غريب الحديث
ابن سلام ج 3
[ 1 ]
السلسة الجدية من مطبوعات دائرة المعارف العثمانية - 92 / 3) غريب الحديث لابي عبيد القاسم بن سلام الهروي المتوفى سنة 224 ه = 838 م الجزء الثالث طبع باعانة وزارة العمارف للحكومة العالية الهندية الدكتور محمد عبدالمعيد خان أستاذ آداب اللغة العربية بالجامعة العثمانية ومدير دائرة المعارف العثمانية الطبعة الاولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن الهدى 1385 ه / 1966 م حل الرموز المستعملة في تعاليق المجلد الثالث من غريب الحديث الاصل = مخطوطة غريب الحديث لمكتبة المدرسة المحمدية بمدارس (الهند) ت = جامع الترمذي ج = الجامع الكبير للسيوطي (مخطوطة المكتبة السعيدية) جه = سنن ابن ماجه حم = مسند الامام أحمد بن حنبل رحمه الله خ - صحيح البخاري د = سنن أبي داود دي = مسند الدارمي ر = مخطوطة غريب الحديث للمكتبة الرامفورية ش = شمس العلوم لنشوان بن سعيد الحميري (مخطوطة المكتبة الاصفية) ط = الموطأ للامام مالك رحمه الله ل = مخطوطة غريب الحديث المحفوظة في ليدن م = صحيح مسلم مص = مخطوطة غريب الحديث للمكتبة الازهرية (بمصر) ن = سنن النسائي بسم الله الرحمن الرحيم * لقى * وقال أبو عبيد: في حديث ث النبي عليه السلام أنه قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. وهذا الحديث يحمله أكثر الناس على كراهة الموت، ولو كان الأمر هكذا لكان / الأمر ضيقا شديدا، لأنه بلغنا عن غير واحد من * 72 / ب الأنبياء عليهم السلام أنه كرهه حين نزل به، وكذلك كثير من الصالحين وليس وجهه عندي أن يكون يكره علز الموت وشدته، هذا لا يكاد يخلو منه أحد، ولكن المكروه من ذلك الإيثار للدنيا والركون إليها والكراهة أن يصير إلى الله وإلى الدار الآخرة، ويؤثر المقام في الدنيا.
[ 2 ]
ومما يبين ذلك أن الله جل ثناؤه قد عاب قوما في كتابه بحب الحياة الدنيا فقال: " إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا - " - الآية، وقال تعالى: " ولتجدنهم أحرص الناس على حيوة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة - "، وقال تعالى: " ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم - " في آي كثير، فهذا الدليل على أن الكراهة للقاء الله عز وجل ليس بكراهة الموت، إنما هو الكراهة للنقلة عن الدنيا إلى الآخرة ومخافة العقوبة لما قدمت أيديهم. وقد جاء بيان ذلك في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه والموت دون لقاء الله. قال أبو عبيد: أفلا ترى أن الموت غير اللقاء لله تعالى وإنما وقعت الكراهة على اللقاء دون الموت وقد روي في حديث آخر أنه قيل له:
[ 3 ]
كلنا نكره الموت، فقال: إنه إذا كان ذلك كشف له. وهو أشبه بذلك المعنى أيضا. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه أتي بلبن إبل أوارك وهو يعرفه فشرب منه، أتاه به العباس [ بن عبد المطلب - ] رحمه الله تعالى. قال الكسائي وغيره [ قوله - ]: الأوارك هي الإبل المقيمة في الأراك تأكله، يقال منه: قد أركت تأرك وتأرك أروكا - إذا أقامت فيه تأكله، وهي إبل آركة على مثال فاعلة، وجمعها أوارك، قال الكسائي: فإن اشتكت بطونا عنه قيل: هي إبل أراكى، فإن كان ذلك من الرمث قيل: رماثى، وإن كان من الطلح قيل: طلاحى. وفي هذا
[ 4 ]
الحديث من الفقه أنهم إنما أرادوا أن يعرفوا أصائم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة أم غير صائم، لأن الصوم هناك يكره لأهل عرفة خاصة مخافة أن يضعفهم عن الدعاء. ومما يبين ذلك حديث ابن عمر أنه سئل عن صوم يوم عرفة فقال: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، ولا أنا أصومه ولا آمر بصيامه ولا أنهى عنه. * شهر * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه سئل: أي الصوم أفضل بعد شهر رمضان فقال: شهر الله المحرم. قوله: شهر الله المحرم، أراه [ قد = ] نسبه إلى الله [ تبارك وتعالى - ] وقد علمنا أن الشهور كلها لله [ تعالى - ] ولكنه إنما ينسب إليه عز وجل كل شئ يعظم ويشرف وكان سفيان بن عيينة يقول: إن قول الله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه " وقوله:
[ 5 ]
" مآ أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول "، فنسب المغنم والفئ إلى نفسه، وذلك أنهما أشرف الكسب، إنما هما بمجاهدة العدو قال: ولم يذكر ذلك عند الصدقة في قوله: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين "، ولم يقل: لله وللفقراء، لأن الصدقة أوساخ الناس، واكتسابها مكروه إلا للمضطر إليها. * صمم * قال أبو عبيد: وكذلك عندي قوله: شهر الله المحرم، إنما هو على جهة التعظيم له، وذلك لأنه جعله حراما لا يحل فيه قتال ولا سفك دم. وفي بعض الحديث: شهر الله الأصم. ويقال: إنما سماه الأصم لأنه حرمه فلا يسمع فيه قعقعة سلاح ولا حركة قتال، وقد حرم غيره من الشهور، وهو ذو القعدة وذو الحجة
[ 6 ]
ورجب ولم يذكر في هذا الحديث غير المحرم، وذلك فيما نرى - والله أعلم - لأن فيه يوم عاشوراء فضله بذلك على ذي القعدة ورجب، * 73 / الف وأما ذو الحجة / فنرى إنما ترك ذكره عند الصوم لأن فيه العيد وأيام التشريق. وأما حديثه الآخر في ذكر الأشهر الحرم فقال: ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. فإنما سماه رجب مضر لأن مضر كانت تعظمه وتحرمه، ولم يكن يستحله أحد من العرب إلا حيان: خثعم وطئ، فإنهما كانا يستحلان الشهور وكان الذين ينسئون الشهور أيام الموسم يقولون: حرمنا عليكم القتال في هذه الأشهر إلا دماء المحلين، فكانت العرب تستحل دماءهم خاصة في هذه الشهور لذلك.
[ 7 ]
* جدد * * حصد * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه نهى عن جداد (جداد) الليل وعن حصاد الليل. قوله: [ نهى عن - ] جداد (جداد) الليل - يعني أن تجد النخل ليلا، والجداد (الجداد) الصرام. يقال: إنما نهى عن ذلك ليلا لمكان المساكين أنهم كانوا يحضرونه فيتصدق عليهم منه لقوله [ تبارك و - ] تعالى " وآتوا حقه يوم حصاده " فإذا فعل ذلك ليلا فإنما هو فار من الصدقة، فنهى عنه لهذا ويقال: بل نهى عنه لمكان الهوام أن لا تصيب الناس إذا حصدوا أو جدوا ليلا، والقول الأول أعجب إلي - والله أعلم. * صفن * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام الذي يحدثه عنه البراء بن عازب قال: كنا إذا صلينا معه فرفع رأسه من الركوع قمنا
[ 8 ]
خلفه صفونا، فإذا سجد تبعناه. قوله: صفونا - يفسر الصافن تفسيرين، فبعض الناس يقول: كل صاف قدميه قائما فهو صافن ومما يحقق ذلك حديث عكرمة أنه كان يصلي وقد صفن بين قدميه واضعا إحدى يديه على الأخرى. والقول الآخر: إن الصافن من الخيل الذي قد قلب أحد حوافره وقام على ثلاث [ قوائم - ]، ومما يحقق ذلك قوله " فاذكروا اسم الله عليها صوافن " - هكذا هي في قراءة ابن عباس وفسرها معقولة إحدى يديها على ثلاث قوائم وفي قراءة ابن مسعود: صوافن، قال: يعني قياما. * صفف * قال أبو عبيد:
[ 9 ]
وقد اجتمعت قراءة ابن عباس وابن مسعود على صوافن. قال وعن مجاهد قال: من قرأها: صوافن - أراد معقولة ومن قرأها: صواف - أراد بها قد صفت يديها، فكلاهما له معنى. وقد روي عن الحسن غير هاتين القراءتين قرأها: صوافي وقال: خالصة لله * صفا * قال أبو عبيد: كأنه يذهب إلى جمع صافية * عبس * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه مر هو وأصحابه على إبل لحي يقال لهم بنو الملوح أو بنو المصطلق قد عبست في أبوالها من السمن فتقنع بثوبه ثم [ مر - ] لقول الله عز وجل " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم - " إلى آخر الآية.
[ 10 ]
قوله: عبست في أبوالها - يعني أن تجف أبوالها وأبعارها على أفخاذها، وذلك إنما يكون من كثرة الشحم، فذلك العبس قال جرير يذكر امرأة أنها كانت راعية: [ الطويل ] ترى العبس الحولى جونا بكوعها * لها مسكا من غير عاج ولا ذبل ويروى: مسك. * سلم * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: على كل سلامي من أحدكم صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يصليهما من الضحى. قوله: سلامى، فالسلامي في الأصل عظم يكون في فرسن البعير، ويقال: إن آخر ما يبقى فيه المخ من البعير إذا عجف في السلامى والعين، فإذا ذهب منها لم يكن له بقية قال الراجز: [ الرجز ]
[ 11 ]
لا يشتكين عملا ما أنقين * ما دام مخ في سلامى أو عين قوله: ما أنقين، من النقي وهو المخ. فكأن معنى الحديث أنه على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة وأن الركعتين تجزيان من تلك الصدقة. * غدف * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام حين قيل [ له - ]: هذا علي وفاطمة قائمين بالسدة، فأذن لهما فدخلا فأغدف عليهما خميصة سوداء.
[ 12 ]
قوله: أغدف عليها - يعني أرسل عليهما ومنه قيل: أغدفت المرأة قناعها - إذا أرسلته على وجهها [ لتستره - ] قال عنترة: [ الكامل ] إن تغدفي دوني القناع فإنني * طب بأخذ الفارس المستلئم * 73 / ب / يعني كأنها ازدرته، فقال ما قال. وقد روي في حديث آخر: إن قلب المؤمن أشد اضطرابا من الذنب يصيبه من العصفور حين يغدف به. وبعض الناس يحمله على هذا المعنى، فإن كان منه فهو أن تلقى عليه الشبكة أو الحبالة فيصاد، كما يرسل الستر وغيره وليس هذا بشئ
[ 13 ]
أشبه منه بهذا. * نفق * * كفر * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في ذكر المنافقين وما في التنزيل من ذكرهم و [ من - ] ذكر الكفار. فيقال: إنما سمي المنافق منافقا لأنه نافق كاليربوع، وإنما هو دخوله نافقاءه، يقال منه: قد نفق فيه ونافق وهو جحره، وله جحر آخر يقال له: القاصعاء، فإذا طلب قصع فخرج من القاصعاء، وهو يدخل في النافقاء ويخرج من القاصعاء، أو يدخل في القاصعاء ويخرج من النافقاء، فيقال: هكذا يفعل المنافق يدخل في الإسلام ثم يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه. وأما الكافر فيقال - والله أعلم: إنما سمي كافرا لأنه متكفر به كالمتكفر بالسلاح، وهو الذي قد ألبسه السلاح حتى غطى كل شئ منه، وكذلك غطى الكفر قلب الكافر، ولهذا قيل لليل كافر، لأنه ألبس كل شئ قال لبيد يذكر الشمس: [ الكامل ] حتى إذا ألقت يدا في كافر * وأجن عورات الثغور ظلامها *
[ 14 ]
وقال [ أيضا - ]: [ الكامل ] في ليلة كفر النجوم غمامها. ويقال: الكافر سمي بذلك للجحود، كما يقال: كافرني فلان حقي - إذا جحده حقه كفر، يقول: غطاها السحاب. وقد يقال في المنافق: إنما سمي منافقا للنفق وهو السرب في الأرض، والتفسير الأول أعجب إلي. * لبى * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في تلبية الحج:
[ 15 ]
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. تفسير التلبية الاستجابة، وكان الخليل بن أحمد رحمه الله يفسر أصل التلبية أنها الإقامة بالمكان، يقال: ألببت بالمكان - إذا أقمت به، ولببت - لغتان قال: ثم قلبوا الباء الثانية إلى الياء استثقالا كما قالوا: تظنيت، فإنما أصلها تظننت وكما قال العجاج: [ الرجز ] تقضى البازي إذا البازي كسر
[ 16 ]
وإنما أصلها تقضض، قال: فقالوا على هذا [ لببت - ] وإنما أصلها ألببت أو لببت، فكأن قوله: لبيك [ أي - ] أنا عبدك أنا مقيم عندك إقامة بعد إقامة وإجابة بعد إجابة، ثم ثنوه للتوكيد، هكذا يحكى [ هذا - ] التفسير عن الخليل، ولم يبلغنا عن أحد أنه فسره غيره إلا من اتبعه فحكى عنه. * شيخ * * شرخ * * حيا * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم. يقال: فيه قولان: أحدهما أنه يريد بالشيوخ الرجال المسان أهل الجلد منهم والقوة على القتال ولا يريد الهرمى ويبين ذلك حديث
[ 17 ]
أبي بكر حين أوصى يزيد بن أبي سفيان فقال: لا تقتل شيخا كبيرا. وقوله: شرخهم - يريد الشباب. ومعناه في هذا القول الصغار الذين لم يدركوا، فصار تأويل الحديث: اقتلوا الرجال واستحيوا النساء. وأما التفسير الآخر فإنه يريد بالشيوخ الهرمى الذين إن سبوا لم ينتفع بهم للخدمة، واستحيوا الشباب - يعني أهل الجلد من الرجال الذين يصلحون للملك والخدمة، وقال حسان في الشرخ: [ الخفيف ] إن شرخ الشباب والشعر الأس * - ود ما لم يعاص كان جنونا وقوله: استحيوا، إنما هو استفعلوا من الحياة - أي دعوهم أحياء لا تقتلوهم، ومنه قول الله عز وجل فيما يروى في التفسير " سنقتل أبنائهم ونستحيي نساءهم - ". * هرف * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أن رفقة جاءت
[ 18 ]
وهم يهرفون بصاحب لهم ويقولون: يا رسول الله ما رأينا مثل فلان، * 74 / الف ما سرنا إلا كان في قراءة / ولا نزلنا إلا كان في صلاة. قوله: يهرفون [ به ]، يمدحونه ويطنبون في ذكره يقال منه: هرفت بالرجل أهرف هرفا، ويقال في مثل من الأمثال: لا تهرف قبل أن تعرف. * شكل * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه كره الشكال في الخيل. [ قوله: الشكال - ] يعني أن تكون ثلاث قوائم منه محجلة وواحدة مطلقة. وإنما أخذ هذا من الشكال الذي تشكل به الخيل، شبه به لأن الشكال إنما يكون في ثلاث قوائم أو أن تكون الثلاث مطلقة ورجل
[ 19 ]
محجلة، وليس يكون الشكال إلا في الرجل ولا يكون في اليد. * فرص * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه قال: إني لأكره أن أرى الرجل ثائرا فريص رقبته قائما على مريته يضربها. قال الأصمعي: الفريصة هي اللحمة التي تكون بين الكتف والجنب التي لا تزال ترعد من الدابة، وجمعها: فرائص وفريص. قال أبو عبيد: وهذا الذي قاله الأصمعي هو المعروف في كلام العرب، ولا أحسب
[ 20 ]
الذي في الحديث إلا غير هذا كأنه إنما أراد عصب الرقبة وعروقها لأنها هي التي تثور في الغضب - والله أعلم. * أنف * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه قال: المسلمون هينون لينون كالجمل الآنف إن قيد انقاد وإن أنيخ على صخرة استناخ. قوله: الآنف - يعني الذي قد عقره الخطام، إن كان بخشاش أو برة أو خزامة في أنفه، فهو ليس يمتنع على قائده في شئ للوجع الذي به وكان الأصل في هذا أن يقال: مأنوف، لأنه مفعول به كما يقال: مصدور
[ 21 ]
للذي يشتكي صدره، ومبطون للذي به البطن، وكذلك مرؤس ومفخوذ ومفؤود، وجميع ما في الجسد على هذا، ولكن هذا الحرف جاء شاذا عنهم. وقال بعضهم: الجمل الآنف هو الذلول ولا أرى أصله إلا من هذا. * قصع * * جرر * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه خطبهم على راحلته وإنها لتقصع بجرتها. قوله: تقصع بجرتها، القصع: ضمك الشئ على الشئ حتى تقتله أو تهشمه ومنه قصع القملة ومنه قيل للغلام إذا كان بطئ الشباب: قصيع، يقول: إنه مردد الخلق بعضه إلى بعض فليس يطول. وإنما قصع الجرة شدة المضغ وضم بعض الأسنان على بعض. والجرة ما تجتره الإبل فتخرجه من أجوافها لتمضغه ثم ترده في أكراشها بعد الجرة - أي بعد أن تجتره.
[ 22 ]
وفي هذا الحديث من الفقه خطبته عليه السلام على ظهر الناقة وهذا رخصة في الوقوف على الدواب إذا كان ذلك لحاجة إليه. وعن مالك بن أنس قال: الوقوف على ظهر الدواب بعرفة سنة والقيام على الأقدام رخصة. * معى * * شبح * * سرب * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء. قوله: المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء، نرى ذلك - والله أعلم - لتسمية المؤمن عند طعامه فتكون فيه البركة وأن الكافر لا يفعل ذلك، ويرون أن وجه الحديث - والله أعلم - أنه كان هذا [ الحديث ] خاصا
[ 23 ]
لرجل بعينه كان يكثر الأكل قبل إسلامه ثم أسلم فنقص ذلك [ منه - ] فذكر ذلك للنبي عليه السلام فقال فيه هذه المقالة، * مهق * * شكل * * شهل * * مره * * هدب * [ أبو عبيد - ]: وأهل مصر يرون أن صاحب هذا الحديث هو أبو بصرة الغفاري، ولا نعلم للحديث وجها غير هذا لأنك قد ترى من المسلمين من يكثر أكله ومن الكفار من يقل ذلك منه، وحديث النبي عليه السلام: لا خلف له، فلهذا وجه على هذا الوجه. وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يأكل الصاع من التمر، فأي المؤمنين كان إيمانه كإيمان عمر. * شثن * * صبب * * قطط * * سبط * * زهر * أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أن عليا رضي الله عنه كان إذا نعت النبي عليه السلام قال: لم يكن بالطويل الممغط
[ 24 ]
* 74 / ب ولا بالقصير المتردد، لم يكن / بالمطهم ولا بالمكلثم، كان أبيض مشرب أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، شثن الكفين والقدمين، دقيق المسربة، إذا مشى تقلع كأما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا ليس بالسبط ولا الجعد القطط (القطط). [ وفي حديث آخر حدثناه إسماعيل بن جعفر قال: كان أزهر ليس بالأبيض الأمهق - ] وفي حديث آخر: كانت في عينيه شكلة. وفي حديث آخر: كان شبح الذراعين. * مغط * * شرب * * دعج * * مشش * * كتد * أبو عبيد: قال الكسائي والأصمعي وأبو عمرو وغير واحد
[ 25 ]
في هذا الحديث قوله: ليس بالطويل الممغط، يقول: ليس بالبائن الطول. ولا القصير المتردد [ يعني - ] الذي تردد خلقه بعضه على بعض، وهو مجتمع ليس بسيط الخلق. يقول: فليس هو كذلك ولكن ربعة بين الرجلين وهذا صفته [ صلى الله عليه وسلم ] في حديث آخر أنه ضرب اللحم بين الرجلين. وقوله: ليس بالمطهم قال الأصمعي: المطهم التام كل شئ منه على حدته فهو بارع الجمال.
[ 26 ]
وقال غير الأصمعي: المكلثم المدور الوجه يقول: فليس كذلك ولكنه مسنون. وقوله: مشرب - يعني الذي قد أشرب حمرة. والأدعج العين شديد سواد العين قال الأصمعي: الدعجة هي السواد. [ قال - ]: والجليل المشاش، العظيم رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين. وقوله: الكتد (الكتد)، هو الكاهل، وما يليه من جسده. وقوله: شثن الكفين والقدمين - يعني أنهما تميلان إلى الغلظ.
[ 27 ]
وقوله: إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، الصبب: الانحدار، وجمعه: أصباب قال رؤبة: [ الرجز ] بل بلد ذي صعد وأصباب بل في معنى رب. وقوله: ليس بالسبط ولا الجعد القطط (القطط)، فالقطط: الشديد الجعودة مثل أشعار الحبش، والسبط الذي ليس فيه تكسر، يقول: فهو جعد رجل. وقوله: كان أزهر، ا لأزهر: الأبيض النير، البياض الذي لا يخالط بياضه حمرة. وقوله: ليس بالأمهق، فالأمهق الشديد البياض الذي لا يخالط بياضه شئ من الحمرة وليس بنير، ولكن كلون الجص أو نحوه، يقول: فليس هو كذلك. وقوله: في عينيه شكلة، فالشكلة [ كهيئة - ] الحمرة تكون في بياض العين: قال الشاعر: [ الطويل ]
[ 28 ]
ولا عيب فيها غير شكلة عينها * كذاك عتاق الطير شكلا عيونها والشهلة غير الشكلة وهي حمرة في سواد العين والمرهة: البياض لا يخالطه غيره، وإنما قيل للعين التي ليس فيها كحل: مرهاء، لهذا المعنى. وقوله: أهدب الأشفار - يعني طويل الأشفار. وقوله: شبح الذراعين - يعني عبل الذراعين عريضهما. والمسربة الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة قال الذهلي: [ الكامل ] الآن لما ابيض مسربتي * وعضضت من نابي على جذم * ترجوا الأعادي أن ألين لها * هذا توهم صاحب الحلم وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام حين أتاه عمر، فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها فقال: أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئتكم بها بيضاء نقية،
[ 29 ]
لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي. وتفسير هذا الحرف في حديث آخر مرفوع قال ابن عون: قلت للحسن: ما متهوكون قال: متحيرون. * هوك * قال أبو عبيد: يقول: أمتحيرون أنتم في الإسلام لا تعرفون دينكم حتى تأخذوه من اليهود والنصارى [ قال أبو عبيد - ]: فمعناه أنه كره أخذ العلم من أهل الكتاب. وأما قوله: لقد جئتكم بها بيضاء نقية، فإنه أراد الملة الحنيفية، فلذلك جاء التأنيث، كقول الله عز وجل " وذلك دين القيمة - " إنما هي فيما يفسر الملة الحنيفية. * لبب * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه لما خرج إلى مكة
[ 30 ]
عرض له رجل فقال: إن كنت تريد النساء البيض والنوق الأدم فعليك ببني مدلج، فقال: [ إن - ] الله منع من بني مدلج لصلتهم الرحم وطعنهم في ألباب الإبل. وبعضهم يرويه: في لبات [ الإبل - ]. قوله: وطعنهم في ألباب الإبل، فقد يكون ألباب في معنيين: أحدهما أن يكون أراد جمع اللب، ولب كل شئ خالصه، كقولك: * 75 / الف لب الطعام / ولب النخلة وغير ذلك يقول: فإنما ينحرون خالص إبلهم وكرائمها. والوجه الآخر أن يكون أراد جمع اللبب، وهو موضع المنحر من كل شئ. ونرى أن لبب الفرس إنما سمي به لهذا، ولهذا قيل: لببت فلانا - إذا جمعت ثيابه عند صدره ونحره ثم جررته، وإنما وصفهم أنهم أهل جود بأموالهم وصلة لأرحامهم. والذي يراد من هذا الحديث أن الإحسان والصلة يدفعان السوء والمكروه. قال أبو عبيد:
[ 31 ]
وإن كان المحفوظ هو لبات، فإن اللبة موضع النحر، ثم جمعها لبات. * حيا * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة [ الأولى - ] إذا لم تستحى فاصنع ما شئت. قال جرير: معناه أن يريد الرجل أن يعمل الخير فيدعه حياء من الناس كأنه يخاف مذهب الرياء، يقول: فلا يمنعك الحياء من المضي لما أردت قال أبو عبيد: والذي ذهب إليه جرير معنى صحيح في مذهبه، وهو شبيه بالحديث الآخر: إذا جاءك الشيطان وأنت تصلي فقال: إنك ترائي، فزدها طولا. وكذلك قول الحسن: ما أحد أراد شيئا من الخير إلا سار في قلبه سورتان فإذا كانت الأولى منهما لله فلا تهيدنه الآخرة وفي هذا أحاديث والمعنى فيه قائم، ولكن الحديث الأول ليس يجئ سياقه ولا لفظه على هذا التفسير ولا على هذا يحمله الناس، [ و - ] إنما وجهه عندي أنه أراد بقوله: إذا لم تستحى فاصنع ما شئت،
[ 32 ]
إنما هو من لم يستحى صنع ما شاء على جهة الذم لترك الحياء، ولم يرد بقوله: فاصنع ما شئت - أن يأمره بذلك أمرا، وهذا جائز في كلام العرب أن يقولك افعل كذا وكذا وليس يأمره، ولكنه أمر بمعنى الخبر، ألم تسمع حديث النبي عليه السلام: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ليس وجهه أنه أمره بذلك، هذا ما لا يكون، إنما معناه: من كذب علي متعمدا تبوأ مقعده من النار [ أي - ] كان له مقعد من النار، إنما هي لفظة أمر على معنى الخبر وتأويل الجزاء وإنما يراد من الحديث أنه يحث على الحياء ويأمر به ويعيب تركه. * وشق * * لبن * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه أتي بوشيقة يابسة من لحم صيد فقال: إني حرام.
[ 33 ]
قوله: الوشيقة، اللحم يؤخذ فيغلى إغلاءة ثم يحمل في الأسفار ولا ينضج فيتهرأ وزعم بعضهم أنه بمنزلة القديد لا تمسه النار يقال [ منه: قد - ] وشقت اللحم أشقه وشقا واتشقت اتشاقا [ و - ] قال الشاعر: [ الطويل ] إذا عرضت منها كهاة سمينة * فلا تهد منها واتشق وتجبجب الجبجبة: الزبيل من الجلود.
[ 34 ]
وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في لبن الفحل أنه يحرم. قال سمعت محمد بن الحسن وغيره [ من أهل العلم - ] يفسرونه أنه الرجل تكون له المرأة وهي ترضع بلبنه. قال أبو عبيد: وأما كلام العرب فيقولون: بلبانه، قالوا: فكل من أرضعته بذلك اللبن فهو ولد زوجها محرمون عليه وعلى ولده من ولد تلك المرأة ومن ولد غيرها لأنه أبوهم جميعا، وبيان ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاما أيحل للغلام أن يتزوج الجارية فقال: لا، اللقاح واحد. قال أبو عبيد:
[ 35 ]
فهذا تأويل لبن الفحل. [ قال - ] وكذلك حديث النبي عليه السلام قبل هذا فيه بيان [ أيضا - ] عن عائشة قالت: استأذن عليها أبو القعيس بعد ما حجبت فأبت أن تأذن له فقال: أنا عمك أرضعتك امرأة أخي، فأبت أن تأذن له حتى جاء النبي عليه السلام فذكرت له ذلك، فقال: هو عمك فليلج عليك. * صحف * * كفأ * * نجش * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها فإنما لها ما كتب لها، ولا تناجشوا
[ 36 ]
قوله: لا تسأل المرأة طلاق أختها - يعني بأختها ضرتها. وقوله: لتكتفئ ما في صحفتها، أصل الصحفة القصعة وجمعها صحاف. * 75 / ب وقوله: / لتكتفئ، إنما هو [ مثل يقول: لا تميل حظ تلك إلى نفسها ليصير حظ أختها من زوجها كله لها وإنما قوله: لتكتفئ - ] تفتعل من كفأت القدر وغيرها - إذا كببتها ففرغت ما فيها. وقوله: لا تناجشوا، فإن النجش أن يعطي الرجل صاحب السلعة بسلعته أكثر من ثمنها وهو لا يريد شراءها، إنما يريد أن يسمعه غيره مما لا يضر له بها فيزيد لزيادته ومنه الحديث الذي يروى عن ابن أبي أوفى: الناجش آكل ربا خائن. وقوله: لا يبع على بيع أخيه، قد فسرناه في غير هذا الموضع.
[ 37 ]
* خرج * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه قضى أن الخراج بالضمان. معناه - والله أعلم - الرجل يشتري المملوك فيستغله ثم يجد به عيبا كان عند البائع، يقضي أنه يرد العبد على البائع بالعيب ويرجع بالثمن فيأخذه، وتكون له الغلة طيبة وهي الخراج وإنما طابت له الغلة لأنه كان ضامنا للعبد، لو مات مات من مال المشتري، لأنه في يده [ و - ] هذا مفسر في حديث لشريح في رجل اشترى من رجل غلاما فأصاب من غلته، ثم وجد به داء كان عند البائع فخاصمه إلى شريح فقال: رد الداء بدائه ولك الغلة بالضمان. * جزى * قال أبو عبيد: ألا ترى أنه قد ألزمه بدائه أن يرده هذا ليعلم أنه لو مات كان من مال المشتري، فلهذا طابت له
[ 38 ]
الغلة [ قال - ] وحديث النبي عليه السلام هذا أصل لكل من ضمن شيئا أنه يطيب له الفضل إذا كان ذلك على وجه المبايعة لا على الغصب. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: ليس على مسلم جزية. قال: معناه الذمي الذي يسلم وله أرض خراج فترفع عنه جزية رأسه وتترك عليه أرضه يودي عنها الخراج. ومن ذلك حديث عمر وعلي رضي الله عنهما أن رجلا من الشعوب أسلم وكانت تؤخذ منه الجزية فأتى عمر فأخبره فكتب أن لا تؤخذ منه الجزية. قال أبو عبيد: الشعوب ههنا العجم، وفي غير هذا الوضع أكثر من القبائل
[ 39 ]
والشعوب المنية. وعن الزبير بن عدي قال: أسلم دهقان على عهد علي رحمه الله فقال له: إن قمت في أرضك رفعنا الجزية عن رأسك وأخذناها من أرضك، وإن تحولت عنها فنحن أحق بها. فهذا وجه حديث النبي عليه السلام في الجزية، وإنما احتاج الناس إلى هذه الأحاديث في زمن بني أمية، لأنه يروى عنهم أن الرجل من أهل الذمة من أهل السواد كان يسلم ولا يسقطون الجزية عن رأسه ويأخذونها منه مع الجزية من أرضه، وكان الحجاج يحتج فيه
[ 40 ]
[ و - ] يقول: إنما هم قننا وعبيدنا، فإذا أسلم عبد الرجل فهل يسقط عنه الإسلام الضريبة وكان خالد بن عبد الله [ القسري - ] يخطب به فيما يحكى عنه على المنبر ولهذا استجاز من استجاز من القراء الخروج عليهم مع ابن الأشعث وعن يزيد بن أبي حبيب قال: أعظم ما أتت هذه الأمة بعد نبيها ثلاث خصال: مقتل عثمان، واحراق الكعبة، وأخذ الجزية من المسلمين. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: المكيال مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة.
[ 41 ]
* كيل * قال أبو عبيد: وقد اختلف في هذا الحديث، فبعضهم يقول: الميزان ميزان أهل المدينة والمكيال مكيال أهل مكة. يقال: إن هذا الحديث أصل لكل شئ من الكيل والوزن، إنما يأتم الناس فيهما بأهل مكة وأهل المدينة وإن تغير ذلك في سائر الأمصار، ألا ترى أن أصل التمر بالمدينة كيل وقد صار وزنا في كثير من الأمصار وأن السمن عندهم وزن وهو كيل في كثير من الأمصار فلو أسلم رجل تمرا في حنطة لم يصلح لأنه كيل في كيل، وكذلك السمن إذا أسلمه فيما يوزن لم يصلح لأنه وزن في وزن، والذي يعرف به أصل الكيل والوزن أن كل ما لزمه اسم المختوم والقفيز / والمكوك والمد والصاع فهو كيل، وكل ما لزمه اسم الأرطال * 76 / الف والأواقي فهو وزن، ألا تسمع حديث عمر رضي الله عنه في الأواقي حين قال في عام الرمادة: وكان يأكل الخبز بالزيت فقرقر بطنه فقال: قرقر ما شئت فلا يزال هذا دأبك ما دام السمن يباع بالأواقي، فهذا.
[ 42 ]
يبين لك أن أصل السمن وزن إلا أن يراد بالأرطال المكاييل، فإن المكيال يسمى رطلا. * زبد * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام حين أهدى إليه عياض بن حمار قبل أن يسلم فرده وقال: إنا لا نقبل زبد المشركين. زبد المشركين: رفدهم، وهكذا هو [ عندنا - ] في الكلام، يقال [ منه - ]: زبدت الرجل أزبده زبدا - إذا رفدته ووهبت له. * قصر * * ربع * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في المزارعة أن أحدهم كان يشترط ثلاثة جداول والقصارة وما سقى الربيع ونهى النبي عليه السلام عن ذلك.
[ 43 ]
قوله: يشترط ثلاثة جداول - يعني أنها كانت تشترط على المزارع أن يزرعها خاصة لرب المال. وأما القصارة فإنه ما بقي في السنبل من الحب بعدما يداس وز يدرس، وأهل الشام يسمونه القصري. وكذلك [ يروى - ] في حديث جابر بن عبد الله قال: كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من القصري ومن ذكا وكذا، فقال النبي عليه السلام: من كانت له أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه. وأما ما سقى الربيع فإن الربيع النهر الصغير مثل الجدول والسري ونحوه، وجمعه أربعاء.
[ 44 ]
وإنما كانت هذه شروطا يشترطها رب المال لنفسه خاصة سوى الشرط على الثلث والربع، فنرى أن نهي النبي عليه السلام عن المزارعة إنما كان لهذه الشروط لأنها مجهولة لا يدرى أتسلم أو تعطب، فإذا كانت المزارعة على غير هذه الشروط بالثلث أو الربع أو النصف فهي طيبة إن شاء الله تعالى. * نكل * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: إن الله يحب النكل على النكل، قيل: وما النكل على النكل قال: الرجل المجرب القوي المبدئ المعيد على الفرس القوي المجرب - أو المحرب - الشك من أبي عبيد - المبدئ المعيد. قوله: النكل، قال الفراء: يقال: رجل نكل ونكل، ومعناه قريب من التفسير الذي في الحديث، قال: ويقال أيضا: رجل بدل وبدل ومثل
[ 45 ]
ومثل وشبه وشبه، قال: لم أسمع في فعل وفعل غير هذه الأربعة الأحرف. والمبدئ المعيد: الذي قد أبدأ في غزوة وأعاد - أي [ قد - ] غزا مرة بعد مرة وجرب الأمور أعاد فيها وأبدأ. * ضبع * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله أكلتنا الضبع فقال النبي عليه السلام: غير ذلك أخوف عندي أن تصب عليكم الدنيا صبا. قوله: الضبع، هي السنة المجدبة ولها أسماء أيضا، [ وهي - ] الأزمة واللزبة، ويقا ل لها [ أيضا - ]: كحل، إلا أن الضبع بالألف
[ 46 ]
واللام ولم نسمع هذه الأحرف الأخرى إلا بغير ألف ولام كأنها اسم موضوع قال سلامة بن جندل يمدح قوما: [ البسيط ] قوم إذا صرحت كحل بيوتهم * مأوى الضياف ومأوى كل قرضوب فالقرضوب في هذا البيت الفقير، والجمع قراضبة، ويقال في غير هذا الموضع القراضبة اللصوص، واحدهم قرضاب، وقرضوب وصعلوك وسبروت [ واحد - ] قال الشاعر 13 في الضبع: [ البسيط ]
[ 47 ]
أبا خراشة أما أنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم الضبع * وحر * * فتن * * إلا * * خطط * وأبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: من سره أن يذهب عنه كثير من وحر صدره فليصم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر. قال الكسائي والأصمعي قوله: وحر صدره، الوحر غشه وبلابله ويقال: إن أصل هذا دويبة يقال لها: الوحرة، وجمعها وحر / شبهت العداوة والغل بذلك، والوغر شبيه به أيضا، يقال منه: قد وغر * 76 / ب صدر فلان عليك يوغر وغرا، ووحر يوحر وحرا. قال الأصمعي: يقال: رجل سمح لا غير ورجل وغر لا غير، لا يقال: سمح ولا وغر.
[ 48 ]
* جذم * * سمل * * عسب * * قشا * * شخص * أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: من تعلم القرآن ثم نيسبه لقي الله تعالى وهو أجذم. قوله: أجذم، هو المقطوع اليد، يقال منه: [ قد - ] جذمت يده تجذم جذما - إذا انقطعت وذهبت، وإن قطعتها أنت قلت: جذمتها جذما فأنا أجذمها. ومن ذلك حديث علي [ بن أبي طالب - ] رحمه الله: من نكث بيعته لقي الله يوم القيامة أجذم ليست له يد فهذا تفسير
[ 49 ]
الأجذم وقال المتلمس: [ الطويل ] وهل كنت إلا مثل قاطع كفه * بكف له أخرى فأصبح أجذما
[ 50 ]
* فرص * * بصر * * رأى * * قشر * * قرفص أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام الذي تحدثه عنه قيلة حين خرجت قيلة إليه وكان عم بناتها أراد أن يأخذ بناتها منها، قال: فلما خرجت بكت هنية منهن أصغرهن وهي الحديباء
[ 51 ]
كانت قد أخذتها الفرصة وعليها سبيج لها من صوف فرحمتها فحملتها معها، فبيناهما ترتكان إذ تنفجت الأرنب، فقالت الحديباء: الفصية والله لا يزال كعبك عاليا، قالت: فأدركني عمهن بالسيف، فأصابت ظبته طائفة من قرون رأسيه، وقال: ألقى إلي ابنة أخي يا دفار فألقيتها إليه، ثم انطلقت إلى أخت لي ناكح في بني شيبان أبتغي الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا عندها ليلة تحسب عني نائمة إذ دخل زوجها عليها من السامر، فقال: وأبيك لقد أصبت لقيلة صاحب صدق حريث ابن حسان الشيباني، فقالت أختي: الويل لي، لا تخبرها فتتبع أخا بكر ابن وائل بين سمع الأرض وبصرها ليس معها رجل من قومها، قالت: فصحبته صاحب صدق حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصليت معه الغداة حتى إذا طلعت الشمس دنوت فكنت إذا رأيت رجلا ذا رواء أو ذا قشر طمح بصري إليه فجاء رجل فقال: السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام، وهو قاعد القرفصاء، وعليه أسمال مليتين، ومعه عسيب نخلة مقشو
[ 52 ]
غير خوصتين من أعلاه، قالت: فتقدم صاحبي فبايعه على الإسلام، ثم قال: يا رسول الله اكتب لي بالدهناء، فقال: يا غلام اكتب له قالت: فشخص بي وكانت وطني وداري فقلت: يا رسول الله الدهناء مقيد الجمل ومرعى الغنم وهذه نساء بني تميم وراء ذلك، فقال: صدقت المسكينة، المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان - ويروى: الفتان - فقال رسول الله عليه السلام: أيلام ابن هذه أن يفصل الخطة وينتصر من وراء الحجزة * رتك * * فصى * * با * * دفر * * سمع * أبو عبيد - ]: قولها: قد أخذتها الفرصة، وهي الريح التي تكون منها الحدب، والعامة تقولها: [ الفرسة - ] بالسين، وأما المسموع من العرب فبالصاد. و [ أما - ] قولها: وعليها سبيج لها، فإنه ثوب يعمل من
[ 53 ]
الصوف لا أحسبه يكون إلا أسود. وقولها: ترتكان تسرعان - تعني أنهما ترتكان بعيرهما - إذا أسرعا في السير، يقال: قد رتك البعير ترتك رتكا ورتكانا وأرتكته فأنا أرتكه إرتاكا. وقولها: قالت الحديباء: الفصية، فإنها تفاءلت بانتفاج الأرنب، والأصل في الفصية الشئ تكون فيه ثم تخرج منه إلى غيره، ومنه قولهم: تفصيت من كذا وكذا - أي خرجت [ منه - ]، فكأنها أرادت أنها كانت في ضيق وشدة من قبل عم بناتها فتفصت فخرجت إلى السعة، ألا تسمع إلى قولها: والله لا يزال كعبك عاليا وأما قولها: فأدركني عمهن بالسيف فأصابت ظبته طائفة من
[ 54 ]
قرون رأسيه، فإن ظبته حده، وجمعه: ظبات وظبون، وهو ما يلي الطرف منه، ومثله ذبابه، قال الكميت: [ الوافر ] يرى الراؤون بالشفرات منا * كنار أبي حباحب والظبينا * 77 / الف / وقول الرجل للمرأة: ألقي إلي ابنة أخي يا دفار فالدفار المنتنة، ومنه قيل للأمة: يا دفار. ومنه قول عمر رضي الله عنه: يا دفراه وزعم الأصمعي أن العرب تسمي الدنيا: أم دفر. وقولها: تحسب عني نائمة، فإنها أرادت تحسب أني نائمة،
[ 55 ]
وهذه لغة بني تميم، قال ذو الرمة: [ البسيط ] أعن ترسمت من خرقاء منزلة * ماء الصبابة من عينيك مسجوم أراد أأن، فجعل مكان الهمزة عينا. وقول أخت قيلة: لا تخبرها فتتبع أخا بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها، قال بعضهم يقول: بين طولها وعرضها، وهذا معنى تخرج [ منه - ] ولكن الكلام لا يوافقه، ولا أدري ما الطول والعرض من السمع والبصر، ولكن وجهه عندي - والله أعلم - أنها أرادت أن الرجل يخلو بها ليس معهما أحد يسمع كلامهما ولا يبصرهما إلا الأرض القفر، فصارت الأرض خاصة كأنها هي التي تسمعها وتبصرها دون الأشياء والناس، وإنما هذا مثل ليس على
[ 56 ]
أن الأرض تسمع وتبصر وقد روي عن النبي عليه السلام أنه أقبل من سفر فلما رأى أحدا قال: هذا جبل يحبنا ونحبه، والجبل ليست له محبة ومنه قول الله تعالى " جدارا يريد أن ينقض فأقامه - " والجدار ليست له إرادة، والعرب تكلم بكثير من هذا النحو كان الكسائي يحكي عنهم أنهم يقولون: منزلي ينظر إلى منزل فلان، ودورنا تناظر ويقولون: إذا أخذت في طريق كذا وكذا فنظر إليك الجبل فخذ يمينا عنه، وإنما يراد بهذا كله قرب ذلك الشئ منه ومنه حديث النبي عليه السلام: لا تراءى ناراهما ومثل هذا في الكلام كثير.
[ 57 ]
وقول قيلة: كنت إذا رأيت رجلا ذا رواء أو ذا قشر طمح بصري إليه، والرواء: المنظر. والقشر: اللباس. وقولها: نظرت فإذا رسول الله عليه السلام قاعد القرفصاء عليه أسمال مليتين ومعه عسيب نخلة مقشو، فإن القرفصاء جلسة المحتبي إلا أنه لا يحتبي بثوب ولكن يجعل يديه مكان الثوب. وأما الأسمال فإنها الأخلاق، والواحد منها: سمل ويقال: قد سمل الثوب وأسمل - لغتان. والعسيب: جريد النخل. والمقشو: المقشور قال الفراء يقال: قشوت وجهه - أي قشرته. ومنه حديث معاوية أنه دخل عليه وهو يأكل لياء مقشى. وقولها: فلما ذكرت الدهناء شخص بي، يقال للرجل إذا أتاه أمر
[ 58 ]
يقلقه ويزعجه: قد شخص به، ولهذا قيل للشئ الناتئ: شاخص، ولهذا قيل: شخوص البصر، إنما هو ارتفاعه ومنه: شخوص المسافر، إنما هو خروجه [ من مكانه - ] وحركته من موضعه. وقول النبي عليه السلام: ويتعاونان على الفتان فإنه يقال أيضا: الفتان وهو واحد، ويروى: الفتان والفتان فمن قال: الفتان، فهو واحد، وهو الشيطان ومن قال: الفتان، فهو جمع، وهو يريد الشياطين واحدها فاتن، والفاتن: المضل عن الحق، قال الله عز وجل: [ " فإنكم وما تعبدون * ] مآ أنتم عليه بفاتنين من هو صال الجحيم " وسئل الحسن عن ذلك فقال: ما أنتم عليه بمضلين إلا من هو صال الجحيم، قال: إلا من كتب عليه أن يصلى الجحيم.
[ 59 ]
وقوله [ صلى الله عليه وسلم - ]: أيلام ابن هذه أن يفصل الخطة - يعني إذا نزل به أمر ملتبس مشكل لا يهتدى له أنه لا يعيا به ولكنه يفصله حتى يبرمه ويخرج منه وإنما وصفه بجودة الرأي. وقوله: وينتصر من وراء الحجزة، فإن الحجزة الرجال الذين يحجزون بين الناس ويمنعون بعضهم من بعض، يقول: فهذا إن ظلم بظلامه فكان لمظالمه من يمنعه من هذا، فإن عند هذا من المنعة والعز ما ينتصر من ظالمه، وإن كان أولئك قد حجزوه عنه حتى يستوفي حقه. وفي هذا الحديث أن رسول الله عليه السلام حمده على دفع الظلم عن نفسه وترك الاستخذاء في ذلك، وفي التنزيل ما يصدق ذلك قال الله عز وجل " والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون "
[ 60 ]
وعن إبراهيم في هذه الآية قال: كانوا يكرهون أن يستذلوا. * 77 / ب * ملج * * عيف * * عفف * / وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان. قال الكسائي وأبو الجراح وغيرهما [ قوله: الإملاجة والإملاجتان - ] يعني المرأة ترضع الصبي مصة أو مصتين، و [ المص - ] هو الملج يقال [ منه - ]: ملج الصبي أمه يملجها ملجا، يقال: ملج يملج وملج يملج ومن هذا قيل: رجل مصان وملجان ومكان ومقان.
[ 61 ]
كل هذا من المص - يعنون أنه يرضع الغنم من اللؤم ولا يحلبها فيسمع صوت الحلب، ولهذا قيل: قد أملجت صبيها إملاجا فذلك قوله: الإملاجة والإملاجتان، ولهذا قيل: لئيم راضع، فإذا أردت أن تكون المرأة هي التي ترضع فتجعل الفعل لها قلت: أملجت، والإملاجة هي أن تمصه هي لبنها. وأما حديث المغيرة بن شعبة: لا تحرم العيفة، فإنا لا نرى هذا محفوظا، ولا نعرف العيفة في الرضاع، ولكن نراها العفة، وهي بقية اللبن في الضرع بعد ما يمتك أكثر ما فيه، وقد يقال لها: العفافة قال الأعشى يصف ظبية وغزالها: [ الخفيف ]
[ 62 ]
وتعادى عنه النهار فما تع * - جوه إلا عفافة أو فواق [ قال الأصمعي: العفافة ما في الضرع من اللبن قبل نزول الدرة، والغرار آخرها - ]. يقال: قد امتك الفصيل ما في ضرع أمه - إذا لم يبق فيه من اللبن شيئا، ويمتك يخرج جميع ما فيه. وهذا حديث ثبت عن النبي عليه السلام أنه قال: لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان، وفي حديث آخر: لا تحرم المصة ولا المصتان. والذي أجمع عليه أهل العلم من أهل الحجاز والعراق أن المصة الواحدة تحرم، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ثبت أولى بأن يعمل به [ ويتبع - ].
[ 63 ]
* خشش * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام قال: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها ولم ترسلها فتأكل من خشاش الأرض. الخشاش: الهوام ودواب الأرض وما أشبهها، فهذا بفتح الخاء. وأما الخشاش - بالكسر فخشاش البعير [ وهو - ] العود الذي يجعل في أنفه. قال الأصمعي: الخشاش ما كان في العظم منه، والعران ما كان في اللحم، والبرة ما كان في المنخر. قال أبو عبيدة: والخزامة
[ 64 ]
هي الحلقة التي تجعل في أنف البعير فإن كانت من صفر فهي برة، وإن كانت من شعر فهي خزامة وقال غير أبي عبيدة: وإن كانت عودا فهي خشاش قال الكسائي: يقال من ذلك كله: خزمت البعير وعرنته وخششته، وهو مخزوم ومعرون ومخشوش، ويقال من البرة خاصة بالألف: أبريته فهو مبرى وناقة مبراة. * دفف * * صوت * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح. أما الدف فهو هذا الذي يضرب به النساء، وقد زعم بعض الناس أن الدف لغة فأما الجنب فالدف لا اختلاف فيه بالفتح. وقوله: الصوت فإن الناس يختلفون فيه، فبعض الناس يذهب به إلى السماع وهذا خطأ في التأويل على رسول الله عليه السلام، وإنما معناه عندنا إعلان النكاح واضطراب الصوت به والذكر في الناس، كما يقال: فلان قد ذهب صوته في الناس وكذلك قال عمر رضي الله عنه:
[ 65 ]
أعلنوا هذا النكاح وحصنوا هذه الفروج. * وله * * حول * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: لا توله والدة عن ولدها، ولا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة. قوله: لا توله والدة عن ولدها، فالتوليه أن يفرق بينهما في البيع. وكل أنثى فارقت ولدها فهي واله قال الأعشى يذكر بقرة أكل السباع ولدها: [ البسيط ] فأقبلت والها ثكلى على عجل * كل دهاها وكل عندها اجتمعا / ويروى: على حزن. * 78 / الف وقوله: لا توطأ حائل حتى تستبرئ بحيضة، فالحائل التي [ قد - ] وطئت فلم تحمل، يقال: حالت الناقة والمرأة وغير ذلك - إذا كانت
[ 66 ]
غير حامل، فهي تحول حيالا، والجمع من ذلك، حول وحولل، وهذا على غير قياس، يقال في الحولل: إنه مصدر، يقال: حالت حيالا وحوللا - فزادوا لاما كما زادوا الدال في السودد، وإنما أصلها دال واحدة، وكذلك عوط وعوطط مثل حول وحولل في المعنى واحد، وكذلك الحرب إذا خمدت بعد وقود قيل: حالت حيالا وإن هاجت بعد ذلك قيل: [ قد - ] لقحت عن حيال. وأما قوله: ولا حامل حتى تضع، فإنه في السبي أن تسبى المرأة وهي حامل فلا يحل وطؤها حتى تضع [ ما في بطنها - ] وكذلك في الشراء أيضا وكذلك الحائل في الشرى والسبي جميعا، وكذلك في الهبة والصدقة وغير ذلك. * لعب * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لا عبا جادا.
[ 67 ]
[ قال: قوله: لاعبا جادا - ] يعني أن يأخذ متاعه لا يريد سرقته إنما يريد إدخال الغيظ عليه، يقول: فهو لاعب في مذهب السرقة جاد في إدخال الأذى والروع عليه وهذا مثل حديثه: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ومثل حديثه إذا مر أحدكم بالسهام فليمسك بنصالها ومثل حديثه أنه مر بقوم يتعاطون سيفا فنهاهم عنه. وكل هذا كراهة لروعة المسلم وإدخال الأذى عليه، وإن كان الآخر لا يريد قتله ولا جرحه. * نقع * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه نهى أن يمنع نقع البئر.
[ 68 ]
يعني فضل الماء من موضعه الذي يخرج منه من العين أو من غير ذلك من قيل أن يصير في إناء أو وعاء لأحد، فإذا صار كذلك فصاحبه أحق به وهو مال من ناله وأما حديثه الآخر أنه قال: من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضله يوم القيامة وتفسيره: البئر تكون في بعض البوادي ويكون قربها كلأ فربما سبق إليها بعض الناس فمنعوا من جاء بعدهم، فإذا منعوهم الماء فقد منعوهم الكلأ، لأنهم إذا أرعوها الكلأ ثم لم يرووها من الماء قتلها العطش، فهذا تأويل قوله: من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضله يوم القيامة ومنه حديثه الآخر: قال حريم البئر أربعون ذراعا من حواليها لأعطان
[ 69 ]
الإبل والغنم، قال: وابن السبيل أول شارب لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ. * بزل * * خلف * قال أبو عبيد: ومعناه هذه البئر التي وصفنا يكون في قرب الكلأ ليست في ملك أحد، فليس ينبغي أن يناخ فيها إبل ولا يشغل بغنم ولا غيره أربعين ذراعا في كل حواليها إلا للواردة قط قدر ما ترد [ وتعطن - ]، فإذا انقطع ذلك فلا حق لها فيه ويكون ابن السبيل أحق به حتى يستقي، ثم الذي يأتي بعده فلا حق له فيها ويكون ابن السبيل أحق به حتى يستقي ثم الذي يأتي بعده كذلك أيضا، فهذا قوله: [ و - ] ابن السبيل أول شارب * لبن * * حقق * * جذع * * ربع * * سدس * أبو عبيد - ]: وقد يكون فضل الماء [ أيضا - ] أن يستقي الرجل أرضه فيفضل بعد ذلك ما لا يحتاج إليه فليس له أن يمنع فضل ذلك الماء، كذلك يروى عن عبد الله بن عمر. * ربع * * هبع * * حور * * فصل * * مخض * أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في ذكر أسنان
[ 70 ]
الإبل وما جاء فيها في الصدقة وفي الدية وفي الأضحية. قال الأصمعي وأبو زياد الكلابي وأبو زيد الأنصاري [ وغيرهم - ] دخل كلام بعضهم في [ كلام - ] بعض، قالوا: أول أسنان الإبل إذا وضعت الناقة فإن كان ذلك في أول النتاج فولدها ربع والأنثى ربعة، * 78 / ب وإن كان في آخره فهو هبع والأنثى هبعة ومن الربع حديث عمر رضي الله عنه / حين سأله رجل من الصدقة فأعطاه ربعة يتبعها ظئراها. وهو في هذا كله حوار فلا يزال حوارا حولا ثم يفصل، فإذا فصل عن أمه فهو فصيل، والفصال هو الفطام ومنه الحديث: لا رضاع بعد فصال. فإذا استكمل الحول ودخل في الثاني فهو ابن مخاض والأنثى ابنة مخاض، وهي التي تؤخذ في خمس وعشرين من الإبل صدقة عنها، وإنما سمي ابن مخاض لأنه قد فصل عن أمه ولحقت أمه بالمخاض
[ 71 ]
وهي الحوامل، فهي من المخاض وإن لم تكن حاملا. فلا يزال ابن مخاض السنة الثانية كلها فإذا استكملها ودخل في الثالثة فهو ابن لبون والأنثى ابنة لبون، وهي التي تؤخذ في الصدقة إذا جاوزت [ الإبل - ] خمسا وثلاثين، وإنما سمي ابن لبون لأن أمه كانت أرضعته السنة الأولى ثم كانت من المخاض السنة الثانية ثم وضعت في الثالثة فصار لها ابن، فهي لبون وهو ابن لبون والأنثى ابنة لبون. فلا يزال كذلك السنة الثالثة كلها فإذا مضت الثالثة ودخلت الرابعة فهو حينئذ حق والأنثى حقة، وهي التي تؤخذ في الصدقة إذا جاوزت الإبلخمسا وأربعين، ويقال: [ إنه - ] إنما سمي حقا لأنه قد استحق أن يحمل عليه ويركب، ويقال هو حق بين الحقة، وكذلك الأنثى حقة قال الأعشى: [ المتقارب ] بحقتها ربطت في اللجي * - ن حتى السديس لها قد أسن واللجين ما يلجن من الورق وهو أن يدق حتى يتلزج ويلزق بعضه
[ 72 ]
ببعض. فلا يزال كذلك حتى يستكمل الأربع ويدخل في السنة الخامسة فهو حينئذ جذع والأنثى جذعة، وهي التي تؤخذ في الصدقة إذا جاوزت الإبل ستين، ثم ليس شئ في الصدقة سن من الأسنان من الإبل فوق الجذعة. فلا يزال كذلك حتى تمضي الخامسة، فإذا مضت الخامسة ودخلت [ السنة - ] السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني والأنثى * ثنى ثنية، وهو أدنى ما يجوز من أسنان الإبل في النحر، هذا من الإبل والبقر والمعز، لا يجزئ منها في الأضاحي إلا الثني فصاعدا، وأما الضأن خاصة فإنه يجزئ منها الجذع لحديث النبي عليه السلام في ذلك. وأما الديات فإنه يدخل فيها بنات المخاض وبنات اللبون والحقاق والجذاع. هذا في الخطأ فأما في شبه العمد فإنها حقاق وجذاع. وما بين ثنية إلى بازل
[ 73 ]
عامها كلها خلفة والخلفة: الحامل، وتفسير ذلك أن الرجل إذا قتل الرجل خطأ وهو أن يتعمد غيره فيصيبه فتكون الدية على العاقلة أرباعا: خمسا وعشرين بنت مخاض، وخمسا وعشرين بنت لبون، وخمسا وعشرين حقة، وخمسا وعشرين جذعة وبعض الفقهاء يجعلها أخماسا: عشرين بنت مخاض، وعشرين بنت لبون، وعشرين ابن لبون ذكرا، وعشرين حقة، وعشرين جذعة. فهذا الخطأ وأما شبه العمد فأن يتعمد الرجل الرجل بالشئ لا يقتل مثله فيموت منه ففيه الدية مغلظة أثلاثا: ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة والأنثى ثنية. ثم لا يزال الثني من الإبل ثنيا حتى تمضي السادسة، فإذا مضت ودخل في السابعة فهو حينئذ رباع والأنثى رباعية. فلا يزال كذلك حتى تمضي السابعة، فإذا مضت ودخل في الثامنة [ و - ] ألقى السن التي بعد الرباعية فهو حينئذ سديس وسدس - لغتان. وكذلك الأنثى، لفظهما في هذا السن واحد. فلا يزال كذلك حتى تمضي الثامنة، فإذا مضت الثامنة ودخل في التاسعة [ و ] فطر نابه وطلع فهو حينئذ بازل، وكذلك الأنثى بازل بلفظه. فلا يزال بازلا حتى تمضي التاسعة
[ 74 ]
فإذا مضت ودخل [ في - ] العاشرة فهو حينئذ مخلف. ثم ليس له * 79 / الف اسم بعد الإخلاف ولكن يقال له: بازل عام وبازل عامين، / ومخلف عام ومخلف عامين - إلى ما زاد على ذلك فإذا كبر فهو عود والأنثى عودة. فإذا هرم فهو قحر. وأما الأنثى فهي الناب والشارف ومنه الحديث في الصدقة: خذ الشارف والبكر. وفي أسنان الإبل أشياء كثيرة وإنما كتبنا منها ما جاء في الحديث [ خاصة - ]. * شجج * * حرص * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في الموضحة [ ما جاء عن غيره في الشجاج - ]. قال الأصمعي وغيره في الشجاج دخل كلام بعضهم في بعض: أول الشجاج الحارصة، وهي التي تحرص الجلد - يعني التي تشقه قليلا ومنه قيل: حرص القصار الثوب - إذا شقه، وقد يقال لها الحرصة أيضا
[ 75 ]
* بضع * * لحم * * سمحق * * لطا * قال أبو عبيد: وسمعت إسحاق الأزرق يحدث عن عوف قال شهدت فلانا قد سماه إسحاق _ يعني بعض قضاة أهل البصرة قضى في حرصتين بكذا وكذا. ثم الباضعة وهي التي تشق اللحم تبضعه بعد الجلد. ثم المتلاحمة، وهى التى أخذ ت في اللحم ولم تبلغ السمحاق والسمحاق جلده رقيقة أو قشرة رقيقة بين اللحم والعظم، قال الأصمعي: وكل قشرة رقيقة [ أو جلدة رقيقة - ] فهي سمحاق، فإذا بلغت الشجة تلك القشرة الرقيقة حتى لا يبقى بين العظم واللحم غيرها فتلك الشجة هي السمحاق [ و - ] قال الواقدي: هي [ عندنا - ] الملطا - غير ممدود، وقال غيره:
[ 76 ]
هي الملطاة * وضح * * هشم * * نقل * * أمم * قال [ أبو عبيد - ]: وهي التي جاء فيها الحديث يقضي في الملطا بدمها. ثم الموضحة وهي التي تكشط عنها ذلك القشر أو تشق عنها حتى يبدو وضح العظم فتلك الموضحة، وليس في شئ من الشجاج قصاص إلا في الموضحة خاصة لأنه ليس منها شئ له حد معلوم ينتهي إليه سواها، وأما غيرها من الشجاج ففيها ديتها. ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم. ثم المنقلة وهي التي تنقل منها فراش العظام. ثم الآمة، و [ قد - ] يقال لها: المأمومة، وهي [ التي - ] تبلغ أم الرأس - يعني الدماغ. قال أبو عبيد: يقال في قوله: يقضى في الملطا بدمها، [ يعني أنه - ]
[ 77 ]
إذا شج الشاج حكم عليه للمشجوج بمبلغ الشجة ساعة شج ولا يستأنى بها [ قال - ]: وسائر الشجاج يستأنى بها حتى ينظر إلى ما يصير أمرها ثم يحكم فيها حينئذ قال أبو عبيد: والأمر عندنا في الشجاج كلها والجراحات كلها أنه يستأنى بها وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: ما دون الموضحة خدوش فيها صلح. * دمى * * دفع * * كبر * قال أبو عبيد: ومن الشجاج أيضا عن غير هؤلاء [ الذين سمينا - ] الدامية وهي التي تدمي من غير أن يسيل منها دم، ومنها الدامغة وهي التي يسيل منها دم. * همز * * موت * * نفث * * شعر * * نفخ * [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام أنه كان إذا استفتح القراءة في الصلاة قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه قيل: يا رسول الله ما همزه ونفثه ونفخه قال: أما همزه فالموتة، وأما نفثه فالشعر، وأما نفخه فالكبر. فهذا تفسير من النبي عليه السلام، ولتفسيره عليه السلام
[ 78 ]
تفسير [ أيضا - ] فالموتة الجنون، وإنما سماه همزا لأنه جعله من النخس والغمز، وكل شئ دفعته فقد همزته. وأما الشعر فإنه إنما سماه نفثا لأنه كالشئ ينفثه الإنسان من فيه مثل الرقية ونحوها. وليس معناه إلا الشعر الذي كان المشركون يقولونه في النبي عليه السلام وأصحابه، لأنه قد رويت عنه رخصة في الشعر من غير الشعر الذي قيل فيه وفي أصحابه. وأما الكبر فإنما سمي نفخا لما يوسوس إليه الشيطان في نفسه فيعظمها عنده ويحقر الناس في عينه حتى يدخله لذلك الكبر والتجبر والزهو. * قرن * وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام أنه قال لعلي عليه السلام: إن لك بيتا في الجنة وإنك لذو قرنيها. قال أبو عبيد: قد كان بعض أهل العلم يتأول هذا الحديث أنه ذو قرني الجنة - يريد طرفيها، وإنما يأول ذلك لذكره الجنة في أول الحديث،
[ 79 ]
وأما أنا فلا أحسبه أراد ذلك - والله أعلم، ولكنه أراد إنك ذو قرني هذه الأمة، فأضمر الأمة [ وإن كان لم يذكرها - ]. وهذا سائر كثير في القرآن وفي كلام العرب وأشعارها أن يكنوا عن الاسم، من ذلك قول الله تعالى " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " / وفي موضع آخر " ما ترك عليها [ من دابة ] " * 79 / ب فمعناه عند الناس الأرض و [ هو - ] لم يذكرها، وكذلك قوله تعالى " [ إني أحببت حب الخير عن ذكر ربى ] حتى توارت بالحجاب " يفسرون أنه أراد الشمس فأضمرها، وقد يقول القائل: ما بها أعلم من فلان - يعني القرية والمدينة والبلدة ونحو ذلك
[ 80 ]
وقال حاتم طئ: [ الطويل ] أماوي ما يغني الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر * أراد النفس فأضمرها. وإنما اخترت هذا التفسير على الأول لحديث عن علي نفسه هو عندي مفسر له ولنا وذلك أنه ذكر ذا القرنين فقال: دعا قومه إلى عبادة الله فضربوه على قرنيه ضربتين وفيكم مثله. فنرى أنه أراد بقوله هذا نفسه - يعني أني أدعو إلى الحق حتى أضرب على رأسي ضربتين يكون فيها قتلي. * نزه * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه كان يصلي من الليل فإذا مر بآية فيها ذكر الجنة سأل، وإذا مر بآية فيا ذكر النار
[ 81 ]
تعوذ، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح. قوله: تنزيه - يعني ما ينزه عنه تبارك وتعالى اسمه من أن يكون له شريك أو ولد وما أشبه ذلك وأصل التنزيه البعد مما فيه الأدناس والقرب إلى ما فيه الطهارة والبراءة ومنه قول عمر رضي الله عنه حين كتب إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: إن الأردن أرض غمقة وأن الجابية أرض نزهة فاظهر بمن معك من المسلمين إليها. قال أبو عبيد: وإنما أراد بالغمقة ذات الندا والوباء، وأراد بالنزهة البعد من ذلك ثم كثر استعمال الناس النزهة في كلامهم حتى جعلوها في البساتين والخضر، ومعناه راجع إلى ذلك الأصل. * سهه * * سته * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أن العين وكاء السه، فإذا نام أحدكم فليتوضأ. وفي حديث آخر: إذا نامت العينان استطلق الوكاء.
[ 82 ]
قوله: السه، [ يعني - ] حلقة الدبر والوكاء أصله [ هو - ] الخيط أو السير الذي يشد به رأس القربة فجعل اليقظة للعين مثل الوكاء للقربة، يقول: فإذا نامت العين استرخى ذلك الوكاء فكان منه الحدث وقال الشاعر في السه: [ الطويل ] شأتك قعين غثها وسمينها * وأنت السه السفلى إذا دعيت نصر * وقال آخر: [ الرجز ] أدع فعيلا باسمها لا تنسه * إن فعيلا هي صئبان السه * صرى * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: إن آخر من يدخل الجنة لرجل يمشي على الصراط فينكب مرة ويمشي مرة وتسفعه النار مرة،
[ 83 ]
فإذا جاوز الصراط ترفع له شجرة فيقول: يا رب أدنني من هذه [ الشجرة - ] أستظل بها، ثم ترفع له أخرى فيقول مثل ذلك، ثم يسأله الجنة، فيقول الله جل ثناؤه: ما يصريك مني أي عبدي أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها قوله: يصريك، يقطع مسألتك مني وكل شئ قطعته ومنعته فقد صريته [ و - ] قال الشاعر [ هو ذو الرمة - ]: [ الطويل ] [ فودعن مشتاقا أصبن فؤاده - ] * هواهن إن لم يصره الله قاتله يقول: إن لم يقطع الله هواه لهن ويمنعه الله من ذلك قتله.
[ 84 ]
* خلل * * كوم * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: إن مصدقا أتاه بفصيل مخلول في الصدقة فقال النبي عليه السلام: انظروا إلى فلان أتانا بفصيل مخلول، فبلغه فأتاه بناقة كوماء. قوله: مخلول، هو الهزيل الذي قد خل جسمه، وأظن أن أصل هذا أنهم ربما خلوا لسان الفصيل لكيلا يرضع من أمه متى [ ما - ] شاء حتى يطلقوا عنه الخلال فيرضع حينئذ ثم يفعلون به مثل ذلك أيضا فيصير مهزولا لهذا. وأما الكوماء، فإنها الناقة العظيمة السنام. * قضأ * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في الملاعنة [ قال - ]:
[ 85 ]
إن جاءت به سبطا قضئ العين كذا وكذا فهو لهلال بن أمية. فالقضئ العين / هو الفاسدها. ومنه قوله: قد قضئ الثوب * 80 / الف ويقضأ - مهموز، وذلك إذا تفزز وتقشى، قال الأحمر: يقال للقربة إذا تشققت وبليت: إنها قضئة ويقال للثوب: تقشى - بالشين - إذا تهافت. * تنم * * أيض * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام حين انكسفت الشمس على عهده وذلك حين ارتفعت قيد رمحين أو ثلاثة اسودت حتى آضت كأنها تنومة - فذكر حديثا طويلا في صلاة النبي عليه السلام يومئذ وخطبته. فالتنومة من نبات الأرض فيه سواد وفي ثمره 13، وهو مما يأكله
[ 86 ]
النعام، وجمعها: تنوم ومنه قول زهير يذكر الظليم فقال: [ الوافر ] أصك مصلم الأذنين أجنى * له بالسي تنوم وآء وقوله: أجنى - أي صار له حنى ويروى: أجأى وهو من الجؤوة في لونه والشى الأرض والتنوم والآء: ضربان من النبات. وقوله: آضت - أي صارت قال زهير يذكر أرضا قطعها فقال: [ الطويل ] قطعت إذا ما الآل آض كأنه * سيوف تنحى تارة ثم تلتقي
[ 87 ]
* ركس * * ربع * * ألب * وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام حين أتاه عدي ابن حاتم قبل إسلامه فعرض عليه الإسلام فقال له عدي: إني من دين، فقال له النبي عليه السلام: إنك تأكل المرباع وهو لا يحل [ لك - ] في دينك وقال له النبي عليه السلام: إنك من أهل دين يقال لهم الركوسية. فيروى تفسير الركوسية عن ابن سيرين أنه قال: هو دين بين النصارى والصابئين. قوله: من دين - يريد من أهل دين. وأما [ قوله - ]: المرباع، فإنه كل شئ يخص به الرئيس في مغازيهم يأخذ ربع الغنيمة خالصا له. وكذلك يروى في حديث آخر عن عدي بن حاتم [ أنه - ] قال: ربعت في الجاهلية وخمست في
[ 88 ]
الإسلام وقد كان للرئيس مع المرباع أشياء سوى هذا قال الشماخ يمدح رجلا: [ الوافر ] لك المرباع منها والصفايا * وحكمك والنشيطة والفضول * فالمرباع ما وصفنا والصفايا واحدا صفي، وهو ما يصطفيه لنفسه - أي يختار لنفسه من الغنيمة أيضا قبل القسم، وحكمه ما احتكم فيها من شئ كان له والنشيطة: ما مروا به في غزاتهم على طريقهم سوى المغار الذي قصدوا له والفضول: ما فضل عن القسم فلم يمكنهم أن يبعضوه صار له أيضا فكل هذه كانت لرؤساء الجيوش من الغنائم. وفي الحديث: إن الناس كانوا علينا ألبا واحدا. فالألب أن يكونوا مجتمعين
[ 89 ]
على عداوتهم، يقال: بنو فلان ألب على بني فلان - إذا كانوا يدا واحدة عليهم بالعداوة ويقال: تألب القوم قال الشاعر: [ البسيط ] والناس ألب علينا فيك ليس لنا * إلا السيوف وأطراف القنا وزر * * بسس * وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام أنه قال: يخرج قوم من المدينة إلى اليمن والشام [ والعراق - ] يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. قوله: يبسون، هو أن يقال في زجر الدابة: بس بس أو بس وبس، [ وأكثر ما يقال بالفتح - ]، وهو صوت الزجر [ للسوق - ]، إذا سقت حمارا أو غيره، وهو [ من - ] كلام أهل اليمن وفيه لغتان:
[ 90 ]
بسست وأبسست، فيكون على هذا القياس يبسون ويبسون. * طلم * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه مر برجل يعالج طلمة لأصحابه في سفر وقد عرق وآذاه وهج النار، فقال النبي عليه السلام: لا يصيبه حر جهنم أبدا. قوله: الطلمة - يعني الخبزة، وهي التي تسميها الناس الملة، وإنما
[ 91 ]
الملة اسم الحفرة نفسها فأما التي يمل فيها فهي الطلمة والخبزة والمليل. وأكثر من يتكلم / بهذه الكلمة أهل الشام والثغور وهي مبتذلة عندهم * 80 / الف والذي يراد من هذا الحديث أنه حمد الرجل على أن خدم أصحابه في السفر - يعني أنه خبز لهم. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث النبي عليه السلام أنه قال في مرضه الذي مات فيه: أجلسوني في مخضب فاغسلوني. * خضب * * قال أبو عبيد: المخضب هو مثل الإجانة التي يغسل فيها الثياب ركن ونحوها، وقد يقال له المركن أيضا، ومنه حديث حمنة بنت جحش
[ 92 ]
أنها كانت تجلس في مركن لأختها زينب وهي مستحاضة حتى تعلو صفرة الدم الماء. * فرع * * وله * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه سئل عن الفرع فقال: حق، وأن تتركه حتى يكون ابن مخاض أو ابن لبون زخزبا خير من أن تكفأ إناءك وتوله ناقتك وتذبحه يلصق لحمه بوبره. قوله: الفرع، هو أول شئ تنتجه الناقة، فكانوا يجعلونه لله، فقال النبي عليه السلام: هو حق، ولكنهم كانوا يذبحونه حين يولد
[ 93 ]
فكره ذلك، وقال: دعه حتى يكون ابن مخاض أو ابن لبون فيصير له طعم قال أوس بن حجر: [ المنسرح ] وشبه الهيدب العبام من ال * أقوام سقبا مجللا فرعا * والزخرب: هو الذي قد غلظ جسمه واشتد لحمه. وقوله: خير من أن تكفأ إناءك، يقول: إنك إذا ذبحته حين تضعه أمه بقيت الأم بلا ولد ترضعه فانقطع لذلك لبنها، يقول: فإذا فعلت ذلك فقد كفأت إناءك وهرقته، وإنما ذكر الإناء ههنا لذهاب اللبن، ومن هذا المعنى قول الأعشى يمدح رجلا: [ الخفيف ] رب رفد هرقته ذلك اليو * م وأسرى من معشر أقتال * فالرفد: هو الإناء الضخم، فأراد بقوله: هرقته ذلك اليوم، [ إنك - ]
[ 94 ]
استقت الإبل فتركت أهلها ذاهبة ألبانهم فارغة آنيتهم منها. وأما قوله: توله ناقتك، فهو ذبحك ولدها، وكل أنثى فقدت ولدها فهي واله ومنه الحديث الآخر في السبي أنه نهى أن توله والدة عن ولدها، يقول: لا يفرق بينهما في البيع. وإنما جاء هذا النهي من النبي عليه السلام في الفرع أنهم كانوا يذبحون ولد الناقة أول ما تضعه وهو بمنزلة الغراء، ألا تسمع قوله: يختلط أو يلصق لحمه بوبره ففيه ثلاث خصال من الكراهة: إحداهن أنه لا ينتفع بلحمه، والثانية أنه إذا ذهب ولدها ارتفع لبنها، والثالثة أنه يكون قد فجعها به فيكون آثما فقال النبي عليه السلام: دعه حتى يكون ابن مخاض، وهو ابن سنة أو ابن لبون وهو ابن سنتين، ثم اذبحه حينئذ فقد طاب لحمه واستمتعت بلبن أمه سنة ولا يشق عليها مفارقته لأنه قد استغنى عنها وكبر. * دمى * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام حين قال لسعد يوم
[ 95 ]
أحد: إرم فداك أبي وأمي قال سعد: فرميت رجلا بسهم فقتلته ثم رميت بذلك السهم فأخذته أعرفه حتى فعلت ذلك وفعلوه [ ثلاث - ] مرات، فقلت: هذا سهم مبارك مدمى فجعلته في كنانتي وكان عنده حتى مات رحمه الله. ويروى تفسير هذا الحرف في الحديث نفسه قال: المدمى هو الذي يرمي به الرجل العدو ثم يرميه العدو بذلك السهم بعينه. ولم أسمع هذا التفسير إلا في هذا الحديث و [ أما - ] المدمى في الكلام هو من الألوان التي فيها سواد وحمرة.
[ 96 ]
* ربد * وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام [ قال - ] اللهم اسقنا فقام أبو لبابة فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره أو بردائه، قال: فمطرنا حتى قام أبو لبابة ونزع إزاره فجعل يسد ثعلب مربده بإزاره. * 81 / الف * ثعلب * قال أبو عبيد: قوله: المربد هو الذي / يجعل فيه التمر عند الجذاذ قبل أن يدخل إلى المدينة ويصير في الأوعية. وثعلبه هو جحره الذي يسيل منه ماء المطر - أي أصاب التمر
[ 97 ]
وهو هناك. المربد الذي يسميه أهل المدينة الجرين، وأهل الشام الأندر، وأهل العراق البيدر، وأهل البصرة الجوخان. * صرر * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: لا صرورة في الإسلام. الصرورة في هذا الحديث هو التبتل وترك النكاح، يقول: ليس ينبغي لأحد أن يقول: لا أتزوج، [ يقول - ]: هذا ليس من أخلاق المسلمين وهو مشهور في كلام العرب قال النابغة الذبياني: [ الكامل ] لو أنها عرضت لأشمط راهب * عبد الإله صرورة متعبد لرنا لبهجتها وحسن حديثها * ولخاله رشدا وإن لم يرشد
[ 98 ]
يرشد ويرشد - يعني الراهب التارك للنكاح، يقول: لو نظر إلى هذه المرأة افتتن بها. والذي تعرفه العامة من الصرورة أنه إذا لم يحج قط، وقد علمنا أن ذلك [ إنما - ] يسمى بهذا الاسم إلا أنه ليس واحد منهما يدافع الآخر، والأول أحسنهما وأعرفهما وأعربهما. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في حريسة الجبل أنه لا قطع فيها. * حرس * قال أبو عبيد: فالحريسة تفسر تفسيرين: فبعضهم يجعلها السرقة نفسها يقال: حرست أحرس حرسا - إذا سرق، فيكون المعنى أنه ليس فيما يسرق من الماشية بالحبل قطع حتى يؤويها المراح.
[ 99 ]
والتفسير الآخر أن يكون الحريسة هي المحروسة، فيقول: ليس فيما يحرس في الجبل قطع، لأنه ليس بموضع حرز وإن حرس. * خضر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث النبي عليه السلام أنه قال: إياكم وخضراء الدمن قيل: وما ذاك يا رسول الله قال: المرأة الحسناء في منبت السوء. قال أبو عبيد: أراه أراد فساد النسب إذا خيف أن تكون لغير رشدة، وهذا مثل حديثه الآخر: تخيروا لنطفكم. وإنما جعلها خضراء الدمن تشبيها بالشجرة الناضرة في دمنة البعر، وأصل الدمن ما تدمنه الإبل والغنم من أبعارها وأبوالها، فربما نبت فيها النبات الحسن، وأصله في دمنة، يقول: فمنظرها حسن أنيق ومنبتها فاسد قال زفر بن الحارث
[ 100 ]
الكلابي: [ الطويل ] فقد ينبت المرعى على دمن الثرى * وتبقى حزازات النفوس كما هيا ضربه مثلا للرجل يظهر مودته وقلبه يغل بالعداوة. * سوأ * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أن رجلا قص عليه رؤيا فقال: فاستاء لها ثم قال: خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء. قوله: استاء لها، إنما هو من المساءة [ أي أن الرؤيا ساءته فاستاء لها - ]، إنما هو افتعل منها، كما تقول من الهم: اهتم لذلك، ومن الغم اغتم [ لذلك - ] وكذلك [ تقول - ] من المساءة استاء [ لها - ].
[ 101 ]
قال أبو عبيد: إنما نرى مساءته كانت لما ذكر مما يكون من الملك بعد الخلافة [ قال أبو عبيد - ] وبعضهم يرويه: فاستآلها، فمن رواه هذه الرواية فمعناها التأول، وإنما هو استفعل من ذلك، وهو وجه حسن غير مدفوع. * عصم * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث النبي عليه السلام في المختالات المتبرجات: لا يدخلن الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم.
[ 102 ]
قال [ أبو عبيد - ]: [ الغراب - ] الأعصم هو الأبيض اليدين ولهذا قيل للوعول: عصم، والأنثى منهن عصماء، والذكر أعصم، وإنما هو لبياض في أيديها فوصف قلة من يدخل الجنة منهن قال أبو عبيدة: وهذا الوصف في الغربان عزيز لا يكاد يوجد، إنما أرجلها حمر وأما هذا الأبيض البطن والظهر فإنما هو الأبقع، وذلك كثير * 81 / ب وليس هو / الذي ذكر في الحديث [ قال أبو عبيد - ]: فنرى أن مذهب الحديث أن من يدخل الجنة من النساء قليل كقلة الغربان العصم عند الغربان السود والبقع.
[ 103 ]
* ولى * وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام أنه نهى أن تفرش الولايا التي تفضي إلى ظهور الدواب. الولية: البرذعة، ونراه أنه نهى عن ذلك - والله أعلم - لأنها إذا افترشها الناس صار فيها دواب الأجساد من القمل وغير ذلك، فإذا
[ 104 ]
وضعت على ظهور الدواب كان فيها أذى عليها وضرر. * قعد * * رحا * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين سأل عن سحائب مرت فقال: كيف ترون قواعدها وبواسقها ورحاها، أجون أم غير ذلك ثم سأل عن البرق فقال: أخفوا أم وميضا أم يشق شقا فقالوا: يشق شقا، فقال رسول الله عليه السلام: جاءكم الحيا. * بسق * * خفا * * ومض * * شقق * * جون * أبو عبيد: القواعد هي أصولها المعترضة في آفاق السماء، وأحسبها مشبهة بقواعد البيت وهي حيطانه، والواحدة منها: قاعدة قال الله [ تبارك و - ] تعالى: " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ". وأما البواسق، ففروعها المستطيلة إلى وسط السماء وإلى الأفق الآخر، وكذلك كل طويل فهو باسق قال الله [ تبارك و - ] تعالى
[ 105 ]
" والنخل باسقات [ لها طلع نضيد ] ". والخفو هو الاعتراض من البرق في نواحي الغيم، وفيه لغتان، يقال: خفا البرق يخفو خفوا ويخفى خفيا. والوميض أن يلمع قليلا ثم يسكن وليس له اعتراض قال امرؤ القيس: [ الطويل ] أصاح ترى برقا أريك وميضه * كلمع اليدين في حبي مكلل وأما الذي يشق شقا، فاستطالته في الجو إلى وسط السماء من غير أن يأخذ يمينا ولا شمالا. وأما قوله: أجون أم غير ذلك، فإن الجون هو الأسود اليحمومي وجمعه جون.
[ 106 ]
وأما قوله: كيف ترون رحاها، فإن رحاها استدارة السحابة في السماء، ولهذا قيل: رحا الحرب، وهو الموضع الذي يستدار فيه لها. * طفف * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: كلكم بنو آدم طف الصاع لم تملئوه، ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، ولا تسابوا فإن السبة أن يكون الرجل فاحشا بذيا جبانا. قال أبو عبيد: الطف هو أن يقرب الإناء من الامتلاء من غير أن يمتلئ، يقال: هو طف المكيال وطفافه - إذا كرب أن يملأه، ومنه التطفيف في الكيل إنما هو نقصانه - أي أنه لم يملأ إلى شفته إنما هو دون ذلك وقال الكسائي [ يقال منه - ]: إناء طفان - إذا فعل ذلك به في الكيل.
[ 107 ]
وقال [ أبو عبيد - ] في حديثه عليه السلام حين أتى عبد الله ابن رواحة أو غيره من أصحابه يعوده فما تحوز له عن فراشه. * حوز * قال أبو عبيد: قوله: تحوز، هو التنحي، وفيه لغتان: التحوز والتحيز، قال الله [ تبارك و - ] تعالى " أو متحيزا إلى فئة - " فالتحوز التفعل، والتحيز التفيعل قال القطامي يذكر عجوزا استضافها فجعلت تروغ عنه فقال: [ الطويل ] تحوز عني خشية أن أضيفها * كما انحازت الأفعى مخافة ضارب
[ 108 ]
وإنما أراد من هذا الحديث أنه لم يقم ولم يتنح له عن صدر فراشه، لأن السنة أن الرجل أحق بصدر فراشه وصدر دابته. * رقب * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث النبي عليه السلام في قوله: ما تعدون الرقوب فيكم قالوا: الذي لا يبقى له ولد، فقال: بل الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا. [ قال أبو عبيد - ]: وكذلك معناه في كلامهم إنما هو على فقد الأولاد: قال الشاعر [ الطويل ] فلم ير خلق قبلنا مثل أمنا * ولا كأبينا عاش وهو رقوب * وقال صخر الغي: [ الوافر ]
[ 109 ]
فما إن وجد مقلات رقوب * بواحدها إذا يغزو تضيف * 82 / الف * حرب * قال أبو عبيد: فكان مذهبه عندهم [ على - ] مصائب الدنيا فجعلها النبي عليه السلام على فقدهم في الآخرة وليس هذا بخلاف ذاك في المعنى، ولكنه تحويل الموضع إلى غيره. وهذا نحو الحديث الآخر: إن المحروب من حرب دينه ليس هذا أن يكون من سلب ماله ليس بمحروب، إنما هو على تغليظ الشأن به، يقول: إنما الحرب الأعظم أن يكون في الدين وإن كان ذهاب المال قد يكون حربا، ومنه قول أبي دواد الإيادي: [ الخفيف ] لا أعد الإقتار عدما ولكن * فقد من قد رزيته الإعدام لم يرد أن احتياج المال ليس بعدم، ولكنه أراد أن هذا الفقد الآخر أجل منه ومما يقوي مذهب قوله في الرقوب قول الله تعالى " لهم قلوب
[ 110 ]
لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها - " ألا ترى أنهم قد يعقلون أمر الدنيا ويبصرون بها ويسمعون إلا أن معناه في التفسير أمر الآخرة. * ضأضأ * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في قوله للرجل الذي قال له وهو يقسم الغنائم: إنك لم تعدل في القسم منذ اليوم، فقال النبي عليه السلام: ويحك فمن يعدل عليك بعدي ثم قال صلى الله عليه وسلم: يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. قال أبو عبيد: الضئضئ هو أصل الشئ ومعدنه، قال الكميت:
[ 111 ]
[ المتقارب ] رأيتك في الضنء من ضئضئ * أحل الأكابر فيه الصغارا و [ قال أبو عبيد - ]: فيه لغة - بالفتح والكسر الضنء والضنء والضنء: النسل. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث النبي عليه السلام: ملعون من غير تخوم الأرض. * تخم * قال أبو عبيد: التخوم هي الحدود والمعالم، والمعنى في ذلك يقع في موضعين: الأول منهما أن يكون ذلك في تغيير حدود الحرم التي حدها
[ 112 ]
إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن عز وجل والمعنى الآخر أن يدخل الرجل في ملك غيره من الأرض فيحوزه ظلما وعدوانا. ومنه الحديث الآخر: من سرق من الأرض شبرا طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين. قال أبو عبيد: وأما قوله: التخوم، فإن فيه قولين، فأما أصحاب العربية فقالوا: هي التخوم - مفتوحة التاء، ويجعلونها واحدة وأما أهل الشام فيقولون: التخوم - بضم التاء يجعلونها جمعا، والواحد منها في قولهم: تخم [ و - ] قال الشاعر: [ الخفيف ] يا بني التخوم لا تظلموها * إن ظلم التخوم ذو عقال 13
[ 113 ]
وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه رأى امرأة تطوف بالبيت عليها مناجد من ذهب فقال: أيسرك أن يحليك الله مناجد من نار قالت: لا، قال: فأدي زكاتها. * نجد * قال أبو عبيد: أراه أراد الحلي المكلل بالفصوص وأصله من النجود، وكل شئ زخرفته بشئ فقد نجدته. ومنه تنجيد البيوت بالثياب إنما هو تزيينها بها، ولهذا سمي عامل ذلك الشئ نجادا قال ذو الرمة
[ 114 ]
يصف الرياض يشبهها بنجود البيت: [ البسيط ] حتى كأن رياض القف ألبسها * من وشى عبقر تجليل وتنجيد وفي هذا الحديث من الفقه أنه لم يكره لها أن تطوف بالبيت وهي لابسة الحلي، ألا تراه لم ينهها عنه * بها * * بها * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه سمع رجلا حين فتحت جزيرة العرب - أو قال: فتحت مكة - يقول: أبهوا الخيل فقد وضعت الحرب أوزارها فقال رسول الله عليه السلام: لا تزالون * 82 / ب تقاتلون الكفار حتى يقاتل بقيتكم الدجال. قال أبو عبيد: قوله: أبهوا الخيل، يقول: عطلوها من الغزو، وكل إناء فرغته فقد أبهيته، ومنه قيل للبيت الخالي: باه، ولهذا قيل في أمثالهم: إن المعزى تبهى ولا تبنى وذلك أنها تصعد على الأخبية فتخرقها
[ 115 ]
حتى لا يقدر على سكناها، وهي مع هذا لا تكون الخيام من أشعارها، إنما تكون من الصوف والوبر. * قبل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: قابلوا النعال. قال أبو عبيد: يعني أن يعمل عليها القبل، واحدها قبال، وهو مثل الزمام يكون في وسط الأصابع الأربع ومنه حديثه: إن نعله كان لها قبالان - يعني هذا الذي وصفناه من الزمام، ويقال: نعل مقابلة ومقبلة. وقد فسر بعضهم قوله: قابلوا النعال، أن يثني ذؤابة الشراك فيعطف رأسها إلى العقدة. والأول عندي هو التفسير.
[ 116 ]
* قدع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: يحمل الناس على الصراط يوم القيامة فتتقادع بهم جنبتا الصراط تقادع الفراش في النار. قال أبو عبيد: التقادع هو التتابع والتهافت في الشر، ويقال للقوم إذا مات بعضهم في إثر بعض: قد تقادعوا فالمعنى أنهم يتهافتون في النار - والله أعلم. * قيه * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أن رجلا من أهل اليمن قال له: يا رسول الله إنا أهل قاه، فإذا كان قاه أحدنا دعا من يعينه فعملوا له فأطعمهم وسقاهم من شراب يقال له المزر، فقال:
[ 117 ]
أله نشوة قال: نعم، قال: فلا تشربوه. قال: القاه سرعة الإجابة وحسن المعاونة - يعني أن بعضهم كان يعاون بعضا في أعمالهم، وأصله الطاعة ومنه قول رؤبة بن العجاج ويقال إنها لأبي النجم: [ الرجز ] تالله لولا النار أن نصلاها * أو يدعو الناس علينا الله * لما سمعنا لأمير قاها * فأخطرت سعد على قناها قال: يريد الطاعة. والنشوة: السكر. قال: ومنه قول المخبل: [ الطويل ] وسدوا نحور القوم حتى تنهنهوا * إلى ذي النهى واستيقهوا للمحلم أي أطاعوه، إلا أنه مقلوب، قدم الياء وكانت القاف قبلها، وهذا كقولهم: جبذ وجذب.
[ 118 ]
وقال [ أبو عبيد - ] في حديثه عليه السلام أنه سئل: أي الناس أفضل فقال: الصادق اللسان المخموم القلب، قالوا: هذا الصادق اللسان قد عرفناه فما المخموم القلب ب قال: هو النقي الذي لا غل فيه ولا حسد. * خمم * قال أبو عبيد: التفسير هو في الحديث، وكذلك هذا عند العرب، ولهذا قيل: خممت البيت - إذا كنسته ومنه سميت الخمامة، وهي مثل القمامة والكناسة. وقال [ أبو عبيد - ] في حديث النبي عليه السلام أن امرأة أتته فقالت: إني رأيت في المنام كأن جائز بيتي انكسر فقال: خير يرد الله عليك غائبك، فرجع زوجها ثم غاب، فرأت مثل ذلك فلم تجد
[ 119 ]
النبي عليه السلام ووجدت أبا بكر رضي الله عنه فأخبرته فقال: يموت زوجك، فذكرت ذلك للنبي عليه السلام، فقال: هل قصصتها على أحد قالت: نعم، قال: هو كما قيل لك. * جوز * قال أبو عبيد: الجائز في كلامهم الخشبة التي يوضع عليها أطراف الخشب، وهي التي تسمى بالفارسية: تير. * يهم * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه كان يتعوذ من الأيهمين. * 83 / الف قال أبو عبيد: يقال: إنهما السيل والحريق ويقال في / أحدهما إنه الجمل الصؤل الهائج، وإنما سمي أيهما لأنه ليس مما يستطاع دفعه ولا ينطق فيكلم أو يستعتب، ولهذا قيل للفلاة التي لا يهتدي فيها الطريق: يهماء
[ 120 ]
قال الأعشى: [ المتقارب ] ويهماء بالليل غطشى الفلا * ة يؤنسني صوت فيادها الفياد البوم الذكر. * فعط * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط. * لحى * قال أبو عبيد: أصل هذا في لبس العمائم، وذلك أن العمامة يقال لها المقعطة، فإذا لاثها المعتم على الرأس ولم يجعلها تحت حنكه قيل: اقتعطها، فهو المنهي عنه فإذا أدارها تحت الحنك قيل: تلحاها تلحيا، وهو المأمور به. وكان طاؤس يقول: تلك عمة الشيطان -
[ 121 ]
يعني الأولى قال الشاعر: [ الطويل ] إذا الناس هابوا أسوة عمرت لها * طهية مقعوط عليها العمائم وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قضى أن لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة ولا ركح ولا رهو. * نقب * * ركح * * رها * قال أبو عبيد: قوله: المنقبة هي الطريق الضيق يكون بين الدارين لا يمكن أن يسلكه أحد. والركح: ناحية البيت من ورائه، وربما كان فضاء لا بناء فيه.
[ 122 ]
والرهو: الجوبة تكون في محلة القوم يسيل فيها ماء المطر أو غيره ومنه الحديث الآخر أنه قال: لا يباع نقع البئر ولا رهو الماء. فمعنى الحديث في الشفعة أن من كان شريكا في هذه المواضع الخمسة وليس بشريك في الدار نفسها فإنه لا يستحق بشئ منها شفعة، وهذا قول أهل المدينة أنهم لا يقضون بالشفعة إلا للشريك المخالط فأما أهل العراق فإنهم يرونها لكل جار ملاصق وإن لم يكن شريكا. قال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: لا تمككوا على غرمائكم - أو قال: لا تتمككوا غرماءكم.
[ 123 ]
* مكك * قال أبو عبيد: التمكك الاستقصاء والإلحاح في الاقتضاء واستيفاء الحق حتى لا يدع منه شيئا وأصل هذا في الرضاع، يقال [ منه - ]: امتك الفصيل لبن أمه - إذا استنفد ما في الثدي فلم يبق منه شيئا، وكذلك تمككها. * قشر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه لعن القاشرة والمقشورة. قال أبو عبيد: نراه أراد هذه الغمرة التي تعالج بها النساء وجوههن حتى ينسحق أعلى الجلد و [ يبدو - ] ما تحته من البشرة وهذا شبيه بما جاء في النامصة والمنتمصة والواشمة والموتشمة، وقد فسرناه في غير هذا الموضع. * فرر * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام حين قال لعدي بن حاتم عند إسلامه: أما يفرك إلا أن يقال: لا إله إلا الله هكذا يقولها
[ 124 ]
بعض المحدثين وليس إعرابها كذلك، إنما هي: أما يفرك - بضم الياء وكسر الفاء، وهو من الفرار، يقال منه: قد أفررت فلانا إفرارا - إذا فعلت به فعلا يفر منه. * شبح * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه كان شبح الذراعين. قال أبو عبيد: الشبح العريض ومنه قيل: شبحت العود - إذا نجته وعرضته، آفهو شبح ومشبوح، وكل شخص فهو شبح. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين قال لسعد ابن معاذ عند حكمه في بني قريظة: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة
[ 125 ]
أرقعة. * رقع * [ قال أبو عبيد - ]: واحدها رقيع وهو اسم / سماء الدنيا، وكذلك * 83 / ب هو في غير هذا الحديث، وأحسبه جعلها أرقعة لأن كل واحدة منها هي رقيع للتي تحتها مثل [ منزلة - ] هذه التي تلينا [ منا - ]. * وعل * * تحت * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ويخون الأمين ويؤتمن الخائن وتهلك الوعول وتظهر التحوت، قالوا: يا رسول الله وما الوعول وما التحوت قال: الوعول وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم.
[ 126 ]
* ضحا * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث النبي عليه السلام أنه كتب لحارثة ابن قطن ومن بدومة الجندل من كلب: إن لنا الضاحية من البعل ولكم الضامنة من النخل لا تجمع سارحتكم ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات ولا يؤخذ منكم عشر البتات. * بعل * * ضمن * * سرح * * فرد * * بتت * أبو عبيد: قوله: الضاحية - يعني الظاهرة [ التي - ] في البر من النخل. والبعل: الذي يشرب بعروقه من غير سقي. والضامنة: ما تضمنها أمصارهم وقراهم [ من النخل - ]. وقوله: لا تجمع سارحتكم، يقول: لا يجمع بين متفرق ويقال فيه قول آخر: [ إنها - ] لا تجمع إلى المصدق عند المياه، ولكن يتبعها حيث كانت فيأخذ صدقتها. وقوله: [ و - ] لا تعد فاردتكم، يقول: لا تضم الشاة [ المنفردة - ]
[ 127 ]
إلى الشاة فيحتسب بها في الصدقة. [ وقوله - ]: ولا يؤخذ منكم عشر البتات - يعني المتاع، يقول: ليس عليه زكاة. * قصع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن قصع الرطبة. قال أبو عبيد: القصع هو أن تخرجها من قشرها يقال: قصعتها أقصعها قصعا. * جلب * * جنب * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام. قال: الجلب في شيئين: يكون في سباق الخيل وهو أن يتبع الرجل الرجل فرسه فيركض خلفه ويزجره ويجلب عليه، ففي ذلك معونة للفرس على الجري، فنهى عن ذلك. والوجه الآخر في الصدقة أن يقدم المصدق فينزل موضعا ثم يرسل إلى المياه فيجلب أغنام [ أهل - ] تلك المياه
[ 128 ]
عليه فيصدقها هناك فنهى عن ذلك، ولكن يقدم عليهم فيصدقهم على مياههم وبأفنيتهم. * شغر * قال أبو عبيد: وأما الجنب فأن يجنب الرجل خلف فرسه الذي سابق عليه فرسا عريا ليس عليه أحد، فإذا بلغ قريبا من الغاية ركب فرسه العري فسبق عليه، لأنه أقل إعياء وكلالا من الذي عليه الراكب. وأما الشغار فالرجل يزوج أخته أو ابنته على أن يزوجه الآخر [ أيضا - ] ابنته أو أخته ليس بينهما مهر غير هذا، وهي المشاغرة وكان أهل الجاهلية يفعلونه، يقول الرجل للرجل: شاغرني، فيفعلان
[ 129 ]
ذلك فنهى عنه. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: من أشاد على مسلم عورة يشينه بها [ بغير حق - ] شانه الله بها في النار يوم القيامة. * شيد * قال أبو عبيد: قوله: اشاد - يعني رفع ذكره ونوه به وشهره بالقبيح وكذلك كل شئ رفعته فقد أشدته ولا أرى البنيان المشيد إلا من هذا، يقال: أشدت البنيان، فهو مشاد، وشيدته فهو مشيد - إذا رفعته وأطلته. وأما البناء المشيد فمن قوله تعالى " وبئر معطلة وقصر مشيد " فإنه من غير المشيد. هذا هو الذي بني بالشيد [ وهو الجص - ].
[ 130 ]
* همم * وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه كان يعوذ الحسن * 84 / الف والحسين عليهم السلام: / أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة. * لمم * * حلل * قال أبو عبيد: الهامة - يعني الواحدة من هوام الأرض، وهي دوابها المؤذية. وقوله: لامة، ولم يقل: ملمة، وأصلها من ألممت إلماما فأنا ملم. يقال ذلك للشئ تأتيه وتلم به وقد يكون هذا من غير وجه، منها أن لا تريد طريق الفعل، ولكن تريد أنها ذات لمم فتقول على هذا المعنى: لامة [ كما - ] قال الشاعر: [ الطويل ]
[ 131 ]
كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب وإنما هو منصب فأراد [ به - ] ذا نصب ومنه قوله عز وجل " وأرسلنا الرياح لواقح - " واحدتها لاقح على معنى أنها ذات لقح، ولو كان هذا على معنى الفعل لقال: ملقح، لأنها تلقح السحاب والشجر وقد روي عن عمر رضي الله عنه في بعض الحديث: لا أوتى بحال ولا محل له إلا رجمتهما. فقال: حال إن كان محفوظا وهو من أحللت المرأة لزوجها وإنما الكلام أن يقال محل. * فحص * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: من بنى مسجدا
[ 132 ]
ولو مثل مفحص قطاة بني له بيت في الجنة. [ قال أبو عبيد - ]: قوله: مفحص قطاة - يعني موضعها الذي تجثم فيه وإنما سمي مفحصا لأنها لا تجثم حتى تفحص عنه التراب وتصير إلى موضع مطمئن مستو، ولهذا قيل: فحصت عن الأمور - إذا أكثرت المسألة عنها والنظر فيها حتى تصير منها إلى أن تنكشف لك [ إلى - ] ما تقنع به وتطمئن إليه منها. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قنت شهرا في صلاة الصبح بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان.
[ 133 ]
* قنت * قال أبو عبيد: قوله: قنت شهرا هو ههنا القيام قبل الركوع أو بعده في صلاة الفجر يدعو وأصل القنوت في أشياء: فمنها القيام، وبهذا جاءت الأحاديث في قنوت الصلاة، لأنه إنما يدعو قائما. ومن أبين ذلك الحديث الآخر أن النبي عليه السلام سئل: أي الصلاة أفضل قال: طول القنوت - يريد طول القيام. ومنه حديث ابن عمر أنه سئل عن القنوت فقال: ما أعرف القنوت إلا طول القيام ثم قرأ " أمن هو قانت آنآء الليل ساجدا وقائما - ". قال أبو عبيد: وقد يكون القنوت في حديث ابن عمر هذا الصلاة كلها، ألا تراه يقول: ساجدا وقائما ومما يشهد على هذا الحديث عن النبي عليه السلام قال: مثل المجاهد
[ 134 ]
في سبيل الله كمثل القانت الصائم. قال أبو عبيد: يريد بالقانت المصلي ولم يرد القيام دون الركوع والسجود. وقد يكون القنوت أن يكون ممسكا عن الكلام في صلاته. ومنه حديث زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا صاحبه إلى جنبه حتى نزلت هذه الآية " وقوموا لله قانتين " فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. والقنوت أيضا الطاعة لله تعالى في قول عكرمة في قوله تعالى " كل له قانتون ". قال: الطاعة. * دين * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه، هواها وتمنى على الله.
[ 135 ]
قوله: دان نفسه، الدين يدخل في أشياء، فقوله ههنا: دان نفسه، يقول: أذلها - أي استعبدها، يقال: دنت القوم أدينهم - إذا فعلت ذلك بهم قال الأعشى يمدح رجلا: [ الخفيف ] هو دان الرباب إذ كرهوا الدين * دراكا بغزوة وصيال ثم دانت بعد الرباب وكانت * كعذاب عقوبة الأقوال / فقال: هو دان الرباب - يعني أذلها، ثم قال: دانت بعد الرباب - أي ذلت * 84 / ب [ له - ] وأطاعته والدين لله تعالى من هذا إنما هو طاعته والتعبد له
[ 136 ]
والدين أيضا الحساب، قال الله [ تبارك و - ] تعالى في الشهور " منهآ أربعة حرم ذلك الدين القيم - " ولهذا قيل ليوم القيامة: يوم الدين، إنما هو يوم الحساب وأما قول القطامي: [ الكامل ] رمت المقاتل من فؤادك بعدما * كانت نوار تدينك الأديانا فهذا من الإذلال [ أيضا - ]. وقد يكون قوله: من دان نفسه - أي من حاسبها من الحساب. والدين أيضا الجزاء، من ذلك قولهم: كما تدين تدان، والدين الحال. قال لي أعرابي: لو رأيتني على دين غير هذه - أي حال غير هذه.
[ 137 ]
وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: مثل المؤمن والإيمان كمثل الفرس في أخيته يجول ثم يرجع إلى أخيته وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان. * أخا * قال أبو عبيد: قوله: في أخيته، الأخية العروة التي تشد بها الدابة وتكون في وتد أو سلة مثنية في الأرض. * عهد * وقال [ أبو عبيد - ] في حديثه عليه السلام أنه دخلت عليه عجوز فسأل بها فأحفى السؤال وقال: إنها كانت تأتينا في زمان خديجة وإن حسن العهد من الإيمان.
[ 138 ]
قال أبو عبيد: العهد في أشياء مختلفة، فمنها الحفاظ ورعاية الحرمة والحق، وهو هذا الذي في الحديث ومنها الوصية، وهو أن يوصي الرجل إلى غيره كقول سعيد حين خاصم عبد بن زمعة في ابن أمته فقال: ابن أخي عهد إلي فيه أخي - أي أوصى إلي فيه وقال الله [ تبارك و - ] تعالى " ألم أعهد إليكم يا بني آدم - " يعني الوصية والأمر ومن العهد أيضا الأمان، قال الله تعالى: " لا ينال عهدي الظالمين " وقال: " فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم - " ومن العهد أيضا اليمين يحلف بها الرجل، يقول: علي عهد الله ومن العهد أيضا أن تعهد الرجل على حال [ أو - ] في مكان، فيقول: عهدي به في مكان كذا وكذا وبحال كذا كذا، وعهدي به يفعل كذا وكذا وأما قول الناس: أخذت عليه عهد الله وميثاقه، فإن العهد ههنا اليمين - وقد ذكرناه.
[ 139 ]
وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أن النواس بن سمعان سأله عن البر والإثم، فقال: البر حسن الخلق والإثم ما حك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس. * حكك * قال أبو عبيد: قوله: ما حك في نفسك، يقال: ما حك في نفسي الشئ - إذا لم تكن منشرح الصدر به وكان في قلبك منه شئ. ومنه حديثه الآخر: الإثم ما حك في صدرك وإن أفتاك عنه الناس وأقنوك. ومنه حديث عبد الله: الإثم حراز القلوب - يعني ما حز في نفسك وحك فاجتنبه فإنه الإثم.
[ 140 ]
* عجج * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: الحج المبرور ليس له ثواب دون الجنة، قالوا: يا رسول الله وما بره قال: العج والثج. * ثجج * قال أبو عبيد: قوله: العج - يعني رفع الصوت بالتلبية ومنه الحديث الآخر أن جبريل عليه السلام أتى النبي عليه السلام فقال: مر أصحابك برفع الصوت بالتلبية فإنه من شعار الحج. يقال منه: عججت فأنا أعج عجا وعجيجا. وقوله: والثج - يعني نحر الإبل وغيرها، وأن يثجوا دماءها وهو السيلان ومنه قول الله عز وجل " وأنزلنا من المعصرات ماء
[ 141 ]
ثجاجا ". وكذلك حديثه الآخر حين سألته المستحاضة فقالت: إني أثجه ثجا - يعني سيلانه وكثرته. / وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه كان يقول: * 85 / الف اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي. * ولى * قال أبو عبيد: قوله: غنى مولاي، المولى عند كثير من الناس هو ابن العم خاصة ' وليس هو هكذا، ولكنه الولي فكل ولي للإنسان هو مولاه، مثل الأب والأخ وابن الأخ والعم وابن العم وما وراء ذلك من العصبة كلهم ومنه قوله تعالى: " وإني خفت الموالي من
[ 142 ]
ورائي - ". ومما يبين لك أن المولى كل ولي حديث النبي عليه السلام: أيما امرأة نكحت بغير أمر مولاها فنكاحها باطل أراد بالمولى الولي. [ و - ] قال الله عز وجل " يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا - ". فنراه إنما عنى ابن العم خاصة دون سائر أهل بيته. وقد يقال للحليف [ أيضا - ]: مولى قال النابغة الجعدي: [ الطويل ] موالي حلف لا موالي قرابة * ولكن قطينا يسألون الأتاويا والأتاوي جمع إتاوة وهي الخراج. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن نستقبل القبلة ببول أو غائط، فلما قدمنا الشام وجدنا مرافقهم قد استقبل بها القبلة فكنا ننحرف ونستغفر الله.
[ 143 ]
* رفق * * رحض * * ذهب * قال أبو عبيد: قوله: مرافقهم - يعني الكنف، واحدها مرفق ويروى أيضا: وجدنا مراحيضهم قد استقبل بها القبلة فهي تلك أيضا واحدها مرحاض. وهي المذاهب أيضا، واحدها مذهب. ومنه الحديث الذي يرويه [ عنه - ] المغيرة بن شعبة أنه كان معه في سفر، قال: فنزل فأبعد المذهب. وكل هذا كناية عن موضع الغائط. * كرس * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام الذي يرويه أبو أيوب قال: ما أدري ما أصنع بهذه الكراييس، وقد نهى رسول الله عليه السلام أن تستقبل القبلة ببول أو غائط. فالكراييس واحدها كرياس، وهو الكنيف الذي يكون مشرفا
[ 144 ]
على سطح بقناة إلى الأرض، فإذا كان أسفل فليس بكرياس. * بهش * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه كان يدلع لسانه للحسن بن علي عليهما السلام فإذا رأى الصبي حمرة اللسان بهش إليه. قوله: بهش إليه، يقال للإنسان إذا نظر إلى الشئ فأعجبه فاشتهاه فتناوله وأسرع إليه وفرح به: قد بهش إليه وقال المغيرة بن حبنأ التميمي يمدح رجلا: [ الطويل ] سبقت الرجال الباهشين إلى الندى * فعالا ومجدا والفعال سباق وقال [ أبو عبيد - في حديثه عليه السلام أنه قرأ عليه أبي فاتحة الكتاب فقال: والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في
[ 145 ]
الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، إنها السبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت. * ثنى * قال أبو عبيد: وجدت المثاني على ما جاء في الآثار، وتأويل القرآن في ثلاثة أوجه: فهي في أحدها القرآن كله، منها قول الله عز وجل " الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه - " فوقع المعنى على القرآن كله * فإنها * قال أبو عبيد: ويقال: إنما سمي المثاني لأن القصص والأنباء ثنيت فيه، ومنه [ هذا - ] الحديث أيضا. ألا تسمع إلى قوله: إنها السبع من المثاني يريد تأويل قوله تعالى: " [ ولقد - ] آتيناك سبعا من المثاني [ والقرآن العظيم ]. والمعنى - والله أعلم - أنها السبع الآيات من القرآن، وهي في العدد ست، وقال النبي عليه السلام: سبع، ويروى أن السابعة بسم الله الرحمن الرحيم تعد آية في فاتحة الكتاب
[ 146 ]
خاصة لا غير، يحقق ذلك حديث ابن عباس في قوله: " ولقد آتيناك سبعا من المثاني "، قال: هي فاتحة الكتاب. وقرأها علي ابن عباس وعد فيها بسم الله الرحمن الرحيم. قال أبو عبيد: فهذا أجود الوجوه من المثاني أنه القرآن كله وقال بعض الناس: بل فاتحة الكتاب هي السبع المثاني، واحتج بأنها تثنى في الصلاة في كل ركعة وفي وجه آخر أن * 85 / ب المثاني ما كان دون المئين وفوق / المفصل من السور، ومنه حديث علقمة حين قدم مكة فطاف بالبيت أسبوعا ثم صلى عند المقام ركعتين
[ 147 ]
فقرأ فيهما بالسبع الطول، ثم طاف أسبوعا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما [ بالمئين، ثم طاف أسبوعا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما - ] بالمثاني، ثم طاف أسبوعا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما بالمفصل. ومن ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما حين قال لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى سورة براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني فقرنتم بينهما ولم تجعلوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، فجعلتموها في السبع الطوال، فقال عثمان: إن رسول الله عليه السلام كان إذا أنزلت عليه السورة أو الآية يقول: اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبين لنا - أحسبه قال: أين نضعها وكانت قصتها شبيهة بقصتها فلذلك قرنت بينهما.
[ 148 ]
قال أبو عبيد: فالمثاني في هذين الحديثين تأويلهما فيما نقص عن المئين. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: بئسما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، ليس هو نسي ولكنه نسي، واستذكروا القرآن فلهو أشد تفضيا من صدور الرجال من النعم من عقلها.
[ 149 ]
* نسى * قال أبو عبيد: يقال: إن وجه هذا [ الحديث - ] إنما هو على التارك لتلاوة القرآن الجافي عنه، ومما يبين ذلك قوله: واستذكروا القرآن وفي حديث آخر: تعهدوا القرآن فليس يقال هذا إلا للتارك وكذلك حديث الضحاك بن مزاحم: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب يحدثه، لأن الله تبارك وتعالى يقول: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم - " وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب. [ قال أبو عبيد - ]: إنما هذا على الترك، فأما الذي هو دائب في تلاوته حريص على حفظه إلا أن النسيان يغلبه فليس من ذلك في شئ. ومما يحقق ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان ينسى الشئ
[ 150 ]
من القرآن حتى يذكره. ومن ذلك حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع قراءة رجل في المسجد فقال: ماله رحمه الله لقد أذكرني آيات كنت نسيتها من سورة كذا وكذا. * حرش * وقال [ أبو عبيد - ]: " في حديثه عليه السلام أن رجلا أتاه بضباب قد احترشها فقال: إن أمة مسخت فلا أدري لعل هذه منها. قال أبو عبيد: قوله: احترشها، هو أن يأتي جحر الضب فيدخل فيه عودا أو شيئا فيحركه حتى يسمع الضب فيظن أن حية تريد أن تدخل
[ 151 ]
عليه الجحر - والحية زعموا أنها تدخل عليه الجحر - فيستخرجه منه، قال: ومنه قيل هذا المثل: أظلم من الحية - فإذا سمع تلك الحركة أخرج ذنبه إليها ليضربها به، فربما قطعها باثنتين، فإذا رآه المحترش قد أخرج ذنبه قبض عليه [ حتى - ] يجتذبه فهكذا يحترش الضباب فيما تقول الأعراب. وفي هذا الحديث من الفقه أنه لم يدع أكل الضب على التحريم [ له - ] ولكن للتقذر. * قرن * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام في الضالة إذا كتمها قال: فيها قرينتها مثلها إن أداها بعد ما كتمها أو وجدت عنده فعليه مثلها.
[ 152 ]
قال أبو عبيد: قوله: [ فيها - ] قرينتها مثلها، يقول: إن وجد [ رجل - ] ضالة [ وهي - ] من الحيوان خاصة، كأنه يعني الإبل والبقر والخيل [ والبغال - ] والحمير، يقول: فكان ينبغي [ له - ] أن لا يؤويها فإنه لا يؤوي الضالة إلا ضال وقال: ضالة المسلم حرق النار فإن لم ينشدها حتى توجد عنده أخذها صاحبها وأخذ أيضا منه مثلها، وهذا عندي على وجه العقوبة والتأديب له، وهذا مثل قوله في منع الصدقة: إنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا وهذا كما قضى عمر رضي الله عنه 6 * 86 / الف على حاطب وكان عبيده سرقوا ناقة لرجل من مزينة فنحروها، فأمر عمر بقطعهم ثم قال: ردوهم علي وقال لحاطب: إني أراك تجيعهم، ثم قال للمزني: كم كانت قيمة ناقتك قال: طلبت مني بأربعمائة [ درهم - ]، فقال لحاطب: اذهب فادفع إليه ثماني مائة درهم فأضعف عليه القيمة
[ 153 ]
عقوبة له، لا أعرف للحديث وجها غير هذا [ قال أبو عبيد - ]: وليس الحكام اليوم على هذا، إنما يلزمونه القيمة. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين ذكر أشراط الساعة فقال: من أشراطها كذا كذا وأن ينطق الرويبضة، قيل: يا رسول الله وما الرويبضة فقال: الرجل التافه ينطق في أمر العامة. * تفه * * لكع * * غدر * قال أبو عبيد: التافه - يعني الخسيس الخامل من الناس، وكذلك كل خسيس فهو تافه ومنه قول إبراهيم: تجوز شهادة العبد في الشئ التافه ومنه قول عبد الله [ في - ] القرآن: لا يتفه ولا يتشان. وتأويل حديث
[ 154 ]
النبي عليه السلام [ هذا - ] مثل الحديث الآخر: لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس [ بالدنيا - ] لكع بن لكع، وهو العبد والسفلة ومنه قيل للأمة: يا لكاع ويروى عن عمر أنه كان إذا رأى أمة متقنعة ضربها بالدرة وقال: يا لكاع (لكاع) أتشبهين بالحرائر يقول: اكشفي رأسك وكذلك يقال للرجل: يا خبث، وللأنثى: يا خباث، وكذلك غدر وغدار [ و - ] من الغدر حديث المغيرة بن شعبة ورأى عروة بن مسعود عمه يكلم النبي عليه السلام ويتناول لحيته يمسها، فقال أمسك يدك عن لحية النبي عليه السلام قبل أن لا تصل إليك فقال عروة: يا غدر وهل غسلت رأسك من غدرتك إلا بالأمس. ومما يثبت حديث الرويبضة الحديث الآخر أنه قال: من أشراط الساعة أن يرى رعاء الشاة رؤوس
[ 155 ]
الناس، وأن يرى العراة الجوع يتبارون في البناء، وأن تلد المرأة ربها أو ربتها. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه بعث مصدقا فانتهى إلى رجل من العرب له إبل فجعل يطلب في إبله فقال له: ما تنظر فقال: بنت مخاض أو بنت لبون، فقال: إني لأكره أن أعطي الله من مالي ما لا ظهر فيركب ولا لبن فيحلب فاخترها ناقة. * خير * قال أبو عبيد: قوله: فاخترها ناقة، يقول: فاختر منها ناقة
[ 156 ]
والعرب تقول: اخترت بني فلان رجلا - يريدون اخترت منهم رجلا قال الله عز وجل " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا - " يقال: هو في التفسير: إنما هو اختار موسى من قومه سبعين رجلا، وقال الراعي يمدح رجلا: [ البسيط ] اخترتك الناس إذ رثت خلائقهم * واعتل من كان يرجى عنده السول ويقال: اخترتك من الناس. * عنن * * ولى * * شأم * وقال أبو عبيد: في حديثه عليه السلام أنه سئل عن الإبل فقال: أعنان الشياطين لا تقبل إلا مولية ولا تدبر إلا مولية ولا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم. قوله: أعنان الشياطين - بلغني عن يونس بن حبيب البصري أنه قال:
[ 157 ]
أعنان كل شئ نواحيه، وأما الذي نحكيه نحن فأعناه الشئ نواحيه - قاله أبو عمرو وغيره من علمائنا، فإن كانت الأعنان محفوظة فإنه أراد [ أن - ] الإبل من نواحي الشياطين أنها على أخلاقها وطبائعها، وهذا شبيه بالحديث الآخر أنها خلقت من الشياطين، وفي حديث ثالث: إن على ذروة كل بعير شيطانا. وقوله: لا تقبل إلا مولية ولا تدبر إلا مولية، فهذا عندي كالمثل الذي يقال فيها: إنها إذا أقبلت أدبرت وإذا أدبرت أدبرت، وذلك لكثرة آفاتها وسرعة فنائها. وقوله: لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم - يعني الشمال، ويقال لليد الشمال: الشؤمى قال الأعشى: [ الطويل ] وأنحى على شؤمى يديه فزادها * بأظمأ من فرع الذؤابة أسحما ومنه قوله عز وجل " وأصحب المشئمة مآ أصحب المشئمة " -
[ 158 ]
يريد أصحاب الشمال. ومعنى قوله: لا يأتي نفعها إلا من هناك - يعني أنها لا تحلب ولا تركب إلا من شمالها، وهو الجانب الذي يقال له: الوحشي، * 86 / ب في قول الأصمعي، / لأنه الشمال قال: والأيمن هو الإنسي والأنسي أيضا وقال بعضهم: [ لا، ولكن - ] الإنسي هو الذي يأتيه الناس في الاحتلاب والركوب، والوحشي هو الأيمن، لأن الدابة لا تؤتى من جانبها الأيمن، إنما تؤتى من الأيسر. قال أبو عبيد: وهذا هو القول عندي [ و - ] قال زهير يذكر بقرة أفرعتها الكلاب فانصرفت فقال: [ الطويل ] فجالت على وحشيها وكأنها * مسربلة من رازقي معضد * وقال ذو الرمة يصف ثورا في مثل تلك الحال: [ البسيط ] فانصاع جانبه الوحشي وانكدرت * يلحبن لا يأتلي المطلوب والطلب يعني بالطلب الكلاب فعلى هذا أشعارهم، وإنما هو الجانب الوحشي
[ 159 ]
الأيمن لأن الخائف إنما يفر من موضع المخافة إلى موضع الأمن. وقال أبو عبيد: في حديثه عليه السلام أنه قال: نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف - وبعضهم يرويه: فاقرأوا كما علمتم. * حرف * قال أبو عبيد: قوله: سبعة أحرف - يعني سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم يسمع به قط، ولكن يقول: هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات ومعانيها مع هذا كله واحد ومما يبين ذلك
[ 160 ]
قول ابن مسعود: إني [ قد - ] سمعت القراءة فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم إنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال وكذلك قال ابن سيرين: [ إنما هو كقولك: هلم وتعال وأقبل، ثم فسره ابن سيرين - ] فقال في قراءة ابن مسعود " إن كانت إلا زقية واحدة ". وفي قراءتنا " [ إن كانت إلا ] صيحة واحدة - " والمعنى فيهما واحد، وعلى هذا سائر اللغات. وقد روي في حديث خلاف هذا. قال: نزل القرآن على سبعة أحرف: حلال وحرام وأمر ونهي وخبر ما كان قبلكم وخبر ما هو كائن بعدكم وضرب الأمثال. قال أبو عبيد: ولسنا ندري ما وجه هذا الحديث لأنه شاذ غير مسند، والأحاديث المسندة المثبتة ترده. ألا ترى أن في حديث عمر الذي ذكرناه في أوله أنه قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها. وقد كان رسول الله
[ 161 ]
صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فأتيت به النبي عليه السلام فأخبرته فقال [ له - ]: اقرأ فقرأ تلك القراءة فقال: هكذا أنزلت ثم قال لي: اقرأ فقرأت قراءتي فقال: هكذا أنزلت، ثم قال: إن [ هذا - ] القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه وكذلك حديث أبي بن كعب هو مثل حديث عمر أو نحوه. فهذا يبين لك أن الاختلاف إنما هو في اللفظ والمعنى واحد، ولو كان الاختلاف في الحلال والحرام لما جاز أن يقال في شئ هو حرام: هكذا نزل، ثم يقول آخر في ذلك بعينه: إنه حلال فيقول: هكذا نزل، وكذلك الأمر والنهي وكذلك الأخبار لا يجوز أن يقال في خبر قد مضى: إنه كان كذا وكذا فيقول: هكذا نزل، ثم يقول الآخر بخلاف ذلك الخبر فيقول: هكذا نزل وكذلك الخبر المستأنف كخبر القيامة والجنة والنار ومن توهم أن في هذا شيئا من الاختلاف فقد زعم أن القرآن يكذب بعضه بعضا ويتناقض، وليس يكون المعنى في السبعة الأحرف إلا على اللغات لا غير بمعنى واحد، لا يختلف فيه في حلال ولا حرام ولا خبر ولا غير ذلك. قال أبو عبيد:
[ 162 ]
إلا أنه في بعض الحديث: نزل القرآن على خمسة، وليس فيه ذكر أحرف، فهذا قول قد يحتمل المعنى الآخر. * هلع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: إن من شر ما * 87 / الف أعطي / العبد - أو كلام هذا معناه - شح هالع وجبن خالع. قال أبو عبيد: أما قوله: الهالع فإنه المحزن، وأصله من الجزع قال أبو عبيدة: والاسم منه الهلاع، وهو أشد الجزع [ وقد روي عن الحسن في قوله " إن الإنسان خلق هلوعا " قال: بخيلا بالخير - ] ويروى عن عكرمة في قوله: هلوعا قال: ضجورا * خلع * قال أبو عبيد: وقد يكون البخل والضجر من الجزع.
[ 163 ]
والجبن الخالع: الذي يخلع قلبه من شدته. * حرس * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه سئل عن حريسة الجبل فقال: فيها غرم مثلها وجلدات نكالا، فإذا آواها المراح ففيها القطع. قال أبو عبيد: وإنما هذا في الإبل والبقر والغنم فإنها ربما أدركها الليل وهي في الجبل لم تصل إلى مراحها فلا قطع على سارقها، فإذا آواها المراح فكانت في حرز ولها حافظ فعلى سارقها القطع. وفي هذا الحديث من الفقه أنه حيث ذكر القطع لم يذكر غرم السارق. * جفل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين ذكر الدجال فقال: جفال الشعر - في صفة ذكرها.
[ 164 ]
* حبك * قال أبو عبيد: [ قوله - ]: الجفال - يعني الكثير الشعر قال ذو الرمة يصف شعرا: [ الوافر ] وأسود كالأساود مسبكرا * على المتنين منسدرا جفالا المسبكر: المسترسل، وقد يكون أيضا: المعتدل المستقيم - في غير هذا [ الموضع - ] والمنسدر: المنتصب، وبعضهم يرويه: منسدلا - من السدل، وهما سواء. وفي حديث آخر في الدجال: رأسه حبك. يقال: هي الطرائق،
[ 165 ]
ومنه قوله تعالى " والسماء ذات الحبك ". * غمد * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: ليس أحد يدخل الجنة بعمله، قيل: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. قال الأصمعي: قوله: يتغمدني، يلبسني ويغشيني قال العجاج: [ الرجز ] يغمد الأعداء جونا مردسا * قال: يعني أنه يلقي نفسه عليهم ويركبهم ويغشيهم نفسه ويقبل عليهم، والمردس: الحجر الذي يرمى به، يقال: ردست أردس ردسا -
[ 166 ]
إذا رميت به. قال أبو عبيد: ولا أحسب قوله يتغمدني، إلا مأخوذا من غمد السيف، لأنك إذا أغمدته فقد ألبسته إياه وغشيته به. * خنز * وقال [ أبو عبيد - ]: في حيدثه عليه السلام: لولا بنو إسرائيل ما خنز الطعام ولا أنتن اللحم، كانوا يرفعون طعام يومهم لغدهم. قوله: خنز - يعني أنتن وفيه لغتان: [ يقال - ]: خنز يخنز وخزن يخزن - مقلوب، كقولهم: جبذ وجذب قال طرفة: [ الرمل ] ثم لا يخزن فينا لحمها * إنما يخزن لحم المدخر وفي نتن اللحم أيضا لغات في غير هذا الحديث، يقال: صل اللحم
[ 167 ]
وأصل وخم وأخم وثنت ونثت، كل هذا إذا أروح وتغير. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين ذكر المدينة فقال: من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة لا يقبل منه صرف ولا عدل. قال: الصرف التوبة، والعدل الفدية * صرف * * عدل * [ قال أبو عبيد - ]: وفي القرآن ما يصدق هذا التفسير قوله تعالى: " وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها - " وقوله: " ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة - " فهذا من قول النبي عليه السلام: لا يقبل منه عدل. وأما الصرف فلا
[ 168 ]
أدري قوله: " فما تستطيعون صرفا ولا نصرا - " من هذا أو لا وبعض الناس يحمله على هذا ويقال: إن الصرف النافلة والعدل الفريضة. 3 قال أبو عبيد: والتفسيير الأول أشبه بالمعنى. وقوله: من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا، فإن الحدث كل حد لله تعالى يجب على صاحبه أن يقام عليه وهذا شبيه بحديث ابن عباس في الرجل يأتي حدا من حدود الله تعالى * 87 / ب ثم يلجأ إلى الحرم أنه قال: لا يقام عليه الحد في الحرم، ولكنه لا يجالس ولا يبابع ولا يكلم حتى يخرج منه، فإذا خرج منه أقيم عليه الحد، فجعل النبي عليه السلام حرمة المدينة كحرمة مكة في المأثم في صاحب الحد [ أن - ] لا يؤويه أحد حتى يخرج منها فيقام عليه، وليس حكمهما في الحدود في الدنيا سواء لأن الحدود لا يقام بمكة إلا لمن أصابها بمكة ولكنها في المأثم سواء. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه كره عشر خلال
[ 169 ]
منها تغيير الشيب - يعني نتفه وعزل الماء عن محله وإفساد الصبي غير محرمه. * غير * * عزل * * فسد * قال أبو عبيد: أما تغيير الشيب، فإن تفسيره في الحديث أنه نتفه. وأما عزل الماء عن محله، فإنه العزل عن النساء في النكاح. وأما إفساد الصبي غير محرمه، فإن إفساد الصبي أن يجامع الرجل امرأته وهي ترضع، وهو الغيل والغيلة. ومنه حديث النبي عليه السلام: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، وقد ذكرناه في غير هذا الموضع. وقوله: غير محرمه - يعني أنه كرهه ولم يبلغ به التحريم.
[ 170 ]
* طلق * * وتغ * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: ما من أمير عشرة إلا وهو يجئ يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه حتى يكون عمله [ هو - ] الذي يطلقه أو يوتغه. قوله: يطلقه - يعني ينجيه. وقوله: يوتغه - يعني يهلكه يقال: وتغ الرجل يوتغ وتغا - إذا هلك، وأوتغه غيره. ويكون أيضا أن يتغيه غيره في معنى يوتغه. وبعضهم يرويه بالقاف، فأما من رواه بالقاف فإنه لا وجه له عندنا ولا نعرفه.
[ 171 ]
وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام قال: على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد، فإذا قام من الليل فتوضأ وصلى انحلت عقدة. * قفا * قال أبو عبيد: القافية هي القفا، فكأن معنى الحديث أن على قفا أحدكم ثلاث عقد للشيطان وإنما قيل لآخر حرف من بيت الشعر قافية لأنه خلف البيت كله، وكل كلمة تقفو البيت فهي قافية. * هيد * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قيل له في المسجد: يا رسول الله هده، فقال: بل عرش كعرش موسى عليه السلام.
[ 172 ]
قال أبو عبيد: قوله: هده كان سفيان بن عيينة يقول: معناه أصلحه، وتأويله كما قال، وأصله أن يراد له الإصلاح بعد الهدم، وكل شئ حركته فقد هدته تهيده هيدا، فكأن المعنى أنه يهدم ثم يستأنف بناؤه ويصلح. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: من منحه المشركون أرضا فلا أرض له. * منح * قال أبو عبيد: وجهه عندنا - والله أعلم - أنه الذمي يمنح المسلم أرضا، والمنيحة العارية ليزرعها قوله: فلا أرض له - يعني أن خراجها على ربها المشرك، ولا يسقط الخراج عنه منحته المسلم إياها ولا يكون على المسلم خراجها وهذا مثل حديثه الآخر: ليس على المسلم جزية.
[ 173 ]
* سبح * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين ذكر الله تعالى فقال: حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره. يقال في السبحة: إنها جلال وجهه ونوره. ومنه قيل: سبحان الله، * 88 / الف إنما هو / تعظيم الله وتنزيهه وهذا الحرف قوله: سبحات وجهه، لم نسمعه إلا في هذا الحديث.
[ 174 ]
* صفق * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: إن أكبر الكبائر أن تقاتل أهل صفقتك وتبدل سنتك وتفارق أمتك. قال: قتاله أهل صفقته أن يعطي الرجل عهده وميثاقه ثم يقاتله وتبديل سنته أن يرجع أعرابيا بعد هجرته، ومفارقته أمته أن يلحق بالمشركين. قال أبو عبيد: وهذا التفسير كله في الحديث، ولا أدري أهو عن
[ 175 ]
الحسن أو غيره. * غرر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: لا تغار التحية. فالغرار النقصان، وأصله من غرار الناقة، وهو أن ينقص لبنها، يقال: [ قد - ] غارت الناقة، فهي مغار. فمعنى الحديث أنه لا ينقص السلام، ونقصانه أن يقال: السلام عليك، وإذا سلم [ عليك - ] أن تقول: وعليك، والتمام أن تقول: السلام عليكم، وإذا رددت أن تقول: وعليكم وإن كان الذي يسلم عليه أو يرد عليه واحدا وكان ابن عمر يرد كما يسلم عليه. * حين * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال في بعض أسفاره: تحينوا نوقكم.
[ 176 ]
قال أبو عمرو: التحيين أن تحلبها مرة واحدة، يقال: قد حينها - إذا جعل لها ذلك الوقت قال المخبل: [ الطويل ] إذا أفنت أروى عيالك أفنها * وإن حينت أربى على الوطب حينها * * طبب * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين قال: فلعل طبا اصابه ثم نشره بقل أعوذ برب الناس. قال أبو عبيد: قال الأصمعي: الطب السحر، وإنما كني عن السحر بالطب كما كني عن اللديغ بالسليم والطب: الرجل الحاذق بالأمور قال عنترة: [ الكامل ]
[ 177 ]
إن تغدفي دوني القناع فإنني * طب بأخذ الفارس المستلئم والمستلئم الذي لبس لأمته، واللأمة الدرع. * عفر * * نقى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد. قوله: عفراء، الأعفر: الأبيض ليس بشديد البياض. والنقي: الحواري والمعلم: الأثر قال الشاعر: [ المديد ] يطعم الناس إذا أمحلوا * من نقي فوقه أدمه * وضع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه أفاض وعليه السكينة وأوضع في وادي محسر.
[ 178 ]
قال أبو عبيد: الإيضاع سير مثل الخبب، وهو من سير الإبل، يقال له: الإيضاع وقال الشاعر: [ الوافر ] إذا أعطيت راحلة ورحلا * فلم أوضع فقام علي ناعي * نصص * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين دفع من عرفات العنق فإذا وجد فجوة نص. قال أبو عبيد: النص التحريك حتى يستخرج من الدابة أقصى سيرها قال الشاعر: [ الرجز ]
[ 179 ]
وقطع الخرق بسير نص * قبط * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: إنه كسا امرأة قبطية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرها فلتتخذ تحتها غلالة لا تصف حجم عظامها. يقول: إذا لصق الثوب بالجسد أبدى عن خلقها. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن التلقي وعن ذبح ذوات الدر وعن ذبح قني الغنم. * درر * * قنا * * لقا * قال أبو عبيد: ذوات الدر ذوات اللبن. وقني الغنم التي تقتنى للولد أو اللبن ويقال: قنوة وقنوة، والمصدر [ منه - ] القنيان والقنيان قال الشاعر: [ البسيط ] لو كان للدهر مال كان متلده * لكان للدهر صخر مال قنيان
[ 180 ]
والتلقي أن يتلقى الرجل الأعراب تقدم بالسلعة ولا تعرف سعر السوق فتبيعها رخيصة. * رضف * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه أتي برجل نعت له الكي فقال: اكووه أو ارضفوه. فالرضف: الحجارة تسخن ثم يكمد بها. * عضه * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين قال: ألا أنبئكم ما العضه قالوا: بلى يا رسول الله قال: هي النميمة. * 88 / ب / قال أبو عبيد: وكذلك هي عندنا قال الشاعر: [ المتقارب ]
[ 181 ]
أعوذ بربي من النافثا * ت في عقد العاضه المعضه * يقال: العضهة والعضه والعاضه من العضيهة.
[ 182 ]
* عزل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين قال: من رأى مقتل حمزة فقال رجل أعزل: أنا رأيته. قال [ أبو عبيد - ]: الأعزل الذي لا سلاح معه قال الأحوص: [ الكامل ] وأرى المدينة حين كنت أميرها * أمن البرئ بها ونام الأعزل * حجل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال لزيد: أنت مولانا فحجل. قال أبو عبيد: الحجل أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى
[ 183 ]
من الفرح، وقد يكون بالرجلين معا إلا أنه قفز وليس بمشي. * قرظ * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه أتي بهدية في أديم مقروظ. يعني بالمقروظ المدبوغ بالقرظ. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: لعن الله من غير منار الأرض. * نور * قال أبو عبيد: المنار الذي يضرب على الحدود فيما بين الجار والجار. فتغييره أن يدخله في أرض جاره ليقتطع به من أرضه شيئا فيغيره.
[ 184 ]
* حصد * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم. قال أبو عبيد: الحصائد ما قاله اللسان، وقطع به على الناس. * مزع * * رمع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه غضب غضبا شديدا حتى تخيل إلى أن أنفه يتمزع. قال أبو عبيد: ليس يتمزع بشئ، ولكني أحسبه يترمع
[ 185 ]
من شدة الغضب، وهو أن تراه كأنه يرعد من شدة الغضب. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه أتى حائش نخل أو حشا فقضى حاجته. * حوش * * حضض * قال أبو عبيد: الحائش جماعة النخل وهو البستان والحش جماعة النخل [ أيضا - ] وفيه لغتان: [ يقال - ]: حش وحش.
[ 186 ]
وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه أهدي إليه هدية فلم يجد شيئا يضعه عليه فقال: ضعه بالحضيض وإنما أنا عبد آكل كما يأكل للعبد. قال أبو عبيد: الحضيض الأرض، والحضيض منقطع الجبل - إذا أفضيت منه إلى الأرض. وفي بعض الحديث أن رجلا كتب أن العدو بعرعرة الجبل ونحن بحضيضه. إنما هو أسفله عند منقطعه.
[ 187 ]
* رقرق * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: إن الشمس تطلع ترقرق. يعني تدور وتجئ وتذهب. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: إن رجلا قال: يا رسول الله مالي ولعيالي هارب ولا قارب غيرها. * هرب * * قرب * قال أبو عبيد: إنما هذا مثل يقول: ليس لي شئ، وأصل الهارب الذي قد هرب في الأرض. والقارب الذي يطلب الماء. * فرج * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: إن عقبة بن عامر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه فروج من حرير.
[ 188 ]
قال: هو القباء الذي فيه شق من خلفه. * وضح * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: إن أنس بن مالك قال: أقاد رسول الله عليه السلام من يهودي قتل جويرية على أوضاح لها. قال [ أبو عبيد - ]: يعني حلى فضة. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين قال: اهتف بالأنصار، قال: فهتفت بهم فجاؤوا حتى أطافوا به وقد وبشت قريش أوباشا وأتباعا.
[ 189 ]
* وبش * قال أبو عبيد: الأوباش الأخلاط من الناس. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: إن أعرابيا بال في المسجد فقال النبي عليه السلام: إن هذا المسجد لا يبال فيه، إنما بني لذكر الله والصلاة، ثم أمر بسجل من ماء فأفرغ على بوله. * سجل * قال أبو عبيد: السجل الدلو. وقال [ أبو عبيد - ]: في حدثيه عليه السلام أنه رأى في بيت أم سلمة جارية ورأى بها سفعة، فقال: إن بها نظرة فاسترقوا لها. * سفع * [ قال أبو عبيد - ]: قوله: سفعة - يعني أن الشيطان أصابها وهو
[ 190 ]
من قول الله [ تبارك وتعالى - ] " كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية " وحديث ابن مسعود أنه رأى رجلا فقال: إن بهذا سفعة من الشيطان، هو من هذا. * غزا * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه لما فتح مكة قال: لا تغزى قريش بعدها. * 89 / الف قال أبو عبيد: إنما وجه هذا عندنا / أنه يقول: لا تكفر قريش
[ 191 ]
بعد هذا حتى تغزى على الكفر ومنه الحديث الآخر: لا يقتل قرشي صبرا. قال [ أبو عبيد - ]: ليس معناه - والله أعلم - أنه نهى أن يقتل إذا استوجب القتل، وما كانت قريش وغيرها عنده في الحق إلا سواء، ولكن وجهه إنما هو على الخبر أنه لا يرتد قرشي فيقتل صبرا على الكفر. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: ليس منا من غشنا. قال أبو عبيد: فبعض الناس يتأوله أنه يقول: ليس منا - أي ليس من أهل ديننا - يعني أنه ليس من أهل الإسلام وكان سفيان بن عيينة يرويه عن غيره أنه قال: ليس منا - أي ليس مثلنا وهذا تفسير لا أدري ما وجهه، لأنا قد علمنا أن من غش ومن لم يغش ليس يكون
[ 192 ]
مثل النبي عليه السلام فكيف يكون من غشنا ليس مثلنا. وإنما وجهه عندي - والله أعلم - أنه أراد ليس منا - أي ليس هذا من أخلاقنا ولا من فعلنا، إنما نفى الغش أن يكون من أخلاق الأنبياء والصالحين، وهذا شبيه بالحديث الآخر: يطبع المؤمن على كل شئ إلا الخيانة والكذب، إنهما ليسا من أخلاق الإيمان وليس هو على معنى أنه من غش أو من كان خائنا فليس بمؤمن ومثله كثير في الحديث. * شبر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن شبر الجمل. قال أبو عبيد: قوله: شبر الجمل - يعني أخذ الأجر على ضرابه، ومثل ذلك أنه نهى عن عسب الفحل، والعسب هو الكراء للضراب.
[ 193 ]
قال أبو عبيد: ومما يبين ذلك حديث يروى عن أبي معاذ قال: كنت تياسا فقال لي البراء بن عازب: لا يحل لك عسب الفحل. وعن قتادة أنه كره عسب الفحل لمن أخذه ولم ير به بأسا لمن أعطاه. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه ندب الناس إلى الصدقة فقيل له: قد منع أبو جهم وخالد بن الوليد والعباس عم النبي عليه السلام، فقال النبي عليه السلام: أما أبو جهم فلم ينقم منا إلا أن أغناه الله ورسوله من فضله، وأما خالد فإن الناس يظلمون خالدا، إن خالدا قد جعل رقيقه ودوابه حبسا في سبيل الله، وأما العباس عم النبي عليه السلام فإنها عليه ومثلها معها. * مثل * قال أبو عبيد: قوله: فإنها عليه ومثلها معها، نراه - والله أعلم - أنه
[ 194 ]
كان أخر عنه الصدقة عامين، وليس وجه ذلك إلا أن يكون من حاجة بالعباس إليها، فإنه قد يجوز للإمام أن يؤخرها إذا كان ذلك على وجه النظر، ثم يأخذها منه بعد ومن هذا حديث عمر أنه أخر الصدقة عام الرمادة، فلما أحيا الناس في العام المقبل أخذ منهم صدقة عامين. وأما الحديث الذي يروى أن النبي عليه السلام قال: إنا قد تعجلنا من العباس صدقة عامين، فهو من هذا عندي أيضا، إنما تعجل منه أنه أوجبها عليه وضمنها إياه ولم يقبضها منه فكانت دينا على العباس رحمه الله، ألا ترى أن النبي عليه السلام يقول: فإنها عليه ومثلها معها * رثع * * قبض * وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في الرثع. قال: الرثع الحرص الشديد. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه أنه قبض له الأرض - أي جمعها له.
[ 195 ]
وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: يؤتى بالدنيا بقضها وقضيضها. يعني بكل ما فيها. * قضض * قال أبو عبيد: ويروى بالكسر بقضها، وأحسبه لغة. * حفش * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام في الرجل الذي استعمله فأهدى إليه فقال: هذا لي، فقال: ألا جلس في حفش أمه فينظر أ [ كان - ] يهدى إليه شئ.
[ 196 ]
قال أبو عبيد: الحفش الدرج، وجمعه أحفاش. قال أبو عبيد: شبه بيت أمه في صغره بالدرج قال أبو عبيد: وليس هذا الحرف في ذلك الحديث، وفي بعض الحديث: في بيت أمه. * أرى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أن رجلا شكى إليه امرأته فقال: اللهم أز بينهما. يعني ثبت الود ومكنه ومنه قول أعشى باهلة: [ البسيط ] لا يتأرى لما في القدر يرقبه * ولا يعض على شرسوفه الصفر
[ 197 ]
يقول: لا يتأرى، لا يتلبث / ولا يتحبس ويطمئن. [ قال أبو عبيد - ]: * 89 / ب وبعضهم يروي هذا الحديث عن النبي عليه السلام: إنه دعا بهذا الدعاء لعلي وفاطمة عليهما السلام - يعني قوله: اللهم أر بينهما. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: إذا وجد أحدكم طخاء على قلبه فليأكل السفرجل. * طخا * قال [ أبو عبيد - ]: الطخاء ثقل وغشى، يقال: ما في السماء طخاء - أي سحاب وظلمة والطخية: الظلمة، قال النابغة: [ الوافر ] فلا تذهب بعقلك طاخيات * من الخيلاء ليس لهن باب * ليط * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه كتب
[ 198 ]
لثقيف حين أسلموا كتابا فيه أن لهم ذمة الله وأن واديهم حرام عضاهه وصيده وظلم فيه، وأن ما كان لهم من دين [ إلى أجل فبلغ أجله فإنه لياط مبرأ من الله، وأن ما كان لهم من دين - ] في رهن وراء عكاظ فإنه يقضى إلى رأسه ويلاط بعكاظ [ و - ] لا يؤخر. * عدل * * فرد * * حظر * قال أبو عبيد: قوله: لياط مبرأ من الله، أصل اللياط كل شئ ألصقته بشئ فقد لطته [ به - ] واللياط ههنا الربا الذي كانوا يربونه في الجاهلية، [ سمي لياطا - ] لأنه شئ لا يحل ألصق بشئ فأبطل النبي عليه السلام ذلك الربا ورد الأمر إلى رأس المال، كما قال الله [ تبارك و - ] تعالى في كتابه " فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ". * غفل * * حلق * * ضمن * * معن * * سرح * [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام في كتابه لأكيدر
[ 199 ]
هذا كتاب من محمد رسول الله عليه السلام لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها: إن لنا الضاحية من الضحل، والبور والمعامي، وأغفال الأرض، والحلقة والسلاح، ولكم الضامنة من النخل، والمعين من المعمور بعد الخمس، لا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد الله وميثاقه. * ندد * * ضحا * * ضحل * * بور * * عمى * أبو عبيد: قوله: خلع الأنداد - يعني الآلهة التي جعلها المشركون لله أندادا. وقوله: الضاحية من الضحل، فالضاحية ما ظهر وبرز وكان خارجا من العمارة. والضحل: القليل من الماء.
[ 200 ]
والبور: الأرض التي لم تزرع. والمعامي: الأرض المجهولة. والأغفال نحوها واحدتها غفل. والحلقة: السلاح والدروع. وأما قوله: الضامنة من النخل، فإن الضامنة ما كان داخلا في العمارة. والمعين: الماء الظاهر. وقوله: لا تعدل سارحتكم، فالسارحة: الماشية التي تسرح وترعى، وهو من قوله: " حين تريحون وحين تسرحون ". وقوله: لا تعدل سارحتكم [ يقول - ]: لا تصرف عن مرعى تريده. وقوله: [ و - ] لا تعد فاردتكم - يعني الزائدة على ما تجب فيه
[ 201 ]
الزكاة، يقول: لا تعد عليكم تلك في الزكاة حتى تنتهي إلى الفريضة الأخرى. وقوله: لا يحظر عليكم النبات، يقول: لا تمنعون من الزراعة حيث شئتم. * دسم * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: إن للشيطان نشوقا ولعوقا ودساما. فالدسام ما سد به الأذن، يقال منه: دسمت الشئ [ أدسمه - ] دسما - إذا سددته. واللعوق في الفم والنشوق في الأنف. * فكن * وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن مثل العالم كالحمة يأتيها البعداء ويتركها القرباء، فبينماهم كذلك إذ غار ماؤها فانتفع بها قوم وبقي قوم يتفكنون.
[ 202 ]
يعني يتندمون والتفكن التندم. * رمى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: لو أن أحدكم دعي إلى مرماتين لأجاب وهو لا يجيب إلى الصلاة. * 90 / الف يقال: إن المرماة / ما بين ظلفي الشاة قال أبو عبيد: وهذا حرف لا أدري ما وجهه إلا أنه هكذا يفسر - والله أعلم. وفي بعض الحديث: لو أن رجلا ندا الناس إلى مرماتين أو عرق أجابوه، فمن قال: ندا، جعله من النادي، وهو المجلس، يقال: ندوت القوم أندوهم. وفيه لغة أخرى: مرماة - بفتح الميم. * أشب * * بذعر * وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في يوم القيامة: الناس أشابات أو حشافات فابذعر من ذلك ثم أسل لهم الجنة فأشفع. أما قوله: أشابات، فهم الأخلاط من الناس. والابذعرار: التفرق.
[ 203 ]
* خلى * وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في خلايا النحل: إن فيها العشر. قال: هي المواضع التي تعتسل فيها النحل، وهو مثل الراقود أو نحوه، يعمل لها من طين، واحدتها: خلية. وحديثه: ما تعدون فيكم الصرعة فالصرعة الذي يصرع الرجال. وفي حديث آخر قال: صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى يقول: إذا وجد الفصيل حر الشمس على الرمضاء، يقول: تلك الساعة صلاة الضحى. * وعب * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام في الأنف إذا استوعب جدعه الدية.
[ 204 ]
قوله: استوعب - يعني استؤصل، وكذلك كل شئ اصطلم فلم يبق منه شئ فقد أوعب، وهو الاستيعاب، يقال منه: قد أو عبته فهو موعب قال أبو النجم يمدح رجلا: [ الرجز ] يجدع من عاداه جدعا موعبا * بكر وبكر أكرم الناس أبا * وكذلك القوم إذا شخصوا جميعا في غزو أو في غيره يقال: قد أوعبوا، قال عبيد: [ الكامل ] أنبئت أن بني جديلة أوعبوا * نفراء من سلمى لنا وتكتبوا ومنه قول حذيفة في الجنب قال: ينام قبل أن يغتسل فهو أوعب للغسل.
[ 205 ]
قال أبو عبيد: يعني أنه أحرى أن يخرج كل بقية ما في ذكره من الماء. * جثا * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام قال: من دعا دعاء الجاهلية فهو من جثى جهنم. قال: واحدة الجثى جثوة - بضم الجيم، وهي الشئ المجموع قال طرفة: [ الطويل ] ترى جثوتين من تراب عليهما * صفائح صم من صفيح موصد يصف قبرين. فكان معنى الحديث أنه من جماعات جهنم - أي من الزمر
[ 206 ]
التي تدخلها. هذا فيمن قال: جثى فخفف الياء، ومن قال: جثي جهنم فشدد الياء فإنه يريد الذين يجثون على الركب، واحدها جاث وجمعه جثي - بتشديد الياء قال الله [ تبارك و - ] تعالى " ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا "، وهذا أحب إلي من الأول. * لبق * * سغسغ * * صعنب * * قال * وق [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام الذي يرويه واثلة ابن الأسقع قال: كنت من أهل الصفة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم يوما بقرص فكسره في صحفة ثم صنع فيها ماء سخنا وصنع فيها ودكا وصنع منه ثريدة ثم سغسغها ثم لبقها ثم صعنبها. قوله: لبقها - يعني جمعها بالمقدحة، وهي المغرفة.
[ 207 ]
وسغسغها: أفرغ عليها زغلة من سمن فرواها بها وفرقها فيها. قال: وصعنبها رفع رأسها. تمت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تسليما.
[ 208 ]
* 90 / ب بسم الله الرحمن الرحيم أحاديث أبي بكر رضي الله عنه أبو عبيد: في حديث أبي بكر [ الصديق رضي الله عنه - ]
[ 209 ]
حين منعته العرب الزكاة فقيل له: اقبل ذلك منهم فقال: لو منعوني عقالا مما أدوا إلى رسول الله عليه السلام لقاتلتهم عليه كما أقاتلهم على الصلاة. * عقل * قال أبو عبيد: ويروى: لو منعوني عناقا لقاتلتهم عليه.
[ 210 ]
قال الكسائي: العقال صدقة مصدقة عام، يقال: قد أخذ منهم عقال هذا العام - إذا أخذت منهم صدقته قال الأصمعي: يقال: بعث فلان على عقال بني فلان - إذا بعث على * روى * صدقاتهم. قال أبو عبيد: فهذا كلام العرب المعروف عندهم. وقد جاء في بعض الحديث غير ذلك. ذكر الواقدي أن محمد بن مسلمة كان يعمل على الصدقة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأمر الرجل إذا جاء بفريضتين أن يأتي بعقاليهما وقرانيهما. ويروى أن عمر بن الخطاب كان يأخذ مع كل فريضة عقالا ورواء، فإذا جاءت الى المدينة باعها ثم تصدق بتلك العقل والأروية. قال: والرواء الحبل الذي يقرن به البعيران.
[ 211 ]
قال أبو عبيد: وكان الواقدي يزعم أن هذا رأى مالك بن أنس وابن أبي ذئب، قال الواقدي: وكذلك الأمر عندنا. قال أبو عبيد: فهذا ما جاء في الحديث، والشواهد في كلام العرب على القول الأول أكثر، وهو أشبه عندي بالمعنى. قال: وأخبرني ابن الكلبي قال: استعمل معاوية ابن أخيه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان على صدقات كلب فاعتدى عليهم، [ فقال - ] عمرو بن العداء الكلبي: [ البسيط ] سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا * فكيف لو قد سعى عمر وعقالين لأصبح الحي أوبادا ولم يجدوا * عند التفرق في الهيجا جمالين قوله: أوبادا، واحدها: وبد، وهو الفقر والبؤس وقوله: جمالين، يقول: جمالا هنا وجمالا هنا، فهذا الشعر يبين لك أن العقال إنما هو صدقة عام
[ 212 ]
وكذلك حديث يروى عن عمر أنه أخر الصدقة عام الرمادة فلما أحيا الناس بعث ابن أبي ذباب فقال: اعقل عليهم عقالين فاقسم فيهم عقالا وائتني بالآخر. * رمد * قال أبو عبيد: فهذا شاهد أيضا أن العقال صدقة * 91 / الف عام وأما قوله: عام الرمادة، فيقال: إنما سمي الرمادة / لأن الزرع والشجر والنخل وكل شئ من النبات احترق مما أصابته السنة فشبه سواده بالرماد ويقال: بل الرمادة الهلكة، يقال: قد رمد القوم وارمدوا - إذا هلكوا وهذا كلام العرب والأول تفسير الفقهاء ولكل وجه. * خزم * * برة * وقال [ أبو عبيد - ] في حديث أبي بكر [ رضي الله عنه - ] الذي روى عنه هزيل بن شرحبيل في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأل طلحة بن مصرف عبد الله بن أبي أوفى: هل أوصى رسول الله
[ 213 ]
صلى الله عليه وسلم فقال: لا، فقال طلحة: فكيف كان يأمر المسلمين بالوصية ولم يوص فقال: أوصى بكتاب الله، قال وقال هزيل بن شرحبيل: أبو بكر يتوثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ود أبو بكر أنه وجهه عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه خزم أنفه بخزامة. قال أبو عبيدة: الخزامة هي الحلقة التي تجعل في أنف البعير، فإن كانت من صفر فهي برة، وإن كانت من شعر فهي خزامة وقال غير أبي عبيدة: وإن كانت عودا فهي خشاش قال الأصمعي: الخشاش ما كان في العظم، والعران ما كان في اللحم فوق المنخر، والبرة ما كان في المنخر. [ و - ] قال الكسائي: يقال من ذلك كله: خزمت البعير وعرنته وخششته فهو مخزوم ومعرون ومخشوش. قال: ويقال من البرة خاصة بالألف: أبريته فهو مبرا وناقة مبراة - هذا وحده بالألف،
[ 214 ]
ومنه الحديث المرفوع أنه أهدى مائة بدنة منها جمل كان لأبي جهل في أنفه برة من فضة. * نأنأ * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر: طوبى لمن مات في النأنأة. قال أبو عبيد: أما المحدثون فلا يهمزونه وقال الأصمعي: هي النأنأة - مهموزة، ومعناها أول الإسلام قال: وإنما سمي بذلك لأنه كان قبل أن يقوى الإسلام ويكثر أهله وناصره، فهو عند الناس ضعيف، وأصل النأنأة الضعف، ومنه قيل: رجل نأنأ - إذا كان ضعيفا قال امرؤ القيس يمدح رجلا: [ الطويل ] لعمرك ما سعد بخلة آثم * ولا نأنأ عند الحفاظ ولا حصر
[ 215 ]
قال أبو عبيد: ومن ذلك قول علي رضي الله عنه لسليمان بن صرد وكان تخلف عن يوم الجمل ثم أتاه [ بعد - ]، فقال له علي: تنأنأت وتربصت وتراخيت، فكيف رأيت الله صنع. قوله: تنأنأت - يريد ضعفت واسترخيت. قال الأموي عبد الله بن سعيد يقال: نأنأت الرجل - إذا نهنهته عما يريد وكففته عنه، كأنه يعني أني حملته على أن ضعف عما أراد وتراخي. وقال غير هؤلاء من أهل العلم: إنما سمي أول الإسلام النأنأة لأنه كان والناس ساكنون هادئون لم تهج بينهم الفتن ولم تشتت كلمتهم، وهذا قد يرجع إلى المعنى الأول، يقول: لم يقول التشتت والاختلاف والفتن فهو ضعيف لذلك. * حجن * * خرش * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر [ رضي الله عنه - ] أنه
[ 216 ]
أفاض من جمع وهو يخرش بعيره بمحجنه. قال الأصمعي: المحجن العصا المعوجة الرأس ومنه الحديث المرفوع أنه طاف على بعير يستلم الأركان بمحجنه. وقد يكون المحجن الصولجان. قال الأصمعي: والخرش أن يضربه بالمحجن ثم يجتذبه إليه - يريد بذلك تحريكه للإسراع في السير، وهو شبيه بالخدش قال أبو عبيد:
[ 217 ]
وأنشدنا: [ الرجز ] إن الجراء تخترش * في بطن أم الهمرش يعني أنها تخدش وهي في بطن أمها - يريد جراء الكلبة وقوله: تخترش، إنما هو تفتعل من الخرش. والذي يراد من هذا الحديث أنه أسرع السير في إفاضته من جمع. * مهل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر أنه أوصى في مرضه / فقال: ادفنوني في ثوبي هذين فإنما هما للمهل والتراب. * 91 / ب قال أبو عبيد: المهل في هذا الحديث الصديد والقيح، والمهل في غير هذا كل فلز أذيب، قال: والفلز جواهر الأرض من الذهب والفضة والنحاس وأشباه ذلك ومنه حديث ابن مسعود أنه سئل عن المهل فدعا بفضة فأذابها فجعلت تميع وتلون، فقال: هذا من أشبه ما أنتم راؤن بالمهل [ قال أبو عبيد - ]: أراد تأويل هذه الآية " وإن يستغيثوا
[ 218 ]
يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه - " قال أبو عبيد: [ وقوله - ]: تميع تذوب، وكل ذائب مائع. قال أبو عبيد: والمهل أيضا في غير هذا كل شئ يتحات عن الخبزة من الرماد وغيره إذا أخرجت من الملة قال: والملة الحفرة التي تمل فيها الخبزة. وقال أبو عمرو: المهل في شيئين، هو في حديث أبي بكر: الصديد والقيح، وفي غيره: دردي الزيت، لم يعرف منه إلا هذا. وقال الأصمعي: حدثني رجل وكان فصيحا أن أبا بكر قال: فإنما هما للمهلة والتراب - بالفتح، وقال بعضهم بكسر الميم: للمهلة. قال أبو عبيد: والذي أراد الناس من هذا الحديث من الفقه أنه لا بأس أن يكفن الميت في الشفع من الثياب، ألا تراه يقول في ثوبي هذين قال أبو عبيد: والغالب على أمر الناس فيه الوتر وفيه أيضا [ أنه - ] خلاف قول من يقول: إنهم يتزاورون في أكفانهم، ألا تراه يقول: فإنما هما للمهل والتراب ومما يشهد على ذلك قول
[ 219 ]
حذيفة حين أتى بكفنه ريطتين، فقال: الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إني لا ألبث إلا يسيرا حتى أبدل بهما خيرا منهما أو شرا منهما. ومنه قول محمد أبن الحنفية: ليس للميت من الكفن شئ إنما هو تكرمة للحي. قال أبو عبيد: ويروى في بعض الحديث أن أبا بكر قال لعائشة: في كم ثوبا كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: في ثلاثة أثواب، قال: فادفنوني في ثوبي هذين مع ثوب كذا وكذا فعلى هذه الرواية يذهب معنى الشفع من الثياب. * نصنص * * نضنض * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر حين دخل عليه وهو ينصنص لسانه ويقول: إن ذا أوردني الموارد - وقد رواه بعضهم: يحرك لسانه.
[ 220 ]
قال أبو عمرو: [ قوله - ] ينصنص - يعني يحركه ويقلقله، وكل شئ حركته قلقلته فقد نصنصته. وفيه لغة آخرى ليست في الحديث بمعناه نضنضت - بالضاد معجمة ومنه قيل للحية: نضناض، وهو القلق الذي لا يثبت في مكانه لشرته ونشاطه وقال الراعي: [ الوافر ] يبيت الحية النضناض منه * مكان الحب يستمع السرارا [ الحب: القرط. قال - ]: وأخبرني الأصمعي أنه سأل أعرابيا أو أعرابية عن النضناض قال: فأخرج لسانه فحركه لم يزده على هذا. وهذا كله يرجع إلى الحركة. وأما الحديث فبالصاد غير معجمة لا غير. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر أنه أعطى عمر سيفا محلى فجاءه عمر بالحلية قد نزعها فقال: أتيتك بهذا لما يعررك من أمور الناس - هكذا يروى الحديث براءين.
[ 221 ]
* عرا * قال أبو عبيد: ولا أحسبه محفوظا ولكنه عندي: لما يعروك - بالواو، ومعناه: لما ينوبك من أمر الناس ويلزمك من حوائجهم وكذلك كل من أتاك بحاجة أو نائبة فقد عراك، [ وهو - ] يعروك عروا قال الراعي: [ الكامل ] قالت خليدة ما عراك ولم تكن * بعد الرقاد عن الشؤون سؤولا يريد بقوله: ما عراك، [ أي ما نزل بك و - ] ما ألم بك ونحو ذلك ومنه قول الله [ تبارك و - ] تعالى / " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا * 92 / الف بسوء - " ومنه قيل: اعتراه الوجع وغيره وقال معن بن أوس يمدح رجلا: [ الطويل ] رأى الحمد غنما فاشتراه بماله * فلا البخل يعروه ولا الجهد جاهده
[ 222 ]
أي لا ينزل به البخل ولا يصيبه. ومن قال: يعررك، فليس يخرج إلا من أحد المعنيين من العرة وهو القذرة، أو من العر وهو الجرب وليس في الحديث موضع لواحد من هذين، ولو كان من أحدهما لم يكن أيضا براءين لكان: لما يعرك، لأنه موضع رفع وليس بموضع جزم، فيظهر التضعيف. * لوط * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر حين قال: والله إن عمر لأحب الناس إلي، ثم قال: كيف قلت فقالت عائشة: قلت: والله إن عمر لأحب الناس إلي، فقال: اللهم أعز والولد ألوط. [ قوله: الولد ألوط - ] يعني ألصق بالقلب، وكذلك كل شئ لصق بشئ فقد لاط [ به - ] يلوط لوطا. ومنه حديث ابن عباس في الذي سأله عن مال اليتيم وهو واليه أيصيب من لبن إبله فقال: إن كنت تلوط حوضها وتهنأ جرباها فأصب من رسلها. [ قوله: تلوط - ] يعني باللوط تطيين الحوض وإصلاحه وهو من اللصوق ومنه قيل للشئ إذا لم يوافق صاحبه: ما يلتاط هذا بصفري - أي لا يلصق بقلبي،
[ 223 ]
هذا إنما هو يفتعل من اللوط. ومنه حديث علي بن الحسين رضي الله عنه في المستلاط أنه لا يرث. يعني الملصق بالرجل في النسب، كأنه يعني الذي لغير رشدة. * هيض * * شرب * * حوذ * * حوز * * نسج * [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر الذي قالت فيه عائشة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها، اشرأب النفاق وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بخصلها وغنائها في الإسلام وكانت مع هذا تقول: [ و - ] من رأى عمر علم أنه خلق غناء للإسلام، كان والله أحوذيا نسيج وحده قد أعد للأمور أقرانها.
[ 224 ]
قال الأصمعي وغيره قولها: لهاضها، الهيض الكسر بعد جبور العظم وهو أشد ما يكون من الكسر، وكذلك النكس في المرض بعد الاندمال قال ذو الرمة: [ الطويل ] ووجه كقرن الشمس حر كأنما * تهيض بهذا القلب لمحته كسرا وقال القطامي: [ الوافر ] إذا ما قلت قد جبرت صدوع * تهاض وما هيض انجبار وقولها: اشرأب النفاق - يعني ارتفع وعلا وكل رافع رأسه مشرئب. ومنه الحديث المرفوع: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتي بالموت في صورة كبش أملح، ثم نودي يا أهل الجنة ويا أهل النار فيشرئبون لصوته، ثم يذبح على الصراط فيقال: خلود لا موت. وقال ذو الرمة يذكر امرأة شبهها بظبية: [ الطويل ]
[ 225 ]
ذكرتك إذ مرت بنا أم شادن * أمام المطايا تشرئب وتسنح * وقولها في عمر: كان والله أحوزيا - رووها بالزاي، وبعضهم يرويها بالذال: أحوذيا. قال الأصمعي: الأحوذي المشمر في الأمور القاهر لها الذي لا يشد عليه منها شئ. [ هذا - ] وما أشبهه من الكلام قال لبيد يذكر حمارا وأتنا: [ الوافر ] إذا اجتمعت وأحوذ جانبيها * وأوردها على عوج طوال قال الأصمعي: قوله: أحوذ جانبيها - يعني ضمها فلم يفته منها شئ. قال: وأما الأحوزي فإنه السائق الحسن السياق وفيه مع سياقه بعض النفار، وكان أبو عمرو يقول: الأحوذي الخفيف والأحوزي مثله قال العجاج يصف ثورا وكلابا: [ الرجز ] يحوزهن وله حوزي * كما يحوز الفئة الكمي / وقولها: نسيج وحده - يعني أنه ليس له شبه في رأيه وجميع أمره * 92 / ب
[ 226 ]
قال الراجز: [ الرجز ] جاءت به معتجرا ببرده * سفواء تردي بنسيج وحده والعرب تنصب وحده في الكلام كله لا ترفعه ولا تخفضه إلا في ثلاثة أحرف: نسيج وحده، وعيير وحده، وجحيش وحده، فإنهم يخفضونها ثم فسرت العلماء نصبه في قولهم: وحده. فقال أهل البصرة: إنما نصبوا وحده على مذهب المصدر - أي توحد وحده، وقال أصحابنا: إنما النصب على مذهب الصفة. قال أبو عبيد: وقد يدخل فيه الأمران جميعا. * مظظ * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر أنه مر بعبد الرحمن ابنه وهو يماظ جارا له فقال له أبو بكر: لا تماظ جارك فإنه يبقى ويذهب الناس.
[ 227 ]
قوله: لا تماظ جارك، المماظة المشارة والمشاقة وشدة المنازعة مع طول اللزوم، لذلك يقال: ماظظت فلانا أماظه مظاظا ومماظة. * مطى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر حين أتى على بلال وقد مطي في الشمس، فقال لمواليه: قد ترون أن عبدكم هذا لا يطيعكم، فبيعونيه قالوا: اشتره، فاشتراه بسبع أواقي وأعتقه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه فقال: الشركة فقال: يا رسول الله إني قد أعتقته. قوله: مطي، قال الأصمعي: يعني مد وهكذا كان يصنع به فيما يروى إذا أرادوا تعذيبه بطحوه على الرمضاء وكل شئ مددته فقد مطوته، ومنه المطو في السير ولهذا قيل [ للرجل - ]: يتمطى، إنما هو تمديد جسده. وفي هذا الحديث من الفقه سؤال النبي صلى الله عليه وسلم إياه الشركة بعد الشرى، هذا في الرجل يشتري الشئ وحده
[ 228 ]
ثم يشترك فيه غيره ممن لم يحضر معه الشرى وهو حجة لمن قال: الشركة بمنزلة البيع، لأنه لما أشركه في متاعه فكأنه باعه نصفه. * وزع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر وقد شكى إليه بعض عماله فقال: أأنا أقيد من وزعة الله الوزعة جماعة الوازع، والوازع: الذي يكف الناس ويمنعهم من الشر يقال منه: وزعته فأنا أزعه وزعا. ويروى في قول الله تعالى " فهم يوزعون " يعني يحبس أولهم على آخرهم، وهو من الكف والمنع. ويروى عن الحسن البصري أنه قال: لا بد للناس من وزعة - يعني من يكفهم ويمنعهم من الشر، كأنه [ يعنى - ] السلطان. قال أبو عبيد: فكأن أبا بكر إنما أراد إني لا أقيد من الولاة الذين يزعون الناس عن محارم الله تعالى، [ يعني - ] إذا كان ذلك الفعل منهم بوجه الحكم والعدل لا بوجه الجور.
[ 229 ]
* ألل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر [ الصديق - ] أنه لما قدم وفد اليمامة بعد مقتل مسيلمة قال لهم: ما كان صاحبكم يقول
[ 230 ]
فاستعفوه من ذلك، فقال: لتقولن، فقالوا: كان يقول: يا ضفدع نقي كم تنقين، لا الشراب تمنعين، ولا الماء تكدرين - في كلام من هذا كثير فقال أبو بكر: ويحكم إن هذا الكلام لم يخرج من إل ولا بر فأين ذهب بكم. * 93 / الف قوله من إل - يعني من رب. / ويروى عن الشعبي أنه قال في قوله " لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة " قال: الله - أو قال: ربا ومما يبين هذا قول جبريل ومكائيل، إنما أضيف جبر وميكا إلى إل وهو شبيه بقول ابن عباس: إنما هو كقولك: عبد الله وعبد الرحمن في جبريل وميكائيل.
[ 231 ]
* فحص * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر أنه قال في وصيته ليزيد ابن أبي سفيان حين وجهه إلى الشام: إنك ستجد قوما [ قد - ] فحصوا رؤسهم فاضرب بالسيف ما فحصوا عنه، وستجد قوما في الصوامع فدعهم وما أعملوا أنفسهم له. أما قوله: [ قد - ] فحصوا رؤسهم فاضرب بالسيف ما فحصوا عنه، فهم الشمامسة الذين قد حلقوا رؤسهم وأما أصحاب الصوامع فإنه يعني الرهبان. ويروى أنه إنما نهى عن قتلهم لأنه لا يسمعون كلام الناس ولا يعرفون أخبارهم ولا يدلون المشركين على عورة المسلمين ولا يخبرونهم بدخولهم أرضهم، فلذلك نهي عن قتلهم، ولو كانوا يعينون على الإسلام وأهله [ بشئ - ] ما نهى عن قتلهم. * وجم * * [ رضي * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث أبي بكر أنه لقي طلحة بن عبيد الله فقال: مالي أراك واجما قال كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم موجبة لم أسأله عنها، فقال أبو بكر: أنا أعلم ما هي: لا إله إلا الله.
[ 232 ]
أما قوله أصبحت واجما، فإن الواجم المهتم الذي قد أسكته الهم وعلته الكآبة يقال منه: [ قد - ] وجم الرجل يجم وجوما. تمت أحاديث أبي بكر رضي الله عنه.
[ 233 ]
أحاديث عمر بن الخطاب الله عنه - ] * نطس * وقال أبو عبيد: في حديث عمر [ بن الخطاب رضي الله عنه - ]
[ 234 ]
وبالإسناد إلى أبي عبيد قال في حديث عمر: إنه خرج من الخلاء فدعا بطعام فقيل الا تتوضأ فقال: لولا التنطس ما باليت أن لا أغسل يدي. قال ابن علية: التنطس التقذر. وقال الأصمعي: هو المبالغة في الطهور وكل من أدق النظر في الأمور واستقصى عليها فهو متنطس، ومنه قيل للمتطبب: النطاسي والنطيس، وذلك لدقة نظره في الطب وقال أبو عمرو نحو قول الأصمعي وأنشد أحدهما للبعيث بن بشر يصف شجة أو جراحة: [ الطويل ] إذا قاسها الآسي النطاسي أدبرت * غشيشتها وازداد وهيا هزومها
[ 235 ]
ويروى: النطاسي - بالفتح والآسي: الطبيب، والغثيثة: ما يكون في الجرح من مدة ودم وصديد ونحو ذلك قال رؤبة: [ الرجز ] وقد أكون مرة نطيسا * طبا بأدواء الصبا نقريسا والنقريس قريب المعنى من النطيس وهو الفطن في الأمور العالم بها. وقول ابن علية: إنه التقذر [ هو - ] راجع إلى هذا المعنى. * صدع * * صدأ * * دفر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر حين سأل الأسقف عن الخلفاء فحدثه حتى انتهى إلى نعت الرابع فقال: صدع من حديد، فقال عمر: وادفراه
[ 236 ]
قال الأصمعي: كان حماد بن سلمة يقول: صدأ حديد قال: وهذا أشبه بالمعنى لأن الصدأ له دفر، والصدع لا دفر له. * ذفر * قال [ أبو عبيد - ]: والدفر هو النتن - إذا قلته بالدال وجزم الفاء، قال ومنه قيل للدنيا: أم دفر، ولهذا قيل للأمة: يا دفار، قال: وأما الذفر - بالذال معجمة وفتح الفاء، فإنه يقال ذلك لكل ريح
[ 237 ]
ذكية شديدة من طيب أو نتن: ذفر، قال ومنه قيل: مسك أذفر. قال أبو عبيد: فهذا ما يوصف به الذفر في شدة ريح الطيب، وأما / ما يقال في النتن فقولهم في ذفر الإبط وهو نتنه، وكذلك ذفر الحديد * 93 / ب وهو سهكه، قال عبيد بن الأبرص بكتيبة: [ الكامل ] جاءوا ترفل في الحديد لها ذفر يعني ريح الحديد وسهكه. * طلع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر حين قال عند موته: لو أن لي ما في الأرض جميعا لافتديت به من هول المطلع. قال الأصمعي: المطلع هو موضع الاطلاع من إشراف إلى انحدار. قال أبو عبيد: فشبه ما أشرف عليه من أمر الآخرة بذلك وقد يكون المطلع المصعد من أسفل إلى المكان المشرف، وهذا من الأضداد. ومنه حديث عبد الله في ذكر القرآن: لكل حرف منه حد ولكل حد مطلع. قيل:
[ 238 ]
معناه لكل حد مصعد يصعد إليه - يعني في معرفة علمه ومنه قول جرير ابن الخطفي: [ الكامل ] إني إذا مضر علي تحدبت * لاقيت مطلع الجبال وعورا يعني مصعدها. وقال أبو عمرو: قوله: لكل حد مطلع، يقول: مأتي يؤتى منه، وهو شبيه المعنى بالقول الأول، يقال: مطلع هذا الجبل من مكان كذاوكذا - أي مصعده ومأتاه. * فلج * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر حين بعث حذيفة وابن حنيف إلى السواد ففلجا الجزية على أهله. قال الأصمعي: قوله: فلجا - يعني قسما الجزية عليهم. قال: وأصل ذلك من الفلج وهو المكيال الذي يقال له الفالج، قال: وأصله سرياني، يقال له بالسريانية: فالغا، فعرب فقيل [ له - ]: فالج وفلج قال الجعدي يصف الخمر: [ المنسرح ] ألقي فيها فلجان من مسك دا * رين وفلج من فلفل ضرم
[ 239 ]
يعني حرارة طعم الفلفل. وإنما سمى القسمة بالفلج لأن خراجهم كان طعاما. قال أبو عبيد: فهذا الفلج، فأما الفلج - بضم الفاء - فهو أن يفلج الرجل أصحابه يعلوهم ويفوتهم. يقال منه: قد فلج يفلج [ فلجا وفلجا - ]. وأما الفلج - بفتح الفاء واللام - فهو النهر، قال الأعشى: [ الطويل ] فما فلج يجري إلى جنب صعنبي * له مشرع سهل إلى كل مورد والفلج أيضا في الأسنان من الرجل الأفلج، وهو المتباعد ما بين الثنايا والرباعيات. * قفف * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر حين قال له حذيفة: إنك تستعين بالرجل الذي فيه - وبعضهم يرويه: بالرجل الفاجر - فقال عمر: إني أستعمله لأستعين بقوته ثم أكون على قفانه.
[ 240 ]
قال الأصمعي: قفان كل شئ جماعه واستقصاء معرفته يقول: أكون على تتبع أمره حتى أستقصي علمه وأعرفه. * نشش * قال أبو عبيد: ولا أحسب هذه الكلمة عربية إنما أصلها قبان، ومنه قول العامة: فلان قبان على فلان - إذا كان بمنزلة الأمين عليه والرئيس الذي يتتبع أمره ويحاسبه ولهذا سمي هذا الميزان الذي يقال [ له - ] القبان [ القبان - ]. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر حين قال لابن عباس في شئ شاوره فيه فأعجبه كلامه فقال عمر: نشنشة من أخشن. هكذا كان سفيان يرويه بتقديم النون، واما أهل العلم بالعربية فيقولون غير هذا. قال الأصمعي: إنما هي شنشنة أعرفها من أخزم،
[ 241 ]
/ هذا بيت رجز تمثل به، قال: والشنشنة قد تكون كالمضغة أو القطعة * 94 / الف تقطع من اللحم. وقال غير واحد: بل الشنشنة مثل الطبيعة والسجية فأراد عمر إني أعرف فيك مشابه من أبيك في رأيه وعقله ويقال: إنه لم يكن لقرشي مثل رأي العباس [ رحمه الله - ]. قال أبو عبيد: وأخبرني ابن الكلبي أن هذا الشعر لأبي أخزم الطائي وهو جد أبي حاتم الطي أو جد جده، وكان له ابن يقال له أخزم، فمات أخزم وترك بنين فوثبوا يوما على جدهم أبي أخزم فأدموه فقال: [ الرجز ] إن بني رملوني بالدم * شنشنة أعرفها من أخزم يعني أن هؤلاء أشبهوا أباهم في طبيعته وخلقه وأحسبه كان به عاقا. وقد يكون المعنى الآخر كأنه جعلهم قطعة منه - أي أنهم بضعة. وقد تمثل أيضا بهذا الشعر عقيل بن علفة المري في بعض ولده، وإنما تمثل به
[ 242 ]
عمر تمثلا. قال أبو عبيدة: يقال: شنشنة ونشنشة، [ وغيره ينكر نشنشة - ]. * زور * * زوق * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر يوم سقيفة بني ساعدة حين اختلفت الأنصار على أبي بكر فقال عمر: وقد كنت زورت في نفسي مقالة أقوم بها بين يدي أبي بكر، قال: فجاء أبو بكر فما ترك شيئا مما كنت زورته إلا تكلم [ به - ]. قال الأصمعي: التزوير إصلاح الكلام وتهيئته. قال أبو زيد: المزور من الكلام المزوق واحد، وهو المصلح المحسن، وكذلك الخط إذا
[ 243 ]
قوم أيضا. وكان أبو عبيدة يقول للمزوق من البيوت: هو المصور، وهو من هذا، لأنه مزين بالتصاوير. قال أبو عبيد: وإنما قيل له مزوق، لأن أهل المدينة يسمون الزئبق الزاووق، قال: والتصاوير قد تكون به، فمن ثم قالوا: مزوق - أي أنه مصور بتصاوير يخالطه الزاووق. ومنه حديث عبد الله بن عمر: إذا رأيت قريشا قد هدموا البيت ثم بنوه فزوقوه فإن استطعت أن تموت فمت. * بضع * * حدر * * حذم * * خذم * * جذم * [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر حين ضرب الرجل الذي أقسم على أم سلمة ثلاثين سوطا كلها يبضع ويحدر. قال الأصمعي وغيره [ قوله - ]: يبضغ - يعني يشق الجلد. وقوله: يحدر - يعني يورم ولا يشق وقد اختلف الأصمعي وغيره في إعرابه، فقال بعضهم: يحدر إحدارا من أحدرت، وقال بعضهم يحدر حدورا من حدرت، وأظنهما لغتين - إذا جعلت الفعل للضرب،
[ 244 ]
فأما إذا كان الفعل للجلد نفسه أنه الذي تورم، فإنهم يقولون: قد حدر جلده يحدر حدورا، لا اختلاف فيه أعلمه وقال عمر بن أبي ربيعة: [ الكامل ] لو دب ذر فوق ضاحي جلدها * لأبان من آثارهن حدور ويروى: حدورا - يعني الورم وكذلك يقال: حدرت السفينة في الماء، وكل شئ أرسلته إلى أسفل [ يقال: حدرت - ] حدورا وحدرا - بغير ألف، ولم أسمعه بالألف أحدرت، ومنه سميت القراءة السريعة الحدر لأن صاحبها يحدرها حدرا. وأما الحدور - بفتح الحاء، فإنه الموضع المنحدر، يقال: وقعنا في حدور منكرة، كقولك في هبوط وصعود، كل هذا بالفتح وقال الله [ تبارك و - ] تعالى " سأرهقه صعودا " وكذلك الكؤود، ومنه حديث يروى عن أبي الدرداء: إن بين أيدينا عقبة كؤودا لا يجوزها إلا المخف. * 94 / ب وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر حين / قال لمؤذن بيت المقدس:
[ 245 ]
إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحذم. قال الأصمعي: الحذم الحدر في الإقامة وقطع التطويل. [ قال - ]: وأصل الحذم في المشي إنما هو الإسراع منه وأن يكون مع هذا كأنه يهوي بيديه إلى خلفه. وقال غيره: هو كالنتف في المشي شبيه بمشي الأرنب. وأما الخذم - بالخاء معجمة - فهو القطع، وقد يكون الجذم - بالجيم - القطع أيضا، ومنه قيل للأقطع: أجذم وقال المتلمس: [ الطويل ] وهل كنت إلا مثل قاطع كفه * بكف له أخرى فأصبح أجذما * وقد جذمتها قطعتها ومنه الحديث: من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم. وأما الحديث فهو بالحاء - غير معجمة.
[ 246 ]
* سمر * * شمر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر أنه قال: لا يقر رجل أنه كان يطأ جاريته إلا ألحقت به ولدها فمن شاء فليمسكها ومن شاء فليسمرها. [ قال أبو عبيد - ]: هكذا الحديث بالسين، قال الأصمعي: أعرف التشمير - بالشين معجمة، هو الإرسال، قال: وأراه من قول الناس: شمرت السفينة أرسلتها، قال: فحولت الشين إلى السين. قال أبو عبيد: وأما الشين فكثير في الشعر وغيره قال الشماخ يذكر أمرا نزل به: [ الطويل ] أرقت له في النوم والصبح ساطع * كما سطع المريخ شمره الغالي المريخ: السهم، والغالي: الرامي، والتشمير الإرسال فهذا كثير في كلامهم بالشين، فأما بالسين فلم يوجد إلا في هذا الحديث، وما أراها إلا تحويلا، كما قالوا: الرواسم - بالسين، وهو في الأصل بالشين، وكما قالوا: شمت الرجل وسمته.
[ 247 ]
* نفر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر أن رجلا تخلل بالقصب فنفر فمه، فنهى عمر عن التخلل بالقصب. قال الأصمعي: قوله: نفر فمه - يعني ورم، قال الكسائي مثل ذلك قال أبو عبيد: لا أرى هذا أخذ إلا من نفار الشئ من الشئ، إنما هو تجافيه عنه وتباعده منه فكأن اللحم لما أنكر الداء نفر فمه فظهر، فذلك نفاره. * كذب * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر كذب عليكم الحج، كذب
[ 248 ]
عليكم العمرة كذب عليكم الجهاد، ثلاثة أسفار كذبن عليكم. قال الأصمعي: معنى كذب عليكم معنى الإغراء - أي عليكم به وكأن الأصل في هذا أن يكون نصبا ولكنه جاء عنهم بالرفع شاذا على غير قياس قال: ومما يحقق ذلك أنه مرفوع قول الشاعر: [ الطويل ] كذبت عليك لا تزال تقوفني * كما قاف آثار الوسيقة قائف فقوله: كذبت عليك، إنما أغراه بنفسه - أي عليك [ بي - ]، فجعل نفسه في موضع رفع، ألا تراه قد جاء بالتاء فجعلها اسمه وقال معقر البارقي: [ الوافر ]
[ 249 ]
وذبيانية أوصت بنيها * بأن كذب القراطف والقروف القراطف: القطف، واحدها قرطف والقروف: الأوعية. قال: فرفع، والشعر مرفوع، ومعناه: عليكم بالقراطف والقروف. قال أبو عبيد: ومما يحقق الرفع أيضا قول عمر: ثلاثة أسفار كذبن عليكم
[ 250 ]
قال: ولم أسمع في هذا حرفا منصوبا إلا في شئ كان أبو عبيدة يحكيه عن أعرابي نظر إلى ناقة نضو لرجل، فقال: كذب عليك البزر والنوى، ولم أسمع [ أحدا يحكي - ] في هذا نصبا غير قول أبي عبيدة هذا. قال ابن علية: والعرب تقول للمريض: كذب عليك العسل، كذب عليك كذا وكذا - أي عليك به.
[ 252 ]
* 95 / الف * عرب * / وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر: ما يمنعكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس أن لا تعربوا عليه قالوا: نخاف لسانه، قال: ذلك أدنى أن لا تكونوا شهداء. قال أبو زيد والأصمعي: قوله [ أن - ] لا تعربوا [ عليه - ] يعني أن [ لا ] تفسدوا عليه كلامه وتقبحوه له قال أوس بن حجر: [ الطويل ] ومثل ابن غنم إن ذحول تذكرت * وقتلى تياس عن صلاح تعرب ويعرب - بالياء - يعني أنها تفسد المصالحة وتنكل عنها. وقد يكون
[ 253 ]
التعريض من الفحش، وهو قريب من هذا المعنى ومنه قول ابن عباس في قوله تعالى " فلا رفث ولا فسوق " قال: الرفث الذي ذكر ههنا ليس بالرفث الذي ذكر في موضع آخر، هو التحريض بذكر النكاح، وهو العرابة في كلام العرب. وقوله: العرابة كأنه اسم موضوع من التعريب، وهو ما قبح من الكلام، وكذلك الإعراب، يقال منه: [ عربت و - ] أعربت إعرابا. ومنه قول عطاء: إنه كره الإعراب للمحرم وقال رؤبة بن العجاج: [ الرجز ] والعرب في عفافة وإعراب وقوله: والعرب - يعني المتحببات إلى الأزواج، واحدتها: عروب والإعراب من الفحش فمعناه أن يقول: إنهن يجمعن العفافة عند الغرباء والإعراب عند الأزواج، وهذا كقول الفرزدق: [ الكامل ] يأنسن عند بعولهن إذا خلوا * وإذا هم خرجوا فهن خفار
[ 254 ]
وقد روي في بعض الحديث: خير النساء المتبذلة لزوجها الخفرة في قومها. * فرس * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر أنه نهى عن الفرس في الذبيحة. قال أبو عبيدة: الفرس هو النخع، يقال منه: قد فرست الشاة ونخعتها، وذلك أن تنتهي بالذبح إلى النخاع، وهو عظم في الرقبة ويقال أيضا: بل هو الذي يكون في فقار الصلب، شبيه بالمخ، وهو متصل بالفقار يقول: فنهى أن ينتهى بالذبح إلى ذلك. * لفت * قال أبو عبيد: أما النخع فهو على ما قال أبو عبيدة. وأما الفرس فقد خولف فيه، يقال: هو الكسر، [ و - ] إنما نهى أن يكسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد ومما يبين ذلك أن في الحديث: ولا تعجلوا الأنفس حتى تزهق. وكذلك حديث عمر
[ 255 ]
ابن عبد العزيز [ رحمه الله - ] أنه نهى عن الفرس والنخع وأن يستعان على الذبيحة بغير حديدتها. أفلا ترى [ أن - ] الكسر معونة عليها ومع هذا أن الفرس معروف في الكلام أنه الكسر، ويقال: إنما سميت فريسة الأسد لأنه يكسرها. * نقب * * نطق * * يمن * * هبد * * لفت * أبو عبيد: الفرس - بالسين: الكسر، وبالصاد: الشق. * نثث * * حمت * * ربع * * نضح * * سنى * [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر حين أتاه رجل يسأله فقال: هلكت وأهلكت، فقال عمر: اسكت أهلكت وأنت تنث نثيث الحميت - وبعضهم يرويه بالميم: تمث، ولا أرى المحفوظ إلا بالنون - ثم قال أعطوه ربعة من الصدقة، فخرجت يتبعها ظئراها، ثم أنشأ عمر بعد يحدثنا عن
[ 256 ]
نفسه فقال: لقد رأيتني أنا وأختا لي نرعى على أبوينا ناضحا لنا قد ألبستنا أمنا نقبتها وزودتنا يمينتيها من الهبيد، فنخرج بناضحنا فإذا طلعت * 95 / ب الشمس ألقيت النقبة إلى أختي / وخرجت أسعى عريانا فنرجع إلى أمنا وقد جعلت لنا لفيتة من ذلك الهبيد فيا خصباه. قوله: تنث، النثيث أن يعرق ويرشح من عظمه وكثرة لحمه يقال منه: نث الرجل ينث نثيثا، ويقال نث الرجل الحديث ينثه نثا - هذا بالضم وذلك بالكسر. وأما الحميت فزعم الأحمر أنه الزق المشعر الذي يجعل فيه السمن والعسل والزيت، وجمعه حمت، وهو الذي يقال له: النحي وجمعه أنحاء. قال أبو عبيدة: وأما الزق الذي يجعل فيه اللبن فهو الوطب، وجمعه وطاب وما كان منها للشراب فهو الذوارع، واسم الزق،
[ 257 ]
يجمع ذلك كله وأما ما كان للماء فهي الأسقية. وقوله: أعطوه ربعة، فالربعة ما ولد في أول النتاج، والذكر: ربع. و [ أما - ] قوله: ناضحا لنا، الناضح: [ هو - ] البعير الذي يسنى عليه فيسقى به الأرضون، والأنثى ناضحة - قالها الكسائي وهي السانية أيضا، وجمعها سواني، وقد سنت تسنو، ولا يقال ناضح لغير المستقي. وقوله: قد ألبستنا أمنا نقبتها، فإن النقبة أن تؤخذ القطعة من الثوب قدر السراويل فتجعل لها حجزة مخيطة من غير نيفق وتشد كما تشد حجزة السراويل، فإذا كان لها نيفق وساقان فهي سراويل، وإذا لم يكن لها نيفق ولا ساقان ولا حجزة فهو النطاق، وذلك أن تأخذ المرأة الثوب فتشتمل به، ثم تشد وسطها بخيط ثم ترسل الأعلى على الأسفل، فهذا النطاق فيما فسره [ لي - ] أبو زياد الكلابي، وبه سميت أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، وقال بعض الناس: إنما سميت بذلك أنها كانت
[ 258 ]
تطارق نطاقا بنطاق استتارا، ويقال: بل كان [ لها - ] نطاقا كان أحدهما كما تنطق المرأة وكان الآخر تجعل فيه طعاما وتأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وهما في الغار. وقوله زودتنا يمينتيها من الهبيد، هكذا جاء الحديث، ولكن الوجه في الكلام أن يكون يمينيها - بالتشديد، لأنه تصغير يمين، وتصغير الواحد: يمين - بلا هاء. وإنما قال يمينتيها ولم يقل يديها ولا كفيها، لأنه لم يرد أنها جمعت كفيها ثم أعطتهما بجميع الكفين، ولكنه أراد أنها أعطت كل واحد كفا واحدة بيمينها، فهاتان يمينان. وأما قوله: الهبيد، فإنه حب الحنظل، زعموا أنه يعالج حتى يمكن
[ 259 ]
أكله ويطيب ويقال منه: تهبد الرجل وتهبد الظليم تهبدا - إذا أخذه من شجره. وأما اللفيتة فإنها ضرب من الطبيخ لا أقف على حده، وأراه كالحساء ونحوه. * جدح * * / * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين خرج إلى الاستسقاء فصعد المنبر فلم يزد على الاستغفار حتى نزل، فقيل له: إنك لم تستسق، فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء. قال أبو عمرو: المجاديح واحدها مجدح، وهو كل نجم من النجوم
[ 260 ]
كانت العرب تقول: إنه يمطر به، كقولهم في الأنواء، فسألت عنه الأصمعي فلم يقل فيه شيئا وكره أن يتأول على عمر مذهب الأنواء وقال الأموي: يقال فيه [ أيضا: إنه - ] المجدح - بالضم وأنشدنا: [ المتقارب ] وأطعن بالقوم شطر الملو * ك حتى إذا خفق المجدح والذي يراد من هذا الحديث أنه جعل الاستغفار استسقاء بتأول قول الله * 96 / الف [ تبارك و - ] تعالى " استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا " وإنما نرى أن عمر تكلم [ بهذا - ] على أنها كلمة جارية على ألسنة العرب، ليس على تحقيق الأنواء ولا [ على - ] التصديق بها وهذا شبيه بقول ابن عباس [ رحمه الله - ] في رجل جعل أمر امرأته بيدها فطلقته ثلاثا، فقال: خطأ الله نوءها ألا طلقت
[ 261 ]
[ نفسها - ] ثلاثا، ليس هذا [ منه - ] دعاء عليها أن لا تمطر وإنما هو على الكلام المقول ومما يبين لك أن عمر أراد إبطال الأنواء والتكذيب بها قوله: لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها الغيث، فجعل الاستغفار هو المجاديح لا الأنواء. * بثن * * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] إذا مر أحدكم بحائط فليأكل منه ولا يتخذ ثبانا - وقد روي: ولا يتخذ خبنة. قوله: الثبان، قال أبو عمرو: هو الوعاء الذي يحمل فيه الشئ، فإن خبن حملته بين يديك فهو ثبان، يقال منه: قد ثبنت ثبانا فإن حملته على
[ 262 ]
ظهرك فهو الحال، يقال منه: [ قد - ] تحولت كسائي - إذا جعلت فيه شيئا ثم حملته على ظهرك فإن جعلته في حضنك فهو خبنة. ومنه الحديث المرفوع مثل ذلك، يقال منه: خبنت أخبن خبنا. * فلذ * * دهمق * * دهمق * * مرز * قا أبو عبيد: وإنما وجه هذا الحديث أنه رخص فيه للجائع المضطر الذي لا شئ معه ليشترى به. وهو مفسر في حديث آخر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للجائع المضطر إذا مر بحائط أن يأكل منه ولا يتخذ خبنة. ومما يبين لك أنه إنما رخص لذلك خاصة، قوله: لا يتخذ خبنة أو لا يتخذ ثبانا فلم يجعل له الثبان والخبنة إلا ما كان في بطنه قدر قوته فكيف يرخص لأهل الزاد الواسع أن يصيبوا أموال الناس. وكذلك حديث عمر الآخر في الإبل يمر بها المسافر قال:
[ 263 ]
يصوت: يا راعي الإبل - ثلاثا، فإن جاء وإلا فليشرب، إنما هو للمضطر الذي يخاف الموت على نفسه ولا يقدر على الشراء ومما يبين لك ذلك حديثه في الأنصار الذين مروا بحي من العرب فسألوهم القراء فأبوا فسألوهم الشراء فأبوا فضبطوهم فأصابوا منهم فأتوا عمر فذكروا ذلك [ له - ] فهم بالأعراب وقال: ابن السبيل أحق بالماء من التأني عليه. فهذا مفسر إنما هو لمن لم يقدر على قرى ولا شراء وكذلك قال في الحديث الأول ليصوت: يا راعي الإبل ثلاثا ليكون طلب القرى قبل. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل لأحد أن يحل صرار ناقة إلا بإذن أهلها فإن خاتم أهلها عليها. و [ قد - ] روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك أيضا. وكل هذا تقوية لمن كره أن يأخذ من الثمار أو الألبان [ شيئا - ] إلا بإذن أهلها والحديث في هذا كثير وله موضع غير هذا. * صلا * * صنب * * سلق * * صلق * * كركر [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ]: لو شئت
[ 264 ]
لدعوت بصلاء وصناب وصلائق وكراكر وأسنمة [ و - ] في بعض الحديث: وأفلاذ. قال أبو عمرو: الصلاء الشواء، سمي بذلك لأنه يصلى بالنار. قال: والصناب الخردل بالزبيب، قال: ولهذا قيل للبرذون: صنابي، إنما شبه لونه بذلك. قال: والسلائق - بالسين، وهو كل ما سلق من البقول وغيرها وقال غير أبي عمرو: هي الصلائق - بالصاد، ومعناها الخبز الرقيق قال جرير بن [ عطية بن - ] الخطفي: [ الوافر ] تكلفني معيشة آل زيد * ومن لي بالصلائق والصناب
[ 265 ]
وأما الكراكر فكراكر الإبل، واحدتها كركرة، وهي معروفة. وأما الأفلاذ فإن واحدها فلذ، وهي القطعة [ من الكبد - ]. ومنه حديث عبد الله حين ذكر أشراط الساعة فقال: وتلقي الأرض أفلاذ كبدها قال أعشى باهلة: [ البسيط ] تكفيه حزة فلذ إن ألم بها * من الشواء ويروي شربه الغمر وهو القعب الصغير. وحديث عمر هذا في ذكر الطعام شبيه بحديثه الآخر: لو شئت أن يدهمق لي لفعلت ولكن الله عاب قوما فقال " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها - ". قال الأصمعي قوله: يدهمق لي، الدهمقة لين الطعام وطيبه ورقته، وكذلك كل شئ لين قال الأصمعي: وأنشدني خلف الأحمر في نعت الأرض،
[ 266 ]
فقال: [ الرجز ] جون روابي تربه دهامق يعني تربة لينة. وقال غيره: الدهمقة والدهقنة واحد، والمعنى في ذلك * 96 / ب كالمعنى في الأول سواء، / لأن لين الطعام من الدهقنة. * حرز * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه أراد أن يشهد جنازة رجل فمرزه حذيفة، كأنه أراد أن يصده عن الصلاة عليها. قال أبو عمرو: لم أسمع هذه الكلمة، وإنها لتشبه كلام العرب، فقال رجل عنده من أهل اليمامة: هذه كلمة عندنا معروفة باليمامة، يقال: مرزت الرجل مرزا - إذا قرصه بأطراف أصابعه قرصا رفيقا ليس بالأظفار، فإذا اشتد المرز حتى يكون له وجع فهو حينئذ قرص وليس بمرز. * صفن * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] لئن بقيت لأسوين [ بين - ] الناس حتى يأتي الراعي حقه في صفنه لم يعرق
[ 267 ]
فيه جبينه. قال أبو عمرو: الصفن خريطة يكون للراعي فيها طعامه وزناده وما يحتاج إليه وقال الفراء: هو شئ مثل الركوة بتوضأ فيه. قال * سرا * * ببن * أبو عبيد: فقال صخر الهذلي يصف ماء ورده: [ المتقارب ] فخضخضت صفني في جمه * خياض المدابر قدحا عطوفا وقال أبو دؤاد الإيادي [ يصف ماء ورده - ]: [ البسيط ] هرقت في حوضه صفنا ليشربه * في داثر خلق الأعضاد أهدام وقد يمكن أن يكون ما قال أبو عمرو والفراء جميعا أن يكون يستعمل الصفن في هذا وفي هذا، وقد سمعت من يقول هو الصفن - بفتح الصاد، وهي الصفنة أيضا بالتأنيث. وحديث عمر هذا شبيه بحديثه [ الآخر - ] حين قال: لئن بقيت إلى قابل ليأتين كل مسلم حقه - أو [ قال - ] حظه - حتى يأتي الراعي بسرو حمير لم يعرف فيه جبينه. قال أبو عمرو: قوله:
[ 268 ]
بسرو حمير، السرو ما انحدر من حزونة الجبل وارتفع عن منحدر الوادي فما بينهما سرو قال الأصمعي: وهو الخيف أيضا، قال: وبه سمي خيف منى وقال غيرهما: هو النعف أيضا. ويروى عن عمر في حديث ثالث أنه قال: لئن عشت إلى قابل لألحقن آخر الناس بأولهم حتى يكونوا ببانا واحدا. قال ابن مهدي: يعني شيئا واحدا، قال أبو عبيد: وذلك الذي أراد فيما نرى، ولا أحسب هذه الكلمة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث. * عرض * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] في أسيفع
[ 269 ]
جهينة أنه خطب فقال: ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته بأن يقال: سابق الحاج - أو قال: سبق الحاج - فادان معرضا فأصبح قد رين به، فمن كان له عليه دين فليغد بالغداة فلنقسم ماله بينهم بالحصص. قال أبو زيد الأنصاري: قوله: فادان معرضا - يعني فاستدان معرضا، وهو الذي يعترض الناس فيستدين ممن أمكنه، قال الأصمعي: وكل شئ أمكنك من عرضه فهو معرض لك ومن هذا قول الناس: هذا الأمر معرض لك، إنما هو بكسر الراء [ بهذا المعنى - ] ومنه قول عدي
[ 270 ]
ابن زيد: [ الخفيف ] سره حاله وكثرة ما يملك * البحر معرضا والسدير و [ يروى - ] معرض - بالرفع أيضا. * رين * [ قال أبو عبيد - ]: [ ويروى: والنخل معرضا، أيضا - ]. و [ قال أبو عبيد - ]: قوله: فأصبح قد رين به، قال أبو زيد يقال: قد رين بالرجل رينا - إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ولا قبل له به وقال القناني الأعرابي: رين به: انقطع به [ قال أبو عبيد - ]: وهذا المعنى شبيه بما قال أبو زيد لأنه إذا أتاه ما لا قبل له به فو منقطع به، وكذلك كل ما غلبك وعلاك فقد ران بك وران عليك ومنه قول الله [ تبارك و - ] تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قال الحسن في هذه الآية: هو الذنب على الذنب حتى * 97 / الف يسود القلب، قال أبو عبيد: وهذا من الغلبة عليه أيضا. وكذلك / قول
[ 271 ]
أبي زبيد يصف رجلا شرب حتى غلبه الشراب سكرا، فقال: [ الخفيف ] ثم لما رآه رانت به الخمر * وأن لا ترينه باتقاء قوله: رانت به الخمر - أي غلبت على عقله وقلبه. قال الأموي: ويقال أيضا: قد أران القوم فهم مرينون - إذا هلكت مواشيهم أو هزلت، وهذا من الأمر الذي أتاهم مما يغلبهم ولا يستطيعون احتماله. وفي هذا [ الحديث - ] من الفقه أنه باع عليه ماله وقسمه بين الغرماء، وهذا مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم في معاذ بن جبل أنه كان رجلا سخيا فركبه الدين فخلعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماله للغرماء وبهذا يقضي أهل الحجاز، وبه كان يحكم أبو يوسف فأما أبو حنيفة فإنه كان لا يرى أن يبيع عليه ماله، ولكنه قال: يحبس أبدا حتى يموت أو يقضي ما عليه. * شصص * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين قال لمولاه أسلم ورآه يحمل متاعه على بعير من إبل الصدقة فقال: فهلا ناقة شصوصا
[ 272 ]
أو ابن لبون بوالا. قال الكسائي: الشصوص التي قد ذهب لبنها، وكذلك قال الأصمعي، واختلفا في الفعل من ذلك فقال أحدهما: شصت الناقة تشص [ وتشص - ] شصوصا، وقال الآخر: أشصت تشص إشصاصا - إذا ذهب لبنها، وهما لغتان بالألف وبغير الألف. وأما قوله: ابن لبون بوالا، فسماه بوالا والإبل كلها تبول، وإنما وصفه بالبول يقول: ليس عنده إلا البول، ما عنده ما ينتفع به من
[ 273 ]
الظهر ولا له ضرع فيحلب، لم يرد على إن كان بوالا. * نقع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين قيل له: إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد فقال: وما على
[ 274 ]
نساء بني المغيرة أن يسفكن من دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقع ولا لقلقة - وقد رواه بعضهم أن يسفكن من دموعهن وهن جلوس. قال الكسائي: قوله نقع ولا لقلقة، النقع: صنعة الطعام - يعني في المأتم، يقال منه: نقعت أنقع نقعا. * صلق * * لقلق * قال أبو عبيد: وغير هذا التأويل أحب إلي منه، وذلك أن الكسائي ذهب بالنقع إلى النقيعة، وإنما النقيعة عند غيره من العلماء صنعة الطعام عند القدوم من السفر لا في المأتم قال الشاعر: [ الكامل ] إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم * ضرب القدار نقيعة القدام
[ 275 ]
يعني بالقدام القادمين من السفر، وقد قال بعضهم: القدام الملك، والكلام الأول أشبه والقدار: الجزار [ قال - ]: وأما النقع الذي في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] فإنه عندنا رفع الصوت، على هذا رأيت قول الأكثر من أهل العلم، وهو أشبه بالمعنى ومنه قول لبيد: [ الرمل ] فمتى ينقع صراخ صادق * يحلبوها ذات جرس وزجل ويحلبوها أيضا يقول: متى ما سمعوا صارخا أحلبوا الحرب - أي جمعوا لها وقوله: ينقع صراخ - يعني رفع الصوت. ومما يحقق ذلك المعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من صلق أو حلق أو خرق، فقوله: صلق - يعني رفع الصوت، يقال بالسين والصاد. وقال
[ 276 ]
بعضهم: يريد عمر بالنقع وضع التراب على الرأس، يذهب إلى [ أن - ] النقع هو الغبار، ولا أحسب عمر ذهب إلى هذا ولا خافه منهن وكيف يبلغ خوفه ذا وهو يكره لهن القيام فقال: يسفكن من دموعهن وهن جلوس. وقال بعضهم: النقع شق الجيوب، وهذا الذي لا أدري ما هو ولا أعرفه، وليس النقع عندي في هذا الحديث إلا الصوت الشديد. وأما اللقلقة فشدة الصوت، لم أسمع فيها اختلافا. * 97 / ب * نهج * / وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين أتاه
[ 277 ]
سلمان بن ربيعة الباهلي يشكو إليه عاملا من عماله قال: فأخذ الدرة فضربه بها حتى أنهج. قال الكسائي: قوله: أنهج، هو النفس والبهر الذي يقع على الإنسان من الإعياء عند العدو أو معالجة الشئ حتى يبتهر، يقال منه قد أنهجت أنهج إنهاجا قال أبو عبيد: وأحسب ونهجت أنهج نهجا. قال أبو عبيد:
[ 278 ]
والنهج في غير هذا [ الموضع - ] أيضا، يقال [ منه - ]: قد نهج الثوب وأنهج - إذا خلق، والنهج: الطريق العامر، وهو المنهاج. قال أبو عبيد: ويروى أن عمر إنما ضرب سلمان من قبل أن يعرف صدقه من كذبه، إنه أراد تأديبه لينكله عن السعاية بأحد إلى سلطان أو كره له الطعن على الأمراء، لا أعرف للحديث وجها غير هذين، ومع هذا أنه قد بلغنا أنه شكى إليه غير واحد من عماله، منهم سعد وأبو موسى والمغيرة وغيرهم، فلم يفعل بأحد ممن رفع إليه ما فعل بسلمان. * غرب * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين قدم عليه أحد ابني ثور فقال عمر: هل من مغربة خبر قال: نعم، أخذنا رجلا من العرب كفر بعد إسلامه فقدمناه فضربنا عنقه، فقال: فهلا أدخلتموه جوف بيت فألقيتم إليه كل يوم رغيفا ثلاثة أيام لعله يتوب أو يراجع، اللهم لم أشهد ولم آمر ولم أرض إذ بلغني.
[ 279 ]
قوله: مغربة (مغربة) خبر، يقال: بكسر الراء وفتحها قالها الأموي [ مغربة خبر - ] بالفتح، وغيره بالكسر، وأصله فيما نرى عن الغرب، هو البعد، ومنه قيل: دار فلان غربة قال الشاعر: [ البسيط ] وشط ولأي النوى [ إن النوى - ] قذف * تياحة غربة بالدار أحيانا ومنه قيل: شأو مغرب (مغرب) قال الكميت في المغرب (المغرب): [ الطويل ] أعهدك من أولى الشبيبة تطلب * على دبر هيهات شأو مغرب (مغرب) *
[ 280 ]
وفي هذا الحديث من الفقه أنه رأى أن لا يقتل [ الرجل - ] مرتدا حتى يستتيبه، ثم وقت في ذلك ثلاثا، ولم أسمع التوقيت في غير هذا الحديث وفيه أنه لم يسأله أولد على الفطرة أو على غيرها وقد رأى أن يستتاب فهذا غير قول من يقول: إن ولد على الفطرة لم يستتب. * أكل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين قال: آلله (آلله) (آلله) ليضربن أحدكم أخاه بمثل آكلة اللحم ثم يرى أني لا أقيده، والله لأقيدنه منه. قال يزيد قال الحجاج: آكلة اللحم [ يعني - ] عصا محددة وقال الأموي: الأصل في هذا أنها السكين وإنما شبهت العصا المحددة بها
[ 281 ]
يعني الأموي أنها إنما سميت آكلة اللحم لأن اللحم يقطع بها. وفي هذا الحديث من الحكم أنه رأى القود في القتل بغير حديدة، وذلك إذا كان مثله يقتل، [ و - ] هذا قول أهل الحجاز أن من تعمد رجلا بشئ حتى قتله به أنه يقاد به وإن كان غير حديدة وكان أبو حنيفة لا يرى القود إلا أن يكون قتله بحديدة أو أحرقه بنار، وقال أبو يوسف ومحمد [ بن الحسن - ]: إذا ضربه بما يقتل مثله كالخشبة العظيمة والحجر الضخم فقتله فعليه القود. * عضل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه حين قال - ]: أعضل بي أهل الكوفة ما يرضون بأمير ولا يرضاهم أمير - وروي عنه أنه قال: غلبني أهل الكوفة أستعمل عليهم المؤمن فيضعف، وأستعمل عليهم الفاجر فيفجر.
[ 282 ]
قال الأموي: قوله: أعضل بي، هو من العضال، وهو الأمر الشديد الذي لا يقوم له صاحبه، يقال: قد أعضل الأمر فهو معضل، ويقال: [ قد - ] عضلت المرأة تعضيلا - إذا نشب الولد فخرج بعضه ولم يخرج بعض فبقي معترضا. وكان أبو عبيدة يحمل هذا على الإعضال * 98 / الف في الأمر ويراه منه، فيقول: أنزلوا بي أمرا معضلا لا أقوم به. وقال ذو الرمة: [ الوافر ] ولم أقذف لمؤمنة حصان * بأمر الله موجبة عضالا بأمر الله وبإذن الله. ويقال في غير هذا: عضل الرجل أخته وابنته يعضلها (يعضلها) عضلا - إذا منعها من التزويج، وكذلك عضل الرجل امرأته قال الله [ تبارك و - ] تعالى " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن - " يقال في تفسيره: إنه أن يطلقها واحدة حتى إذا
[ 283 ]
كادت تنقضي عدتها ارتجعها، ثم طلقها أخرى، ثم كذلك الثانية والثالثة يطول عليها العدة [ إلى الثالثة - ] ويضارها بذلك، يقال في قوله: " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا - " إنه هذا أيضا. * غضف * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين خطب فذكر الربا فقال: إن منه أبوابا لا تخفى على أحد، منها السلم في السن وأن تباع الثمرة وهي مغضفة لما تطب وأن يباع الذهب بالورق نساء. قال أبو عمرو: المغضفة المتدلية في شجرها، وكل مسترخ أغضف قال: ومنه قيل للكلاب: غضف، لأنها مسترخية الآذان. * زها * * شقح * * سنن * قال أبو عبيد: والذي قال أبو عمرو هو كما قال، ولكن عمر لم يكره من بيعها أن تكون مغضفة فقط، إنما كره بيعها قبل أن يبدو صلاحها، فهي لا تكون في تلك الحال إلا مغضفة في شجرها لم تجذ ولم تقطف وهذا مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو،
[ 284 ]
وزهوها أن تصفر أو تحمر ومثله حديث أنس أنه كره بيعها حتى يشقح، والتشقيح مثل الزهو أيضا وكذلك حديثه الآخر حتى تأمن من العاهة. وهذا كله بمعنى واحد، وإنما ذكر عمر
[ 285 ]
الإغضاف لأنها إذا كانت غير رمدركة فهي لا تكون إلا متدلية، فكره أن تباع على تلك الحال ثم يتركها المشتري في يد البائع حتى تطيب، فهذا المنهي عنه المكروه. وأما السلم في السن، فأن يسلف الرجل في الرقيق والدواب وكل شئ من الحيوان، فهو مكروه في قول أهل العراق لأنه ليس له حد معلوم كسائر الأشياء وقد رخص فيه بعض الفقهاء مع هذا. * عرق * * علق * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين خطب الناس فقال: [ الا - ] لا تغالوا في صدق النساء فإن الرجل يغالي في صداق المرأة حتى يكون ذلك لها في قلبه عداوة، يقول: جشمت إليك علق القربة أو عرق القربة.
[ 286 ]
قال أبو عبيد: وفي هذا الحديث اختلاف كثير، قال الكسائي: عرق القربة أن يقول: نصبت لك وتكلفت حتى عرقت كعرق القربة، وعرقها سيلان مائها وقال أبو عبيدة: عرق القربة أن يقول: تكلفت إليك ما لم يبلغه أحد حتى تجشمت ما لا يكون لأن القربة لا تعرق، يذهب أبو عبيدة إلى مثل قول الناس: حتى يشيب الغراب وحتى يبيض الفأر، ومثل قولهم: الأبلق العقوق، والعقوق الحامل، وأشباهه
[ 287 ]
مما قد علم أنه لا يكون. قال أبو عبيد: وله فيه وجه آخر، قال: إذا قال: علق القربة فإن علقها عصامها الذي تعلق به، فيقول: تكلفت لك كل شئ حتى عصام القربة. قال أبو عبيد: وحكي [ لي - ] عن يونس البصري أنه قال: عرق القربة منقعتها، يقول: جشمت إليك حتى احتجت إلى نقع القربة وهو ماؤها - يعني في الأسفار وأنشد لرجل أخذ سيفا من رجل فقال: [ الوافر ] سأجعله مكان النون مني * وما أعطيته علق الخلال قال أبو عبيد: لم أعطه عن مودة من المخالة والصداقة، ولكن أخذته قسرا. والحديث في شعر بني عبس واضح أنه أسره أخذ سيفه [ ذا - ] النون. وقال غير هؤلاء من العلماء: عرق القربة بقايا الماء
[ 288 ]
* 98 / ب فيها، واحدتها عرقة. ويروى عن أبي الخطاب / الأخفش أنه قال: العرقة السفيفة التي يجعلها الرجل على صدره، إذا حمل القربة، سماها عرقة لأنها منسوجة. قال الأصمعي: عرق القربة كلمة معناها الشدة، قال: ولا أدري ما أصلها. قال الأصمعي: وسمعت ابن أبي طرفة - وكان من أفصح من رأيت - يقول: سمعت شيخاننا يقولون: لقيت من فلان عرق القربة - يعنون الشدة وأنشدني [ الأصمعي - ] لابن أحمر: [ الكامل ] ليست بمشتمة تعد وعفوها * عرق السقاء على القعود اللاغب قال أبو عبيد: أراد أنه يسمع الكلمة تغيظه وليست بشتم فيأخذ صاحبها بها، وقد أبلغت إليه كعرق السقاء على القعود اللاغب، أراد بالسقاء القربة، فقال: عرق السقاء لما لم يمكنه الشعر، ثم قال: على القعود اللاغب، وكأن معناه أن يعلق القربة على القعود في أسفارهم، وهذا المعنى شبيه بما كان الفراء يحكيه. زعم أنهم كانوا في المفاوز في أسفارهم يتزودون الماء فيعلقونه على الإبل يتناوبونه، فكان في ذلك تعب ومشقة
[ 289 ]
على الظهر وكان الفراء يجعل هذا التفسير في علق القربة باللام. * بهر * * بور * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه رفع إليه غلام ابتهر جارية في شعره، فقال: انظروا إليه فلم يوجد أنبت فدرأ عنه الحد - وروى بعضهم هذا الحديث عن عثمان. قوله: ابتهر، الابتهار أن يقذفها بنفسه فيقول: فعلت بها كاذبا، فإن كان قد فعل فهو الابتيار قال الكميت: [ المتقارب ] قبيح بمثلي نعت الفتا * ة إما ابتهارا وإما ابتيارا * يقول: فذكر ذلك مني قبيح إن كنت فعلت [ ذلك - ] أو لم أفعل وإنما أخذ الابتيار من قولك: برت الشئ أبوره - إذا خبرته، وهذا
[ 290 ]
افتعلت منه. وفي [ هذا - ] الحديث من الحكم أنه رأى الإدراك بالإنبات، وهذا مثل حكم النبي صلى الله عليه وسلم في بني قريظة قال عطية القرظي: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فنظروا إلي فلم أكن أنبت فألحقني بالذرية وهذا قول يقول به بعض الحكام، وأما الذي عليه العمل فحديث ابن عمر قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فردني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني فهذا الحد بين الصغر والإدراك خمس عشرة إلا أن يكون قبل ذلك احتلام.
[ 291 ]
* حلن * * جفر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه قضى في الأرنب بحلان - يعني إذا قتلها المحرم. قال الأصمعي وغيره: قوله: الحلان - يعني الجدي وأنشدني: [ البسيط ] يهدى إليه ذراع الجدي تكرمة * إما ذكيا وإما كان حلانا ويروى: إما ذبيحا، فالذبيح: الذي قد أسن وأدرك أن يضحى به، فهو يجوز أن يكون ذبيحا وذبحا وأما قوله: وإما كان حلانا، فإنه يعني الصغير الذي لا يجزئ في الأضحية، وأما الذكي فهو الذي يذكى بالذبح. قال: و [ قد - ] سمعت في الحلان غير هذا، يقال: إن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا ولد له جدي حز في أذنه حزا أو قطع منها شيئا، وقال: اللهم
[ 292 ]
إن عشا فقني، وإن مات فذكي قال: فإن عاش الجدي فهو الذي أراد، وإن مات قالك قد كنت ذكيته بالحز فاستجاز أكله بذلك. وهذا التفسير يجوز في هذا الشعر، فأما عمر فإنه لم يرد بالحلان إلا الجدي نفسه فجعله اسمه * 99 / الف إن كان فيه الحز أو لم يكن - يقول: على هذا المحرم الذي قتل أرنبا / أن يذبح جديا. وفي الحلان أيضا لغة أخرى الحلام - بالميم، وربما شبهوا الميم بالنون حتى يجعلوهما في قافية، وأنشدني الأحمر: [ الرجز ] يا رب جعد فيهم لو تدرين * يضرب ضرب السبط المقاديم * فجمع بين الميم والنون في قافية، وذلك لقرب مخرج أحدهما من الآخر، وهذا كقولهم: أغبطت عليهم الحمى وأغمطت وقال مهلهل: [ الرجز ] كل قتيل في كليب حلام * حتى ينال القتل آل همام * يقول: كلهم ناقص ليس بكفو لكليب وليس فيهم وفاء بدمه، كما أن الجدي ليس فيه وفاء بالمسن إلا آل همام فإنهم أكفاء له وفيهم وفاء بدمه. وقال أبو زيد: والجفر أيضا من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر
[ 293 ]
وفصل عن أمه، ومنه حديث عمر أنه قضى في الضبع كبشا وفي الظبي شاة وفي اليربوع جفرا أو جفرة وقال حسان بن ثابت [ في رجل جرح فسقط - ]: [ الكامل ] ومرنح فيه الأسنة شرعا * كالجفر غير سميدع الأعمام * وفي هذا الحديث من الفقه أنه يرد قول من قال: لا يكون الهدي أصغر من الجذع من الضأن، والثني من المعز، يشبههما بالأضاحي ويقول: عليه القيمة يتصدق بها وقول عمر [ رحمه الله - ] أولى بالاتباع. * حدج * * فنى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه قال: حجة ههنا ثم احدج ههنا حتى تفنى.
[ 294 ]
قوله: ثم احدج ههنا - يعني إلى الغزو، والحدج شد الأحمال وتوسيقها يقال: حدجت الأحمال وغيرها أحدجها حدجا والواحد منها حدج، وجمعها حدوج وأحداج قال طرفة: [ الطويل ] كأن حدوج المالكية غدوة * خلايا سفين بالنواصف من دد وقال الأعشى: [ المتقارب ] ألا قل لميثاء ما بالها * أللبين تحدج أحمالها ويروى: أجمالها قوله: تحدج - يعني تشد عليها. والذي يراد من هذا الحديث أنه فضل الغزو على الحج بعد حجة الإسلام. وقوله: حتى تفنى - يريد بالفناء الهرم ومنه قول لبيد: [ الطويل ] حبائله مبثوثة بسبيله * ويفنى إذا ما أخطأته الحبائل فالحبائل الموت، يقول: فإذا أخطأه الموت فإنه يفنى - يعني يهرم ومنه قيل للشيخ الكبير: فان - أي هرم.
[ 295 ]
* سعع * * شعع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه سافر في عقب رمضان وقال: إن الشهر قد تسعسع فلو صمنا بقيته. ورواة هذا الحديث يختلفون فيه فبعضهم يقول: [ قد - ] تسعسع - كلاهما بالسين، وبعضهم يقول: [ قد - ] تشعشع - كلاهما بشين، وبعضهم يقول: تشعسع - بشين وسين. قال أبو عبيد: والصواب [ عندنا - ] تسعسع - كلاهما بسين. ومعناه أنه أدبر وفنى إلا أقله، وكذلك يقال للإنسان إذا كبر حتى يهرم فتولى: قد تسعسع وقال رؤبة يذكر امرأة تخاطب صاحبتها: [ الرجز ] قالت وما تألو به أن ينفعا * يا هند ما أسرع ما تسعسعا
[ 296 ]
من بعد ما كان فتى سرعرعا يعني أنها أخبرت صاحبتها عن رؤبة أنه قد أدبر وفنى. قال أبو عبيد: فهذا الذي نعرفه. فأما من قال: تشعسع، فأظنه ذهب إلى الشاسع، يقول: إن الشهر قد ذهب وبعد، ولو كان من هذا المعنى لقيل: تشسع، ولم يكن يزاد فيه عين أخرى. والذي قال: تشعشع، أظنه ذهب إلى الطول، كما قيل: ناقة شعشعانة وعنق شعشعان وليس الوجه عندي إلا الأول. * شقق * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أن رجلا
[ 297 ]
خطب فأكثر فقال عمر: إن كثيرا من الخطب من شقاشق الشيطان. و [ قال الأصمعي وأبو عمرو وغيرهما - ] قوله: الشقاشق، واحدتها شقشقة، وهي التي إذا هدر الفحل من الإبل العراب خاصة خرجت من شدقه شبيهة بالرئة، وهي التي / يقول فيها الأعشى: [ السريع ] * 99 / ب واقن فإني طبن عالم * أقطع من شقشقة الهادر وهذا مثل يقول: إني أقطع لسان المتكلم الذي يهدر كما يهدر ذاك فأسكته، وقوله: اقن، يقول: الزم حظك واسكت، يقال: قنيت حيائي، لزمته. [ قال أبو عبيد - ]: فشبه عمر إكثار الخاطب من الخطبة بهدر البعير في شقشقته ثم نسبها إلى الشيطان، وذلك لما يدخل فيها من الكذب وتزوير الخاطب الباطل عند الإكثار من الخطب وإن كان الشيطان لا شقشقة له، إنما هذا مثل. * مرط * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين
[ 298 ]
قدم مكة فأذن أبو محذورة فرفع صوته فقال: أما خشيت يا أبا محذورة أن تنشق مريطاؤك قال الأصمعي: المريطاء ممدودة، وهي ما بين السرة إلى العانة وكان الأحمر يقول: هي مقصورة وكان أبو عمرو يقول: تمد وتقصر ولا أرى المحفوظ من هذا إلا قول الأصمعي. قال أبو عبيد: وهذه كلمة لا يتكلم بها إلا بالتصغير، ولها نظائر في الكلام قولهم: الثريا، لا يتكلم بها إلا بالتصغير، وكذلك الحميا وهي سورة الشراب ودبيبه في الجسد، وكذلك القصيرى، وكذلك السكيت من الخيل وهو الذي يجئ آخر الخيل في السباق.
[ 299 ]
* فطر * * منى * * مذى * * ودى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه سئل عن المذي فقال: هو الفطر وفيه الوضوء. قوله: الفطر، نرى - والله أعلم - أنه إنما سمي فطرا لأنه شبه بالفطر في الحلب، يقال: فطرت الناقة أفطرها [ وأفطرها - ] فطرا، وهو الحلب بأطراف الأصابع، فلا يخرج اللبن إلا قليلا، وكذلك يخرج المذي، وليس المني كذلك لأنه يخذف به خذفا. وقد قال بعضهم: إنما سمي المذي فطرا [ لأنه - ] شبه بفطر ناب البعير، يقال: فطر نابه - إذا طلع، فشبه طلوع هذا من الإحليل بطلوع ذلك. وقد روي عن ابن
[ 300 ]
عباس [ رحمه الله - ] في تفسير المني والمذي والودي. قال: فالمني هو الغليظ الذي يكون منه الولد والمذي الذي يكون من الشهوة تعرض بالقلب، أو من الشئ يراه الإنسان أو من ملاعبة أهله والودي الذي يخرج بعد البول وفي هذين الوضوء: [ المذي والودي - ]، وفي المني وحده الغسل. ويقال من المني: أمنيت - بالألف، لا أعرف منه غير ذلك ومنه قول الله تبارك وتعالى " أفرأيتم ما تمنون "
[ 301 ]
بضم التاء ولم أسمع أحدا قرأها بالفتح. وأما المذي ففيه لغتان: مذيت وأمذيت. وأما الودي فلم أسمع بفعل اشتق منه إلا في حديث يروى عن عائشة [ رحمة الله عليها - ]. * غيل * * افتك * * غدر * * صبر * وقا [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أن صبيا قتل بصنعاء غيلة فقتل به عمر سبعة وقال: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم. قوله: غيلة، هو أن يغتال الإنسان فيخدع بالشئ حتى يصير إلى موضع يستخفى له فإذا صار إليه قتله وهو الذي يقول فيه أهل الحجاز: إنه ليس للولي أن يعفو عنه يرون عليه القتل على كل حال في الغيلة خاصة. وأما أهل العراق فالغيلة عندهم وغيرها سواء إن شاء الولي عفا، وإن شاء قتل، فهذا تفسير الغيلة. وأما الفتك في القتل فأن يأتي الرجل الرجل وهو غار مطمئن لا يعلم بمكان الذي يريد قتله حتى يفتك به فيقتله.
[ 302 ]
وكذلك لو كمن له في موضع ليلا أو نهارا فإذا وجد غرة قتله، ومن ذلك حديث الزبير حين أتاه رجل فقال: ألا أقتل لك عليا فقال: وكيف تقتله قال: أفتك به فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قيد الإيمان الفتك ولا يفتك مؤمن. [ قال - ]: ومنه حديث عمرو بن الحمق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أمن رجلا ثم قتله فأنا برئ منه وإن كان المقتول في النار فهذا معناه أن يقتله من غير أن يعطيه الأمان. فأما إذا أعطاه الأمان ثم قتله فذلك الغدر، وهو شر هذه الوجوه كلها، وهو الذي يروى * 100 / الف في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: / لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان. ومن وجوهه أيضا الصبر، وهو أن
[ 303 ]
يؤخذ الرجل أسيرا ثم يقدم فيقتل، فهذا لم يقتل غيلة ولا فتكا ولا غدرا لأنه أخذ بغير أمان، فهذه أربعة أوجه من أسماء القتل، هي الأصول التي فيها الأحكام خاصة. وأما قتل الخطأ فهو عند أهل العراق على وجهين: أحدهما أن يرمي الرجل وهو يتعمد صيدا أو هدفا أو غيره فيصيب إنسانا بأي شئ كان من سلاح أو غيره، فهذا عندهم الخطأ المحض والدية [ فيه - ] على العاقلة أرباعا: خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون وبعضهم يجعلها أخماس: عشرين حقة وعشرين جذعة وعشرين بنت لبون وعشين بنت مخاض وعشرين ابن مخاض وبعض الفقهاء يجعل مكان عشرين ابن مخاض عشرين ابن لبون. والوجه الآخر
[ 304 ]
من الخطأ عندهم أن يتعمد الرجل إنسانا بشئ لا يقتل مثله فيموت منه كالسوط والعصا والحجر الذي ليس بضخم فاسم هذا [ عندهم - ] شبه العمد، وإنما سموه بذلك لأنه لم يتعمده بما يقتل مثله، وقالوا عمدا لأنه تعمده وإن لم يرد قتله، فاجتمع فيه المعنيان فسمي شبه العمد لهذا، ففي هذا الدية مغلظة: ثلاث حقاق، وثلاث جذاع، وثلاث ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة والخلفة: الحامل. وهذا في حديث يحتجون به وهو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب يوم فتح مكة فقال: ألا وفي قتيل خطأ العمد ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة. قال أبو عبيد: ويروى عن عمر شئ يشبهه، وهذا قول أهل العراق. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه سئل
[ 305 ]
عن حد الأمة فقال: إن الأمة ألقت فروة رأسها من وراء الدار. قال الأصمعي: الفروة جلدة الرأس. * فرا * قال أبو عبيد: و [ هو - ] لم يرد الفروة بعينها، وكيف تلقي جلدة رأسها من وراء الدار، ولكن هذا مثل، إنما أراد بالفروة القناع، يقول: ليس عليها قناع ولا حجاب، وإنها تخرج إلى كل موضع يرسلها أهلها إليه لا تقدر على الامتناع من ذلك، فتصير حيث لا تقدر على الامتناع من الفجور، مثل رعاية الغنم وأداء الضريبة ونحو ذلك، فكأنه رأى أنه لا حد عليها إذا فجرت لهذا المعنى وقد روي تصديق ذلك في حديث مفسر عن عاصم قال: تذاكرنا يوما قول عمر [ هذا - ] فقال سعد بن حرملة: إنما ذلك من قول
[ 306 ]
عمر في الرعايا، فأما الإماء اللوتي قد أحصنهن مواليهن فإنهن إذا أحدثن حددن. قال أبو عبيد: أما الحديث فرعايا، وأما في العربية: فرواعي. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه أتي بشارب فقال: لأبعثنك إلى رجل لا تأخذه فيك هوادة فبعث به إلى مطيع بن الأسود العدوي فقال: إذا أصبحت غدا فاضربه الحد، فجاء عمر وهو يضربه ضربا شديدا فقال: قتلت الرجل، كم ضربته قال: ستين، فقال: أقص عنه بعشرين.
[ 307 ]
* قصص * [ قال أبو عبيد - ]: قوله: اقص عنه بعشرين، يقول: اجعل شدة هذا الضرب الذي ضربته قصاصا بالعشرين التي بقيت ولا تضربه العشرين. وفي هذا الحديث من الفقه أن ضرب الشاب ضرب خفيف، وكذلك سمعت محمد بن الحسن يقول في القاذف والشارب، قال: وأما الزاني فإنه أشد ضربا منهما، قال: والتعزير أشد الضرب. وفي [ هذا - ] الحديث [ أيضا - ] أنه لم يضربه في سكره حتى أفاق، ألم تسمع قوله: إذا أصبحت غدا فاضربه الحد. * أسر * * أسر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أن رجلا أتاه فذكر أن شهادة الزور قد كثرت / [ في - ] أرضهم، فقال: * 100 / ب لا يؤسر أحد في الإسلام بشهداء السوء فإنا لا نقبل إلا العدول.
[ 308 ]
قال أبو عبيد: قوله: لا يؤسر - يعني لا يحبس، وأصل الأسر الحبس وكل محبوس فهو أسير قال: وكذلك يروى عن مجاهد في قوله [ عز وجل - ] " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " قال: الأسير المسجون. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه جدب السمر بعد عتمة. قوله: جدب السمر - يعني عابه وذمه، وكل عائب فهو جادب قال ذو الرمة: [ الطويل ] فيا لك من خد أسيل ومنطق * رخيم ومن خلق تعلل جادبه
[ 309 ]
[ ويروى - ]: ومن وجه تعلل جادبه يقول: لم يجد فيه مقالا فهو يتعلل بالشئ، يقوله وليس بعيب. وهذا من عمر في كراهة السمر مثل حديثه الآخر أنه كان ينش الناس بعد العشاء بالدرة [ و - ] يقول: انصرفوا إلى بيوتكم. هكذا الحديث ينش، * نشش * * نسس * * نوش * [ قال أبو عبيد - ]: ونرى أن هذا ليس بمحفوظ وقال بعض أهل العلم: إنما هو ينس - بالسين، يقول: يسوق الناس، والنس هو السوق ومنه قول الحطيئة: [ البسيط ] وقد نظرتكم إيناء صادرة للودر طال بها حوزي وتنساسي فالحوز السير اللين، والتنساس الشديد، يقول: مر ' أسوقها كذا ومرة
[ 310 ]
كذا. قال أبو عبيد: فإن كان هذا الحرف هكذا فهو تصحيف بين على المحدث. ولكني أحسبه: ينوش الناس - بالشين وهذا قد يقرب في اللفظ من ينش، ومعنى النوش صحيح ههنا، إنما هو التناول، يقول: يتناولهم بالدرة وقال الله [ تبارك و - ] تعالى " وأنى لهم التناوش من مكان بعيد " إذا لم يهمز فهو من التناول ومنه قيل: تناوش القوم في القتال، وكل من أنلته خيرا أو شرا فقد نشته نوشا ومنه حديث علي رضي الله عنه حين سئل عن الوصية فقال: نوش بالمعروف - يعني أن يتناول الميت الموصى له بالشئ ولا يجحف بماله. * هجر * * أسل * * لبب * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ]: هاجروا ولا تهجروا، واتقوا الأرنب أن يحذفها أحدكم بالعصا ولكن ليذك
[ 311 ]
لكم الأسل الرماح والنبل. عن زر بن حبيش قال: قدمت المدينة فخرجت في يوم عيد فإذا رجل متلبب أعسر أيشر يمشي مع الناس كأنه راكب وهو يقول كذا وكذا فإذا هو عمر. قوله: هاجروا ولا تهجروا، يقول: أخلصوا الهجرة ولا تشبهوا بالمهاجرين على غير صحة منكم فهذا هو التهجر، وهو كقولك للرجل: هو يتحلم وليس بحليم ويتشجع وليس بشجاع - أي [ أنه - ] يظهر ذلك وليس فيه. [ وقوله - ]: ليذك لكم الأسل الرماح والنبل، فهذا يرد قول من يقول: إن الأسل الرماح خاصة، ألا تراه [ قد - ] جعل النبل مع الرماح وقد وجدنا الأسل في غير الرماح إلا أن أكثر ذلك وأفشاه في الرماح. وبعضهم يقول في هذا النبات الذي قال الله تعالى فيه لأيوب
[ 312 ]
عليه السلام " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث - " إنما قيل له الأسل لأنه شبه بالرماح. وأما قوله: متلبب، فإنه المتحزم، وكل من جمع ثيابه وتحزم فقد تلبب، قال أبو ذؤيب: [ الكامل ] ونميمة من قانص متلبب * في كفه جشء أجش وأقطع * يصف الحمر أنها سمعت نميمة القانص والنميمة الصوت، والجشء القوس الخفيفة. وأما قوله: أعسر أيسر، فهكذا يروى في الحديث. وأما كلام العرب فإنه أعسر يسر. وهو الذي يعمل بيديه جميعا سواء، وهو الأضبط أيضا ويقال من اليسر: في فلان يسرة.
[ 313 ]
وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه أفطر في رمضان وهو يرى أن الشمس قد غربت ثم نظر فإذا / الشمس طالعة فقال عمر: لا نقضيه ما تجانفنا فيه لإثم. * 1 / الف * جنف * * جنأ * قال أبو عبيد: قوله: ما تجانفنا فيه لإثم، يقول: ما ملنا إليه ولا تعمدناه ونحن نعلمه، وكل مائل فهو متجانف وجنف ومنه قوله [ عز وجل - ] " فمن خاف من موص جنفا أو إثما - " قال ميلا وقال لبيد: [ الكامل ]
[ 314 ]
" إني امرؤ منعت أرومة عامر * ضيمي وقد جنفت علي خصومي * وكذلك الجانئ بالهمز هو المائل أيضا. وقد جنأت [ عليه - ] أجنؤ جنوءا - إذا ملت قال كثير: [ الوافر ] أعزة لو رأيت غداة بنتم * جنوء العائذات على وسادي * ويروى: أغاضر لو رأيت ومنه قول ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه [ وسلم - ] رجم يهوديا ويهودية، قال ابن عمر: فلقد رأيته يجانئ عليها يقيها الحجارة بنفسه. قال أبو عبيد: نرى أنه لم يجانئ عليها إلا وهما في
[ 315 ]
حفرة واحدة، وقوله: يجانئ عليها - يعني ينحني. * هبت * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه قال: لما مات عثمان بن مظعون على فراشه هبته الموت عندي منزلة حين لم يمت شهيدا، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم [ على فراشه - ] وأبو بكر علمت أن موت الأخيار على فرشهم. قال الفراء: قوله: هبته - يعني طأطأه ذلك عندي، وحط من قدره وكل محطوط شيئا فقد هبت، فهو مهبوت قال الفراء: أنشدني أبو الجراح: [ الطويل ] وأخرق مهبوت التراقي مصعد البلاعيم رخو المنكبين عناب * قال: فالمهبوت التراقي المحطوطها الناقصها، والعناب العظيم الأنف. قال الكسائي: يقال: رجل فيه هبتة للذي فيه كالغفلة، وليس بمستحكم العقل
[ 316 ]
قال أبو عبيد: ولا أحسب هذا إلا من ذاك، لأنه محطوط الرأي والعقل وليس بتام الأمر. * وصع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أن رجلا من الجن لقيه فقال: هل لك أن تصارعني فإن صرعتني علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخله شيطان، فصارعه فصرعه عمر، قال: إني أراك ضئيلا شخيتا، كأن ذرايك ذراعا كلب، أهكذا أنتم أيها الجن كلكم أم أنت من بينهم فقال: إني منهم لضليع، فعاودني، قال: فصارعه فصرعه الإنسي، فقال: تقرأ آية الكرسي فإنه لا يقرؤها أحد إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان وله خبج كخبج الحمار.
[ 317 ]
* ضأل * * شخت * * ضلع * * خبج * * ضأل * أبو عبيد: قوله: ضئيلا شخيتا، هما جميعا النحيف الجسم الدقيق، ومنه قيل للأفعى: ضئيلة لأنها ليس يعظم خلقها كسائر الحيات قال النابغة: [ الطويل ] فبت كأني ساورتني ضئيلة * من الرقش في أنيابها السم ناقع * يعني الأفعى وكذلك الشخت والشخيت: الدقيق قال ذو الرمة يصف الظليم: [ البسيط ] شخت الجزارة مثل البيت سائره * من المسوح خدب شوقب خشب * فالجزارة: عنقه وقوائمه، وهي دقاق كلها. وقوله: إني منهم لضليع، الضليع: العظيم الخلق. وقوله: إلا خرج وله خبج، الخبج الضراط وهو الحبج أيضا - بالحاء، وله أسماء سوى هذين كثيرة.
[ 318 ]
ومن الضئيل الحديث المرفوع أن إسرافيل له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب والعرش على جناحه وإنه ليتضاءل الأحيان لعظمة الله [ تبارك وتعالى - ] حتى يعود مثل الوصع. يقال في الوصع: إنه طائر مثل العصفور أو أصغر منه. * ما * * هجر * * دلل * * خطب * * بأس * [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه كان يطوف بالبيت وهو يقول: ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار له هجيرى غيرها. قال الكسائي وأبو زيد وغير واحد: قوله: هجيراه، كلامه ودأبه وشأنه وقال ذو الرمة يصف صائدا رمى حمرا فأخطأها فأقبل يتلهف ويدعو بالويل والحرب فقال: [ البسيط ] رمى فأخطأ والأقدار غالبة * فانصعن والويل هجيراه والحرب * خلف * * ردد * * حجز * * هزم * * منن * أبو عبيد: وللعرب كلام على هذا المثال أحرف معلومة قالوا: الهجيرى،
[ 319 ]
وهي التي وصفنا والخليفى وهي الخلافة، وإياها أراد عمر رضي الله عنه / بقوله: لو أطيق الأذان مع الخليفى لأذنت ومن ذلك قول عمر بن * 1 / ب عبد العزيز رحمه الله: لا رديدى في الصدقة، يقول: لا ترد ومما يقال في الكلام: كانت بين القوم رميا ثم حجزت بينهم حجيزى - يريدون كان بينهم رمي ثم صاروا إلى المحاجزة وكذلك الهزيمى من الهزيمة والمنينى من المنة والدليلى من الدلالة، وأكثر كلامهم الدلالة والخطيبى من الخطبة، وهي كلها مقصورة، ويدلك على ذلك قول عدي بن زيد: [ الوافر ] لخطيبى التي غدرت وخانت * وهن ذوات غائلة لحينا * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين قال
[ 320 ]
للرجل الذي وجد منبوذا فأتاه به فقال عمر: عسى الغوير أبؤسا، فقال عريفه: يا أمير المؤمنين إنه وإنه - فأثنى عليه خيرا، فقال: هو حر وولاؤه ذلك. قال الأصمعي: قوله: عسى الغوير أبؤسا، الأبؤس جمع البأس: وأصل الأبؤس هذا أنه كان غار فيه ناس فانهار عليهم - أو قال: فأتاهم فيه عدو فقتلوهم، فصار مثلا لكل شئ يخاف أن يأتي منه شر، ثم صغر الغار فقيل غوير. * غور * قال [ أبو عبيد - ]: وأخبرناه الكلبي بغير هذا، قال: الغوير ماء لكلب معروف يسمى الغوير، وأحسبه قال: هو ناحية السماوة قال: وهذا المثل إنما تكلمت به الزباء، وذلك أنها لما
[ 321 ]
وجهت قصيرا اللخمي بالعير ليحمل لها من بر العراق وألطافه، وكان يطلبها بذحل جذيمة الأبرش فجعل الأحمال صناديق - وقد قيل غرائر - وجعل في كل واحد منها رجلا معه السلاح، ثم تنكب بهم الطريق المنهج، وأخذ على الغوير، فسالت عن خبره فأخبرت بذلك فقالت: عسى الغوير أبؤسا. تقول: عسى أن يأتي [ ذلك - ] الطريق بشر واستنكرت شأنه حين أخذ على غير الطريق. قال أبو عبيد: وهذا القول أشبه عندي صوابا من القول الأول، وإنما أراد عمر بهذا المثل أن يقول للرجل: لعلك صاحب هذا المنبوذ حتى أثنى عليه عريفه خيرا. وفي هذا الحديث من الفقه أنه جعل المنبود حرا ولم يجعله مملوكا لواجده ولا للمسلمين. وأما قوله للرجل: لك ولاؤه، فإنما نراه فعل ذلك لأنه لما التقطه فأنقذه من الموت وأنقذه من أن يأخذه غيره فيدعي رقبته جعله مولاه لهذا كأنه الذي أعتقه وهذا حكم تركه الناس وصاروا إلى أن جعلوه حرا وجعلوا ولاءه للمسلمين وحريرته عليهم. وفي هذا الحديث من العربية أنه نصب " أبؤسا " وهو في الظاهر في موضع رفع، وإنما نرى أنه نصب لأنه على طريق النصب، ومعناه: كأنه أراد عسى الغوير
[ 322 ]
أن يحدث أبؤسا وأن يأتي بأبؤس، فهذا طريق النصب ومما يبينه قول الكميت: [ البسيط ] عسى الغوير بإبآس وإغوار * شور * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] في الذي تدلى بحبل ليشتار عسلا، فقعدت امرأته على الحبل فقالت: لأقطعنه أو لتطلقني، قال: فطلقها - يعني ثلاثا، فرفع إلى عمر فأبانها منه. قوله: ليشتار، المشتار المجتني للعسل يقال منه: شرت العسل أشوره شورا، وأشرته أشيره إشارة واشترت اشتيارا قال الأعشى: [ المتقارب ]
[ 323 ]
كأن جنيا من الزنجبيل بات بفيها وأريا مشورا * الأري العسل والمشور المجتني، فهذا من شرت وقال عدي [ بن زيد - ] [ الرمل ] في سماع يأذن الشيخ له * وحديث مثل ماذي مشار * والذي يراد من هذا الحديث أن عمر أجاز طلاق المكره، وهذا رأي أهل العراق وقد روي عن عمر خلافه، ويروى عن علي وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعطاء وعبد الله بن عبيد بن عمير أنهم كانوا يرون طلاقه غير جائز، وهو رأي أهل الحجاز [ وكثيير من غيرهم - ]، وحجتهم هذه الأحاديث. * غوى * * زبى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه * 2 / الف
[ 324 ]
قال: إن قريشا تريد أن تكون مغويات لمال الله. هكذا يروى الحديث بالتخفيف وكسر الواو وأما الذي تكلم به العرب فالمغويات - بالتشديد وفتح الواو، واحدتها مغواة، وهي حفرة كالزبية تحفر للذئب ويجعل فيها جدي، إذا نظر الذئب إليه سقط يريده فيصطاد ومن هذا قيل لكل مهلكة مغواة قال رؤبة: [ الرجز ] إلى مغواة الفتى بالمرصاد * يعني إلى مهلكته ومنيته، شبهها بتلك المغواة فأما الزبية فإنها تحفر للأسد، وإنما تحفر في مكان مرتفع، وكل حفرة في ارتفاع فهي زبية، ولهذا قيل: بلغ السيل الزبى، وإنما تجعل على الزابية لئلا يدخلها السيل
[ 325 ]
وإنما أراد عمر أن قريشا تريد أن تكون مهلكة لمال الله عز وجل كإهلاك تلك المغواة لما سقط فيها. * فرق * * لثث * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] فرقوا عن المنية واجعلوا الرأس رأسين ولا تلثوا بدار معجزة وأصلحوا مثاويكم وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم، وقال: اخشوشنوا واخشوشبوا وتمعددوا. قوله: فرقوا عن المنية واجعلوا الرأس رأسين، يقول: إذا أراد أحدكم أن يشتري شيئا من الحيوان من مملوك أو غيره من الدواب فلا يغالين به، فإنه لا يدري ما يحدث به، ولكن ليجعل ثمنه في رأسين وإن كانا دون الأول، فإن مات أحدهما بقي الآخر. وقوله: ولا تلثوا بدار معجزة، فالإلثاث الإقامة، يقول
[ 326 ]
لا تقيموا ببلد قد أعجزكم فيه الرزق، ولكن اضطربوا في البلاد، وهذا شبيه بحديثه الآخر: إذا اتجر أحدكم في شئ ثلاث مرات فلم يرزق منه فليدعه. * ثوا * * همم * * خشن * * خشب * * معد * أبو عبيد - ]: وقد يفسر هذا تفسيرا آخر، يقال: إنه أراد الإقامة بالثغور مع العيال، قال أبو عبيد: يقول: ليس بموضع ذرية، فهذا هو الإلثاث بدار معجزة. وقوله: واصلحوا مثاويكم، المثاوي المنازل، يقال: ثويت بالمكان - إذا نزلت به وأقمت به، ولهذا قيل لكل نازل: ثاو. وهذا معنى قراءة عبد الله " لنثوينهم من الجنة غرفا - " أي لننزلنهم، قال: وهكذا كان يقرأ الكسائي. [ و - ] قوله: وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم - يعني دواب الأرض العقارب والحيات، يقول: احترسوا منهن ولا يظهر لكم منهن شئ إلا قتلتموه. وقوله: واخشوشنوا، هو من الخشونة في اللباس والمطعم
[ 327 ]
واخشوشبوا أيضا شبيه به وكل شيط غليظ خشن فهو أخشب وخشب، وهو من الغلظ وابتذال النفس في العمل والاحتفاء في المشي ليغلظ الجسد ويجسو ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة: لا تزول حتى يزول أخشباها. والأخشب الجبل قال ذو الرمة يصف الظليم: [ البسيط ] شخت الجزارة مثل البيت سائره * من المسوح خدب شوقب خشب * وقوله: تمعددوا، فيه قولان، يقال: هو من الغلظ أحيانا، ومنه قيل للغلام إذا شب وغلظ: قد تمعدد قال الراجز: [ الرجز ] ربيته حتى إذا تمعددا * وآض صلبا كالحصان أجردا كان ثوابي بالعصا أن أجلدا * يصف عقوق ابنه ويقال: تمعددوا تشبهوا بعيس معد، وكانوا أهل قشف وغلظ في المعاش يقول: فكونوا مثلهم ودعوا التنعم وزي العجم.
[ 328 ]
وهطذا هو في حديث [ له - ] آخر: عليكم باللبسة المعدية. * ذرأ * * ذرو * * دلك * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه كتب إلى خالد بن الوليد أنه بلغني أنك دخلت حماما بالشام وأن من بها من الأعاجم أعدوا لك دلوكا عجن بخمر وإني أظنكم آل المغيرة ذرء النار. قوله: ذرء النار - ويروى ذرو النار، فمن قال: ذرء [ النار - ]
[ 329 ]
بالهمز فإنه أراد خلق النار - أي إنكم خلقتم لها، من قوله: ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا ومن قال: ذرو، فهو من ذرا يذرو، من قوله تعالى " تذروه الرياح - " أي إنكم تذرون في النار ذروا. وأم الدلوك فهو اسم الشئ يتدلك به، كما قيل السحور والفطور وأشباه ذلك. * ملك * * ريع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] /: أملكوا العجين فإنه أحد الريعين. * 2 / ب قوله: أملكوا العجين - أي أجيدوا عجنه وأنعموه. والريع: الزيادة، فالريع الأول الزيادة عند الطحن، والريع الآخر عند العجن.
[ 330 ]
وفيه لغتان يقال منه: أملكت العجين إملاكا، وملكته إملكه ملكا. * أزم * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين سأل الحارث بن كلدة: ما الدواء فقال: الأزم. كان سفيان بن عيينة يقول: الأزم هو الحمية. * ثأد * قال أبو عبيد: وذلك الذي أراد الحارث. وقال الأصمعي وغيره: أصل الأزم الشدة وإمساك الأسنان بعضها على بعض ومنه قيل للفرس: قد أزم على فأس اللجام - إذا قبض عليه، ولهذا سميت السنة أزمة - إذا أصابتهم فيها مجاعة وشدة يقال: قد أزمت تأزم أزما. فأراد بالأزم الإمساك عن المطعم.
[ 331 ]
* كلف * * دعب * * بأى * * لقس * * قنب * [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] عند الشورى جين طعن فدخل عليه ابن عباس فرآه مغتما بمن يستخلف بعده، فجعل ابن عباس يذكر له أصحابه فذكر عثمان فقال: كلف بأقاربه، قال: فعلي قال ذاك رجل فيه دعابة، قال: فطلحة. قال: لولا بأو فيه قال: فالزبير قال: وععقة لقس، قال: فعبد الرحمن بن عوف قال: اوه ذكرت رجلا صالحا ولكنه ضعيف وهذا الأمر لا يصلح [ له - ] إلا اللين من غير ضعف والقوي من غير عنف، قال: فسعد قال: ذاك يكون في مقنب من مقانبكم. قال الكسائي واليزيدي وأبو عمرو وغير واحد دخل كلام بعضهم في بعض: قوله: كلف بأقاربه - يعني شديد الحب لهم.
[ 332 ]
وقوله: فيه دعابة - يعني المزاح.
[ 333 ]
وقوله: لولا بأو فيه، البأو الكبر والعظمة قال حاتم الطائي: [ الطويل ] فما زادنا بأوا على ذي قرابة * غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر * وقوله: وعقة لقس - وبعضهم يقول: ضبس، ومعنى هذا كله الشراسة وشدة الخلق وخبث النفس. ومما يبين ذلك الحديث المرفوع:
[ 334 ]
لا يقولن [ أحدكم - ] خبثت نفسي ولكن ليقل: لقست نفسي فالمعنى فيهما واحد، ولكنه كره قبح اللفظ في خبثت.
[ 335 ]
وقوله: يكون في مقنب من مقانبكم، فالمقنب جماعة الخيل والفرسان - يريد أن سعدا صاحب جيوش ومحاربة، وليس بصاحب هذا الأمر وجمع المقنب مقانب قال لبيد: [ الكامل ] وإذا تواكلت المقانب لم يزل * بالثغر منا منسر معلوم * قال أبو عمرو: المنسر ما بين الثلاثين فرسا إلى أربعين، ولم أره وقت في المقنب شيئا. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر رحمه الله في عام الرمادة وكان عاما أصابت الناس فيه السنة فقال عمر: لقد هممت أن أجعل مع كل أهل بيت من المسلمين مثلهم فإن الإنسان لا يهلك على نصف شبعه، فقال له رجل: لو فعلت ذلك يا أمير المؤمنين ما كنت فيها ابن ثأد، هكذا يروى الحديث.
[ 336 ]
قال الفراء: إنما هو ابن ثأداء - يعني الأمة - أي ما كنت فيها ابن أمة. وفيها لغتان: ثأداء ودأثاء، مقلوب مثل جذب وجبذ، قال الكميت: [ الوافر ] وما كنا بني ثأداء لما * قضينا بالأسنة كل وتر * وبعضهم يفسر ابن ثأد - يريد الثدي، وليس لهذا وجه ولا نعرفه في إعراب ولا معنى. وفي هذا الحديث أن عمر رأى المواساة واجبة على الناس إذا كانت الضرورة. * نشج * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه صلى
[ 337 ]
الفجر بالناس وقرأ بسورة يوسف حتى إذا جاء ذكر يوسف [ عليه السلام - ] سمع نشيجه خلف الصفوف ورواه بعضهم: في صلاة العتمة ويروى أنه لما انتهى إلى قوله تعالى " إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله " نشج. [ يقال - ]: النشيج مثل بكاء الصبي إذا ضرب فلم يخرج بكاءه وردده في صدره ولذلك قيل لصوت الحمار: نشيج يقال منه: [ قد - ] نشج ينشج نشجا ونشيجا. وإنما يراد من هذا الحديث أن يرفع الصوت بالبكاء في الصلاة حتى يسمع فلا يقطع ذلك الصلاة. * سعى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] / أنه أتي بنساء أو إماء ساعين في الجاهلية فأمر بأولادهن أن يقوموا على آبائهم * 3 / الف
[ 338 ]
ولا يسترقوا. قال أبو عبيد: ومعنى المساعة الزنا، وإنما خص الإماء بالمساعاة دون الحرائر لأنهن كن يسعين على مواليهن فيكسبن لهم بضرائب كانت عليهن، وفي ذلك نزلت [ هذه - ] الآية " ولا تكرهوا فتياتكم على البغآء إن أردن تحصنا " - إلى آخر الآية. عن جابر بن عبد الله قال:
[ 339 ]
كانت أمة لعبدالله بن أبي وكان يكرهها على الزنا فنزلت هذه الآية " ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ". قال [ أبو عبيد - ]: هكذا قرأها وعن الحسن في هذه الآية قال: لهن والله، لهن والله قال الأعشى: [ الخفيف ] يهب الجلة الجراجر كالبستان تحنو لدردق أطفال والبغايا يركضن أكسية الإضريج والشرعبي ذا الأذيال * يريد بالبغايا الإماء لأنهن كن يفجرن، وقوله: يهب الجلة ويهب البغايا يبين لك أن هذا لا يقع إلا على الإماء. قال أبو عبيد: فكان الحكم في الجاهلية أن الرجل إذا وطئ أمة رجل فجاءت بولد فادعاه في الجاهلية فإن حكمهم كان أن يكون ولده لاحق النسب به ولهذا المعنى اختصم عبد بن زمعة وسعد بن مالك في ابن أمة زمعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال فقال سعد: ابن أخي، عهد إلي فيه أخي، وقال عبد بن زمعة: أخي، ولد على فراش أبي، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 340 ]
بالولد للفراش، وأبطل ما كان من حكم الجاهلية أن يكون لاحق النسب وقضى عمر أن الدعوى إذا كانت في الإسلام وليس سيد الجارية بالمدعي للولد كما ادعى عبد بن زمعة أخاه أن يكون حرا لاحق النسب وتكون قيمته على أبيه لمولى الجارية. ومنه حديث له آخر أنه كان يلحق أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام. قال أبو عبيد: فإذا كان الوطء والدعوى جميعا في الإسلام فدعواه باطلة، وهو مملوك لأنه عاهر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. [ قال أبو عبيد - ]: ولعمر [ رحمه الله - ] أيضا حكم آخر في الرق فيما كانت العرب تسابى في الجاهلية فيأتي الإسلام والمسبي في يده كالمملوك [ له - ]،
[ 341 ]
فحكم عمر في مثل هذا أن يرد حرا إلى نسبه وتكون قيمته عليه يؤديها إلى الذي سباه لأنه أسلم وهو في يده. وعن الشعبي قال: لما قام عمر قال: ليس على عربي ملك ولسنا بنازعين من يد رجل شيئا أسلم عليه، ولكنا نقومهم الملة خمسا من الإبل قال: فسألت محمدا عن تأويله ففسره نحوا مما قلت لك - يعني أنه ليس على هؤلاء الذين سبوا ملك لأنهم عرب، ثم قال: ولسنا بنازعين من يد رجل شيئا أسلم عليه، يقول: هذا الذي في يديه [ من - ] السبي لا ننزعه من يده بلا عوض لأنه أسلم عليه ولا نتركه مملوكا وهو من العرب، ولكنه قوم قيمته خمسا من الإبل للذي سباه ويرجع إلى نسبه عربيا كما كان. ولعمر حكم أيضا في السبا حكم
[ 342 ]
ثالث وذلك أن الرجل من الملوك كان ربما غلب على البلاد حتى يستعبد أهلها، فيجوز حكمه فيهم كما يجوز في مماليكه وعلى هذا عامة ملوك العجم اليوم الذين في أطراف الأرض يهب منهم من شاء ويصطفي لنفسه من شاء، ولهذا ادعى الأشعث بن قيس رقاب أهل نجران وكان استعبدهم في الجاهلية فلما أسلموا أبوا عليه فخاصمهم إلى عمر في رقابهم فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا إنما كنا عبيد مملكة ولم نكن عبيد قن، قال: فتغيظ عليه عمر وقال: أردت أن تغفلني - ورواه بعضهم: أردت أن تعنتني. قال الكسائي: القن أن يكون ملك وأبواه، والمملكة أن يغلب
[ 343 ]
عليهم فيستعبدهم وهم في الأصل أحرار. * غرر * * كمم * قال أبو عبيد: فحكم فيهم عمر أن صيرهم أحرارا بلا عوض، / لأنه [ إنما - ] كان تملكا وليس بسباء. * 3 / ب وفي هذا الحديث أصل لكل من ادعى رقبة رجل وأنكر المدعى عليه أن القول قوله. ألا تراه جعل القول قول أهل نجران ولعمر أيضا في الولد حكم آخر وذلك أنه قضى في ولد المغرور غرة - يعني الرجل يزوج رجلا مملوكة على أنها حرة فقضى أن يغرم الزوج لمولى الأمة غرة ويكون ولده حرا ويرجع الزوج على من غره بما غرم. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه رأى جارية متكمكمة فسأل عنها فقالوا: أمة آل فلان، فضربها بالدرة ضربات
[ 344 ]
وقال: يالكعاء أتشبهين بالحرائر * لكع * قال أبو عبيد: قوله: متكمكمة، نرى أنه [ إنما - ] أراد متكممة واصله من الكمة، وهي القلنسوة، فشبه قناعها بها، فقال: متكمكمة، ولم يقل: متكممة، كما قالوا: متجممة من الجمة، ومتعممة من العمة والعرب تفعل هذا إذا اجتمعت الحروف من جنس واحد فرقوا بينها استثقالا لجمعها، كما قالوا: كفكفت فلانا عن كذا وكذا، وإنما أصلها: كففت وقال أبو زبيد: [ الطويل ] ألم ترني سكنت إلي لإلكم * وكفكفت عنكم أكلبي وهي عقر * وقال متمم [ بن نويرة - ]: [ الطويل ] ولكنني أمضي على ذاك مقدما * إذا بعض من يلقى الحروب تكعكعا *
[ 345 ]
وهو من كععت عن الأمر ومنه قولهم: تصرصر الباب من الصرير، وإنما أصله تصرر [ الباب - ]. وقوله: يا لكعاء، فيه لغتان: لكعاء ولكاع. وفي هذا الحديث من الفقه أنه رأى أن تخرج الأمة بلا قناع، فإذا برزت للناس كذلك فكذلك ينبغي أن تكون في الصلاة بلا قناع، ولهذا قال إبراهيم في صلاة الأمة قال: تصلي كما تخرج إلى الأسواق. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] ورع اللص ولا تراعه. * ورع * * رعى * قال أبو عبيد: يقول: إذا رأيته في منزلك فادفعه واكففه بما استطعت ولا تنتظر فيه شيئا وكل شئ كففته فقد ورعته وقال أبو زبيد: [ الطويل ]
[ 346 ]
وورعت ما يكبي الوجوه رعاية * ليحضر خير أو ليقصر منكر * يقول: ورعت عنكم ما يكبي وجوهكم، تمنن بذلك عليهم. وقوله: لا تراعه، يقول: لا تنتظره وكل شئ تنتظره فأنت [ تراعيه و - ] ترعاه قال الأعشى: [ الكامل ] فظللت أرعاها وظل يحوطها * حتى دنوت إذ الظلام دنا لها * يذكر امرأة ومنه قيل للصائم: هو يرعى الشمس - يعني أن تغيب وكذلك الساهر يرعى النجوم. وقال أبو عبيد: وقد فسر بعض الفقهاء قوله: ورع، يقول: بره من السرقة ولا تتهمه، يذهب [ به - ] إلى الورع، وليس هذا من الورع في شئ، إنما هذا رخصة من عمر في الإقدام عليه، وكذلك يروى عن ابن عمر أنه رأى لصا في داره قال: فطلب السيف أو غيره من السلاح ليقدم عليه، وكذلك يروى عن ابن سيرين [ أنه - ] قال: ما كانوا يمسكون عن اللص إذا دخل دار أحدهم تأثما.
[ 347 ]
* عقل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أن رجلا أتاه فقال: إن ابن عمي شج موضحة، فقال: أمن أهل القرى أم من أهل البادية فقال: من أهل البادية، فقال عمر: إنا لا نتعاقل المضغ بيننا. * مضغ * قال أبو عبيد: وهذا الحديث يحمله بعض أهل العلم على أن أهل القرى لا يعقلون عن أهل البادية، ولا أهل البادية عن أهل القرى، وفيه هذا التأويل وزيادة أيضا أن العاقلة لا تحمل السن والموضحة والإصبع وأشباه ذلك مما كان دون الثلث في قول عمر وعلي، هذا قول أهل المدينة إلى اليوم، يقولون: ما كان دون الثلث فهو في مال الجاني في الخطأ وأما أهل العراق فيرون [ أن - ] الموضحة فما فوقها على العاقلة [ إذا كان خطأ - ]، وما كان دون الموضحة فهو في مال الجاني، وإنما سماها مضغا فيما نرى أنه صغرها وقللها / كالمضغة من الإنسان في خلقه. وفي حديث عمر * 4 / الف
[ 348 ]
قال: لا يعقل أهل القرى الموضحة، ويعقلها أهل البادية. * غفر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه لما حصب المسجد قال له فلان: لم فعلت هذا قال: هو أغفر للنخامة وألين في الموطى. قال أبو عبيد: قال الأصمعي: [ قوله - ]: أغفر للنخامة - يعني أنه أستر لها وأشد تغطية. والأصل في الغفر التغطية، ومنه سمي المغفر لأنه يغفر الرأس - أي يلبسه ويغطيه. قال: والمغفرة من الذنوب كذلك أيضا إنما هو إلباس الله [ الناس - ] الغفران وتغمدهم [ به - ]. وفي هذا الحديث الرخصة في البزاق في المسجد إذا دفن. * أرب * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أن الحارث بن أوس سأله عن المرأة تطوف بالبيت ثم تنفر من غير أن
[ 349 ]
تطوف طواف الصدر إذا كانت حائضا، فأفتاه أن تفعل ذلك، قال الحارث: كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر: أربت من يديك أتسألني وقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كي أخالفه ويروى من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في ذلك. قوله: أربت من يديك، هو عندي مأخوذ من الآراب وهي أعضاء الجسد ومنه قيل: قطعت الشاة إربا إربا، فكأنه أراد بقوله: أربت من يديك - أي سقطت آرابك من اليدين خاصة وهو في حديث آخر: سقطت من يديك، ألا كنت حدثتنا بهذا فهذا تفسير أربت. وبعض
[ 350 ]
الفقهاء يرويه خلاف هذه الرواية يقول: إن عمر نهى أن تنفر حتى تطهر وتطوف حتى حدثه الحارث بن أوس بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه سمع رجلا يتعوذ من الفتن، فقال له عمر: اللهم إني أعوذ بك من الضفاطة أتسأل ربك أن لا يرزقك أهلا ولا مالا أو قال: أهلا وولدا.
[ 351 ]
قوله: أتسأل ربك أن لا يرزقك أهلا وولدا معناه عندي قول الله تبارك وتعالى " إنما أموالكم وأولادكم فتنة - " فأراد عمر هذه الآية ومنه حديثه حين سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيكم سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن قالوا: نحن، قال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وماله قالوا: نعم، قال: تلك يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، ولكن أيكم سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن التي تموج موج البحر قال حذيفة: أنا، فقال: أنت لعمري. * ضفط * قال أبو عبيد: فالذي كره [ عمر - ] أن يتعوذ منه [ من - ] الفتنة بالأهل والمال، ولم ينه عن التعوذ من الفتن التي تموج موج البحر. وقوله: الضفاطة [ يعني - ] ضعف الرأي والجهل، يقال منه: رجل ضفيط. وقد قال بعض أهل العلم في حديث ابن سيرين: إنه شهد نكاحا،
[ 352 ]
قال: فأين ضفاطتكم فسره أنه أراد الدف وإنما نراه أنه سماه ضفاطة لهذا المعنى، أنه لهو ولعب وهذا راجع إلى ضعف الرأي والجهل ومنه حديث لابن سيرين آخر أنه كان ينكر قول من قال: إذا قعد إليك الرجل فلا تقم حتى تستأذنه قال: وبلغه عن رجل أنه أستأذن فقال: إني لأراه ضفيطا. * غزا * * غيب * * جنب * * حما * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسرا وساده عند امرأة مغزية يتحدث إليها وتتحدث إليه، عليكم بالجنبة فإنها عفاف، إنما النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه. قال الكسائي والأصمعي وغيرهما: قوله: مغزية - يعني التي قد غزا زوجها، يقال: قد أغزت المرأة - إذا كان زوجها غازيا، وهي مغزية
[ 353 ]
وكذلك أغابت فهي مغيبة - إذا غاب زوجها، ومثل هذا [ في - ] الكلام كثير. وقوله: الجنبة - يعني الناحية، يقول: تنحوا عنهن وكلموهن من خارج الدار ولا تدخلوا عليهن، وكذلك كل من كان خراجا قيل: جنبه [ و - ] هذا مثل حديثه الآخر: لا يدخلن رجل على أمرأة وإن قيل حموها، ألا حموها الموت. والحمو أب الزوج، / قال الأصمعي: فيه ثلاث لغات: هو * 4 / ب
[ 354 ]
حماها مثل قفاها. وحموها مثل أبوها، وحمؤها - مهموز مقصور. وقوله: الموت، يقول: فليمت ولا يفعل ذلك، فإذا كان هذا من رأيه في أب الزوج وهو محرم فكيف بالغريب قال الراعي في الجنبة: [ الكامل ] أخليد إن اباك ضاف وساده * همان باتا جنبة ودخيلا * يقول: أحدهما باطن والآخر ظاهر. وأما قوله: إنما النساء لحم على وضم، قال الأصمعي: الوضم الخشبة أو البارية التي يوضع عليها اللحم، يقول: فهن في الضعف مثل ذلك اللحم الذي لا يمتنع من أحد إلا أن يذب عنه قال الكسائي وغيره: الوضم كلما وقيت به اللحم من الأرض، قال: ويقال: وضمت اللحم أضمه وضما - إذا وضعته على الوضم، فإن أردت أنك جعلت له وضما قلت: أوضمته إيضاما وقال أبو زيد يقال: وضمت اللحم وأوضمت له.
[ 355 ]
* غرر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه خطب الناس فقال: إن بيعة أبي بكر [ رضوان الله عليه - ] كانت فلتة وقى الله شرها - وعن ابن عوف قال: خطبنا عمر رضي الله عنه، فذكر ذلك وزاد أنه لا بيعة إلا عن مشورة، وأيما رجل بايع من غير مشورة فلا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا. قال شعبة: فقلت لسعد: ما تغرة أن يقتلا قال: عقوبتهما أن لا يؤمر واحد منهما. قال أبو عبيد: وهذا مذهب ذهب إليه سعد تحقيقا لقول عمر: لا يؤمر واحد منهما، وهو مذهب حسن، ولكن التغرة في الكلام ليست بالعقوبة [ و - ] إنما التغرة التغرير، يقال: غررت بالقوم تغريرا وتغرة وكذلك يقال في المضاعف خاصة، كقولك: حللت اليمين تحليلا وتحلة، قال الله [ تبارك و - ] تعالى " قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم "، وكذلك عللت المريض تعليلا وتعلة، وإنما هذا
[ 356 ]
في المضاعف في فعلت. وإنما أراد عمر أن في بيعتهما تغريرا بأنفسهما للقتل وتعرضا لذلك فنهاهما عنه لهذا، وأمر أن لا يؤمر واحد منهما لئلا يطمع في ذلك فيفعل هذا الفعل. وأما قوله: فلتة، فإن معنى الفلتة الفجأة، وإنما كانت كذلك لأنه لم ينتظر بها العوام، وإنما ابتدرها أكابر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من المهاجرين وعامة الأنصار إلا تلك الطيرة التي كانت من بعضهم،
[ 357 ]
ثم أصفقوا له كلهم لمعرفتهم أن ليس لأبي بكر منازع ولا شريك في الفضل، ولم يكن يحتاج في أمره إلى نظر ولا مشاورة فلهذا كانت الفلتة وبها وقى الله الإسلام وأهله شرها ولو علموا أن في أمر أبي بكر شبهة وأن بين الخاصة والعامة فيه اختلافا ما استجازوا الحكم عليهم بعقد البيعة، ولو استجازوه ما أجازه الآخرون إلا لمعرفة منهم [ به - ] متقدمة وهذا تأويل قوله: كانت فلتة وقى الله شرها.
[ 361 ]
وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر رحمه الله إن العبد إذا تواضع رفع الله حكمته - وقال: انتعش نعشك الله، وإذا تكبر وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض. * وهص * * طور * قال أبو عبيد: قوله: وهصه - يعني كسره ودقه، فهو يهصه وهصا، وكذلك الوقص هو من الكسر [ أيضا - ]، وكذلك الوطس منه أيضا يقال: وهصت ووقصت ووطست أهص وأقص وأطس وهصا [ ووقصا - ] ووطسا.
[ 362 ]
وأما [ قوله - ]: عدا طوره - يعني قدره، وكل شئ ساوى شيئا في طوله فهو طوره وطوراه يقال: هذا طوار هذا الحائط - أي على امتداده وقدره. وقال [ أبو عبيد - ] في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين أتاه قبيصة بن جابر وقال: إني رميت ظبيا وأنا محرم فأصبت خششاءه فركب رجعه فأسن فمات، فأقبل على عبد الرحمن بن عوف فشاوره ثم قال: اذبح شاة.
[ 363 ]
* خشش * * ردع * * أسن * قال أبو عبيد: الخششاء العظم الناشز خلف الأذن وفيه لغتان: خشاء وخششاء. وقوله: ركب ردعه - يعني أنه سقط على رأسه، [ و - ] إنما أراد بالردع الدم كردع الزعفران وردع الزعفران أثره ركوبه إياه أن الدم سال ثم خر الظبي عليه صريعا، هذا معنى قوله: ركب ردعه.
[ 364 ]
وقوله: أسن - يعني دير به، ولهذا يقال للرجل إذا دخل بئرا فاشتدت عليه ريحها حتى يصيبه دوار فيسقط: قد أسن يأسن أسنا قال زهير: [ البسيط ] يغادر القرن مصفرا أنامله * يميل في الرمح ميل المائح الأسن * * 5 / الف المائح الذي ينزل البئر فيغرف من مائها في الدلو إذا قل الماء. قال أبو عبيد: ويقال في معنى ركب ردعه: إنه لم يردعه شئ فيمنعه عن وجهه، ولكنه ركب ذلك فمضى لوجهه، والرادع: المانع، كقول الناس: ردعت فلانا عما يريد - أي منعته.
[ 365 ]
* ذوى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه كان يستاك وهو صائم، ولكنه كان يستاك بعود قد ذوى. قوله: [ قد - ] ذوى - يعني يبس وفيه لغتان: ذوى يذوي، وبعضهم يقول: ذوي يذوى. والأول أجود، وهو عود ذاو قال ذو الرمة: [ البسيط ] كأنما نفض الأحمال ذاوية * على جوانبه الفرصاد والعنب * وفي هذا الحديث من الفقه الرخصة في الصائم يستاك، ولم يذكر فيه أول النهار ولا آخره. * ذرا * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حجوا بالذرية ولا تأكلوا أرزاقها وتذروا أربقاها في أعناقها.
[ 366 ]
قوله: لا تذروا أرباقها في أعناقها، فجعل الحج عليها واجبا، وإنما ذكر الذرية وليس على الذرية حج قال أبو عبيد: وقلت ليحيى: ما وجه هذا الحديث فقال: لا أعرفه، فقلت [ له - ] أنا: إنه لم يرد الصبيان إنما أراد النساء وقد يلزمنه اسم الذرية، وذكرت له حديث سفيان الثوري عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فرأى امرأة مقتولة فقال: [ هاه - ] ما كانت هذه تقاتل، الحق خالدا فقل [ له - ]: لا تقتلن ذرية ولا عسيفا، فجعل النساء من الذرية، فعرف يحيى الحديث وقال: نعم، وقبله. * ربق * قال أبو عبيد: فهذا يبين لك أن الذرية النساء ههنا
[ 367 ]
وأما ذكره الأرباق فإنه مثل شبه [ به - ] ما قلت أعناقها من وجوب الحج بالأرباق التي تقلدها أعناق الأسارى ومن ذلك قول زهير: [ البسيط ] اشم أبيض فياض يفكك عن * أيدي العناة وعن أعناقها الربقا * * شوى * * رمد * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه وقف بين الحرتين وهما داران لفلان فقال: شوى أخوك حتى إذا أنضج رمد. قوله: شوى أخوك، يقول: إنه لما أنضج شواه وجوده ألقاه في الرماد فأفسده، وهو مثل يضرب للرجل يصطنع المعروف إلى الرجل ثم يفسده عليه بالامتنان أو أن يقطعها عنه لا يتمها له،
[ 368 ]
وما أشبه ذلك من إفساد المعروف. * ثوا * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه كتب إليه في رجل قيل له: متى عهدك بالنساء قال: البارحة، قيل: من قال: أم مثواي، فقيل له: قد هلكت، قال: ما علمت أن الله حرم الزنا، فكتب عمر [ أن - ] يستحلف ما علم أن الله حرم الزنا ثم يخلى سبيله. قوله: أم مثواي - يعني ربة منزله، والعرب تقول للرجل الذي هم نزول عليه: هذا أبو منزلنا وأبو مثوانا، وللمرأة: هذه أم منزلنا وأم مثوانا، والثواء هو النزول بالمكان، يقال: ثويت بالمكان وأثويت - لغتان. وأما قوله: يستحلف ثم يخلى سبيله، فإنما يعذر بهذا الذي أسلم حديثا لا يعرف الإسلام ولا شرائعه ولم يسكن بلادا بها أهل الإسلام، فأما من كان على
[ 369 ]
غير ذلك فإنه لا يصدق ويقام عليه الحد. * سود * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] تفقهوا قيل أن تسودوا. قوله: تفقهوا قبل أن تسودوا، يقول: تعلموا العلم ما دمتم صغارا قبل أن تصيروا سادة رؤساء منظورا إليكم، فإن لم تعلموا قبل ذلك استحييتم أن تعلموه بعد الكبر، فبقيتم جهالا تأخذونه من الأصاغر، فيزري ذلك بكم وهذا شبيه بحديث عبد الله: لن يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أتاهم من أصاغرهم فقد هلكوا. وفي الأصاغر تفسير آخر بلغني عن ابن المبارك أنه كان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع، ولا يذهب إلى أهل السن، وهذا وجه قال أبو عبيد: والذي أرى أنا في الأصاغر
[ 370 ]
* 5 / ب أن يؤخذ العلم عمن كان بعد أصحاب النبي، ويقدم ذلك على رأي / الصحابة وعلمهم، فهذا هو أخذ العلم من الأصاغر قال أبو عبيد: ولا أرى عبد الله أراد إلا هذا. * يوم * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] السائبة والصدقة ليومها. يعني بقوله: ليومها يوم القيامة اليوم الذي كان أعتق سائبته وتصدق
[ 371 ]
بصدقته له، يقول: فلا يرجع إلى الانتفاع بشئ منها بعد ذلك في الدنيا، وذلك كالرجل يعتق عبده سائبة، ثم يموت المعتق [ ويترك مالا - ] ولا وارث له إلا الذي أعتقه، يقول: فليس ينبغي له أن يرزأ من ميراثه شيئا إلا أن يجعله في مثله وكذلك يروى عن ابن عمر أنه فعل بميراث عبد له كان أعتقه سائبة، فإنما هذا منهم على وجه الفضل والثواب، ليس على أنه محرم، ألا ترى أنه إنما رده عليه الكتاب والسنة فكيف يحرم هذا ولكنهم كانوا يكرهون أن يرجعوا في شئ جعلوه لله، إنما هذا بمنزلة رجل تصدق على أمه أو على أبيه بداره، ثم ماتا فورثهما، فهذا حلال [ له - ] وإن تنزه عنه فهو أفضل. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] لا تشتروا رقيق أهل الذمة وأراضيهم.
[ 372 ]
قال راوي الحديث: فقلت للحسن: ولم قال: لأنهم فئ للمسلمين. قال أبو عبيد: فهذا تأويل الحسن، وقد روي عن عمر شئ مفسر هو أحب إلي من هذا، قال: لا تشتروا رقيق أهل الذمة فإنهم أهل خراج يؤدي بعضهم عن بعض، وأراضيهم فلا تبتاعوها ولا يقرن أحدكم بالصغار بعد إذ نجاه الله منه. قال أبو عبيد: فقول عمر: فإنهم أهل خراج يؤدي بعضهم عن بعض، يبين لك أنهم ليسوا بفئ وأنهم أحرار، ألا ترى أن السنة أن لا تكون جزية الرؤوس إلا على الأحرار دون المماليك فلو كانوا مماليك كما قال الحسن لم تكن عليهم جزية الرؤوس، وكانوا مع هذا لا تحل مناكحتهم ولا مبايعتهم ولا تجوز شهادتهم. وأما قول عمر: يؤدي بعضهم عن بعض، فلم يرد أن يكون الحر يؤدي عن مملوكه جزية رأسه، ولكنه أراد فيما نرى أنه إذا كان له مماليك وارض وأموال ظاهرة كان أكثر لجزيته، وهكذا كانت سنته فيهم، إنما كان
[ 373 ]
يضع الجزية على قدر اليسار والعسر، فلهذا كره أن يشترى رقيقهم وأما شرى الأرض فإنه ذهب فيه إلى الخراج، كره أن يكون ذلك على المسلمين، ألا تراه يقول: ولا يقرن أحدكم بالصغار بعد إذ نجاه الله منه، وقد رخص في ذلك بعد عمر رجال من أكابر أصحاب النبي عليه السلام منهم عبد الله بن مسعود كانت له أرض براذان، وخباب بن الأرت وغيرهما. * حفد * * لحق * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] في قنوت
[ 374 ]
الفجر قوله: وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق. قوله: نحفد، أصل الحفد الخدمة والعمل، يقال: حفد يحفد حفدا وقال الأخطل: [ الكامل ] حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الأجمال * أراد خدمهن الولائد وقال الشاعر: [ البسيط ] كلفت مجهولها نوقا يمانية * إذا الحداة على أكسائها حفدوا * وقد روي عن مجاهد في قوله [ عز وعلا - ] " بنين وحفدة - " أنهم الخدم، وعن عبد الله أنهم الأصهار وأما المعروف في كلامهم فإن
[ 375 ]
الحفد [ هو - ] الخدمة، فقوله: نسعى ونحفد، هو من ذاك، يقول: إنا نعبدك ونسعى في طلب رضاك. وفيها لغة أخرى: أحفد إحفادا قال الراعي: [ الطويل ] مزايد خرقاء اليدين مسيفة * أخب بهن المخلفان وأحفدا * فقد يكون قوله: أحفدا أخدما، وقد يكون أحفدا غيرهما أعملا بعيرهما، فأراد عمر بقوله: وإليك نسعى ونحفد، العمل لله بطاعته. وأما قوله: بالكفار ملحق [ فهكذا يروى الحديث، فهو جائز في الكلام أن يقول: ملحق - ] يريد لاحق، لأنهما لغتان. يقال: لحقت القوم وألحقتهم بمعنى، فكأنه أراد بقوله: / ملحق لاحق - قاله الكسائي [ وغيره - ]. * 6 / الف * رمى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] لا تشتروا الذهب بالفضة إلا يدا بيد [ هاء وهاء - ] إني أخاف عليكم الرماء.
[ 376 ]
[ قوله: الرماء - ] يعني الربا. وأصل الرماء الزيادة، يقول: هو زيادة على ما يحل ومنه يقال: أرميت على الخمسين - إذا زدت عليها إرماء، وكذلك يروى عن عمر في بعض الحديث أنه قال: إني أخاف عليكم الإرماء، فجاء بالمصدر وقال الشاعر: [ الطويل ] وأسمر خطيا كأن كعوبه * نوى القسب قد أرمى ذراعا على العشر * يقول: زاد على العشر ذراعا قال الكسائي: والرماء ممدود.
[ 377 ]
* ملص * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] إنه استشارهم في إملاص المرأة. [ قوله: إملاص المرأة - ] هو أن تلقي جنينها ميتا، يقال منه: قد أمصلت المرأة إملاصا، وإنما سمي بذلك لأنها تزلقه، ولهذا قالوا: أملصت الناقة وغيرها، وكذلك كل شئ زلق من يدك، فقد ملص يملص ملصا وأنشدني الأحمر: [ الرجز ] فر وأعطاني رشاء ملصا *
[ 378 ]
يعني أنه يزلق من يدي، فإذا فعلت أنت ذلك قلت: أملصته إملاصا. * حشش * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه أتي بامرأة مات عنها زوجها فاعتدت أربعة أشهر وعشرا ثم تزوجت رجلا فمكثت عنده أربعة أشهر ونصفا ثم ولدت ولدا، قال: فدعا عمر [ نساء من - ] نساء الجاهلية فسألهن عن ذلك، فقلن: هذه امرأة كانت حاملا من زوجها الأول، فما مات حش ولدها في بطنها، فلما مسها الزوج الآخر تحرك ولدها، قال: فألحق عمر الولد بالأول. قوله: حش ولدها في بطنها - يعني أنه يبس يقال: قد حش يحش، وقد أحشت المرأة، وهي محش - إذا فعل ولدها ذلك قال: ومنه قيل
[ 379 ]
لليد إذا شلت ويبست: قد حشت قال أبو عبيد: وبعضهم يرويه: حش [ ولدها ] - بضم الحاء. وفي هذا الحديث من الفقه أن الولد لما جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها الآخر لم يلحق به، لأن الولد لا يكون لأقل من ستة أشهر، فلو جاءت به لأكثر من ستة أشهر لحق بالآخر فكان ولده قال أبو عبيد: وكذلك سمعت أبا يوسف يقول في هذا: ما بينها وبين سنتين أن الولد يلحق بالأول ما لم تقر المرأة بانقضاء عدة قبل ذلك. * خلى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه رفع إليه رجل قالت له امرأته: شبهني، فقال: كأنك ظبية كأنك حمامة، فقالت: لا أرضى حتى تقول: خلية طالق، فقال ذلك، فقال عمر: خذ بيدها فهي امرأتك. قوله: خلية طالق - أراد الناقة تكون معقولة ثم تطلق من عقالها
[ 380 ]
وتخلى عنها، فهي خلية من العقال وهي طالق، لأنها قد طلقت منه، فأراد الرجل ذلك، فأسقط عمر عنه الطلاق لنيته. وهذا أصل لكل من تكلم بشئ يشبه لفظ الطلاق والعتاق وهو ينوي غيره أن القول فيه قوله فيما بينه وبين الله [ تبارك وتعالى - ]، وفي الحكم على تأويل مذهب عمر وأما الذي يقوله أبو حنيفة وأصحابه فغير هذا. قال أبو عبيد: سمعت أبا يوسف يقول في أشباه لهذا الكلام: إذا كان في غضب أو جواب كلام لم أدينه في القضاء، وحكاه عن أبي حنيفة وقول عمر أولى بالاتباع.
[ 381 ]
* جدف * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه سأل المفقود الذي استهوته الجن: ما كان طعامهم قال: الفول وما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فما كان شرابهم قال: الجدف. قال: يعني ما لم يغط من الشراب، هكذا هو في الحديث قوله في تفسير الجدف لم أسمعه إلا في هذا الحديث وما جاء إلا وله أصل، ولكن ذهب من كان يعرفه ويتكلم به كما [ قد - ] ذهب من كلامهم
[ 382 ]
شئ كثير وقد روي في تفسيره أيضا غير هذا، قيل: الجدف نبات يكون باليمن تأكله الإبل فلا يحتاج معه إلى شرب ماء.
[ 383 ]
* سمت * * هدى * * دلل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أن
[ 384 ]
أصحاب عبد الله كانوا يرحلون إليه فينظرون إلى سمته وهديه ودله قال: فيتشبهون به. * 6 / ب [ قوله: إلى سمته - ] فالسمت يكون في معنيين: أحدهما حسن الهيئة / والمنظر في مذهب الدين، وليس من الجمال والزينة، ولكن يكون له هيئة أهل الخير ومنظرهم وأما الوجه الآخر فإن السمت الطريق، يقال: الزم هذا السمت كلاهما له معنى جيد، يكون أن يلزم طريقة أهل الإسلام، ويكون أن يكون له هيئة أهل الإسلام. وقوله: إلى هديه ودله فإن أحدهما قريب المعنى من الآخر، وهما من السكينة والوقار في الهيئة والمنظر والشمائل وغير ذلك، وقال الأخطل يصف الثور والكلاب: [ البسيط ] حتى تناهين عنه ساميا حرجا * وما هدى هدي مهزوم وما نكلا *
[ 385 ]
يقول: لم يسرع إسراع المنهزم ولكن على سكون وحسن هدى، وقال عدي بن زيد يمدح امرأة بحسن الدل: [ الخفيف ] لم تطلع من خدرها مبتغى خب * - با ولا ساء دلها في العناق * ومنه حديث سعد قال: بينما أنا أطوف بالبيت إذ رأيت امرأة فأعجبني دلها فأردت أن أسأل عنها فخفت أن تكون مشغولة ولا يضرك جمال امرأة لا تعرفها. * لبد * * عقص * * ضفر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] من لبد
[ 386 ]
أو عقص أو ضفر فعليه الحلق. وهذا يروى عن عمر وعلي وابن عمر. قوله: لبد - يعني أن يجعل في رأسه شيئا من صمغ وعسل أو أحدهما ليتلبد فلا يقمل - هكذا قال يحيى بن سعيد وسألته عنه وقال غيره: إنما التلبيد بقيا على الشعر لئلا يشعث في الإحرام فلذلك وجب عليه الحلق شبيه بالعقوبة له، وكان سفيان بن عيينة يقول بعض هذا. قال أبو عبيد: وأما العقص والضفر فهو فتله ونسجه، وكذلك التجمير، ومنه حديث إبراهيم قال: الضافر والملبد والمجمر عليهم الحلق. وهذا الذي جاء في الضافر [ والمجمر - ] يبين لك
[ 387 ]
التلبيد أنه إنما يفعل ذلك بقيا على الشعر، فلذلك ألزم الحلق والعقص شبيه بالضفر إلا أنه أكثر منه وهذا كله ضروب من المشط. والعقص أن يلوي الشعر على الرأس ولهذا قول النساء: لها عقصة، وجمعها عقص وعقاص ومنه قول امرئ القيس: [ الطويل ] تضل العقاص في مثنى ومرسل * صعد * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] ما تصعدتني خطبة ما تصعدتني خطبة النكاح. [ قوله - ]: ما تصعدتني - أي ما شقت علي، وكل شئ ركبته
[ 388 ]
أو فعلته بمشقة عليك فقد تصعدك قال الله تبارك وتعالى " ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء " ويروى أن أصل هذا من الصعود، وهي العقبة المنكرة الصعبة، يقال: وقعوا في صعود منكرة، وكؤود مثله، وكذلك هبوط وحدور، وقال الله تبارك وتعالى " سأرهقه صعودا - ". * مجج * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] في المضمضة للصائم قالك لا يمجه ولكن ليشربه فإن أوله خير. قال أبو عبيد: هذا المضمضة هي التي عند الإفطار، وإنما أراد أن
[ 389 ]
يشرب قبل أن يمجه فيذهب خلوف فيه وهكذا روي عن أبي الجعد أنه كره تلك المضمضة وقال: ليشرب على خلفة فيه. وأما الصائم يشتد عطشه فيمضمض ثم يمجه ليسكن العطش، فقد رويت فيه رخصة عن عثمان بن أبي العاص وهذه غير تلك. * حتت * * حسف * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أن أسلم كان يأتيه بالصاع من التمر، فيقول: يا أسلم حت عنه قشره، قال: فأحسفه فيأكله. قوله: حت عنه - يقول: اقشره، وكل شئ قشرته عن شئ فقد حتته عنه.
[ 390 ]
وقوله: فأحسفه فيأكله، وهو مأخوذ من الحسافة، وهو قشور التمر ورديئه الذي تخدجه منه إذا نقيته يقال [ منه - ]: حسفت التمر * 7 / الف أحسفه / حسفا. وفي هذا الحديث مما يبين لك أنهم كانوا يتوسعون في المطعم إذا أمكنهم. * دفف * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه قال لمالك بن أوس [ بن الحدثان - ]: يا مال إنه قد دفت علينا من قومك دافة وقد أمرنا لهم برضخ فاقسمه فيهم. قال أبو عمرو: الدافة القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد ويقال: هم قوم يدفون دفيفا، ومنه الحديث المرفوع أن أعرابيا قال: يا رسول الله هل في الجنة إبل فقال: نعم، إن فيها النجائب تدف بركبانها في الجنة.
[ 391 ]
* عمد * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] في الجالب قال: يأتي به أحدهم على عمود بطنه. قال أبو عمرو: وعمود بطنه هو ظهره، ويقال: إنه الذي يمسك البطن ويقويه فصار كالعمود له قال أبو عبيد: والذي عندي في عمود بطنهه أنه أراد أن يأتي به على مشقة وتعب وإن لم يكن ذلك على ظهره، وإنما هذا مثل. * بكأ * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه سأل جيشا هل يثبت لكم العدو قدر حلب شاة بكيئة فقالوا: نعم، فقال: غل القوم.
[ 392 ]
قال أبو عبيد: قوله: شاة بكيئة، هي القليلة اللبن، ويقال: ما كانت بكيئة، ولقد بكؤت تبكؤ بكوءا - إذا قل لبنها، وكذلك الإبل قال الشاعر: [ الكامل ] وليأزلن وتبكؤن لقاحه * ويعللن صبيه بسمار * وقوله: ليأزلن - أي يصيبه الأزل وهو الشدة، والسمار اللبن الممزوج بالماء. * بخع * * خبط * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه مر بضجنان فقال: لقد رأيتني بهذا الجبل أحتطب مرة وأختبط أخرى على حمار للخطاب وكان شيخا غليظا فأصبحت والناس بجنبتي ليس فوقي
[ 393 ]
أحد - وروي أيضا: بجنبتي الناس و [ من - ] لم يكن يبخع لنا بطاعة. قال أبو زيد: قوله: يبخع لنا بطاعة يقال: قد بخع الرجل للرجل بالطاعة - إذا أقر له بها وانقاد. وقوله: أحتبط، أضرب، الخبط من الشجر، وهو علف الإبل. * عرس * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه قال في
[ 394 ]
متعة الحج: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلها وأصحابه ولكني كرهت أن يظلوا بهن معرسين تحت الأراك ثم يلبون بالحج تقطر رؤوسهم. قال أبو عبيد: المعرس الذي يغشى امرأته، واصله من العرس، شبه بذلك وإنما نهى عن هذا لأنه كره المتعة يقول: فإذا أحل من عمرته أتى النساء ثم أهل بالحج، فنهى عن ذلك، وقد رويت الرخصة عنه. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه قال: نعم المرء صهيب لو لم يخف الله لم يعصه. قال أبو عبيد: والمعنى والوجه فيه أن عمر رضي الله عنه أراد أن صهيبا إنما يطيع الله [ تبارك وتعالى - ] حبا [ له - ] لا مخافة عقابه،
[ 395 ]
يقول: فلو لم يكن عقاب يخافه ما عصى الله [ عز وجل - ] أيضا ومثل ذلك حديث يروى عن بعضهم أنه قال: ما أحب أن أعبد الله لطمع في ثواب ولا مخافة عقاب فأكون مثل عبد السوء إن خاف مواليه أطاعهم وإن لم يخفهم عصاهم، ولكني أريد أن أعبد الله حبا له. * نخر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه أتي بسكران في شهر رمضان فقال: للمنخرين للمنخرين، أصبياننا صيام وأنت مفطر قوله: للمنخرين - معناه الدعاء عليه، كقولك: بعدا وسحقا - أي أبعده الله وأسحقه، وكذلك كبه الله للمنخرين، ونحو هذا ومنه حديث
[ 396 ]
عائشة حين قيل لها: إن فلانا قتل، فقالت: لليدين وللفم - أي كبه الله ليديه وفمه قال أبو المثلم الهذلي: [ الطويل ] أصخر بن عبد الله من يغو سادرا * يقل غير شك لليدين وللفم * حصب * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه - ] أنه قال: يا آل خزيمة أصبحوا - وفي بعض الحديث: حصبوا. * 7 / ب قال أبو عبيد: يعني بذلك التحصيب، قال: والتحصيب إذا نفر الرجل من منى إلى مكة للتوديع أن يقيم بالشعب الذي مخرجه إلى الأبطح / حتى يهجع بها من الليل ساعة ثم يدخل مكة، وكان هذا
[ 397 ]
شيئا يفعل ثم ترك وهو الذي قالت فيه عائشة: ليس التحصيب بشئ إنما كان منزلا نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح للخروج. قال ابن مهدي: فكأن عمر إنما خص بني خزيمة أن يقيموا بالأبطح حتى يصبحوا، قال: من شاء فلينفر في النفر الأول إلا بني أسد بن خزيمة. قال أبو عبيد: فوجه هذا عندنا أنه [ إنما - ] أراد بني خزيمة وهم قريش وكنانة، وليس فيهم أسد، وذلك أن منازل قريش وكنانة الحرم وما حوله، فكره لهم أن يعجلوا النفر لقرب دارهم، ورخص لمن بعدت داره، وليست لبني أسد هناك دار إنما هم بنجد فكيف خصهم بالكراهة لا أعرف لهذا وجها إلا ما ذكرنا [ قال أبو عبيد - ] والمحفوظ عندنا هو الأول الذي لا ذكر لبني أسد فيه. قال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه كان يستحب قضاء رمضان في عشر ذي الحجة، وقال: وما من أيام أقضي
[ 398 ]
فيهن رمضان أحب إلي منها. قال أبو عبيد: نرى أنه كان يستحبه لأنه كان لا يحب أن يفوت الرجل صيام العشر، ويستحبه نافلة، فإذا كان عليه شئ من رمضان كره أن يتنفل وعليه من الفريضة شئ، فيقول: فيقضيها في العشر فلا يكون أفطرها ولا يكون بدأ بغير الفريضة، فيجتمع له الأمران، وليس وجهه عندي أنه كان يستحب تأخيرها عمدا إلى العشر ولكن هذا لمن فرط حتى يدخل العشر وكان علي رضي الله عنه يكره قضاء رمضان في العشر، وذلك لأن رأي علي [ رحمة الله عليه - ] كان [ على - ] أن لا يقضى رمضان متفرقا فيقول: إن صام العشر ثم جاء العيد وقد بقيت عليه أيام لم يستقم له أن يصوم يوم النحر لما فيه من النهي، ولم يستقم له أن يفطر، فيكون قد فرق قضاء رمضان، وذلك عنده مكروه، فلهذا كره قضاء رمضان في العشر إن شاء الله. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر فتلا هذه الآية في خطبته
[ 399 ]
" إنك ميت وإنهم ميتون "، قال عمر: فعقرت حتى خررت إلى الأرض. * عقر * قال أبو عبيد: قوله: عقرت، يقال للرجل إذا بقي متحيرا دهشا: قد عقر، وكذلك بعل وخرق، وكل هذا بمعنى. * غمق * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه كتب إلى أبي عبيدة رضي الله عنه وهو بالشام حين وقع بها الطاعون: إن الأردن أرض غمقة وإن الجابية أرض نزهة فاظهر بمن معك من المسلمين إلى الجابية.
[ 400 ]
* نزه * * عبقر * قال أبو عبيد: قوله: غمقة - يعني كثيرة الأنداء والوباء. وأما النزهو فالبعيدة من الأنداء والوباء ولم يرد النزهة من الخضرة والبساتين، إنما أراد البعد من الوباء، وأصل التنزه هو التباعد، ومن هذا قيل: فلان ينزه نفسه عن الأقذار، إنما معناه يباعد نفسه عنها. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه كان يسجد على عبقري. [ قال أبو عبيد - ]: عبقري، هذه البسط التي فيها الأصباغ والنقوش، والعبقري جمع، واحدته: عبقرية، وكذلك الرفرف جمع، واحدته رفرفة - زعم ذلك الأحمر قال أبو عبيد: وإنما سمي عبقريا فيما يقال:
[ 401 ]
إنه نسبة إلى بلاد يقال لها: عبقر، يعمل بها الوشي، وقد ذكروا ذلك في أشعارهم قال ذو الرمة يذكر رياضا في بلاد شبهها بوشي عبقر، [ فقال - ]: [ البسيط ] حتى كأن رياض القف ألبسها * من وشي عبقر تجليل وتنجيد * وقال لبيد في مثل ذلك المعنى: [ الطويل ] وغيث بدكداك يزين وهاده * نبات كوشي العبقري المخلب * يعني بالمخلب الكثير الوشي قال أبو عبيد: وقد نسبت العرب إلى عبقر غير الوشي أيضا، / قال زهير يصف فرسانا: [ الطويل ] بخيل عليها جنة عبقرية * جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا * * 8 / ب
[ 402 ]
وهو في الحديث المرفوع في ذكر عمر: فلم أر عبقريا يفري فريه. قال أبو عبيد: فأراهم ينسبون إليها كل شئ يريدون مدحه ويرفعون قدره، وما وجدنا أحدا يدري أين هذه البلاد ومتى كانت - والله أعلم. * فضض * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه رمى جمرة العقبة بسبع حصيات ثم مضى فلما خرج من فضض الحصى - وعليه خميصة سوداء - أقبل على سلمان بن ربيعة فكلمه بكلام قد ذكره. قال أبو عبيد: قوله: فضض الحصى - يعني المتفرق المنكسر، وكل شئ تفرق من شئ فقد انفض منه، وقال الله [ تبارك و - ] تعالى " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك - "
[ 403 ]
ومنه قول عائشة [ رحمها الله - ] لمروان [ بن الحكم - ]: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيك كذا وكذا. فأنت فضض منه وكذلك الفضيض [ هو - ] مثل الفضض. * حوس * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين قال لفلان وذكر شيئا فقال له عمر: بل تحوسك فتنة.
[ 404 ]
قال العدبس الأعرابي الكناني: قوله: [ بل - ] تحوسك فتنة - يقول: تخالط قلبك وتحثك وتحركك على ركوبها وقال أبو عمرو في الحوس مثل قول العدبس أو نحوه قال أبو عبيد: الحوس والجوس بمعنى واحد، وهو كل موضع خالطته ووطئته فقد حسته وجسته سواء قال الله عز وجل " بعثنا عليكم عبادا لنآ أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا " ومنه قول الشاعر: [ الوافر ] نجوس عمارة ونكف أخرى * لنا حتى يجاوزها دليل * قوله: نجوس عمارة - أي نخالطها ونطأها حتى تبلغ ما نريد منها، ونكف أخرى، يقول: نأخذ في كفتها وهي ناحيتها، ثم ندعها ونحن نقدر عليها قال ابن الكلبي: العمارة هي أكبر من القبيلة، قال أبو عبيد:
[ 405 ]
فهذا الجوس وقال الحطيئة في الحوس يذم رجلا: [ الكامل ] رهط ابن أفعل في الخطوب أذلة * دنس الثياب قناتهم لم تضرس بالهمز من طول الثقاف وجارهم * يعطى الظلامة في الخطوب الحوس * يعني الأمور التي تنزل بهم فتغشاهم وتخلل ديارهم. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين سئل عن الجراد فقال: وددت أن عندنا منه قفعة أو قفعتين. * قفع * قال أبو عبيد: القفعة شئ شبيه بالزبيل، ليس بالكبير يعمل من خوص وليست له عرى، وهو الذي يسميه النساء بالعراق: القفة. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين أتاه أذينة العبدي فقال له: إني حججت من رأس هر أو خارك أو بعض هذه
[ 406 ]
المزالف، فقلت لعمر: من أين أعتمر فقال: ائت عليا * (رحمة الله عليه - ] فسله، فسألته فقال: من حيث ابتدأت. * زلف * قال أبو عبيد: قوله: رأس هر وخارك هما موضعان من ساحل فارس يرابط فيهما. وأما المزالف فإن أبا عمرو قال: وهي كل قرية تكون بين البر وبلاد الريف يقال لها: المزالف، قال: وهي المذارع أيضا، قال: ويعني مثل الأنبار وعين التمر والحيرة وما أشبه ذلك.
[ 407 ]
وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين قال: لعن الله فلانا ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها * جمل * [ قال أبو عبيد - ]: قوله: جملوها - يعني أذابوها، وفيه لغتان يقال: جملت الشحم وأجملته - إذا أذبته، واجتملته أيضا وقال لبيد: [ الرمل ] وغلام أرسلته أمه * بألوك فبذلنا ما سأل أو نهته فأتاه رزقه * فاشتوى ليلة ريح واجتمل
[ 408 ]
* كيل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] أنه نهى عن المكايلة - بالياء. قال أبو عبيد: [ و ] المحدثون يفسرونه المقايسة، وإنما معناه
[ 409 ]
المقايسة بالقول، وأصل ذلك إنما هو مأخوذ من الكيل في الكلام - يعني أن تكيل له كما يكيل لك وتقول له كما يقول لك / ويكون هذا * 8 / ب في الفعل أيضا قال أبو قيس بن الأسلت: [ السريع ] لا نألم القتل ونجزي به الأعداء كيل الصاع بالصاع * فالذي أراد عمر الاحتمال وترك المكافأة بالسوء. * خلق * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] ليس الفقير الذي لا مال له، إنما الفقير الأخلق الكسب.
[ 410 ]
وقد تأوله بعضهم على ضعف الكسب، ولست أرى هذا شيئا من جهتين، إحداهما أنه ذهب إلى مثل خلوقة الثوب، ولو أراد ذلك لقال: الخلق الكسب، لأنه إنما يقال: ثوب خلق، ولا يقال: [ ثوب - ] أخلق، إلا أن تريد أن الثوب قد فعل ذلك، فإنه [ قد - ] يقال: قد خلق (خلق) الثوب وأخلق [ ولا يقال هذا ثوب أخلق - ] والجهة الأخرى أنه إذا حمله على هذا فقد رد المعنى إلى الفقر ايضا، فكيف يقول الفقير الذي لا مال له والذي لا يكتسب المال ولكن وجهه عندي أنه جعله مثلا للرجل الذي لا يرزأ في ماله ولا يصاب بالمصائب وأصل هذا أنه يقال للجبل المصمت الذي لا يؤثر فيه شئ: أخلق، والصخرة خلقاء - إذا كانت كذلك قال الأعشى: [ البسيط ] قد يترك الدهر في خلقاء راسية * وهيا وينزل منها الأعصم الصدعا * فأراد عمر أن الفقر الأكبر إنما هو فقر الآخرة لمن لم يقدم لنفسه شيئا يثاب عليه هناك، وهذا كنحو حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ليس
[ 411 ]
الرقوب الذي لا يبقى له ولد، إنما الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا. * قرح * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] حين أراد أن يدخل الشام وهي تستعر طاعونا، فقال له أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن من معك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قرحانون فلا تدخلها. قال أبو عبيد: القرحانون، أصله في الجدري، ويقال للصبي الذي لم يصبه منه شئ: قرحان، فشبهوا من لم يصبه الطاعون أو يكون من أهل بلاد ليس بها الطاعون بالذي لم يصبه الجدري، يقال منه: رجل
[ 412 ]
قرحان، وكذلك يقال للمرأة، وللجميع من الرجال: قوم قرحان، هذا أكثر كلام العرب، وقد قال بعضهم: [ قوم - ] قرحانون على ما جاء في الحديث.
[ 413 ]
أحاديث عثمان [ بن عفان - ] رضي الله عنه * أتى * وقال أبو عبيد: في حديث عثمان [ بن عفان - ] [ رحمه الله - ]
[ 414 ]
حين أرسل سليط بن سليط وعبد الرحمن بن عتاب إلى عبد الله بن سلام فقال: ائتياه فتنكرا له وقولا: إنا رجلان أتاويان وقد صنع الناس ما ترى فما تأمر فقالا له ذلك، فقال: لستما بأتاويين ولكنكما فلان وفلان وأرسلكما أمير المؤمنين. قال الكسائي: الأتاوي - [ بالفتح - ] الغريب الذي هو في غير وطنه، وأنشدنا هو وأبو الجراح العقيلي أو أحدهما يصف الإبل أنها قطعت بلادا حتى صارت في القفار فقال: [ الرجز ] يصبحن بالقفر أتاويات * هيهات من مصبحها هيهات
[ 415 ]
هيهات حجر من صنيبعات * [ قال - ]: هيهات ترفع وتنصب وتخفض، يقول: إنها أصبحت في القفر غرائب في غير أوطانها، وأنشدوا أتاويات - بالفتح، وأما الحديث فيروى بالضم [ أتاويان - ]، وكلام العرب [ أتاويان - ] بالفتح. وفي هذا الحديث من الفقه قوله لهما: قولا: إنا رجلان أتاويان، وهما من أهل المصر وهذا عندي من المعاريض إنما أولته أنه أراد إنا غريبان في هذا المكان الذي نحن فيه الساعة، وكل من خرج إلى غير موضعه فهو أتاوي [ وأتي أيضا - ] وهذا عندي تشبيه بقول إبراهيم: إنه كان متواريا فكان أصحابه يدخلون عليه فإذا خرجوا من عنده يقول لهم: إن سئلتم عني فقولوا: لا ندري أين هو، فإنكم لا تدرون إذا خرجتم إلى أين أتحول، وإنما أتحول من / موضع في الدار إلى موضع فيها آخر وكقول غيره وأتاه رجل يطلبه فكره الخروج إليه فأدار دارة وقال: قولوا: ليس * 9 / الف
[ 416 ]
هو ههنا - وأشار إلى الدارة [ و - ] في أشباه لهذا من المعاريض كثيرة. * كبل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عثمان [ رحمه الله - ] [ قال - ]: إذا وقعت السهمان فلا مكابلة. قال الأصمعي: تكون المكابلة في معنيين: تكون من الحبس، يقول: إذا حدت الحدود فلا يحبس أحد عن حقه، وأصل هذا من الكبل وهو القيد، وجمعه كبول، والمكبول المحبوس قال: وأنشدني الأصمعي: [ الطويل ] إذا كنت في دار يهينك أهلها * ولم تك مكبولا بها فتحول * قال الأصمعي: والوجه الآخر أن تكون المكابلة من الاختلاط، وهو مقلوب من قوله: لبكت الشئ وبكلته - إذا خلطته، يقول: فإذا حدت الحدود فقد ذهب الاختلاط قال أبو عبيدة: وهو من الكبل ومعناه الحبس عن حقه، ولم يذكر الوجه الآخر. * أرف * * فحل * قال أبو عبيد: وهذا عندي هو الصواب الذي أجمعا عليه. وأما التفسير الآخر فإنه عندي غلط،
[ 417 ]
لو كان من بكلت أو لبكت لكان مباكلة أو ملابكة، وإنما الحديث مكابلة. والذي في هذا الحديث من الفقه أن عثمان [ بن عفان - ] [ رحمه الله - ] كان لا يرى الشفعة للجار، إنما يراها للخليط المشارك وهو بين في حديث له آخر أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل والأرف تقطع كل شفعة. قال ابن إدريس: الأرف المعالم وقال الأصمعي: هي المعالم [ و - ] الحدود قال: وهذا كلام أهل الحجاز، يقال منه: قد أرفت الدار والأرض تأريفا - إذا قسمتها وحددتها وقال ابن إدريس: وقوله: لا شفعة في بئر ولا فحل، قال: فأظن الفحل فحل النخل. قال
[ 418 ]
أبو عبيد: وتأويل البئر عندنا أن تكون البئر بين نفر ولكل رجل من أولئك النفر حائط على حدة، ليس يملكه غيره، وكلهم يسقي حائطه من هذه البئر، فهم شركاء فيها وليس بينهم في النخل شرك. فقضى عثمان أنه إذا باع رجل منهم حائطه فليس لشركائه في البئر شفعة في الحائط من أجل شركه في البئر. وأما قوله في الفحل فإنه من النخل كما قال ابن إدريس، ومعناه الفحل يكون للرجل في حائط قوم آخرين لا شرك له فيه إلا ذلك الفحل، فإن باع القوم حائطهم فلا شفعة لرب الفحل فيه من أجل فحله ذلك وقد يقال للحصير: فحل، وإنما نرى أنه سمي فحلا
[ 419 ]
لأنه يعمل من فحول النخل، ومن ذلك حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على رجل من الأنصار وفي ناحية البيت فحل من تلك الفحول، فأمر بناحية منه فرشت ثم صلى عليه - ورواه بعضهم: وفي ناحية البيت حصير وقال: إنما سمي الحصير فحلا لأنه يعمل من سعف [ الفحل من - ] النخيل، وهو في بعض الحديث قال: وفي البيت حصير، فهذا مفسر، وقد دلك على أن الفحل في ذلك الحديث الحصير، ويقال للفحل: فحال، فإذا جمع قيل: فحاحيل. * جشر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عثمان [ رحمه الله - ] أنه قال: بلغني أن ناسا منكم يخرجون إلى سوادهم إما في تجارة وإما في جباية وإما في جشر فيقصرون الصلاة، فلا تفعلوا، فإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو يحضره عدو.
[ 420 ]
قوله: الجشر، هم القوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى، قال الأخطل يذكر قتل عمير بن الحباب: [ البسيط ] يسأله الصبر من غسان إذ حضروا * والحزن كيف قراه الغلمة الجشر * يعرفونك رأس ابن الحباب وقد * أضحى وللسيف في خيشومه أثر * [ ويروى: فسائل الصبر - ]، قوله: الصبر، قال ابن الكلبي: هي قبائل من غسان معلومة مسماة، يقال لهم الصبر، قال: وكذلك الحزن هم قبائل * 9 / ب من غسان أيضا. * ضرج * * ورد * قال أبو عبيد: وفي هذا الحديث / من الفقه أنه لم ير القصر
[ 421 ]
إلا لمن كانت غيبته تبلغ أن تكون سفرا، ألا تراه يقول: فإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا وفي قوله: أو يحضره عدو فقه أيضا أنه يقصر الصلاة وإن كان مقيما إذا كان يحضره العدو. وفي القصر ثلاث لغات: قصر وتقصير وإقصار، وقصر أجودها. * رجن * * بهرم * * فدم * * شبع * وقا [ أبو عبيد - ]: في حديث عثمان رحمه الله أنه غطى وجهه بقطيفة حمراء أرجوان وهو محرم. قوله: الأرجوان، [ هو - ] الشديد الحمرة، ولا يقال لغير الحمرة: أرجوان. والبهرمان دونه بشئ في الحمرة والمفدم المشبع حمرة ومنه
[ 422 ]
حديث عروة أنه كره المفدم للمحرم ولم ير بالمضرج بأسا. * مشق * قال أبو عبيد: والمضرج دون المشبع، ثم المورد بعده. وفي حديث عثمان [ رضي الله عنه - ] من الفقه أنه لم ير بالحمرة للمحرم بأسا إذا لم يكن ذلك من طيب ومنه حديث طلحة بن عبيدالله [ رحمه الله - ] أنه لبس ثوبين ممشقين وهو محرم فأنكر ذلك عليه عمر، فقال: يا أمير المؤمنين إنما هو بمشق. وقال: كذلك في حديث جابر بن عبد الله: كنا نلبس الممشق في الإحرام إنما هو مدر. وفي الحديث [ أيضا - ] رخصة في تغطية المحرم وجهه، كأنه يرى [ أن - ] الإحرام إنما هو في الرأس خاصة، والناس على حديث ابن عمر في هذا لقوله: إن الذقن من الرأس فلا تخمروه، فصار الإحرام في الوجه والرأس
[ 423 ]
جميعا، قال: سمعت محمدا يفتي بذل ويحدثه عن ابن عمر. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عثمان [ رحمه الله - ] أنه رفع إليه رجل قال لرجل: يابن شامة الوذر، فحده. * وذر * قال أبو عبيد: واحدتها وذرة، وهي القطعة من اللحم مثل الفدرة، وهي كلمة معناها القذف، [ وإنما أراد بابن شامة المذاكير - ] فكنى عن القذف بها، وكانت العرب تساب بها وكذلك إذا قال [ له - ]: يابن ذات الراية، وذلك أن النساء الفواجر في الجاهلية كن ينصبن لأنفسهن رايات تعرف بها مواضعهن وكذلك إذا قال: يابن
[ 424 ]
ملقي أرحل الركبان، هذا كله كناية عن القذف وإياه يريدون. وفي هذا الحديث من الفقه أنه إذا قذف رجل رجلا بغير لفظ الزنا إلا أن المعنى ذلك بعينه أنه والمصر به سواء وكذلك الحديث الآخر عن غيره في رجل قال لرجل: يا روسبي، فضربه الحد، فهذا شبيه بذلك، وأما أهل العراق فلا يرون الحد إلا في التصريح بالزنا وفي نفي الرجل من أبيه. * نشم * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عثمان [ رحمه الله - ] أنه لما نشم الناس فيه جاء عبد الرحمن بن أبزى إلى أبي بن كعب فقال: [ يا - ] أبا المذر ما المخرج - ورواه بعضهم: لما وقع الناس في أمر عثمان. قوله: نشم الناس - يعني طعنوا فيه ونالوا منه، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول في قول زهير: [ الطويل ]
[ 425 ]
تداركتما عبسا وذبيان بعدما * تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم * قال: هو من ابتداء الشر، يقال: قد نشم القوم في الأمر تنشيما - إذا أخذوا في الشر، ولم يكن يذهب إلى أن منشم امرأة كما يقول غيره وعن ابن الكلبي في قوله: عطر منشم، قال: منشم امرأة من حمير - أو قال: من همدان، وكانت تبيع الطيب فكانوا إذا تطيبوا بطيبها اشتدت حربهم فصارت مثلا في الشر. * وذأ * * نعثل * * نوح * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عثمان [ رحمه الله - ] أنه بينا هو يخطب ذات يوم فقام رجل فنال منه، فوذأه ابن سلام فاتذأ، فقال
[ 426 ]
* 1 / الف له / رجل: لا يمنعنك مكان ابن سلام أن تسب نعثلا فإنه من شيعته، قال ابن سلام: فقلت له: لقد قلت القول العظيم يوم القيامة في الخليفة من بعد نوح. قال الأموي وابن الكلبي وغيرهما ذكر كل واحد [ منهم - ] بعض هذا الكلام، قوله: فوذأه فاتذأ، يقال: وذأت الرجل - إذا زجرته وقمعته وقوله: فاتذأ - يعني انزجر. [ وقوله - ]: أن تسب نعثلا، قال ابن الكلبي: إنما قيل له: نعثل، لأنه كان يشبه برجل من أهل مصر اسمه نعثل وكان طويل اللحية، فكان عثمان إذا نيل منه وعيب شبه بذلك الرجل لطول لحيته، لم يكونوا يجدون عيبا غير هذا وقال بعضهم: إن نعثلا من أهل أصبهان، ويقال في نعثل: إنه الذكر من الضباع. وأما قول ابن سلام: والخليفة من بعد نوح، فإن الناس اختلفوا في معناه. وأما أنا فإنه عندي أراد بقوله: نوح عمر بن الخطاب، وذلك
[ 427 ]
لحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين استشار أبا بكر وعمر [ رضي الله عنهما - ] في أسارى بدر فأشار عليه أبو بكر بالمن عليهم، وأشار عليه عمر بقتلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأقبل على أبي بكر: إن إبراهيم كان ألين في الله من الدهن باللبين، ثم أقبل على عمر فقال: إن نوحا كان أشد في الله من الحجر * قوم * قال أبو عبيد: فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإبراهيم وعيسى حين قال " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم "، وشبه عمر بنوح حين قال " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا "، وأراد ابن سلام أن عثمان خليفة عمر. وقوله: يوم القيامة - أراد يوم الجمعة، وذلك أن الخطبة كانت يوم جمعة، ويبين ذلك حديث آخر يروى عن كعب أنه رأى رجلا يظلم
[ 428 ]
رجلا يوم جمعة، فقال: ويحك أتظلم رجلا يوم القيامة * زبى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عثمان [ رحمه الله - ] أنه لما حصر كان علي رضي الله عنه يومئذ غائبا في مال له، فكتب إليه: أما بعد فقد بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين، فإذا أتاك كتابي [ هذا - ] فأقبل إلي، علي كنت أم لي: [ الطويل ] فإن كنت مأكولا فكن خير آكل * وإلا فأدركني ولما أمزق * قوله: بلغ السيل الزبى، فإنه زبى الأسد التي تحفر لها، وإنما جعلت مثلا في بلوغ السيل إليها لأنها إنما تجعل في الروابي من الأرض ولا تكون في المنحدر، وليس يبلغها إلا سيل عظيم. وقوله: جاوز الحزام الطبيين - يعني أنه قد اضطرب من شدة
[ 429 ]
السير حتى خلف الطبيين من اضطرابه [ ولا يمكنه النزول فيشده من شدة الحرب - ]، يضرب هذا المثل للأمر القطيع الفادح الجليل. وأما قوله: [ الطويل ] فإن كنت مأكولا فكن خير آكل * وإلا فأدركني ولما أمزق * فإن هذا بيت تمثل به لشاعر من عبد القيس جاهلي يقال له: الممزق، وإنما سمي ممزقا لبيته هذا، وقال الفراء: الممزق - بالفتح. * غوى * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عثمان [ رحمه الله - ] عند مقتله
[ 430 ]
حين قال: فتغاووا - والله - عليه حتى قتلوه. [ قوله - ]: [ فتغاووا عليه - ]، والتغاوي هو التجمع والتعاون على الشر، وأصله من الغواية أو الغي يبين ذلك شعر لأخت المنذر بن عمرو الأنصاري قالته في أخيها، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث المنذر بن عمرو الأنصاري إلى بني عامر بن صعصعة فاستنجد عامر بن الطفيل عليه وعلى أصحابه قبائل من سليم: عصية ورعل وذكوان، فقتلوا المنذر وأصحابه، فهم الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أياما، فقالت أخته ترثيه: [ المتقارب ] تغاوت عيه ذئاب الحجاز * بنو بهثة وبنو جعفر * بهثة من بني سليم وجعفر من بني عامر بن صعصعة. ويقال من ذلك:
[ 431 ]
غويت أغوي غيا، وبعض الناس يقولون: غويت أغوى لغة وليست بمعروفة. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عثمان [ رضي الله عنه - ] / حين * 1 / ب قال فيه فلان يعرض به: إني لم أفر يوم عينين. فقال عثمان رضي الله عنه: فلم تعيرني بذنب قد عفا الله عنه * عين * قال أبو عبيد: عينين جبل بأحد، قام عليه إبليس فنادى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل قال أبو عبيد: وفي حديث المغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أقام الرماة يوم أحد على هذا الجبل. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث عثمان [ رحمه الله - ] وزيد بن
[ 432 ]
ثابت في قولهما: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء. قال أبو عبيد: معناه أن تكون الحرة امرأة مملوك فإن طلقها اثنتين بانت منه حتى تنكح زوجا غيره، لأنه إنما ينظر إلى الزوج وهو مملوك وطلاقه ثنتان. وقوله: العدة بالنساء، يقول: إنها تعتد عدة حرة ثلاث حيض لأنها حرة. قال أبو عبيد: وإن كانت مملوكة تحت حر فإنها لا تبين منه بأقل من ثلاث لأن زوجها حر، وتعتد بحيضتين لأنها مملوكة وأما قول علي وعبد الله [ رحمهما الله - ] فإنهما قالا: الطلاق والعدة بالنساء يقولان: لا تبين الحرة تحت المملوك بأقل من ثلاث كما تكون تحت الحر، وتبين الأمة تحت الحر باثنتين لا ينظران الرجل في شئ من الطلاق والعدة وإنما ينظران إلى سنة النساء. [ قال أبو عبيد - ]: هذا قول أهل العراق وأما أهل الحجاز فيأخذون بقول
[ 433 ]
عثمان وزيد بن ثابت. وقد روي عن ابن عمر خلاف هذين القولين، قال: يقع الطلاق بمن رق منهما * [ بن * قال أبو عبيد: يقول: إن كانت مملوكة تحت حر بانت بتطليقتين لأنها هي التي رقت. وكذلك إن كانت حرة تحت عبد بانت باثنتين أيضا لأنه هو الرقيق وليس الناس على هذا.
[ 434 ]
أحاديث علي أبي طالب رضي الله عنه - ] * جوأ * وقال أبو عبيد: في حديث علي [ بن أبي طالب - ] رضي الله عنه
[ 435 ]
لأن أطلي بجؤاء قدر أحب إلي من أن أطلي بزعفران. هكذا يروى الحديث بجؤاء قدر، وكان الأصمعي يقول: إنما
[ 436 ]
هي جئاوة القدر، وهو الوعاء الذي تجعل فيه، وجمعها جئاء. وكان أبو عمرو يقول: هو الجياء والجواء - يعني بذلك الوعاء أيضا. وأما الخرقة التي ينزل بها القدر عن الأثافي فهي الجعال. * لدم * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديث علي رضي الله عنه حين أقبل يريد العراق فأشار عليه الحسن بن علي عليهما السلام أن يرجع فقال: والله لا أكون مثل الضبع (الضبع) تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد. قال الأصمعي: اللدم صوت الحجر أو الشئ يقع في الأرض، وليس بالصوت الشديد يقال منه: لدمت ألدم لدما قال الشاعر:
[ 437 ]
[ البسيط ] وللفؤاد وجيب تحت أبهره * لدم الغلام ور اء الغيب بالحجر * والأبهر: عرق مستبطن الصلب. يقال: إن القلب متصل به. * ردم * قال أبو عبيد: فشبه وجيب القلب بصوت الحجر يرمى به الغلام، وإنما قيل للضبع: إنها تسمع اللدم، لأنهم إذا أرادوا أن يصيدوها رموا في جحرها بحجر أو ضربوا بأيديهم باب الجحر، فتحسبه شيئا تصيده فتخرج لتأخذه فتصاد عند ذلك، وهي زعموا من أحمق الدواب، ويبلغ من حمقها أنه يدخل عليها فيقال لها: ليست هذه أم عامر فتسكت حتى تصاد فأراد علي أني لا أخدع كما تخدع الضبع باللدم. ويقال في التدام / النساء: [ إنما - ] هو مأخوذ من اللدم، إنما هو افتعال منه. قال الأصمعي: يقال في غير هذا: لدمت الثوب وردمته - إذا رقعته * 1 / الف
[ 438 ]
كذلك قال أبو عبيدة في المردم ومنه قول الشاعر: [ الكامل ] هل غادر الشعراء من متردم * أم هل عرفت الدار بعد توهم * قوله: متردم أ أي مترقع مستصلح. * وذم * * ترب * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام لئن وليت بني أمية لأنفضنهم نفض القصاب التراب الوذمة. قال الأصمعي: سألني شعبة عن هذا الحرف، [ فقلت - ]: ليس هو هكذا، إنما هو نفض القصاب الوذام التربة قال: والوذام واحدتها وذمة، وهي الحزة من الكرش أو الكبد، قال: ومن هذا قيل
[ 439 ]
لسيور الدلااء الوذم لأنها مقددة طوال. [ قال - ]: والتربة التي قد سقطت في التراب فتتربت فالقصاب ينفضها. وقال أبو عبيدة نحو ذلك، قال: واحدة الوذام وذمة، وهي الكرش لأنها معلقة، ويقال: هي غير الكرش أيضا من البطون. قال: والوذم أيضا لحمات تكون في رحم الناقة تمنعها من الولد، [ يقال منه: وذمت الناقة - ] فإذا عولج ذلك منها قيل: وذمها توذيما. * عسب * * قزع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين مر بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد مقتولا يوم الجمل فقال: هذا يعسوب قريش. قال الأصمعي: اليعسوب فحل النحل وسيدها، [ فشبهه في قريش بالفحل في النحل - ].
[ 440 ]
ومنه حديثه الآخر حين ذكر الفتن قال: فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف. قال الأصمعي: يريد بقوله: يعسوب الدين أنه سيد الناس في الدين يومئذ وقوله: قزع الخريف - يعني قطع السحاب التي تكون في الخريف، وكذلك القزع في غير هذا هي القطع أيضا: ومنه القزع التي تكون في رؤوس الصبيان، وهو أن يحلق رأس الصبي فيترك منه مواضع. قال الأصمعي: واليعسوب أيضا طائر أكبر من الجرادة، وليس هو [ الذي - ] في [ هذا - ] الحديث، وهو الذي تشبه به الخيل والكلاب في الضمر قال بشر بن أبي خازم يذكر الصائد: [ الطويل ] أبو صبية شعث تطيف بشخصه * كوالح أمثال اليعاسيب ضمر *
[ 441 ]
يعني الكلاب. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين رأى فلانا يخطب فقال: هذا الخطيب الشحشح. قال أبو عمرو: هو الماهر بالخطبة الماضي فيها، * شحح * قال أبو عبيد: وكل ماض في كلام أو سير فهو شحشح قال الأموي: الشحشح المواظب على الشئ وقال الطرماح الطائي: [ الطويل ] كأن المطايا ليلة الخمس علقت * بوثابة تنضو الرواسم شحشح * وقال ذو الرمة: [ الطويل ]
[ 442 ]
لدن غدوة حتى إذا امتدت الضحى * وحث القطين الشحشحان المكلف * يعني الحادي. ويقال: الشحشح هو البخيل الممسك، وقال الراجز يصف هدر البعير: [ الرجز ] فردد الهدر وما أن شحشحا * رزز * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام من وجد في بطنه رزا فلينصرف وليتوضأ. قال أبو عمرو: إنما هو الأرز مثل أرز الحية، وهو دورانها
[ 443 ]
وانقباضها، فشبه دوران الريح في بطنه بذلك وقال الأصمعي: هو الرز - يعني الصوت بالبطن من القرقرة ونحوها. قال أبو عبيد: والمحفوظ عندنا ما قال الأصمعي، وعليه جاء الحديث إنما هو الرز، وكذلك كل صوت ليس بالشديد نحو ذلك من الأصوات فهو رز قال ذو الرمة يصف بعيرا يهدر في الشقشقة: [ الرجز ] رقشاء تنتاح اللغام المزبدا * دوم فيها رزه وأرعدا *
[ 444 ]
وقال أبو النجم يصف السحاب والرعد وغيره: [ الرجز ] * 1 / ب * كأن في ربابه الكبار * رز عشار جلن في عشار * قال أبو عبيد: وفيه من الفقه أن ينصرف ويتوضأ ويبني على صلاته ما لم يتكلم، وهذا إنما هو قبل أن يحدث، ولكن وجهه عندي إذا خاف الحدث قال: والذي أختار في هذا أن يتكلم ويستقبل الصلاة. * ودن * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام في ذي الثدية المقتول بالنهروان أنه مودن اليد أو مثدن اليد أو مخدج اليد. قال الكسائي وغيه: المودن اليد القصير اليد، يقال: أودنت
[ 445 ]
الشئ قصرته * ثدن * قال أبو عبيد: وفيه لغة أخرى: ودنته فهو مودون، قال حسان يذم رجلا: [ المتقارب ] وأمك سوداء مودونة * كأن أناملها الحنظب * [ والحنظب: ذكر الخنافس، وفيه لغتان: الحنظب والحنظب - ] [ والعنظب والعنظاب ذكر الجراد - ] وقال غيره في اللغة الأولى: [ المتقارب ] وقد طلقت ليلة كلها * فجاءت به مؤدنا خنفقيقا * وبعضهم يرويه: موتنا.
[ 446 ]
وقوله: مثدن اليد، قال بعض الناس: نراه أخذه من ثندوة الثدي، وهي أصله، شبه يده في قصرها واجتماعها بذلك، * خدج * * ثدى * قال أبو عبيد: فإن كان من هذا فالقياس أن يقال: مثند، لأن النة ون قبل الدال في الثندوة، إلا أن يكون من المقلوب، فذلك كثير في الكلام. وأما قوله: مخدج اليد، فإنه القصير أيضا، أخذ من إخداج الناقة ولدها وهو أن تلده لغير تمام في خلقه. قال الفراء: إنما قيل ذو الثدية فأدخلت الهاء فيها، وإنما هي تصغير ثدي، والثدي ذكر، لأنها كأنها بقية ثدي قد ذهب أكثره، فقللها كما قالوا: لحيمة وشحيمة، فأنث على هذا التأويل وقال بعضهم: يقول: ذو اليدية، قال أبو عبيد: ولا أرى الأصل كان إلا هذا، ولكن الأحاديث كلها تتابعت بالثاء ذو الثدية. * نغر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أن امرأة جاءته فذكرت أن زوجها يأتي جاريتها، فقال: إن كنت صادقة رجمناه وإن
[ 447 ]
كنت كاذبة جلدناك. فقالت: ردوني إلى أهلي غيرى نغرة. قال الأصمعي: سألني شعبة عن هذا فقلت: [ هو - ] مأخوذ من نغر القدر، وهو غليانها وفورها يقال منه: نغرت تنغر ونغرت تنغر - إذا غلت. فمعناه أنها أرادت أن جوفها يغلي من الغيظ والغيرة، ثم لم تجد عنده ما تريد. قال ويقال منه: رأيت فلانا يتنغر على فلان - أي يغلي جوفه عليه غيظا. قال أبو عبيد: وفي هذا الحديث من الفقه أن على الرجل أن وقع جارية امرأته الحد وفيه أيضا أنه إذا قذفه بذلك قاذف كان على قاذفه الحد، ألا تسمع قوله: وإن كنت كاذبة جلدناك ووجه هذا كله إذا لم يكن الفاعل جاهلا بما يأتي أو بما يقول، فإن كان جاهلا وادعى شبهة درئ عنه الحد في ذلك كله وفيه أيضا أن رجلا لو قذف رجلا بحضرة حاكم وليس المقذوف بحاضر أنه لا شئ على القاذف حتى يأتي فيطلب حده لأنه لا يدرى لعله يجئ فيصدقه، ألا ترى ان
[ 448 ]
عليا لم يعرض لها وفيه أن الحاكم إذا قذف عنده رجل ثم جاء المقذوف يطلب حقه أخذه الحاكم بالحد لسماعه، ألا تراه يقول: وإن كنت كاذبة جلدناك * أسو * * برزخ * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه صلى بقوم فأسوى برزخا - وفي [ بعض - ] الحديث أنه قرأ برزخا فأسوى حرفا من القرآن. * 2 / الف قال الكسائي: قوله: أسوى - يعني أسقط وأغفل، يقال: / أسويت الشئ - إذا تركته وأغفلته. قال: والبرزخ ما بين كل شيئين، ومنه قيل للميت: هو في البرزخ، لأنه بين الدنيا والآخرة ومنه قول أبي أمامة الباهلي حين دفن ميتا فقرأ: " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " فأراد
[ 449 ]
أبو عبد الرحمن بالبرزخ ما بين الموضع الذي أسقط علي منه ذلك الحرف إلى الموضع الآخر الذي [ كان - ] انتهى إليه ومنه قول عبد الله أنه سئل عن الرجل يجد الوسوسة فقال: تلك برازخ الإيمان قال أبو عبيد: قال بعضهم: ما بين أول الإيمان وآخره، وفي هذا الحديث تقوية للحديث الآخر: الإيمان ثلاث وسبعون شعبة أولها الإيمان بالله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وقال بعضهم: هو ما بين اليقين والشك، يقال: برازخ الإيمان. * عذر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه قال لقوم
[ 450 ]
وهو يعاتبهم: مالكم لا تنظفون عذراتكم. قال الأصمعي: العذرة أصلها فناء الدار وإياها أراد علي. قال أبو عبيد: وإنما سميت عذرة الناس بهذا لأنها كانت تلقى بالأفنية، فكني عنها باسم الفناء كما كني بالغائط أيضا، وإنما الغائط الأرض المطمئنة، فكان أحدهم يقضي حاجته هناك فسمي بها قال الحطيئة يذكر العذرة أنها الفناء: [ الطويل ] لعمري لقد جربتكم فوجدتكم * قباح الوجوه سيئي العذرات * يريد الأفنية لأنها ليست بنظيفة وهذا مما يبين لك أصل العذرة ما هي. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه وكل عبد الله
[ 451 ]
ابن جعفر بالخصومة، وقال: إن للخصومة قحما. قال أبو زياد الكلابي: القحم المهالك، * قحم * [ قال أبو عبيد: ولا أرى أصل هذا إلا من التقحم، لأنه يتقحم المهالك - ]، ومنه قحمة الأعراب، هو أن تصيبهم السنة فتهلكهم، فهو تقحمها عليهم أو تقحمهم بلاد الريف قال ذو الرمة يصف الإبل وشدة ما تلقى من السير حتى تجهض: [ الطويل ] يطرحن بالأولاد أو يلتزمنها * على قحم بين الفلا والمناهل * وقال جرير [ بن الخطفي - ]: [ البسيط ] قد جربت مصر والضحاك أنهم * قوم إذا حاربوا في حربهم قحم *
[ 452 ]
وفي هذا الحديث من الفقه أنه أجاز أن يوكل الرجل غيره بالخصومة وهو شاهد، وكان أبو حنيفة لا يجيز هذا إلا لمريض أو غائب، وكان أبو يوسف ومحمد يجيزانه يأخذان بقول علي رضي الله عنه. * شرق * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع. قال الأصمعي: التشريق صلاة العيد، وإنما أخذه من شروق الشمس لأن ذلك وقتها قال أبو عبيد: يعني أنه لا صلاة يوم العيد ولا جمعة إلا على أهل الأمصار، وإنما سميت صلاة العيد تشريقا لإشراق الشمس وهو إضاءتها لأن ذلك وقتها، يقال: شرقت الشمس - إذا طلعت شروقا، وأشرقت إشراقا - إذا أضاءت، قال: وأخبرني الأصمعي عن شعبة قال قال لي سماك بن حرب في يوم عيد: اذهب بنا إلى المشرق - يعني المصلى. قال أبو عبيد: ومما يبين هذا المعنى حديث النبي صلى الله
[ 453 ]
قال: من ذبح قبل التشريق فليعد وفي ذلك يقول الأخطل: [ البسيط ] وبالهدايا إذا احمرت مذارعها * في يوم ذبح وتشريق وتنحار * قال أبو عبيد: وأما قولهم: / أيام التشريق، فإن فيه قولين، يقال: سميت * 2 / ب بذلك لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي، ويقال: بل سميت بذلك لأنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر، يقول: فصارت هذه الأيام تبعا ليوم النحر، وهذا أعجب القولين إلي، وكان أبو حنيفة يذهب بالتشريق إلى التكبير في دبر الصلوات، يقول: لا تكبير إلا على أهل الأمصار تلك الأيام، فيقول: من صلى في سفر أو في غير مصر فليس عليه تكبير، وهذا كلام لم نجد أحدا يعرفه أن التكبير يقال له التشريق وليس يأخذ به [ أحد - ] من أصحابه لا أبو يوسف ولا محمد، كلهم يرى
[ 454 ]
التكبير على المسلمين جميعا حيث كانوا في السفر والحضر وفي الأمصار وغيرها. * صعل * * صمع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه فكأني برجل من الحبشة أصعل أصمع حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم. قال الأصمعي: قوله: أصعل - هكذا يروى، فأما في كلام العرب فهو صعل - بغير ألف، وهو الصغير الرأس، وكذلك الحبشة، ولهذا قيل للظليم: صعل قال عنترة يصفه: [ الكامل ] صعل يعود بذي العشيرة بيضه * كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم * الأصلم المقطوع الأذن.
[ 455 ]
قال: والأصمع الصغير الأذن، يقال منه: رجل أصمع وامرأة صمعاء، وكذلك غير الناس ومنه حديث ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يضحى بالصمعاء قال أبو عبيد: يذهب ابن عباس إلى أن هذا خلقة، ولو كانت مقطوعة الأذن ما أجزت ويقال أيضا في غير هذا: قلب أصمع - إذا كان ذكيا فطنا. وقد روى بعض الناس أن الأصعل بالألف لغة ولا أدري عمن هو. * خرط * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه أتاه قوم برجل فقالوا: إن هذا يؤمنا ونحن له كارهون، فقال له علي عليه السلام: إنك لخروط، أتؤم قما [ و - ] هم لك كارهون
[ 456 ]
قوله: خروط - يعني الذي يتهور في الأمور ويركب رأسه في كل ما يريد بالجهل وقلة المعرفة بالأمور، ومنه قيل: انخرط فلان علينا - إذا اندرأ عليهم بالقول السئ وبالفعل قال العجاج يصف ثورا مضى في سيره: [ الرجز ] فظل يرقد من النشاط * كالبربري لج في انخراط * شبهه بالفرس البربري إذا لج في شدة السير. وفي هذا الحديث من الفقه أنه لم يقل له: لا صلاة لك، ولم يأمره بالإعادة، إنما كره له ما صنع ولم ير أن يحكم عليه باعتزالهم في الإمامة، وإنما أنكر عليه فعله فأفتاه فتوى، ولم يبلغنا أن أحدا حكم بهذا حكما ولكن فتيا، فأما الأذان فقد بلغنا فيه حكم عن ابن شبرمة قال: تشاح الناس في الأذان بالقادسية فاختصموا إلى سعد فأقرع بينهم. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام: إذا بلغ النساء نص
[ 457 ]
الحقائق - وبعضهم يقول: الحقاق، فالعصبة أولى. قوله: نص الحقاق، * نصص * * قحم * قال أبو عبيد: وأصل النص [ هو - ] * 3 / الف منتهى الأشياء ومبلغ أقصاها، ومنه قيل: نصصت الرجل / إذا استقصيت مسألته عن الشئ حتى تستخرج كل ما عنده، وكذلك النص في السير إنما هو أقصى ما تقدر عليه الدابة، فنص الحقاق إنما هو الإدراك لأنه منتهى الصغر والوقت الذي يخرج منه الصغير إلى الكبير. يقول: فإذا بلغ النساء ذلك فالعصبة أولى بالمرأة من أمها إذا كانوا محرما مثل الإخوة والأعمام بتزويجها إن أرادوا، وهذا مما يبين لك أن العصبة والأولياء ليس لهم أن يزوجوا اليتيمة حتى تدرك ولو كان لهم ذلك لم ينتظر بها نص الحقاق، وليس يجوز التزويج على الصغيرة إلا لأبيها خاصة، ولو جاز لغيره ما احتاج إلى ذكر الوقت. وقوله: الحقاق، إنما هو المحاقة أن تحاق الأم العصبة فيهن، فذلك الحقاق، فتقول: أنا أحق، ويقول أولئك: نحن أحق، وهذا:
[ 458 ]
كقولك جادلته جدالا ومجادلة، وكذلك حاققته حقاقا ومحاقة. [ قال - ]: وبلغني عن ابن المبارك أنه قال: نص الحقاق بلوغ العقل، وهو مثل الإدراك لأنه إنما أراد منتهى الأمر الذي تجب به الحقوق والأحكام، فهذا العقل والإدراك، ولا عقل يعتد به قبل الإدراك. ومن رواه: نص الحقائق، فإنه أراد جمع حقيقة وحقائق. * سبق * * صلا * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر وخبطتنا فتنة فما شاء الله. قوله: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وصلى أبو بكر - ]، قال الأصمعي: إنما أصل هذا في الخيل، فالسابق الأول والمصلي الثاني
[ 459 ]
الذي يتلوه قال: وإنما قيل له المصلي لأنه يكون عند صلا الأول وصلاه جانبا ذنبه عن يمينه وشماله، ثم يتلوه الثالث، ومما يبين ذلك أن أصله في الخيل حديث بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سبق بين الخيل، فسأل رجل بلالا: من سبق فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما عنيت في الخيل، فقال بلال: وأنا عنيت في الخير. * لمظ * قال أبو عبيد: ولم نسمع في سوابق الخيل ممن يوثق بعلمه اسما لشئ منها إلا الثاني والعاشر، فإن الثاني اسمه المصلي والعاشر السكيت وما سوى ذينك فيقال له الثالث والرابع كذلك إلى التاسع.
[ 460 ]
وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام الإيمان يبدو لمظه في القلب، كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة. قوله: لمظة، قال الأصمعي: اللمظة هي مثل النكتة ونحوها من البياض ومنه قيل: فرس ألمظ - إذا كان بجحفلته شئ من البياض. والمحدثون يقولون: لمظة - بالفتح، وأما كلام العرب فبالضم [ لمظة - ] مثل دهمة وشهبة وحمرة وصفرة وما أشبه ذلك وقد رواه بعضهم: لمطة - بالطاء، فهذا الذي لا نعرفه ولا نراه حفظ. وفي هذا الحديث حجة على من أنكر أن يكون الإيمان يزيد أو ينقص، ألا تراه يقول:
[ 461 ]
كلما ازداد الإيمان ازدادت تلك اللمظة - مع أحاديث في هذا كثيرة وعدة آيات من القرآن. * صدق * * قهز * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أن رجلا أتاه وعليه ثوب من قهز فقال: إن بني فلان ضربوا بني فلان بالكناسة، فقال علي: صدقني سن بكره. قال الأصمعي وغيره: هذا مثل تضربه العرب للرجل يأتي بالخبر
[ 462 ]
* 3 / ب على وجهه ويصدق فيه ويقال: إن أصل هذا أن الرجل ربما باع بعيره فيسأله المشتري عن سنه فيكذبه، / فعرض رجل بكرا له فصدق في سنه، فقال الآخر: صدقني سن بكره، فصار مثلا لمن أخبر بصدق. وقوله: ثوب من قهز، يقال: هي ثياب بيض أحسبها يخالطها الحرير قال [ أبو عبيد - ]: ولا أرى هذه الكلمة عربية، وقد ذكرتها مع هذا العرب في أشعارها، فقال ذو الرمة يصف البزاة البيض: [ الطويل ] من الزرق أو صقع كأن رؤوسها * من القهز (القهز) والقوهي بيض المقانع * وقال أبو النجم العجلي يصف الحمر وبياض بطونها: [ الرجز ] كأن لون القهز في خصورها * والقبطري البيض في تأزيرها *
[ 463 ]
والقبطري أيضا. * نوم * * ذيع * * سيح * * بذر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام وذكر آخر الزمان والفتن فقال: خير أهل ذلك الزمان كل نومة، أولئك مصابيح الهدى، ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البذر. قوله: كل نومة - يعني الخامل الذكر الغامض في الناس الذي لا يعرف الشر ولا أهله. وأما المذاييع فإن واحدهم مذياع وهو الذي إذا سمع عن أحد بفاحشة أو رآها منه أفشاها عليه وأذاعها. والمساييح الذين يسيحون في الأرض بالشر والنميمة والإفساد بين الناس. والبذر أيضا نحو ذلك، وإنما هو مأخوذ من البذر ويقال: بذرت الحب وغيره - إذا فرقته في الأرض، وكذلك
[ 464 ]
هذا يبذر الكلام بالنميمة والفساد، والواحد منه بذور. * ظنن * * جد * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام في الرجل يكون له الدين الظنون قال: يزكيه لما مضى إذا قبضه إن كان صادقا. قوله: الظنون، هو الذي لا يدري صاحبه أيقضيه الذي عليه الدين أم لا، كأنه الذي لا يرجوه وكذلك كل أمر تطالبه ولا تدري على أي شئ أنت منه فهو ظنون، قال الأعشى: [ السريع ]
[ 465 ]
ما جعل الجد الظنون الذي * جنب صوب اللجب الماطر مثل الفراتي إذا ما جرى * يقذف بالبوصي والماهر * فالجد البئر [ التي - ] تكون في الكلأ، والظنون الذي لا يدري فيها ماء أم لا. وفي هذا الحديث من الفقه [ أنه - ] من كان له دين على الناس فليس عليه أن يزكيه حتى يقبضه، فإذا قبضه زكاه لما مضى وإن كان لا يرجوه. وهذا يرد قول من قال: إنما زكاته على الذي عليه المال، لأنه [ هو - ] المنتفع به، وهو شئ يروى عن إبراهيم، والعمل عندنا على قول علي.
[ 466 ]
* فقر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا أو تجفافا. [ قال - ]: وقد تأوله بعض الناس على أنه اراد من أحبنا افتقر في الدنيا، وليس لهذا وجه، لأنا قد نرى من يحبهم فيهم ما في سائر الناس من الغنا والفقر، ولكنه عندي إنما أراد فقر يوم القيامة، يقول: ليعد ليوم فقره وفاقته عملا صالحا ينتفع به في يوم القيامة، وإنما هذا منه على وجه الوعظ والنصيحة له، كقولك: من أحب أن يصحبني ويكون معي فعليه بتقوى الله واجتناب معاصيه، فإنه لا يكون لي صاحبا إلا من كانت له هذه حالة ليس للحديث وجه غير هذا.
[ 467 ]
* عذب * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه شيع / سرية * 4 / الف أو جيشا فقال: أعذبوا عن النساء. يقول: امنعوا أنفسكم عن ذكر النساء وشغل القلوب بهن، فإن ذلك يكسركم عن الغزو وكل من منعته شيئا فقد أعذبته قال عبيد بن الأبرص: [ الكامل ] وتبدلوا اليعبوب بعد إلههم * صنما فقروا (فقروا) يا جديل وأعذبوا * والعاذب والعذوب سواء. ويقال للفرس وغيره: عذوب - إذا بات لا يأكل شيئا ولا يشرب لأنه ممتنع من ذلك قال النابغة الجعدي يصف ثورا: [ الطويل ]
[ 468 ]
* فبات عذوبا للسماء كأنه * سهيل إذا ما أفردته الكواكب * شبهه بسهيل لأن الكواكب تزول عنه ويبقى منفردا ليس معه شئ منها. ويقال: العذوب الذي بات وليس بينه وبين السماء ستر، قال: وكذلك العاذب. * يسر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام إن المرء المسلم ما لم يغش يخشع لها إذا ذكرت وتغري به لئام الناس كالياسر الفالج ينتظر فوزة من قداحه أو داعي الله فما عند الله خير للأبرار. قال أبو عبيدة والأصمعي وأبو عمرو وغيرهم دخل كلام بعضهم في بعض، قالوا: [ قوله - ]: الياسر من الميسر (الميسر) وهو القمار الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه حتى نزل القرآن بالنهي عنه في قوله تعالى " إنما الخمر والميسر والأنصاب والآزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه - "
[ 469 ]
الآية، وكان أمر الميسر أنهم كانوا يشترون جزورا فينحرونها ثم يجزونها أجزاء، وقد اختلفوا في عدد الأجزاء فقال أبو عمرو: على عشرة أجزاء، وقال الأصمعي: على ثمانية وعشرين جزءا، ولم يعرف أبو عبيدة لها عددا، ثم يسهمون عليها بعشرة قداح لسبعة منها أنصباء وهي: الفذ والتوأم والرقيب والناقس والحلس والمسبل والمعلى، وثلاثة منها ليست لها أنصباء وهي: المنيح والسفيح والوغذ، ثم يجعلونها على يدي رجل عدل عندهم يحيلها لهم باسم رجل رجل ثم يقسمونها على قدر ما تخرج لهم السهام، فمن خرج سهمه من هذه السبعة التي لها أنصباء أخذ من الأجزاء بحصة ذلك، وإن خرج له واحد من الثلاثة فقد اختلف الناس في هذا الموضع، فقال بعضهم: من خرجت باسمه لم يأخذ شيئا ولم يغرم، ولكن يعاد الثانية ولا يكون له نصيب ويكون لغوا، وقال بعضهم: بل يصير ثمن هذه الجزور كله على أصحاب هؤلاء الثلاثة فيكونون مقمورين، ويأخذ أصحاب السبعة أنصباءهم على ما خرج لهم فهؤلاء الياسرون، قال أبو عبيد: ولم أجد علماءنا يستقصون معرفة [ علم - ] هذا ولا يدعونه كله، ورأيت أبا عبيدة أقلهم ادعاء لعلمه قال أبو عبيدة: وقد سألت عنه الأعراب فقالوا: لا علم لنا بهذا، لأنه شئ قد قطعه الإسلام منذ جاء، فلسنا ندري كيف كانوا
[ 470 ]
ييسرون * فلج * * نأنأ * * بطن * * غور * قال أبو عبيد: فالياسرون هم الذي يتقامرون على الجزور، وإنما كان هذا في أهل الشرف منهم والثروة والجدة وكانوا يفتخرون به قال الأعشى يمدح قوما: [ السريع ] المطعمو الضيف إذا ما شتوا * والجاعلو القوت على الياسر * وقال طرفة: [ الرمل ] فهم أيسار لقمان إذا * أغلت الشتوة أبداء الجزر * وهو كثير في أشعارهم، فأراد علي بقوله: كالياسر الفالج ينتظر فوزة من قداحه أو داعي الله فما عند الله خير للأبرار، يقول: هو بين خيرتين، * 4 / ب إما صار إلى ما يحب من الدنيا / فهو بمنزلة المعلى وغيره من القداح التي لها حظوظ، أو بمنزلة التي لا حظوظ لها - يعني الموت - فيحرم ذلك في الدنيا وما عند الله خير له. والفالج: القامر، يقال: قد فلج عليهم وفلجهم قال الراجز في الفالج: [ الرجز ] لما رأيت فالجا قد فلجا * ومما يبين ذلك أنه أراد بالحرمان في الدنيا المنيح حديث يروى عن جابر
[ 471 ]
ابن عبد الله قال: كنت منيح أصحابي يوم بدر. [ قال - ]: وكان أصحاب الحاديث يحملون هذا على استقاء الماء لهم، وليس هذا من استقاء الماء في شئ، إنما أراد به أنه لم يأخذ سهما من الغنيمة يومئذ لصغره وقال العجاج يذكر فرسا سبق خيلا: [ الرجز ] قطعها بنفس مريح * عطف المعلى صك بالمنيح * يعني أنه سبقها كما قمر المعلى المنيح قال الكميت: [ الوافر ] فمهلا يا قضاع فلا تكوني * منيحا في قداح يدي مجيل * يعني في انتسابهم إلى اليمن وتركهم النسب الأول.
[ 473 ]
* ذرا * * شذر * * رحا * * زحزح * وقا [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام يوم الجمل وغاب عنه سليمان بن صرد فبلغه عنه قول فقال سليمان: بلغني عن أمير المؤمنين ذرو من قول تشذر لي به من شتم وأبعاد فسرت إليه جوادا.
[ 474 ]
قوله: ذرو، هو الشئ اليسير من القول، كأنه طرف من الخبر وليس بالخبر كله. والتشذر التوعد والتهدد قال لبيد يذكر رجالا ويذكر عداوة بعض لبعض: [ الكامل ] غلب تشذر بالذحول كأنها * جن البدي رواسيا أقدامها * وقال صخر بن حبناء أخو المغيرة بن حبناء: [ الوافر ] أتاني عن مغيرة ذرو قول * وعن عيسى فقلت له كذاكا *
[ 475 ]
وفي حديث آخر لسليمان قال: أتيت عليا حين فرغ [ من - ] مرحى الجمل فلما رآني قال: تزحزحت وتربصت وتنأنأت، فكيف رأيت الله صنع فقلت: يا أمير المؤمنين إن الشوط بطين وقد بقي من الأمور ما تعرف به صديقك من عدوك، قال: قال سليمان: فلما قام قلت للحسن بن علي: ما أغنيت مني شيئا، فقال: هو يقول لك الآن هذا وقد قال لي يوم التقى الناس ومشى بعضهم إلى بعض: ما ظنك بامرئ جمع بين هذين الغارين ما أرى بعد هذا خيرا. قوله: مرحى الجمل - يعني الموضع الذي دارت عليه رحى الحرب قال الشاعر: [ الطويل ] فدرنا كا دارت على قطبها الرحى * ودارت على هام الرجال الصفائح * وقوله: تزحزحت - أي تباعدت. وقوله: تنأنأت، يقول: ضعفت، وهو من قول أبي بكر رضي الله عنه:
[ 476 ]
خير الناس من مات في النأنأة ومنه قيل للرجل الضعيف: نأنأ - وقد فسرناه في غير هذا الموضع. وقوله: إن الشوط بطين - يعني البعيد. وقوله: جمع بين هذين الغارين، الغار الجماعة من الناس الكثيرة وكل جمع عظيم غار. ومنه قول الأحنف يوم انصرف الزبير رضي الله عنه من وقعة الجمل فقيل له: هذا الزبير - وكان الأحنف يومئذ بوادي السباع مع قومه قد اعتزل الفريقين جميعا - فقال: ما أصنع به إن كان جمع بين هذين الغارين، ثم انصرف وترك الناس.
[ 477 ]
* ورد * * شرع * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام في الرجل الذي سافر مع أصحاب له فلم يرجع حين رجعوا، فاتهم أهله أصحابه فرفعوهم إلى شريح فسألهم البينة على قتله، فارتفعوا إلى علي فأخبروه بقول شريح قال علي: [ الرجز ] أوردها سعد وسعد مشتمل * يا سعد لا تروى بهذاك الإبل * * 5 / الف ثم قال: إن أهون السقي التشريع، [ قال - ]: ثم فرق بينهم وسألهم فاختلفوا ثم أقروا بقتله - فأحسبه قال: فقتلهم به. قوله: أوردها سعد وسعد مشتمل، هذا مثل، يقال: إن أصله كان أن رجلا أورد إبله ماء لا تصل إلى شربه إلا بالاستقاء ثم اشتمل ونام وتركها لم يستق لها يقول: فهذا الفعل لا تروى به الإبل حتى
[ 478 ]
يستقى لها. وقوله: إن أهون السقي التشريع، وهو مثل أيضا، يقول: إن أيسر ما ينبغي أن يفعل بها أن يمكنها من الشريعة أو الحوض ويعرض عليها الماء دون أن يستقى لها لتشرب. فأراد علي بهذين المثلين أن أهون ما كان ينبغي لشريح أن يفعل أن يستقصى في المسألة والنظر والكشف عن خبر الرجل حتى يعذر في طلبه ولا يقتصر على طلب البينة فقط كما اقتصر الذي أورد أبله ثم نام. وفي هذا الحديث من الحكم أن عليا امتحن في حد ولا يمتحن في الحدود، وإنما ذلك لأن هذا من حقوق الناس، وكل حق من حقوقهم فإنه يمتحن فيه كما يمتحن في جميع الدعاوي. وأما الحدود التي لا امتحان فيها فحدود الناس فيم بينهم وبين الله تعالى مثل الزنا وشرب الخمر. وأما القتل وكل ما كان من حقوق الناس فإنه وإن كان حدا يسأل عنه الإمام ويستقصي لأنه من مظالم الناس وحقوقهم التي يدعيها بعضهم على بعض وكذلك كل جراحة دون النفس، فهي مثل النفس، وكذلك القذف، فهذا كله يمتحن فيه إذا ادعاها مدع. وفي المثلين تفسير آخر، قال
[ 479 ]
الأصمعي: يقال: إن قوله " أوردها سعد وسعد مشتمل " يقول: إنه جاء بإبله إلى شريعة لا يحتاج فيها إلى استقاء [ الماء - ] فجعلت تشرب وهو مشتمل بكسائه وكذلك قوله: إن أهون السقي التشريع - يعني أن يوردها شريعة الماء ولا يحتاج إلى الاستقاء لها. [ قال أبو عبيد: وهو أعجب القولين إلي - ]. * حمر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن أحد منا أقرب إلى العدو منه. قال الأصمعي: يقال: هو الموت الأحمر والموت الأسود، قال: ومعناه الشديد قال: وأرى أصله مأخوذا من ألوان السباع، يقول: كأنه من شدته سبع إذا أهوى إلى الإنسان، ويقال هوى قال أبو زبيد يصف الأسد: [ الطويل ]
[ 480 ]
إذا علقت قرنا خطاطيف كفه * رأى الموت بالعينين أسود أحمرا * قال أبو عبيد: فكأن عليا أراد بقوله: احمر البأس، أنه صار في الشدة والهول مثل ذلك. ومن هذا حديث عبد الله بن الصامت قال: أسرع الأرض خرابا البصرة ومصر، قيل: وما يخربهما قال: القتل الأحمر والجوع الأغبر. قال الأصمعي: يقال: هذه وطأة حمراء - إذا كانت جديدة، ووطأة دهماء - إذا كانت دارسة قال ذو الرمة: [ الطويل ] سوى وطأة دهماء من غير جعدة * ثنى أختها في غرز كبداء ضامر * فكأن المعنى في هذين الحديثين الموت الجديد مع ما يشبه به من ألوان السباع. * 5 / ب * سمد * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام / أنه خرج والناس ينتظرونه للصلاة قياما، فقال: مالي أراكم سامدين
[ 481 ]
قوله: سامدين - يعني القيام، وكل رافع رأسه فو سامد، وقد سمد يسمد ويسمد سمودا ومنه قول إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قياما ولكن قعودا، ويقولون ذلك السمود. قال أبو عبيد: والسمود أيضا في غير هذا الموضع اللهو والغناء، يقال: السامدون اللاهون، ومنه قول الله تعالى " وأنتم سامدون " وعن ابن عباس في قوله تعالى: سامدون، قال: الغناء في لغة حمير، أسمدي لنا - أي غني لنا. * فهر * * سدل * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه خرج فرأى قوما يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال: كأنهم اليهود قد خرجوا من فهرهم.
[ 482 ]
قوله: فهرهم، هو موضع مدراسهم الذي يجتمعون فيه كالعيد يصلون فيه ويسدلون ثيابهم، وهي كلمة نبطية أو عبرانية أصلها بهر فعربت بالفاء فقيل فهر. والسدل هو إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه فإن ضمه فليس بسدل، وقد رويت فيه الكراهة عن النبي عليه السلام، وعن عطاء أنه كره السدل فقيل له: عن النبي قال: نعم. * نمط * * غلا * * جفا * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي.
[ 483 ]
قال أبو عبيدة وغيره في النمط (النمط): هو الطريقة، يقال: الزم هذا النمط قال: والنمط أيضا هو الضرب من الضروب والنوع من الأنواع، يقال: ليس هذا من ذلك النمط - أي من ذلك النوع يقال هذا في المتاع والعلم وغير ذلك، والمعنى الذي أراد علي أنه كره الغلو والتقصير، كالحديث الآخر حين ذكر حامل القرآن فقال: غير الغالي فيه ولا الجافي عنه فالغالي فيه هو المتعمق حتى يخرجه ذلك إلى إكفار الناس كنحو من مذهب الخوارج وأهل البدع والجافي عنه التارك له وللعمل به، ولكن القصد من ذلك. * بظر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين أتي في فريضة وعنده شريح فقال [ له علي - ]: ما تقول أنت أيها العبد الأبظر قوله: الأبظر، هو الذي في شفته العليا طول ونتوء في وسطها محاذي الأنف وإنما نراه قال لشريح: أيها العبد، لأنه قد كان وقع عليه سباء في الجاهلية.
[ 484 ]
عليه سباء في الجاهلية. * حمر * * ضيطر * وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام حين أتاه الأشعث بن قيس وهو على المنبر، فقال: غلبتنا عليك هذه الحمراء، فقال علي: من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتخلف أحدهم يتقلب على حشاياه وهؤلاء يهجرون إلي، إن طردتهم إني إذا لمن الظالمين، والله لقد سمعته يقول: ليضربنكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا. قوله: الحمراء - يعني العجم والموالي، سموا بذلك لأن الغالب على ألوان العرب السمرة والأدمة، والغالب على ألوان العجم البياض والحمرة وهذا كقول الناس: إن أردت أن تذكر بني آدم فقلت: أحمرهم وأسودهم، فأحمرهم كل من غلب عليه البياض، وأسودهم من غلبت عليه الأدمة. وأما الضياطرة فهم الضخام الذين لا غناء عندهم ولا نفع، واحدهم ضيطار. قال: ويروى عن عمر أنه كتب إلى أمراء الأجناد بالشام: من
[ 485 ]
ضيطار. قال: ويروى عن عمر أنه كتب إلى أمراء الأجناد بالشام: من أعتقتم من هذه الحمراء فأحبوا أن يكونوا معكم / في العطاء فاجعلوهم أسوتكم. * 6 / الف وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه صلى الجمعة بالناس ركعتين ثم أقبل عليهم فقال: أتموا الصلاة. قوله: أتموا الصلاة، حمله بعض الفقهاء على أنه أراد صلوا بعدها ركعتين لتكون أربعا، وهذا خلاف السنة، لأن عمر يقول: الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان النبي عليه السلام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين بعدهما في بيته كراهة أن يظن الناس أنهما منها. ويروى عن عمران بن حصين أنه قيل له: إنك إنما تصلي بعد الجمعة ركعتين لتمام أربع، فقال: لأن تختلف النيازك في صدري أحب إلي من
[ 486 ]
ركعتين لتمام أربع، فقال: لأن تختلف النيازك في صدري أحب إلي من [ أن - ] أقول ذلك، ولكن وجهه عندي أنه رأى منهم في صلاتهم خللا فأمرهم بإتمام الركوع والسجود، أو أن عندهم ولا نفع، واحدهم ضيطار. قال: ويروى عن عمر أنه كتب إلى أمراء الأجناد بالشام: من
[ 485 ]
ضيطار. قال: ويروى عن عمر أنه كتب إلى أمراء الأجناد بالشام: من أعتقتم من هذه الحمراء فأحبوا أن يكونوا معكم / في العطاء فاجعلوهم أسوتكم. * 6 / الف وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام أنه صلى الجمعة بالناس ركعتين ثم أقبل عليهم فقال: أتموا الصلاة. قوله: أتموا الصلاة، حمله بعض الفقهاء على أنه أراد صلوا بعدها ركعتين لتكون أربعا، وهذا خلاف السنة، لأن عمر يقول: الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان النبي عليه السلام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين بعدهما في بيته كراهة أن يظن الناس أنهما منها. ويروى عن عمران بن حصين أنه قيل له: إنك إنما تصلي بعد الجمعة ركعتين لتمام أربع، فقال: لأن تختلف النيازك في صدري أحب إلي من
[ 486 ]
ركعتين لتمام أربع، فقال: لأن تختلف النيازك في صدري أحب إلي من [ أن - ] أقول ذلك، ولكن وجهه عندي أنه رأى منهم في صلاتهم خللا فأمرهم بإتمام الركوع والسجود، أو أن يكون بعضهم فاته الركوع كله فأمره أن يصلي الظهر أربعا ليس يخلو عندي من أحد هذين الوجهين [ والله أعلم - ]. وقال [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام في ابنتين وأبوين وامرأة قال: صار ثمنها تسعا. قوله: صار ثمنها تسعا - أراد أن السهام عالت حتى صار للمرأة التسع ولها في الأصل الثمن، وذلك أن الفريضة لو لم تعل كانت من أربعة وعشرين لا تخرج من أقل من ذلك لاجتماع السدس والثمن [ فيها - ]، فلما عالت صارت من سبعة وعشرين، للابنتين الثلثان ستة عشر وللأبوين السدسان ثمانية، وللمرأة الثمن - فهذه ثلاثة من سبعة وعشرين، وهو التسع، وكان لها قبل العول ثلاثة من أربعة وعشرين وهو الثمن.