غريب الحديث
ابن قتيبة ج 2
[ 1 ]
غريب الحديث تأليف أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 276 ه صنع فهارسه نعيم زرزور دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها الجزء الثاني دار الكتب - العلمية بيروت - لبنان
[ 2 ]
الطبعة الاولى 1408 ه. 1988 م بيروت - لبنان جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية
[ 3 ]
حديث أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري 1 - وقال أبو محمد في حديث أبي ذر رضي الله عنه، حديث إسلامه انه قال قال لي أخي انيس، ان لي حاجة بمكة، فانطلق فراث، فقلت: ما حبسك فقال: لقيت رجلا على دينك، يزعم أن الله جل وعز أرسله. قلت فما يقول الناس. قال: يقولون ساحر شاعر كاهن. قال أبو ذر، وكان أنيس أحد الشعراء، فقال والله لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلا يلتئم على لسان أحد. ولقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، والله انه لصادق، وانهم لكاذبون. قال أبو ذر: فقلت أكفني حتى أنظر. قال: نعم. وكن من أهل مكة على حذر، فانهم قد شنفوا له وتجهموا، فانطلقت فتضعفت رجلا من أهل مكة، فقلت: اين هذا الرجل الذي تدعونه الصابئ قال: فمال علي أهل الوادي بكل مدره وعظم وحجر، فخررت مغشيا علي، فارتفعت حين ارتفعت، كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم فغسلت عني الدم وشربت من مائها، ثم دخلت بين الكعبة وأستارها، فلبثت بها ثلاثين من بين يوم وليلة، ومالي بها طعام الا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع. قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء اضحيان، قد ضرب الله على أصمختهم، فما يطوف بالبيت غير امرأتين فاتتا علي، وهما تدعوان اسافا ونائلا، فقلت: أنكحوا احداهما الاخرى. قال: فما تناهما ذلك، قال: فقلت وذكر كلاما فاحشا لم يكن عنه، فانطلقتا وهما تولولان وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا، فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر
[ 4 ]
بالليل وهما هابطان من الجبل، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لكما قالتا الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: فما قال لكما قالتا: كلمة تملأ الفم. ثم ذكر خروجه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليمه عليه، وأنه أول من حياه بتحية الاسلام، وقال ذهبت لأقبل بين عينيه، فقدعني عنه صاحبه. حدثنيه أبى حدثنيه علي بن محمد عن ابى ظفر البصري عبد السلام ابن مطهر عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال العدوي عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر. قوله: انطلق فراث، يعني: أبطأ، يقال: راث علينا خبركم ريثا. ومن الأمثال: " رب عجلة تهب ريثا ". يراد أن المستعجل غير المتأني ولا المتثبت ربما ألقاه استعجاله في بطء. وقوله: وضعت قوله على أقراء الشعر، يريد: أنواعه وطرقه، واحدها: قري، يقال: هذا الشعر على قري هذا. وقله: شنفوا له، أي: أبغضوه، والشنف: الشانى المبغض، يقال: شنفت لفلان شنفا. وقوله: فتضعفت رجلا، أي: استضعفته. وقد تدخل " استفعلت " على بعض حروف " تفعلت "، ونحو: تعظم واستعظم، وتكبر واستكبر، وتيقن واستيقن، وتثبت في الأمر واستثبت. وقوله: كأني نصب أحمر. والنصب: صنم أو حجر كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده، فيحمر للدم. يريد: أنهم أدموه. قال: وحدثني أبو حاتم عن أبى عبيدة انه قال في قول الله عزوجل: كأنهم الى نصب يوفضون، بفتح النون الى علم، ومن قال: الى نصب، فهو جماعة مثل: رهن ورهن. وقال أبو عبيدة في قول الله جل وعز: وما ذبح على النصب واحد الأنصاب. قال: وهي قراءة أبى عمرو. مفتوحة الأولى ساكنة الثاني. وقال لي أبو حاتم: غلط أبو عبيدة ولكنه يقال للشئ تنصبه: نصب، ونصب، ونصب. وليس نصب جمعا لنصب.
[ 5 ]
كما قال أبو عبيدة، وانما جعله جمعا لنصب فيما نرى، لأنه ليس يوجد في الكلام ما جاء على " فعل " و " فعل " الا قليلا، ولا أحفظ من ذلك الا هذا الحرف. وقولهم: العصر والعصر، والعمر والعمر. يقال: أطال الله عمر فلان وعمره، ونرى قولهم: لعمرك منه، ولعمر الله. كأنه قسم ببقاء الله جل وعز. ويجوز في هذه الحروف اسقاط الضمة الثانية فيقول: عمر وعصر ونصب. كما يقال: السحت والسحت، والرعب والرعب. وكان زيد بن ثابت يقرأ: كأنهم الى نصب يوفصون قال الطرماح، وذكر ثورا يطوف حول شجرة: " طوف متلي نذر على نصب * نصب دوار محمرة جدده وقال الأعشى: " وإذا النصب المنصوب لا تنسكنه * لعاقبة، والله ربك فاعبدا وقوله: وما وجدت على كبدي سخفة جوع. قال الأصمعي: السخفة: الخفة، ولا أحسب قولهم: هو سخيف الا من هذا. وقوله: في ليلة قمراء، أي: بيضاء. ومنه يقال: حمار أقمر. ولا أحسب القمر الا من هذا. وقال بعضهم: قعدنا في القمراء، يريد القمر أو الليلة المقمرة. قال الراجز: " ياحبذا القمراء والليل الساج * وطرق مثل ملاء النساج والأضحيان: المضيئة. يقال: ليلة اضحيان واصحيانة. وضحيانة، ويوم ضحيان. قال الراجز: " والظلمات والسراج الضحيان
[ 6 ]
يريد: المضيئ. ويقال: ليلة ضحياء أيضا، ووسم أضحى والأضحى يذكر ويؤنث. فمن أنثه جعله جمع أضحاه، وهي الذبيحة. ومن ذكره ذهب الى اليوم. وقوله: قد ضرب الله على اسمختهم، هكذا روي بالسين وانما هو بالصاد. جمع: صماخ الأذن، وهو الخرق الذي يفضي الى الرأس وهو المسمع. وانما أراد أنهم ناموا، ومثله قول الله جل وعز: فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا. وفي الأذن أمثال، هذا أحدها. وقولهم: لبست عليه أذني، أي: سكت عنه ولم أتكلم. وقولهم: جعلته دبر أذني، أي: نبذته، ولم ألتفت إليه. وقولهما: كلمة تملأ الفم، يقال ذلك لكل كلمة عظيمة. وحكى الأصمعي عن بعضهم انه قال: والله الذي لا اله الا هو، فانها تملأ الفم وتقطع الدم. يريد: تحقن الدم. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله. فإذا قالوها عصموا دماءهم وأموالهم، الا بحقها، وحسابهم على الله ". ويقال: " أكرموا الا بل فانها رقؤ الدم ". يراد: أنها تدفع في الديات، فيبطل القود. قال الكميت: " فكنت هنا رقؤ الدماء * للمتبعات الأنين الزفيرا وقوله: فقد عنى عنه. أي: كفني. يقال: قدعت الرجل وأقدعته، إذا كففت. وقولهما: من أنفارنا، يريدان: من قومنا، وكأنه جمع نفر. يقال: هؤلاء نفر فلان، أي: رهطه. قال امرؤ القيس يذكر راميا مصيبا: " ما له لا عد من نفره يقول: إذا عد يومه لم يعد معهم. يريد: أماتة الله، ولم يرد وقوع الأمر،
[ 7 ]
ولكنه كما يقال: قاتله الله وأخزاه، إذا استجيد عمله، أو قوله. وأنشد الأصمعي للشماخ في وصف حمير: " مسببة قب البطون كأنها * رماح نحاها وجهه الريح راكز وقال: مسببة، يقال: قاتلها الله، ونحوه. واما اساف ونائل، ويقال: نائلة فهما صنمان. وروى انهما كانا انسانين من بني عبد الدار، طافا بالكعبة فصادفا منها خلوة، فأراد أحدهما صاحبه فنكسهما الله نحاسا. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث ابى ذر رضي الله عنه، أن الأسود قال خرجنا عمارا، فلما انصرفنا مررنا بأبي ذر فقال:: أحلقتم الشعت وقضيتم التفث، أما ان العمرة من مدركم. يرويه أبو النصر عن المسعودي عن عبد الرحمن عن أبيه. وحدثني أبى حدثني أبو حاتم عن أبى عبيدة انه قال: قضاء التفث، الأخذ من الشارب والأظفار ونتف الابطين. والاستحداد، وهو حلق العانة. وقوله: أما ان العمرة من مدركم، يريد: ان العمرة من بلدكم الذي تسكنونه، ومدرة الرجل بلده، وأنشدني الباهليون عن الأصمعي لبعض الرجاز يصف حمارا: شد على أمر الورود مئزره * ليلا، وما ندى أذين المدره يريد: مؤذن بالمدينة، يقول: من أراد العمرة ابتدأ لها سفرا غير سفر الحج، وهذا مذهب قد ذهب إليه قوم يقولون شهور الحج لا يعتمر فيها، ويحتجون بقول الله تعالى: الحج أشهر معلومات ولم يذكر العمرة. قالوا: فمن أراد العمرة أنشأ لها سفرا من منزله في غير أشهر
[ 8 ]
الحج. وقد يجوز أن يكون أبو ذر أراد أن فضيلة العمرة في افرادها بالنية والسفر، ولم يقل ذلك على الوجوب. روى اسرائيل عن أبى اسحق عن البراء عن عازب، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، اعتمر في ذي القعدة. وروى سفيان عن ابن طاووس عن أبيه ان أهل الجاهلية كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ويسمون المحرم صفرا، فكانوا يقولون إذا انسلخ صفر وفي حديث آخر: " إذا دخل صفر، وعفا الوبر، وبرأ الدبر، فقد حلت العمرة لمن اعتمر " فقال ابن عباس قال عمر: ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التنعيم الا ليقطع أمر الشرك. وقولهم: عفا الوبر، أي طر وكثر. ومنه قول حميد بن تور يذكر دارا: " عفت مثل ما يعفو الطليح فأصبحت * بها كبرياء الصعب وهي ركوب يقول: غطاها النبات والعشب كما طر وبر البعير وبرأ دبره، ثم رجع الى وصف الناقة وترك الدار فقال: بها استكبار الصعب مما حمت وهي ذلول. * * * 3 - وقال أبو محمد في حديث أبى ذر رضي الله عنه، انه قال: بشر الكنازين برضفة في الناغض. الرضفة: حجر يحمى بالنار، وحجمه رضف. وقال ابن مسعود: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الركعتين كأنه على الرضف حتى يقوم ". والناغض من الكيف، هو فرع الكتف. وانما قيل له ناغض، لأنه يتحرك إذا عدا الرجل أو حرك يده. والنغض: الحركة. يقال: نغض ينغض وينغض،
[ 9 ]
وانغض رأسه إذا حركه وقال الله جل وعز: فسينغضون إليك رؤوسهم ومنه قيل للظليم نغض، لأنه يحرك رأسه إذا عدا، ومنه قول سلمان في حديث اسلامه: " درت من خلفه، فإذا الخاتم في ناغض كتفه الأيسر. يعني خاتم النبوة. وفيه لغة أخرى، يقال: طعنه على نغض كتفه. وقال عبد الله بن سرجس: " نظرت الى الخاتم على نغض كتفه ". يريد: مثل جمع الكف. يقال: ضربه بجمع كفه إذا جمعها وضم اصابعه، وفيه لغة أخرى: جمع الكف بكسر الجيم، جعل أبو ذر ما يكنز من الذهب والفضة رضفا * * * 4 - وقال أبو محمد في حديث ابى ذر رضي الله عنه، انه قال للقوم الذين حضروا وفاته: أنشدكم الله والاسلام، ان يكفنني رجل منكم، كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا. يرويه: يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن مجاهد عن إبراهيم بن الاشتر عن أبيه. البريد: هو الرسول، ومنه الحديث: " إذا أبردتم الي بريدا فاجعلوه حسن الوجه، حسن الاسم ". والنقيب، قال أبو عبيدة: هو الأمين والكفيل على القوم، من قول الله جل وعز: وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا، فأما النكابة فيقال هي العرافة، والاسم المنكب، وقال بعضهم: المنكب عون العريف. قال أبو زيد، يقال: نقب فلان على قومه ينقب نقابة، ونكب ينكب نكابة، وعرف يعرف عرافة. وقال الأصمعي: يقال نكب فلان على قومه ينكب، إذا كان منكبا لهم يعتمدون عليه.
[ 10 ]
* * * 5 - أبو محمد في حديث أبى ذر رضي الله عنه انه قال لنا مولاه تصدقت علينا بخدمتها، ولنا عباءتان نكافئ بمها عنا عين الشمس، واني لأخشى فصل الحساب. حدثني ابى ثناه الرياشي عن الأصمعي عن حماد بن سلمة. قوله: نكافئ بهما، أي: ندافع بهما. وأصل المكافأة المقاومة والموازنة. ومنه يقال: فلان كفئ فلان وكفؤه، ومنه قول الله جل وعز: ولم يكن له كفوا أحد، والكفاءة المصدر. يقال: كفؤ كفاءة. ومنه قول الأحنف: " لا أجيب من لا كفاءة له ". ويقال: مالي به قبل ولا كفاء، أي: مالي طاقة به. وهو مصدر كافأته. ومنه الحديث: ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: انك مما إذا صليت همست، فقال ذكرت نبيا أعطي جنودا من قومه، فنظر إليهم فقال: " من يكافئ هؤلاء " * * * 6 - وقال أبو محمد في حديث أبى ذر رضي الله عنه، ان ابا اسماء الرحبي دخل عليه بالربذة، وعنده امرأة سوداء مشنعة وليس عليها أثر المجاسد. يرويه عفان عن همام عن قتادة عن ابي قلابة عن أبى اسماء. المجاسد: جمع مجسد، وهو المصبوغ المشبع بالزغفران، والجساد الزعفران، فأما المجسد، بكسر الميم، فانه الذي يلي الجسد من الثياب. وقال الفراء: المجسد والمجسد واحد. وهو من: أجسد، أي: ألصق بالجسد، فكسر أوله بعضهم. وكذلك قالوا: مصحف وهو مأخوذ من: أصحف، أي: جمعت فيه الصحف فكسر أوله. وأصله الضم، ومطرف، وهو من أطرف، أي: جعل في طرفيه العلمان. ويقال: مطرف ومصحف على القياس والحديث يدل على أن المجسد على ما فسرنا أولا ليس على ما قال الفراء. والمشنعة: القبيحة، يقال: منظر أشنع وشنيع وشنع ومشنع. آخر حديث أبى ذر رحمة الله عليه.
[ 11 ]
حديث اسامة بن زيد 1 - وقال أبو محمد في حديث اسامة رضي الله عنه، انه ذكر سرية خرج فيها، قال: فصبحنا حيا من جهينة، فلما رأونا جبوءا من أخيبتهم، وانفرد لي ولصاحب السرية رجل، فاشرع، عليه الأنصاري رمحه، فالتفت وقال: لا اله الا الله، فرفع عنه الأنصاري وأدركته فقتلته. ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم له: أقتلت رجلا يقول لا اله الا الله فقال أسامة: فلا أقاتل رجلا يقول لا اله الا الله حتى ألقاه. قال سعد: وأنا لا أقاتلهم حتى يقاتلهم ذو البطين، وكان لأسامة بطن مندح. يرويه هرون بن المغيرة عن عمرو بن أبى قيس عن منصور عن سعد ابن عبيد عن أبى ظبيان. قوله: جبوءا من أخيبتهم، أي: خرجوا منها. يقال: جبأ عليه الأسود من حجره، أي: خرج. ومنه قيل للجراد جابئ لطلوعه. قال الهذلي: " من البسيط " صابوا بستة أبيات وأربعة * حتى كأن عليهم جابئا لبدا والبطن المندح: المستفيض. وكل شئ اتسع فقد اندح. وأخبرني الرياشي عن الأصمعي انه قال: يقال بنى فلان بيتا فدحاه. أي وسعه. وحدثني الرياشي ايضا أنه سأل أعرابيا عن قول الراعي: "
[ 12 ]
تلقى نوؤهن سرار شهر * وخير النوء ما لقي السرارا فقال مطرنا العام الأول ليلتين بقيتا من الشهر، فاندحت الارض كلأ. وقول الأصمعي: دحاه اصله: دحجة، فأبدل كما قال: دعاه قلباه. وأصله لببه، وكقول الله تعالى: وقد خاب من دشاها. آخر حديث أسامة رحمة الله عليه
[ 13 ]
- حديث حباب بن الأرث 1 - وقال أبو محمد في حديث خباب رضي الله عنه، انه قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في " سبيل الله نبغي وجه الله "، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا، ومنا من أينعت له ثمرة فهو يهدبها. يرويه أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن خباب. أينعت: أدركت. يقال: اينعت الثمرة وينعت. قال الشاعر: " في قباب عند دسكرة * حولها الزيتون قد ينعا وهو الينع والينع. ومنه قول الله جل وعز: انظروا الى ثمره إذا أثمر وينعه. وقوله: يهدبها، أي: يجنيها من ثمرها، يقال: هدبها يهدبها هدبا، إذا اجتناها. وهدب الناقة هدبا، إذا احتلبها. فأما الهدب بفتح الدال، فانه من ورق الشجر ما لم يكن له عرض نحو: السرو والطرفاء. آخر حديث خباب رضي الله عنه
[ 14 ]
حديث عمار بن ياسر 1 - وقال أبو محمد في حديث عمار رضي الله عنه، انه قال: الجنة تحت البارقة. يرويه يحيى بن عبد الرحمن عن ابن أبجر عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبى صادق عن ربيعة عن عمار. البارقة: السيوف، تقول: رأيت بارقة القوة، إذا رأيت بريق سيوفهم ويقال: أبرق فلان بسيفه يبرق، إذا لمع بسيفه. قال الأعشى لامرأته: " وبيني فان البين خير من العصى * والا تزالي فوق رأسك بارقة يريد: سيفا يبرق، وهذا كقولهم: " الجنة تحت ظلال السيوف ". يراد في الجهاد. والبارقة في غير هذا السحابة يكون فيها برق. * * * 2 - وقال أبو محمد رحمه الله في حديث عمار رضي الله عنه، انه قال: لا يلي الامر بعد فلان الا كل أصعر أبتر. الأصعر، المعرض بوجهه. ومنه قول الله جل وعز: ولا تصعر خدك
[ 15 ]
للناس والأبتر: الناقص، وهو من قولك: بترت الشئ إذا قطعته، ومنه قيل لما لا ذنب له: أبتر، كأنه بتر، أي: قطع. وأراد عمار: أنه لا يليه الا كل معرض عن الحق ناقص. * * * 3 - وقال أبو محمد في حديث عمار رضي الله عنه، أن رجلا وشى به الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمار: اللهم ان كان كذب علي فاجعله موطأ العقب. وقوله: موطأ العقب، أي: كثير الأتباع، كأنه دعا عليه بأن يكون سلطانا يطأ الناس عقبه، أي: يتبعونه ويمشون وراءه، أو بأن يكون ذا مال فيتبعه الناس لماله، ومن هذا المعنى قول الشاعر: " من الرجز ". عهدي بقيس وهي من خير الأمم * لا يطأون قدما على قدم يريد: عهدي بهم وهم قادة يتبعهم الناس، وليسوا أتباعا يطأون بأقدامهم على أقدام قوم تقدموهم. ويقال في هذا المعنى: هم يخصفون أقدامهم بأقدامهم، أي: يطبقونها عليها، وذكر أعرابي قوما أغاروا عليهم فقال: احتثوا كل جمالية عيرانة، فما زالوا يخصفون أخفاف المطئ بحوافر الخيل حتى أدركوهم بعد ثالثة، فجعلوا المران أرشية الموت فاستقوا بها أرواحهم. قوله: يخصفون أخفاف المطي بحوافر الخيل، يريد: انهم قد ركبوا الابل وجنبوا الخيل وارءهم. فالخيل تخصف أخفاف الابل بحوافرها، أي، تطبقها عليها. ومنه يقال: خصفت نعلي، إذا أطبقت عليها رقعة. والمران: الرماح، وتقديرها: " فعال " من المرانة وهي اللين. * * *
[ 16 ]
4 - وقال أبو محمد في حديث عمار رضي الله عنه انه قال لقوم: جروا الخطير ما انجز لكم. الخطير، زمام الناقة، والمعنى: امضوا على أمركم ما أمكنكم وما تابعكم. آخر حديث عمار رضي الله عنه. * * *
[ 17 ]
حديث زيد بن ثابت وقال أبو محمد في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه انه قال: في الوترة ثلث الدية. وفي حديث آخر، فإذا استوعب جدع مارنه، ففيه الدية كاملة. يروى الأول، يزيد عن حجاج عن مكحول عن زيد. الوترة، الحاجز بين المنخرين، وهو ايضا الوتيرة، ووتيرة اليد ما بين الأصابع، والمارن هو ما لان مما انحدر عن قصبة الأنف. والقصبة: عظم الأنف. وقوله: استوعب جدعه، أي: استقصي. يقال: أوعب فلان أنف فلان إذا قطعه أجمع، وقطعه قطعا موعبا، إذا قطعه أجمع. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث زيد، انه كان لا يرى ببيع القطوط إذا خرجت بأسا. يرويه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. القطوط: الأرزاق، واحدها قط. قال الأعشى: " ولا الملك النعمان يوم لقيته * بامته يعطي القطوط وبأفق يأفق: يفضل، وأصل القط الكتاب، وانما سمي الرزق قطا كان لأنه يكتب به الى الناحية التي يكون فيها حق السلطان من الطعام، فسمي باسم الكتاب،
[ 18 ]
وقال أبو عبيدة في قول الله جل وعز: عجل لنا قطنا. القط: الحساب. ولا أراه سمي قطا الا لأنه يكون بالكتب التي أحصيت فيها أعمال بني آدم. وقال المتلمس حين نظر في الصحيفة وعرف ما فيها وألقاها في الماء: " ألقيتها بالثني من جنب كافر * كذلك أقنو كل قط مضلل أقنو: أجزى، وقال أبو وجزة، وكتب له رجل ستين. وسقا من طعام، فحمل الكتاب في حقيبته: راحت بستين وسقا في حقيبتها * ما كلفت مثله الأدنى ولا البعدا ولا رأيت قلوصا قبلها حملت * ستين وسقا ولاجابت به بلدا وفي الحديث من الفقه، أنه رخص في بيع ما لم يقبض، ولم يأت هذا الا في الرزق خاصة. فأما غيره مما يكال أو يوزن فلا يباع حتى يقبض. وحدثني أبى قال حدثني أبو وائل عن المومل عن الثوري، انه قال: لا تبع شيئا من البيوع ولا توله ولا تشارك فيها كائنا ما كان حتى تقبضه، وقال لنا اسحق: لا بأس ببيع مما لا يكال ولا يوزن قبل القبض، وكذلك التولية، فان التولية بيع. آخر حديث زيد رحمة الله عليه.
[ 19 ]
- حديث خالد بن الوليد 1 - وقال أبو محمد في حديث خالد رضي الله عنه، انه لما انتهى الى العزى ليقطعها قال له السادن: يا خالد، انها قاتلتك، انها مكنعتك. يرويه الحكم بن عبد الملك عن قتادة. قوله: مكنعتك، أي: مقبضة جسمك ويديك، والتكنع في اليدين: تقفع الأصابع ويبسها يقال: قد اكتنغ الشيخ، إذا أصابه ذلك من الهرم، وتكنعت أصابع الشيخ إذا تقبضت. ذكر أبو اليقظان سحيم بن حفص بن قادم العجيفي أن أبا فوران الهجيمي شهد يوم الجمل فكنعت يداه، فمر به الأحنف فقال له أبو فوران يا منخذل فقال له الأحنف: أما والله والله لو أطعتني لأكلت بيمينك وامتسحت بشمالك وما كنعت يداك. ومنه حديث رواه ابن ابى الزناد عن ابيه عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة في غزوة أحد: " ان المشركين لما قربوا من المدينة كنعوا عنها " أي: قصروا وانقبضوا عن الاقتراب منها. ويقال: قد اكتنع الموت، إذا قرب وإذا حضر، واكتنع الليل، حضر وقرب. قال يزيد بن معاوية: آب هذا الليل فاكتنعا * وأمر النوم فامتنعا قال الأصمعي: وكذلك الكانع، وهو الحاضر أيضا. وقال النابغة:
[ 20 ]
وتسقي إذا ما شئت غير مصرد * بزوراء في أكنافها المسك كانع يجوز أن يكون كانع بمعنى حاضر، ويجوز ان يكون قد انضم وتلبد بعضه على بعض. ويقال: زوراء، دار بالحيرة للنعمان. ويقال: بل هو اناء من فضة يشرب فيه. غير مصرد، غير مقطوع الري. وأما قولهم في الدعاء: " اللهم انى أعوذ بك من الكنوع والخضوع "، فان الكنوع، المذلة. وانما قيل لها ذلك، لأن الذليل ينصاغر وينضم بعضه الى بعض. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث خالد رضي الله عنه، ان عمرو بن العاص انصرف من بلاد الحبشة، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلم، فلقيه خالد وهو مقبل من مكة، فقال: أين يا أبا سليمان فقال: والله لقد استقام المنسم، وان الرجل لنبي اذهب فأسلم. يرويه ابن اسحق عن يزيد بن أبى حبيب عن راشد مولى ابن أبى أوس الثقفي عن حبيب بن أوس قال: حدثني عمرو بن العاص بذلك في حديث فيه طول. قال الأصمعي: رأيت منسما من الأمر أعرفه، أي علامة، وقال أوس بن حجر: لعمري لقد بينت يوم سويقة * لمن كان ذا لب بوجهة منسم أي: استبان منك الصرم بأمر بيان. ويروي: وجه مقسم. أي: حسن، من قولك: رجل قسم وسم. أي: جميل. وأراد خالد ان الأمر قد وضح وتبين. * * *
[ 21 ]
3 - وقال أبو محمد في حديث خالد رضي الله عنه انه لما أخذ الراية يوم مؤتة، دافع بالناس وخاشى بهم. يرويه محمد بن اسحق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة ابن الزبير. خاشى بهم، من خشيت أي: اتقى عليهم وحذر فانحاز تقول: خاشيت فلانا إذا تاركته. آخر حديث خالد رحمه الله * * *
[ 22 ]
- حديث عبد الله ابن انيس 1 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، أنه ذكر قتله ابن أبي الحقيق، قال: فقدمنا خيبر فدخلناها ليلا فجعلنا نغلق أبوابها من خارج على أهلها، ثم جمعنا المفاتح فطرحناها في فقير من النخل، وذكر دخول ابن أبى عتيك عليه قال: فذهبت لأضربه بالسيف، ولا أستطيع مع صغر المشربة، فوجرته بالسيف وجرا، ثم دخلت انا فذففت عليه. يرويه على بن مجاهد عن اسماعيل بن ابراهيم بن اسماعيل بن مجمع عن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه عن أم أبيه وهي بنت عبد الله بن أنيس عن أبيها. الفقير: بئر تحفر في أصل الفسيلة إذا حولت، ويلقى فيها البعر والسرجين. يقال: فقرنا للودية تفقيرا. وقوله: وجرته بالسيف يريد: طعنته به طعنا. ويقال: أوجرته الرمح، بالألف، ولم أسمع بوجرته الا في هذا الحديث. فأما من وجود الدواء، فانه يقال: أوجرته الدواء ووجرته جميعا. والمشربة: الغرفة. ومنه حديث عمر رضي الله عنه لما اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، دخلت
[ 23 ]
المسجد وإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. فقلت: لأعلمن ذلك اليوم. قال: فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على باب المشربة، مدليا رجليه على نقير من خشب. فأما المسربة بالسين غير معجمة، فهي كالصفة تكون بين يدي الغرفة، وفيها لغة أخرى: مسربة، كما يقال: مأدبة ومأدبة. وقوله: ينكتون بالحصى، أي: ينكتون به الأرض. وذلك يكون من المفكر في الشئ. وفي حديث للنبي صلى الله عليه وسلم آخر: " انه بينا هو ينكت إذ انتبه فقال: ما من نفس الا قد كتب لها ماهي فيه ". أراد: يفكر ويحدث نفسه، وينكت في الأرض. ونحو من هذا وصفهم المهموم بلقط الحصى والتخطيط في الأرض. قال ذو الرمة: عشية مالي حيلة غير أنني * بلقط الحصى والخط في الدار مولع وقال النابغة، وذكر نساء سبين: " من الطويل " يخططن بالعيدان في كل مقعد * ويخبأن رمان الثدي النواهد والنقير: جذع ينقر ويجعل فيه كالمراقي ويصعد عليه الى الغرف. وفي حديث آخر في قتل ابن أبي الحقيق، رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك: انهم خرجوا حتى جاؤوا خيبر، فدخلوا الحصن، ثم اسندوا إليه في مشربة له في عجلة من نخل، قال: فوالله ما دلنا عليه الا بياضه على الفراش في سواد الليل، كأنه قبطية. وتحامل ابن أنيس بسيفه في بطنه. حنى أنفذه. فجعل يقول: قطني قطني، ثم نزلوا، فزلق ابن عتيك، فاحتملوه، فأتوا منهرا فاختبؤوا فيه. ثم خرج رجل منهم يمشي حتى خش فيهم، فسمعهم يقولون: فاظ واله بني اسرائيل.
[ 24 ]
أسندوا إليه: صعدوا إليه. يقال: أسند فلان في الجبل إذا صعده. والعجلة: دوحة من النخل نحو النقير. والقبطية: ثوب أبيض، وجمعه قباطي. والمنهر: خرق في الحصن نافذ يدخل فيه الماء. وقوله: خشن في الناس، أي: دخل فيهم. ومنه قيل لما يدخل في أنف البعير: خشاش، لأنه يخش، أي: يدخل. وفاظ: مات. يقال: فاظ يفوظ فوظا، إذا مات. قال الأصمعي: لا يكادون يقولون فاظت نفسه، انما يقال: فاظ. وأنشد: " من الرجز " لا يدفنون من منهم فاظا * آخر حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه. * * *
[ 25 ]
حديث أبي ايوب الأنصاري خالد بن زيد 1 - وقال أبو محمد في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ان ابن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء. فقال: ابن عباس: يغسل المحرم رأسه. وقال المسور: لا يغسل. فأرسلا الى أبي أيوب فوجده الرسول يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب. حدثنيه أبى قال حدثنيه محمد عن القعنبي عن مالك بن زيد بن أسلم عن ابراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه. القرنان: قرنا البئر، وهما منارتان تبنيان من حجارة أو مدر على رأس البئر من جانبها، ويلقى عليه الخشب، قيل: فان كانتا من خشب، فهما زرنوقان، ويقال للزرنوق ايضا القامة والنعامة. وقال بعض الرجاز لبعيره: تبين القرنين وانظر ماهما * أحجرا أم مدرا تراهما انك لن تدل أو تغشاهما * وترك الليل الى ذراهما والبعير ينفر من قرون البئر حين يراها، ثم يذل حتى يبرك عندها ويأنس بها. آخر حديث خالد بن زيد رضي الله عنه. * * *
[ 26 ]
حديث ابي قتادة الحارث بن ربعي 1 - وقال أبو محمد في حديث أبى قتادة رضي الله عنه، انه كان في عرس وجارية تضرب بالدف وهو يقول لها: أرعفي. يرويه وكيع عن أسامة بن زيد عن شيخ من بني سلمة. قوله: ارعفي، أي: تقدمي. ومنه قيل للفرس الراعف: راعف. إذا تقدم الخيل. قال الشاعر: يرعف الألف بالمدجج ذي القو * نس حتى يؤوب كالتمثال أي: يسبقها. وحدثني أبى قال أخبرني أبو حاتم، انه سمع أبا عبيدة يقول له أو لغيره، الشك مني، بينا نحن نذكر رعف بك الباب، أي: دخلت علينا. * * * آخر الجزء الخامس من غريب الحديث من أصل النجيرمي
[ 27 ]
حديث عبد الله بن مسعود 1 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله رضي الله عنه، انه اشترى من دهقان أرضا على أن يكفيه جزيتها. يرويه يزيد عن حجاج عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه. الجزية هاهنا الخراج. وقال غير واحد، اشترى هاهنا بمعنى اكترى منه الأرض، لأنه لا يجوز ان يكون مشتريا لها وخراجها على البائع، ولم أسمع في غير هذا بأنه يجوزأن تقول: اشتريت، وأنت تريد: اكتريت. فان كان هذا معروفا فهو على ما فسر. والافاني أرى عبد الله اشترى الأرض من الدهقان قبل ان يؤدى الدهقان خراجها للسنة التي وقع فيها البيع، فتضمن عبد الله أن يكفيه ما يجب عليه من خراج تلك السنة بأن يؤديه. يراد منه أنه يؤدي الخراج غير من صارت إليه الغلة. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله، ان رجلا قال له: اني أردت السفر فأوصني. فقال له: إذا كنت في الوصيلة فأعط. راحلتك حظها، وإذا كنت في الجدب فأسرع السير ولا تهود، واياك والمناخ على ظهر الطريق، فانه منزل للوالجة. يرويه سفيان عن مسعر عن معن بن عبد الرحمن.
[ 28 ]
الوصيلة: العمارة والخصب، وانما قيل لها وصيلة لاتصالها واتصال الناس فيها. يقول إذا كنت في الأرض العامرة فارفق براحلتك، فاعطها حظها من الكلأ. وقوله: ولا تهود، أي: لا تفتر في السير وترفق. والتهويد: السكون. ومنه يقال: ما بيني وبينه هوادة، وقال عمران بن حصين رضي الله عنه: " إذا مت فخرجتم بي، فأسرعوا المشي ولا تهودوا اليهود والنصارى " أي: لا تمشوا مشيا رويدا. والوالجة: السباع والحيات، وانما سميت والجة لولوجها بالنهار واستتارها في الأولاج. يقال: ولجت في الشئ، فأنا ألج، إذا دخلت فيه، ومنه قوله عز وجل: حتى يلج الجمل في سم الخياط، أي: تدخل في ثقب الابرة، والولج: ما ولجت فيه من كهف أو شعب. قال طريح: " من المنسرح " أنت ابن مسلنطح البطاح، ولم * تعطف عليك الحني والولج * * * 3 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله رضي الله عنه، انه قال: أصل كل داء البردة. يرويه الأعمش عن خيثمة عن عبد الله. وقال الأعمش: سألت اعرابيا من كلب عن البردة، فقال: هي التخمة، ولست أحفظ هذا من علمائنا، فان كان الحرف صحيحا لم يقع فهي تغيير، فالمعنى جيد حسن. وأرى أصل الحرف من البرد. وسميت التخمة بردة، لأنها تبرد حرارة الجوع والشهوة وتذهب بها. وما أكثر ما تأتي فعلة " في الأدواء والعاهات. مثل: الشترة والخرمة والقطعة والفطسة والفدعة والصلعة والنزعة. وقد روى من وجه آخر: " أصل كل داء البرد ". وما أبعد أن يكون أيضا البردة من هذا الوجه، فغلط فيه بعض الرواة، على انه قد يجوز على هذا التأويل
[ 29 ]
ان يسمى الاكثار بردا، لأنه يبرد حرارة الجوع، كما سمي النوم بردا، لأنه يبرد حرارة العطش. قال ذلك الفراء. وهذا المعنى، ان صح، فهو أعجب الي مما يذهب إليه الناس من أن أصل كل داء البرد الذي هو ضد الحر، لأنا قد نرى من الأدواء ما يضطر الى أن يعلم انه ليس عن برد الزمان، ولا برد الطباع. ولا نرى داء يضطرنا انه ليس عن الطعم. وكما قالوا: الدواء هو الأزم. يعنون التخفيف والحمية، كذلك الداء هو الشبع المفرط والتخمة. وكان يقال: الشبع داعية البشم، والبشم داعية السقم، والسقم داعية الموت. وقال بعضهم: لو سئل أهل القبور ما سبب آجالهم لقالوا: التخم. * * * 4 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله رضي الله عنه انه قال: هذا الملطاط طريق بقية المؤمنين هرابا من الدجال. يرويه ابن عيينة عن المسعودي عن حمزة العبدي عن أشياخ له عن عبد الله. قال الأصمعي: الملطاط، ساحل البحر، وأنشد لرؤبة: نحن جمعنا الناس بالملطاط * فأصبحوا في ورطة الأوراط وقال غيره: هو شاطئ الفرات. * * * 5 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله رضي الله عنه، انه قال: بين كل سماأين مسيرة خمس مائة عام، وبصر كل سماء مسيرة خمس مائة عام. يرويه أبو النضر عن المسعودي عن عاصم بن أبى النجود عن زر عن عبد الله. البصر: الجانب والحرف. يريد غلظ السماء. وفيه لغة أخرى، صبر. واكثر ما يجئ في الكلام صبر. قال النمر بن تولب، وذكر روضة: "
[ 30 ]
عزبت وباكرها الشتى بديمة * وطفاء تملؤها الى أصبارها يريد: الى حروفها وجوانبها. * * * 6 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله رضي الله عنه قال: إذا اختلفتم في الياء والتاء، فاجعلوها ياء. حدثنيه الزيادي قال ثنا عبد الوارث بن سعيد عن داود عن الشعبي عن عبد الله. هذا مثل قوله في حديث آخر: القرآن ذكر فذكروه ". ووجهه عندي انه إذا جاء في القرآن حرف يحتمل التأنيت والتذكير فذكروه. وكذلك كان مذهبه في قرائته. كان يذكر الملائكة في كل القرآن، فيقرأ: " فناداه الملائكة "، وانما قرأها كذلك، لأنها ياء متصلة بها في كتاب المصحف على صورة " فناديه ". وكذلك كل حرف يحتمل المعنيين فلا يفارق فيه الكتاب إذا ذكر. وحدثني أبى قال ثنا الرياشي عن أبي يعقوب الخطابي عن عمه قال، قال الزهري: " الحديث ذكر يحبه ذكور الرجال ويكرهه مؤنثوهم ". وأراد الزهري: ان الحديث أرفع العلم وأجله خطرا، كما أن الذكور أفضل من الاناث، فألباء الرجال وأهل التمييز منهم يحبونه، وليس كالرأي السخيف الذي يحبه سخفاء الرجال فضرب التذكير والتأنيث لذلك مثلا. وكذلك شبه ابن مسعود القرآن فقال: هو ذكر فذكروه، أي: جليل خطير فأجلوه بالتذكير، ونحوه: " القرآن فخم ففخموه ". * * * 7 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله، انه قال: ما من شئ من كتاب الله جل وعز الا وقد جاء على أذلاله.
[ 31 ]
قوله: على أذلاله، يريد: على وجهه، ومنه قول زياد في خطبته البتراء: وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على أذلاه " أي: على وجهه. قال أبو زيد: يقال: دعه على أذلاله، أي: على حاله، ولم يعرف لها واحدا. 8 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله رضي الله عنه، انه قال: ما اجتمع حرام وحلال، الا غلب الحرام الحلال. يرويه وكيع عن سفيان عن جابر عن عامر عن عبد الله. قوله: غلب الحرام الحلال، يريد: الرجل يفجر بأم امرأته أو بابنتها لتحرم عليه امرأته، فهذا غلبة الحرام الحلال، وهو رأي الكوفيين. وقال سعيد بن المسيب: " لا يحرم حرام حلالا ". يريد: ان الزنى بأم المرأة وابنتها لا يحرم المرأة، وهو رأي الحجازيين ومن سلك سبيلهم. ومثل هذا من غلبة الحرام الحلال: الخمر تمزج بالماء فيحرم الماء، والبغل يحرم أكل لحمه، لأنه ممتزج من حرام وحلال. * * * 9 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله رضي الله عنه، انه قال: إذا صلى أحدكم فلا يصلين وبينه وبين القبلة فجوة. الفجوة: المتسع. ومنه قول الله جل وعز وفي فجوة منه، أي: متسع. وجمعها: فجوات وفجاء. وأراد عبد الله: أن لا يبعد من قبلته وسترته. وهو مثل النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا صلى أحدكم الى الشئ فليرهقه ". يريد: فليغشه ولا يبعد منه. يقال: رهقت الشئ غشيته، وأرهقته شرا أغشيته اياه. قال الله جل وعز: ولا ترهقني من أمري عسرا. ويقال: عدا الرهقي، وهو ضرب من العدو يكاد يرهق به المطلوب. وأرهق فلان الصلاة، إذا أخرها حتى تدنو من الأخرى. ويقال: أرهقت فلانا أعجلته.
[ 32 ]
ومثل هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: " إذا صلى أحدكم الى سترة فليدن منها، فان الشيطان يمر بينه وبينها ". * * * 10 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله رضي الله عنه، انه قال لا يخرجن أحدكم الى ضبحة بليل. يرويه: وكيع عن ابن أبي خالد عن أبى عمرو الشيباني. وبعضهم يقول: " الى صيحة بليل ". وهما جميعا متقاربان. يقال: ضبح فلان ضبحة الثعلب، والخيل تضبح من حلوقها أي: تنحم. وأراد عبد الله رضي الله عنه، أن لا يخرج أحد عند صيحة يسمعها باليل، فلعله يصيبه مكروه. حدثني أبى قال حدثني اسحق بن ابراهيم بن جيب بن الشهيد، ثنا قريش بن أنس عن حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله قال: استغاث قوم بليل، وقد قتل صاحبهم، فخرج المغيثون فأدركوا رجلا فقال: لم أقتله وانما خرجت مغيثا، فأمر بقتله، فجاء رجل فقال: أنا قتلت الرجل لا أكون قتلت رجلا ويقتل آخر بي، فأمر عبد الله باطلاقهما. وقال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحيا نفسا بنفسه فلا قود عليه ". 11 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله رضي الله عنه، انه قال: من أحب القرآن فليبشر. يرويه يعلى عن الأعمش عن ابراهيم. قوله: فليبشر، أي: فليسر وليفرح. وكان أصحاب عبد الله يقرؤون: " أن الله يبشرك ". وقال الفراء: إذا ثقل فهو من البشرى، وإذا خفف فهو من الافراح والسرور. وأنشد: "
[ 33 ]
بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة * أتتك من الحجاج يتلى كتابها وكأنه يقال على هذا: بشرته فبشر، فهو يبشر. مثل جبرت العظم فجبر، وقرأت في " كتاب " سيبويه على البصريين: بشرته فأبشر مثل: فطرته فأفطر ". وأراد عبد الله أن محبة كتاب الله جل وعز دليل على محض الايمان. فكان يقال من أحب كتاب الله فقد أحب الله جل وعز، ومن أحب السنة فقد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي شيخ من أصحاب اللغة في هذا الحديث قولا قد ذكرته، زعم أنه من بشرت الأديم فأنا أبشره بشرا، إذا أخذت باطنه بشفرة. وقال: أراد فليضمر نفسه للقرآن، فان كثرة الطعم وكثرة الشحم ينسيه اياه. واستشهد على ذلك حديثا آخر لعبدالله، قال: " اني لأكره أن أرى الرجل سمينا نسيا للقرآن " قال: وقال بعض الشعراء في نحو هذا يصف بعيرا: وهو من الأين حف نحيت يقول: ضمر فكأنه نحت بفأس. الأين: الاعياء. وهو مثل قول الآخر وهو العجاج ينحت من أقطاره بفاس * * * 12 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله رضي الله عنه، انه قال في قول الله جل وعز: لقد رأى من آيات ربه الكبرى رأي رفرفا أخضر سد الأفق. يرويه أبو معاوية عن الأعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله. الرفرف: يقال هو بساط. ويقال هو فراش. وبعضهم يجعله جمعا، واحده رفرفة. ويحتج بقول الله جل وعز: متكئين على رفرف خضر، ويقال الرفرف: ضرب من النبات.
[ 34 ]
قال عبد الله رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل عليه السلام في " حلتي رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض ". وأما قول أبى طالب: تتابع فيها كل صقر كأنه * إذا ما مشى في رفرف الدرع أجرد فان الرفرف هاهنا ما فضل من طول الدرع فانعطف. يعني: ان الدرع تطوله فينفضها كما ينفض البعير الأجرد رجله. ورفرف الثوب ما ثني منه. وقال المعطل الهذلي يصف الأسد: له أيكة لا يأمن الناس غيبها * حمى رفرفا منها سباطا وخروعا قال الأصمعي: لا أدري ما الرفرف هاهنا. وقال غيره: الرفرف ما انعطف واسترخى، كأنه أراد ما تهدل من غصون الشجر. وشبيه بالرفرف، الرفيف. قال عقبة بن صهبان: " رأيت عثمان رضي الله عنه عنه نازلا بالأبطح، وإذا فسطاط مضروب وسيف معلق في رفيف الفسطاط، وليس عنده سياف ولا جلواز ". فالرفيف: ما تدلى منه إلى الأرض. ورفيف السحاب هيدبه وما تدلى منه. قال ابن مطير يصف مطرا: وله رباب هيدب لرفيفه * قبل التبعق ديمة وطفاء * * * 13 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله، ان أبا جهل قال له يابن مسعود لأقتلنك، فقال ابن مسعود: من يتأل على الله يكذبه، والله لقد رأيت في النوم أني اخذت حدجة حنظل فوضعتها بين كتفيك، ورأيتني أضرب كتفيك بنعل، ولئن صدقت الرؤيا لأطأن على رقبتك، ولاذبحنك ذبح الشاة. هذا حديث كان القاسم بن معن يرويه عن من سمع القاسم بن عبد الرحمن يحدثه عن ابن مسعود.
[ 35 ]
الحدجة: الحنظلة إذا صلبت واشتدت، وجمعها: حدج. يقال: قد أحدجت الشجرة. وقال أبو محمد في حديث عبد الله رضي الله عنه، انه ذكر بني اسرائيل وتحريفهم وتعييرهم، وذكر عالما كان فيهم، عرضوا عليه كتابا اختلقوه على الله جل وعز، فأخذ ورقة فيها كتاب الله جل وعز، ثم جعلها في قرن، ثم علقه في عنقه، ثم لبس عليه الثياب، فقالوا: أتؤمن بهذا فأومأ الى صدره وقال: آمنت بهذا الكتاب. يعني الكتاب الذي في القرن. فلما حضره الموت بثبثوه فوجدوا القرن والكتاب، فقالوا: انما عني هذا. يرويه الأعمش عن عمارة بن عمير عن الربيع بن عميلة عن عبد الله. قوله: بثبثوه، أي: كشفوه، وهو من: بثبثت الأمر إذا أظهرته، والأصل: بثثوه، فأبدلوها من الثاء الوسطى باء استثقالا لاجتماع ثلاث ثاءات. كما يقال: حثحثت، والأصل: حثثت. آخر حديث عبد الله رضي الله عنه.
[ 36 ]
حديث أبى بن كعب 1 - وقال أبو محمد في حديث أبي رضي الله عنه، انه سئل عن النبيذ، فقال: عليك بالماء، عليك بالسويق، عليك باللبن الذي نجعت به، فعاودته فقال: كأنك تريد الخمر. حدثنيه أبى قال حدثنيه محمد بن عبيد ثناه أبو أسامة عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن ذر بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبزي. قوله: نجعت به، أي: سقيته، يعني في الصغر. يقال: نجعت البعير إذا سقيته المديد وهو أن تسقيه الماء بالبزر أو السمسم أو الدقيق، ومنه حديث يرويه مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه: ان المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالسقيا، وعلي ينجع بكرات له دقيقا وخبطا ". واسم المديد: النجوع، بفتح النون. وأراه سمي نجوعا لأنه ينجع في الجسم، فأما النشوع فهو الوجور. قال ذو الرمة: إذا مرئية ولدت غلاما * فألأم مرضع نشع المحارا المحار: الصدف، واحدتها محارة. والنشوع أيضا السعوط. قال الشاعر هو المرار:
[ 37 ]
اليكم، يا لئام الناس اني * نشعت العز في أنفي نشوعا النشوع، بضم النون مصدر نشعت. والنشوع بفتحها اسم ما يستعط به. ولو كانت الرواية نشعت به، أي: اوجرته، لكان وجها، غير أن المحدثين جميعا يروونه بالجيم، لا يختلفون في ذلك، يقال: نجعته لبنا ونجعته بلبن، وكذلك نشعته اللبن ونشعته باللبن. كما يقال أوجرته اللبن وأوجرته باللبن. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث أبي رضي الله عنه، ان العباس وعمر رضي الله عنهما احتكما إليه، فاستأذنا عليه فحبسهما قليلا، ثم أذن لهما، فقال: ان فلانة كانت ترجلني، ولم يكن عليها الا لفاع، فحبستكما. حدثنيه أبى حدثنيه محمد بن عبيد عن أبي أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن عبد الله بن خالد المخزومي عن عبد الله بن أبى بكر. اللفاع: ثوب يجلل به الجسد كله، والتلفع منه. وهو أن يشتمل به حتى يجلل جسده، وهو عند العرب: الصماء، لأنه ليست فيه فرجة. يقال اشتمل الصماء. وقال القطامي يصف ناقة: فلما ردها في الشول شالت * بذيال يكون لهالفاعا أي: شالت بذنبها فجللها من طوله. وإذا شالت دلت على حملها. وقوله: ترجلني، وهو من ترجيل الشعر وهو تسريحه ودهنه، ومنه الحديث: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل الا غبا " كرهه كل يوم وأذن فيه في اليومين وأكثر من ذلك. 3 - وقال أبو محمد في حديث أبي رضي الله عنه، انه أعض انسانا اتصل.
[ 38 ]
اتصل: دعا دعوى الجاهلية، وهو أن يقول: يا آل فلان. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم، انه قال: " من اتصل فأعضوه ". وقال الأعشى، وذكر امرأة سبيت: إذا اتصلت قالت: أبكر بن وائل * وبكر سبتها والأنوف رواغم وقال أبو عبيدة، ومنه قول الله جل وعز: الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق. * * * 3 - وقال أبو محمد في حديث أبي رضي الله عنه، قال لرجل كان لا تخطئه الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، بيته في أقصى المدينة: لو اشتريت دابة تقيك الوقع، يعني: حمارا. فقال له: ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم. يرويه مالك أبو غسان عن اسرائيل عن عاصم عن أبى عثمان عن أبي. الوقع: أن تصيب الحجارة القدم فتوهنها أو حافر الدابة، فتغمز. يقال: وقعت فأنا أوقع وقعا. قال الشاعر: يا ليت لي نعلين من جلد الضبع * كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع والمطنب: المشدود بالأطناب. يقول: ما أحب أن يكون بيتي الى جانب بيت محمد صلى الله عليه وسلم قد شد بأطنابه. وتوخى في بعد بيته من المسجد أن تكتب له خطاه إليه. آخر حديث أبي رضي الله عنه
[ 39 ]
حديث معاذ بن جبل 1 - وقال أبو محمد في حديث معاذ رضي الله عنه، انه قال للنخع: إذا رأيتموني صنعت شيئا في الصلاة فاصنعوا مثله، فلما صلى بهم أضر بعينه غصن شجرة فكسره، فتناول كل رجل منهم غصنا فكسره، فلما صلى قال: اني انما كسرته لأنه أضر بعيني، وقد أحسنتم حين أطعتم. يرويه وكيع عن محمد بن قيس الأسدي عن علي بن مدرك النخعي. قوله: أضر بعيني، يعني دنا منها. وكل شئ دنا من شئ فقد أضر به. وأنشد الرياشي: سحيرا وأعناق المطي كأنها * مدافع ثغبان أضر بها الوبل ثغبان: جمع ثغب، وهو الغدير. وفيه لغة أخرى، ثغب، ساكنة الغين. وقوله: أضر بها، يعني: ركبها. وقال النابغة الذبياني وذكر ماء: مضر بالقصور يذود عنها * قراقير النبيط الى التلال * * *
[ 40 ]
2 - وقال أبو محمد في حديث معاذ رضي الله عنه، ان عمر رضي الله عنه بعث ساعيا على بني كلاب، أو بني سعد بن ذبيان، فقسم فيهم، ولم يدع شيئا، حتى جاء بحلسه الذي خرج به على رقبته، فقالت له امرأته: أين ما جئت به مما يأتي به العمال من عراضة أهلهم فقال: كان معي ضاغط. يرويه الحجاج عن ابن جريج عن ابن أبي الأبيض عن أبى حازم، وزيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب. قوله: عراضة أهلهم، يريد: الهدية. ويقال لها العراضة. تقول: عرضت الرجل إذا أهديت له، ومنه حديث رواه ابن شهاب عن عروة بن الزبير، ان النبي صلى الله عليه وسلم في مهاجره لقي الزبير بن العوام في ركب من المسلمين كانوا تجارا بالشام قافلين الى مكة فعرضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا، وقال الشاعر: كانت عراضتك التي عرضتنا * يوم المدينة زكمة وسعالا وقال آخر وذكر ناقة عليها تمر: حمراء من معرضات الغربان يريد: أنها تتقدم الابل وعليها التمر، فتقع الغربان عليها، فتأكل التمر. فكأنها هي أهدته الى الغربان. وقوله: كان معي ضاغط. يريد: الأمين. ولا أراه سمي ضاغطا الا لتضييقه على العامل وقبضه يده عن الأخذ والفائدة. ولم يكن معاذ رضي الله عنه أمين ولا شريك. ولو كان معه ما مد يده. وانما أراد بهذا القول ارضاء أهله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لاكذب الا في ثلاثة، وذكر الحرب والاصلاح بين الناس، وارضاء الرجل أهله ". ويقال انه أراد بالضاغط، الله عز وجل. وكفى به أمينا ورقيبا.
[ 41 ]
3 - وقال أبو محمد في حديث معاذ رضي الله عنه، انه أجاز بين أهل اليمن الشرك. يرويه عبد الله بن المبارك عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه. الشرك: مصدر شركته في الأمر أشركه شركا. وأراد الاشتراك في الأرض والمزارعة. وذلك أن يدفعها صاحبها بالنصف والثلث وما أشبه ذلك. ومثله حديث عمر بن عبد العزيز: " ان شرك الأرض جائز، ويكون البذر من السيد ". يعني: رب الأرض. نجز حديث معاذ رضي الله عنه.
[ 42 ]
حديث عبادة بن الصامت 1 - وقال أبو محمد في حديث عبادة انه قال: يوشك أن يكون خير مال المسلم شاء بين مكة والمدينة ترعى فوق رؤوس الظراب، وتأكل من ورق القتاد والبشام. يرويه حماد عن أبى التياح عن عبادة. الظراب: دون الجبال، واحدها ظرب، والبشام: شجر طيب الريح يستاك به، واحدته بشامة، وبها سمي الرجل. قال الشاعر وهو جرير: " أتذكر إذ تودعنا سليمى * بفرع بشامة سقي البشام يريد: تشير الينا بمسواكها تودعنا. ويروى: أتذكر يوم تصقل عارضيها * بفرع بشامة وانما خص القتاد والبشام لأنه كان فيما أرى أكثر النبت فيما بين مكة والمدينة. تم حديث عبادة رضي الله عنه.
[ 43 ]
حديث حذيفة بن اليمان 1 - وقال أبو محمد في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، انه ذكر خروج عائشة رضي الله عنها فقال: تقاتل معها مضر مضرها الله في النار، وأزد عمان سلت الله أقدامها، وان قيسا لن تنفك تبغي دين الله شرا حتى يركبها الله بالملائكة، ولا يمنعوا ذنب تلعة. يرويه معمر عن وهب عن أبى الطفيل عن حذيفة. قال أبو زيد: الماضر من اللبن الذي يحذي اللسان. يقال: قد مضر اللبن يمضر مضورا، وكذلك النبيذ. قال، وقال أبو البيداء: اسم مضر مشتق منه. وقال بعضهم: مضر سمي لبياضه. ومنه مضيرة الطبيخ، ولا أرى المضيرة أيضا الا من اللبن الماضر، لأنها تطبخ به، فهي " فعيلة " بمعنى " مفعولة ". وقوله: مضرها الله في النار، أي: جمعها في النار، واشتق لذلك لفظا من اسمها. وتقول: مضرنا فلانا فتمضر، وقيسناه فتقيس أي: صيرناه كذلك بأن نسبناه إليها فصار. قال الكسائي: يقال ذهب دمه خضرا مضرا، وذهب بطرا إذا بطل، فان لم يكن مضر في هذا الموضع اتباعا، فقد يجوز أن تجعل مضرها الله في النار منه. والتفسير الأول أعجب الي. وقوله: سلت الله أقدا مها أي: قطعها، ويقال:
[ 44 ]
سلتت المرأة الخضاب إذا مسحته وألقته، وسلت الحلاق رأس الرجل. ومنه قيل للمرأة التي لا تختضب: سلتاء. والتلعة: مسيل ما ارتفع من الأرض الى بطن الوادي: فإذا صغر عن التلعة فهي الشعبة، فإذا عظم حتى يكون مثل نصف الوادي، فهي ميناء. والتلعة أيضا ما انخفض من الوادي وهو من الأضداد. وأراد ان الله جل وعز يذلها فلا تقدر على أن تمنع أسفل تلعة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " حجوا قبل أن لا يحجوا، قالوا: وما شأن الحج قال: تقعد أعرابها على أذناب أوديتها فلا يصل الى الحج أحد ". 2 - وقال أبو محمد في حديث حذيفة رضي الله عنه، انه قال لجندب بن عبد الله البجلي: كيف تصنع إذا أتاك مثل الوتد، أو مثل الذؤنون قد أتي القرآن من قبل أن يؤتي الايمان، ينثره نثر الدفل، فيقول: اتبعني ولا أتبعك. يرويه حماد عن أبى عمران الجوني عند جندب. الذؤنون: نبت ضعيف طويل له رأس مدور، وربما أكله الأعراب، وجمعه ذآنين. يقال. خرج الناس يتذأننون، إذا خرجوا يأخذونه. وكذلك خرجوا يتطرثثون، من الطراثيث، ويتمغفرون من المغافير، ولا أراه شبهه بالذؤنون الا لصغره، وحداثة سنه، يريد: انه غلام حدث، وهو يدعو المشايخ الى اتباعه، أو نحول جسمه، من الاجتهاد والعبادة، وهو على هوى وضلال، قال الفرزدق: عشية وليتم كأن سيوفكم * ذآنين في أعناقكم شبه سيوفهم بالذآنين في ضعفها. وقوله: قد أوتي القرآن قبل أن يؤتى الايمان، يريد: انه قد حفظ القرآن وأحكم حروفه وضيع حدوده، وهو مثل قول ابن مسعود للهمذاني: " انك ان اخرت الى قريب بقيت في قوم كثير خطباؤهم، قليل علماؤهم، كثير سائلوهم،
[ 45 ]
قليل معطوهم، يحافظون على الحروف ويضيعون الحدود، أعمالهم تبع لأهوائهم ". وذكر ابن عباس الخوارج الذين أتاهم بأمر علي، فقال: دخلت على قوم لم أر قط أشد اجتهادا منهم، جباههم قرحة من السجود، وأيديهم كأنها ثفن الابل، وعليهم قمص مرحضة، مسهدين مسهمة وجوههم ". والمرحضة: المغسولة، يقال: رحضت الثوب إذا غسلته. ومسهمة: من السهوم وهو الضمر. وقوله: ينثر الدقل، والدقل من التمر أو أكثره لا يلصق بعضه ببعض، فإذا نثر خرج سريعا وتفرق، وانفردت كل تمرة عن صاحبتها. شبه قراءته للقرآن بذلك لهذه اياه. وهو كقول عبد الله: " لا تهذو ا القرآن هذا كهذ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل ". يريد: لا تعجلوا في التلاوة. قال الله تعالى: ورتل القرآن ترتيلا. 3 - وقال أبو محمد في حديث حذيفة رضي الله عنه، انه قال: انما تهلكون إذا لم يعرف لذي الشيب شيبة، وإذا صرتم تمشون الركبات، كأنكم يعاقيب حجل، لا تعرفون معروفا ولا تنكرون منكرا. حدثنيه أبي قال حدثنيه محمد عن ابن عائشة عن عبد العزيز عن ليث عن بشر عن أبى شريح. قوله: تمشون الركبات، أي: تمضون على وجوهكم بغير تثبت ولا روية ولا استئذان من هو أسن منكم، يركب بعضكم بعضا، كما يركب اليعاقيب - وهي القبج - بعضها بعضا. واليعاقيب ذكورها، والحجل اناثها. ونحوه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " تتايعون في الشر تتايع الفراش في النار " والركبات: جمع ركبة.
[ 46 ]
4 - وقال أبو محمد في حديث حذيفة رضي الله عنه، انه قال: للدابة ثلاث خرجات، خرجة في بعض البوادي ثم تنكمي. يرويه عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن حسان عن قيس بن سعد عن أبي الطفيل. قوله: تنكمي، أي: تستتر، يقال: كمى فلان شهادته إذا سترها، ومنه قيل للشجاع كمي، كأن الله عز وجل كماه أي: ستره. " فعيل "، بمعنى " مفعول ". ومن أمثال العرب: الشجاع موقى ". ولذلك قال أبو بكر رضي الله عنه لخالد بن الوليد حين أغزاه: " احرص على الموت توهب لك الحياة " ومنه قول الخنساء: نهين النفوس وهون النفو * س يوم الكريهة أوقى لها. ويروى: أبقى لها، ويجوز أن يكون سمي كميا، لأنه كمي بالدرع وغيرها، أي: سترها. ومنه حديث يرويه ابن شهاب عن جابر بن عبد الله عن أبى اليسر، قال كان لي على الحارث بن يزيد الجهني مال، فأطال حبسه فجئته فانكمى مني ثم ظهر، فقال: انك طالب حق وكنت معسرا فأردت أن أنكمي منك حتى يأتي الله بيساره. 5 - وقال أبو محمد في حديث حذيفة رضي الله عنه، ان سبيع بن خالد قال: قدمت الكوفة، فدخلت المسجد، فإذا صدع من الرجال، فقلت: من هذا فقالوا: أما تعرفه هذا حذيفة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. يرويه قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن سبيع. الصدع من الرجال: المتوسط في خلقه، وهو ألا يكون صغيرا ولا كبيرا، وكذلك الصدع من الوحش. قال دريد يوم حنين: " من مجزوء الرجز " أقود وطفاء الزمع * كأنها شاة صدع
[ 47 ]
صدع: يعني فرسا. والوطف في الزمع أن تطول ثنتها، وهو الشعر النابت في مؤخر الرسخ، وطولها يحمد والزمع: يكون في موضع الثنة للفرس، كأنه قرن صغير، واحده: زمعة. ويقال: كل عظم ينجبر الا زماع الشاء، وساق النعامة، لأنه لا مخ في ذلك. ولذلك قال الشاعر في أخيه: " من الطويل واني واياه كرجلي نعامة * على ما بنا من ذي غنى وفقير يريد: اني وأخي كرجلي نعامة لا غنى بواحدة منهما عن الاخرى: فمتى انكسرت واحدة، بطلت أختها أبدا، لأن المنكسرة لا تنجبر. والشاة: الوعل، ويكون الثور من الوحش. 6 - وقال أبو محمد في حديث حذيفة رضي الله عنه، انه قال: قومة بعد الجماع أوعب للماء. يرويه وكيع عن سفيان عن مغيرة عن ابراهيم. قوله: أوعب للماء، يريد: ان المجامع إذا اغتسل بعد نومه، كان ذلك بعد انقطاع المني، وإذا اغتسل بعد الجماع، اغتسل وقد بقيت منه بقية لم تنزل. ومنه يقال: استوعبت كذا، إذا استقصيته كله. ومثل هذا قول حماد: " لا يقطع الجنابة الا نوم أو بول " 7 - وقال أبو محمد في حديث حذيفة رضي الله عنه، ان المسلمين أخطأوا باليمان فجعلوا يضربونه بأسيافهم، وحذيفة يقول: أبي أبي، فلم يفهموه، حتى انتهى إليهم، وقد تواشقة القوم. يرويه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. قوله: تواشقه القوم، أي: قطعوه. والوشيقة منه. وهو أن تقطع الشاة أعضاء
[ 48 ]
وتغلى شيئا، ثم ترفع في الأوعية، ويتزودها المسافر. ويقال: بل الوشيقة أن يقطع اللحم ويجفف ثم يتزوده المسافر، ومنه قيل للكلب: واشق، لأنه يخدش ويقطع. هذا قول ابن الأعرابي. 8 - وقال أبو محمد في حديث حذيفة، انه اشترى ناقة من رجلين من النخع، وشرط لهما من النقد رضاهما، فجاء بهما الى منزله، فأخرج لهما كيسا، فأقبلا عليه، ثم أخرج " آخر " فأفسلا عليه، فقال حذيفة: اني أعوذ بالله منكما. يرويه أبو خالد الأحمر عن حجاج عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه. وقوله: افسلا عليه، بمعنى أرذلا عليه من الدراهم، وأصله من الفسل، وهو الردئ. يقال: فسل يفسل فسالة وفسولة، ورجل فسل: رذل، والفسل من كل شئ نحو الرذل، وكذلك: رذل يرذل رذالة ورذولة. وقال الفرزدق: " من الطويل " فلا تقبلوا منهم أباعر تشترى * بوكس ولا سودا يصح فسولها والسود: دراهم، وفسولها: رديئها. 9 - وقال أبو محمد في حديث حذيفة رضي الله عنه، انه ذكر قوم لوط وخسف الله بهم، فقال: وتتبعت أسفارهم بالحجارة. حدثنيه أبي، قال حدثنيه عبد الرحمن بن الحسين عن أبى النصر عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن جندب عن حذيفة. الأسفار: هاهنا المسافرون، يقول: رموا بالحجارة حيث كانوا فألحقوا بأهل المدينة، وهوجمع سفر، وسفر جمع مسافر، وان جعلته جمعا لسافر جاز. وهو قليل، نحو: صاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد، ويقال أشهاد جمع شهيد، مثل: شريك وأشراك.
[ 49 ]
وروي في حديث آخر: " انها لما قلبت عليهم رمي بقاياهم بكل مكان ". آخر حديث حذيفة رضي الله عنه.
[ 50 ]
حديث سلمان الفارسي 1 - وقال أبو محمد في حديث سلمان رضي الله عنه، انذكر يوم القيامة فقال: تدنو الشمس من رؤوس الناس، وليس على أحد منهم يومئذ طحربة. يرويه عبد الرازق عن معمر عن سليمان التيمي عن أبى عمر النهدي. الطحربة: اللباس. يقال: ما على فلان طحربة ولا فراض أي: ليس على شئ من اللباس. وفيه لغتان أخريان: طحربة وطحربة، وهذان الحرفان انما يأتيان في النفي، يقال لا على فلان طحربة ولا عليه فراض. ومثله في النفي: ما على المرأة خربصيصة ولا هلبسيسة. يراد ما عليه شئ من الحلي. وذكر الزيادي عن الأصمعي: أتانا وما عليه هلبسيسة، أي: خرقة. 2 - وقال أبو محمد في حديث سلمان رضي الله عنه، انه قيل له: ما يحل لنا من ذمتنا قال: من عماك الى هداك، ومن فقرك الى غناك. يرويه أبو معاوية عن وقاء بن اياس عن أبى ظبيان عن سلمان. قوله: من عماك الى هداك، يريد: إذا ضللت طريقا أخذت الرجل منهم بالمجئ معك حتى يقفك على الطريق.
[ 51 ]
وقوله: من فقرك الى غناك، يريد: إذا مررت بحائطه أو ماله وأنت محتاج الى ما يقيمك لا غنى بك عنه. أخذت قدر كفايتك. ويقال: انما خص سلمان في هذا، لأن اهل الذمة صولحوا على ذلك، وشرط عليهم، فأما من لم يشرط عليه فليس يجب عليه في ماله ونفسه شئ غير الجزية، ثم يحرم ما سواها الا بالثمن أو الأجرة. 3 - وقال أبو محمد في حديث سلمان رضي الله عنه، انه قال: يوشك أن يكثر اهلها، يعني: الكوفة، فيملؤا ما بين النهرين، حتى يغدو الرجل على البغلة السهوة ولا يدرك. يرويه سفيان بن عبد الله بن شريك عن جندب. السهوة: اللينة السير التي لا تتعب راكبها، ولم أسمع من ذلك فعلا. قال زهير وذكر ناقة: " من الطويل " كناز البضيع سهوة المشي بازل وقال الاصمعي: يقال أفعل ذلك سهوا رهوا، أي: ساكنا بغير تشدد. 4 - وقال أبو محمد في حديث سلمان رضي الله عنه، انه قال أكره أن أجمع على ماهني مهنتين. يرويه أبو خالد الأحمر عن أبى غفار عن أبي عثمان النهدي. الماهن: الخادم، والمهنة: الخدمة، بفتح الميم. قال ذلك الأصمعي. قال: ويقال: مهنة بالكسر، وكان القياس " لو قيل " مثل: خدمة وجلسة وركبة. الا أنه جاء على لفظ المفعلة الواحدة، وأجازها بعض البغداديين بالكسر، وأحسبه الكسائي. وفي بعض الحديث، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم خطب يوم جمعة فقال: " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم جمعته، سوى ثوب مهنته ". يعني: ثوبي بذلته. ومنه
[ 52 ]
يقال: امتهنني القوم، أي: ابتذلوني. والأصل الخدمة. يقال: مهنت أمهنهم وأمهنهم والذي كره سلمان أن جمع على خادمه خدمتين في وقت، مثل أن يطبخ ويخبز في وقت. هذا ونحوه. 5 - وقال أبو محمد في حديث سلمان رضي الله عنه، انه كان في سرية وهو أميرها على حمار، وعليه سراويل وخدمتاه تذبذبان. يرويه وكيع عن جعفر بن برقان عن حبيب بن أبى مرزوق عن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس. أصل الخدمة: الحلقة ولذلك قيل للخلخال خدمة. ويقال لكل ما شد مكان الخلخال، خدمة أيضا. قال زهير يذكر الخيل: " من البسيط " ترمى وتعقد في أرساغها الخدم يعني: سيور المعاذات تعقد في أرساغها. ويقال للبقر الوحشية مخدمة، لأن في سوقها خطوطا من سواد مستديرة كالخدام، ويقال لموضع الخلخال من الساق المخدم للمرأة والرجل. ولست أدري ما خدمتا سلمان، فان لم تكن هناك حلقتان لجام أو غيره، فاني أراه أن ساقيه تتحركان، فسماهما خدمتين، إذ كانتا موضعا للخدمتين من النساء، كما يقال له: المخدم من الرجل، وهو لا يلبس الخلخال. والعرب تسمي باسم الشئ إذا كان معه أو بسببه، كقولهم للوشاح: كشح، لأنه يقع على كشح المرأة. قال أبو ذؤيب: " من المتقارب " كأن الظباء كشوح النساء * يطفون فوق ذراه جنوحا والكشوح: أوشحة من ودع. وكما قالوا: قوم لطاف الأزر، أي: خماص البطون، ومما يشهد لهذا المذهب الذي ذهبنا إليه في الخدمتين، انه روى من وجه آخر: " ان سلمان روئي في هذه السرية على حمار عليه قميص ضيق
[ 53 ]
الأسفل، وكان رجلا طويل الساقين كثير الشعر، فارتفع القميص، حتى بلغ قريبا من ركبتيه ". فلما انكشفت ساقاه، وهما مخدماه، سماهما خدمتين، ولو كانتا مستورتين لكان المعنى أبعد، ولعله أن يكون كان على الحمار مدليا رجليه من جانب وهما تتحركان. فقد روي عن حذيفة، انه ركب هذه الركبة وعن غيره. 6 - وقال أبو محمد في حديث سلمان رضي الله عنه، انه اشترى هو وأبو الدرداء لحما فتدالحاه بينهما على عود. يرويه حماد عن أبى غالب عن أم الدرداء. قوله: تدالحاه، أي حملاه بينهما، كأنهما جعلاه على عود، ثم أخذ كل واحد بطرف العود. وهو من قولك: دلح بحمله. 7 - وقال أبو محمد في حديث سلمان رضي الله عنه، ان أبا عثمان ذكره فقال: كان لا يكاد يفقه كلامه من شدة عجمته. وكان يسمي الخشب خشبانا. رواه يعقوب بن ابراهيم عن معتمر عن ابيه عن أبي عثمان. قال أبو محمد: أنا أنكر هذا الحديث، لأنه وصف شدة عجمة سلمان، وانه لم يكن يفقه كلامه، وقد قدمنا من كلامه ما يضارع كلام فصحاء العرب، فان كان، انما استدل على عجمته بقوله للخشب خشبان، فهذا، في اللغة صحيح جيد، وله مخرجان، أحدهما أن تجعله جمعا للخشب فيكون جمع الحيمع، مثل: حمل وحملان، وسلق وسلقان ونحوه مما جاء على " فعل " ساكن العين، سمن وسمنان، وبطن وبطنان. والمخرج الآخر، أن تجمع خشبة فتقول: خشب، ساكنة الشين، ثم تزيد الألف والنون فتقول: خشبان، كما تقول: سود، ثم تقول: سودان وحمر، ثم تقول: حمران، ولا أدري ممن سمعت في صفة قتلى:
[ 54 ]
كأنهم بجنوب القاع خشبان 8 - وقال أبو محمد في حديث سلمان رضي الله عنه، انه قال: كنت رجلا على دين المجوسية، فاجتهدت فيها حتى كنت قطن النار الذي يوقدها. من حديث محمد بن اسحق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود ابن أسد عن ابن عباس. قطن النار: المقيم عندها لا يفارقها، وهو من قولك: قطن فلان بالمكان إذا أوطنه وأقام به، يقطن قطنا فهو قاطن وقطن. كما يقال: هذا فارطكم الى الماء وفرطكم. ويجوز أن يكون قطن جمع قاطن مثل حارس وحرس، وغائب وغيب. وكذلك فرط. آخر حديث سلمان رضي الله عنه.
[ 55 ]
حديث ابي الدرداء عويمر بن مالك 1 - وقال أبو محمد في حديث أبى الدرداء رضي الله عنه، انه قال: من يتفقد يفقد، ومن لا يغد الصبر لفواجع الأمور يعجز. وقال: ان قارضت الناس قارضوك، وان تركتهم لم يتركوك، وان هربت منهم أدركوك. قال الرجل كيف أصنع قال: أقرض من عرضك ليوم فقرك. يرويه أبو أسامة عن مسعر عن عون. قوله: من يتفقد يفقد: يقول: من يتأمل أحوال الناس وأخلاقهم، ويتعرفها يفقد، أي: يعدم أن يجد فيهم أحدا يرتضيه. وان كانت الرواية: من يتفقد يفقد، فانه يريد: من يتفقد أمور الناس يفقد، أي: ينقطع عنهم وعن ملابستهم، فلا يوجد معهم. وقوله: وان قارضت الناس قارضوك، يريد: ان طعنت عليهم ونلت منهم بلسانك، فعلوا مثل ذلك بك. وان تركتهم لم يتركوك. وقد ذكر هذا الحرف أبو عبيد. وأما قوله للرجل أقرض من عرضك ليوم فقرك، فانه أراد: من شتمك منهم فلا تشتمه، ومن ذكرك بسوء فلا تذكره، ودع ذلك. قرضا لك عليه اليوم الجزاء والقصاص.
[ 56 ]
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " وضع الله الحرج، الا من اقترض من عرض أخيه شيئا، فذلك الذي حرج وهلك ". أراد: ان الله عز وجل قد وضع عنكم الضيق في الدين وفسح لكم فلا حرج الا في ما تنالون من أعراض المسلمين. وقد تقدم ذكر العرض في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وبينت ما هو. 2 - وقال أبو محمد في حديث أبى الدرداء، انه قال: إذا رأيت نعرة الناس ولا تستطيع أن تغيرها فدعها حتى يكون الله جل وعز يغيرها. يرويه حرملة بن يحيى المصري عن عبد الله بن وهب عن ابى شريح، انه بلغه ذلك عن أبي الدرداء. الأصل في النعرة، ذباب أزرق، له ابرة يلسع بها. وربما دخل في أنف البعير فيركب رأسه فلا يرده شئ. والعرب تسمي ذا الكبر من الرجال إذا صعر خده بذلك البعير، وتشبه الرجل يركب رأسه ويمضي على الجهل، فلا يرده شئ بذلك. ومنه قول عمر رضي الله عنه: " لا أقلع عنه حتى أطير نعرته ". يقول: أخرج جهله من رأسه، وضرب النعرة له مثلا. وقال صدقة بن يسار: ما دلهم على قاتل عثمان الا حمار أخذته النعرة، فجاء حتى وقف على باب الغار، فدخلوا عليه فوجدوه فقتلوه. ويقال للحمار إذا دخلت النعرة في انفه فاستدار: حمار نعر. وقد نعر ينعر نعرا. وقال أمرؤ القيس، وذكر كلبا طعنه ثور: " من المتقارب " فظل يردنح في غيطل * كما يستدير الحمار النعر 3 - وقال أبو محمد في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، انه قال: لأنا
[ 57 ]
أعلم بشراركم من البيطار بالخيل، هم الذين لا يأتون الصلاة الا دبرا، ولا يسمعون القول الا هجرا، ولا يعثق محررهم. يرويه محمد بن فضيل عن حصين عن سالم بن أبى الجعد عن أبى الدرداء. دبر الصلاة: آخرها، ودبر البيت وكل شئ: مؤخرة. يريد: انهم يتثاقلون عن الصلاة، فإذا كاد الأمام يفرغ أتوها. والهجر: الخنا في القول والفحش. يقال: أهجر في منطقه، إذا جاء بالخنا والقبيح من القول. يقول: لا يستمعون من القول الا الهجر. وقوله: ولا يعتق محررهم. والمحرر: الذي جعل حرا، أي: اعتق. قال الله جل وعز، حكاية عن أم مريم: اني نذرت لك ما في بطني محررا، أي: عتيقا لك من الخدمة والتعبيد للدنيا، وجعلته لك يعبدك، وهذه حجة من زعم، ان الولد كالملك، لأن النذر لا يكون الا فيما يملك. وأراد أبو الدرداء: انهم إذا اعتقوا عبدا لم يطلقوه، ولكنهم يستخدمونه كما يستخدم العبد، فمتى أراد فراقهم ادعوا رقه. يقال: اعتقت الغلام، فعتق يعتق عتقا وعتاقة. * * * 4 - وقال أبو محمد في حديث أبى الدرداء رضي الله عنه، انه قال: خير نسائكم التي تدخل قيسا، وتخرج ميسا، وتملأ بيتها أقطا وحيسا، وشر نسائكم السلقعة، التي تسمع لأضراسها قعقعة، ولا تزال جارتها مفزعة. يرويه اسماعيل بن عياش عن رجل قد سماه عن أبى الدرداء. قوله: تدخل قيسا، هومن قست الشئ، فأنا أقيسه قيسا. كما تقول: كلته فأنا أكيله كيلا، يريد أنها إذا مشت قاست بعض الخطى ببعض، فلم تعجل فعل الخرقاء ولم تبطئ. ولكنها تمشي مشيا وسطا مستويا كما قال الأعشى: " من البسيط
[ 58 ]
كأن مشيتها من بيت جارتها * مور السحابة لا ريث ولا عجل ويروي: مر السحابة أيضا. وهم يصفون الخرقاء بسرعة المشي، قال الشاعر يصف ناقة: " من الطويل " مشت مشية الخرقاء مال خمارها * وشمر عنها ذيل درع ومنطق وحدثني أبى قال حدثني عبد الرحمن عن عمه قال ثنا جميع ابن أبى غاضرة، وكان شيخا مسنا من أهل البادية، وكان من ولد الزبرقان بن بدر من قبل النساء، قال: كان الزبرقان يقول: أحب كنائني الي الذليلة في نفسها، العزيزة في رهطها، البرزة الحيية، التي في بطنها غلام، ويتبعها غلام، وأبغض كنائني الي الطلعة الخبأة، التي تمشي الدفقي وتجلس الهبنقعة، الذليلة في رهطها، العزيزة في نفسها، التي في بطنها جارية وتتبعها جارية. الطلعة الخبأة: التي تتطلع وتختبئ. وقوله: تمشي الدفقي أي: تسرع في مشيها، وهو من الاندفاق. حدثني أبى حدثني أبو حاتم ثنا أبو عبيدة، ان التدفق والدفقي أقصر العنق، فإذا جاوزه الفرس صار الى الهرولة. وقوله: تجلس الهبنقعة، وهو: أن تقعي وتضم فخذيها وتفتح رجليها، يقال: هبنقع، إذا جلس الهبنقعة. قال جرير: " من الكامل " ومهور نسوتهم إذا ما أنكحوا * غدوي كل هبنقع سآل ويروي: تنبال، وهو القصير. حكى أبو زيد عن الزيادي عن الأصمعي، غذوي، بالذال. وقال: الغذوية بالذال شاء صغارها يكره بيعها وشراؤها.
[ 59 ]
وقوله: تخرج ميسا، هو من: ماست تميس. والميس: التبختر. ومثله: الريس. ويقال في مثل: " الغني طويل الذيل مياس ". يراد: أن المار يظهر فلا يخفى. والميح أيضا ملثه. ومنه قول ابن مقبل يصف نساء: " من الطويل " يمحن بأطراف الذيول عشية والسلفعة: الجريئة، واكثر ما يقال: السلفع، بلا، لأنه اكثر ما يوصف به المؤنث. وقد قال أبو ذؤيب: " من الكامل " بينا تعنقه الكماة وروغه * يوما أتيح له جرئ سلفع فوصف به المذكر. والبلقعة: التي قد خلت من كل خير، بمنزلة الأرض البلقع. وأكثر ما يقال: بلا هاء. وقوله: تسمع لأضراسها قعقعة، يريد: شدة وقعها في الأكل، ويكون أيضا صريفها بأسنانها. يقال: فلان يحرق بنانه، إذا توعد وتهدد. وفلان يحرق علي الأرم. وقد فسرنا ذلك. * * * 5 - وقال أبو محمد في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، انه قال: أيما رجل أشاد على امرئ مسلم كلمة، هومهنا برئ، ويرى أن شينة بها، كان حقا على الله جل وعز أن يعذبه بها في نار جهنم، حتى يأتي بنفذ ما قال. يرويه عبد الله بن المبارك عن وهيب بن خالد عن موسى بن عقبة عن سليمان بن عمر بن ثابت عن جبير بن نفير الحضرمي عن أبى الدرداء. أشاد: أي: رفع ذلك وأظهره. يقال: أشاد فلان بذكرى، ومنه يقال بناء مشيد، أي: مطول مرفوع. فأما المشيد فالمنبي باليشد، وهو الجص. وقوله: ينفذ ما قال، أي: بالمخرج من ذلك.
[ 60 ]
حدثني ابى، حدثني أبو حاتم عن الاصمعي عن ابن أبى الزناد، انه قال: " من شتم رجلا مسلما، حبس حتى يأتي بنفذ ما قال ". وقال قيس بن الخطيم: " من الطويل " طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر * لها نفذ لولا الشعاع اضاءها وقال جرير، فذكر طعنة: " من الطويل " أنفاذها تقطر الدما وهو جمع نفذ. 6 - وقال أبو محمد في حديث أبى الدرداء رضي الله عنه، انه قال: ان القلب يدثر كما يدثر السيف، فجلاؤه ذكر الله جل وعز. يرويه أبو كدينة عن خالد بن دينار عن معاوية بن قرة. قوله: يدثر، أي: يصدأ، وأصل الدثور، الدروس. يقا ل: دثر الربع، إذا عفا. قالت عائشة رضي الله عنها: " دثر مكان البيت، فلم يحجه هود ولا صالح، حتى كان إبراهيم فبوأه الله إياه ". والدنور في الشعر كثير. * * * 7 - وقال أبو محمد في حديث أبى الدرداء رضي الله عنه، انه ذكر الأبدال فقال: ليسوا بنزاكين ولا معجبين ولا متماوتين. النزاكون: العيابون للناس، وأصله من: النيزك، وهو دون الرمح، له سنان وزج. يقال: نزكت الرجل، إذا عبته. كما يقال: طعنت عليه. وحدثني أبى قال ثنا اسحق بن راهويه أو غيره عن النضر بن شميل انه
[ 61 ]
قال: ذكر شهر بن حوشب عند ابن عون فقال: " ان شهرا نزكوه، ان شهرا تركوه ". يعني طعنوا فيه * * * 8 - وقال أبو محمد في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه انه قال: يا رب قائم مشكور له، ويا رب نائم مغفور له. حدثنيه أيى حدثنيه محمد عن المضاء عن فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء. القائم المشكور له، هو المتهجد بالليل يستغفر لأخيه وهو نائم، فيشكر له ويغفر للنائم. آخر حديث أبى الدرداء رضي الله عنه. * * *
[ 62 ]
حديث ابى سعيد سعد بن مالك الخدري 1 - وقال أبو محمد في حديث أبي سعيد، أنه قال: رأيت في عام كثر فيه الرسل البياض أكثر من السواد، ثم رأيت في عام بعد ذلك كثر فيه التمر السواد أكثر من البياض. يرويه اسماعيل بن أبي أويس عن كثير بن عبد الله المزني عن ربيح ابن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أبي سعيد. الرسل: اللبن، وأراد أن اللبن وهو البياض إذا كثر قل التمر، وان التمر وهو السواد إذا كثر قل اللبن، وانهما لا يكادان يجتمعان على الكثرة في عام واحد. قال الأصمعي: يقال بالبدو إذا ظهر البياض قل السواد، وإذا ظهر السواد قل البياض. وقال: يعنون بالسواد التمر، وبالبياض اللبن والأقط. وزاد غيره: وإذا كثرت المؤنفكات زكت الأرض. والمؤتفكات: الرياح إذا اختلفت، وإذا زخرت الأودية بالماء، كثر الثمر. وقال الأصمعي: انما قيل للرياح مؤنفكات، لأنها كأنها تنقلب أو تقلب الأرض، وقيل لمدائن قوم لوط: المؤتفكات، لا نقلابها ويقال: أفكت الرجل أفكه أفكا، إذا صرفته عن شئ وقلبته. قال ابن أذينة:
[ 63 ]
ان تك عن أحسن الصنيعة مأفو * كا ففي آخرين قد أفكوا. أي: مصروفا عن ذلك. * * * وقال أبو محمد في حديث ابي سعيد رضي الله عنه، انه قال: خرجنا في سرية زيد بن حارثة التي اصاب فيها بني فزازة، فأتينا القوم خلوفا، فقاتل النحام العدوي يومئذ، وقد أقام عن صلبه نصيلا. فقال له زيد بن حارثة: ما هذا النصيل، قال: اني أفويت منذ ثلاث، فخفت أن يحطمني الجوع. يرويه فليح بن سليمان عن عمارة بن غزية، وربح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن عبد الرحمن عن أبيه. النصل: الحجر الطويل المدملك، والبرطيل مثله، يشبه رأس الناقة. وقوله: قد أقويت، أي: قد نفذ زادي. كمل بحمد الله وعونه.
[ 64 ]
حديث جبير بن مظعم 1 - وقال أبو محمد في حديث جبر رضي الله عنه، انه قال: نظرت الناس يقتتلون يوم حنين الى مثل البجاد الاسود يهوى من السماء، حتى وقع، فإذا نمل مبثوث قد ملأ الوادي، فلم تكن الا هزيمة القوم، فلم يشك انها الملائكة. يرويه محمد بن اسحق عن أبيه. البجاد: كساء، وجمعه بجد. ومنه قيل: ذو البجادين. يقال: بجد النساء، إذا لبسن البجد على الميت. قال الشاعر: " من الرمل " لو وصل الغيث أبنينا امرا * كانت له قبة سحق بجاد أبنينا: أي: جعلنا له بناء مكان قبة سحق بجاد. والسحق: الخلق. يقول: لو جاء الغيث وحملت الأرض غزونا فصار من كان في قبة في كساء خلق. يقول: أغرنا عليه وأخذنا ماله وقبته. نجز بحمد الله وعونه. * * *
[ 65 ]
حديث أبي لبابة رفاعة بن عبد المنذر 1 - وقال أبو محمد في حديث أبي لبابة، انه كان ارتبط بسلسلة ربوض الى أن تاب الله عليه. الربوض. الضخمة الثقيلة، والشجرة الربوض هي العظيمة الغليظة. قال الشاعر: " من الطويل " وقالوا: ربوض ضخمة في جرانه * وأسمر من جلد الذراعين مقفل يعني بالربوض: سلسلة عظيمة. ويعني بالأسمر من جلد الذراعين غلا من قد، قد من جلد الذراعين. والمقفل: اليابس. وكذلك القافل. كمل بحمد الله وعونه. * * *
[ 66 ]
حديث بلال موالي ابى بكر 1 - وقال أبو محمد في حديث بلال رضي الله عنه، انه كان يؤذن على أطم في دار حفصة، يرقى على ظلفات أقتاب مغرزة في الجدار. الأطم: بناء مرتفع، والأطم والأجم، الحصن، وجمعه: آطام وآجام. والظلفات من الرحل، الخشبا ت الأربع اللواتي يكن على جنبي البعير، واحدتها ظلفة. نجز بحمد الله وعونه. * * *
[ 67 ]
حديث ابى هريرة عمرو بن عبد غنم 1 - وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، انه قال في قضاء رمضان: يواتره. الرياشي قال ثنا أبو معمر عن عبد الوارث عن علي بن الحكم عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحرث عن أبي هريرة. وقال عبد الوارث: سألت أبا عمرو بكر بن حبيب وأبا الدقيش وأبا خيرة عن المواترة، فقالوا: تصوم يوماوتفطر يوما أو تصوم يوما وتفطر يومين. وقال الرياشي قال الأصمعي: لا تكون المواترة مواصلة حتى يكون بينهما شئ. وواتر كتبك، إذا أراد معنى: وأصلهما فهو خطأ. وهذا كما ذكر الوقوم، لان أصل المواترة، أن تأتي بالاشياء وترا وترا، أي: واحدا واحدا، فإذا أنت قضيت شهر رمضان تباعا، يوما في أثر يوم، فقد شفعت اليوم باليوم، والشفع: الزوج. وإذا أنت صمت يوما وأفطرت يوما أو يومين، فقد واترت. لأنك أتيت بيوم واحد وتر صمته ثم أفطرت، ثم أتيت بآخر صمته ثم أفطرت. ولم يرد أبو هريرة انه لا يجوز في قضاء رمضان الا المواترة. ومن صام ذلك تباعا فهو أفضل، وانما أراد: يواتره ان أحب ذلك.
[ 68 ]
فأما المتابعة، فهو الاجماع، ومما يشهد لهذا التأويل، إن يزيد بين زريع روى عن علي بن الحكم بباقي الاسناد، ان أبا هريرة قال: " لا بأس أن يواتر قضاء رمضان ان شاء فقوله: لا بأس، يدل على التفريق، لأن المتابعة هو ما لا يختلف فيه. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ان مروان كساه مطرف خز فكان يثنيه عليه أثناء من سعته، وانشق فبشكه بشكا ولم يرفه. حدثنيه أبي حدثنيه بن عبدالعريز عن ابن عائشة عن حماد بن، سلمة عن عمار بن أبي عمار. بشكة، أي: خاطه، يقال: بشكت الثوب وشصرته ونصحته، إذا خطته، فان كانت خياطة متباعدة قيل: شمجته وشمرجته. * * * 3 - وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، انه قال: يوشك أن يجئ من قبل المشرق قوم عراض الوجوه، فطس الأنف، صغار الأعين، حتى يلحقوا الزرع بالزرع، والضرع بالضرع، والرواية يومئذ يستقى عليها أحب الي من لاء وشاء. يرويه أبو سلمة عن حماد عن ابي التياح عن مجالد أبي عبد العزيز عن أبي هريرة. هكذا يرويه المحدث: لاء، مثل ماء. وهو غلط من بعض نقلة الحديث، وانما هو من: ألاء، تقدير: ألعاء. وهي الثيران، واحدها لأ، تقديره: لعا، مقصور مثل قفا وأقفاء. وقال الطرماح وذكر فلاة: كظهر اللأي، لو تبتغي رية بها * نهارا لعيت في بطون الشواجن
[ 69 ]
شبه الفلاة بظهر الثور في انملاسها، يقول: لو طابت بها ما توري به النار مثل بعرة أو عود، لشق ذلك عليك، ولم اجمع لأ على، وهو أقرب من لفظ المحدث، لأنه لم يأت لذلك مثل مما كان آخره الألف من المعتل، نحو: قفا وعصا، وانما جاء في السالم نحو: جمل، وجمال، " وأفعال " لأدنى العدد، وربما جاء في الحرف جامعا للمعنيين نحو: رسن وأرسان، للقليل والكثير. قال ذلك سيبويه. والرواية: البعير يستقى عليه يومئذ من اقناء البقر والغنم، كأنه يريد الزراعة، لأن اكثر من يقتني الثيران والغنم الزراعون. وقوله: حتى يلحقوا الزرع بالزرع، يريد: إذا أهلكوا زرعا ألحقوا الذي يليه به في الاهلاك. وكذلك الضرع بالضرع. * * * 4 - وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ان رجلين خرجا يريدان الصلاة، قالا: فأدركنا أبا هريرة وهو أمامنا، فقال: ما لكما تفدان فديد الجمل قلنا: أردنا الصلاة. قال: العامد لها كالقائم فيها. يرويه داود بن عبد الرحمن عن عبد الله بن محمد بن صيفي عن عمه يحيى ابن صيفي عن مروان بن خثيم ورجل من آل سعيد بن العاص. قوله: تفدان، أي: تعلو أصواتكما. يقال: فد الرجل يفد فديدا. والمعنى: انهما كانا يمشيان مشيا سريعا، أو يعدوان فيسمع لهما صوت، فأمرهما أن يمشيا مشيا رويدا، وأعلمهما انهما في الصلاة إذا أراداها. * * * 5 - وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، انه دخل المسجد وهو يندس الأرض برجله.
[ 70 ]
اراد: كأنه يضرب الأرض برجله. يقال: ندس فلان فلانا، إذا طعنه وخزقه. ومنه قول الشاعر: " من الطويل " ندسنا أبا مندوسة القين بالقنا * * * 6 - وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه انه قال: ان فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات. يرويه عفان عن همام عن محمد بن حجادة عن أبي حصين عن ذكوان عن أبي هريرة. وحدثني أبي قال: حدثني أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: الاستنان، أن يحضر وليس عليه الفارس. يقال: فرس سنين، وذلك من النشاط. وأرد هاهنا، انه يمرح في الطول، والطول: الحبل، وهو الطيل ايضا، قال طرفة: " من الطويل " لعمرك ان الموت ما أخطأ الفتى * لكالطول المرخى وثنياه باليد * * * 7 - وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، انه قال: أصحاب الدجال عليهم السيجان، شواربهم كالصياصي، وخفافهم مخرطمة. يرويه أبو سلمة عن حماد، قال: زعم أبو المهزم انه سمع أبا هريرة يقول ذلك. السيجان: الطيالسة الخضر، واحدها: ساج، مثل: تاج وتيجان، وقاع وقيعان، ومنه حديث ابن عباس: " انه زر ساجا له عليه وهو محرم فافتدى: وقال الشماخ: " من الطويل " بليل كلون الساج أسود مظلم * قليل الوعى داج كلون الأرندج
[ 71 ]
والوعى الصوت " وهو مقصور ". والأرندج، جلود سود. وفيها لغة أخرى: يرندج. وانما شبه الليل بالساج، وهو أخضر، لأن الخضرة عندهم سواد. ولذلك قالوالليل: أخضر. وقالوا لسواد الناس ومعظمهم: خضراؤهم. وقال أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة. يا رسول الله: " قد أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم ". والشئ إذا اشتدت خضرته روئي أسود. قال ذو الرمة، وذكر: " من الطويل " كسا الأكم بهمى غضة حبشية * تؤاما ونقعان الظهور الأقارع جعلها حبشية من شدة الخضرة. وقال حميد بن ثور: " من الطويل " الى شجر ألمى الظلال كأنه * رواهب أخر من الشراب عذوب الألمى، الأسود. يقول: هو كثيف فظله أسود، ثم شبهة في سواده بالرواهب، لأنهن يلبسن الأكيسة السود. أحر من من الشراب، أي: هن صائمات. عذوب: قيام لا يأكلن ولا يشربن. وحدثني أبي قال: أخبرني السجستاني عن الأصمعي، انه قال: يقال: أباد الله غضراءهم، أي خيرهم، وغضارتهم. ولا يقا ل: خضراءهم. قال: والغضراء والخضراء طينة علكة خضراء. يقال: أنيط بئره في غضراء. هذا أصل الحرف. ويقال: قوم مغضورن، إذا كانوا في خير ونعمة. والخضراء، في موضع آخر اسم من أسماء الكتيبة. والصياصي: قرون البقر. يقول: قد أطالوا شواربهم وفتلوها فصارت كأنها قرون بقر ملتوية، واحدها: صيصة. وخفافهم مخرطمة، أي: ذات خراطيم وأنوف. * * * 8 - وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، انه سئل عن صيد
[ 72 ]
الكلب فقال: إذا وذمته وأرسلته فذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك ما لم يأكل. يرويه وكيع عن أبي المنهال الطائي عن عمه عبد الله بن يزيد. قوله: وذمته، أي: شددته ومسكته. والأصل فيه: الوذام، وهي سيور تقد طولا. واحدتها: وذمة. وانما أراد بتوذيمه، أن لا يطلب الصيد بغير ارسال ولا تسمية. وإذا كان مطلقا فعل ذلك. وقد اختلف الناس في هذا فكان بعضهم يقول: إذا أخرجت كلبك الى الصيد فكل مما أمسك عليك، وان لم ترسله. وقال بعض الحجازيين: إذا انفلت الكلب بغير ارسال، أو أعان غير مرسل مرسلا، فلا تأكل. وهذا مذهب أبي هريرة. وكانوا يجعلون العذب في أعناق الكلاب. قال ذو الرمة، وذكر كلابا " من البسيط " مثل السراحين في أعناقها العذب وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، انه ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم أتاني آت بخزائن الأرض، فوضعت في يدي. فقال أبو هريرة: لقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم ترغثونها. يرويه ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. قوله: ترغثونها، أي ترضعونها. يعني الدنيا. يقال: رغث الجدي أمه إذا رضعها. وشاة رغوث، إذا رضعها ولدها. قال الشاعر: " من الطويل " وذموا لنا الدنيا، وهم يرضعونها * أفاويق، حتى ما يدر لها ثعل وأنشد بعضهم: يرغثونها. وحدثني أبي حدثني أبو حاتم ثنا الأصمعي قال: ثنا شيخ لنا، أن رؤبة بن العجاج دخل على سليمان بي علي بالشبكة فقال له سليمان: ما عندك للنساء يا أبا
[ 73 ]
الجحاف ؟ فقال: أجده يمتد ولا يشتد وأرده فيرتد وأستعين عليه أحيانا باليد، ثم أورد فأقصب. فشكا سليمان نحوا من ذلك، فقال رؤبة: بأبي أنت، ليس ذاك السن، انما ذلك لطول الرغاث. يريد: لكثرة ما تمصك النساء. وقوله: أورد فأقصب، هو من الأقصاب. يقال: قصبت الابل، فهي قاصبة، إذا وردت فلم تشرب. وأقصب الرجل، إذا لم تشرب ابله، فضرب ذلك لنفسه مثلا. يريد: انه إذا باشر لم يقدر على النكاح. * * * 10 - وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه انه قال: تعس عبد الدينار وعبد الدرهم، الذي ان أعطي مدح وضبح، وان منع قبح وكلح، تعس فلا انتعش، وشيك فلا انتقش. يرويه عبد الرزاق عن معمر عن ليث عن رجل عنه. قوله: ضبح، أي: صاح. وهذا كما يقال: فلان ينبح دونك، يقول: إذا أعطي خاصم وجادل دونك. وقوله: وشيك، أي: أصيب بالشوك، فلا انتقش، أي: فلا أخرجه من الموضع الذي دخل فيه. يقال: نقشت الشوكة، إذا استخرجتها. ومنه سمي المنقاش. وقد تقدم تفسير هذا. وقوله: تعس، أي: عثر. ومنه يقال: تعسا له، وقوله: فلا قام من مصرعه. ومنه قيل: انتعش العليل، إذا أفاق من علته ونهض. وقال ذوالرمة في وصف ولد الظبية: " من البسيط " لا ينعش الطرف الا ما تخونه * داع يناديه باسم الماء مبغوم يقول: لا يرفع عينه الا أن يتعهده داع من أمه، وهو صوتها والماء: حكاية
[ 74 ]
صوت الظبية. مبغوم من البغام. ويقال: نعش فلان فلانا، إذا رفع من ذكره وأمره، ومنه سمي النعش نعشا، لأنه يرفع. وسمعت من يرويه: تعس فلا انتعش. * * * 11 - وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، انه كان يتوضأ الى نصف الساق، ويقول: ان الحلية تبلغ الى مواضع الوضوء. يرويه يزيد بن هرون عن شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. الحلية هاهنا، التحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء. وأراد قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ان أمتي يوم القيامة غرمن السجود محجلون من الوضوء ". * * * 12 - وقال أبو محمد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، انه رأى قوما يتعادون، فقال: ما لهم قالوا خرج الدجال، فقال: كذبة كذبها الصباغون أو الصواغون. يرويه أبو عباد عن همام عن فرقد. يذهب الناس أو اكثرهم الى أنه أراد صاغة الحلي. ورأيت بعض الفقهاء قد جعل هذا الحديث في باب " من لا تقبل شهادته من أهل الصناعات ". وهذا تحريف على أبي هريرة، وظلم للصاغة وانما أراد بالصواغين الكذابين الذين يصوغون الكذب. يقال: فلان يصوغ الأحاديث، إذا كان يضعها. نجز والله المعين. * * *
[ 75 ]
حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب 1 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه، انه دفع من جمع وهو يقول: " من الرجز " اليك تعدو قلقا وضينها * مخالفا دين النصارى دينها ان تغفر اللهم تغفر جما * وأي عبد لك لا ألما حدثنيه أبي قال: حدثنيه محمد بن عبيد ثناه علي بن عاصم عن عبد الله بن عثمان بن خشيم عن عبد الرحمن بن سابط قال: سمعت ابن عمر يقول ذلك. وحدثني ابي قال حدثني أبي قال حدثني سهل عن الأصمعي وعبد الرحمن أيضا عنه ببعض الحديث قال: حدثني شيخ من نجران قال: كانت كتب الأنبياء وصورها عند النصارى بنجران، فكانت الأساقفة إذا مات منهم ميت ختم قبل موته عليها، فكانت الكتب عليها خواتيم عدة، فخرج الأسقف الأكبر يمشي ومعه ابنه، فعثر فقال: تعس شانئ محمد. قال سهل: لم يقل كذا، ولكن الأصمعي كنى عنه بشئ فقال أبوه: مه يا بني إنه بني وان اسمه وصورته في الوضائع. قال الأصمعي: والوضائع: كتب تكتب فيها الحكمة، فلما مات الشيخ دق
[ 76 ]
الابن الخواثيم ودق خاتم أبيه، وأخرج صفة النبي صلى الله عليه وسلم وصورته، فآمن به وحج، وأقبل وهو يقول: " من الرجز اليك تعدو قلقا وضينها وقال الأصمعي: فحدثني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة انه قال: حدثت بهذا الحديث فشرق سنة أو أكثر ثم رجع الينا، وقد زاد فيه أهل العراق بيتا: " من الرجز " معترضا في بطنها جنينها وحدثني أبي قال: خبرني عن أبي عبيدة انه قال: الوضين: بطان منسوج، وهو " فعيل " في معنى " مفعول، أي: موضون. يريد: ان نسجه بعضه على بعض. وقولهم: للدرع موضونة، من ذلك. ومنه قول الله جل وعز: على سرر موضونة، يريد: أنها مضاعفة بعضها في بعض مداخلة، كما توضن حلق الدرع بعضها في بعض وتضاعف. وقوله: قلقا، يريد أن الناقة قد ضمرت ولحق بطنها فاتسع الوضين واضطرب. وقال غيره: الوضين: الهودج والبطان للقتب، والسفيف والتصدير للرحل. والحزام للسرج. وقوله: مخالفا دين النصارى دينها. ليس لها هي دين، انما أراد نفسه. وقوله: ان تغفر اللهم تغفرجما. حدثني أبي حدثني عبد الرحمن عن عمه عن يعقوب بن مسلم بن أبي طرفة الهذلي انه قال: مر أبو خراش الهذلي يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول: " من الرجز " لا هم هذا خامس ان تما * أتمه الله وقد أتما ان تغفر اللهم تغفر جما * وأي عبد لك لا ألما
[ 77 ]
والجم، الكثير. وقوله: لا ألما، أي لم يلم بالذنوب ويقارفها. ومنه قول الله جل وعز: فلا صدق ولا صلى أي: فلم يصدق ولم يصل. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه، انه قال: من اصبح على غير وتر، أصبح على رأسه جرير سبعون ذرعا حدثنيه أبي حدثنيه شبابة بن الحسن قال: ثناه القاسم بن الحكم العرني القاضي، عن سفيان الثوري عن آدم بن علي عن ابن عمر. الجرير: الحبل يكون في عنق الناقة من أدم، ولا أحسبه سمي الرجل جريرا الا به. والجديل ايضا يكون في العنق. فإذا كان في الأنف فهو زمام، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني عبد المطلب وهم ينزعون على زمزم: " انزعوا على سقايتكم فلولا أن يغلبكم الناس عليها، لنزعت معكم، حتى يؤثر الجرير بظهري ". الا أن جرير السقاية لا يكون من أدم، وسمي جريرا لأنه يجر، " فعيل " في معنى " مفعول " أراد ابن عمر معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ذكر ولا أتنى الا وعلى رأسه جرير معقود. فإذا استيقظ فتوضأ حلت منه عقده. 3 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه كان يقول: يتقى من الضحايا والبدن التي لم تسنن، والتي نقص من خلفها. حدثنيه أبي قال: حدثنيه محمد عن القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر. قوله: لم تسنن، أي: لم تنبت أسنانها، كأنها لم تعط أسنانا. وهذا كما تقول: فلان لم يلبن، أي: لم يعط لبنا. ولم يسمن، أي: لم يعط سمنا. ولم يعسل لم يعط عسلا. وكأنه يقال: سنت الدابة إذا نبتت أسنانها، وسنها الله. وهذا
[ 78 ]
مثل النهي في الأضاحي عن الهتماء ويكون في موضع آخر سنت الشاة، إذا أصيبت في سنها، كما تقول: ثغر الغلام إذا أصيب في ثغره، وكبد إذا أصيب في كبده، ورؤس إذا أصيب في على رأسه. فإذا أردت أن ثغره نبت، قلت: اثغر وأتغر، ولم أسمع: أسن الا في الكبر، وهو القياس جائز، ولا أحسب قول الأعشى الا منه: " من المتقارب " بحقتها قد ربطت في اللجي * ن حتى السديس لها قد أسن يقول: ربطت في اللجين منذ كانت حقة الى أن أسن سديسها، أي: نبت وصار سنا. ومن الناس من يذهب ألى أن: أسن في هذا البيت بمعنى: كبر، كما تقول: اسن الرجل إذا كبر. ولم نسمع بأنه يقال: أسن رأس الرجل، إذا كبر، ولا اسنت يده، وكذلك اسن في النبت نبت فيما أثرى لا أعرف وجها غيره 4 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه، انه كان يقعي ويثري في الصلاة. بلغني عن ابن عائشة عن هاشم عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء. قوله: يثري، من الثرى، يريد: انه كان يضع يده بالثرى بين السجدتين، كأنها لا تفارق الأرض حتى يعيد السجود. ومن اقعى فعل ذلك. قال جرير: رأيت عطاء يقعي بين السجدتين ". * * * 5 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه أن أباه بعث به الى خيبر فقاسمهم التمر فسحروه فتكوعت اصابعه، فغضب عمر فنزعها منهم، يعني: خيبر.
[ 79 ]
وفي حديث آخرو: " انهم دفعوه من فوق بيت، ففدعت قدمه، من حديث محمد بن اسحق. قوله: تكوعت يده، من الكوع، وهو أن تعوج اليد من قبل الكوع والكوع، رأس الزند الذي يلي الابهام، والكر سوع رأس الزند الذي يلي الخنصر. يقال: تكوعت وكوعت، إذا اعوجت. قال الأصمعي: يقال للكلب إذا رمض: مر يكوع، أي: يطأ على كوعه. وقوله: فدعت قدمه، من الفدع، وهو: زيغ بينها وبين عظم الساق. يقال: رجل أفدع وأكوع. ومنه قول عبد الله بن عمر في ذي السويقتين الذي يهدم الكعبة من الحبشة " كأني به أضيلع أفيدع، قائما عليها يهدمها " * * * 6 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه، ان قوما اشتركوا في قتل صيد، فقالوا: على كل رجل منا جزاء، أم هو جزاء واحد. فقال: انه لمعزز بكم، بل عليكم جزاء واحد. يرويه سفيان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. قوله: انه لمعزز بكم، أي: مشدد عليكم اذن. حدثني أبي خبرني عبد الرحمن عن عمه قال: سئل أبو عمرو بن العلاء عن قول الله عز جل: فعززنا بثالث، فأنشدنا: " من الكامل " أجد إذا ضمرت تعزز لحمها * وإذا تشد بنسعها لا تنبس أي: لا ترغو، ويقال: عزز منه، أي: شدد منه. * * * 7 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه انه قال: ما أعطي
[ 80 ]
رجل أفضل من الطرق، يطرق الرجل الفحل، فيلقح مئة، فتذهب حيرى دهر. حدثنيه أبي حدثنيه محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي اسحق عن سفيان عن ربيع بن قزيع. قوله: تذهب حيري دهر، يريد: آخر الدهر. وهو بمنزلة قولك: أبدا. يعني: ان آخر ذلك يجري له ما بقي الدهر. ونحو من هذا، قولهم: لا أفعل ذلك أبد الأبيد، وأبد الأبدين، وما اختلف الملوان، وهما الليل والنهار. والواحد: ملا، مقصور. وكذلك: الجديران والفتيان، ولا أفعله ما سمر ابنا سمير، ولا آتيك سمير الليالي. هذا كله معنى قولك: لا أفعل ذلك أبدا. * * * 8 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه انه كان يخابر بأرضه، ويشترط أن لا يعرها. يرويه سفيان عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر. المخابرة، المزارعة. وقوله: يشترط أن لا يعرها، من: العرة، وهي العذرة. ومنه قول الناس: انما أنت عرة. وقد يستعار فيسمى به القبيح من الأمور. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اياكم ومشارة الناس، فانها تدفن الغرة وتظهر الغرة ". فالغرة هاهنا: الحسن والعرة: القبح. * * * 9 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه، انه دخل المسجد الحرام، وعليه بردان معافريان، فنهد الناس إليه يسألونه، البرد المعافري، منسوب الى: معافر من اليمن، بفتح الميم. والعامة تضمها ومنه الحديث: " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر معاذا حين بعثه الى اليمن، أن يأخذ من كل حالم دينارا، أو عدله من المعافري ". وقوله: فنهد الناس إليه يسألونه، يريد: قاموا إليه يسألونه. ومنه قيل نهد
[ 81 ]
ثدي المرأة إذا ارتفع. ونهدت للعدو، إذا صمدت لهم. وقال أبو دؤاد: " من مجزوء الكامل " كمقاعد الرقباء للضرباء أيديهم نواهد والضرباء: الذين يضربون بالقداح فأيديهم مرتفعة. واحدهم: ضريب. والرقباء: الأمناء عليهم. 10 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه، انه قال في العبد يكون تحته الحرة أو الحر يكون تحته الأمة، أيهما رق، نقض الطلاق برقه، والعدة للنساء. يرويه معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر. يقول: ان كان الزوج عبدا والمرأة حرة، أو كان الزوج حرا والمرأة أمة، فانها تبين منه بتطليقتين. وهذا مذهب الناس على غيره أو أكثرهم. كان علي عليه السلام وعبد الله يقولان: " الطلاق بالنساء " يعنيان أن الحرة لا تبين تحت المملوك بأقل من ثلاث، وتبين الأمة تحت الحر باثنتين، وهذا مذهب الثوري. وقال زيد بن ثابت: " الطلاق بالرجال ". يعني: ان الحرة تحت المملوك تبين باثنتين، ولاتبين المملوكة تحت الحر بأقل من ثلاث وهو مذهب الحجازيين. وأما قوله: والعدة للنساء، فان الكوفيين والحجازيين مجمعون على ذلك. والمعنى: ان المرأة ان كانت حرة اعتدت بالوفاة أربعة أشهر وعشرا، أو بالطلاق ثلاث حيض تحت حر كانت أو عبد. وان كانت أمة اعتدت بالوفاة شهرين وخمسة أيام، وبالطلاق حيضتين تحت عبد كانت أو حر. * * * 11 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه، انه قام الى مقرى بستان فقعد يتوطأ، فقيل له: أتتوضأ وفيه هذا الجلد ؟، فقال: إذا كان قلتين لم يحمل نجسا.
[ 82 ]
يرويه عفان عن حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر. المقرى، الحوض، واكثر ما يقال: مقراة بالهاء للحوض، فسمي بذلك لأنه يقرى فيه الماء، أي: يجمع. يقال: قريت الماء في الحوض، أي: جمعته. والقاري من الدواب، الذي يجمع العلف في شدقه. يقال: قرى يقرى. والمقرى ايضا اناء يقرى فيه الضيف. وقال ابن مسعود: " لو مررت على نهي، نصفه ماء ونصفه دم، لشربت منه وتوضأت ". والنهي: الغدير. وانما سمي نهيا، لأن الماء ينتهي إليه، وكذلك التنهية، هو الموضع يقف فيه الماء. سمي بذلك، لأن الماء ينهي إليه، وجمعها: تناه. ويقال: انما قيل للغدير نهي، لأن له حاجزا ينهى الماء ان يفيض منه. وكذلك الحبس، هو الماء المستنقع، سمي بذلك، لأنه كأنه حبس. ويقال: الحبس حجارة تحبس، تبنى في مجرى الماء لتحبسه للشاربة. * * * 12 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر ان عيينة بن حصن، أخذ عجوزا من هوازن، فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست قلائص، أبى أن يردها، فقال له أبو صرد: خذها اليك، فوالله ما فوها ببارد، ولا ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا زوجها بواجد، ولادرها بماكد، أو ناكد. فردها وشكا الى الأقرع فقال: انك ما أخذتها بيضاء غريرة، ولانصفاء وثيرة. يرويه محمد بن اسحق عن نافع عن ابن عمر. وقوله: ولا زوجها بواجد، أي: محب، والوجد المحبة. يقال: فلان يجد بفلانة وجدا شديدا. وقوله: ولادرها بماكد، أي: دائم. يقال: مكد بالمكان يمكد به، إذا أقام. والمكود: التي يدوم لبنها ولا ينقطع، قال حميد ابن ثور:
[ 83 ]
فصاف صنيعا " يمتري أرحبية * مكودا إذا ما الخور حارد جودها وان كان المحفوظ: ناكدا، فانه أراد الغزيز والنكد من الابل: الغزيرات اللبن. قال الكميت يذكر جديا: " من الطويل " ولم يك في النكد المقاليت مشخب وكأن الحرف من الأضداد. والغريرة والغرة والغر: الحدثة التي لم تجرب الأمور. والوثيرة: الوطيئة. حدثنى أبي حدثني أبو حاتم الأصمعي عن المنتجع بن نبهان عن النوار قالت: " النساء فرش، فخيرها أوثرها * * * 13 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه، انه قال: من حلف على يمين فيها اصر فلا كفارة لها. يرويه اسحق بن ابراهيم عن أبي معاوية عن حميل بن زيد عن ابن عمر. وفي الحديث، ان الاصر أن يحلف بطلاق أو عتاق أو مشي أو نذر. والاصر، الثقل والشدة. ومنه قول الله جل وعز: ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ويقال: أصرت الرجل أصرا، إذا أنت حبسته وضيقت عليه. فأراد ابن عمر ان الرجل إذا حلف بالطلاق أو العتاق على شئ ثم حنث، لم تكن فيه كفارة ولم يكن فيه الا أن يطلق أو يعتق. وذلك أن يقول: ان كلمت فلانا فامرأته طالق، أو غلامي حر، ثم يكلمه. وسمي الطلاق والعتق والنذر: اصرا لأنها أثقل الايمان وأضيقها مخرجا. وقد أجمع الفقهاء على مذهب ابن عمر في الطلاق، أنه لا كفارة له. وأما العتق فقد ذكر عن عائشة، انها رأت فيه الكفارة، ووافقها على ذلك عطاء، والناس
[ 84 ]
جميعا بعد على أنه بمنزلة الطلاق، ولا كفارة له، والاصر في موضع آخر: العهد. ومنه قول الله جل وعز: وأخذتم على ذلك اصري. * * * 14 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه انه كان يفرق بالشك ويجمع باليقين. يرويه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب. قوله: يفرق بالشك، يعني في الطلاق، وذلك أن يحلف الرجل على امر قد اختلف الناس فيه، ولا يعلم من المصيب منهم. كرجل قال: كل امرأة لي بالبصرة طالق، وامرأته بسفوان. وأهل الشام وأهل الحجاز يزعمون انها من البصرة، وأهل البصرة يزعمون انها ليست من البصرة. فكان ابن عمر يفرق عند مثل هذا من الشك احتياطا. وقد روي عن جابر بن زيد في هذه القصة بعينها، أنه لم ير فيها طلاقا، وأحسبه كان لا يرى أن يفرق في مثل هذا الا باليقين، أو كرجل كانت له امرأتان فبت طلاق احديهما بعينها، ثم أشكل عليه أيتهما هي، فكان ابن عمر يفرق عند مثل هذا من الشك، بينه وبين امرأتيه جميعا. فان تبين له بعد الشك ايتهما، طلق واستيقن ذلك جمع بينه وبين الأخرى التي لم تطلق، وهو معنى قوله: ويجمع باليقين. * * * 15 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه، انه كان يتوضأ ويغتسل بالحميم. يرويه اسماعيل بن ابراهيم عن أيوب عن نافع. ويروى مثله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الحميم: الماء الحار. ومنه قول الله جل وعز: يصب من فوق رؤوسهم الحميم، وهو أيضا: العرق، وبالحميم سمي الحمام. قال المرقش وذكر امرأة:
[ 85 ]
في كل يوم لها مقطرة * ذات كباء معد، وحميم مقطرة: مجمرة. وهي " مفعلة " من القطر وهو العود الذي يتبخر به. والذي يراد من الحديث: انه كان يتوضأ بالماء، وقد عملت فيه النار. والناس على هذا لا يختلفون في أنه لا فرق بينه وبين البارد، الا ما روي عن مجاهد، فانه روي: انه كان لا يتوضأ بالماء السخن الا في حال ضرورة. * * * 16 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه، انه كان يغدو فلا يمر بسقاط، ولا صاحب بيعة الا سلم عليه. يرويه مالك عن اسحق بن عبد الله عن الطفيل بن أبي بن كعب. السقاط: بائع سقط المتاع، وهو رذاله. والعوام تسميه السقطي. وبيعة من البيع، مثل ركبة وشربة، وسيمة، من ساومت بالبيع سوما. * * * 17 - وقال أبو محمد في حديث ابن عمر رضي الله عنه، أن الفتنة ذكرت عنده فقال: لأكونن فيها مثل الجمل الرداح، الذي يحمل عليه الحمل الثقيل فيهرج فيبرك ولا ينبعث حتى ينحر. يريويه علي بن محمد عن الحسن بن دينار عن الحسن. الرداح: الجمل العظيم من الابل، وقوله: يهرج، أي: يسدر. يقال: هرج البعير يهرج هرجا. قال أبو النجم: " من الرجز " في يوم قيظ ركدت جوزاؤه * وظل منه هرجا حرباؤه قوله: ركدت حوزاؤه: أي: ركد بارحها. نجز ولله المنة.
[ 86 ]
حديث ابي موسى الأشعري 1 - وقال أبو محمد في حديث أبي موسى رضي الله عنه، انه صلى فلما جلس في آخر الصلاة سمع قائلا يقول: قرنت الصلاة بالبر والزكاة. فقال: أيكم القائل كذا فأرم القوم، فقال: لعلك يا حطان قلتها قلت: ما قلتها، ولقد خشيت أن تبكعني بها. حدثنيه أبي حدثنيه أبو وائل، ثناه أبو داود عن هشام عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي. قوله: أرم القوم، أي: سكنوا فلم يتكلموا. قال الراجز: " من الرجز " يردن، والليل مرم طائره * مرخى رواقاه هجود سامره ويقال: أرم العظم إذا صار فيه رم، أي: مخ. ورم، إذا يلي ومنه قول الله جل وعز: قال من يحيي العظام وهي رميم. وقوله: تكبعني بها، أي تستقبلني بها. قال الأصمعي: يقال بكعت الرجل بكعا، إذا استقبلته بما يكره، وهو نحو: التبكيت. يقال بكته بذنبه تبكيتا. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث أبي موسى رضي الله عنه: أنه قال: دلوني
[ 87 ]
على مكان أقطع به هذه الفلاة، فقالوا: هويجة تنبت الأرطى بين فلج وفليج فحفر بالحفر، ولم يكن بالمنجشانية وماوية قطرة الا ثمادايام المطر، ثم استعمل سمرة العنبري على الطريق، فأذن لمن شاء أن يحفر، فابتدؤوا في يوم سبعين فما من أفواه البئار. حدثنيه أبي أبو حاتم عن الأصمعي قال: سمعت القسومي يذكره من ولد زبيب بن ثعلبة العنبري يذكره. الهويجة: الموضع المطمئن من الأرض، والثماد: جمع ثمد، وهو الماء القليل. يقال: ماء مثمود، إذا كثر عليه الناس حتى يفنى وقد ثمدته النساء، إذا نزفت ماءه لكثرة الجماع. * * * 3 - وقال أبو محمد في حديث أبي موسى رضي الله عنه، انه كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: انا وجدنا بالعراق خيلا عراضا دكا، فما يرى أمير المؤمنين في اسهامها فكتب إليه عمر: تلك البراذين، فما قارف العتاق منها فاجعل له سهما واحدا، وألغ ما سوى ذلك. يرويه ابن المبارك عن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى. الدك: جمع أدك، وهو العريض الظهر. ويقال: القصير العريض. ومن ذلك قيل للرابية: دكاء، وقيل للجبل الذليل: دك. وجمع دكاء: دكاوات. وجمع الدك: دككة. وأرى أصله من: دككت الشئ، إذا ألصقته بالأرض. قال الله تعالى: فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء، أي: مدكوكا ملصقا بالأرض. ويقال للناقة التي لا سنام لها: دكاء. وقوله: فما قارف العتاق منها، أي: دنا وشاكلها. وقد اختلف الناس في اسهام البراذين والخيل.
[ 88 ]
فكان أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي، يرون الخيل والهجن سواء إذا لحقت لحوق الفرس. وقال الشافعي: الهجن والبراذين بمنزلة الخيل، إذا أجازها الوالي. وهو أيضا مذهب الثوري، غير أن الثوري والشافعي يسهمان للفرس أو البرذون سهمين. وقال أبو حنيفة: يسهم له سهم ولا تفضل بهيمة على انسان. وكان الأوزاعي يفضل الفرس على الهجين. وأرى عمر في هذا الحديث قد أسهم لما أشبه العتاق من البراذين، وألغى غيرها مما لم يشبه العتاق فلم يسهم له. حدثني أبي حدثني أبو حاتم ثنا أبو عبيدة، ان الشعبي قال: أول من عرب العراب، رجل من وادعة همدان، اغارت الخيل فصبحت العدو وأبطأت الكوادن فجاءت ضحى، فاسهم للعراب وترك الكوادن. ثم كتب الى عمر بن الخطاب بذلك فقال: " هبلت الوادعي أمه. لقد أذكرني أمرا كنت أنسيته ". وقال غير أبي عبيدة: " لقد أدكرت به أمرا ". وكتب إليه: " أن نعم ما صنعت ". ومقارفة البراذين العتاق، أن تقاربها في اللحوق والسرعة. وأما المقاربة في الخلقة فانما تقع بين العتيق والهجين، وبين المقرف والهجين. وقال أبو عبيدة: الهجنة من قبل الأم، والاقراف من قبل الاب. وأنشد لهند بنت النعمان بن بشير في روح بن زنباع: " من الطويل " وهل هند الا مهرة عربية * سليلة أفراس تجللها بغل فان نتجت مهرا كريما فبالحرى * وان يك اقراف فمن قبل الفحل هكذا رواه يعقوب عن من سمعه من أبي عبيدة. والذي حكاه لي أبو حاتم
[ 89 ]
عن أبي عبيدة في كتاب: " الخيل " انه قال: الاقراف أن يضرب فهيا عرق البراذين، ولم يذكر من أي جهة ذلك. وروى الأصمعي أن سليمان بن ربيعة الباهلي، ميز بين العتاق والهجن لما تشابهت على عمر، فدعا بترس أو بطست ماء فوضع بالأرض، ثم أوتيت الخيل فشربت منه، فما ثنى سنبكه، ثم شرب، جعله هجينا لأن عنقه قصرت فاحتاج الى أن يثني سنبكه، حتى يبلغ الماء، وما لم يثن سنبكه جعله عتيقا، لأن عنقه طالت، فاستغنى عن ثني سنبكه. نجز ولله المنة
[ 90 ]
حديث عمران بن حصين 1 - وقال أبو محمد في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، انه أقسم لأن أكون عبدا حبشيا في أعنز حضنيات، أرعاهن حتى يدركني أجلي، احب الي من أن أرمي في أحد الصفين بسهم أصبت أو أخطأت. حضنيات، منسوبة الى حضن، وهو جبل عظيم بنجد، تقول العرب في مثل: " انجد من رأى حضنا ". يقول: فلأن أكون عبدا راعيا في هذا الجبل بنجد، احب الي من أن أشهد حربا في فتنة. نجز ولله المنة. * * *
[ 91 ]
حديث سهل بن حنيف وقال أبو محمد في حديث سهل رضي الله عنه، ان عامر بن ربيعة قال: انطلقت أنا وسهل، نلتمس الخمر، فوجدنا خمرا وغدير ماء. ودخل الماء فنظرت فأعجبني خلقه، فأصبته بعين، فأخذته قفقفة. الخمر: ما واراك من الشجر. يقال: ذئب خمر، إذا كان يلزم الخمر ولا يظهر. كما يقال: ذئب الغضا، وسرحان الغضا. والقفقفة: الرعدة. قال جرير: " من الطويل " هم رجعوها مسحرين كأنما * بجعثن من حى المدينة قفقف نجز ولله المنة.
[ 92 ]
حديث عبد الله بن عباس 1 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن عباس، انه ذكر عنده قول علي رضي الله عنه في الجمع بين الأختين، حرمتهن آية، وأحلتهن آية. فقال ابن عباس: تحرمهن علي قرابتي منهن، ولا تحرمهن علي قرابة بعضهن من بعض. حدثنيه أبي حدثنهي محمد بن عبيد قال: ثناه سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة. أما قول علي: حرمتهن آية، وأحلتهن آية، فانه اراد للأخوات من الاماء دون الحرائر. فالآية التي حرمت الجمع بين الأختين من الا ماء، قول الله جل وعز في آية التحريم: وأن تجمعوا بين الأختين. فلم يشترط حرة دون أمة. والآية التي أحلته، قوله تعالى: فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم. فلم يستثن من ملك اليمين شيئا، فهو على العموم. واراد ابن عباس أن يخبر بالعلة التي وقع من أجلها تحريم الجمع بين الأختين الحرتين، ليدل بها
[ 93 ]
على الحال في الجمع بين الأختين الأمتين فقال: لم يقع ذلك بقرابة احدى الأختين الحرتين من الأخرى، لأن التحريم لو كان من أجل ذلك لم يحل بعد وطء واحدة منهما وطء الأخرى أبدا، كما لا يجوز وطء الأم مع البنت ولا بعدها أبدا، ولكنه وقع من أجل قرابة الرجل منهما، لأن ذوي محارم المرأة مثل: أبيها وعمها وخالها وابن أخيها وابن أختها، ومن النساء مثل: أمها وعمتها وخالتها وبنت اختها، هم قرابات الرجل بالختونة والصهر، وهو قرابتهم ما كانت المرأة تحته، فحرم عليه أن يتزوج الأخت على الأخت، لأنها من أصهاره. وكذلك حرم عليه أن يجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، لأن عمة المرأة إذا جعلتها رجلا كانت عما، وهو محرم المرأة. وهذا معنى قول سفيان الثوري: " يكره للرجل أن يجمع بين امرأتين ". ولو كانت أحداهما رجلا لم تحل له الأخرى، إذا كان ذلك من نسب، وليست بنت العم ولا بنت الخال كذلك، لأنك إذا جعلت كل واحدة منهما ذكرا، لم يكن للمرأة محرما، فجاز للرجل أن يجمع بين ابنتي عميه، وابنتي خاليه. والدليل على أن الصهر قرابة، من تأويل الكتاب، قول بعض المفسرين في قول الله عزوجل: وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة أراد بالحفدة، الأختان، أفما نراه على هذا التأويل قد قرنهم بالبنين وجعلهم هبة من الأزواج. وقوله جل وعز: وهو الذي خلق من الماء بشرا، فجعله نسبا وصهرا أراد بالنسب قرابة النسب، والصهر قرابة النكاح. والدليل على ذلك من النظر، ان الله جل وعز، ورث كل واحد من الزوجين صاحبه، كما ورث قرابات النسب، ولم يحجبهما عن الميراث بأحد، وعلة التوريث هي القرابة التي وقعت بينهما بالنكاح، لا النكاح، لأن المرأة قد أخذت ثمن البضع، وهو المهر. فلولا القرابة ما ورثته ولا ورثها، والدليل من اللغة، ان الصهر عندهم قرابة النسب ايضا. يقولون: فلان مصهر بنا، إذا كان نسبه نسبهم، ومن ذلك قول زهير:
[ 94 ]
فضله فوق أقوام ومجده * ما لم ينالوا وان عزوا وان كرموا قود الجياد وأصهار الملوك وصب * ر في مواط ن لو كانوا بها سئموا قالوا: لم يرد هاهنا ختونة الملوك، وانما أراد القرابة منهم فان احتج محتج بأن الرجل يوصي لأقربائه بشئ يكون ذلك لقرابته بالنسب من أبيه وأمه. ولا يكون لأهل بيت لقرابة منه شئ، قيل له: ان الصهر وان كان بمعنى القرابة، فانه شهر واستعمل في قرابة النكاح دون النسب، وانما تقع الأحكام على ما يتعارف الناس ويستعملون، وهذا بمنزلة قول الرجل: ثلثي لموالي، فيكون ذلك لمواليه بالعتاقة دون بني عمه وقرابته، وهم أيضا مواليه، وأرى ابن عباس قد أخرج لاماء بهذا القول ممن حكم الحرائر، لأنه لا قرابة بين الرجل وبين ملك يمينه، والناس على غير هذا، لا يرون بين الحرتين والأمتين فرقا في تحريم الجمع بينهما. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه انه قال: ان حل لتوطئ وتؤذي وتشغل عن ذكر الله جل وعز. حدثنيه أبي حدثنيه محمد بن عبيد ثناه ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس. قوله: حل، هو زجر الناقة، يقال لها: حل وحل، إذا حثثتها على السير. والمعنى، أن زجرك ناقتك واعجالك اياها في الافاضة من عرفات توطئ الناس وتؤذيهم، ويشغلك عن ذكر الله، يوقل: فسر على هينتك، فأما زجر الذكور من الأبل، فحوب، وحوب، وحوب. ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم حدثنيه أبي حدثني القومسي عن الحماني عن أبي الأحوص عن سماك عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، انه كان إذا قدم من سفر قال: " آيبون تائبون، لربنا حامدون حوبا حوبا ".
[ 95 ]
كأنه كان إذا فرغ من هذا الكلام زجر بعيره، وقال دكين: اليك وجهنا المطي نزجره * حوب وعاج وحل نذكره ويقال: وعاج أيضا. وفي حديث آخر انه كان إذا دخل أهله قال: " توبا توبا، لا يغادر علينا حوبا. والحوب، هاهنا، الاثم، وليس هو من الأول في شئ، وفيه ثلاث لغات: حوب، وحوب، وحاب. * * * 3 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، ان أبا خيرة قال: سألته فقلت: أأقصر الصلاة الى الأبلة قال: تذهب وترجع من يومك قلت: نعم. قال: لا الا يوما متاحا. حدثنيه أبي حدثنيه عبده الصفار عن عبد الصمد عن شعبة عن شبيل الضبعي عن أبي خيرة. يريد: لا تقصر الصلاة الا في مسيرة يوم تام الى الليل. ومثل قول ابن عمر: " لا تقصر الصلاة الا في يوم تام ". وكذلك يوم آخر ذو جريد وبريد، أي: تام. وقد اختلف الناس في مقدار السفر الذي تقصر فيه الصلاة. فقال أصحاب الرأي: تقصر في مسيرة ثلاثة ايام، سير الابل ومشي الأقدام. وقال أبو حنيفة: من خرج من الكوفة الى المدائن، قصر وأفطر، وذلك ثلاثون فرسخا. وكان الثوري يقول: قصر الصلاة في السفر يكون ثلاثة أيام من غير توقيت في الفراسخ. قال: وكان بعض الفقهاء يقصر في مسيرة يوم، وبعضهم في مسيرة يومين. والثلاثة الأيام أحب الينا.
[ 96 ]
وقال الشافعي: لا يقصر المسافر الا أن يكون سفره الذي يريد ثمانية وأربعين ميلا بالهاشمي. ورأيت اسحق بن راهويه يقول في هذا قولا يجمع الأقاويل، قال: إذا كان سفرك أربعة برد بثمانية وأربعين ميلا، قصرت الصلاة. وذلك يوم تام للمسرع، وثلاثة للمبطئ الذي يسير بعض اليوم ويحط في بعضه. قال: وأخطأ هؤلاء حيث وقتوا ثلاثين فرسخا من غير سنة، وهو يقولون في الظاهر، ثلاثة أيام للمبطئ على الدواب، وللمشاة على الأقدام. ومن يشك في ان الماشي على قدميه لا يقدر أن يديم مشي عشرة فراسخ في كل يوم. * * * 4 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه قال: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، يصافح بها عباده، أو قال: خلقه كما يصافح الناس بعضهم بعضا. حدثنيه أبي ثناه أبو سفيان الغنوي ثناه عبد الله بن يزيد عن عباد بن أبي خليفة، أو عباد بن أبي حليمة عن ابراهيم بن يزيد عن عطاء عن ابن عباس. هذا تمثيل وتشبيه، وأصله: أن الملك كان إذا صافح رجلا قبل الرجل يده. وكأن الحجر لله جل وعزبمنزلة اليمين للملك، يستلم ويلثم. وقال ابن عائشة: ان الله جل وعز، حين أخذ الميثاق من بني آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى. وقال: أما سمعتم إذا لمسوه يقولون: ايمانا بك، ووفاء بعهدك. * * * 5 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه كان لا يقرأ في الظهر والعصر ويقول: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمر أن يقرأ فيه، وسكت فيما أمر أن يسكت فيه " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " " وما كان ربك نسيا ".
[ 97 ]
حدثنيه أبي حدثنيه محمد عن عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد عن زيد عن أيوب عن عكرمة يذهب قوم في تأويل هذا الحديث، الى ان صلاة الظهر والعصر لا قراءة فيهما. واجماع المسلمين على أنه لا صلاة الا ظاهرة أو مخفأة، الا من غلط في تأويل هذا الحديث. وانما أراد عكرمة أن ابن عباس، كان لا يقرأ في الظهر والعصر جهرا، ويسمع أذنيه، ورأى قوما يقرؤون فيسمعون أنفسهم ومن قرب منهم، فنهى عن ذلك، وأمرهم أن ياتسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم. والدليل على ما قلنا، قوله جل وعز: وما كان ربك نسيا، يريد: أن القراءة التي تجهر بها، أو تحرك بها لسانك وتسمعها نفسك، يكتبها المكان، فإذا أنت قرأت في نفسك لم يكتباها لك، الا ان الله جل وعز، ليس نسيا ما لم يكتباه، ولا يغفله. ونحو هذا قول أبي هريرة: اقرأ بها يا فارسي في نفسك ". يعني فاتحة الكتاب خلف الامام وان جهر. يقول: لا تحرك بها لسانك فتكون قارئا، والامام يقرأ. ولكن اجعل ذلك في نفسك. * * * 6 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه انه قال: إذا بعتم السرق فلا تشتروه. حدثنيه أبي حدثنيه محمد، ثناه احمد بن عبد الله بن يونس عن زهير عن سليمان التيمي عن حيان بن عمير عن ابن عباس. السرق: الحرير، وأصله فارسي " سره " أي: جيد. فغرب. ومثله من المعرب بالقاف، الطابق، والخندق والفراتق انما هو: " بروانه " والبرق: الحمل انما هو " بره "
[ 98 ]
واليلمق: القباء، وأصله: " يلمه " والرزدق " السطر، وأصله: " رسته " والمهرق: الصحيفة، وأصله: " مهره ". والموق: الخف، وأصله: " موزه " ويعرب أيضا فيقال: موزج. ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " ان امرأة رأت كلبا في يوم حار، يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها فغفر لها ". ومما أعرب من الفارسي أيضا، حدثني أبي خبرني السجستاني عن الأصمعي قال: الزرجون، الخمر. وأصله بالفارسية: " زركون " أي: لون الذهب قال: والقفشليل: المغرفة وهي بالفارسية: " الكفجلاز " والكرد: العنق، وأصله بالفارسة: " كردن ". وخبرني عن أبي عبيدة، انه ربما وافق الأعجمي العربي. قالوا: غزل سخت، أي: صلب. والزور: القوة. والدست: الصحراء، وهي بالفارسية: دشت، ولم يكن ذهب الى أن في القرآن شيئا من غير لغة العرب. وكان يقول: هو اتفاق بين اللسانين. وخبرنا بمثل ذلك عن أبي عبيدة، عبد الله بن محمد بن هانئ. وكان غيره يزعم ان القسطاس، الميزان بلغة قوم من الروم. والمشكاة: الكوة بلسان الحبشة، والسجيل بالفارسية: " سنك، وكل ". والطور: الجبل بالسريانية. واليم: البحر بالسريانية. وأراد ابن عباس بقوله إذا بعتم السرق فلا تشتروه: إذا بعتموه نسيئة فلا تشتروه ممن ابتاعه منكم بنقد. وليس يكره هذا في الحرير خاصة دون غيره، ولكنه في جميع الأشياء. ولا أراه خص الحرير في هذا الحديث، الا أنه بلغه عن تجار انهم يبيعونه نسيئة ثم يشترونه نقدا ممن باعوه منه بدون الثمن. * * * 7 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه لما بايع الناس عبد الله بن الزبير، قلت: أين المذهب عن ابن الزبير أبوه حواري الرسول عليه السلام، وجدته عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، صفية بنت عبد المطلب، وعمته خديجة بنت
[ 99 ]
خويلد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالته أم المؤمنين عائشة، وجده صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه، وأمه أسماء ذات النطاقين، فشددت على عضده، ثم أثر علي الحميدات والتويتات والأسامات. فبأوت بنفس ولم أرض بالهوان، ان ابن أبي العاص مشى اليقدمية، ويقال: القدمية وان ابن الزبير مشى القهقرى. وفي حديث آخر، ان ابن الزبير لوى ذنبه ثم قال لعلي ابن عبد الله بن عباس: الحق بابن عمك، فغثك خير من سمين غيرك، ومنك أنفك وان كان أجدع، فلحق علي بعبد الملك بن مروان، فكان آثر الناس عنده. يرويه سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة. ويروى أيضا بعض هذه الألفاظ يحيى بن سعيد الأموي عن الاعمش. قوله: مشى اليقدمية، أي: تقدم بهمته وأفعاله. يقال: مشى فلان القدمية، والقدمية. وان ابن الزبير القهقرى: أي: نكص على عقيبة، وتأخر عن ما تقدم له الآخر. وقوله: فبأوت بنفسي، أي: رفعتها وعظمتها. وأصل البأو، التعظيم والتكبر. ومنه قول عمر في طلحة بن عبد الله: " لولا بأوفيه " وأما قوله: أثر علي الحميدات والتويتات والأسامات. فانه أراد آثر قوما من بني أسد بن عبد العزى من قرابته وكأنه صغرهم وحقرهم. قال الأصمعي: هم الحميديون من بني اسد من قريش. وابن أبي العاص عبد الملك بن مروان، نسبه الى أبي جده. قال عبد الله بن الزبير الأسدي، في هذا المعنى: " من الطويل " مشى ابن الزبير القهقرى وتقدمت * أمية حتى أحرزوا القصبات يريد: قصبات السبق. * * * 8 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه انه ذكر ابراهيم
[ 100 ]
عليه السلام حين جاء باسماعيل وهاجر فوضعهما بمكة في موضع زمزم، ثم تركهما، فلما ظمئ اسماعيل جعل يدحض الأرض بعقبيه، وذهبت هاجر حتى علت الصفا الى الوادي، والوادي يومئذ لاح. حدثنيه أبي حدثنيه محمد بن ابن عائشة عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. اللاح: الضيق. يريد أن ذلك كان بكثرة الشجر والحجارة، ثم وسع بعد، ومن هذا يقال: لححت عينه، إذا التصقت. ويقال: مكان لحح، أي: ضيق ولاح. وقال الشماخ يذكر العينين: بخوصاوين في لحح كنين يريد: عينين في موضع لحح، أي: ضيق، يعني مستقرهما. * * * 9 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس، أنه سئل عن المد والجزر، فقال: ملك موكل بقاموس البحار، فإذا وضع قدمه فاضت، وإذا رفعها غاضت. حدثنيه أبي حدثنيه ابن مرزوق عن محمد بن عمرو بن معتمر بن سليمان عن صباح عن أشرس عن ابن عباس. القاموس من البحر: وسطه ومعظم مائة. وهو " فاعول " من القمس، والقمس: الغوص. ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " انه رجم رجلا ثم صلى عليه، وقال: انه الآن لينقمس في رياض الجنة ". وفي حديث آخر: " في أنهار الجنة ". والقلمس: البحر نفسه، وهو الرجاف أيضا، وأنشدني عبد الرحمن عن عمه: " من الكامل " المطعمون الشحم كل عشية * حتى تغيب الشمس في الرجاف
[ 101 ]
قال: وكان يقول في قول لبيد: حتى إذا القت يدا في كافر أنه البحر وغيره يقول: الليل. * * * 10 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه قال كان أهل الكتاب لا يأتون النساء الا على حرف. وكان الأنصار قد أخذوا بذلك من صنيعهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا. بلغني عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن محمد بن اسحق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس. قوله: يشرحون النساء، يعني: يفتحونهن. ومنه يقال: شرحت لك الأمر إذا بينته. انما هو فتحك ما انغلق منه واحسب قولهم: شرحت اللحم، من ذلك انما هو فتحته. ومنه قول الله جل وعز: يشرح صدره للاسلام أي يفتحه. * * * 11 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، ان رجلا قال له: ان في حجري يتيما، وان له ابلا في ابلي، وأنا أمنح ابلي وأفقر، فما يحل لي من ابله فقال: ان كنت ترد نادتها، وتهنأ جرباها، وتلوط حوضها، فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك حلبا، أو قال: في حلب. يرويه سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أبن عباس. بلغني، ان شرط الراعي فيما بينه وبين من استرعاه ماشيته، أن يقول المسترعي للراعي: ان عليك أن ترد ضالتها، وتهنأ جربتها، وتلوط حوضها، ويدك مبسوطة في الرسل، ما لم تنهك حلبا، أو تضر بنسل، فيقول عند ذلك الراعي لرب الماشية: ليس لك، أن تذكر امي بخير ولا شر، ولك حذفة بالعصا
[ 102 ]
عند غضبك، أخطأت أم اصبت، ولي مقعدي من النار، وموضع يدي من الحار هذا ما يروى عنهم. ولست أدري أهذا مأخوذ من كلام ابن عباس، ام أخذ ابن عباس ما قال من هذا الشرط. أما قوله: امنح وأفقر، فقد فسرناه فيما تقدم. وقوله: تلوط حوضها، أي تطينه، وأصل اللوط، اللصوق، أي: تلصق الطين به، ومنه قيل: فلان ألوط بقلبي منك وفيه لغة أخرى: لاطيليط، وهو أليط بقلبي. وأنشدني ابن حبان عن أبيه عن أبي زيد: الا قالت بهان فلم تابق * نعمت ولا يليط بك النعيم ومنه حديث عمر رضي الله عنه: " أنه كان يليط أولاد الجاهلية، بمن أدعاهم في الاسلام ". ويقال: هو يمدر حوضه، إذا أخذ المدر فسد به حصاص ما بين حجارته. قال بعض الأعراب: " من الكامل " خلق السماء وأهلها في جمعة * وأبوك يمدر حوضه في عام وقوله: ما لم تنهك حلبا، أي: ما لم تستوعب ما في الضرع وتستقصيه، فتضر بالولد. وانما رخص له في شرب فضل اللبن. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم للمعذرة، وهي الخافضة: " أشمية ولا تنهكيه، فانه أحظى لها عند البعل " يقال: عذرت الغلام وأعذرته، إذا ختنته. ونهكت الناقة في الحلب: جهدتها، ومنه النبي صلى الله عليه وسلم، أن أمر ضرار ابن الأزور، أن يحلب ناقة، وقال له: " دع داعي اللبن لا تجهدن ". يريد: دع في الضرع منه شيئا يستنزل اللبن، ولا تنهكه حلبا، فينقطع أو يقل. وليس هذا من المعنى المذموم في شئ، انما المعنى المذموم عندهم: الكسع والتغزير. والكسع أن تنصح الضرة بماء بارد، ثم تضرب
[ 103 ]
بالكف صعدا، لتصعد الدرة في الظهر، فيكون طرقا لها في العام المقبل، وقوة في وقتها ذلك. قال الحارث بن حلزة: " من السريع لا تكسع الثول بأغبارها * انك لا تدري من الناتج واصبب لأضيافك من رسلها فان شر اللبن الوالج والأغبار، جمع غبر، وهو بقية اللبن في الضرع. يقول: لا تفعل هذا فانك لا تدري لعلك تموت أو يغار على ابلك فيذهب بها: فيصير مهنؤها لغيرك. وقال بعض الرجاز يذم رجلا: " من الرجز أكبر ما نعلمه من كفره * أن كلها يكسعه بغبره ولا يبالي وطئها في قبره سمع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الابل والغنم إذا لم يؤد صاحبها الحق عليه فيها، بطح لها بقاع قرقر فوطئته ". يقول: فهذا لا يبالي أن تطأ بعد موته. ويقال: جهدت الرجل أيضا في السؤال، إذا ألححت عليه، ولبن مجهود، أي: منتهك. قال الشماخ، وذكر ابلا بالغزارة: " من البسيط " تضحى وقد ضمنت ضراتها غرقا * من ناصع اللون حلو غير مجهود ويروى: حلو الطعم مجهود. والمجهود في هذه الرواية: المشتهى. يقال: جهد الطعام إذا اشتهي. قال أبو جعفر عن أبيه: غرقا، جمع غرقة، وهو دفعة من اللبن. وكذلك
[ 104 ]
الكثبة. ناصع: أبيض: غير مجهود: أي ينهك. ولا يجهد في الحلب وطلب الدرة، أي هو يتحلب عفوا. * * * 12 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه قال: ما رأيت أحدا كان أخلق للملك من معاوية. كان الناس يردون منه أرجاء واد رحب ليس مثل الحصير العقص يعني: ابن الزبير، ويروى: الحصر العصعص. يرويه عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن ابن عبا س. قوله: يردون منه أرجاء واد واسع لا يضيق على من ورده ليشرب. والرجا: حرفه وشفيره. والحصر: الممسك البخيل. قال الشاعر: " من الكامل ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا * حصرا بسرك يا أميم ضنينا أراد: بخيلا بسرك، والحصور: الضيق من الرجال والعقص: السئ الخلق، المتلوي العسر. وفيه لغة أخرى: عكص. والشكس مثله. وقال ذو الرمة: " من الوافر " ولا عقصا بحاجته ولكن * عطاء لم يكن عدة مطالا * * * 13 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس، ان الحسن ذكره فقال: كان أول من عرف بالبصرة، صعد المنبر فقرأ " البقرة " و " آل عمران " وفسرهما حرفا حرفا. وكان مثجا يسيل غربا. يرويه سفيان عن أبي بكر الهذلي عن الحسن. قوله: وكان مثجا، هو من الثج، والثج: السيلان. ومنه قول رضي الله جل وعز عنه: وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا يريد: انه يصب الكلام صبا.
[ 105 ]
وقوله: يسيل غربا، أي: يسيل فلا ينقطع: يقال: بعينه غرب، إذا كانت تسيل فلا تنقطع دموعها. قال الشاعر: " من الرجز ما لك لا تذكر أم عمرو * الا لعينيك غروب تجري قال أبو زيد: الغروب: الدموع حين تخرج من العين. والغربان من كل عين، مقدمها ومؤخرها. قال الأصمعي: وأصل هذا كله: الدلو. والغرب في غير هذا حد الشئ. ويقال في الرجل غرب أي: حدة ومنه حديث لابن عباس آخر، سئل عن السلف فقال: " أعن أبي بكر كان والله برا تقيا من رجل كان يصادى منه غرب ". وسئل الحسن عن القبلة للصائم فقال: " اني أخاف عليكم غرب الشباب ". وقالت عائشة رضي الله عنها: " لم أر امرأاة خيرا ولا أكثر صدقة وأوصل لرحم، وأبذل لنفسها في كل شئ يتقرب به الى الله جل وعز، من زينب، ما عدا سورة من غرب كان فيها، توشك منها الفيئة " تريد: كل خلالها محمودة، ما خلا سورة من حدة والسورة والثورة، واحد. يقال: ساريسور، ومنه قيل: ساوره الأسد. وقيل للمعربد: سوار. قال الأخطل: " من البسيط وشارب مربح بالكأس نادمني * لا بالحصور، ولا فيها بسوار ومنه يقال: بهذا الشراب سور. وقولها: توشك منها الفيئة، أي: يتسرع منها الرجوع.
[ 106 ]
وقوله: يصادي، أي يدارى. والمصاداة والمدالاة والمداجاة والمراداة والمداملة، كل هذا في معنى المداراة. * * * 14 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس، أن أبا بشامة قال، قلت له: اني قلت حية وأنا محرم، فقال: هل بهشت اليك. قال، قلت: لا. قال: لا بأس بقتل الأفعو، ولا برمي الحدوه. قال: فما نسيت خلاف كلامه لكلامنا. يرويه روح بن عبادة عن عمران بن حديرعن منقر أبي بشامة. قوله: هل بهشت اليك. يريد: هل أقبلت اليك تريدك يقال: قد بهش فلان الى كذا، إذا خف إليه يريده. قال الشاعر: " من الطويل " سبقت الرجال الباهشين الى العلى ومنه الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرسل أبا لبابة الى اليهود، فبهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه. وأما قوله: الأفعو، فان الواو قد يبدلها بعض العرب من الألف آخرا، فيقولون: أفعو، وحبلو. ذكر ذلك سيبويه وغيره. * * * 15 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه انه قال: ان الله جل وعز، أوحى إلى البحر أن موسى يضربك فأطعمه، فبات وله أفكل. يرويه ابن عيينة عن ابراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس. الأفكل: الرعدة. قال النمر: " من الطويل " أرى أمنا أضحت علينا كأنما * تجللها من نافض الورد أفكل يريد: انها غضبت حين رأته يوثر بألبان ابله، فأرعدت كأن بها حمى.
[ 107 ]
والأرض أيضا: الرعدة. وقال ابن عباس: " أزلزلت الأرض أم بي أرض ". أي: بي رعدة. * * * 16 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس، انه قال: لا تأكلوا من تعاقر الأعراب، فاني لا آمن أن يكون مما أهل به لغير الله. يرويه معاذ عن عوف عن أبي ريحانة. تعاقر الأعراب: عفرهم الابل، وذلك أن يتبارى الرجلان ويتجاوروا، فيعقر هذا ويعقر هذا حتى يعجز أحدهما أو يبخل، ويكون ذلك للناس، فنهى ابن عباس عن أكله، إذ كان رياء وسمعة لم يرد الله بشئ منه. وشبهه بما أهل به لغير الله، أي: أريد به غيره. وقد كان غالب أبو الفرزدق عاقر سحيم بن وثيل الرياحي، ففخر الفرزدق بذلك على جرير، فقال جرير لتميم: " من الطويل " دعوا المجد الا أن تسوقوا كزومكم * وقينا عراقيا، وقينا يمانيا الكزوم: الناقة المسنة. يريد: أن تفخروا بناقة مسنة عقرها غالب، حين عاقره سحيم. وقينا عراقيا، يعني: البعيث، وقينا يمانيا، يعني: الفرزدق. وانما جعل هذا عراقيا وذا يمانيا، لمواضع منازلهما. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم " عن طعام المتباريين أن يؤكل ". * * * 17 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه قال: كان دحية إذا قدم لم تبق معصر الا خرجت تنظر إليه المعصر: الجارية إذا دنت من الحيض، ويقال: هي التي أدركت. قال الشاعر: "
[ 108 ]
قد أعصرت أو قد دنا اعصارها وانما كن يخرجن إليه لجماله. وكان جبريل صلى الله عليه وسلم يشبه به، وإذا خرج المعاصير وهن يحجبن ويمنعن من الخروج، كأن النساء أحرى بالخروج. وقال الفراء في قول الله جل وعز: وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا، وهي السحاب. والأصل: معاصير الجواري، كأنها شبهت بها. وقال أبو عمرو: المعصرات: الكثيرات المطر. ويقال: هي ذوات الأعاصير. 18 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضى الله عنه، انه قال: الجراد نثرة حوت. يرويه وكيع عن سفيان عن أبي خالد الواسطي عن رجل عن ابن عباس. قوله: نثرة حوت، أي: عطسته، ويقال: نشرت الشاة، تنثر نثرا، إذا عطست. والنثرة: الأنف وانما قيل لأول نجم من الأسد نثره الأسد، لأنهم: أرادوا أنفه. وهو من منازل القمر، ونوءه عندهم محمود ومنه قيل للاستشاق: الاسنثار. والذي يراد من الحديث: انه جعل الجراد من صيد البحر بمنزلة السمك، يحل للمحرم أن يصيده ويأكله. 19 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضى الله عنه، أنه سئل: ما في أموال أهل الذمة، فقال: العفو. قوله: العفو، يريد: أنه قد عفي لهم عما فيها من الصدقة، وعن العشر في أرضهم. وقد اختلف الناس في هذا، فكان مالك يقول: ليس عليهم في أرضيهم ولا
[ 109 ]
مواشيهم، ولافي أموالهم شئ، الا ما أمروا به في تجارتهم. والجزية على رؤوسهم، انما الصدقات على المسلمين طهرة لهم. وزكاة لأموالهم، وكان الثوري يري عليهم العشر. * * * 20 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه قال: أربع لا يجنبن: الثوب، والانسان، والأرض، والماء. ذكره لنا اسحق ابن راهويه وفسره بنحو هذا التفسير. قال: الثوب ان أصابه عرق الجنب لم ينجس، وكذلك ان أصابه عرق الحائض. والانسان ان صافحه جنب لم ينجس، وكذلك ان صافحه مشرك أو يهودي أو نصراني. والماء، ان اغتسل فيه جنب أو أدخل يده فيه ينجس. والأرض، ان اغتسل عليها جنب لم تنجس. والجنابة: النجاسة، يقال: أجنبته فأجنب، فهو مجنب. وقال بعضهم: وأصل الجنابة البعد، وكأنه من قولك: جانبت الرجل، إذا أنت قطعته وباعدته. ولج فلان في جناب أهله، إذا لج في مباعدتهم. ولذلك قالوا للغريب: جنب وللغربة: الجنابة. يقا ل: رجل غروب جنب، إذا كان غريبا. ونعم القوم هم لجار الجنابة، أي: لجار الغربة. فسمي الناكح ما لم يغتسل جنبا، لمجانبته الناس وبعده منهم، ومن الطعام حتى يغتسل. كما سمي الغريب جنبا لبعده من عشيرته ووطنه. * * * 21 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه قال: في الرجل يستفيد المال يزكيه يوم يستفيده. يرويه يزيد عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس.
[ 110 ]
لا أعلم أحدا قال بهذا، الا أن يكون للرجل مال قد حال عليه الحول، ووجبت فيه الزكاة، ويستفيد في وقت وجوب الزكاة عليه مالا آخر، فيضمه إليه ويزكيه. وهذا شئ يذهب إليه بعض الفقهاء، وبعضهم يقول: لا زكاة على المستفاد حتى يحول عليه الحول من يوم يستفيده، ولا يرى أن عليه ان يضمه الى ما قد وجبت فيه الزكاة، أو يكون أراد بالمال هاهنا، ما تخرجه الأرض من الحب. فالزكاة فيه واجبة يستفاد، أو في ثمنه يوم يقبض. 22 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه ذكر داود عليه السلام ويوم فتنته، فقال: دخل المحرب وأقعد منصفا على الباب. المنصف: الخادم، والجميع مناصف. تقول: نصفت الرجل، فأنا أنصفه نصافة، إذا خدمته. قال عمر بن أبي ربيعة: " من البسيط " قالت لها ولأخرى من مناصفها * لقد وجدت به فوق الذي وجدا أي: لأخرى من خدمها. 23 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه قال: في قول الله تعالى: وجئنا ببضاعة مزجاة. الغرارة، والحبل، والخرص، والشئ. الخرص: الحلقة، حلقة القرط، وحلقة الشنف، والجمع: أخراص. والخرص أيضا السنان، وجمعه: خرصان. وربما جعلوا الرمح خرصا، والرماح خرصانا. قال أعرابي في حديثه، وذكر قوما أسروا: استزلوهم عن متون الجياد بلببة الخرصان، نزع الدلاء بالأشطان. * * * 24 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه قال: كان الوحي إذا نزل سمعت الملائكة صوت مرار السلسلة على الصفا
[ 111 ]
يرويه حماد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. المرار أصله الفتل، ومنه قيل للحبل مرار، لأنه يمر، أي: يفتل. ويقال: ماررت فلانا، إذا تلونت عليه وخالفته، وهو من الفتل. قال أبو الأسود، وسأل عن رجل: " ما فعلت امرأته التي كانت تشاره وتهاره وتزاره وتماره ". قوله: تزاره من الزر، وهو العض. ومرار السلسلة أن يجر على الصفا فتتلوى حلقها على الصفا، فيسمع صوت ذلك. وان كانت الرواية صوت امرار السلسة بالألف، وهو مصدر: أمررت الشئ إذا أجررته، ومررت به. وأحسبه كذلك، لأني وجدت في حديث حنين " انهم سمعوا صلصلة بين السماء والأرض كامرار الحديد على الطست الجديد ". * * * 25 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، انه كان يقول: إذا أفاض من عنده في الحديث بعد القرآن والتفسير، احمضوا. قوله: أحمضوا هو من الحمض، والحمض ما ملح من النبت. والعرب تلقي الابل في الخلة، وهو ماحلا من النبت. فإذا ملته ألقتها في الحمض. واراد ابن عباس، إذا مللتم من الحديث والفقه، فخذوا في الأشعار وأخبار العرب، لتروحوا بذلك قلوبكم. ونحوه قول الزهري: " هاتوا من أشعاركم، فان الأذن مجاجة، والنفس حمضة. يريد: أنها تشتهي الشئ بعد الشئ، كما تشتهي الابل الحمض بعد الخلة. * * * 26 - وقال أبو محمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، أن أنس ابن سيرين قال: استحيضت امرأة من آل أنس بن مالك، فأمروني، فسألت ابن عباس عن ذلك، فقال: إذا رأت الدم البحراني فليدع الصلاة، فإذا رأت الطهر ولو ساعة من النهار، فلتغتسل ولتصل.
[ 112 ]
يرويه خالد الحذاء عن أنس بن سيرين. الدم: دم الحيض بعينه، لا دم الاستحاضة، وانما سماه بحرانيا لغلظه وشدة حمرته، حتى يكاد يسود، ونسبه الى البحر، والبحر عمق الرحم، وكل عمق وكل شق بحر. ومنه قيل: تبحر فلان في العلم، أي: تعمق فيه وتوسع. قال العجاج وذكر دما: " من الرجز " ورد من الجوف وبحراني أي: عبيط خالص من الجوف، وزاد الألف والنون في النسب، لأنه أراد دم الحيض الغليظ الطبيعي، لا العارض الرقيق في الاستحاضة من عرق يسيل أو ركضة من الشيطان كما روي في الحديث. وكذلك ينسبون الى الخلق والأعضاء فيقولون: رجل رقباني، إذا كان غليظ الرقبة، وجماني إذا كان ذا جمة، وشعراني، إذا كان ذا شعر '. ولو نسبوه الى غير خلقه فيه، لأسقطوا الألف والنون، كرجل أردت أن تنسبه الى شعر عنده، أو شعريطلبه، فتقول: شعري، ولا تقل شعراني. وحدثني أبي قال: حدثني أحنمد بن سعيد عن أبي عبيدة، انه قال هذه امرأة استحيضت ولم تكن تعرف عدد ايام حيضها لاختلافها عليها، فأمرها أن تتعرف ذلك من الدم، فتقعد عن الصلاة ما كان الدم دم الحيض الطبيعي، الذي تراه الحيض من النساء ويعرفنه، فإذا تغير ذلك ورق فهو حينئذ عارض، فتستثفر وتتوضألكل صلاة وتصلي، فان رأت الطهر ساعة من النهار اغتسلت، فانء عاودها دم الاستحاضة توضأت وصلت، كذلك أبدا حتى ترى الدم البحراني ثانية، فتكون حائضا، فتقعد عن الصلاة، ولو كانت هذه المرأة تعرف أيام حيضها لأمرها ان تقعد تلك الأيام عن الصلاة، ثم تستثفروا تصلي، ولم يأمرها بالنظر الى الدم. كمل حديث ابن عباس رضي الله عنه.
[ 113 ]
حديث عمرو بن العاص 1 - وقال أبو محمد في حديث عمرو بن العاص، انه كتب الى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: يا أمير المؤمنين، ان البحر خلق عظيم، يركبه خلق ضعيف، دود على عود، بين غرق وبرق. فقال عمر رضي الله عنه: لا يسألني الله عن أحد حملته فيه. حدثنيه أبي حدثنيه بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي اسحق عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب. البرق: الدهش والحيرة. ومنه قول الله جل وعز: فإذا برق البصر، إذا حار عند الموت. ومن قرأ: " برق " أراد: بريقه إذا شخص، وأراد: ان راكب البحر، اما أن يغرق واما أن يكون فيه مدهوشا حيران. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، انه قال: ان ابن حنتمة بعجت له الدنيا معاها وألقت إليه افلاذ كبدها، ونقت له مختها، وأطعمته شحمتها، وأمطرت له جودا سال منه شعابها، ودفقت في محافلها، فمص منها مصا، وقمص منها قمصا، وجانب غمرتها، ومشى ضحضاحها، وما ابتلت قدماه، ألا كذلك أيها الناس قالوا: نعم. رحمه الله.
[ 114 ]
يرويه حكم بن هشام عن حكم بن عوانة عن أبيه عن عمرو بن العاص. ابن حنتمة: عمر بن الخطاب، وأمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة. وقوله: بعجت له الدنيا معاها، مثل ضربه. أراد: أنها كشفت له عما كان فيها مخبؤا عن غيره. والبعج: الشق والفتح. وألقت إليه أفلاذ كبدها، يعني: كنوزها. وهم يكنون عن المال بأفلاذ الكبد، وهي قطعها، ولذلك يقول: عابر الرؤيا في الكبد انه مال مدفون. والشعاب: الأودية. والمحافل: المواضع التي يحتفل فيها الماء. أي: يجتمع ويكثر. وقوله: فمص منها مصا، أي: نال اليسير. وقمص قمصا، أي: نفر يقال دابة به قماص بكسر القاف. وجانب غمرتها أي: كثرتها. ومشى ضحضاحها، وهو مارق من الماء على وجه الأرض. ومنه: " ان أبا طالب في ضحضاح من نار ". وما ابتلت قدماه. يقول: لم يتعلق منها بشئ. * * * 3 - وقال أبو محمد في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، انه قال لعثمان رضي الله عنه، وهو على المنبر، يا عثمان: انك قد ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمر، فتب. يرويه خالد بن الحارث عن محمد بن عمرو عن أبيه عن أبي علقمة. النهابير: أصله ما أشرف على الرمل، وشق على الراكب ان يقطعه. واحدها نهبور، ويجمع نهابر أيضا. قال نافع بن لقيط: " من الكامل " أعطيك ذمة والدي كليهما، * لأذرفنك الموت، ان لم تهرب ولأحملنك على نهابر ان تثب * فيها وان كنت المنهت تعطب
[ 115 ]
لأذرفنك الموت، أي: لأشرفن بك على الموت. ومنه يقال: ذرف فلان على الستين، أي: أشرف عليها. وروى بعضهم عن علي عليه السلام انه قال: " ها أنا الآن قد ذرفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع ". وهو على هذا التفسير ويحتمل ان يكون لم يبلغها، ولكنه قاربها ويحتمل أن يكون جازها فأرمى عليها. يرويه سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قتل علي عليه السلام وهو ابن ثمان وخمسين. وقال أبو زيد: ذرفت على الستين، وزرقت، ووذمت، وأرميت: زدت. يقول: لأحملنك على مشقات كالنهابير، لا تسلم منها ولو كنت المنهت، وهو الأسد. يقال: نهت ينهت نهيتا. ومنه قيل للمهالك: نهابر. ومنه الحديث: " من أصاب مالا من مهاوش أذهبه الله في نهابر ". والمهاوش: الفتن والاختلاط. * * * 4 - وقال أبو محمد في حديث عمرورضي الله عنه، انه كان في سفر، فرفع عقيرته بالغناء، فاجتمع الناس، فقرأ، فتقرقوا ففعل ذلك وفعلوه غير مرة. فقال: يا بني المتكاء، إذا أخذت في مزامير الشيطان اجتمعتم، وإذا اخذت في كتاب الله تفرقتم. يرويه ابن لهيعة عن أبي الأسود. عقيرته: صوته. قال الأصمعي: وأصل ذلك، أن رجلا قطعت احدى رجليه فرفعها ووضعها على الأخرى وصرخ بأعلى صوته، فقيل لكل من رفع صوته رفع عقيرته. وقد كان يذكر مع ذلك حروفا، قد ذكرتها في مواضع. قال، ومثله قولهم: بيننا وبينهم مسافة، وأصله من السوف. وهو الشم.
[ 116 ]
فكان الدليل بالفلاة ربما أخذ التراب فشمه ليعلم أعلى قصد هو أم على جور، ثم كثر ذلك حتى سموا البعد مسافة. قال رؤبة: إذا الدليل استاف أخلاق الطرق قال، ومثله: العقل في الدية. والأصل: ان الابل كانت تجمع بفناء ولي المقتول وتعقل، فسميت الدية عقلا، وان كانت ورقا، أو عينا. قال، ومثله قولهم: بنى فلان على أهله. والأصل: ان الابل كانت تجمع بفناء ولي المقتول وتعقل، فسميت الدية عقلا، وان كانت ورقا، أو عينا. قال، ومثله، قولهم: بنى فلان على أهله. والأصل: ان كل من أراد منهم الدخول على أهله ضرب عليه قبة. فقيل لكل داخل بأهله بان. ومنه قولهم: ادفعه إليه برمته، وأصله: ان رجلا دفع الى رجل بعيرا بحبل في عنقه. والرمة: الحبل الخلق، فقيل ذلك لكل من دفع شيئا بجملته. وهذا المعنى أراد الأعشى في قوله للخمار: فقلنا له: هذه هاتها * بأدماء في حبل مقتادها أي: بعني هذه الخمرة بناقة برمتها. وقولهم، فلان نسيج وحده، وذلك أن الثوب إذا كان نفيسا لم ينسج على منواله غيره. فإذا لم يكن نفيسا عمل على منواله سدى لعدة أثواب، فقيل ذلك لكل من أرادوا المبالغة في مدحه ". والمتكاء، فيه قولان. يقال: هي التي لا تحبس بولها، فان كانت كذلك، فاني أحسب الحرف من المتك، وهو الخرق. وأبدلت الميم من الباء، كما يقال:: سمد رأسه وسبده، إذا استأصله، كأنها لما لم تمسك بولها خرقاء. ويقال: المتكاء: التي لم تخفض. وروى عن ابراهيم، انه سئل عن رجل قال لرجل: " يابن المتكاء " فقال: لا حد عليه.
[ 117 ]
5 - وقال أبو محمد في حديث عمرو رضي الله عنه، انه له في مرضه الذي مات فيه. كيف تجدك قال: اجدني أذوب ولا أثوب. وأجد نجوى أكثر من رزئي قوله: أذوب ولا أثوب، يريد: ان بدنه يذوب، ولا يرجع شئ مما ذاب. يقال: ثاب جسم فلان بعد النهكة. أي: صلح وعاد. والنجو: الحدث. يقول: هو أكثر من طعمي، فكيف البقاء على هذا. * * * 6 - وقال أبو محمد في حديث عمرو رضي الله عنه، ان معاوية دخل عليه وهو عاتب، فقال: ان العصوب يرفق بها حالبها، فتحلب العلبة. فقال: أجل وربما زبنته فدقت فاه، وكفأت اناءه. أما والله لقد تلافيت أمرك، وهو أشد انفضاجا من حق الكهدل، فما زلت أرمه بواذئله، وأصله بوصائله، حتى تركته على مثل فلكة المدر. يرويه بعض نقلة الأخبار. العصوب، من النوق التي لا تدر حتى تعصب فخذاها، قال الكميت: " من المتقارب " ولم تعط بالعصب منها العصوب الا النهيت والا الطحيرا والطحير والطحر، أن تضرب برجليها. والزبن، أن تدفع الحالب. والانفضاج: الاسترخاء. ومنه يقال: انفضج بطنه والوذائل، جمع وذيلة وهي السبيكة من الفضة، قال الشاعر: " من المنسرح وتريك وجها كالوذيلة لا ضمان مختلج ولا جهم والوصائل: ثياب يمانية. يريد: انه رمه بقطع الفضة، ووصله بهذه الثياب. وهذا مثل ضربه لاحكامه اياه، وتحسينه له. ويجوز أن يكون أراد بالوصائل الصلات، جمع وصيلة.
[ 118 ]
والمدر: الجارية، إذا فلك ثدياها ودر فيهما الماء. والحامل إذا در لبنها مدر أيضا. يقال: أدرت هي ودر اللبن. يقول: كان أمرك ساقطا مسترخيا فأقمته، حتى صال كأنه حلمة في ثدي قد أدر. وأما حق الكهدل، فلم أسمع فيه شيئا ممن يوثق بعلمه. وبلغني انه بيت العنكبوت. وبه يضرب المثل في الوهن والضعف. قال الله جل وعز: وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت ويقال: هو ثدي العجوز. نجز ولله المنة
[ 119 ]
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. 1 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، انه قال: ان أهل النار ليدعون يا مالك، فيدعهم أربعين عاما ثم يرد عليهم " انكم ماكثون " فيدعون ربهم مثل الدنيا فيرد: " اخسؤوا فيها ولا تكلمون "، فما ينبسون عند ذلك، ما هو الا الزفير والا الشهيق يرويه معاذ عن سعيد عن قتادة عن أبي أيوب الأزدي عن عبد الله ابن عمرو. قوله: ما ينبسون، أي: ما ينطقون. وقال ابن أبي حفصة، أنشدت السري بن عبد الله فلم ينبس رؤبة. ومنه قول الشاعر في ناقة: وإذا تشد بنسعها لا تنبس أي: لا ترغو. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، انه قال وهو بمكة: لو شئت لأخذت سبتي فمشيت فيهما، ثم لم أمذح حتى أطأ على المكان الذي تخرج منه الدابة. يرويه العباس بن الوليد عن يزيد عن سعيد عن قتادة.
[ 120 ]
السبت: النعل المدبوغة بالقرظ. وقوله: لم أمذح، هو من المذح، والمذح: أن يصطك الفخذان من الماشي لكثرة لحهما. يقال: مذح يمذح مذحا. وهذا يصيب السمين من الرجال والنساء. وكان عبد الله بن عمرو كذلك. قال الأصمعي في قول الشاعر: " من الوافر " كأن مواضع الربلات منها * فئام ينهضون الى فئام والمراد: إذا عظمت وسمنت، مذحت. وذلك إذا اصطك لحم فخذيها، فكأنه جيشان اصطكا. والربلة: اللحمة الغليظة في باطن الفخذ. فان كان الاصطكاك في الاليتين، فهو المشق، يقال: مشق الرجل مشقا. فان كان في الركبتين، فهو الصكك. يقال: صك يصك صككا، ولذلك قيل للنعامة صكاء. وانما أراد عبد الله، انه مع سمنه لا تصطك فخذاه، حتى يبلغ الموضع لقربه، وهذا مثل حديثه الآخر: " ان نعليه كانتا في يديه، فقال: لو شئت ألا أنتعل، حتى أضع قدمي على المكان الذي تخرج منه الدابة، لفعلت من أجياد مما يلي الصفا ". 3 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن عمرو، أنه قال: الحبة في الجنة، مثل كرش البعير يبيت نافشا. يرويه ابن لهيعة عن جرير عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله ابن عمرو. قوله: نافشا، يعني: راعيا بالليل. يقال: سرحت الابل والماشية بالغداة وراحت بالعشي، ونفشت بالليل. قال الله جل وعز: إذ نفشت فيه غنم القوم وأنفشت الغنم والابل انفاشا، إذا أرسلتها بالليل ترعى، وهي ابل نفاش ونفش
[ 121 ]
4 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: صلاة الاوابين ما بين أن ينكفت أهل المغرب، الى أن يثوب أهل العشاء. يرويه وكيع عن موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن عبد الله بن عمرو الأوابون: التوابون، وأصل الحرف، من آب يؤوب الى كذا، أي: رجع إليه، فقيل للتائب: أواب. لأنه يرجع عن المعاصي. وقوله: ينكفت أهل المغرب، أي: ينصرفون الى منازلهم. واصل الانكفات: الانضمام. ويقال: كفت الشئ، إذا ضممته اليك فانكفت. أي: انضم. ومنه قول الله جل وعز: الم نجعل الأرض كفاتا، أحياء وأمواتا، لأنها تضم الحي والميت. وحدثني أبي، ثنا السجستاني عن الأصمعي، انه قال: يسمى بقيع الفرقد " كفتا " لأنه مقبرة تضم الموتى. قال: ويقال: وقع في الناس في كفت، أي: موت. يريد: انهم يكفتون. أي: يضمون في القبور. ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله جل وعز للكرام الكاتبين: إذا مرض عبدي فاكتبوا له مثل ما كان يعمل في صحته، حتى أعافيه أو أكفته ". والراجع إلى منزله ينضم إليه، فلذلك قيل له: منكفت. وقوله: يثوب أهل العشاء، أي يرجع من يريد العشاء الآخرة الى المسجد. وأراد أن صلاة الأوابين ما بين صلاة المغرب وصلاة العشاء. * * * 5 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أنه ذكر البصرة فقال: أما انه لا يخرج أهلها منها الا الألبة. يرويه عبد الرحمن بن مهدي عن الحكم بن عطية عن عبد الله بن مطر عن قيس بن عباد. قال أبو زيد وغيره: الألبة والجلبة جميعا، المجاعة. قال الهذلي يذكر ضيفا:
[ 122 ]
وكأنما بين لحييه ولبته * من جلبة الجوع جيار وأرزيز والجلبة هاهنا: الأزمة. والجيار: حر يخرج من الجوف. قال الأصمعي: أراد بجيار، جائرا، ولكنه جاء به فعال، يقال: " ان للسم جائرا "، أي: حرارة في الجوف. ومنه قول الآخر: تطالعني من ثغرة النحر جائر وانما قيل للمجاعة ألبة، من التألب، وهو التجمع، كأن الناس في المجاعة يتجمعون ويخرجون أرسالا، كما تسمى المجاعة: قحمة وذلك انها إذا وقعت بالبر أقحمتهم الى الريف. وكذلك. الجلبة، يجوز أن تكون اسما مأخوذا من: أجلبوا وأحلبوا وتألبوا، كله. إذا اجتمعوا، وألبوا غيرهم جمعوهم. * * * 6 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن عمرو، ان قيم أرضه بالوهط، استاذنه في بيع فضل الماء وذكر انه يطلب بثلاثين ألفا فكتب إليه: ان لا تبعه، ولكن أقمء قلدك، ثم اسق الأدنى فالأدني، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع فضل الماء. القلد، يوم السقي ويوم الورد، وقال الأصمعي: الورد يوم الحمى، والقلد، يوم تأتيه الربع. وهذا هو الأصل، والوهط: مال لهم، وأصل الوهط: المطمئن من الأرض. 7 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن عمرو، أنه قال: احرث لديناك كأنك تعيش ابدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. حدثنيه أبو حاتم عن الأصمعي عن حماد بن سلمة عن عبيد الله بن الغيزار عن عبد الله بن عمرو.
[ 123 ]
قوله، أحرث لدنياك، يريد: اجمع. يقال: حرثت واحترثت، ويقال في الاحتراث، اصلاح المال وتثميره. قال كثير: " من المتقارب " بأية اني ما ذكرت * عرفت خلائق مني ثلاثا عفافا ومجدا إذا ما الرجال * تبالوا خلائقهم واحتراثا. أي: جمعا للمال واصلاحا له. والمعنييان متقاربان، ولا أحسب الرجل سمي حارثا الا من هذا. 8 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه انه ذكر الارضين السبع، فوصفها فقال في صفة الخامسة: فيها حيات كسلاسل الرمل وكالخطائط بين الشقايق. السلاسل: رمل منعقد ملتو مستطيل. والشقايق من الرمل، قطع غلاظ، تكون بين جبلي الرمل، واحدها شقيقة. فعيلة في معنى مفعولة. والخطيطة أيضا: الأرض التي لم تمطر بين أرضين قد مطرتا، كأنها خطت بينهما. * * * 9 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه انه قال: يؤتى برجل يوم القيامة، ويخرج له تسعة وتسعون سجلا فيها خطاياه، ويخرج له بطاقة فيها شهادة أن لا اله الا الله فترجح بها. البطاقة، رقعة صغيرة. وهذه كلمة مبتذلة بمصر وما والاها، يدعون الرقعة التي تكون في الثوب، وفيها رقم ثمنه، بطاقة. ولا أدرى من أي شئ أخذ ذلك. والذي دعا الى تفسير هذا الحرف، وهو مبتذل بتلك الناحية، كثرة من سألني عنه، وبلغني انها سميت بطاقة، لأنها تشد بطاقة من هدب الثوب، ولست من هذا على يقين. نجز والحمد لله.
[ 124 ]
حديث عبد الله بن سلام أو عبد الله بن عمر 1 - وقال أبو محمد في حديث عبد الله بن سلام، انه قال: في التوراة، انما بعثك لتمحو الخمر والميسر والمزامير والكنارات، والخمر ومن طعمها، وأقسم ربنا بيمنة وعزة حيله، لا يشربها أحد بعدما حرمتها عليه، الا سقيته اياها من الحميم. حدثنيه أبي حدثنيه محمد بن عبيد عن يزيد بن هرون عن عبد العزيز ابن أبي سلمة الماجشون عن هلال بن ابي هلال عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن سلام، أو عبد الله بن عمرو. الكنارات: يقال هي العيدان التي يضرب بها، ويقال: الدفوف. وقد ذكرها أبو عبيد. وأما قوله: وعزة حيله، فانه أراد، حوله، وهما الحيلة. يقال: ماله حول ولا حيل. وهذا أحول من هذا، وأحيل، أي: أكثر حيلة، ومثله مما يقال بالياء والواو: اني لا أجد له لوطا بقلبي وليطا، وهو ألوط بقلبي وأليط. وفوح الطيب وفيحه، وموث الدواء، وميثه، وهو أن يدوفه، وبينهما بون في الفضل وبين، فأما البعد فهو البين، بالياء لا غير. وأما قول معاوية عند موته: " انكم لتقلبون حولا قلبا، ان وقي هول المطلع " فان الحول: الكثير الاحتيال. والقلب، الكثير
[ 125 ]
التقلب والتصرف. أو التقليب والتصريف للأمور، يدلك على ذلك قول الشاعر الحول، القلب، الأريب ولن * يدفع وقت المنية الحيل نجز بحمد الله.
[ 126 ]
حديث انس بن مالك 1 - وقال أبو محمد في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، ان محمد بن سيرين قال: اصبحنا ذات يوم بالبصرة، ولا ندري على ما نحن عليه من صومنا، فخرجت حتى أتيت أنس بن مالك، فوجدته قد أخذ جذيذة كان يأخذها قبل أن يغدو في حاجته، ثم غدا. حدثنيه أبي قال: ثناه اسحق بن راهويه، ثناه وكيع عن مهدي ابن ميمون عن ابن سيرين. الجذيذة: شربة سويق، وسميت جذيذة، لانها تجذ، أي: تكسر وتجش إذا طحنت، ومنه قول الله جل وعز: فجعلهم جذذا كبيرا لهم، أي: قتاتا، ونحوه: الحطام والرفات، وانما قيل لحجارة الذهب: جذاذ، لأنها تكسر وتسحن قال الهذالي: كما صرفت فوق الجذاذ المساحن والمساحن، حجارة تدق بها حجارة الذهب، واحدها: مسحنة. ويقال أيضا للسويق: جشيش وللشربة منه جشيشة، لأنها، تجش، أي، تكسر وترض. وقول العامة: دشيشة غلط، انما هي: جشيشة، لأنها تجش. وفي حديث الساحرة الذي يرويه ابن جريج عن ابن ابي مليكة عن عائشة:
[ 127 ]
انها قطعت جداول وقالت: أحقل، فإذا زرع يهتز، فقالت: أفرك، فإذا هو قد يبس فقالت: جشي هذا واجعليه سويقا واسقيه زوجك. والذي يراد من الحديث، أن أنسا لما لم ير الهلال أصبح مفطرا، ولم يتلوم على خبر يبلغه، أو على الظن، انه قد رؤي فيتم صومه، وهذا على مذهب من رأى: ان الصوم لا يجزئ الاذ بنية قبل الفجر، ولا يجزئ من أصبح على الشك، يقول: ان صام الناس صمت، وان أفطروا أفطرت. قال اسحق: روينا عن عمر بن عبد العزيز، انه أصبح يومئذ، فلعق لعقة من عسل، ثم شهدوا عنده بالرؤية فقال: من كان أفطر فلييدله، فرأي السنة ترك التلوم. 2 - وقال أبو محمد في حديث أنس رضي الله عنه، انه قال: أنفجنا أرنبا بمر الظهران، فسعى عليها الغلمان حتى لغبوا، فأدركتها، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها، ثم بعت بوركها معي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبلها. يرويه وكيع عن شعبة عن هشام بن زيد. قوله: أنفجنا أرنبا، أي: ذعرناه فعدت، وهذا كما يقول: أعرق الفرس، تريد: أعده، لأنه إذا عدا عرق. فتكتفي بذكر العرق من ذكر العدو. وكذلك الأرنب، إذا أثيرت انتفجت، فاكتفى بذكر الانتفاج من ذكر العدو. وقال عبيدالله بن زيادة، حيث بعث رسوله ليأتيه بالكتاب الذي فيه حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الحوض: " أعرق الفرس حتى تأتيني بالكتاب " وقال المرقش الأصغر وذكر فرسا: " من شهدت به في غارة مسبطرة * يطاعن أولاها فئام مصبح كما انتفجت من الظباء جداية * أشم إذا ذكرته الشد أفيح مسبطرة: منقادة. والمصبح: المغار عليه في الصبح، كما انتفجت جداية،
[ 128 ]
يقول: نشاط هذا الفرس وحدته، كحدة جداية من الظباء إذا ذعر فعدا. إذا ذكرته الشد، أي: اردته منه وحملته عليه. والشد: العدو. أفيح، واسع في الجري. والجداية: الرشاء. وقد ذكرناه فيما تقدم. وأما الحديث الآخر، في فتنتين: " تكون الأولى منهما في الأخرى كنفجة أرنب " فانه يراد، ان الأولى منهما وان طالت أو عظمت، قصيرة أو خفيفة عند الثانية، كنفجة الأرنب إذا ذعرت. * * * 3 - وقال أبو محمد في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، انه قال: كان الرجل إذا قرأ " البقرة " و " آل عمران " جد فينا. يرويه يزيد عن حميد عن أنس. قوله: جد فينا، أي عظم في صدورنا، ومنه يقال: " تعالى جد ربنا " أي: عظمته. والجد في غير هذا، الحظ. يقال: لهذا الرجل جد في كذا، أي: حظ. ورجل مجدود. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ولا ينفع ذا الجد منك الجد ". * * * 4 - وقال أبو محمد في حديث أنس رضي الله عنه انه قال: رأيت الناس في امارة أبي بكر رضي الله عنه، جمعوا في صردح ينفذهم البصر، ويسمعهم الصوت ورأيت عمر رضي الله عنه مشرفا على الناس. يرويه عبد الملك بن عمير بن أنس. الصردح: الأرض الملساء، وجمعها: صرادح، وكذلك: الصحصح والصحصحان. وقوله: ينفذهم البصر، قال الاصمعي: يجوزهم البصر، وان كانت الرواية: ينفذهم بضم الباء، فانه يريد: يخرقهم حتى يبلغ آخرهم، ويراهم كلهم. * * *
[ 129 ]
5 - وقال أبو محمد في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه انه قال: ان الضب ليموت هزلا في حجره بذنب ابن آدم. يرويه عمر بن يونس عن هلال بن جهم عن اسحق بن أبي طلحة عن أنس. يريد: ان الله عز جل يمسك السماء فلا تمطر بذنب ابن آدم، حتى ينال ذلك أحناش الأرض والهوام، وانما خص الضب من بين جميع دواب الأرض، لأنه أبقى شئ ذماء، وأصبر شئ على الجوع. ويزعمون انه يبلغ بالنسيم، وانه مع هذا، طويل العمر. ويقال: انه يأكل حسوله، ولذلك قيل في المثل: " أعق من ضب " قال الشاعر: أكلت بنيك أكل الضب حتى * تركت بنيك ليس لهم عديد وأما خداش بن زهير: فان سمعتم بجيش سالك سرفا * أو بطن مر، فأخفوا الجرس واكتتموا ثم ارجعوا فأكبوا في بيوتكم * كما أكب على ذي بطنه الهرم فان الهرم هاهنا، الضب، جعله هرما لطول عمره، وذو بطنه فيه ثلاثة أقاويل: يقال: انه ولده، كأنه قال: ارجعوا عن الحرب التي لا تستطيعونها، الى ذراريكم. ويقال: ذو بطنه، بعره، وانه إذا شتا ولم يجد شيئا، أكل بعره. ويقال: ذو بطنه، قيئه، وانه يقئ ثم يرجع فيأكله، كما يفعل الكلب والسنور.
[ 130 ]
وروى في حديث آخر: " ان الحبارى لتموت هزلا بذنب ابن آدم ". وانما خصت الحبارى من بين الطير، لأنها أبعدها نجعة، بلغني أنها تذبح بالبصرة، فتوجد في حواصلها الحبة الخضراء صحاحا، وبين البصرة وبين منابت البطم مسيرة أيام وأيام. * * * 6 - وقال أبو محمد في حديث أنس رضي الله عنه، أنه كان يقيم بمكة، فإذا حمم رأسه خرج فاعتمر. يرويه سفيان عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس. قوله: حمم راسه، اي: نبت بعد الحلق. وذلك حين يسود، يقال: قد حمم الفرخ، إذا اسود جلده من الريش. وكذلك تحميم الرأس، وهو أن يسود من قبل أن يطول الشعر، ويقال: حمم وجه الغلام، قال كثير: وهم بناتي ان يبن وحممت * وجوه رجال من بني الأصاغر ومعنى الحديث، انه كان لا يؤخر العمرة الى المحرم، ولكنه يخرج الى التنعيم، أو الى الجعرانة أو الى ميقاته. وليس على من أهل بعمرة الى الحج، أن يخرج من مكة إذا أراد أن يهل بالحج، ولكنه يهل فيها من حيث شاءه. * * * 7 - وقال أبو محمد في حديث أنس رضي الله عنه انه كان شفرة أصحابه في غزاة. يرويه يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن خالد بن الفزر عن أنس. شفرة أصحابه، يعني: خادمهم. ويقال: شفرة القوم أصغرهم، يراد اولاهم بخدمتهم أصغرهم. نجز والحمد لله وحده.
[ 131 ]
حديث البراء بن مالك 1 - وقال أبو محمد في حديث البراء بن مالك رضي الله عنه، انه قام يوم اليمامة لخالد بن الوليد أو غيره: طدني اليك. وكانت تصيبه عرواء مثل النفضة حتى يقطر. قوله: طدني اليك، أي: ضمني اليك، من قولك: وطد يطد والمثبت والموطد، واحد. وكان حماد بن سلمة يروى: اللهم أشدد وطدتك على مضر ". وغيره يقول: " وطأتك ". وقال القطامي: وما تقضت بوافي دينها الطادي قال الأصمعي: الطادي صفة الدين. والأصل: واطد، ولكن هذا من المقلوب، وهو شاذ. والعرواء: الرعدة هاهنا، وأصله في الحمى حين تأخذه بقرة. يقال: عري الرجل فهو معرو، فإذا عرق فهي الرحضاء. نجز والحمد لله. * * *
[ 132 ]
حديث البراء بن عازب 1 - وقال أبو محمد في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، انه سئل عن يوم حنين فقال: انطلق جفاء من الناس وحسر الى هذا الحي من هوازن، وهو قوم رماة، فرموهم برشق من نبل، كأنها رجل جراد، فانكشفوا. يرويه أبو أسامة عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي اسحق عن البراء. الجفاء هاهنا، سرعان الناس، شبههم بجفاء السيل من قول الله جل وعز: فأما الزبد فيذهب جفاء، وهو ما جفأه. السيل فرمى به. وأصله الهمز، تقول: جفأته جفأ، أي دفعته. وروى أبو عبيدة عن أبي عمرو، انه قال: يقال أجفأت القدر بزبدها، إذا غلت فعلاها الزبد. والحسر: جمع حاسر، وهو الذي لا جنة عليه، وكأنه يريد: الرحالة، وقد تقدم ذكر هذا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
[ 133 ]
حديث معاوية بن أبي سفيان 1 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، أنه قال لرجل: كم عطاؤك قال: ألفان وخمس مائة، فقال: ما بال العلاة بين الفودين، فقال: أموت الآن فيكون لك العلاة والفودان، فرق له، وترك له عطاءه على حاله. الفودان: العدلان، كل واحد منهما فود، ويقال لجانبي الرأس: فودان، كل شق فود. والعلاوة: مازيد على الحمل ووضع فوقه. أراد: ما بال خمس مائة زائدة على ألفين. وأراد أن يحطه اياها. وبلغني ان هذا الرجل، هو لبيد بن ربيعة الشاعر. * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، انه قال: أي الناس أفصح فقام رجل فقال: قوم ارتفعوا عن فراتية العراق، ويروى: لخلخانية العراق، وتياسروا عن كسكسة بكر، وتيامنوا عن كشكشة تميم، ليست فيهم غمغمة قضاعة ولا طمطمانية حمير. قال: من هم قال: قومك قريش. قال: ممن أنت قال: من جرم. حدثنيه أبي قال حدثنيه سهل بن محمد عن الأصمعي عن شعبة عن قتادة.
[ 134 ]
اللخلخانية: العجمة. يقال: رجل لخلخاني، وامرأة لخلخانية. وأراد النبطية هاهنا والخوزية. والكشكشة في تميم، وهو ابدالها الشين من الكاف، كقول أعرابي منهم: تضحك مني ان رأتني أحترش * ولو حرشت لكشفت عن حرش أراد: حرك. يقال: فلان يكشكش الكلام، وفي تميم أيضا: العنعنة، وهي ابدالهم العين من الهمزة، في: " أن "، يقولون: ظننت عنك ذاهب، يريدون: ظننت أنك. وفي حديث قيلة: " تحسب عني نائمة ". أي: تحسب أني. وينشد بعضهم: أعن ترسمت من خرقاء منزلة * ماء الصبابة في عينيك مسجوم يريد: " أأن " والكسكسة: ابدال السين من الكاف. وبلغني عن الكسائي في ذلك حكاية لست أحفظها. وقال الفراء: يقولون: أبوس وأمس، يريدون: ابوك وأمك في مخاطبة المؤنث. والغمغمة، كلام غير بين، وهو التغمغم أيضا، وكأن في الغمغمة حكاية اللفظ، قال العجاج: كأنهم من فائظ مجرجم * أراح بعد الغم والتغمغم أراح: أي: مات. وقال المسيب بن علس: " من الكامل كغماغم الثيران بينهم * ضرب تغمص دونه الحدق
[ 135 ]
وغماغمها، أصوات لا تفهم، والطمطمانية، والطمطمانة للعجم، يقال: طمطم، بالفارسية، شبه به كلام حمير لكثرة ما فيه من الألفاظ المنكرة عند العرب، مثل ابدالهم الميم من لام المعرفة، كقول أبي هريرة رضي الله عنه: " طاب أم ضرب " يريد الضرب. ويقال: للعجم طماطم، كما قال كثير يصف خيلا: " من الطويل " ومقربة دهم وكمت كأنها * طماطم يوفون الوفور هنادك أراد: هندا، فزاد كافا. وقالوا: سيوف هندكية. يريدون: هندية. وأما العجرفية: فانها تكون في أعراب قيس واليمن، وهي جفاء في القراءة والكلام. وقال الهمذاني: " جلست الى فتية من قريش أتعلم القرآن، وفي عجرفية أهل اليمن، فجعلوا يضحكون ". والعجرفية في السير أيضا جفاء وخرق. وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي: " من المتقارب " ومن سيرها العنق المسبطر * والعجرفية بعد الكلال قال: وقال الأصمعي حين حدث بهذا الحديث، وجرم من فصحاء الناس، فقلت له: فكيف وهم من أهل اليمن فقال: بجوارهم مضر. * * * 3 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، انه قال لقوم قدموا عليه: كلوا من فحى أرضنا، فقلما أكل قوم من فحاء أرض فضره ماؤها. يرويه يونس بن اسحق عن أبي السفر عن عبد الرحمن بن أبي ثور. الفحا، مقصور وجمعها: أفحاء، وهي التوابل التي تلقى في القدر، نحو: الثوم والبصل وأشباه ذلك. يقال: فحيت القدر، إذا بزرتها. * * *
[ 136 ]
4 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، ان ابن الزبير قال له: انا لا ندع مروان يرمي جماهير قريش بمشقصة، ويضر صفاتها بمعوله، ولولا مكانك لكان أخف على رقابنا من فراشة، واذل في أنفسنا من خشاشة، وأيم الله لئن ملك أعنة خيل تنقاد له، ليركبن منك طبقا تخافه. وقال معاوية: يا معشر قريش، ما أراكم منتهين حتى يبعث الله عليكم من لا تعطفه قرابة، ولا يذكر رحما، يسومكم خسفا ويوردكم تلفاص، فقال ابن الزبير: اذن والله نطلق عقال الحرب بكتائب تمور كرجل الجراد، حافتيها الأسل، لها دوي كدوي الريح، تتبع غطريفا من قريش، لم تكن أمه براعية ثلة. فقال معاوية: أنا ابن هند، أطلقت عقال الحرب، المكرم ذروة السنام، وشربت عنفوان المكرم، إذ ليس للآكل الا الفلذة، ولا للشارب الا الرنق أو الطرق. جماهير قريش، جماعاتها ومعاظمها، يقال: جمهرت الشئ أي: جمعته. والمشاقص، السهام، واحدها مشقص. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " ان رجلا اطلع عليه فسدد إليه مشقصا، فرجع ". والمشقص أيضا: نصل من نصال السهام، فيه طول، فان كان عريضا فهو معبلة، ومنه الحديث: " ان الطفيل ابن عمرو الدوسي، هاجر الى المدينة وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة فمرض، فجزع فأخذ مشاقص له فقطع به براجمه، فشخبت يداه حتى مات ". قال أبو زيد: يقال اجتويت الأرض، إذا كرهت المقام بها، وان كنت في عافية، وان لم توافقك في بدنك قلت: استوبلتها. والبراجم، رؤوس السلاميات من ظهر الكف، إذا قبض القابض كفه، نشزت وارتفعت، والرواجب: بطون السلاميات والصفاة: الصخرة. وجمعها: صفا، وصفي جمع الجمع.
[ 137 ]
والفراشة: واحدة الفراش الذي يتهافت في النار، وبه يضرب المثل في الخفة والطيش، فيقال: ما هم الا فراش نار، وذبان طمع. والخشاشة: واحدة الخشاش، وهي الهوام، ومنه الحديث: " في امرأة دخلت النار في هرة ربطتها، فمل تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض. وقوله: ليركبن منك طبقا. والطبق فقار الظهر، وكل فقرة طبقة، وهذا نحو قول عائشة رضي الله عنها في عثمان: المركوبة منه الفقر الأربع " والمعنى: ليركبن منك أمرا أو حالا. وقوله: يسومكم خسفا، وأصل الخسف، ان تحبس الدابة على غير علف، ثم يستعار فيوضع في موضع التذليل والهوان، وأشباه ذلك. وقال الأصمعي رحمه الله: الخسف، النقصان. وفي خطبة علي عليه السلام، حين قتل عامله على الأنبار: " من ترك الجهاد ألبسه الله الذلة، وسيم الخسف، وديث بالصغار ". والتدييث: كالتذليل، وقوله: تمور، أي تجئ وتذهب. وقال عكرمة، لما نفخ في آدم عليه السلام: " الروح مار في رأسه فعطس "، أي: دار. ورجل الجراد: القطعة. ومنه يقال: مر بنا رجل من جراد. ولا واحد له من لفظه. وقوله: لم تكن أمه براعية ثلة، والثلة: الضأن الكثير، ولا تكون من المعز، وقد تقدم ذكر ذلك. فإذا ضممت الثاء فقلت: الثلة، فهي الجماعة من الناس. قال الله جل وعز: ثلة من الأولين وثلة من الآخرين. وكان رعي الغنم عندهم في النساء عيبا يعير بعضم بعضا به. قال الشاعر: " من الطويل " إذا المرء صدت أمه وتقبلت * فليس حقيقا أن يقول الهواجرا يقول: من كانت امه راعية تصر وتحلب، فليس ينبغي له أن يشتم الناس ويعيرهم. وقال الآخر:
[ 138 ]
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها * بني شاب قرناهاتصر وتحلب أراد: بنى التي شاب قرناها، وهي تصر وتحلب. وذروة السنام والجبل، كل شئ أعلاه. وفي الحديث: " على ذروة كل بعير شيطان ". وكان جرير بن عبد الله رضي الله عنه، يتفل في ذروة البعير لطوله. وعنفوان المكرع: أول الماء، وأراد: انه عز فشرب أول الماء، وشرب غيره الرنق، وهو الكدر، يعني: آخر الماء. وأكل أعلى السنام وأكل غيره الفلذة، وهي الكبد، وهذا مثل. والطرق من الماء، الذي خاضته الابل فكدرته، وبالت فيه. * * * 5 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، أن الشعبي وصفه فقال: كان كالجمل الطب، يأمر بالأمر، فان سكت عنه أقدم، وان رد عنه تأخر. يرويه أبو بكر ابن عياش عن أبي حمزة الثمالي عن الشعبي. الطب: الحاذق، يقال: فلان طب بكذا، وطيب به، إذا كان حاذقا. والطب من الابل: الحاذق مشيه ' وحذقه: ألا يضع خفه الا حيث يبصر. وقد روي عن معاوية نحو هذا. قال له عمرو بن العاص: قد أعياني أن أعلم: أجبان أنت أم شجاع فقال: " من الطويل " شجاع إذا ما أمكنني فرصة * والا تكن لي فرصة فجبان وقال أيضا: لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت. قيل: وكيف ذلك
[ 139 ]
قال: كنت إذا مدوها خليتها، وإذا خلوها مددتها. وهذا شبيه بالحديث الأول. * * * 6 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، ان مازح الأحنف بن قيس مرة، فما رئي مازحان أوقر منهما. قال له يا أحنف: ما الشئ الملفف في البجاد فقال: هو السخينة يا أمير المؤمنين. حدثنيه أبي حدثنيه أبو حاتم عن الأصمعي. قال الأصمعي: أراد معاوية قول الشاعر: " من الوافر " إذا ما مات ميت من تميم * فسرك أن يعيش فجئ بزاد بخبز أو بتمر أو بسمن * أو الشئ الملقف في البجاد قال: والشي الملفف في البجاد، وهو: وطب اللبن، والبجاد: كساء يلف فيه الوطب ليدرك اللبن. وأراد بقوله: هو السخينة، ان قريشا كانوا يعيرون بأكل السخينة. وهي شئ يعمل من دقيق وسمن، أغلظ من الحساء، وأرق من العصيدة. وانما تؤكل في شدة الدهر وغلاء السعر وعجف المال. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " انه دخل على عمه حمزة رحمة الله عليه، فصنعت له سخينة، فأكلوا منها ". وسموا قريشا سخينة، تعييرا لهم بها. قال خداش بن زهير: " من البسيط " يا شدة ما شددنا غير كاذبة * على سخينة لولا الليل والحرم يعني: على قريش. وقال كعب:
[ 140 ]
زعمت سخينة أن ستغلب ربها * وليغلبن مغالب الغلاب وأما حديثه الآخر، ان عتبان بن مالك، حبسه على خزيرة تصنع له. فان الخزيرة، لحم يقطع صغارا ويصب. " عليه " ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه الدقيق، فإذا لم يكن فيها لحم فهي عصيدة. واللفيتة: العصيدة المغلظة. وفي حديث آخر، يرويه محمد عن أنس، انه كان عند أم سليم شعير، فجشته، فجعلت للنبي صلى الله عليه وسلم خطيفة، وأرسلتني أدعوه. والخطيفة، لبن يوضع على النار، ثم يذر عليه دقيق ثم يطبخ، فيلعقه الناس. وأحسبه سمي خطيفة، لاختطاف الناس اياه بالملاعق، والاختطاف كالاستلاب. ومنه قيل لما تخرج به الدلو من البئر: خطاف لأنه يخطف ما علق به. * * * 7 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، ان رجلا قال: خاصمت إليه في ابن أخي، فجعلت أحج خصمي، فقال: لست كما قال الشاعر: " أني أتيح له حرباء تنضبة * لا يرسل الساق الا ممسكا ساقا رواه الرياشي عن عباس الأزرق عن السري بن يحيى عن قتادة. قال الرياشي: وذلك ان الحرباء يستقل على نصف الشجرة، ثم يرتقي على أغصانها إذا حميت الهاجرة، فيقبض على الغصن بكفه، ثم يرتقى الى غصن أعلى منه، فلا يرسل الأول حتى يقبض على الآخر، وهذا مثل يضرب للرجل، لا يفرغ من حاجة حتى يسأل أخرى. واراد معاوية، ان هذا لا تنقضي له حجة حتى يتعلق بأخرى. * * * 8 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، انه قال كيف ابن
[ 141 ]
زياد قالوا: ظريف على أنه يلحن، فقال: أو ليس ذلك أظرف له. حدثنيه أبي حدثنيه أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قولهم: يلحن. أرادوا: اللحن الذي هو الخطأ. وذهب معاوية الى اللحن الذي هو الفطنة. والأول بسكون الحاء، والثاني بفتحها. يقال: رجل لحن، إذا كان فطنا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض الآخر. وقول الله تعالى: ولتعرفنهم في لحن القول أي: في قصده ونحوه. وقال ابن أحمر: " من وتعرف في عنوانها بعض لحنها * وفي جوفها صمعاء تبلى النواصيا وذكر الزيادي عن الأصمعي وأبي زيد: انهما قالا: واللحن، اللغة، من قول ذي الرمة: في لحنه عن لغات العرب تعجيم وقد تقدم ذكر ذلك. وأما قول الآخر في جارية له: " من الخفيف " منطق عاقل وتلحن أحيانا * وأحلى الحديث ما كان لحنا فانه أراد اللحن الذي هو الخطأ، كأنه استملحه من المرأة، واستثقل منها الاعراب، وكان بعضهم يذهب في قول معاوية في عبد الله بن زيادة، هذا المذهب، ولا أراه كذلك. 9 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، ان سهم ابن غالب، كان من رؤوس الخوارج، فخرج أيام عبد الله بن عامر بالبصرة عند الجسر، فآمنه عبد الله بن عامر، فكتب إليه معاوية: لو كنت قتلته كانت ذمة خاشفت فيها. فلما قدم زياد صلبه على باب داره. بلغني عن أبي اليقظان سحيم بن قادم. قوله: ذمة خاشفت فيها، أي:
[ 142 ]
أسرعت الى نقضها. يريد: انه لم يكن في قتلك له، الا أن يقال: أخفر ذمته حسب، ويقال: خاشف فلان الى كذا، إذا أسرع، ورجل مخشف، ومخاشف، قال الفرزدق، يذكر كلابا: وضارية ما مر الا اقتسمته * عليهن خواص الى الظنئ مخشف والضارية: الكلاب. والطنئ: الريبة. * * * 10 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، انه قدم مكة، فذكر ابنه يزيد، وعقله وسخاءه، وفضله. فقال ابن الزبير: أما انك قد تركت من هو خير منه. فقال معاوية: كأنك أردت نفسك يا أبا بكر. قال: وان أردتها فمه. قال معاوية: ان بيته بمكة فوق بيتك. قال ابن الزبير، ان الله جل وعز، اختار أبي واختار الناس أباه. فالله الفصل بيني وبينه. قال معاوية: هيهات منتك نفسك، ما ليس لك، وتطاولت الى ما لا تناله، ان الله اختار عمي لدينه، واختار الناس أبي لدنياهم. فدعا عمي أباك فأجابه، ودعا أبي عمك فاتبعه، فأين تجدك الا معي. قال ابن الزبير: ذلك لو كنت من بني هاشم. قال معاوية: دع هاشما، فانها تفخر علي بأنفسها، وأفخر عليك بها، وأنا أحب إليها منك، وأحب اليك منها وهي أحب الي منك. قال ابن الزبير: ان الله جل وعز، رفع بالاسلام بيتا وخفض به بيتا، فكان بيتي مما رفع الله بالاسلام. قال معاوية: أجل وبيت حاطب بن أبي بلتعة مما رفع الله. يرويه نقلة الأخبار. احتجنا لتفسير هذا الحديث، أن نذكر نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسب معاوية ونسب عبد الله بن الزبير، ليصح ما أراد معاوية. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.
[ 143 ]
وأما معاوية فهو: ابن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. وأما عبد الله، فهو: ابن الزبير بن العوم بن خويلد بن أسد ابن عبد العزى بن قصي بن كلاب. فقول ابن الزبير: ان الله اختار أبي. يريد: ان أباه من العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وأنه حواري النبي صلى الله عليه وسلم وأحد الستة الذين جعلت الشورى فيهم. وقوله: اختار الناس أباه، يعني: ان الناس اختاروا معاوية، فولوه، ففضل الزبير على معاوية، بأن الزبير خيره الله، وان معاوية خيره الناس. وأما قول معاوية: ان الله جل وعز، اختار عمي لدينه. فانه يريد: ان النبي صلى الله عليه وسلم من ولد هاشم بن عبد مناف، وابنه من ولد عبدشمس بن عبد مناف، فهاشم عمه. واختيار الله هاشما لدينه، هو بأن جعل النبوة في ولده. وقوله: واختار الناس أبي لدنياهم. يريد: ان الخلافة صارت لبني أمية، وامية جده. وقوله: فدعا عمي اباك فأجابه. يريد: ان النبي صلى الله عليه وسلم من ولد هاشم بن عبد مناف عم معاوية، لأنه أخو عبد شمس بن عبد مناف، وعبد شمس أبو معاوية، دعا يعني: هاشما، عبد العزى بن قصي بن كلاب. وهو أبو عبد الله بن الزبير فأجابه. وقوله: دعا أبي عمك فاتبعه. يريد: ان النبي صلى الله عليه وسلم من ولد عبد مناف، وعبد مناف يجمع النبي صلى الله عليه وسلم ومعاوية في الأبوة، دعا عبدالدار بن قصي، وهو أخو عبد العزى بن قصي، وعبد العزى أبو عبد الله بن الزبير. وانما يريد: أولاد هؤلاء الذين ذكر وبين أنه أقرب الى النبي صلى الله عليه وسلم، وأمس به من ابن الزبير، ولذلك قال: اني أفخر عليك بهاشم.
[ 144 ]
وقوله: وأنا أحب إليها منك. يريد: انه أقرب إليها، فهو أحب إليها، وهي أحب الي منك، إذ كانت أيضا اقرب إليه. وأما قوله: وبيت حاطب بن أبي بلتعة، مما رفع الله، فان حاطبا كان من الأزد، من حي يقال لهم: النمر، مكاتبا لعبيدالله بن حميد بن زهير بن الحارث بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فأدى المكاتبة، وقتل عبيد الله كافرا في بعض المغازي، فأراد معاوية: انك ان كنت تفتخر برفع الاسلام اياك فان الاسلام قد رفع أيضا حاطبا. 11 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، ان أبا بردة قال: دخلت عليه حين أصابته قرحته، فقال: هلم يا بن أخي فانظر، فتحولت فإذا هي قد ثبرت، فقلت: ليس عليك بأس يا أمير المؤمنين. حدثنيه أبي حدثنيه محمد عن سفيان عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي بردة. قوله: ثبرت، أي: انفتحت. والثبرة: النقرة في الشئ والهزمة. ومنه قيل للنقرة في الجبل يكون فيها ماء المطر: ثبرة. قال أبو ذؤيب، وذكر خمرا: فشج به ثبرات الرصاف * حتى تزيل رنق المدر وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، ان رجلا قال له: أتذكر الفيل، قال: أذكر خذقه. يعني: روثه. يقال: خذق وذرق وزرق بمعنى. وقال أبو الحويرث: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الكناني: يا قباث: أأنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني،
[ 145 ]
محيلا: أتى عليه حول. 13 - وقال أبو محمد في حديث معاوية رضي الله عنه، انه قيل له: أخبرنا عن نفسك في قريش فقال: أنا ابن بعثطها، والله ما سوبقت الا سبقت، ولا خضت برجل غمرة قط، الا قطعتها عرضا. ذكره أبو اليقظان. قال الأصمعي: البعثط: سرة الوادي. يريد: أنه واسطة قريش ومن سرة البطاح. وقوله: ولا خضت برجل غمرة الا قطعتها عرضا، مثل ضربه لقوة رأيه. ومن خاض الغمار فقطعها عرضا، ليس كمن ضعف عن ذلك، فاتبع الجرية، حتى يخرج بالبعد من الموضع الذي دخل فيه. ويقال: ان الأسد يخوض الغمار عرضا لقوته. آخر الجزء السادس، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله سيدنا المصطفى محمد النبي وآله، وسلم تسليما، وحسبنا الله ونعم الوكيل. * * * فرغ من نسخه لنفسه عبد الغني بن عبد الواحد بن علي المقدسي عفا الله عنه، وأصلح حاله، وختم بالحسنى أعماله، وهو يصلى على سيدنا محمد وآله، ويسأل الله سبحانه العفو عن ذنوبه، والتجاوز عن سيئاته، وان ينفعه بما علمه، ولا يجعله وبالا عليه، انه سميع الدعاء مجيب النداء. وذلك بفسطاط مصر حرسه الله في العشر الاول من شهر ربيع الأول من سنة احدى وسبعين " وخمسماية * * *
[ 146 ]
حديث المغيرة بن شعبة 1 - وقال أبو محمد في حديث المغيرة، انه خرج مع سبعة نفر من بني مالك الى مصر، فعدا علهم، فقتلهم جميعا، وهم نيام، واستاق العير ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعت الأحلاف الى عروة بن مسعود فقالوا: ما ظنك بأبي عميرسيد بني مالك قال: ظني والله انكم لا تتفرقون حتى ترو يخلج أو يحلج قومه، كأنه أمة مخربة، ولا ينتهي حتى يبلغ ما يريد، أو ويرضي من رجاله، فما تفرقوا حتى نظروا إليه قد تكتب يزف في قومه. يرويه محمد بن اسحق، عن عامر بن وهب، وعبد الله بن مطرق. قوله: يخلج في قومه، أصل الخلج، الجذب. يقال: خلجه خلجا، إذا جذبه. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليردن علي الحوض أقوام، ثم ليختلجن دوني، أي: ليجتذبون ويقطعون عني. ومنه قيل للحبل، خليج، لأنه يجذب ما شد به، أو لأنه يجذب إذا فتل وأرادانه يمشي في قومه يجمعهم. ويذمرهم، فهو لاسراعه يحرك يديه وأعضاءه. ومنه قول الحسن لرجل، رآه يمشي مشية أنكرها، فقال: " تخلج في مشيته، خلجان المجنون، لله في كل غضو منه نقمة، وللشيطان لعبة. يقال: خلج بعينه، إذا غمز بها، وخلجت عينه، إذا تحركت والخلج، أن تشتكي مفاصل الرجل وأعضاؤه، من عمل عمله أو من كثرة مشي وتعب. وان
[ 147 ]
كان المحفوظ يحلج، فانه أيضا من الاسراع. قال العجاج: تواضخ التقريب قلوامحلجا والمخربة: المثقوبة الأذن. والخربة، الثقبة، والجمع خرب. قال ذو الرمة، وذكر ظليما: كأنه حبشي يبتغي أثرا * أو من معاشر في آذانها الخرب يقول: قد تطأطأ يرعى، فكأنه حبشي يطلب أثرا في الأرض، أسندي في أذنه خربة. يقول: رجل أخرب، إذا كان في أذنه ثقب، فإذا انخرم، فهو أخرم، وانما شبهه بأمة سندية، لأنه كان شديد الأدمة. وقوله: تكتب، أي: تحزم، وجمع عليه ثيابه. ومنه قيل: كتبت الكتاب، أي: جمعت حروفه. وقولهم: كتيبة، لاجتماعها. وقوله: يزف، أي: يسرع، كما يزف الظليم. قال الله جل ثناؤه: فأقبلو إليه يزفون. * * *
[ 148 ]
حديث النعمان بن مقرن 1 - وقال أبو محمد في حديث النعمان بن مقرن، انه قام خطيبا في غزوة نهاوند، فقال: يا أيها الناس، ان هذه الأعاجم قد أخطروا، وأخطرتم لهم اخطارا، أخطروا رثة، وأخطرتم لهم الاسلام، ألا وأنكم باب بين المسلمين والمشركين، ان كسر ذلك الباب، دخل عليهم منه ألا واني هاز لكم الراية، فإذا هززتها فليثب الرجال، الى أكمة خيولها، فيقرطوها أعنتها، ألا واني هاز لكم الراية الثانية، فليثب الرجال، فتشدهما بنهماعلى أحقائها. ثم ذكر أن النعمان، طعن برايته رجلا، ثم رفع رايته مختضبة دما، كأنها جناح عقاب كاسر. قال: وجمعت الرايات، كأنها الاكام - بعد قتل النعمان - الى السائب. يرويه سفيان عن أبي بكر الهذلي. قوله، أخطروا وأخطرتم، هو من الخطر، وذلك أن يراهن الرجلان فيكون ما وضعاه على يدي العدل خطرا، فأيهما فاز أخذه ز يقال: أخطر لي فلان، وأخطرت له. والندب ايضا الخطر. قال عروة بن الورد:
[ 149 ]
أيهلك معتم وزيد ولم أقم * على ندب يوما، ولي نفس مخطر يريد، أن خطركم الأسلام، وخطرهم الرثاث، واحدها رثة، وهي الأمتعة الردئية من الغنائم. وكذلك الرثة من النا س، هم خشارتهم وضعفاؤهم. وأراه من الرثاثة مأخوذا. ومنه قول سيرين: كاتبني أنس بن مالك على عشرين ألفا، وكنت في مفتح تستر، فاشتريت رثة، فربحت فيها. وقوله فيقرطوها أعنتها، أي: يجعلوا الأعنة وراء آدانها، وذلك أن يلجموها، وهو من القرط مأخوذ. أخبرني عبد الرحمن عن الأصمعي، انه قال، يقال، قرط الفرس لجامها، أي: أحملها على أن تجري جريا شديدا، حتى يمتد على أنوفها فيصير كأنه قرط. وأنشد قوله: وقرطوا الخيل من فلج أعنتها * مستمسك بهواديها ومصروع وانهما هاهنا المناطق. وقال الحارث بن حلزة يمدح رجلا: " من مجزوء الكامل " يحبوك بالزغف الفيوض على * هميانها والأدم كالغرس شبهها بالنخل لطولها، والزغف: الدرع اللينة المس، والفيوض: السابغة، والهميان: المنطقة، ويكنو التكة في موضع آخر. ومنه الحديث: " ان يوسف حل الهميان، وقعد منها مقعد الخاتن ". والأحقاء: جمع حقو، وهو الوسط، والعقاب الكاسر التي تكسر جناحها إذا انحطت الى الأرض. والأكمة: المخالي، واحدها كمام. سميت بذلك، لأنها تكم الفم. والكمام والحجام، ما يجعل على فم البعير ويشد به لئلا يعض. يقال: كممت البعير وحجمته، أراد فليثب الرجال فليأخذوا عن الخيل فيلجموها. * * *
[ 150 ]
حديث حسان بن ثابت 1 - وقال أبو محمد في حديث حسان، انه أخرج لسانه، فضرب به روثة انفه، ثم أدلعه فضرب به نحره. وقال: يا رسول الله ادع لي بالنصر. روثة الأنف: أرنبته وما يليها من مقدمته. قال الهذلي: " من حتى انتهيت الى فراش عزيزة * شغواء، روثة أنفها كالمخصف يعني: عقابا، وفراشها، عشها، والمخصف، " الاشفى " شبه به طرف أنفها. * * *
[ 151 ]
حديث عبد الله بن الزبير 1 - وقال أبو محمد في حديث ابن الزبير، ان أهل الشام نادوه، يابن ذات النطاقين، فقاال: ايه والاله، أو، ايها واله. " وتلك شكاة ظاهر عنك عارها " " ظاهر عنك عارها، من قولك: لا تجعل حاجتي ظهريا ". حدثنيه يزيد بن عمرو عن الحجاج بن نصير عن قرة بن خالد عن هشام بن عروة. قوله، ايها والأنه، تقول للرجل إذا استزدته، ايه، فان وصلته، قلت: ايه حديثا. قال ذو الرمة: " من الطويل " وقفنا فقلنا: ايه عن أم سالم * وما بال تكليم الديار البلاقع يريد، حدثينا عنها. وترك التنوين، وقد وصل لأنه نوى الوقوف على الحرف، وان كان المحفوظ، ايها، فهو بمعنى الارتضاء للشئ والتصديق للقول. ولها موضع آخر، وذلك إذا أسكت رجلا قلت: ايها عنا. فإذا أغريته بشئ قلت، ويها، واذ تعجبت من طيب شئ، قلت، واها. ومنه قول أبي النجم: " من الرجز " واها لريا ثم واها واها
[ 152 ]
وقوله: ظاهر عنك عارها، أي: لا يعلق بك، ولكنه ينبو عنك، وهو من قولك: ظهر فلان على السطح، اي: علا عليه. " قال الرياشي قال الله جل وعز: " فما اسطاعوا أن يظهروا ". أي: يعلوا عليه ". قال أبو ذؤيب: " من الطويل " وعيرها الواشون أيي أحبها * وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ولست أدري، أخذ بن الزبير هذا من أبي ذؤيب، أم ابتدأها هو، أو هي كلمة مقولة. وحدثني الرياشي عن الأصمعي، قال: كان أبو ذؤيب صاحب عبد الله بن الزبير في مغزى الى افريقية، ومات أبو ذؤيب، فدلاه ابن الزبير في حفرته. وفيه يقول أبو ذؤيب في هذه الغزاة: " من المتقارب " وصاحب صدق كسيد الضرا * ينهض في الغزو نهضا نجيحا وشيك الفضول بعيدالقفو * ل الا مشاحا به أو مشيحا والشكاة: العيب، والذم. قال الأصمعي في رجزه: " من الرجز " يشكي بعي، وهو البلغ الحدث * * * 2 - وقال أبو محمد في حديث ابن الزبير انه حض على الزهد، وذكر أن ما يكفي الانسان قليل، فنزغه انسان من أهل المسجد بنزيغة، ثم خبأ رأسه، فقال: اين هذا فلم يتكلم. فقال: قائله الله، ضبح ضبحة الثعلب، وقبع قبعة القنفذ. حدثنيه أبو حاتم عن الأصمعي.
[ 153 ]
قوله: قبع، أي: أدخل رأسه. وكان غير الأصمعي، يروي عن الزبرقان بن بدر، قال أبغض الي كنائني الطلعة القبعة. والأصمعي يرويه: الخبأة. وانما ضرب له الثعلب مثلا لجبته ورواغه، والقنفذ لاستخفائه في خروجه، فانه يخرج ليلا، وقيل انه لا ينام. وانما شبه النمام بالقنفذ لاستخفائه بما يأتي به، قال الشاعر: " من الرجز " قنفذ ليل دائم التبحاث وقال عبدة: " من الكامل " قوم، إذا دمس الظلام عليهم * حدجوا قنافذ بالنميمة تمزع حدجوا: رموا بأبصارهم إليها. ويروي: هدجوا. * * * 3 - وقال أبو محمد في حديث ابن الزبير، انه قال، لما قتل عثمان، قلت لا أستقيلها أبدا، فلما مات أبي أنقطع بي، ثم استمرت مريرتي. حدثنيه أبو حاتم عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد. أصل المريرة: الفتل. يقال: استمرت مريرة فلان على كذا. وأصله من الفتل: أن يستقيم للفاتل فيضرب مثلا. قال لقيط: " من البسيط " ثم استمرت على شزر مريرته * مستحكم السن لا قحما ولا ضرعا والشزر: الفتل الى فوق. واليسر الى أسفل. ومنه أخذت، مرة الرجل، وهي قوته ومنته، لأن القوي من الرجال كأنه فتل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي ". قال أبو زيد، فلانا لذو مرة، إذا كان قويا محتالا. * * *
[ 154 ]
4 - وقال أبو محمد في حديث ابن الزبير، انه نازع مروان عند معاوية، فرأى ضلع معاوية مع مروان، فقال في كلام له: أطع الله نطعك، فانه لا طاعة لك علينا الا في حق الله، ولا تطرق اطراق الأفعوان في أصول السخبر. من حديث عبد الله بن المبارك عن هشام بن عروة. الأفعوان: ذكر الأفاعي. والسخبر: شجر، واحده سخبرة. قال حسان بن ثابت: " من الكامل " ان تغدروا فالغدر منكم شيمة * واللؤم ينبت في أصول السخبر وهؤلاء قوم تنبت أرضهم السخبر. وأراد ابن الزبير، لا تتغافل عما نحن فيه، وتطرق اطراق الأفعوان في أصول السخبر، ومن شأنه أن يأوى في أصول السخبر. * * * 5 - وقال أبو محمد في حديث ابن الزبير، انه قال: من حمل السلاح ثم وضعه، فدمه هدر. يرويه زمعة عن ابن طاووس عن أبيه. قوله، ثم وضعه، يريد: ضرب به في الفتنة، وهو مثل الحديث الذي يروى: " ليس في الهيشات قود. يراد، الفتنة والاختلاط. وهكذا روي في هذا الموضع بالياء وروى في غيره بالواو. قال ابن مسعود: " اياكم وهوشات الليل ". ومنه قيل لبعض الشعراء، أبو المهوش. ومنه الحديث: " من أصاب مالا من مهاوش. وكل شئ خلطته فقد هوشته. فأما قول العامة: شوشته، وشئ مشوش، فان لم يكن بالفارسية، فان غيرته.
[ 155 ]
والصواب: هوسته. وقال ذو الرمة، وذكر الدار: " من الطويل تعفت لتهتان الشتاء وهوشت * بها نائحات الصيف شرقية كدرا * * * وقال أبو محمد في حديث ابن الزبير، انه قال لرجل، ما على أحدكم إذا أتى المسجد أن يخرج قرفة أنفه. يرويه محمد بن أبي ربيعة عن مستقيم بن عبد الملك. أصل القرفة: القشرة. ومنه يقال: صبغ فلان ثوبه بفرف السدر، أي: بقشره. ومنه يقال: تركتهم على مثل مقرف الصمغة، أي: مقشرها. وأحسب قرفة الطيب منه. وأراد ابن الزبير انه ينبغي لمن أراد المسجد أن ينظف أنفه ويقرف ما فيه مما قد يبس وصار كأنه قشر. * * * 7 - وقال أبو محمد في حديث ابن الزبير، أنه خرج فبات القفر، فلما قام ليرحل وجد رجلا طوله شبران، عظيم اللحية على الولية، فنفضها فوقع، ثم وضعها على الراحلة، وجاء وهو القطع فنفضه فوقع، فوضعه على الراحلة وجاء وهو بين الشرخين فنفض الرحل ثم شده وأخذ السوط ثم أتاه، فقال: من أنت قال: أنا أزب. قال: وما أزب قال، رجل من الجن. قال: افتح فاك، أنظر. ففتح فاه فقال أهكذا حلوقكم لقد شوه الله حلوقكم، ثم قلب السوط فوضعه في رأس أزب حتى باص. حدثنيه عبد الرحمن، وسهل عن الأصمعي، عن يعلي بن عقبة، شيخ من أهل المدينة مولى لآل الزبير، الا أنهما قالا حتى سبقه، وقال غيرهما حتى باص.
[ 156 ]
وقال عبد الرحمن: أهكذا خلوقكم بالخاء معجمة. وقال سهل: حلوقكم. الولية البردعة. والقطع: الطنفسة، تكون تحت الرجل على كتفي البعير، والجميع قطوع. قال الشاعر: " من الوافر " أتتك العيس تنفح في براها * تكشف عن مناكبها القطوع والشرخان، جانبا الرحل. وقال عبد الله بن رواحة، وغزا معه ابن أخيه على زاملة فأحرقته الحقيبة: " لعلك ترجع بين شرخي الرحل ". يقول: أستشهد وترجع على راحلتي. وقال ذو الرمة: " من البسيط ". كأنه بين شرخي رحل ساهمة * حرف إذا ما استرق الليل مأموم المأموم: المشجوج. استرق الليل، أي: حين كاد يذهب. أراد كأنه من النعاس مشجوج. وخلوقكم، جمع خلق. وقوله: حتى باص، أي: حين سبقه وفاته. وفي حديث عمر، أنه أراد أن يستعمل سعيد بن عامر فباص منه، كأنه هرب واستر. والبوص في غير هذا، اللون، فأما البوص، بضم الباء، فهو لعجز. * * * 8 - وقال في حديث ابن الزبير، أنه خطب حين بلغه قتل مصعب، فقال في خطبته: انا والله ما نموت حبجا، ولا نموت الا فتلا قعصا بالرماح، تحت ظلال السيوف، وليس كما يموت بنو مروان. يرويه الهيثم عن أي جناب الكلبي عن شيخ من أهل مكة. الجبج، من أدواء الابل، وهو أن تأكل العرفج ليجتمع في بطونها عجر، حتى تشتكي منه.
[ 157 ]
يقال: جبجت تحبج حبجا، فان لم تخرج ما في بطونها وانتفتخت قيل: حبطت، تحبط حبطا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ان مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم " والقعص: أن يموت المضروب أو المطعون أو المرمي يقال منه: اقعصته اقعاصا، ونحوه: أصميته. وأراد ابن الزبير: انا لا نموت على التخم والاكثار من المطعم، كما يموت آل مروان، ولكنا نموت قتلا. ويقال: الحبط أن تنتفخ بطون الابل عن أكل الذرق، هو الحندقوق. ومن القعص، حديث الزبير، أنه كان يقعص الخيل قعصا بالرمح - يعني يوم الجمل - حتى نوه به علي، فقال له ما قال فانصرف. * * * 9 - وقال أبو محمد في حديث ابن الزبير، انه لما أراد هدم الكعبة وبناءها، أرسل أربعة آلاف بعير، تحمل الورس من اليمن. يريد أن يجعله مدرها، فقيل له: ان الورس يرفت، فقسمه في عجز قريش، وبناها بالقصة، وكانت في المسجد جراثيم، فقال: يا أيها الناس ابطحوا. وفي الحديث، أنه لما أبرز عن ربضه دعا بكبره، فنظروا إليه، وأخذ ابن مطيع العتلة فعتل ناحية من الربض وأقضه. حدثنيه شيخ لنا عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن جريج. قوله: يرفت، أي: يتفتت، والرفات نحو الفتات، ومنه قول الله جل وعز: أئذا كنا عظاما ورفاتا. والقصة: الجص، يقال: قصص فلان داره، إذا جصصها.
[ 158 ]
والجراثيم، جمع جرثومة، وهي من تراب أو طين تعلو على الأرض. ويقال للشئ إذا اجتمع: قد تجرثم، واجرنثم. وانما أراده المسجد كان متعليا، غير مستوي الأرض، ففيه مواضع قد علت، ومواضع قد تحفرت، فأمرهم أن يبطحوا، أي: يسووا الأرض بالبطحاء. وهو حى ورمل، ينقل من مسيل الماء، ويلقى في أرض المسجد حتى يستوي. والكبر: المشايخ، جمع أكبر، والعتلة: البيرم، وقوله: أقضه، من القضة، وهو الحصى الصغار، ومنه قول أبي ذؤيب: " من الكامل " أما لجنبك لا يلائم مضجعا * الا أقض عليك ذاك المضجع يقول: ثيابك. فكان فيه قضة. * * *
[ 159 ]
حديث ام المؤمنين عائشة 1 - وقال أبو محمد في حديث عائشة انها قالت: كان المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله، فيدعون مفاتحهم على ضمناهم ويقولون: ان احتجتم فكلوا. فقالوا: انما أحلوا لنا عن غير طيب نفس. فنزلت: ليس عليكم جناح، الى قوله: " أو ما ملكتم مفاتحة ". حدثنيه زيد بن أخزم الطائي عن بشر بن عمر عن ابراهيم بن سعد عن صلح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة. قولها: يوعبون، أي: يخرجون بأجمعهم في المغازي. يقال: أوعب بنو فلان لبني فلان، إذا جاءوا بأجمعهم. ويقال: بيت وعيب. ا ذا كان واسعا يستوعب كلما جعل فيه. وركض وعيب. وهو أقصى ما عند الفرس. قال بعض العبديين: " من المتقارب " أخال بها كفه مدبرا * وهل ينجينك ركض وعيب والضمنى، هم الزمنى. واحدهم ضمن. مثل: زمن. وزمنى، وجرب وجربى. ويقال: ضمن بين الضمن والضمان. * * *
[ 160 ]
2 - وقال في حديث عائشة، ان دقره قال: كنت أطوف معها بالبيت وعليها ثوب قد كاد يشف، فناولتها عطافاكان علي فرأت فيه تصليبا، فقالت: نحيه عني. حدثنيه محمد بن عبيد بن معاوية بن عمرو عن أبي اسحق عن ليث عن بديل عن دقرة. قولها: قد كاد يشف، أي: يرق حتى يبدو منه خلقها. ومنه قيل للستر الرقيق: شف وشف. والعطاف: الرداء. يقال له أيضا: معطف. ومثله مما جاء على هذا التقدير: ملحف ولحاف، ومنطق ونطاق، ومسن وسنان، ومسرد وسراد وهو الأشفى. والسرد الخرء. وهو المتابعة، ومنه قيل: فلان يسرد الصوم، أي: يتابعه. وقال الشماخ: " من الطويل " كما تابعت سردالعنان الخوارز أي: خرزه. ومقرم وقرام، وهو الستر. ومنه الحديث: " كان على باب عائشة قرام فيه تمائيل ". * * * 3 - وقال في حديث عائشة، انها قالت لما نزلت هذه الآية: وليضربن بخمرهن على جيوبهن، انقلب رجال الأنصار الى نسائهم فتلوها عليهن، فقامت كل امرأة الى مرطها المرحل، فصدعت منه صدعة، فاختمرن بها فأصبحن في الصبح على رؤوسهن الغربان. حدثنيه سعد بن منصور عن داود العطار، قال: حدثني ابن خيثم عن صفية بنت شيبة عن عائشة. المروط: أكسية من صوف، وربما كانت من شعر، وربما كانت من خز. والمرحل: الموشى. ويقال لذلك العمل: الترحيل. قال امرؤ القيس، وذكر امرأة: " من الطويل " ذيل مرط مرحل
[ 161 ]
وأما قولها: فأصبحن على رؤوسهن الغربان. تريد: أن المروط كانت من شعر أسود، فصار على الرؤوس منها مثل الغربان ومما يوضح هذا، حديث حدثنيه عبدة الصفار قال: حدثنا محمد ابن بشر العبدي عن زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود. * * * 4 - وقال في حديث عائشة انها قالت: إذا حاضت المرأة حرم الجحران. ذكره اسحق بن راهويه، فسمعت رجلا من أهل الحجاز من قريش يحتج به عليه في تحليل الأدبار وقال: لولا انهما كانا حلالا قبل الحيض لم تقل: حرما بعد الحيض. فقال في ذلك بعض أصحاب اللغة قولا ارتضاه اسحق وعرفه، وقال: انما هو حرم الجحران، بضم النون على لفظ الواحد. والجحران: الفرج. وانشد فيه بيتا أنسيته، وهذا مذهب في اللغة صحيح. لأن هذه الألف والنون تزادان آخرا. قال أبو زيد: يقال: جئت في عقب الشهر وعقبانه، إذا جئت بعد ما مضى، وجئت في عقبه وعقبة، إذا جئت في آخره. وقالوا في الجميع، سود وسودان، وحمر وحمران. وقالوا فرس عري، أي: لا جل عليه، ورجل عريان، ولارجل عري. وأصلهما واحد. فكذلك قالوا: جحر الضب، وجحر الأرقم، وقالوا للفرج خاصة جحران فزادوا الألف والنون ليكون اسما مميزا له من سائر الجحرة. وقد يفعلون مثل هذا كثيرا، قالوا: فحال النخل، وفي سائر الأشياء: فحل. وقالوا أخوه بلبان أمه، وقالوا في سائر الأشياء: لبن، وقالوا: عجيزة المرأة. وقالوا: عجز الرجل والمرأة جميعا. وعجز كل شئ آخره. * * * 5 - وقال في حديث عائشة. انها خطبت بعد مقتل عثمان بالبصرة فقالت:
[ 162 ]
ان لي حرمة الأمومة، وحق الصحبة، لا يتهمني منكم الا من عصى ربه، قبض رسول الله بين شجري ونحري، وأنا احدى نسائه في الجنة، وله خصني ربي من كل بضع، وبي ميز مؤمنكم من منافقكم. وفي رواية أخري: وفي رخص لكم في صعيد الأقواء، وأبي ثاني اثنين. وفي الرواية الأخرى: وأبي رابع أربعة من المسلمين، وأول من سمي صديقا، قبض رسول الله وهو عنه راض، قد طوقه وهف الأمانة. وفي الرواية الأخرى، وهف الأمانة، واضطرب حبل الذين، فأخذ بطرفيه وربق لكم أثناءه، ووقذ النفاق. وفي الرواية الأخرى: وغاض نبغ الردة، وأطفأ ما حشت يهود، وأنتم يومئذ جحظ، تنتظرون الدعوة. وفي الرواية الأخرى: تنتظرون العدوة، وتستمعون الصيحة فرأب الثأي، وأوذم السقاء، وفي الرواية الأخرى: وأوذم العطلة وامتاح من المهواة، واجتهر دفن الرواء، حتى قبضه الله إليه، واطئا على هام النفاق، مذكيا لحرب المشركين، يقظان الليل في نصرة الاسلام، صفوحا عن الجاهلين. وفي الرواية الأخرى: بعيد ما بين اللابتين، عركة للأذاة بجنبيه، خشاش المرآة والمخبر. واني أقبلت أطلب بدم الامام المركوبة منه الفقر الأربع، فمن ردنا عنه بحق قبلناه، ومن ردنا عنه بباطل قاتلناه. فربما ظهر الظالم على المظلوم، والعاقبة للمتقين. يروي أحدى الروايتين، زكريا بن يحيى الكوفي، قال: حدثني عم أبي زحر بن حصين عن جده حميد بن منهب. قولها: قبض رسول الله بين شجري ونحري. قد ذكره أبو عبيد من هذا الحديث وفسره. وكذلك قولها في رواية آخرى: " بين حاقنتي وذاقنتي ". وبلغني عن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، انه قال: انما هو بين
[ 163 ]
شجري وبجري، فسئل عن ذلك، فشبك بين أصابعه وقدمها من صدره، كأنه يضم شيئا. ويقال: اشتجر الناس، إذا اختلفوا. والأصل أن يشتبكوا في خصومة أو قتال، وشبيه به التضام في الرؤية في قول النبي: " لا تضامون في رؤيته " أي: لا تختلفون فيه، فتشتجرون وينضم بعضكم الى بعض. أراد عمارة، انه قبض وقد ضمته بيدها الى نحرها وصدرها. وخالفت بين أصابعها، كما يفعل من يضم الشئ الذي بما يديه الى صدره. والمحفوظ هو الأول. وقولها: قد طوقه وهف الأمانة أو الامامة. تعني: الصلاة. ولست أعرف اشتقاق الحرف. وأحسبه وهق الأمانة. وقولها: وله خصني ربي من كل بضع. أي: من كل نكاح. وكان تزوجها بكرا من بين جميع نسائه. ذكر الرياشي عن الأصمعي انه قال: يقال: كرم العيش أكل وشرب وبضاع ثم نم. ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تستأمر النساء في بضاعهن أو أبضاعهن ". يقال: أبضعت المرأة ابضاعا، إذا زوجتها، كما تقول أنكحتها انكاحا. والبكر اذنها سكانها. والصعيد: التراب. قال الله جل وعز: فتيمموا صعيدا طيبا. أي تعمدوا ذلك. والأقواء، جمع قواء. وهو القفر من الأرض. والقي منه، وهو " فعل ". تريد أنها كانت سبب الرخصة في التيمم. قال عمار بن ياسر: كنا مع رسول الله في سفر " ففقد " عقد لعائشة، فطلبوه حتى أصبحوا، وليس من القوم ماء، فنزلت الرخصة في التيمم. وقولها: واضطراب حبل الدين، فأخذ بطرفيه وربق لكم أثناءه. تريد: أنه
[ 164 ]
لما اضطرب الأمر أحاطبه من أطرافه وضمه، فلم يشذ منه أحد ولم يخرج عما جمعهم عليه. وأصل ربق، من تربيق البهم. يقال: ربقت البهم وربقتها، إذا جعلت أعناقها في عرى حبل. ويقال: لكل عروة منها ربقة. ومنه الحديث: " من فارق الجماعة متبرئا فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه " ويقال اللحبل: ربق. قال الأصمعي: وانما تربق الصغار، لأنها لا تقوى على أن تتباعد في المرعى مع الأمهات، فتربق حتى تجئ الأمهات فترضعها. قال ابن الأعرابي: العرب تقول: رمدت المعزى فرنق رنق. ورمدت الضأن فربق ربق، والترميد من المعزو الضأن، أن يستبين حملها وتعظم ضروعها. وقال ابن الأعربي في تأويل هذا: ان المعزى تدفع في أول من حملها. يعني: تنزل اللبن. فيقول: انتظر الولادة، وان أبطأوا والترنيق: الانتظار. يقال: رنق الطائر، إذا رفرف. ورنق فلان في نظره الى الشئ، إذا أدامه. قال: والضأن لا تدفع الا عند الولادة، فإذا رمدت فهي الأرباق لأولادها. وأثناء الحبل، ما انثنى منه، واحده ثنى، يريد: أنه جعل وسط الحبل ربقا لكم وأوثقكم به. وقبض على طرفيه. وهو مثل ضربه. قال الزيادي عن الأصمعي، قال: قال أبو مهدي: تعني شجاع فمر خلفي كأنه سهم زالج فحدث عنه، فرجع فاستكف كأنه كفه حابل، فرميته فانتظمت ثلاثة أثنائه أحدها رأسه. استكف، استدار، والكفة: حبال الصائد. والزالج من السهام الذي يمر على الأرض. يقال: زلج يزلج. قولها: وقذ النفاق، تريد: انه أوهنه وأضعفه، ومنه يقال: فلان وقيذ: إذا
[ 165 ]
كان شديد العلة. وقد وقذته العلة والعبادة، إذا نهكته. ومنه الموقوذ، وهي التي تضرب حتى تشرف على الموت، ثم تترك تموت بغير ذكاة. وقولها: غاض نبغ الردة، أي: نقصه وأذهبه. يقال: غاض الماء، إذا نقص. وغضته أنا. ونبغ الردة، ما نبغ منها. أي: ظهر. وانما سمي النابغة بقوله: " من الوافر " فقد نبغت لنا منهم شؤون وقولها: وأطفأ ما حشت يهود. تعني: ما أوقدت من نيران الحرب أو الفتنة. يقال: حششت النار وأحمشتها، إذا ألهبتها. ولم تصرف يهود، لأنه يجعل كالقبيلة. وكذلك مجوس. قال الشاعر: " من الوافر " كنارمجوس تستعر استعارا وقولها: وأنتم يومئذ جحظ شاخصو الأبصار تترقبون أن ينعق ناعق أو يدعو الى وهن الاسلام داع، والعين تجحظ عند الترقب وعند الانكار للشئ. حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن موسى بن سعيد الجمحي عن ابن مصعب الزبيري قال، قال لي عثمان بن ابراهيم بن محمد بن حاطب الجمحي، وكان جزلا موجها ذا عارضة، أتاني فتى من قريش يستشيرني في امرأة يتزوجها، فقلت: يا بن أخي، أقصيرة النسب أم طويلته، قال: فكأنه لم يفهم. فقلت: يا بن أخي: إني أعرف في العين إذا أنكرت، وأعرف فيها إذا عرفت. وأعرف فيها إذا هي لم تعرف ولم تنكر. أما هي إذا عرفت فتخواص، وأمااذ انكرت فتجحظ، وأما هي إذا لم تعرف ولم تنكر فتسحو. القصيرة النسب يا بن أخي، التي إذا ذكرت أباها اكتفيت، والطويلة النسب، التي لا تعرف حتى تطيل، واياك يا ابن أخي وان تقع في قوم قد أصابوا غثرة من الدنيا مع دناءة، فتضع نفسك بهم. قوله: تسحو، أي: تسكن، والغثرة والكثرة هاهنا بمعنى. ويقال لعوام الناس: الغثراء، وهذا شبيه رؤبة عن النسابة.
[ 166 ]
حدثنيى عبد الرحمن وسهل عن الأصمعي عن العلاء بن أسلم العدوى عن رؤبة بن العجاج، قال أتيت النسابة البكري، فقال: من أنت قلت: ابن العجاج، قال: قصرت وعرفت لعلك كقوم عندي فان سكت عنهم لم يسألوني، وان حدثتهم لو يعوا عني. قلت: أرجو ألا أكون كذلك. قال: فما أعداء المروءة قلت: تخبرني، قال: بنو عمر السوء، ان رأوا حسنا كتموه، وان رأوا سيئا أذاعوه، ثم قال: ان للعلم آفة ونكدا وهجنة، فآفته: نسيانه، ونكده: الكذب فهي، وهجنته، نشره عند غير أهله، فأخذ هذا المعنى رؤبة، فقال: " من الرجز " قد رفع العجاج ذكرى فادعني * باسم إذا الأنساب طالت يكفني وقولها: ورأب الثأي أي: شده. يقال: رأيت الشي. فأنا أرأبه، إذا شددته. والثأي: الفساد، وهو في الخرز أن تغلظ الاشفى، ويدق السير فيسيل الماء. يقال: أثأت الخارزة، إذا فعلت ذلك. وقولها: وأوذم السقاء، أي: شده بالوذمة، وهو سير يشد به. يقال: أو ذمته وأوذمت الدلو، إذا شددت فيها الوذم بين آذانها والعرافي. وقولها في الرواية الأخرى، وأوذم العطلة، فيه قولان: يقال: هي الناقة الحسنة. والعطلات، الجميع. قال الشاعر: " من الوافر " فلا تتجاوز العطلات منها * الى البكر المقارب والكزوم ولكنا نعض السيف صلتا * بأسوق عافيات اللحم كوم والأصل في أوذم، ما أعلمتك. وأراد، أنه شد الناقة لتسنو، أي: لتستقي. والقول الآخر: أن تجعل العطلة، الدلو التي ترك العمل بها حينا، وهو من التعطل مأخوذ. يقال: عطلت تعطل عطلا. يريد: أن أو اذمها كانت قد رثت وتقطعت لبعد العهد بالمستقين، فأوذمها واستقى بها.
[ 167 ]
وقولها: أمتاح من المهواة، أي: استقي. ومنه يقال: فلان يستميحني ويمتاحني، إذا استعطاك. ومحته أميحه، إذا أعطيته. والمائح، الذي يدخل البئر فيملأ الدلو. والماتح، الذي ينزع الدلو. والمهواة: البئر. وكل نفنف فهو مهواة. قال ذو الرمة: " من الطويل " بيت بمهواة هتكت سماء * الى كوكب يزوي له الوجه شاربه فالمهواة، ما بين أسفل البئر وأعلاها. ومنه قيل: هوى يهوى. وقيل للنار: الهاوية. وكوكب الماء، معظمه. والبيت هاهنا بيت العنكبوت. يريد: انه هتكه بدلو حين استقى. وقولها: واجتهر دفن الرواء، تريد: انه كبحه، يقال: جهرت البئر، إذا كانت مندفنة الماء، فأخرجت ما فيا من الحمأة والطين والماء الآجن، حتى يظهر طيب الماء ويثوب. يقال: آبار مجهورة. قال الراجز: إذا وردنا آجنا جهرناه * أو خاليا من أهله عمرناه وقال الفرزدق، وذكر جيشا: " من الطويل " تظل به الأرض الفضاء معضلا * وتجهر أسدام المياه قابله والأسدام، المياه المندفنة. يقال ركية دفين، وركايا دفن. والرواء، الماء الكثير، وهو ممدود. فإذا كسرت أوله قصرت فقلت: روى. قال أبو زيد: يقال: ماء رواء، ومياه رواء، سواء بفتح الراء. وهذه أمثال ضربتها لضياع الأمر وانتشاره، وأحكامه اياه. فشبهته برجل أتى على بئر قد اندفن ماؤها وتعطلت دلوها، فنزحها وأخرج ما فيها من الحمأة، حتى نبع الماء.
[ 168 ]
وأوذم الدلو ورمها وشد سانية من خيار الابل ثم استقى. وقولها: بعيد ما بين اللابتين، والملابة، الجرة. وجمعها: لاب، ولوب. والأصل في هذا، ان مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، بين لابتين، وحرم رسول الله ما بين لابتيها ويقال: ما بين لابتيها أجهل من فلان. يراد: ما بين طرفي المدينة أو القرية أجهل به. وأرادت عائشة، انه واسع الصدر، واسع العطن. وقوله: صفوح عن الجاهلين، تريد: انه يعرض عنهم. يقال: صفحت عن الشئ، إذا أعرضت عنه، كأنك توليه صفحة وجهك، أو صفحة عنقك. قال كثير، وذكر المرأة: " من الطويل " صفوحا، فما تلقاك الا بخيلة * فمن مل منها ذلك الوصل ملت أي: معرضة بوجهها، لا ترى منه الا جانبه. وهو احدى صفحتيه. وقولها خشاش المرآة والمخبرة، تريد: انه لطيف الجسم في رأي العين وعند الاختبار أيضا، إذا تجرد، غير سمين ويقال: رجل حشاش وخشاش، إذا كان ضربا لطيب الرأس ومنه قول طرفة: " من الطويل " أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه * خشاش، كرأس الحية المتوقد وقولها: المركوبة منه الفقر الأربع. والفقر: خرزات الظهر ودأيه، الواحدة: فقرة ودأية. قال الأصمعي: وانما قيل للغراب ابن دأية، لأنه يقع على دابر البعير الدبر فينقره. وضربت فقر الظهر مثلا، لما ارتكب منه، لأنها موضع الركوب وهذا كما يقال: ركبت مني أمرا عظيما. وقال الأخطل: " من الطويل "
[ 169 ]
لقد حملت قيس بن عيلان حربنا * على يابس السيساء محدودب الظهر والسيساء: عظم الظهر. وهذا مثل، أي: حملتهم على مشقة، وحملتها أربعا، لأنها أرادت: انه ركب منه أربع عظام تجب له بها الحقوق، فلم يرعوها وانتهكوها، وهي حرمته بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وصهره. وحرمة البلد وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام. وكانوا قتلوه في شهر حرام. قال الشاعر: " من الكامل " قتلوا ابن عفان الخليفة محرما * ودعا، فلم أر مثله مخذولا أي: داخلا في حرمة الشهر. وقال الفرزدق: " من الكامل " عثمان، إذ قتلوه وانتهكوا دمه صبيحة ليلة النحر ذكر انهم قتلوه في يوم الأضحى، ومثله قول الآخر فيه: " من البسيط " ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا ومثل هذا في حديث لها آخر، قال موسى بن طلحة: أتيناها نسألها عن عثمان فقالت: " اجلسوا حتى أحدثكم بما جئتم له، وانا عبنا عليه كذا وموضع الغمامة المحماة، وضربه السوط والعصا، فعمدوا إليه حتى إذا ماصوه كما يماص الثوب، واقتحموا الفقر الثلاث، حرمة الشهر وحرمة البلد وحرمة الخلافة ". قولها: موضع الغمامة المحماة. تريد: الحمى الذي حماه عثمان. وكانوا يقولون فيما يعتدون به عليه: انه حمى الحمى. وقال رسول الله: " لا حمى الا لله ورسوله ".
[ 170 ]
يقال: أحميت المكان، فهو " محمى "، إذا جعلته حمى، وحميت المكان حميا، منعت منه، وحميت القوم حماية، نصرتهم وذببت عنهم. وانما جعلته موضعا للغمامة، لأنها تسقيه بالمطر. والغمامة: السحابة. والناس شركاء في الكلأ، إذا سقته السماء، ولم يسقه أحد، ولذلك أنكروا عليه أن يحمي كلأ تسقيه السماء، والناس فيه شركاء. وقولها: وضربه السوط والعصا، تريد انه ضرب بهما في العقوبات، كان من قبله يضرب بالدرة والنعل، ولا يضرب بهما. وقال بعض المفسيرين في قول الله جل وعز: إذا بطشتم، بطشتم جبارين، قال: بالسوط. وفي بعض الحديث، انه بلغها ان الأحنف قال شعرا يلومها فيها، فقالت: لقد استفرغ حلم الأحنف هجاؤه اياي، ألي كان يستجم، مثابة سفهه، الى الله أشكو عقوق أبنائي. المثابة: الموضع الذي يثوب منه الماء، وجمعها: مثاب. يقال: هذه بئر لها ثآئب، أي: ما يعود بعد النزح. وقال الراعي يذكر ماء: " من الكامل " سدما إذا التمس الدلاء نطافه * صادفن مشرفة المثاب دحولا والمثابة في غير هذا: مقام الساقي. وأرادت، ان الأحنف كان حليما عن الناس، فلما صارد إليها سفه، فكأنه كان يجم سفهه لها. * * * 6 - وقال في حديث عائشة، أنها قالت: قدم النبي من سفر، وقد سترت على بابي درنوكا فيه الخيل أولات الأجنحة، فهتكه. يرويه وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه. الدرنوك: البساط. وجمعه: درانك. قال عطاء: " صلينا مع ابن عباس على درنوك قد طبق البيت كله ".
[ 171 ]
ويقال أيضا، ان الدرانك: الطنافس. قال ذو الرمة يصف بعيرا: " من الطويل " عبنى القرا ضخم العثانين أنبتت * مناكبه أمثال هدب الدرانك شبه الوبر على مناكبه بهدب الطنافس. وقال الفراء: الزرابي: الطنافس. وقال أبو عبيدة: هي البسط. وأراهم قد سموها جميعا، زرابي، كما سموها جميعا درانك. 7 - وقال في حديث عائشة، أنها كانت تصوم في السفر، حتى أذلقها السموم. حدثنيه محمد بن عبيد بن معاوية بن عمرو عن أبي اسحق عن ابن عون عن القاسم. السموم: حر النهار، والحرور، حر الليل. وقال أبو عبيدة: يكون ذلك بالليل والنهار قال العجاج: " من الرجز ". ونسجت لوامع الحرور * برقرقان آلها المسجور سبائبا كسرق الحرير فجعل الحرور في النهار. وقوله: أذلقها السموم، أي: جهدها. ومنه الحديث في رجل رجمه رسول الله بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة فر. وفي السيرة، ان أيوب صلى الله عليه وسلم قال في مناجاته: " أذلقني البلاء فتكلمت " ومنه قيل: عدو ذليق، إذا كان شديدا قد بلغ فيه الجهد. قال الهذلي: " من الطويل " أوائل بالشد الذليق وحثني * لدى المتن، مشبوح الذراعين خلجم والمشبوح الذراعين، العريضهما، والخلجم: الطويل. * * *
[ 172 ]
8 - وقال في حديث عائشة، أنها ذكر لها المتعة فقالت: ما نجد في كتاب الله الا النكاح والاستسراء، ثم تلت: والذين هم لفروجهم حافظون، الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم. يرويه يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة. الاستسرار: التسري. وكان القياس أن تقول: الاستسراء، من تسريت، الا أنها ردت الحرف ألى أصله. قال الأصمعي: واصله تسررت من السر، وهو النكاح. قال الله جل وعز: ولكن لا تواعدوهن سرا. أي: نكاحا. فأبدل من الراء ياء، كما يقال: تظنيت، من الظن. والأصل: تظننت، وتمطيت، وأصله: تمططت. لأنه من: مط يده، أي: مدها. وكما قال العجاج: " من الرجز " تقضي البازي، إذا البازي كسر. أراد: تقضض. ومثله كثير. وقال الفراء: سرية. " فعلية "، منسوبة الى السر، وهو النكاح. الا أنهم ضموا أول الحرف كما يغيرون في النسب. قالوا: قروي، فيمن نسب الى: القرى. وأموي، فيمن نسب الى أمية. وقالوا: أموي أيضا، على القياس. ورجل دهري، أتي عليه الدهر. * * * 9 - وقال في حديث عائشة، انه ذكر لها قول ابن عمر عن رسول الله في قتلى بدر، فقالت: وهل ابن عمر. بلغني عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه. قولها: وهل ابن عمر، تريد: غلط. والوهل، أن يذهب وهمك الى الشئ وليس هو كذلك. يقال: وهلت أهل وهلا. ومثله وهمت الى الشئ أهم وهما. إذا ذهب وهمك إليه.
[ 173 ]
وسئل ابن عباس عن رجل مات وأوصى ببدنة أتجزئ عنه بقرة، فقال: نعم، وممن صاحبكم قيل له: من بني رياض، فقال: ومتى اقتنت بنو رياح البقر الى الابل، وهم صاحبكم. أي: ذهب وهمه ". فأما وهمت أوهم وهما، فبمعنى غلطت. وأوهمت بالألف، أسقطت، تقول: أوهمت في كلامي، وفي حسابي. وأوهمت في صلاتي ركعة. وأما الوهل، بفتح الهاء: فهو الفزغ. يقال: وهلت أو هل وهلا، فأنا واهل، ووهلته توهيلا. * * * 10 - وقال في حديث عائشة، أنها كانت إذا سئلت عن أكل كل ذي ناب من السباع، قرأت: قل لا أجد فيما أوحي الي محرما على طاعم الآية. وتقول ان البرمة لترى في مائها صفرة. يرويه سفيان عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة. أرادت أن الله حرم الدم في كتابه، وقد يترخص الناس في ماء اللحم في القدر، وهو دم، ولا يجعلونه حراما، فكيف يقضي على ما لم يحرمه الله بالتحريم، وليست تخلو أن تكون علمت بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم السباع فقالت: لا تلحقوه بالمحرم، واجعلوه مما كره، أو لا تكون علمت بذلك، أو لم يصح عندها فقالت: نحن قد نترخص في ماء البرمة، وفي دم ولا نحرمه، فكيف تسألوني عما قد أطلق الله في كتابه ولم يحرمه. * * * 11 - وقال في حديث عائشة أنها أرادت بيع رباعها، فقال ابن الزبير: لتنتهين أو لاحجرن عليها فقالت: لله علي أن أكلمه أبدا، فاستعان عليها، فبلأ ي ما كلمته. يرويه محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهير عن الطفيل بن الحارث
[ 174 ]
وفي الحديث انها بعثت الى اليمن، فاشتريت لها أربعون رقبة فأعتقتهم. الرباع: المنازل. واحدها ربع. وقولها: لله علي أن أكلمه. أرادت: ألا أكلمه، فحذفت لا، والمعنى اثباتها كقول الله تبارك وتعالى: " يبين الله لكم أن تضلوا ". وتقول في الكلام، والله أفعل ذلك أبدا، تريد: لا أفعله. وقوله: فبلأي، أي: بعد مشقة وجهد. قال الشاعر، وذكر فرسا: " من الطويل " فلأيا بلأي ما حملنا غلامنا * على ظهر محبوك ظماء مفاصله أي: جهدا بعد جهد، ما قدرنا على حمله على الفرس. 12 - وقال أبو محمد في حديث عائشة، انه بلغها أن أناسا يتناولون. من أبيها، فأرسلت الى أزفلة منهم، فلما حضروا قالت: أبي والله لا تعطوه الأيدي، ذلك طود منيف، وظل مديد، نجح إذ أكديتم، وسبق إذ ونيتم، سبق الجواد إذا استولى على الأمد، فتى قريش ناشئا وكهفها كهلا، يفك عانيها، ويرش مملقها، ويرأب شعبها حتى حليته قلوبها، ثم استشرى في دينه، فما برحت شكيمته في ذات الله حتى اتخذ بفنائه مسجدا، يحيى فيه ما أمات المبطلون. وكان وقيذ الجوانح، غزير الدمعة، شجي النشيج، فانصفقت إليه نسوان مكة. وفي رواية أخرى - فأصفقت إليه - ولدانها يسخرون منه ويستهزئون به. والله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون. وأكبرت ذلك رجالات قريش فحنت لهاقسيها، وامتثلوه غرضا، فلما فلوا له صفاة ولا قصموا له قناة. وفي الرواية الأخرى، ولا قصفوا له قناة، حتى ضرب الحق بجرانه، وألقى بركه، ورست أوتاده، فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم ضرب الشيطان روقه ومد طنبه، ونصب جبائله، واجلب بخيله ورجله، وظنت رجال أن قد أكثبت أطماعهم، ولات حين الذي يرجون، وأنى والصديق بين أظهرهم، وفقام حاسرا مشمرا، قد جمع حاشيته وضم قطريه، فرد نشر الاسلام على غره، واقام أوده بثقافه، فابذعر النفاق
[ 175 ]
بوطأته، وانتاش الدين بنعشه، حى أراح الحق على أهله، وقرر الرؤوس على كواهلها، وحقن الدماء في المعدلة، ذاك ابن الخطاب، لله أم حفلت له ودرت عليه، لقد أوحدت به، ففنخ الكفرة وديخها وشرد الشرك شذر مذر، وبعج الأرض وبخعها، فقاءت أكلها، ولفظت خبيئها، ترأمه ويأباها، وتريده ويصدف عنها، ثم وزع فيها فيئها، ثم تركها كما صحبها فأروني ماذا ترتأون، وأي يومى أبي تنقمون أيوم اقامته إذ عدل فيكم، ام يوم طعنه، فقد نظر لكم اقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. حدثنيه محمد بن عبد العزيز عن علي بن عبد الرحمن الجزري عن محمد بن منصور عن علي بن حسين عن يحيى بن سويد السدوسي. وروي لي عن العتبي وعن غيره، فجمعت بين الروايات، فوجدتها متقاربة، وأصلحت بعضها من بعض. الأزفلة: الجماعة من الناس، وكذلك الثبة والزرافة. وليس لذلك عدد بعينه. لا تعطوه الأيدي: لا تتناوله ولا تبلغه. يقال: عطوت، إذا تناولت. وقال الشاعر وذكر ظبية: " من الطويل " وتعطو بظلفيها إذا الغصن طالها والطود: الجبل العظيم، والمنيف: المشرف. يقال: أناف على كذا، أي: أشرف. ومنه يقا لك مائة ونيف، انما هو شئ زائد بعد المائة، كأنه أظل. وقولها: نجح، من النجاح وهو الظفر بالحاجة. يقال: أنجح الله حاجته فنجحت، وانجحه الله فنجح. وقولها: أذا أكديتم، تريد: إذ خبتم ولم تظفروا، وهو من الكدية مأخوذ. وذلك أن يحفر الحافر ليستنبط الماء، فإذا بلغ الكدية وهي الصلابة، قطع، لأنه
[ 176 ]
ييأس من الماء، فيقال: أكدى فلان، فضرب ذلك مثلا لمن طلب شيئا فلم يظفر به. وقولها: سبق إذ ونيتم، وهو من الونى. والونى مقصور الفتور. يقال: ونى يني، ووني يونا. وقولها: استولى على الأمد، أي: على الغاية. يقال: ليس لعذاب الكافر أمد. وقولها: يفك عانيها، يعني: أسيرها، أي: يفتديه. ومنه الحديث: " النساء عندكم عوان: أي: أساري. وأصل التعنية: طول الحبس. وقولها: ويريش مملقها. والمملق ": الفقير. اي: يغنيه. وأصله من الريش. كأن المعدم لا نهوض به، مثل المقصوص من الطير والمنتوف الريش. فأذا كسي نهض وطار. فجعل الريش للمال مثلا وللباس. وقولها: ويرأب شعبها، أي: يشده. والشعب: الصدع. تقول: إذا اختلفت وافترقت لأم بينها. ومنه يقال لمصلح البرام المتكسرة: شعاب. وقولها: ثم استشرى في دينه. أي: تمادى ولج. يقال: شري البرق واستشرى إذا تتابع لمعانه. واستشرى الفرس، إذا جد في سيره بلا فتور ولا انكسار. وقولها: فما برحت شكيمته في ذات الله، أي: شدة نفسه وأنفته. يقال: فلان شديد الشكيمة، إذا كان عزيز النفس أنفا. وقولها: وقيذ الجوانح. والجوانح: الضلوع القصار التي تلي الفؤاد، واحدتها، جانحة. والوقيذ: العليل الشديد العلة. يقال قد وقذته العلة، وانما أرادت أنه عليل القلب محزونه. فقالت: وقيذ الجوانح، لأن القلب يليها. وقولها شجى النشيج: والنشيج: الصوت معه توجع. ويقال: النشيج في البكاء، مثل بكاء الصبي إذا ردده في صدره ثم يخرجه. ومنه قيل لصوت الحمار:
[ 177 ]
نشيج. يريد: انه يخزن ببكائه أو بصوته من سمعه والشجو: الحزن. ومنه قالت الشعراء: " أشجاك الربع " وقيل: بكى شجوه. ويقال: شجوت الرجل أشجوه شجوا، إذا أحزنته، وأشجيته: أغصصته. ويقال منهما: شجى يشجى شجا. وقولها: فأصفقت له نسوان مكة، أي: اجتمعن. يقال: أصفق الناس على تأمير فلان، إذا اجتمعوا وصفقوا له بالبيعة، ضربوا بأيديهم على يده. وكذلك هو في البيع. وقولها: ولا قصموا له قناة، أي: لم يكسروها. ومنه يقال: قصم الله ظهره. وكذلك قصفوا. ومنه قيل: ريح قاصف، اي: يقصف الشجر والبنيان. ولا فلوا له صفاة. والصفاة: الصخرة. وفلوا، من الفلول، وهو الكسر. يقال: في السيف فلول، إذا كان في حده تثلم. قال النابغة: " من الطويل " ولا عيب فيهم، غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب ولا أحسبه قيل للمهزوم مفلول، الا من هذا. كأنه كسر. وقولها: ضرب الحق بجرانه، أي: ثبت وأقام. والجران: الصدر، وكذلك البرك، والأصل فيه، أن يبرك البعير فيضرب بصدره الأرض. فقيل ذلك للشئ إذا ثبت وأقام واستقر. وقولها: ورست أوتاده، أي: ثبتت. وكل شئ نبت فقد رسا يرسو. وقولها: ضرب الشيطان روقه. والروق، الرواق. وهوما بين يدي البيت. قال الأصمعي: رواق البيت، سماوته، وهي الشقة التي دون العليا. قال الشاعر، وذكر العينين: " من الطويل " لكلتيهما روق الى جنب مخدع قال أبو محمد: قد لغز الشاعر في هذا البيت، وقد وصف عيني الناقة وقال:
[ 178 ]
لكل واحدة منهما رواق ومخدع. فجعل حاجبها شبه الرواق، وداخل العين شبه مخدع. وكل شئ دخل في شئ فقد خدع، يقال: خدع الرمش " والأطناب: الحبال التي يشد بهاا لفسطاط. وهي الأواخي أيضا، واحدها طنب. والحبائل: جمع حبالة الصائد، وأرادت أن الشيطان بعد وفاة رسول الله أقام بينهم يستغويهم، وينصب لهم المصايد. وقولها: أكثبت أطماعهم، أي: قربت. والكثيب: القريب، قال العجاج: " من الرجز " من الضحى والمكثب المرئي يقول: من قرب روي. وقال النبي عليه الصلاة والسلام يوم بدر: " ان اكثبكم القوم فأنبلوهم ". وقولها: قد جمع حاشيته وضم قطريه، أي: جانبيه. وأقطار الأرض: جوانبها. وانما أرادت أنه تحزم وشمر لتلافي الاسلام. وقولها: فرد نشر الاسلام على غره. والغر: الطي، والغرور: مكاسر الجسد، واحدها: غر. روي ان رؤبة بن العجاج اشترى ثوبا من بزاز، فلما استوجبه قال للبزاز: اطوه على غره، أي: على كسره الأول. ويقال للذي يطوي الثياب أولها طيها حتى تتكسر على طيه: القسامي. قال رؤبة: " من الرجز " طي القسامي برود العصاب والعصاب: الغزال. تريد: انه ورد ما انتشر من الاسلام الى حاله التي كانت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقولها: وأقام أوده بثقافه، أي: عوجه بثقافه. والثقاف: ما تقوم به الرماح، ضربته مثلا، كأن الاسلام رمح اعوج فقومه بالثقاف. قال عبيد: " من مجزوء الكامل "
[ 179 ]
انا إذا عض الثقاف برأس صعدتنا لوينا ويقال في مثل: " دردب لما عضه الثقاف ". أي: خضع وذل. ومثله " بصبصن " بالأذناب " إذ حدينا ". وقولها: فابذعر النفاق بوطأته، أي: وطئه وطأ ثقيلا، فابذعر، أي: تفرق، ومثله: اشفتر وقولها: انتعاش الدين بنعشه، تريد: انه استدركه واستنقذه بنعشه، أي: باقامته اياه من مصرعه. ومنه يقال: انتعش العليل إذا أفاق وقام. ويقال: نعشك الله من هذه النكبة. وقولها: حتى أراح الحق على أهله، " أي: رده "، قال الأصمعي: أرحت على الرجل حقه، رددته عليه. وأصله: اراحة الراعي سائمته الى أهلها. تقول: لم يدعه يشذ ويذهب، ولكنه أراحه كما يريح الراعي غنمه. وقولها: وقرر الرؤوس على كواهلها، تقول: قد كانت الرؤوس على شفا ذهاب بوقوع الاختلاف، فأقرها على الكواهل، أو على مغارزها. والكاهل، ما بين الكتفين، وحقن الدماء في أهبها، أي: في الأجساد، ضربت الأهب لها مثلا، لأنها أوعية للدم، وهو مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو جعل القرآن في اهاب، ثم ألقي في النار ما احترق، أي: في جسد. وقد تقدم ذكر ذلك. وقولها: ام حفلت عليه، أي: جمعت اللبن في ثديها. والمحفلة من الشاء، هي التي يجمع اللبن في ضرعها ثم يباع. وهي المصراة. وقولها: لقد أوجدت به، أي: أتت به فردا لا نظير له. وقولها: ففنخ الكفرة، أي: أذلها وقهرها. وقال العجاج:
[ 180 ]
" من الرجز " تالله لولا أن تحش الطبخ * بي الجحيم حين لا مستصرخ لعلم الجهال أني مفنخ وقولها: وديخها، هو بمنزلة دوخها. وفي اللغتان جميعا، الواو والياء. ومثله قد وشوطه، وشيطه، وتوهه وتيهه، وتصوح البقل وتصيح، وتبيغ الدم وتبوغ، وطوحه الله وطيحه. وقولها: وسرد الشرك شذر مذر، أي: فرقه وبدده في كل وجه، وذهبوا أيادي سبأ، أو شعاليل، أي: تفرقوا. وبعج الأض، أي: شقها. تريد في الزراعة، ومنه يقال: بعجت بطنه، أي: شققته، وبخعها، أي: نهكها بالحرث والزرع وجهدها. قال أبو عبيدة: يقال: بخعت له نفسي، ونصحي، أي: جهدت " له ". والباخع نفسه، المهلك نفسه، قال الله جل وعز: لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين. وقولها: فقاءت أكلها. والأكل اسم ما أكلت. والأكل المصدر. ومثله: الغسل والغسل، فالغسل مصدر غسلت، والغسل، الماء الذي يغتسل به. وكذلك الظلم والظلم، والدهن والدهن. وأكل الأرض: البذر. تقول: أكلته وشربت ماء المطر، فقاءت ذلك حين أنبتت. ونحوه: لفظت خبيئها، وهو " فعيل " في معنى " مفعول " من خبأت، أي: ألقت ما كان مخبوءا فيها. ومنه قول الله جل وعز: يخرج الخبء في السموات والأرض فخبء السموات، المطر، وخبء الأرض: النبات. وقولها: ترأمه، أي: تعطف عليه كما ترأم الأم ولدها، والناقة حوارها، فتشمه تترشفه. ويصدف عنها، أي: يعرض عنها. يقال: صدف عني، بمعنى صد عني. * * *
[ 181 ]
حديث ام المؤمنين ام سلمة 1 - وقال في حديث أم سلمة، أنها قالت: ما صدقت بموت رسول الله حتى سمعت وقع الكرازين. حدثنيه محمد عن القعنبي، عن مالك. الكرازين: الفؤوس، واحدها: كرزين، وكرزن. قال الشاعر: " من الطويل " فقد جعلت أكبادنا تحتويكم * كما تحتوي سوق العضاه الكرازنا وأرادت: أنها لم تصدق بموته حتى سمعت وقع الفؤوس في حفر قبره. وكان بعضهم يذكر أن الكرزين من الفؤوس ما قطع به الشجر، ويحتج بالبيت الذي ذكرناه. وفي الحديث ما دل على أنه أيضا ما حفر به. وقال بعضهم: الفأس هي التي لها رأس. والحدأة التي لها رأسان. والصاقور والمعول، هو الفأس الكبيرة التي يكسر بها الحجارة. * * * 2 - وقال في حديث أم سلمة، انها قالت: ابن صياد ولدته أمه، وهو أعور معذور مسرور.
[ 182 ]
يرويه سفيان بن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أم سلمة. المعذور: المختون. يقال: عذرت الغلام وأعذرته، إذا ختنته، والطعام الذي يصنع في الختان " يسمى ": الاعذار. وبعضهم يرويه: مختون مسرور. والمسرور: المقطوع السرر، والسرر والسر: ما تقطعه القابلة. يقال: سررت الغلام سرا، والسرة ما يبقى. * * * 3 - وقال في حديث أم سلمة، أنها أتت عائشة لما أرادت الخروج الى البصرة، فقالت لها: انك سدة بين رسول الله وأمته، وحجابك مضروب على حرمته. وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه " وبعضهم يرويه: فلا تبدحيه " وسكن عقيراك فلا تصحريها، الله من وراء هذه الأمة. لو أراد رسول الله أن يعهد اليك عهدا علت علت، بل قد نهاك رسول الله عن الفرطة في البلاد، ان عمود الاسلام لا يثاب بالنساء ان مال، ولا يرأب بهن ان صدع، حماديات النساء، غض الأطراف وخفر الأعراض، وقصر الوهازة، ما كانت قائلة، لو أن رسول الله عارضك ببعض الفلوات، ناصة قلوصا من منهل الى آخر، ان بعين الله مهواك، وعلى رسول الله تردين قد وجهت سدافته، يروي: سجافته، وتركت عهيداه، ولو سرت مسيرك هذا، ثم قيل ادخلي الفردوس لاستحييت أن القي محمدا هاتكه حجابا قد ضربه علي. اجعلي حصنك بيتك، ووقاعة الستر قبرك، حتى تلقيه وأنت على تلك، أطوع ما تكونين لله ما لزمته، وأنصر ما تكونين للدين ما جلست عنه. لو ذكرتك قولا تعرفينه نهشته نهش الرقشاء المطرق. فقالت عائشة رحمها الله: ما أقبلني لوعظك، وليس الأمر كما تظنين، ولنعم المسير مسير فزعت الي فيه فئتان متناحرتان، أو متناجزتان، ان أقعد ففي غير حرج، وان أخرج فالى ما لا بد من الازدياد منه. حدثنيه شيخ بالري من أهل الأدب. ورأيته عند بعض المحدثين، غير أنه كان لا يقيم ألفاظه. السدة: الباب، ومنه حديث رسول الله، انه ذكر أول من يرد الحوض، فقال:
[ 183 ]
" الشعث رؤوسا، الدنس ثيابا، الذين لا تفتح لهم السدر ولا ينكحون المنعمات ". وأرادت انك باب بين النبي وبين الناس، فمتى أصيب ذلك الباب بشئ فقد دخل على رسول الله في حريمه وحوزته، واستبيح ما حماه. تقول: فلا تكوني أنت سبب ذلك بالخروج الذي لا يجب عليك، فتحوجي الناس الى أن يفعلوا ذلك. وهذا مثل قول النعمان بن مقرن للمسلمين في غزوة نهاوند: ألا وانكم باب بين المسلمين والمشركين، إن كسر ذلك الباب دخل عليهم منه. وقولها: وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه أي: لا تفتحيه وتوسعيه بالحركة والخروج. يقال: ندحت الشئ إذا وسعته. ومنه يقال: أنا في مندوحة عن كذا، أي: في سعة. تريد قول الله جل وعز: وقرن في بيوتكن، وان كان المحفوظ: تبدحيه، فانه من البداح، وهو المتسع من الأرض. وهو بمعنى الأول. وقولها: وسكن عقيراك، من عقر الدار، وهو أصلها. وأهل الحجاز يضمون العين، وأهل نجد يفتحونها. يقال: أخرج فلان من عقر داره، أي: من أصلها. فكأن عقيري، اسم مبني من ذاك على التصغير. ومثله مما جاء مصغرا: الثريا، والحميا، وهي سورة الشراب. والبقيري، وهي لعبة للصبيان. ولو أسمع بعقيري الا في هذا الحديث. وقولها: فلا تصحريها، أي: لا تبرزيها وتباعديها، وتجعليها بالصحراء. يقال: أصحرنا، إذا أتينا الصحراء. كما يقال: أنجدنا، وأحزنا، وأسهلنا، إذا أتينا نجدا والسهل والحزن. وقولها: علت علت. من العول. والعول: الميل والجوز. يقال: عال فلان يعول عولا، إذا جار. قال الله جل وعز: ذلك أدنى ألا تعولوا، وسمعت من يرويه: علت بكشر العين. فان كان ذلك هو المحفوظ، فان
[ 184 ]
علت بمعنى: غرت علت. يقال: عال في البلاد، إذا ذهب، فهو يعيل. ومنه قيل للذئب: عيال. والفرطة في البلاد، من الفرط. والفرط: السبق والتقدم. يقال: فرطتم الى الماء، إذا سبقتهم. والفارط الى الماء، هو المتقدم لتهيئة الدلاء واصلاح الأرشية. ويقال فرط مني كلام لم أحببه. أي: سبق مني. فكأن الفرطة، الفعلة الواحدة من فرطت. والفرطة اسم للخروج والتقدم. مثل غرفة وغرفة، وحسوة وحسوة. ويقال في فلان فرطة وفروطية، اي: تقدم وسبق. قال الهذلي: " من الطويل " وكنت امرءا في الوعث مني فروطة * فكل ريود حالق أنا واثب وقولها: ان عمود الاسلام لا يثاب بالنساء ان مال. أي: لا يرد بهن الى استوائه. من قولك: ثبت الى كذا، أي: عدت إليه وناب إليه جسمه، إذا رجع، ولا يرأب بهن ان صدع، أي: لا يشد بهن. يقال: رأبت الصدع ولأمته، إذا شددته فانضم. وهكذا رواه لي: صدع. فان كان هذا محفوظا، فانه يقال: صدعت الزجاجة فصدعت، الزجاجة فصدعت، كما يقال: جبرت العظم فجبر، والا فانه: ولا يراب بهن ان صدع، أو: أنصدع. وقولها: حماديات النساء، هو جمع حمادي. يقال: قصاراك ان تفعل ذاك، وحماداك، كأنه تقول: جهدك وغايتك. غض الأطراف، يعني: جمع طرف العين. وخفر الاعراض، والخفر: الحياء. والاعراض هو أن يعرضن عن كل ما كره لهن أن ينظرن إليه. أي: لا يلتفتن نحوه. من قولك: أعرضت عن فلان فأنا عنه معرض. إذا لم ألتفت إليه. وان كانت الرواية: الأعراض، بفتح الهمزة، فانه جمع عرض، وهو الجسد. أرادت انهن للخفر ينشرن. يقال: فلان طيب العرض. أي: طيب ريح البدن.
[ 185 ]
وقولها: وقصر الوهازة. فقال لي المحدث بالحديث: سألت أعرابيا عالما فصيحا عن الوهازة، فقال: هي الخطو. يقال للرجل هو متوهز ومتوهس، إذا وطئ وطأ ثقيلا. قال ابن مقبل يصف النساء: " من الطويل " يمحن بأطراف الذيول عشية * كما وهز الوعث الهجان المزنما شبه مشيهن بمشي ابل في وعث قد شق عليهن، فثقل وطؤهن. والوعث: ما ساحت فيه الرجل من الرمل والتراب. وقولها: ناصة قلوصا من مهل. أي: رافعة لها في السير والنص: سير مرفوع. ومنه يقال: نصصت الحديث الى فلان، إذا رفعته إليه. قال عمرو بن دينار: " ما رأيت أحدا أنص للحديث من الزهري ". والسدافة أو السدافة: الحجاب والستر. وهو اسم مبني من: أسدف الليل إذا ستر بظلمته. كأنه أرخى سدولا من الظلام، وهي الستور. وكذلك السدف انما هي شئ يرسل من الظلام في الضوء، أو شئ يرسل من الضوء في الظلام. ولذلك جعلوا السدفة الظلمة، وجعلوها الضوء. قال علقمة الثقفي: " كنت في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب قبتين، فكان بلال يأتينا بفطورنا، ونحن مسفرون جدا، حتى والله ما نحسب الا أن ذاك شئ يبتار به اسلامنا. وكان يأتينا بطعامنا للسحور ونحن مسدفون. فيكشف القبة فيسدف لنا طعامنا ". قوله: ونحن مسدفون، أي: داخلون في السدفة، وهو الضوء هاهنا. وكذلك قوله: فيسدف لنا، أي: يضيئ. وأراد: أنه كان يعجل الفطور، ويؤخر السحور. والسجافة نحو السدافة. والسجف: الستر " ولو اردت أن تبني من سدل الليل، إذا اظلم اسما مثل سدافة، لقلت: سدالة،.
[ 186 ]
غير اني لم أسمع به، وانما نتكلم فيما جاء وننتهي الى حيث انتهوا، فيجوز أن يكون ذلك الحجاب الستر، ويجوز ان يكون باب البيت، فقد سمي سدفة، قال الشاعر: " من الرجز " ولا يرى بسدفة الأمير وبسدة أيضا، يريد الباب. ويجوز أن يكون داخل البيت، لأنه حجاب وستر. وقولها: وجهت سدافته، تريد: أخذت وجهها. أي: هتكت الستر يدلك على ذلك قولها: لو قيل لي ادخلي الفردوس لاستحيت أن ألقى محمدا صلى الله عليه وسلم هاتكة حجابا قد ضربه علي، قال العجاج يصف جيشا كثيرا: " من الرجز " يوجه الأرض، ويستاق الشجر أراد: يأخذ وجه الأرض. ويجوز أن يكون أرادت بقولها: وجهتها، أزلتها من مكانها الذي أمرت أن تلزمه، وجعلتها أمامك. ووقاعة الستر، موقعه على الأرض، إذا أرسلته. وهي موقعته أيضا. وكذلك موقعة الطائر. والرقشاء: الأفعى، سميت بذلك للترقيش في ظهرها، وهو النقط. والجرادة أيضا رقشاء. قال النابغة: " من الطويل " فبت كأني ساورتني ضئيلة * من الرقش في أنيابها السم ناقع وهي توصف بالاطراق، وكذلك الأسد والنمر. قال الشاعر، وذكر أفعى: " من السريع " أصم أعمى ما يجيب الرقى * من طول اطراق واسبات جعله أعمى من طول الاطراق، وأصم لأنه لا يجيب الراقي، فكأنه لا يسمع. * * *
[ 187 ]
حديث أم أيمن 1 - وقال في حديث أم أيمن، أنها هاجرت الى المدينة في لهبان الحر، فاستعطشت، فدلي إليها دلو من السماء، فشربت حتى أراحت. يرويه الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز. يقال: أراح الرجل، إذا رجعت إليه نفسه بعد جهد من عطش أصابه، أو اعياء. قال الراجز: " من الرجز " يريح بعد النفس الحفوز * اراحة الجداية النفوز ولا أرى قولهم للانسان إذا مات: أراح، الا من هذا، كأنه يكون في جهد من السياق وعلز الموت فإذا مات أراح، أي: استراح من ذلك.
[ 188 ]
حديث زينب بنت ام سلمة 1 - وقال في حديث زينب، أنها قالت: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر سنة، ثم تؤتى بدابة: حمار أو شاة أو طير، فتفتض به، فقلما تفتض بشئ الا مات. حدثنيه محمد عن القعبني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب. أما الحفش، فقد تقدم ذكره في أول الكتاب وفسرته. وقولها: تفتض، هو من فضضت الشئ إذا كسرته أو فرقته. ومنه: فض خاتم الكتاب. وقول الله جل وعز: لا نفضوا من حولك، وأرادت، أنها كانت تكون في عدة من زوجها، فتكسر ما كانت فيه وتخرج منه بالدابة. وبعض المحدثين يرويه: " فتقبض به ". والصواب ما رواه مالك. رأيت الحجازيين جميعا يروونه. وسألتهم عن ذلك الافتضاض كيف هو، فذكر لي رجل منهم يكنى أبا يونس، أن المعتدة كانت لا تغتسل ولا تمس ماء، ولا تقلم ظفرا ولا تستاك ولا تنتف من وجهها شعرا، ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر، ثم تفتض بطائر تمسح به قبلها وتنبذه، فلا يكاد يعيش. * * * تم حديث الصحابة والحمد لله وحده.
[ 189 ]
أحاديث التابعين ومن بعدهم
[ 191 ]
حديث كعب الأحبار 1 - وقال في حديث كعب، أنه قال: تمسك النار يوم القيامة حتى تبص كأنها متن اهالة، فإذا استوت عليها أقدام الخلائق، نادى مناد: أمسكي أصحابك ودعي أصحابي، فتخنس بهم، فيخرج منها المؤمنون ندية ثيابهم. حدثنيه الزيادي قال: حدثناه عبد الوارث بن سعيد قال: حدثناه الجريري عن أبي السليل عن رجل عن كعب. قوله: تبص، أي تبرق. يقال: بص الشئ، ووبص وبصا وبصيصا، إذا برق. والاهالة: الدسم. قال أبو زيد: الاهالة، الشحم أو الزيت. وروى محمد بن فضيل عن الأعمش عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعى الى خبز الشعير والاهالة السنخة فيجيب. قال ابن الاعرابي: انما قيل صحراء الاهالة لسرعة الماء بها. وقال الأصمعي: يقال منه، " أنا كحاقن الاهالة " يراد، اني عالم به. وحاقن الاهالة، لا يخفيها حتى يروزها ويدخل اصبعه فيها، ينظر أمكنت أم لم تمكن، ثم يخفيها لئلا يخترق السقاء.
[ 192 ]
والسنخة: المتغيرة الريح لطول المكث. يقال: سنخ الدهن يسنخ، ونمس ينمس، فاستعار ذلك في الدسم. وقوله: فتخنس بهم، أي: تجتذبهم وتتأخر بهم: كما تخنس النجوم الخنس، وكما يخنس الشيطان إذا ذكر الله. 2 - وقال في حديث كعب، أنه ذكر دارا في الجنة ووصفها فقال: لا ينزلها الا نبي أو صديق، أو شهيد، أو محكم في نفسه، أو امام عادل. حدثناه اسحق بن راهويه: حدثنا محمد بن عبيد عن سلمة ابن نبيط عن عبيد بن أبي الجعد عن كعب. قال اسحق وغيره: المحكم في نفسه، هو الذي يخير بين الشرك بالله أو القتل، فيختار القتل فيقتل ولا يشرك. * * * 3 - وقال في حديث كعب، انه قال: أن الله بارك للمجاهدين في صلييان أرض الروم، كما بارك لهم في شعير سورية. حدثنيه محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي اسحق عن صفوان ابن عمرو عن كعب. قال معاوية: سورية: الشام. وأنا أحسب الاسم بالرومية. والصليان، شجر تأكله الخيل. واحده: صليانة. وأنشدني بعض البغداديين لبعض الرجا زيذ كر ابلا: " من الرجز " ظلت تلوذ أمس بالصريم * وصليان كسبال الروم ترشح الا موضع الوسوم والصريم: قطعة من الشجر. قال: وانما شبه الصليان بسبال الروم، لأن فيه صهوبة.
[ 193 ]
وقوله: ترشح الا موضع الوسوم، يريد: أنها تعرق كلها الا موضع الوسم منها. ويقال: ان موضع الوسم بالنار لا يعرق. وأما قول قتيبة بن مسلم الباهلي في خطبته: " العصا من العصية، وحول الصليان الزمزمة، فان الزمرمة الصوت. وكذلك الزهرمة، قال الآخر: له زهزم كالمغن وانما جعل الزمزمة حول الصليان، لأن الصليان يقطع للخيل التي لا تفارق الحي، مخافة الغارة، فالأصوات حوله. ومن قال الزمزمة، فان الزمزمة الجماعة من الناس. قال أبو زيد: الخمسون ونحوها. وقوله: العصا من العصية، أراد أن الأمر الكبير يكون أوله صغيرا كما تكون العصا العظيمة من الغصن الدقيق، ولا أراهم قالوا: زمزم، الا لصوت الماء حين ظهر. وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، أنه قال: انما سميت زمزم، لأنها مشتقة من الهزمة، يعني: هزمة جبريل صلى الله عليه بعقبه، وليست زمزم على طريق اللغة من الهزمة في شئ. والهزمة الكسرة في الأرض حتى تصير فيها كالنقرة. والتهزم: التكسر. وأراد كعب، أن الله بارك للمجاهدين في هذا الشجر، فهو يقوم لدوابهم مقام الشعير، ويقويها كما يقويها الشعير. * * * 4 - وقال في حديث كعب، أن عمر قال له: لأي ابني آدم كان النسل فقال: ليس لواحد منهما نسل، أما المقتول فدرج، وأما القاتل فهلك نسله في الطوفان. والناس من بني نوح، ونوح من بني شبث بن آدم. حدثنيه أبو حاتم السجستاني، وهو سهل بن محمد، عن الأصمعي عن سلمة بن علقمة المازني.
[ 194 ]
قوله: درج، أي: مات وذهب. ومنه يقول الناس: " فلان أكذب من دب ودرج ". أي: أكذب الأحياء والأموات. قال الشاعر: " من البسيط " قبيلة كشراك النعل دارجة * ان يهبطوا العفو لا يوجد لهم أثر دارجة، أي: منقرضة. والعفو: الموضع الذي لم يوطأ وجعلهم كشراك النعل في الذلة. * * * 5 - وقال في حديث كعب، أنه ذكر ملحمة للروم فقال: لله مأدبة من لحوم الروم بمروج عكا. يرويه أبو العوام عن بقية عن ابن ثوبان عن تبيع عن كعب. المأدبة: الطعام الذي يجتمع إليه الناس، أي طعام كان، يقال آدب فلان القوم يأدبهم، إذا جمعهم. وهو من المأدبة. وقال الشاعر: " من الطويل " وكيف قتالي معشرا يأدبونكم * على الحق الا تأشبوه بباطل وأراد كعب، أن الله يقتل الروم بمروج عكا، فتنتاب لحومهم السباع والطير تأكل منها، فكأن ذلك مأدبة لله. * * * 6 - وقال في حديث كعب، انه قال: قال الله لرومية، اني أقسم بعزتي لأسلبن تاجك وحليتك، ولأهبن سبيك لبني قاذر، ولأدعنك جلحاء. يروى بالاسناد الأول. بنو قاذر، بنو اسماعيل بن ابراهيم صلى الله عليهما. يريد: العرب.
[ 195 ]
وقوله: لأدعنك جلحاء، أي: لاحصن عليك. ويقال للبقر التي لا قرون لها: جلح، قال الهذلي قيس بن خويلد: " من الطويل " فسكتهم بالقول حتى كأنهم * بواقر جلح أسكتتها المراتع والحصون تشبه بالقرون لأنها تمنع من تحصن بها، كما تمنع البقر قرونها، ولذلك قيل لها: صياصي. فإذا ذهبت الحصون، جلحت القرى، فصارت بمنزلة البقر التي لا قرون لها. * * * 7 - وقال في حديث كعب، انه قال لابي عثمان النهدي: الى جانبكم جبل مشرف على البصرة، يقال له: سنام فقال: نعم. فقال: فهل الى جانبه ماء كثير السافي قال: نعم. قال: فانه أول ماء يرده الدجال من مياه العرب. يرويه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي. السافي: الريح تسفي التراب. والسافي: التراب أيضا، إذا حملته الريح. وهو السافياء، ممدود. والماء الذي يقرب من سنام، يقال له: سفوان، وقد ذكرته الشعراء. وفي هذا الحديث ما ذل على أنه انما سمي سفوان، لأن الريح تسفي عليه فيه. والسفا، مقصور: التراب. قال الشاعر يذكر رجلا: " من الطويل " وحال السفا بيني وبينك والعدى * ورهن السفا غمر الطبيعة ماجد والعدى، هاهنا: البعد. * * * 8 - وقال في حديث كعب، أنه ذكر الجنة فقال فيها: هنا بيرمسك يبعث الله عليها ريحا تسمى: المثيرة، فتثير ذلك المسك على وجوهم.
[ 196 ]
(وأنا أسن منه. ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، ووقفت بي أمتي على روث الفيل محيلا أعقله) من حديث جرير بن حازم عن حميد بن هلال عن بشير بن كعب عن كعب. الهنابير: رمال مشرفة، واحدتها: هنبورة، وهي مما قلب. والأصل: نهابير، واحدها: نهبور. وقد ذكرتها في حديث عمرو بن العاص. ويجوز أن يكون هنابير، أنابير، جمع أنبار، ثم تقلب الهمزة هاء، كما يقال: هرقت وأرقت. وهبرية وابرية. * * *
[ 197 ]
حديث شريح بن الحارث القاضي 1 - وقال في حديث شريح، أن امرأتين اختصمتا إليه في ولد هرة، فقال: القوها مع هذه، فان هي قرت ودرت واسبطرت، فهي لنا، وان هي هرت وفرت واقشعرت، فليس لها. ومن وجه آخر: وان هي هرت وازبأرت. حدثنيه ابن الخليل عن ابن المديني عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. قوله: اسبطرت. يريد: امتدت للارضاع. يقال: اسبطر الشئ إذا امتد. ومنه قيل للعنق من السير مسبطر. قال الهذلي وذكر ناقة: " من المتقارب " ومن سيرها العنق المسبطر * والعجرفية بعد الكلال أي: الممتد. وازبأرت: اقشعرت وتنفشت. وقال امرؤ القيس يصف فرسا: " من المتقارب " لها تنن كخوافي العقا * ب سود يفئن إذا تزبئر
[ 198 ]
والثنة الشعر المتعلق في مآخير قوائمها. ويفئن: يكثرن. إذا تزبئر: أي تتنفش. * * * 2 - وقال في حديث شريح، أنه أبطل النفح الا أن تضرب فتعاقب. حدثنيه محمد بن عبيد قال: حدثناه سفيان بن عيينة عن مجالد عن الشعبي. وأراد الدابة تنفح برجليها، وانه كان يبطله ولا يلزم صاحبها شيئا، الا أن تضرب فتعاقب. أي: تتبع ذلك رمحا. يقا ل: عاقبت كذا بكذا، إذا اتبعته اياه. * * * 3 - وقال في حديث شريح، أن رجلين اختصما إليه. فقال أحدهما: ان هذا اشترى مني أرضا من أرض الحيرة، وقبض مني وصرها، فلا هو يرد الوصر، ولا يعطيني الثمن، فلم يجبهما بشئ حتى قاما من عنده. يرويه حفص عن أشعث عن ابن سيرين. الوصر: فيما أحسب، كتاب الشراء. يريد: انه اشترى الأرض مني، وأخذ كتاب شراءها، والأصل: اصر. ثم قلبت الهمزة واوا، كما قالوا: ارث وورث. وهو من: ورث. وقالوا اكاف ووكاف. ووسادة. واسادة. وقالوا للستر: اجاج ووجاج. ورواه حماد بن زيد عن ابن عون عن محمد. أن أحدهما قال: اشتريت من هذا أرضا. فقلت: ادفع الي الاصر، وانه يأبى. فقال الآخر: انها أرض جزية، فسكت شريح. وانما سمي الكتاب اصرا، لأن الاصر: العهد. قال الله جل وعز: وأخذتم على ذلكم اصري، أي: عهدي. وفي الكتاب، ما يأخذه المتبايعان من العهد ويشترطانه. ويجوز أن يكون
[ 199 ]
سمي اصرا، لأنه يأصر الى الحق، أي: يعطف إليه. مثل يأظر، ومنه يقال: ما بيني وبينه آصرة أي: عاطفة رحم ولا مودة. وانما ترك شريح اجابتهما، لأنها أرض خراج وقد اختلف الناس فيها، فكان بعضهم يترخص في بيعها وشرائها. وبعضهم ينهى عنه، فتوقف عنه شريح. * * * 4 - وقال في حديث شريح، أن رجلا قال له: ابتعت من هذا شاة، فلم أجد لها لبنا، فقال شريح: لعلها لجبت، ان الشاة تحلب في ربابها. يرويه ابن أبي زائدة عن اسماعيل بن أبي خالد. قوله: لجبت، أي: خف لبنها وقل. يقال: شاة لجبة ولجبات ولجاب. قال أبو زيد: اللجبة من المعز خاصة. ومثلها من الضأن: الجدود. وقال الأصمعي: إذا أتى على الشاة بعد نتاجها أربعة أشهر فخف لبنها وقل، فهي حينئذ: لجبة. قال الواقفي: " من البسيط " كأن أطباءها في الصيف إذا غزرت * أو لجبت، أو دنا منهن تلجيب وقوله: ان الشاة تحلب في ربابها، يريد: في قبل الولادة. يقال: شاة ربي بينة الرباب، إذا ولدت. قال أبو زيد: الربي من المعز، ومثلها من الضأن: الرغوث، ويقال: ان رباب الشاة ما بين أن تضع الى أن يأتي عليها شهران. فأراد شريح: لعلك اشتريتها بعد خروجها من الرباب. وهو الوقت الذي تغرز فيه، وحين صارت لجبة، وهي التي خف لبنها. * * * 5 - وقال في حديث شريح، ان رجلا جاءه فقال: اني طلقت امرأتي تلاثا وهي حائض. فقال: أما أنا فلا أخلط حلالا بحرام. انتظر، حتى تطهر من حيضتها ثم تسأنف ثلاث حيض. ثم لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك.
[ 200 ]
يرويه هشام عن ليث بن أبي سليم عن الشعبي. قوله: أما أنا فلا أخلط حلالا بحرام. يريد: لا أحتسب بالحيضة التي وقع فيها الطلاق من العدة. ومن احتسب بها فقد خلط حلالا بحرام. ألا ترى أن المرأة كانت حلالا للرجل في وقت من أيام تلك الحيضة، فلما طلق حرمت عليه في باقي أيام تلك الحيضة. فانقضت الحيضة والمرأة حلال في بعضها للرجل، حرام عليه في بعضها. ثم أمره أن تستأنف ثلاث حيض، لأن الله جل وعز أمرها أن تتربص ثلاث قروء، فعليها أن تأتي بها كوامل، وهي محرمة على الرجل في جميع أيامها. * * * 6 - وقال في حديث شريح أنه كان يقول: انما القضاء جمر، فادفع الجمر عنك بعودين. يرويه وكيع عن مسعر عن أبي حصين العودان هاهنا: الشاهدان. يريد: توق النار بهما، واجعلهما جنتك. وهو نحو قوله للشاهدين إذا حضرا. اني لم أدعكما ولا أمنعكما ان قمتما، واني متحرز بكما يوم القيامة، فتحرزا لأنفسكما. * * * 7 - وقال في حديث شريح، انه قال: المعك طرف من الظلم. يرويه أبو الأحوص عن أبي اسحق. المعك: المطل. يريد: مطل الرجل غريمه، وهو واجده. قال ذو الرمة: " من الطويل " أحبك حبا خالطته نصاحة * وان كنت احدى اللاويات المواعك قال أبو زيد: يقال: دالكني حقي مدالكة، ومطلني مطلا، ومعكني معكا، ولواني ليانا وليا كله واحد.
[ 201 ]
8 - وقال في حديث شريح، أنه كان يرد الحمارة من الخيل. يرويه قبيصة عن سفيان عن هشام عن ابن سيرين. وفي الحديث: " انها التي تتبع الحمر من الخيل " ولا أعلمني سمعت هذا الا في هذا الحديث، ولم أحفظ عن أصحاب اللغة الا المحامر من الخيل، واحدها محمر. قال أبو عبيدة: هي التي تشبه الحمير. والحامرة: جماعة الحمير. ومنه قيل لمسجد بالبصرة: مسجد الحامرة. ولا أحسبه سماها: حمارة الا لدخولها في الحمير، واتباعها اياها " فكأنها حمارة منها ". * * * 9 - وقال في حديث شريح، أن رجلا اشترى جارية، وشرطوا: أنها مولدة، فوجدها تليدة، فردها شريح. يرويه قبيصة عن سفيان عن هشام عن ابن سيرين. التليدة، هي التي ولدت ببلاد العجم، وحملت فنشأت في بلاد العرب. والمولدة: التي ولدت في بلاد الاسلام. وذكر الزيادي عن الأصمعي أنه قال التليد، ما ولد عند غيرك، ثم اشتريته صغيرا، فنبت عندك. والتلاد: ما ولدت أنت وهذا هو ما فسرناه. 10 - وقال في حديث شريح أنه كان لا يجيز الاضطهاد ولا الضغطة. يرويه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين. الاضطهاد: الظلم. والضغطة والعصرة من الغريم، هو أن يمطل بما عليه ويلوي به، ثم يقول لصاحب المال: تدع لي كذا، وتأخذ الباقي معجلا، فيرضى بذلك ويصالحه على شئ يدعه له. فكان شريح لا يجيز ذلك، ويلزمه جميع الشئ إذا رجع به صاحب الحق عليه. ويقول: بينتك أنه تركه لك، وهو يقدر على أخذه. * * *
[ 202 ]
11 - وقال في حديث شريح، أن محمدا خاصم غلاما لزياد إليه في برذونة باعها وكفل الغلام، فقال محمد: حيل بيني وبين غريمي، واقتضي مالي مسمى واقتسم مال غريمي دوني، فقال شريح: ان كان مجيزا وكفل لك غرم، وان كان اقتضي مالك مسمى، فأنت أحق به، وان كان الغرماء أخذوا ماله دونك، فهو بينكم بالحصص والمجيز: المأذون له في التجارة هاهنا. ويكون الولي في موضع آخر. ويكون الوصي. ومنه قول شريح: إذا باع المجيزان، فالبيع للأول، وإذا أنكح المجيزان فالنكاح للأول. وانما قيل لكل واحد من هؤلاء: مجيز، لأنه يجيز الشئ، أي: يمضيه فيجوز. وقوله: ان كان اقتضي مالك مسمى، فأنت أحق. يقول: ان كان قبض مالك على أنه لك، فأنت أحق به. وان كان الغرماء أخذوا المال دونك فأنت غريم كبعضهم، ولك فيه حصة على قدر مالك. * * * 12 - وقال في حديث شريح، ان ابن سيرين ذكره فقال: كان عائفا وكان قائفا. يرويه عفان عن سليم عن ابن عون، عن محمد بن سيرين. العائف: الذي يعيف الطير، أي: يزجرها، وذلك أن يعتبر بأسمائها ومساقطها وأصواتها ومجاريها. يقال: عفت الطير أعيفها عيافة. قال الشاعر: " من الوافر " تغنى الطائران ببين سلمى * على غصنين من غرب وبان فكان البان أن بانت سليمى * وفي الغرب اغتراب غير دان فزجر في الغرب الغربة. وفي البان البين. وقال جران العود. " من الطويل "
[ 203 ]
جرى يوم جئنا بالركاب نزفها * عقاب وشحاج من الطير متيح فأما العقاب، فهي منها عقوبة * وأما الغراب، فالغريب المطوح والشحاج: الغراب. والمتيح: الذي يعرض في كل وجه. وأنشد الأصمعي: " من الطويل " وهون وجدي أنني لم أكن لهم * غراب شمال ينتف الريش حاتما قال: ويقال: من له طير شمال، أي: طير شؤم، وسموا الغراب حاتما، لأنه عندهم يحتم بالفراق. وقالوا: غراب البين لأنه يسقط في الديار اثر الظاعنين يتقمم. هذا قول بعضهم. وقال آخرون: سمي غراب البين، لبينه عن نوح صلى الله عليه، حين أرسله ليأتيه بخبر ماء الطوفان وقد تقدم ذكر ذلك. وقال الكميت لجذام في انتقالهم الى اليمن: " من الطويل " وكان اسمكم لو يزجر الطير عائف * لبينكم طيرا مبينة الفأل يريد: ان اسمكم جذام، والزجر فيه الانجذام، وهو الانقطاع. وحدثني سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي، قال: أخبرني سعد بن نصر: ان نفرا من الجن تذاكروا عيافة بني أسد، فأتوهم فقالوا انه ضلت لنا ناقة فلو أرسلتم معنا من يعيف، فقالوا لغليم منهم: انطلق معهم، فاستردفه أحدهم، ثم ساروا فلقيتهم عقاب كاسرة احدى جناحيها، فاقشعر الغليم، وبكى، فقالوا: مالك، فقال: كسرت جناحا، ورفعت جناحا، وحلفت بالله صراحا، ما أنت بأنسي ولا تبغي لقاحا.
[ 204 ]
فالأصل في العيافة للطير، ومنه قيل: فلان يتطير، وهو شديد الطيرة، ثم قد تجدهم يعيفون بالبروج والسنوح وعضب القرن. قال زهير وذكر ظباء: " من الوافر " جرت سنحا، فقلت لها أجيزي * نوى مشمولة فمتى اللقاء وأخبرني الرياشي، أن الشعراء المتقدمين يتشاءمون بالسنوح، وأنشدني لابن قميئة، وهو جاهلي: " من الطويل " وأشأم طير الزاجرين سنيحها وقد كان كثير منهم لا يتطير ولا يرى ما عليه أكثرهم من هذا أشياء. قال المرقش وهو جاهلي: " من مجزوء الكامل ". ولقد غدوت، وكنت لا أغدو، على واق وحاتيم فإذا الأشائم كالايامن، والأيا من كالأشائم والواق: الصرد. يقول: ما جاءك يمينا فهو كما جاءك شمالا، ليس الأمر بشئ. وقال آخر: " من الطويل " وليس بهياب، إذا شد رحله * يقول: عداني اليوم واق وحاتم ولكنه يمضي على ذاك مقدما، * إذا صد عن تلك الهنات الخثارم والخثارم: المتطير. ولم يرد ابن سيرين أن شريحا يعيف هذه العيافة، وكيف يريد هذا، وقد روي: " ان العيافة من الجبت ". ولكنه أراد أنه مصيب الظن صادق الحدس. فكأنه عائف. وهذا كما يقال: ما أنت الا ساحر، إذا كان رفيقا لطيفا. وما أنت الا كاهن، إذا أصاب بظنه. وأما الفأل، فهو في الخير. وهو يستحب. وفي الحديث: " أصدق الطيرة الفأل حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال: قلت لابن عون: ما الفأل قال: أن
[ 205 ]
تكون مريضا فتسمع، يا سالم، أو باغيا، فتسمع، يا واحد. وكان ابن سيرين يكره الطيرة ويستحب الفأل. وهذا يدلك على أنه لم يرد أن شريحا كان يتطير ويعيف وأما القائف فهو الذي يعرف الآثار ويتبعها ويعرف شبه الرجل في ولده وأخيه. حدثني سهل بن محمد، قال: حدثنا الأصمعي عن رجل من آل أبي مسروح عن عوسجة بن مغيث القائف، قال: كنا نسرق نخلنا، فعرفنا آثارهم فركبوا الحمر، فعرفنا نمس أيديهم في العذوق. وحدثني ايضا عن الأصمعي عن ابن أبي طرفة الهذلي قال: رآني قائفان، وهما منصرفان من عرفة، بعد الناس بيوم أو اثنين، أثر بعير فقال أحدهما: ناقة، وقال الآخر، جمل، فاتبعناه فمرة يجتمع لهما الخف، ومرة يريان الخطوة منه، حتى دخلا شعبا من شعاب منى فاذاهما بالبعير فأطافا به، فإذا هو خنثى. * * *
[ 207 ]
حديث محمد بن الحنفية 1 - وقال في حديث محمد بن الحنفية، أنه ذكر رجلا يلى الأمر بعد السفياني، فقال: حمش الذراعين والساقين، مصفح الرأس، غائر العينين، يكون بين شث وطباق. يرويه الوليد بن مسلم عن أبي عبد الله عن عبد الكريم ان أمية عن محمد بن الحنفية. قوله: حمش الذراعين والساقين، يريد دقيقهما. والمصفح الرأس: العريض الرأس. والشت.، نبت ينبت بتهامة، وهو من شجر الجبال. والطباق: شجر ينبت بالحجاز الى الطائف. وانما أراد أن مقامه أو مخرجه يكون من هذه المواضع التي ينبت بها هذان الضربان من الشجر. قال عروة بن الورد: " من الطويل " فيوما على نجد وغارات أهله * ويوما بأرض ذات شث وعرعر يريد: تغير مرة على نجد، ومرة على تهامة. وقال تأبط شرا: " من البسيط " كأنما حثحثوا حصا قوادمه * أو أم خشف بذي شت وطباق يقول: كأنما حركوا بي صقرا من سرعتي أو ظبية. * * *
[ 208 ]
حديث مسروق الأجدع 1 - وقال في حديث مسروق، أنه قال: في الرجل تكون تحته الأمة فيطلقها تطليقتين، ثم يشتريها لا تحل له الا من حيث حرمت عليه. حدثنيه محمد بن خالد بن خداش عن سهل بن بكار عن أبي عوانة عن جابر عن عامر عن مسروق. تفسير هذا أن الأمة تبين بتطليقتين، فلا تحل للمطلق حتى تنكح زوجا غيره. يقول: فلما حرمت عليه بالتطليقتين واشتراها لم تحل له ان نحكها حتى يزوجها، ثم تطلق بتطليقتين فيحل له بهما، كما حرمت عليه بهما. وهذا مذهب سفيان. ومن يرى أن الطلاق بالمرأة. وكان مالك يرى: ان المملوكة تحت الحر لا تبين الا بثلاث. قال: فان بانت ثم اشتراها لم يطأها حتى تنكح زوجا غيره. * * * 2 - وقال في حديث مسروق، انه قال: أنهار الجنة تجري في غير أخدود، وشجرها نضيد، من أصلها الى فرعها. حدثنيه محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن زائدة عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن مسروق.
[ 209 ]
الأخذود: الشق. ويقال: خد في الأرض خدا، إذا شق فيها، واسم الشق الأخدود. قال الله جل وعز: قتل أصحاب الأخدود. وقوله: شجرها نضيد، يريد: ليس له سوق بارزة. ولكنه منضود بالورق، أو بالثمر من أصله الى أعلاه، وهو من قولك: نضدت المتاع، إذا وضعت بعضه على بعض. ولا أرى قول الله جل وعز: وطلح منضود، الا من هذا. قال أبو عبيدة: الطلح: الموز هاهنا. وهو عند العرب شجر عظام، كثير الشوك. * * * 3 - وقال في حديث مسروق، انه كان يكره الجعائل. يرويه سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي. الجعائل: جمع جعالة بفتح الجيم، وجعيلة وهو الجعل من العطية. تقول: أجعلت لفلان جعالا. وأجعلت القدر أنزلتها 524 بالجعال، وهي الخرقة التي تتنزل بها. وجعلت لكذا جعلا، أي: صيرته له. والاسم: الجعل بضم الجيم، ومعنى الجعالة، أن يضرب البعث على الرجل، فيجعل لمن يغزو عنه شيئا، ويقيم أو يدفع المقيم الى الغازي شيئا فيقيم ويخرج هو. وذلك مبين في حديث للحسن. وسئل عن الجعائل فقال: كان المقيم يكره أن يفتدى من غزوه، والغازي يكره أن يأخذ لغزوه ثمنا. وقال منصور: كانوا يعطون في ذلك أحب إليهم من أن يأخذوا. قال الهذلي عبدمناف بن ربع: " من الطويل " وقد بات فيكم لا ينام مهجدا * يثبت في خالاته بالجعائل وهذا رجل أبوه من سليم، وأمه من هذيل، فدل على هذيل بجعل جعلوه له، فأراد أنه جعل يثبت الجعالة لنفسه، ويوكدها عليهم. * * *
[ 210 ]
حديث عبيدة السلماني وهو عبيدة بن قيس 1 - وقال في حديث عبيدة، ان محمد بن سيرين قال له: ما يوجب الجنابة فقال: الرف والاستملاق. يرويه اسحق الأزرق عن عوف عن محمد بن سيرين. أصل الرف: المص. يقال: رففت فم المرأة، أرفه رفا، إذا مصصته وترشفته. ومنه قول أبي هريرة، حين سئل عن القبلة للصائم: " اني لارفها رفا والاستملاق، وهو من قولك: ملق الجدي أمه يملقها ملقا. إذا رضعها. وكذلك: ملجها أيضا. واراد، ان الذي يوجب الغسل امتصاص المرأة الرجل، وقبولها ماءه:: كما يقبل الرضيع اللبن، إذا ارتضع. وأراه على هذا التأويل يذهب مذهب الأنصار، في أن الماء من الماء، وقد تقدم ذكر هذا وبينت أن منسوخ. * * * وأما قوله في حديث آخر، وسئل عن مثل هذا فقال: الخفق والخلاط فان الخفق: الجماع. وأصله الضرب. ومنه قيل للدرة: مخفقة. والخلاط، مصدر خالطت المرأة في الجماع خلاطا ومخالطة. وهذا راجع الى معنى الحديث الأول، وان لم يكن فيه ذكر للماء، لأنه لو أراد أن الذي يوجب الغسل: مجاورة الختان الختان، كفاه من الوصف ما دون الخفق والخلاط.
[ 211 ]
ومن الخلاط، قول الحجاج في خطبته: " ليس أوان يكثر الخلاط " يعني: الفساد. وقد سمعت من يرويه: الدفق والخلاط. * * *
[ 212 ]
حديث ابي مسلم الخولاني 1 - وقال في حديث أبي مسلم، أنه أتى معاوية فقال: السلام عليك أيها الأجير، انه ليس من أجير استرعي رعية، الا ومستأجره سائله عنها. فان كان داوى مرضاها، وجبر كسراها، وهنأ جرباها، ورد أولاها على أخراها، ووضعها في أنف من الكلأ، وصفو من الماء وفاه أجره. يرويه اسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن عبد الله عن عطية بن قيس. قوله: رد أولاها على أخراها، يريد: لم يدعها تتفرق وتشذ ولكنه ضمها وجمعها. وذلك من حسن الرعية، هذا إذا كانت قطيعا واحدا، فإذا كثرت الأقطاع والرعاء، فالأحمد عندهم أن تفرق ويفرقوا. ولذلك كانوا يقولون: اللهم حبب بين نسائنا، وبغض بين رعائنا، واجعل المال في سمحائنا. قال الأصمعي: إذا تباغض الرعاء لم يجتمعوا للحديث فيضيق المرعى. ونحو منه، وليس بعينه، اختيارهم للسقي عجيما وعربيا، لا يفهم أحدهما الآخر ليكون أحث للعمل. قال الراجز: هل يروين ذودك نزع معد * وساقيان، سبط وجعد يريد بالسبط: العجمي، وبالجعد: الأسود. ومثله قول الآخر:
[ 213 ]
" من الرجز ". ان سرك الري أخا تميم * فاعجل بعبدين ذ وي وزيم بفارسي وأخ للروم وزيم: لحم وعضل، وأنف الكلا، أوله. يريد: انه يتتبع بها المواضع التي لم ترع. ومنه يقال: استأنفت كذا، إذا ابتدأته. ويقال: روضة أنف. لم ترع. وكأس أنف لم يشرب بها قبل ذلك. كأنه استونف شربها. وقد أنفت، إذا وطئت كلأ أنفا. ويقال: أرض أنيفية، إذا استرعت النبات. وتلك أانف بلاد الله ويقال: أنف الأرض، ما استقبل الشمس من الجلد والضواحي من الجبال. * * *
[ 214 ]
حديث عمرو بن ميمون 1 - وقال في حديث عمرو بن ميمون أنه قال: اياكم وهذه الزعانيف الذين رغبوا عن الناس، وفارقوا الجماعة. يرويه زهير عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون. الزعانيف: فرق الناس، ومن خرج عن جماعتهم، وهي الزعانف، مثل: طواوس، وطواويس. والواحدة زغنفة. وذكر الزيادي عن الأصمعي أنه قال: أصل الزعانف، أطراف الأديم والأكارع. شبه من شذ عن الناس وفارقهم بأطراف الجلد من الأديم. وقال مالك بن نويرة: " من الطويل " فقرب رباط الجون مني فانه * دنا الحل واحتل الجميع الزعانف يقول: صارمتفرقو الناس والنازلون بالأطراف الى جماعتهم الخوف الغارة. وقال أوس بن حجريصف حمارا: " من الطويل " وما زال يغري الشد حتى كأنما قوائمه في جانبيه زعانف يقول: كأن قوائمه لا تقع بالأرض، فهي زيادة في جانبيه. * * *
[ 215 ]
حديث الأحنف بن قيس 1 - وقال في حديث الأحنف، انه كان إذا وفد مع أمير العراق على معاوية، لبس ثيابا غلاظا في السقر، وساق معه ناقة مريا. حدثنيه سهل بن محمد قال: حدثناه الأصمعي عن شيخ من بني حنظلة. الناقة المري، هي التي تدر على المسح، وهو مأخوذ من: مريت أمري مريا، إذا مسحت الضرع. وكان يسوقها معه ليشرب ويسقي من لبنها صحابته في السفر. * * * 2 - وقال في حديث الأحنف، أنه قال: تبادلوا تحابوا وتهادوا تذهب الاحن والسخائم، واياكم وحمية الأوغاب. الأوغاب: هم أرذال الناس، نحو الأوغاد. والعرب تقول: تعوذوا بالله من حمية اللئام. وتقول أيضا: تعوذوا بالله من حمية الأوقاب. والأوقاب: الحمقى، واحدهم وقب. وانما قيل للأحمق، وقب، يراد انه أجوف لا عقل له. كما الله جل وعز: وأفئدتهم هواء، أي: خالية، لا تعي خبرا. وأصل الوقبة: النقرة في الحجر، أو الجبل وكل شئ نقبته، فقد وقبته. قال الشاعر:
[ 216 ]
من الكامل أبني لبيناان أمكم * أمة، وان أباكم وقب أكلت خبيث الزاد فاتخمت * منه وشم خمارها الكلب يقول: تقتات فيه فزهم، فالكلب يشمه. * * * وقال 3 - في حديث الأحنف، انه قال لعمر، ان اخواننا من أهل الكوفة نزلوا في مثل حولاء الناقة من ثمار متهدلة، وأنهار متفجرة. حدثنيه عبد الرحمن عن عمه. وقد ذكر أبو عبيد هذا الحديث، بغير هذا اللفظ. وقال الأصمعي: تقول العرب إذا وصفت الأرض وخصبها: تركت أرض بني فلان في مثل حولاء الناقة وهي جلدة رقيقة تخرج مع الولد، فيها ماء أصفر، وفيها خطوط حمر وخضر. قال الكميت: " من المتقارب " وكالحولاء مراعي المسيم عندك والرثة المنهل وروى، ان المعقر البارقي، وكان قد كف بصره، سمع صوت رعد فقال لابنته: أي شئ ترين. قالت: أرى سحاء عقاقة، كأنها حولاء ناقة، ذات هيدب دان، وسير وان. فقال: يا بنية وائلي الى جنب قفلة، فانها لا تنبت الا بمنجاة من السيل عقاقة، تنعق بالبرق، أي: تنشق. والهيدب مثل الحمل في السحابة، تراه متدليا، وسيروان، أي: ثقيل. والقفل، ضرب من الشجر، واحدته قفلة، وهو أيضا يابس الشجر والمنجاة: ما ارتفع عن المسيل. وقد تشبه الأرض أيضا، إذا كانت مخصبة ذات مرعى بالسابيا. وهو الماء الذي " يخرج " على رأس الولد. قال سحيم عبد بني الحسحاس ينعت الغيم:
[ 217 ]
" من الطويل " له فرق منه ينتجن حوله * يفققئين بالميث الدماث السوابيا والمتهدلة: المسترخية المتعطفة. وفي الحديث، انه حبس الأحنف عبده سنة ' وقال: " اني قد خشيت أن تكون مفوها ليس لك جول ". والجول: العقل. * * * 4 - وقال في حديث الأحنف، انه نعي إليه شقيق بن ثور فاسترجع وشق عليه، ونعي له حسكة الحنظلي فما ألقى لذلك بالا. فغضب من حضره من بني تميم. فقال: ان شقيقا كان رجلا حليما، فكنت أقول: ان وقعت فتنة عصم الله به قومه. وان حسكة كان رجلا مشيعا، فكنت أخشى أن تقع فتنة فيجر بني تميم الى هلكة. حدثناه الرياشي عن الأصمعي. يقال: ما ألقى لقولك. بالا، أي: ما استمع له ولا اكثرت. وأصل البال: الحال. والمشيع هاهنا، العجول. وأصله من قولك شيعت النار تشيعا، إذا القيت عليها ما تذكيها به. والمشيع في غير هذا: الشجاع. * * * 5 - وقال في حديث الأحنف، ان الحسين كتب إليه، فقال للرسول قد بلونا فلانا وآل بني فلان، فلم نجدعندهم ايالة للملك، ولا مكيدة في الحرب. يرويه علي بن محمد عن مسلمة بن محارب عن السكن بن قتادة العريني. الايالة: السياسة. يقال: فلان حسن الايالة، إذا كان حسن القيام على
[ 218 ]
ماله. وكذلك الابالة وأحسبه مأخوذا من الابل. يقال للراعي الحسن الرعية، وهو ترعية آبل. * * * 6 - وقال في حديث الأحنف، انه قال لعلي عليه السلام، يا أبا الحسن اني قد عجمت الرجل، وحلبت أشطره، فوجدته قريب القعر، كليل المدية. يعني: أبا موسى الأشعري. يرويه ابن عيينة عن أبي حمزة المثالي. عجمت الرجل: أي خبرته. وقوله: حلبت أشطره، مثل، يقال: حلب فلان الدهر أشطره، أي اختبر ضروبه من خيره وشره. وأصله: في حلب الناقة، ولها شطران قادمان وآخران فكل خلفين شطر. يقال: أجمع بناقته، إذا صر أخلاقها، وثلث بها، إذا صر ثلاثة أخلاف. وشطر بها إذا صرخلفين، وخلف بها، إذا صر خلفا. وفي الحديث، انه قال له: " وانك قد رميت بحجر الأرض، يعني: عمرو بن العاص. يريد: انك رميت بواحد الأرض دهاء. قال الأصمعي: ويقال أيضا، رمى فلان بحجره، إذا قرن بمثله. 7 - وقال في حديث الأحنف، ان الحتات قال له: والله انك لضئيل وان أمك لورهاء. الضئيل: النحيف الجسم. يقال: هو بين الضؤولة. وكذلك كان الأحنف. وقال يونس في قوله: " من الوافر " أنا ابن الزامرية أرضعتني * بثدي لا أجد ولا وخيم أتمتني فلم تنقص عظامي * ولا صوتي إذا اصطك الخصوم
[ 219 ]
أراد بعظامه: اسنانه. وهي إذا تمت تمت الحروف. ولم يرد عظام جسده، لأنه كان أحنف ضئيلا. وقال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الكوفة مع المصعب، فما رأيت خصلة تذم الا وقد رأيتها فيه. كان صعل الرأس متراكب الأسنان، مائل الذقن، ناتئ الوجه، باخق العينين، خفيف العارضين أحنف الرجل. ولكنه كان إذا تكلم جلى عن نفسه. والصعل: الصغير الرأس. وكانوا يذمون بذلك، ويسمون الصغير الرأس، رأس العصا. قال أحد الشعراء في عمر بن هبيرة: " من الطويل " من مبلغ رأس العصا أن بيننا * ضغائن لا تنسى وان هي سلت لقبه بذلك لأنه كان صغير الرأس. وقال طرفة: " من الطويل " أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه * خشاش كرأس الحية المتوقد البصريون يروونه عن الأصمعي، خشاش، بكسر الخاء، وغيرهم يرويه: خشاش، بفتحها، وهو اللطيف الجسم، الصغير الرأس. فمدح نفسه كما ترى بما يذم به. الباخق العين، المنخسف العين. وذكر الهيثم بن عدي: أن الأحنف بن قيس: اصيبت عينه بسمرقند، وذكره في: " العور الأشراف ". وقال غيره: ذهبت عيني بالجدري. يقال: بخقت عينه، إذا خسفتها. والحنف في الرجل، أن تقبل كل واحدة منهما بابهامها على صاحبتها. وقال ابن الأعرابي: الأحنف، الذي يمشي على ظهر قدميه. والأقفد: الذي يمشي على صدرها.
[ 220 ]
والورهاء من النساء: المتساقطة حمقا، أو هوجا والرجل: أوره ووره. قال حميد بن ثور يذكر امرأة: " من الطويل " جلبانة ورهاء تخصي حمارها * بفي من بغى خيرا لديها الجلامد والجلبانة: الغليظة الخلق الجافيته. قال الأصمعي: وإذا خصت المرأة الحمار لم تستحي بعد ذلك من شئ. * * * 8 - وقال في حديث الأحنف، أنه قال في الخطبة التي خطبها في الاصلاح بني الأزد وتميم، كان يقال: كل أمر ذي بال لم يحمد الله فيه، فهو أكنع. يرويه سفيان عن مجالد عن الشعبي البال: الحال. قال الأصمعي: كان العمري إذا سئل عن حاله قال: بخير، اصلح الله بالكم. قال الله جل وعز: ويصلح بالهم، أي: حالهم. وقوله: فهو أكنع، أي: ناقص. يقال: قد اكتنع الشيخ، إذا دنا بعضه من بعض. وقد تقدم ذكر هذا. وأراد، أن كل مقام ذي جلالة وعظم لم يذكر الله فيه بحمد فهو ناقص. ومثله في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمر ذي بال: لا يبدأ فيه بالحمد، فهو أقطع ". وفي حديث آخر: " كل خطبة ليس فيها شهادة، فهي كاليد الجذماء "، أي: القطعاء. * * *
[ 221 ]
حديث علقمة بن قيس 1 - وقال في حديث علقمة بن قيس، أن امرأة ماتت، وأوصت بثلثها. وكان نسوة يأتينها متشارجات لها. فقال علقمة: خذوا ما أوصت به لكم، واسألوا عن النسوة اللاتي كن يختلفن إليها: هل بينهن وبينها قرابة فسألوهن عن ذلك، فوجدوا احداهن بنت أختها، أو بنت أخيها لأمها، فأعطاها علقمة ميراثها. يرويه أبو الأحوص عن الأعمش عن ابراهيم. قوله: متشارجات لها، أي: أتراب لها واقران وأشكال. وهو من قولك: هذا شرج هذا وشريجه، اي: مثله في السن. وتقول: هذه مشارجة هذه، وهن مشارجاتها. كما تقول: هذه مشاكلة هذه، وهن مشاكلاتها. وتقول: شارجت هذه هذه. كما تقول: شاكلت. * * *
[ 222 ]
حديث الأسود بن يزيد 1 - وقال في حديث الأسود، أنه كان يصهر رجليه بالشحم وهو محرم. يرويه وكيع عن الأعمش عن خيثمة. قوله: يصهر رجليه، أي: يدهنها بالشحم. والأصل في صهرت: أذبت. ومنه قول الله جل وعز: يصهر به ما في بطونهم، قال أبو عبيدة: يذاب به. وأنشد للعجاج: شك السفافيد الشواء المصطهر قال: وإذا أذبت الألية فتلك الصهارة. يقال: صهرتني الشمس. وقال ابن أحمر، وذكر القطاة: " من السريع " تروي لقى ألقي في صفصف * تصهره الشمس فما ينصهر تروي: أي تصير رواية لفراخها، كما يروى البعير أو الحمار إذا نقل الماء. وظاهر لفظ الحديث: يذيب رجليه. وليس كذلك. انما اشتق لمعنى يدهن رجليه فعلا من المصهور. وهو ما أذيب من الشحم، كما تقول من الشحم: شحمت رجلي وخفي. إذا دهنته بالشحم. وزت يديه، إذا دهنتها بالزيت. كذلك تقول: صهرت رجله، إذا دهنتها بالصهير. * * *
[ 223 ]
حديث عروة بن الزبير 1 - وقال في حديث عروة بن الزبير، أن الحجاج رآه قاعدا مع عبد الملك بن مروان، فقال له: أتقعد ابن العمشاء معك على سريرك لا أم له، فقال له عروة: أنا لا أم لي، وأنا ابن عجائز الجنة. ولكن ان شئت أخبرتك بمن لا أم له يابن المتمنية. فقال عبد الملك: أقسمت عليك أن تفعل، فكف عروة. قوله: يا بن المتمنية، أراد أمه، وهي الفريعة بنت همام، ام الحجاج بن يوسف. وكانت تحت المغيرة بن شعبة. وهي القائلة: " من البسيط " ألا سبيل الى خمر فأشربها * أم لا سبيل الى نصر بن حجاج وكان نصر بن حجاج من بني سليم. وكان جميلا رائعا، فمر عمر بن الخطاب ذات ليلة، وهذه المرأة تقول: ألا سبيل الى خمر فأشربها. فدعا بنصر بن حجاج، فسيره الى البصرة، فأتى مجاشع. ابن مسعود السلمي، وعنده امرأته شميلة، وكان مجاشع أميا. فكتب نصر على الأرض: أحبك حبا لو كان فوقك لأظلك، ولو كان تحتك لأقلك. فكتبت المرأة. وأنا والله. فكب مجاشع على الكتاب اناء، ثم أدخل كاتبا فقرأه، فأخرج نصرا وطلقها. وكان عمر بن الخطاب سمع أيضا قائلا بالمدينة يقول:
[ 224 ]
" من الطويل " أعوذ برب الناس من شر معقل * إذا معقل راح البقيع مرجلا يعني: معقل بن سنان الأشجعي. وكان قدم المدينة فقال له عمر بن الخطاب: ألحق بباديتك. * * *
[ 225 ]
حديث محمد الباقر بن علي ابي جعفر 1 - وقال في حديث أبي جعفر، انه قال: ذكاة الأرض يبسها. حدثنيه خالد بن محمد عن هشام بن عبد الملك عن المطلب بن زياد الزهري عن محمد بن هاجر. قوله: ذكاة الأرض يبسها. يريد: طهارتها من النجاسة، مثل: البول وأشباهه، بأن تجف ويذهب أثر تلك النجاسة. فأما إذا كان المكان رطبا، أو كان الأثر باقيا، فانه لا يطهرها الا الماء الجاري على المكان. كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام يصب الماء على بول الأعرابي. وحدثني عنه أيضا، ان معمر بن خثيم قال له: اني أتوضأ فأخرج الى الصلاة، فأمر بالمكان الرطب، لأ أحبسته الا بولا فقال له: " امض لصلوتك. فان الأرض يطهر بعضها بعضا ". يعني: ان اليابس منها يطهر من نجاسة الرطب، والطيب منها يطهر الخبيث. وشبه يبس الأرض، إذ كان يطهرها، ويحل للمصلي أن يصلي عليها بالذكاة للذبيحة، إذ كانت تطيبها وتحلها. والذكاة: الحياة، وأصلها من ذكت النار وهي تذكو، إذا حيت واشتعلت. فكأن الأرض إذا نجست، بمنزلة الميتة، فإذا جفت أو صب عليها الماء ذكت، اي: حيت. * * *
[ 226 ]
حديث ابي وائل شقيق بن سلمة 1 - وقال في حديث أبي وائل، أنه ذكر رجلا أصابه الصفر، قنعت له السكر فقال: ان الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. هو من حديث ابن عيينة. الصفر والجبن واحد. وهما: اجتماع الماء في البطن. يقال: صفر الرجل فهو مصفور. قال العجاج: " من الرجز " قضب الطبيب نائط المصفور والنائط: عرق يقطع للمصفور، فتخف عن قطعه علته. وقد يقال له: الصفار، كما يقال: الكباد. ويقال: الصفر، كما يقال: الطحل، لوجع الطحال. يقال: صفر يصفر صفرا. كما يقال: طحل يطحل طحلا. قال ابن أحمر: " من الوافر " أرانا لا يزال لنا حميم * كداء البطن، سلا أو صفارا * * *
[ 227 ]
حديث صلة بن اشيم 1 - وقال في حديث صلة، أنه قال: خرجت الى حشر لنا، والنخل سلب، وكان سريع الاستجاعة، فسمعت وجبة، فإذا سب فيه دوخلة رطب، فأكلت منها، فلو أكلت خبزا ولحما ما كان أشبع لي منه. حدثنيه سهل عن الأصمعي عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن صلة. الحشر: قد تقدم تفسيره في حديث عمر. وقوله: النخل سلب، أي: لا حمل عليه، وهو جمع سلب. يقال: نخلة سليب، " فعيل " في معنى " مفعول "، ونخل سلب، وشجر سلب، إذا سقط ورقه. قال ذو الرمة وذكر الرئال: " من البسيط " كأن أعناقها كسراث سائفة * طارت لفائفه أو هيشر سلب والهيشر: شجر. والكراث نبت، ولفائفه: قشوره. وسائفه: مسترق الرمل. والاستجاعة: الجوع. والسب: الثوب الرقيق. وجمعه: سبوب. وهو الخمار. والدوخلة مشددة اللام. وكذلك القوصرة مشددة الراء والعوام تقولها بالتخفيف. * * *
[ 228 ]
حديث صفوان بن محرز 1 - وقال في حديث صفوان، أنه كان إذا قرأ هذه الآية، بكى حتى يرى لقد اندق قضيض زوره: وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. بلغني عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن عاصم عن عبد الله بن رباح. قوله: قضيض زوره: هو عندي غلط من بعض نقلة الحديث. وأراه: قصص زوره. وهو وسط الصدر. وفيه لغة أخرى: قص، وهو المستعمل في الكلام، فأما قصص، فانه لأهل الحجاز. والعرب تقول في مثل: " هو ألزم لك من شعرات قصصك وقصك ". لأنه كلما حلق نبت. والعامة تقول: قس الشاة. وهو خطأ. * * *
[ 229 ]
حديث ابي العالية الرياحي 1 - وقال في حديث أبي العالية الرياحي، أنه قال في قول الله: يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم، ما بين الحدين، حد الدنيا وحد الآخرة. يرويه وكيع عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية. وروى شعبة عن الحكم عن ابن عباس، أنه قال في ذلك: ما دون الحدين، حد الدنيا، وحد الآخرة. أما حد الدنيا فيما يجب فيه الحد من الذنوب في الدنيا، مثل السرق والزنا، وقذف المحصنة وشرب الخمر. وأما حد الآخرة، فما أوعد الله عليه العذاب في الآخرة، مثل: أكل مال اليتيم، وقتل النفس. وأراد: ان اللمم من الذنوب، ما كان بين هذين من صغار الذنوب التي لم يوجب الله بها حدا في الدنيا، ولا أوجب عليها تعذيبا في الآخرة. وهذا معنى قول الله جل وعز: ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه يكفر عنكم سيئاتكم فالسيئات التي يكفر الله على تأويل حديث ابن عباس وأبي العالية، هي اللمم. وغيرهما يذهب الى أن اللمم: الذنب يلم به الرجل، ثم لا يعود إليه. واللفظ يحمل المعنيين جميعا. * * *
[ 230 ]
حديث عطاء بن يسار 1 - وقال في حديث عطاء بن يسار، أنه قال: قلت، للوليد بن عبد الملك، قال عمر بن الخطاب: وددت أني سلمت من الخلافة، كفافا علي ولا لي، فقال: كذبت، أالخليفة يقول هذا فقلت: أو كذبت قال: فأفلت منه بجريعة الذقن. حدثنيه سهل عن الأصمعي عن اسحق بن يحيى بن طلحة عن عطاء بن يسار. وخبرني عن الأصمعي، أنه قال: هذا مثل، يقال: " أفلت فلان بجريعة الذقن " يراد: ان نفسه صارت في فيه. قال: وقال أبو زيد: يقال: أفلتني فلان جريعة الذقن إذا كان منه قريبا كجرعة الذقن. وقال الهذالي في مثل قول الأصمعي: " من الطويل " نجا سالم، والنفس منه بشدقه * ولم ينج الا جفن سيف ومئزرا. * * *
[ 231 ]
حديث سعيد بن المسيب 1 - وقال في حديث سعيد بن المسيب، أنه قال ذات يوم: اكتبق يابرد أني رأيت موسى النبي يمشي على البحر، حتى صعد الى قصر، ثم أخذ برجلي شيطان فألقاه في البحر، واني لا أعلم نبيا هلك على رجله من الجبابرة، ما هلك على رجل موسى. وأظن هذا قد هلك. يعني عبد الملك بن مروان، فجاء نعيه بعد أربع. حدثنيه عبد الرحمن عن الأصمعي عن ابن أخي الماجشون قال: اخبرني زوج بنت سعيد بن المسيب بذلك عن سعيد. قوله: هلك على رجله، أي: في زمانه وأيامه. يقال: هلك القوم على رجل فلان، أي بعهده. 2 - وقال في حديث ابن المسيب، ان علي بن زيد قال: سمعته وهو ابن أربع وثمانين، وقد ذهبت احدى عينيه ويعشو بالأخرى يقول: ما أخاف على نفسي فتنة هي أشد علي من النساء. حدثنيه محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن علي بن زيد قوله: يعشو بالأخرى، أي: يبصر بها بصرا ضعيفا. يقال: عشوت الى النار أعشو عشوا. إذا استدللت إليها ببصر ضعيف. ومنه قول الحطيئة: " من الطويل متى تأته، تعشو الى ضوء ناره * تجد خير نار عندها خير موقد
[ 232 ]
وانما يعشو إليه لظلمة الليل، لأنه لا يبصر في الليل، إلا بصرا ضعيفا. وقال الأعشى " وذكر امرأة ": " من المتقارب " عشوت إليها إذا ما الظلام * ألبسنا حبشيا مجوبا * * * 3 - وقال في حديث سعيد بن المسيب، أن أبا حازم قال: ان ناسا انطلقوا إليه يسألونه عن بعير لهم فجئه الموت، فلم يجدوا ما يذكونه به، الا عصا، فشقوها فنحروه بها، فسألوه، وأنا معهم. فقال: ان كانت مارت فيه مورا، فكلوا، وان كنتم ثردتموه فلا تأكلوه. يرويه ابن عيينة عن أبي حازم. قوله: مارت فيه، أي: ذهبت وجاءت. ومنه قول الله جل وعز: يوم تمور السماء مورا، أي تجئ وتذهب. وقال أبو عبيدة: تكفأ وهو نحوه. وأنشد للأعشى: " من البسيط " كأن مشيتها من بيت جارتها * مور السحابة، لا ريث ولا عجل وقوله: ثردتموه، من التثريد في الذبح، وهو أن تذبح الذبيحة بشئ ليس له حد، فيعذبها الذابح ولا يسيل الدم الا قليلا. وليس هذا بذبح، انما هو قتل. * * * 4 - وقال في حديث ابن المسيب، أنه كان لا يرى بالتذنوب أن يفتضخ بأسا. يرويه هشام عن أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب وعن الحسن أيضا.
[ 233 ]
التذنوب: البسر الذي قد بدأ فيه الارطاب من قبل الذنب. يقال: ذنبت البسرة، فهي مذنبة. وروى عن أنست بن مالك، أنه كان لا يقطع التذنوب من البسر إذا أراد أن يفتضخه. وفي هذا الحديث ما دل على أنه يقال أيضا للموضع الذي بدأ في الارطاب من البسر: تذنوب. وروى عن أبي هريرة، انه كان يقطع ذلك ويفتضخ ما خلص من البسر. ولا أراه كرهه الا لأنه كالخليطين. وقوله: يفتضخ، أي: يشدخ ويتخذ من الفضيخ ". * * * 5 - وقال في حديث ابن المسيب، أن رجلا قال لامرأته: ان مشطتك فلانة فأنت طالق ألبتة. فدخل عليها فوجدها تعقص رأسها وومعها امرأة أخرى، فقالت امرأته: والله ما مشطتني هذه الجالسة، ولكن لم تحسن أن تعقصه، فعقصته هذه. فسئل سعيد عن ذلك فقال: ما مشطت ولا تركت، ولا سيبلع عليه في امرأته. يرويه عبد الله بن صالح عن الليث عن يونس بن يزيد عن زريق بن حكيم. قوله: ما مشطت ولا تركت. هو بمنزلة قولك: عملت وما عملت. يريد: أنها عملت شيئا شيئا يسيرا من عمل كثير. وان الحلف انما يقع على معظم العمل. وقوله: ولا سبيل عليه في امرأته، يعني: أنها لم تطلق، لأن الذي ولي أكثر العمل غيرها، وانما كانت هي معينة في شئ يسير. * * * 6 - وقال في حديث سعيد أنه قال: لا ربا الا في ذهب أو فضة، أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب. حدثنيه محمد عن القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن سعيد. أراد: ان كل شئ يجوز أن يباع منه الواحد بالاثنين والثلاثة وأكثر، خلا هذه
[ 234 ]
الأشياء، فان الربا يدخلها، فلا يجوز أن يباع الواحد منها الا بمثله من صنفه نقدا، نحو: درهم بدرهم، وصاع حنطة بصاع حنطة، ورطل زبيب برطل زبيب، فان يختلف النوعان منهما جاز أن يباع الواحد بأكثر منه نقدا. نحو الحنطة بالشعير، والتمر بالزبيب، والذهب بالفضة. هذا قول سفيان. وأما مالك فانه قال: ان كان اختلافهما بائنا، جاز أن يباع الواحد بأكثر منه، مثل التمر بالحنطة. والزبيب والشعير. وان كان اختلافهما متقاربا، مثل الحنطة بالشعير. والسلب بالحنطة، لم يجز الا واحد بواحد. وأما غير هذه من سائر الأشياء التي تكال أو توزن، مما لا يؤكل أو يشرب، مثل القطن والعصفر، والقت والحديد، والشبه والرصاص، وجميع العروض من الثياب وغيرها، فجائز أن يباع الواحد بالاثنين والثلاثة وأكثر من جنسه نقدا، لأن الربا لا يقع فيها. فان اختلف النوعان من هذه فان مالكا قال: ان كان اختلافهما متقاربا، مثل: الشبه والصفر، والرصاص والأسرف، كرهت أن يباع الواحد منها بأكثر منه الى أجل، وان كان اختلافا بائنا، كالحديد بالرصاص، والقطن بالزعفران، فلا بأس أن يباع الواحد بأكثرمنه نقدا، أو الى أجل. * * *
[ 235 ]
حديث وهب بن منبه 1 - وقال في حديث وهب، أنه قال: قرأت في الحكمة، ان الله يقول: أني قد أويت على نفسي أن أذكر من ذكرني. يرويه عمر بن وهب عن صالح المري عن أبان عن وهب. قوله: وأيت على نفسي، غلط من بعض النقلة، الا أن يكون مما قلب. والصحيح: وأويت، من الوأي، وهو الوعد. يقول جعلته وعدا على نفسي. يقال: وأويت أي وأيا، إذا وعدت. وقال أبو الأسود: " من الكامل " وإذا وأييت الوأي كنت كضامن * دينا أقر وأحضر كاتبا فاما أويت، فمعناه: رحمت. تقول: أويت لفلان، فأنا آوي له أية أي: رحمته. ومنه قول الشاعر: " من الطويل " رآني، ولا كفران لله أية * لنفسي، لقد طالبت غير منيل أي: رحمة لنفسي. وقال الحسن: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى، حتى يؤوي له. وتقول: أويت الى بني فلان، بالقصر، وآويت فلانا بالمد، وتأييت:
[ 236 ]
تلبثث. يقال: ليست الدنيا منزل تئية، أي: منزل تلبث. قال الشاعر: " من الكامل " ومناخ غير تئية عرسته * قمن من الحدثان نابي المضجع وتأييت، مثال: تعاييت، أي: تعمدت. * * * 2 - وقال في حديث وهب، أنه قال في قصة ابراهيم، انه واسماعيل كانا يبنيان البيت، فيرفعان كل يوم مد ماكا. حديثيه عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب. قال الأصمعي: المدماك: الصف من اللبن أو الحجارة، بلغة أهل الحجاز، وهو الذي يسميه العراقيون: الساف. * * * 3 - وقال في حديث وهب، أنه قال: كان الرجل لا ينكر عمل السوء على أهله، جاء طائر يقال له: القرقفنة، فيقع على مشريق بابه، فيمكث هناك أربعين يوما، فان أنكر طار فذهب، وان لم ينكر مسح بجناحيه على عينيه، فلو رأي الرجل مع امرأته تنكح، لم ير ذلك قبيحا. فذلك: القنذع الديوث، لا ينظر الله إليه. يرويه أبو النضر عن قرط بن حريث عن أبي سعيد المدائني. مشريق الباب: مدخل الشمس. وأما القنذع: فهو والديوث سواء، وهو: " فنعل "، من القذع. والقذع: القبيح. والديوث، من التدييث، وهو التذليل. كأن الذي لا يغار، قد جمع الى القبح الذل. * * *
[ 237 ]
حديث أبي مجلز لاحق بن حميد 1 - وقال في حديث أبي مجلز أنه قال: قلت لرجل، وهو على مقلتة: أتق رعته، وصرع غرمته، ولو صرع عليك رجل وأنت تقول: اليك عني، فأيكما مات غرمه الحي منكما. يرويه عبد الملك بن الصباح عن عمران بن حدير عن أبي مجلز. المقلتة: المهلكة. وهو من القلت. والقلت: الهلاك. يقال: قلت فلان، يقلت قلتا، إذا هلك. وحكى الأصمعي عن رجل من الأعراب أنه قال: " ان المسافر ومتاعه على قلت، الا ما وقى الله ". ومنه قيل: امرأة مقلات، إذا كانت لا يبقى لها ولد. بمعنى: مهلاك. قال بشر بن أبي خازم يذكر قتيلا: " من الطويل " تظل مقاليت النساء يطانه * يقلن: ألا يلقى على المرء مئزر وكان أهل الجاهلية يقولون: ان المقلات إذا وطئت سيدا مقتولا أحيت. قال الكميت، يذكر الحسين بن علي عليهما السلام حين قتل: " من الخفيف ". وتطيل المرزءآت المقاليت إليه القعود بعد القيام.
[ 238 ]
وقوله: غرمته، أي: وديته. وكان يذهب في هذا، الى أنه لا يضيع دم رجل مسلم. وكان ابن الزبير يقول: من قضى هذا القضاء، فعليه لعنة الله. يعني: عبد الملك بن مروان. ولو أن رجلا سقط على آخر فمات كان عليه ديته. وكان ابن الزبير يقول: ليس عليه ضمان. * * * 2 - وقال في حديث أبي مجلز، أ نه قال: إذا كان الرجل مختلجا، فسرك ألا تكذب فانسبه الى امه يرويه معاذ عن عمران عن أبي مجلز. المختلج: هو الذي نقل عن قومه، ونسبه منهم إلى قوم آخرين ونسبهم. وهو من: الخلج، والخلج: الجذب، كأنه جذب منهم وانتزع كالحميل، وهو الذي يحمل من بلاده صغيرا، فيعزى الى من صار إليه. وقوله: فانسبه الى أمه، يريد: الى رهطها، ولم يرد النسبة إليها بعينها. حدثني أبو حاتم عن الأصمعي، قال: كنت أمشي مع المعتمر فقال لي: مكانك حتى أشهك. ثم قال: قال لي: أني إذا كتبت صكا، فا تكتب: معتمر بن سليمان التيمي، ولا تكتب المري، فان أبي كان مكاتبا لبجير بن حمران، وان أمي كانت مولاة لبني سليم. فان كان أدى المكاتبة، قالوا: لا لبني مرة، وهو: مرة ابن عباد بن صبيعة بن قيس، فاكتب: القيسي. وان لم يكن أدى المكاتبة قالوا: لا لبني سليم، وهو: من بني قيس عيلان، فاكتب: القيسي. * * *
[ 239 ]
حديث القاسم بن محمد بن ابي بكر 1 - وقال في حديث القاسم بن محمد، انه قال: لو أن رجلين شهدا لرجل على حق، أحدهما شطير، فانه يحمل شهادة الآخر يرويه حماد بن سلمة عن اياس بن معاوية عن القاسم. الشطير: الغريب، وجمعه: شطر. والأصل في الشطير والغريب: البعد. ومنه قيل: شاطر، وشطار، لأنهم يغيبون كثيرا ويبعدون عن منازلهم. وأنشد الفراء: " من الرجز " لا تتركني فيهم شطيرا * اني اذن أهلك أو أطير أي: لا تتركني غريبا. وأراد القاسم، أن الشاهدين إذا كان أحدهما قرابة للمشهود له، حملت شهادة الغريب شهادته. ويوضح هذا قول قتادة: شهادة الابن للأب، والأب للابن أو الأخ لأخيه أو الزوج لامرأته، كل ما كان من هذا معه شطير جاز * * * 2 - وقال في حديث القاسم، انه قال في رجل نذر أن يمشي، فأعيا بمشي ما ركب، ويركب ما مشى. حدثنيه أبو وائل قال: حدثنيه عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن موسى بن عبيدة عن القاسم.
[ 240 ]
يريد: انه ينفذ لوجهه ثم يعود فيركب الى الموضع الذي عجز فيه عن المشي، ثم يمشي من ذلك الموضع كلما ركب فيه من طريقه، ويركب كلما مشى فيه. والى هذا يذهب مالك: إذا عجز ركب ثم عاد فمشى من حيث عجز، فان كان لا يستطيع المشي فليمش ما قدر عليه، ثلم ليركب وعليه هدي. * * *
[ 241 ]
حديث سالم بن عبد الله بن عمر 1 - وقال في حديث سالم، أنه كان يلي صدقة عمر، فإذا دفت دافة الأعراب وجهها أو عاقتها فيهم، وهي مسبلة حدثنيه أبو حاتم عن الأصمعي عن نافع بن أبي نعيم. دافة الأعراب: من يرد منهم. واصله من: الدفيف، وهو سير لين. يقال: دف يدف دفيفا، ودب يدب ويدج ونحوه. وحدثني أبو حاتم أيضا عن الأصمعي عن العلاء بن أسلم قال: مات في الجارف أربعة أيام، في كل يوم سبعون ألفا، فالناس اليوم بنو دواف الأعراب، وحوالي القرى، وعواقب الجيوش. ومعنى حديث سالم، انه كان يؤثر الأعراب هذه الصدقة السبلة، أو بأكثرها إذا قدموا عليه لجذب بلادهم وضيق عيشهم، ولا يمضيها في الوجوه التي جعلها فيها المتصدق. ويرى أن ذلك أفضل وأوجب. * * *
[ 242 ]
حديث عمرو بن معد يكرب 1 - وقال في حديث عمرو بن معد يكرب، أنه قال يوم القادسية: يا معشر المسلمين، كونوا أسدا عناشا، فانما الفارسي تيس إذا القى نيزكه. حدثنيه محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي اسحق عن ابن عيينة عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس. قال رأيت عمرا يومئذ يقول ذلك. قوله: عناشا، هو من: عانشت الرجل، أي: عانقته، وعانشت وعانقت بمعنى واحد. والعناش: مصدر عانشت. يقال: رجل عناش عدو، إذ كان يعانق قرنه في النزال. كذلك جاء هذا الحرف على المصدر، وقد يوصف الرجل بمصدر الفعل. وفي هذا الحديث: " ان عمرا حمل على الاسوار فأعتنقه، ثم ذبحه وأخذ سلبه. ومثله مما يوصف بالمصدر: رجل كرم، وقوم كرم، ونساء كرم. لا يجمع ولا يؤنث. قال الشاعر: " من الوافر " وأن يعرين، ان كسي الجواري * فتنبو العين عن كرم عجاف ومنه قول عبيدالله بن جعفر للحسين، ورأى ناقته قائمة على زمامها بالعرج، وكان مريضا: أيها النوم، أيها النوم، وظن أنه نائم، وإذا الرجل مثبت وجعا. ويقال: هذا رجل صوم وفطر، ورجال صوم وفطر. * * *
[ 243 ]
حديث زياد بن أبي سفيان 1 - وقال في حديث زياد، أنه قال في خطبة له: قد طرفت أعينكم الدنيا وسدت مسامعكم الشهوات، ألم تكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار. وهذه البرازق، فلم يزل بهم ما ترون من قيامكم بأمرهم، حتى انتهكوا الحريم، ثم أطرقوا وراءكم في مكانس الريب. بلغني عن أبي الحسن المدائني. قوله: طرفت أعينكم الدنيا، أي: طمحت بأبصاركم إليها، وشغلتكم عن الآخرة. يقال: امرأة مطروفة بالرجال، إذا كانت تطمح إليهم. وهذا رجل مطروف، إذا كان لا يرى شيئا الا علقه ولهي عما في يديه. يقال: ليت شعري ما طرفك عني، إذا استبطأته. قال الشاعر: " من الطول " ومطروفة العينين، خفاقة الشحا * منعمة كالريم، طابت وطلت طلت، أي: مطرت. دعا لها بذلك. البرازق: المواكب والجماعات. ومنه الحديث: " لا تقوم الساعة حتى يكون الناس برازيق "، أي: جماعات. يقال: برازق، وبرازيق. كما يقال طواوس وطواويس. ويقال أصل الحرف فارسي: " برزه " قال الشاعر: " من الرجز " أرضا بها الثيران كالبرازق
[ 244 ]
وقوله: أطرقوا وراءكم في مكانس الريب. يريد: استتروا بكم. والمكانس: جمع مكنس. وأصله موضع الظبي من أصل الشجرة الذي يقيل فيه. يقال: كنس الظبي، فهو كانس، إذا دخله، ويقال له: كناس أيضا. * * * 2 - وقال في حديث زياد، أنه قال على المنبر: ان الرجل ليتكلم بالكلمة لا يقطع بها ذنب عنز مصور لو بلغت امامه، لسفك دمه. بلغني عن أبي الحسن المدائني. قال أبو زيد: المصور، هي من المعز خاصة، وجمعها: مصائر، وهي التي انقطع لبنها الا قليلا. ومثلها من الضان: الجدود. قال الأصمعي: انما قيل لها مصور، لأنه يتمصر لبنها قليلا قليلا. والمصر والفطر: الحلب باصبعين أو بثلاث. فان حلبتها الكف، فقد صفقتها وهو الصف. وأما الضب، فهو الحلب بأطراف الأصابع. وأراد زياد، أن الرجل يتكلم بالكلمة لا تنفعه ولا تجدي عليه ' وفيها ضرب عنقه لو بلغت سلطانه. ولمثل هذا قيل: " مقتل الرجل بين فكيه ". * * *
[ 245 ]
حديث أبي الأسود الدؤلي 1 - وقال في حديث أبي الأسود، أنه قال: عليكم فلانا فانه اهيس أليس، الدملحس، ان سئل أرز، وان دعي انتهز. قال الزيادي عن الأصمعي عن عيسى بن عمر. قال الأصمعي: الأهيس، الذي يدور ويهوس. والأليس: الذي لا يبرح. يقال: ابل ليس على الحوض. وأراد أنه يدور في مكان واحد، ويدور في طلب شئ يأكله، ويقعد عما سوى ذلك. وأصل اهيس، الواو، الا أنه وازى به أليس. والملس: الذي لا يظهر له شئ الا أخذه، وهو من لحست الشئ. وقوله: ان سئل أرز، اي: انقبض. يقال: فلان يأرز أروزا، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام: " ان الاسلام ليأرزالى المدينة، كما تأرز الحية الى جحرها " أي: ينضم وتنقبض. وقوله: ان دعي انتهز، اي افترض ذلك. وهي الفرصة والنهزة. وروى من وجه آخر: ان سئل آرتز، وان دعي آهتز. ارتز: أي: ثبت مكانه ولم يهش ولم ينبسط. حدثنا الرياشي عن الأصمعي عن شيخ من قريش، انه قال: قام رجل الى المختار فقال: تهزني فأهتز، أم ترزني فأرتز، فقال أهزك. فقال: اني قرأت عند
[ 246 ]
بلعان فوجدت رجلا من القصران، يخرج في العبدان، يغلب على الكوفان. أراد: تقبضني فأنقبض، وأثبت مكاني، أو تبسطني فأنبسط. ومنه يقال: ارتز السهم، إذا ثبت السهم، إذا ثبت في الأرض. حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: كان السليك يحضر فتقع السهام من كنانته فترتز. والهزة: حركة، ومنه يقال: فلان تأخذه للمعروف هزة. ومنه: اهتزاز الموكب. والقصران: جمع قصير، نحو قضيب وقضبان، وكثيب وكثبان. ومثله في الصفة: صغير وصغران. قال بعض الرجاز: " من الرجز " الرحم بلها بخير البلان * فان فيها للديار العمران وأمر المال ونبت الصغران * فانما اشتقت من اسم الرحمن ويكون القصران، جمع قصر، والعبدان جمعا لعبد. مثل: بطن وبطنان، وسمن وسمنان. * * *
[ 247 ]
حديث ابي رجاء العطاردي 1 - وقال في حديث أبي رجاء، أنه قال: ياتونني فيحملونني، كأنني قفة حتى يضعوني في مقام الإمام، فأقرأ بهم الثلاثين والأربعين في ركعة. يرويه سعيد بن عامر عن أسماء بن عبيد. قوله: كأني قفة. ذكر الزيادي عن الأصمعي، أن القفة من الرجال، القصير الجرم. يقول: قد انضم بعضي الى بعض من الهرم، فكأني صغير الجرم ولست كذلك. وقال يعقوب في قول الناس: كبر فلان حتى صار كأنه قفة، والقفة: الشجرة اليابسة البالية، وكأنه من قفت الأرض، إذا يبس بقلها، وقفت الشجرة إذا يبست. * * * 2 - وقال في حديث أبي رجاء، أنه قال: لما بلغنا أن النبي عليه الصلاة والسلام قد أخذ في القتل هربنا، فاستثر ناشلوا أرنب دفينا، وألقينا عليها من بقول الأرض، وفصدنا عليها، فلا أنس تلك الأكلة. يروى عن عثمان الشحام عن أبي رجاء. قوله: فصدنا عليها، يعني الإبل، وكانوا يفصدونها ويعالجون ذلك الدم ويأكلونه ويشربونه عند الضرورة. ويقال في مثل: " لم يحرم من فصد له ":
[ 248 ]
وبعضهم يقول: فزد له أي: لم يحرم من نال بعض حاجته. ان لم ينلها كلها كما لم يحرم من فصد له عند الضرورة. والشعوبية تعيب العرب بالفصد. والمجدوح والعلهز والفظ والقد والحيات. فأما الفصد، فهوما ذكرته، والمجدوح من الدم. وكانوا إذا جهدهم العطش في مسيرهم نحروا بعيرا، وتلقو البته باناء حتي يسيل الدم، ثم تركوه حتى يبرد، فإذا برد ضربوه بالأيدي وجدحوه من المفازه. والعلهز: قد تقدم تفسيره في حديث النبي صلى الله عليه وسلم. والفظ: أن ينحروا بعيرا فيعتصروا فرثه ويتصافنوا ماء ". وهذه أشياء كانوا يفعلونها عند الضرورات وفي الأسفار والمجاعات وكذلك الحيات، انما كان يأكلها نازلة القفار والفلوات من الفقر أو من لا يجد حيلة. وانما كان يكون هذا عيبا لو كانت العرب مختارة له في حال الغنى واليسر. وكانت تمدحه وتحمد آكليه. وقد ذكرت هذا وأشباهه في كتاب " فضل العرب والتنيبه على علومها " واحتججت عنها فيه بما فيه كفاية ان شاء الله. وكان أبو رجاء ممن أدرك الجاهلية والنبي، ولكنه أسلم بعده. حدثنا الرياشي عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، قال: قلت لأبي رجاء، ما تذكر قال: أذكر قتل بسطام بن قيس على الحسن، قال الأصمعي: والحسن حبل رمل. قال ثم أنشد أبو حاتم: " من الوافر " وخر على الألاءة لم يوسد * كأن حبينه سيف صقيل
[ 249 ]
حديث يحيى بن يعمر العدواني 1 - وقال في حديث يحيى بن يعمر، أن امراة خاصمت زوجها إليه، فقال ابن يعمر ألأن سألتك ثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها. حدثنيه السجستاني عن الأصمعي عن عيسى بن عمر. الشبر: النكاح، ومنه قول النبي في دعائه لعلي وفاطمة: " جمع الله شملكما وبارك في شبركما ". ومنه حديثه: " أنه نهى عن شبر الجمل "، يريد، أخذ الكراء على ضرابه فسمى الكراء شبرا، باسم الضراب ومثله: " نهيه عن عسب الفحل، وأنشدني عبد الرحمن عن عمه، لأم الخيار صاحبة أبي النجم، تقوله لأبي النجم: " من الرجز " لقد فخرت بقصير شبره * يجئ بعد فعلتين قطره يريد: أنه لا يطاول في النكاح، والشبر، بفتح الباء: العطاء، قال العجاج: " من الرجز الحمد لله الذي أعطى الشبر ويروي: الحبر، أيضا وهو السرور. ومنه قول " عبد الله ": " آل عمران " غنى، " النساء " محبرة. أي: سرور. وقال الله جل وعز: فهم في روضة يحبرون. فإذا أردت
[ 250 ]
المصدر، فهو الحبر، بسكون الباء، قال الأصمعي: وقال في مثل: " شبر فتشبر "، أي: كرم فتفتح. قال: ولا أعرف أصل المثل. والشكر: البضع. ويقال الفرج. وقال أبو ذؤيب، أو ابنه أبو شهاب في امرأة: " من الطويل " صناع باشفاها، حصان بشكرها * جوادبقوت البطن، والعرق زاخر أي: عرقها يسمو بها. وقوله: تطلها، هو من قولك: طل دمه إذا بطل وهدر. يقال: طل الدم، وأطله الله، وطله. إذا هدر. ورواه غير أبي حاتم: تلطها، فان كان هذا هو المحفوظ، فهو من: لططت في الخصومة. وفيه لغة أخرى: ألططت. ومنه يقال: فلان ملط، إذا دفع عن الحق ولزم الباطل. واللغة الأولي هي المعروفة الجيدة. قال الأصمعي: وكل شئ سترته، فقد لططته. ومنه قول الشاعر: " من السريع " نلط دون الحق بالباطل وقوله: وتضهلها، أي: تردها الى أهلها وتخرجها. من قولك: ضهلت الى فلان، إذا رجعت إليه. ومن قولك: هل ضهل اليك من مالي شئ، أي: هل عاد اليك. وقال ذو الرمة: " من الطويل " أفياء بطيئا ضهولها والضهل أيضا: القليل. ويجوز أن تجعله منه. فأراد ابن يعمر: لما سألتك المهر تبطل حقها وترجعها * * *
[ 251 ]
حديث عمر بن عبد العزيز 1 - وقال في حديث عمر بن عبد العزيز أن عدي بن أرطأة كتب إليه، أن عندنا قوما أكلوا من مال الله، وانا لا نقدر أن نستخرج ما عندهم حتى يمسهم شئ من العذاب. فكتب إليه عمر: انما أنت ربذة. من الربذ، فوالله لأن يلقوا الله بخيانتهم أحب الي من أن ألقى الله بدمائهم، فافعل بهم ما يفعل بغريم السوء. حدثنيه القومسي، عن أبي سلمة المقري عن أبي هلال الراسبي عن قتادة. وخبرني القومسى انه سأل ابن الأعرابي عن الربذة فقال: هي خرقة أو صوفة يهنأ بها البعير. وذكر الزيادي عن الأصمعي أنه قال: الربذة أيضا صوفة تعلق على الهودج. وقال: وهي أيضا خرقة الحيض. وفيها لغة أخرى: ربذة. وخبرني أبو حاتم قال: أخبرنا أبو زيد: ان الربذة، الصوفة أو الخرقة التي يهنأ بها البعير، ويدهن بها السقاء. ويقال لها: ثملة وثملة. قال: وقال الأصمعي مثل ذلك أو نحوه. وأنشد: " من الرجز ". ممغوثة أعراضهم ممرطله * كما يلاث في الهناء الثملة يقال: مرطل الرجل ثوبه بالطين إذا لطخه. وأراد: أنهم مدنسوا الأعراض.
[ 252 ]
والذي أراد عمر، ان كان يذهب مذهب الذم لعدي، انك انما نصبت لتداوي وتشفي كما تشفى الربذة الناقة الدبرة، أو لأن يصلح بك كما يصلح بالربذة السقاء المدهون بها، وان كان أراد الذم، فذلك ما لا نحتاج له الى تفسير لوضوح معناه. وقد كتب إليه أيضا: غرتني منك صلاتك ومجالستك القراء، وعمامتك السوداء، ثم وجدناك على خلاف ما أملناك، قاتلكم الله، أما تمشون بين القبور. 2 - وقال في حديث عمر بن عبد العزيز، أنه قال لهلال بن سراج بن مجاعة، يا هلال: هل بقي من كهول بني مجاعة أحد قال: نعم، وشكير كثير فضحك عمر وقال: كلمة عربية. حدثنيه القومسي باسناد لا أحفظه، فيه طول. قوله: وشكير كثير، يريد: ان فيهما أحداثا، وأصل الشكير، الورق الصغار ينبت في أصول الكبار. وهو أيضا النبت أول ما يطلع. يقال: قد بدا شكير النبت. أي: شئ قليل رقيق، وكذلك هو من الشعر والوبر والصوف. قال حميد الأرقط: " من الرجز " والرأس قد صار له شكيير وإذا شاخ الرجل، دق شعره ولان، ورق وصار كالزغب. ولذلك قال أبو النجم: " من الرجز " وأنبتت هامته المرعزي والشكير في الشجر، ورق يخرج في أصل الشجرة، تقول العرب: " ومن عضة ما ينبتن شكيرها ". وقد يستعار الشكير فيسمى به صغار الأشياء. قال الراعي، وذكر ابلا: " من الكامل " حتى إذا احتسبت تبقى طرقها * وثنى الرعاة شكيرها المجولا يقول: أخذ العمال السمان، ورد الرعاء الصغار التي قد تنجل ما فيها
[ 253 ]
وقال في حديث عمر بن عبد العزيز، أنه قال: لا ينبغي أن يكون الرجل قاضيا حتى تكون فيه خمس خصال: يكون عالما قبل أن يستعمل مستشيرا لأهل العلم، ملقيا للرثع، منصفا للخصم، محتملا للأئمة. حدثناه اسحق بن راهويه قال: أخبرنا بشر بن المفضل بن لاحق قال: حدثناه المغيرة بن محمد عن عمر بن عبد العزيز. الرثع، الدناءة والتطفف من الدون من العطية. قال الكسائي: الرجل الرائع، الذي يرضى بالقليل من العطاء، ويخاذن أخدان السوء. يقال: قد رثع فلان رثعا. * * * 4 - وقال في حديث عمر بن عبد العزيز، أنه قال، ان رجلا سأل ربه سنة أن يريه موقع الشيطان من قلب ابن آدم، فرأى فيما يرى النائم، جسد رجل ممهى يرى داخله من خارجه، ورأى الشيطان في صورة ضفدع، له خرطوم كخرطوم البعوضة، قد أدخله من منكبه الأيسر الى قلبه يوسوس إليه، فإذا ذكر الله خنسه. حدثنيه عبد الرحمن عن الأزدي عن حفص بن عمر عن الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن عمر. قوله: جسدممهى، اي مصنوع من المها، أو ملبس المها. والمها: البلور. يقال للمرأة إذا كانت بيضاء ناصعة البياض، كأنها المها. وكذلك الشعر إذا ابيض وكثر ماؤه، يقال: كأنه المها. وكذلك سمي أمية بن أبي الصلت، الكواكب: المها، تشبيها لها بالبلور. قال، وذكر السماء: " من الكامل " رسخ المها فيها، فأصبح لونها * في الوارسات، كأنهن الاثمد والمها، في غير هذا: بقر الوحش، الواحدة: مهاة. * * *
[ 254 ]
وقال في حديث عمر بن عبد العزيز، أنه قال ليزيد بن المهلب، حين ولاه سليمان العراق: اتق الله يا يزيد، فانا لما دفنا الوليد ركض في لحده. حدثنيه محمد بن خالد بن خداش عن أبيه عن حماد بن زيد عن خالد بن نافع عن أبي عيينة بن المهلب عن يزيد بن المهلب عن عمر. قوله: ركض في لحده، أي ضرب برجله الأرض. قال الله جل وعز: اركض برجلك، ومنه يقال: ركضت الدابة. انما هو تحريكك اياها برجلك. وقول العامة: ركضت الدابة، خطا. انما يقال: ركضتها فعدت. ويقال: الدابة تركض. ولا يقال: تركض. * * * 6 - وقال في حديث عمر بن عبد العزيز، أنه كتب في صدقة التمر، أن يؤخذ في البرني من البرني، وفي اللون من اللون. رواه عبد الرزاق وقال: قال ابن جريج ذلك. اللون: الدقل. ويقال له: الألوان. وأراد أن يؤخذ صدقة كل صنف منه، ولا يؤخذ من غيره. وكل لون لا يعرف اسمه من النخل، فهو جمع. يقا لقد كبر الجمع في أرض فلان. فإذا قلت: الألوان، فانما تريد الدقل خاصة. * * * 7 - وقال في حديث عمر بن عبد العزيز، أنه دخل على سليمان ابن عبد الملك فمازحه بكلمة، فقال: اياي وكلام المجعة. المجعة، واحدهم: مجع، وهو الرجل الجاهل. ويقال: الماجن، والمجون بعد يرجع الى الجهل. يقال: رجل مجع، وامرأة مجعة ويجمع المجع: مجعة. كما يقال: قرد وقردة، وفيل وفيلة. * * *
[ 255 ]
حديث مجاهد بن جبير 1 - وقال في حديث مجاهد، أنه قال في قول الله جل وعز: فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد، قال الطوفان: الموت. الجراد: يأكل مسامير رتجهم. يرويه ورقاء عن ابن ابي نجيح عن مجاهد الرتج: الأبواب. واحدها ر تاج، وتقديرها: كتاب وكتب. ومنه يقال: ارتجت الباب، أي: أغلقته، وأرتج على فلان، إذا حصر فلم يقدر على أن يتكلم. كأنه أغلق عليه. ورتاج الكعبة: بابها. والطوفان: السيل، وهو الموت، وهو الليل أيضا. قال أبو النجم: من الرجز وغم طوفان الظلام الأثأبا والأثأب: شجر، وغمه، غطاه 2 - وقال في حديث مجاهد، أنه كره أن تصور شجرة مثمرة. يرويه يحيى بن آدم عن عبد السلام بن حرب عن ليث عن مجاهد. قوله: تصور شجرة. فيه قولان: احدهما: تميل. يقال: صرت عنق أصورها صورا. وفيه لغة أخرى: صرتها أصيرها صيرا. منه قول عمر بن الخطاب. وذكر العلماء فقال: تنعطف عليهم بالعلم قلوب لا تصورها الأرحام.
[ 256 ]
وقرئت: " فصرهن اليك، بضم الصاد وكسرها. أي: ضمهن اليك ثم اقطعهن " واجعل على كل جبل منهن جزءا وقال العجاج وذكر المرأة: " من الرجز " وكفل ينصار لانصيارها * على اليمين وعلى يسارها أي: يميل كفلها كيف مالت لعظمه. وقال أبو عبيدة في قول الله جل وعز: فصبرهن اليك، يجوز أن يكون: قطعهن، واحتج بقول خنساء: " من البسيط " لظت الشم منها وهي تنصار قال: تصدع وتفلق، ويقول رؤبة: " من الرجز " صرنا به الحكم وأعيا الحكما قال: يريد فصلنا به الحكم. وعلى هذا التأويل يجوز أن يكون مجاهد نهى أن تقطع شجرة مثمرة. والمذهب الأول اشهر في اللغة واعلا. وانما كره أن تميل الشجرة المثمرة، لأنها " تصفر " وتضعف ويقل ثمرها. وربما جفت. * * * 3 - وقال في حديث مجاهد، أنه قال في قول الله جل وعز: وآتو حقه يوم حصاده ذكر البر ثم ذكر التمر فقال: إذا حضروه عند جداده ألقي لهم من التفاريق والتمر. التفاريق: جمع تفروق، وسمعت فقيها بالمدينة، كنت أجالسه يقول: كان أبو عبيد يفسر من غريب الحديث ما تعرفه اماؤنا فقلت له: تذكر لي من ذلك شيئا، فقال: التفروق، قلت: وما هو عدكم قال: القمع الذي يلزق بالبسرة. قلت هكذا يزعم بعض غلماننا. والأحاديث تدل على أن التفروق غير القمع. وذكرت له حديث مجاهد هذا: " يلقى للمساكين من التفاريق "، ولا يجوز أن يكون أراد الأقماع. وكأن
[ 257 ]
التفروق على معنى هذا الحديث، شعبة من الشمراخ، والشمراخ: هو الذي عليه البسر. واصله في العذق، فإذا ألقي للمساكين شعبة من الشمراخ، كان فيها تمرات أو بسرات. 4 - وقال في حديث مجاهد، انه قال في قول الله تبارك وتعالى: سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ليس بالندب، ولكنه صفرة الوجه والخشوع. يرويه سفيان عن ابن جريج عن مجاهد. الندب: أثر الجراح، إذا لم يرتفع عن الجلد، والجميع: أنداب وندوب. قال ذو الرمة، وذكر المرأة: " من البسيط تريك سنة وجه غير مقرفة * ملساء ليس بها خال ولا ندب والندب في غير هذا: الخطر. ويقال: رجل ندب في الأمر إذا كان شهما خفيفا فيه. * * * 5 - وقال في حديث مجاهد، أنه قال: وجدت الناس أخبر تقله. يرويه ابن عيينة عن سعيد بن حسان. قوله: أخبر تقله، يريد: انك إذا أخبرتهم وتعرفت أمرهم، قليتهم، أي قليت الرجل، فأنا أقليه قلى وقلاء، ان كسرت أوله، قصرته، وان فتحته مددته. * * * 6 - وقال في حديث مجاهد، أنه قال: في الوبر شاة، وفي كل ذي كرش شاة. يرويه ابن المبارك عن معمر عن ابن ابي نجيح عن مجاهد.
[ 258 ]
يريد في الوبر، يصيبه المحرم شاة، ولا أراه جعل فديته شاة وليس هو لها بند الالأنه ذو كرش. وبلغني عن سفيان بن عيينة، أنه قال: الوبر تجتر، واليربوع تجتر، وحكم عبد الله بن مسعود في اليربوع بشاة. * * * 7 - وقال في حديث مجاهد، أنه ذكر مدائن قوم لوط، فقال: حملها جبريل على خوافي جناحه. يقال: الجناح عشرون ريشة، أربع قوادم، وهي مقدم الجناح، وأربع مناكب، وأربع أباهر، وأربع خوافي، وأربع كلى. والعرب تقول: ليس عقر الليل كالدادي، ولا توالي الخيل كالهوادي، ولا قدامى النسر كالخوافي. وعقر الليالي، هي بيض الشهر، والأعقر: الأبيض. والدادي: ثلث من آخر الشهر، قبل ثلث المحاق. وتوالي الخيل، أواخرها، وهواديها: أوائلها. * * * 8 - وقال في حديث مجاهد، أنه قال في قول الله جل وعز: وأنتم سامدون، قال: البرطمة. يرويه وكيع عن سفيان عن ابن ابي نجيح عن مجاهد. البرطمة: الانتفاخ من الغضب. يقال رجل مبرطم. وقد اختلف في السمود، فقال بعضهم، السمود: اللهو والغناء. يقال للجارية: اسمدي لنا اي غني لنا. ويقال: السمود، أن يبهت الرجل وينقطع. ومن الدليل. على ذلك، قول الشاعر: " من الوافر " رمى الحدثان نسوة آل حرب * بمقدار سمدن له سمودا
[ 259 ]
فرد شعورهن السود بيضا * ورد وجوههن البيض سودا يريد: أنهن لعظم مصيبتهن بهتن وانقطعن. * * *
[ 260 ]
حديث عكرمة مولي ابن عباس 1 - وقال في حديث عكرمة، أنه في شريكين، أراد أن يفترقا: يقتسمان ما نض بينهما من العين، ولا يقتسمان الدين، فان أخذ أحدهما، ولم يأخذ الآخر، فهو ربا. يرويه ابن المبارك عن ابن أبي لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة، قوله: ما نض، أي ما صار ورقا، أو عينا بعد أن كان متاعا. ويقال للمال من العين والورق، إذا كان كذلك، نآض. ومنه حديث عمر: " انه كان يأخذ الزكاة من ناض المال " عن المال كله، غائبه وشاهده. والنضيضة: المطر القليل. والجميع: نضائض. قال الشاعر: " من الرجز " في كل عام، قطره نضائض ويقال: فلان نضاضة ولد أبيه، اي: آخرهم. ونضاضة المال أو غيره، آخره وبقيته. وكره عكرمة أن يقتسما الدين على الناس، فيقول أحدهما: ما على فلان، فلي، وما على فلان فلك، لأن غر، ولا يدرى ما يصح منه، فإذا قبض اقتسما ما قبضا. * * * 2 - وقال في حديث عكرمة، أنه قال: حملة العرش كلهم صور.
[ 261 ]
يرويه ابراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة. قوله: صور، يريد: جمع أصور، وهو المائل العنق. من قولك: صرت الشئ فانصار إذا أملته فمال. قال ذو الرمة: " من الطويل " على أنني في كل سير أسيره * وفي نظري من نحو دارك أصور أي: مائل العنق نحوي. وقال في مثل قول عكرمة، أمية بن أبي الصلت، يذكر العرش: " من الخفيف " شرجعا ما يناله بصر العين ترى دونه الملائك صورا * * *
[ 262 ]
حديث قتادة بن دعامة السدوسي. 1 - وقال في حديث قتادة، أنه قال: أن تسجد بالآخرة منهما أحرى، ألا يكون في نفسك حوجاء حدثنيه محمد بن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي عن أبي عوانة عن قتادة. الحوجاء: الحاجة. يريد: أحرى ألا يكون في نفسك شك أو ريبة. يقال: في نفسي من كذا حاجة وحوجاء، إذا كان في نفسك منه شئ. وأراد قتادة: أن موضع السجود مختلف فيه، من سروة حم السجدة، فبعضهم يراه في الآية الأولى عند قوله: وسجدوا لله الذي خلقهن ان كنتم اياه تعبدون، منهم: الحسن. وكان بعضهم يراه في الآية الأخرى، عند قوله: وهم لا يسأمون. فاختار قتادة أن يكون السجود عند انقضاء الآية الأخرى، لانه ان كان السجود عند الأولى، لم يضررك أن تسجد عند الأخرى، وان كان السجود عند الأخرى، فسجدت في الأولى، كنت قد قدمت السجود قبل الآية، ولا يجزئ ذلك. * * * 2 - وقال في حديث قتادة، أنه قال: يتوضأ الرجل بالماء الرمد، والماء الطرد.
[ 263 ]
حدثنيه محمد بن عل بن عبد الله عن معتمر عن يزيد بن ابراهيم التستري عن قتادة. الرمد، من المياه المتغير اللون الآجن. وأصل الحرف من الرماد، ولذلك قيل للثوب الوسخ بالرمد، والأرمد. والماء الطرد، الذي تخوضه الدواب، سمي بذلك لأنها تطرد فيه، أي: تتابع، أو تطرده، أي: تدفعه إذا خاضته. وأراد أن التوضؤ بهذا جائز. ومن وجده لم يتيمم، فان كان تغير ريحه ولونه بنجاسة وقعت فيه لم يجز الوضوء به. * * * 3 - وقال في حديث قتادة، أنه قال: النضح من النضح. حدثنيه خالد بن محمد عن عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة. قوله: النضح من النضح، يريد: من أصابه نضح من البول، فعليه أن ينضحه بالماء، وليس عليه أن يغسله. ومثله حديث الحسن، انه مر في ثقيف، وأصابه نضح من كنيف، فرش عليه الماء. والنضح دون النضح. فان أصابه نضح وجب عليه غسله. وكان أبو حنيفة لا يرى في البول ينتضح على الثوب منه، مثل رؤوس الابر نضحا بالماء ولا غسلا. * * * 4 - وقال في حديث قتادة، أن قال في قول الله جل وعز: الذين هم في صلواتهم خاشعون، قال: الخشوع في القلب والباد البصر في الصلوة. يرويه عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة. قوله: الباد البصر، يعني: الزامه الأرض، وموضع السجود. قال: ألبد فلان بالمكان، إذا أقام به. وهو من لبد الشئ يلبد، وتلبد، إذا انضم بعضه الى بعض.
[ 264 ]
5 - وقال في حديث قتادة، أنه قال: الدجال قصد من الرجال، اجلى الجبين، براق الثنايا محبل الشعر. حدثنيه سهل قال: حدثناه الأصمعي عن أبي هلال عن قتادة. محبل الشعر: جعده. وأصله من الحبال، كأن كل قرن من قرون شعره، حبل لالتفافه. وفي حديث آخر: رأسه حبك. والحبك: المتكسر من الجعودة، مثل الماء القائم تضربه الريح، فيكون له حبك. والرملة تصيبها الريح، وعلى هذه الرواية، يجوز أن يكون محبك الشعر. * * * 6 - وقال في حديث قتادة، أنه قال: تخرج نار من مشارق الارض، تسوق الناس الى مغاربها سوق البرق الكسر. يرويه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة. والبرق: الحمل، وهو معرب. وأصله بالفارسية: " بره " وفي بعض الحديث: صاحب راية الدجال رجل يقال له: فلان بن الريب في عجب ذنبه مثل ألية البرق، وفيه هلبات كهلبات الفرس، وعجب الذنب، هو العصعص، وهو أول ما يخلق، وآخر ما يبلى، فيما يقال. وهو من كل ذي ذنب أصل العظم منه. والهلبات: شعرات فيه، أو خصلات من شعره. والهلب: الشعر، يقال هلبت الفرس، إذا أنت أخذت شعر ذنبه. ويقال: رجل أهلب، وامرأة هلباء. وقال عبد الله بن عمرو: الدابة الهلباء، التي كلمت تميما الداري هي دابة الأرض التي تكلم الناس. وأراد قتادة أن النار تسوقهم سوقا رفيقا، كما يساق الحمل الظالع. * * * 7 - وقال في حديث قتادة، أنه قال في قول الله جل الله جل وعز: ولو
[ 265 ]
نشاء لمسخناهم على مكانتهم، قال: لو نشاء لجعلناهم كسحا. يرويه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة. كسح: جمع أكسح، وهو المقعد. ومنه قول الأعشى في وصف سكارى: " من الطويل " وخذول الرجل من غير كسح 8 - وقال في حديث قتادة، أنه قال في قول الله جل وعز: الذين يأخذون عرض هذا الأدنى، ويقولون سيغفر لنا نبذوا الاسلام وراء ظهورهم، وتمنوا على الله الأماني، كلما وهف لهم في الدنيا شئ أكلوه، لا يبالون حلالا كان أو حراما. قوله: وهف لهم، أي: بدا لهم وعرض. يقال: قد وهف لك الشئ يهف وهفا وهففا يهفو، إذا طار. قال الشاعر في وصف امرأة: " من الرجز " شائلة الأصداع يهفو طاقها أي: يطير كساؤها. ومنه قيل للزلة: هفوة. وللضوال من الابل: هوافي. وذكر أبو اليقظان: أن عثمان بن عفان ولى أبا غاضرة، الهوافي: قال وهي الابل التي توجد في الطرقات * * * 9 - وقال في حديث قتادة، أنه ذكر مدائن قوم لوط، فقال: ذكر لنا أن جبريل أخذ بعروتها الوسطى، ثم ألوى بها في جو السماء، حتى سمعت الملائكة ضواغي كلابها، ثم جرجم بعضها على بعض، ثم اتبع شذان القوم صخرا منضودا. قوله: ألوى بها أي ذهب بها. يقال: ألوت بك العنقاء المغرب، أي: ذهبت بك. ويقال: هي الداهية. ويقال: العقاب.
[ 266 ]
وقوله: جرجم بعضها على بعض، أي: أسقط بعضها على بعض، والمجرجم: المصروع. وقال العجاج: " من الرجز " كأنهم من فائظ مجرجم والفائظ: الميت. وشذان القوم، من شذ منهم وخرج عن جماعتهم. قال امرؤ القيس، وذكر الناقة: " من الطويل " تطاير شذان الحصى بمناسم * صلاب العجى ملثومها غير أمعرا أي: ما تفرق منه. وهذا مثل الحديث الآخر: " انها لما قلبت عليهم رمى بقاياهم بكل مكان ". * * *
[ 267 ]
حديث الحسن البصري 1 - وقال أبو محمد في حديث الحسن، أنه قال والله ما كانوا بالهتاتين، ولكنهم كانوا يجمعون الكلام ليعقل عنهم. حدثنيه القومسي عن أبي النعمان عن حماد بن زيد عن ابن عون. قال أبو زيد: يقال رجل مهت وهتات، إذا كان كثير الكلام. ومثله: الهذر والمسهب، بفتح الهاء من: أسهب الرجل. وكان القياس: مسهب، بكسرها. ولكن هكذا جاء. ولا يعرف له مثل. قال الأصمعي: كان عمرو بن شعيب، وفلان يهتان الحديث. وقال: الهت: الصب بعضه في أثر بعض. يقا ل: ظلت المرأة تهت الغزل يومهاأجمع، أي: تغزل بعضا في أثر بعض. * * * 2 - وقال في حديث الحسن، أنه استؤذن في قتال أهل الشام، حين خرج ابن الاشعث فقال في كلام له: والله انها لعقوبة، فما أدري أمستأصله أم مجحجحة فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف، ولكن بالاستكانة والتضرع. حدثنيه أبو حاتم سهل بن محمد عن الأصمعي عن أبيه قال: سمعت شيخا في المسجد الجامع بالبصرة يحدث بذلك. قوله: مجحجحة: أي. يقال جحجحت عن الأمر، أي: كففت. وفيه لغة
[ 268 ]
أخرى: حجحجت، بتقديم الحاء على الجيم، وهو من المقلوب. ويقال في غير هذا: جحجحت بفلان، أي: أتيت به جحجاجا. خبرني عن عبد الرحمن عن عبد الله عن عمه الأصمعي قال: كان يقال: " من الرجز " ان سرك العز فجحجح بجشم أي: جئ بجحجاح منهم، وهو السيد أو الكريم. وقال: جشم من الخزرج، والشرف فيهم وفي عوف بن الخزرج. * * * 3 - وقال في حديث الحسن، أن وليدا التياس قال: قلت له: اني رجل تياس، فقال: لا تبسر ولا تحلب. حدثنيه أبو حاتم سهل قال: حدثناه الأصمعي عن وليد. وقال الأصمعي: البسر، أن يحمل على الشاة وليست بصارف. وعلى الناقة، وليست بها ضبعة. يقال: بسرتها أبسرها بسرا، وهي مبسورة. قال الكميت، وذكر الحرب وشبهها بناقته: " من المنسرح " مبسورة شارفا مصرمة * محلوبها الصاب حين تحتلب والمصرمة، التي صروا أخلافها، فانقطع لبنها. ومنه يقال: بسرت النبات، إذا رعيته غضا، وكنت أول من أتاه. قال لبيد: " من الطويل " بسرت نداه لم تسرب وحوشه * بغرب كجذع الهاجري المشذب والغرب، الحديد. يعني: فرسا. والمشذب: الطويل. * * *
[ 269 ]
4 - وقال في حديث الحسن، أنه قال: كان ملك من ملوك هذه القرية يرى الغلام من غلمانه يأتي الحب فيكتاز ثم يجرجر قائما فيقول: يا ليتني مثلك. ثم يقول: يا لها نعمة تأكل لذة وتخرج سرحا. حدثنيه عبد الرحمن بن الحسين عن محمد بن يحيى عن سعيد بن عامر عن أسماء بن عبيد عن الحسن. قوله: يكتاز: أي: يغترف، وهو " يفتعل " من الكوز، ثم يجرجر، أي يشرب. والأصل فيه جرجرة الماء في الحلق. وهو صوت الجرع. وهذا رجل كان به أسر، فكان لا يروى من الماء، لشدة البول عليه، والأسر: احتباس البول، والحصر: احتباس الحدث. وقوله: وتخرج سرحا، أي: سهلا. ومنه يقال: ناقة سرح اليدين، وسرح الملاطين، أي: الجنبين. والملاط: الجنب. أي: هما منسرحان للذهاب والمجئ. * * * 5 - وقال في حديث الحسن، أنه قال: لا تلقى المؤمن الا شاحبا، ولا تلقى المنافق الاوباصا. يرويه ضمرة عن ابن شوذب عن الحسن. وباصا، أي: براقا. يقال: قد وبص الشئ يبص وبيصا، إذا برق. قال الأعشى: " من المتقارب " رجعت لما رمت مستحسنا * ترى للكواكب كهرا وبيصا كهرا: ارتفاع النهار. يقول: رجعت وقد أظلم عليك نهارك، حتى ترى الكواكب فيه. وهو كما تقول: أراني فلان الكواكب بالنهار، إذا شق عليك وبرح بك. ومنه قول طرفة: " من الطومل "
[ 270 ]
ان تنوله، فقد تمنعه * وتريه النجم يجري بالظهر ويقال: قد أوبصت الأرض في أول ما يظهر نبتها، وأوبصت النار في أول ما يظهر لهبها. وفيه لغة أخرى: يقال: بص الشئ يبص بصيصا، إذا برق. * * * 6 - وقال في حديث الحسن، أن رجلا سأله فقال: اني اتوضأ فينتضح الماء في انائي. فقال: ويلك أفيملك نشر الماء. يرويه حماد بن سلمة عن يحيى بن عتيق. نشر الماء، ما انتشر منه وتفرق. يقال: جاء الجيش نشرا. أي متفرقين. ويقال: اللهم اضمم لي نشري. أي: ما انتشر من أمري. قال الزيادي: والنشر: بضم النون والشيين، خروج المذي من الانتشار. * * * 7 - وقال في حديث الحسن، أن رجلا قال له: رأيتك في النوم تحدث وتنشد في أضعاف ذلك البيت من الشعر. فقال له الحسن: ان ابن آدم، لو أصاب في كل شئ جن. حدثناه الرياشي، قال: حدثناه الأصمعي: قوله: جن، يريد: أنه يعجب بنفسه، حتى يكون كالمجنون من شدة اعجابه بها. وأحسب قول الشنفرى في المرأة من هذا بعينه: " من الطويل " فدقت، وجلت، واسبطرت وأكملت * فلو وجن انسان من الحسن جنت يريد: لو أعجب انسان بحسنه حتى يكون كالمجنون لكانت كذلك. * * *
[ 271 ]
8 - وقال في حديث الحسن، أن جرير بن حازم قال: رأيت عليه ثوبا مصلبا. يرويه ابن المبارك عن جرير بن حازم. قال الأصمعي: يقال خمار مصلب. وقد صلبت المرأة خمارها، وهي لبسة معروفة عند النساء. وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الثوب المصلب: انه كان إذا رآه قضبه. فانه الثوب الذي يصور فيه كهيئة الصليب. وروى في حديث لأم سلمة مفسرا، أنها كانت تكره الثياب المصلبة، يعني التي تصور فيها الصلب. * * * 9 - وقال في حديث الحسن أنه قال: كان قتال على عهد رسول الله، ثم قتال على هذه الطعمة، ما بعدهما بدعة وضلالة. حدثنيه أبو حاتم سهل عن الأصمعي عن أبي هلال عن الحسن. قوله: قتال على عهد رسول الله، يعني قتال المشركين. وقوله: ثم قتال على عهد رسول الله، يعني قتال المشركين. وقوله: ثم قتال على هذه الطعمة، يعني: الخراج حتى يؤدي، والجزية والزكوات. يقول: ولا قتال بعد هذا على شئ. قال زهير، وذكر الخيل: " من البسيط " ينزعن امة أقوام لذي كرم * مما تيسر أحيانا له الطعم الامة: النعمة. يقول: يسلبن في الغزو أقواما نعمهم، لرئيس ذي كرم تهيأ له الغنائم في غزوه. وهي الطعم. 10 - وقال في حديث الحسن، أنه لما خرج يريد ابن المهلب، ونصب
[ 272 ]
رايات سودا، وقال أدعوكم الى سنة عمر بن عبد العزيز، قال الحسن في كلام له طويل: نصب قصبا علق عليها خرقا، ثم اتبعه رجرجة من الناس رعاع هباء. يرويه أبان بن نميلة عن أبي بكر الهذلي. الرجرجة: بقية تبقى في الحوض من الماء كدرة خائرة، لا يقدر أحد أن يشربها. هذا الأصل، فشبه شراب الناس وسقطهم بها، وكذلك شبهوا بالهباء وهو الغبار. أخبرنا يعقوب بن السكيت، ان الهباء المنبث، ما سطع من تحت سنابك الخيل. والهباء المنثور ما تراه في الشمس الداخلة في كوة السقف * * * 11 - وقال في حديث الحسن، انه قال لرجل سأله عن شئ لبكت علي. قوله: لبكت علي، أي: خلطت. يقال: أمر لبك، أي: مختلط، ومنه قول زهير من البسيط ". رد القيان جمال الحي احتملوا * الى الظهيرة أمر بينهم لبك ويقال: بكلت أيضا، أي: خلطت، وهو من المقلوب. قال المرار: " من الطويل " أناة، كأن المسك دون شعارها * يبكله بالعنبر الورد مقطب يبكله: أي: يخلطه. والمقطب: المازج. يقال: قطبت الشراب وأقطبته. * * * 12 - وقال في حديث الحسن، أنه كان يقول في المستحاضة تغتسل من الأولى الى الأولى، وتدسم ما تحتها، وتوضأ إذا أحدثت. حدثنيه محمد عن عبد الله بن عبد الوهاب عن خالد بن الحارث عن عوف عن الحسن.
[ 273 ]
تدسم، تسد فرجها وتحتشي. ويقال لما سددت به القارورة: الدسام، والعفاص. * * * 13 - وقال في حديث الحسن، ان عطاء السلمي سأله فقال: يا ابا سعيد، أكان الأنبياء يشرحون الى الدنيا والنساء، مع علمهم بالله فقال: نعم، ان لله ترائك في خلقه. يروى عن ميمون بن موسى. قوله: يشرحون، أي: ينبسطون. ومنه يقال: شرحت لك الأمر، إذا فتحته وأظهرته. وقول الله جل وعز: ألم نشرح لك صدرك. وأما قوله: ان لله ترائك في خلقه. فانه جمع تريكة، يريد: ان لله أمورا أبقاها في العباد من الأمل والغفلة، بها يكون انبساطهم الى الدنيا * * * 14 - وقال في حديث الحسن، ان رجلا حلف ايمانا، فجعلوا يعاتونه فقال: عليه كفارة. رواه ابن المبارك عن الحسن، وسئل الأصمعي عن هذا فقال: يعاتونه، يرادونه في القول، فيحلف ويعاسرونه ولا يقبلون منه في أول مرة. * * *
[ 274 ]
حديث محمد بن سيرين 1 - وقال في حديث محمد بن سيرين، أنه كان يختار الصلوة على الجد ان قدر عليه، فان لم يقدر عليه، فقائما، فان لم يقدر فقاعدا. حدثنيه أبو وائل عن عبد الله بن حمران عن ابن عون عن محمد. الجد شاطئ النهر، وهو الجدة أيضا وأكثر ما يقال: جدة، بالهاء، وبه سميت جده لأنها ساحل البحر. قال ذلك الأصمعي، وقال كل طريقة من سواد أو بياض، فهي جدة. الجد في غير هذا، البئر، يكون في أجود المواضع من الكلأ. ومعني الحديث، انه كان يختار لراكب السفينة، أن يصلى علي شاطئ النهر، ان قدر على ذلك، فان لم يقدر صلى في السفينة قائما، فان لم يقدر، صلى قاعدا. وهذا مذهب الناس جميعا، إذا كان له عذر، فان كان يقدر على القيام بغير مشقة ولم يفعل، فان ابن المبارك كان يرى عليه الاعادة، والى ذلك يذهب أبو يوسف ومحمد. وأما أبو حنيفة، فكان يقول: ان صلى في السفينة جالسا من غير علة ولا عذر، أجزأه. * * * 2 - وقال في حديث محمد بن سيرين، انه كان يكره شراء سبي زابل. وقال: ان عثمان بن عفان ولث لهم ولثا. يرويه وكيع عن حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن ابن سيرين.
[ 275 ]
قوله: ولث ولثا، أي: اعطاهم عهدا. قال الأصمعي: يقال، ولث لي ولثا من عهد، إذا أعطاه عهدا غير محكم. وقال في قول رؤبة: " من الرجز " أرجوك إذ أغبط دين والث * فما ثنى يرغث منك الراغث لم يحسن في البيتين جميعا، لأنه كان ينبغي أن يؤكد أمر الدين، والرغت: المص. ولم يكن ينبغي أن يجعل ما ينال منه مثل المص، وهو يمدحه. وقوله: أغبط دين، من قولهم: أغبطت عليه الحمى، أي إذا لزمته. وقال الأصمعي في رجز له، وذكر بعيرا عليه رجل " حاج من الرجز " يحمل بر المؤتلي متى يلث * ولثايؤرب محصا لا ينتكث يقول: متى يعط طرفا من عهد لا يحكمه ولا يبالغ فيه، يجعله بمنزلة المحكم المستوثق منه. وقوله: يؤرب، اي: يشدد،. الأربة: العقدة. والمحص: الأملس الذي ليس عليه زئبر. واللفظ للحبل، والمعنى للعهد. وولت السحاب: الندى اليسير. * * * 3 - وقال في حديث ابن سيرين، أنه نهى عن الرقى، الا في ثلاث. رقية النملة والحمة والنفس. يرويه عبد الرزاق عن معمر بن أيوب. النملة، قروح في تخرج الجنب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " للشفاء: علمي حفصة رقية النملة ". وقال الشاعر:
[ 276 ]
ولا عيب فينا غير عرق لمعشر * كرام وانا لا نخط على النمل يريد: انا لسنا بمجوس ننكح الأخوات، وكانوا يقولون: ان ولد الرجل من أخته، إذا خط على هذه القروح، برأ صاحبها. والحمة: السم للعقرب وأشباها. ولم يرد بالحمة: الابرة. انما الحمة السم. وقد ذكرت هذا فيما تقدم. وحدثني شبابة بن " الفزاري " قال: حدثنا القاسم بن الحكم قال: حدثنا الثوري عن خالد عن ابن سيرين، انه كره الترياق، إذا كان فيه الحمة. يعني لحوم الحيات، لأنها سم فهذا يدلك. والنفس: العين. يقال: أصابت فلانا نفس، أي. ومنه قول ابن عباس: " الكلاب من الجن، وهي ضعفة الجن، فإذا غشيتكم عند طعامكم، فألقو لهن، فان لهن أنفسا ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لرافع، حين مسح بطنه: فألقى شحمة خضراء: " أنه كان فيها أنفس سبعة أناس ". يريد: عيونهم. ويقال للعائن: نافس. وسمعت أعرابية بالحجاز فصيحة ترقي رجلا من العين، فقالت: أعيذك بكلم الله التامة، التي لا تجوز عليها هامة، من شر الجن وشر الأنس عامة، وشر النظرة اللامة، أعيذك بمطلع الشمس من شر ذي مشي همس، وشر ذي نظر خلس، وشر ذي قول دس، ومن شر الحاسدين والحاسدات، والنافسين والنافسات، والكائدين والكائدات، نشرت عنك بنثره نشار عن رأسك ذي الأشعار، وعن عينيك ذواتي الأشفار، وعن فيك ذي المحال، وظهرك ذي الفقار، وبطنك ذي الأسرار، وفرجك ذي الأستار ويديك ذواتي الأظفار، ورجليك ذواتي الآثار، وذيلك ذي الغبار، وعنك فضلا وذا ازار، وعن بيتك فرجا وذا أستار، ورششت بماء بارد نارا، وعينين وأشفارا، وكان الله لك جارا، " المشي الهمس، الوط الخفي وهو أيضا الصوت الخفي. والنظر الخلس الذي يختلس ساعة بعد ساعة والقول الدس، هو الذي يدس ويحتال فيه، حتى
[ 277 ]
يدفع بالقبيح. وهذه الأفعال تكون من عدوك، وممن يريد اغتيالك. والنافسون والنافسات، هم العائنون. والمحار، جمع محارة الحنك الأعلى. والفقار، خرز الظهر، واحدتها فقارة وهي الفقر أيضا، والواحدة فقرة. قال أبو زيد: الفقر، هي المفاصل أيضا في الصلب، كل مفصل فقارة ومحالة، والفقار والسناسن، رؤوس الفقر، والواحدة: سنسنة، وفقارة. والفضل الذي عليه ثوب واحد. يقال: امرأة فضل، إذا لم يكن عليها الا ثوب واحد وامرأة حسنة الفضلة. والأسرار في البطن، التكسر، وأسرار الجبهة: الخطوط فيها. وكذلك أسرار الراحة، وجمعها أسرة. قال علي في رسول الله صلى الله عليه: " كأن ماء الذهب يجري في صفحة خده، ورونق الجلال يطرد في اسرة جبينه ". والبيت الفرج، المفتوح، الذي لا ستر عليه، ولا باب مغلق. يقال: باب فتح فرج. ومنه قيل: رجل فرج، إذا كان لا يكتم سره. كأن منفرج عن السر غير منضم عليه. * * * 4 - وقال في حديث ابن سيرين أنه بلغه أن عمر بن العزيز أقرع بين الفطم فأنكره وقال: ما رأى هذا الا من الأستقسام بالأزلام. يرويه أزهر عن ابن عون عن محمد بن سيرين. الفطم جمع فطيم من اللبن، وأراد ذراري المسلمين، والأقراع: سهم في العطاء. وانما أنكره ابن سيرين، لأن الاقراع انما يكون ليفضل بعض على بعض في الفرض. وشبهه بالاستقسام. بالأزلام. والأزلام: القداح. واحدها: زلم، وزلم. وكانت العرب تستقسم بالأزلام في الجاهلية عند الأصنام، إذا أراد ارجل سفرا أو مغارا، أو غير ذلك. أتى صنما فأجال القداح على الأمر الذي عزم عليه، فان خرج له الأمر، نفذ لعزمه، وان خرج له، وان خرج له الناهي عدى عنه. وإذا
[ 278 ]
اختلفوا في الشئ لم يكون تعرفوا ذلك بها. ومنه قول الله جل وعز: إذ يلقون أقلامهم، أيهم يكفل مريم. أي: أسهموا عليها أيهم يكفلها. وإذا أرادوا أن يعرفوا حظ كل امرئ من الشئ يكون بين جماعة، تعرفوا ذلك منها، وهو معنى الاستقسام. انما هو طلب معرفة القسم بها، وهو النصيب. وكان مذهب محمد في انكاره عليه الاقراع، ان يزيد من رأى زيادته بلا اقراع. * * * 5 - وقال في حديث ابن سيرين، انه كان يقول: اني اعتبر الحديث. يرويه عفان عن سليم عن ابن عون. قوله: أعتبر الحديث، يريد: أنه يعبر الرؤيا على الحديث. ويجعله لها اعبتارا، كما يعتبر القرآن في تأويل الرؤيا، فتعبر عليه. ومنه العبرة في الأمر. والعابر: الناظر في الشئ. ذكر الزيادي عن الأصمعي، أنه قال: سمعت عجوزا لنا تقول أعتبر الكتاب قبل أن تقرأه، وأنشد لرؤبة، وذكر رسم دار: " من الرجز " يبدي لعيني عابر تفهمه * ما فيه الا أنه يترجمه * * * 6 - وقال أبو محمد في حديث ابن سيرين، أنه قال: لنا رقاب الارض ليس للتناء فيها شئ. يرويه أزهر عن ابن عون عن محمد. وقوله: لنا رقاب الارض، يعني أنه ما كان من أرض الخراج، فهو للمسلمين، ليس لأصحابه الذين كانوا قبل الاسلام فيه شئ، وذلك لأنها افتتحت عنوة. ولذلك نهى بعضهم عن شراء أرض الخراج وبيعها. وقد رخص فيه قوم. ويقال: تنأث البلد فأنا تانئ به، مهموز. قال أبو زيد: تقول ثنأت بالبلد تنؤا، إذا أوطنته.
[ 279 ]
حديث ابن ابراهيم النخعي 1 - وقال في حديث ابراهيم، أنه قال: ان كانوا ليكرهون، أخذة كأخذة الأسف. يرويه عبدالل ه بن المبارك عن مالك بن معول عن طلحة. قوله: أخذة الأسف. يريد: موت الفجاءة. والأسف، الغضب. قال الله جل وعز: فلما آسفونا انتقمنا منهم، أي: أغضبونا. وسئل رسول الله عن موت الفجاءة، فقال: راحة للمؤمن، وأخذة أسف للكافر ". وفي حديث آخر، قيل له، مات فلان، فقال: أليس كان عندنا آنفا " فقالوا بلى. قال: سبحان الله، كأنها أخذة على غضب، والمحروم من حرم وصيته ". * * * 2 - وقال في حديث ابراهيم، أنه قال في الرجل يستحلف ان كان مظلوما فورك الى شئ يجزى عنه، وان كان ظالما لم يجز عنه التوريك. حدثنيه خالد بن محمد قال: حدثناه اسماعيل بن سنان عن حماد بن سلمة عن حماد عن ابراهيم. قوله: فورك الى الشئ، يريد: ذهب في يمينه الى معنى غير معنى المستحلف، جزى عنه إذا كان مظلوما، وهو من قولك: ورك فلان ذنبه على
[ 280 ]
فلان، أي: حمله عليه. وقال ساعدة بن جؤية الهذلي: " من الطويل " فورك لينا لا يثمثم نصله * إذا صاب أوساط العظام صميم قال الأصمعي: حمل عليهم سيفا لينا. والثمثمة: التمتمة والتردد. والصميم: الخالص. ويقال: وركت الجبل توريكا، إذا جاوزته. * * * 3 - وقال في حديث ابراهيم، أنه قال: إذا آلتقى الماءآن فقد تم الطهور. يرويه هشام عن مغيرة عن ابراهيم قوله: إذا التقى الماءآن، يريد: إذا أنت طهرت العضوين من أعضائك، فاجتمع الماءآن في الظهور فقد تم طهورك للصلاة. ولا تبال أيهما قدمت وأيهما أخرت. ان قدمت الأيمن منهما، فجائز، وان قدمت الأيسر فجائز. وروي عن علي بن أبي طالب، انه قال: ما أبالي بأي أعضائي بدأت، إذا أتممت الوضوء. وانه بلغه عن أبي هريرة انه كان يبدأ بميامنه في الوضوء، فبدأ بمياسره. وهذا في العضوين المذكورين في كتاب الله معا مثل اليدين والرجلين، لأنه قال: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم الى الكعبين. فلم يقدم يمينا على يسار، ولا يساراعلى يمين. فأما غير ذلك، فان مالكا والشافعي يريان أن من بدأ بيديه قبل وجهه، أو برجليه قبل رأسه، فعليه الاعادة. وأنه لا يتم له الوضوء، لا بتقديم ما قدم على ما أخر. وأصحاب الرأي يرون التقديم والتأخير واحدا، ويحتجون بقول ابراهيم في حديث آخر: " ما أصابة الماء من مواضع الوضوء، فقد. طهر. ويقول الحسن: لا بأس على من قدم من وضوئه شيئا قبل شئ " ويحتجون بالنظر
[ 281 ]
بموافقة من خالفهم على أن الغاط في الماء، إذا نوى الوضوء أجزأه، وقد بدأ برجليه قبل راسه ويديه. * * * 4 - وقال في حديث ابراهيم انه قال: إذ دخلت عدة في عدة، أجزأت احداهما. يرويه هشام عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن ابراهيم. قوله: إذا دخلت عدة أجزأت احداهما. يريد: إذا لزمت المرأة عدتان من ماء واحد في حال أحزأت واحدة عن الأخرى. كرجل طلق امرأته ثلاثا، ثم مات وهي في عدتها، وفانها تعتد أقصى العدتين، ان كان ثلاث حيض أكثر اعتد ت ثلاث حيض. هذا قول الثوري. فأما مالك، فانه كان يرى عليها أن تتم ثلاث حيض عدة المطلقة. ولا يرى عليها من الأشهر شيئا. وكرجل طلق عند كل حيضة تطليقة، فانها تعتد من الطلاق الأول، وليس عليها عند التطليقة الثالثة أن تسأنف العدة. فان وجب على المرأة عدتان من مائين. لم يجزها واحدة من الأخرى، كرجل غاب عن امرأته، فبلغها انه قد مات فتزوجت، ودخل بها الزوج، ثم قدم زوجها الأول، فلما بلغه أنها قد نكحت، طلقها، فعليها منهما عدتان، لاتجزى واحدة عن الأخرى. * * * 5 - وقال في حديث ابراهيم أنه لم يكن يري بالتتمير بأسا يرويه شريك عن أبي حمزة عن ابراهيم. التتمير: صفيف الوحش، أرادر أنه لا بأس أن يتزوده المحرم أو يأكله. يقال: تمرت اللحم فأنا أتمره تتميرا. قال الشاعر، وهو أبو كاهل اليشكري: " من البسيط " لها اشارير من لحم تتمره * من الثعالي، ووخز من أرانيها
[ 282 ]
أراد من الثعالب ومن أرانبها، فأبدل ياء من الباء انما يجوز هذا من ابدال الباء في موضع الخفض، وإذا كان ما قبل المبدل منه مسكورا. ومنه قول الآخر: " من الرجز " ولضفادي جمه نقانق أراد الضفادع. وكان الزبير يتزود صفيف الوحش، وهو محرم، أي: قد يده. * * * 6 - وقال في حديث ابرهيم، انه قال في الأعضاء إذا انجبرت إلى غير عثم صلح، وإذا انجبرت على عثم، فالدية. يرويه وكيع عن أبيه عن رجل عن ابراهيم. العثم، هو أن ينجبر على غير استواء. يقال: عثمت يد الرجل تعثم وعثمتها انا، وأجرت يده تأجر أجرا وأجورا. وآجرتها أنا ائتجارا. وذلك أذا جبرتها ولم تحكم، فبقيت في العظم عقدة. قال الراعي للأخطل: " من الطويل " أبا مالك لا تنطق الشعر بعدها * واعط القياد إذ عثمت على كسر وهذا مذهب قوم من العراقيين في العمد والخطأ. وأما مالك، فالأمر عنده، ان من كسر عظما من الجسد، يدا أو رجلا، أو غير ذلك عمدا، أقيد منه، ولم يعقل، وان كان خطأ، فبرأ وصح وعاد لهيئته، فانه لا عقل فيه، وان نقص أو صار فيه عثم، ففيه من عقله بحساب ما نقص. * * * 7 - وقال في حديث ابراهيم، أنه قال: التكبير جزو، والقراءة جزم والتسليم جزم. يرويه أبو معاوية عن الأعمش عن ابراهيم.
[ 283 ]
أصل الجزم، القطع. ومنه يقال: جذمت على فلان بكذا، أي قطعت عليه. وأجزم عليه، أي أقطع. وكذلك: جزمت وخذمت، وجذذت، وحذفت وجدفت. وقال ابن مسعود: " كأني بالترك قد أتتكم على براذين مخذمة الآذان، وانما قيل للفعل مجزوم، اذالم يلزمه الاعراب لذلك. كأنه مقطوع عن الاعراب. وأراد ابراهيم بقوله: القراءة جزم، أي لا تمد المد المفرط ولا تهمز الهمز الفاحش، كنحو قراءة قوم. وبلغني أن الكسائي حج مع المهدي، فقدمه بالمدينة، يصلي بالناس، فهمز، فأنكر ذلك أهل المدينة وقالوا: ينبر في مسجد النبي بالقرآن، كأنه ينشد الشعر. وذكر جعفر بن محمد عن أبيه، انه كره الهمز في القرآن. وأرادوا أن تكون القراءة سهلة رسلة. وكذلك التكيبر والتسليم لا يمد فيها، ولا يتعمد الاعراب المشبع. ومثل ذلك قولهم: " الأذان جزم " * * * 8 - وقال في حديث ابراهيم أنه قال: كان العمال يهمطون ثم يدعون فيجابون. يرويه عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن ابراهيم. قوله: يهمطون، من الهمط وهو الظلم والخبط. يقال: همطت أهمط همطا. وقال أبو زيد: يقال: اهتمط فلان غرض فلان، إذا شتمه وتنقصه. وأراد ابراهيم، أن العمال كانوا يفعلون ذلك، ثم يدعون الى طعامهم فيجابون. وقد روي عن عبد الله بن مسعود: انه رخص في اجابة طلب الربا إذا هو دعا وأكل طعامه. وقال: لك المهنأ وعليه الوز رأو نحوه من الكلام. وأكثر الناس على التنزه عما فيه شبهة. * * *
[ 284 ]
9 - وقال في حديث ابراهيم، أنه قال: الخلع تطليقة بائنة، وهو ما دون عقاص الراس. يرويه عبد الرزاق عن معمر عن معاوية عن ابراهيم. قوله: ما دون عقاص الرأس، يريد: أن المختلعة ان افتدت نفسها من زوجها بجميع ما تملكه، كان له أن يأخذ ما دون شعرها من جميع ملكها. وهذا مذهب يذهب إليه بعض الفقهاء ويؤثر نحوه عن عمر وعن عثمان. وبعضهم يقول: ليس للزوج أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها وروى ذلك عن: علي والحسن وطاووس والزهري، 10 - وقال في حديث ابراهيم، أنه قال: لم يطلع سهيل الا في الاسلام. قال أبو حاتم: ذكرت ذلك للأصمعي، فقال: كيف ذا وقد قال المتلمس وهو جاهلي لم يدرك الاسلام: " من البسيط " وقد ألاح سهيل بعدما هجعوا * كأنه ضرم بالكف مقبوس وقال: الاح، تلألأ كأنه يتحرك، ولاح: ظهر وبدا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله سهيلا، كان عشارا باليمن، فمسخه الله شهابا. * * *
[ 285 ]
حديث سعيد بن جبير 1 - وقال في حديث سعيد بن جبير، انه قال: الشهداء ثنية الله. يرويه شبابة عن شعبة عن عمارة بن أبي حفصة عن حجر المدري عن سعيد بن جبير. قوله: ثنية الله، يعني: من اسثناه الله في الصعقة حين قال: ونفخ في الصور، فصعق من في السموات ومن في الأرض، الا من شاء الله. وتقول: هذا ثنيتي من كذا، أو كذا، أي: ما استثنيته. حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: سألت ابن عمران القاضي عن رجل وقف وقفا واسثنى منه فقال: لا يجوز الوقف إذا كانت فيه ثنية. * * * 2 - وقال في حديث سعيد بن جبير، انه قال: خلق الله آدم من دحناء. وفي حديث آخر: ومسح ظهره بنعمان السحاب. حدثناه بشر بن آدم قال: حدثناه أبو أحمد عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير. دحناء أرض يقال ان الله خلق آدم منها. وقوله: ومسح ظهره بنعمان السحاب. ونعمان: جبل في الغرب من غرفة. وبلغني انه يتصل بوادي القرى
[ 286 ]
ونواحيه وهما جبلان يقال لهما جبلا نعمان. ونسبه الى السحاب، لأنه مشرف، فالسحاب يركد عليه، ويعلوهما. قال الشاعر: " من الطويل " أيا جبلى نعمان بالله خليا * رياح الصبا يخلص الي نسيمها وفي حديث آخر للحسن: أنه: " خلق جؤجؤه من نقا ضرية " أي: خلق صدره عليه السلام من رمل ضرية. * * * 3 - وقال في حديث سعيد بن جبير، أنه أتى به الحجاج وفي عنقه زمارة. الزمارة: الساجور. قال الشاعر، وكان محبوسا: " من المتقارب " ولي مسمعان وزمارة * وظل مديد وحصن أمق والأمق: المرتفع. والرجل الأمق، والفرس الأمق: الطويل. وقال الأصمعي: سمعت عقبة بن رؤبة يصف فرسا، فقال: أمق، أشق، خبق وقال المنذر لضرار بن عمرو: ما الذي نجاك يوم كذا، فقال: تأخير الأجل، واكراهي نفسي على المق الطوال. وكان بنوه استشالوه حتى ركب فرسه. مسمعان، قيدان لصوتهما. والزمارة في البيت، الغل، سماه زمارة تشبيها بالساجور، لأنهما في العنق الأشق الطويل، والخبق أيضا الطويل. * * * 4 - وقال في حديث سعيد بن جبير، أنه قال في الصلب الدية.
[ 287 ]
يرويه وكيع عن سفيان عن يعلي بن عطاء عن عبد الله بن مسلم عن سعيد بن جبير. في هذا قولان، أحدهما: انه اراد، ان كسر الصلب فحدب الرجل ففيه الدية. والآخر، انه أراد ان أصيب الرجل بشئ ذهب به الجماع، فلم يقدر عليه، كان على الجاني الدية. فسمى الجماع صلبا، لأن المني يخرج منه.
[ 288 ]
حديث الشعبي عامر بن شراحيل 1 - وقال في حديث الشعبي، انه قال: ما طلع السماك قط، الا غارزا في برد. يرويه ابن عيينة عن رجل عن الشعبي. السماك: نجم. وهما سما كان، احدهما: السماك الأعزل. وهو الذي أراده الشعبي. والآخر: السماك الرامح. وانما قيل له: رامح، لكوكب بين يديه صغير، يقال له: راية السماك. وقيل للآخر: أعزل، لأنه لا شئ بين يديه. والأعزل الذي لا سلاح معه. قال ذلك أبو زيد. وقال الأميل الذي لا سيف معه. والأجم لا رمح معه، والأكشف الذي لا ترس معه. وطلوع السماك الأعزل، لخمس ليال تخلو من تشرين الأول. وفي ذلك الوقت يذهب الحر كله، ويبدأ شئ من البرد. قال سفيان بن عيينة: سمعت أيوب بن موسى " يقول ": إذا طلع السماك، ذهبت العكاك وبرد ماء الحمقاء. والعكاك، جمع العكة، وهي الحر من غير ريح. يقال: يوم عك بين العكيك. قال طرفة: " من الرمل " تطرد القر بحر ساكن * وعكيك القيظ ان جاء بقر
[ 289 ]
وانما خص الحمقاء في هذا الوقت، لأنها لا تبرد الماء. يقول: فالبرد يناله وان لم تبرد. وقوله: الا غارزا ذنبه، وهو لا ذنب له. وانما هذا تمثيل وتشبيه. وأصله: من غرز الجراد ذنبه، إذا أراد أن يبيض. والعرب أيضا تقول: لا يطلع السماك الا وهو ماد عنقه في حرة. وأكثر من قولهم: غارز ذنبه وماد عنقه، في التشبيه والتمثيل قول الآخر: " من الرجز إذا رأيت أنجما من الأسد * جبهته أو الخراة والكتد بال سهيل في الفضيخ ففسد * وطاب ألبان اللقاح فبرد لما كان الفضيخ يفسد عند طلوع هذه الأنجم، أي يبطل. وكأن الشراب يفسد، بأن يبال فيه. جعل سهيلا كأنه بال فيه. وذهاب الفضيخ يكون في هذا الوقت، لأنه يتخذ من البسر. والبسر يصير في هذا الوقت رطبا. وسهيل يطلع من طلوع الجبهة، وذلك لأربع عشرة ليلة تخلو من آب. والنؤ للسماك الأعزل، وهو أحد الثمانية والعشرين التي ينزل القمر كل ليلة واحدا منها. فأما السماك الرامح، فلا نوء له، ولا هومن المنازل. * * * 2 - وقال في حديث الشعبي، أنه ذكر الرافضة، فقال: لو كانوا من الطير لكانوا رخما، ولو كانوا من الدواب، كانوا حمرا. حدثنيه محمد بن خالد بن خداش، قال: حدثنا مسلم بن قتيبة عن مالك بن مغول عن الشعبي. انما خص الرخم من بين الطير، لأنها ألأم الطير وأظهرها موقا، وأقذرها طعما
[ 290 ]
والعرب تضرب بها المثل في الموق. قال الكميت، يهجو رجلا: " من مجزوء الكامل " أنشأت تنطق في الأمو * ر كوافد الرخم الدوائر. إذ قيل: يا رخم انطقي * في الطيرانك شر طائر فأتت بما هي أهله * والعي من شلل المحاور الدوائر، التي تدور إذا حلقت. وقوله: إذا قيل يا رخم انطقي، أراد قول الناس: انك من طير الله، فانطقي. وجعل العي كالشلل. وأما قذر طعمها، فانها تأكل العذرة. ولذلك قال الشاعر: " من الرجز يا رخما قاظ على ينكوب * يعجل كف الخارئ المطيب وقال الكميت: " من الوافر " وذات اسمين، والألوان شتى * تحمق، وهي كيسة الحويل يعني: الرخمة، وهي تسمى أنوقا، ورخمة. والحويل: الحيلة. بلغني عن المفضل الضبي، انه قال: قلت لمحمد بن سهل، راوية الكميت الشاعر، أي كيس عندها. ونحن لا نعرف طائرا أموق منها فقال: وما موقها، وهي تحضن بيضها وتحمي فرخها، وتحب ولدها ولا تمكن الا زوجها، وتقطع في أول القواطع، وترجع في أول الرواجع، ولا تطير في التحسير، ولا تغتر بالشكير، ولا ترب بالوكور، ولا تسقط على الجفير. أما قوله: لا تقطع في أول القواطع، وترجع في أول الرواجع فان الصيادين انما يطلبون الطير بعد أن يعلموا أن القواطع قد قطعت، فتقطع، فتقطع الرخمة
[ 291 ]
أولا فتنجو. يقال: قطعت الطير قطاعا إذا قطعت من بلد الى بلد، وقطع البلد قطوعا، وقطع الأديم قطعا. وقوله: ولا تطير في التحسير، يريد أنها تدع الطيران أيام التحسير كلها. فإذا نبت الشكير، وهو صغار الريش لم يتحامل به، كما يفعل بعض الطير ولكنها تنتظر حتى يصير للريش قصب ثم تطير. وقوله: " ولا ترب بالوكور. يقال: أرب فلان بالمكان، وألب به، إذا أقام فيه. ووكور الطير يكون في عرض الجبل. يقول: فهي لا ترضى بمواضع الوكور، فتبيض فيها. ولكنها تبيض في أعالي الجبال، حيث لا يبلغه انسان ولا سبع ولا طائر. ولذلك يقال في المثل: " دونه بيض الأنوق " أذا كان لا يوصل إليه. وكذلك يقال: " دونه النجم " و " دونه العيوق ". وقال الكميت: " من الطويل " ولا تجعلوني في رجائي ودكم * كراج على بيض الأنوق احتبالها يقول: لا تجعلوني كمن رجا ما لا يكون. واحتبالها: صيدها بالحبالة. يريد: انه من رجا أن يصيدها على بيضها، فقد قدر ما لا يكون. وقوله: ولا تسقط على الجفير، وهي الجعبة. يقول: لا تسقط في موضع تراها فيه، لأنها تعلم ان فيها سهاما. 3 - وقال في حديث الشعبي، انه أتي به الحجاج، فقال: اخرجت علي يا شعبي فقال: أصلح الله الأمير، اجذب بنا الجناب، وأحزن بنا المنزل، واستحلسنا الخوف، واكتحلنا السهر، وأصابتنا خزية لم يكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة، أقوياء. قال: لله أبوك، ثم أرسله. حدثنيه أبو حاتم سهل، قال: حدثنا الأصمعي عن عثمان الشحام " انه قال ": الجناب، ما حول القوم. يقال: اخصب جناب القوم، واجدب جنابهم.
[ 292 ]
ومنه قول مجاهد: " ان لأهل النار جنابا يستريحون إليه، فإذا أتوه لسعتهم عقارب، كأمثال البغال الدلم ". وأحزن بنا المنزل، وهو من الحزونة، وهو غلظ المكان وخشونته. وقوله: استحلسنا الخوف، من الحلس، الذي يبسط في البيت ويقعد عليه، ومنه قيل في الحديث: " كن جلس بيتك "، يعني في الفتنة. وقال جابر بن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مررت على جبريل، ليلة أسري بي كالحلس البالي من خشية الله ". والحلس كساء يكون تحت برذعة البعير، أي: صار الخوف لنا حلسا، والسهر لنا كحلا. أصابتنا خزية، أي: خصلة خزينا منها أي: استحيينا. يقال: خزي فلان يخزي خزاية. قال الشاعر: " من الطويل " فاني - بحمدالله - لا ثوب عاجز * لبست، ولا من خزية أتقنع * * * 4 - وقال في حديث الشعبي، أنه قال: الرجل جبار. حدثنيه محمد بن عبيد، قال: حدثناه ابن عيينة عن أبي فروة عن الشعبي. قوله: الرجل جبار. يريد الدابة إذا كان عليها راكب فرمحت أو نفجت برجلها، فذلك هدر لا شئ على الراكب فيه. يقول: لأنه من ورائه، فليس يراه، ولا يملك دفعه. فأما ما جنته بمقاديمها من وطء أو وعض أو غير ذلك، فهو له ضامن. فهذا راي الكوفيين. وأما مالك والشافعي، فانهما قالا يضمن قائديها وسائقيها وراكبيها، ما أصابت بيد أو فم، أو رجل أو ذنب. قال الشافعي: وان جمحت به أو غلبته، فهو ضامن. وقال مالك: لا يضمن إذا غلبته. قال: وقال الشافعي: وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: " العجماء جبار " فانها كل بهيمة أفسدت شيئا أو أتلفته، وليس معها قائد ولا سائق ولا راكب.
[ 293 ]
قال: وهذا مطرد، الا في موضع واحد، خصه النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: وما افسدت المواشي بالليل فضمان ذلك على أهلها، وما خلا هذه فهو جبار ". كتب الي الربيع بن سليمان يخبرني به عن الشافعي. * * * 5 - وقال في حديث الشعبي، انه كان إذا سئل عن معضلة، قال زباء ذات وبر، أعيت قائدها وسائقها، لو ألقيت على أصحاب محمد لأعضلت بهم. يرويه ابن عيينة عن ابن شبرمة عن الشعبي. قوله: زباء ذات وبر، يريد: انها مسألة شاقة صعبة. وضرب الزباء من الابل لها مثلا. ويقال في المثل: " كل أزب نفور: وقال زيد الخيل: " من الوافر " فحاد عن الطعان أبو أثال * كما حاد الأزب عن الظلال وفي بيت آخر: " من الوافر " كما حاد الأزب عن الظعان والظعان: وهو حبل يشد به الهودج. والأزب من الابل، يكثر شعر حاجبيه، فهو يراه فينفر. وقوله: لأعضلت بهم أي: اشتدت عليهم. ومنه يقال: داء عضال، أي: شديد. وأما قول عمر: " اعوذ بالله من كل معضلة ليس لها أبو حسن "، يعني عليا. فانها من عضلت المرأة، إذا نشب. الولد، ولم يخرج منه الا قليل، وبقي سائره معترضا. ومنه قول الشاعر: " من الكامل " وإذا الأمور أهم غب نتاجها * يسرت كل معضل ومطرق
[ 294 ]
فالمعضل، ما ذكرناه. والمطرق من قولهم: طرقت القطاة، إذا حان خروج بيضها، فعسر عليها. يضرب مثلا لكل أمر يضيق. يقال: أمر مطرق، معضل. * * * 6 - وقال في حديث الشعبي، انه قال لأبي الزناد: تأتينا: بهذه الأحاديث قسبة وتأخذها منا طازجة. حدثنيه محمد بن خالد عن سلم بن قتيبة وعن وهب بن حبيب عن الشعبي. قوله: قسية: أي: ردئية. يقال: درهم قسي إذا كان ردئيا. ويقال أصله: فارسي. فعرب. ويقال:: بل هو: " فعيل " من القسوة، أي: فضته صلبة رديئة ليست بلينة. وقوله: تأخذها طازجة، أي: خالصة، صحاحانقاء، وهو بالفارسية: اعراب " تازه ". وهو الشئ الخالص وهو الشئ الطري. * * * 7 - وقال في حديث الشعبي، انه قال: لأن أتعنى بعنية أحب الي من أن أقول في مسألة برأيي. يرويه وكيع عن عيسى عن الشعبي. العنية: أخلاط تنقع في أبوال الأبل، وتترك حينا ثم تطلى بها الابل من الجرب. ويقال للرجل إذا كان جيد الرأي: عنية تشفي الجرب. وانما سميت عنية لطول الحبس، وكل شئ حبسته طويلا فقد عنيته. ومنه قول الهذلي، في وصف خمر: " من الطويل " وعنتها الزقاق وقارها أي: حبستها فيها، ومنه قيل للأسير: عان. وكان الشعبي يقول: ما شئ أبغض الي من أرأيت. وحدثنا الرياشي عن الأصمعي عن عمر بن أبي زائدة قال: قيل للشعبي: ان
[ 295 ]
هذا لا يجئ في القياس، فقال: أير في القياس. * * * 8 - وقال في حديث الشعبي انه قال: الشفعة على رؤوس الرجال. يرويه وكيع عن سفيان عن أشعث عن الشعبي. معنى هذا، أن تكون الدار بين جماعة مختلفي السهام، فيبيع واحد منهم، فيكون ما باع لشركائه بينهم، سواء على رؤوسهم، لا على سهامهم. وكان عطاء يقول: " الشفعة بالحصص ". يريد: أن ما باع شريكهم بيهم لكل واحد منهم، على قدر سهامه. وقال الشعبي: العقل على رؤوس الرجال، ي يريد: انه لا ينظر الى الأعطية فيلزم الرجل على قدر عطائه، ولكن يلزمون العقل على الرؤوس. * * * 9 - وقال في حديث الشعبي، انه قال: في السقط إذا انكس في الخلق الرابع، وكان مخلقا عتقت به الأمة، وانقضت به عدة الحرة. يرويه هشام عن داود عن الشعبي نكس، أي: قلب في الخلق الرابع. وهو المضغة. وذلك لأن الله تبارك وتعالى يقول: فأنا خلقناكم من تراب، فهذه حال، ثم من نطفه، فهذه حال ثانية. " ثم من علقة "، فهذه حال ثالثة. " ثم من مضغة مخلفة وغير مخلقة، فهذه حال رابعة. والمخلقة: التامة التي قد تبين خلقها. * * * 10 - وقال في حديث الشعبي انه قال: أغمي على رجل من جهينة في بدء الاسلام، فظنوا أنه قد مات، وهو جلوس حوله وقد حفروا له اد أفاق، فقال: ما فعل القصل قالوا مر بنا الساعة، فقال: أما انه ليس علي بأس، اني أتيت حيث رأيتموني أغمي علي. فقيل لي: لأمك هبل، الا ترى حفرتك تنثل، أرأريت ان
[ 296 ]
حولناها عنك بمحول ودفنا فيها قصل، الذي مشى فخزل، أتشكر لربك وتصلى وتدع سبيل من أشرك وضل قلت: نعم، فبرأ ومات القصل، فجعل فيها. حدثت به عن محمد بن فضيل عن اسماعيل بن أبي خالد عن فراس عن الشعبي. الهبل: الثكل. ومنه قول القطامي: " من البسيط " والناس من يلق خيرا قائلون له * ما يشتهي، ولأم المخطئ الهبل وقوله: تنثل، أي: يستخرج ترابها. يقال: نثلت الركية والنثيلة، ما أخرج من تراب البئر. وقوله: حولناها عنك بمحول، يريد: حولنا عنك هذه الحفرة الى غيرك. والمحول: " مفعل، من التحول، كأنه آلة وأداة له. ومن رواه بمحول، فانه أراد موضع التحول. وقوله: الذي مشى فخزل، أي تفكك في مشيته. ويقال لها: المشية الخيزلي، والخوزلى، والخوزرى، والخيزرى. وأنشد الفراء: " من الرجز " والناشئات الماشيات الخوزرى * * * 11 - وقال في حديث الشعبي، أنه قال: إذا ورثت المرأة اعتدت. وقال: باب من الطلاق. يرويه يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة عن أبيه عن الشعبي. وتفسيره: ان الرجل إذا طلق امرأته، وهو مريض قبل أن يدخل بها، ثم مات في مرضه، فانها تعتد منه، لأنها ترثه. وقد اختلف الناس في هذا، فذهب قوم الى ما قاله الشعبي، منهم: مالك. وقال الثوري: ليس بينهما ميراث، لأنها لا عدة عليها.
[ 297 ]
وكذلك الرجل يطلق امرأة قد دخل بها في مرضه، ثم يموت بعد انقضاء عدة الطلاق بذلك المرض، فان الشعبي: ان يورثها ما لم تتزوج: فإذا ورثت أوجب عليها عدة الوفاة. وهو قول مالك. وأما الثوري وأصحاب الرأي، فكانوا يورثونها ما كانت في العدة، فإذا انقضت العدة لم يورثوها. * * * 12 وقال في حديث الشعبي، انه قضى بشهادة القائس مع يمين المشجوج. يرويه مروان بن معاوية عن حفص بن ميمون. القائس، هو الذي يقيس الشجة بالملمول أو غيره ويتعرف مقدارها، ليحكم فيها بعقلها. وكان بعض الفقهاء يجعل هذا الحديث حجة في القضاء بالشاهد وباليمين. وانما كأن تكون حجة لو كانت شهادة القائس ويمين المشجوج على أمر واحد وهما على أمرين مختلفين. لأن القائس يخبر بقدر غور الشجة، وما حدث في القطع وهو مقبول القول، كما يقبل قول الطبيب. والمشجوج يحلف على من ادعى عليه الجناية، وأرى الشعبي قد قبل دعوى المشجوج مع يمينه على الجناني، وقبل قول القائس في مقدار الشجة. * * *
[ 298 ]
حديث عوذ بن عبد الله بن عتبة 1 - وقال في حديث عون بن عدالله، أنه قال في وصيته لابنه، وذكر رجلا بذم فقال: إن أفيض في الخير كزم، وضعف واستسلم. وقال: الصمت حكم. وهذا ما ليس لي به علم. وإن أفيض في الشر. قال: يحسب بى عى، فتكلم، فجمع بين الأراوي والنعام، ولأم مالا يتلاءم. حدثناه اسحق بن راهويه، قال: حدثنا أصحابنا عن الحجاج ابن محمد، عن المسعودي عن عون، في وصية لابنه طويلة. قوله: إن أفيض في الخير كزم. يريد: إن تكلم الناس في الخير سكت وسلم لهم الكلام. وأصل الكزم، ضم الفم. ويقال: كزم الشئ، إذا كسره بفيه. والكزم بفتح الزاى، قصر في الفدم. يقال: فلان أكزم القدم. وقوله: جمع بين الأراوي والنعام. يريد: أكثر القوم ولم يتثبت، وأحال فجمع بين كلمتين مختلفتين. حدثنى أبو حاتم عن الأصمعى أنه قال: في المثل: " ما يجمع الأروى والنعام "، يراد كيف يجتمع هذان، وذلك لأن النعام في الفيافي والحضيض. والأروى، بشعف الجبال، لا تسهل. والأروى شاء الوحش. قال طاووس: أهدى لرسول الله أروى، وهو محرم، فردها.
[ 299 ]
وقوله: لأم ما لايتلأم. أي: جمع بين ما لا يجتمع. يقال: لأمت بينهما. أي: جمعت. ومنه يقال: هذا بلدلا يلائمنى، وأمر لا يلائمني. اي: لا يوافقني. فأما: يلاومنى، فإنه من اللوم، أن تلوم رجلا ويلومك. * * * 2 - وقال في حديث عون بن عبد الله، أنه قال: ما رأيت أحدا يفرفر الدنيا فرفرة هذا الأعرج. يعنى: أبا حازم. يرويه سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحمن عن أبيه، عن عون. يفرفر الدنيا، أي: يخرقها ويشققها. يعنى: بالذم لها والوقيعة فيها. وهو كما تقول: فلان يقطعنى. تريد: بالوقيعة والذم. ويقال: الذئب يفرفر الشاة. قال الشاعر: من المنسرح ككلب طسم وقدترببه * يعله بالحليب في الغلس ظل عليه يوما يفرفره * إلا يلغ في الدماء ينتهس. * * *
[ 300 ]
حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير 1 - وقال في حديث مطرف بن عبد الله، انه قال: من نام تحت صدف مائل، وهو ينوى التوكل فليرم بنفسه من طمار، وهو ينوى التوكل. الصدف: البناء العظيم المرتفع. ويقال لجنبتي الجبل: الصدفان. قال: ومنه قول الله جل وعز: حتى إذا ساوى بين الصدفين. وطمار: مكسور بغير تنوين، مثل: قطام، ورقاش. وهو المكان المرتفع. وأراد هاهنا: جبلا أو صومعة عالية. ونحو ذلك قول الشاعر وآخر، يهوي من طمار، قتيل ويقال: طمر الرجل، إذا وثب من موضع عال إلى أسفل. وأراد مطرف: أنه لا ينبغى لأحد أن يعرض نفسه للمهالك ويقول: قد توكلت على الله، لأنه قد أمر بالحذر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعقلها وتوكل ". وقال لرجل سمعه يقول: حسبى الله: " ابل عذرا، فإذا أعجزك أمر، فقل حسبى الله ". * * *
[ 301 ]
حديث عطاء بن أبى رباح 1 - وقال في حديث عطاء، أنه قال في الجدجد، يموت في الوضوء: لا بأس به. يرويه ابن أبى زائدة عن عبد الملك عن عطاء. الجدجد: هو هذا الذى يصر بالليل في الصيف، فيه شبه من الجراد. قال ذو الرمة: من الطويل. كأنا يغنى بيننا كل ليلة * جداجد صيف من صرير الأواخر الأواخر: الرحال. شبه صرير أواخر الرحال بصرير الجداجد. وانما رخص عطاء في الوضوء بما قد مات فيه، لأنه لا دم له. وكذلك كل ما كان من خشاش الأرض لا دم له، فإنه لا ينجس الماء إذا مات فيه. * * * 2 - وقال في حديث عطاء، أنه قال: لا بأس بالشبرق والضغابيس، ما لم تنزعه من أصله. يرويه وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن عطاء. الشبرق، نبت يكون بالحجاز. وأخبرني أبو حاتم عن أبى ض عبيدة، أنه قال في قول الله تبارك وتعالى: ليس لهم طعام إلا من ضريع،
[ 302 ]
الضريع عند العرب يابس الشبرق. وهو يؤكل، غير أنه كما ذكر الله تبارك وتعالى: لا يسمن ولا يغني من جوع. وقال الهذلى يصف إبلا بسوء الحال: من الطويل. وحبسن في هزم الضريع فكلها * حد باء دامية اليدين حرود وهزمه: ما تكسر منه. والحرود: التي لا تدر. وقال الهذلى أيضا: من الطويل ترى القوم صرعى جثوة أضجعوا معا * كأن بأيديهم حواشي شبرق وفي الشبرق حمرة، فشبه الدم به. وأما الضغابيس: فقد ذكرناه فيما تقدم من الكتاب. وأراد عطاء، أنه لا بأس بقطع هذين من الحرم، لأنهما يؤكلان بعد أن تترك أصولهما في الأرض. * * * 3 - وقال في حديث عطاء، أنه قال: لا بأس بأن يتداوى المحرم بالسنى والعتر. حدثنيه شبابة بن الحسن، قال: حدثناه القاسم بن الحكم القاضي، عن الثوري عن ابن جريج عن عطاء. أما السنى، فنبت معروف يتداوى به. وأما العتر، فإني سألت عنه الرياشي فقال لي: سألت عنه الأصمعى فقال: هو نبت ينبت مثل المرزنجوش متفرقا. وقال الهذلي، وذكر قومه وعليتهم عنه بمصر. - وما كنت أخشى أن أكون خلافهم بستة ابيات كما نبت العتر
[ 303 ]
وقال: يريد أن هذه الأبيات متفرقة مع قلتها، كتفرق العتر في منبته. ومعنى الحديث: أن عطاء لم ير بأسا أن يؤخذ هذان من الحرم ليتداوى بهما، كما لم ير بأسا بأخذ الشبرق والضغابيس. * * * 4 - وقال في حديث عطاء، أن ابن جريج قال: سألته عن صدقة الحب فقال: فيه كله الصدفة، وذكر الذرة والدخن والجلجلان والبلسن والإحريض، وذكر التقدة. رواه عبد الرزاق عن ابن جريج. أما الدخن والجلجلان، فقد فسرتها في حديث عمر. والبلسن: العدس. والبلسن: التين بلغة أهل اليمن، وسمعته منهم. خبرني بذلك الحجازيون. ومنه حديث يرويه عمر بن قيس عن عطاء عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " من أحب أن يرق قلبه فليدمن أكل البلس ". والا حريض: العصفر. قال الاصمعي: الا حريضة والا خريطة والاسليحة، ضروب من النبات. والتقدة: الكزبرة. خبرني بذلك أهل اليمن. * * * 5 - وقال في حديث عطاء، أنه ذكر مهبط آدام، فقال: هبط معه بالعلاة. يرويه ابن جريج عنه. العلاة: السندان، وهم يشبهون راس الناقة بها. قال طرفة: من الطويل لها هامة مثل العلاة كأنما وعى الملتقى منها إلى حرف مبرد * * *
[ 304 ]
حديث الزهري محمد بن سلم بن عبد الله 1 - وقال في حديث الزهري، انه قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن في العسب والقضم والكرانيف. يرويه ابن عيينة عن الزهري. العسب: " جريد النخل، واحدها: عسيب. وكان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتبون القرآن في سعف النخل، ولذلك كان اهل الكتاب يكتبون الزبور في السعف. قال امرؤ القيس: من الطويل لمن طلل أبصرته فشجانى كوحى الزبور في عسيب يماني وكانت حمير أيضا تكتب في السعف. قال ابن مقبل: - أورد حمير بينها أخبارها بالحميرية في عسيب ذابل وقال زيد بن ثابت، حين أمره أبو بكر بجمع القرآن، قال: " فجعلت أتتبعه من الرقاع والعسب واللخاف ". واللخاف: جمع لخفة، وهي حجارة رقاق. قال الأصمعى: توضع الفسيلة بالمدينة معها لخفة، وهو حجز رقيق، وبالعراق قطعة راقود.
[ 305 ]
والقضم: جمع قضيم، وهي الجلود البيض. وقد يجمع قضم مثل أديم وأدم. قال النابغة الذبيانى: كأن مجر الرامسات ذيولها عليه قضم نمقته الصوانع والكرانيف: اصول السعف الغلاظ. واحدها كرنافة. وفي حديث الواقفى، الذي ضافه رسول الله وأبو بكر وعمر، أنه أتى بقربته نخلة فعلقها بكرنافة. * * * وقال في حديث الزهري، أنه قال: لا تصلح مقارضة من طعمته الحرام. يرويه ابن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب. لم يرد بالمقارضة، أن تقرضه ويقرضك. هذا ما لا أعلم به بأسا، قد اقترض رسول الله من اهل الذمة. ولكن المقارضة هاهنا المضاربة. وأهل الحجاز يسمون المضاربة: القراض. والمقارضة: هو أن يدفع رجل إلى رجل مالا يتجر به، يكون الربح بينهما على ما يتفقان عليه، وتكون الوضيعة على راس المال، فهذه شركة القراض. واراد ابن شهاب، مشاركة اليهود والنصارى وصاحب الربا. قال الضحاك: لا تشارك المشركين في تجارتهم، إلا أن يكون بيعا تشهده فأما ما خلوا به، فلا لأن في دينهم أكل الرباء وقال عطاء: إن كان المسلم يلي البيع والشراء، فلا بأس. * * * 3 - وقال في حديث الزهري، أنه قال: كان بنو إسرائيل من أهل تهامة، أعتى الناس على الله، وقالوا قولا لا يقوله أحد، فعاقبهم الله، فعقوبتهم ترونها الآن
[ 306 ]
بأعينكم، فجعل رجالهم القردة، وبرهم الذرة، وكلابهم الأسد، ورمانهم المظ، وعنبهم الأراك، وجوزهم الضبر، ودجاجهم الغرغر. حدثنيه أبو حاتم، قال: حدثناه الأصمعي، قال: حدثنى نصر مولى السهميين، قال: سمعت ابن شهاب يحدث به بالمسجد الحرام. المظ رمان بري لا يحمل. وإن حمل فما لا يننتفع به. قال الهذلي، وذكر نحلا: يمانية احيا لها مظ مأبد وآل قراس صوب أسقيه كحل قال أبو محمد: الأسقية، جمع سقي، وهي سحائب. وقوله: وجعل عنبهم الأراك. والأراك: عناقيد كعناقيد العنب، وحمله يؤكل. وهو الكباث. قال جابر بن عبد الله: كنا نجنى الكباث مع سول الله، قال: " عليكم بالأسود منه، فإنه أطيبه ". والضبر: جوز البر. والغرغر: دجاج الحش، وأحسبه لا ينتفع بلحمه. * * * وقال في حديث الزهري، أنه قال: بلغني أنه من قال حين يمسى أو يصبح: أعوذ بك من شر السامة والحامة، ومن شر ما خلقت، لم تضره دابة. يرويه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. السامة: الخاصة. يقال: كيف السامة والعامة، أي: كيف من تخص وتعم. ومنه قول امرئ القيس: - مسمة الدخل أي: مخصته.
[ 307 ]
وفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام " أنه كان يتعوذ من شر السامة والعامة ". وفي حديث الزهري: والحامة. والحامة: القرابة. ومنه يقال: كيف أهلك وحامتك. وقيل للقرابة: الحميم. قال الشاعر: تسمنها بأغزر حلبتيها ومولاك الأحم له سعار الأحم: الأقرب. يقول: سعار من الجوع. وقال العجاج، وذكر الله جل وعز: هو الذي أنعم نعمى عمت على الذين أسلموا، وسمت أي: خصت، أي: عمت هذه النعمة وسمت. وأما قولهم في العوذ: من كل عين لامة. فانه من: ألم يلم، إذا اعتاده. وكان القياس أن يقولوا: ملمة، الا أنهم أرادوا: ذات لمم، كما قالوا: هم ناصب إذا نصب. وقولهم: من شر كل عرق نعار. يقال: نعر العرق بالدم ينعر، وهو عرق نعا ر. إذا ارتفع دمه. وقال الراجز: ضرب دراك، وطعان ينعر ويقال من الصوت: قد نعر ينعر نعيرا، وانه لنعار في الفتن، إذا كان ينهض فيها. * * * 5 - وقال في حديث الزهري، أنه قال في رجل أنعل دابة رجل، فعتبت، أو عنتت، إن كان بنعل، فلاشئ عليه، وإن كان ذلك تكلفا وليس من عمله ضمن. حدثنيه محمد بن عبيد عن معاوية عن أبى اسحاق عن إسماعيل عن معمر عن الزهري. قوله: عتبت، أي: غمزت فرفعت رجلا أو يدأ، ومشت على ثلاث. يقال:
[ 308 ]
عتب الفرس يعتب ويعتب. ويقال ايضا من الموجدة: عتبت على فلان أعتب وأعتب. وأعنت مثله. وعنتت، فإنه من العنت، وهو الضرو الفساد. وإن كان المحفوظ: عنتت، فإنه من: العنت، وهو الضرر والفساد. وقال الله جل وعز: ذلك لمن خشي العنت منكم، وأراد أيضا: غمز الدابة، سماه عنتا، لأنه ضرر، وهذا أحب الوجهين إلي، لقول النبي صلى الله عليه: " أيما طبيب تطبب على قوم ولم يعرف بالطب قبل ذلك، فأعنت، فهو ضامن ". أحسبه يعني في قطع العروق والبط والكي وأشباه ذلك، وأرى الزهري نقل لفظ الحديث كما نقل معناه. * * *
[ 309 ]
حديث الضحاك بن مزاحم 1 - وقال في حديث الضحاك، انه قال في رجل آلى من امرأته، ثم طلقها أو طلقها ثم آلى منها، هما كفرسي رهان، ايهما سبق أخذ وإن وقعا جميعا أخذ بهما. يريوه ابن المبارك عن الحسن بن يحيى عن الضحاك. تفسيره: ان العدة، وهي ثلاث حيض، إن انقضت قبل انقضاء وقت الايلاء، وهو أربعة أشهر، فقد بانت منه المرأة بتلك التطليقة، ولا شئ عليه من الايلاء، لأن أربعة الاشهر تنقضي، وليست له بزوج، وإن مضت الأربعة الأشهر، وهي في العدة بانت مع تلك التطليقة، فكانت اثنتين. وهذا مذهب سفيان، وقوم، من الكوفيين. ويذهب آخرون: إلى ان الطلاق يهدم الا يلاء. * * *
[ 310 ]
حديث أبى قيس الأودي عبد الرحمن بن ثروان 1 - وقال في حديث أبى قيس، أنه قال: سئل ملك الموت عن قبض الأرواح، فقال: أؤيه بها كما يؤيه بالخيل فتجيبني. يروه ابن فضيل عن الحسن بن عبد الله عن أبى قيس. التأييه: الدعاء. يقال: أيهت بالفرس، فأنا أويه به تأييها. ويقال: ايه بفلان، أي: ادعه. وفي كتاب سيبويه، بيت لا يحسن كثير من النحويين قراءته. أيك أيه بي أو مصدر من حمر الجلة جأب حشور أيك: أبعدك. وأنشد أبو زيد: فأيك هلا والليالي بغرة وفي أعين الأيام عنك عنود أي: أبعدك الله. وأية، دعاء على ما فسرنا في الحديث. واحتج سيبويه بهذا البيت في عطف الظاهر على المكني بلا إعادة الباء، لأنه لم يقل: بمصدر. جأب: غليظ، وحشور: منتفخ الجنبين. * * *
[ 311 ]
حديث شميط ابن عجلان 1 - وقال في حديث شميط، انه قال: أوحى الله الى داود صلى الله عليه وسلم، قل للملأ من بنى اسرائيل، لا يدعوني والخطايا بين أضباثهم ليلقوها، ثم ليدعوني بين اضباثهم، في قبضاتهم. ويقال: ضبثت به، اي: قبضت عليه. قال الشاعر: كأن فؤادي في يد ضبثت به محاذرة أن يقضب الحبل قاضبه * * *
[ 312 ]
حديث ثابت البناني 1 - وقال في حديث ثابت، أنه قال: كان داود صلى الله عليه وسلم إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله، فلا يشدها إلا الأسر. الأسر: أن يعصب. يقال: ما أحسن ما أسر قتبه. أي: ما أحسن ما شد قتبه. وإنما قيل للأخيذ أسير من هذا، لأنه كان إذا أخذا أسر، أي: شد بالقد. ومنه قول الله جل وعز: وشددنا أسرهم. * * *
[ 313 ]
حديث مالك بن دينار 1 - وقال في حديث مالك بن دينار، أنه قال: إن الله تبارك وتعالى يقيم داود يوم القيامة عند ساق العرش، فيقول: يا داود، مجدني اليوم بذاك الصوت الرخيم الحسن. الرخيم، من الصوت: الرقيق الشجى، ومنه يقال: ألقيت عليه رخمة أمة، أي: رقتها ومحبتها. قال ذو الرمة، يذكر المرأة ويشبهها بالظبية: كأنها أم ساجى الطرف أخدرها مستودع خمر الوعساء مرخوم والمرخوم: خشفها، لأن رخمتها ألقيت عليه. ويقال: رخمت الدجابة، إذا ألزمتها البيض، لأنها لا تلزمه إلا بالرخمة. اي: الشفة. وقال أبو زيد الأنصاري. اما أهل اليمن فيقولون: رخمته رخمة في معنى: رحمته. * * *
[ 314 ]
حديث نوف البكالي 1 - وقال في حديث نوف، أنه ذكر عوجا، وقتل موسى له، قال: فوقع على نيل مصر، فجسرهم سنة. قوله: جسرهم، أي: صار لهم جسرا يعبرون عليه من جانب إلى جانب، ونحوه قولهم: قطع الثوب فلانا، إذا كفاه. تقول: لا يقطعني قميصا هذا الثوب. * * *
[ 315 ]
حديث عبد الملك بن مروان 1 - وقال في حديث عبد الملك، ان ابراهيم بن متمم بن نويرة، دخل عليه فسلم بجهورية، فقال عبد الملك: انك لشنخف. فقال: يا أمير المؤمنين، إني من قوم شنخفين، قال: وأراك أحمر قرفا، قال: الحسن أحمر يا أمير المؤمنين. بلغني عن ابى اليقظان سحيم بن حفص. الشنخف: الطويل العظيم، والشنخاف كذلك والقرف: الشديد الحمرة. وإنما قيل له قرف لأنه من شدة حمرته، كأنه قرف، أي: قشر والقرف: القشر. يقال: صبغ فلان ثوبه بقرف السدر، أي: بقشره، ولذلك قيل: قرف فلان فلانا، إذا وقع فيه، لأنه: كأنه سلخه أو قشره، بالوقيعة فيه. وأما قوله: الحسن أحمر. فإن سهلا حدثني عن الأصمعي، أنه قال: العرب تقول، الحسن أحمر، يراد به من أراد الحسن صبر على اشياء يكرهها. فذهب الأصمعي في أحمر إلى معنى الصعوبة والمشقة، كما قيل: موت أحمر. وقد تدبرت هذا فرأيت معنى الحديث يدل على أنه يريد: أن الحسن في الحمرة، لا ما ذهب إليه الأصمعي، ومما يدل على ذلك قول الشاعر: فإذا ظهرت تقنعي بالحمر، إن الحسن احمر يريد: أن الحسن في الحمرة. وقال المفسرون، أو من قال منهم، في قول:
[ 316 ]
الله جل وعز: فخرج على قومه في زينته: أنه خرج في ثياب حمر. ولا أحسبه كره المعصفر للرجال، إلا لحسنه. قال إبراهيم: إنى لألبس المعصفر، وأنا أعلم أنه زينة الشيطان، وأتختم الحديد، وأعلم أنه حلية أهل النار ". أراد: أن المعصفر: الزينة التي يختل بها الشيطان. " وحدثني زياد بن يحيى قال: حدثنا بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:، الحمرة من زينة الشيطان، والشيطان يحب الحمرة ". ولا أرى إبراهيم لبس المعصفر وتختم بالحديد، إلا لما كان يريد من إخفاء نفسه وستر عمله، وكأنه أراد أن ينفي عن نفسه الشهوة بالزهد والعبادة. لا أعلم وجها غير هذا. وقد يفع ما ذهب إليه الاصمعي من إقامة الأحمر مقام الصعب الشديد. من ذلك قولهم: موت أحمر. وأصله: القتل، سمي موتا أحمر، لحمرة الدم. وذكر رسول الله صلى الله عليه ما يكون بين يدي الساعة، فقال: " لو تعلمون ما يكون في هذا الأمة من الموت الأحمر، والجوع الأغبر ". يعني بالموت الأحمر، القتل. وذكر أبو اليقظان: أن زياد بن أبى سفيان، كان عاملا لعلي ابن أبى طالب، عليه السلام، على فارس، فكتب إليه معاوية يتهدده، فكتب إليه زياد: اتوعدني وبيني وبينك علي بن أبى طالب، أما والله لئن وصلت إلي، لتجدنني أحمر ضرابا بالسيف. وقد يجوز أن يكون، أراد بالأحمر، النسبة إلى العجم، وكانت أمه عجمية، فالعجم يقال لهم: الحمراء. وقال في حديث عبد الملك، انه كتب إلى الحجاج: أني قد استعملتك على العراقين صدمة، فاخرج إليهما كميش الإزار، شديد العذار، منطوي الخصيلة، قليل الثميلة، غرار النوم، طويل اليوم.
[ 317 ]
بلغني عن أبى الحسن المدائني، قوله: على العراقين صدمة، هو كما قال في الكلام، اعطاه رزق شهرين ضربه واحدة، وأعطاه كل شئ اجتمع عنده دفعة واحدة. وقوله: كميش الإزار، اي: مشمر الإزار. ومنه يقال: تكمشت الجلدة، إذا انقبضت. وأحسب قولهم: انكمش في الحاجة، من هذا. وقال دريد بن الصمة يرثي أخاه: كميش الإزار، خارج نصف ساقه صبور على الجلاء طلاع أنجد وقوله: شديد العذار. يقال للرجل إذا عزم على الشئ، هو مشمر العذار. وشديد الغدار وقال أبو ذؤيب: فإنى إذا ما خلة رث وصلها وجدت بصرم واستمر عذارها ويقال: لوى عنه عذارة، أي: عصاه. وقوله: منطوي الخصيلة، وجمعها: خصائل، وهي لحم الفخذين، ولحم العضدين ولحم الساقين. وكل لحم في عصبة: خصيلة. يقال: جاءنا فلان ترعد خصائله. وقال زهير، وذكر فرسا: فتضربه، حتى اطمأن قذاله ولم يطمئن قلبه وخصائله وقوله: قليل الثميلة، والثميلة، البقية تبقى من الطعام. والشراب في بطن الإنسان. وثميلة البعير: ما يبقى في بطنه من العلف. وقيل لأعرابي: اشر ب، فقال: إنى لا أشرب إلا على ثميلة. وقال الشاعر:
[ 318 ]
إذا لم تكن قبل النبيذ ثريدة ملبقة صفراء شحم جميعها فإن النبيذ الصر د إن شرب وحده على غير شئ، اوجع الكبد جوعها والصرد: الصرف، وهو من كل شئ: الخالص. يقال: أحبك حبا صردا، أي: خالصا. والثميلة أيضا: البقية من الماء في الصخرة أو في الوادي. وإنما تقل ثميلة الرجل، لقلة الطعم، فأراد: لا تكثر من الطعم وتشتغل بصنوفه، ولكن اقتصر على ما لا بد لك منه، فعل الجاد المشمر المتأهب. ونحو من هذا، كتاب عمرو بن العاص إلى معاوية: انه ليس أخو الحرب من يضع خور الحشايا عن يمينه وشماله، ويعاظم الأكلاء اللقم، ولكنه من حسر عن ذراعيه، وشمر عن ساقيه، وأعد للأمور آلاتها وللفرسان أقرانها. وخور الحشايا: هي الوطاء منها، وذلك بأن تحشى حشوا لا تصلب معه، فإذا ارتفق بها، دخل فيها المرفق وهي كذلك أوطأما تكون. ومنه قيل للرجل الضعيف: خوار. ومنه قيل للنوق الغزاز، إذا كان في لبنها رقة: خور. ألا ترى أنهم يقولون للتي لا تغرز، غرزها الجلاد. قال الراجز: قد علمت جلادها وخورها إنى بشرب السوء، لا أهورها وقوله: غرار النوم، أي: قليل النوم. يقال: ما أهجع إلا غرارا، أي: قليلا. وقوله: طويل اليوم يقال ذلك لكل من جد وعمل في يومه، ولم يشتغل بلهو ولا لعب. ولذلك يقال للمتهجد: هو طويل الليل. وقالت الشعراء: طال ليلي يريدون: أنهم سهروا فيه ولم يناموا. ويقال لمن لها في يومه ولعب او شرب، فلان قصير اليوم. قال الشاعر:
[ 319 ]
ويوم كظل الرمح قصر طوله دم الزق عنا واصطفاق المزاهر يريد: أنه طويل كظل الرمح. وقال آخر: كأنما يومي حو ل إذا لم أشهد اللهو ولم أطرب * * * 2 - وقال في حديث عبد الملك، أن رجلا قال له: خرجت بي فرحة، فقال عبد الملك: في اي موضع من جسدك فقال بين الرانفة والصفن. فأعجبه حسن ما كنى. حدثنيه عبد الرحمن عن الأصمعي عن رجل. قال الأصمعي الزانفة أسفل الألية، وطرفها الذي يلي الارض من الإنسان إذا كان قائما. والصفن: جلد الخصية. فأراد، أن القرحة كانت في الدبر، أو في العجان، والعجان: ما بين الذكر إلى الدبر. * * * 3 وقال في حديث عبد الملك، أنه أتي بأسير مصدر أزبر، فقال له: أدبر فأدبر، وقال له: أقبل فأقبل. فقال: قاتله الله، أدبر بعجز ذئب، وأقبل بز بسرة أسد. المصدر: العظيم الصد ر، والأزبر: العظيم الزبرة، ولذلك قال: أقبل بزبرة أسد. والزبرة: ما بين كتفي الأسد. أراد أنه مصدر عظيم الكاهل. والكاهل والكتد: واحد. وهما موصل الظهر في العنق. يقال: رجل أزبر، إذا كان عظيم الزبرة، مثل: أرأس، إذا كان عظيم الراس، وارجل، إذ كان عظيم الرجل، وأركب، إذا كان عظيم الركبة.
[ 320 ]
وقول: أدبر بعجز ذئب. يريد: أنه أرسخ. والذئب يوصف بالرسح. ولذلك قيل له: أزل. أي: ارسح. والمرأة الزلاء: هي الرسحاء. وقد غلب هذا الوصف على الذئب، حتى صار كالإسم له. قال الشاعر يصف فرسا: من الرجز أزل إن قيد، وإن قام نصب أي: هو ذئب إن قيد، ولم يرد أن الرجل أرسح، لأن الرسح عيب فيه، ومثل قولهم للنعامة صكاء لاصطكاك عرق بيها، فصار ذلك لها كالاسم. قال المسيب بن علس، يصف ناقة: من الكامل صكاء ذعلبة إذا استد برتها * حرج إذا استقبلتها هلواع أي: هي نعامة إذا استدبرتها، ولم يرد أنه يصطك عرقوباها، لأن ذلك عيب * * *
[ 321 ]
حديث هشام بن عبد الملك 1 - وقال في حديث هشام بن عبد الملك أنه كتب إلى عامل أضاخ، أو العامل فوقه، أن أصب لى ناقة مواترة، وكان بهشام فتق، فما وجدوا أحدا يعرف الناقة المواترة، إلا رجلا من بني أود من بني عليم. حدثنيه سهل، حدثناه عن الأصمعي عن شيخ من أهل أضاخ. قال الأصمعي: والناقة المواترة، هي التي إذا بركت، وضعت إحدى يديها، فإذا أطمأنت وضعت الأخرى، فإذا اطمأنت وضعتها جيمعا، ثم تضع وركيها قليلا قليلا، والتي لا تواتر تزج بنفسها، فتشق على راكبها عند البروك النزول. وأصل المواترة، من الوتر، وهو الواحد، يريد أنها تضع قوائمها بالأرض وترا وترا، أي واحدا واحدا. وهذا أيضا شاهد على المواترة في قضاء رمضان، انه قضاؤه يوما بعد يوم يفطر، ويما بعد أيام يفطرها، وقد ذكرت ذلك في حديث أبى هريرة. * * * 2 - وقال في حديث هشام، أن رجلا قال له في وصف ناقة، أنها المسياع مرباع، هلواع. حدثنيه عبد الرحمن بن أخى الأصمعي عمه قال، ويقال: رجل مسياع
[ 322 ]
إذا كان مضيعا لماله، يقال: أساع ماله، إذا أضاعه، ولم أسمعه في وصف الناقة إلا في هذا الحديث. وهي التي تحتمل الضيعة وسوء القيام. قال: والمرياع التي يسافر عليها ويعاد. وأصله من راع، إذا عاد، تريع السمن إذا جاء وذهب. والهلواع التي فيها نزق وخفة. ومنه يقال: هلع الرجل، إذا جزع وخف. والمرباع: التي تبكر بالحمل. هذا كله قول الأصمعى. والمرباع، في غير هذا، ربع الغنيمة، ولم يأت على هذا اللفظفي تجزئة الشئ إلا المعشار. * * *
[ 323 ]
حديث الحجاج بن يوسف الثقفي 1 - وقال في حديث الحجاج بن يوسف انه خطب حين دخل العراق، فقال في خطبته: إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، كأني أنظر إلى الدماء بين اللحى والعمائم، ليس أو ان عشك فادرجي، ليس اوان يكثر الخلاط. من الرجز قد لعها لليل بعصلبى * أروع خراج من الدوي مهاجر ليس بأعرابي * قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر وضم أنا ابن جلاوطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني إن أمير المؤمنين نكب كنانته بين يديه، فعجم عيدانها، فوجدني أمرها عودا واصلبها مكسرا، فوجهني إليكم، ألا فوالله لأعصبنكم عصب السلمة، ولألحونكم لحو العود، لأضربنكم ضرب غرائب الأبل، ولأخذن الولي بالولي، حتى تستقيم لي قناتكم، وحتى يلقى أحدكم أخاه، فيقول: أنج سعد فقد قتل سعيد ألا وإياي وهذا السقفاء والزرافات، فإني لآخذ أحدأ من الجالسين في زرافة، إلا ضربت عنقه.
[ 324 ]
يروي من وجوه بألفاظ مختلفة، تزيد وتنقص. أحدها يرويه ابن عيينة عن ابن عون. قوله: أرى رؤوسا قد أينعت. أصل هذا في الثمرة، وإيناعها: أن تدرك وتبلغ، وإذا هي أدركت، حان أن تقطف. فشبه رؤوسهم لاستحقاقهم القتال بثمار قد حان أن يجتنى. وقوله: " ليس أوان عشك فادرجي. هذا مثل " يضرب للرجل المطمئن المقيم، وقد أظله أمر عظيم يحتاج إلى مباشرته والخفوف فيه. وإنما خصهم يومئذ على اللحوق بالمهلب، وكان يقاتل الأزارقة، فقال: ليس هذا وقت المقام والخفض، ولكنه وقت الغزو، فليلحق من كان في بعث المهلب به. وأصل المثل في الطير. وقوله: " ليس اوان يكثر الخلاط ". والخلاط ها هنا السفاد، وهو شبيه بالمثل الأول، أي: ليس هذا أوان السفاد والتعشيش. وقوله: قد لفها الليل بعصلبي. هذا مثل ضربه لنفسه ورعيته، فجعلهم بمنزلة ناقة أو إبل لرجل قوي شديد، يسري ويتعبها، ولا يركن إلى دعة ولا سكون. وجعل نفسه بمنزلة ذلك الرجل. ولفها، أي: جمعها. هذا أصل هذا الحرف. قال الفرزدق، وذكر ركبا: من الطويل سمروا يركبون الريح وهي تلفهم * إلى شعب الأكوار ذات الحقائب ويروي: قد حشها الليل، من قولك: حششت النار بالحطب، إذا القيته عليها فالتهبت. والليل لا يفعل شيئا من هذا، إنما الفاعل، هذا الرجل في الليل. والعصلبي: الشديد من الرجال، وهو مثل: الصمل. وقوله: اروع خراج من الدوي. الاروع: الجميل وحراج من الدوي، يريد: انه صاحب اسفار ورحل، فهو لا يزال يخرج من الفلوات، وقد يكون أراد به: دليل في الفلوات لا يتحير فيها
[ 325 ]
ولا تشتبه عليه. ودوي: جمع داوية، وهي الفلاة. قال بعضهم، إنما قيل للفلاة دوية، لأنه يسمع فيها دوي. أنشد بيت ذي الرمة: من الطويل. إذا قال حاد ينا لتشبيه نبأة * صه لم يكن إلا دوي المسامع فكأن قولهم دويا بالتشديد، حكاية ذلك الصوت الذي يسمع، ثم نسبت الفلاة إليه. وقوله: قد لفها الليل بسواق حطم، هو شبيه بالأول. ويروي ايضا: حشها. والحطم: العنيف بها في سوقه. ومنه قول الله جل وعز: وما أدراك ما لحطمة. كأنه التي تحطم ما ألقي فيها. ويقال: حششت الحر ب، إذا هاجها، كما تحش النار. ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام في ابي بصير، " ويل أمه، محش حرب، لو كان معه رجال ". وقوله: ليس براعي إبل ولا غنم يريد: انه عظيم القدر، ليس ممن يرعى. ولا بجزار على ظهر وضم. يريد: أنه ليس ممن يباشر للحم بيده، ويبتذل نفسه. ولكنه يكفى ذاك، ما أكثر ما يتمدحون بهذا وما اشبهه. قال الشاعر: من الطويل وكف فتى لم تعرف السلخ قبلها * تجوز يداه في الأديم وتخرج وقال الآخر: من المتقارب وصلع الرؤوس، عظام البطو * ن جفاة المحز، غلاظ القصر جفاه المحز، يريد: انهم لا يصيبون في القطع المفصل، كما يصيبه الجازر. وقال الآخر: من المتقارب. من آل المغيرة لا يشهدون * عند المجازر لحم الوضم
[ 326 ]
والوضم، كل شئ وقيت به اللحم من الأرض من خوان أو غيره. يقا ل: وضمت اللحم، أي: عملت له وضما، وأوضمته، جعلته على الوضم. وقوله: أنا ابن جلا. قال سيبويه: جلا، فعل ماض كأنه بمعنى: أنا ابن الذي جلا، أي: أوضح وكشف، وهكذا جاء هذا الحرف. قال القلاخ: من الرجز أنا القلاخ بن جناب بن جلا * أبو خناثير أقود الجملا خنائير: دواه، وخناشير أيضا وقوله: أقود الجملا، أي: أنا مكشوف الأمر ظاهره، لا أخفى. ويقال: ما أستسر من قاد الجمل. وقوله: وطلاع الثنايا، الثنايا: جمع ثنية. والثنية: الأرض نرتفع وتغلظ. ومنه حديث النبي عليه السلام: " إنه كان إذا قفل فاوفى على فدفد أو ثنية كبر ثلاثا، والفدفد، نحو الثنية. ومثله قولهم: فلان طلاع انجد، وهو جمع نجد. والنجد: ما ارتفع من الأرض. خبرني أبو حاتم عن الأصمعي، انه قال: يقال ذلك للرجل، لا يزال قد فعل فعلة شريفة، وقال دريد بن الصمة: من الطويل كمش، الإزار، خارج نصف ساقه * صبور على الجلاء، طلاع أنجد والجلاء: الأمر العظيم، وهو الجلي أيضا، إذا قصر ضم أوله، وإذا مد فتح أوله. وجمعه: جلل، مثل: كبرى وكبر، وطولي وطول. وقوله: كميش الإزار، يريد: انه مشمر ليس بصاحب خفض ودعة. وأصل المثل، أن يكون الرجل صاحب أسفار، وهو لا يزال يطلع الثنايا والنجاد، أي: يشرف عليها. ويكون أيضا: أن يربأ عليها، والربئية: عين القوم وكالئهم، ومكان الربيئة: الثنايا والهضاب. قال عروة بن مرة
[ 327 ]
لست لمرة، إن أوف مرقبة * يبدو لي الحرث منها والمقاضيب والمقاضيب: مواضع القضب، وهو القت، واحدها مقضبة. وقوله: متى أضع العمامة تعرفوني، يريد أني مشهور لا أنكر. ويحتمل ايضا أن يريد: متى أكاشفكم وأدع الأناءة فيكم تعرفوني حينئذ، حق معرفتي، من قولك: ألقيت القناع، إذا كاشفته. وقوله: إن أمير المؤمنين، نكب كنانته بين يديه، أي: كبها. يقال: نكب فلان الكنانة ينكبها نكبا ونكوبا، إذا كبها. وقوله: يعجم عيدانها، يريد: اختبر سهامها وهذا مثل ضربه لنفسه ولأمثاله من رجال السلطان. يريد: أنه اختبر أصحابه، فوجدني أمرهم وأصلبهم فرماكم بي. يقال: عجمت العود أعجمه عجما، إذا عضضته بأسنانك، لتنظر أهو صلب أم خوار. وعجمت، إذا رزته، وعجمت الشئ، إذا ذقته. قال الشاعر: من الطويل أبى عودك المعجوم إلا حلاوة * وكفاك إلا نائلا حين تسأل وقوله: لأعصبنكم عصب السلمة. والسلمة: شجرة، وجمعها: سلم، وبها سمي الرجل سلمة. أخبرني أبو حاتم عن الأصمعي، أنه قال: السلمة يأتيها الرجل، فيشدها بنسعة، إذا أراد أن يخبطها، كي لا يشد شوكها فيصيبه، فيضرب مثلا لمن عصبته بشر أو أمر شديد. وحدثنا ابن عرم عن ابن كناسة، انه قال: عصب السلم في الجدب، أن يشدوا في أعلى الشجرة منه حبلا، ثم يمد الغصن حتى يدنو من الإبل، فتصيب من ورقة. قال الكميت. من الطويل
[ 328 ]
ولا سمراتي يبتغيهن عاضد * ولا سلماتي في بجيلة تعصب وأراد أن بجيلة لا تقدر على قهره وإذلاله. وقوله: لألحونكم لحو العصا. واللحاء: ممدود، القشر. ومثله مما يقال بالواو والياء، كنوت الرجل وكنيته، ومحوت الكتاب ومحيته وحثوت الثراب وحثيته، وأشباه ذلك كثير. قال أوس بن حجر: من الطويل لحيتهم لحو العصا، فطردتهم * إلى سنة جر ذانها لم تحلم لم تحلم، أي: لم تسمن. تقول: هي سنة جدب، فجرذانها هزلى. وقال النبي عليه السلام. " لا يزال الأمر فيكم، ما لم تحدثوا، فإذا فعلتم ذلك، سلط الله عليكم شرار خلقه فيلتحونكم كما يلتحى القضيب. أي: يسلبونكم إياه كما يؤخذ لحاء القضيب. وقوله: لأضربنكم ضرب غرائب الإبل. وهذا مثل. يقال: ضربه ضرب غريبة الإبل ". وذلك: أن الأبل إذا وردت الماء، فدخلت فيها غريبة من غيرها، ذيدت عن الماء، وضربت حتى تخرج عنها. وذكر عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة، انه كان يشفع بركعة ويقول: ما أشبهها إلا بالغريبة من الإبل. وقوله: " أنج سعد فقد قتل سعيد " هذا مثل، وقاله زياد في خطبته البتراء، التي خطب بها عند دخوله البصرة. وإنما قيل لها بتراء، لأنه لم يحمد الله فيها، ولم يصل على النبي صلى الله عليه. وذكر المفضل الضبي، أنه كان لضبة ابنان، سعد وسعيد، فخرجا يطلبان إبلا، فرجع سعد ولم يرجع سعيد، فكان ضبة إذا رأى سوادا تحت الليل قال: أسعد أم سعيد، هذا أصل المثل. فأخذ ذلك اللفظ منه، وهو يضرب في العناية
[ 329 ]
بذي الرحم، وقد يضرب في الاستخبار عن الأمرين، الخير والشر، أيهما وقع. وأما الزرافات، فهي الجماعات، نهاهم أن يجتمعوا. وقد ذكر أبو عبيد هذا الحرف من الحديث، وفسره، وذكر السقفاء أيضا، وقال: لا أعرفه. وقد أكثرت أيضا السؤال عنه، فلم يعرف، وقال لي بعض اصحاب اللغة، إنما هو الشفعاء، وأراد أنهم كانو يجتمعون إلى السطان يشفعون إليه في المريب، فنهاهم عن ذلك. وقد ذهب مذهبا حسنا، وقد نها زياد عن مثل ذلك حين نهى عن البرازق، وقال: فلم يزل بهم ما يرون من قيامكم بأمرهم، حتى انتهكوا الحريم، وأطرقوا وراءكم في مكانس الريب: أنهم كانوا يشفعون لهم، فيخلصونهم من يد السلطان، ثم يركبون العظائم ويستترون بهم. * * * وقال في حديث الحجاج، ان رفقة ماتت من العطش بالشجى فقال: إني أظنهم قد دعوا الله حين بلغهم الجهد، فأحفروا في مكانهم الذي ماتوا فيه، لعل الله يسقى الناس. فقال رجل من جلسائه، قد قال الشاعر: من الطويل تراءت له بين اللوي وعنيزة * وبين الشجى مما أحال على الوادي ما تراءت له، إلا وهي على ماء، فأمر الحجاج رجلا يقال له: عضيدة، ان يحفر بالشجى بئرا، فحفرها، فلما أنبط حمل معه قربتين من مائها إلى الحجاج بواسط، فلما طلع قال له: يا عضيدة، لقد تخطيت بها مياها عذابا، أأخسفت أم أوشلت فقال: لا واحد منها. ولكن نيطا بين الماءين. قال: وما يبلغ ماؤها. قال، وردت علي رفقة فيها خمسة وعشرون بعيرا، فرويت الإبل ومن عليها، فقال الحجاج، أللابل حفرتها إن الإبل ضمز خنس ما جشمت جشمت. حدثنية عبد الرحمن عن عمه الأصمعي عن شيخ من بني سليم، وكان عضيدة سلميا. قوله: مما أحال على الوادي، أي: أقبل عليه، وهو من قولك أحال عليه بالسوط يضربه، ويكون أحال أيضا بمعنى صب، ويكون على بمعنى: في:
[ 330 ]
يريد مما صب في الوادي من الجانب الذي صب في الوادي ماء المطر، قال الشاعر: من الوافر يحيلون السجال على السجال أي: يصبون. وقوله: أخسفت، هو من الخسف، والخسيف: البئر التي تحفر في الحجارة، فلا ينقطع ماؤها، وجمعها: خسف. وقوله: أوشلت، من: الوشل، وهو الماء القليل الذي يقطر، وأراد أنبطت ماء غزيرا أو قليلا واشلا. ويقا ل: وشل الماء يشك، يقال له: لا ذاك الغزير ولا هذا القليل، ولكن نيطا. هكذا رواه بالياء مشددة. فإن كان الحرف على ما رواه، فإنه من: ناطه ينوطه، نوطا، إذا علقه ومنه قول النبي صلى الله عليه: " لو كان الإيمان منوطا بالثريا، لناله رجال من فارس ". وروي أن عمر، أتي بمال كثير فقال: إنى لأحسبكم قد أهلكتم الناس، فقالوا: والله ما أخذناه إلا عفوا، بلا سوط ولا نوط "، اي: بلا ضرب ولا تعليق، فأراد: أنه وسط بين الغزير والقليل، كأنه معلق، وإن كان وقع في الحرف تغيير، فإنه: نبط بين المائين. قال أبو عبيدة: يقال للركية إذا أستخرجت، هي: نبط، مثل جمل. ومنه قيل استنبطت كذا. ومنه سمي النبط نبطا لاستخراجهم المياه. وقوله: أن الإبل ضمز، وهو جمع ضامز. والضامز الممسك عن الجرة وعن العلف وعن الرغاء. قال بشر بن أبى خازم: من الوافر وقد ضمزت بجرتها سليم * مخافتنا، كما ضمز الحمار يريد: أنهم قد أذغنوا وأمسكوا من مخافتنا. والخنس: جمع خامس. وهو
[ 331 ]
الممسك. وفي كتاب الله تعالى. الوسواس الخناس وهو الذي يوسوس، فإذا ذكر الله خنس، أي: انقبض وكف. يريد: أن الإبل صبر على العطش. ووقف رجل على قبر عامر بن الطفيل فقال: كان والله لا يضل حتى يضل النجم، ولا يعطش حتى يعطش البعير، ولا يهاب حتى يهاب السيل، وكان والله خير ما يكون حين لا تظن نفس بنفس خيرا ". * * * 2 - وقال في حديث الحجاج، أن أبا المليح، كان على الأبلة، فأتي بجراب لؤلوء بهرج، فكتب فيه إلى الحجاج، فكتب فيه، أن يخمس. يرويه أزهر عن ابن عون، إلا أن أزهر قال: نبهرج، البهرج، الباطل، يقال: بهرج السلطان دم فلان أي: أبطله وأهدره. وأنشد أبن الأعرابي في وصف إبل تسري: من الرجز محارم الليل لهن بهرج قال: ومحارمه، مخاوفه التي يحرم الجبان على نفسه أن يسلكها بهرج. يريد: انها تبطله وتقطعه، وأصله بالفارسية: نبهره. يقال ذلك للدرهم الردئ، وليس لوصف اللؤلؤ ببهرج وجه. وأحسبه أتي بجراب بهرج، أي: عدل به عن الطريق المسلوك، خوفا من العاشر، وأخذ في الطريق النبهرج. * * * 3 - وقال في حديث الحجاج إن النعمان بن زرعة، ذخل عليه حين عرض الناس على الكفر، فقال له الحجاج: أمن أهل الرس والرهمسة، أو من أهل النجوى والشكوى، أو من أهل المحاشد والمخاطب والمراتب فقال: أصلح الله الأمير، بل شر من ذلك كله أجمع، فقال: والله لو وجدت إلى دمك فاكرش، لشربت البطحاء منك.
[ 332 ]
بلغني عن أبى اليقظان. الرس، هاهنا: التعريض بالشتم، وإنما قيل لذلك: رس، لأن الشاتم يرس القول، أي: يأتي منه بالأطراف والبعض، ولا يفصح به كله، يقال: بلغني رس من خبر وذرو من خبر، أذا بلغك طرف منه. وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنى أبو حاتم الأصمعي قال: حدثنى أبو عمر اليربوعي عن سياربن سلامة، أنه لما قتل الوليد، قال: إنكم لترسون خبرا، إن كان حقا لا يبقى أهل من وبر ولامدر، إلا دخل عليهم منه مكروه. والرهمسة نحو ذلك. يقال حديث مرهمس ومرهسم، وما رهمسوا حديثهم لخبر، ورهسموا. وأراد الحجاج: أنت ممن يشتمني وراء رساورهمسة، أو من أهل النجوى والشكوى، أي: ممن يشكو وما هو فيه، ويقدح في السلطان ويناجي، أي: يسار بالتدبير عليه، وطلب الفتنة. وهذا نحو قول حذيفة: " إن الفتنة تنتج بالنجوى، وتلقح بالشكوى ". قال: وحدثني أبو سفيان عن عمير بن عمران عن الحارث بن عتبة عن العلاء بن كثير عن ابن الأسقع، انه كان يحفظ من دعاء النبي صلى الله عليه: " يا موضع كل شكوى، ويا شاهد كل نجوى، بكل سبيل أنت مقيم، ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى ". وقوله: " أو من أهل المحاشد، أي: ممن يحشد في ذلك، أي: يجمع ويعد. والمخاطب والمراتب، أي: يخطب في ذلك الخطب، ويظهر ما عنده يطلب به المرتبة والقدر. وأما قوله: لو وجدت إلى دمك فاكرش، فإن أبا حاتم حدثني عن الأصمعي، أنه قال: أراد لو وجدت إلى ذلك سبيلا. قال: وهو مثل نرى أصله
[ 333 ]
إن قوما طبخوا شاة في كرشها، فضاق فم الكرش عن بعض العظام، فقالوا للطباخ: ادخله، فقال: " إن وجدت إلى ذلك فاكرش ". * * * 4 - وقال في حديث الحجاج، أنه قال لأنس بن مالك: والله لأقلعنك قلع الصمغة، ولأجزرنك جزر الضرب، ولأعصبنك عصب السلمة، فقا ل أنس: من يعني الأمير قال: إياك أعني، أصم الله صداك، فكتب أنس بذلك إلى عبدالمك، فكتب عبدالمك إلى الحجاج: يابن المستفرمة بحب الزبيب، لقد هممت أن أركلك ركلة تهوي منها إلى نار جهنم، قاتلك الله، أخيفش العينين، أصك الرجلين، أسود الجاعرتين. قوله: لأقلعنك قلع الصمغة، يريد: لأستأصلنك. والصمغ: إذا قلع انقلع كله، فال يبقى له أثر، ولذلك يقال: " تركتهم على مثل مقلغ الصمغة "، و " مقرف الصمغة " إذا لم يبق لهم شئ إلا ذهب ومثله: " تركته على مثل ليلة الصدر ". يراد: نفر الناس من حجهم " وتركته انقى من الراحة " هذا كله واحد. وقوله: لأجزرنك جزر الضرب. والضرب العسل الغليظ. يقال: قد استضرب العسل، إذا غلظ. وروى الزيادي عن الأصمعي، أنه قال: حدثني رجل من قريش بالطائف، إن العسل يستضرب إذاجرست نحله البر. وإذا غلظ العسل سهل على العاسل أخذه واستقصاء شوره، وإذا رق سال. قوله: أصم الله صداك، والصدى، هو ما تسمعه من الجبل، إذا أنت صوت فأجابك. يريد: بذلك أهلكك الله، لأن الصدى يجيب الحي، فإذا هلك الرجل صم صداه، كأنه لا يسمع شيئا، فيجيب عنه. حدثني أبو حاتم عن الأصمعي، أنه قال: يقال: " صمي أبنة الجبل " عند الأمر يستفظع.
[ 334 ]
ويزعمون أنهم يريدون بنت الجبل: الصدى. وقال امرؤا لقيس: من المنسرح بدلت من وائل وكندة عد * وان وفهما صمي آبنة الجبل ويقال: ان ابنة الجبل، الحية. ويقال لها. صمي صمام " أي: لا تجيبي الرقى. ولذلك يقال للداهية: صمام، تشبيها بالحية الصماء. وقال أبو عبيدة: بنت الجبل هي الحصاة. يقال: صمت حصاه بدم. وذلك إذا اشتدت الحرب وتفاقم الأمر، كأنه كثر الدم، فإذا وقعت في حصاة لا تسمع لها صوتا. قال الكميت: من الطويل وإياكم إياكم وملمة * يقول لها الكانون صمي ابنة الجبل والكانون: الذين يكنون عنها. وقال ابن أحمر: من الوافر وردوا ما لديكم من ركابي * ولم تأتكم صمي صمام يعني: الداهية. وقول عبد الملك: يابن المستفرمة بحب الزبيب، يريد أنها تعالج به فرجها ليضيق ويستحصف. ولست أعلم من أي شئ أخذ هذا الحرف، إلا أنه يقال: استفرمت البغي، إذا فعلت ذلك. قال امرؤ القيس: من الطويل وآثر بالملحاة آل مجاشع * رقاب إماء يعتبين المفار ما يعتبين، أي: يتخذن ويهيئن، والفارم: ما يتضيقن به. والخفش في العين، صغرها وضعف البصر. والصكك: أن يصطك الركبتان. ومنه قيل للنعامة: صكاء. قال أبو عمرو: الصكك في الرجلين، هو أن يصطكا
[ 335 ]
والجاعرتان: موضع الرقمتين من است الحمار. * * * 5 - وقال في حديث الحجاج، انه قال لامرأة: انك كتون لفوت لقوف صيود. قال أبو حاتم: ذاكرت به الأصمعى فقال: هو حديث موضوع. وقال: لا أعرف الكتون. وقال اللفوت: التي تتلفت يمنة ويسرة. وبلغني عن الكسائي، قال: اللفوت، التي لها زوج ولها ولد من غيره، فهي تتلفت إلى ولدها، وهي: البروك أيضا. وحدثت عن الزيادي عن الأصمعي، حدثنا الحارث بن مضرب في زمن أبي جعفر، قال: لما كان يوم سلى وساجر، طرد شقيق بن جزء بن رياح الباهلي، حكيم بن قبيصة بن ضرار الضبي، فقال له شقيق: إربع علي ابن البروك. فقال يا شقيق: ما بيننا أجل من السباب ! فقال: معذرة إلى الله، لو علمت لها اسما غيره ما دعوتها إلا به ذكر الزيادي عن الأصمعي قال: وحدثني غيره من أصحابنا أن شقيقا أدرك يوم اليرموك فاستشهد، وزاد آخرون: وأدرك حكم الاسلام حتى وفد إلى معاوية، فقال له معاوية: اي يوم من الزمن مر بك أشد، قال: يوم طردني شقيق، قال: فأي يوم مر بك أحب إليك، قال: يوم هداني الله للإسلام. قال الأصمعي: واللقوف، التي إذا مسها الرجل، لقفت يده سريعا، والصيود، قريب منه، كأنها تصيد شيئا إذا هي لقفت يده. وقال غيره: الكتون، اللزوق. ومنه يقال: قد كتن الوسخ عليه، وكلع وعبس، إذا لزق به. * * *
[ 336 ]
حديث جبر بن حبيب 1 - وقال في حديث جبر، إن عيسى بن عمر قال: أنشدته قول أبى كبير: من الكامل حملت به في ليلة مزؤودة * كرها، وعقد نطاقها لم يحلل فقال: قاتله الله تغشمرها. رواه الزيادي عن الأصمعي عن عيسى بن عمر. التغشمر: أخذ بجفاء وعنف. وكانوا يقولون: إن الرجل إذا غشى المرأة وهي مذعورة فأكرهها ثم حملت فأذكرت، جاءت به لا يطاق. وكانوا يقولون أيضا: إنها إذا غشيت في قبل الطهر وأول الشهر، عند طلوع الفجر، فحملت، أنجبت. وقد جمع الشاعر هذه المعاني في قوله: من الخفيف لقحت في الهلال عن قبل الطهر وقد لاح للضياء بشير. * * *
[ 337 ]
حديث عبد الرحمن بن سابط 1 - وقال في حديث ابن سابط، أنه قال: إذا توضأت فلا تنس الفنيكين الفنيك: طرف اللحيين عند العنفقة. هذا قول الكسائي. وروى الزيادي عن الأصمعي أنه قال: الفنيكان قويق الذقن قليلا من عن يمين وشمال. وقال أيضا: والفنيكان من الحمامة، العظمان اللذان في العجز ينفتحان عن البيضة. وإنما اراد: إذا توضأت، فخلل ذلك الموضع. يريد أصول الشعر. * * *
[ 338 ]
حديث يحيى بن أبى كثير 1 - وقال في حديث ابن ابى كثير، انه قال: لا يؤخذ في الصدقة الخرغ. يرويه عبد الرزاق عن معمر الخرع: الصغير الذي يرضع. وإنما قيل له خرع، لضعفه. وكل ضعيف فهو خرع. ومنه قيل لبعض النبت: خروع، لأنه لين. ومنه قيل للمرأة الناعمة اللينة: خريع. قال الراعي وذكر ماء: من البسط وباكرته فضول الريح تنسجه * معانقا ساق ريا ساقها خرع يريد: باكرت هذا الماء بقية الريح معانقا، يعني الماء قد ظغى حتى بلغ حلوق البردى. يريد: ساق برديه ريا، وخرع: ضعيف. والصغار تعد على ارباب الماشية، ولا تؤخذ منهم. * * *
[ 339 ]
حديث العوام ابن حوشب 1 - وقال في حديث العوام، أنه قال: كان يقال الإبتهار بالذنب أعظم من ركوبه. حدثنيه محمد عن الفضل بن دكين عن هشام عن العوام. الابتهار بالذنب، هو أن يقول الرجل زنيت، ولم يزن وقتلت ولم يقتل. يبجح بذلك ويفخر. يقول: فذاك أشد على الرجل من ركوبه، لأنه لم يدعه على نفسه، ألا وهو لو قدر لفعل، فهو كفاعله بالنية، وزاد على ذلك بهتكه ستر نفسه، وقحته وقلة مبالاته. يقال: ابتهر الشاعر الجارية، إذا ذكر في شعره، أنه قد فجر بها، ولم يفعل. * * *
[ 340 ]
حديث سماك بن حرب 1 - وقال في حديث سماك أن شعبة قال: سمعته يقول: ما حسبوا ضيفهم. قال الاصمعي: سمعت شعبة يذكر ذلك. وقال: يريد ما أكرموه، وأنشد: من الكامل باشرت بالوجعاء، طعنة مرهف * حران أو لثويت غير محسب أي: غير مكرم. ويقال: اصل هذا من الحسبانة وهي الوسادة الصغيرة. ويقال: حسبت الرجل، إذا أجلسته عليها. ويقال: أحسبت فلانا، إذا أكثرت له من العطية حتي يقول: حسب. قال الشاعر: من الطويل ونقفي وليد الحي، إن كان جائعا * ونحسبه، إن كان ليس بجائع أي: نعطيه ونكثر له. ومنه قول الله جل وعز: عطاء حسابا أي: كثيرا. وقال ساعدة: من الطويل فلم ينبته، حتى أحاط بظهره * حساب، وسرب كالجراد يسوم
[ 341 ]
يسوم: يمر مراسهلا، ومنه يقال: خلله وسومة " يقال: أقفيت لرجل على صاحبه، إذا فضلته عليه. ويقال، لك عندي قفية، ومزية في الكرامة والعطية. * * *
[ 342 ]
حديث هشام بن عروة 1 - وقال في حديث هشام أنه قال لرجل: أنت أثقل علي من الزاووق. يرويه أبو أسامة عن هشام. قال الأصمعي: أهل المدينة يسمون الزئبق: الزاووق، ومنه يقال: زوق البيت، إذا حسنه بالنقش. وقال أبو زيد: زوق الكتاب وزوره، إذا حسنه وقومه. ومنه قول الحجاج على المنبر: " وامرؤ زور نفسه " أي: قومها. وحدثني الرياشي عن محمد بن سلام الجمحي عن يونس، قال: قال لي رؤبة، حتى متى تسألني عن هذه الأباطيل وأزوقها لك أما ترى الشيب قد بلغ في رأسك ولحيتك. قال الرياشي: يقال: قد بلغ فيه الشيب، إذا ظهر به. * * *
[ 343 ]
حديث ابن جريح عبد الملك بن عبد العزيز 1 - وقال في حديث ابن جريج، انه ذكر معمر بن راشد، فقال: انه لشراب بأنقع. ذكره يحيى بن سعيد. قوله: شراب بأنقع. حدثنى أبو حاتم عن الأصمعي، أنه قال: يقال: فلان شراب بأنقع، أي: معاود للأمور التي تكره. ومنه قول الحجاج في خطبته: " انكم يا أهل العراق، شرابون علي بأنقع " وقال أبو زيد: يقال: إنه شراب بأنقع، أي: معاود للخير والشر. وتفسير الأصمعي اشبه بمعنى الحجاج. والأنقع، جمع نقع وهو هاهنا ما يستنقع. يقال أصل هذا في الطائر، إذا كان حذرا: ورد المناقع في الفلوات، حيث لا تبلغ القناص، ولا تنصب له الأشراك.
[ 344 ]
حديث ابن ابى الزناد عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان 1 - وقال في حديث ابن أبى الزناد، أنه قال: قال رجل من أولاد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عزب المال قلت فواضله قال ابن ابي الزناد: لا بلحة ولا رطبة ولا كرنافة ولا سعفة. حدثنى أبو حاتم السجستاني عن الأصمعي عن ابن أبى الزناد يقول: إذا بعدت الضيعة قل المرفق منها، فلم تأتك بلحة ولا كذا ولا كذا، وقال الشاعر في مثله: من الطويل سأبغيك مالا بالمدينة إنني * أرى عازب الأموال قلت فواضله وقد تقدم تفسير الكرنافة * * * 2 - وقال في حديث ابن أبي الزناد، انه قال: إذا اجتمعت حرمتان، طرحت الصغرى للكبرى. حدثنية أبو حاتم السجستاني عن الأصمعي عنه يقول: إذا كان أمر فيه منفعة لعامة الناس، ومضرة على خاص منهم، قدمت منفعة العامة. ومثل ذلك: نهر يجري لشرب الناس، وفي مجراه حائط لرجل، أو حمام يضر به هذا النهر، فلا يترك إجراؤه من أجل هذه المضرة، هذا وما أشبهه. * * *
[ 345 ]
حديث نافع بن أبى نعيم القارئ 1 - وقال في حديث نافع، أنه قال: كنت أقول لابن دأب، إذا حدث اقم المطمر. حدثنيه السجستاني عن الأصمعي عنه. المطمر: هو الزيق الذي يقوم عليه البناء. ويقال له: الإمام أيضا. قال الراعي: من الطويل وخلقته حتى إذا تم واستوى * كمخة ساق أو كمتن إمام خلقته، أي: نحته وملسته، يعني: سهما. والأخلق: الأملس وأراد انه كان يقوم الحديث ويصنعه وينقح ألفاظه.
[ 346 ]
حديث الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو 1 - وقال في حديث الأوزاعي، أن أبا اسحق قال: سألته عن المسلم يؤسر، فيريدون قتله، فيقال له: مد عنقك، أيمد عنقه، وهو يخاف إن لم يفعل أن يمثل به قال: ما أرى بأسا إذا خاف إن لم يفعل أن يمثل به، أو يدنق في الموت. حدثنيه محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبى إسحق. قوله: يدنق في الموت، أي: يدنو منه، ومنه يقال: دنقت الشمس، إذا دنت للغروب. ودنقت عينه إذا غارت. وفي حديث آخر بهذا الإسناد، أنه قال: لا يسهم للعبد ولا للأجير ولا القديدين. والقديدون: تباع العسكر من الصناع، نحو الشعاب والبيطار والحداد. ولا أحسبه قيل لهم ذلك إلا لتقدد ثيابهم. قال ابن الطثرية: من الطويل وأبيض مثل السيف خادم رفقة * أشم ترى سرباله قد تقددا * * *
[ 347 ]
حديث وهيب بن الوزد 1 - وقال في حديث وهيب، انه قال: إذا وقع العبد في الهانية الرب ومهيمنية الصيديقين ورهبانية الأبرار، لم يجد أحدا يأخذ بقلبه، ولا تلحقه عينه. الهانية الرب، مأخوذة من إله، وتقديرها: فعلانية، كأنه يقال: إلة بين الآلهة والألهانية. وكان ابن عباس يقرأ: يذرك وآلهتك، أي: وربوبيتك. ويقال: إن الهاء مأخوذ من أله يأله، إذا تحير، كأن القلوب تأله عند التفكر في عظمة الله، وقال الأخطل: من الطويل ونحن قسمنا الأرض، نصفين: نصفها * لنا، ونرامي أن تكون لنا معا بتسعين ألفا، تأله العين وسطها * متى ترها عين الطرامة، تدمعا أي: تتحير فتدمع. يقول: إذا وقع العبد في عظمة الله وجلاله، وغير ذلك من صفات الربوبية، والمهيمنية: الامانة. وقال الله جل وعز: ومهيمنا عليه أي: أمينا عليه. ويقال: شاهدا عليه، وهما متقاربان. يقول: إذا وقع العبد في هذه الدرجة لم يعجبه أحد، ولم يحب إلا عز جل وعز. * * *
[ 348 ]
حديث مالك ابن انس 1 - وقال في حديث مالك، انه قال: السنة في المساقاة التي تجوز لصاحب الأرض أن يشترطها على المساقى، شد الحظار وخم العين، وسرو الشرب، وإبار النخل، وقطع الجريد، وجد التمر. ولا يشترط عليه عملا جديدا يحدثه من بئر يحفرها، أو عين يرفعها، أو غرس يغرسها، يأتي به من عنده، أو ضفيرة يبنيها، تعظم نفقته فيها. حدثنيه محمد عن العنبي عن مالك. الحظار: حائط البستان. ومنه قول النبي عليه السلام: " لقد احتظر من النار بحظار ". وخم العين كنسها، يقال: خممت البيت والبئر، إذا كنسته ومنه قيل: مؤمن مخموم القلب، كأن قلبه خم ونقي. وسرو الشرب، يريد: تنقية أنهار الشرب. وهو جمع سري، والسري: النهر، ومنه قول الله جل وعز: قد جعل ربك تحتك سريا، جمعه على: فعل، ثم أسكن موضع العين، استثقالا للضمة قبل الواو، كما يقال: قضب وقضب، وكثب وكثب. وبعضهم يرويه: سرو، بالفتح، ورفع الحرف، وهكذا رأيت الحجازيين يقولون. وسألت الحجازيين عنه فقالوا: هو تنقية الشربات، وأحسبه من قولك: سروت الشئ، إذا نزعته.
[ 349 ]
وجد التمر، صرامه، وكل شئ قطعته فقد جددته، ومنه قيل للثوب جديد يراد: أنه حين جده الحائك، أي: قطعه من المنسج، فعيل بمعنى مفعول وقال الشاعر: من الوافر أبى حبي سليمى أن يبيدا * وأمسى حبلها خلقا جديدا أي: مجدودا، مقطوعا والضفيرة، هاهنا المسناة وسألت الحجازيين عن الضفيرة، فأخبروني: أنها جدار يبنى في وجه السيل من حجارة، لئلا يدخل ماء السيل العين فيفسدها. * * *
[ 350 ]
حديث معتمر بن سلميان 1 - وقال في حديث معتمر، أن مالكا سئل عن عجين يعجن بدردي فقال: إن يسكر فلا، قال الأصمعي: فحدثت به معتمرا، فقال أو كان. كما قال: من الوافر رأى في كف صحبه خلاة * فتعجبه، ويفزعه الجرير روى ذلك الرياشي عن الأصمعي. تأويل الحديث عندي، أن معتمرا أعجبته فتوى مالك مثلا وأفزعه أن يقدم على التحريم، لاختلاف الناس في المسكر، فضرب البيت الذي ذكره مثال، ومعناه: ان البعير إذاند أخذ له صاحبه الخلا، وهو رطب الحشيش بيد، والجرير، وهو الحبل بيد، فإذا نظر البعير إلى الخلا أعجبه، وإذا نظر إلى الحبل أفزعه. فكذلك كان معتمر يعجبه فتوى مالك بالتحريم، ويفزعه إذا هو ذكر من يذهب إلى التحليل، أن يقدم على التحريم * * *
[ 351 ]
أحاديث سمعت أصحاب اللغة يذكرونها ولا أعرف أصحابها
[ 353 ]
1 - جاء في الحديث: إذا أكلتم فرازموا. والمرازمة في الأكل، هي المعاقبة. وذلك أن ترعى الإبل الحمض مرة والخلة مرة. وقال الراعي لناقته: من الطويل كلي الحمض عام المقحمين ورازمي * إلى قابل، ثم اعذري بعد قابل وأراد: لا تدمنوا أكل طعام واحد. ولكن عاقبوا، فكلوا يوما لحما، ويوما عسلا، ويوما لبنا، وأشباه ذلك. وهو معنى ماروى عن عمر، قال الاحنف: كنت أحضر طعام عمر فيوما لحما غريضا، ويوما بزيت، ويوما بقديد. والغريض: الطري. ويقال: أراد بالمرازمة في الحديث، المعاقبة بالحمد. أي احمدوا الله بين اللقمة واللقمة. وجاء في الحديث: " أكل وحمد، خير من أكل وصمت ". * * * 2 - جاء في الحديث ردوا نجأة السائل باللقمة يريد: شدة نظره وأصابته بعينه. قال الفراء: يقال: رجل نجيئ العين، على وزن فعيل، ونجوء العين
[ 354 ]
على وزن (فعول) ونجئ العين، على وزن فعل. ونجوء العين على وزن فعل، إذا كان شديد العين. وقد نجأته بعيني. * * * 3 - جاء في الحديث: لا تعجلوا بتغطية وجه الميت، حتى ينشغ، أو يتنشغ. قال الأصمعي: النشغات عند الموت، فوقات خفيات جدا. واحدتها نشغة. قال: وقال أيوب: ما غسلت ابن سيرين، أظنه قال: " حتى فاق الفوقات الخفيات ". وقال أبو عمرو: النشغ: الشهق حتى يكاد يبلغ بصاحبه الغشي أو الموت. يقال: نشغ الرجل ينشغ نشغا. قال العجاج: وحالت اللاواء دون نشغتي * * * جاء في الحديث: لا تجدفوا بنعم الله. التجديف: الكفر بالنعم. وهو تنقصها واستصغارها، والجدف، نحو الحذف. يقال: حدفت الشئ، إذا نقصت منه. ومنه يقال: قميص محذوف الكمين، إذا كان قصيرهما. قال حميد بن ثور، وذكر امرأة من الطويل خليلة محذوف اليدين كأنه * من اللؤم كلب ينبح الناس سافد ويروى: مجدوف البنان، أي: قصيرهما. ومنه قول الأعشى: من الخفيف. قاعدا حوله الندامى فما * ينفك يؤتى بموكر مجدوف. والموكر: زق قد أوكر، أي: ملئ، وجعله مجدوفا لأنه مقطوع اليدين والرجلين. * * *
[ 355 ]
5 - جاء في الحديث: يدخل البيت المعمور كل يوم سبعون ألف دحية مع كل دحية سبعون ألف ملك. قال أبو حاتم: الدحية، الرئيس من الناس، ولست أدرى أمن هذا سمي الرجل دحية أم لا. * * * 6 - جاء في الحديث: اغتربوا لا تضووا هو من الضاوي، وهو النحيف القليل الجسم. يقال. ضوي يضوى. وأضوت المرأة، إذا أتت بولد ضاو. كما يقال: أحمقت، إذا أتت بولد أحمق، وأذكرت، إذا أتت بذكر، وأنثت، إذا أتت بأنثى. وأراد: أنكحوا في الغرباء، ولا تنكحوا في القرابات، وكانوا يقولون: إن الغرائب أنجب. وقد أكثرت الشعراء في هذا المعنى. قال الشاعر: من الطويل فتى لم تلده بنت عم قريبة * فيضوى، وقد يضوى رديد القرائب وقال آخر: من الرجز إن بلالا لم تشنه أمة * لم يتناسب خاله وعمه وقال آخر: من الطويل تنجتها للنسل وهي غريبة * فجاءت به كالبدر خرقا معمما فلو شاتم الفتيان في الحي ظالما * لما وجدوا غير التكذب مشتما حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: شويس وهو من بني عدي: انا
[ 356 ]
ابن التاريخ، وماقرقمني إلا الكرم، وما أتقاضى العشرة، ولا أحسن الرطانة، فإنى لأرسى من رصاصة وأنا العربي الباك ". القرقمة: صغر الجسم للتزوج في القرابات، أي: صغر جسمي ترددي في الكرائم من القرابات. وقوله: أرسى من رصاصة، يريد: انه أثبت في الماء وأرسخ من الرصاصة. يقول: لا أحسن السباحة كما يحسنها النبط، فإذا وقعت في الماء رسخت. والرطانة: تراطن العجم بكلام لا يفهم. والباك بالفارسية النقى. سمع ذلك فاستعمله. وقوله أنا ابن التاريخ، يريد انه ولد عام الهجرة، إنما أرخ الناس بالهجرة. * * * 7 - جاء في الحديث: من اعتقل الشاة، وأكل مع أهله، وركب الحمار فقد برئ من الكبر. اعتقل الشاة، هو أن يضع رجلها بين ساقه وفخذيه ثم يحلبها. ويقال: اعتقل الرجل رمحه، إذا فعل ذلك به. ويقال: حكله وعقله، إذا أقامه على إحدى رجليه. وهذا هو الأصل فيه. قال ذو الرمة وذكر فلاة: من الطويل أطلت اعتقال الرجل في مدلهمها * إذا شرك الموماة أودى نظامها اعتقال الرجل: أي: رفعها. ويقال صارع فلان فلانا فاعتقله الشغزبية، وهو ضرب من الصراع. أحسبه يرفع فيه إحدى رجليه. 8 - جاء في الحديث: كان يقال، لقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، المقشقشتان.
[ 357 ]
حدثني الرياشي عن الأصمعى، عن أبى عمرو بن العلاء انه قال: إنما قيل لهما ذلك، لأنهما تبرئان من الشرك. وقال رسول الله صلى الله عليه: اقرأ قل يا أيها الكافرون عند منامك، فإنها براءة من الشرك. وهذا شاهد لتفسير أبى عمرو وقال: يقال للبعير إذا برأ من الجرب، قد تقشقش. * * * 9 - جاء في الحديث: لا تبردوا عن الظالم. المعنى: فلا تشتموه فتخففوا عنه من عقوبة ذنبه. وهو نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة، وسمعها تدعو على سارق: لا تسبخي عنه "، أي: لا تخففي عنه بدعائك. * * * 10 - جاء في الحديث: قال فلان، والله لو ضربك بأمصوخ من عيشومة لقتلك العيشومة: نبتة من النبت ضعيفة. والأمصوخ: خوص الثمام. فأراد: أنه لو ضربك بعيشومة، بخوصة، وذلك أضعف ما يكون لقتلك، يقال: ظهرت أما صيخ الثمام، إذا ظهر خوصه * * * 11 - جاء في الحديث: يوشك أن يخرج جيش من قبل المشرق آدى شئ وأعده، أميرهم رجل طوال أدلم ابرج. آدى شئ، اي: أقوى شئ، واعده. يقال. فلان مؤدكما ترى، يراد: أنه ذو قوة على الأمر. وفلان يؤديه على ما يفعل مال كثير، أي: يقويه. وآدني على فلان وأعدني عليه، أي قونى عليه. وفي بعض المصاحف القديمة: وإنما لجميع حاذرون مؤدون.
[ 358 ]
والأدلم: الأسود. والأبرج: الواسع العينين، الكثير بياضها، فإن عظمت المقلة مع السعة، فهو أنجل. * * * 12 - وقال أبو محمد: جاء في الحديث: لم يرخص في شئ من ثمن الحرم، إلا قضيب الراعي ومسد المحالة. المسد: حبل من ليف، ويكون من خوص ومن جلود الإبل. قال الشاعر: من الرجز ومسد أمر من أيانق والمحالة: البكرة العظيمة التي تستقي بها الإبل. * * * 13 - جاء في الحديث إن مسافعا قال: حدثتني امرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا. ولدت أي: قبلت المولودين، والمولدة: القابلة. * * * 14 - جاء في الحديث: إن رجلا من المسلمين قال لرجل من المشركين: كان يشتم رسول الله، لئن عدت لأرحلنك بسيفي. يريد لأعلونك به. يقال: رحلت الرجل وارتحلته، إذا علوت ظهره. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، حين ركبه الحسين فأبطأ في سجوده، وقال: " إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله ". * * * 15 - وجاء في الحديث: إن الجارود لما أسلم، وثب عليه الحطم، فأخذه فشده وثاقا، وجعله في الزأرة. الزأرة: الأجمة، وهي الغابة، ومنه قيل: أسد غاب، وهي أيضا الأباءة
[ 359 ]
16 - جاء في الحديث: غبار ذيل المرأة الفاجرة: يورث السل. قال الأصمعي: يراد، من اتبع الفواجر وفجر بهن ذهب ماله وافتقر. شبه خفة المال وذهابه بخفة الجسم وذهابه، إذا سل. * * * 17 - جاء في الحديث: تنكبوا الغبار، فإنه منه تكون النسمة. النسمة: النفس، والربو سمي بذلك لأنه ريح يخر من الجوف، ونسم الشئ، ريحه. ومنه يقال: ناسمت فلانا، إنما هو أن تدنو منه حتى ينالك نسمه، ويناله نسمك. والأصل في هذا من النسمة، وهي النفس. ويقال: عليه عتق نسمة، أي: عتق نفس. والنفس من النفس يخرج، فهو نسم. ولا أرى قولهم لمن تسر إليه أمرك، وتفضي إليه بذات نفسك: ناموس، إلا من هذا. ثم قلب. يقال: نامست الرجل، إذا ساورته. كأن أصله ناسمت ثم قلب وناسوم ثم قلب. * * * 18 - جاء في الحديث: سموا ودنوا، وسممتوا، هذا في الطعام. يقول سموا الله عليه، إذا بدأتم في الأكل، ودنوا: كلوا مما بين أيديكم، ومما قرب منكم. وهو فعلوا من دنا يدنو، ومنه قيل للرجل الساقط الذي لا يسمو إلى معالي الأمور، ولا يركب الأخطار لها مدن. قوله وسمتوا. يقول: إذا فرغتم من الطعام، فادعو بالبركة لمن طعمتم عنده ولأنفسكم فيما أكلتم. ومنه تسميت العاطس، إنما هو الدعاء له، وفيه لغة أخرى: التشميت بالشين معجمة وهي المستعملة. * * * 19 - جاء في الحديث: إن النساء كن يفتين بالماء. يعني: نساء الأنصار كن يفتين بالماء من الماء.
[ 360 ]
20 - جاء في الحديث: ضرس الكافر مثل ورقان. يراد في النار، وورقان: جبل معروف وفي الحديث، انه ذكر غافلي هذه الأمة، فقال: رجلان من مزينة، ينزلان جبلا من جبال العرب يقال له: ورقان، فيحشر الناس ولا يعلمان. في قصة طويلة * * * 21 - جاء في الحديث: حمل فلان على الكتيبة فجعل يثفنها. يريد: يطردها. قال العجاج أو رؤبة: من الرجز أليس ملوي الملاوي مثفن ويجوز أن يكون: يفنها، أي: يطردها. والفن الطرد. * * * 22 - جاء في الحديث: الذين تدركهم الساعة، تسلط عليهم الحرمة، ويسلبون الحياء. الحرمة: الغلمة، يقال: استحرمت الشاة فهي حرمى، اذا أرادت الفحل وحنت واستقرعت ومنه الحديث: " إن علقمة كان يقرع غنمه ويحلب ويعلف ". * * * 23 - جاء في الحديث: إن رجلا كان يرائي، فلا يمر بقوم إلا عذموه. يريد: إلا أخذوه بألسنتهم. وأصل العذم، العض، فاستعير. قال المرار: من الكامل ويزينهن مع الجمال ملاحة * والدل والتشريق والعذم والتشريق: إشراق الوجوه. والعذم: الكلام. ويقال ضرسوا فلانا، إذا ذموه ولاموه. وهو مثل عذموه. قال العجاج:
[ 361 ]
قالت سليمى لى مع الضوارس يعنيى: العواذل. * * * 24 - جاء في الحديث: كان كسرى يسجد للطالع. والطالع هاهنا من السهام التي يرمى بها. وهو ما وقع فوق العلامة. وكانوا يعدونه كالمقرطس. قال المرار، يصف امرأة: من الطويل. لها أسهم لا قاصرات عن الحشا * ولا شاخصات عن فؤادي طوالع وسجوده، أن يتطامن له إذا رمى أو يسلم لراميه ويستسلم. والسجود: الاستسلام أيضا. قال لبيد، يذكر نخلا: من البسيط غلب سواجد لم يدخل بها الحصر والسواجد: الموائل، والحصر: الضيق، وهو أن يكون النخل في موضع صلب لا تتشعب فيه عروقه. وهذا تفسير لبعض البغداديين. * * * 25 - جاء في الحديث: إن منقذا صقع في الجاهلية آمة. أي: شج. ومن ضربته على رأسه فقد صقعته. ومنه قيل للفرس إذا ابيض أعلا رأسه، أصقع. وقيل للبرقع صقاع. وقيل للعقاب صقعاء، لبياض في رأسها. والآمة: الشجة تبلغ أم الدماغ. * * * 26 - جاء في الحديث: لا رأي لحاقن ولا لحاقب ولا لحازق. الحاقن: حاقن البول. والحاقب، من العذرة. شبه بحامل الحقيبة. والحازق: الذي ضاق عليه الخف فحزق قدمه وضغطها. وهو فاعل بمعنى مفعول. مثل ماء دافق. أتبع الحروف التي قبله. * * *
[ 362 ]
27 - جاء في الحديث: السلطان ذو عدوان، وذو بدوان وذو تدرأ. قوله: ذو عدوان، من قولك: ما عداك عن كذا، أي: ما صرفك عنه. يراد: أنه سريع الانصراف والملال. وذو بدوان: من قولك: بدا لي كذا. يقال: فلان ذو بدوات، إذا كان لا يزال له رأي جديد. ومنه يقال: ما عدا مما بدا. أي: ما صرفك عما كنت عليه. وذو تدرأ: من قولك: درأت الشئ، دفعته، واندرأ علينا فلان إذا اندفع. يراد: أنه هجوم لا يتوقى ولا يهاب. وزيدت التاء في أوله كما قالوا: شره ترتب، أي: راتب دائم. وأنشد: من المتقارب وقد كنت في الحرب ذا تدرأ * * * 28 - جاء في الحديث: التختم بالياقوت ينفي الفقر. يراد: انه إذا ذهب ماله وأفضى إليه، فباعه وجد فيه غنى. * * * 29 - جاء في الحديث: إن امرأة جاءت تشتري من رجل شيئا فقال لها: ادخلي البيت، فدخلت، فضرب بيده على عجزها فارتعصت. أي: تلوت وارتعدت. قال الراجز: من الرجز إلا ارتعاصا كارتعاص الحيه * على كراسيعي ومرفقيه * * * 30 - جاء في الحديث: صفرة في سبيل الله خير من حمر النعم. الصفرة: الجوعة. يقال: صفر بطنه، إذا جاع. وصفر الإناء، إذا خلا. قال امرؤ القيس: من الوافر
[ 363 ]
وأفلتهن علباء جريضا * ولو أدركنه صفر الوطاب والوطاب: زقاق اللبن، يقول: لو أدركته لقتلته، فصفرت وطابه، أي: خلت من اللبن. ويقال. فلان صفر من كل خير. ويقال: في مثل: " ليس لشبعة خير من صفرة تخفرها ". * * * 31 - جاء في الحديث: إن رجلا أراد الخروج إلى تبوك، فقالت له أمه أو امرأته: يكف بالودي، فقال: الغزو أنمى للودي. فما بقيت منه ودية إلا نفذت ما ماتت ولا حشت. وقوله: الغزو أنمى للودي، أي ينميه الله للغازي ويحسن خلافته عليه. وقوله: ولا حشت، أي: ما يبست. ومنه حديث عمر: " إن النساء قلن له: هذه إمرأة حش ولدها في بطنها أي: يبس. 32 - جاء في الحديث: في الأداف الدية. والأداف: الذكر، سمي أدافا بالقطر. يقال: ودفت الشحمة، إذا قطرت دسمها، وإنما همز أول الحرف للضمة. كما يقال في الوجوه: أجوه. قال الراجز: أولجت في كعثبها الأدافا * مثل الذراع يمتري النطافا * * * 33 - جاء في الحديث: الجانب المستغزر يثاب من هبته. الجانب: الغريب. وهو الجنب أيضا. والجنابة الغربة. والمستغزر: المستمد الذي أهدى إليك لتكافيه وتزيده. * * *
[ 364 ]
34 - جاء في الحديث: إن رجلا شكا التغزب، فقيل له: عف شعرك ففعل، فارفأن، أي: سكن ما كان به، والمرفئن: الساكن. * * * 35 - جاء في الحديث: خير المال عين ساهرة لعين نائمة. يراد بالعين الساهرة، عين ماء تجري لا تنقطع نهارا ولا ليلا. وقوله: لعين نائمة، يراد أن صاحبنا ينام وهي تجري ولا تنقطع فجعل السهر لجريها مثلا. * * * 36 - جاء في السيرة، في حديث، أيوب، إن الله جل وعز قال له: إنه لا ينبغي ان يخاصمني إلا من يجعل الزيار في فم الأسد، والسحال في فم العنقاء. السحال: حديدة تجعل في الفم. ومنه يقال لحديدة اللجام: المسحل. يقال: مسحل وسحال، كما يقال: منطق ونطاق، ومقرم وقرام. * * * 37 - جاء في الحديث: الناس قواري الله في الأرض. يراد أنهم شهوده، إذا قالوا خيرا وجب، وإذا قالوا شرا وجب. قال أبو عبيدة: القواري، هم الذين يتتبعون أعمال الناس، ويتفقدونهم، وهو يرجع إلى التفسير الأول، وأحسبه مأخوذا من: قريت الشئ، إذا جمعته، كأنهم يجمعون أخبار الناس عندهم، وكتبنا إلى أبي محلم نسأله عن هذا الحرف، فأجاب ينجو هذا، وأنشدنا في جوابه: من الكامل والمسلمون بما أقول قواري أي: شهود. * * *
[ 365 ]
38 - جاء في الحديث: قسطنطينية الزانية. يراد: الزاني أهلها، وكذلك مثل هذا: من أوصاف القرى، فإنما يراد به أهلها. قال الله جل وعز: وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة، أي: ظالمة الأهل. * * * 39 - جاء في الحديث: لو وزن رجاء المؤمن وخوفه بميزان تريص، ما زاد أحدهما على الآخر. التريض: المحكم. يقال: أترصت الشئ، إذا أحكمته وأجدت عمله. قال ذو الإصبع، يذكر سهاما: من المنسرح ترص أفواقها وقومها * أنبل عدوان كلها صنعا أنبل: أحذق. * * * 40 - جاء في السيرة في قصة نوح: وانسدت ينابيع الغوط الأكبر، وأبواب السماء. الغوط: عمق الأرض الأبعد، الذي يقضي إلى معظم مائها. ومنه يقال: غاط يغوط، إذا دخل في شئوأراه. قال الطرماح، يذكر الثور: من الخفيف غاط حتى استباث من شيم الأرض سفاة من دونها تأده. ومنه قبل قيل للمطمئن من الأرض: غائط، كأنه داخل. وينابيعه ما نبع الماء منه، واحدها ينبوع. * * * 41 - جاء في الحديث: لا تزال الفتنة مؤاما بها ما لم تبدأ من ناحية الشام.
[ 366 ]
مؤآم، مأخوذ من: الأمم، وهو القرب. وتقديره: معام يراد: أنها لا تزال خفافا، حتى تبدأ من الشام، فإذا بدأت من هناك اشتدت * * * 42 - جاء في الحديث إن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية، وقنطر أبوه. قنطر: صار له قنطار من ذهب أو فضة. وهو: مائة رطل. 43 - جاء في الحديث: إن السبعين الذين اختارهم موسى، كانوا يلبسون ثياب الطهرة، ثم يبرزون صبيحة سارية، فيدعون الله فلا يسألونه شيئا إلا أعطوه. صبيحة سارية، أي: صبيحة ليلة كان فيها مطر، والسارية: السحابة تمطر ليلا. قال النابغة: من البسيط سرت عليه من الجوزاء سارية * * * 44 - جاء في الحديث: إن المسلمين كانوا يتحسبون الصلاة، فيجيئون بلا داع. يراد: قبل الأذان: يتحسبون، أي: يتوخون وقت الصلاة، فيأتون المسجد بلا أذان، وهو من قولك: حسبت كذا، أي: ظننته. ويقال: يتحسبون، بمعنى يتحسسون. * * * 45 - جاء في الحديث: كان جبل تهامة جماع قد غصبوا المارة من كنانة ومزينة وحكم والقارة. والجماع: جماعات من قبائل شتى متفرقة، فإذا كانوا مجتمعين كلهم قيل: جمع. قال أبو قيس بن الأسلت.
[ 367 ]
من بين جمع غير جماع 46 - جاء في الحديث: كنا مع رسول الله غلمانا حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن. حزاورة: جمع حزور. ويقال أيضا: حزور، إذا قارب أن يبلغ. * * * 47 - جاء في الحديث: إن الشيطان لما دخل سفينة نوح، قال له نوح: اخرج يا عدو الله من جوفها، فصعد على خيزران السفينة. خيزرانها: السكان وهو كوثلها أيضا ويقال: خيزرانة. قال النابغة، وذكر ماء: من البسيط. يظل من خوفه الملاح معتصما * بالخيزرانة بعد الجهد والرعد * * * 48 - جاء في الحديث: إن رجلا قال لآخر: انك لتفتي بلغن ضاك مضل، اللغن: ما تعلق من لحم اللحيين. يقال: لغن ولغانين، ولغد ولغاديد وهما واحد. 49 - جاء في الحديث: كل هوى شاطن في النار. الشاطن: البعيد من الحق. وقال محمد بن إسحق: إنما سمي شيطانا لأنه شطن عن أمر ربه. والشطون: البعيد النازح. ومنه قيل: نوى شطون، وبئر شطون. ومن ذلك سمي الحبل شطنا. * * * 50 - جاء في الحديث: من قرأ القرآن في أربعين ليلة فقد عزب.
[ 368 ]
أي: بعد عهده بما ابتدأء منه، وأبطأ في تلاوته. وكل شئ بعد، فهو عزب وعازب. * * * 51 - جاء في الحديث: من قال كذا غفر له، وإن كان عليه طفاح الأرض ذنوبا. طفاحها: ملؤها، وهو أن يمتلئ حيث، يطفح. ومثله: طلاع الأرض. * * * 52 - جاء في الحديث: ما بعث الله نبيا بعد لوط إلا في ثروة من قومه. الثروة: العدد والعز بالعشيرة. وذلك يقول لوط لو ان لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد. 53 - جاء في الحديث: لا تمثلوا بنامية الله. وهي البهائم من الأنعام والوحش، وكل ذات روح، فهي نامية. وفي حديث آخر: " إنه لعن من مثل بداوجنه " * * * 54 - جاء في الحديث: كيف بكم وبزمان يغربل الناس فيه غربلة. أي: يقتل خيارهم. قال الشاعر: من الرجز ترى الملوك حوله مغربله * يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له * * * 55 - جاء في الحديث: من عض على شبدعه سلم من الآثام. يريد: من عض على لسانه وسكت، ولم يخض مع الخائضين. وأصل
[ 369 ]
الشبدع، العقرب، شبه اللسان بها، لأنه يلسع به الناس. قال الجعدي في وصف واش: من المتقارب يخبركم أنه ناصح * وفي نصحه ذنب العقرب ويقال: سرت إلينا شبادعهم، أي: غيبتهم وطعنهم. وكذلك يقال: دبت إلينا عقاربهم. قال أبو النشناش، أحد اللصوص: من الطويل فللموت خير للفتى من حياته * فقيرا، ومن مولى تدب عقاربه والأثام: العذاب. قال الله جل وعز: ومن يفعل ذلك يلق أثاما أي عذابا * * * 56 - جاء في الحديث: من باع الخمر، فليشقص الخنازير. المشقص: القصاب، لأنه يجزئ الشاة. وكل من جزأ شيئا، فقد شقصه. أي: جعله أشقاصا. أراد: ان بائع الخمر، كبائع الخنازير. 57 - جاء في الحديث: أن بعض الخلفاء كتب إلى عامله بالطائف: ارسل إلي بعسل في السقاء، ابيض في الإناء، من عسل الندغ والسحاء، من حداب بني شبابة، وبنو شبابة، قوم بالطائف. قال أبو اليقظان: هم من كنانة، من بني مالك بن كنانة، ينزلون اليمن ينسب إليهم العسل. فيقال: عسل شبابي. والندغ: السعتر البري. ويزعم الأطباء، ان عسل السعتر امتن العسل وأشده حرارة. والسحاء: نبات تأكله النحل وتعتاده الضباب أيضا. فيقال: ضب السحاء، ارنب خلة، وتيس الرئل. ونحو هذا، حديث حدثناء الرياشي عن الأصمعي عن كردين المسمعي
[ 370 ]
قال: كتب الحجاج إلى عامله بفارس: " ابعث إلي من عسل خلار، من النحل الأبكار، من الدستفشار الذي لم تمسه النار ". قال: وخلار موضع. * * * 58 - وجاء في الحديث، من مشى على الكلاء قذفناه في الماء. الكلاء، شاطئ النهر، ومرفأ السفن، ومن كلاء البصرة. وهذا مثل ضربه لمن عرض بالقذف، فشبه في مقاربته التصريح بالماشي على شاطئ النهر في مقاربته الماء والقاؤه إياه في الماء وجب عليه القذف والزامه الحد. * * * 59 - جاء في الحديث، أن سليمان النبي صلوات الله عليه، قال من هدم بنيان ربه، فهو ملعون بين يديه. يعني، من قتل النفس، لأن الجسم بنيان الله وتركيبه، فإذا أبطله فقد هدم بنيان ربه. * * * 60 - جاء في الحديث، يأتي على الناس، زمان يغبط الرجل بالوحدة، كما يغبط اليوم أبو العشرة. معناه، ان الأئمة كانت في صدر الاسلام يرزقون عيالات المسلمين وذراريهم من بيت المال. فكا أبو العشرة مغبوطا بكثرة ما يصير إليه من أرزاقهم، ثم يقطع السلطان ذلك فيما بعد فيغبط الرجل بالوحدة لخفة المؤونة ويرثى لذي العيال. * * * 61 - جاء في الحديث، ان رجلا حلف بالله كاذبا فدخل الجنة. تأويله، حديث رواه ابن عباس، ان رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستحلف أحدهما فقال الله الذي لا إلة إلا هو ماله عندي شئ. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، قم فأد إلى أخيك حقه، وقد كفر الله عنك بقولك الله الذي لا إله إلا هو. وكان يقال، لأن تحلف بالله كاذبا خير من أن تحلف بغير الله صادقا. * * *
[ 371 ]
62 - جاء في الحديث، أي الأعمال أفضل قال: الحال المرتحل قيل: العيال. * * * 61 - جاء في الحديث، ان رجلا حلف بالله كاذبا فدخل الجنة. تأويله، حديث رواه ابن عباس، ان رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستحلف أحدهما فقال الله الذي لا إلة إلا هو ماله عندي شئ. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، قم فأد إلى أخيك حقه، وقد كفر الله عنك بقولك الله الذي لا إله إلا هو. وكان يقال، لأن تحلف بالله كاذبا خير من أن تحلف بغير الله صادقا. * * *
[ 371 ]
62 - جاء في الحديث، أي الأعمال أفضل قال: الحال المرتحل قيل: ما الحال المرتحل. قال: الخاتم المفتتح الحال الخاتم للقرآن. شبه برجل هو سافر، فسار حتى إذا بلغ آخره وقف عنده. والمرتحل، المفتتح للقرآن. شبه برجل أراد سفرا فافتتحه بالمسير، حتى إذا بلغ المنزل حل به، كذلك تالي القرآن يتلوه. ومما دل على هذا التأويل، ان حسين بن الحسن المروزي، كان حدثنا هذا الحديث بعقب حديث في القرآن، عن عبد الله إبن المبارك، باسنادذكر: أن عبد الله بن عمرو، قال: " من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه، إلا أنه لا يوحى إليه "، من أحاديث في فضل القرآن، وقد يكون الخاتم أيضا، المفسح في الجهاد، وهو أن يغزو ويعقب. وكذلك الحال المرتحل، يريد أنه يصل ذات بهذا. * * * 63 - وجاء في الحديث، ان المسلمين والمشركين لما التقوا في وقعه نهاوند، غشيتهم ريح قسطلانية، وهي المنسوبة إلى القسطل، وهو الغبار. * * * تم الكتاب والحمد لله كثيرا، وصلى الله على محمد النبي، وآله وسلم كثيرا. وكتب بغداد في المحرم، سنة تسع وسبعين ومائتين. * * *