا من ذلك شيئا من الدم بل هو الظاهر من لفظ الحديث فمتى رأت الدم توضأت لكل صلاة وإذا انقطع عنها الدم تصلي بالوضوء الواحد متى شاءت ما لم يحدث لها حدث سواء كان الحدث دمها الخارج أو غيره فجريان الدم لها حدث مثل الأحداث الأخر وأن المستحاضة يفارقها الدم أيضا في بعض الأحيان وهذا القول أي وضوؤها حالة جريان الدم وترك الوضوء حالة انقطاع الدم لم يقل به أحد فيما أعلم والله تعالى أعلم قال المنذري هذا مرسل (عن ربيعة أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوء إلخ) قال الخطابي قول ربيعة شاذ وليس للعمل عليه وما قاله الخطابي فيه نظر فإن مالك بن أنس وافقه (قال أبو داود هذا قول مالك يعني ابن أنس) هذه العبارة في النسختين وليست في أكثر النسخ وكذا ليست في الخطابي ولا المنذري قال ابن عبد البر ليس في حديث مالك في الموطأ ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب التسلسل ذكره الزرقاني قال المنذري قال الخطابي وقول ربيعة شاذ وليس العمل عليه وهذا الحديث منقطع وعكرمة لم يسمع من أم حبيبة بنت جحش 118 في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر هل تعد من الحيض
[ 343 ]
(كنا لا نعد الكدرة بضم الكاف أي ما هو بلون الماء الوسخ الكدر (والصفرة) أي الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار (بعد الطهر شيئا) وفي رواية الدارمي بعد الغسل قال الخطابي اختلف الناس في الصفرة والكدرة بعد الطهر والنقاء وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال ليس ذلك بمحيض هذه ولا تترك لها الصلاة وتتوضأ وتصلى وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي وقال سعيد بن المسيب إذا رأت ذلك اغتسلت وصلت وبه قال أحمد بن حنبل وعن أبي حنيفة إذا رأت بعد الحيض وبعد انقطاع الدم الصفرة والكدرة يوما أو يومين ما لم يجاوز العشر فهو من حيضها ولا تطهر حتى ترى البياض خالصا واختلف قول أصحاب الشافعي في هذا فالمشهور من مذهب أصحابه أنها إذا رأت الصفرة والكدرة بعد انقطاع دم العادة ما لم تجاوز خمسة عشر يوما فإنها حيض وقال بعضهم إذا رأتها في أيام العادة كانت حيضا ولا تعتبرها فيما جاوزها وأما المبتدأة سنة إذا رأت أول ما رأت الدم صفرة أو كدره فإنها لا يعتد في قول أكثر الفقهاء وهو قول عائشة وعطاء وقال بعض أصحاب الشافعي حكم المبتدأة بالصفرة والكدرة حكم الحيض انتهى كلامه قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وليس فيه بعد الطهر 119 المستحاضة يغشاها زوجها أي يجامعها زوجها
[ 344 ]
(لا يروي عنه) أي من معلي بن منصور (لأنه كان ينظر في الرأي) حكى أبو طالب عن أحمد أنه قال ما كتبت عنه وكان يحدث بما وافق الرأي وكان يخطئ كذا في مقدمة الفتح (عن حمنة الخ) قال صاحب المنتقي وكانت أم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف كذا في صحيح مسلم وكانت حمنة تحت طلحة بن عبيدالله انتهى ومقصود صاحب المنتقي أن عبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيدالله من الصحابة قد فعلا ذلك في زمن الوحي ولم ينزل في امتناعه فيستدل به على الجواز قال المنذري في سماع عكرمة من أم حبيبة وحمنة نظر وليس فيها ما يدل على سماعه منهما والله عز وجل أعلم 120 ما جاء في وقت النفساء وكم تجلس وتمكث في نفاسها وإلى أي مدة لا تصلي ولا تصوم والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة ويجئ بعض بيانه (عن مسة) بضم الميم وتشديد السين هي أم بسة بضم الموحدة قال الدارقطني لا تقوم بها حجة وقال ابن القطان لا يعرف حالها ولا عيها ولا يعرف في غير هذا الحديث
[ 345 ]
وأجاب عنه في البدر المنير فقال ولا نسلم جهالة عينها وجهالة حالها مرتفعة فإنه روى عنها جماعة كثير بن زياد والحكم بن عتيبة وزيد بن علي بن الحسين ورواه محمد بن عبيدالله العزرمي عن الحسن عن مسة أيضا فهؤلاء رووا عنها وقد أثنى على حديثها البخاري وصحح الحاكم إسناده فأقل أحواله أن يكون حسنا انتهى (كانت النفساء) قال الجوهري النفاس ولادة المرأة إذا وضعت فهي نفساء ونسوة نفاس وليس في الكلام فعلاء يجمع على فعال غير نفساء وعشراء ويجمع أيضا على نفساوات وعشروات عمرو وامرأتان نفساوان وعشراوان قبل (تقعد بعد نفاسها أربعين يوما أو أربعين ليلة) فيه دليل على أن الدم الخارج عقيب الولادة حكمه يستمر أربعين يوما تقعد فيه المرأة عن الصلاة وعن الصوم وأما إذا رأت الطهر قبل أربعين يوما فطهرت كما سيجئ وقوله أو أربعين ليلة الظاهر أنه شك من زهبر أو من دونه (وكنا نطلي على وجوهنا) أي نلطخ والطلي يحيى ادهان (الورس) في الصحاح الورس بوزن الفاس نبت أصفر يكون باليمنى تتخذ منه الغمرة للوجه وورس الثوب توريسا صبغه بالورس (تعنى من الكلف) بفتح الكاف واللام لون بين السواد والحمرة وهي حمرة كدرة تعلو الوجه وشئ يعلو الوجه كالسمسم كذا في الصحاح للجوهري قال المنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسة الأزدية قال محمد بن إسماعيل على ابن عبد الأعلى ثقة وأبو سهل ثقة ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل قال الخطابي حديث مسة أثنى عليه محمد بن إسماعيل قال مسة هذه أزدية واسم أبي سهل كثير بن زياد وهو ثقة وعلي بن عبد الأعلى ثقة (يقضين صلاة المحيض) أي الحيض ولعله لم يبلغه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة (فقالت لا يقضين) الصلاة (كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم) والمراد بنسائه غير أزواجه صلى الله عليه وسلم من بنات وقريبات وسرية ومارية وأن النساء أعم من الزوجات لدخول البنات وسائر
[ 346 ]
القرابات تحت ذلك (تقعد في النفاس إلخ) فإن قلت إن مسة سألت أم سلمة رضي الله عنها عن حكم الصلاة في حالة الحيض وأخبرت عن سمرة أنه يأمر بها وأجابت أم سلمة عن صلاة النفساء قلت في تأويله وجهان الأول أن المراد بالمحيض ههنا هو النفاس بقرينة الجواب والثاني أن أم سلمة أجابت عن صلاة حال النفاس الذي هو أقل مدة الحيض فإن الحيض قد يتكرر في السنة اثنا عشر مرة والنفاس لا يكون مثل ذلك بل هو أقل منه جدا فقالت إن الشارع قد عفا عن الصلاة في حال النفاس الذي لا يتكرر فكيف لا يغفو عنها في حال الحيض الذي يتكرر والله أعلم قال الترمذي في جامعه وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلى فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا لا تدع الصلاة بعد الأربعين وهو قول أكثر الفقهاء وبه قال سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ويروي عن الحسن البصري أنه قال تدع الصلاة خمسين يوما إذا لم تطهر ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستين يوما انتهى قلت والصحيح من هذه المذاهب وأقوى دليلا هو أن أكثر مدة النفاس أربعون يوما ولا حد لأقله بل متى ينقطع دمها تطهر وتصلي والله أعلم 121 الاغتسال من الحيض كيف هو (عن امرأة من بني غفار قد سماها لي) يشبه أن تكون هذه المقولة لسلمة ابن الفضل أيقال سلمة الراوي عن محمد بن إسحاق أي إني لم أحفظ اسم امرأة من بني غفار مع أن شيخي
[ 347 ]
كان سماها لي فنسيت قال السهيلي هذه المرأة الغفارية اسمها ليلى و إنا امرأة أبي ذر الغفاري وقال ابن عبد البر كانت تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلفي مغازيه تداوي الجرحى وتقيم على المرضى (أردفني) أي حملني خلفه على ظهر الدابة (على حقيبة رحله) حقيبة على وزن لطيفة وهي كل ما شد في مؤخر رحل أو قتب كذا في القاموس والرحل هو المركب للبعير وهو أصغر من القتب قال ابن الأثير الحقيبة هي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب انتهى فالإرداف الرحمن على حقيبة الرجل لا يستلزم المماسة فلا إشكال في إرادة صلى الله عليه وسلم إياها (إلى الصبح) أي في الصبح (فإذا بها) أي بالحقيبة (وكانت) تلك الحيضة (أول حيضة حضتها) في السفر أو مطلقا (فتقبضت إلى الناقة) من باب التفعل أي وثبت إليها قاؤل في القاموس وتقبض إليه وثب (لعلك نفست) أي حضت قال الخطابي أصل هذه الكلمة من النفس إلا أنهم فرقوا بين بناء الفعل من الحيض و النفاس فقالوا في الحيض نفست بفتح النون وفي الولادة بضمها انتهى (فأصلحي وكان منفسك) ما يمنعك من خروج الدم إلى حقيبة الرحل (رضخ لنا) من باب نفع أي أعطانا قليل المال يقال رضخت له رضخا ورضيخه روى أعطيته شيئا ليس بالكثير (من الفئ) بالهمزة أي عن الغنيمة (إلا جعلت في طهورها ملحا) قال الخطابي وفيه الفقه أنه تستعمل الملحة في غسل الثياب وتنقيته من الدم والملح مطعوم فعلى هذا يجوز غسل الثياب بالعسل إذا كان ثوبا من إبريسم فيجوز على ذلك التدلك بالنخالة ودقيق الباقلا والبطيخ ونحو ذلك مما له قوة الجلاء وحدثونا عن يونس بن عبد الأعلى قال دخلت الحمام بمصر فرأيت الشافعي يتدلك النخالة انتهى كلامه
[ 348 ]
(تأخذ سدرها وماءها) للغسل لينظف به الجلد وهي شجر النبق وهل أوراق النبق تغلي في الماء ويستعمل الماء المغلي في الغسل أو هي تدق وتضمد وتدلك مع الماء على الجسد لم أر التصريح بذلك في شئ من كتب الأحاديث ولفظ الحديث يحتمل المعنيين (ثم تأخذ فرصتها) بكسر الفاء وسكون الراء وبالصاد المهملة قطعة من صوف أو قطن أو جلدة عليهما صوف وفي الرواية الآتية ممسكة (قالت) المرأة السائلة (بها) أي بالفرصة الممسكة (يكني) من باب رمي يقال كنيت بكذا عن كذا والاسم الكناية وهي أن يتكلم بشئ يستدل به على المكني عنه كالرفث والغائط (تتبعين) من الافتعال (آثار الدم) جمع إثر بكسر الهمزة أي اجعلها في الفرج وحيث أصاب الدم لينظف المحل وتقطع به الرائحة الكريهة (وقالت لهن معروفا) هذا عطف لقولها فأثنت عليهن (فرصة ممسكة) على وزن المفعول من التفعيل أي مطلية بالمسك ومطيبة منه كذا فسره الخطابي والنووي وغيرهما (كان أبو عوانة يقول فرصة) بالفاء والصاد المهملة (وكان أبو الأحوص يقول قرصة) بالقاف المفتوحة ووجهه المنذري فقال يعني شيئا يسيرا مثل القرصة بطرف الأصبعين كذا في فتح الباري قال النووي الصواب هو الفرصة بالفاء والصاد المهملة وإن المراد بالمسك بكسر الميم الطيب المشهور (سبحان الله تطهري بها) سبحان الله في موضع وأمثاله يراد بها التعجب ومعنى
[ 349 ]
التعجب ههنا كيف يخفي مثل هذا الظاهر الذي لا يحتاج الإنسان في فهمه إلى فكر (واستتر) النبي صلى الله عليه وسلم وجهه (بثوب) وفي رواية للبخاري استحي فأعرض بوجهه (حتى يبلغ) أي الماء (شؤون رأسك) أي أصول شعر رأسك (وإن يتفقهن فيه) أي يتعلمن في الدين والفقه فهم الشئ قال ابن فارس كل علم بشئ فهو فقه قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه 122 التيمم التيمم في اللغة هو القصد وفي الشرع القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة ونحوها واعلم أن التيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو خصيصة خصها الله تعالى به هذه الأمة ذكره النووي (في طلب قلادة) بكسر القاف كل ما يعقد ويعلق في العنق ويسمى عقدا (أضلتها عائشة) أي أضاعتها أضللت الشئ إذا ضاع منك فلم تعرف مكانه كالدابة والناقة وما أشبههما فإن أخطأت موضع الشئ الثابت كالدار قلت ضللته بغير الألف كذا في المصباح (فصلوا بغير وضوء) وفي رواية للبخاري وليس معهم ماء فصلوا قال النووي في شرح مسلم وفيه دليل على أن من عدم الماء والتراب يصلي على حاله وهذه المسألة فيها خلاف للخلف والسلف ثم ذكر الأقوال ثم قال الرابع تجب الصلاة ولا تجب الإعادة وهذا مذهب المزني وهو أقوى الأقوال دليلا ويعضده هذا الحديث وأشباهه فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب
[ 350 ]
إعادة مثل هذه الصلاة والمختار أن القضاء إنما يجب بأمر جديد ولم يثبت الأمر فلا يجب وهكذا يقول المزني في كل صلاة وجبت في الوقت على نوع من الخلل لا يجب إعادتها قلت ما ذهب إليه المزني هو مذهب أحمد وسحنون وابن المنذر فعند هؤلاء تجب الصلاة على عادم التراب والماء ولا يجب الإعادة وهو الحق الصريح ويؤيده ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وأما حديث لا يقبل الله صلاة بغير طهور فهو محمول على القادر على الطهور (فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له) وهذا صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر على فعلهم ذلك وهو صلاتهم من غير وضوء ولا تيمم فلا يقال أنه كان باجتهاد منهم فلا حجة فيه (فأنزلت آية التيمم) في صحيح البخاري في تفسير سورة المائدة من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة فنزلت يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية (زاد ابن نفيل) هو عبد الله بن محمد النفيلي في روايته (ما أنزل بك أمر) من الحزن والهم (ولك فيه فرجا) ومخرجا وخيرا وطريقا سهلا للخروج منه وبركة ليستنوا به قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (إنهم تمسحوا) من التفعل والمسح في والوضوء هو إصابة الماء باليد وفي التيمم إمرار اليد بالتراب (وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) جملة حالية (بالصعيد) متعلق بتمسحوا ولم (فمسحوا بأيديهم) اليد مؤنثة وهي من المنكب إلى أطراف الأصابع (إلى المناكب) جمع منكب وهو مجتمع رأس العضد (والإباط بين) إبط ما تحت الجناح ويذكر ويؤنث والجمع آباط (من بطون أيديهم) متعلق بمسحوا أهل أي مسحوا من بطون الأيدي لا من ظهورها
[ 351 ]
قال العلامة محمد إسحاق المحدث الدهلوي شيخ شيخنا هذا قياس الصحابة في أول الأمر قبل بيان النبي صلى الله عليه وسلم فلما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم علموا كيفية التيمم قال البيهقي قال الشافعي في كتابه قال عمار تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم انتهى (المهري) بفتح الميم وسكون الهاء منسوب إلى مهرة ابن حيدان وهو أبو قبيلة تنسب إليها الإبل المهرية (ولم يقبضوا من التراب شيئا) لأن المقصود هو ضرب الأيد على الصعيد من غير زيادة على ذلك وتحصل الطهارة بالضرب لا بالتغيير (فذكر) أي سليمان (نحوه) أي نحو حديث أحمد بن صالح (ولم يذكر) في حديثه (قال ابن الليث) هو عبد الملك بن شعيب (إلى ما فوق المرفقين) أي مسحوا بأيديهم كلها إلى ما فوق المرفقين قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وهو منقطع عبيدالله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر وقد أخرجه النسائي وابن ماجه مختصرا من حديث عبيدالله بن عبد الله بن عتيبة عن أبيه عن عمار موصولا (عرس) من التفعيل يقال عرس إذا نزل المسافر ليستريح نزلة ثم يرتحل وقال الخليل وأكثر أئمة اللغة التعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة ولا يسمى نزول أول الليل تعريسا (بأولات الجيش وفي رواية) الشيخين بالبيداء أو بذات الجيش قال ابن التين شارح البخاري البيداء هو ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة وذات الجيش وراء ذي الحليفة انتهى وذات الجيش وأولات الجيش واحد (فانقطع عقدها) عقد بكسر العين المهملة كل ما يعقد ويعلق في العنق ويسمي قلادة (من جزع ظفار) الجزع خرز فيه سواد وبياض الواحد جزعة مثل تمر وتمرة وحكى في ضبط ظفار وجهان كسر أوله وصرفه أو فتحه والبناء بوزن قطام قال القاضي عياض هو مدينة معروفة بسواحل اليمن قال ابن الأثير
[ 352 ]
والصحيح رواية ظفار كقطام اسم مدينة لحمير (فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك) الناس مفعول حبس وابتغاء فاعلها (فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليس المراد به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام معهم وصنع مثل ما صنعوا بل المراد أنهم قاموا للتيمم وهم چكانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو في الرواية السابقة (فمسحوابها) أي باليد المضروبة على الأرض (ومن بطون أيديهم إلى الآباط) من للابتداء أي ثم ابتدأوا من بطون أيديهم ومدوا إلى الآباط فمسحوا أولا من ابتداء ظهور الأكف إلى المناكب وثانيا من ابتداء بطون الأكف إلى الآباط والله تعالى أعلم (ولا يعتبر بهذا الناس) أي الناس لا يعتبرون بهذا الحديث ولا يأخذونه ولم يذهب احد إلى التيمم إلى الآباط والمناكب هكذا قال الزهري وأما هو فقد ذكر ابن المنذر والطحاوي وغيرهما عن الزهري أنه كان يرى التيمم إلى الآباط (وكذلك رواه ابن إسحاق) أي بذكر عبد الله بن عباس بين عمار وعبيدالله بن عبد الله (قال فيه عن ابن عباس) هذه الجملة بيان لقوله كذلك رواه ابن إسحاق (وكذلك قال أبو أويس عن الزهري) أي بذكر عبد الله بن عتيبة بين عبيدالله بن عبد الله وعمار بن ياسر كما ذكره مالك (وشك فيه) أي في هذا الحديث (مرة قال عن أبيه ومرة قاعن ابن عباس) تفسير لما قبله (اضطرب ابن عيينة فيه) فمرة قال عن أبيه ومرة أسقطه وجعل مكانه عن ابن عباس (وفي سماعه عن الزهري) أيضا اضطرب فمرة رواه عن الزهري بنفسه ومرة جعل بينه وبين الزهري واسطة عمرو بن دينار والاضطراب في
[ 353 ]
اصطلاح المحدثين هو الذي يروي على أوجه مختلفة متقاربة من راو واحد مرتين أو أكثر أو من راويين أو رواة ويقع الاضطراب في الإسناد تارة وفي المتن أخرى ويقع في الإسناد والمتن معا من راو واحد أو راويين أو جماعة والاضطراب موجب لضعف الحديث شعاره بعدم الضبط من رواته الذي هو شرط في الصحة والحسن فإن رجحث حديث إحدى الروايتين بحفظ راويها مثلا أو كثرة صحبة المروى عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالحكم للراجحة ولا يكون الحديث مضطربا (ولم يذكر أحد منهم) أي من رواة الزهري في هذا الحديث (الضربتين إلا من سميت) أي ذكرت اسمه وهم يونس وابن إسحاق ومعمر فإنهم رووا عن الزهري لفظ الضربتين وما عداهم كصالح بن كيسان والليث بن سعد وعمرو بن دينار ومالك بن أبي ذئب وغيرهم فكلهم رووه ولم يذكر أحد من هؤلاء ضربتين وأما لفظ المناكب والآباط فقد اتفق الكل في رواياتهم عن الزهري على هذه اللفظة غير ابن إسحاق فإنه قال في روايته المرفقين قال المنذري وقال غيره أي غير أبي داود حديث عمار لا يخلو إما أن يكون عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولا فإن لم يكن عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا ولا حجة لأحد مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم والحق أحق أن يتبع وإن كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو منسوخ وناسخه حديث عمار أيضا وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه ولا يجوز على عمار إذا ذكر تيممهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية إلى المناكب إن كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه منسوخ عنده إذا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتيمم على الوجه والكفين أو يكون لم يرو عنه إلا تيمما واحدا واختلف روايته عنه فتكون رواية ابن الصمة التي لم تختلف أثبت وإذا لم تختلف فأولى أن يؤخذ بها لأنها أوفق لكتاب الله من الروايتين اللتين رويتا مختلفين أو يكون إنما سمعوا آية التيمم عند حضور صلاة فتيمموا فاحتاطوا وأتوا على غاية ما يقع عليه اسم اليد لأن ذلك لا يضرهم كما لا يضرهم لو فعلوه في الوضوء فلما صاروا إلى مسألة النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنهم يجزيهم من التيمم أقل مما فعلوا وهذا أولى مما فعلوا وهذا أولى المعاني عندي برواية ابن شهاب من حديث عمار بما وصفت من الدلائل قال الخطابي لم يختلف أحد من أهل العلم في أنه لا يلزم المتيمم أن يمسح ما وراء المرفقين وفيما قاله نظر فقد ذكر ابن المنذر والطحاوي وغيرهما عن الزهري أنه كان يرى التيمم إلى الآباط وقد
[ 354 ]
أخرج البخاري ومسلم والنسائي حديث عائشة في انقطاع العقد وليس فيه كيفية التيمم انتهى كلام المنذري (يا أبا عبد الرحمن) كنية عبد الله بن مسعود (أرأيت) أي أخبرني وهذا اللفظ شائع على لسان الفصحاء وفيه إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار لأنها سببه فهو مجاز مرسل من إطلاق اسم السبب وإرادة المسبب (أجنب) أي صار جنبا (أما كان يتيمم) بهمزة الاستفهام (فقال) أي عبد الله (لا) أي لا يتيمم (لو رخص لهم) على بناء المجهول (في هذا) أي في التيمم (لأوشكوا) أي قربوا (إذا برد) بفتح الراء على المشهور وحكى الجوهري ضمها (فقال له) أي لعبد الله (لهذا لأجل تيمم صاحب البرد (فتمرغت في الصعيد) أي تقلبت في التراب ظنا بأن الجنب يحتاج أن يوصل التراب إلى جميع بدنه لأن التيمم بدل من الغسل فيق على هيئة الغسل (فضرب) النبي صلى الله عليه وسلم (وبيده على الأرض) وفي رواى مسلم ثم ضرب بيديه إلى الأرض ضربة واحدة (فنفضها) تخفيفا للتراب (فقال له) لأبي موسى (لم يقنع بقول عمار) ووجه عدم قناعته بقول عمار هو أنه كان معه في تلك القضية ولم يتذكر عمر ذلك أصلا ولهذا قال لعمار اتق الله يا عمار فيما ترويه وتثبت فيه فلعلك نسيت أو اشتبه عليك فإني كنت معك ولا أتذكر شيئا من هذا قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (فقال إنا نكون بالمكان الشهر أو الشهرين) وفي رواية النسائي فقال يا أمير المؤمنين
[ 355 ]
ربما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء (إذا كنت أنا وأنت في ابل) وفي رواية النسائي ونحن نرعى الإبل (فأما أنا فتمعكت) من باب التفعل وأصل المعك الدلك معكه في التراب يمعكه عند معكا لأنه ومعكه أخبرنا تمعيكا يا مرغه فيه والتمعك لو التقلب فيه وفي رواية مسلم يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماءا فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب (أن تقول هكذا) أي تفعل هكذا (إلى نصف الذراع) قال البيهقي في المعرفة واختلفوا فيه على أبي حبيب بن صهبان فقيل عنه عن عبد الرحمن بن أبزي إلى نصف الذراع وقيل عنه عن عمار نفسه وجهه وكفيه والاعتماد على رواية الحكم بن عتيبة فهو فقيه حافظ لم يشك في الحديث وسياقه أحسن انتهى وستأتي رواية الحكم (ان شئت والله لم أذكره أبدا) أي إن رأيت المصلحة في امساكي عن التحديث به راجحة على مصلحة في تحديثي به أمسكت فإن طاعتك واجبه على في غير المعصية وأصل تبليغ هذه السنة قد حصل (فقال عمر كلا والله) لا تمسك تحديثك به ولا يلزم من عدم تذكري أن لا يكون حقا في نفس الأمر فليس لي أن أمنعك من التحديث به (لنولينك) أي نكل إليك ما قلت ونرد إليك (من ذلك) من أمر التيمم (ما توليت) أي ما وليته نفسك ورضيت لها به قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا (ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعدين ولم يبلغ المرفقين) الذراع من المرفق
[ 356 ]
إلى طرف الأصابع والساعد ما بين المرفق والكف كذا في المصباح وقال الأزهري والساعد ساعد الذراع وهو ما بين الزندين والمرفق والزند بالفتح موصل طرف الذراع في الكف وهما زندان الكوع والكرسوع فطرف الزند الذي يلي الإبهام هو الكوع وطرف الزند الذي يلي الخنصر كرسوع والرسغ مجتمع الزندين ومن عندهما تقطع يد السارق انتهى والمرفق كمنبر موصل الذراع في العضد والعضد هو مابين المرفق إلى إلكتف (كان سلمة) بن كهيل (فقال له) أي لسلمة (ذات يوم) ذات الشئ نفسه وحقيقته والمراد ما أضيف له والمعنى يوم من الأيام (أنظر) يا سلمة (ما تقول) في روايتك (فإنه) الضمير للشأن (لا يذكر الذراعين غيرك) فأنت متفرد ما بين أصحاب ذر بن عبد الله بذؤكر لفظ الذراعين
[ 357 ]
(فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين) فيه دليل صريح على الاقتصار في التيمم على الوجه والكفين بضربة واحدة وأن ما زاد على الكفين ليس بضروري وهذا القول قوى من حيث الدليل قال ابن دقيق العيد فيه دليل لمن قال بالاكتفاء بضربة واحدة للوجه واليدين ومذهب الشافعي أنه لا بد من ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين وقد ورد في الضربتين إلا أنه لا يقاوم هذا الحديث في الصحة ولا يعارض مثله بمثله انتهى وقال الخطابي في المعالم ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين وهو قول عطاء بن أبي رباح ومكحول وبه قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وعامة أصحاب الحديث وهذا المذهب أصح في الرواية انتهى وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري تحت قول الإمام البخاري باب التيمم للوجه والكفين أي هو الواجب المجزئ وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه والراجح عدم رفعه فأما حديث جهيم فورد بذكر اليدين مجملا وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن وفي رواية إلى نصف الذراع وفي رواية إلى الآباط فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففهيما يكون مقال وأما رواية الآباط فقال الشافعي وغيره مما تقدم ذكره مرارا مع ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولاسيما الصحابي المجتهد
[ 358 ]
(قال إلى المرفقين) قال المنذري وفي إسناد هذه الرواية رجل مجهول انتهى ونقل العيني عن ابن حزم أنه قال هو خبر ساقط واعلم أنه قد وردت في المسح إلى المرفقين روايات غير ما ذكره المؤلف لكن كلها لا يخلو من مقال وقد سردها كلها مع الكلام عليها أخونا المعظم في غاية المقصود 123 التيمم في الحضر سعيد بفتحتين هو خلاف السفر هل يجوز (من نحو بئرجمل) بفتح الميم والجيم أي من جهة الموضع الذي يعرف ببئر جمل وهو موضع بقرب المدينة فيه مال من أمولها بكر (فمسح بوجهه ويديه) قال النووي وحديث أبي جهيم محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادما للماء حال التيمم قال الحافظ ابن حجر وهو مقتضى صنيع البخاري لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب وهو إرادة ذكر الله لأن لفظ السلام من أسمائه وما أريد به استباح الصلاة وأجيب بأنه لما تيمم في الحضر لرد السلام مع جوازه بدون الطهارة فمن خشى فوت الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى انتهى والاستدلال بهذا الحديث على أن التيمم إلى المرفقين غير صحيح لأن لفظ اليد مجمل وأما رواية الدارقطني من طريق أبي صالح والشافعي من طريق أبي الحويرث بلفظ ذراعيه فهي ضعيفة قال الحافظ والثابت في حديث أبي جهيم بلفظ يديه لا ذراعيه فإنها رواية شاذة مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف انتهى قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وأخرجه مسلم منقطعا وهو أحد الأحاديث المنقطعة
[ 359 ]
(وكان من حديثه) أي من حديث ابن عمر لا من حديث ابن عباس لأن هذا الحديث مروي من طرق عن ابن عمر ولم يعرف هذا عن عبد الله بن عباس وفي المعرفة للبيهقي فلما أن قضى حاجته كان من حديثه يؤمئذ وهكذا في رواية الدارقطني (في سكة) بكسر السين وشدة الكاف زقاق (فسلم) أي الرجل (عليه) صلى الله عليه وسلم (حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى) أي قرب الرجل أن يختفي ويغيب عن نظره صلى الله عليه وسلم (حديثا منكرا) تقدم تعريف المنكر في باب الوضوء من النوم فليرجع إليه (لم يتابع) بصيغة المجهول (محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم) فمحمد ابن ثابت مع كونه ضعيفا تفرد بذكر الضربتين قال الخطابي في المعالم حديث ابن عمر لا يصح لأن محمد بن ثابت العبدي ضعيف جدا لا يحتج بحديثه (ورووه فعل ابن عمر) أي روى الحفاظ الثقات ضربتين من فعل ابن عمر لا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال المنذري قال الخطابي قد أنكر محمد بن إسماعيل البخاري على محمد بن ثابت رفع هذا الحديث وقال البيهقي ورفعه غير منكر انتهى (عبد الله بن يحيى البرلسي) قال في التقريب بضم الموحدة والراء وتشديد اللام
[ 360 ]
المضمومة بعدها مهملة انتهى وهكذا في التهذيب وقال في القاموس برلس بالضمات وشد اللام قرية بسواحل مصر وفي تاج العروس وضبطه ياقوت فتحتين وضم اللام وشدها (ثم مسح وجهه ويديه إلخ) وهذا الحديث ليس فيه ذكر الضربتين قال المنذري حسن الجنب يتيمم لعذر من الأعذار هل ينوب عن الغسل (اجتمعت غنيمة) تصغير غنم لإفادة التقليل (يا أبا ذر أبد) بصيغة الأمر أصله أبدا ويقال بدا القوم بدوا أي خرجوا إلى باديتهم وبدا القوم بداء خرجوا إلى البادية وتبدى الرجل أقام بالبادية وتبادى تشبه بأهل البادية كذا في لسان العرب (فيها) أي في الغنيمة (فبدوت إلى الربذة) بفتح أوله وثانية وذال معجمة مفتوحة من قرى المدينة على ثلاثة أميال منها قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من قيد تريد مكة والمعنى خرجت إلى الربذة (فأمكث الخمس والست) أي خمسة أيام وستة أيام فأصلي بغير طهور (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (أبو ذر) أي أنت أبو ذر (فسكت) وفي الرواية الآتية فقلت نعم إلخ والتوفيق بين الروايتين أن
[ 361 ]
الرواية الأولى اختصرها الراوي أي فسكت أولا ثم قلت نعم كما يدل عليه رواية الطبراني في الأوسط (ثكلتك أمك أبا ذر) الثكل فقدان المرأة ولدها أي فقدتك أمك وأمثال هذه الكلمة تجري على ألسنتهم ولا يراد بها الدعاء وكذا قوله صلى الله عليه وسلم لأمك الويل لم يرد به الدعاء والويل الحزن والهلاك والمشقة (فجاءت بعس) بضم العين وتشديد السين قال الجوهري القدح العظيم والرفد أكبر منه وجمعه عساس (فسترتني بثوب) أي من جانب (واستترت) أنا من جانب آخر (بالراحلة) قال الجوهري الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى (فكأني ألقيت عني جبلا) شبه الجنابة بالجبل في الثقل يقول لما أجنبت وما وجدت الماء كنت لعدم الاغتسال مكدر أو منقبض النفس كأن على رأسي الجبل فلما اغتسلت زال عني ذلك الثقل فكأني طرحت عني الجبل (الصعيد الطيب وضوء المسلم) قد اختلفت أقوال أئمة اللغة في تفسير الصعيد قال الإمام جمال الدين افريقي في لسان العرب والصعيد المرتفع من الأرض وقيل الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة وقيل ما لم يخالطه رمل ولا سبخة وقيل وجه الأرض لقوله تعالى فتصبح صعيدا زلقا وقيل الصعيد الأرض وقيل الأرض الطيبة وقيل هو كل تراب طيب وفي التنزيل (فتيمموا صعيدا طيبا) وقال الفراء في قوله تعالى صعيد جرزا الصعيد التراب وقال غيره هي الأرض المستوية وقال الشافعي لا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار فأما البطحاء الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ فلا يقع عليه اسم صعيد وإن خالطه تراب أو مدر يكون له غبار كان الذي خالطه الصعيد ولا يتيمم بالنورة وبالكحل قد وبالزرنيخ وفي وكل هذا حجارة وقال أبو إسحاق الزجاج الصعيد وجه الأرض قال وعلى الإنسان أن يضرب بيديه وجه الأرض ولايبالي كل أكان في الموضع تراب أو لم يكن لأن الصعيد ليس هو التراب وإنما هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره قال ولو أن أرضا كانت كلها صخرا لا تراب عليها ثم ضرب المتيمم يده على ذلك الصخر لكان ذلك طهورا إذا مسح به وجه قال الله تعالى فتصبح صعيدا لأنه نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض لا أعلم بين أهل اللغة خلافا في أن الصعيد وجه الأرض قال الأزهري وهذا الذي قاله أبو إسحاق الزجاج أحسبه مذهب مالك ومن قال يقوله ولا أستيقنه قال الليث يقال للحديقة إذا خربت وذهب شجراؤها قد صارت صعيدا أي أرضا مستوية لا شجر فيها وقال ابن الأعرابي الصعيد الأرض بعينها والصعيد الطريق سمي بالصعيد من التراب انتهى كلامه بحروفه وقال في القاموس الصعيد التراب أو وجه الأرض وفي تاج العروس شرح القاموس مثل ما في اللسان وقال ثعلب وجه الأرض لقوله تعالى فتصبح صعيدا زلقا انتهى وقال الجوهري
[ 362 ]
في الصحاح عن الفراء الصعيد التراب وقال العيني في شرح البخاري (صعيدا طيبا) أي أرضا طاهرة وفي الجمهرة وهو التراب الذي لا يخالطه رمل ولا سبخ هذا قول أبي عبيدة وعن قتادة أن الصعيد الأرض التي لا نبات فيها ولا شجر انتهى ملخصا ومن الاختلاف في تفسير الصعيد اختلفوا في هذه المسألة فذهب إلى تخصيص التراب للتيمم الشافعي وأحمد وداود وذهب مالك وأبو حنيفة وعطاء والأوزاعي والثوري إلى أنه يجزئ بالأض فلا وما عليها واستدلال كلا الفريقين بقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا قلت التحقيق في هذه المسألة أن التراب هو المتعين لمن وجد التراب ولا يجوز بغيره لأن الصعيد هو التراب فقط عند بعض أئمة اللغة فالتميم منه عليه جائز اتفاقا فكيف يترك المتيقن بالمحتمل ومن لم يجد التراب فيتيمم على الرمال والأحجار ويصلي لأنه مدلول الصعيد لغة عند بعض أئمة اللغة ومن لم يجد الرمال والأحجار فيتيمم على كل ما ذكر آنفا في تفسير الصعيد ولا يصلي بغير التيمم ومن لم يجد هذه كلها فيصلي بغير طهارة والله أعلم (ولو إلى عشر سنين) المراد بالعشر التكثير لا التحديد ومعناه أي له أن يفعل التيمم مرة بعد أخرى وإن بلغت مدة عدم الماء واتصلت إلى عشر سنين وليس في معنى أن التيمم دفعة واحدة تكفيه لعشر سنين وكذلك قوله عليه السلام وما بدالك في المسح على الخفين قاله الخطابي في المعالم وفيه دليل على أن خروج الوقت غير ناقض للتيمم بل حكمه حكم الوضوء قال الخطابي ويحتج بهذا الحديث من يرى أن للمتيمم أن يجمع بتيممه بين صلوات ذوات عدد وهو مذهب أصحاب الحديث قال الحافظ بن حجر واحتج البخاري لعدم وجوب التيمم لكل صلاة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمران عليك بالصعيد فإنه يكفيك قال الحافظ وهذه المسألة وافق فيها البخاري الكوفيين والجمهور وذهب بعض من التابعين إلى خلاف ذلك انتهى قلت مذهب الجمهور قوي وقد جاء آثار تدل على ما ذهب إليه البعض من التابعين من أن المصلي يجدد التيمم لكل صلاة لكن أكثرها ضعيف وما صح منها فليس فيها شئ يحتج به على فرضية التجديد فهي محمولة على الاستحباب (فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك) أمس أمر من الإمساس والمعنى إذا وجدت الماء فعليك أن تتوضأ أو تغتسل قال الخطابي ويحتج بهذا الحديث في إيجاب انتقاض طهارة المتيمم بوجود الماء على عموم الأحوال سواء كان في صلاة أو غيرها انتهى ويحتج به أيضا في أن لا يتيمم في مصر لصلاة فرض ولا لجنازة ولا لعيد لأنه واجد للماء فعليه أن يمسه جلده (فإن ذلك) أي الإمساس
[ 363 ]
(خير) أي بركة وأجر وليس معناه أن الوضوء والتيمم كلاهما جائز عند وجود الماء لكن الوضوء خير بل الوضوء هذا الوقت فرض والخيرية لا تنافي الفرضية قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح وبجدان بضم الباء الموحدة وسكون الجيم وبعد الألف نون انتهى (فأهمني ديني) أي أقلقني وأحزنني والمعنى أني أسلمت لكن ما علمت مسائل الإسلام وأحكامه فتحرجت به على أداء أركان الإسلام فأحزنني وأقلقني ديني الذي هو عصمة أمري لأن أجلس مجالس العلماء وأتعلم عنهم المسائل (إني اجتويت المدينة) قال ابن فارس اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب وقال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها وقال ابن العربي الجوى داء يأخذ من الوباء وقال غيره الجوى داء يصيب الجوف ذكره الحافظ (بذود) بفتح الذال هي من الإبل قال ابن الأنباري سمعت أبا العباس يقول ما بين الثلاث إلى العشر ذود وكذا قال الفارابي والذود مؤنثة لأنهم قالوا ليس في أقل من خمس ذود صدقة والجمع أذواد مثل ثوب وأثواب وقال في البارع الذود لا يكون إلا إناثا كذا في المصباح (فكنت أعزب عن الماء) بضم الزاء المنقوطة من باب نصر وضرب فيه لغتان يقال عزب عني فلان يعزب عزوبا غاب وبعد والمعنى أني أبعد عن الماء (وهو في رهط) أي في جماعة وهو ما دون عشرة من الرجال ليس فيهم امرأة وسكون الهاء أفصح من فتحها وهو جمع لا واحد له من لفظه (يتخضخض) بالخاء والضاد المعجمتين أولا ثم كذلك ثانيا والخضخضة تحريك
[ 364 ]
الماء وأصل الخضخضة من خاض يخوض لا من خض يخض يقال خضخضت دلوي في الماء خضخضة وتخضخض : الماء تحرك (ما هو) أي العس (إن الصعيد الطيب إلخ) وفي إطلاقه دليل على أن الحضر والسفر كلاهما متساويان للمسلم في الطهارة بالصعيد الطيب وأنه يقوم مقام الماء وإن لم يجد الماء عشر سنين ولا يقتصر الحكم في السفر فقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصه موضعا دون موضع في جواز التيمم بل أطلق وأنكر صلى الله عليه وسلم على عدم تطهر أبي ذر بالتيمم وهو كان يسكن بالربذة وهو من قرى المدينة على ثلاثة أميال وهو صاحب هذه الوقعة (وليس في أبوالها) أي في شرب أبوال الإبل (إلا حديث أنس) بن مالك في قصة العرنيين (تفرد به أهل البصرة) أي ماروى حديث أنس أحد غير البصريين إلا نادرا قال المنذري وهذا الرجل الذي من بني عامر هو عمرو بن بجدان المتقدم في الحديث قبله سماه خالد الحذاء عن أبي قلابة وسماه سفيان الثوري عن أيوب رضي الله عنهم انتهى 125 إذا خاف الجنب البرد أيتيمم ويصلي بغير اغتسال أم لا (قال احتلمت) قال السيوطي يرد بهذا على من يقول من الصوفية إذا احتلم المريد أدبه الشيخ فلا أحد أتقى وأصلح ولا أورع من الصحابة وقد ذكر هذا لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فلم يقل له شيئا وما عصم أحمد من الإحتلام إلا الأنبياء عليهم السلام (في غزوة ذات السلاسل) في مراصد الأطلاع السلاسل جمع سلسلة ماء بأرض جذام سميت به غزوة ذات السلاسل قال العيني وهي وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أيام وكانت تلك الغزوة في
[ 365 ]
جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة (فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال) وهو شدة البرد (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا) فيه دليل على جواز التيمم عند شدة البرد من وجهين الأول التبسم والاستبشار والثاني عدم الإنكار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل والتبسم والاستبشار أقوى دلالة من السكوت على الجواز قال الخطابي فيه من الفقه أنه عليه السلام جعل عدم إمكان استعمال الماء كعدم عين الماء وجعله بمنزلة من يخاف العطش ومعه ماء فأبقاه ليشربه وليتيمم به خوف التلف قال ابن رسلان في شرح السنن لا يتيمم لشدة البرد من أمكنة أن يسخن الماء أو يستعمله على دجه بعد يأمن الضرر مثل أن يغسل عضوا ويستره وكلما غسل عضوا ستره ودفاء من البرد لزمه ذلك وإن لم يقدر يتيمم وصلى في قول أكثر العلماء وقال الحسن وعطاء يغتسل وإن مات ولم يجعلا له عذرا ومقتضى قول ابن مسعود لو رخصنا لهم لأوشك إذا برد عليهم أن يتيمموا أنه لا يتيمم لشدة البرد انتهى قال المنذري حسن (كان على سرية) هي قطعة من الجيش فعيلة معنى فاعلة والجمع سرايا وسريات مثل عطية وعطايا وعطيات (فغسل مغابنه) الواحد مغبن مثل مسجد ومغابن البدن الارفاغ والآباط
[ 366 ]
126 المجدور يتيمم وفي بعض النسخ المجروح يتيمم الذي وفي بعضها المعذور يتيمم ومعنى المجدور صاحب الجدري بضم الجيم وهو حب في جسد الصبي من فضلات تضمن المضرة يدفعها الطبيعة وقد يظهر هذا في جسد الرجل الكبير أيضا فيؤلم لأن كثيرا فعلى هذه النسخة لا ينطبق الحديث من الباب لأن ذكر الجدري ليس في حديث الباب إلا أن يقال المجدور يقاس على من أصابه الشج فكما صاحب الشج يتيمم لجراحته كذلك صاحب الجدري يتيمم لأجل جراحته (فشجه في رأسه) الشج ضرب الرأس خاصة وجرحه وشقه ثم استعمل في غيره وضمير مفعوله للرجل ثم ذكر الرأس لزيادة التأكيد فإن الشج هو كسر الرأس ففيه تجريد والمعنى فجرحه في رأسه (فقال) أي الرجل المجروح المحتلم وهذا بيان للسؤال (قالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء) حملوا الوجدان على حقيقته ولم يعلموا أن الوجدان عند الضرورة في حكم الفقدان (أخبر بذلك) بالبناء للمجهول (قتلوه) أسند القتل إليهم لأنهم تسببوا له بتكليفهم له باستعمال الماء مع وجود الجراح في رأسه ليكون أدل على الإنكار عليهم (قتلهم الله) إنما قاله زجرا وتهديدا (ألا) بفتح الهمزة وتشديد اللام حرف تحضيض
[ 367 ]
دخل على الماضي فأفاد التنديم (فإنما شفاء العي السؤال) العي بكسر العين وتشديد الياء هو التحير في الكلام وعدم الضبط كذا في الصحاح وفي النهاية ولسان العرب العي بكسر العين الجهل والمعنى أن الجهل داء وشفاءها وقد السؤال والتعلم (ويعصر) بعد ذلك أي يقطر عليها الماء والمراد به أن يمسح على الجراحة (أو يعصب) أي يشد (ثم يمسح عليها) أي على الخرقة بالماء قال الإمام الخطابي في هذا الحديث من العلم أنه عابهم بالفتوى بغير علم وألحق بهم الوعيد بأن دعا عليهم وجعلهم في الإثم قتلة له وفيه من الفقه أنه أمر بالجمع بين التيمم وغسل سائر جسده بالماء ولم ير أحد الأمرين كافيا دون الآخر قال أصحاب الرأي إن كان أقل أعضائه مجروحا جمع بين الماء والتيمم وإن كان الأكثر كفاه التيمم وحده وعلى قول الشافعي لا يجزئه في الصحيح من بدنه قل أو كثر إلا الغسل انتهى كلامه قال الشوكاني في النيل حديث جابر يدل على جواز العدول إلى التيمم لخشية الضرر وقد ذهب إلى ذلك مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وذهب أحمد والشافعي في أحد قوليه إلى عدم جواز التيمم لخشية الضرر وقالوا لأنه واجد والحديث يدل أيضا على وجوب المسح على الجبائر ومثله حديث علي قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمسح على الجبائر أخرجه ابن ماجه واتفق الحفاظ على ضعفه وذهب إلى وجوب المسح على الجبائر أبو حنيفة والفقهاء السبعة فمن بعدهم وبه قال الشافعي لكن بشرط أن توضع على طهر أن لا يكون تحتها من الصحيح إلا ما لا بد منه والمسح المذكور عندهم يكون بالماء لا بالتراب وروي عن أبي حنيفة أنه لا يمسح ولا يحل بل يسقط كعبادة تعذرت ولأن الجبيرة كعضو آخر وآية الوضوء لم تتناول ذلك واعتذر عن حديث جابر وعلي بالمقال الذي فيهما وقد تعاضدت طرق حديث جابر فصلح للاحتجاج به على المطلوب وقوى بحديث علي ولكن حديث جابر قد دل على الجمع بين الغسل والمسح والتيمم انتهى كلامة قلت رواية الجمع بين التيمم والغسل ما رواها غير زبير بن خريق وهو مع كونه غير قوي في الحديث قد حالف سائر من روى عن عطاء بن أبي رباح فرواية الجمع بين التيمم والغسل رواية ضعيفة لا تثبت بها الأحكام قال
[ 368 ]
المنذري فيه الزبير بن خريق قال الدارقطني ليس بالقوى وخريق علي بضم الخاء المعجمة وبعدها راء مهملة مفتوحة وياء ساكنة وآخر الحروف قاف انتهى (أخبرني الأوزاعي أنه بلغه) الضمير في أنه للشأن أو يرجع إلى الأوزاعي والضمير المنصوب في بلغه راجع إلى الأوزاعي وفاعل بلغ الحديث أو قوله إنه سمع عبد الله بن عباس (فأمر) بالبناء للمجهول (ألم يكن شفاء العي السؤال) أي لم لم يسألوا حين لم يعلموا لأن شفاء الجهل السؤال قال المنذري أخرجه منقطعا وأخرجه موصولا وفي طريق ابن ماجه عبد الحميد بن حبيب أبي العشرين الدمشقي ثم البيروتي كاتب الأوزاعي وقد استشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد وقال ابن عدي يغرب عن الأوزاعي بغير حديث لا يرويه غيره وهو ممن يكتب حديثه انتهى 127 المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي أي يجد الماء بعد الفراغ من الصلاة وكان قد تيمم للصلاة لأجفقدان الماء (في الوقت) متعلق بيجد حتى أي وقت الصلاة باق فهل يعيد الصلاة أيكفيه صلاته التي
[ 369 ]
صلاها بالتيمم (فحضرت الصلاة) أي جاءت وقتها فتيمما صعيدا طيبا) قال في المرقاة أي قصداه على الوجه المخصوص فالمراد به المعنى اللغوي أو فتيمما بالصعيد على نزع الحافض وأريد به المعنى الشرعي (في الوقت) وفية رد على من تأول الحديث بأنهما وجدا بعد الوقت (فأعاد أحدهما) إماظنا تعالى بأن الأولى باطلة وإما احتياطا (ولم يعد الآخر) بفتح الخاء على ظن أن تلك الصلاة صحيحة (أصبت السنة) أي الشريعة الواجبة وصادفت الشريعة الثابتة بالسنة (وأجزأتك صلاتك) تفسير لما سبق أي كفتك عن القضاء والإجزاء عبارة عن كون الفعل مسقطا للإعادة (لك الأجر مرتين) أي لك أجر الصلاة كرتين فإن كلا منهما صحيحة تترتب عليها مثوبة وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا قال الخطابي في المعالم في هذا الحديث من الفقه أن السنة تعجيل الصلاة للمتيمم في أول وقتها كهو للمتطهر بالماء وقد اختلف الناس في هذه المسألة فروى عن ابن عمر أنه قال يتلوم بينه وبين آخر الوقت وبه قال عطاء وأبو حنيفة وسفيان وهو قول أحمد بن حنبل وإلى نحو ذلك ذهب مالك إلا أنه قال إن كان في موضع لا يرجى فيه وجود الماء يتيمم وصلى في أول وقت الصلاة وعن الزهري لا صلاها بالتيمم (فحضرت الصلاة) أي جاءت وقتها فتيمما صعيدا طيبا) قال في المرقاة أي قصداه على الوجه المخصوص فالمراد به المعنى اللغوي أو فتيمما بالصعيد على نزع الحافض وأريد به المعنى الشرعي (في الوقت) وفية رد على من تأول الحديث بأنهما وجدا بعد الوقت (فأعاد أحدهما) إماظنا تعالى بأن الأولى باطلة وإما احتياطا (ولم يعد الآخر) بفتح الخاء على ظن أن تلك الصلاة صحيحة (أصبت السنة) أي الشريعة الواجبة وصادفت الشريعة الثابتة بالسنة (وأجزأتك صلاتك) تفسير لما سبق أي كفتك عن القضاء والإجزاء عبارة عن كون الفعل مسقطا للإعادة (لك الأجر مرتين) أي لك أجر الصلاة كرتين فإن كلا منهما صحيحة تترتب عليها مثوبة وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا قال الخطابي في المعالم في هذا الحديث من الفقه أن السنة تعجيل الصلاة للمتيمم في أول وقتها كهو للمتطهر بالماء وقد اختلف الناس في هذه المسألة فروى عن ابن عمر أنه قال يتلوم بينه وبين آخر الوقت وبه قال عطاء وأبو حنيفة وسفيان وهو قول أحمد بن حنبل وإلى نحو ذلك ذهب مالك إلا أنه قال إن كان في موضع لا يرجى فيه وجود الماء يتيمم وصلى في أول وقت الصلاة وعن الزهري لا يتيمم حتى يخاف ذهاب الوقت واختلفوا في الرجل يتيمم ويصلي ثم يجد الماء قبل خروج الوقت فقال عطاء وطاووس وابن سيرين ومكحول والزهري يعيد الصلاة واستحبه الأوزاعي ولم يوجبه وقالت طائفة لا إعادة عليه روى ذلك عن ابن عمرو وبه قال الشعبي وهو مذهب مالك وسفيان والثوري وأصحاب الرأي وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق انتهى قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا (عن عميرة) بفتح العين وكسر الميم (هو مرسل) والمرسل هو قول التابعي سواء كان كبيرا أو صغيرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا
[ 370 ]
(حدثنا ابن لهيعة) قال يحيى بن مصيف ليس بالقوى وقال مسلم تركه وكيع ويحيى القطان وابن مهدى تم بحمد الله الجزء الاول من كتاب : " عون المعبود شرح سنن أبي داود " مع شرح الامام ابن قيم الجوزيه ويليه الجزء الثاني وأوله (باب في الغسل للجمعة)