غريب الحديث
ابن سلام ج 1
[ 1 ]
(السلسلة الجديدة من مطبوعات دائرة المعارف العثمانية 92 / 2) غريب الحديث لابي عبيد القاسم بن سلام الهروي المتوفى سنة 224 ه = 838 م (الجزء الاول) طبع باعانة وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية تحت مراقبة الدكتور محمد عبدالمعيد خان أستاذ آداب اللغة العربية بالجامعة العثمانية الطبعة الاولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند سنة 1384 ه / 1964 م
[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المصحح الحمد لله الذى علم الانسان ما لم يعلم وأكرم نبيه الامي باعجاز البيان، الذى أفحم الناطقين بما يوحى إليه من القرآن والعرفان، وصلوات الله سبحانه على أكرم المرسلين سيد الانبياء والصديقين، سيدنا ومولانا محمد وآله الطاهرين وأصحابه الاكرمين وأزواجه المنزهان من الرجس أمهات المؤمنين، وعلى التابعين لهم باحسان إلى يوم الدين. أما بعد فيقال في كلام العرب: غربت الكلمة غرابة - إذا غمضت وخفيت معنى، وغرب الرجل يغرب غربا - إذا ذهب الرجل وبعد. فقال أبو سليمان محمد الخطابي في شرح معنى الغريب واشتقاقه أن الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد من الفهم كالغريب من الناس، وقال، إن الغريب من الكلام يستعمل على وجهين " أحدهما أن يراد أنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر، والوجه الاخر أن يراد به كلام من بعدت به الدار ونأى به المحلل من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعت الكلمة من لغاتهم استغربناها 1 " ". (1) غريب الحديث لابي سليمان الخطابي مخطوطة الجامعة العثمانية رقم (*)
[ 2 ]
ثم قال الخطابي يذكر السبب الذي من أجله كثر غريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه صلى الله عليه وسلم بعث مبلغا ومعلما فهو لا يزال في كل مقام يقومه وموطن يشهده يأمر بمعروف وينهى عن منكر ويشرع في حادثه ويفتى في نازلة والاسماع إليه مصغية والقلوب لما يرد عليها من قوله واعية، وقد يختلف عنها عباراته، ويتكرر فيها بيانه ليكون أوقع للسامعين وأقرب إلى فهم من كان منهم أقل فقها وأقرب بالاسلام عهدا، وأولو الحفظ والاتفاق من فقهاء الصحابة يوعونها كلها سمعا ويستوفونها حفظا ويؤدونها على اختلاف جهاتها، فتجمع لك لذلك في القضية الواحدة عدة ألفاظ تحتها معنى واحد، وذلك كقوله صلى الله عليه: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وفى رواية أخرى: وللعاهر الاثلب، وقد مر بسماعي ولم يثبت عندي: وللعاهر الكثكثت: وقد يتكلم صلى الله عليه وسلم في بعض النوازل، بحضرته أخلاط من الناس قبائلهم شتى ولغتهم مختلفة ومراتبهم في الحفظ والاتقان غير متساوية، وليس كلهم يتيسر لضبط اللفظ وحصره أو يتعمد لحفظه، ووعيه وإنما يستدرك المراد بالفحوى ويتعلق بالعمى ثم يؤديه بلغته ويعبر عنه بلسان قبيلته، فيجتمع في الحديث الواحد إذا انشعبت طرقه عدة ألفاظ مختلفة موجبها شئ واحد 1 " ". هذا قول الخطابي أقرب إلى الفهم وأجدر بالقياس مما قاله ابن الاثير. (1) غريب الحديث للخطابي ق 7. (*)
[ 3 ]
في النهاية، فخلاصة ما قال ابن الاثير من الدواعى التى أدت وضع هذا الفن كما يلى: (1) كان الله تعالى قد أعلم نبيه ما لم يكن يعلمه غيره، وكان أصحابه يعرفون أكثر ما يقوله، وما جهلوه سألوه عنه - صلى الله عليه - فيوضحه لهم، ولم يتيسر ذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. (2) كان اللسان العربي في عصر الصحابة صحيحا لا يتداخله الخل إلى أن فتحت الامصار وخالط العرب غير جنسهم فامتزجت الالسن فتعلم الاولاد من اللسان العربي ما لا بد لهم وتركوا ما عداه - (3) استحال اللسان العربي أع جميا في عصر التابعين فصرف العلماء طرفا من عنايتهم فألفوا فيه حراسة لهذا العلم. عند ما نقارن هذا القول بما قال الخطابي يظهر جليا أن السبب في ثكرة الغريب في الحديث يرجع إلى اختلاف الرواة عند الخطابى. ولسبب عند ابن الاثير يرجع إلى أن الله تعالى أعلم نبيه ما لم يكن يعلمه غيره، وأما ما قال ابن الاثير تحت الرقم الثاني، والرقم الثالث فهو لا يناسب ولا يلائم سبب تأليف هذا الفن، لان العلماء بذلوا جهودهم في جمع غريب الحديث، نوادره لادراك معنى الحديث والتفقه في الدين لا لمعرفة كلام تبع التابعين الذين أصبح اللسان العربي أعجميا في عصرهم كما زعم ابن الاثير، ومهما كان من وجوه التأليف، وأسبابه فان الفن أصبح من اللوازم التى لابد منها في فهم الحديث وإدراك معانيه، ومما لا شك فيه أن السلف إذا وجدوا كلمة غريبة أو معنى
[ 4 ]
مستغلقا في متن القرآن والحديث ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولاصحابته موجودين لايضاح غريب اللغات وتأويل العبارات رجعوا إلى كلام العرب وأشعارهم للبحث عن مادتها ولاستكاشفا معانيها، فأصحبت نتائج البحث والتحقيق علما مستقلا بذاته، وبدأ العلماء يؤلفون الكتب حول غريب الحديث من ابتداء القرن الثاني من الهجري. منزلة أبى عبيد عند معاصريه وأورد ابن الاثير في مقدمة كتابه النهاية نبذة من تاريخ معاجم غريب الحديث من ابتداء القرن الثاني إلى عهد الزمخشري، ونقله حاجى خليفه في كشف الظنون، ومصححا الفائق في مقدمتهما، (انظر طبع دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة سنة 1945 م) فلا حاجة لنا إلى أن نكرر العبارات مرة أخرى. ولكن قبل أن نعرف كتاب أبى عبيد القاسم بن سلام يجب أن نعين مقامه بين مؤلفي معاجم هذا النوع، فلا بد من نقل ما ذكر ابن النديم من أوائل المؤلفين الذين ألفوا حول غريب الحديث قبيل أبى عبيد القاسم بن سلام، وهم على قول ابن النديم: 1 - النضر بن شميل (م 203 ه). 2 - قطرب (م 206 ه). 3 - أبو عبيدة معمر بن المثنى (م 209 ه). 4 - أبو زيد (م 215 ه). 5 - عبد الملك بن قريب الاصمعي (م 216 ه). 6 - أبو عبيد القاسم بن سلام (م 224 ه).
[ 5 ]
ولو لم يصل إلينا من هذه الكتب غير كتاب أبى عبيد القاسم بن سلام لكنها وصلت إلى الخطابي كما يظهر من قوله التالى الذى يجدر بالذكر لكى نعرف نوعية هذه الكتب ومبلغ أثرها فيما الف في العصور التالية فقال الخطابى في كتابه 1 " منها كتاب أبى عبيدة معمر بن المثنى وكتاب ينسب إلى الاصمعي يقع في ورقات معدودة وكتاب محمد بن المستنير الذى يعرف بقطرب وكتاب النضر بن شميل وكتاب إبراهيم ابن إسحاق الحربى وكتاب أبى معاذ صاحب القراءات وكتاب شمر بن حمدويه وكتاب الباحدانى (كذا) وكتاب آخر ينسب إلى رجل يعرف بأحمد بن الحسين الكندى، إلا أن هذه الكتب على كثرة عددها إذا حصلت كان مآلها إلى الكتاب كالكتاب الواحد إذ كان مصنفوها لم يقصدوا بها مذهب التعاقب كصنيع القتيبي في كتابه، إنما سبيلهم فيها أن يتوالوا على الحديث فيعتوروه فيما بينهم ثم يتبارون في تفسير يدخل بعضهم على بعض، ولم يكن من شرط المسبوق منهم أن يفرج للسابق عما أحذره وأن يقتضب الكلام في شئ لم يفسر قبله على شاكلة مذهب ابن قتيبة وصنيعة في كتابه الذى عقب به كتاب أبى عبيد ثم إنه ليس لواحد من هذه الكتب التى ذكرناها أن يكون شئ منها على منهاج كتاب أبى عبيد في بيان اللفظ وصحة المعنى وجودة الاستنباط وكثرة الفقه ولا أن يكون من شرح كتاب ابن قتيبة في إشباع التفسير وإيراد الحجة وذكر النظائر والتخليص للمعانى، إنما هي أو عامتها إذا انقسمت وقعت (1) غريب الحديث للخطابي ق 2. (*)
[ 6 ]
بين مقصر لاموره في كتابه إلا أطرافا وسواقط من الحديث ثم لا يوفيها حقها من إشباع التفسير، وإيضاح المعنى وبين مطيل يسرد الاحاديث المشهورة التى لا يكاد يشكل منها شئ ثم يتكلف تفسيرها ويطنب فيها وفى بعض هذه الكتب خلل من جهة التفسير وفي بعضها أحاديث منكرة لا تدخل في شرط ما انشئت له هذه الكتب... ولابن الانباري من وراء هذه الكتب مذهب حسن في تخريج الحديث وتفسيره، وقد تكلم على أحاديث معدودة وقع إلى بعضها وعامتها مفسرة قبل إلا أنه قد زاد عليها وأفاد وله استدراكات على ابن تقيبة في مواضع من الحديث ". وقال الخطابى أيضا " وكان أول من سبق إليه ودل من بعده عليه أبو عبيد القاسم بن سلام فانه قد انتظم بتصنيفه عامة ما يحتاج إلى تفسيره من مشاهير غريب الحديث وصار كتابه إماما لاهل الحديث به يتذاكرون وإليه يتحاكمون، ثم انتهج نهجه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة فتتبع ما أغفله أبو عبيد من ذلك وألف فيه كتاب لم يأب أن يبلغ به شأو المبرز الشائق، وبقيت بعدهما صبابة للقول ". وفى هذين القولين للخطابي كفاية لتعيين مقام أبى عبيد وكتابه في آداب غريب الحديث لان القاسم بن سلام لم يكن إماما لاهل الحديث عند معاصريه فحسب، بل كان أيضا أول من سبق إلى تصنيف غريب الحديث بمقدرة تامة في بيان اللفظ وصحة المعنى وجودة الاستنباط وكثرة الفقه ومما لا شك فيه أن تأليف أبى عبيد يجمع غرائب الحديث مع نوادر المسائل الفقهية المفيدة، ولكونه محتويا على كثير من غرائب الحديث
[ 7 ]
وما يتعلق بها ومشتملا على نتائج البحث المستقصى الذى امتد لمدة أربعين سنة من عمر المؤلف بقى الكتاب مرجعا منفردا في غريب للمتأخرين إلى أن جاء ابن تقيبة (م 276 ه) والخطابي (م 388 ه) اللذان اجتهدا في جمع ما فات أبا عبيد القاسم بن سلام ولو اعترف ابن قتيبة أن الاول لم يترك للاخر شيئا ". حياة المؤلف فصاحب هذه الفضائل والمؤلف الجليل هذا هو أبو عبيد القاسم ابن سلام الهروي الازدي خزاعي بالولاء وخراساني وبغدادي بالنسبة. كان أبوه روميا مملوكا لرجل لرجل من أهل هراة وكان من موالى الازد، ولد أبو عبيد بهراة في سنة إربع وخمسين ومائة على قوال أبى بكر الزبيدي في كتاب التقريظ، وفى سنة سبع وخمسين ومائة على قول الزركلي. طلب أبو عبيد العلم وسمع الحديث ونظر في الفقه والادب، واشتغل بالحديث والفقه والادب والقراءات وأصناف علوم الاسلام، وكان دينا ورعا حسن الرواية صحيح النقل ولم يطعن أحد في شئ من دينه. أخذ أبو عبيد الادب عن أكابر أدباء عصره أمثال أبى زيد الانصاري وأبى عبيدة معمر بن المثنى والاصمعى وأبى محمد اليزيدي وغيرهم من البصريين، وروى عن ابن الاعرابي وأبى زياد الكلابي ويحيى بن سعيد الاموى وأبى عمرو الشيباني والفراء والكسائي ولاحمر من الكوفيين. وروى الناس من كتبه المصنفة بضعة وعشرين كتابا في القران والفقه واللغة والحديث، ويحكى أن سلاما خرج يوما وأبو عبيد مع ابن مولاه في الكتاب، فقال للمعلم: علم القاسم فانه كيس (انظر تاريخ بغداد 12 / 403). وقال السبكى في الطبقات 1 / 270: قرأ القران على الكسائي وإسماعيل بن جعفر وشجاع
[ 8 ]
ابن أبى نصر وسمع الحديث من إسماعيل بن عياش وإسماعيل بن جعفر وهشيم ابن بشير وشريك بن عبد الله وهو أكبر شيوخه ومن عبد الله بن المبارك وأبى بكر بن عياش وجرير بن عبد الحميد وسفيان بن عيينة وخلائق آخرهم موتا هشام بن عمار، وروى عنه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ووكيع وأبو بكر ابن أبى الدنيا وعباس الدوري والحارث بن أبى أسامة وعلى بن عبد العزيز البغوي وأحمد بن يحيى البلاذري الكاتب والاخرين، وتفقه على الشافعي وتناظر معه في القرء هل هو حيض أو طهر إلى أن رجع كل منهما إلى ما قاله الاخر، وذكر أن الشافعي أو أبا عبيد رحمهما الله تناظرا في القر فكان الشافعي يقول إنه الحيض، وأبو عبيد رحمهما الله تناظرا في القرء فكان الشافعي يقول إنه الحيض وأبو عبيد يقول إنه الطهر، فلم يزل كل منهما يقرر قوله حتى تفرقا وقد انتحل كل واحد منهما مذهب صاحبه وتأثر بما أورده من الحجج والشواهد، وإن صحت هذه الحكاية ففيها دلالة على عظمة أبى عبيد، ولو رجع الشافعي إلى قوله فهو يدل على مقدرته العلمية وصحة استنباطه المسائل الشرعية. وذكر أبو الفلاح عبد الحى بن العماد الحنبلى في شذرات الذهب 2 / 54 " قال إسحاق بن راهويه: الحق يجب لله، أبو عبيد أفقه منى وأعلم، وقال أحمد: أبو عبيد أستاذ،.... وقال هلال بن العلاء الرقى: من الله سبحانه على هذه الامة بأربعة في زمانهم: الشافعي ولولاه ما تفقه الناس في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحمد ولولاه ابتدع الناس ويحيى بن معين نفى الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى عبيد فسر غريب الحديث ولولاه اقتحم الناس الخطأ ". وقال أبو عبد الله
[ 9 ]
ابن طاهر: علماء الاسلام أربعة: عبد الله بن عباس في زمانه. والشعبى في زمانه، والقاسم بن عمن في زمانه، وإبو عبيد القاسم بن سلام في زمانه، (انظر معجم الادباء لياقوت 16 / 257). سئل أبو قدامة عن الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبى عبيد فقال: أما أفهمهم فالشافعى إلا أنه قليل الحديث، وأما أورعهم فأحمد بن حنبل، وأما أحفظهم فاسحاق، وأما أعلمهم بلغات العرب فأبو عبيد، وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: أبو عبيد أو سمعنا علما وأكثرنا أدبا وأجمعنا جمعا، إنا نحتاج إليه وأبو عبيد لا يحتاج إلينا، وقال أيضا: إن الله لا يستحيى من الحق، أبو عبيد أعلم منى ومن ابن حنبل والشافعي، وقال ثعلب: لو كان أبو عبيد في بنى إسرائيل لكان عجبا، (تاريخ بغداد 12 / 404)، وتولى أبو عبيد قضاء طرسوس ثمانى عشرة سنة إيام ثابت بن نصر بن مالك، وكان يقسم الليل أثلاثا صلاة ونوما وتصنيفا، وكان أحمر الرأس واللحية، يخضب بالحناء. مصنفاته) ألف أبو عبيد بضعة وعشرين كتابا، وله من التصانيف كما قال ابن النديم في فهرسته: غريب المصنف، غريب القرآن، غريب الحديث معاني القران، كتاب الشعراء، المقصور والممدود القراءات المذكور والمؤنث كتاب النسب، كتاب الاحداث، أدب القاضى، عدد آى القرآن، الايمان والنذور، كتاب الحيض، كتاب الطهارة الحجر، والتفليس، كتاب الاموال، الامثال السائرة، الناسخ والمنسوخ، فضائل القرآن، وله غير ذلك من الكتب الفقهية، ولكن لم يصل إلينا منها إلا غريب الحديث وغريب المصنف وكتاب الاموال وكتاب فضائل القرآن وكتاب الامثال السائرة.
[ 10 ]
وطبع جميع هذه الكتب غير غريب الحديث الذى وقف أبو عبيد حياته في جمعه وترتيبه مدة عمره ولذلك اهتمت دائرة المعارف بطبع موسوعة عظيمة هذه لاول مرة. وكان أبو عبيد إذا ألف كتاب أهداه إلى عبد الله بن طاهر، فيحمل إليه مالا جزيلا استحسانا لذلك، فلما صنف غريب الحديث أهداه إليه كعادته، فقال ابن طاهر، إن عقلا بعث صاحبه على عمل هذا الكتاب لحقيق إلا يحوج إلى طلب معاش، وأجرى له في كل شهر عشرة آلاف درهم. وسمعه منه يحيى بن معين: وكان دينا ورعا جوادا، ويروى عن ورعه حكاية نادرة فقيل إنما سير أبو دلف القاسم بن عيسى إلى عبد الله بن طاهر يستهدى منه أبا عبيد مدة شهرين فأنفذه، فلما أراد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها وقال: أنا في جنبه رجل لا يحوجني إلى غير فلما عاد أمر له ابن طاهر بثلاثين ألف دينار، فاشتهري بها سلاحا وجعله للثغر، وخرج إلى مكة مجاورا في سنة أربع عشرة مائتين فأقام بها إلى أن مات في سنة 224 ه. وقال أبو عبيد: مكثت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواة الرجال فأضعها في موضعها من الكتاب، فأبيت ساهرا فرحا منى بتلك الفائدة، (الوفيات 3 / 225)، فيظهر من هذه الرواية أن أبا عبيد كان يجل أمر الحديث ويعظمه إلى حد أنه كان يعد جمع الحديث ونوادره من العبادات ولذلك جعله من أعظم أشاغله العلمية، ويؤيد قولنا هذا ما ورد عن اهتمامه بغريب الحديث.
[ 11 ]
فقيل كان طاهر بن عبد الله يود أن يأتيه أبو عبيد ليسمع منه كتاب غريب الحديث في منزله، فلم يفعل إجلالا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان هو يأتي إليه، وقدم على بن المدينى وعباس العنبري فأرادا أن يسمعنا غريب الحديث، فكان يحمل كل يوم كتابه ويأتيهما في منزلهما فيحدثهما فيه إجلالا لعلمهما، وهذه شيمة شريفة، رحم الله أبا عبيد ! وذكر الخطيب في تاريخ بغداد 12 / 407 عن جعفر بن محمد بن على ابن المدينى قال: سمعت أبى يقول: خرج أبى إلى أحمد بن حنبل يعوده وأنا معه، قال: فدخل أبو عبيد القاسم بن سلام فقال له يحيى بن معين: اقرأ علينا كتابك الذى عملته للمأمون في غريب الحديث، فقال: هاتوه، فجاوأ بالكتاب فأخذه أبو عبيد فجعل يبدء يقرأ الاسانيد ويدع تفسير الغريب، قال فقال له أبى: يا أبا عبيد ! دعنا من الاسانيد نحن أحذق بها منك، فقال يحيى بن معين لعلى بن المدينى: دعه يقرأ على الوجه فان ابنك محمدا معك، ونحن نحتاج إلى أن نسمعه على الوجه، فقال أبو عبيد: ما قرأته إلا على المأمون فان أحببتم أن تقرؤه فاقرؤه، قال فقال له على بن المدينى: إن قرأته علينا أولى وإلا فلا حاجة لنا فيه - ولم يعرف أبو عبيد على بن المدينى - فقال ليحيى بن معين: من هذا ؟ فقال: هذا على بن المدينى، فالتزمه وقرأه علينا، فمن حضر ذلك المجلس جاز أن يقول " حدثنا " وغير ذلك فلا يقول. وفاته روى أن أبا عبيد قدم مكة حاجا، فلما قضى حجه وأراد الانصراف
[ 12 ]
الكترى الدواب إلى العراق ليخرج صبيحة الغد، قال أبو عبيد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياي وهو جالس على فراشه ووعلى رأسه قوم يحجبونه، والناس يدخلون إليه ويسلمون عليه ويصافحونه، قال: فلما دنون لادخل مع النس منعت، فقلت لهم: لم لا تخلون بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: إى والله ! لا تدخل إليه ولا تسلم عليه وأنت خارج غدا إلى العراق، فقلت لهم: إنى لاأخرج إذا، فأخذوا عهدي ثم خلوا بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت وسلمت وصافحت، فلما أصبح فاسخ كريه وسكن مكة حتى مات بها في المحرم سنة أربع وعشرين ومائتين ودفن في دور جعفر. وعاش ثلاثا وسبعين سنة، وقال الخطيب في تاريخ بغداد 12 / 416 / بلغني أنه بلغ سبعا وستين سنة. وقال عبد الله بن طاهر في مرثيته 1: يا طالب العلم قد مات ابن سلام * وكان فارس علم غير محجام كان الذى كان فيكم ربع أربعة * لم نلق مثلهم إستار أحكام وفى تاريخ بغداد 12 / 407 " أول من سمع هذا الكتاب من أبى عبيد يحيى بن معين وعرض هذا الكتاب على أحمد بن حنبل فاستحسنه وقال: جزاه الله خيرا، وكتب أحمد كتاب غريب الحديث الذى ألفه أبو عبيد أولا ". والنسخ التى بين أيدينا تدل على أنها رويت عن على بن عبد العزيز البغوي (المتوفى سنة 287 ه) صاحب أبى عبيد. (معجم الادباء 16 / 257، تاريخ بغداد 12 / 412، إنباه الرواة 3 / 20.
[ 13 ]
انتهينا إلى آخر حياة المؤلف وما يتعلق به فليرجع إلى وصف النسخ: نسخ غريب الحديث أما النسخ التى استعملناها في تصحيح هذا الكتاب فهى أربع ووصفها كما يلى: 1 - صورة عكسية لنسخة مكتبة المدرسة المحمدية بمدراس (الهند). وهى في الجزءين جمعت في الجزء الاول أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وفى الثاني آثار الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين، الجزاء الاول من ورقة 1 إلى 90 / ألف، والثانى يبتدئ من 90 / ب وينتهى إلى 138 / ألف. عدد الاسطر في الصفحة الواحدة 25، بخط نسخ جيد، عناوين الاحاديث مكتوبة بخط جلى، ولم يلاحظ الكاتب بيان الفصل بين الاحاديث وشرحها، وأيضا لم يميز الشعر من النثر، وكذا بينا لشطرين إلا أن في انتهاء البيت في هذه النسخة علامة (ه)، شكل الكاتب بالحركات ألفاظا عديدة، والصفحة الاخيرة من الورقة الاخيرة مطموسة، والعبارة على صدر الورقي الاول كما يلى: " الجزء الاول من جزءين من كتاب غريب الحديث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف أبى عبيد القاسم بن سلام رحمه الله رواية أبى الحسن على بن عبد العزيز الاشنهى محذوف الاسانيد " وفى آخر الجزء الاول ما لفظه: " تمت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تسليما "، فرغ من أثرها في (شهر) جمادى الاخر من شهور اثنين وتسعين وسبعمائة. ويتلوه.
[ 14 ]
الجزء الثاني من أحاديث الصحابة والتابعين رضى الله عنهم أجمعين ". وفى انتهاء الجزأ الثاني ما نصه: " تم كتاب غريب الحديث والحمد لله وحده، وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله وسلم، تم الفراغ من نساخة (كذا) هذا الكتاب المبارك في شهر رجب من شهور اثنين وتسعين وسبعمائة ". هذه النسخة كاملة إلا أنها محذوفة الاسانيد، وبعض ألفاظ الحديث المروية عن على رضى الله عنه شرحها في هذه النسخة بألفاظ وجيزة مع أن في النسخ الاخرى زيادة عليها، وقد سقط منها حديث واحد مع شرحه عن رواية عبد الرحمن بن سمرة وسلمة بن الاكوع رحمهما الله فزدناهما عن النسخ الاخرى. قد نقلها الكاتب عن نسخة رويت عن قرأها على أبى الطيب طاهر ابن يحيى بن أبى الخير العمرانى (المتوفى 587)، وكتب الاسناد فيها مبتدئا من هذا الراوى منتهيا إلى أبى عبيد بتسع درجات. (وقد بينا أحوال الرواة بهامش المطبوع مفصلة). ولم يذكر الكاتب فيها اسمه ولا اسم الراوى الذى رواها عن أبى الطيب ولا خاتمة كتابته، ومما لا شك فيه أن أكثر النسخ التى وصلت إلينا رويت عن على بن عبد العزيز راوي أبى عبيد القاسم بن سلام ولم تتيسر لنا نسخة كاملة سوى هذه النسخة، لذلك جعلناها أساسا للتصحيح وأشرنا إليها في حل رموز الجزء الاول والثانى من المطبوع ب " نسخة المكتبة السعيدية " مع أن الامر ليس كذلك لان الدكتور محمد غوث ناظر المكتبة المحمدية أخبرنا بعد طبع الجزءين من
[ 15 ]
الكتاب أن هذه النسخة استعيرت حقيقة من المكتبة المحمدية وأودعت في المكتب السعيدية ثم استردت، ويدل عليه اختم المثبت على هذا النسخة إذ فيه: " مدرسة محمدى مدراس 1309 ". فليصحح هناك. 2 - أما الثانية فهى أيضا عكس نسخة المكتبة الرامفورية (901) Gatl. No هذه النخسة مشتملة على تسعة أجزاء، وأوراقها 262، في كل صفحة 21 سطرا، كتابتها أيضا جيدة بخط نسخ، عناوين لاحاديث جلية، ولم يلاحظ كاتبها الفصل والبيان بين الاحاديث والشرح والاشعار. وشكل قليل من اللالفظا بالحركات. وعلى الورقة الاولى العبارة التالية: " هذا كتاب، تسعة أجزاء من غريب الحديث عن أبى عبيد القاسم ابن سلام من رواية على بن عبد العزيز عن إبى عبيد القاسم بن سلام من غريب الحديث ". بعض الاوراق الابتدائية ساقطة كما حرر على الصفحة التى ابتدأت منها النسخة: " ناقص من أوله نحو خمس أوراق بقرينة الاجزاء الاخر، وعسى الله أن يمن بنسخة نشم منها هذه النسخة حتى يكمل بها الانتفاع إن شاء الله تعالى ". (انظر 1 / 87 من المطبوع). وقد أكملها رجل عن نسخة رويت عمن رواها بن الرواويين عن المؤلف. وقد روى النسخة الاولى دعلج بن أحمد عن على بن عبد العزيز تلميذ أبى عبيد، وروى هذه النسخة أحمد بن حماد عن على بن عبد العزيز قراءة عليه. (ولم أر في ترجمة على بن عبد العزيز في تذكرة الحفاظ ولا في معجم الادباء ذكر تلميذ له اسمه أحمد بن حماد).
[ 16 ]
لا ندرى سنة كتابتها ولا اسم كاتبها لان القطة الاخيرة أيضا ساقطة منها. وفى الورق الاخير (261 / ب) العبارة التالى: " هذه آخر ورقة في هذا الكتاب وربطت هنا غليظا من الملجد فليعلم ذلك، وإظن أنه لم يبق بعدها إلا قليل نحو ورقة إو ورقتين، وعسى الله أن يمن بنسخة نتم منها ". 3 - النسخة الثالثة هي عكس نسخة ليدن Bibliotheca Acgdemiae Lugduno - Batava 298 Cod , or هذه النسخة بقلم مغربي، أكثر عبارتها مشكة، وكل حديث يبتديأ بسطر جديد، ميز كاتبه الاشعار بسطر على حدة، ولكن أوراقها كانت منتشرة غير مرتبة، وكطر أوراقها غير موجودة أيضا، جميع أوراق النسخة 237 وفى كل صفحة 26 سطرا. تبتدئ هذه النسخة من الجزء التاسع وتنتهى إلى الجزء العشرين، وليس فيها الجزء الخامس عشر، ويعلم بها أن كاتبها وزعها على عشرين جزءا. وفى آخر النسخة ما لفظه: " آخر الكتاب، صلى الله عليه محمد وسلم كثيرا، فرغ منه في ذى القعدة من سنة ثنتين، وخمسين ومائتين ". فهى أقدم نسخة وصلت إلينا لانها كتبت بعد ثمانى وعشرين سنة فقط أقدم نسخة وصلت إلينا لانها كتبت بعد ثمانى وعشرين سنة فقط من وفاة المؤلف، مع أن صحتها وقدامتها ظاهرتان من تاريخ كتابتها لكن استفدنا منها بعد جد وجهد على قدر المستطاع لانها مشوشة غير مرتبة.
[ 17 ]
4 - النسخة الرابعة هي عكس نسخة جامعة الازهر بمصر، كتب في فهرس المخطوطات المصورة ج 1 ص 88 في شأنها: " نسخة عليها سماعات لبعض العلماء منهم ابن أبى شامة مؤرخ 711 (الازهر 296) 165705 - حديث 146 ق، 18 ب 29 سم) ". هذه النسخة في الخط المعتاد، والمتازت بأنها مشكة بالحركات من الاول إلى الاخر، وهى تبتدئ من أثناء أحاديث عمر رضى الله عنه إلى آخرها، وفى كل صفحة نحو 21 طرا، فهى أيضا ناقصة، وفى آخرها: " وفرغ من نسخة (كذا) في المحرم سنة إحدى عشرة، وثلاثمائة وحسبنا الله ونعم الوكيل ". ولا خيفى أن روايات الحديث جمعت في النسخ كلها سوى الاولى، ولا فرق بين أسايند النسخ إلا أن الكاتب كتب اسم الراوى غلطا في بعض المواضع، لعل هذا من زلة القلم وصححناه من كتب الرجال كالتهذيب ولسان الميزان والاصابة وتذكرة الحفاظ وغيرها. التصحيح والتعليق لكون سنة المكتبة المحمدية كاملة وافية جعلناها أساسا وقابلناها بالنسخ الاخر، ثم خرجنا الاحاديث المكذورة فيها عن " معجم ألفاظ الحديث "، ثم صححنا متن الكتاب بحسب الوسع والامكان، وراجعنا الاشعار والامثال التى وجدناها في هذا الكتاب وطلبنا مآخذها من الدواوين المشهورة الموجودة وكتب اللغة والامثال، وبينا الاختلاف أينما وجد وزدنا البحور، وأما الحواشي الموجودة بهامش الاصل والمأخوذة من شمس العلوم وغيهرا من الكتب فراجعنا لها الاصول.
[ 18 ]
أما الامور التى تركها أبو عبيد بصدد شرح الالفاظ وكان قد شرحها العلامة الزمخشري والخطابى وابن الاثير في كتبهم ومصنفاتهم فزدنا نحن هذه الفوائد في الذيل، وكذلك الايرادات التى جاء بها ابن قتيبة في نقد شرح أبى عبيد في كتابه " إصلاح الغلط " أضفناها أيضا في هذه الكتاب وبينا أيضا شرح اللغات من كتاب " المغيث " لابي موسى المدينى لا مزيد الفائدة. وسيخرج هذا الكتاب بعون الله سبحانه في أربع مجلدات يلحق بها في الاخر الفهارس التالية: 1 - فهرس الالفاظ اللغوية مرتبة على حروف الهجاء 2 - فهرس الابحاث اللغوية والنحوية والمسائل الفقهية. 3 - فهرس الاشعار والقوافي والبحور وأسماء الشعراء. 4 - فهرس الامثال. 5 - فهرس الاعلام والقبائل. 6 - فهرس الامكنة. 7 - فهرس الكتب. ولا يفوتنى أن أشر صاحب الفضيلة مدير الدائرة الدكتور محمد عبد المعيد خان رئيس آداب اللغة العربية بالجامعة العثمانية الذى تحت إشرافه ومراقبته استطعت أن أصحح هذا السفر الجليل وأعلق عليه، فأشكره شكرا جزيلا على ما أنعم على بارشاده إلى عوامل التصحيح والتنقيح، وأيضا قد صحح ونقح أغلوطاتى وسقطاتى بل شاركني في التصحيح والتعليق من أول الكتاب إلى آخره، فشكر الله سعيه ولا يحرمنا من فيضه وفضله
[ 19 ]
وكذلك أوجه الثناء الجميل إلى سعادة الدكتور الموصوف حيث أنه أمدنى بعنايته وتوجهاته إلى تقييد الاوزان الشعرية، وتصحيحاتها. وأشكر علماء الدائرة والمصحيحن والمصححين الذين ساعدوني في تصحيح مسودات الطبع شكر الله مساعيهم. والحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وآله وأصحابه أجميعن. محمد عظيم الدين (كامل الفقه من الجامعة النظامية) مصحح دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد الدكن غرة شعبان المعظم 1385 ه. حل الرموز المستعملة في تعاليق المجلد الثاني من غريب الحديث الاصل = مخطوطة غريب الحديث للمكتبة السعيدية ت = جامع الترمذي جه = سنن ابن ماجه حم = مسند الامام أحمد بن حنبل رحمه الله خ = صحيح البخاري د = سنن أبى داود دى = مسند الدارمي ر = مخطوطة غريب الحديث للمكتبة الرامفورية ش = شمس العلوم لنشوان بن سعيد الحميري (مخطوطة المكتبة الاصفية) ط = الموطء للامام مالك رحمه الله ل = مخطوطة غريب الحديث المحفوظة في ليدن م = صحيح مسلم ن = سنن النسائي
[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله وسلم. أخبرني القاضي الأجل أبو الطيب طاهر بن يحيى بن أبي الخير العمراني قراءة عليه قال أخبرني أبي يحيى بن أبي الخير رحمه الله قراءة عليه غير مرة قال أخبرني الشيخ الإمام زيد بن الحسن الفائشي قراءة عليه قال أخبرنا إسماعيل بن المبلول قال أخبرنا محمد بن إسحاق قال أخبرنا الفقيه أبو بكر محمد بن منصور الشهرزوري قال أخبرنا
[ 2 ]
عبد الله بن أحمد القرضي قال أخبرنا دعلج بن أحمد قال أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن عبد العزيز الأشنهي قال أبو عبيد القاسم
[ 3 ]
ابن سلام رحمه الله في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: زويت لي الأرض في أريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها. قال أبو عبيد: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى التيمي من تيم قريش مولى لهم يقول: زويت جمعت، ويقال: انزوى القوم بعضهم إلى بعض، إذا تدانوا وتضاموا، وانزوت الجلدة من النار،
[ 4 ]
إذا انقبضت واجتمعت قال أبو عبيد: ومنه الحديث الآخر: إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار، إذا انقبضت واجتمعت. قال أبو عبيد: ولا يكاد يكون الانزواء إلا بانحراف مع تقبض. قال الأعشى: [ الطويل ] يزيد يغض الطرف دوني كأنما زوى بين عينيه علي المحاجم فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم ترع وقال [ أبو عبيد ] في حديث النبي عليه السلام إن منبري هذا على ترعة من ترع الجنة.
[ 5 ]
قال أبو عبيدة: الترعة الروضة تكون على المكان المرتفع خاصة، فإذا كانت في المكان المطمئن فهي روضة، [ و ] قال أبو زياد الكلابي: أحسن ما تكون الروضة على المكان الذي فيه غلظ وارتفاع، ألا تسمع قول الأعشى: [ البسيط ] ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل قال فالحزن ما بين زبالة فما فوق ذلك مصعدا في بلاد نجد وفيه ارتفاع وغلظ وقال أبو عمرو الشيباني: الترعة الدرجة، قال أبو عبيد: وقال غيره: الترعة الباب، كأنه قال: منبري هذا على باب من أبواب الجنة.
[ 6 ]
قال أبو عبيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن منبري هذا على ترعة من ترع الجنة. فقال سهل [ بن سعد ]: أتدرون ما الترعة هي الباب من أبواب الجنة. قال أبو عبيد: وهذا هو الوجه عندنا. / وقال أبو عبيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن قدمي على ترعة من ترع الحوض. هيع وقال [ أبو عبيد ] في حديثه عليه السلام إنه قال: إن خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة طار إليها ويروى: من خير معاش رجل ممسك بعنان فرسه. قال أبو عبيدة: الهيعة الصوت الذي تفزع منه وتخافه من عدو
[ 7 ]
قال: وأصل هذا من الجزع، يقال: هذا رجل هاع لا ع وهائع ولا ئع إذا كان جبانا ضعيفا، وقد هاع يهيع هيوعا وهيعانا قال أبو عبيد وقال الطرماح [ بن حكيم ] الطائي: [ الطويل ] انا ابن حماة المجد من آل مالك إذا جعلت خور الرجال تهيع أي تجبن، والخور الضعاف، والواحد خوار. شعف [ قال أبو عبيد ] وفي الحديث: أو رجل في شعفة في غنيمة حتى يأتيه الموت. قوله: في شعفة، يعني رأس الجبل. جبه كسع نخخ وقال [ أبو عبيد ] في حديثه عليه السلام: ليس في الجبهة ولا في النخة ولا في الكسعة صدقة. قال أبو عبيدة: الجبهة الخيل، والكسعة الحمير، والنخة الرقيق قال الكسائي وغيره في الجبهة والكسعة مثله، وقال الكسائي: هي النخة - برفع النون - وفسرها هو وغيره في مجلسه: البقر العوامل
[ 8 ]
قال الكسائي: هذا كلام أهل تلك الناحية كأنه يعني أهل الحجاز وما وراءها إلى اليمن. وقال الفراء: النخة أن يأخذ المصدق دينارا بعد فراغه من أخذ الصدقة وأنشدنا: [ البسيط ] عمي الذي منع الدينار ضاحية دينار نخة كلب وهو مشهود
[ 9 ]
قال أبو عبيد: قال النبي صلى الله عليه [ وسلم ]: أخرجوا صدقاتكم فإن الله قد أراحكم من الجبهة والسجة والبجة. وفسرها أنها كانت آلهة يعبدونها في الجاهلية، وهذا خلاف ما [ جاء ] في الحديث الأول، والتفسير في الحديث والله أعلم أيهما المحفوظ من ذلك. وقال [ أبو عبيد ] في حديثه عليه السلام: إن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله ! إني أبدع بي فاحملني. قال أبو عبيدة: يقال للرجل إذا كلت ناقته أو عطبت وبقي منقطعا به قد أبدع به، وقال الكسائي مثله وزاد فيه [ و ] يقال: أبدعت الركاب إذا كلت أو عطبت. وقال بعض الأعراب: لا يكون
[ 10 ]
الإبداع إلا بظلع. يقال: أبدعت به راحلته إذا ظلعت. قال أبو عبيد: وهذا ليس باختلاف، وبعضه شبيه ببعض وقال [ أبو عبيد ] في حديثه عليه السلام: إن قريشا كانوا يقولون: إن محمدا صنبور. قال أبو عبيدة: الصنبور: النخلة تخرج من أصل النخلة الأخرى لم تغرس. وقال الأصمعي: الصنبور: النخلة تبقى منفردة ويدق أسفلها، قال: ولقي رجل رجلا من العرب / فسأله عن نخلة فقال: صنبر أسفله وعشش أعلاه يعني دق أسفله وقل سعفه ويبس.
[ 11 ]
قال أبو عبيد: فشبهوه بها يقولون: إنه فرد ليس له ولد ولا أخ فإذا مات انقطع ذكره. قال أبو عبيد: وقول الأصمعي في الصنبور أعجب إلي من قول أبي عبيدة لأن النبي عليه السلام لم يكن أحد من أعدائه من مشركي العرب ولا غيرهم يطعن عليه في نسبه، ولا اختلفوا في أنه أوسطهم نسبا [ صلى الله عليه وسلم ]. قال أبو عبيد: قال أوس ابن حجر يعيب قوما: [ البسيط ] مخلفون ويقضي الناس أمرهم غشو الأمانة صنبور فصنبور
[ 12 ]
ويروى: غش الأمانة، ويروى: أهل الملامة. قال أبو عبيدة: في غشو ثلاثة أوجه: غشو وغش وغشى ويروى: غشى الملامة أي الملامة تغشاهم. قال أبو عبيد: والصنبور [ أيضا ] في غير هذا القصبة [ التي ] تكون في الإداوة من حديد أو رصاص يشرب منها. كهل وقال [ أبو عبيد ] في حديثه عليه السلام: إنه سأل رجلا أراد الجهاد معه [ فقال له ]: هل في أهلك من كاهل ويقال من كاهل، فقال: نعم. قال أبو عبيدة: هو مأخوذ من الكهل، يقول: هل فيهم من أسن وصار كهلا قال أبو عبيدة: يقال منه رجل كهل وامرأة كهلة. وأنشدنا [ العذافر ]: [ الرجز ] ولا أعود بعدها كريا أمارس الكهلة والصبيا.
[ 13 ]
وقال [ أبو عبيد ] في حديثه عليه السلام: ما يحملكم على أن تتايعوا في الكذب كما يتتايع الفراش في النار قال أبو عبيدة: التتايع التهافت في الشر والمتايعة عليه، يقال للقوم: قد تتايعوا في الشر، إذا تهافتوا عليه وسارعوا إليه. قال أبو عبيد: ومنه قول الحسن بن علي رضي الله عنهما: إن عليا أراد أمرا فتتايعت عليه الأمور فلم يجد منزعا يعني في أمر الجمل. ومنه الحديث [ المرفوع ] في الرجل يوجد مع المرأة. " ] قال أبو عبيد عن الحسن: لما نزلت [ هذه الآية ] والذين
[ 14 ]
يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا [ وأولئك هم الفاسقون قال سعد بن عبادة: يا رسول الله ! أرأيت إن رأى رجل مع امرأته رجلا فقتله أتقتلونه به وإن أخبر بما رأى جلد ثمانين، أفلا يضربه بالسيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالسيف شا أراد أن يقول: شاهدا، فأمسك وقال: لولا أن يتتايع فيه الغيران والسكران. قال أبو عبيد: يقول: كره أن يجعل السيف شاهدا فيحتج به الغيران والسكران فيقتلوا، فأمسك عن ذلك. قال أبو عبيد: ويقال في التتايع: إنه اللجاجة، وهو يرجع إلى هذا المعنى. قال أبو عبيد: ولم أسمع التتايع في الخير إنما سمعناه في الشر. وقال [ أبو عبيد ] في حديثه عليه السلام: / من أزلت
[ 15 ]
إليه نعمة فليشكرها. قال أبو عبيدة: قوله أزلت إليه نعمة يعني أسديت إليه واصطنعت عنده، يقال منه: أزللت إلى فلان نعمة فأنا أزلها إزلالا. وقال أبو زيد الأنصاري مثله وأنشد أبو عبيد لكثير: [ الطويل ] وإني وإن صدت لمثن وصادق عليها بما كانت إلينا أزلت قال أبو عبيد: ويروى " لدينا أزلت ". قال: وقد روى بعضهم: من أنزلت إليه نعمة، وليس هذا بمحفوظ ولا له وجه في الكلام. ربع وقال [ أبو عبيد ] في حديثه عليه السلام: إنه مر بقوم
[ 16 ]
يربعون حجرا و [ في ] بعض الحديث: يرتبعون فقالوا: هذا حجر الأشداء، فقال: ألا أخبركم بأشدكم من ملك نفسه عند الغضب. قال أبو عبيدة: الربع أن يشال الحجر باليد يفعل ذلك لتعرف به شدة الرجل. قال أبو عبيد: يقال ذلك في الحجر خاصة. قال أبو محمد الأموي أخو يحيى بن سعيد في الربع مثله. جذا قال أبو عبيد: ومن هذا حديث ابن عباس أنه مر بقوم يتجاذون حجرا ويروى: يجذون حجرا فقال: عمال الله أقوى من هؤلاء. [ و ] كل هذا من الرفع والإشالة وهو مثل الربع. قال أبو عبيد: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقوم يتجاذون
[ 17 ]
مهراسا فقال: أتحسون الشدة في حمل الحجارة ! إنما الشدة أن يمتلئ أحدكم غيظا ثم يغلبه. وقال الأموي: المربعة أيضا العصا التي تحمل بها الأحمال حتى توضع على ظهور الدواب. قال أبو عبيد وأنشدني الأموي: [ الرجز ] اين الشظاظان وأين المربعه وأين وسق الناقة المطبعه قوله: الشظاظان، [ هما ] العودان اللذان يجعلان في عرى الجوالق، والمطبعة المثقلة. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن الصلاة إذا تضيفت الشمس للغروب.
[ 18 ]
قال أبو عبيدة: قوله: تضيفت [ يعني ] مالت للمغيب، يقال منه: قد ضافت، فهي تضيف ضيفا إذا مالت صاف قال أبو عبيد: ومنه سمي الضيف ضيفا، يقال منه: ضفت فلانا إذا ملت إليه ونزلت به، وأضفته فأنا أضيفه إذا أمتله إليك وأنزلته عليك، ولذلك قيل: هو مضاف إلى كذا وكذا أي [ هو ] ممال إليه قال إمرؤ القيس: [ الطويل ] فلما دخلناه أضفنا ظهورنا إلى كل حاري جديد مشطب أي أسندنا ظهورنا إليه وأملناها، ومنه قيل للدعي: مضاف، لأنه مسند إلى قوم ليس منهم، ويقال: ضاف السهم يضيف إذا عدل عن الهدف
[ 19 ]
وهو من هذا. وفيه لغة أخرى ليست في الحديث: صاف السهم بمعنى ضاف، قال أبو زبيد الطائي يذكر المنية: [ الخفيف ] كل يوم ترميه منها برشق فمصيب أو صاف غير بعيد صاف أي عدل فهذا بالصاد وأما [ الذي ] في الحديث فبالضاد. رشق قال أبو عبيد: الرشق الوجه من الرمي إذا رموا وجها بجميع سهامهم، قالوا: / رمينا رشقا. والرشق: المصدر، يقال [ منه ] رشقت رشقا.
[ 20 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن [ بيع ] الكالئ بالكالئ. قال أبو عبيد: هو النسيئة بالنسيئة مهموز قال أبو عبيد: ومنه قولهم: أنسأ الله فلانا أجله، ونسأ الله في أجله بغير ألف. قال وقال أبو عبيدة: يقال من الكالئ: تكلأت أي استنسأت نسيئة. والنسيئة التأخير أيضا ومنه قوله تعالى " إنما النسئ زيادة في الكفر " إنما هو تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر. وقال الأموي في الكلأة مثله، قال الأموي: يقال: بلغ الله بك أكلأ العمر يعني آخره وأبعده وهو من التأخير. قال أبو عبيد: وقال الشاعر يذم رجلا: [ الرجز ] وعينه كالكالئ الضمار يعني بعينه حاضره وشاهده، يقول: فالحاضر من عطيته كالضمار وهو
[ 21 ]
الغائب الذي لا يرتجى. الغائب الذي لا يرتجى. نسأ قال أبو عبيد: وقوله: النسيئة بالنسيئة، في وجوه كثيرة من البيع منها: أن يسلم الرجل إلى الرجل مائة درهم إلى سنة في كر طعام لكر فإذا انقضت السنة وحل الطعام عليه قال الذي عليه الطعام للدافع: ليس عندي طعام لكن بعني هذا الكر بمائتي درهم إلى شهر فهذه نسيئة انتقلت إلى نسيئة، وكل ما أشبه ذلك. ولو كان قبض الطعام منه ثم باعه منه أو من غيره بنسيئة لم يكن كالئا بكالئ قال أبو عبيد: ومن الضمار قول عمر بن عبد العزيز في كتابه إلى ميمون بن مهران في الأموال التي كانت في بيت المال من المظالم أن يردها ولا يأخذ زكاتها: فإنه كان مالا ضمارا يعني لا يرجى. قال أبو عبيد قال الأعشى: [ المتقارب ] أرانا إذا أضمرتك البلا دنجفى وتقطع منا الرحم نفه وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين قال لعبدالله بن عمرو بن العاص وذكر قيام الليل وصيام النهار: إنك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك ونفهت نفسك. قال أبو عبيدة: قوله: نفهت نفسك أعيت وكلت. ويقال للمعيى: منفه ونافه، وجمع نافه نفه. قال أبو عمرو: هجمت عينك غارت ودخلت. هجم قال أبو عبيد ومنه:
[ 22 ]
هجمت على القوم - أدخلت عليهم، وكذلك: هجم عليهم البيت إذا سقط عليهم قال أبو عمرو: نفهت نفسك - أي أعيت وكلت مثل قول أبي عبيدة. وقال رؤبة يذكر بلادا: [ الرجز ] به تمطت غول كل ميله بنا حراجيج المطايا النفه ويروى: المهاري النفه يعني المعيية. وواحدها نافه ونافهة. وقوله: كل ميله يعني البلاد التي توله الناس بها كالإنسان الواله المتحير. همى وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن رجلا سأله فقال: يا رسول الله ! إنا نصيب هوامي الإبل، / فقال: ضالة المؤمن أو: المسلم حرق النار.
[ 23 ]
قال أبو عبيدة: قوله: الهوامي المهملة التي لا راعي لها ولا حافظ، يقال منه: ناقة هامية وبعير هام، وقد همت تهمي هميا إذا ذهبت في الأرض على وجوهها لرعي أو غيره، وكذلك كل ذاهب وسائل من ماء أو مطر، وأنشد لطرفة ويقال: إنه لمرقش: [ الكامل ] فسقى ديارك غير مفسدها صوب الربيع وديمة تهمي يعني تسيل وتنصب. وقال أبو عمرو مثله أو نحوه، وقال أبو زيد والكسائي: همت عينه تهمي هميا إذا سالت ودمعت وهو من ذلك أيضا. قال أبو عبيد: وليس هذا من الهائم، إنما يقال من الهائم: هام يهيم وهي إبل هوائم، وتلك التي في الحديث هوامي إلا أن تجعله في المعنى مثله، وأحسبه من المقلوب كما قالوا: جذب وجبذ،
[ 24 ]
وضب وبض إذا سال الماء أو غيره، وأشباه ذلك. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه أتى بكتف مؤربة فأكلها وصلى ولم يتوضأ. قال أبو عبيدة وأبو عمرو: المؤربة هي الموفرة التي لم ينقص منها شئ. قال أبو عبيد: يقال منه: أربت الشئ تأريبا إذا وفرته، ولا أراه أخذ إلا من الإرب وهو العضو، يقال: قطعته إربا إربا أي عضوا عضوا. قال أبو زبيد في المؤرب: [ الطويل ] وأعطي فوق النصف ذو الحق منهم وأظلم بعضا أو جميعا مؤربا
[ 25 ]
وقال الكميت بن زيد الأسدي: [ الطويل ] ولانتشلت عضوين منها يحابر وكان لعبد القيس عضو مؤرب أي تام لم ينقص منه شئ. والشلو أيضا العضو. ومنه حديث علي في الأضحية: إئتني بشلوها الأيمن. يقال: عضو وعضو لغتان. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: لا عدوى ولا هامة ولا صفر ولا غول. الصفر: دواب البطن. قال أبو عبيدة: سمعت يونس يسأل رؤبة بن العجاج عن الصفر، فقال: هي حية تكون في البطن تصيب الماشية
[ 26 ]
والناس، وهي أعدى من الجرب عند العرب. قال أبو عبيد: فأبطل النبي عليه السلام أنها تعدي، ويقال: إنها تشتد على الإنسان إذا جاع وتؤذيه قال أعشى باهلة يرثي رجلا: [ البسيط ] لا يتأرى لما في القدر يرقبه ولا يعض على شرسوفه الصفر هام قال أبو عبيد: ويروى: [ البسيط ] لا يشتكي الساق من أين ولا وصب ولا يعض على شرسوفه الصفر ويروى: ولا وصم. وقال أبو عبيدة في الصفر أيضا: إنه يقال: هو تأخيرهم المحرم إلى صفر في تحريمه. قال: وأما الهامة فإن العرب تقول كانت تقول: إن عظام الموتى تصير
[ 27 ]
هامة فتطير، / وقال أبو عمرو في الصفر مثل قول رؤبة، وقال في الهامة مثل قول أبي عبيدة إلا أنه قال: كانوا يقولون: يسمون ذلك الطائر الذي يخرج من هامة الميت إذا بلى الصدى، صدى قال أبو عبيد: وجمعه أصداء، وكل هذا قد جاء في أشعارهم قال أبو دؤاد الإيادي: [ الخفيف ] سلط الموت والمنون عليهم فلهم في صدى المقابر هام فذكر الصدى والهام جميعا وقال لبيد يرثي أخاه أربد: [ الوافر ] فليس الناس بعدك في نقير وما هم غير أصداء وهام وهذا كثير في أشعارهم فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. [ و ] قال أبو زيد في الصفر مثل قول أبي عبيدة الأول، وقال أبو زيد: هي الهامة مشددة الميم، يذهب إلى واحدة الهوام وهي دواب
[ 28 ]
الأرض، قال أبو عبيد: ولا أرى أبا زيد حفظ هذا وليس له معنى. ولم يقل أحد منهم في الصفر أنه من الشهور غير أبي عبيدة، والوجه فيه التفسير الأول. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه قال للنساء: لا تعذبن أولادكن بالدغر. قال أبو عبيدة: هو غمز الحلق، وذلك أن الصبي تأخذه العذرة وهو وجع يهيج في الحلق من الدم، فإذا عولج منه صاحبه قيل: عذرته فهو معذور قال جرير بن الخطفي: [ الكامل ] غمز ابن مرة يا فرزدق كينها غمز الطبيب نغانغ المعذور
[ 29 ]
والنغانغ لحمات تكون عند اللهوات، واحدها: نغنغ والدغر أن ترفع المرأة ذلك الموضع بأصبعها، يقال: دغرت أدغر دغرا. قال أبو عبيد: ويقال للنغانغ أيضا: اللغانين، واحدها لغنون واللغاديد واحدها: لغدود، ويقال: لغد، فمن قال: لغد للواحد قال للجميع: ألغاد. ومن الدغر حديث علي رضي الله عنه: لا قطع في الدغرة، ويروى: الدغرة. ويفسرها الفقهاء [ أنها ] الخلسة. قال أبو عبيد: وهي عندي من الدفع أيضا وهي الدغرة بجزم الغين، وإنما هو توثب المختلس ودفعه نفسه على المتاع ليختلسه، ويقال في مثل: دغرى لا صفى، ودغرا لا صفا، يقال: ادغروا عليهم ولا تصافوهم، وهذا أيضا مثل
[ 30 ]
قولهم: عقرى حلقى، وعقرا حلقا. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: لا يترك في الإسلام مفرج. قيل: المفرج: هو الرجل يكون في القوم من غيرهم فحق عليهم أن يعقلوا عنه. وروي أيضا: مفرح بالحاء. وروي أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم: وعلى المسلمين ألا يتركوا مفدوحا في فداء أو عقل. قال الأصمعي: المفرح بالحاء: هو الذي قد أفرحه الدين يعني أثقله، قال يقول: يقضى عنه دينه من بيت المال / ولا يترك مدينا،
[ 31 ]
وأنكر قولهم: مفرج بالجيم. وقال أبو عمرو: المفرح هو المثقل بالدين أيضا، وأنشدنا: [ الطويل ] إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة وتحمل أخرى أفرحتك الودائع أفرحتك يعني أثقلتك. وقال الكسائي في المفرح مثله أو نحوه. قال [ أبو عبيد ]: وسمعت محمد بن الحسن يقول: هو يروى بالحاء والجيم، فمن رواه بالحاء فأحسبه قال فيه مثل قول هؤلاء، ومن قال: مفرج بالجيم فإنه القتيل يوجد في أرض فلاة لا يكون عنده قرية فإنه يؤدي من بيت المال ولا يبطل دمه. وعن أبي عبيدة قال: المفرج بالجيم أن يسلم الرجل ولا يوالي أحدا، يقول: فتكون جنايته على بيت المال لأنه لا عاقلة له فهو مفرج، وقال بعضهم: هو الذي لا ديوان له.
[ 32 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في الثوب المصلب أنه كان إذا رآه في ثوب قضبه. قال الأصمعي: يعني قضب موضع التصليب. والقضب: القطع. ومنه قيل: إقتضبت الحديث إنما هو انتزعته واقتطعته، صلب قال أبو عبيد: وإياه عنى ذو الرمة في قوله يصف الثور: [ البسيط ] كانه كوكب في إثر عفرية مسوم في سواد الليل منقضب أي منقطع من مكانه. وقال القطامي يصف الثور أيضا:
[ 33 ]
[ الكامل ] فغدا صبيحة صوبها متوجسا شئز القيام يقضب الأغصانا يعني يقطعها. والمصلب والمنشا وقيل: هو الذي فيه مثال الصليب. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين قال لعائشة وسمعها تدعو على سارق سرق لها شيئا فقال: لا تسبخي عنه بدعائك عليه. قال الأصمعي: قوله: لا تسبخي، يقول: لا تخففي عنه بدعائك عليه.
[ 34 ]
وهذا مثل الحديث الآخر: من دعا على من ظلمه فقد انتصر وكذلك كل من خفف عنه شئ فقد سبخ عنه. قال يقال: اللهم سبخ عني الحمى أي سلها وخففها. قال أبو عبيد: ولهذا قيل لقطع القطن إذا ندف: سبائخ، ومنه قول الأخطل يصف القناص والكلاب: [ البسيط ] فأرسلوهن يذرين التراب كما يذرى سبائخ قطن ندف أوتار يعني ما يتساقط من القطن. قال أبو زيد والكسائي: يقال: سبخ الله عنا الأذى يعني كشفه وخففه. ويقال لريش الطائر الذي يسقط عنه: سبيخ، وذلك لأنه ينسل فيسقط عنه. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا
[ 35 ]
قال الأصمعي: قوله: حتى يريه، قال: هو من الوري على مثال الرمي، يقال منه: رجل موري غير مهموز، وهو أن يروى جوفه، وأنشد: [ الرجز ] قالت له وريا إذا تنحنح [ أي ] تدعو عليه بالورى. وأنشدنا الأصمعي [ أيضا ] / للعجاج يصف الجراحات: [ الرجز ] عن قلب ضجم تورى من سبر يقول: إن سبرها إنسان أصابه منها الوري من شدتها. والقلب: الآبار، واحدها قليب وهي البئر، شبه الجراحة بها. وقال أبو عبيدة في الوري مثله إلا أنه قال: هو أن يأكل القيح جوفه. وأنشدنا غيره لعبد بني الحسحاس يذكر النساء:
[ 36 ]
[ الطويل ] وراهن ربي مثل ما قد ورينني وأحمى على أكبادهن المكاويا قال أبو عبيد: وسمعت يزيد يحدث بحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا. يعني من الشعر الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو عبيد: والذي عندي في [ هذا ] الحديث غير هذا القول، لأن الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم لو كان شطر بيت لكان كفرا، فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد رخص في القليل منه ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه [ من الشعر ] حتى يقلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله، فيكون الغالب عليه من أي الشعر كان، فإذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس
[ 37 ]
جوف هذا عندنا ممتلئا من الشعر. أرز وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها. قال الأصمعي: قوله: يأرز ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها، وأنشدنا لرؤبة يذم رجلا: [ الرجز ] فذاك بخال أروز الأرز يعني أنه لا ينبسط للمعروف ولكنه ينضم بعضه إلى بعض. قال الأصمعي عن أبي الأسود الدؤلي: إنه قال: إن فلانا إذا سئل أرز وإذا دعي
[ 38 ]
اهتز أو قال: انتهز شك أبو عبيد، قال: يعني إذا سئل المعروف تضام وإذا دعى إلى طعام أو غيره مما يناله اهتز لذلك. قال زهير: [ الوافر ] بآرزة الفقارة لم يخنها قطاف في الركاب ولا خلاء والآرزة الناقة الشديدة المجتمع بعض فقارها إلى بعض والفقارة: فقارة الصلب. [ و ] قال أبو عبيد: سمعت الكسائي يقول: الدؤلي، وقال ابن الكلبي: الديلي. وقول ابن الكلبي أعجب إلي، وهو الصواب عندنا. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين قال
[ 39 ]
لابن مسعود: أذنك على أن ترفع الحجاب وتستمع سوادي حتى أنهاك. قال الأصمعي: السواد السرار، يقال منه: ساودته مساودة وسوادا إذا ساررته. ولم نعرفها برفع السين سوادا. دد قال أبو عبيد: ويجوز الرفع وهو بمنزلة جوار وجوار، فالجوار المصدر والجوار الاسم وقال الأحمر /: هو من إدناء سوادك من سواده وهو الشخص. قال أبو عبيد: وهذا من السرار أيضا لأن السرار لا يكون إلا بإدناء السواد من السواد وأنشدنا الأحمر: [ الخفيف ] من يكن في السواد والدد والإعرام زيرا فإنني غير زير قوله: زيرا، هو الرجل يحب مجالسة النساء، ومحادثتهن. قال أبو عمرو: وسئلت ابنة الخس: لم زنيت، وأنت سيدة نساء قومك قالت: قرب الوساد وطول السواد.
[ 40 ]
قال [ أبو عبيد ]: والدد: اللهو واللعب. ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنا من دد ولا الدد مني. قوله: الدد، هو اللعب واللهو. قال الأحمر: [ و ] في الدد ثلاث لغات: يقال: هذا دد على مثال يد ودم، وهذا ددا على مثال قفا وعصا، وهذا ددن على مثال حزن قال الأعشى: [ الطويل ] أترحل من ليلى ولما تزود وكنت كمن قضى اللبانة من دد وقال عدي بن زيد: [ الرمل ] أيها القلب تعلل بددن إن همى في سماع وأذن شرط وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في أشراط الساعة. قال الأصمعي: هي علاماتها، [ قال ]: ومنه الاشتراط الذي يشترط الناس بعضهم على بعض إنما هي علامات يجعلونها بينهم،
[ 41 ]
ولذلك سميت الشرط لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها. وقال غيره في بيت أوس بن حجر وذكر رجلا تدلى من رأس جبل بحبل إلى نبعة ليقطعها [ و ] يتخذ منها قوسا: [ الطويل ] فأشرط فيها نفسه وهو معصم وألقى بأسباب له وتوكلا قال الأصمعي: هو من هذا يريد أنه جعل نفسه علما لذلك الأمر. ويقال فيه قول آخر: استهلك نفسه كقولك: استقتل الرجل وأقتل، إذا عرض نفسه للقتل. قال الأصمعي: وأشرط فيها نفسه أي جعلها علامة للموت. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه أتى على بئر ذمة.
[ 42 ]
قال الأصمعي: الذمة القليلة الماء، يقال: هذه بئر ذمة وجمعها ذمام. ميح [ قال أبو عبيد: و ] قال ذو الرمة يصف عيون الإبل وأنها قد غارت من طول السير: [ الطويل ] على حميريات كأن عيونها ذمام الركايا أنكزتها المواتح قوله: أنكزتها، يعني أنفدت ماءها. والمواتح: المستقية. وفي الحديث: قال البراء بن عازب: فنزلنا فيها ستة ماحة. والماحة واحدهم مائح وهو الذي إذا قل ماء الركية حتى لا يمكن أن يغترف منها بالدلو نزل رجل فغرف بيديه منها فيجعله في الدلو فذلك مائح. قال ذو الرمة: [ الطويل ] ومن حوف ماء عرمض الحول فوقه متى يحس منه دائق القوم يتفل
[ 43 ]
ويروى: يحس منه مائح. وقال آخر: [ الرجز ] يا أيها المائح دلوي دونكا إني رأيت الناس يحمدونكا والمائح في أشياء سوى هذا. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام / أن رجلا أتاه، فقال يا رسول الله ! إنا نركب ارماثا لنا في البحر فتحضر الصلاة وليس معنا ماء إلا لشفاهنا، أفنتوضأ بماء البحر فقال: هو الطهور ماؤه والحل ميتته. قال الأصمعي: الأرماث خشب يضم بعضها إلى بعض ويشد ثم يركب، يقال لواحدها: رمث، وجمعه أرماث والرمث في غير هذا أن تأكل الإبل الرمث فتمرض عنه. قال الكسائي: يقال منه:
[ 44 ]
إبل رمثة ورماثى، ويقال: إبل طلاحى وأراكى، إذا أكلت الأراك والطلح فمرضت عنه. وأنشد أبو عبيد عن أبي عمرو لبعض الهذليين. ويقال: إنه لأبي صخر: [ الطويل ] تمنيت من حبي بثينة أننا على رمث في البحر ليس لنا وفر [ أي مال ] ويروى: على رمث في الشرم، وهو موضع في البحر. ويقال: إنه لجته. وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام: أنا فرطكم في على الحوض.
[ 45 ]
قال الأصمعي: الفرط والفارط: المتقدم في طلب الماء، يقول: أنا: متقدمكم إليه، يقال منه: فرطت القوم وأنا أفرطهم، وذلك إذا تقدمتهم ليرتاد لهم الماء. ومن هذا قولهم في الدعاء في الصلاة على الصبي الميت: اللهم اجعله لنا فرطا، أي أجرا متقدما نرد عليه وقال الشاعر: [ الكامل ] فأثار فارطهم غطاطا جثما أصواته كتراطن الفرس يعني أنه لم يجد في الركية ماء، إنما وجد غطاطا وهو القطا وجمع الفارط فراط وقال القطامي: [ البسيط ] فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا كما تعجل فراط لوراد قال أبو عبيد: [ يقال: صحاب وصحابة وصحب فإذا كسرت الصاد
[ 46 ]
فلا هاء فيه. و - ] يقال: أفرطت الشئ أي نسيته. قال الله [ تبارك و - ] تعالى: " وأنهم مفرطون " وفرط الرجل في القول قال الله [ تبارك و ] تعالى: " إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ". وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه أعطى النساء اللواتي غسلن ابنته حقوة، فقال: أشعرنها إياه. قال أبو عبيد: قال الأصمعي: الحقو الإزار، وجمعه حقي.
[ 47 ]
قال أبو عبيد: ولا أعلم الكسائي إلا قد قال لي مثله أو نحوه. ومن ذلك حديث عمر رضي الله عنه: لا تزهدن في جفاء الحقو فإن يكن ما تحته جافيا فإنه أستر له، وإن يكن ما تحته لطيفا فإنه أخفى له. قال أبو عبيد: أراد عمر بالحقو الإزار يعني أن تجعله المرأة جافيا تضاعف عليه الثياب لتستر مؤخرها. وقوله في الحديث الأول: أشعرنها إياه، أي اجعلنه شعارها الذي يلي جسدها. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله ! تخرقت عنا الخنف / وأحرق بطوننا التمر. قال الأصمعي: والخنف واحدها خنيف، وهو جنس من
[ 48 ]
الكتان أردأ ما يكون منه قال الشاعر يذكر طريقا: [ الطويل ] علا كالخنيف السحق يدعو به الصدى له قلب عفى الحياض أجون ويروى: عف الحياض. سحق فدم قال أبو عبيد: وقد خولف أبو معاوية الأصمعي. ويروى: له قلب عادية وصحون يعني الطريق، شبهه بالخنيف، أي علا طريقا كالخنيف. والسحق: الخلق من الثياب. ومنه قول عمر: من زافت عليه دراهمه فليأت بها السوق فليقل: من يبيعني بها سحق ثوب أو كذا وكذا ولا يحالف الناس عليها أنها جياد. [ و ] قال أبو زبيد الطائي: [ الخفيف ] وأباريق شبه أعناق طير السماء قد جيب فوقهن خنيف
[ 49 ]
يعني الفدام التي تفدم بها الأباريق. وقوله: قد جيب، شبهه بالجيب. ومن الفدام حديث بهز بن حكيم عن النبي عليه السلام أنه قال: إنكم مدعوون يوم القيامة مفدمة أفواهكم بالفدام. يعني أنهم منعوا الكلام حتى تكلم أفخاذهم، فشبه ذلك بالفدام الذي يشد به على الفم. قال أبو عبيد: وبعضهم يقول: الفدام بالفتح، ووجه الكلام بالفدام بكسر الفاء. وفي الحديث: ثم إن أول ما يبين عن أحدكم لفخذه ويده. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه دخل على عائشة [ أم المؤمنين ] وفي البيت سهوة عليها ستر.
[ 50 ]
قال الأصمعي: السهوة كالصفة تكون بين يدي البيت، وقال غيره من أهل العلم: السهوة شبيه بالرف والطاق يوضع فيه الشئ، قال أبو عبيد: وسمعت غير واحد من أهل اليمن يقولون: السهوة عندنا بيت صغير منحدر في الأرض وسمكه مرتفع من الأرض شبيه بالخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع. كن سدد قال أبو عبيد: وقول أهل اليمن أشبه ما قيل في السهوة. وقال أبو عمرو في الكنة والسدة نحو قول الأصمعي في السهوة. [ و ] قال: هي الظلة تكون بباب الدار قال الأصمعي في الكنة: هو الشئ يخرجه الرجل من حائطه كالجناح، ونحوه قال أبو عبيد. ومن السدة حديث أبي الدرداء: من يغش سدد السلطان
[ 51 ]
يقم ويقعد. ومنه حديث عروة بن المغيرة أنه كان يصلي في السدة. يعني سدة المسجد الجامع، وهي الظلال التي حوله يعني صلاة الجمعة مع الإمام. قالوا: وإنما سمى إسماعيل السدي لأنه كان تاجرا يبيع في سدة المسجد الخمر. قال أبو عبيد: وبعضهم يجعل السدة الباب نفسه. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن حلوان الكاهن.
[ 52 ]
قال الأصمعي: الحلوان ما يعطاه الكاهن ويجعل له على كهانته، تقول منه: حلوت الرجل أحلوه حلوانا، إذا حبوته بشئ وأنشدنا الأصمعي بن حجر / يذم رجلا: [ الطويل ] كأني حلوت الشعر حين مدحته صفا صخرة صماء يبس بلالها ألا تقبل المعروف مني تعاورت منولة أسيافا عليك ظلالها
[ 53 ]
ويروى: كأني حلوت الشعر يوم مدحته. فجعل الشعر حلوانا مثل العطاء. ومنولة أم شمخ وعدي ابني فزارة وأظن مازنا أيضا. وقال أبو عبيد: الحلوان الرشوة والرشوة منها يقال منه: حلوت أي رشوت. قال الشاعر: [ الطويل ] فمن راكب أحلوه رحلا وناقة يبلغ عني الشعر إذ مات قائله وقال غيره: والحلوان أيضا أن يأخذ الرجل من مهر ابنته لنفسه، [ قال ]: وهذا عار عند العرب قالت امرأة تمدح زوجها: [ الرجز ] لا يأخذ الحلوان من بناتنا
[ 54 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: ومجامرهم الألوة، في صفة أهل الجنة وكان ابن عمر يستجمر بالألوة غير مطراة والكافور يطرحه مع الألوة. ثم يقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع. قال الأصمعي: هو العود الذي يتبخر به وأراها كلمة فارسية عربت. قال أبو عبيد: وفيها لغتان: الألوة والألوة بفتح الألف وضمها ويقال: الألوة خفيف.
[ 55 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في الحيات: اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر. قال الأصمعي: الطفية خوصة المقل، وجمعه: طفي. قال: فأراه شبه الخطين اللذين على ظهره بخوصتين من خوص المقل.
[ 56 ]
وأنشد لأبي ذؤيب: [ الطويل ] عفا غير نؤي الدار ما إن تبينه وأقطاع طفي قد عفت في المعاقل وقال غيره: الأبتر القصير الذنب من الحيات. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام لأبي بردة بن نيار في الجذعة التي أمره أن يضحي بها: ولا تجزي عن أحد بعدك.
[ 57 ]
قال الأصمعي: وهو مأخوذ من قولك: قد جزى عني هذا الأمر فهو يجزي [ عني ]، ولا همز فيه، ومعناه لا تقضي عن أحد بعدك. يقول: لا تجزي لا تقضي وقال الله [ تبارك و ] تعالى: " واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ". ومنه حديث يروى عن عبيد بن عمير: أن رجلا كان يداين الناس وكان له كاتب ومتجاز وكان يقول: إذا رأيت الرجل معسرا فأنظره، فغفر الله له. والمتجازي المتقاضي. قال الأصمعي: أهل المدينة يقولون: أمرت فلانا يتجازى ديني على فلان، أي يتقاضاه. قال: وأما
[ 58 ]
قولهم أجزأني الشئ إجزاء، فمهموز ومعناه: كفاني وقال الطائي: [ الوافر ] لقد آليت أغدر في جداع وإن منيت أمات الرباع لأن الغدر في الأقوام عار وأن المرء يجزأ بالكراع وقوله: يجزأ بالكراع، أي يكتفي به. ومنه قول الناس: اجتزأت بكذا وكذا وتجزأت به، أي اكتفيت به [ وجداع السنة التي تجدع كل شئ أي تذهب به ].
[ 59 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام / حين سئل عن الميتة: متى تحل لنا الميتة [ فقال ]: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تختفوا بها بقلا فشأنكم بها. قال الأصمعي: لا أعرف " تحتفئوا " ولكني أراها " تختفوا بها " بالخاء. أي تقتلعونه من الأرض. [ و ] يقال: اختفيت الشئ، أخرجته، قال: ومنه سمي النباش المختفي لأنه يستخرج الأكفان، وكذلك: خفيت الشئ، أخرجته قال امرؤ القيس يصف حضر الفرس إنه استخرج الفأر من جحرتهن كما يستخرجهن المطر:
[ 60 ]
[ الطويل ] خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من سحاب مركب وقال الكسائي: كان سعيد بن جبير يقرأ " إن الساعة آتية أكاد أخفيها " يعني أظهرها. حفأ قال أبو عبيد: وسألت عنها أبا عمرو فلم يعرف يحتفئوا، وسألت أبا عبيدة فلم يعرفها ثم بلغني بعد عنه أنه قال: هو من الحفأ، والحفأ مهموز مقصور، وهو أصل البردى الأبيض الرطب منه، وهو يؤكل، فتأوله أبو عبيدة في قوله: تحتفئوا، يقول: ما لم تقتلعوا هذا بعينه فتأكلوه. قال أبو عبيد: وأخبرني الهيثم بن عدي أنه سأل عنها أعرابيا، قال: فلعلها تجتفئوا بالجيم، صبح غبق قال أبو عبيد: يعني أن تقتلع الشئ ثم ترمي به. يقال: جفأت
[ 61 ]
الرجل إذا صرعته وضربت به الأرض مهموز. وبعضهم يرويه: ما لم تحتفوا بتشديد الفاء فإن يكن هذا محفوظا فهو من احتففت الشئ كما تحف المرأة وجهها من الشعر. وأما قوله: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا، فإنه يقول: إنما لكم منها الصبوح وهو الغداء، أو الغبوق وهو العشاء، يقول: فليس لكم أن تجمعوهما من الميتة. من ذلك حديث سمرة أنه كتب لبنيه أنه يجزي من الاضطرار أو الضارورة صبوح أو غبوق. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين قال للأنصارية وهو يصف لها الاغتسال من المحيض: خذي فرصة ممسكة
[ 62 ]
فتطهري بها، فقالت عائشة [ أم المؤمنين ]: يعني تتبعي بها فتطهري بها، أثر الدم. قال الأصمعي: الفرصة القطعة من الصوف أو القطن أو غيره، وإنما [ أخذ ] من فرصت الشئ أي قطعته ويقال للحديدة التي تقطع بها الفضة: مفراص، لأنها تقطع. وأنشد الأصمعي للأعشى: [ الطويل ] وأدفع عن أعراضكم وأعيركم لسانا كمفراص الخفاجي ملحبا
[ 63 ]
لحبت الشئ: قطعته، والملحب: كل شئ يقطع ويقشر. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين دخل عليه عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ! لو أمرت بهذا البيت فسفر، وكان في بيت فيه أهب وغيرها. قال الأصمعي: قوله: سفر، يعني كنس. يقال: سفرت البيت وغيره إذا كنسته فأنا أسفره سفرا. ويقال للمكنسة: المسفرة، قال / ومنه سمي ما سقط من الورق: السفير، لأن الريح تسفره أي تكنسه قال ذو الرمة: [ البسيط ]
[ 64 ]
وحائل من سفير الحول جائله حول الجراثيم في الوانه شهب ويروى: وجايل من سفير الحول جائله يعني الورق، وقد حال يحول تغير لونه وابيض، والجائل: ما جال بالريح وذهب وجاء. والجراثيم: كل شئ مجتمع، والواحد جرثومة. وقد تكون [ الجرثومة ] أصل الشئ. ومنه الحديث المرفوع: الأزد جرثومة العرب فمن أضل نسبه [ فليأتهم. قال أبو عبيد ]: وقد روي في الأهب حديث آخر أن عمر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت: أهب [ عطنة ] وهي
[ 65 ]
الجلود، واحدها: إهاب، والعطنة: المنتنة الريح. وجاء في حديث آخر أنه [ دخل عليه ] وعنده أفيق والأفيق: الجلد الذي لم يتم دباغه، وجمعه أفق، يقال: أفيق وأفق [ مثل ] عمود وعمد وأديم وأدم وإهاب وأهب قال: ولم يجد في الحروف فعيلا ولا فعولا يجمع على فعل إلا هذه الأحرف، إنما تجمع على فعل مثل صبور وصبر. خدج ثدى وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: كل صلاة ليست فيها قراءة فهي خداج. قال الأصمعي: الخداج النقصان، مثل خداج الناقة إذا ولدت ولدا ناقص الخلق أو لغير تمام. يقال: أخدج الرجل صلاته فهو
[ 66 ]
مخدج وهي مخدجة ومنه قيل لذي الثدية: إنه مخدج اليد، أي ناقصها. ويقال: خدجت الناقة، إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تام الخلق، وأخدجت، إذا ألقته ناقص الخلق وإن كان لتمام الحمل. وإنما أدخلوا الهاء في ذي الثدية وأصل الثدي ذكر لأنه كأنه أراد لحمة من ثدي أو قطعة من ثدي فصغر على هذا المعنى فأنث. وبعضهم يرويه ذا اليدية بالياء. نضح [ قال أبو عبيد و ] يقال: ولد تمام وتمام، وقمر تمام وتمام، وفي ليل تمام، لا يقال إلا بالكسر: ليل التمام. وقال: [ أبو عبيد - ]: في حديثه عليه السلام في صدقة النخل: ما سقي منه بعلا ففيه العشر.
[ 67 ]
قال الأصمعي: البعل ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها فإذا سقته السماء فهو عذى ومن البعل قول النابغة في صفة النخل والماء: [ الطويل ] من الواردات الماء بالقاع تستقي بأذنابها قبل استقاء الحناجر فأخبر أنها تشرب بعروقها. وأراد بالأذناب العروق. وقال
[ 68 ]
عبد الله بن رواحة: [ الوافر ]
[ 69 ]
هنالك لا أبالي نخل سقي ولا بعل وإن عظم الإتاء يقال: سقي وسقي، فالسقي بالفتح الفعل والسقي بالكسر الشرب، ويقال سقيته سقيا، [ قال ]: والأتاء ما خرج من الأرض من الثمر وغيره، يقال: هي أرض كثيرة الأتاء، أي كثيرة الريع من الثمر وغيره. قال: وأما الغيل فهو ما جرى في الأنهار وهو الفتح أيضا. قال: والغلل الماء بين الشجر. / قال أبو عبيدة والكسائي في البعل: غلل هو العذي (العذي) وما سقته السماء، قال أبو عمرو: والعشري: العذي أيضا. وقال بعضهم: السيح الماء الجاري مثل الغيل، يسمى سيحا لأنه
[ 70 ]
يسيح في الأرض أي يجري قال الراعي: [ البسيط ] وارين جونا رواء في اكمته من كرم دومة بين السيح والجدر أراد أنهن وارين شعورهن ثم وصفها فشبهها بحمل الكرم. ومنه الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى معاذ باليمن: إن فيما سقت السماء أو سقى غيلا العشر. وقال أبو عبيد: وأما ما جاء في السواني والنواضح أن يما سقى بها ففيه نصف العشر. فان السواني هي الإبل التي يستقى عليها من الآبار وهي النواضح بأعيانها. يقال منه: قد سنت السانية تسنو سنوا، ونضحت تنضح نضحا، إذا سقت. قال زهير بن [ أبي ] سلمي: [ البسيط ] كأن عيني في غربي مقتلة من النواضح تسقى جنة سحقا قوله: في غربي، بغرب التي تستقى بها الإبل وهي أعظم ما يكون من الدلاء وهو الذي فيه الحديث: وما سقى منه بغارب ففيه نصف العشر. حمل حب وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في قوم يخرجون
[ 71 ]
من النار: فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل. قال الأصمعي: الحميل ما حمله السيل من كل شئ، وكل محمول فهو حميل، كما يقال للمقتول: قتيل. ومنه قول عمر في الحميل: لا يورث إلا ببينة. سمي حميلا لأنه يحمل من بلاده صغيرا ولم يولد في الإسلام. وأما الحبة فكل نبت له حب فاسم الحب منه الحبة. وقال الفراء: الحبة: بزور البقل. وقال أبو عمرو: الحبة نبت ينبت في الحشيش صغار وقال الكسائي: الحبة حب الرياحين، وواحدة الحب: حبة. قال: وأما الحنطة ونحوها فهو الحب لا غير.
[ 72 ]
قال أبو عبيد: وفي الحميل تفسير آخر هو أجود من هذا، يقال: إنما سمى الحميل الذي قال عمر حميلا لأنه محمول النسب، وهو أن يقول الرجل: هذا أخي أو أبي أو ابني، فلا يصدق عليه إلا ببينة لأنه يريد بذلك أن يدفع ميراث مولاه الذي أعتقه، ولهذا قيل للدعي: حميل قال الكميت يعاتب قضاعة في تحولهم إلى اليمن: [ الوافر ] علام نزلتم من غير فقر ولا ضراء منزلة الحميل ضبر قال أبو عبيد: والذي دار عليه المعنى من الحبة أنه كل شئ يصير من الحب في الأرض فينبت مما يبذر. قال أبو عبيد: وفي حديث آخر: يخرجون من النار ضبائر ضبائر فيلقون على نهر يقال له نهر الحياة. وقوله: ضبائر، يعني جماعات، وهكذا روى في الحديث وهو في الكلام أضابير أضابير. قال الكسائي والأحمر: يقال: هذه إضبارة، فليس جمعها / إلا أضابير، وكذلك إضمامة وجمعها أضاميم. وفي حديث آخر: ينبتون كما تنبت الثعارير.
[ 73 ]
يقال: إن الثعارير هي هذه التي يقال لها الطراثيث. وفي حديث آخر: يخرجون من النار بعدما امتحشوا وصاروا فحما. قوله: امتحشوا احترقوا، وقد محشتهم النار مثله. عدد وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أوان قطعت أبهري. قال الأصمعي: هو من العداد وهو الشئ الذي يأتيك لوقت. وقال أبو زيد مثل ذلك أو نحوه، بهر لدم قال أبو عبيد: وأصله من العدد لوقت معلوم مثل الحمى الربع والغب، وكذلك السم الذي يقتل لوقت. وكل شئ معلوم فإنه يعاد صاحبه لأيام، وأصله العدد حتى يأتي وقته الذي يقتل فيه ومنه قول الشاعر: [ الوافر ] يلاقى من تذكر آل ليلى كما يلقى السليم من العداد
[ 74 ]
يعني بالسليم اللديغ. قال الأصمعي: إنما سمى اللديغ سليما لأنهم تطيروا من اللديغ فقلبوا المعنى كما قالوا للحبشي: أبو البيضاء، وكما قالوا للفلاة: مفازة، تطيروا إلى الفوز وهي مهلكة ومهلكة وذلك لأنهم تطيروا إليه. والأبهر: عرق مستبطن الصلب والقلب متصل به فإذا انقطع لم تكن معه حياة، وأنشد الأصمعي [ لابن مقبل ]: [ البسيط ] و للفؤاد وجيب تحت أبهره لدم الغلام وراء الغيب بالحجر شبه وجيب قلبه بصوت حجر، واللدم: الصوت. وقال بعضهم إنما سمى التدام النسأ من هذا. ويقال الأبهر: الوتين، وهو في الفخذ: النسأ، وفي الساق: الصافن، وفي الحلق: الوريد، وفي الذراع: الأعجل، وفي العين: الناظر، وهو نهر الجسد. أنى وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام للذي تخطى رقاب
[ 75 ]
الناس يوم الجمعة: رأيتك آذيت وآنيت، لما دخل رجل يوم الناس يوم الجمعة: ورسول الله عليه واله وسلم يخطب، فجعل يتخطى رقاب الناس حتى صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ من صلاته قال له: ما جمعت يا فلان ! فقال له: يا رسول الله ! أما رأيتني جمعت معك: رأيتك آذيت وآنيت. قال الأصمعي: قوله: آنيت، أي أخرت المجئ وأبطأت، قال: ومنه قول الحطيئة: [ الوافر ] وآنيت العشاء إلى سهيل أو الشعرى فطال بي الأناء ومنه قيل للمتمكث في الأمور: متأن.
[ 76 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى أن يقال بالرفاء والبنين. قال الأصمعي: الرفاء يكون في معنيين، يكون من الاتفاق وحسن الاجتماع، قال: ومنه أخذ رفؤ الثوب لأنه يرفأ ويضم بعضه إلى بعض ويلأم بينهما، ويكون الرفاء من الهدو والسكون وأنشدني لأبي خراش الهذلي: [ الطويل ] رفوني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم رفوني، يقول: سكنوني. وقال أبو زيد: الرفاء الموافقة وهي المرافاة بغير همز وأنشد: [ الوافر ]
[ 77 ]
ولما أن رأيت أبا رويم / يرافيني ويكره أن يلاما وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كان إذا مر بهدف مائل أو صدف هائل أسرع المشي. قال الأصمعى: الهدف كل شئ عظيم مرتفع، وقال غيره: وبه شبه الرجل العظيم فقيل له: هدف، وأنشد: [ الطويل ] إذا الهدف المعزال صوب رأسه وأعجبه ضفو من الشلة الخطل الشلة: جماعة الغنم، والضفو من الضافي وهو الكثير، والخطل:
[ 78 ]
المسترخية الآذان، وبها سمي الأخطل. وقال غير الأصمعي: الصدف نحو من الهدف، قال الله تعالى " حتى إذا ساوى بين الصدفين " يعني الجبلين. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن لحوم الجلالة. قال الأصمعي: هي التي تأكل الجلة العذرة من الإبل، قال: وهي الجلة، وأصل الجلة: البعر، وكني بها عن العذرة، يقال منه: خرج الإماء يجتللن، إذا خرجن يلتقطن البعر. قال عمر بن لجأ: [ الرجز ] يحسب مجتل الإماء الخرم
[ 79 ]
وقال الفرزدق يذكر امرأة: [ الكامل ] سرب مدامعها تنوح على ابنها بالرمل قاعدة على جلال وقال [ أبو عبيد ] في حديثه عليه السلام في الغايط: اتقوا الملاعن وأعدوا النبل. قال الأصمعي: أراها بضم النون وبفتح الباء، قال ويقال: نبلني أحجارا للاستنجاء أي أعطنيها، ونبلني عرقا أي أعطنيه، لم يعرف منه الأصمعي غير هذا، قال محمد بن الحسن يقول: النبل (النبل) حجارة الاستنجاء. قال أبو عبيد: والمحدثون يقولون: هي النبل بالفتح، ونراها سميت نبلا لصغرها، وهذا من الأضداد في كلام العرب أن يقال للعظام نبل وللصغار نبل (نبل)، وقيل: إن رجلا من العرب توفي فورثه أخوه إبلا فعيره رجل بأنه قد فرح بموت أخيه لما ورثه
[ 80 ]
فقال الرجل: [ المنسرح ] إن كنت أزننتني بها كذبا جزء فلاقيت مثلها عجلا أفرح أن أرزأ الكرام وأن أورث ذودا شصائصا نبلا
[ 81 ]
والشصائص: التي لا ألبان لها، والنبل في هذا الموضع الصغار الأجسام، فنرى أنها سميت حجارة الاستنجاء نبلا (نبلا) لصغرها، وأما الملاعن التغوط بالطريق لأنه يقال: من فعل هذا لعنه الله. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: عائد المريض على مخارف الجنة حتى يرجع. قال الأصمعي: واحد المخارف مخرف وهو جنى النخل، وإنما سمي مخرفا لأنه يخترف منه أي يجتنى. ومنه حديث أبي طلحة حين نزلت " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " قال: إن لي مخرفا وقد جعلته صدقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعله في فقراء قومك. قال أبو عمرو في مخارف النخل مثله أو نحوه، قال ويقال منه: أخرف لنا أي أجن لنا. قال الأصمعي: وأما قول عمر " تركتكم على مثل مخرفة النعم "،
[ 82 ]
فليس من هذا، إنما أراد بالمخرفة الطريق الواسع البين قال أبو كبير الهذلي: [ الكامل ] فأجزته بأفل تحسب أثره نهجا أبان بذي فريغ مخرف / الأفل: السيف به فلول، وأثره الوشي الذي فيه، ونهج ونهج واحد والنهج أجود، يقول: جزت الطريق ومعي السيف، والفريغ: الواسع. واسم الزنبيل الذي يجتنى فيه النخل مخرف بالكسر، وأما المخرف بضم الميم فالذي قد دخل في الخريف، ولهذا قيل للظبية: مخرف،
[ 83 ]
لأنها ولدت في الخريف. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه سار ليلة حتى ابهار الليل ثم سار حتى تهور الليل. قال الأصمعي: قوله " ابهار الليل " يعني انتصف الليل، وهو مأخوذ من بهرة الشئ أي وسطه. وقوله: ثم سار حتى تهور الليل يعني أدبر وانهدم، كما يتهور البناء وغيره ويسقط، وقال: ومنه قول الله تعالى " [ على ] شفا جرف هار فانهار به ". وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه قال للشفاء وهي امرأة: علمي حفصة رقية النملة.
[ 84 ]
قال الأصمعي: هي قروح تخرج في الجنب وغيره، وقال: وإنما النملة فهي النميمة، يقال: رجل نمل إذا كان نماما، قال الراعي: [ البسيط ] لسنا بأخوال الاف يزيلهم قول العدو ولا ذو النملة المحل ضبط وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه سئل عن الأضبط. قال الأصمعي: هو الذي يعمل بيديه جميعا، يعمل بيساره كما يعمل بيمينه، قال أبو عمرو مثله. وقال أبو عبيد: يقال من ذلك للمرأة: ضبطاء، وكذلك كل عامل بيديه جميعا قال معن بن أوس يصف الناقة: [ الطويل ] عذافرة ضبطاء تخدي كأنها فنيق غدا يحوي السوام السوارحا قال: وهو الذي يقال له: أعسر يسر. والمحدثون يقولون: أعسر أيسر، ويروى: أن عمر رضي الله عنه كان كذلك أعسر يسر، والصواب: أعسر أيسر. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه قيل لما نهى عن
[ 85 ]
ضرب النساء: ذئر النساء على أزواجهن. قال الأصمعي: يعني نفرن ونشزن واجترأن يقال: امرأة ذائر ممدود على مثال فاعل مثل الرجل، قال عبيد بن الأبرص: [ الكامل ] ولقد أتانا عن تميم أنهم ذئروا لقتلى عامر وتغضبوا يعني نفروا من ذلك وأنكروه، ويقال: أنفوا. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره. قال أبو عبيد: في الحديث اختلاف [ و ] بعضهم لا يرفعه. قال الأصمعي: قوله [ ذهب ] حبره وسبره هو الجمال والبهاء، يقال: فلان حسن الحبر والسبر، قال ابن أحمر وذكر زمانا قد مضى:
[ 86 ]
[ الوافر ] لبسنا حبره حتى اقتضينا لأعمال وآجال قضينا ويروى: حتى اقتصينا يعني لبسنا جماله وهيئته. وقال غيره: حسن الحبر والسبر بالفتح جميعا. قال أبو عبيد: وهو عندي بالحبر أشبه لأنه مصدر من حبرته حبرا أي حسنته. / قال الأصمعي: وكان يقال لطفيل الغنوي في الجاهلية: المحبر لأنه كان يحسن الشعر، وقال: وهو مأخوذ عندي من التحبير، وحسن الخط والمنطق. قال: والحبار أثر الشئ. وأنشد في الحبار: [ الرجز ] لا تملأ الدلو وعرق فيها ألا ترى حبار من يسقيها قوله: عرق فيها [ أي ] اجعل فيها ماء قليلا، ومنه قيل: طلاء معرق، ويقال: اعترق وعرق. واما الحبر من قول الله تعالى
[ 87 ]
" [ من ] الأحبار والرهبان " فإن الفقهاء يختلفون فيه " [ من ] الأحبار والرهبان " فإن الفقهاء يختلفون فيه فبعضهم يقول: حبر وبعضهم يقولك حبر. [ و ] قال الفراء: إنما هو حبر، يقال للعالم ذلك. [ قال ] وإنما قيل: كعب الحبر لمكان هذا الحبر الذي يكتب به، وذلك أنه كان صاحب كتب. قال الأصمعي: ما أدري هو الحبر أو الحبر للرجل العالم. عبقر وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين قال لعمر رحمه الله: فلم أر عبقريا يفري فريه. قال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن العبقري فقال يقال: هذا عبقري قوم، كقولك: هذا سيد قوم وكبيرهم وقويهم
[ 88 ]
ونحو هذا. ونحو هذا. فرى عبقر قال أبو عبيد: إنما أصله فيما يقال: إنه نسب إلى عبقر، وهي أرض يسكنها الجن فصار مثلا لكل منسوب إلى شئ رفيع قال زهير [ بن أبي سلمى ]: [ الطويل ] بخيل عليها جنة عبقرية جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا وقوله: يفري فريه، كقولك: يعمل عمله ويقول قوله، ونحو هذا وأنشد الأحمر: [ الرجز ] قد أطعمتني دقلا حوليا مسوسا مدودا حجريا قد كنت تفرين به الفريا أي كنت تكثرين فيه القول وتعظمينه. ومنه قول الله عز وجل " لقد جئت شيئا فريا " أي شيئا عظيما. ويقال في عبقر: إنها أرض يعمل فيها البرود ولذلك نسب
[ 89 ]
الوشي إليها قال ذو الرمة يذكر ألوان الرياض: [ البسيط ] حتى كأن رياض القف ألبسها من وشى عبقر تجليل وتنجيد ومن هذا قيل للبسط: عبقرية، إنها نسبت إلى تلك البلاد. ومنه حديث عمر أنه كان يسجد على عبقري [ قيل له: على بساط قال: نعم ]. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم ويروى: يقتل خبطا بالخاء معجمة. قال الأصمعي في الحبط: هو أن تأكل الدابة فتكثر حتى ينتفخ لذلك بطنها وتمرض عنه، يقال منه: حبطت تحبط حبطا.
[ 90 ]
[ و ] قال أبو عبيدة مثل ذلك أو نحوه. [ و ] قال: إنما سمى الحارث بن مازن بن [ مالك بن ] عمرو بن تميم الحبط لأنه كان في سفر فأصابه مثل هذا، وهو أبو هؤلاء الذين يسمون الحبطات من بني تميم فينسب إليه فلان الحبطي. قال: إذا نسبوا إلى الحبط حبطي وإلى سلمة سلمي وإلى شقرة شقري، وذلك أنهم كرهوا كثرة الكسرات ففتحوا. وأما الذي رواه يزيد: [ يقتل ] خبطا بالخاء، فليس بمحفوظ، إنما ذهب إلى التخبط وليس له وجه. قال أبو عبيد: وأما قوله: أو يلم، فإنه يعني يقرب من ذلك. ومنه الحديث الآخر في ذكر أهل الجنة قال: فلولا أنه شئ قضاه الله لألم أن يذهب بصره. يعني لما يرى فيها، يقول: لقرب أن يذهب بصره.
[ 91 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في الحساء: إنه يرتو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم. قال الأصمعي: يعني بقوله: يرتوا فؤاد الحزين، يشده ويقويه. سرو قال أبو عبيد: ومنه قول لبيد يذكر كتيبة أو درعا: [ الرمل ] فخمة ذفراء ترتى بالعرى قردمانيا وتركا كالبصل قوله: ترتى بالعرى، يعني الدروع أن لها عرى في أوساطها / فيضم
[ 92 ]
ذيلها إلى تلك العرى وتشد لتنشمر عن لابسها، فذلك الشد هو الرتو، وهو معنى قول زهير: [ الكامل ] ومفاضة كالنهي تنسجه (تنسجه) الصبا بيضاء كفت فضلها بمهند المفاضة: الدرع الواسعة، والنهي: الغدير، يعني أنه علق الدرع بمعلاق في السيف. وقوله: يسرو، يكشف عن فؤاده، ولهذا قيل: سريت الثوب عن الرجل، إذا كشفته عنه وسروت قال ابن هرمة: [ الطويل ] سرى ثوبه عنك الصبا المتخايل ويقال: سرى وسرى.
[ 93 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: تجئ البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان. قال الأصمعي: الغياية كل شئ أظل الإنسان فوق رأسه مثل السحابة والغبرة والظل ونحوه. [ و ] يقال: غايا القوم رأس فلان بالسيف، كأنهم أظلوه به. [ و ] قال الكسائي وأبو عمرو في الغياية مثله، ولم يذكرا قوله: غايا بالسيف. قال لبيد: [ الرمل ] فتدليت عليه قافلا وعلى الأرض غيايات الطفل زعب رعب وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين قال لعمرو ابن العاص: وأزعب لك زعبة من المال، قال عمرو بن العاص: أرسل إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن أجمع عليك سلاحك وثيابك ثم ائتني، قال: فأتيته وهو يتوضأ، فقال: يا عمرو ! إني أرسلت إليك لأبعثك في وجه يسلمك الله ويغنمك وأزعب لك زعبة من المال، قال فقلت: يا رسول الله ! ما كانت هجرتي للمال، وما كانت
[ 94 ]
إلا لله ولرسوله. قال فقال: نعما بكسر النون بالمال الصالح للرجل الصالح. قال الأصمعي: قوله: أزعب لك زعبة من المال، أي أعطيك دفعة من المال. قال: والزعب هو الدفع، يقال: جاءنا سيل يزعب زعبا، أي يتدافع. قال الأصمعي: ويقال: جاءنا سيل يرعب الوادي بالراء أي يملأه. وأما الذي في الحديث فبالزاي. قال أبو عبيد: وقول الأصمعي: يرعب الوادي، ليس من هذا. وقال ساعدة بن جؤية الهذلي: [ الكامل ] إني ورب منى وكل هدية مما تثج لها ترائب يرعب
[ 95 ]
يعني دماء الهدي حين تنحر فتنثج دماؤها تدفع بعضها بعضا. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن رجلا كان واقفا معه وهو محرم فوقصت به ناقته في أخاقيق جرذان فمات. عن ابن عباس أن رجلا كان واقفا مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصت دابته أو راحلته وهو محرم، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه وكفنوه ولا تخمروا وجهه ورأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا أو قال: ملبدا. ويروى: فوقصت به ناقته في أخاقيق جرذان. قال الأصمعي: إنما هي لخاقيق، واحدها: لخفوق، وهي شقوق في الأرض.
[ 96 ]
قال أبو عبيد: الوقص كسر العنق، ومنه قيل للرجل: أوقص، إذا كان مائل العنق قصيرها. ومن ذلك حديث علي رضي الله عنه: في القارصة والقامصة والواقصة بالدية أثلاثا. وتفسيره أن ثلاث جوار كن يلعبن فركبت إحداهن صاحبتها فقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة فوقصت عنقها، فجعل علي على القارصة ثلث الدية وعلى القامصة الثلث وأسقط الثلث، يقول: لأنه حصة الراكبة لأنها أعانت على نفسها. / ومنه قولهم: وقصت الشئ، أي كسرته، قال ابن مقبل [ يذكر الناقة ]: [ الكامل ] فبعثتها تقص المقاصر بعدما كربت حياة النار للمتنور
[ 97 ]
قوله: تقص، تكسر وتدق. وواحد المقاصر مقصرة، قال أبو زياد: قوله: قوله: تقص، تكسر وتدق. وواحد المقاصر مقصرة، قال أبو زياد: قوله: مقصرة، من قصر العشى. وقال أبو عبيد: هو عندي من اختلاط الظلام. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: ليس منا من صلق أو حلق. قال الأصمعي: الصلق بالصاد: هو الصوت الشديد، وقال غيره: بالسين. ومنه قوله [ تبارك وتعالى ] " سلقوكم بألسنة حداد ". قال الأعشى يمدح قوما: [ الخفيف ] فيهم الخصب والسماحة والنجدة فيهم والخاطب السلاق ويروى: المسلاق، ويقال للخطيب: سلاق ومسلاق، وهو من شدة الكلام وكثرته.
[ 98 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: لا ثنى في الصدقة. قال الأصمعي: هو مقصور بكسر الثاء يعني لا تؤخذ في السنة مرتين وقال الكسائي في الثنى مثله. قال أبو عبيد: وقال في ذلك كعب بن زهير أو معن بن أوس يذكر امرأته وكانت لامته في بكر نحره، فقال: [ الطويل ] أفي جنب بكر قطعتني ملامة لعمري لقد كانت ملامتها ثنى يقول: ليس هذا بأول لومها قد فعلته قبل هذا، وهذا ثنى بعده. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام إنه قال:
[ 99 ]
إنما هو جبريل وميكائيل كقولك: عبد الله وعبد الرحمن. قال الأصمعي: معنى إيل معني الربوية فاضيف جبر وميكا إليه، قال أبو عمرو: وجبر هو الرجل، إلل قال أبو عبيد: فكأن معناه عبد إيل ورجل إيل، مضاف إليه. فهذا تأويل قوله: عبد الله وعبد الرحمن. عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأها: جبر إل، ويقال: جبر هو عبد وإل هو الله. وعن مجاهد في قوله " لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ".
[ 100 ]
قال: الإل الله، وعن الشعبي قال: الإل إما الله وإما كذا وكذا، أظنه قال: العهد. قال أبو عبيد: ويروى عن ابن إسحاق أن وفد بني حنيفة لما قدموا على أبي بكر بعد قتل مسيلمة ذكر لهم أبو بكر قراءة مسيلمة فقال: [ إن ] هذا الكلام لم يخرج من إل. قال أبو عبيد: كأنه يعني الربوبية. قال: والإل في غير هذين الموضعين القرابة، وأنشد لحسان بن ثابت الأنصاري: [ الوافر ] لعمرك إن إلك من قريش كإل السقب من رأل النعام [ قال أبو عبيد ]: فالإل ثلاثة أشياء: الله تعالى، والقرابة، والعهد. وقال: [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام إنه نهى أن يضحى بشرقاء أو خرقاء مقابلة أو مدابرة أو جدعاء.
[ 101 ]
قال الأصمعي: الشرقاء في الغنم المشقوقة الأذن باثنين. والخرقاء التي تكون في الأذن ثقب مستدير. والمقابلة أن يقطع من مقدم أذنها شئ ثم يترك معلقا لا يبين كأنه زنمة. ويقال لمثل ذلك من الإبل: المزنم. قال: ويسمى ذلك المعلق الرعل. قال: والمدابرة أن يفعل ذلك بمؤخر الأذن من الشاة. وقال غير الأصمعي: وكذلك إن بان ذلك من الأذن أيضا فهي مقابلة ومدابرة بعد أن يكون قد قطع. والجدعاء: المجدوعة الأذن. جمر وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام: إذا توضأت فانثر وإذا استجمرت فأوتر.
[ 102 ]
/ قال الأصمعي: فسر مالك قوله: إذا استجمرت أنه الاستنجاء. قال: ولم أسمعه من غيره. نثر قال أبو عبيد قال محمد بن الحسن: هو الاستنجاء وقال أبو زيد: هو الاستنجاء بالأحجار. وقال الكسائي وأبو عمرو: هو الاستنجاء أيضا. قال أبو عبيد قوله: فانثر يعني ما يسقط من المنخرين عند الاستنشاق، وإنما وجهه أنه أمره أن يستنشق في وضوءه. قتن وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في المرأة: إنها وضيئة قتين. قال الأصمعي: القتين القليلة الطعم. يقال منه: امرأة قتين
[ 103 ]
بينة القتن. [ و ] قال أبو زيد: وكذلك الرجل وقد قتن قتانة. و [ قال أبو عبيد ] قال الشماخ يذكر ناقة: [ الوافر ] وقد عرقت مغابنها وجادت بدرتها قرى جحن قتين يعني أنها عرقت فصار عرقها قرى للقراد، والجحن: السئ الغذاء، والقتين: القليل الطعم. وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام حين بال عليه الحسن رضي الله عنه فأخذ من حجره، فقال: لا تزرموا ابني،
[ 104 ]
ثم دعا بماء فصبه عليه. قال الأصمعي: الإزرام القطع. يقال للرجل إذا قطع بوله: قد أزرمت بولك، وأزرمه غيره: قطعه، وزرم البول نفسه إذا انقطع. ثمد جمد قال أبو عبيد: قال عدي بن زيد أو سواد بن زيد بن عدي بن زيد: [ الخفيف ] أو كماء المثمود بعد جمام زرم الدمع لا يؤوب نزورا والزرم: القليل المنقطع. والمثمود: الذي قد ثمده الناس أي قد ذهبوا به فلم يبق إلا القليل. والجمام: الكثير. قال أبو عبيد: السنة عندنا أن يغسل بول الجارية ويصب على بول الغلام الماء ما لم يطعم. ويروى [ ذلك ] من ثلاثة أوجه عن النبي عليه السلام، قال الكميت يمدح قوما: [ الخفيف ]
[ 105 ]
وإذا الواهبون كانوا ثمادا زرمات النوال كنتم بحورا وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه أتي بعرق من تمر. قال الأصمعي: أصل العرق السفيفة المنسوجة من الخوص قبل أن تجعل منها زبيلا، فسمي الزبيل عرقا لذلك ويقال له: العرقة أيضا وكذلك كل شئ مصطف مثل الطير إذا اصطفت في السماء فهي عرقة. قال غير الأصمعي: وكذلك كل شئ مضفور فهو العرق. قال وقال أبو كبير الهذلي: [ الكامل ]
[ 106 ]
نغدو فنترك في المزاحف من ثوى ونمر في العرقات من لم يقتل يعني نأسرهم فنشدهم في العرقات، وهي النسوع. فهق ثرر وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون والمتشدقون. قال الأصمعي: أصل الفهق الامتلاء، فمعنى المتفيهق الذي يتوسع في كلامه ويفهق به فمه. ونحو ذلك يقال: الفهق والفهق، قال الأعشى: [ الطويل ] تروح على آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق يعني الامتلاء.
[ 107 ]
/ [ و ] قال غيره: الثرثار المكثار في الكلام وقال الفراء مثل قول الأصمعي أو نحوه. قال أبو عبيد: [ و ] قد جاء تفسير الحديث فيه قالوا: يا رسول الله ! وما المتفيهقون قال: المتكبرون، وقال أبو عبيد: وهذا يؤول إلى المعنى الذي فسره الأصمعي وغيره، لأن ذلك من المتكبر. والثرثار: المهذار بالكلام وغيره قال أبو النجم يصف الضرب والطعن بكثرة الدم: [ الرجز ] ضربا هذا ذيه وطعنا ذعلبا انجل ثرثارا مثعا مثعبا خشب وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في مكة: لا تزول
[ 108 ]
حتى يزول أخشباها. قال الأصمعي: الأخشب الجبل. قال: وأراه يعني الغليظ. وأنشد الأصمعي: [ الرجز ] تحسب فوق الشول منها أخشبا يعني البعير، شبه ارتفاعه فوق النوق بالجبل. سرر وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه دخل على عائشة تبرق أسارير وجهه. قال أبو عمرو: هي الخطوط [ التي ] في الجبهة مثل التكسر فيها، واحدها سرر وسر وجمعه أسرار وأسرة. قال [ أبو عبيد ]: وكذلك الخطوط في كل شئ، قال عنترة: [ الكامل ] بزجاجة صفراء ذات أسرة قرنت بأزهر في الشمال مفدم
[ 109 ]
ثم أسارير جمع الجمع. قال الأصمعي في الخطوط التي في الكف هي مثلها، ومنه قول الأعشى: [ السريع ] فانظر إلى كف وأسرارها هل أنت إن أوعدتني ضائري يعني خطوط باطن الكف. فدم قال أبو عبيد: قوله: فانظر إلى كف يقول: انظر في كفك هل تقدر على أن تضرني بمنزلة العراف الذي ينظر في الكف يهزأ به، وجمع الأسرار أسارير. والذي يراد من الحديث أنه قوى أمر القافة لقوله: إن هذه الأقدام بعضها من بعض. وقول عنترة: بزجاجة يعني أنها سرت في زجاجة صفراء ذات أسرة فيها خطوط ونقوش وقوله: قرنت بأزهر يعني الإبريق في شمال الساقي والمفدم: الذي قد فدم بخرقة وكذلك كل مشدود الفم، ومنه الحديث الآخر: إنكم مدعوون يوم القيامة مفدمة أفواهكم بالفدام يعني أنهم منعوا من الكلام. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام عن
[ 110 ]
زينب ابنة نبيط عن أمها قالت: كنت أنا وأختاي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فكان يحلينا، قال ابن جعفر: رعاثا من ذهب ولؤلؤ [ و ] قال صفوان: يحلينا التبر واللؤلؤ. قال أبو عمرو: واحد الرعاث رعثة ورعثة، وهو القرط، [ قال ] والرعث أيضا في غير هذا: العهن من الصوف، وأنشد للكميت يصف النعامة: [ الوافر ] كأن القيظ رعثها بودع مع التوشيح أو قطع الوذيل والواحدة: رعثة ورعثة، عن أبي عمرو ويقال للمرأة إذا علقته عليها: قد ارتعثت، قال النابغة الدبياني: [ الطويل ]
[ 111 ]
إذا ارتعثت خاف الجبان رعاثها ومن يتعلق حيث علق يفرق يصف طول إذا عنقها. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في التحيات لله. قال عبد الله: كنا إذا صيلنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على الله، السلام على فلان [ السلام على فلان ] / فقال لنا: قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى آخر التشهد، فإنكم إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماوات والأرض. قال أبو عمرو: والتحية الملك قال عمرو بن معديكرب: [ الوافر ] أسيرها إلى النعمان حتى أنيخ على تحيته بجندي
[ 112 ]
يعني [ على ] ملكه وأنشد لزهير بن جناب الكلبي: [ الكامل ] ولكلما نال الفتى قد نلته إلا التحية يعني الملك. [ قال أبو عبيد ]: والتحية في غير هذا الموضع السلام. شوه وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين رمى المشركين بالتراب وقال: شاهت الوجوه. قال أبو عمرو: يعني قبحت. يقال منه: شاه وجهه يشوه شوها
[ 113 ]
وشوهة فهو مشوه، ويقال [ منه ]: رجل أشوه وامرأة شوهاء وجمعه شوه ويقال: شوهه الله. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن رجلا كان في بصره سوء فمر ببئر عليها خصفة فوقع فيها، فضحك القوم في الصلاة فأمر بإعادة الوضوء والصلاة. قال أبو عمرو: والخصفة الجلة التي تعمل من الخوص للتمر، وجمعها خصاف. وقال أبو عبيد: وقال الأخطل يذكر قبيلة من القبائل: [ الطويل ] تبيع بنيها بالخصاف وبالتمر
[ 114 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين تكلم الرجل خلفه في الصلاة، قال الرجل: فبأبي هو وأمي ! ما كهرني ولا شتمني. قال معاوية بن الحكم: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس بعض القوم، فقلت: يرحمك الله ! فرماني القوم بأبصارهم وجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني قلت: واثكل أمياه ! مالكم تصمتونني، لكني سكت، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته فبأبي هو وأمي ! ما رأيت معلما قبله ولا بعده كان أحسن منه تعليما ما ضربني ولا شتمني ولا كهرني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كالذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو عمرو [ في ] قوله: [ ولا ] كهرني، الكهر
[ 115 ]
الانتهار يقال منه: كهرت الرجل فأنا أكهره كهرا. قال الكسائي في قراءة عبد الله [ بن مسعود ] " فأما اليتيم فلا تكهر ". قال أبو عبيد: والكهر في غير هذا ارتفاع النهار. [ قال أبو عبيد ]: ومنه قول عدي بن زيد العبادي: [ الرمل ] وإذا العانة في كهر الضحى معها أحقب ذو لحم زيم روح وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: من قتل نفسا معاهدة لم يرح (يرح) رائحة الجنة. ويروى: من قتل نفسا معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يجد ريحها.
[ 116 ]
قال أبو عمرو: وهو من رحت الشئ فأنا أريحه إذا وجدت ريحه. قال الكسائي: لم يرح رائحة الجنة. قال: هو من أرحت الشئ فأنا أريحه. قال الأصمعي: لا أدري من رحت هو أو من أرحت. قال أبو عبيد: وأنا أحسبها من غير هذا كله وأراه / لم يرح رائحة الجنة بالفتح، قال صخر الغي بن عبد الله: [ المتقارب ] وماء وردت على زورة كمشي السبنتى يراح الشفيفا ويروى: على رورة. [ قوله ]: زورة، من الازورار، والسبنتى: النمر، سمي بذلك لشدته والشفيف: الريح الباردة. وقوله: يراح يجد الريح، فهذا يبين لك أنه من رحت أراح، فيقال منه: لم يرح رائحة الجنة. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام مثل المؤمن
[ 117 ]
مثل الخامة من الزرع تميلها الريح مرة هكذا ومرة هكذا ومثل المنافق مثل الأرزة المجدية على الأرض حتى يكون انجعافها مرة. قال أبو عمرو: وهي الأرزة مفتوحة الراء، من الشجر الأرزن. والانجعاف: الانقلاع، ومنه قيل: جعفت الرجل إذا صرعته فضربت به الأرض. وقال أبو عبيدة: هي الآرزة مثل فاعلة، وهي الثابتة في الأرض. وقد أرزت تأرز اروزا. والمجذية: الثابتة في الأرض أيضا. جذى قال أبو عبيد: وفيها لغتان: جذت تجذو وأجذت تجذي. وقال في الانجعاف
[ 118 ]
مثل قول أبي عمرو أيضا. وقال أبو عبيد: الأرزة عندي غير ما قال أبو عمرو وأبو عبيدة، إنما هي الأرزة بتسكين الراء، وهو شجر معروف بالشام [ و ] قد رأيته يقال له الأرز، واحدتها أرزة، وهو الذي يسمى بالعراق الصنوبر، وإنما الصنوبر ثمر الأرز فسمى الشجر صنوبرا من أجل ثمره. والخامة: الغضة الرطبة قال الشاعر الطرماح: [ الخفيف ] إنما نحن مثل خامة زرع فمتى يأن يأت محتصده قال أبو عبيد: والمعنى فيما نرى أنه شبه المؤمن بالخامة التي تميلها الريح لأنه مرزأ في نفسه وأهله وماله وولده وأما الكافر فمثل الأرزة التي لا تميلها الريح، والكافر لا يرزأ شيئا حتى يموت فإن رزى لا يؤجر عليه فشبه موته بانجعاف تلك حتى يلقى الله بذنوبه جمة.
[ 119 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه قال للنساء: [ إنكن ] إذا جعتن دقعتن وإذا شبعتن خجلتن. قال أبو عمرو: الدقع الخضوع في طلب الحاجة والحرص عليها والخجل: الكسل والتواني عن طلب الرزق. [ و ] قال غيره: أخذ الدقع من الدقعاء وهو التراب يعني: إنكن تلصقن بالأرض من الخضوع. والخجل مأخوذ من الإنسان يبقى ساكنا لا يتحرك ولا يتكلم، ومنه قيل للإنسان قد خجل إذا بقي كذلك. [ قال أبو عبيد ] قال الكميت: [ المتقارب ] ولم يدقعوا عندما نابهم لوقع الحروب ولم يخجلوا يقول: لم يستكينوا عند الحروب ولم يخضعوا ولم يخجلوا أي لم يبقوا فيها باهتين كالإنسان المتحير الدهش، ولكنهم جدوا
[ 120 ]
فيها وتأهبوا. وقال غيره: لم يخجلوا لم يبطروا ويأشروا وذلك معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إذا شبعتن خجلتن أي أشرتن وبطرتن. قال أبو عبيد: فهذا أشبه الوجهين بالصواب. قال [ أبو عبيد ]: وأما حديث أبي هريرة أن رجلا مر بواد خجل مغن معشب، فليس من هذا ولكنه الكثير النبات الملتف. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كان يتخولهم بالموعظة مخافة السآمة عليهم. قال أبو عمرو: يتخولهم أي يتعهدهم بها والخائل المتعهد للشئ والحافظ له والقائم به. [ و ] قال الفراء: والخائل الراعي للشئ
[ 121 ]
/ والحافظ له، وقد خال يخول خولا. وقال أبو عبيد: وأهل الشام يسمون القائم بأمر الغنم والمتعهد لها: الخولى، ولم يعرفها الأصمعي وقال: أظنها بالنون يتخونهم، قال: وهو التعهد أيضاح قال: ومنه قول ذي الرمة: [ البسيط ] لا ينعش الطرف إلا ما تخونه داع يناديه باسم الماء مبغوم قوله: تخونه يعنى تعهده. قال أبو عبيد: وأخبرني يحيى بن سعيد عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: إنما هو يتحولهم بالموعظة أي ينظر حالاتهم التي ينشطون فيها للموعظة والذكر فيعظهم فيها ولا يكثر عليهم فيملوا. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام إنه كان إذا مشى كأنه يمشي في صبب.
[ 122 ]
قال أبو عمرو: الصبب ما انحدر من الأرض، وجمعه أصباب قال رؤبة: [ الرجز ] بل بلد ذي صعد وأصباب بل في معنى رب. قال [ أبو عبيد [: في حديثه عليه السلام: يجئ كنز أحدهم يوم القيامة شجاعا أقرع. قال أبو عمرو: هو ههنا الذي لا شعر على رأسه. [ و ] قال غير أبي عمرو: الشجاع الحية، وإنما سمي [ شجاعا ] أقرع لأنه يقري السم ويجمعه في رأسه حتى يتمعط منه شعره، قال الشاعر يصف حية ذكرا: [ الطويل ]
[ 123 ]
قرى السم حتى انماز فروة رأسه عن العظم صل فاتك اللسع مارده وفي حديث آخر: شجاع أقرع له زبيبتان. وهما النكتتان السوداوان فوق عينيه وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه، ويقال في الزبيبتين: إنهما الزبدتان اللتان تكونان في الشدقين إذا غضب الإنسان أو أكثر الكلام حتى يزبد. قال أبو عبيد: حدثني شيخ من أهل العلم عن أم غيلان بنت جرير ابن الخطفي أنها قالت: ربما أنشدت أبي حتى يزبب شدقاي قال الراجز: [ الرجز ] إني إذا ما زبب الأشداق وكثر الضجاج واللقلاق ثبت الجنان مرجم وداق
[ 124 ]
قال أبو عمرو: واللقلاق الصوت، وداق: دان. قال أبو عبيد:: وهذا التفسير عندنا أجود من الأول. وأما قولهم: ألف أقرع فهو التام. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام إنه أمر بصدقة أن توضع في الأوفاض. قال أبو عمرو: الأوفاض [ هم ] الفرق من الناس والأخلاط. وقال الفراء: هم الذين مع كل رجل منهم وفضة، وهي مثل الكنانة يلقى فيها طعامه. قال أبو عبيد: [ و ] بلغني عن شريك وهو الذي روى هذا الحديث أنه قال: هم أهل الصفة. قال أبو عبيد: وهذا كله عندنا واحد لأن أهل الصفة إنما كانوا
[ 125 ]
أخلاطا من الناس من قبائل شتى، وقد يمكن أن يكون مع كل واحد منهم وفضة كما قال الفراء. وقال بعضهم: الأوقاص، وهو عندنا خطأ في هذا الموضع إلا في الفرائض. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين ذكر الشهداء فقال: ومنهم أن تموت المرأة بجمع. قال أبو زيد: يعني أن تموت وفي بطنها ولد. وقال الكسائي مثل ذلك، قال: ويقال أيضا: بجمع، لم يقله إلا الكسائي. وقال غيرهما: وقد تكون / التي تموت بجمع أن تموت ولم يمسسها رجل لحديث آخر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا: أيما امرأة
[ 126 ]
ماتت بجمع لم تطمث دخلت الجنة. قال أبو عبيد: قوله: لم تطمث لم يمسس وهكذا هو في التفسير في قوله " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان قال الشاعر يذكر ماء ورده: [ الطويل ] وردناه في مجرى سهيل يمانيا بصعر البرى من بين جمع وخادج فالجمع الناقة التي في بطنها ولد والخادج: التي ألقت ولدها. لعثم كبا وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: ما أحد من الناس عرضت عليه الإسلام إلا كانت عنده كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم. قال أبو زيد: يقول: لم ينتظر ولم يتمكث، يقال: تلعثم الرجل
[ 127 ]
إذا تمكث في الأمر وتأنى وتردد فيه. [ و ] قوله: كبوة، عن غير أبي زيد هي مثل الوقفة تكون عند الشئ يكرهه الإنسان أن يدعى إليه أو يراد منه. ويقال: قد كبا الزند فهو يكبو إذا لم يخرج شيئا، والكبوة في غير هذا السقوط للوجه قال أبو ذؤيب يصف ثورا رمي فسقط: [ الكامل ] فكبا كما يكبو فنيق تارز بالخبت إلا أنه هو أبرع ويروى: أضلع.
[ 128 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه خطب الناس يوم النحر وهو على ناقة مخضرمة. قال أبو عبيد: المخضرمة التي قد قطع طرف أذنها ومنه يقال للمرأة المخفوضة: مخضرمة. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كان يلطح أفخاذنا أغيلمة بني عبد المطلب ليلة المزدلفة ويقول: أبيني ! لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس.
[ 129 ]
قال أبو عبيدة: واللطح: الضرب، يقال منه: لطحت الرجل بالأرض وقال غير أبي عبيدة: هو الضرب وليس بالشديد ببطن الكف ونحوه. قال أبو عبيد: وقوله: أبيني، تصغير بني، يريد يا بني قال الشاعر: [ السريع ] إن يك لا ساء فقد ساءني ترك أبينيك إلى غير راع
[ 130 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في السقط يظل محبنطيا على باب الجنة. فيقال له: ادخل، فيقول: حتى يدخل أبواي. قال أبو عبيدة: المحبنطي بغير همز: هو المتغضب المستبطئ [ للشئ ] والمحبنطئ بالهمزة: هو العظيم البطن المنتفخ. قال: ومنه قيل للعظيم البطن: الحبنطأ. سقط قال أبو عبيد: وسألت عنه الأصمعي فلم يقل فيه شيئا. وقال [ الأصمعي ]: السقط والسقط لغتان. وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مالي من ولدي قال: من قدمت منهم، قال: فمن خلفت منهم بعدي، قال: لك منهم ما لمضر من ولده. وقال قال حميد: لأن أقدم سقطا أحب إلي من أن أخلف بعدي، قال أبو عبيد: لا أدري كيف قال حميد: مائة مستلئم كلهم قد حمل السلاح. وعن أبي عبيدة سقط وسقط وسقط ولا أحد يقول
[ 131 ]
بالفتح غيره، وكذلك في اللوى والرمل وكذلك سقط النار. وزعم الكسائي أن احبنطيت واحبنطأت لغتان. عذر وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام / لا يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم. قال أبو عبيدة: يقول: حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، وفيه لغتان: يقال: أعذر الرجل إعذارا إذا صار ذا عيب وفساد، وكان بعضهم يقول: عذر يعذر بمعناه، ولم يعرفه الأصمعي. قال أبو عبيد: ولا أدري هذا أخذ إلا من العذر، بمعنى أن يعذروا من أنفسهم فيستوجبوا العقوبة فيكون لمن يعذبهم العذر في ذلك وهو كالحديث الآخر: لن يهلك على الله إلا هالك، ومنه قول الأخطل: [ الطويل ]
[ 132 ]
فإن تك حرب ابني نزار تواضعت فقد عذرتنا في كلاب وفي كعب ويروى: أعذرتنا أي جعلت لنا عذرا فيما صنعناه ومنه قول الناس: من يعذرني من فلان. قال أبو عبيد: ومنه قوله: [ الهزج ] عذير الحي من عدوا ن كانوا حية الأرض ومنه: [ الوافر ] عذيرك من خليلك من مراد
[ 133 ]
قال أبو عبيد: ويقال في غير هذا الكلام لمعنى أعذرت في طلب الحاجة إذا بالغت فيها، وعذرت إذا لم تبالغ. وعذرت الغلام وأعذرته لغتان ومعناهما الختان. وعذرته إذا كانت به العذرة وهي وجع في الحلق فغمزته. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه قام من الليل يصلي فحل شناق القربة. قال أبو عبيدة: شناق القربة [ هو ] الخيط والسير الذي تعلق به القربة على الوتد يقال منه: أشنقتها إشناقا إذا علقتها. وقال غيره: الشناق خيط يشد به فم القربة. قال أبو عبيد: هذا أشبه القولين. ويقال أيضا: أشنقت الناقة، وذلك إذا مدها راكبها
[ 134 ]
بزمامها إليه كما يكبح الفرس. وقال أبو زيد: شنقت الناقة - بغير ألف - أشنقها شنقا. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كان يقول: اتقوا النار ولو بشق تمرة، ثم أعرض وأشاح. [ قال أبو عبيدة ]: قوله: وأشاح يعني حذر من الشئ وعدل عنه، وأنشدنا: [ الرجز ] شايحن منه أيما شياح قال: ويقال في غير هذا: قد أشاح إذا جد في قتال أو غيره. قال أبو عبيد: قال أبو النجم في الجد يذكر العير والأتن: [ الرجز ] قبا أطاعت راعيا مشيحا لا منفشا رعيا ولا مريحا يقول: إنه جاد في طلبها وطردها، والمنفش: الذي يدعها ترعى [ ليلا ] بغير راع. يقول: فليس هذا الحمار كذلك ولكنه
[ 135 ]
حافظ لها، قال عبيد بن الأبرص: [ المنسرح ] قطعته غدوة مشيحا وصاحبي بازل خبوب مشيحا يعني جادا. وأنشد أبو عبيدة لأبي ذؤيب: [ الطويل ] بدرت إلى أولاهم فوزعتهم وشايحت قبل اليوم إنك شيح يعني الجد في القتال، قال أبو عبيد: وقد يكون معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين أعرض وأشاح أنه الحذر كأنه ينظر إلى النار حين ذكرها فأعرض لذلك ويكون أنه أراد الجد في كلامه، والأول أشبه بالمعنى. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه أتاه عمر
[ 136 ]
وعنده قبص من الناس. قال أبو عبيدة: هم العدد الكثير. قال أبو عبيد / قال الكميت في القبص: [ الطويل ] لكم مسجدا الله المزوران والحصى لكم قبصه من بين أثرى وأقترا يقال: فعل ذلك فلان من بين أثرى وأقل أي من بين كل مثر ومقل، كأنه يقول من بين الناس. قال أبو عبيد: والقبصة في غير هذا بأطراف الأصابع دون القبضة، والقبضة بالكف كلها. غين قال أبو عبيد: وكان الحسن يقرؤها: " فقبصت قبصة من أثر الرسول " بالصاد. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه ليغان على
[ 137 ]
قلبي حتى أستغفر الله كذا وكذا مرة قد سماه في الحديث. قال أبو عبيدة: يعني أنه يتغشى القلب ما يلبسه. وقال غير أبي عبيدة: كأنه يعني من السهو، يقال: سهو وسهو إذا ضم السين شدد، وإذا فتح خفف. وكذلك كل شئ يغشاه حتى يلبسه فقد غين عليه. قال الأصمعي: يقال: غينت السماء غينا، قال: وهو إطباق السماء بالغيم وأنشد هو أو غيره: [ الوافر ] كأني بين خافيتي عقاب أصاب حمامة في يوم غين كرش عيب وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: الأنصار كرشي وعيبتي ولو لا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار.
[ 138 ]
قال أبو زيد الأنصاري: يقال عليه كرش من الناس يعني جماعة. وقال غيره: فكأنه أراد جماعتي وصحابتي الذين أثق بهم وأعتمد عليهم. وقال الأحمر: يقال: هم كرش منثورة. وقال غير واحد: قوله: عيبتي، قال: عيبة الرجل موضع سره [ و ] الذين يأتمنهم على أمره. وقال أبو عبيد: ومنه الحديث الآخر: كانت خزاعة عيبة النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنهم وكافرهم. وذلك لحلف كان بينهم في الجاهلية. [ قال أبو عبيد ]: ولا أرى عيبة الثياب إلا مأخوذة من هذا لأنه إنما يضع الرجل فيها خير ثيابه وخير متاعه وأنفسه عنده. ومنه حديث عمر رضي الله عنه حين دخل على عائشة فقال: أقد تبلغ من شأنك أن تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما لي ولك يا ابن الخطاب ! عليك بعيبتك، فأتى حفصة رضي الله عنها.
[ 139 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم. قال الكسائي: قوله: بيد يعني غير أنا أوتينا الكتاب من بعدهم، فمعنى بيد معنى غير بعينها. وقال الأموي: بيد معناها على، وأنشدنا لرجل يخاطب امرأة: [ الرجز ] عمدا فعلت ذاك بيد أني أخاف إن هلكت لم ترني ميد قال أبو عبيد: وفيه لغة أخرى ميد بالميم، والعرب تفعل هذا تدخل الميم على الباء والباء على الميم، كقولك: أغمطت عليه الحمى وأغبطت. وقوله: سمد رأسه وسبد رأسه وهذا كثير في الكلام.
[ 140 ]
قال أبو عبيد: وأخبرني بعض الشاميين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم / [ قال ]: أنا أفصح العرب ميد أني من قريش ونشأت في بني سعد بن بكر وفسره: من أجل. قال أبو عبيد: وهذه الأقوال [ كلها ] بعضها [ قريب ] من بعض في المعنى، مثل غير وعلى وبعض المحدثين يحدثه: بأيد أنا أعطينا الكتاب من بعدهم، يذهب به إلى القوة وليس لها ههنا معنى نعرفه. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه سقط من فرس فجحش شقه. قال الكسائي [ في ] جحش: هو أن يصيبه شئ فينسحج منه جلده، وهو كالخدش أو أكبر من ذلك. يقال منه: جحش يجحش
[ 141 ]
فهو مجحوش. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام قال: إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما. قال الكسائي: قوله: وأنعما يعني زادا على ذلك. قال ويقال من هذا: قد أحسنت إلي وأنعمت أي زدت على الإحسان، وكذلك قولهم: دققت الدواء فأنعمت دقه أي بالغت في دقه وزدت. درء قال أبو عبيد: وقال ورقة بن نوفل في زيد بن عمرو بن نفيل: [ الطويل ]
[ 142 ]
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما تجنبت تنورا من النار حاميا ورشدت أيضا. قال: وقرأ أبو عمرو والكسائي: درئ كسرا وهمزا، وأهل المدينة ضموا بغير همز، وأما قراءة حمزة فبالضم والهمز. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين قال للمغيرة ابن شعبة وخطب امرأة: لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما. قال الكسائي: قوله: يؤدم بينكما يعني أن تكون بينكما المحبة والاتفاق يقال منه: أدم الله بينهما على مثال فعل الله يأدمه أدما وقال أبو الجراح العقيلي مثله. قال أبو عبيد: ولا أرى هذا إلا من أدم الطعام لأن صلاحه وطيبه إنما يكون بالإدام [ و ] كذلك يقال: طعام مأدوم. قال: وروي عن ابن سيرين في [ إطعام ] كفارة اليمين قال:
[ 143 ]
أكلة مأدومة حتى يصدوا. وروي أن دريد بن الصمة أراد أن يطلق أكلة مأدومة حتى يصدوا. وروي أن دريد بن الصمة أراد أن يطلق امرأته فقالت: أبا فلان ! أتطلقني فوالله لقد أطعمتك مأدومي وأبثثتك مكتومي وأتيتك باهلا غير ذات صرار، فالباهل الناقة التي ليست بمصرورة فلبنها مباح لمن حلب فجعلت هذا مثلا لمالها تقول: فأبحتك مالي. قال أبو عبيد: وفي الأدم لغة أخرى يقال: آدم الله بينهما يؤدمه إيداما فهو مؤدم بينهما وقال الشاعر: [ الرجز ] والبيض لا يؤدمن إلا مؤدما أي لا يحببن إلا محببا موضعا لذلك. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: من اطلع في بيت بغير إذن فقد دمر.
[ 144 ]
قال الكسائي: قوله: دمر يعني دخل، يقول: لأن الاستئذان إنما هو من البصر. يقال منه: قد دمرت على القوم أدمر عليهم [ دمورا ]. / قال أبو عبيد: ولا يكون الدمور إلا أن يدخل عليهم بغير إذن، فإن دخل بإذن فليس بدمور. ومثل هذا حديث حذيفة أنه استأذن عليه رجل فقال: أما عيناك فقد دخلتا وأما إستك فلم تدخل. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين قال لبلال: ما عملك فإني لا أراني أدخل الجنة فأسمع الخشفة فأنظر إلا رأيتك.
[ 145 ]
قال الكسائي: الخشفة الصوت. قال أبو عبيد: أحسبه ليس بالشديد. [ و ] قال الكسائي: يقال منه: خشف يخشف خشفا إذا سمعت له صوتا أو حركة. وفي حديث آخر: وسمعت نحمة من نعيم. فلهذا سمي النحام والنحمة كالتنحنح ونحوه. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: البذاذة من الإيمان. [ قال الكسائي ]: هو أن يكون الرجل متقهلا رث الهيئة، يقال منه: رجل باذ الهيئة أي في هيئته بذاذة وبذة. ومنه الحديث الآخر أن رجلا دخل المسجد والنبي صلى الله
[ 146 ]
عليه وسلم يخطب فأمره أن يصلي ركعتين ثم قال: إن هذا دخل المسجد في هيئة بذة فأمرته أن يصلي ركعتين وأنا أريد أن يفطن له رجل فيتصدق عليه. ويروى أن أبا الدرداء ترك الغزو عاما فأعطى رجلا صرة فيها دراهم، فقال: انطلق فإذا رأيت رجلا يسير من القوم حجرة في هيئة بذاذة فادفعها إليه، قال: ففعل فرفع رأسه إلى السماء فقال: لم تنس جديرا فاجعل جديرا لا ينساك، [ فقال ]: فرجع إلى أبي الدرداء فأخبره فقال: ولى النعمة ربها. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن رجلا آتاه الله مالا فلم يبتئر خيرا.
[ 147 ]
قال الكسائي: قوله: يبتئر خيرا مثل يبتعر خيرا، يعني لم يقدم خيرا قال الأصمعي نحوا من ذلك. [ و ] قال الأموي: هو من الشئ يخبأ كأنه لم يقدم لنفسه خيرا خبأه لها يقال منه: بأرت الشئ وابتأرته إذا خبأته. وقال الأموي: ومنه سميت الحفرة البؤرة. قال أبو عبيد: في الابتئار لغتان: يقال: ابتأرت الشئ وائتبرت ابتئارا وائتبارا قال القطامي: [ الوافر ] فإن لم تأتبر رشدا قريش فليس لسائر الناس ائتبار يعني اصطناع الخير واتخاذه وتقديمه. قال الأصمعي: الابتيار بغير همز هو من الاختبا وفعلت منه برت الشئ أبوره بورا أي اختبرته. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه أمر أن تحفى الشوارب وتعفى اللحى.
[ 148 ]
قال الكسائي: قوله: تعفى يعنى توفر وتكثر. قال أبو عبيد: يقال منه: قد عفا الشعر وغيره إذا كثر يعفو فهو عاف، وقد عفوته وأعفيته لغتان إذا فعلت ذلك به، قال الله تبارك وتعالى " حتى عفوا " يعني كثروا، ويقال في غير هذا قد عفا الشئ إذا درس وانمحا قال لبيد: [ الكامل ] / عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها وعفا أيضا إذا أتى الرجل الرجل يطلب منه حاجة فقد عفاه فهو يعفوه وهو عاف. ومنه الحديث المرفوع: من أحيا أرضا ميتة فهي له وما أصابت العافية منها فهو له صدقة. فالعافية ههنا كل طالب رزقا من إنسان أو دابة أو طائر أو غير ذلك وجمع العافي عفاة. [ و ] قال الأعشى يمدح رجلا: [ المتقارب ]
[ 149 ]
تطوف العفاة بأبوابه كطوف النصارى ببيت الوثن ويروى: تطيف، والمعتفي مثل العافي إنما هو مفتعل منه. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى أن يصلي الرجل وهو زناء ممدود مثل رباع. قال الكسائي: هو الحاقن بوله، يقال منه: قد زنأ بوله يزنأ زنوءا إذا احتقن، وأزنأ الرجل بوله إزناء إذا حقنه، زنأ قال أبو عبيد: وهو الزناء ممدود، والأصل منه: الضيق وكل شئ ضيق فهو زناء قال الأخطل يذكر حفرة القبر: [ الكامل ] وإذا قذفت إلى زناء قعرها غبراء مظلمة من الأحفار
[ 150 ]
فكأنه إنما سمي الحاقن زناء لأن البول يجتمع فيضيق عليه. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في الرجلين اللذين اختصما إليه فقال: من قضيت له بشئ من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار، فقال الرجلان كل واحد منهما: يا رسول الله ! حقي هذا لصاحبي، فقال: لا، ولكن اذهبا فتوخيا ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه. قال الكسائي: الاستهام الاقتراع، يقال منه: استهم القوم فسهمهم فلان يسهمهم سهما إذا قرعهم. [ و ] قال أبو الجراح العقيلي مثله في الاستهام. " [ قال أبو عبيد ]: ومنه قول الله عز وجل: " فساهم فكان من المدحضين وهو من هذا فيما يروى في التفسير.
[ 151 ]
وفي هذا الحديث من الفقه تقوية للقرعة في الذي أعتق ستة مملوكين عند الموت لا مال له غيرهم فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم [ بينهم ] فأعتق اثنين وأرق أربعة وذلك لأن الاستهام هو الاقتراع. وفي هذا الحديث قوله أيضا: من قضيت له بشئ من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار، فهذا يبين لك أن حكم الحاكم لا يحل حراما. وهذا مثل حكمه في عبد بن زمعة حين قضى أنه أخوها لأن الولد للفراش ثم أمرها أن تحتجب منه.
[ 152 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: لا تبادروني بالركوع والسجود فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت، ومهما أسبقكم إذا سجدت تدركوني به إذا رفعت، إني قد بدنت. قال الأموي: قد بدنت يعني / كبرت و [ أسننت ] يقال: بدن الرجل تبدينا إذا أسن، وأنشد لكميت: [ الرجز ] وكنت خلت الشيب والتبدينا والهم مما يذهل القرينا قال أبو عبيد: ومما يحقق هذا المعنى الحديث الآخر أنه كان يصلي بعض صلاته بالليل جالسا وذلك بعد ما حطمته السن. وفي حديث آخر: بعد ما حطمتموه. قال أبو عبيد: وأما قوله: إني قد
[ 153 ]
بدنت، فليس لهذا معنى إلا كثرة اللحم و [ ليست ] صفته فيما يروى عنه هكذا، إنما يقال في نعته: رجل بين الرجلين جسمه ولحمه، هكذا روي عن ابن عباس. قال أبو عبيد: والأول أشبه بالصواب في بدنت والله أعلم. سوء وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام سوآء ولود خير من حسناء عقيم. قال الأموي: السوآء القبيحة، يقال للرجل من ذلك: أسوأ. وقال الأصمعي في السوآء مثله. وكذلك كل كلمة أو فعلة قبيحة فهي سوآء. قال أبو زبيد في رجل من طيئ نزل به رجل من بني شيبان فأضافه الطائي وأحسن إليه وسقاه، فلما أسرع الشراب في الطائي افتخر ومد يده، فوثب عليه الشيباني فقطع يده، فقال أبو زبيد: [ الخفيف ] ظل ضيفا أخوكم لأخينا في شراب ونعمة وشواء لم يهب حرمة النديم وحقت يا لقومي للسوأة السوآء
[ 154 ]
يخاطب [ بذلك ] بني شيبان. يخاطب [ بذلك ] بني شيبان. عرض وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام وذكر أهل الجنة فقال: لا يتغوطون ولا يبولون إنما هو عرق يجري من أعراضهم مثل ريح المسك. قال الأموي: واحد الأعراض عرض وهو كل موضع يعرق من الجسد، يقال منه: فلان طيب العرض. وقال الأصمعي: [ يقال ] فلان طيب العرض أي طيب الرائحة. قال أبو عبيد: المعنى في العرض ههنا أنه كل شئ من الجسد من المغابن وهي الأعراض، وليس العرض في النسب من هذا في شئ. عسب وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن عسب الفحل.
[ 155 ]
قال الأموي: العسب الكراء الذي يؤخد على ضراب الفحل ، يقال منه:: عسبت الرجل أعسبه عسبا إذا أعطيته الكراء على ذلك. وقال غيره: العسب هو الضراب نفسه لقول الشاعر وذكر قوما أسروا عبدا له فرماهم به: [ الوافر ] فلولا عسبه لتركتموه وشر منيحة عسب معار ويروى: أير معار، ويروى: هنة أيضا. غوط قال أبو عبيد: والوجه عندي ما قال الأموي أنه الكراء ولو كان المعنى على الضراب نفسه لدخل النهي على كل من أنزى فحلا وفي هذا انقطاع النسل، وأما
[ 156 ]
قول الشاعر فقد يجوز لأن العرب تسمي / الشئ باسم غيره إذا كان معه أو من سببه، كما قالوا للمزادة: راوية، وإنما الراوية البعير الذي يستقى عليه فسميت المزادة راوية به لأنها تكون عليه، وكذلك الغائط من الإنسان. كان الكسائي يقول: إنما سمي الغائط غائطا لأن أحدهم كان إذا أراد قضاء الحاجة قال: حتى آتي الغائط فأقضي حاجتي، وإنما أصل الغائط المطمئن من الأرض، قال: فكثر ذلك في كلامهم حتى سموا غائط الإنسان بذلك وكذلك العذرة إنما هي فناء الدار، فسميت به لأنه كان يلقى بأفنية الدور. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه أوصى أبا قتادة بالإناء الذي توضأ منه فقال: ازدهر بهذا فإن له شأنا. قال الأموي: قوله: ازدهر به أي احتفظ به ولا تضيعه وأنشد: [ المتقارب ] كما ازدهرت قينة بالشراع لأسوارها عل منها اصطباحا
[ 157 ]
يقول: كما احتفظت القينة بالشراع، وهي الأوتار، والواحد: شرعة، وجمعه شرع وشرع ثم الشراع جمع الجمع. والإسوار هو الواحد من أساورة فارس وهم الفرسان وليس تعبير الشرع عن الأموي. قال أبو عبيد: وأظن قوله: ازدهر كلمة ليست بعربية كأنها نبطية أو سريانية فعربت. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام عند وفاته أنه أغبطت عليه الحمى. قال الأموي: [ يعني ] لزمته وأقامت عليه، وقال الواقدي في هذا الحديث: أصابته حمى مغمطة بالميم في معنى الباء.
[ 158 ]
[ و ] قال الأصمعي: أغبطت علينا السماء إذا دام مطرها وهو من هذا. قال أبو عبيد: وهما لغتان قد سمعناهما [ جميعا ] بالباء والميم، وهذا مثل قولك: سبد الرجل رأسه وسمده إذا استأصله. وأشباه بذلك كثيرة. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه بعث سرية فنهى عن قتل العسفاء والوصفاء. قال أبو عمرو: العسفاء الأجراء، والواحد منهم عسيف.
[ 159 ]
ومنه الحديث الآخر: إن رجلين اختصما إليه فقال أحدهما: إن ابني كان عسيفا على هذا وإنه زنى بامرأته يعني أنه كان أجيرا. قال: وأما الأسيف في غير هذا الحديث فإنه العبد، قال أبو عبيد: والأسيف في غير هذا أيضا السريع الحزن والبكاء.
[ 160 ]
ومنه حديث عائشة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه الذي مات فيه، فقالت: إن أبا بكر / رجل أسيف ومتى يقم مقامك لا يقدر على القراءة. والأسوف مثل الأسيف وأما الأسف فهو الغضبان والمتلهف على الشئ، قال الله [ تبارك و ] تعالى: " ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا " ويقال من هذا كله: قد أسفت آسف أسفا. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: عليكم بالحجامة لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله. قال الكسائي: التبيغ الهيج، وقال غيره: أصله من البغي، قال: يتبيغ يريد يتبغى فقدم الياء وأخر الغين، وهذا كقولهم: جبذ وجذب، وما أطيبه وأيطبه ومثله في الكلام كثير. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام تراصوا بينكم
[ 161 ]
في الصلاة لا تتخللكم الشياطين كأنها بنات حذف. قال الكسائي: التراص أن يلصق بعضهم ببعض حتى لا يكون بينهم خلل، ومنه قول الله [ تبارك و ] تعالى " كأنهم بنيان مرصوص ". وقوله: بنات حذف هي هذه الغنم الصغار الحجازية، واحدتها حذفة، و [ يقال ] هي النقد أيضا واحدتها نقدة. وقد جاء تفسير الحذف في بعض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أنه ] قال: أقيموا صفوفكم لا يتخللكم الشياطين كأولاد الحذف، قيل: يا رسول الله ! وما أولاد الحذف قال: ضأن سود جرد صغار تكون باليمن. قال أبو عبيد: وهو أحب التفسيرين إلي لأن التفسير في نفس الحديث. قطع عرب وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن رجلا أتاه وعليه مقطعات له. قال الكسائي: المقطعات هي الثياب القصار. قال أبو عبيد: وكذلك غير الثياب أيضا.
[ 162 ]
ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما في وقت صلاة الضحى قال: إذا تقطعت الظلال. وذلك لأنها تكون ممتدة في أول النهار، فكلما ارتفعت الشمس قصرت الظلال فذلك تقطعها. ويروى أن جرير بن الخطفى كان بينه وبين العجاج اختلاف في شئ فقال: أما والله ! لئن سهرت له ليلة لأدعنه، وقلما تغني عنه مقطعاته، يعني أبيات الرجز سماها مقطعات لقصرها. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام الثيب يعرب
[ 163 ]
عنها لسانها والبكر تستأمر في نفسها. قال أبو عبيد: هذا الحرف يروى في الحديث [ يعرب ] بالتخفيف. [ و ] قال الفراء: هو يعرب بالتشديد يقال: عربت عن القوم إذا تكلمت عنهم واحتججت لهم. قال أبو عبيد: وكذلك الحديث الآخر في الذي قتل رجلا يقول: لا إله إلا الله، فقال القاتل: يا رسول الله ! إنما قالها متعوذا، فقال عليه السلام: فهلا شققت عن قلبه، فقال الرجل: هل كان يبين لي ذلك شيئا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإنما كان يعرب عما في قلبه لسانه. ومنه / حديث روي عن إبراهيم التيمي قال: كانوا يستحبون أن يلقنوا الصبي حين يعرب أن يقول: لا إله إلا الله سبع مرات. وليس هذا من إعراب الكلام في شئ إنما معناه أنه يبين لك القول
[ 164 ]
ما في قلبه. وقد روي عن عمر أنه قال: ما يمنعكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس أن لا تعربوا عليه. وليس ذلك من هذا وقد كتبناه في موضعه، ومعنى لا صلة إنما أراد ما يمنعكم أن تعربوا يعني أن تفسدوا وتقبحوا فعاله. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: يؤتى بابن آدم يوم
[ 165 ]
القيامة كأنه بذج من الذل. قال الفراء: قوله: بذج قال: هو ولد الضأن وجمعه بذجان. قال أبو عبيد: وهذا معروف عندهم قال أبو عبيد: قال الشاعر: [ الرجز ] قد هلكت جارتنا من الهمج وإن تجع تأكل عتودا أو بذج فالبذج من أولاد الضأن، والعتود من [ أولاد ] المعز وهو ما قد شب وقوي ومن العتود حديث الرجل حين ذبح قبل الصلاة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد فقال: عندي عتود.
[ 166 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه لعن النامصة والمتنمصة والواشرة والمؤتشرة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة. قال الفراء: النامصة التي تنتف الشعر من الوجه، ومنه قيل للمنقاش: المنماص، لأنه ينتف به والمتنمصة التي تفعل ذلك بها. قال امرؤ القيس يصف نباتا قد رعته الماشية فأكلته ثم نبت منه بقدر ما يمكن أخذه فقال: [ الطويل ] تجبر بعد الأكل فهو نميص يقول: هو بقدر ما ينمص وهو أن ينتف منه ويجز. وقال غير الفراء: الواشرة التي تشر أسنانها، وذلك أنها تفلجها وتحددها حتى يكون لها أشر والأشر (الأشر): تحدد ورقة في أطراف الأسنان ومنه قيل: ثغر مؤشر [ و ] إنما يكون ذلك في أسنان الأحداث، تفعله المرأة تتشبه بأولئك. وأما الواصلة والمستوصلة فإنه في الشعر وذلك أنها تصله بشعر آخر،
[ 167 ]
ومنه الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما امرأة وصلت شعرها بشعر آخر كان زورا. وقد رخصت الفقهاء في القرامل فكل شئ وصل به الشعر ما لم يكن الوصل شعرا. وأما قوله: الواشمة والمستوشمة فإن الوشم في اليد وذلك أن المرأة كانت تغرز [ ظهر ] كفها ومعصمها بإبرة أو مسلة / حتى تؤثر فيه ثم تحشوه بالكحل أو بالنؤور فيخضر، يفعل ذلك بدارات ونقوش، يقال منه: قد وشمت تشم وشما فهي واشمة والأخرى موشومة ومستوشمة. ومنه حديث قيس بن حازم قال: دخلت على أبي بكر فرأيت أسماء بنت عميس موشومة اليدين. قال أبو عبيد: ولا أرى هذا الفعل كان منها
[ 168 ]
إلا في الجاهلية ثم بقي فلم يذهب. قال أبو عبيد: وإنما يراد من الحديث أنه رأى كفها [ و ] قال لبيد في الواشمة: [ الكامل ] أو رجع واشمة أسف نؤورها كفف تعرض فوقهن وشامها وقال آخر: [ الوافر ] كما وشم الرواهش بالنؤور [ قال ]: وهذا في أشعارهم كثير لا يحصى. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين قال لعيينة أو لغيره وطلب القود لولي له قتل: ألا الغير تريد [ و ] قال بعضهم: ألا تقبل الغير قال الكسائي: الغير الدية، وهو واحد مذكر وجمعه أغيار.
[ 169 ]
وقال غيره ولا أعلمه إلا أبا عمرو الغير جمع الديات والواحدة غيرة قال بعض بني عذرة: [ البسيط ] لنجدعن بأيدينا أنوفكم بني أميمة إن لم تقبلوا الغيرا كنف قال أبو عبيد: وإنما سميت الدية غيرا فيما ترى من غير القتل لأنه كان يحب القود فغير القود دية فسميت الدية غيرا. و يبين ذلك حديث يروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال لعمر في الرجل الذي قتل امر أولها أولياء فعفا بعضهم فأراد عمر أن يقيد لمن لم يعف منهم، فقال [ له ] عبد الله: لو غيرت بالدية كان في ذلك وفاء لهذا الذي لم يعف وكنت قد أتممت للعافي عفوه، فقال عمر: كنيف ملئ علما قوله: كنيف هو تصغير الكنف وهو وعاء الأداة التي يعمل بها فشبهه في العلم بذلك، وإنما صغره على وجه المدح
[ 170 ]
له عندنا كقول حباب بن المنذر: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير، وقولهم: فلان صديقي وهو يريد أخص أصدقائي. وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام أنه كان يحنك أولاد الأنصار. قال اليزيدي: التحنيك أن يمضغ التمر ثم يدلكه بحنك الصبي داخل فمه، يقال منه: حنكته وحنكته بتخفيف وتشديد فهو محنوك ومحنك. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن رجلا رغسه الله مالا. قال الأموي: رغسه أكثر له منه وبارك له فيه. قال أبو عبيد: يقال منه: رغسه الله يرغسه رغسا إذا كان ماله
[ 171 ]
ناميا كثيرا، وكذلك في الحسب وغيره وقال العجاج / يمدح بعض الخلفاء: [ الرجز ] خليفة ساس بغير تعس أمام رغس في نصاب رغس والنصاب: الأصل. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن المكامعة والمكاعمة. قال غير واحد: أما المكاعمة أن يلثم الرجل صاحبه أخذه من كعام البعير وهو أن يشد فمه إذا هاج، يقال منه: كعمته أكعمه كعما فهو مكعوم وكذلك كل مشدود الفم فهو مكعوم قال ذو الرمة يصف الفلاة: [ البسيط ]
[ 172 ]
بين الرجا والرجا من جنب واصية يهماء خابطها بالخوف مكعوم يقول: قد سد الخوف فمه فمنعه من الكلام، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم اللثام حين تلثمه بمنزلة ذلك الكعام. وأما قوله: المكامعة فهو أن يضاجع الرجل صاحبه في ثوب واحد، أخذه من الكميع والكمع [ و ] هو الضجيع، ومنه قيل لزوج المرأة: هو كميعها قال أوس بن حجر يذكر أزمة في شدة البرد: [ المنسرح ] وهبت الشمال البليل وإذ بات كميع الفتاة ملتفعا وقال البعيث: [ الطويل ] لما رأيت الهم ضاف كأنه أخو لطف دون الفراش كميع
[ 173 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في الرهط العرنيين الذين قدموا عليه المدينة فاجتووها فقال: لو خرجتم إلى إبلنا فأصبتم من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا فمالوا على الرعاء فقتلوهم واستاقوا الإبل وارتدوا عن الإسلام فأرسل النبي عليه السلام في آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركوا بالحرة حتى ماتوا. قال: السمل أن تفقأ العين بحديدة محماة أو بغير ذلك، يقول من ذلك: سملت عينه أسملها سملا، وقد يكون السمل بالشوك.
[ 174 ]
قال أبو ذؤيب يرثي بنين له ماتوا: [ البسيط ] فالعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع وقال الشماخ يصف أتانا ويذكر أن عينها قد غارت من شدة العطش: [ البسيط ] قد وكلت بالهدى إنسان ساهمة كأنه من تمام الظمء مسمول قال: وقوله: قدموا المدينة فاجتووها، قال أبو زيد: يقال: اجتويت البلاد إذا كرهتها وإن كانت موافقة لك في بدنك، ويقال: استوبلتها إذا لم توافقك في بدنك وإن كنت محبا لها. قال أبو عبيد: وفي هذا الحديث من الفقه قول النبي عليه السلام: لو خرجتم إلى إبلنا فأصبتم من أبوالها وألبانها، فهذا رخصة في شرب بول ما أكل لحمه، وهذا أصل هذا الباب وكذلك ولو وقع في غير ماء لم ينجس. وأما قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم فيروون والله أعلم أن هذا كان في أول الإسلام قبل أن تنزل الحدود فنسخ / ألا ترى أن المرتد ليس حده إلا القتل، فأما السمل فإنه مثلة وقد نهى النبي عليه السلام عن المثلة.
[ 175 ]
وعن ابن سيرين قال: كان أمر العرنيين قبل أن تنزل الحدود قال أبو عبيد: فنرى أن هذا هو الناسخ للأول والله أعلم. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: في الجنين أن حمل بن مالك بن النابغة قال له: إني كنت بين جارتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا وماتت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المقتولة على عاقلة القاتلة وجعل في الجنين غرة عبدا أو أمة. قال: المسطح عود من أعواد الخباء والفسطاط ونحوه. قال مالك بن عوف النضري: [ الطويل ] تعرض ضيطار وفعالة دوننا وما خير ضيطار يقلب مسطحا
[ 176 ]
والضيطار: الضخم من الرجال، فيقول: ليس معه سلاح يقاتل به غير المسطح، وجمع الضيطار ضياطرة وضياطر قالها أبو عمرو. قال أبو عبيد: وأما الغرة فإنه عبد أو أمة [ و ] قال في ذلك مهلهل: [ الرجز ] كل قتيل في كليب غرة حتى ينال القتل آل مره يقول: [ كلهم ] ليسوا بكفؤ لكليب إنما هم بمنزلة العبيد والإماء إن قتلتهم حتى أقتل آل مرة فإنهم الأكفاء حينئذ. وأما قوله: كنت بين جارتين لي يريد امرأتيه. وعن
[ 177 ]
ابن سيرين قال: كانوا يكرهون أن يقولوا: ضرة، ويقولون: إنها [ لا ] تذهب تذهب من رزقها بشئ، ويقولون: جارة. وقال أبو عبيد في حديث آخر عن عمر: إنه سأل عن إملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة. فهو مثل هذا، وإنما سماه إملاصا لأن المرأة تزلقه قبل وقت الولادة، وكذلك كل ما زلق من اليد أو غيرها فقد ملص يملص ملصا وأنشدني الأحمر: [ الرجز ] فر وأعطاني رشاء ملصا يعني رطبا يزلق من اليد، فإذا فعلت أنت بذلك به قلت: أملصته إملاصا، فذلك قوله: إملاص المرأة يعني أنها تزلقه. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: إذا دعي أحدكم
[ 178 ]
إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن [ كان ] صائما فليصل. قال: قوله: فليصل [ يعني ] يدعو له بالبركة والخير. قال أبو عبيد: كل داع فهو مصل وكذلك هذه الأحاديث التي جاء فيها ذكر صلاة الملائكة كقوله: الصائم إذا أكل عنده الطعام صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وحديثه: من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم [ صلاة ] صلت عليه الملائكة عشرا. وهذا في حديث كثير فهو عندي كله الدعاء ومثله في الشعر في غير موضع قال الأعشى: [ المتقارب ] وصهباء طاف يهوديها وأبرزها وعليها ختم
[ 179 ]
وقابلها الريح في دنها وصلى على دنها وارتسم / وقابلها الريح في دنها أي استقبل بها الريح، يقول: دعا لها بالسلامة والبركة يصف الخمر وقال أيضا: [ البسيط ] تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوما فإن لجنب المرء مضطجعا يقول: ليكن لك مثل الذي دعوت لي. قال أبو عبيد: وأما حديث ابن أبي أوفى أنه قال: أعطاني أبي صدقة ماله فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم صل
[ 180 ]
على آل أبي أوفى ! فإن هذه الصلاة عندي الرحمة، ومنه قولهم: اللهم صلى على محمد، ومنه قوله " إن الله وملئكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه " فهو من الله رحمة ومن الملائكة دعاء والصلاة ثلاثة أشياء: الدعاء، والرحمة، والصلاة. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى أن يستطيب الرجل بيمينه. قال: الاستطابة الاستنجاء، وإنما سمي استطابة من الطيب، يقول: يطيب جسده مما عليه من الخبث بالاستنجاء، يقال منه: قد
[ 181 ]
استطاب الرجل فهو مستطيب، وأطاب نفسه فهو مطيب قال الأعشى يذكر رجلا: [ الرجز ] يا رخما قاظ على مطلوب يعجل كف الخارئ المطيب وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه بعث ابن مربع الأنصاري إلى أهل عرفة فقال: اثبتوا على مشاعركم هذه، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم. قال أبو عبيد: الإرث أصله من الميراث، إنما هو ورث فقلبت
[ 182 ]
الواو ألفا مكسورة لكسرة الواو، كما قالوا للوسادة: إسادة، وللوشاح: إشاح وللوكاف: إكاف، وقال الله عز وجل " وإذا الرسل أقتت وأصلها من الوقت، فجعلت الواو ألفا مضمومة لضمة الواو، كما كسرت في تلك الأشياء لكسرة الواو. فكأن معنى الحديث أنكم على بقية من ورث إبراهيم وهو الإرث قال الحطيئة: [ الطويل ] فإن تك ذا عز حديث فإنهم ذوو إرث مجد لم تخنه زوافره يعني الأصول. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين ذكر أيام التشريق فقال: إنها أيام أكل وشرب وبعال. وقال [ أبو عبيد ]: البعال النكاح وملاعبة الرجل أهله،
[ 183 ]
يقال للمرأة: [ هي ] تباعل زوجها بعالا ومباعلة إذا فعلت ذلك معه قال الحطيئة يمدح رجلا: [ الطويل ] وكم من حصان ذات بعل تركتها إذا الليل أدجى لم تجد من تباعله يقول: إنك قد قتلت زوجها أو أسرته. قال الكسائي: أيام أكل وشرب. [ قال أبو عبيد ]: وكان يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث مناديا فنادى في أيام التشريق: إنها أيام أكل وشرب. وكذلك كان / الكسائي يقرؤها: " فشاربون شرب الهيم ". والمحدثون يقولون: أكل وشرب. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام حين ذكر
[ 184 ]
[ فضل ] إسباغ الوضوء في السبرات. قال [ أبو عبيدة ]: السبرة شدة البرد وبها سمي الرجل سبرة، وجمعها سبرات. وقال الحطيئة يذكر إبله وكثرة شحومها: [ الطويل ] عظام مقيل الهام غلب رقابها يباكرن جرع الماء في السبرات مهاريس يروي رسلها ضيف أهلها إذا النار أبدت أوجه الخفرات يعني شدة الشتاء مع الجدوبة، يقول: فهذه الإبل لا تجرع من برد الماء لسمنها واكتناز لحومها وقد كان ذكر في هذه القصيدة قومه فنال منهم ففيها يقول له عمر فيما يروى: بئس الرجل أنت تهجو قومك وتمدح إبلك. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن القزع.
[ 185 ]
قال أبو عبيد: القزع أن يحلق رأس الصبي ويترك منه مواضع فيها الشعر متفرقة. وكذلك كل شئ يكون قطعا متفرقة فهو قزع، ومنه قيل لقطع السحاب في السماء: قزع. وكذلك حديث علي رضي الله عنه حين ذكر فتنة تكون: فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف يعني قطع السحاب وأكثر ما يكون ذلك في زمن الخريف قال ذو الرمة يذكر ماء وبلادا مقفرة ليس بها أنيس ولا شئ إلا القطا: [ الوافر ] ترى عصب القطا هملا عليه [ كأن رعاله ] قزع الجهام والجهام: السحاب الذي لا ماء فيه. بله وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام يقول الله [ تبارك و ] تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن
[ 186 ]
سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما اطلعتم عليه. قال الأحمر وغيره: قوله: بله معناه كيف ما اطلعتم عليه، قال الفراء: معناه كف ما اطلعتم عليه، ودع ما اطلعتم عليه، قال أبو عبيد: وكلاهما معناه جائز قال في ذلك كعب بن مالك الأنصاري يصف السيوف: [ الكامل ] تذر الجماجم ضاحيا هاماتها بله الأكف كأنها لم تخلق قال أبو عبيد: والأكف ينشد بالخفض والنصب، [ والنصب ] على معنى دع الأكف وقال أبو زبيد الطائي: [ البسيط ] حمال أثقال أهل الود آونة أعطيهم الجهد مني بله ما أسع وقال ابن هرمة: [ البسيط ]
[ 187 ]
تمشي القطوف إذا غنى الحداة بها مشي النجيبة بله الجلة النجبا وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه بعث سرية أو جيشا فأمرهم أن يمسحوا على المشاوذ والتساخين وروى: على العصائب والتساخين. قال: التساخين الحفاف. والمشاوذ: العمائم، واحدها مشوذ قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط: [ الطويل ]
[ 188 ]
إذا ما شددت الرأس مني بمشوذ فغيك مني تغلب ابنة وائل وكان ولي صدقات بني تغلب. قال أبو عبيد: والعصائب هي العمائم أيضا قال الفرزدق: [ الطويل ] وركب كأن الريح تطلب منهم لها سلبا من جذبها بالعصائب / يعني أن الريح تنفض لي العمائم من شدتها فكأنها تسلبهم إياها. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: أيما سرية غزت فأخفقت كان لها أجرها مرتين.
[ 189 ]
قال: الإخفاق أن يغزو فلا يغنم شيئا قال عنترة يذكر فرسه: [ الوافر ] فيخفق مرة ويفيد أخرى ويفجع ذا الضغائن بالأريب يقول: إنه يغنم مرة ولا يغنم أخرى وكذلك كل طالب حاجة إذا لم يقضها فقد أخفق يخفق إخفاقا، وأصل ذلك في الغنيمة. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: من سأل وهو غني جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوحا في وجهه، قيل: وما غناه قال: خمسون درهما أو عدلها من الذهب.
[ 190 ]
قال أبو عبيد: الخدوش في المعنى مثل الخموش أو نحو منها، يقال: خمشت المرأة وجهها تخمشه (تخمشه) خمشا وخموشا، قال لبيد يذكر نساء في مأتم عمه أبي براء: [ الرجز ] يخمشن حر أوجه صحاح في السلب السود وفي الأمساح قوله: وفي السلب، واحدا سلاب، يريد الثياب السود التي تلبسها النساء في المأتم. وقوله: كدوحا يعني آثار الخدوش، وكل أثر من خدش أو عض أو نحوه فهو كدح ومنه قيل لحمار الوحش: مكدح لأن الحمر يعضضنه. وفي [ هذا ] الحديث من الفقه أن الصدقة لا تحل لمن له خمسون درهما أو نحوها من الذهب والفضة لا يعطى من زكاة ولا غيرها من الصدقة خاصة.
[ 191 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: من سأل وله أوقية فقد سأل الناس إلحافا. قال أبو عبيد: الأوقية أربعون درهما فهذان الحديثان أصل لمن تحل له الصدقة ولمن لا تحل له الصدقة. وعن الحسن قال: يعطى من الزكاة من له المسكن والخادم، وشك أبو عبيد في الفرس، وذلك إذا لم يكن به غنى عنه. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في ولي
[ 192 ]
اليتيم أنه يأكل من ماله غير متأثل مالا. قال أبو عبيد: المتأثل الجامع، وكل شئ له أصل قديم أو جمع حتى يصير له أصل فهو مؤثل ومتأثل قال لبيد: [ الكامل ] لله نافلة الأجل الأفضل وله العلى وأثيث كل مؤثل وقال امرؤ القيس: [ الطويل ] ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي وأثلة الشئ أصله وأنشد الأعشى: [ البسيط ] ألست منتهيا عن نحت أثلتنا ولست ضائرها ما أطت الإبل ومن ذلك حديث عمر في أرضه بخيبر التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس أصلها ويجعلها صدقة، ففعل واشترط فقال: ولمن وليها أن يأكل منها ويؤكل صديقا غير متأثل فيه
[ 193 ]
ويروى: غير متمول. وفي هذا الحديث من الفقه أن الرجل / إذا وقف وقفا فأحب أن يشترط لنفسه أو لغيره فيه شرطا سوى الوجه الذي جعل الوقف فيه كان له ذلك بما لمعروف. ألا تراه يقول: ويؤكل صديقا، فهذا ليس من الوقف في شئ، ثم اشترط شرطا آخر فقال: غير متأثل فيه أو غير متمول [ فيه ]، فإنما هو بالقصد والمعروف، وكذلك الشرط على ولي اليتيم. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن رجلا أوصى بنيه فقال: إذا [ أنا ] مت فأحرقوني بالنار حتى إذا صرت حمما فاسحقوني ثم ذروني [ في الريح ] لعلي أضل أضل الله.
[ 194 ]
قال أبو عبيد: الحمم الفحم، واحدتها حممة، وبه سمي الرجل حممة وقال طرفة: [ المديد ] أشجاك الربع أم قدمه أم رماد دارس حممه [ و ] قوله: أضل الله أي أضل عنه فلا يقدر علي. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: لا فرعة ولا عتيرة. قال أبو عمرو: هي الفرعة والفرع بنصب الراء، قال: وهو أول ولد تلده الناقة، وكانوا يذبحون ذلك لآلهتهم في الجاهلية فنهوا عنه وقال أوس بن حجر يذكر أزمة في سنة شديدة البرد: [ المنسرح ] وشبه الهيدب العبام من الأقوام سقبا مجللا فرعا
[ 195 ]
يعني أنه قد لبس جلد السقب من شدة البرد. يقال: قد أفرع القوم إذا فعلت إبلهم ذلك. عتر قال أبو عبيد: وأما العتيرة فإنها الرجبية، وهي ذبيحة كانت تذبح في رجب يتقرب بها أهل الجاهلية ثم جاء الإسلام فكان على ذلك حتى نسخ بعد. قال أبو عبيد: ومنه الحديث عن النبي عليه السلام: إن على كل مسلم في كل عام أضحاة وعتيرة. قال: والحديث الأول فيما نرى ناسخ لهذا، يقال منه: عترت أعتر عترا قال الحارث بن حلزة اليشكري يذكر قوما أخذوهم بذنب غيرهم فقال: [ الخفيف ]
[ 196 ]
عننا باطلا وظلما كما تعتر عن حجرة الربيض الظباء قوله: عننا يعني اعتراضا، وقوله: كما تعتر يعني العتيرة في رجب، وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا إذا طلب أحدهم أمرا نذر لئن ظفر به ليذبحن من غنمه في رجب كذا وكذا، وهي العتائر، فإذا ظفر به فربما ضن بغنمه وهي الربيض فيأخذ عددها ظباء فيذبحها في رجب مكان الغنم فكانت تلك عتائره، فضرب هذا مثلا يقول: أخذتمونا بذنب غيرنا كما أخذت الظباء مكان الغنم. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: يحشر الناس
[ 197 ]
يوم القيامة عراة حفاة بهما. قال أبو عمرو: البهم واحدها بهيم وهو الذي لا يخالط لونه لون سواه من سواد كان أو غيره، قال أبو عبيد: معناه عندي أنه أراد بقوله: بهما يقول: ليس فيهم شئ من الأعراض والعاهات التي تكون في الدنيا من العمى والعرج والجذام والبرص وغير ذلك من صنوف الأمراض والبلاء، ولكنها أجسام مبهمة مصححة لخلود الأبد. وفي بعض الحديث تفسيره قيل: وما البهم قال: ليس معهم شئ. قال أبو عبيد: وهذا أيضا من هذا المعنى، يقول: إنها أجساد لا يخالطها شئ من الدنيا، كما أن البهيم من الألوان / لا يخالطه غيره، ولا يقال في الأبيض: بهيم. ورى وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كان إذا أراد سفرا ورى بغيره.
[ 198 ]
قال أبو عمرو: التورية الستر، يقال منه: وريت الخبر أوريه تورية إذا سترته وأظهرت غيره قال أبو عبيد: ولا أراه مأخوذا إلا من وراء الإنسان لأنه إذا قال: وريته فكأنه إنما جعله وراءه حيث لا يظهر. قال أبو عبيد: عن الشعبي في قوله " من وراء إسحق يعقوب " قال: الوراء ولد الولد. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في صلح الحديبية حين صالح أهل مكة وكتب بينه وبينهم كتابا فكتب فيه أن لا إغلال ولا إسلال وأن بينهم عيبة مكفوفة. قال أبو عمرو: الإسلال السرقة، يقال: في بني فلان سلة إذا كانوا يسرقون.
[ 199 ]
والإغلال: الخيانة وكان أبو عبيدة يقول: رجل مغل مسل أي صاحب سلة وخيانة. ومنه قول شريح: ليس على المستعير غير المغل ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان يعني الخائن وقال النمر بن تولب يعاتب امرأته جمرة في شئ كرهه منها فقال: [ الطويل ] جزى الله عنا جمرة ابنة نوفل جزاء مغل بالأمانة كاذب قال أبو عبيد: وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن. فإنه يروى: لا يغل ولا يغل.
[ 200 ]
فمن قال: يغل بالفتح فإنه يجعله من الغل وهو الحقد والضغن الشحناء ومن قال: يغل بضم الياء جعله من الخيانة من الإغلال. وأما الغلول فإنه من المغنم خاصة، يقال منه: قد غل يغل غلولا، ولا يراه من الأول ولا الثاني ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة: أغل يغل، ومن الغل: غل يغل، ومن الغلول: غل يغل بضم الغين فهذه الوجوه مختلفة، قال الله [ تبارك و ] تعالى " وما كان لنبي أن يغل " ولم نسمع أحدا قرأها بالكسر، وقرأها بعضهم: يغل، فمن قرأها بهذا الوجه فإنه يحتمل معنيين: [ أن يكون ] يغل يخان يعني أن يؤخذ من غنيمته، ويكون يغل ينسب إلى الغلول. وقد قال بعض المحدثين: قوله: لا إغلال أراد لبس الدروع، ولا إسلال أراد سل السيوف ولا أدري ما هو ولا أعرف له وجها.
[ 201 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: من نوقش الحساب عذب. قال: المناقشة الاستقصاء في الحساب حتى لا يترك منه شئ، ومنه قول الناس: انتقشت منه جميع حقي وقال الحارث بن حلزة يعاتب قوما: [ الخفيف ] أو نقشتم فالنقش يجشمه النا س وفيه الصحاح والأبراء [ يقول: لو كانت بيننا وبينكم محاسبة ومناظرة عرفتم الصحة والبراءة ] ولا أحسب نقش الشوكة من الرجل إلا من هذا وهو استخراجها
[ 202 ]
حتى لا يترك منها شئ [ في الجسد ] قال الشاعر: [ الكامل ] لا تنقشن برجل غيرك شوكة فتقي برجلك رجل من قد شاكها قال أبو عبيد: برجل [ غيرك ] يعني من رجل [ غيرك ] فجعل مكان من الباء، يقول: لا تخرجن شوكة من رجل غيرك فتجعلها / في رجلك وقوله: شاكها يعني دخل في الشوك، تقول: شكت الشوك فأنا أشاكه إذا دخلت فيه، فإن أردت أنه أصابك قلت: شاكني الشوك فهو يشوكني شوكا وإنما سمي المنقاش لأنه ينقش به أي يستخرج به الشوك. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن الجفاء والقسوة في الفدادين.
[ 203 ]
قال أبو عمرو: هي الفدادين مخففة، واحدها فدان مشددة، وهي البقرة التي يحرث بها يقول: إن أهلها أهل قسوة وجفاء لبعدهم من الأمصار والناس. قال أبو عبيد: ولا أرى أبا عمرو يحفظ هذا، وليس الفدادين من هذا في شئ ولا كانت العرب تعرفها، إنما هذه للروم وأهل الشام وإنما افتتحت الشام بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم الفدادون بالتشديد وهم الرجال، واحدهم فداد. قال الأصمعي: هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم وما يعالجون منها، وكذلك قال الأحمر، قال ويقال منه: فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته وأنشدنا: [ الرجز ] أنبئت أخوالي بني يزيد ظلما علينا لهم فديد
[ 204 ]
وكان أبو عبيدة يقول غير ذلك كله، قال: الفدادون المكثرون من الإبل الذين يملك أحدهم المائتين منها [ إلى الألف، يقال للرجل: فداد إذا بلغ ذلك وهم مع هذا جفاة أهل خيلاء ]. ومنه الحديث الذي يروى أن الأرض إذا دفن فيها الإنسان قالت له: ربما مشيت علي فدادا ذا مال كثير وذا خيلاء. نجد رسل وقال أبو عبيد في حديث آخر عن النبي عليه السلام إنه قال: إلا من أعطى في نجدتها ورسلها.
[ 205 ]
قال أبو عبيدة: فنجدتها أن تكثر شحومها وتحسن حتى يمنع ذلك صاحبها أن أن ينحرها نفاسة بها، فصار ذلك بمنزلة السلاح لها تمتنع به من ربها، فتلك نجدتها، وقد ذكرت ذلك العرب في أشعارها، قال النمر بن تولب: [ الكامل ] أيام لم تأخذ إلي رماحها إبلي لجلتها ولا أبكارها فجعل شحومها وحسنها رماحا تمتنع به من أن تنحر: وقال الفرزدق يذكر أنه نحر إبله: [ الطويل ] فمكنت سيفي من ذوات رماحها غشاشا ولم أحفل بكاء رعائيا غشاشا أي على عجلة. وأما قوله: رسلها فهو أن يعطيها وهو أن يهون عليه لأنه
[ 206 ]
ليس فيها من الشحوم والحسن ما يبخل بها فهو يعطيها رسلا، كقولك: جاء فلان على رسله وتكلم بكذا وكذا على رسله أي مستهينا به. فمعنى الحديث أنه أراد من أعطاها في هاتين الحالتين في النجدة والرسل أي على مشقة من النفس وعلى طيب منها، وهذا كقولك: في العسر واليسر والمنشط والمكره. قال أبو عبيد: وقد ظن بعض الناس أن الرسل ههنا اللبن، وقد علمنا أن الرسل اللبن ولكن ليس هذا في موضعه ولا معنى له [ أن ] يقول: في نجدتها ولبنها، وليس هذا بشئ. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى / عن المجر. قال أبو زيد: المجر أن يباع البعير أو غيره بما في بطن الناقة، يقال منه: قد أمجرت في البيع إمجارا.
[ 207 ]
وقال أبو عمرو: والغذوى أن يباع البعير أو غيره بما يضرب هذا الفحل في عامه وأنشدني للفرزدق يذكر قوما: [ الكامل ] ومهور نسوتهم إذا ما أنكحوا غذوي كل هبنقع تنبال وقال غير أبي عمرو: غدوي بالدال. قال أبو عبيد: وأما حديثه أنه نهى عن بيع الملاقيح والمضامين.
[ 208 ]
قال: الملاقيح ما في البطون وهي الأجنة، والواحدة منها ملقوحة. وأنشدني الأحمر لمالك بن الريب: [ الرجز ] إنا وجدنا طرد الهوامل خيرا من التأنان والمسائل وعدة العام وعام قابل ملقوحة في بطن ناب حائل يقول: هي ملقوحة فيما يظهر لي صاحبها وإنما أمها حائل فالملقوحة هي الأجنة التي في بطونها. وأما المضامين فما في أصلاب الفحول، وكانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة وما يضرب الفحل في عامه أو في أعوام. [ قال أبو عبيد ]: وأما حديثه أنه نهى عن حبل الحبلة. فإنه ولد ذلك الجنين الذي في بطن الناقة. قال ابن علية: هو نتاج النتاج.
[ 209 ]
قال أبو عبيد: والمعنى في هذا كله واحد أنه غرر، فنهى النبي عليه السلام عن هذه البيوع لأنها غرر. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في الرحم هي شجنة من الله. قال أبو عبيد: يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، قال أبو عبيد: وكأن قولهم " الحديث ذو شجون " منه إنما هو تمسك بعضه ببعض وهو من هذا. وأخبرني يزيد بن هارون عن حجاج بن أرطاة قال: الشجنة كالغصن يكون من الشجرة أو كلمة نحوها. قال أبو عبيد: وفيه لغتان: شجنة وشجنة وإنما سمي الرجل شجنة بهذا.
[ 210 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن الإقعاء في الصلاة. قال أبو عبيدة: الإقعاء جلوس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع. قال أبو عبيد: وأما تفسير أصحاب الحديث فإنهم يجعلون الإقعاء أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهذا عندي هو الحديث الذي فيه: عقب الشيطان الذي جاء فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن عمر أنه نهى عن عقب الشيطان. قرفص قال أبو عبيد: وتفسير أبي عبيدة في الإقعاء أشبه بالمعنى لأن الكلب إنما يقعي كما قال. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل مقعيا، فهذا يبين لك أن الإقعاء هو هذا وعليه تأويل كلام العرب. وأما القرفصاء فهو أن يجلس الرجل كجلوس المحتبي ويكون
[ 211 ]
احتباؤه بيديه يضعهما على ساقيه كما يحتبي بالثوب، تكون يداه مكان الثوب، وهذا في غير صلاة ومما يبين [ لك ] أن عقب الشيطان هو أن يجلس الرجل على عقبيه حديث يروى عن عمر قال: لا تشدوا ثيابكم في الصلاة ولا تخطوا نحو القبلة فإنها خطوة الشيطان وإذا سلمتم فانصرفوا ولا تقدموا. قيل عبهل تيع تيم وقا [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كتب لوائل بن حجر الحضرمي وقومه: من محمد رسول الله إلى الأقيال / العباهلة من أهل حضرموت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، على التيعة شاة والتيمة لصاحبها، وفي السيوب الخمس، لا خلاط ولا وراط ولا شناق ولا شغار، ومن أجبى فقد أربى، وكل مسكر حرام.
[ 212 ]
قال أبو عبيدة وغيره من أهل العلم: دخل كلام بعضهم في بعض في الأقيال العباهلة، قال: الأقيال ملوك باليمن دون الملك الأعظم، واحدهم قيل، يكون ملكا على قومه ومخلافه ومحجره والعباهلة الذين قد أقروا على ملكهم لا يزالون عنه، وكذلك كل شئ أهملته فكان مهملا لا يمنع مما يريد ولا يضرب على يديه فهو معبهل قال تأبط شرا: [ الطويل ] متى تبغني ما دمت حيا مسلما تجدني مع المسترعل المتعبهل فالمسترعل: الذي يخرج في الرعيل وهي الجماعة من الخيل وغيرها، والمتعبهل: الذي لا يمنع من شئ وقال الراجز يذكر الإبل أنها قد أرسلت على الماء ترده كيف شاءت فقال: [ الرجز ] عباهل عبهلها الوراد
[ 213 ]
[ و ] قوله: في التيعة شاة، فإن التيعة الأربعون من الغنم والتيمة يقال إنها الشاة الزائدة على الأربعين حتى تبلغ الفريضة الأخرى، ويقال: إنها الشاة تكون لصاحبها في منزله يحتلبها وليست بسائمة وهي الغنم الربائب التي يروى فيها عن إبراهيم أنه قال: ليس في الربائب صدقة. سيب خلط قال أبو عبيد: وربما احتاج صاحبها إلى لحمها فيذبحها فيقال عند ذلك: قد اتام الرجل واتامت المرأة. قال الحطيئة يمدح آل لأي: [ الوافر ] فما تتام جارة آل لأي ولكن يضمنون لها قراها
[ 214 ]
يقول: لا تحتاج أن تذبح تيمتها. [ و ] قال: والسيوب الركاز، قال: ولا أراه أخذ إلا من السيب وهي العطية، يقول: هو من سيب الله وعطائه. وأما قوله: لا خلاط ولا وراط، فإنه يقال: إن الخلاط إذا كان بين الخليطين عشرون ومائة شاة لأحدهما ثمانون وللآخر أربعون فإذا جاء المصدق فأخذ منها شاتين رد صاحب الثمانين على صاحب الأربعين ثلث شاة. فيكون عليه شاة وثلث، وعلى الآخر ثلثا شاة وإن أخذ المصدق من العشرين والمائة شاة واحدة رد صاحب الثمانين على صاحب الأربعين ثلث شاة، فيكون عليه ثلثا شاة، وعلى الآخر ثلث شاة فهذا قوله: لا خلاط. ورط شنق جبى قال أبو عبيد: والقول فيه عندي إنه لا تأخذ من
[ 215 ]
العشرين والمائة إذا كانت بين نفسين أو ثلاثة إلا شاة واحدة لأنه إن أخذ شاتين ثم ترادا كان قد صار على صاحب الثمانين شاة وثلث، وهذا خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل في عشرين ومائة إذا كانت ملكا لواحد شاة وهؤلاء يأخذون من صاحب الثمانين شاة وثلثا، وهذا في المشاع والمقسوم عندي سواء إذا كانا خليطين أو كانوا خلطاء فهذا قوله: لا خلاط، وهو في تفسير قوله في الحديث الآخر: [ و ] ما كان من خليطين فإنهما يترادان بينهما بالسوية. والوراط الخديعة والغش ويقال: إن / قوله: لا خلاط ولا وراط، كقوله: لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع. وقوله: لا شناق، فإن الشنق ما بين الفريضتين وهو ما زاد من الإبل
[ 216 ]
على الخمس إلى العشر، وما زاد على العشر إلى خمس عشرة يقول: لا يؤخذ من ذلك شئ، وكذلك جميع الأشناق وقال الأخطل يمدح رجلا: [ البسيط ] قرم تعلق أشناق الديات به إذا المئون أمرت فوقه حملا
[ 217 ]
وقوله: من أجبى فقد أربى، الإجباء بيع الحرث قبل أن يبدو صلاحه. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه دخل على عائشة وعلى الباب قرام ستر.
[ 218 ]
قال أبو عبيد: القرام الستر الرقيق فإذا خيط فصار كالبيت فهو كلة وقال لبيد يصف الهودج: [ الكامل ] من كل محفوف يظل عصيه زوج عليه كلة وقرامها فالعصي: عيدان الهودج، والزوج: النمط. ويقال للستر الرقيق: الشف وكذلك كل ثوب رقيق يستشف ما خلفه فهو شف. ومنه حديث عمر: لا تلبسوا نساءكم الكتان أو قال: القباطي فإنه إن لا يشف فإنه يصف: يقول: إن لم تر ما خلفه فإنه يصف حليتها لرقته. ومنه حديث ابن عباس أنه رئي عليه ثوب سابري يستشف ما رواءه وجمع الشف شفوف وقال عدي بن زيد: [ الخفيف ] زانهن الشفوف ينضخن بالمسك وعيش موافق وحرير ويروى: مفانق.
[ 219 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كان إذا سافر سفرا قال: أللهم ! إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور وسوء المنظر في الأهل والمال. أما قوله: من وعثاء السفر، قال: الوعثاء شدة النصب والمشقة، وكذلك هو في المآثم. [ و ] قال الكميت يعاتب جذاما على انتقالهم بنسبهم من خزيمة بن مدركة وكان يقال: إنهم جذام بن أسدة بن خزيمة أخي أسد بن خزيمة فانتقلوا إلى اليمن فيما أخبرني ابن
[ 220 ]
الكلبي فقال الكميت: [ الطويل ] وابن ابنها منا ومنكم وبعلها خزيمة والأرحام وعثاء حوبها يقول: إن قطيعة الرحم مأثم شديد، وإنما أصل الوعثاء من الوعث وهو الدهس، والوعث والوعث المشي يشتد فيه على صاحبه، فصار مثلا في كل ما يشق على فاعله. وقوله: وكآبة المنقلب يعني أن ينقلب من سفره إلى منزله بأمر يكتئب منه، أصابه في سفره أو فيما يقدم عليه. وقوله: الحور بعد الكون هكذا يروى بالنون، وسئل عاصم عن هذا فقال: ألم تسمع إلى قوله: حار بعد ما كان يقول: إنه كان على حالة جميلة فحار عن ذلك أي رجع وهو في غير هذا الحديث الكور
[ 221 ]
بالراء، وزعم الهيثم أن الحجاج بن يوسف بعث فلانا قد سماه على جيش وأمره عليهم إلى الخوارج ثم وجهه بعد ذلك إليهم تحت لواء غيره، فقال الرجل: هذا الحور بعد الكور، فقال له الحجاج: وما قولك: الحور بعد الكور قال: النقصان بعد الزيادة، ومن قال هذا أخذه من كور العمامة، يقول: قد تغيرت حاله وانتقضت كما ينتقض كور العمامة بعد الشد، وكل هذا قريب بعضه من بعض في المعنى. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
[ 222 ]
قوله: أزيز يعني غليان جوفه بالبكاء. والأصل في الأزيز الالتهاب والحركة، وكأن قوله " أنا أرسلنا الشياطين على الكفرين تؤزهم أزا " من هذا أي تدفعهم وتسوقهم وهو من التحريك. رجع وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها فقال المصدق: إني ارتجعتها بابل، فسكت ويروى: أخذتها بابل. قال أبو عبيدة: الارتجاع أن يقدم الرجل بابله المصر فيبيعها ثم يشتري بثمنها مثلها أو غيرها، فتلك هي الرجعة التي ذكرها الكميت وهو يصف الأثافي فقال: [ المنسرح ] جرد جلاد معطفات على الاورق لا رجعة ولا جلب
[ 223 ]
الأورق: الرماد وإن رد أثمان إبله إلى منزله من غير أن يشتري بها شيئا فليس برجعة وكذلك هي في الصدقة إذا وجبت على رب المال أسنان من الإبل فأخذ المصدق مكانها أسنانا فوقها أو دونها فتلك التي أخذ رجعة لأنه ارتجعها من التي وجبت على ربها. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه قال: إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم. قال الأصمعي وغيره: المطيطاء التبختر ومد اليدين في المشي والتمطي من ذلك لأنه إذا تمطى مد يديه ويروى في تفسير قوله " ثم ذهب إلى أهله يتمطى " أنه التبختر ويقال للماء الخاثر في أسفل الحوض: المطيطة، لأنه يتمطط أي يتمدد، وجمعه مطائط قال حميد
[ 224 ]
الأرقط: [ الرجز ] خبط النهال سمل المطائط النهال: العطاش. ومن جعل التمطي من المطيطة فإنه يذهب به مذهب تظنيت من الظن وتقضيت من التقضض، كقول العجاج: [ الرجز ] تقضي البازي إذا البازي كسر يريد تقضض البازي وكذلك يقال: التمطي يريد التمطط. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى أن يبال في الماء الدائم ثم يتوضأ منه. قال الأصمعي: وبعضه عن أبي عبيدة: الدائم هو الساكن، وقد دام
[ 225 ]
الماء يدوم وأدمته أنا إدامة إذا سكنته، وكل شئ سكنته فقد أدمته [ و ] قال الشاعر: [ الطويل ] تجيش علينا قدرهم فنديمها ونفثؤها عنا إذا حميها غلا قوله: نديمها: نسكنها، ونفثؤها: نكسرها بالماء وغيره، وهذا مثل ضربه أي إنا نطفئ شرهم عنا، ويقال للطائر إذا صف جناحيه في الهواء وسكنهما فلم يحركهما كطيران الحدأ والرخم: قد دوم الطائر تدويما، وهو من هذا أيضا لأنه إنما سمي بذلك / لسكونه وتركه الخفقان بجناحيه. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن
[ 226 ]
لبس القسي. القسي: ثياب يؤتى بها من مصر فيها حرير وكان أبو أبو عبيدة يقول نحوا من ذلك ولم يعرفها الأصمعي. حلل قال أبو عبيد: أصحاب الحديث يقولون: القسي بكسر القاف، خمص مصر سير قهز وثر أبو عبيد: وأما أهل مصر فيقولون: القسي، ينسب إلى بلاد يقال لها: القس وقد رأيتها. قال أبو عبيد وقد قال الأصمعي: وأما الخمائص فإنها ثياب من خز
[ 227 ]
أو صوف، وهي معلمة وهي سود كانت من لباس الناس. قال: والمساتق فراء طوال الأكمام، واحدتها مستقة، قال: وأصلها بالفارسية مسته فعربت. وعن أبي عبيدة: وأما المروط فإنها أكسية من صوف أو خز كان يؤتزر بها. قال الأصمعي: وأما المطارف فإنها أردية خز مربعة لها أعلام فإذا كانت مدورة على خلقة الطيلسان فهي التي كانت تسمى الخبية تلبسها النساء. قال الأصمعي: والقراقل قمص النساء، واحدها قرقل وهو الذي يسميه الناس قرقر. وقال الكسائي: والثياب الممشقة هي المصبوغة بالمشق، وهي المغرة. قال: والثياب الممصرة
[ 228 ]
التي فيها شئ من صفرة وليس بالكثير. قال أبو زيد [ الأنصاري ]: والسيراء برود يخالطها حرير وقال غير هؤلاء: القهز ثياب بيض يخالطها حرير أيضا قال ذو الرمة يصف البزاة والصقور بالبياض فقال: [ الطويل ] من الزرق أو صقع كأن رؤوسها من القهز والقوهي بيض المقانع قال أبو عبيد: وأما المياثر الحمر التي جاء فيها النهي فإنها كانت من مراكب الأعاجم من ديباج أو حرير. وأما الحلل فإنها برود اليمن من مواضع مختلفة منها، والحلة إزار ورداء، لا تسمى حلة حتى تكون ثوبين وممما يبين لك ذلك حديث عمر أنه رأى رجلا عليه حلة قد ائتزر بإحداها وارتدى بالأخرى فهذان ثوبان ومن ذلك حديث معاذ
[ 229 ]
ابن عفراء أن عمر بعث إليه بحلة فباعها واشترى بها خمسة أرؤس من الرقيق فأعتقهم ثم قال: إن رجلا آثر قشرتين يلبسهما على عتق هؤلاء لغبين الرأي، فقال: قشرتين يعني ثوبين. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن المحاقلة والمزابنة. قال أبو عبيد: سمعت غير واحد لا اثنين من أهل العلم ذكر كل واحد منهم طائفة من هذا التفسير قال: المحاقلة بيع الزرع وهو
[ 230 ]
في سنبله بالبر، وهو مأخوذ من الحقل، والحقل هو الذي يسميه أهل العراق القراح، وهو في مثل يقال: لا ينبت البقلة إلا الحقلة. قال: والمزابنة بيع التمر وهو في رؤوس النخل بالتمر، وإنما جاء النهي في هذا لأنه من الكيل وليس يجوز شئ من الكيل / والوزن إذا كانا من جنس واحد إلا مثلا بمثل ويدا بيد، وهذا مجهول لا يعلم أيهما أكثر. قال: ورخص في العرايا.
[ 231 ]
قال: والعرايا واحدتها عرية، وهي النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا والإعراء أن يجعل له ثمرة عامها. يقول: فرخص لرب النخل أن يبتاع من المعرى ثمر تلك النخلة بتمر لموضع حاجته. وقال بعضهم: بل هو الرجل يكون له نخلة وسط نخل كثير لرجل آخر، فيدخل رب النخلة إلى نخلته فربما كان مع صاحب النخل الكثير أهله في النخل فيؤذيه بدخوله، فرخص لصاحب النخل الكثير أن يشتري ثمر تلك النخلة من صاحبها قبل أن يجده بتمر لئلا يتأذى به. قال أبو عبيد: والتفسير الأول أجود، لأن هذا ليس فيه إعراء، إنما هي نخلة يملكها ربها فكيف تسمى عرية ومما يبين ذلك قول شاعر الأنصار يصف النخل: [ الطويل ] ليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح
[ 232 ]
يقول: إنا نعريها الناس. ومنه الحديث الآخر أنه كان يأمر الخراص ان يخففوا [ في الخرص ] ويقول: إن في المال العرية والوصيه. وحديثه أنه نهى عن المخابرة. قال: هي المزارعة بالنصف والثلث [ والربع ] وأقل من ذلك [ وأكثر ]، وهو الخبر أيضا الخبر الفعل، والخبير الرجل وكان أبو عبيدة يقول: بهذا سمى الأكار خبيرا لأنه يخابر
[ 233 ]
الأرض، والمخابرة هي المؤاكرة، ولهذا سمى الأكار خبيرا لأنه يؤاكر الأرض. وأما حديثه أنه نهى عن المخاضرة فانها نهي عن أن يباع الثمار قبل أن يبدو صلاحها وهي خضر بعد، ويدخل في المخاضرة أيضا بعض بيع الرطاب والبقول وأشباهها، ولهذا كره من كره بيع الرطاب أكثر من جزه وأخذه. وهذا مثل حديثه أنه نهى بيع التمر قبل أن يزهو وزهوه أن يحمر أو يصفر. [ قال أبو عبيد ]: وفي حديث آخر أنه نهى عن بيعه قبل أن يشقح ويقال: يشقح والتشقيح هو الزهو أيضا وهو معنى شقح عوه قوله: حتى تأمن من العاهة، والعاهة الآفة تصيبه.
[ 234 ]
وأما حديثه الآخر أنه نهى عن المنابذة والملامسة ففي كل واحد منهما قولان أما المنابذة فيقال: إنها أن يقول الرجل لصاحبه: انبذ إلي الثوب أو غيره من المتاع أو أنبذه إليك وقد وجب البيع بكذا وكذا ويقال: إنما هو أن يقول الرجل: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع، وهو معنى قوله: إنه نهى عن بيع الحصاة. والملامسة أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع بكذا وكذا، ويقال: هو أن يلمس الرجل المتاع من وراء الثوب ولا ينظر إليه فيقع البيع على ذلك، وهذه بيوع كان أهل الجاهلية يبتاعون بها، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها لأنها غرر كلها. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام / خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة والمشي.
[ 235 ]
قال الأصمعي: اللدود ما سقى الإنسان في أحد شقي الفم. ومنه الحديث الآخر أنه لد في مرضه وهو مغمى عليه، فلما أفاق قال: لا يبقى بالبيت أحد إلا لد إلا عمى العباس. قال أبو عبيد: فنرى والله أعلم أنه إنما فعل ذلك عقوبة لهم لأنهم فعلوه من غير أن يأمرهم به قال الأصمعي: وإنما أخذ اللدود من لديدي الوادي وهما جانباه، ومنه قيل للرجل: هو يتلدد إذا التفت عن جانبيه يمينا وشمالا ويقال: لددت الرجل ألده لدا إذا سقيته ذلك، وجمع اللدود ألدة. قال عمرو بن أحمر الباهلي: [ الطويل ] شربت الشكاعى والتددت ألدة وأقبلت أفواه العروق المكاويا فهذا هو اللدود، وأما الوجور فهو في وسط الفم.
[ 236 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في صلح أهل نجران أنه ليس عليهم ربية ولا دم. هكذا الحديث بتشديد الباء والياء. قال الفراء: إنما هي ربية مخففة، أراد بها سدن الربا. قال أبو عبيد: يعنى أنه صالحهم على أن وضع عنهم الربا الذي كان عليهم في الجاهلية والدماء التي كانت عليهم يطلبون بها. قال الفراء: ومثل ربية من الربا حبية من الاحتباء، سماع من العرب يعني أنهم تكلموا بهما بالياء فقالوا: ربية وحبية، ولم يقولوا: حبوة وربوة، وأصلهما الواو من الحبوة والربوة قال: والذي يراد من هذا الحديث أنه أسقط عنهم كل دم كانوا يطلبون به وكل ربا كان عليهم إلا رؤوس الأموال فإنهم يردونها، كما قال الله
[ 237 ]
تعالى: " فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ولا تظلمون ". وهذا مثل حديثه الآخر: ألا ! إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية فإنها تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج يعني أنه أقرهما على حالهما والسدانة في كلام العرب: الحجابة، والسادن: الحاجب، وهم السدنة، والسدنة الجماعة. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: أفضل الناس مؤمن مزهد. قال الأصمعي أو أبو عمرو، وأكثر ظني أنه الأصمعي: المزهد القليل الشئ، وإنما سمي مزهدا لأن ما عنده يزهد فيه من قلته، يقال منه: قد أزهد الرجل إزهادا إذا كان كذلك قال الأعشى يصف قوما بحسن مجاورتهم جارة لهم: [ المتقارب ]
[ 238 ]
فلن يطلبوا سرها للغنى ولن يسلموها لازهادها فالسر هو النكاح، قال الله [ تبارك و ] تعالى " و [ لكن ] لا تواعدوهن سرا " وقال امرؤ القيس بن حجر: [ الطويل ] ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي فأراد الأعشى أنهم لا يتزوجونها لغناها ولا يتركونها لقلة مالها وهو الإزهاد. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: خمروا آنيتكم وأوكو أسقيتكم وأجيفوا الأبواب وأطفئوا المصابيح واكفتوا صبيانكم / فان للشياطين خطفة وانتشارا. قال أبو عبيد: يعني بالليل. قال الأصمعي وأبو عمرو: قوله:
[ 239 ]
خمروا آنيتكم، التخمير التغطية ومنه الحديث الآخر أنه أتي بإناء من لبن فقال: لو لا خمرته ولو بعود تعرضه عليه. وقال الأصمعي تعرضه بضم الراء. قال الأصمعي وأبو عمرو: [ و ] قوله: وأوكوا أسقيتكم، الإيكاء الشد واسم الستر والخيط الذي يشد به السقاء الوكاء ومنه حديث اللقطة: واحفظ عفاصها ووكاءها فان جاء ربها فادفعها إليه. وقوله: واكفتوا صبيانكم يعني ضموهم إليكم واحبسوهم في البيوت وكل شئ ضممته إليك فلقد كفته، ومنه قول زهير يصف الدرع وأن صاحبها ضمها إليه فقال: [ الكامل ]
[ 240 ]
ومفاضة كالنهي تنسجه الصبا بيضاء كفت فضلها بمهند يعني أنه علقها بالسيف فضمها إليه، وقال الله تبارك وتعالى " ألم نجعل الأرض كفاتا وأمواتا " يقال: إنها تضمهم إليها ما داموا أحياء على ظهرها، فإذا ماتوا ضمتهم إليها في بطنها وروى عن بيان قال: كنت أمشي مع الشعبي بظهر الكوفة فالتفت إلى بيوت الكوفة فقال: هذه كفات الأحياء، ثم التفت إلى المقبرة فقال: وهذه كفات الأموات يريد تأويل [ قوله ] " ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ". وفي حديث آخر: ضموا فواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء والمحدثون يقولون: قحمة.
[ 241 ]
الفواشي: كل شئ منتشر من المال مثل الغنم السائمة والإبل وغيرها. وقوله: حتى تذهب فحمة العشاء يعني شدة سواد الليل وظلمته، وإنما يكون ذلك في أوله حتى إذا سكن فوره قلت الظلمة. وقال الفراء: يقال: أفحموا عن العشاء يقول: لا تسيروا في أوله [ حين تفور ] الظلمة ولكن امهلوا حتى تسكن ذلك وتعتدل الظلمة ثم سيروا [ و ] قال لبيد: [ الرمل ] واضبط الليل إذا طال السرى وتدجى بعد فور واعتدل أطر وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام حين ذكر المظالم التي وقعت فيها بنو إسرائيل والمعاصي فقال عليه السلام: لا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يدي الظالم وتأطروه على الحق أطرا.
[ 242 ]
قال أبو عمرو وغيره: تأطروه يقول: تعطفوه عليه وكل شئ عطفته على شئ فقد أطرته تأطره أطرا قال طرفة يصف ناقة ويذكر ضلوعها: [ الطويل ] كأن كناسي ضالة يكنفانها وأطر قسي تحت صلب مؤيد شبه انحناء الأضلاع بما حني من طرفي القوس وقال المغيرة بن حبناء التميمي: [ الطويل ] وأنتم أناس تقمصون من القنا إذا ما رقى أكتافكم وتأطرا يقول: إذا يثنى فيها. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: لي خمسة أسماء:
[ 243 ]
أنا محمد وأحمد، والماحي يمحو الله بي الكفر، والحاشر أحشر الناس على قدمي، والعاقب. قال يزيد: سألت سفيان عن العاقب فقال: آخر الأنبياء قال أبو عبيد: وكذلك كل شئ خلف بعد شئ فهو عاقب / له، وقد عقب يعقب عقبا وعقوبا ولهذا قيل لولد الرجل بعده: هم عقبه، وكذلك آخر كل شئ عقبه ومنه حديث عمر رضي الله عنه أنه سافر في عقب رمضان فقال: إن الشهر قد تسعسع فلو صمنا بقيته. قال الأصمعي: يقال: فرس ذو عقب إذ ا كان باقي الجري وكذلك العاقبة من كل شئ آخره وهي عواقب الأمور. قال أبو عبيد: ويروى عن أبي حازم أنه قال: ليس لملول صديق ولا لحسود غنى والنظر في العواقب تلقيح للعقول.
[ 244 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كان في سفر ففقدوا الماء فأرسل النبي عليه السلام عليا وفلانا يبغيان الماء فإذا هما بامرأة على بعير لها بين مزادتين أو سطيحتين، فقالا لها: انطلقي إلى النبي عليه السلام، فقالت: إلى هذا الذي يقال له الصابئ قالا: هو الذي تعنين. قال الأصمعي وبعضه عن الكسائي وأبي عمرو، وغيرهم: قوله: بين مزادتين، المزادة هي التي يسميها الناس الراوية، وإنما الراوية: البعير الذي يستقى عليه، وهذه المزادة والسطيحة نحوها أصغر منها هي من جلدين والمزادة أكبر منها والشعيب نحو من المزادة. قال أبو عبيد: وأما قولها: الصابئ، فإن الصابئ عند العرب الذي
[ 245 ]
قد خرج من دين إلى دين، يقول: [ قد ] صبأت في الدين إذا خرجت منه ودخلت في غيره ولهذا كان المشركون يقولون للرجل إذا أسلم في زمان النبي عليه السلام: قد صبأ فلان ولا أظن الصابئين سموا إلا من هذا، لأنهم فارقوا دين اليهود والنصارى وخرجوا منهما إلى دين ثالث والله أعلم. وفي هذا الحديث قال: فكان المسلمون يغيرون على من حول هذه المرأة ولا يصيبون الصرم الذي هي فيه. قال أبو عبيد: قوله: الصرم الذي هي فيه يعني الفرقة من الناس ليسوا بالكثير، وجمعه أصرام قال الطرماح: [ السريع ] يا دار أقوت بعد أصرامها عاما وما يبكيك من عامها
[ 246 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كان بالحديبية فأصابهم عطش قال: فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الأصمعي: الجهش أن يفزع الإنسان إلى الإنسان. وقال غيره: هو مع فزعة كأنه يريد البكاء كالصبي يفزع إلى أمه وأبيه وقد تهيأ للبكاء قال أبو عبيد: وفيه لغة أخرى: أجهشت إجهاشا فأنا مجهش قال أبو زيد والأصمعي والأموي وأبو عمرو: ومن ذلك قول لبيد: [ البسيط ] قالت تشكى إلي النفس مجهشة وقد حملتك سبعا بعد سبعينا فإن تزادي ثلاثا تبلغي أملا وفي الثلاث وفاء للثمانينا وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن مسجده كان
[ 247 ]
مربدا ليتيمين في حجر معاذ بن عفراء معاذ ومعوذ وعوف بنو عفراء فاشتراه منهما معوذ [ بن ] عفراء فجعله للمسلمين فناه رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا. قال الأصمعي: المربد كل شئ حبست به الإبل، / ولهذا قيل: مربد النعم الذي بالمدينة. وبه سمي مربد البصرة، إنما كان موضع سوق الإبل، وكذلك كل ما كان من غير هذه المواضع أيضا إنه إذا حبست به الإبل فهو مربد وأنشدنا الأصمعي: [ الطويل ] عواصي إلا ما جعلت وراءها عصا مربد تغشى نحورا وأذرعا يعني بالمربد ههنا عصا جعلها معترضة على الباب تمنع الإبل من الخروج، سماها مربدا لهذا والمربد أيضا مواضع التمر مثل الجرين والبيدر للحنطة والمربد بلغة أهل الحجاز والجرين لهم أيضا، والأندر لأهل الشام، والبيدر لأهل العراق.
[ 248 ]
وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين. قال عبد الرحمن: يعني بقوله: يستفتح بصعاليك المهاجرين، أنه كان يستفتح القتال بهم. قال أبو عبيد: كأنه يتيمن بهم والصعاليك الفقراء. والاستفتاح هو الاستنصار، ويروى في تفسير قوله " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " يقول: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. ويروى أن امرأة من العرب كان بينها وبين زوجها خصومة فقالت: بيني وبينك الفتاح تعني الحاكم لأنه ينصر المظلوم على الظالم. غمر وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام أنه كان في سفر فشكي إليه العطش، فقال: أطلقوا لي غمري، فأتي به.
[ 249 ]
قال الكسائي والأحمر أو غيره: الغمر القعب الصغير وقال أعشى باهلة يمدح رجلا: [ البسيط ] تكفيه حزة فلذ إن ألم بها من الشواء ويروى شربه الغمر يقال منه: تغمرت إذا شربت شربا قليلا. وأما الغمر فالرجل الجاهل بالأمور والجمع منهما جميعا أغمار. والغمر: السخيمة والشحناء تكون في القلب والمغمر مثل الغمر، والغمر الماء الكثير ومنه قيل للرجل الجواد: غمر. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أن النعمان بن مقرن قدم على النبي عليه السلام في أربعمائة راكب من مزينة، فقال النبي عليه السلام لعمر: قم فزودهم، فقام عمر ففتح غرفة له فيها تمر كالبعير الأقرم هكذا الحديث. ويروى: فإذا تمر مثل الفصيل الرابض فقال
[ 250 ]
[ عمر ]: يا رسول الله ! إنما هي أصوع ما يقيظن بني، قال: قم فزودهم. قال أبو عمرو: ولا أعرف الأقرم ولكن أعرف المقرم، وهو البعير المكرم الذي لا يحمل عليه ولا يذلل، ولكن يكون للفحلة. قال: وأما البعير المقروم فهو الذي به قرمة، وهي سمة تكون فوق الأنف تسلخ منه جلدة ثم تجمع فوق أنفه فتلك القرمة يقال منه: قرمت البعير أقرمه قرما. قيظ قال أبو عبيد: وإنما سمي السيد الرئيس من الرجال المقرم لأنه شبه بالمقرم من الإبل لعظم شأنه وكرمه عندهم وقال أوس بن حجر: [ الطويل ] إذا مقرم منا ذرا حد نابه تخمط فينا ناب آخر مقرم / أراد: إذا هلك سيد منا خلف مكانه آخر.
[ 251 ]
وأما قول عمر: ما يقيظن بني فإنه يعني [ أنه ] لا يكفيهم لقيظهم، والقيظ: هو حمارة الصيف، يقول: ما يصيفهم، يقال: قيظني هذا الطعام وهذا الثوب إذا كفاك لقيظك، وكان الكسائي ينشد هذا الرجز لبعض الأعراب: [ الرجز ] من يك ذا بت فهذا بتي مقيظ مصيف مشتي يقول: يكفيني القيظ والصيف والشتاء. وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام حين بعث إلى ضباعة وذبحت شاة فطلب منها، فقالت: ما بقي منها إلا الرقبة، وإني لأستحيي ان أبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرقبة فبعث إليها أن أرسلي بها فإنها هادية الشاة، وهي أبعد الشاة من الأذى. قال الأصمعي وغير واحد: الهادي من كل شئ أوله وما تقدم منه. ولهذا قيل: أقبلت هوادي الخيل إذا بدت أعناقها، لأنها أول شئ يتقدمها من أجسادها، وقد تكون الهوادي أول رعيل يطلع منها لأنها المتقدمة، يقال منه: قد هدت تهدي إذا تقدمت، قال عبيد بن الأبرص
[ 252 ]
يذكر الخيل: [ الكامل ] وغداة صبحن الجفار عوابسا تهدي أوائلهن شعث شزب أي يتقدمهن وقال الأعشى يذكر عشاه ومشيه بالعصا: [ المتقارب ] إذا كان هادي الفتى في البلا د صدر القناة أطاع الأميرا قد يكون أنه إنما سمى العصا هاديا لأنه يمسكها بيده فهي تهديه تتقدمه، وقد يكون من الهداية أي أنها تدله على الطريق، وكذلك الدليل يسمى هاديا لأنه يقدم القوم ويتبعونه، ويكون أن يهديهم للطريق. وقال [ أبو عبيد ]: في حديث النبي عليه السلام أن قوما شكوا إليه سرعة فناء طعامهم فقال النبي عليه السلام: أتكيلون أم تهيلون قالوا: نهيل، قال: فكيلوا، ولا تهيلوا. قوله: لا تهيلوا، يقال لكل شئ أرسلته إرسالا من رمل أو تراب وطعام ونحوه: قد هلته أهيله هيلا إذا أرسلته فجرى، وهو طعام مهيل.
[ 253 ]
وقال الله [ تبارك و ] تعالى " وكانت الجبال كثيبا مهيلا ". ومنه حديث العلاء بن الحضرمي رحمه الله أنه أوصاهم عند موته وكان مات في سفر فقال: هيلوا علي هذا الكثيب ولا تحفروا لي فأحبسكم. فتأويل الحديث المرفوع أنهم كانوا لا يكيلون طعامهم ويصبونه صبا فنهاهم عن ذلك. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام في الذي يشرب في إناء من فضة: إنما يجرجر في بطنه نار جهنم. [ قال ] أصل الجرجرة: الصوت، ومنه قيل للبعير إذا صوت: هو يجرجر قال الأغلب العجلي يصف فحلا يهدر ويقال: إنه لدكين: [ الرجز ] وهو إذا جرجر بعد الهب جرجر في حنجرة كالحب وهامة كالمرجل المنكب
[ 254 ]
فكان معنى الحديث في قوله: يجرجر في بطنه يعني صوت وقوع الماء في الجوف وإنما يكون ذلك عند شدة الشرب وقال الراعي / يذكر شرب الإبل وأنهم سقوها فقال: [ الكامل ] فسقوا صوادي يسمعون عشية للماء في أجوافهن صليلا يعني صوت الجرع. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن قتل شئ من الدواب صبرا. قال أبو زيد وأبو عمرو وغيرهما: قوله، صبرا، هو الطائر أو غيره من ذوات الروح يصبر حيا ثم يرمى حتى يقتل. قال أبو عبيد: وأصل الصبر الحبس، وكل من حبس شيئا فقد صبره. ومنه حديث النبي عليه السلام في رجل أمسك رجلا فقتله آخر قال: أقتلوا القاتل واصبروا الصابر.
[ 255 ]
قوله: اصبروا الصابر، [ يعني ] احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت ومنه قيل للرجل الذي يقدم فيضرب عنقه: قتل صبرا يعني أنه أمسك على الموت، وكذلك لو حبس رجل نفسه على شئ يريده قال: صبرت نفسي قال عنترة يذكر حربا كان فيها: [ الكامل ] فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع يعني أنه حبس نفسه جثم قال أبو عبيد: ومن هذا قولهم: يمين الصبر، وهو أن يحبس السلطان الرجل على اليمين حتى يحلف بها، ولو حلف إنسان من غير إحلاف ما قيل: حلف صبرا. وأما المجثمة التي نهى عنها فإنها المصبورة أيضا ولكنها لا تكون إلا في الطير والأرانب وأشباه ذلك مما يجثم، لأن الطير يجثم في الأرض وغيرها إذا لزمته ولبدت عليه، فإن حبسها إنسان قيل:
[ 256 ]
قد جثمت أي فعل ذلك بها، وهي مجثمة، وهي المحبوسة، فإذا فعلت هي من غير فعل أحد قيل: قد جثمت تجثم جثوما فهي جاثمة. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام: لا ينفع ذا الجد منك الجد، قيل: كتب معاوية إلى المغيرة أن اكتب إلي بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه المغيرة أني سمعته يقول إذا انصرف من الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
[ 257 ]
قال أبو عبيد: الجد بفتح الجيم لا غير، وهو الغنى والحظ في الرزق، ومنه قيل: لفلان في هذا الأمر جد إذا كان مرزوقا منه، فتأويل قوله: لا ينفع ذا الجد منك الجد أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه، إنما ينفعه العمل بطاعتك، وهذا كقوله [ تبارك و ] تعالى " لا ينفع مال ولا بنون من أتى الله بقلب سليم " وكقوله " وما أموالكم ولآ أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا " ومثله كثير. وكذلك حديثه الآخر قال: قمت على باب الجنة فإذا عامة من
[ 258 ]
يدخلها الفقراء، وإذا أصحاب الجد محبوسون يعني ذوي الحظ في الدنيا والغنى. وقد روي / عن الحسن وعكرمة في قوله [ تبارك وتعالى ] " [ وأنه ] تعالى جد ربنا " قال أحدهما: غناه، وقال الآخر: عظمته. وعن ابن عباس: لو علمت الجن أن في الإنس جدا ما قالت: " تعالى جد ربنا " [ الذين قال أبو عبيد: يذهب ابن عباس إلى أن الجد إنما هو الغنى ولم يكن يرى أن أبا الأب جد إنما هو عنده أب، ويقال منه للرجل إذا كان له جد في الشئ: رجل مجدود، ورجل محظوظ من الحظ قالهما أبو عمرو. و [ قد ] زعم بعض الناس أنه إنما هو: ولا ينفع ذا الجد منك الجد بكسر الجيم، والجد إنما هو الاجتهاد بالعمل، وهذا التأويل خلاف ما دعا الله [ عز وجل ] إليه المؤمنين ووصفهم به لأنه قال
[ 259 ]
في كتابه: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا " فقد أمرهم بالجد والعمل الصالح، وقال " إن الذين آمنوا وعملوا الصلخت إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " وقال " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلواتهم خاشعون ] " إلى آخر الآيات، وقال " جزاء بما كانوا يعملون " في آيات كثيرة، فكيف يحثهم على العمل وينعتهم به ويحمدهم عليه، ثم يقول: إنه لا ينفعهم. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه سأل رجلا فقال: ما تدعو في صلاتك فقال الرجل: أدعو بكذا وكذا وأسأل ربي الجنة وأتعوذ به من النار، فأما دندنتك ودندنة معاذ فلا نحسنها، فقال النبي عليه السلام: حولهما ندندن، وروي: عنهما ندندن.
[ 260 ]
قال أبو عبيد: الدندنة أن يتكلم الرجل بالكلام تسمع نغمته ولا تفهم عنه لأنه يخفيه، وإنما أراد أن هذا تسمعه منا إنما هو من أجل الجنة والنار فهذه الدندنة. والهينمة نحو من تلك وهي أخفى منها. ومن ذلك حديث عمر الذي يروى عنه في إسلامه أنه أتى منزل أخته فاطمة امرأة سعيد بن زيد وعندها خباب وهو يعلمها سورة طه فاستمع على الباب، فلما دخل قال: ما هذه الهينمة التي سمعت. يقال منه: هينم الرجل يهينم هينمة وكذلك هتملت هتملة بمعناها وقال الكميت: [ المتقارب ] ولا أشهد الهجر والقائليه إذا هم بهينمة هتملوا وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه كان إذا
[ 261 ]
قام للتهجد يشوص فاه بالسواك. قوله: يشوص، الشوص الغسل، وكل شئ غسلته فقد شصته تشوصه شوصا. والموص الغسل أيضا مثل الشوص، يقال: مصته أموصه موصا ومنه قول عائشة في عثمان رضي الله عنهما: مصتموه كما يماص الثوب
[ 262 ]
ثم عدوتم عليه فقتلتموه تعني بقولها: مصتموه، ما كانوا استعتبوه فأعتبهم [ فيه ] ثم فعلوا [ به ] ما فعلوا. قال أبو عبيد: فذلك الموص، يقال: خرج نقيا مما كان فيه. وقال [ أبو عبيد ]: في حديثه عليه السلام أنه صلى فأوهم في صلاته فقيل: يا رسول الله ! كأنك أوهمت في صلاتك، فقال: [ و ] كيف / لا أوهم ورفغ أحدكم بين ظفره وأنملته. قال الأصمعي: جمع الرفغ أرفاغ وهي الآباط والمغابن من الجسد، ويكون ذلك في الإبل والناس. قال أبو عبيد: ومعناه في هذا الحديث ما بين الأنثيين و [ أصول ] الفخذين وهو من المغابن.
[ 263 ]
ومما يبين ذلك حديث عمر رضي الله عنه: إذا التقى الرفغان فقد وجب الغسل. قال أبو عبيد: [ أراد ]: إذا التقى ذلك من الرجل والمرأة ولا يكون ذلك إلا بعد التقاء الختانين فهذا يبين [ لك ] موضع الرفغ. فمعنى الحديث المرفوع أنه أراد أن أحدكم يحك ذلك الموضع من جسده فيعلق درنه ووسخه بأصابعه فيبقى بين الظفر والأنملة، وإنما أنكر من ذلك طول الأظفار وترك قصها. يقول: فلو لا أنكم لا تقصونها حتى يطول ما بقي الرفغ هنالك هذا وجه الحديث. ومما بين ذلك حديثه الآخر واستبطأ الناس الوحي فقال:
[ 264 ]
وكيف لا يحتبس [ الوحي ] وأنتم لا تقلمون أظفاركم ولا تقصون شواربكم ولا تنقون براجمكم. قال الأصمعي: يقال: أوهم الرجل في كلامه وفي كتابه يوهم إيهاما إذا ما أسقط منه شيئا، ويقال: وهم يوهم إذا غلط، ويقال: وهم إلى الشئ يهم وهما إذا ذهب وهمه إليه. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن إذا خرجن تفلات. قال أبو عبيد: قوله: تفلات، التفلة التي ليست بمثطيبة وهي
[ 265 ]
المنتنة الريح، يقال منه: تفلة ومتفال قال امرؤ القيس: [ الطويل ] إذا ما الضجيع ابتزها من ثيابها تميل عليه هونة غير متفال وقال الكميت: [ الكامل ] فيهن آنسة الحديث حيية ليست بفاحشة ولا متفال ومما يبين ذلك حديثه الآخر قال: إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمسن طيبا. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام حين ذكر الخوارج فقال: قوم يتفقهون في الدين يحقر أحدكم صلاته عند صلاته وصومه عند صومه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأخذ سهمه فنظر في نصله فلم ير شيئا ثم نظر في رصافه فلم ير شيئا
[ 266 ]
ثم نظر في القذذ فتمارى أيرى شيئا أم لا. قال الأصمعي وغيره: الرمية هي الطريدة التي يرميها الصائد، وهي كل دابة مرمية. وقوله: نظر في كذا وكذا فلم ير شيئا يعني أنه أنفذ سهمه فيها حتى خرج وندر فلم يعلق به من دمها شئ من سرعته فنظر إلى النصل فلم ير فيه دما ثم نظر في الرصاف، وهي العقب التي فوق الرعظ، والرعظ مدخل النصل في السهم فلم ير دما واحدة الرصاف رصفة. والقذذ ريش السهم، كل واحدة [ منها ] قذة. ومنه الحديث الآخر: هذه الأمة أشبه الأمم ببني إسرائيل تتبعون آثارهم حذو القذة بالقذة يعني كما تقدر كل واحدة منهن على صاحبتها. فتأويل الحديث [ المرفوع ] أن الخوارج يمرقون من الدين مروق ذلك السهم من الرمية يعني إذا دخل فيها ثم خرج منها لم يعلق به
[ 267 ]
منها شئ، فكذلك دخول هؤلاء في الإسلام ثم خروجهم منه لم يتمسكوا منه بشئ. وفي حديث آخر: قيل: يا رسول الله ! ألهم آية أو علامة يعرفون بها قال: نعم، التسبيد فيهم فاش. قال أبو عبيد: سألت أبا عبيدة عن التسبيد فقال: هو ترك التدهن وغسل الرأس، وقال غيره: إنما هو الحلق واستئصال الشعر، قال أبو عبيد: / وقد يكون الأمران جميعا قال النابغة في قصر الشعر يذكر فرخ القطاة حين حمم ريشه: [ البسيط ] منهرت الشرق لم تنبت قوادمه في حاجب العين من تسبيده زبب
[ 268 ]
ويروى: تسقي أزيغب ترويه مجاجتها في جانب العين من تسبيده زبب يعني بالتسبيد طلوع الزغب، وقد روي [ في ] الحديث ما يثبت قول أبي عبيدة حديث ابن عباس أنه قدم مكة مسبدا رأسه فأتى الحجر فقبله ثم سجد عليه. قال أبو عبيد: فالتسبيد ههنا ترك التدهن والغسل وبعضهم يقول: التسميد بالميم ومعناهما واحد. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه أتى كظامة قوم فتوضأ ومسح على قدميه.
[ 269 ]
الكظامة: السقاية، وقال أبو عبيد: سألت عنها الأصمعي وأهل العلم من أهل الحجاز فقالوا: هي آبار تحفر ويباعد ما بينها، ثم يخرق ما بين كل بئرين بقناة تؤدي الماء من الأولى إلى التي تليها حتى يجتمع الماء إلى آخرتهن، وإنما ذلك من عوز الماء ليبقى في كل بئر ما يحتاج إليه أهلها للشرب وسقي الأرض، ثم يخرج فضلها إلى التي تليها، فهذا معروف عند أهل الحجاز. ومنه حديث عبد الله بن عمر: إذا رأيت مكة قد بعجت كظائم وساوى بناؤها رؤوس الجبال فاعلم أن الأمر قد أظلك فخذ حذرك.
[ 270 ]
قال: ويقال في الكظامة إنه الفقير وهو فم القناة، وجمعه فقر. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: ليست الهرة بنجس إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات قال: وكان يصغي لها الإناء. قوله: من الطوافين أو الطوافات عليكم إنما جعلها بمنزلة المماليك، ألا تسمع قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم [ الذين ملكت أيمانكم ] " إلى قوله " ليس عليكم ] ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم " وقال تعالى في موضع آخر " يطوف عليهم ولدان مخلدون " فهؤلاء الخدم، فمعنى
[ 271 ]
[ هذا ] الحديث أنه جعل الهرة كبعض المماليك ومن هذا قول إبراهيم إبراهيم [ النخعي ]: إنما الهرة كبعض أهل البيت، ومثله قول ابن عباس: إنما هي من متاع البيت، وأما حديث ابن عمر أنه كان يكره سؤر الهرة فإنه ذهب إلى أنه سبع له ناب، وكذلك حديث أبي هريرة. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه خرج يريد حاجة فاتبعه بعض أصحابه فقال: تنح عني فإن كل بائلة تفيخ. قال أبو زيد: الإفاخة الحدث يعني من خروج الريح خاصة، يقال: قد أفاخ الرجل يفيخ إفاخة، فإذا جعلت الفعل للصوت قلت: قد فاخ يفوخ. وأما الفوح بالحاء، فمن الريح تجدها لا من
[ 272 ]
الصوت. قال أبو عبيد: وكراهيته عليه السلام أن يكون قربه أحد عند البول، مثل حديثه الآخر أنه كان إذا أتى الحاجة استبعد وتوارى وروي عن أبي ذر أنه قال ورجل قريب منه فقال: يا ابن أخي ! قطعت علي لذة بيلي، كأنه استحيى من قرب من معه، فمنعه ذلك من التنفس عند البول. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في الاستنجاء أنه كان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة. قال أبو عمرو وغيره: أما الروث فروث الدواب.
[ 273 ]
/ وأما الرمة فهي العظام البالية، قال لبيد: [ البسيط ] والنيب إن تعرمني رمة خلقا بعد الممات فإني كنت أثئر قال أبو عبيدة: أثئر وهو الأخذ بالثأر يقول: كنت أجعل لنفسي عندها ثأرا فلا أطلب ثأرا أي عندها، والنيب: الإبل المسان. قال أبو عبيد: والرميم في قول أبي عبيدة مثل الرمة، قال الله عز وجل " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ".
[ 274 ]
يقال [ منه ]: قد رم العظم فهو يرم، ويروى أن أبي بن خلف لما نزلت هذه الآية أتى بعظم بال إلى النبي عليه السلام فجعل يفته ويقول: أترى الله يا محمد يحيي هذا بعد ما قد رم وفي حديث آخر أنه نهى أن يستنجى برجيع أو عظم. فأما الرجيع فقد يكون الروث أو العذرة جميعا، وإنما سمي رجيعا لأنه رجع عن حاله الأولى بعدما كان طعاما أو علفا إلى غير ذلك، وكذلك كل شئ يكون من قول أو فعل يردد فهو رجيع، لأن معناه مرجوع أي مردود وقد يكون الرجيع الحجر الذي قد استنجى به مرة ثم رجعه إليه فاستنجى به، وقد روي عن مجاهد أنه كان يكره أن يستنجى بالحجر الذي قد استنجى به مرة. وفي غير هذا الحديث أنه أتي بروث في الاستنجاء فقال: إنها ركس.
[ 275 ]
وهو شبيه المعنى بالرجيع، يقال: ركست الشئ وأركسته لغتان إذا رددته، قال الله عز وجل " والله أركسهم بما كسبوا " وتأويله فيما نرى أنه ردهم إلى كفرهم. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه قال: من بات على إجار أو قال: على سطح ليس عليه ما يرد قدميه فقد برئت منه الذمة ومن ركب البحر إذا التج أو [ قال ]: ارتج، قال أبو عبيد: وأكثر ظني أنه التج باللام فقد برئت منه الذمة أو قال: فلا يلومن إلا نفسه.
[ 276 ]
قال أبو عبيد: الإجار والسطح واحد. ومن ذلك حديث ابن عمر قال: ظهرت على إجار لحفصة رضي الله عنها _ وقال بعضهم: على سطح _ فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على حاجته مستقبلا بيت المقدس مستدبر الكعبة. قال أبو عبيد: وجمع الإجار أجاجير وأجاجرة، وهو كلام أهل الشام وأهل الحجاز. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه كان يسجد على الخمرة.
[ 277 ]
قال أبو عبيد: الخمرة شئ منسوج يعمل من سعف النخل ويرمل بالخيوط وهو صغير على قدر ما يسجد عليه المصلي أو فويق ذلك، فإن عظم حتى يكفي الرجل لجسده كله في صلاة أو مضجع لو أكثر من ذلك فحينئذ حصير وليس بخمرة. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه نهى عن تطيين القبور وتقصيصها. قوله: التقصيص، هو التجصيص، وذلك أن الجص يقال له: القصة، يقال منه: قصصت القبور والبيوت / إذا جصصتها. ومنه حديث عائشة حين قالت للنساء: لا تغتسلن عن المحيض حتى ترين القصة البيضاء.
[ 278 ]
ترى قرء [ قال أبو عبيد: و ] معناه أن تقول: حتى تخرج القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها المرأة كأنها قصة لا تخالطها صفرة ولا ترية، وقد قيل: إن القصة شئ كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله _ والله أعلم. وأما الترية فالشئ الخفي اليسير وهو أقل من الصفرة والكدرة، ولا تكون الترية إلا بعد الاغتسال، فأما ما كان بعد في أيام الحيض فهو حيض وليس بترية. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في المستحاضة أنه قال لها: احتشي كرسفا، قالت: إنه أكثر من ذلك إني أثجه ثجا، قال: تلجمي وتحيضي في علم الله ستا أو سبعا ثم اغتسلي وصلي.
[ 279 ]
أما قوله: احتشى كرسفا، فإن الكرسف القطن. وقولها: أثجه ثجا، هم من الماء الشجاج وهو السائل. ومنه الحديث المرفوع أنه سئل عن بر الحج فقال: هو العج والثج. فالعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج سيلان دماء الهدي. وقوله: تلجمي يقول: شدى لجاما، وهو شبيه بقوله: استثفري والاستثفار مأخوذ من شيئين: يكون من ثفر الدابة، إنه شبه هذا اللجام بالثفر لأنه يكون تحت ذنب الدابة ويكون من الثفر و (الثفر)، والثفر يكون [ أصله ] للسباع، كما يقال للناقة: حياؤها، وإنما هذه كلمة استعيرت كما استعارها الأخطل في قوله: [ الطويل ] جزى الله فيها الأعورين ملامة وفروة ثفر الثورة المتضاجم
[ 280 ]
فقال: ثفر البقرة، وإنما هي للسباع، فكذلك ترى " استثفري " أخذه من هذا إنما [ هو ] كناية عن الفرج. وقوله: تحيضي يقول: اقعدي أيام حيضك ودعي فيها الصلاة والصيام، فهذا التحيض ثم اغتسلي وصلي وقال في حديث آخر: دعي الصلاة أيام أقرائك، فهذا قد فسر التحيض وقوله: أيام أقرائك، يبين لك أن الأقراء إنما هي الحيض، وهذا مما اختلف فيه أهل العراق وأهل الحجاز، فقال أهل العراق: إن قوله عز وجل: " يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " إنما هي الحيض، وقال أهل الحجاز: إنما هي الأطهار، فمن قال: إنما هي الحيض، فهذا الحديث حجة له لقول النبي عليه السلام: دعي الصلاة أيام أقرائك ومن زعم أنها الأطهار فله حجة أيضا. يقال: قد أقرأت المرأة إذا دنا حيضها، وأقرأت إذا دنا طهرها، زعم ذلك أبو عبيدة والأصمعي وغيرهما وقد ذكر ذلك الأعشى في شعر مدح به رجلا غزا غزوة فظفر فيها وغنم فقال: [ الطويل ] مورثة عزا وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا
[ 281 ]
وقال أبو عبيد: فمعنى القروء ههنا الأطهار لأنه ضيع أطهارهن في غزاته وأثرها عليهن وشغل بها عنهن ومثله قول الأخطل: [ البسيط ] قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم دون النساء ولو باتت بأطهار / وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس. قوله: العجماء جبار يعني البهيمة، وإنما سميت عجماء لأنها لا تتكلم قال أبو عبيد: من ذكر الله [ تبارك وتعالى ] في السوق كان له [ من الأجر ] بعدد كل فصيح [ فيها ] وأعجم فقال
[ 282 ]
المبارك: الفصيح الإنسان والأعجم البهيمة. قال أبو عبيد: وكذلك كل من لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم، ومن هذا الحديث: إذا كان أحدكم يصلي واستعجمت عليه قراءته فليتم يعني إذا انقطعت فلم يقدر على القراءة من النعاس. ومنه قول الحسن: صلاة النهار عجماء، يقال: لا تسمع فيها قراءة. وأما الجبار فهو الهدر، وغنما جعل جرح العجماء هدرا إذا كانت منفلتة ليس لها قائد، ولا سائق ولا راكب، فإذا كان وإنما واحد من هؤلاء الثلاثة فهو ضامن، لأن الجناية حينئذ ليست للعجماء، إنما هي جناية صاحبها الذي أوطأها الناس وقد روي ذلك عن علي وعبد الله وشريح وغيرهم. وأما الحديث المرفوع: الرجل جبار، فإن معناه أن يكون الراكب يسير على دابته فتنفح الدابة برجلها في سيرها فذلك هدر أيضا وإن كان عليها راكب، لأن له أن يسير في الطريق وأنه لا يبصر ما خلفه، فإن كان واقفا عليها في طريق لا يملكه فما أصابت بيدها أو برجلها
[ 283 ]
أو بغير ذلك فهو ضامن على كل حال، وكذلك إذا أصابت بيدها وهي تسير فهو ضامن أيضا، واليد والرجل في الوقوف سواء هو ضامن له. وأما قوله: البئر جبار، فإن فيها غير قول، يقال: إنها البئر يستأجر عليها صاحبها رجلا يحفرها في ملكه فتنهار على الحافر فليس على صاحبها ضمان، ويقال: هي البئر تكون في ملك الرجل فيسقط فيها إنسان أو دابة فلا ضمان عليه، لأنها في ملكه، فهذا قول يقال، ولا أحسب هذا وجه الحديث، لأنه لو أراد الملك لما خص البئر خاصة دون الحائط والبيت والدابة وكل شئ يكون في ملك الرجل فلا ضمان عليه، ولكنها عندي البئر العادية القديمة التي لا يعلم لها حافر ولا مالك تكون في البوادي فيقع فيها الإنسان أو الدابة فذلك هدر بمنزلة الرجل يوجد قتيلا بفلاة من الأرض لا يعلم له قاتل فليس فيه قسامة ولا دية. وأما قوله: والمعدن جبار، فإنها هذه المعادن التي تستخرج منها الذهب والفضة فيجئ قوم يحفرونها بشئ مسمى لهم، فربما انهار
[ 284 ]
المعدن عليهم فقتلهم فيقول: دماؤهم هدر، لأنهم عملوا بأجرة وهذا أصل لكل عامل عمل عملا بكراء فعطب فيه أنه هدر لا ضمان على من استعمله إلا أنهم إذا كانوا جماعة ضمن بعضهم لبعض على قدر حصصهم من الدية. ركز قال أبو عبيد: من هذا لو أن رجلين هدما حائطا بأجر فسقط عليهما فقتل أحدهما كان على عاقلة / الذي لم يمت نصف الدية لورثة الميت ويسقط عنه النصف لأن الميت أعان على نفسه. وأما قوله: في الركاز الخمس، فإن أهل العراق وأهل الحجاز اختلفوا في الركاز، فقال أهل العراق: الركاز المعادن كلها، فما استخرج منها من شئ فلمستخرجها أربعة أخماس مما أصاب ولبيت المال الخمس، قالوا: وكذلك المال العادي يوجد مدفونا هو مثل المعدن على قياسه سواء، وقالوا: إنما أصل الركاز المعدن والمال العادي الذي قد ملكه الناس مشبه بالمعدن وقال أهل الحجاز: إنما الركاز المال المدفون خاصة مما كنزه بنو آدم قبل الإسلام، فأما المعادن فليست بركاز وإنما فيها مثل ما في أموال المسلمين من الزكاة إذا بلغ ما أصاب مائتي درهم كان فيها خمسة دراهم وما زاد فبحساب ذلك، وكذلك الذهب إذا بلغ
[ 285 ]
عشرين مثقالا كان فيه نصف مثقال وما زاد فبحساب ذلك. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في الإهلال بالحج. قال الأصمعي وغيره: الإهلال التلبية، وأصل الإهلال [ رفع ] الصوت، وكل رافع صوته فهو مهل. قال أبو عبيد: وكذلك قول الله تعالى في الذبيحة " وما أهل [ به ] لغير الله " هو ما ذبح للآلهة، وذلك لأن الذابح يسميها عند الذبح، فذلك هو الإهلال وقال النابغة الذبياني يذكر درة أخرجها الغواص من البحر فقال: [ الكامل ] أو درة صدفية غواصها بهج متى يرها يهل ويسجد يعني بإهلاله رفعه صوته بالدعاء والتحميد لله [ تبارك وتعالى ] إذا رآها.
[ 286 ]
وكذلك الحديث في استهلال الصبي أنه إذا ولد لم يرث ولم يورث حتى يستهل صارخا. قال أبو عبيد: فالاستهلال هو الإهلال، وإنما يراد من هذا الحديث أنه يستدل على حياته باستهلاله ليعلم أنه سقط حيا، فإذا لم يصح ولم يسمع رفع صوت، وكانت علامة أخرى يستدل بها على حياته من حركة يد أو رجل أو طرفه بعين فهو مثل الاستهلال، وقال ابن أحمر: [ السريع ] يهل بالفرقد ركبانها كما يهل الراكب المعتمر وقال أبو عبيد: قوله: المعتمر، ههنا أراد به العمرة، وهو في غير هذا المعتم، ويقال: اعتم الرجل إذا تعمم.
[ 287 ]
وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: لا قطع في ثمر ولا كثر وقال أبو عبيد وغيره: الكثر جمار النخل في كلام الأنصار وهو الجذب أيضا جرن وقال أبو عبيد: وأما قوله: في الثمر، فإنه يعني به التمر المعلق في النخل الذي لم يجذذ ولم يحرز في الجرين وهو معنى حديث عمر رضي الله عنه: لا قطع في عام سنة ولا في عذق معلق والجرين هو الذي يسميه أهل العراق البيدر، ويسميه / أهل الشام الأندر، ويسمى بالبصرة الجوخان ويقال أيضا بالحجاز: المربد. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه خطب في حجته أو في عام الفتح فقال: ألا ! إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية
[ 288 ]
فهي تحت قدمي هاتين منها دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج. قال أبو عبيد: وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين قوله: المأثرة، هي المكرمة. ويقال: إنها إنما سميت مأثرة لأنها تؤثر ويأثرها قرن عن قرن أي يتحدث بها، كقولك: أثرت الحديث آثره أثرا، ولهذا قيل: حديث مأثور، فمأثرة مفعلة من هذا أي من أثرت. قال: سمعت الكسائي يقول: العرب تقول في كل الكلام: فعلت فعلة بفتح الفاء إلا في حرفين: حججت حجة ورأيت رؤية. وأما قوله: سدانة البيت، فإنه يعني خدمته، يقال منه: سدنته أسدنه سدانة وهو رجل سادن من قوم سدنة وهم الخدم وكانت السدانة واللواء في الجاهلية في بني عبد الدار، وكانت السقاية والرفادة إلى هاشم بن عبد مناف ثم صارت إلى عبد المطلب ثم إلى العباس وأقر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاله في الإسلام والسدانة هي الحجابة.
[ 289 ]
وأما قوله: دم ربيعة بن الحارث، فإن ابن الكلبي اخبرني أن ربيعة لم يقتل وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دهرا إلى زمان عمر ولكنه قتل ابن له صغير في الجاهلية فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه فيما أهدر، قال: وإنما قال: دم ربيعة بن الحارث، لأنه ولي الدم فنسبه إليه. وأما الرفادة فإنها شئ كانت [ قريش ] ترافد به في الجاهلية، فيخرج كل إنسان منهم بقدر طاقته فيجمعون من ذلك مالا عظيما أيام الموسم، فيشترون به الجزر والطعام والزبيب للنبيذ، فلا يزالون يطعمون الناس حتى ينقضي الموسم، وكان أول من قام بذلك وسنه هاشم بن عبد مناف، ويقال: إنه سمي هاشم لهذا لأنه هشم الثريد
[ 290 ]
واسمه عمرو وفيه يقول الشاعر: [ الكامل ] عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف ثم قام بعده عبد المطلب ثم العباس فقام الإسلام وذلك في يد العباس وكان في زمن النبي عليه السلام ثم لم تزل الخلفاء تفعل ذلك إلى اليوم. وقوله: تحت قدمي هاتين يعني أني قد أهدرت ذلك كله،
[ 291 ]
وهذا كلام العرب يقول الرجل للرجل إذا جرى بينهما شر ثم أراد الصلح: اجعل ذلك تحت قدميك أي أبطله وارجع إلى الصلح. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أن سعد بن عبادة أتاه برجل كان في الحي مخدج سقيم وجد على أمة من إمائهم يخبث بها فقال النبي عليه السلام: خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ / فاضربوه بها ضربة. قال الأصمعي وغير واحد في المخدج: هو الناقص الخلق، ومنه قيل للمقتول بالنهروان في الخوارج: مخدج اليد. وأما العثكال فهو الذي يسميه الناس: الكباسة، وفيه لغتان: عثكال وعثكول وأهل المدينة يسمونه العذق بكسر العين. وأما العذق بالفتحة فالنخلة نفسها قال امرؤ القيس يصف
[ 292 ]
شعر امرأة شبهه بالعثكال: [ الطويل ] وفرع يزين المتن أسود فاحم أثيث كقنو النخلة المتعثكل والقنو هو العثكال أيضا، وجمع القنو أقناء وقنوان. وفي هذا الحديث من الفقه أنه عجل ضربه فلم يمنعه سقمه من إقامة الحد عليه، وفيه تخفيف الضرب عنه، ولا نرى ذلك إلا لمكان مرضه، وفيه أنه لم ينفه من الزنا. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: من منح منحة ورق أو منح لبنا كان له كعدل رقبة أو نسمة. قوله: من منح ورق أو منح لبنا، فإن المنحة عند العرب على معنيين: أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه المال هبة أو صلة فيكون له، وأما المنحة الأخرى فإن للعرب أربعة أسماء تضعها في موضع العارية فينتفع بها
[ 293 ]
المدفوعة إليه، والأصل في هذا كله لربها يرجع إليه، وهي المنيحة والعرية والإفقار والإخبال، وكلها في الحديث إلا الإخبال فأما المنحة فالرجل يمنح أخاه ناقة أو شاة فيحتلبها عاما أو أقل من ذلك أو أكثر ثم يردها، وهذا تأويل الحديث. وأما العرية فالرجل يعري الرجل تمر نخلة من نخيلة فيكون له التمر عامة ذلك، هذه العرية التي رخص النبي عليه السلام في بيع ثمرها بتمر قبل أن يصرم. وأما الإفقار فأن يعطي الرجل الرجل دابته فيركبها ما أحب في سفر أو حضر ثم يردها عليه [ وهو ] الذي يروى فيه الحديث عن عبد الله أنه سئل عن رجل استقرض من رجل دراهم ثم إن المستقرض أفقر المقرض ظهر دابته، قال عبد الله: ما أصاب من ظهر دابته فهو ربا فذلك يذهب
[ 294 ]
إلى أنه قرض جر منفعة. وأما الإخبال فإن الرجل منهم كان يعطي الرجل البعير أو الناقة ليركبها فيجتز وبرها وينتفع بها ثم يردها، وإياه عنى زهير بن أبي سلمى وقال لقوم يمدحهم: [ الطويل ] هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا يقال منه: قد أخبلت الرجل أخبله إخبالا. وكان أبو عبيدة ينشده: [ الطويل ] هنالك إن يستخولوا المال يخولوا من الخول. وفي حديث آخر [ يروى ] من حديث عوف وغيره يرفع إلى النبي عليه السلام: من منح منحة وكوفا فله كذا وكذا. فالوكوف: الكثيرة الغزيرة الدر، ومن هذا قيل: وكف البيت
[ 295 ]
بالمطر، وكذلك وكفت العين بالدمع وفي قوله: منحة وكوفا، مما يبين لك أنه لم يرد [ بالمنحة ] الشربة يسقيها الرجل صاحبه، إنما أراد بالمنحة الناقة أو الشاة يدفعها إليه ليحتلبها. ومن / المنحة أيضا أن يمنح الرجل الرجل أرضه يزرعها. ومنه حديث النبي عليه السلام: من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه. قال أبو عبيد: وأكثر العرب تجعل المنحة العارية خاصة، ولا تجعل العرب الهبة منحة. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: من أحيى أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق. قال الجمحي: قال هشام: العرق الظالم، أن يجئ الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسا أو يحدث فيها حدثا ليستوجب به الأرض هذا الكلام أو نحوه قال أبو عبيد فهذا التفسير في الحديث الأول
[ 296 ]
ومما يحقق ذلك حديث آخر سمعت عباد بن العوام يحدثه مثل هذا الحديث قال قال عروة: فلقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلا غرس في أرض رجل من الأنصار نخلا، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى للأنصاري بأرضه وقضى على الآخر أن ينزع نخله قال: فلقد رأيتها يضرب في أصولها بالفؤوس وإنها لنخل عم. عمم عفا قال أبو عبيد: هذا الغارس في أرض غيره هو العرق الظالم. وقوله: نخل عم، هي التامة في طولها والتفافها، واحدتها عميمة ومنه قيل للمرأة: عميمة إذا كانت كذلك في خلقها قال لبيد يصف نخلا: [ الكامل ] سحق يمتعها الصفا وسريه عم نواعم بينهن كروم فالسحق: الطوال، وقوله: يمتعها يعني يطولها، [ وهو ] مأخوذ
[ 297 ]
من الماتع، وهو الطويل من كل شئ والصفا اسم نهر والسري النهر الصغير. وفي هذا الحديث من الحكم أنه من اغتصب أرضا أو دارا فغرس فيها وبنى وأنفق ثم جاء ربها فاستحقها يحكم حاكم أنه يقضي على الغاصب بقلع ما أحدث فيها وإن أضر ذلك به، ولا يقال للمستحق: اغرم له القيمة ودع البناء على حاله ولكن إنما له نقضه لا غير، إلا أن يشاء المستحق ذلك فهذا الأصل في حكم الغاصب. وفي حديث آخر زيادة في هذا قال: من أحيى أرضا ميتة فهي له، وما أكلت العافية [ منها ] فهو له صدقة. فالواحد من العافية عاف، وهو كل من جاءك يطلب فضلا أو رزقا فهو معتف وعاف، وجمعه عفاة، وقد عفاك يعفوك عفوا قال الأعشى يمدح رجلا: [ المتقارب ] تطوف العفاة بأبوابه كطوف النصارى يبيت الوثن وقد تكون العافية في هذا الحديث من الناس وغيرهم وبيان ذلك في
[ 298 ]
حديث آخر حدثنيه أبو اليقظان وأنا في نخل لي فقال: من غرسه أمسلم أم كافر قلت: لا بل مسلم، قال: ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو دابة أو طائر أو سبع إلا كانت له صدقة. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. قوله: نفث في روعي، هو كالنفث بالفم، شبيه بالنفخ فأما التفل فلا يكون / إلا ومعه شئ من الريق ومن ذلك حديثه الآخر أنه كان إذا مرض يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث [ و ] قال عنترة:
[ 299 ]
[ الوافر ] فإن يبرأ فلم أنفث عليه وإن يفقد فحق له الفقود وقوله: روعي، معناه كقولك: في خلدي ونفسي ونحو ذلك، فهذا بضم الراء. وأما الروع بالفتح فالفزع وليس من هذا بشئ. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: تسعة أعشراء الرزق في التجارة، والرزق الباقي في السابياء. قال هشيم: يعني بالسابياء النتاج، قال الأصمعي: السابياء هو الماء الذي يجري على رأس الولد إذا ولد. وقال أبو زيد [ الأنصاري ]: ذلك الماء هو الحولاء (الحولاء) ممدود. قال: وأما الجلدة الرقيقة التي يكون
[ 300 ]
فيها الولد فإنها السلى، ومنه قيل في المثل: انقطع السلى في البطن يضرب في الأمر العظيم إذا نزل بهم. قال الأحمر: السابياء والحولاء والسخد كله الماء الذي يكون مع الولد، وهو ماء غليظ ومنه قيل للرجل إذا أصبح ثقيلا مورما: إنه لمسخد. قال أبو عبيد: ومعنى هذا الحديث والذي نرجع إليه ما قال هشيم: إنما أراد النتاج، ولكن الأصل ما فسر هؤلاء لأنه عليه السلام لم يسم النتاج السابياء ومما يبين ذلك حديث عمر قال قال لي عمر: ما مالك يا ظبيان قال قلت: عطائي ألفان، قال: اتخذ من هذا الحرث والسابياء قبل أن تليك غلمة من قريش لا تعد العطاء معهم مالا. وقال أبو عبيد في حديث النبي عليه السلام: من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا قال أبي بن كعب إنه سمع
[ 301 ]
رجلا ينادي: يا لفلان ! فقال له: أعضض بهن أبيك ولم يكن، فقال له: يا أبا المنذر ما كنت فحاشا، فقال: إني سمعت النبي عليه السلام يقول: من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا. قال الكسائي: يعني انتسب وانتمى، كقولهم: يا لفلان ! ويا لبنى فلان ! فقوله: عزاء الجاهلية، الدعوى للقبائل أن يقال: يا لتميم ! ويا لعامر وأشباه ذلك. ومنه حديث سمعته يروى عن بعض أهل العلم أن رجلا قال بالبصرة: يا لعامر ! فجاء النابغة الجعدي بعصبة له فأخذته شرط أبي موسى فضربه خمسين سوطا بإجابته عن دعوى الجاهلية ويقال منه: اعتزينا وتعزينا، قال عبيد [ بن الأبرص ]: [ الكامل ] نعليهم تحت العجا ج المشرقي إذا اعتزينا
[ 302 ]
وقال الراعي: [ الطويل ] فلما التقت فرساننا ورجالهم دعوا يا لكلب واعتزينا لعامر وقال بشر بن أبي خازم: [ الكامل ] نعلو الفوارس بالسيوف ونعتزي والخيل مشعرة النحور من الدم ويقال منه: عزوت الرجل إلى أبيه وأعزيته وعزيته لغتان إذا نسبته إليه. وكذلك الحديث إذا أسندته. قال حدثني يحيى بن سعيد عن ابن جريج أن عطاء حدثه بحديث قال فقلت [ لعطاء ]: أتعزيه إلى أحد [ يعني أتسنده إليه ] وهو مثل النسبة. وأما / حديثه
[ 303 ]
الآخر قوله: من لم يتعز بعزاء الإسلام فليس منا قال: عزاء الإسلام أن يقول: يا للمسلمين ! وكذلك يروى عن عمر أنه قال: سيكون للعرب دعوى قبائل، فإذا كان ذلك فالسيف السيف والقتل القتل حتى يقولوا: يا للمسلمين ! [ فهذا عزاء الإسلام. قال أبو عبيد ] ويقال: كنوت الرجل وكنيته [ لغتان، قال: سمعت من أبي زياد ينشد الكسائي: [ الطويل ] وإني لأكنو عن قدور بغيرها وأعرب أحيانا بها فأصارح ] فتخ وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه وفتخ أصابع رجليه. قال يحيى: الفتخ أن يصنع هكذا ونصب أصابعه ثم غمز موضع المفاصل منها إلى باطن الراحة يعني أنه كان يفعل ذلك بأصابع رجليه
[ 304 ]
في السجود قال الأصمعي: [ أصل ] الفتخ اللين قال أبو عبيد: ويقال للبراجم إذا كان فيها لين وعرض: إنها لفتخ، ومنه قيل للعقاب: فتخاء، لأنها إذا انحطت كسرت جناحيها وغمزتهما وهذا لا يكون إلا من اللين قال امرؤ القيس يذكر الفرس ويشبهها بالعقاب: [ الطويل ] كأني بفتخاء الجناحين لقوة دفوف من العقبان ظأطأت شملالى وقال الآخر: [ البسيط ] كأنها كاسر في الجو فتخاء وإنما سميت كاسرا لكسرها جناحيها إذا انحطت. وفي هذا الحديث من الفقه أنه كان ينصب قدميه في السجود نصبا، ولولا نصبه إياهما لم يكن هناك فتخ فكانت الأصابع منحنية، فهذا الذي يراد من الحديث،
[ 305 ]
وهو مثل حديثه الآخر أنه أمر بوضع الكفين ونصب القدمين في الصلاة. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام في حديث ذكر فيه نعت أهل الجنة قال: ويرفع أهل الغرف إلى غرفهم في درة بيضاء ليس فيها قصم ولا فصم. قوله: القصم بالقاف هو أن ينكسر الشئ فيبين، يقال منه: قصمت الشئ أقصمه قصما إذا كسرته حتى يبين، ومنه قيل: فلان أقصم الثنية إذا كان مكسورها ومنه الحديث [ الآخر ]: استغنوا عن الناس ولو عن قصمة السواك يعني ما انكسر منه إذا استيك به. وأما الفصم بالفاء فهو أن ينصدع الشئ من غير أن يبين، يقال منه: فصمت الشئ أفصمه فصما إذا فعلت ذلك به، فهو مفصوم قال ذو الرمة يذكر غزالا شبهه بدملج فضة: [ البسيط ] كأنه دملج من فضة نبه في ملعب من جواري الحي مفصوم
[ 306 ]
وإنما جعله مفصوما لتثنيه وانحنائه إذا نام، ولم يقل: مقصوم، فيكون بائنا باثنتين وقد قال الله عز وجل " لا انفصام لها ". وأما الوصم بالواو وليس [ هو ] في هذا الحديث فإنه العيب يكون بالإنسان وفي كل شئ، يقال: ما في فلان وصمة إلا كذا وكذا يعني العيب. وأما التوصيم فإنه الفترة والكسل يكون في الجسد، ومنه الحديث: إن الرجل إذا قام يصلي من الليل أصبح طيب النفس، وإن نام حتى يصبح أصبح ثقيلا موصما وقال لبيد: [ الرمل ] وإذا رمت رحيلا فارتحل واعص ما يأمر توصيم الكسل / وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله.
[ 307 ]
قال الكسائي: هو من الوتر، وذلك أن يجني الرجل على الرجل جناية يقتل له قتيلا أو يذهب بماله وأهله فيقال: قد وتر فلان فلانا أهله وماله " قال أبو عبيد: يقول: فهذا ما قد فاته من صلاة العصر بمنزلة الذي وتر فذهب بماله وأهله، وقال غيره: وتر أهله يقول: نقص أهله وماله وبقي فردا، وذهب إلى قوله: " ولن يتركم أعمالكم يقول: لن ينقصكم، يقال: وترته حقه إذا نقصته قال أبو عبيد: وأحد القولين قريب من الآخر. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه جاء إلى البقيع ومعه مخصرة فجلس ونكت بها [ في ] الأرض، ثم رفع رأسه وقال:
[ 308 ]
ما من نفس منفوسة إلا [ و ] قد كتب مكانها من الجنة أو النار ثم ذكر حديثا طويلا في القدر. قوله: ومعه مخصرة، فإن المخصرة ما اختصر الإنسان بيده وأمسكه من عصا أو عنزة أو عكازة أو ما أشبه ذلك ومنه أن يمسك الرجل بيد صاحبه فيقال: فلان مخاصر فلان. ومنه حديث عبد الله بن عمرو أنه كان عنده رجل من قريش وكان مخاصرة
[ 309 ]
وأخبرني مسلمة بن سهل بشيخ من أهل العلم بإسناد له لا أحفظه أن يزيد بن معاوية قال لأبيه معاوية: ألا ترى عبد الرحمن بن حسان يسب بابنتك، فقال معاوية: ما قال فقال قال: [ الخفيف ] وهي زهراء مثل لؤلؤة الغواص ميزت من جوهر مكنون فقال معاوية: صدق، فقال يزيد: وقال: فإذا ما نسبتها لم تجدها في سناء من المكارم دون فقال معاوية: صدق، فقال يزيد: فأبين قوله: ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء تمشي في مرمر مسنون فقال معاوية: كذب. قال أبو عبيد: قوله: خاصرتها [ أي ] أخذت بيدها. قال
[ 310 ]
الفراء: يقال: خرج القوم متخاصرين إذا كان بعضهم آخذا بيد بعض. وأما الحديث الذي يروى أنه نهى أن يصلي الرجل مختصرا فليس من هذا، إنما ذاك أن يصلي وهو واضع يده على خصره، فذلك يروى في كراهيته حديث مرفوع ويروى فيه الكراهة أيضا عن عائشة رضي الله عنها وأبي هريرة، و [ هو ] في بعض الحديث أنه راحة أهل النار. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه كان لا يصلي في شعر نسائه.
[ 311 ]
[ قوله ]: الشعر واحدتها الشعار، وهو ما ولى جلد الإنسان من اللباس وأما الدثار فهو ما فوق الشعار مما يستدفأ به. وأما اللحاف فكلما تغطيت به فقد التحفت به، يقال منه: لحفت الرجل ألحفه لحفا إذا فعلت ذلك به قال طرفة بن العبد: [ الرمل ] ثم راحوا عبق المسك بهم يلحفون الأرض هداب الأزر وفي الحديث من الفقه أنه إنما كره الصلاة في ثيابهن فيما نرى والله أعلم مخافة أن يكون أصابها شئ من دم الحيض، / أعرف للحديث وجها غيره فأما عرق [ الجنب و ] الحائض فلا نعلم أحدا كرهه، ولكنه بمكان الدم كما كره الحسن الصلاة في ثياب الصبيان وكره بعضهم
[ 312 ]
الصلاة في ثياب اليهودي والنصراني، وذلك لمخافة أن يكون أصابها شئ من القذر لأنهم لا يستنجون وقد روي مع هذا الرخصة في الصلاة في ثياب النساء وسمعت يزيد يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مروط نسائه، وكانت أكسية أثمانها خمسة دراهم أو ستة والناس على هذا. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي. لا أعلمه إلا من حديث
[ 313 ]
ابن عيينة عن عمرو عن [ طاؤس وعن ابن عجلان عن المقبري يرفعان حديث النبي صلى الله عليه وسلم ]. قوله: لا أتهب، يقول: لا أقل هبة إلا من هؤلاء: ومثال هذا من الفعل افتعل، كقولك من العدة: اتعد، ومن الصلة: اتصل، ومن الزنة: اتزن. قال أبو عبيد: ويقال: إن النبي عليه السلام إنما قال هذه المقالة لأن الذي اقتضاه الثواب من أهل البادية فخص هؤلاء بالاتهاب منهم لأنهم أهل حاضرة وهم أعلم بمكارم الأخلاق وبيان ذلك في حديث آخر أنه قال: لقد هممت أن لا أقبل هبة أو قال: هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي وفي بعض الحديث: أو دوسي. فهذا قد بين لك أنه أراد بقوله: لا أتهب [ أي ] لا أقبل هبة، وفي هذا الحديث أنه [ صلى الله عليه ] كان يقبل الهدية والهبة، وليس هذا بعده لأحد من الخلفاء، لأنه يروى عنه: هدايا الأمراء غلول وبلغني ذلك عن أبي المليح الرقي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: كانت
[ 314 ]
لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية وللأمراء بعده رشوة. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه حرم ما بين لابتي المدينة. قال الأصمعي: اللابة الحرة وهي الأرض التي قد ألبستها حجارة سود، وجمع اللابة لابات ما بين الثلاث إلى العشر، فإذا كثرت فهي اللاب واللوب لغتان قال بشر بن أبي خازم يذكر كتيبة: [ الطويل ] معالية لاهم إلا محجر وحرة ليلى السهل منها فلوبها
[ 315 ]
يريد جمع لابة، ومثل هذا في الكلام قليل، ومنه: قارة وقور، وساحة وسوح. وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين عير إلى ثور. وهما اسما جبلين بالمدينة، وقد كان بعض الرواة يحمل معنى بيت الحارث بن حلزة في قوله: [ الخفيف ] زعموا أن كل من ضرب العير موال لنا وإنا الولاء على هذا العير يذهب إلى كل من ضرب إليه وبلغه، وبعض الرواة يحمله على [ أن ] العير الحمار ثور قال أبو عبيد: وهذا حديث أهل العراق، وأهل المدينة لا يعرفون بالمدينة جبلا يقال له ثور، وإنما ثور بمكة فيرى أن الحديث [ إنما ] أصله: ما بين عير إلى أحد.
[ 316 ]
قال أبو عبيد: سألت عن هذا أهل المدينة فلم يعرفوه، وهذا الحديث من رواية أهل العراق ولم يعرف أهل المدينة ثورا، وقالوا: إنما ثور بمكة، وأما عير فبالمدينة معروف وقد رأيته. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام / أنه أتاه مالك بن مرارة الرهاوي فقال: يا رسول الله ! إني قد أوتيت من الجمال ما ترى ما يسرني أن أحدا يفضلني بشراكين فما فوقهما فهل ذلك من البغي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك من سفه الحق وغمط الناس. أما قوله: من سفه الحق، فإنه أن يرى الحق سفها وجهلا،
[ 317 ]
[ و ] قال الله جل ذكره " إلا من سفه نفسه " وبعض المفسرين يقول في قوله: " إلا من سفه نفسه ": سفهها. وأما قوله: وغمط الناس، فإنه الاحتقار لهم والازدراء بهم وما أشبه ذلك. وفيه لغة أخرى في غير هذا الحديث: وغمص الناس بالصاد، وهو بمعنى غمط. ومنه حديث يروى عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر أنه أصاب ظبيا وهو محرم فسأل عمر فشاور عبد الرحمن ثم أمره أن يذبح شاة، فقال قبيصة لصاحبه: والله ! ما علم أمير المؤمنين حتى سأل غيره وأحسبني سأنحر ناقتي، فسمعه عمر فأقبل عليه ضربا بالدرة فقال: أتغمص الفتيا وتقتل الصيد وأنت محرم قال الله [ تبارك و ] تعالى
[ 318 ]
" يحكم به ذوا عدل منكم " فأنا عمر وهذا عبد الرحمن. [ وقال أبو عبيد ]: قوله: أتغمص الفتيا يعني أتحتقرها وتطعن فيها ؟ ومنه يقال للرجل إذا كان مطعونا عليه في دينه: إنه لمغموص عليه، يقال: غمص وغمط يغمص ويغمط وأنا أغمص وأغمط. وفي هذا الحديث من الفقه أن عمر لم يحكم عليه حتى حكم معه غيره لقوله " يحكم به ذوا عدل منكم ". وفيه أنه جعل في الظبي شاة أو كبشا ورآه نده من النعم. وفيه أنه لم يسأله: أقتله عمدا أو خطأ، ورأهما عنده سواء في الحكم، وهذا غير قول من يقول: إنما الجزاء في العمد. وفيه أنه لم يسأله: هل أصاب صيدا قبله أم لا، ولكنه حكم عليه، فهذا يرد قول من قال، إنما يحكم عليه مرة واحدة فإن عاد لم يحكم عليه، وقيل له: اذهب فينتقم الله منك. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه قال:
[ 319 ]
لا يعدي شئ شيئا، فقال أعرابي: يا رسول الله ! إن النقبة تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما أجرب الأول قال الأصمعي: النقبة أول الجرب حين يبدو، ويقال للناقة والبعير: به نقبة، وجمعه نقب. وأخبرني ابن الكلبي أن دريد بن الصمة خطب الخنساء بنت عمرو [ بن الشريد ] إلى أخويها صخر ومعاوية [ ابني عمرو بن الشريد ] فوافقاها وهي تهنأ إبلا لها فاستأمرها أخواها فيه فقالت: أتروني كنت تاركة بني عمي كأنهم عوالي الرماح ومرتثة شيخ بني جشم، فانصرف دريد وهو يقول: [ الكامل ]
[ 320 ]
ما إن رأيت ولا سمعت به كاليوم هاني أينق صهب متبدلا تبدو محاسنه يضع الهناء مواضع النقب وفي الحديث ايضا أنه عليه السلام قال: لا عدوى ولا هامة ولا صفر، وقد فسرناه في موضع آخر. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه قال: ثلاث / من أمر الجاهلية: الطعن في الأنساب، والنياحة والأنواء. [ قال ]: سمعت عدة من أهل العلم يقولون: أما الطعن في الأنساب والنياحة فمعروفان، وأما الأنواء فإنها ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها، في الصيف والشتاء والربيع والخريف، يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته، وكلاهما معلوم مسمى، وانقضاء هذه الثمانية وعشرين كلها مع انقضاء السنة، ثم يرجع الأمر إلى النجم الأول مع
[ 321 ]
استئناف السنة المقبلة، فكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر قالوا: لا بد [ من ] أن يكون عند ذلك مطر ورياح، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى ذلك النجم الذي يسقط حينئذ فيقولون: مطرنا بنوء الثريا والدبران والسماك، وما كان من هذه النجوم فعلى هذا فهذه هي الأنواء، واحدها نوء. وإنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق للطلوع، فهو ينوء نوءا، وذلك النهوض هو النوء، فسمي النجم به، وكذلك كل ناهض بثقل وإبطاء فإنه ينوء عند نهوضه، وقد يكون النوء السقوط. قال أبو عبيد: ولم أسمع أن النوء السقوط إلا في هذا الموضع. وقال الله تعالى " مآ إن مفاتحه لتنوء بالعصبة " وقال ذو الرمة يذكر امرأة بالعظم: [ الطويل ] تنوء بأخراها فلأيا قيامها وتمشي الهوينا من قريب فتبهر
[ 322 ]
وقد ذكرت العرب الأنواء في أشعارها فأكثرت حتى جاء فيها النهي عن النبي عليه السلام. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أن رجلا كان يخدمه في سفر فقال له النبي [ صلى الله عليه ]: هل في أهلك من كاهل قال: لا، ما هم إلا صبية صغار، فقال: ففيهم فجاهد. قوله: من كاهل يعني من أسن وهو من الكهل، يقال: كاهل الرجل واكتهل إذا أسن، وكذلك يقال: قد اكتهل النبات إذا تم طوله، وهو رجل كهل وامرأة كهلة قال الراجز: [ الرجز ] ولا أعود بعدها كريا أمارس الكهلة والصبيا
[ 323 ]
وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: إذا دخل شهر رمضان صفدت الشياطين وفتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار. قال الكسائي وغير واحد: [ قوله ]: صفدت يعني شدت بالأغلال وأوثقت، يقال [ منه ]: صفدت الرجل فهو مصفود، وصفدته فهو مصفد، فأما أصفدته بالألف إصفادا فهو أن تعطيه وتصله، والاسم من العطية ومن الوثاق جميعا الصفد قال النابغة الذبياني في الصفد يريد العطية: [ البسيط ] هذا الثناء [ فإن تسمع به حسنا فلم أعرض ] أبيت اللعن بالصفد
[ 324 ]
يقول: لم أمدحك لتعطيني، والجمع منهما جميعا أصفاد، قال الله عز وجل: " وآخرين مقرنين في الأصفاد ". [ و ] قال الأعشى في العطية أيضا يمدح رجلا: [ الطويل ] تضيفته يوما فأكرم مقعدي وأصفدني على الزمانة قائدا يقول: وهب لي قائدا يقودني، / والمصدر من العطية الإصفاد، ومن الوثق [ الصفد و ] التصفيد، ويقال للشئ الذي يوثق [ به ] الإنسان: الصفاد يكون من نسع أو قد [ و ] قال الشاعر يعير لقيط بن زرارة بأسر أخيه معبد: [ الكامل ] هلا مننت على أخيك معبد والعامري يقوده بصفاد وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أن الله [ تبارك وتعالى ] جعل حسنات ابن آدم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف،
[ 325 ]
وقال الله عز وجل: إلا الصوم فإن الصوم لي وأنا أجزي به ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك. قوله: الصوم لي وأنا أجزي به، وقد علمنا أن أعمال البر كلها لله تعالى وهو يجزي بها فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصوم بأن يكون هو الذي يتولى جزاءه لأن الصوم لا يظهر من ابن آدم بلسان ولا فعل فتكتبه الحفظة، وإنما هو نية بالقلب وإمساك عن حركة
[ 326 ]
المطعم والمشرب والنكاح، يقول: فأنا أتولى جزاءه على ما أحب من التضعيف وليس على كتاب كتب له، ومما يبين ذلك قوله عليه السلام: ليس في الصوم رياء. وذلك أن الأعمال كلها لا تكون إلا بالحركات إلا الصوم خاصة فإنما هو بالنية التي قد خفيت على الناس، فإذا نواها فكيف يكون ههنا رياء هذا عندي والله أعلم وجه الحديث خلف صوم [ قال أبو عبيد: وبلغني عن سفيان بن عيينة ] أنه فسر قوله: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، قال: لأن الصوم هو الصبر، يصبر الإنسان عن المطعم والمشرب والنكاح، ثم قرأ " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " يقول: فثواب الصبر ليس له حساب يعلم من كثرته، ومما يقوي قول سفيان الذي يروى في التفسير قول الله [ تبارك و ] تعالى " السائحون " قال هو في التفسير: الصائمون، يقول: فإنما الصائم بمنزلة السائح ليس يتلذذ بشئ.
[ 327 ]
وأما قوله في الخلوف فإنه تغير طعم الفم لتأخير الطعام، يقال منه: خلف فمه يخلف خلوفا، قاله الكسائي والأصمعي وغيرهما. ومنه حديث علي رضي الله عنه حين سئل عن القبلة للصائم فقال: وما أربك إلى خلوف فيها. والصوم أيضا في أشياء سوى هذا، يقال للنائم الساكت: صائم قال النابغة الذبياني: [ البسيط ] خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وخيل تعلك اللجما ويقل للنهار إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة: قد صام قال امرؤ القيس:
[ 328 ]
[ الطويل ] فدع ذا وسل الهم عنك بجسرة ذمول إذا صام النهار وهجرا وقرأ أنس بن مالك " إني نذرت للرحمن صوما " ويروى: صمتا. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: ليتقه الصائم. [ قوله ]: المروح أراد المطيب بالمسك، فقال: مروح بالواو، وإنما هو من الريح، وذلك أن أصل الريح الواو، وإنما جاءت الواو ياء لكسرة الراء قبلها، فإذا رجعوا إلى الفتح عادت الواو، ألا ترى أنهم قالوا: تروحت بالمروحة بالواو، وجمعوا الريح فقالوا: أرواح،
[ 329 ]
لما انفتحت الواو وكذلك قولهم: تروح الماء وغيره إذا تغيرت ريحه. وفي هذا الحديث من الفقه أنه رخص في المسك أن يكتحل به ويتطيب به وفيه أنه [ كرهه للصائم، وإنما وجه الكراهة أنه ربما خلص إلى الحلق، وقد جاء في الحديث الرخصة فيه وعليه الناس وأنه - ] لا بأس بالكحل للصائم. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام / لعلكم ستدركون أقواما يؤخرون الصلاة إلى شرق الموتى فصلوا الصلاة للوقت الذي تعرفون ثم صلوها معهم. أما قوله: يؤخرون الصلاة إلى شرق الموتى، فإن ذلك في تفسيرين: أحدهما [ يروى ] عن الحسن بن محمد ابن الحنفية، قال أبو عبيد: سمعت مروان الفزاري يحدثه عنه أنه سئل عن ذلك فقال: ألم تر إلى الشمس إذا ارتفعت عن الحيطان وصارت بين القبور كأنها لجة فذلك شرق الموتى سبح قال أبو عبيد: يعني أن طلوعها وشروقها إنما [ هو ] تلك
[ 330 ]
الساعة للموتى دون الأحياء، يقول: إذا ارتفعت عن الحيطان فظننت أنها قد غبت فإذا خرجت إلى المقابر رأيتها هناك. وأما التفسير الآخر فإنه عن غيره قال: هو أن يغص الإنسان بريقه وأن يشرق به عند الموت، فأراد أنهم كانوا يصلون الجمعة ولم يبق من النهار إلا بقدر ما بقي من نفس هذا الذي قد شرق بريقه. وفي غير هذا الحديث زيادة ليست في هذا، عن النبي عليه السلام في تأخير الصلاة مثل ذلك إلا أنه لم يذكر شرق الموتى، وزاد فيه: فصلوا في بيوتكم للوقت الذي تعرفون واجعلوا صلاتكم معهم سبحة. قال أبو عبيد: يعني بالسبحة النافلة، وبيان ذلك في حديث آخر أنه قال: اجعلوها نافلة وكذلك كل نافلة في الصلاة فهي سبحة.
[ 331 ]
ومنه حديث ابن عمر أنه كان يصلي سبحته في مكانه الذي يصلي فيه المكتوبة. قال الله عز وجل " فلولا أنه كان من المسبحين " يروى في التفسير: من المصلين. وفي هذا الحديث من الفقه أنه يرد قول من خرج على السلطان ما دام يقيم الصلاة، فلو رخص لهم في حال لكان في هذه الحال إذا كانوا يصلون الصلاة لغير وقتها فكيف إذا صلوها لوقتها هذا يرد قوله أشد الرد وفي هذا الحديث أيضا ما يبين اختلاف الناس فيمن صلى وحده ثم أعاد في جماعة، فقال بعضهم: صلاته هي الأولى، وقال بعضهم: بل هي التي صلى في جماعة فقد تبين لك في هذا الحديث أن صلاته المكتوبة هي الأولى، وأن التي بعدها نافلة وإن كانت في جماعة. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه كانت فيه دعابة.
[ 332 ]
قوله: الدعابة يعني المزاح، وفيه ثلاث لغات: المزاحة، والمزاح والمزح وفي حديث آخر يروى عنه عليه السلام [ أنه قال ]: إني لأمزح وما أقول إلا حقا، وذلك فيما يروى مثل قوله: اذهبوا بنا إلى فلان البصير نعوده لرجل مكفوف أراد البصير القلب و [ مثل ] قوله للعجوز التي قالت: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: إن الجنة لا تدخلها العجز، كأنه أراد قول الله جل ثناؤه " إنآ أنشأناهن إنشاء أبكارا أترابا " يقول: فإذا صارت إلى الجنة فليست بعجوز حينئذ ومنه قوله لابن أبي طلحة وكان له نغر فمات فجعل يقول: ما فعل النغير يا أبا عمير هذا وما أشبهه من المزاح وهو حق كله. قال أبو عبيد: وفي حديث النغير أنه قد أحل صيد المدينة وقد حرمها، فكأنه إنما حرم الشجر أن تعضد ولم يحرم الطير كما حرم
[ 333 ]
طير مكة [ قال أبو عبيد ]: وقد يكون هذا الحديث أن يكون الطائر إنما أدخل من خارج المدينة إلى المدينة / فلم ينكره لهذا ولا أرى هذا إلا وجه الحديث ومما يبين ذلك أن الدعابة المزاح (المزاح)، قوله لجابر بن عبد الله حين قال له: أبكرا تزوجت أم ثيبا قال: بل ثيبا، قال: فهلا بكرا تداعبها وتداعبك وبعضهم يقول: تلاعبها وتلاعبك. قال اليزيدي: يقال من الدعابة: هذا رجل دعابة، وقال بعضهم: دعب، وكان اليزيدي يقول: إنما هو من المزاح (المزاح) وينكر ما سواها قال أبو عبيد: وإنما المزاح (المزاح) عندنا مصدر مازحته ممازحة ومزاحا، فأما مصدر " مزحت " فكما قال أولئك: مزاحا. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار وغربت الشمس فقد أفطر الصائم.
[ 334 ]
وفي هذا الحديث من الفقه أنه إن أكل أو لم يأكل [ فهو مفطر ]، هذا يرد قول المواصلين يقول ليس للمواصل فضل على الآكل، لأن الصيام لا يكون بالليل فهو مفطر على كل حال أكل أو ترك. هبا قبل وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحاب أو ظلمة أو هبوة فأكملوا العدة، لا تستقبلوا الشهر استقبالا، ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان، قوله: هبوة يعني الغبرة تحول دون رؤية الهلال، وكل غبرة هبوة، ويقال لدقاق التراب إذا ارتفع: قد هبا يهبو هبوا فهو هاب وكان الكسائي ينشد هذه الأبيات، قال الكسائي: أنشدني أشياخ من بني تميم يروونه عن أشياخهم عن هوبر الحارثي: [ الطويل ] ألا هل أتى التيم بن عبد مناءة على الشنء فيما بيننا ابن تميم
[ 335 ]
بمصرعنا النعمان يوم تألبت علينا تميم من شظى وصميم تزود منا بين أذناه ضربة دعته إلى هابي التراب عقيم قوله: هابي التراب يعني ما ارتفع من التراب ودق وقوله: بين أذناه، هي لغة بني الحارث بن كعب يقولون: رأيت رجلان. وقول النبي عليه السلام: لا تستقبلوا الشهر استقبالا، يقول: لا تقدموا رمضان بصيام قبله و [ هو ] قوله: [ و ] لا تصلوا رمضان بيوم من شعبان. وسمعت محمد بن الحسن يقول في هذا: إنما كره التقدم قبل رمضان إذا كان يراد به رمضان، فأما إذا كان أراد به التطوع فلا بأس به. قال أبو عبيد: وبيان هذا في حديث مرفوع قال: لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين
[ 336 ]
إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما ثم أفطروا. وفي هذا الحديث من الفقه أيضا قوله: فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين، فجعله لا يجزيهم على غير رؤيته أقل من ثلاثين ففي هذا ما يبين لك أنه لا يجزي في شئ تسعة وعشرين إلا أن يكون ذلك على الرؤية وكذلك لو كان على رجل صوم شهر في نذر أو كفارة فصامه مع الرؤية وأفطر معها فكان الشهر تسعا وعشرين، أجزأه، وإن اعترض الشهر لم يجزه أقل من ثلاثين فهذا وما أشبهه على ذا، وحديث أبي هريرة أصل لكل شئ من هذا الباب. / وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم. قال: كان النبي عليه السلام شريكي فكان
[ 337 ]
خير شريك لا يدارئ ولا يماري وفي حديث سفيان قال قال السائب للنبي عليه السلام: كنت شريكي فكنت خير شريك لا تدارئ ولا تماري. قوله: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، إنما معناه والله أعلم على التطوع خاصة من غير علة من مرض ولا سواه، ولا تدخل الفريضة في هذا الحديث، لأن رجلا لو صلى الفريضة قاعدا أو نائما وهو لا يقدر إلا على ذلك كانت صلاته تامة مثل صلاة القائم إن شاء الله لأنه من عذر، وإن صلاها من غير عذر قاعدا أو نائما لم يجزه ألبتة، وعليه الإعادة وهذا وجه الحديث. وأما قوله: لا يدارئ ولا يماري، فإن المدارأة ههنا مهموز من دارأت، وهي المشاغبة والمخالفة على صاحبك. ومنها قول الله عز وجل " وإذ قتلتم نفسا فادرءتم فيها والله مخرج " يعني اختلافهم في القتيل. ومن ذلك حديث إبراهيم أو الشعبي شك أبو عبيد في المختلعة
[ 338 ]
إذا كان الدرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها. والمحدثون يقولون: هو الدرو بغير همزة، وإنما هو الدرء من درأت، فإذا كان الدرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها، وإن كان من قبله فلا نأخذ يعني بالدرء النشوز والاعوجاج والاختلاف، وكل من دفعته عنك فقد درأته وقال أبو زبيد يرثي ابن أخيه: [ الخفيف ] كان عني يرد درأك بعد الله شغب المستضعف المريد يعني دفعك. وفي حديث آخر قال للنبي عليه السلام: كان [ لا ] يشاري ولا يماري. فالمشاراة: الملاجة، يقال للرجل: قد استشرى إذا لج في الشئ، وهو شبيه بالمدارأة.
[ 339 ]
وأما المداراة في حسن الخلق والمعاشرة مع الناس فليس من هذا، هذا غير مهموز وذلك مهموز، وزعم الأحمر أن مداراة الناس تهمز ولا تهمز قال أبو عبيد: والوجه عندنا ترك الهمز. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: لا يدخل الجنة قتات. قال الكسائي وأبو زيد أو أحدهما: قوله: قتات يعني النمام، يقال منه: فلان يقت الأحاديث قتا أي ينمها نما. [ و ] قال الأصمعي في الذي ينمي الأحاديث: هو مثل القتات إذا كان بلغ هذا عن هذا على وجه الإفساد والنميمة، يقال منه: نميت مشددة، تنمية مخففة، فأنا أنميه، وإن كان إنما يبلغ الحديث
[ 340 ]
على وجه الإصلاح وطلب الخير، يقال منه: نميت الحديث إلى فلان مخففة فأنا أنميه. ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيرا ونمى خيرا يعني أبلغ ورفع، وكل شئ رفعته فقد نميته ومنه قول النابغة: [ البسيط ] فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له وانم القتود على عيرانة أجد ولهذا قيل: نمى الخضاب في اليد والشعر وإنما هو ارتفع وعلا فهو ينمى، وزعم بعض الناس أن ينمو لغة. وبلغني عن سفيان بن عيينة أنه قال: لو أن / رجلا اعتذر إلى رجل فحرف الكلام وحسنه ليرضيه بذلك لم يكن كاذبا بتأويل الحديث، ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيرا ونمى خيرا، قال: فإصلاحه فيما بينه وبين صاحبه
[ 341 ]
أفضل من إصلاح ما بين الناس. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه نهى عن كسب الزمارة. قال الحجاج: الزمارة الزانية، زمر رمز قال أبو عبيد: فمعنى قوله هذا مثل قوله [ إنه ] نهى عن مهر البغي، والتفسير في الحديث، ولم أسمع هذا الحرف إلا فيه، ولا أدري من أي شئ أخذ، وقال بعضهم: الرمازة، وهذا عندي خطأ في هذا الموضع أما الرمازة في حديث آخر، وذلك أن معناها مأخوذ من الرمز، وهي التي تومئ بشفتيها أو بعينيها فأي كسب لها ههنا ينهى عنه، ولا وجه للحديث إلا ما قال الحجاج الزمارة،
[ 342 ]
قال أبو عبيد: وهذا عندنا أثبت ممن خالفه، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الزانية، وبه نزل القرآن في قوله " ولا تكرهوا فتياتكم على البغآء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحيوة الدنيا " فهذا العرض هو الكسب، وهو مهر البغي وهو الذي جاء فيه النهي وهو كسب الأمة، كانوا يكرهون فتياتهم على البغاء ويأكلون كسبهن
[ 343 ]
حتى أنزل الله [ تبارك وتعالى ] في ذلك النهى حدثني يحيى بن سعيد عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: كانت أمة لعبدالله بن أبي وكان يكرهها على الزنا فنزل قوله " ولا تكرهوا فتياتكم على البغآء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحيوة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ". قال أبو عبيد: فالمغفرة لهن لا للموالي، [ قال ] وحدثني
[ 344 ]
إسحاق الأزرق عن عوف عن الحسن في هذه الآية قال: لهن والله، لهن والله، لهن والله. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: لا ترفع عصاك عن أهلك. قال الكسائي وغيره: يقال: إنه لم يرد العصا التي يضرب بها ولا أمر أحدا قط بذلك، ولكنه أراد الأدب. قال أبو عبيد: وأصل العصا الاجتماع والائتلاف ومنه قيل للخوارج: قد شقوا عصا المسلمين أي فرقوا جماعتهم وكذلك قول صلة بن أشيم لأبي السليل: إياك وقتيل العصا يقول: أياك أن تكون قاتلا أو مقتولا في شق عصا المسلمين ومنه قيل للرجل إذا أقام بالمكان واطمأن به واجتمع إليه أمره: قد ألقى عصاه وقال الشاعر: [ الطويل ] فألقت عصاها واستقرت بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر
[ 345 ]
وكذلك يقال [ أيضا ]: ألقى أرواقه، وألقى بوانيه. فكان وجه الحديث أنه أراد بقوله: لا ترفع عصاك عن أهلك أي امنعهم من الفساد والاختلاف وأدبهم وقد يقال للرجل إذا كان رفيقا حسن السياسة لما ولي: إنه للين العصا قال معن بن أوس المزني يذكر ماء وإبلا: [ الطويل ] عليه شريب وادع لين العصا يساجلها جماته وتساجله الجمات في موضع النصب، الرجل يساجل الرجل [ الماء ] والإبل تساجله في الشرب، / والسجل الدلو فيها الماء، والذنوب مثله، وإنما ذكر ماء وإبلا ورجلا يقوم عليها فقال هذا ولا يكون سجلا ولا ذنوبا حتى يكون فيها ماء.
[ 346 ]
وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام أنه لم يشبع من لحم وخبز إلا على ضفف وبعضهم يقول: شظف إلا أن ابن كثير قال: ضفف. قال أبو زيد: يقال في الضفف والشظف جميعا إنهما الضيق والشدة يقول: لم يشبع إلا بضيق وقلة، وقال ابن الرقاع: [ الكامل ] ولقد أصبت من المعيشة لذة ولقيت في شظف الأمور شدادها ويقال في الضفف قول آخر، قالوا: هو اجتماع الناس، يقول: لم يأكل وحده ولكن مع الناس، قال الأصمعي: يقال: هذا ماء مضفوف، وهو الذي قد كثر عليه الناس قال أبو عبيد قال الشاعر:
[ 347 ]
[ الرجز ] لا يستقي في النزح المضفوف إلا مدارات الغروب الجوف فالنزح: الماء القليل والغروب: الدلاء التي تستقى بها على الإبل والجوف العظام الأجواف قال الأصمعي: ويقال أيضا: ماء مشفوه إذا كثر عليه الناس وماء مثمود [ كذلك أيضا ] إذا كثروا عليه حتى ينفدوه إلا أقلة، ومنه قيل: رجل مثمود إذا أكثر النكاح حتى ينزف. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: بلوا أرحامكم ولو بالسلام. قال أبو عمرو وغيره: يقال: بللت رحمي أبلها بلا وبلالا
[ 348 ]
إذا وصلتها وندبتها بالصلة وإنما شبهت قطيعة الرحم بالحرارة تطفأ بالبرد، [ كما ] قالوا: سقيته شربة بردت بها عطشه يقال: كان 1 الصلة هي البرد، والحرارة هي القطيعة قال الأعشى: [ الكامل ] أما لطالب نعمة تممتها ووصال رحم قد بردت بلالها وفي هذا الحديث [ من العلم ] أنه جعل السلام صلة وإن لم يكن بر غيره. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه. قال الكسائي وغيره: بوائقه غوائله وشره، ويقال للداهية
[ 349 ]
[ و ] البلية تنزل بالقوم: قد أصابتهم بائقة. ومنه الحديث الآخر في الدعاء: أعوذ بك من بوائق الدهر ومصيبات الليالي والأيام. قال الكسائي: باقتهم البائقة فهي تبوقهم بوقا، ومثله: فقرتهم الفاقرة، وصلتهم الصالة [ بمعناها ]، ويقال: رجل صل إذا كان داهيا ومنكرا إنما شبه الصل بالحية. وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام: خير المال سكة مأبورة وفرس مأمورة، وبعضهم يقول: مهرة مأمورة. وأما قوله: سكة مأبورة، فيقال: هي الطريقة المستوية المصطفة من النخل، ويقال: إنما سميت الأزقة سككا لاصطفاف الدور فيها كطرائق النخل. وأما المأبورة فهي التي قد لقحت، أبر أمر قال أبو عبيد: يقال: لقحت للواحدة خفيفة ولقحت للجميع بالتثقيل إذ كان جماعة شدد وخفف
[ 350 ]
وإذا كان واحدا لم يكن إلا بالتخفيف وأبرت بالتشديد، ويقال: أبرت النخل فأنا أبرها [ أبرا ] وهي نخل مأبورة. ومنه الحديث المرفوع: من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع. ويقال أيضا: ائتبرت عيري إذا سألته أن يأبر لك نخلك، وكذلك الزرع، قال طرفة: [ الرمل ] ولي الأصل الذي في مثله يصلح الآبر زرع المؤتبر فالآبر: / العامل، والمؤتبر: رب الزرع، والمأبور: الزرع والنخل الذي قد لقح. فأما الفرس أو المهرة المأمورة، فإنها الكثيرة النتاج، وفيها ويقال أيضا: ائتبرت عيري إذا سألته أن يأبر لك نخلك، وكذلك الزرع، قال طرفة: [ الرمل ] ولي الأصل الذي في مثله يصلح الآبر زرع المؤتبر فالآبر: / العامل، والمؤتبر: رب الزرع، والمأبور: الزرع والنخل الذي قد لقح. فأما الفرس أو المهرة المأمورة، فإنها الكثيرة النتاج، وفيها لغتان: أمرها الله فهي مأمورة، وآمرها فهي مؤمرة وقد قرأ بعضهم:
[ 351 ]
" وإذآ أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها " غير ممدود، فقد يكون هذا من الأمر يروى عن الحسن أنه فسرها: أمرناهم بالطاعة فعصوا. وقد يكون " أمرنا " [ بمعنى ] أكثرنا على قوله: فرس مأمورة، ومن قرأها: آمرنا، فمدها فليس معناها إلا أكثرنا على قوله: فرس مأمورة ومن قرأها أمرنا مشددة، فهو من التسليط، يقول: سلطنا ويقال في الكلام قد أمر القوم يأمرون إذا كثروا، وهو من قوله: فرس مأمورة. وأهل الحجاز يؤنثون النخل، وأهل الحديث يذكرون، وكذلك الشعير، فإذا قالوا: نخيل، لم يختلفوا في التأنيث، والتمر والسدر وكلما كان جمعه على لفظ الواحد مثل تمرة وتمر ونخلة ونخل وكلما جاءك من هذا فهو مثل الأول. تم بحمد الله وعونه طبع الجزء الاول من غريب الحديث لابي عبيد القاسم بن سلام الهروي يوم الجعمة الخامس عشر من شهر رجب المرجب سنة 1384 ه = 20 نوفمبر سنة 1964 م ويليه الجزء الثاني أوله " قال أبو عبيد في حديث النبي عليه السلام: قلدوا الخيل - الخ "..