الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج27
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثاني عشر:
السرايا ما قبل الأخيرة
هدم الكعبة اليمانية:
روى الشيخان عن جرير بن عبد الله البجلي: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال له: "ألا تريحني من ذي الخلصة"؟ وكان بيتاً لخثعم وبجيلة، فيه نصب تعبد، تسمى الكعبة اليمانية.
قال جرير: فنفرت في مائة وخمسين راكباً من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري، وقال: "اللهم ثبته على الخيل، واجعله هادياً مهدياً"([1]).
قال: فأتيناه، فكسرناه، وحرقناه، وقتلنا من وجدنا عنده.
وبعثت إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" رجلاً يبشره يكني أبا أرطأة. فأتى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "يا رسول الله، (والذي بعثك بالحق) ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب".
قال: "فبرك رسول الله "صلى الله عليه وآله" على خيل أحمس ورجالها خمس مرات".
قال جرير: فأتيت رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فدعا لنا ولأحمس([2]).
ونقول:
1 ـ قال أبو عمر: كان إسلام جرير في العام الذي توفي فيه رسول الله "صلى الله عليه وآله".
قال جرير: أسلمت قبل موت رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأربعين يوماً([3]).
وقال العسقلاني: وهو غلط، ففي الصحيحين عنه: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال له: استنصت الناس في حجة الوداع، وجزم الواقدي: بأنه وفد على النبي "صلى الله عليه وآله" في شهر رمضان سنة عشر([4]).
وله ذكر في حديث موت النجاشي. وموته قد كان قبل سنة عشر([5]).
2 ـ قد تقدم في أول الكتاب: أنهم بسبب حسدهم للكعبة أنشأوا الكعبة الشامية واليمانية، وما إلى ذلك، بل إن أبرهة جاء من اليمن بفيلته ليهدم الكعبة، فأهلكه الله هو وجيشه، ونزلت سورة الفيل لتحكي لنا قصتهم.
3 ـ إن هؤلاء يصنعون آلهتهم، ويتخذون أرباباً لأنفسهم {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}([6])، في مناقضة منهم ظاهرة لحكم العقل، والمنطق، والفطرة، والوجدان..
4 ـ أما ما ادَّعته الروايات لجرير بن عبد الله البجلي من دعاء النبي "صلى الله عليه وآله" له، فنحن نشك فيه، بل نعتقد أنه مصنوع له، مكافأة له على مواقفه من علي "عليه السلام".
فقد روي: أن مسجد جرير من المساجد الملعونة، فعن أبي جعفر "عليه السلام": فأما المساجد الملعونة، فمسجد ثقيف، ومسجد الأشعث، ومسجد جرير بن عبد الله البجلي، ومسجد سمَّاك بن أبي خرشة([7]).
وقد قال هو والأشعث بن قيس لضبّ مر بهما: يا أبا الحسن (أو يا أبا الحسل)، هلم نبايعك.
فبلغ ذلك علياً "عليه السلام"، فقال: الخ..([8]).
وجددت أربعة مساجد بالكوفة، فرحاً بقتل الحسين "عليه السلام": مسجد الأشعث، ومسجد جرير، ومسجد شبث([9]).
ونظن: أن المقصود هو: فرحهم بقتل علي "عليه السلام"، لأن جريراً توفي قبل استشهاد الإمام الحسين "عليه السلام" سنة أربع وخمسين، أو سنة إحدى وخمسين([10]).
وكان فارق علياً "عليه السلام" إلى معاوية، وخرب علي "عليه السلام" داره بالكوفة، كما هو معلوم([11]).
سرية المغيرة لهدم الربة:
وقدم وفد ثقيف بعد رجوع النبي "صلى الله عليه وآله" من تبوك.
فقد روى البيهقي عن عروة، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وابن إسحاق عن رجاله، قالوا: إن عبد ياليل بن عمرو، وعمرو بن أمية أحد بني علاج الثقفيان لما قدما على رسول الله "صلى الله عليه وآله" مع وفد ثقيف وأسلموا قالوا: أرأيت الربة ماذا نصنع فيها؟
قال: اهدموها.
قالوا: هيهات، لو تعلم الربة أنَّا أوضعنا في هدمها قتلت أهلنا.
قال عمر بن الخطاب: ويحك يا عبد ياليل ما أحمقك، إنما الربة حجر لا تدري من عبده ممن لم يعبده.
قال عبد ياليل: إنَّا لم نأتك يا عمر.
وقالوا: يا رسول الله، اتركها ثلاث سنين لا تهدمها، فأبى.
فقالوا: سنتين، فأبى.
فقالوا: سنة. فأبى.
فقالوا: شهراً واحداً. فأبى أن يوقت لهم وقتاً، وإنما يريدون ترك الربة خوفاً من سفهائهم والنساء والصبيان، وكرهوا أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام.
وسألوا رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يعفيهم من هدمها، وقالوا: يا رسول الله، اترك أنت هدمها، فإنَّا لا نهدمها أبداً.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أنا أبعث أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة يهدمانها". فذكروا الحديث([12]).
فعاد الوفد، وأخبروا قومهم خبرهم وخبر الربة.
فقال شيخ من ثقيف قد بقي في قلبه شرك بعد: فذاك والله مصداق ما بيننا وبينه، فإن قدر على هدمها فهو محق ونحن مبطلون، وإن امتنعت ففي النفس من هذا بعدُ شيء.
فقال عثمان بن أبي العاص: "منتك والله نفسك الباطل وغرتك الغرور. الربة والله ما تدري من عبدها ومن لم يعبدها".
وخرج أبو سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة وأصحابهما لهدم الربة. فلما دنوا من الطائف قال المغيرة لأبي سفيان: تقدم أنت على قومك.
وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم، ودخل المغيرة في بضعة عشر رجلاً يهدمون الربة. فلما نزلوها عشاء باتوا، ثم غدوا على الربة يهدمونها.
فقال المغيرة لأصحابه الذين قدموا معه: "لأضحكنكم اليوم من ثقيف".
فاستَكَفَّت ثقيف كلها: الرجال، والنساء، والصبيان، حتى خرج العواتق من الحجال حزناً يبكين على الطاغية، لا يرى عامة ثقيف أنها مهدومة، ويظنون أنها ممتنعة.
فقام المغيرة بن شعبة واستوى على رأس الدابة ومعه المعول، وقام معه بنو معتب دريئة بالسلاح مخافة أن يصاب كما فعل عمه عروة بن مسعود.
وجاء أبو سفيان وصمم على ذلك، فأخذ الكرزين، وضرب المغيرة بالكرزين ثم سقط مغشياً عليه يركض برجليه، فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وقالوا: أسعد الله المغيرة، قد قتلته الربة. زعمتم أن الربة لا تمتنع، بلى والله لتمنعن، وفرحوا حين رأوه ساقطاً، وقالوا: من شاء منكم فليقترب، وليجتهد على هدمها، فوالله لا يستطاع أبداً.
فوثب المغيرة بن شعبة وقال: قبحكم الله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع، حجارة ومدر، فاقبلوا عافية الله تعالى ولا تعبدوها، ثم إنه ضرب الباب فكسره، ثم سورها وعلا الرجال معه، فما زالوا يهدمونها حجراً حجراً حتى سووها بالأرض، وجعل السادن يقول: ليغضبن الأساس، فليخسفن بهم.
فلما سمع بذلك المغيرة حفر أساسها، فخرّبه حتى أخرجوا ترابها، وانتزعوا حليتها وكسوتها، وما فيها من طيب وذهب وفضة، وثيابها.
فبهتت ثقيف، فقالت عجوز منهم: أسلمها الرضاع، لم يحسنوا المصاع.
وأقبل أبو سفيان والمغيرة وأصحابهما حتى دخلوا على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بحليّها وكسوتها، وأخبروه خبرهم، فحمد الله تعالى على نصر نبيه، وإعزاز دينه. وقسم رسول الله "صلى الله عليه وآله" مال الطاغية من يومه، وسأل أبو المليح بن عرو ة بن (مسعود بن معتب الثقفي) رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن (يقضي) عن أبيه عروة ديناً كان عليه من مال الطاغية.
فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": (نعم).
فقال له قارب بن الأسود: وعن الأسود يا رسول الله فاقضه، وعروة والأسود أخوان لأب وأم.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "إن الأسود مات مشركاً".
فقال قارب: يا رسول الله، لكن تصل مسلماً ذا قرابة، يعني نفسه، إنما الدين علي، وإنما أنا الذي أطلب به.
فأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية([13]).
ونقول:
إن لنا هنا مؤاخذات، وإيضاحات، نذكرها فيما يلي:
خرافة تشغل بال الزعماء:
إن أول ما يطالعنا في النص المتقدم: أن ما يشغل بال عبد ياليل، وعمرو بن أمية حتى بعد أن أسلما هو مصير الصنم الذي كانوا يعبدونه، أو بالأحرى مصيرهم معه، حيث الخوف منه كان مهيمناً عليهما، وكانا يبحثان عن مخرج.
فلما قال لهم النبي "صلى الله عليه وآله": "إهدموها"، أخذهما الخوف، وتكلما بالمتناقضات.. فقالوا: هيهات لو تعلم الربة أننا أوضعنا في هدمها، لقتلت أهلنا".
فهم إذ يقرون بأن الربة تجهل ما يدبرونه في أمرها. فما معنى عبادتهم لصنم يجهل ما يدبره عبَّاده في شأنه؟!
ثم عبَّروا عن خوفهم من الربة أن تقتل أهلهم، فلماذا تقدر على قتل أهلهم، ولا تقدر على معرفة ما يريدونه في شأنها؟!
ولماذا خافوا أن تقتل الربة أهلهم، ولم يخافوا من أن تقتلهم هم أنفسهم؟! إلا إذا كانوا قد تعودوا على نسبة كل ما يفرحهم أو يسوءهم إلى فعل الربة بهم، بزعم أنها غاضبة أو راضية عليهم، لسبب كذا، أو كذا.. ثم هم يشيعون ذلك ويتداولونه، فتتأكد رهبتها ومكانتها في نفوسهم بسبب جهلهم، وسذاجتهم..
طلب تأجيل هدم الصنم (الربة)!:
ولعل المبرر لطلبهم تأجيل هدم الربة ثلاث سنين، أو سنتين، أو سنة، أو شهراً.. هو أنهم يريدون أن يطمئنوا إلى أن ذلك الصنم سوف لا ينتقم منهم، بسبب تركهم له، وهذا الأمر لا ينتهي، ولا مجال لحسمه، إذ لعل أحداً منهم يأتيه أجله، أو يتفق تعرضه لحادث، فإنهم سوف يتوهمون أن الصنم هو الذي فعل ذلك بهم، حنقاً منه وغضباً عليهم، وسيفكرون بالعودة إليه، والتماس رضاه..
وأية قيمة لإيمان من هذا القبيل، حيث يكون ـ باستمرار ـ متمازجاً مع اعتقادهم بتأثير الصنم في سعادتهم، وشقائهم، وحاجتهم إلى إرضائه، والتزلف له باستمرار..
والذي دلنا على أن هذا هو سبب طلبهم تأجيل هدمه هو قولهم: "لو تعلم الربة أننا أوضعنا في هدمها قتلت أهلنا".
ويؤكد لنا ذلك: أنهم طلبوا من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يعفيهم من هدمها.
وكذلك قولهم له: فإنَّا لا نهدمها أبداً.. كما تقدم.
فجاء الموقف الحاسم والحازم الذي يقضي بضرورة المبادرة إلى هدم ذلك الصنم، لكي تنقطع علاقتهم به، ويزول خوفهم منه..
وبذلك يتضح عدم صحة التعليل الذي ذكره رواة النص الذي نقلناه، وهو: أنهم أرادوا ترك الربة خوفاً من سفهائهم، والنساء والصبيان.. وكرهوا أن يروعوا قومهم بهدمها، حتى يدخلهم الإسلام، فقد عرفنا أن بقاء هذا الصنم، سوف يكون مانعاً قوياً من دخول الإسلام إلى قلوبهم..
سبب اختيار أبي سفيان والمغيرة:
وقد اختار "صلى الله عليه وآله" لهدم صنم ثقيف كلاً من أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة..
فلعل سبب اختياره لهذين الرجلين بالذات، أنه "صلى الله عليه وآله" أراد أن يفهمهم أن مصدر قلق مشركي تلك المنطقة أمران:
الأول: خوفهم من أن تكون قريش تضمر لهم الشر والإنتقام، فيما لو تبدلت الأحوال، وعادت إلى الإمساك بمقاليد الأمور، فإذا كانت قريش متمثلة بزعيمها الذي قادها لمحاربة الإسلام وأهله، طيلة عشرين سنة، هي التي تتولى هدم أصنامهم، ومحاربة المصرِّين على الشرك فيهم، فلا يبقى مبرر لخوفهم، أو لترددهم أو قلقهم..
الثاني: الخشية من أن يكون لتلك الأصنام أدنى تأثير فيما يصيبهم أو يصيب أهلهم من رخاء أو بلاء، أو سراء أو ضراء. فإذا تولى هدمها رجل ثقفي، كالمغيرة، ثم لم يصب في نفسه، ولا في أهله بسوء، فإن ذلك سوف يطمئنهم إلى صحة ما يقوله لهم الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله"، من أنها مجرد جمادات لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع..
ويكون هدمها وسلامة من يتولى ذلك من موجبات تأكد التوحيد، واقتلاع آثار الشرك من نفوسهم، وفقاً لما قاله ذلك الشيخ الثقفي: "فذاك والله مصداق ما بيننا وبينه، فإن قدر على هدمها فهو محق، ونحن مبطلون. وإن امتنعت ففي النفس من هذا بعد شيء".
حزن وبكاء ثقيف على صنمها:
وقد سبق: أن عامة ثقيف كانت لا ترى أنها مهدومة، ويظنون أنها ممتنعة. وهيمن عليهم جميعاً الحزن والبكاء..
ونرى: أن هذا الحزن والبكاء ناشئ عن خوفهم من أن تغضب عليهم وتهلكهم، أو ترميهم بالبلايا والرزايا.
أو لعلهم كانوا يشعرون بالسلامة والأمن حين تكون إلى جانهبم، فإذا فقدت، فقد يراودهم الشعور بالضياع، وصيرورتهم في مهب الرياح، عرضة لكل طالب، ونهزة لكل راغب، من قاتل لهم أو سالب.
المغيرة.. يضحك أصحابه من ثقيف:
وبعد.. فإن المغيرة بن شعبة يقول لأصحابه: "لأضحكنكم اليوم من ثقيف" ثم تذكر الرواية: أنه حين ضرب الربة بمعوله تظاهر بالغشية الخ..
ونقول:
هل كان المغيرة يعبد ذلك الصنم طيلة حياته بين أهله وعشيرته؟! أم لم يكن كذلك؟!
وهل كان يعتقد فيه ما يعتقدونه، أو كان يخالفهم في ذلك؟!
وهل خرج حب الأصنام من قلبه حقيقة؟! أم أنه لا يزال على مثل ما هم عليه..
إن كل ذلك قد لا نجد له جواباً واضحاً وصريحاً..
غير أننا نعلم:
أن المغيرة كما قال "عليه السلام": لم يسلم عن قناعة بالإسلام، وإنما لفجرة وغدرة كانت منه بنفر من قومه، فهرب، فأتى النبي "صلى الله عليه وآله" كالعائذ بالإسلام. والله ما رأى أحد عليه منذ ادَّعى الإسلام خضوعاً ولا خشوعاً([14]).
وقال أمير المؤمنين "عليه السلام" لعمار عن المغيرة: "إنه والله دائماً يلبس الحق بالباطل، ويموه فيه، ولن يتعلق من الدين إلا بما يوافق الدنيا"([15]).
وهذا هو الذي يوضح لنا السبب في انحرافه عن علي "عليه السلام" وممالأته لمعاوية، ولكل حاكم طمع بأن ينال من دنياه شيئاً، ولذلك قالوا: سلم على عمر بقوله: "السلام عليك يا أمير المؤمنين" فجروا عليه([16]). مع أن هذا الاسم خاص بأمير المؤمنين علي "عليه السلام".
وكان من الذين حرضوا على غصب الخلافة من علي أمير المؤمنين "عليه السلام"، وقال لهم: وسعوها في قريش تتسع([17]) وأغرى أبا بكر بأن يجعل للعباس نصيباً، ليضعف علي "عليه السلام"([18]).
وهو الذي أغرى معاوية بالبيعة لولده يزيد أيضاً([19]).
وأشار عليه أيضاً باستلحاق زياد([20]).
وقد تصور إبليس بصورته يوم قبض النبي "صلى الله عليه وآله"، فقال: أيها الناس، لا تجعلوها كسرانية، ولا قيصرانية، وسعوها تتسع، ولا تردوها في بني هاشم، فينتظر بها الحبالى الخ..([21]).
وقد حرص الخليفة الثاني على مكافأة المغيرة على تأييده لسياساتهم ومعونته لهم، فعمل جاهداً على تبرئة ساحته، ودفع حد الزنا عنه، حين صد زياد بن أبيه عن أداء الشهادة كما هو حقها([22]).
ثم إنه حين عزله عن البصرة ـ التي زنا فيها ـ للتخلص من كلام الناس، عاد فولاه الكوفة، فصار ذلك مثلاً، فكان يقال: غضب الله عليك كما غضب عمر على المغيرة، عزله عن البصرة واستعمله على الكوفة([23]).
ولما بويع معاوية أقام المغيرة خطباء يلعنون علياً "عليه السلام"([24]).
والحديث حول المغيرة وأفاعيله، وأباطيله يطول، فلا محيص عن الإكتفاء بما ذكرناه.
ونعود نقول:
إن هذا الرجل ـ فيما يظهر ـ لم يكن يرجع إلى دين، ولا يهتم لشيء من قضايا الإيمان، إلا في حدود مصالحه الدنيوية، وهذه صفة بالغة السوء، تضع الإنسان على حد الكفر والزندقة كما هو واضح..
سرية خالد إلى أكيدر:
روى البيهقي، عن ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وروى البيهقي عن عروة بن الزبير، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا:
لما توجه رسول الله صلى الله قافلاً إلى المدينة من تبوك بعث خالد بن الوليد في أربعمائة وعشرين فارساً في رجب سنة تسع إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل. وكان أكيدر من كندة، وكان نصرانياً.
فقال خالد: كيف لي به وسط بلاد كلب، وإنما أنا في أناس يسيرين؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "إنك ستجده [ليلاً] يصيد البقر، فتأخذه، فيفتح الله لك دومة. فإن ظفرت به فلا تقتله، وائت به إلي، فإن أبى فاقتله".
فخرج إليه خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، في ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له، ومعه امرأته الرباب بنت أنيف الكندية. فصعد أكيدر على ظهر الحصن من الحر، وقينة تغنّيه، ثم دعا بشراب.
فأقبلت البقر الوحشية تحك بقرونها باب الحصن، فأشرفت امرأته فرأت البقر، فقالت: ما رأيت كالليلة في اللحم.
قال: وما ذاك؟
فأخبرته. فأشرف عليها، فقالت امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟
قال: لا.
قالت: فمن يترك هذا؟
قال: لا أحد.
قال أكيدر: والله، ما رأيت بقراً جاءتنا ليلة غير تلك الليلة، ولقد كنت أضمِّر لها الخيل، إذا أردت أخذها شهراً، ولكن هذا بقدر.
ثم ركب بالرجال وبالآلة، فنزل أكيدر وأمر بفرسه فأسرج، وأمر بخيله فأسرجت، وركب معه نفر من أهل بيته، معه أخوه حسان ومملوكان له، فخرجوا من حصنهم بمطاردهم. فلما فصلوا من الحصن، وخيل خالد تنظر إليهم لا يصول منها فرس ولا يجول، فساعة فصل أخذته الخيل، فاستأسر أكيدر وامتنع حسان، وقاتل حتى قتل، وهرب المملوكان ومن كان معه من أهل بيته، فدخلوا الحصن، وكان على حسان قباء من ديباج مخوص بالذهب، فاستلبه خالد.
وقال خالد لأكيدر: هل لك أن أجيرك من القتل حتى آتي بك رسول الله "صلى الله عليه وآله" على أن تفتح لي دومة؟
فقال أكيدر: نعم.
فانطلق به خالد حتى أدناه من الحصن.
فنادى أكيدر أهله: أن افتحوا باب الحصن، فأرادوا ذلك، فأبى عليهم مضاد أخو أكيدر.
فقال أكيدر لخالد: تعلم والله أنهم لا يفتحون لي ما رأوني في وثاقك، فخل عني فلك الله والأمانة أن أفتح لك الحصن، إن أنت صالحتني على أهلي.
قال خالد: فإني أصالحك.
فقال أكيدر: ان شئت حكمتك، وإن شئت حكمتني.
فقال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت.
فصالحه على ألفي بعير، وثمانمائة رأس، وأربعمائة درع، وأربعمائة رمح، على أن ينطلق به وبأخيه إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيحكم فيهما حكمه.
فلما قاضاه خالد على ذلك خلى سبيله، ففتح باب الحصن، فدخله خالد وأوثق مضاداً أخا أكيدر، وأخذ ما صالح عليه من الإبل والرقيق والسلاح.
ولما ظفر خالد بأكيدر وأخيه حسان أرسل خالد عمرو بن أمية الضمري بشيراً، وأرسل معه قباء حسان.
قال أنس وجابر: رأينا قباء حسان أخي أكيدر حين قدم به إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم، ويتعجبون منه.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أتعجبون من هذا؟ فوالذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا"([25]).
ثم إن خالداً لما قبض ما صالحه عليه أكيدر عزل للنبي "صلى الله عليه وآله" صفيّه له قبل أن يقسم شيئاً من الفيء، ثم خمّس الغنائم بعد.
قال محمد بن عمر: كان صفي رسول الله "صلى الله عليه وآله" عبداً أو أمة، أو سيفاً أو درعاً، أو نحو ذلك.
ثم خمّس خالد الغنائم بعد، فقسمها بين أصحابه.
قال أبو سعيد الخدري: أصابني من السلاح درع وبيضة، وأصابني عشر من الإبل.
وقال واثلة بن الأسقع: أصابني ست فرائض.
وقال عبد الله بن عمرو بن عوف المازني: كنا مع خالد بن الوليد أربعين رجلاً من بني مزينة، وكانت سهماننا خمس فرائض لكل رجل، مع سلاح يقسم علينا دروع ورماح.
قال محمد بن عمر: إنما أصاب الواحد ستاً والآخر عشراً بقيمة الإبل.
ثم إن خالداً توجه قافلاً إلى المدينة، ومعه أكيدر ومضاد.
وروى محمد بن عمر عن جابر قال: رأيت أكيدر حين قدم به خالد، وعليه صليب من ذهب، وعليه الديباج ظاهراً.
فلما رأى النبي "صلى الله عليه وآله" سجد له، فأومأ رسول الله "صلى الله عليه وآله" بيده: لا، لا، مرتين.
وأهدى لرسول الله "صلى الله عليه وآله" هدية فيها كسوة.
قال ابن الأثير: وبغلة، وصالحه على الجزية.
قال ابن الأثير: وبلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار، وحقن دمه ودم أخيه، وخلى سبيلهما.
وكتب رسول الله "صلى الله عليه وآله" كتاباً فيه أمانهم وما صالحهم عليه، ولم يكن في يد النبي "صلى الله عليه وآله" يومئذ خاتم، فختم الكتاب بظفره.
قال محمد بن عمر، حدثني شيخ من أهل دومة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كتب له هذا الكتاب:
"بسم الله الرحمن الرحيم:
هذا كتاب من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها: أن لنا الضاحية من الضحل، والبور والمعامي، وأغفال الأرض، والحلقة [والسلاح]، والحافر والحصن، ولكم الضامنة من النخل، والمعين من المعمور بعد الخمس، ولا تعدل سارحتكم، ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء، شهد الله تبارك وتعالى ومن حضر من المسلمين"([26]).
وقال بجير بن بجرة الطائي يذكر قول رسول الله "صلى الله عليه وآله" لخالد بن الوليد: "إنك ستجده يصيد البقر"، وما صنعت البقر تلك الليلة بباب الحصن، تصديقاً لقول رسول الله "صلى الله عليه وآله":
تـبـارك سـائـق الـبـقـرات إنــي رأيــت الله يــهــدي كـــل هـاد
فـمـن يـك حـائـداً عن ذي تبوك فـإنّــا قـــد أمــرنــا بالجــهــاد
قال البيهقي بعد أن أورد هذين البيتين من طريق ابن إسحاق، وزاد غيره، وليس في روايتنا: فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": "لا يفضض الله فاك"([27]).
فأتى عليه تسعون سنة فما تحرك له ضرس.
وروى ابن منده، وابن السكن، وأبو نعيم، كلهم عن الصحابة، عن بجير بن بجرة قال: كنت في جيش خالد بن الوليد حين بعثه رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى أكيدر دومة، فقال له: "إنك تجده يصيد البقر".
فوافقناه في ليلة مقمرة وقد خرج كما نعته رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأخذناه، فلما أتينا رسول الله "صلى الله عليه وآله" أنشدته أبياتاً، فذكر ما سبق.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": "لا يفضض الله فاك".
فأتت عليه تسعون سنة وما تحرك له سن([28]).
تنبيهان:
الأول: أكيدر: هو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن.
الثاني: وقالوا: بعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" أبا بكر على المهاجرين إلى دومة الجندل، وبعث خالد بن الوليد على الأعراب معه. وقال: "انطلقوا، فإنكم ستجدون أكيدر دومة يقنص الوحش، فخذوه أخذاً، وابعثوا به إليّ، ولا تقتلوه، وحاصروا أهلها"([29]).
قلت: وذكر أبي بكر في هذه السرية غر يب جداً لم يتعرض له أحد من أئمة المغازي التي وقفت عليها([30]).
ونقول:
إن لنا ههنا وقفات عديدة هي التالية:
عرض خالد على أكيدر:
تقدم قول خالد لأكيدر: "هل لك أن أجيرك من القتل، حتى آتي بك رسول الله "صلى الله عليه وآله" على أن تفتح دومة؟
فقال: نعم.
ونقول:
إن هذا النص لا يعد مخالفاً لقول النبي "صلى الله عليه وآله" لخالد عن أكيدر: إن ظفرت به فلا تقتله، إذ لعله أراد أن يوهم أكيدر بعزمه على قتله لو رفض طلبه، ليستجيب لطلبه، ويفتح له الحصن من دون قتال. ولا ضير في ممارسة أسلوب كهذا إذا كان يوفر على المسلمين تعريض أنفسهم لأخطار هم في غنى عنها.
غير أننا نقول:
ماذا لو أن أكيدر رفض الإستجابة لطلب خالد؟! فهل كان سيقتله، فيكون بذلك مخالفاً أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومنقاداً لحميته، ومؤثراً لإظهار قوة كلمته وشدته؟! أم أنه سيبحث عن مخرج آخر؟!
إننا نترك الإجابة عن ذلك، وترجيح أي من الإحتمالين المذكورين إلى من درس نفسية خالد، وعرف تاريخه، وجرأته على الخلاف. وضعف التزامه بما يفرضه شرع الله، وطاعة أوامر رسول الله وأوليائه..
بطولة؟! أم مهمة إحراجية:
وقد صرحت تلك النصوص: بأن خالداً قد تردد في قبول المهمة رغم أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد جعل تحت امرته أربع ماية وعشرين فارساً، فقال: كيف لي به، وهو وسط بلاد كلب؟! وإنما أنا في أناس يسيرين..
فقال له "صلى الله عليه وآله": إنك تجده ليلاً يصيد البقر، فتأخذه، فيفتح الله لك دومة الجندل، فإن ظفرت به، فلا تقتله الخ..
وهذا معناه: أن خالداً سوف لا يواجه حرباً، ولا طعناً، ولا ضرباً، وأن هذا العدد الكبير من المقاتلين، والجم الغفير، لم تكن له مهمة قتالية، بل هي مهمة أخذ رجل في البرية من دون قتال، ثم تسلُّم البلد، وبسط الأمن فيه.
وربما يمكن أن نفهم: أن هذا الوعد النبوي لخالد قد أحرجه، وفرض عليه قبول المهمة، لأنه إن رفضها، فسيفهم الناس: أنه يكذِّب النبي "صلى الله عليه وآله" فيما يخبر به، أو أنه يشك في صدقه. وهذا ردٌّ لكتاب الله سبحانه الذي يقول: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}([31]).
حدِّث العاقل بما لا يليق له:
وإذا ألقينا نظرة على ما تضمنته الرواية من وصف للأحداث، فسنجدها أموراً غير معقولة، ولامقبولة.. ولا نرضى أن نُتهم في عقولنا، وفقاً لقاعدة: حدِّث العاقل بما لا يليق له، فإن لاق له، فلا عقل له.. فلاحظ ما يلي:
1 ـ إن الرواية تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أخبر خالداً بأنه سوف يجده ليلاً يصيد البقر. فما معنى أن تذكر الرواية: أنه وجده في حصنه على سطح له، ومعه امرأته، ثم ركب بالرجال، وخرجوا من حصنهم، وخيل خالد تنظر إليه، فساعة فصل أخذته الخيل.. فالرواية الصحيحة هي رواية بجير بن بجرة الذي قال: "فوافقناه في ليلة مقمرة وقد خرج كما نعته رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأخذناه".
2 ـ كيف وصلت خيل خالد إلى حصن أكيدر، حتى رأوا أكيدر وامرأته على السطح وحركاتهما، ووقفت تلك الخيل الكثيرة جداً بأصحابها، ولم تصهل ولم تحمحم، ولم يسمع أحد صوت وقع حوافرها في ليل يهيمن عليه السكون، وتكون الأصوات فيه أوضح مما تكون عليه في النهار..
وقد تنبه الرواة لهذه الملاحظة، فأدرجوا في كلامهم عبارة: "لا يصول منها فرس ولا يجول"!!
3 ـ إن البقر الوحشية قد اقتربت من الحصن حتى صارت تحك بابه بقرونها..
والسؤال هو: إذا كان أكيدر وزوجته، وربما من كان معه قد رأوا البقر الوحشية تحك باب الحصن بقرونها، فذلك يعني: أنهم قد راقبوها، ورصدوا حركتها، والمفروض: أن الليلة كانت مقمرة، والرؤية فيها ممكنة حتى إن خيل خالد رصدت أكيدر وزوجته، وراقبت حركتهم بدقة. فلماذا لم يرهم أكيدر، أو زوجته، أو أي من الرجال الذين خرج بهم من الحصن حين كانوا يتابعون حركة البقر الوحشية؟! أم أنهم قد لبسوا طاقية الإخفاء عن كل هؤلاء الناس؟
4 ـ لماذا لم تنفر البقر الوحشية من جيش خالد؟! وكيف تمكن خالد من الإقتراب منها إلى هذا الحد؟!
إلا أن يقال: إن رؤيتهم البقر الوحشية تحك بقرونها باب الحصن لعله كان قبل قدوم خالد وجيشه، أو أن البقر الوحشية قدمت من جهة، وقدم خالد وجيشه من الجهة الأخرى..
ويجاب: بأن ذلك يخالف ظاهر الحديث، فقد كان باب الحصن بمرأى من جيش خالد، ففي النصوص المتقدمةأى: أنهم قد فصلوا من الحصن وخيل خالد تنظر إليهم، وهذا معناه: أن جيش خالد كان بحيث يرى الحصن. وليس إلى الجهة الأخرى منه..
وفيه أيضاً: أن خالداً خرج إليه ـ أي أكيدر ـ حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له.. ثم تستمر الرواية في وصف ما جرى إلى أن تقول: وخيل خالد تنظر إليهم، ولا يصول منها فرس ولا يجول..
فهذا السياق ظاهر في: أن خيل خالد قد وصلت إلى الحصن حين كان أكيدر على سطح له. ثم وصفت صعوده إلى سطح الحصن نفسه وسائر ما جرى.. وإنما جاءت البقر الوحشية في هذه الأثناء.
كما أن ذلك قد حصل من دون أن تبدر من خيل خالد أية بادرة، تشي بوجودها على مقربة منهم..
دومة الجندل فتحت صلحاً:
وقد جاء في سياق الحديث عن هذه السرية: أن خالداً قد أخذ أكيدر، وهو في الصيد، ثم صالحه على أن يفتح له الحصن، فصالحه على ألفي بعير، وثمان مائة رأس الخ..
وانتهى الأمر عند هذا الحد..
ومن الواضح: أن الأرض المفتوحة صلحاً، من دون أن يوجف عليها بخيل ولا ركاب تكون للنبي "صلى الله عليه وآله" خالصة له..
وهذا معناه: أن ما صالحهم عليه أكيدر أيضاً ليس من قبيل الغنائم التي يقتسمها المقاتلون، بل تكون لله ولرسوله "صلى الله عليه وآله"..
فما معنى: أن يقسمها خالد بين المقاتلين بعد إخراج الصفي منها والخمس؟!
ولعلك تقول: إن قتالاً قد حصل وسقط فيه حسان وأخذ خالد سلبه، وذلك يُدخل دومة الجندل فيما أخذ عنوة.
والجواب: أن هذا القتال لم يأذن به رسول الله "صلى الله عليه وآله".. بل أمر بأخذ أكيدر وحسب، وليس ثمة ما يثبت وجود مقاومة من حسان أو غيره من أصحاب أكيدر.
بل إن مقاومتهم غير معقولة، بعد أن كانوا بضعة أفراد هرب أكثرهم بمجرد رؤية هذا الجيش الكبير جداً، وهم لم يلبسوا لامة الحرب. بل أخذوا معهم ما يفيدهم في صيد البقر، فلعل خالداً قد طمع ببزة حسان، فقتله، وأخذ سلبه.
والذي يهون الخطب: أن خالداً لم يكن من أهل المعرفة بأحكام الله، وأن الأمر سوف ينتهي إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فيعالجه بما يستحقه، وأن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن يأبى أن ينال المسلمون من هذه الأموال، حتى لو كان ذلك نتيجة خطأ في فهم الأمور..
وقد تقدم عن قريب: كيف أنهم كانوا يتجاوزون حدود ما هو مسموح به فيما يرتبط بالغنائم والخمس.. فلا نعيد.
ولو أن النبي "صلى الله عليه وآله" أراد أن يسترجع هذه الأموال منهم، فقد يجد بعض الناس في أنفسهم حرجاً أو ألماً، وقد يتَّهم بعضهم النبي "صلى الله عليه وآله" بما يوجب كفر ذلك المتهم..
وأما وضوح الحكم الشرعي لهذه الأموال، فهو حاصل من خلال البيانات النبوية، والتأكيد على الضوابط والمعايير. فلا خوف على الحكم الشرعي من هذه الجهة.
النبي ' ينهى خالداً عن قتل أكيدر:
وقد تقدم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد نهى خالداً عن قتل أكيدر، وأمره أن يبعث به إليه.. ولعل السبب في ذلك، أمور نذكر منها:
1 ـ إنه أراد أن لا يطلق العنان لخالد، فيظن أنه له أن يتصرف كما يحلو له.. فإن المطلوب هو إبقاؤه السيطرة، وأن لا يفقد الشعور بأنه مطالب ومحاسب، وأن يبقى ملتزماً جانب الإنضباط والطاعة..
2 ـ إنه أراد أن يستكمل إقامة الحجة على أكيدر، فإن الأحداث المختلفة قد أظهرت: أن بعض الناس يتخذون مواقف عدائية لبعض الدعوات، أو الفئات قبل أن يقفوا على كنه الحقيقة، ويعرفوا التفاصيل، وذلك لشعورهم بالخوف مما تحمله لهم من أمور مجهولة، وتغييرات لا يعرفون متى تنتهي، وعند أي حدّ تقف..
3 ـ إنه إذا أسلم ملك دومة الجندل فسوف يسهِّل ذلك دخول جل ـ إن لم يكن كل ـ أهل منطقته في الإسلام، لأنه بالنسبة إليهم هو واسطة العقد، ورأس الهرم، فإذا اختار شيئاً لنفسه، فإنهم يرون انه لا يختار إلا الأفضل والأسمى، والأمثل والأعلى، فلماذا لا يقتدون به، ويرضون لأنفسهم ما رضيه لنفسه؟!
على أن من الطبيعي: أن هذا الرجل لو قتل، لأقاموا شخصاً آخر مقامه، ولعل ذلك الشخص من أجل أن يثبت مصداقيته، ويؤكد نفوذه فيهم، يبادر إلى مغامرة تنتهي إلى إلحاق أذى كبير في المسلمين، وربما يحتاج الأمر للسيطرة على الأمور إلى إزهاق كثير من الأرواح، ونشوء الكثير من المشكلات الإجتماعية، أو الإقتصادية لجماعات من الناس..
ولربما تنشأ عن هذه الحروب أحقاد وتعقيدات يصعب التخلص منها حتى تمضي عقود من الزمن..
فذلك كله يعرفنا بعض الأسباب التي دعت النبي "صلى الله عليه وآله" إلى نهي خالد عن قتل أكيدر، بل المطلوب هو أخذه، وإرساله إليه..
مناديل سعد بن معاذ في الجنة:
والناس إنما يقيسون ويتخيلون، ما هو محجوب عنهم في الغيب، انطلاقاً مما يتوفر لهم من مشاهدات، أو ما عاشوه من حالات.. وقد تقصر حركة خيالهم حتى عن بلوغ أدنى مرتبة مقبولة أو معقولة منه.. وأكثر ما يتجلى هذا القصور في الأمور التي ترتبط بيوم القيامة وحالاته، وأحداثه، وأهواله، وفي نعيمه وجحيمه..
وقد حاولت الآيات والروايات: أن ترسم للبشر صوراً، وتضع لهم إشارات وإثارات تقربهم إليها، وتقربها إليهم، رغم كل الحجب المادية، التي قد لا يوفق الكثيرون إلى التخلص منها في الحياة الدنيا. أو أنهم لا يريدون ذلك بصورة جدية..
وقد وجد النبي "صلى الله عليه وآله" في إعجاب الناس بقباء حسان أخي أكيدر مناسبة لإطلاق توجيه جديد، يفيد في تربية وإعداد النبي "صلى الله عليه وآله" لأصحابه، ودفعهم نحو مراتب أعلى، ومقامات أسمى يكونون فيها أكثر وعياً، وأصفى روحاً، وأكثر رهافة في الإحساس، ونبلاً في الشعور..
فاستفاد من توافر درجة من الشعور بميزات هذا القباء، ليجعلها وسيلة لنقلهم إلى آفاق أخرى أرحب، هم بأمس الحاجة للانتقال إليها من أجل بناء أرواحهم، ورسم وإنشاء ارتباطاتهم العاطفية والقلبيّة بقضايا الإيمان، ورفع مستوى استعدادهم لبذل الجهد، والتضحية والفداء من أجلها. والتسابق، لحفظها، وتقويتها، وترسيخ دعائمها، في كل ساح وناح..
فقايس لهم ما أدركوه في قباء حسان بمنديل أحد إخوانهم ممن عاشوا معه دهراً، ومارسوا معه شؤون الحياة، وذاقوا معاً حلوها ومرها.. حتى فاز هو بمقام الشهادة دونهم، ألا وهو سعد بن معاذ.. فنقلهم "صلى الله عليه وآله" إلى الجنة ليروا مناديل سعد مباشرة، وبيَّن لهم: أنهم حين يقارنونها بهذا القباء، فسيجدون مناديل سعد أفضل منها..
أكيدر يسجد لرسول الله ':
وقد تقدم: أنه لما رأى أكيدر رسول الله "صلى الله عليه وآله" سجد له، فأومأ رسول الله "صلى الله عليه وآله" إليه بيده: لا، لا مرتين..
وواضح: أن هذا الرجل يعامل رسول الله "صلى الله عليه وآله" بما كان يفرضه هو على غيره، ويفرضه سائر الملوك على الناس. أما رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقد رفض تصرفه هذا لفهمه أنه حتى لو لم يكن على دينه، ولم يعترف بنبوته، وحتى حين يكون أسيراً في يده، ويعلم أنه يضمر العداء له، ويود لو يقطعه إرباً إرباً، فإن ذلك كله لا يفقده سائر حقوقه التي أعطاه الله إياها من حيث هو بشر.. ومن أولى برعاية هذه الحقوق من أنبياء الله، وأوليائه وأصفيائه "صلى الله عليه وآله"؟!
أبو بكر، أَمْ خالد؟!:
وحول ما زعمته بعض الروايات المتقدمة: من أنه "صلى الله عليه وآله" ولّى في تلك الغزوة خالداً على الأعراب، وولّى أبا بكر على المهاجرين، نقول:
1 ـ قد تقدم قول الصالحي الشامي: إن ذكر أبي بكر في هذه السرية غريب جداً، ولم يتعرض إليه أحد فيما وقفت عليه من أئمة المغازي.
2 ـ إن الرواية لم تصرح لنا باسم من كان أميراً على السرية كلها، إذ لم نعهد منه "صلى الله عليه وآله" أن جعل أكثر من أمير على سرية واحدة.
بل وجدنا كما تقدم: أنه "صلى الله عليه وآله" كان إذا بعث سرايا منفصلة، يقرر لهم في صورة الإجتماع أميراً واحداً ويسميه لهم. وقد ظهر ذلك، حين أرسل علياً "عليه السلام" في سرية، وخالداً في أخرى، فإذا اجتمعا فالأمير على الجميع هو علي "عليه السلام".
3 ـ كما أن المناسب ـ لو صح قولهم هذا ـ هو: أن تنسب السرية إلى أبي بكر، لا إلى خالد، وهو ما يقتضيه إرادة تكريم المهاجرين، وإظهار امتيازهم على غيرهم، كما هو ظاهر.
فلماذا نسبت إلى خالد؟
بل لماذا نسي أئمة المغازي اسم أبي بكر، فلم يذكروه أصلاً؟!
كما أن أحداً لم يذكر لنا أي دور لأبي بكر في الإدارة وفي القتال، أو في التفاوض والمصالحة التي جرت، وغيرها..
بل إن أحداً لم يخص المهاجرين بشيء من الذكر في هذه السرية على الخصوص..
مع أن هذه الرواية العجيبة الغريبة تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أرسل أبا بكر، وبعث معه خالداً، وكأن خالداً كان تابعاً لأبي بكر.. فكيف لا نسمع للمتبوع أي ذكر بعد ذلك؟! بل تمحورت القضايا كلها حول التابع، وأصبح هو المدبر والمقرر!!
خالد سيف الله!!:
وقد ورد في الكتاب الذي قالوا: إن النبي "صلى الله عليه وآله" كتبه لأكيدر، وأهل دومة الجندل ـ ورد فيه ـ وصف خالد: بأنه سيف الله.
ونقول:
أولاً: تقدم في هذا الكتاب: أن هذا التوصيف مكذوب على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأن أبا بكر هو الذي خلعه على خالد بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله"، فراجع فصل: "حصار وانهيار" وفصل: "خالد يضيع النصر".
ثانياً: إن الظاهر هو: أن عبارة "مع خالد سيف الله" مقحمة في الكتاب، بل هي قد تكون مفسدة للسبك والمعنى، ومن موجبات ركاكته، إذ لا مبرر للقول: بأن فلاناً قد خلع الأنداد والأصنام مع فلان، أو أن فلاناً أجاب إلى الإسلام مع فلان.
بل يكفي أن يقال: فلان خلع الأنداد وأجاب إلى الإسلام.. بل إن هذه الإضافة تغير المعنى، وتوقع في الإشتباه، إذ يصبح المعنى: أن أكيدر وكذلك خالد كلاهما قد خلع الأنداد مع أن هذا ليس هو المراد..
ويؤيد إقحامها في الكتاب: أنها لم تذكر في نص معجم البلدان لياقوت، وفتوح البلدان للبلاذري، فراجع..
هل صالحهم على الجزية؟!:
إن النصوص المتقدمة تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" صالح أكيدر وقومه على الجزية..
ولكن ذلك لا يصح..
أولاً: ورد في نص كتاب الصلح، ما يدل على إسلام أكيدر وقومه، فقد قال عن أكيدر: هذا كتاب محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد، والأصنام.
وقال عن قومه: يقيمون الصلاة لوقتها، ويؤتون الزكاة بحقها..
وذلك يدل على إسلام أكيدر، وإسلام قومه، فإذا كانوا قد أسلموا، فكيف تؤخذ الجزية منهم؟! والجزية إنما توضع على غير المسلم..
ثانياً: قوله: لا تعدل سارحتكم، ولا تعد فاردتكم. معناه أن ماشيتهم لا تمنع عن مرعاها، ولا تحشر في الصدقة إلى المصدق لكي تعدّ مع غيرها ليكتمل بها النصاب، إذا كانت فاردة، أي مما لا تجب فيه صدقة لفقد شروطها..
وقد أضاف في طبقات ابن سعد قوله: ولا يؤخذ منكم إلا عشر الثبات..
ثم قال: والثبات: النخيل القديم قد ضرب عروقه في الأرض([32]).
فذلك كله يدل على: أنه "صلى الله عليه وآله" يعاملهم كمسلمين.. ولا تضرب الجزية على المسلم.
والذي نراه هو: أن أكيدر نفسه وطائفة من قومه قد قبلوا الإسلام، ولكن معظمهم أبى ذلك، فأبقاه "صلى الله عليه وآله" ملكاً عليهم، وأخذ منهم الجزية، وخص المسلمين منهم ببعض الفقرات، وهو أنه طلب منهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بحقها.. وربما يكون رواة الكتاب لم يدققوا في كلماته حين نقلوها لنا، فلم يتضح الفصل في الخطاب بالنسبة للفريقين..
خلع السلاح لماذا؟!:
وقد يسأل سائل عن السبب في أنه "صلى الله عليه وآله" قد صالح هؤلاء القوم على شرط أخذ الحصون، والسلاح وغيره من وسائل الحرب منهم.
ويمكن أن يجاب: بأن سبب ذلك هو أنهم كانوا لا يؤمن من غدرهم، لبعدهم عن مركز الحكومة الإسلامية، وقربهم من بلاد الأعداء.
ولعل الأقرب هو أن يقال: إن ملكهم قد أُخِذَ، وصالحوا خالداً على بعض أموالهم قبل أن يسلموا، فأصبحت أرضهم، وكل شيء لرسول الله "صلى الله عليه وآله".. ثم إنهم حين أسلموا أعاد "صلى الله عليه وآله" بعض ذلك إليهم، وحجب عنهم بعضه الآخر لمصالح راعاها.. ولا ضير في ذلك..
وراء الأكمة ما وراءها!!:
أما قول بعضهم: إن أكيدر لم يسلم، وهذا الإختلاف فيه بين أهل السيرة ومن قال إنه أسلم فقد أخطأ خطأً ظاهراً([33]).
فلا يصح: حسبما اتضح من النصوص التي أوردناها في الفقرة السابقة..
والذي يبدو لنا هو: أن أكيدر قد قتله خالد بن الوليد في عهد أبي بكر، بحجة أنه منع الصدقة([34]) فهو في جملة الذين قتلهم أبو بكر، لأنهم لم يعترفوا بخلافته.. فيما أسموه هم ومحبوهم بحروب الردة، أو حروب مانعي الزكاة..
ولعل سبب زعمهم أن أكيدر لم يسلم أصلاً هو: أنهم أصيبوا بالتخمة من كثرة من قتلوهم، استناداً لهذا الزعم الموهون.
وسيأتي المزيد من الكلام حول موضوع أكيدر في اواخر غزوة تبوك إن شاء الله، حيث سنجد هناك بعض ما يساعد على فهم بعض الأمور التي ذكرناها هنا.
وسنرى: أن الظاهر هو: أن خالداً لم يكن هو أمير السرية، وإن كان ربما قد قام بدور فيها..
وأن الوصف لما جرى المذكور هنا قد يكون غير دقيق. فانتظر.
سرية أبي أمامة إلى قومه:
عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى قومي أدعوهم إلى الله عز وجل، وأعرض عليهم شرائع الإسلام. فأتيتهم وقد سقوا إبلهم، وحلبوها وشربوا.
فلما رأوني قالوا: مرحباً بالصدي بن عجلان. وأكرموني، وقالوا: بلغنا أنك صبوت إلى هذا الرجل.
فقلت: لا ولكن آمنت بالله ورسوله، وبعثني رسول الله "صلى الله عليه وآله" إليكم أعرض عليكم شرائع الإسلام.
فبينا نحن كذلك إذ جاؤا بقصعتهم فوضعوها، واجتمعوا حولها يأكلونها، وقالوا: هلم يا صدي.
قلت: ويحكم، إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم إلا ما ذكيتم، كما قال الله تعالى.
قالوا: وما قال؟
قلت: نزلت هذه الآية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ..}([35]).
فجعلت أدعوهم إلى الإسلام، فكذبوني، وزبروني وأنا جائع ظمآن، قد نزل بي جهد شديد.
فقلت لهم: ويحكم، إيتوني بشربة من ماء، فإني شديد العطش.
قالوا: لا، ولكن ندعك تموت عطشاً.
قال: فاغتممت، وضربت برأسي في العمامة، ونمت في حر شديد. فأتاني آت في منامي بقدح فيه شراب من لبن لم ير الناس ألذ منه فشربته حتى فرغت من شرابي ورويت، وعظم بطني.
فقال القوم: أتاكم رجل من أشرافكم وسراتكم، فرددتموه؟ فاذهبوا إليه، وأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي.
فأتوني بالطعام والشراب، فقلت: لا حاجة لي في طعامكم ولا شرابكم، فإن الله تعالى أطعمني وسقاني، فانظروا إلى الحال التي أنا عليها.
فأريتهم بطني، فنظروا، فأسلموا عن آخرهم بما جئت به من عند رسول الله "صلى الله عليه وآله".
قال أبو أمامة: ولا والله، ما عطشت ولا عرفت عطشاً بعد تيك الشربة([36]).
ونقول:
إننا نواجه إبهامات واختلالات في هذه الرواية، فلاحظ ما يلي:
1 ـ لو افترضنا صحة هذه الرواية، فإن ذلك لا يبرر تسميتها "سرية"، ولا يصح إيرادها في جملة السرايا.
2 ـ قد ذكرت الرواية: أن أبا أمامة كان من أشراف وسراة باهلة.. وهذا لا يتناسب مع هذه المعاملة التي تذكر الرواية أنهم عاملوه بها، حيث لم يجد فيهم ولو رجلاً واحداً يسقيه شربة من ماء، فأين كان عنه أقرانه، وسائر الأشراف في قومه، الذين يفترض أن يكون لهم موقف وأسلوب آخر في التعاطي معه..
3 ـ وهل كانت قبيلة باهلة من قلة العدد بحيث تجتمع على قصعة واحدة؟! أي أنها قد لا يزيد عددها على عشرة رجال!!.
4 ـ ما معنى أن يعظم بطنه من شرب قدح من لبن؟! ولماذا لم يعطه الله تعالى لهم غير بطنه العظيمة هذه، لتكون آية لهم؟! ولماذا لم يظنوا أن عِظم بطنه كان لمرض ألمَّ به؟!
5 ـ ولماذا لم يكمل المعروف فيطعمه لقمة أيضاً، لا يحتاج معها إلى طعام طيلة حياته؟!
6 ـ لو كانت هذه الخصوصية قد بقيت في أبي أمامة بحيث لا يحتاج إلى ماء، لشاع أمره وذاع، ولوجدت الناس يتناقلونها، وكبار القوم يتوافدون عليه، ويتبركون به ما دام حياً. ولوجدت الصحاح والمسانيد حافلة بالروايات التي تتحدث عن قصد أعيان الصحابة وكبار العلماء له، وسؤالهم إياه عن هذه الحادثة بالخصوص.
مع العلم: بأن عُمْر هذا الرجل قد طال، فقد روي: أنه توفي سنة إحدى وثمانين، وقيل: ست وثمانين، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة([37])، وله مائة وست سنين([38]).
7 ـ وإذا كانت باهلة قد أسلمت عن بكرة أبيها لرؤيتهم بطن أبي أمامة، إذن لعظموه وبجلوه، والتفوا حوله، وتفاخروا به في مختلف مواقف المفاخرة..
8 ـ لماذا زبروه أولاً، ومنعوه حتى من شربة، ماء وصمموا على أن يتركوه حتى يموت عطشاً، ثم بعد أن نام تلك النومة قالوا لبعضهم: أتاكم رجل من أشرافكم وسراتكم فرددتموه؟! فاذهبوا إليه فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي..
فمن الآمر؟ ومن المأمور في هذا النص؟!
ولماذا لم يصدروا أمرهم بإطعامه وسقيه، حين كانوا مجتمعين على قصعتهم..
9 ـ على أن رواية العسقلاني عن أبي يعلى تقول: بعثني رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى قومٍ.. فلم يعين القوم الذين أرسله النبي "صلى الله عليه وآله" إليهم([39]).
إلا أن يقال: إن الراوي أو الكاتب للنص أسقط الياء من كلمة "قومي".
10 ـ على أن حصر رواية هذه الحادثة بأبي أمامة يثير الشبهة أيضاً. فإنني لم أجدها مروية عن غيره حتى لو كان باهلياً أيضاً!!
سرية خالد إلى بني الحارث بن كعب:
وفي شهر ربيع الأول، أو ربيع الآخر، أو جمادى الأولى، سنة عشر([40]) بعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وكانوا مشركين: وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاثة أيام قبل أن يقاتلهم. فإن استجابوا، فاقبل منهم، وإن لم يفعلوا، فقاتلهم.
فخرج إليهم خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه، ويدعون إلى الإسلام ويقولون: "أيها الناس، أسلموا تسلموا".
فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه. فأقام فيهم خالد بن الوليد، يعلمهم شرائع الإسلام، وكتاب الله عز وجل، وسنة نبيه "صلى الله عليه وآله"([41]).
ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله":
"بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد النبي رسول الله "صلى الله عليه وآله" [من خالد بن الوليد]
السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد.. يا رسول الله صلى الله عليك، فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام، وأن أدعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا قبلت منهم، وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم.
وإني قدمت عليهم، فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام، كما أمرني رسول الله "صلى الله عليه وآله". وبعثت فيهم ركباناً ينادون: يا بني الحارث، أسلموا تسلموا.
فأسلموا ولم يقاتلوا. وإني مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه، وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي "صلى الله عليه وآله" حتى يكتب إليّ رسول الله "صلى الله عليه وآله" والسلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته"([42]).
فكتب إليه رسول الله "صلى الله عليه وآله":
"بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد..
سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو..
أما بعد.. فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا، وشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام، وأن قد هداهم الله بهداه، فبشرهم، وأنذرهم، وأقبل. وليقبل معك وفدهم..
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.."([43]).
فلما قرأ خالد الكتاب أقبل، وأقبل معه من كل بطن منهم، من رؤسائهم واحد أو اثنان، وهم:
1 ـ يزيد بن عبد المدان.
2 ـ يزيد بن المحجل.
3 ـ عبد الله بن قريط.
4 ـ قيس بن الحصين بن يزيد.
5 ـ شداد بن عبد الله القناني.
6 ـ عمرو بن عمرو الضبابي.
7 ـ عبد الله بن عبد المدان.
8 ـ عبد الله بن عمرو الضبابي
وسيأتي إن شاء الله ما يتعلق بذلك حين نتحدث عن موضوع الوفود..
تحديد مدة الدعوة قبل القتال، لماذا؟!
وقد حدد رسول الله "صلى الله عليه وآله" لخالد مدة الدعوة قبل القتال بثلاثة أيام، لكي لا يتسرع، ويوقع بهم، طمعاً في أموالهم، ونساءهم وذراريهم، ليعطيهم فسحة للإعراب عن دخائل نفوسهم بعد التروي، والتأمل والنقاش، والإستيضاح، وسماع التفسير.. ثم ليظهر إسلامهم أمام الملأ، فلا يبقى مجال للمناقشة أو الجدال فيه.
وتحديد مدة الدعوة هذا، معناه: أن بني الحارث بن كعب لم يكونوا قد أعلنوا الحرب على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا جمعوا الجموع من أجل ذلك.
فكان لابد من الرفق بهم، وإعطائهم الوقت لكي يستوفوا حقهم في الإطلاع على الدعوة، والتأمل والتدبير فيها.. وهكذا كان..
وبعد هذا، فمن الطبيعي أيضاً أن يكون في هذا التحديد دلالة على أن خالداً لا يؤمن على هذا الأمر، لأنه كانت تراوده أطماع وطموحات لا يستسيغها العقل ولا الشرع، وقد أراد النبي "صلى الله عليه وآله" أن يلجمها، ويحاصرها، ويمنعها من الحركة.
ومن هنا نفهم السبب في إننا لم نجد النبي "صلى الله عليه وآله" قد حدد وقتاً لعلي "عليه السلام"، أو لغيره ممن كان يثق بحكمتهم، ويعرف حقيقة اهتماماتهم، ويطمئن إلى أن أعظم همهم هو هداية الناس، وليس اكتساب الثناء، وبُعد الصيت في الفروسية والبطش، وغير ذلك من عناوين فارغة.. ولا الحصول على الغنائم والسبايا، والتسلط على الآخرين وإذلالهم واستعبادهم..
سرية الجهني إلى أبي سفيان بن الحارث:
عن عمرو بن مرة قال: كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعث جهينة، ومزينة إلى أبي سفيان بن الحارث، بن عبد المطلب. وكان منابذاً للنبي "صلى الله عليه وآله"، فلما ولوا غير بعيد قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، علام تبعث [هؤلاء] قد كادا يتفانيان في الجاهلية، وقد أدركهم الإسلام وهم على بقية منها.
فأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بردهم حتى وقفوا بين يديه. فعقد لعمرو بن مرة على الجيشين، على جهينة ومزينة وقال: "سيروا على بركة الله".
فساروا إلى أبي سفيان بن الحارث. فهزمه الله تعالى، وكثر القتل في أصحابه. فلذلك يقول أبو سفيان بن الحارث: [...]([44]).
ونقول:
لم يذكر لنا الصالحي الشامي المصدر الذي أخذ منه هذا النص.. على أن لنا أن نثير بعض التحفظات والتساؤلات حول صحة ما ذكره كما يلي:
أولاً: أين كان أبو سفيان بن الحارث معسكراً حين خرج إليه جيش رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟ فإن أبا سفيان مكي قرشي، ولم نعلم أنه فتح جبهة مستقلة عن قريش، وأعلن حرباً تختص به دونها، ولا أنه انحاز عنها إلى منطقة بعينها، ولو حصل شيء من ذلك لسجله لنا التاريخ.. بل كان مشاركاً لقريش في حروبها المعروفة والمعلنة، ولا شيء أكثر من ذلك..
ثانياً: إن ما ذكره أبو بكر عن تفاني جهينة ومزينة في الجاهلية ليس ظاهراً من النصوص، بل كانت العلاقة بين القبيلتين كأية علاقة أخرى بين القبائل العربية..
ثالثاً: إنه حين أرسلهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" في ذلك البعث، هل أمرَّ عليها أميراً واحداً؟! أو أمَّر على كل قبيلة أميراً؟! أم لم يؤمّر عليهما أحداً؟! وهل كان الأمير من إحدى القبيلتين؟! أم كان غريباً عنهما؟!.
إن كل ذلك لم توضحه هذه الرواية لنا.
رابعاً: إننا لم نعرف ما الذي غيَّره النبي "صلى الله عليه وآله" حين ردّهم إليه، وأمّر عليهم عمرو بن مرة الجهني؟ ولماذا اختاره جهنياً لا مزنياً؟ وكيف رضيت به مزينة، وهو جهني؟
والمفروض: أن بين القبيلتين بقية من عداوة كانت في الجاهلية!! إلا إذا كان "صلى الله عليه وآله" قد نسي في بادئ الأمر أن يؤمّر أحداً، فلما اعترض أبو بكر تذكر ذلك، فاختاره جهنياً، ويكون بذلك قد زاد الطين بلة، والخرق اتساعاً.. على خلاف ما أراده أبو بكر. ونعوذ بالله من الخذلان، ونستجير به من غضبه، ومن الخزي والخسران.
خامساً: إن أبا بكر حين اعترض على النبي "صلى الله عليه وآله" إنما أراد أن يرشده إلى الصواب، باعتبار أن ما فعله "صلى الله عليه وآله" كان خطأً بنظره..
ولا شك في أن هذا الأمر مما لا يحمد عليه أبو بكر، ولا يقبل منه ولا من غيره، فإنه "صلى الله عليه وآله"، معصوم ومسدد بالوحي..
على أنه لو صح تعليل أبي بكر من ظهور العداوة بين القبيلتين، لكان ذلك مشتهراً في الجزيرة العربية، ولعلمه رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين أقدم على إرسال هاتين القبيلتين..
سادساً: ما معنى أن يرسل النبي "صلى الله عليه وآله" جيشين إلى مواجهة أبي سفيان بن الحارث، فإن الرواية تقول: "فعقد لعمرو بن مرة على الجيشين"؟! وهل كان من عادته "صلى الله عليه وآله" أن يرسل جيشين بقائد واحد إلى قتال طائفة واحدة، أو هل فعل ذلك "صلى الله عليه وآله" قبل أو بعد ذلك ولو مرة واحدة في ظروف مشابهة؟!
وفد بني عبس تحول سرية:
ذكر ابن سعد في الوفود: أن بني عبس وفدوا وهم تسعة.
فبعثهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" سرية لعير قريش([45]).
وفي نص آخر: أنه قال لهم: "ابغوني لكم عاشراً أعقد لكم لواء".
فدخل طلحة بن عبيد الله، فعقد لهم لواء([46])، وجعل شعارهم: يا عشرة، فهو إلى اليوم كذلك([47]).
وكان "صلى الله عليه وآله" لا يعقد لواء لأقل من عشرة.
وهم: بشر بن الحارث، والحارث بن الربيع بن زياد، وسباع بن زبد، وعبد الله بن مالك، وقرة بن حصن، وقنان بن دارم، وميسرة بن مسروق، وهرم بن مسعدة، وأبو الحصين بن القيم([48]).
ونقول:
رسول الله ' هو العاشر:
ما زعموه: من أن طلحة كان هو العاشر غير مسلم، فقد روى ابن سعد في الطبقات الكبرى: أن عيراً لقريش أقبلت من الشام، فبعث بني عبس في سرية، وعقد لهم لواء.
فقالوا: يا رسول الله، كيف نقسم غنيمة إن أصبناها ونحن تسعة؟
فقال: أنا عاشركم([49]).
تاريخ هذه السرية:
ومن الواضح: أن الوفود إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" إنما كانت سنة تسع، وقد عقد صلح الحديبية، وكف المسلمون عن مهاجمة عير قريش قبل ذلك بسنوات، ثم كان فتح مكة في سنة ثمان..
وذلك كله يشير إلى: أن هذا الوفد من بني عبس إنما جاء إلى المدينة قبل صلح الحديبية، فأرسله النبي "صلى الله عليه وآله" لعير لقريش قادمة من الشام..
بعثة الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق:
قال المؤرخون، واللفظ للواقدي:
بعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط إلى بني المصطلق من خزاعة يصدقهم، وكانوا قد أسلموا، وبنوا المساجد بساحاتهم، فلما خرج إليهم وسمعوا به قد دنا منهم، خرج منهم عشرون رجلا يتلقونه بالجزور، والنعم، فرحاً به.
وقيل: خرجوا بها يؤدونها عن زكاتهم.
ولم يروا أحداً يصدق بعيراً قط. ولا شاة، فلما رآهم ولى راجعاً إلى المدينة ولم يقربهم. فأخبر النبي "صلى الله عليه وآله" أنه لما دنى منهم لقوه بالسلاح يحولون بينه وبين الصدقة.
(وقيل: إنه قال: إنهم ارتدوا..)([50]).
(أو قال: إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي)([51]).
فهمّ رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يبعث إليهم من يغزوهم. وبلغ ذلك القوم، فقدم الركب الذين لقوا الوليد على رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
(وفي نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" ضرب البعث إلى الحرث، فأقبل الحرث، فاستقبل البعث)([52])، ثم دخلوا.
فأخبروا النبي "صلى الله عليه وآله" الخبر على وجهه، فنزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}([53])، فقرأ النبي "صلى الله عليه وآله" القرآن، وأخبرنا بعذرنا، وما نزل في صاحبنا، ثم قال: من تحبون أن أبعث إليكم؟!
قالوا: تبعث إلينا عباد بن بشر.
قال: يا عباد سر معهم، فخذ صدقات أموالهم، وتوقَّ كرائم أموالهم.
قال: فخرجنا مع عباد، يقرؤنا القرآن، ويعلمنا شرائع الإسلام، حتى انزلناه في وسط بيوتنا، فلم يضيّع حقاً، ولم يعدُ بنا الحق.
وأمره رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأقام عندنا عشراً، ثم انصرف إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" راضياً([54]).
وقالوا أيضاً: إن سبب ذلك أن الحارث بن عمرو الخزاعي، والمصطلق بطن من خزاعة قدم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأسلم، وعاد إلى قومه، ليقنعهم بالإسلام ثم يجمع زكاتهم، ثم يرسل النبي "صلى الله عليه وآله" في وقت ـ قد عينوه ـ من يأخذ منه ما جمعه من صدقات..
فمضى الوقت المحدد، ولم يأته رسول من قبل النبي "صلى الله عليه وآله"، فجمع سروات قومه، وأخبرهم بالأمر، وقال لهم: ليس الخلف منه "صلى الله عليه وآله"، ثم ذهب بهم إلى النبي "صلى الله عليه وآله"([55]). حسبما تقدم..
ونقول:
إن لنا مع ما تقدم وقفات هي التالية:
الوليد كان طفلاً:
قال ابن عبد البر: لا خلاف بين أهل التأويل أن الآية: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} نزلت في الوليد([56]).
ولكن قد أخرج أبو داود عن أبي موسى، عبد الله الهمداني، عن الوليد بن عقبة، قال: لما افتتح "صلى الله عليه وآله" مكة جعل أهلها يأتونه بصبيانهم، فيمسح على رؤوسهم، فأتي بي إليه، وأنا مخلق، فلم يمسسني من أجل الخلوق([57]).
ونقول:
إن هذا الحديث لا يصح، لما يلي:
أولاً: قال ابن عبد البر: الحديث منكر مضطرب لا يصح، وأبو موسى مجهول([58]).
ثانياً: قال أيضاً: إن من يكون صبياً يوم الفتح، لا يبعثه مصدّقاً بعد الفتح بقليل([59]).
ثالثاً: لما هاجرت أم كلثوم بنت عقبة في الهدنة خرج أخواها الوليد وعمارة ليرداها. فمن يكون صبياً يوم الفتح كيف يخرج ليرد أخته قبله؟([60]).
رابعاً: قال الحافظ: ومما يؤيد أنه كان في الفتح رجلاً: أنه قدم في فداء ابن عم أبيه الحرث بن أبي وجرة لما أسر يوم بدر، فافتداه بأربعة آلاف([61]).
خامساً: ورد في منازعة الوليد لعلي "عليه السلام"، قول الوليد لعلي "عليه السلام": اسكت فإنك صبي وأنا شيخ الخ..([62]).
وهذا صريح في أن عمره كان آنئذٍ يعد بعشرات السنين.
سادساً: قال له الإمام الحسن "عليه السلام": اقسم بالله، لأنت أكبر في الميلاد وأسن ممن تدعى إليه([63]).
والحقيقة هي: أن هؤلاء المتحذلقين يريدون بدعواهم صغر سن الوليد، تكذيب أو على الأقل إثارة الشبهة حول نزول آية: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} في حق الوليد بن عقبة، وذلك حفاظاً منهم على البيت الأموي، ورعاية لحق عثمان، لأن الوليد أخوه من أمه.. وفراراً من الإعتراف بأن في الصحابة فاسق، حتى لو نطق القرآن بذلك..
إجراءات إحترازية:
وقد ذكرت بعض النصوص: أن النبي "صلى الله عليه وآله" بعث خالد بن الوليد خفية في عسكر لاستكشاف الخبر في بني المصطلق، وأمره أن يخفي عنهم قدومه، فلما دنا منهم بعث عيوناً ليلاً، فإذا هم ينادون بالصلاة ويصلون. فأتاهم خالد، فلم ير منهم إلا طاعةً وخيراً، فرجع إليه "صلى الله عليه وآله"، فأخبره فنزلت الآية([64]).
ونقول:
1 ـ الذي يبدو لنا من ملاحظة النصوص: أنه "صلى الله عليه وآله" قد تصرف باتجاهين بصورة متوازنة، فهو في نفس الوقت الذي أظهر فيه أنه يريد التصدي لتمرد بني المصطلق، فضرب على الناس البعث إليهم، فإنه من جهة أخرى أرسل خالداً إليهم سراً، ليستعلم خبرهم مباشرة.
فانسجم الموقف الحازم المتمثل بالتصرف الأول مع الدقة في متابعة الأمور، والإحتياط لدماء الناس، وحفظ كراماتهم ومصالحهم، المتمثل بالتصرف الثاني..
2 ـ إن الآية الكريمة (آية النبأ) إنما نزلت بعد أن ظهر للناس كذب ما جاءهم به الوليد، وأنه قد افترى على بني المصطلق، واختلق أموراً لا أساس لها؛ فجاء توصيفه في الآية بالفاسق ليصدق هذه الوقائع التي رآها الناس بأعينهم..
الوليد ليس بفاسق حتى لو نزلت الآية فيه!!:
قال الزرقاني: "ولا يشكل تسميته فاسقاً بإخباره عنهم بذلك على ظنه للعداوة ورؤية السيوف. وذلك لا يقتضي الفسق، لأن المراد الفسق اللغوي، وهو الخروج عن الطاعة.. وسماه فاسقاً لإخباره بخلاف الواقع على المبعوث إليهم، لا الشرعي الذي هو من ارتكب كبيرة، أو أصر على صغيرة، لعدالة الصحابة.
وقد صرح بعضهم: بأن كون ذلك مدلول الفسق، لا يعرف لغة إنما هو مدلول شرعي ([65]).
ونقول:
أولاً: هناك آيتان في القرآن الكريم نزلتا في الوليد بن عقبة، توضح أحدهما الأخرى، إن لم نقل: إنها ناظرة إليها..
أحديهما: قوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ}([66])، فقد كان بين علي "عليه السلام" وبين الوليد بن عقبة تنازع وكلام، فقال له علي "عليه السلام": اسكت فإنك فاسق. فأنزل الله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ}.
وحكى المعتزلي عن شيخه: أن هذا من المعلوم الذي لا ريب فيه لاشتهار الخبر به، وإطباق الناس عليه([67]).
وأما نزول الآية الثانية في الوليد: فيكفي أن نذكر قول ابن عبد البر: إنه "لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عز وجل: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}([68]) نزلت في الوليد"([69]).
فلو قبلنا بمقولة: أن المراد بالفسق ليس هو معناه الشرعي، فإننا نقول:
لقد بين لنا القرآن معنى الفسق المقصود بالآيات، وهو أعظم وأخطر مما أراد الزرقاني وأضرابه الهروب منه، لأن القرآن جعل الفسق مقابل الإيمان، فوصف الوليد بالفاسق يخرجه عن صفة الإيمان بالكلية كما أظهرته آية: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ} النازلة في حق الوليد بالذات.
وقال تعالى: {مِّنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}([70]).
وآيات كثيرة أخرى تشير إلى هذا المعنى، وتجعل الفاسق بحكم الكافر.
ثانياً: قال الإمام الحسن المجتبى "عليه السلام" طاعناً على الوليد في مجلس معاوية: "وأنت الذي سماه الله الفاسق، وسمى علياً المؤمن".
ثم ذكر قصة مفاخرته مع علي "عليه السلام"، ونزول الآية الشريفة موافقة لعلي "عليه السلام".
ثم قال: "ثم أنزل فيك موافقة قوله: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} ويحك يا وليد مهما نسيت، فلا تنس قول الشاعر فيك وفيه:
أنـزل الله والــكــتــاب عـزيـز فـي عـلي وفي الـولـيــد قــرآن
فـتـبـوى الـوليـد إذ ذاك فـسقاً وعـــلــي مــبــــوأ إيـــمان
ليس من كان مؤمناً عمـرك اللــ ــــه كـمـن كـان فاسقـاً خواناً ([71])
فإن طعن الإمام الحسن "عليه السلام" على الوليد بذلك يشير إلى أن الآية قد تضمنت أعظم الذم للوليد.
ولو أردنا أن نأخذ بما يقوله الزرقاني لوجب أن يكون نزول الآية في حقه خطأً وظلماً، لأنها أوهمت ذمه، وجعلته في موضع الخزي إلى يوم القيامة..
على أنه لو أمكن التشكيك في مفاد آية النبأ، وقبلنا منهم هذه التمحلات، فإنه لا نجاة له من مفاد الآية الأخرى حسبما أوضحناه، فإنها لا تريد أن تثني على الوليد، بل هي بصدد ذمه الشديد والأكيد، وإثبات صفة الفسق بمعنى عدم الإيمان عليه..
ثالثاً: أما قوله: إن المراد بالفسق ليس معناه الشرعي، لثبوت عدالة الصحابة، فهو أول الكلام، لأن هذه الآيات وسواها مما نزل في حق الكثيرين منهم تنفي عموم عدالتهم.
نعم، لا ريب في ثبوت العدالة لطائفة من الصحابة.
رابعاً: إن الأمر لم يقتصر على مجرد ظن الوليد بشيء، ثم ظهر مخالفة هذا الظن للواقع، بل تجاوز ذلك إلى اختلاقه أخباراً، ومبادرته إلى افتراءات لا واقع لها، حيث نسب إليهم أنهم ارتدوا، وأنهم أرادوا قتله، وما إلى ذلك مما تشير إليه النصوص..
ومن المعلوم: أن الإفتراء على المؤمنين، والتحريض عليهم، والتسبب بإرسال الجيوش لحربهم وقتلهم، بل مجرد تعمد الكذب ـ إن ذلك ـ من موجبات الفسق الشرعي والعرفي، والأخلاقي وما إلى ذلك.
فما معنى أن يقال: إنه لم يصدر منه سوى أنه قد ظن أمراً، بسبب خوف اعتراه، ثم ظهر عدم صحة ظنه؟!
سرية خالد إلى قوم من خثعم:
عن خالد بن الوليد: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعثه إلى أناس من خثعم، فاعتصموا بالسجود، فقتلهم، فوداهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" نصف الدية، ثم قال: أنا بريء من كل مسلم أقام مع المشركين لا تراءى ناراهما([72]).
ونقول:
1 ـ ماذا كان يضير خالد بن الوليد لو أنه تثبّت من إسلام هؤلاء الذين يعتصمون بالسجود؟!.. فإنه سوف لا يخسر شيئاً، ولا يفوته قتلهم لو كانوا مستحقين للقتل..
2 ـ لماذا لا يكون مصب اهتمام خالد على أخذهم أسرى، ليرى النبي "صلى الله عليه وآله" فيهم رأيه، فلعله يرجح استرقاقهم لينتفع بهم المسلمون، أو يمهلهم ليسمعوا كلام الله، أو يوفر لهم الفرصة ليعيشوا الإسلام في مفاهيمه وقيمه، وفي عقائده وشرائعه، ويقارنوا بينه وبين الشرك الذي هم عليه، ليروا البون الشاسع فيما بينهما، ويكون اختيارهم له مستنداً إلى الحس والمشاهدة القريبة..
3 ـ على أن من المعلوم: أن المهمة التي كلفه بها رسول الله "صلى الله
عليه وآله" ليست هي قتل كل من لم يسلم بل كلفه بالدعوة إلى الله تعالى، وكفّ شر من يريد بالإسلام وبالمسلمين شراً، حين يعلن الحرب على الإسلام وأهله.
4 ـ أما قول النبي "صلى الله عليه وآله": أنا بريء من كل مسلم أقام مع المشركين، لا تراءى ناراهما، فهو ليس تبرئة لخالد بقدر ما هو إدانة له، فإن نفس اعتصام أولئك القوم بالسجود إظهار للإسلام، وإعلان له، ودلالة واضحة على أنهم أهله، لأن المقصود بترائي ناري المسلمين والمشركين هو: إظهار ما يمكن به التمييز بين الفريقين. والإعتصام بالسجود هو من هذه العلائم التي تحقق هذا التمييز.
وحتى لو كان هناك شك في ذلك، فإن التبيّن والتأكد من الحقيقة ليس بالأمر الصعب، ولا هو بالأمر الرديء والمستهجن والمعيب..
الباب السابع:
الوفادات على رسول الله '
الفصل الأول:
وفادات غير معتادة
وفود تحدثنا عنها:
سبق وتحدثنا في كتابنا هذا عن عدد من الوفود على رسول الله "صلى الله عليه وآله" لاقتضاء المناسبة ذلك.. فنحن سوف لا نعيد الحديث عن هذه الوفود اكتفاءً بما ذكرناه عنها سابقاً.. ومن هذه الوفود التي تحدثنا عنها:
1 ـ وفد بني عبس.
2 ـ وفد بني تميم.
3 ـ وفد هوازن.
4 ـ وفد صداء.
5 ـ وفد بلال بن الحارث في أربعة عشر رجلاً من مزينة.
6 ـ وفادة عدي بن حاتم.
7 ـ وفادة كعب بن زهير.
إجتماع الخضر بالنبي ':
عن عمرو بن عوف: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان في المسجد، فسمع كلاماً من ورائه، فإذا هو بقائل يقول: اللهم أعنّي على ما تنجيني مما خوفتني.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين سمع ذلك: "ألا يضم إليها أختها".
فقال الرجل: اللهم ارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله" لأنس: "اذهب إليه فقل له: يقول لك رسول الله "صلى الله عليه وآله" تستغفر له".
فجاءه أنس فبلغه.
فقال الرجل: يا أنس، أنت رسول رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلي؟
قال: نعم.
قال: اذهب فقل له: إن الله عز وجل فضلك على الأنبياء بمثل ما فضل رمضان على سائر الشهور، وفضل أمتك على سائر الأمم بمثل ما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام، فذهب ينظر إليه فإذا هو الخضر "عليه السلام"([73]).
وعن أنس، قال: خرجت ليلة مع النبي "صلى الله عليه وآله" أحمل الطهور فسمع [منادياً ينادي، فقال لي: "يا أنس صه" فسكت، فاستمع فإذا هو] يقول: اللهم أعنّي على ما ينجيني مما خوفتني منه.
قال: فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "لو قال أختها معها".
فكأن الرجل لقن ما أراد النبي "صلى الله عليه وآله" فقال: وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه".
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": "يا أنس، دع عنك الطهور، وائت هذا فقل له: أدعُ لرسول الله أن يعينه على ما ابتعثه الله به، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم من الحق".
قال: فأتيته [فقلت: رحمك الله، ادع الله لرسول الله أن يعينه (على ما ابتعثه) به، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم من الحق.
فقال لي: ومن أرسلك؟
فكرهت أن أخبره ولم أستأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله". فقلت له: رحمك الله ما يضرك من أرسلني؟ ادع بما قلت لك.
قال: لا، أو تخبرني من أرسلك.
قال: فرجعت إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقلت له: يا رسول الله، أبى أن يدعو لك بما قلت له حتى أخبره بمن أرسلني.
فقال: "ارجع إليه فقل له: أنا رسول رسول الله".
فرجعت إليه فقلت له.
فقال لي: "مرحباً برسول [رسول] الله، أنا كنت أحق أن آتيه، اقرأ على رسول الله مني السلام وقل له: الخضر يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن الله تعالى فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وفضل أمتك على الأمم كما فضل يو م الجمعة على سائر الأيام".
قال: فلما وليت سمعته يقول: "اللهم اجعلني من هذه الأمة المرشدة المرحومة، المتاب عليها"([74]).
ونقول:
إن هذه الرواية موضع شك كبير، فلاحظ ما يلي:
ألف: قد ذكرت الرواية الأولى: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أرسل أنس بن مالك إلى الخضر ليطلب منه أن يستغفر له.. فنظر إليه أنس، فإذا هو الخضر "عليه السلام"..
ونحن لا نشك في عدم صحة هذه الرواية:
أولاً: إذا كان الخضر "عليه السلام" قد سمع صوت النبي "صلى الله عليه وآله"، وضم لتلك الكلمة أختها، فلماذا لم يكلمه النبي "صلى الله عليه وآله" مباشرة، بل أرسل إليه أنس بن مالك يطلب منه أن يستغفر له..
ودعوى: أنه أراد أن لا يعرِّف الناس أنه "صلى الله عليه وآله" يطلب الإستغفار.. لا تنفع، فإنه "صلى الله عليه وآله" كان يجاهر في مثل هذا الأمر..
ثانياً: من أين عرف أنس بن مالك أن الذي يكلمه هو الخضر "عليه السلام"، فإن أحداً لم يخبره بذلك، فهل كان قد رآه من قبل؟! ومتى؟ وأين؟!
ثالثاً: إن النبي "صلى الله عليه وآله" معصوم عن الزلل، لا يحتاج إلى استغفار أحد..
رابعاً: لقد أجابه الخضر "عليه السلام" بأن الله فضل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وفضَّل أمته، ليقنعه بأنه لا يحتاج إلى الإستغفار، ولا شك في أن هذا كان معلوماً لدى رسول الله "صلى الله عليه وآله" كما كان معلوماً لدى الخضر "عليه السلام"، فلماذا لم يكتف به عن هذا الطلب الذي تعقبه ذلك الرد؟!
خامساً: لماذا بقي الخضر"عليه السلام" بعيداً عن النبي "صلى الله عليه وآله"، ولم يقترب إليه، ولم يلتق به، بل اكتفى بلقاء أنس؟!.. أليس تذكر الروايات أنه كان يلتقي النبي "صلى الله عليه وآله" في أكثر من مورد ومناسبة؟!
سادساً: قال الصالحي الشامي: "قال الشيخ في النكت البديعات: "أورده البيهقي من طريق عمرو بن عوف المزني، وقال: فيه بشير بن جبلة عن أبيه، عن جده، نسخة موضوعة، وعبد الله بن نافع متروك الخ.."([75]).
2 ـ أما الرواية الثانية فيرد عليها مع ضعف سندها جميع ما قدمناه آنفاً باستثناء الإيراد الثاني والثالث.
يضاف إلى ما تقدم:
أولاً: ما معنى قوله: إنه "صلى الله عليه وآله" سمع منادياً ينادي: "اللهم أعنّي على ما ينجيني الخ.."؟!
فهل كان الخضر "عليه السلام" يصرخ بدعائه، وينادي به؟!.
وإذا كان ينادي بدعائه، فلماذا سمعه النبي "صلى الله عليه وآله" وحده، ولم يسمعه أنس، حتى اضطر "صلى الله عليه وآله" إلى إسكات أنس ليستكمل سماع ذلك النداء؟!
وهل سمع هذا النداء أحد من المسلمين من أهل المدينة غير أنس، وغير رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!..
وإذا كانوا قد سمعوا ذلك، هل خرجوا لرؤية ذلك المنادي؟ أم أن موقفهم كان هو الإهمال وعدم المبالاة أم غير ذلك؟!..
ثانياً: ما معنى قول أنس: فكأن الرجل لقن ما أراد النبي "صلى الله عليه وآله" ؟!
ولماذا لا تكون هذه الكلمات مما يعرف العالمون بها ارتباطها ببعضها، فلا يفصلون بين فقراتها؟!
على أنه ليس في كلام النبي "صلى الله عليه وآله" ما يشير لأنس، ولا لغيره أنه يقصد خصوص الفقرة التي قالها الخضر "عليه السلام"، فلعله قصد بكلمة أختها فقرة أخرى غيرها.
إلا أن يقال: إن هذا هو مقتضى المقابلة مع ما خوّف به في الفقرة الأولى، تقابل ما يحوّف به مع ما يشوّق إليه ويرغّب فيه. على نسق قوله: خوفاً وطمعاً.. فلاحظ.
ثالثاً: ما نسبته الرواية إلى الخضر "عليه السلام" من أنه قال: أنا كنت أحق أن آتيه ليس له مبرر، إذ لماذا ترك الخضر "عليه السلام" العمل بهذا الأولى والأحق.. ولم يعتذر بشيء عن هذا الترك؟!
ولماذا لم يتلافَ هذا التقصير الذي أحس به حتى بعد أن قال هذا القول؟! وقد كان بإمكانه أن يذهب إليه، ويتشرف بلقائه، ويتلافى ما فرط منه.
رابعاً: إن رواية أنس تريد أن تروي لنا نفس ما تضمنته رواية عمرو بن عوف.. مع أن المقارنة بين الروايتين تعطي: أنهما متناقضتان في كثير من فقراتهما..
فإن كان لهذه القضية أصل، فلا شك في أن الأيدي الأثيمة قد نالت منها، وشوّهتها وأفسدتها، حتى بدت عليها معالم التزوير والتحوير، حسبما أوضحناه..
حديث إلياس موضوع:
قال أنس: قال لي إلياس: من أنت؟
قلت: أنا أنس بن مالك خادم رسول الله "صلى الله عليه وآله".
قال: فأين هو؟
قلت: هو يسمع كلامك.
قال: "فأته فأقرأه مني السلام، وقل له: أخوك إلياس يقرؤك السلام".
قال: فأتيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأخبرته: فجاء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ودنا معه حتى إذا كنا قريباً منه تقدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" وتأخرت. فتحدثا طويلاً.
وفي لفظ آخر: "حتى جاءه فعانقه، وسلم عليه، ثم قعدا يتحدثان.
فقال إلياس: "يا رسول الله، إني إنما آكل في السنة يوماً، وهذا يوم فطري، فآكل أنا وأنت".
فنزل عليهم من السماء شبه السفرة.
قال ابن أبي الدنيا: فيها كمأة، ورمان، وكرفس.
وقال الحاكم: عليها خبز وحوت وكرفس. فأكلا وأطعماني وصليا، ثم ودعه، وجاءت سحابة فاحتملته. وكنت أنظر إلى بياض ثيابه تهوي به قبل الشام"([76]).
ونقول:
إن هذا الحديث لا يصح، وذلك للأمور التالية:
ضعف سند الحديث:
بالنسبة لسند هذا الحديث نكتفي هنا بما ذكره الصالحي الشامي، فقد قال: الحديث في سنده يزيد بن يزيد الموصلي التيمي [مولى لهم]. قال ابن الجوزي والذهبي: إنه حديث باطل، واتهما به يزيد. قال الذهبي: أما استحى الحاكم من الله تعالى أن يصحح مثل هذا الحديث؟!
وقال في تلخيص المستدرك: هذا موضوع، قبح الله من وضعه، وما كنت أحسب أن الجهل يبلغ بالحاكم أن يصحح مثل هذا، وهو مما افتراه يزيد الموصلي.
قلت: كما أن البيهقي ذكره في الدلائل وقال: هذا الذي روي في هذا الحديث في قدرة الله جائز، وما خص الله به رسوله من المعجزات يثبته، إلا أن إسناد هذا الحديث ضعيف بما ذكرته ونبهت على حاله.
ورواه ابن شاهين، وابن عساكر بسند فيه مجهول عن واثلة بن الأسقع أطول مما هنا، وفيه ألفاظ منكرة. وعلى كل حال لم يصح في هذا الباب شيء.
قال الشيخ في النكت البديعات: أخرجه الحاكم، والبيهقي في الدلائل وقال: إنه ضعيف([77]).
وفد الجن:
وذكروا: أن وفد الجن جاء إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" في سنة إحدى عشرة من النبوة([78])، فعن الزبير بن العوام قال: صلى بنا رسول الله "صلى الله عليه وآله" صلاة الصبح في مسجد المدينة، فلما انصرف قال: "أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة"؟
فخرجت معه حتى خنست عنا جبال المدينة كلها، وأفضينا إلى أرض، فإذا رجال طوال كأنهم الرماح، مستثفرين ثيابهم من بين أرجلهم. فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديد ة حتى ما تحملني رجلاي من الفرق.
فلما دنونا منهم خطّ لي رسول الله "صلى الله عليه وآله" بإبهام رجله خطا، فقال: "اقعد في وسطه"، فلما جلست ذهب عني كل شيء كنت أجده من ريبة، ومضى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بيني وبينهم، فتلا قرآناً، وبقوا حتى طلع الفجر، ثم أقبل. فقال: "الحقني".
فمشيت معه فمضينا غير بعيد، فقال لي: "التفت وانظر هل ترى حيث كان أولئك من أحد"؟
فخفض رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى الأرض (فتناول) عظماً وروثة، ثم رمي بهما وقال: "إنهم سألوا الزاد، فقلت لهم: لكم كل عظم وروثة"([79]).
عن علقمة قال: قلت لابن مسعود: هل صحب النبي "صلى الله عليه وآله" من أحد ليلة الجن؟
قلت: ما صحبه منا أحد، ولكن فقدناه ذات ليلة فالتمسناه في الأودية وفي الشعاب، فقلنا: اغتيل؟ استطير؟ ما فعل؟ فبتنا بشر ليلة بات بها قوم.
فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء.
فقلنا: يا رسول الله، فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم.
فقال: "إنه أتاني داعي الجن، فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن".
قال: فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم.
وسألوه الزاد فقال: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحماً، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم"
قال: "فلا تستنجوا بهما، فإنهما زاد إخوانكم من الجن".
وقال الشعبي: وكانوا من جن الجزيرة([80]).
عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: "بت الليلة أقرأ على الجن واقفاً بالحجون"([81]).
وقوله: إنه لم يكن مع النبي "صلى الله عليه وآله" أصح مما رواه ابن جرير على الزهري قال: أخبرنا أبو عثمان بن سنة ـ بفتح المهملة وتشديد النون ـ الخزاعي أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال لأصحابه وهو بمكة: "من أحب منكم أن يحضر الليلة أثر الجن فليفعل". فلم يحضر معهم أحد غيري.
قال: فانطلقنا فإذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطاً ثم أمرني أن أجلس فيه، ثم انطلق حتى إذا قام فافتتح القرآن [فجعلت أرى أمثال النسور تهوي وتمشي في رفرفها، وسمعت لغطاً وغمغمة، حتى خفت على النبي "صلى الله عليه وآله"، وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين([82]).
وقال أبو نعيم: كان إسلام الجن ووفادتهم على النبي "صلى الله عليه وآله" كوفادة الإنس فوجاً بعد فوج، وقبيلة بعد قبيلة، بمكة، وبعد الهجرة.
عن ابن مسعود قال: إن أهل الصفة أخذ كل رجل منهم رجلاً، وتركت، فأخذ بيدي رسول الله "صلى الله عليه وآله" ومضى إلى حجرة أم سلمة، ثم انطلق بي حتى أتينا بقيع الغرقد، فخط بعصاه خطاً ثم قال: "اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك".
ثم انطلق يمشي، وأنا أنظر إليه من خلال الشجر، حتى إذا كان من حيث أراه ثارت مثل العجاجة السوداء، فقلت: ألحق برسول الله "صلى الله عليه وآله" فإني أظن هذه هوازن مكروا برسول الله "صلى الله عليه وآله"، ليقتلوه، فأسعى إلى البيوت فأستغيث بالناس، فذكرت أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمرني ألا أبرح مكاني الذي أنا فيه.
فسمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقرعهم بعصاه ويقول: "اجلسوا". فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح، ثم ثاروا وذهبوا.
فأتى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقال: "أولئك وفد الجن، سألوني المتاع والزاد، فمتعتهم بكل عظم حائل، وروثة وبعرة، فلا يجدون عظماً إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا عليها حبها الذي كان يوم أكلت"([83]).
ونقول:
قيمة هذه النصوص:
إننا لا نستطيع أن نؤيد صحة النصوص المتقدمة، لأسباب كثيرة مثل:
1 ـ إن أسانيدها تحتاج إلى بحث وتدقيق، لا سيما وأنها لم تُرو عن المعصومين "عليهم السلام"، كما أن في أسانيدها من لا مجال للإطمئنان إلى صدقه، أو إلى ضبطه.
2 ـ إن رواية علقمة عن ابن مسعود صريحة في نفي حضور أحد من الصحابة مع النبي "صلى الله عليه وآله" ليلة الجن في مكة، فهي تنفي صحة رواية ابن مسعود الأخرى التي تقول: إنه حضرها مع النبي "صلى الله عليه وآله" في مكة، بل هي تنفي صحة رواية حضور الزبير أيضاً، حتى لو صرحت روايته بأن ذلك كان في المدينة، وتنفي صحة رواية حضور ابن مسعود لوفدهم في المدينة أيضاً، وذلك لسبب بسيط، وهو أن العناصر التي اشتملت عليها الروايات كلها متشابهة بدرجة كبيرة، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة، وذلك يدل على أن الرواة يتصرفون في نص واحد تارة ينسبونه لهذا، وأخرى ينسبونه لذاك، وتارة يجعلونه في هذا البلد، وأخرى في ذاك.
فراجع وقارن لتقف على مدى تأثير الأهواء في صياغة النصوص، وفي محاولات تحريفها.
حديث الجن في القرآن:
أما الآيات القرآنية فقد صرحت بما يشير إلى مجيء نفر من الجن إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" لاستماع القرآن، قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}([84]). ولم تصرح الآيات بأنهم قد كلموا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أو أظهروا له أنفسهم، وإن كان النبي "صلى الله عليه وآله" قد علم بهم، بوحي من الله تعالى، قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً}([85]).
وهذا المقدار لا يبرر اعتبار ذلك وفادة منهم على رسول الله "صلى الله عليه وآله".. إلا إذا استندنا في ذلك إلى الروايات، لكن المروي منها في مصادر غير الشيعة لا مجال للوثوق به أيضاً. لكثرة وجوه الإختلاف فيه([86]) مع سقوط أسانيده عن الإعتبار: ولكثرة ما يرد عليه من مآخذ كما يُعلم بالمراجعة.
روايات الجن في كتب الشيعة:
وعن الروايات حول وفادات الجن، الواردة في كتب الشيعة نقول:
ذكر القمي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" خرج من مكة إلى سوق عكاظ يدعو الناس، فلم يجبه أحد، ثم رجع إلى مكة، فلما بلغ وادي مجنة تهجد بالقرآن في جوف الليل، فمر به نفر من الجن فسمعوا قراءته، فولّوا إلى قومهم منذرين، فجاؤوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأسلموا، وآمنوا. وعلمهم شرائع الإسلام (ونزلت سورة الجن بهذه المناسبة).
وكانوا يعودون إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، في كل وقت، فأمر "صلى الله عليه وآله" علياً أمير المؤمنين "عليه السلام" أن يعلمهم ويفقههم([87]).
وذكر نص آخر عن الإمام الكاظم "عليه السلام": أن تسعة من جن نصيبين واليمن استمعوا القرآن. فأقبل إليه من الجن أحد وسبعون ألفاً، فاعتذروا له وبايعوه([88]).
وتجد في كثير من كتب الحديث المروي عن أهل البيت "عليهم السلام" وكذلك في الكتاب الشريف بحار الأنوار([89]) للعلامة المجلسي (رفع الله مقامه) ـ تجد ـ أحاديث كثيرة تتعرض لوفادات كثيرة لأفراد ولجماعات من الجن على رسول الله، وملاقاتهم له "صلى الله عليه وآله".. وهي مروية عن أهل البيت "عليهم السلام" وشيعتهم، وهي أكثر سداداً من الروايات الأخرى.. فياحبذا لو أن كتَّاب السيرة استفادوا من تلك الروايات في تدوينهم للسيرة النبوية الشريفة، فإن أهل البيت أدرى بما فيه، وهم المأمونون على هذا الدين وعلى سيرة سيد المرسلين..
النبي ' مبعوث للإنس والجن:
قال المجلسي "رحمه الله": "لا خلاف في أن الجن والشياطين مكلفون، وأن كفارهم في النارهم معذبون"([90]).
وفي تفسير القمي: سئل العالم "عليه السلام" عن مؤمني الجن يدخلون الجنة؟!
فقال: لا، ولكن لله حظائر بين الجنة والنار، يكون فيها مؤمنو الجن، وفساق الشيعة([91]).
وقال العلامة المجلسي "رحمه الله": "ولا خلاف في أن نبينا "صلى الله عليه وآله" مبعوث إليهم، وأما سائر أولي العزم، فلم يتحقق عندي بعثهم عليهم نفياً أو إثباتاً، وإن كان بعض الأخبار يشعر بكونهم مبعوثين عليهم"([92]).
ابن مسعود من أهل الصفة:
ذكرت الروايات المتقدمة: أن ابن مسعود كان من أهل الصفة، وورد التصريح بذلك في مصادر أخرى([93]).
غير أننا نقول:
إن علينا أن نأخذ بنظر الإعتبار الأمور التالية:
1 ـ إن الرواية تفيد: أن قضية ابن مسعود أنه كان من أهل الصفة حتى بعد زواج النبي "صلى الله عليه وآله" بأم سلمة، ومن المعلوم: أن زواجها به "صلى الله عليه وآله" قد كان في السنة الرابعة من الهجرة([94]) والذين قالوا أن زواجه منها كان في السنة الثانية مخطئون قطعا لأن زوجها أبو سلمة بن عبد أسد قد جرح في معركة أُحد ومات من جراحاته([95]) ثم تزوجها رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعد انقضاء عدتها منه.
2 ـ إن النبي "صلى الله عليه وآله" لما قدم المدينة أقطع الدور، لأصحابه وأقطع ابن مسعود في من أقطع([96]).
وقال ياقوت: "لما قدم "صلى الله عليه وآله" مهاجراً إلى المدينة أقطع الناس الدور والرباع، فخط لبني زهرة في ناحية من مؤخر المسجد، وكان لعبد الرحمن بن عوف الحش المعروف به. وجعل لعبد الله وعقبة ابني مسعود الهذليين الخطة المشهورة بهم عند المسجد"([97]).
وقد حدد المؤرخون موضع دار ابن مسعود، وأنها مقابل أول باب للمسجد من أبواب الشام مما يلي المشرق.
وجعلوا في موضع دار ابن مسعود الدار المعروفة بدار المضيف. وهي إلى جنب دار أبي الغيث ابن المغيرة، التي جعلوا في موضعها الرباط المعروف برباط الظاهرية والشرشورة([98]).
3 ـ الصفة: مكان في مؤخرة المسجد النبوي مظلل، أعد لنزول الغرباء فيه، ممن لا مأوى لهم ولا أهل، وأهل الصفة هم أناس فقراء لا منازل لهم، فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره([99]).
وفي بعض النصوص: لا يأوون على أهل ولا مال، ولا على أحد([100]).
فهل بقي ابن مسعود بلا بيت، وبلا دار، وبلا مال طيلة هذه السنوات؟!
وإذا كان النبي "صلى الله عليه وآله" قد أقطعه داراً في أول الهجرة، فلماذا لم يستفد منها في إيجاد محل يأوي إليه؟! في حين أن بناء البيت لا يحتاج إلى بذل أموال، أو استئجار الرجال، بل كان يمكنه هو أن يجمع بعض الحجارة ويبنيها، ثم يسترها بما يجده من سقف أو سواه، ثم يأوي إليه..
على أن لنا سؤالاً آخر، وهو: أين كانت عائلة ابن مسعود، وأخواته، وأمه و.. و.. طيلة هذه المدة هل كانوا معه في الصفة أيضاً؟!
إن ذلك كله يشير إلى أن عدّه من أصحاب الصفة، وكذلك غيره ممن يشبه حاله حال ابن مسعود يبقى غير مفهوم.
حفيد إبليس عند النبي ':
ورووا: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان على جبل من جبال تهامة خارج مكة، إذ أقبل شيخ متوكئ على عصا ـ وفي لفظ: بيده عصا ـ فسلم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" فرد عليه السلام، وقال: "نغمة الجن ومشيتهم" ـ وفي رواية: "جني ونغمته ـ من أنت"؟
قال: أنا هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس.
قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "ليس بينك وبين إبليس إلا أبوان"؟!
قال: نعم.
قال: "فكم أتى عليك الدهر"؟
قال: قد أفنت الدنيا عمرها إلا قليلاً. كنت ليالي قتل قابيل هابيل غلاماً ابن أعوام، أفهم الكلام، وأمر على الآكام، وآمر بإفساد الطعام، وقطيعة الأرحام، وأُأَرِّش بين الناس، [وأغري بينهم].
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "بئس لعمر الله عمل الشيخ المتوسم، والفتى المتلوم".
قال: دعني من اللوم، فقد جرت توبتي على يدي نوح "عليه السلام"، وكنت معه فيمن آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني.
وقال: لا جرم، إني على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
وكنت مع هود "عليه السلام" في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني، فقال: لا جرم، إني على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
(وذكرت رواية القمي وغيره: أنه عاتب صالحاً أيضاً على دعائه على قومه).
وكنت أزور يعقوب، وكنت مع يوسف بالمكان المكين.
وكنت ألقى إلياس في الأودية وأنا ألقاه الآن.
وكنت مع إبراهيم خليل الرحمن لما ألقي في النار، فكنت بينه وبين المنجنيق، حتى أخرجه الله منه.
ولقيت موسى بن عمران فعلمني من التوراة وقال لي: إن أنت لقيت عيسى ابن مريم فأقرأه مني السلام.
وكنت مع عيسى فقال: إن لقيت محمداً فأقرئه مني السلام.
وأنا يا رسول الله قد بلغت وآمنت بك.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "وعلى عيسى السلام" ـ وفي لفظ: ـ "وعليك يا هامة، ما حاجتك"؟
فقال: موسى علمني من التوراة، وعيسى علمني من الإنجيل، فعلمني من القرآن.
فعلمه رسول الله "صلى الله عليه وآله" سورة المرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت، والمعوذتين، وقل هو الله أحد.
وفي لفظ عمر: إذا وقعت الواقعة.
وفي رواية: علمه عشر سور.
وقال له "صلى الله عليه وآله": "ارفع إلينا حاجتك يا هامة، ولا تدع زيارتنا".
وقال عمر بن الخطاب: فقبض رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولم ينعه إلينا، ولسنا ندري أحي هو أو ميت([101]).
ونقول:
لقد ذكر البعض هذا الحديث في جملة الوفود على رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ولا يخالجنا شك في كونه من الأحاديث الموضوعة، فتابعناه وذكرناه، لكي نؤكد للقارئ الكريم على هذه الحقيقة، مستدلين عليها بما يلي:
أولاً: لقد حكم غير واحد على هذا الحديث بأنه مكذوب أو ضعيف، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات، فراجع([102]).
ثانياً: إن هذه الرواية تتضمن الإساءة لأنبياء الله سبحانه وتعالى، وتنسب إليهم الخطأ والندم عليه.
ثالثاً: إنها تنسب الخطأ أو الجهل، أو الظلم إلى الله تبارك وتعالى.. لأن إغراق قوم نوح وإهلاك قوم هود وصالح، إذا كان خطأً، فإما أن يكون الله تعالى كان جاهلاً بهذا الخطأ، فنسبته ذلك إلى الله تبارك وتعالى جريمة عظمى، ومعصية كبرى..
وإما أن يكون تعالى قد علم بالخطأ في حقهم، ثم فعله، فذلك ظلم منه سبحانه لهم.. وهو ينافي ألوهيته، وتؤدي نسبته إلى العزة الإلهية إلى الكفر بالله سبحانه، فإذا كان هود ونوح قد اعتقدا بأن قومهما قد ظُلِمُوا بما جرى عليهم، فذلك يعني أنهما ينسبان إلى الله تبارك وتعالى، إما الظلم أو الجهل.. وهذا يؤدي إلى نسبة الكفر لهذين النبيين الكريمين العظيمين.
رابعاً: إذا كان حفيد إبليس قد عرف خطأ نوح وهود في دعائهما على قومهما، ولم يعرفا هما ذلك، فإنه يكون أحق بالنبوة منهما، وأولى بالتقدم عليهما.
خامساً: إن ظاهر كلام حفيد إبليس هو: أنه قد كرر عتابه لنوح وهود، حتى فاز بما يريد، وأنهما "عليهما السلام" لم يقبلا منه إلا بعد لأي.. فلماذا احتاج حفيد إبليس إلى تكرار العتاب لهما؟ هل لأن حجته لم تكن كافية؟! أم أنهما رفضا الإعتراف بالخطأ على سبيل العناد واللجاج؟! وهل يستحق اللَجوج العنيد مقام النبوة؟!
إن حفيد إبليس قد ادَّعى أنه كان مع هود في مسجده مع من آمن من قومه([103])، مع أن الآيات القرآنية تقول: إن قوم هود قد هلكوا عن بكرة أبيهم ولم ينج منهم إلا هود وأهله، باستثناء امرأته فإنها هلكت مع من هلك.
فكيف يدعي حفيد إبليس أنه كان مع هود جماعة مؤمنون من قومه؟!
إضافات على الرواية المتقدمة:
وقد أضافت النصوص المروية في كتب الشيعة: أنه لما طلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يعلمه شيئاً من القرآن قال "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام" علِّمه، فقال هام: يا محمد، إنا لا نطيع إلا نبياً أو وصي نبي، فمن هذا؟
قال: هذا أخي، ووصيي، ووزيري، ووارثي علي بن أبي طالب.
قال: نعم، نجد اسمه في الكتب إليَّا، فعلمه أمير المؤمنين، فلما كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى أمير المؤمنين "عليه السلام"([104]).
ونقول:
أولاً: هناك زيادة طويلة ذكرها في رواية روضة الكافي، وفيها ما يناقض هذا الذي ذكر آنفاً، حيث صرحت: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" سأل حفيد إبليس إن كان يعرف وصيه، فقال: إذا نظر إليه يعرفه بصفته واسمه الذي قرأه في الكتب.
فقال له: انظر، فنظر في الحاضرين، فلم يجده فيهم.
وبعد حديث طويل سأله فيه النبي "صلى الله عليه وآله" عن أوصياء الأنبياء "عليهم السلام"، وأجابه، ووصف له علياً "عليه السلام"، ثم جاء علي "عليه السلام" فعرفه بمجرد أن وقع نظره عليه.
ثم تذكر الرواية: أن الهام بن الهيم بن لاقيس قتل بصفين([105]).
ثانياً: إن نفس اعتراض هذا الجني على رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين طلب من علي "عليه السلام" أن يعلمه شيئاً من القرآن يدل على خلل أساسي في إيمانه، لأن الإيمان برسول الله "صلى الله عليه وآله" معناه الطاعة له، والإستسلام لأوامره ونواهيه، ومن يرفض ذلك لا يكون كذلك.
ثالثاً: ما الذي جعل لهذا الجني الحق في أن لا يطيع ما عدا الأنبياء وأوصياءهم، حتى حين يأمرهم الأنبياء والأوصياء بذلك؟ وما الذي يميزه عن غيره من بني جنسه في ذلك؟!
وفود السباع:
1 ـ عن أبي هريرة قال: جاء ذئب إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأقعى بين يديه، وجعل يبصبص بذنبه، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "هذا وافد الذئاب، جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئاً".
فقالوا: لا والله يا رسول الله، لا نجعل له من أموالنا شيئاً.
فقام إليه رجل من الناس، ورماه بحجر، فسار وله عواء([106]).
2 ـ وعن حمزة بن أبي أسيد قال: خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" في جنازة رجل، فإذا ذئب متفرشاً ذراعيه على الطريق، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "هذا معترض فافرضوا له".
قالوا: ما ترى يا ر سول الله.
قال: "من كل سائمة شاة في كل عام".
قالوا: كثير، فأشار إلى الذئب أن خالسهم، فانطلق الذئب([107]).
3 ـ عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: بينا رسول الله "صلى الله عليه وآله" جالس بالمدينة في أصحابه، إذ أقبل ذئب فوقف بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فعوى [بين يديه]، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "هذا وافد السباع إليكم، فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئاً لا يعدوه إلى غيره، وان أحببتم تركتموه وتحررتم منه، فما أخذ فهو رزقه".
فقالوا: يا رسول الله، ما تطيب أنفسنا له بشيء.
فأومأ إليه النبي "صلى الله عليه وآله" بأصابعه: أن خالسهم، فولى وله عسلان([108]).
4 ـ عن رجل من مزينة أو جهينة قال: صلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" الفجر، فإذا هو بقريب من مائة ذئب قد أقعين. [وكانوا] وفود الذئاب.
فقال لهم رسول الله "صلى الله عليه وآله": "هؤلاء وفود الذئاب، سألتكم أن ترضخوا لهم شيئاً من فضول طعامكم، وتأمنوا على ما سوى ذلك".
فشكوا إليه حاجة.
قال: "فادنوهن". فخرجن ولهم عواء([109]).
5 ـ عن سليمان بن يسار مرسلاً قال: أشرف النبي "صلى الله عليه وآله" على الحرَّة، فإذا ذئب واقف بين يديه، فقال: "هذا يسأل من كل سائمة شاة". فأبوا، فأومأ إليه بأصابعه، فولى([110]).
طبع الذئاب:
قد يقول قائل: إن افتراس الذئاب للغنم ولغيرها لم يبدأ في زمن النبي "صلى الله عليه وآله"، ويكفي أن نذكر ما تعلل به أخوة يوسف "عليه السلام" لإخفاء مكرهم بأخيهم يوسف حيث ادَّعوا أن الذئب قد أكله، وجاؤوا على قميصه بدم كذب..
كما أن الذئاب كانت تفترس ما تقدر عليه طيلة سنوات كثيرة بعد بعثة رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل وفادة الذئاب عليه، فما معنى أن تأتي أخيراً هذه الذئاب إليه "صلى الله عليه وآله" لتتقدم بهذا الطلب حتى تخرج بتلك النتيجة التي ذكرتها الروايات السابقة؟!
والجواب: أن كل ذلك صحيح، ولكنه لا يمنع من أن يكون الله سبحانه أراد أن يظهر الكرامة لنبيه "صلى الله عليه وآله" بتكليم السباع له، وظهور معرفته بلغة الحيوانات، وطاعتها له، وتعريف الناس بأن لنبينا "صلى الله عليه وآله" ميزة على كل أنبياء الله "عليهم السلام" الذين سبقوه، تمثلت في عرض تقدمه هذه الذئاب بالتخلي حتى عن طباعها المتأصلة فيها على مدى آلاف السنين، والرضا بما يفرضه الناس لها من نصيب في مواشيهم والتعهد بعدم التعرض لسواه، وذلك إكراماً لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وتمييزاً له عن جميع البشر..
إختلاف الروايات:
أما هذا الإختلاف الذي يظهر في الروايات المتقدمة.. فيمكن معالجته، بأن من الجائز أن يكون الحدث قد تكرر في المواضع والأزمنة، والحالات المختلفة، وقد حضر في كل مرة أناس غير الذين حضروا في المرات الأخرى، وبذلك نفسر أيضاً الإختلاف في عدد الذئاب التي حضرت، وغير ذلك من أمور وتفاصيل.
الفصل الثاني:
أشخاص عُلم تاريخ وفادتهم
وفادة خفاف بن نضلة:
عن ذابل بن الطفيل بن عمرو الدوسي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قعد في مسجده منصرفه من الأباطح، فقدم عليه خفاف بن نضلة بن عمرو بن بهدلة الثقفي، فأنشد رسول الله "صلى الله عليه وآله":
كم قد تحطمت القلوص في الدجى في مـهـمـه قـفـر مـن الـفـلـوات
فـل من التـوريـس ليس بقـاعـه نـبـت من الأسـنـات والأزمــات
إنـي أتـانـي في المـنـام مســاعـد مـن جـن وجـرة كـان لي ومـوات
يـــدعــــو إلـيـــك لـيــالـيـا ثـم احـزألَّ، وقــال لـست بــآت
فـركـبــت نـاجــيـة أضر بنـيها جـمـز تجـب بـه عـلى الأكـــمات
حتى وردت إلى المـديـنـة جاهداً كـيـما أراك مـفـرج الـكــربــات
قال: فاستحسنه رسول الله "صلى الله عليه وآله" وقال: "إن من البيان كالسحر، وإن من الشعر كالحِكَم"([111]).
ونقول:
قد تضمنت هذه الأبيات أمورا: أهمها: أنه يرى أن النبي "صلى الله عليه وآله" مفرج الكربات في الأزمات، وقد تحدثنا عن ذلك فيما سبق، فلا نعيد.
في وفود خشين إليه ':
عن محجن بن وهب قال: قدم أبو ثعلبة الخشني على رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو يتجهز إلى خيبر، فأسلم وخرج معه فشهد خيبر، ثم قدم بعد ذلك سبعة نفر من خشين، فنزلوا على أبي ثعلبة، فأسلموا وبايعوا ورجعوا إلى قومهم([112]).
الوفد الأول لثقيف:
هناك وفاداتان لأناس من ثقيف، إحداهما: وفادة شخصية، بمعنى: أن الوافدين لم يكونوا مبعوثين من قبل قومهم، ولا يتكلمون باسمهم، بل هم يعلنون البراءة منهم، والعداء لهم، ويقطعون صلتهم بهم.
وهي وفادة رجلين قدما على رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل إسلام ثقيف، بل ربما قبل فتح مكة أيضاً، كما قد يستفاد من تشدد ذينك الرجلين في قطع صلتهما بقومهما، وإظهار براءتهما منهم، فقد قالوا:
كان أبو المليح بن عروة، وقارب بن الأسود قدما على رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل وفد ثقيف، حين قتل عروة بن مسعود يريدان فراق ثقيف، وألا يجامعاهم على شيء أبداً، فأسلما، فقال لهما رسول الله "صلى الله عليه وآله": "توليا من شئتما".
فقالا: نتولى الله ورسوله([113]).
أي أنهما قد وطّنا النفس على قطع أية علاقة مع معسكر الكفر والشرك، حتى لو لزم من ذلك البراءة من الأهل والعشيرة.. ولأجل ذلك أفسح "صلى الله عليه وآله" لهما المجال ليتوليا من شاءا، وتكون بينهما وبينه علاقة الولاء ـ أعني ولاء ضمان الجريرة، ليمكن التوارث بينهما، فاختارا ولاء الله ورسوله..
وإنما يصح ولاء ضمان الجريرة فيما إذا لم يكن للمضمون وارث.
وفود ضمام بن ثعلبة:
روي عن الزهري وثابت، وشريك بن عبد الله كلاهما عن أنس، وابن عباس ما ملخصه ومضمونه:
أن أنس في رواية ثابت قال: "نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن شيء. كان يعجبنا أن نجد الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله ونحن نسمع".
وفي حديث أبي هريرة: "بينا النبي "صلى الله عليه وآله" مع أصحابه متكئاً، أو قال جالسا في المسجد، إذ جاء رجل على جمل، فأناخه في المسجد، ثم عقله".
وفي حديث ابن عباس قال: "بعث بنو سعد بن بكر، ضمام بن ثعلبة وافداً إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد، ثم دخل المسجد ورسول الله "صلى الله عليه وآله" جالس في أصحابه، وكان ضمام رجلاً جلداً، أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى انتهى إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"..".
قال أنس في رواية شريك: "فقال: أيكم محمد"؟ أو "أيكم ابن عبد المطلب؟ والنبي "صلى الله عليه وآله" متكئ بين ظهرانيهم.
فقلنا له: هذا الأبيض المتكئ".
أو قالوا: هذا الأمغر المرتفق.
قال: فدنا منه، وقال: إني سائلك فمشدد عليك، أو فمغلظ عليك في المسألة، فلا تجد عليّ في نفسك.
قال: "لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك".
قال أنس في رواية ثابت: فقال: يا محمد، أتانا رسولك فقال لنا: إنك تزعم أن الله تعالى أرسلك؟
قال: "صدق".
قال: فمن خلق السماء؟
قال: "الله".
قال: فمن خلق الأرض؟
قال: "الله".
قال: فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل؟
قال: "الله".
فقال: "فأنشدك الله إلهك وإله من قبلك، وإله من هو كائن بعدك".
أو قال: "فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال"، "آلله أمرك أن نعبده وحده، ولا نشرك به شيئاً، وأن ندع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون؟
قال: "اللهم نعم".
قال: "وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا".
قال: "صدق".
قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن تصلي هذه الصلوات الخمس؟
قال: "اللهم نعم".
قال: "وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا".
قال: "صدق".
قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا؟
فقال: "اللهم نعم".
قال: "وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا".
قال: "صدق".
قال: "وأنشدك الله، آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "اللهم نعم".
قال: "وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً".
قال: "نعم".
وفي حديث ابن عباس: "ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة، فريضة الزكاة والصيام، والحج، وشرائع الإسلام كلها، ينشده عن كل فريضة منها كما ينشده عن التي قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض، وأجتنب ما تنهينِّي عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص".
وفي رواية شريك: "آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر".
وفي حديث أبي هريرة: "وأما هذه الهناة، فوالله إن كنا لنتنزه عنها في الجاهلية".
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "إن صدق ليدخلن الجنة".
وفي حديث أبي هريرة: "فلما أن ولى قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "فقه الرجل".
وقال: "فكان عمر بن الخطاب يقول: "ما رأيت أحداً أحسن مسألة، ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة".
فأتى بعيره فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به: بئست اللات والعزى.
فقالوا: مه يا ضمام! اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون.
قال: "ويلكم"! إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً، فاستنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه".
قال: "فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل أو امرأة إلا مسلماً".
زاد ابن سعد: "وبنوا المساجد، وأذنوا بالصلوات".
قال ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة([114]).
متى وَفَدَ ضمام:
قال أبو الربيع: اختلف في الوقت الذي وفد فيه ضمام هذا على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقيل: سنة خمس، ذكره الواقدي وغيره، وقيل: سنة تسع، (قال الزرقاني: في سنة تسع على الصواب، وبه جزم ابن إسحاق، وأبو عبيدة وغيرهما، خلافاً لما زعم الواقدي أنه سنة خمس كما أفاده الحافظ)([115]). وبه جزم ابن حبيب أيضاً.
ونقول:
أولاً: قال في البداية: وفي سياق حديث ابن عباس ما يدل على أن ضماماً رجع إلى قومه قبل الفتح، لأن العُزَّى هدمها خالد بن الوليد أيام الفتح.
وقد يناقش في ذلك: بأن ذكر العُزَّى بالسوء، حتى بعد هدمها على يد خالد كان كافياً لإحداث الخوف لدى أصحاب النفوس الضعيفة. من الإصابة بالجنون، والجذام، و.. و.. الخ.. فلا يدل ذكرها على أن هذه الحادثة قد حصلت بعد هدمها، ونرد على هذه المسألة: بأن هذا الإحتمال بعيد، لأن العزى لم تستطع أن تدفع الهدم عن نفسها، ولا استطاعت أن توصل لمن تولى هدمها أي سوء. فهل يمكن أن نتوقع منها أن يبتلى من يشتمها بجنون، أو بجذام، أو بغير ذلك؟!
ثانياً: إن ضماماً قد وفد على رسول الله "صلى الله عليه وآله" سنة تسع، لأن ابن عباس يقول في روايته لما جرى: "فقدم علينا"([116]). فيدل لك على أنه كان حاضراً في هذه المناسبة.
ومن الواضح: أن ابن عباس إنما قدم المدينة بعد فتح مكة.
النهي عن السؤال:
زعم أنس: أن القرآن قد نهاهم عن أن يسألوا رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن شيء، فكانوا يعجبهم مجيء الرجل من البادية، فيسأله، ويسمعون..
ونقول:
إن ذلك غير مقبول، بل غير معقول..
أولاً: إنهم قد زعموا أن القرآن قد نهاهم عن سؤال النبي "صلى الله عليه وآله"، والذي نهاهم القرآن عنه هو السؤال عن بعض الأشياء التي لو أبديت لهم لساءتهم، فكان يجب أن يصبروا حتى ينزل القرآن ببيانها، لكان خيراً لهم.
ثانياً: لو فرضنا أنهم يزعمون: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد فسر لهم النهي عن توجيه أي سؤال له "صلى الله عليه وآله" فنقول: إن هذا غير معقول، لأن الله تعالى قد أمرهم بسؤال أهل الذكر، فقال: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}([117])، فلا معنى لأن ينهاهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" عما أمرهم الله تعالى به! وإن كان النهي عن ذلك قد صدر عن غير النبي "صلى الله عليه وآله"، أي أن بعض الصحابة نهاهم عن ذلك، أو فسر لهم النهي القرآني بما يفيد العموم، فالسؤال هو: لماذا أطاعوا ذلك الناهي لهم في أمر يخالف به القرآن؟ بل لماذا لم يشتكوه إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، ليرشده إلى الحق ويحمله عليه؟! أو على الأقل لماذا لم يسألوا النبي "صلى الله عليه وآله" عن صحة ما قيل لهم؟!
ولو فرضنا أنه قيل لهم ذلك، فلماذا لا يأخذون بما روي عنه "صلى الله عليه وآله" من أنه قال: سائلوا، وخالطوا الحكماء، وجالسوا الفقراء([118]).
وعن الإمام الصادق "عليه السلام": "إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون"([119]).
وعنه "عليه السلام": "إن هذا العلم عليه قفل مفتاحه السؤال"([120]).
وكان الإمام السجاد "عليه السلام" إذا جاءه طالب علم قال: مرحباً بوصية رسول الله "صلى الله عليه وآله"([121]).
ثانياً: إن في تعليم العلم، وإجابة السائلين مثوبات لا يرغب عنها الإنسان المؤمن؛ فكيف برسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
فقد روي عنه "صلى الله عليه وآله" أنه قال: "العلم خزائن، ومفتاحه السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمجيب لهم".
وعن الإمام الصادق عن أبيه "عليهما السلام" نحوه([122]).
وهناك الأحاديث المثبتة لعقوبة من كتم علماً نافعاً، فعنه "صلى الله عليه وآله" قال: من كتم علماً نافعاً جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار([123]).
ثالثاً: لماذا يُنهى أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله" عن سؤاله، ويباح للأعراب وأهل البادية أن يسألوه؟ ألا يشير ذلك إلى أن الذين نُهُوا عن سؤاله "صلى الله عليه وآله" هم أشخاص بأعيانهم؟!
بل لماذا لا يقال ـ كما أثبتته النصوص ـ: إنه "صلى الله عليه وآله" كان ينهى بعض الناس أو كلهم عن السؤال تعنتاً؟! أو لأجل أنهم كانوا يسألونه "صلى الله عليه وآله" عن أمور لا يصح السؤال عنها مطلقاً، أو إلا حين يحين وقتها. إذ لو أجيبوا عنها قبل ذلك كان فيه مضرة عليهم، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ}([124]).
وقد قال الخضر لموسى "عليهما السلام": {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً}([125]). وفي هذا دلالة على أن هناك أسئلة لا يرى المسؤول مصلحة في الإجابة عليها في وقت أو في مرحلة معينة..
وربما كانوا يسألون عن علم يضرهم علمه، أو يسألون عن علم لا يضرهم جهله، ولا ينفعهم علمه، فقد روي عن النبي "صلى الله عليه وآله" قوله في من وُصِفَ له بأنه علّامة، لعلمه بأنساب العرب، ووقايعها وأيام الجاهلية، وبالأشعار والعربية: "ذاك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه"([126]).
وعن الإمام الكاظم "عليه السلام"، أنه قال: "فلا تشغلن نفسك بعلم ما لا يضرك جهله"([127]).
أيكم محمد؟!:
وقد تقدم: أن ذلك الوافد قال: أيكم محمد؟! فدلوه عليه..
وهذا يدل على: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يمتاز في مجلسه عن غيره من جلسائه.
وإن نور النبوة، وجلال الإيمان، وإن كان يحتم على كل قادم أن ينشدَّ إليه، وينبهر بإشراقة وجهه، ويؤخذ بهيبته، ويأسره وقاره.
ولكن ذلك لا يعفيه من السؤال عنه، على قاعدة: {..قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي..}([128]). لا سيما وأن هؤلاء الوافدين لم يعتادوا على مساواة الرؤساء أنفسهم بعامة الناس..
ولعل علياً "عليه السلام" كان حاضراً، وهو أخو رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأثار ذلك لدى ذلك الوافد بعض الإلتباس، فاحتاج إلى تحصيل السكينة عن طريق السؤال..
الرسول ' يتكئ بين أصحابه:
وزعموا: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان متكئاً بين أصحابه.. ونحن نشك في صحة ذلك، فقد روي: أنه "صلى الله عليه وآله" ما اتكأ بين يدي رجل قط([129]).
مناشدات ضمام، ثم إسلامه:
وقد قرأنا في النص السابق مناشدات ضمام لرسول الله "صلى الله عليه وآله" واستحلافه له على صدق ما يقول، وأنه أسلم بعد أن أخبره "صلى الله عليه وآله" بصحة ذلك كله..
ونحن وإن كنا نرى أن ثمة قدراً من العفوية لدى أهل البادية، الذين لا يجدون الكثير من الحوافز لديهم للإستفادة من أساليب المكر، أو اتخاذ مواقف التزلف، والمحاباة والرياء، غير أن مما لا شك فيه أن ضمام بن ثعلبة لم يكن ذلك الرجل المغفل والساذج، ولا مجال للإستهانة بالطريقة التي أسلم بها. بل هي أسلوب له دلالات ذات قيمة كبيرة، وأهمية بالغة، حيث إنها عبرت عن صفاء الفطرة، وعن حسن الإدراك، إذ لا شك في أن هذا الرجل لم يجد في هذه التعاليم أي شيء يصادم فطرته، ويرفضه عقله، أو يأباه ضميره ووجدانه، بل هو لم يجد فيها أي غموض أو إبهام يستحق حتى الإستفهام عن معناه أو مغزاه، أو عن مبرراته.
بل غاية ما احتاج إليه هو مجرد تحصيل السكون والطمأنينة إلى مصدر هذه التعاليم، وأنها تنتهي إلى الوحي الإلهي..
وأما عن اكتفاء ضمام بشهادة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، على النحو الذي تقدم، فإننا نقول:
إن هناك عوامل عدة تفرض على ضمام أن ينصاع لما يقرره النبي "صلى الله عليه وآله"، فهو يعرف موقع بني هاشم في الأمة، ومكانتهم في قريش، والعرب، ومكة، ويعرف أيضاً ما كان من عبد المطلب في عام الفيل. بالإضافة إلى معرفته بسيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"منذ طفولته حتى كهولته، ولا شك في أن أحداً لم يكن يجهل معجزات رسول الله "صلى الله عليه وآله" طيلة أكثر من عشرين سنة، والقرآن الكريم معجزة حاضرة لهم في كل زمان ومكان.. بل إن معجزات علي "عليه السلام" ومنها اقتلاعه باب خيبر، وهي الأخرى معجزات للنبي "صلى الله عليه وآله"، ومن دلائل صحة النبوة. ولم يكن ذلك كله ليخفى على أحد في المنطقة العربية بأسرها..
وهذا كله يعطي أن مطلوب ضمام هو الحصول على السكينة والطمأنينة، باتصال النبي "صلى الله عليه وآله" بالله عن طريق جبرئيل من نفس رسول الله "صلى الله عليه وآله"، بعد أن حصل على القناعات العقلية الكافية، من خلال جميع ما أشرنا إليه وسواه.
اتق الجذام، اتق البرص:
وواضح: أن ما كان يخشاه هؤلاء من اللّات والعُزَّى هي أمور حتى لو حصلت فعلاً، فإنه لا يمكن إقامة الدليل على أن لتلك الأصنام صلة بها.
بل إن هذه الوفادة إن كانت قد حصلت بعد فتح مكة، فإن هدم علي "عليه السلام" الأصنام التي كانت في الكعبة، وغيرها مما هدمه "عليه السلام" منها بعد ذلك وعدم حصول أي شيء له طيلة هذه المدة يكفي لإثبات عدم صحة الزعم بقدرة الأصنام على شيء من ذلك.
والمفارقة هي: أن هؤلاء يستندون إلى وهم هنا، وخيال هناك. ولكنهم يرفضون الإنصياع لما تقضي به فطرتهم، وتحكم به عقولهم، ألا وهو التوحيد، وسائر الإعتقادات الحقة، والتعاليم الصحيحة، رغم تأييدها بالمعجزات والكرامات، وكل شواهد الصدق ودلائله.
قدوم ذباب بن الحارث:
عن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي قال: لما سمعوا بخروج النبي "صلى الله عليه وآله" وثب ذباب ـ رجل من بني أنس الله بن سعد العشيرة ـ إلى صنم كان لسعد العشيرة يقال له: فرَّاض، فحطمه، ثم وفد إلى النبي "صلى الله عليه وآله" وقال:
تبعت رسـول الله إذ جـاء بالهدى وخلـفـت فـرَّاضـاً بــدار هــوان
شـددت عـلـيـه شـدة فـتركـتـه كـأن لم يكـن والـدهـر ذو حدثـان
ولمــــا رأيــت الله أظــهر ديـنـه أجـبـت رسـول الله حـين دعــاني
فأصبحت للإسلام ما عشت ناصراً وألـقـيـت فـيـه كـلـكـلي وجراني
فـمن مبلغ سعـد العشـيرة أنـني شـريـت الـذي يبقى بـآخر فاني([130])
وعن عبد الله بن شريك النخعي، قال: كان عبد الله بن ذباب الأنَسِي مع علي بن أبي طالب "عليه السلام" بصفين، فكان له غَنَاء([131]).
وفد واثلة بن الأسقع:
وقالوا: إنه قبل المسير إلى تبوك وفد واثلة بن الأسقع الليثي على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقدم المدينة ورسول الله "صلى الله عليه وآله" يتجهز إلى تبوك، فصلى معه الصبح، فقال له: "ما أنت؟ وما جاء بك؟ وما حاجتك"؟
فأخبره عن نسبه، وقال: أتيتك لأؤمن بالله ورسوله.
قال: "فبايع على ما أحببت وكرهت".
فبايعه ورجع إلى أهله، فأخبرهم، فقال له أبوه: "والله لا أكلمك كلمة أبداً، وسمعت أخته كلامه، فأسلمت وجهزته.
فخرج راجعاً إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فوجده قد صار إلى تبوك، فقال: من يحملني عقبه وله سهمي؟
فحمله كعب بن عجرة حتى لحق برسول الله "صلى الله عليه وآله"، وشهد معه تبوك، وبعثه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، مع خالد بن الوليد إلى أكيدر، فغنم، فجاء بسهمه إلى كعب بن عجرة، فأبى أن يقبله، وسوغه إياه وقال: إنما حملتك لله([132]).
وفي نص آخر: عن ابن جرير عن واثلة بن الأسقع قال: خرجت من أهلي أريد الإسلام، فقدمت على رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو في الصلاة، فوقفت في آخر الصفو ف وصليت بصلاتهم. فلما فرغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" من الصلاة انتهى إليّ وأنا في آخر الصلاة. فقال: "ما حاجتك"؟
قلت: الإسلام.
قال: "هو خير لك".
ثم قال: "وتهاجر"؟
قلت: نعم.
قال: "هجرة البادي أو هجرة الباني"؟
قلت: أيهما خير؟
قال: "هجرة الباني أن يثبت مع النبي، وهجرة البادي أن يرجع إلى باديته".
وقال: "عليك بالطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك".
قلت: نعم.
فقدم يده وقدمت يدي.
فلما رآني لا أستثني لنفسي شيئاً، قال: "فيما استطعت".
فقلت: فيما استطعت، فضرب على يدي([133]).
وعن واثلة بن الأسقع قال: لما أسلمت أتيت النبي "صلى الله عليه وآله"، فقال لي: إذهب، فاحلق عنك شعر الكفر، واغتسل بماء وسدر([134]).
ونقول:
1 ـ إننا نرتاب فيما ذكرته الرواية الأولى: من أن واثلة قد أسلم حين كان "صلى الله عليه وآله" يتجهز إلى تبوك، فقد ذكروا: أنه كان من أصحاب الصفة، وأنه خدم النبي "صلى الله عليه وآله" ثلاث سنين([135])، وغزوة تبوك إنما كانت في سنة تسع.
2 ـ إن أمر النبي "صلى الله عليه وآله" واثلة أن يحلق عنه شعر الكفر، يشير إلى أنه "صلى الله عليه وآله" يريد أن يجعلهم يتحسسون قبح ما كانوا عليه، وسوء آثاره حتى على أجسادهم، علماً بأن الآثار على الأرواح والأجساد لا تنحصر بما يتعاطى الإنسان معه من أمور مادية، بل يتجاوز ذلك ليصبح لنفس التصورات، وللإعتقادات التأثير الكبير والعميق على الروح، والنفس، وعلى البدن أيضاً، ولذلك طلب منه أن يحلق عنه شعراً نبت ونما في زمن كفره، لأنه يحمل معه قذارات معنوية، يريد رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن ينزهه عنها.
قدوم أسيد بن أبي أناس:
قال ابن عباس: أهدر رسول الله "صلى الله عليه وآله" دم أسيد بن أبي أناس (أو إياس) لما بلغه أنه هجاه، فأتى أسيد الطائف فأقام بها. فلما فتح رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة خرج سارية بن زنيم إلى الطائف، فقال له أسيد: ما وراءك؟
قال: "قد أظهر الله تعالى نبيه ونصره على عدوه، فاخرج يا ابن أخي إليه، فإنه لا يقتل من أتاه".
فحمل أسيد امرأته، وخرج وهي حامل تنتظر، وأقبل فألقت غلاماً عند قرن الثعالب، وأتى أسيد أهله، فلبس قميصاً واعتم، ثم أتى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وسارية بن زنيم قائم بالسيف عند رأسه يحرسه، فأقبل أسيد حتى جلس بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله" وقال: يا محمد، أهدرت دم أسيد؟
قال: "نعم".
قال: تقبل منه أن جاءك مؤمناً؟
قال: "نعم".
فوضع يد ه في يد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "هذه يدي في يدك، أشهد أنك رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأشهد ألا إله إلا الله".
فأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" رجلاً يصرخ: أن أسيد بن أبي أناس، قد آمن، وقد أمَّنه رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ومسح رسول الله "صلى الله عليه وآله" وجهه، وألقى يده على صدره.
فيقال: إن أسيداً كان يدخل البيت المظلم فيضيء.
وقال أسيد:
أأنـت الـفـتى تهـدي معداً لربهـا بـل الله يهـديهـا وقـال لـك أشهـد
فـما حملت من ناقـة فوق كورهـا أبَّــر وأوفـــى ذمــــة مـن محمـد
وأكسى لبرد الحـال قبـل ابتذالـه وأعـطـى لـرأس السـابـق المتجرد
تـعـلـم رسـول الله أنـك قـــادر عـلى كــل حي متهمين ومـنـجـد
تعـلـم بـأن الركب ركب عويمر هم الكـاذبـون المخلفـو كل موعد
أَنَّـبـوا رسـول الله أن قـد هجوته فـلا رفـعـت سـوطي إلي إذا يدي
سـوى أنني قد قلـت يا ويح فتنة أصيبوا بنحس لا يطـاق وأسـعـد
أصابهـم مـن لم يكـن لـدمـائهم كـفـيـئـاً فعزَّت حسرتي وتنكـدي
ذؤيـب وكـلـثـوم وسلم وساعد جمـيـعـاً فـإن لا تدمع العين تكمد
فلما أنشده: "أأنت الذي تهدي معداً لدينها"، قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "بل الله يهديها".
فقال الشاعر: "بل الله يهديها وقال لك اشهد"([136]).
ونقول:
سارية قائم بالسيف على رأس النبي ':
ولسنا بحاجة إلى تفنيد ما زعمته الرواية من أن سارية بن زنيم كان قائماً على رأس النبي "صلى الله عليه وآله" بالسيف يحرسه.. فقد ذكرنا بعض ما يفيد في إظهار زيف هذه الإدعاءات في موضع سابق من هذا الكتاب، فراجع..
لمن الشعر؟!:
تقدم: أن الأشعار المذكورة هي لأسيد بن أبي أناس (إياس).
ولكنهم ذكروا في مورد آخر: أنها لأنس بن زنيم([137]).
وحاول العسقلاني أن يقول: إنه يحتمل وقوع ذلك لهما([138]).
غير أننا نقول:
إن ذلك وإن كان ليس مستحيلاً عقلاً لكنه مما لا يتفق عادة، ولا سيما إذا كانت قصيدة مطولة، فإن احتمال أن تكون قد قيلت من قِبَلِ رَجُلين، من دون تغيير يذكر، سفه من القول، ولا مجال لتصور وقوعه، ولا يُقْبَل من أحد الحديث عنه، فضلاً عن الإستناد إليه..
هجاء بني عبد عدي:
تقدم قول أسيد بن أبي أناس (أو إياس):
تعلم بأن الـركـب ركـب عويمر هم الكـاذبـون المخلفو كـل موعد
ولم تذكر أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" زجره عن قوله هذا، فكيف سكت "صلى الله عليه وآله" عن هذه الجرأة على قوم مسلمين؟!
قالوا:
أصدق بيت قالته العرب:
قال دعبل بن علي في طبقات الشعراء قوله:
فـما حمـلت من ناقـة فـوق كورها أعـف وأوفـى ذمــة مــن محـمـد
هذا أصدق بيت قالته العرب([139]).
النبي ' لا يقتل من أتاه:
إن نفس أن يظهر للناس أنه "صلى الله عليه وآله" لا يقتل من أتاه، قد أسهم في إقبال الناس على الاستفادة من هذه الحالة في إصلاح أوضاعهم، وإنهاء مقاومتهم لدين الله، وحربهم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعلى المسلمين، بل وصيرورتهم له أتباعاً وأعواناً ومناصرين، بعد أن كانوا له أعداءً محاربين ومنابذين.
إكذابهم أنفسهم مطلوب له ':
إن نفس أن يبحث هؤلاء الذين أهدر النبي "صلى الله عليه وآله" دمهم لافترائهم على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وصدهم عن سبيل الله عن طريق الأكاذيب، وإكذابهم أنفسهم، وقبولهم بالإدانة على ما اقترفوه من ظلم وبغي في حق أهل الإيمان ـ إن ذلك نفسه ـ كان مطلوباً لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، لتطمئن بعض النفوس الضعيفة، ولينقطع أمل من يداجي وينافق ويتآمر، ولكي تزول أية شبهة عن الإسلام وأهله يمكن أن تؤثر على الأجيال اللاحقة.
علم النبي ' بالغيب:
إن من المضحك أن يتصرف أسيد مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" على أساس أنه "صلى الله عليه وآله" لا يعرفه.. مع أنه "صلى الله عليه وآله" قد أظهر لهم في مفردات تعد بالمئات طيلة أكثر من عشرين سنة أنه مشرف على الغيب، وهو يرفد إيمانهم بالكرامات الباهرة والدلالات الظاهرة وقد صرح القرآن الكريم: بأن الأنبياء "عليهم السلام" قادرون على إخبار الناس حتى بما يأكلون، وبما يدخرونه في بيوتهم، وبأنه سبحانه قد أرسل النبي "صلى الله عليه وآله" شاهداً على قومه.. ولهذا البحث مجال آخر.
وفود غسان:
وقدم وفد غسان على النبي "صلى الله عليه وآله" في شهر رمضان سنة عشر، وهم ثلاثة نفر، فأسلموا وقالوا: لا ندري أيتبعنا قومنا أم لا؟ وهم يحبون بقاء ملكهم، وقرب قيصر، فأجازهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" بجوائز، وانصرفوا راجعين، فقدموا على قومهم، فلم يستجيبوا لهم، وكتموا إسلامهم([140]).
ونلاحظ هنا:
1 ـ أن هؤلاء القوم يرون أن دخولهم في الإسلام يُذهب ملكهم عنهم، مع أن الأمر ليس كذلك، فقد رأينا أنه "صلى الله عليه وآله" يريد للناس المزيد من القوة والشوكة والسعادة، ولم يسلب أحداً ممن أسلم ملكه، بل زاده الإسلام شوكة وعظمة ونفوذاً، وأصبح كل من يدخل منهم في الإسلام يجد في سائر الأمم التي أسلمت عوناً له، وقوة، وعامل ثبات وبقاء..
أما قيصر، فكان يريدهم لنفسه، فهو يريد أموالهم لا ليقسمها في فقرائهم، ولا ليستفيد منها في إقرار الأمن، وإشاعة العدل، وبناء المجتمعات على القيم، والمثل العليا، كما كان يفعل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، بل ليصرفها على شهواته وملذاته، ولكي توجب له المزيد من القوة على الظلم والتعدي، وإشاعة الإنحراف، والموبقات والمآثم..
ويريد رجالهم ليكونوا وقوداً لحروبه التي يخوضها لتوسعه ملكه، وبسط نفوذه، وحماية شخصه، وتلبية رغباته، والإستجابة لنزواته.
وأما رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيريدهم مجاهدين لا في سبيل شخصه بل في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين، ينشرون دينه بين عباده.
2 ـ إن هؤلاء الأشخاص قد كتموا إسلامهم حين رجعوا إلى قومهم، حيث دعوهم فلم يستجيبوا لهم. فيكونون بذلك قد مارسوا مبدأ التقية، الذي يدرك الإنسان بفطرته، وبعقله السديد، ورأيه الرشيد صحته، وصوابيته، تماماً كما فعل عمار بن ياسر حينما استعمل التقية مع المشركين.
فهذا المبدأ إذن هو مما ترشد إليه الفطرة، ويحكم به العقل، وقد أيده القرآن والنصوص الشريفة، فما معنى إنكاره من بعض الذين لا يحتاجون إليه، بعد أن جعلوا أنفسهم أتباع الحكام، ووعاظ السلاطين؟! ثم إنهم حين يحتاجون إليه يمارسونه، ويغوصون فيه إلى الأعماق، كما أظهرته وقائع التاريخ، وقد ذكرنا بعض مفردات ممارستهم للتقية، في أوائل هذا الكتاب.
وفود جرير بن عبد الله البجلي:
عن جرير بن عبد الله البجلي قال: بعث إلي رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأتيته، فقال: "ما جاء بك"؟
قلت: جئت لأسلم.
فألقى إلي كساءه وقال: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه".
وقال "صلى الله عليه وآله": "أدعوك إلى شهادة ألا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأن تؤمن بالله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وتصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم شهر رمضان، وتنصح لكل مسلم، وتطيع الوالي وإن كان عبداً حبشياً"([141]).
عن جرير بن عبد الله البجلي قال: لما دنوت من مدينة الرسول "صلى الله عليه وآله" أنخت راحلتي وحللت عيبتي، ولبست حلتي، ودخلت المسجد، والنبي "صلى الله عليه وآله" يخطب، فسلمت على رسول الله "صلى الله عليه وآله" فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليسي: يا عبد الله، هل ذكر رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن أمري شيئاً؟
قال: نعم، ذكرك بأحسن الذكر، فبينا هو يخطب إذ عرض لك فقال: "إنه سيدخل عليكم من هذا الباب ـ أو قال من هذا الفج ـ من خير ذي يمن، وإن على وجهه لمسحة ملك". فحمدت الله على ما أبلاني([142]).
وروى البزار، والطبراني عن عبد الله بن حمزة، والطبراني عن البراء بن عازب قال: بينا أنا يوماً عند رسول الله "صلى الله عليه وآله" في جماعة من أصحابه أكثرهم اليمن إذ قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "سيطلع عليكم من هذه الثنية ـ وفي لفظ: من هذا الفج ـ خير ذي يمن، على وجهه مسحة ملك".
فما من القوم أحد إلا تمنى أن يكون من أهل بيته، إذ طلع عليه راكب، فانتهى إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فنزل عن راحلته، فأتى النبي "صلى الله عليه وآله" فأخذ بيده وبايعه وقال: "من أنت"؟
قال: جرير بن عبد الله البجلي.
فأجلسه إلى جنبه، ومسح بيده على رأسه ووجهه، وصدره وبطنه، حتى انحنى جرير حياء أن يدخل يده تحت إزاره، وهو يدعو له بالبركة ولذريته، ثم مسح رأسه وظهره وهو يدعو له، ثم بسط له عرض ردائه وقال له: "على هذا يا جرير فاقعد". فقعد معهم ملياً ثم قام وانصرف.
وقال النبي "صلى الله عليه وآله": "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه"([143]).
وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: أتيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقلت: يا رسول الله، أبايعك على الهجرة.
فبايعني رسول الله "صلى الله عليه وآله"، واشترط عليّ النصح لكل مسلم، فبايعته على هذا.
قال ابن سعد: وكان نزول جرير بن عبد الله على فروة بن [عمرو] البياضي([144]).
ما جاء بك؟! تفضح التلاعب بالرواية:
وقد ذكرت الرواية المتقدمة: أنه "صلى الله عليه وآله" أرسل إلى جرير، فلما جاءه قال له: ما جاء بك؟
فقد يقال: إن هذا التصرف متناقض، لا يصدر عن النبي "صلى الله عليه وآله"، إذ معنى إرساله إليه أنه قد جاء تلبية لدعوته، وأن دعوته له هي السبب في مجيئه، فما معنى أن يسأله عن سبب مجيئه ويقول له: ما جاء بك؟
ويمكن أن يجاب: بأنه لا مانع من أن يدعوه، ولكنه حين يأتيه، لا يكون إتيانه طاعة واستجابة له، بل لداع آخر، فأراد "صلى الله عليه وآله" منه أن يصرح بما دعاه إلى ذلك، ولعله توطئة واستدراج له ليظهر ما يستحق به الأكرام والثناء..
ولكن هذا الجواب، وإن كان صحيحاً في نفسه، ولكن ليس محله هنا، بل الصحيح هو: أن الصالحي الشامي اختار النص المحرَّف الذي أورده البيهقي([145]) وفضله على نص آخر، ظاهر البطلان أيضاً، وهو مروي أيضاً عن جرير بن عبد الله البجلي.
قال: >لما بعث النبي "صلى الله عليه وآله" أتيته فقال: ما جاء بك؟! الخ..<([146]). إذ يرد على هذه الرواية:
أولاً: قال العسقلاني: "حصين فيه ضعف"([147]). يضاف إلى ذلك: أن هذا الخبر مروي عن جرير نفسه، الذي يجر النار إلى قرصه..
ثانياً: هناك فاصل كبير بين البعثة وبين وفادة الوفود، يصل إلى عشرين سنة، فقد بعث النبي "صلى الله عليه وآله"، ثم دعا إلى الله في مكة ثلاث عشرة سنة، ثم قدم المدينة، ثم حارب قريشاً وغيرهم، ثم فتح مكة في أواخر سنة ثمان، ثم وفدت عليه الوفود مع أن جريراً لم يكن قد اسلم طيلة هذه المدة، فقد جزم ابن عبد البر بما روي عن جرير نفسه، بأنه أسلم قبل وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" بأربعين يوماً([148]).
وجزم الواقدي: بأن جريراً وفد على النبي "صلى الله عليه وآله" سنة عشر في شهر رمضان([149]).
وحتى لو كان قد وفد عليه قبل ذلك، وقبل سنة سبع، فإن حديثه عن أنه قد وفد على النبي "صلى الله عليه وآله" حين البعثة يبقى بلا مبرر معقول أو مقبول.
وأجاب العسقلاني عن ذلك: بأن المقصود به المجاز. أي لما بلغنا بعثة النبي "صلى الله عليه وآله"، فلعله بلغه ذلك في سنة سبع أو ثمان أو تسع أو عشر، أو يحمل على المجاز بالحذف أي لما بعث "صلى الله عليه وآله"، وجرى كذا وكذا منه ذلك الوقت إلى سنة عشر أتيته الخ..([150]).
ونقول:
إنه كلام لا يصح أيضاً، أما بالنسبة لحمل الكلام على المجاز. فلأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد حارب المشركين واليهود، وغزا الروم في تبوك، ومؤتة، وأرسل السرايا في مختلف الجهات قبل سنة عشر، فلا يعقل أن لا تصل أخبار بعثته إلى بجيلة إلا بعد اثنتين أو ثلاث وعشرين سنة. أو قبل وفاته "صلى الله عليه وآله" بأربعين يوماً.
وأما بالنسبة للمجاز في الحذف فهو مجاز مخل بإفهام المعنى هنا، فلا يصار إليه، ولا يصح الإعتماد عليه في بيان المقاصد.
الإيمان بالقدر وطاعة الأمراء:
وذكرت الروايات التي رواها جرير لنفسه:
أولاً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" دعاه ليؤمن بالقدر خيره وشره.. ومن المعلوم: أن مراد التيار الأموي بهذا النوع من التعابير هو ما ينتهي إلى الإعتقاد بالجبر الإلهي، حسبما أشرنا إليه في موضع آخر من هذا الكتاب..
وأما إذا كان المراد بهذه العبارة هو ما يصيب الإنسان بسبب أمور خارجة عن اختياره، كالذي يصيبه بسبب الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل ونحوها فلا إشكال فيه..
ثانياً: ورد: أن مما أخذه "صلى الله عليه وآله" على جرير أن يطيع الوالي وإن كان عبداً حبشياً، فإن كانت هذه دعوة لطاعة الطواغيت والظالمين فهي تتناقض مع مبادئ الإسلام والقرآن.
وإن كان المقصود هو أن يلزمه بطاعة الإمام الذي يعينه الله ورسوله أياً كان ذلك الإمام، حتى لو كان عبداً حبشياً، فهو كلام صحيح ولا غبار عليه.
غير أن من الواضح: أن ورود هذا الكلام على لسان رجل أعلن رفضه لنهج أهل البيت "عليهم السلام" وخطهم، والتزم بنهج وخط أعدائهم يعطي: أن المطلوب هو تأييد النهج المناوئ لأهل البيت، وتقوية حكومة الظالمين، وإلزام الناس بطاعة جبابرة بني أمية، من خلال ما نسبوه للنبي "صلى الله عليه وآله" من أنه أمرهم بطاعة كل والٍ، ثم اعتبار ذلك من القضاء الإلهي، الذي لا خيار لأحد فيه، ولا مناص منه.
هل ذكر رسول الله ' من أمري شيئاً:
وقد تقدم: أن جريراً سأل جليسه إن كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" ذكره في خطبته.. وهذا عجيب من جهتين:
إحداهما: أن المفروض: أنه ورد على قوم لا يعرفهم ولا يعرفونه، فما معنى طرحه هذا السؤال على جليسه من دون أن يعرّفه بنفسه.
الثانية: لماذا يتوقع جرير أن يذكره النبي "صلى الله عليه وآله" في خطبته، ويخبرهم بأمره؟ فحتى لو كان هذا الرجل يعظمه كسرى أو قيصر، فإنه لا يتوقع أن يذكره النبي "صلى الله عليه وآله" في خطبته.
إلا أن يقال: لعل القرائن ـ وهو أمر غير بعيد ـ قد دلت جريراً على أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد تقدم إلى الناس فيه بشيء، فقد ذكرت الرواية: أنه "صلى الله عليه وآله" بيّن لهم صفة من يدخل من الباب، وأنه من خير ذي يمن، على وجهه مسحة ملك.
ويمكن أن يعرفوا الداخل بسمات أهل اليمن، وبسمة الملك المذكورة، وعهدهم بصدق رسول الله "صلى الله عليه وآله"، مضافاً إلى إمكان تقدم ذكر أمور أخرى أدلّ وإن لم تنقلها الرواية، فلما دخلوا نظروا إليه جميعاً، فأحس بأنه قد كان جرى له ذكر بينهم.
جرير لا يستحق هذا الثناء:
قد تضمنت الروايات المتقدمة ثناءً على جرير بن عبد الله البجلي، وأنه "صلى الله عليه وآله" ألقى إليه كساءه، وأنه قال: "إذا جاءكم كريم قوم فاكرموه"، وأنه ذكره بأحسن الذكر، وأن على وجهه لمسحة ملك، وأنه خير ذي يمن الخ..
ونقول:
إن ذلك كله لا يمكن أن يصح، ونعتقد أنه من مصنوعات جرير لنفسه، لأنه في أكثره مروي عنه أو عن أعداء أهل البيت "عليهم السلام"، وخصوصاً أصحاب النزعة الأموية من موظفي معاوية لوضع الأحاديث، في الحط من علي "عليه السلام"، وذم أصحابه وأوليائه، ورفع شأن مناوئيه، وإطراء أعدائه..
والسبب في ذلك: أن جريراً هذا قد فارق علياً "عليه السلام" ولحق بمعاوية([151]).
وقد خرب علي "عليه السلام" داره بالكوفة([152]).
ونهى أمير المؤمنين "عليه السلام" عن الصلاة في مسجده([153])، وهو من المساجد الملعونة([154]).
وقد بايع هو والأشعث بن قيس ضباً([155]).
وكان يبغض علياً "عليه السلام"([156]). وقد مدحه عمر بن الخطاب بقوله: جرير يوسف هذه الأمة([157]).
وقدمه عمر في العراق على جميع بجيلة([158]).
وقال عمر: ما زلت سيداً في الجاهلية سيداً في الإسلام([159]).
الفصل الثالث:
وفادات أشخاص قليلة التفاصيل
وفود فروة بن عمرو الجذامي:
وقالوا: بعث فروة بن عمرو الجذامي إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" رسولاً بإسلامه، وأهدى له بغلة بيضاء، هي فضة، وفرساً يقال له: الظرب، وحماراً يقال له: يعفور، وأثواباً، وقباء مذهباً، فقبل هديته. وأعطى رسوله مسعود بن سعد الجذامي اثني عشرة أوقية فضة([160]).
وكان فروة عاملاً لقيصر ملك الروم على من يليه من العرب، وكان منزله مُعان وما حولها من أرض الشام.
فلما بلغ الروم ذلك من أمر إسلامه طلبوه حتى أخذوه، فحبسوه عندهم، فقال في محبسه:
طرقـت سلـيمى موهنـاً أصحابي والـروم بـين الـبـاب والـقــروان
صـد الخيـال وسـاءه ما قد رأى وهمـمـت أن أغفي وقـد أبـكـاني
لا تكحِلِنّ العين بعـدي إثـمـداً سـلـمـى ولا تَـدْنِــنَّ لـلإتــيـان
ولـقـد علمت أبا كـبـيشة أنني وسـط الأعـزة لا يحـص لســـاني
فلئن هلـكـت لتفقدن أخاكـم ولـئـن بـقـيـت لـتـعرفـن مكـاني
ولقد جمعت أجل ما جمع الفتى من جـودة وشـجــاعـــة وبـيـان
فلما أجمعت الروم على صلبه على ماء لهم بفلسطين، يقال له عفراء، قال:
ألا هـل أتى سلمى بأن حليلهـا على ماء عفرى فوق إحدى الرواحل
على ناقـة لم يضرب الفحل أمها مشـذبـة أطـرافـهـا بـالمـنـاجـــل
فزعم الزهري ابن شهاب أنهم لما قدموه ليقتلوه قال:
أبـلـغ سـراة المسـلـمـين بأنني سـلـم لـربي أعـظـمـي ومـقـامي
ثم ضربوا عنقه، وصلبوه على ذلك الماء، والله تعالى أعلم([161]).
ونقول:
دلالات في إسلام فروة:
إن هذا الرجل ـ أعني فروة الجذامي ـ: لم يسلم حين أسلم طمعاً في مال أو مقام، أو جاه، لأن ذلك كان حاصلاً له، بل هو بإسلامه قد خاطر بجاهه، ومقامه، وبحياته أيضاً.. كما ان هذا الرجل لم ير رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ليمكن أن يتوهم أنه قد تأثر بشخصيته، أو بقوة بيانه، كما أنه لم يكن له طمع بمال قدمه إليه، أو بجاه أو مقام عرضه عليه..
بل جاءته الدعوة الإلهية بكل صفائها، ونقائها، ووضوحها، لا تشوبها أية شائبة، من ترهيب أو ترغيب أو غيرهما، فانصاع لها عقله، ورضيها وجدانه، وانسجمت معها فطرته. وأصبحت عنوان وجوده، وحقيقة شخصيته وكيانه، ووجد أن التفريط بها معناه: التفريط بهويته، وبإنسانيته، ولأجل ذلك آثر أن يصر عليها، وأن يحتفظ بها ولا يساوم عليها، مع أنه كان قادراً على كتمان أمره، والإسرار بدخيلة نفسه..
منطق الغالب هو المغلوب:
واللافت هنا: هو هذه القسوة التي عامل الروم بها عاملهم، حيث إنهم بمجرد معرفتهم بإسلامه طلبوه حتى أخذوه، فحبسوه عندهم، ثم قتلوه، وصلبوه([162]).
وهذا معناه:
1 ـ أنه قد جرت مطاردة واسعة، واستنفار عام من قبل الروم لملاحقة هذا الرجل، حتى تمكنوا أخيراً من أخذه.
2 ـ إننا لم نرهم سألوه عن سبب اعتناقه الإسلام، ولا ناقشوه في صحة هذا الدين..
3 ـ إن هذا الفعل منهم يشير إلى أنهم يريدون فرض النصرانية على الناس بقوة السيف. فلا صحة لما يزعمونه من أن دينهم دين سلام ومحبة، وتسامح.. وليس لهم أن يتهموا الإسلام بأنه دين القهر، والعنف، وأنه إنما انتشر بالسيف وبالأكراه!!
فإن الإسلام هو الذي أطلق القاعدة الشاملة لكل عصر ومصر، ولكل دين ونحلة ولجميع الفئات والأقوام ومختلف الشرائح، والتي تقول: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِالله قَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([163]).
وإذا كان النبي "صلى الله عليه وآله" قد حارب بعض الأقوام، فإنما حاربهم دفاعاً عن النفس..
على أنه ليس لمن تقدم له الأدلة والبراهين الفطرية والعقلية، ويظهر عجزه عن مواجهتها، حيث تكون أمامه أظهر من الشمس، وأبين من الأمس ـ ليس له ـ أن يرفض الخضوع لها، استكباراً منه وعتواً.. وإلا سقطت المعايير، واختل نظام الحياة، ولا بد أن يسقط الناس معها في هوة سحيقة من الظلم والفوضى، وضياع الحقوق في ظل حكومة الأقوياء، والجباريين، والمستكبرين..
4 ـ إن صلبهم لفروة بعد قتله يدل على أنهم أرادوا أن يجعلوا منه عبرة ورادعاً لكل من يمكن أن يمر في خياله أو يخطر على باله أن يفكر بالإسلام كخيار له في هذه الحياة. فالتفكير، بل وحتى تخيل هذا الأمر ممنوع على الناس تحت وطأة صولة الجبارين، وبقوة السيف، لا بقوة الدليل، ولا بسلطان البرهان..
وفود رجل من عنس:
عن رجل من عَنْس بن مالك، من مَذْحج، قال: كان منا رجل وفد على النبي "صلى الله عليه وآله"، فأتاه وهو يتعشى فدعاه إلى العشاء، فجلس. فلما تعشى أقبل عليه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "أتشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله"؟
فقال: أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.
فقال: "أراغباً جئت أم راهباً"؟
فقال: أما الرغبة فوالله ما في يديك مال، وأما الرهبة فوالله إني لببلد ما تبلغه جيوشك، ولكني خوفت فخفت، وقيل لي: آمن بالله فآمنت.
فأقبل رسول الله "صلى الله عليه وآله" على القوم، فقال: "رب خطيب من عنس".
فمكث يختلف إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ثم جاء يودعه، فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": "اخرج". وبتته أي أعطاه شيئاً، وقال: "إن أحسست شيئاً فوائل إلى أدنى قرية" فخرج فوعك في بعض الطريق، فوأل إلى أدنى قرية، فمات رحمه الله واسمه ربيعة.
وعند الطبراني: اسمه ربيعة بن رواء العنسي([164]).
ونقول:
1 ـ لم تذكر الرواية لنا تاريخ هذا الوفد على رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
2 ـ قد تضمنت هذه الرواية إقرار العنسي أمام النبي "صلى الله عليه وآله" بأنه لم يسلم رهباً ولا رغباً..وإنما أسلم حين ظهر له أن ثمة ما يدعو إلى الخوف من الآخرة، فحكم عليه عقله بلزوم اتخاذ سبيل الإحتياط والحذر، فأطاع عقله، ولم يتأثر بما يمليه عليه هواه من تقليد الأباء، والتزام ما ألفه واعتاده، لأن الآباء قد يخطئون، والإلف قد يكون لما فيه شر وفساد، والعادة لا تدل على الحق..
3 ـ إن إيمانه بالله لم يكن إيماناً بشيء كان متردداً فيه، بل كان إيماناً بشيء اقتنع به، وانتقل من قناعاته تلك إلى تحصيل قناعات أخرى، مثل أنه لم يخلقه عبثاً، وأنه لا بد أن يكلفه بما يحقق الهدف من خلقته، وأن لا يرضى بمخالفة أوامره، وإهمال تكاليفه. وأنه لا بد من مثوبة وعقوبة، وسوف ينظر إلى نفسه ليريها موقعها من أوامره وزواجره وما ينتظرها من عقوبة ومثوبة.. فرأى أنه لا يستطيع أن يطمئن إلى مصيره، فإن ثمة أموراً جعلته يخاف معها على نفسه.. ولذلك رأى نفسه مضطراً إلى الإيمان بما اقتنع به فكرياً فآمن بالله، وشهد للنبي يالعبودية والرسالة، وواصل سيره باتجاه الحصول على ما يوجب له السلام والأمان في الدنيا والآخرة.
4 ـ غير أن هذه الرواية قد تضمنت دعوى أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال للعنسي: رب خطيب من عنس، ونحن لا نجد أي تناسب لهذه الكلمة مع قول العنسي وفعله، فهو لم يخطب، بل أخبر عن إيمانه وسببه، كما أننا لم نتأكد من وجود أية شهرة للعنسيين في الخطابة..
إلا أن يقال: قد يكون عدم اشتهار العنسيين بالخطابة، هو الذي دعا رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى قوله: رب خطيب من عنس ـ أي عنس التي لا خطابة فيها يظهر منها خطيب.. فلاحظ.
وفود جعدة:
عن رجل من بني عقيل قال: وفد إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" الرقاد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب. وأعطاه رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالفلج ضيعة، وكتب لهم كتاباً وهو عندهم([165]).
وفود الحجاج بن علاط السلمي:
عن واثلة بن الأسقع قال: سبب إسلام الحجاج بن علاط أنه خرج في ركب من قومه إلى مكة، فلما جن عليه الليل وهو في واد موحش مخوف، فقال له أصحابه: قم يا أبا كلاب فخذ لنفسك ولأصحابك أماناً.
فقام الحجاج بن علاط يطوف حولهم يكلؤهم ويقول: أعيذ نفسي، وأعيذ صحبي، من كل جني بهذا النقب، حتى أؤوب سالماً وركبي.
فسمع قائلاً يقول: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}([166]).
فلما قدم مكة أخبر بذلك قريشاً، فقالوا: "صبأت والله يا أبا كلاب" إن هذا فيما يزعم محمد أنه أنزل عليه.
فقال: والله لقد سمعته وسمعه هؤلاء معي.
فسأل عن النبي "صلى الله عليه وآله"، فقيل له: بالمدينة.
فأتاه، فأسلم([167]).
ولا ندري مدى صحة هذه الرواية التي تفرد بها واثلة بن الأسقع، مع العلم بأنها مما تتوافر الدواعي على نقله، ولا سيما من أولئك الذين سمعوا ما سمعه ابن علاط. وقد عجزت الروايات عن نسبة ذلك إلى ابن علاط نفسه، مع أن هذا الأمر هو سبب إسلامه..
والحال أن الرواة ينقلون لنا ما هو أبسط من ذلك بمراتب.
وفود فروة بن مسيك:
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: قدم فروة بن مسيك المرادي وافداً على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، مفارقاً لملوك كندة، ومتابعاً للنبي "صلى الله عليه وآله"، وقال في ذلك:
لمـا رأيـت ملـوك كندة أعرضت كالرجل خان الرجل عرق نسائه
قربـت راحـلـتي أؤم محـمـــداً أرجـو فـواضلهـا وحسن ثـرائهـا
ثم خرج حتى أتى المدينة، وكان رجلاً له شرف، فأنزله سعد بن عبادة عليه، ثم غدا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو جالس في المسجد، فسلم عليه ثم قال: يا رسول الله، أنا لمن ورائي من قومي.
قال: "أين نزلت يا فروة"؟
قال: على سعد بن عبادة. وكان يحضر مجلس رسول الله "صلى الله عليه وآله" كلما جلس، ويتعلم القرآن، وفرائض الإسلام وشرائعه.
وكان بين مراد وهمدان قُبَيْلَ الإسلام وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا، حتى أثخنوهم في يوم يقال له: يوم الردم. وكان الذي قاد همدان إلى مراد، الأجدع بن مالك في ذلك اليوم.
قال ابن هشام: الذي قاد همدان في ذلك اليوم ابن حريم الهمداني.
قال ابن إسحاق: فلما انتهى إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "يا فروة، هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم"؟
قال: يا رسول الله، من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم ولا يسوؤه ذلك؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً".
وفي ذلك اليوم يقول فروة بن مسيك:
مـررن عـلى لفات وهن خـوص يـنـازعـن الأعـنـــة يـنـتـحـيـن
فـإن نَـغـلِـب، فغـلابـون قدماً وإن نُـغـلَب، فـغـير مـغـلـبـيـن
ومـا إن طـبـنـا جـبـن ولـكـن مـنـايــانــا ودولـــة آخــريــن
كـذاك الـدهـر دولتـه سجـال تـكـر صـروفـه حـيـنـا فـحـيـنـا
فـبـيـنـا مـا نـسر بـه ونرضـى ولـو لـبـسـت غـضـارتـه سـنـين
إذ انـقـلـبـت بـه كـرات دهر فـألـفـيـت الألى غـبـطـوا طحين
فمن يغبط بريب الدهر منهم يجـد ريـب الـزمــان لـه خـؤون
فـلـو خـلـد الملوك إذا خلدنا ولـو بـقـي الـكـــرام إذا بـقـيـنا
فـأفـنـى ذلكم سروات قومي كـما أفـنـى الـقـرون الأولـيـنـــا
واستعمل رسول الله "صلى الله عليه وآله" فروة بن مسيك على مراد، وزبيد ومذحج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله "صلى الله عليه وآله"([168]).
ونقول:
يستوقفنا في حديث فروة أمور، نذكر منها:
إن من الشعر لحكمة:
إن الشعر المنسوب لفروة بن مسيك يشير إلى أن هذا الرجل كان يملك عقلاً، وحكمة، وبعد نظر، وأن التجارب قد حنكته، وتقلبات الزمان قد علمته، وهذبته..
ولأجل ذلك يقال: إن الإمام الحسين "عليه السلام" قد تمثل بنفس هذه الأبيات في واقعة كربلاء([169])، لأنها تعطي صورة واقعية صادقة عن حركة الدهور، وتقلبات الأزمان..
يوم الردم في كلام النبي ':
وقد لاحظنا: أنه "صلى الله عليه وآله" يسأل فروة بن مسيك عن يوم الردم إن كان قد ساءه.
والسؤال هو: لماذا يطرح النبي "صلى الله عليه وآله" هذا السؤال؟! أليس تأثر الرجل بما يصيب قومه من نكبات أمراً طبيعياً؟!
ونجيب: بأنه "صلى الله عليه وآله" لم يسأله عما بقى لذلك اليوم من آثار حزن في قلبه، بل سأله هذا السؤال الذي لا يحتاج إلى جواب، توطئة لما يريد أن يقوله بعد ذلك، أي أنه أراد من فروة بن مسيك أن يستحضر صورة ما جرى ليتمكن "صلى الله عليه وآله" من طرح العلاج الذي كان ضرورياً..
فإنه "صلى الله عليه وآله" يريد أن يبني مجتمعاً متعاوناً، ومتراحماً، ليعيش الأخوّة في أعمق معانيها، وهذا غير ممكن إلا باستلال الأحقاد من القلوب، وتطهير النفوس، والعقول من الوساوس والتزيينات الشيطانية..
ولأجل ذلك: نجده "صلى الله عليه وآله" يبادر إلى بلسمة الجرح من خلال التنويه بقيمة العوض الأسمى والأبقى الذي حصل عليه قوم فروة بن مسيك، معتبراً أن الله قد زادهم في الإسلام خيراً مما أصيبوا به يوم الردم، وقد كان سبب هذا العطاء هو نفس ما جرى عليهم في ذلك اليوم..
والذي يبدو لنا هو: أن هؤلاء القوم قد تصرفوا بحكمة وأناة، ولم ينساقوا وراء ردات الفعل، فصبروا، وكفوا أيديهم عن الأبرياء، فاستحقوا أن يعوضهم الله عن ذلك بمزيد من الخير والفضل الذي حباهم به في الإسلام..
وفد عامري، وكلبي:
قال عبد عمرو بن جبلة بن وائل بن الجلاح الكلبي: شخصت أنا وعاصم ـ رجل من بني رقاش من بني عامر ـ حتى أتينا النبي "صلى الله عليه وآله"، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا.
وقال: "أنا النبي الأميّ الصادق الزكي، والويل كل الويل لمن كذبني وتولى عني وقاتلني، والخير كل الخير لمن آواني ونصرني، وآمن بي وصدق قولي، وجاهد معي".
قالا: فنحن نؤمن بك ونصدق قولك، وأنشأ عبد عمرو يقول:
أجبت رسول الله إذ جاء بالهدى وأصبحت بعد الجحـد بالله أوجرا
وودعت لذات القداح وقد أرى بهـا سـدكـا عمـري وللهو أهدرا
وآمـنـت بالله الـعــلي مـكــانه وأصبحت للأوثان ما عشت منكرا([170])
ونقول:
ويستوقفنا هنا ما يلي:
النبي ' أمي، صادق، زكي:
لقد وصف النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه بالأوصاف المذكورة، وليس يريد بهذا الثناء على نفسه، بقدر ما يقصد به الإعلام، أو فقل التذكير بما شاع وذاع عنه، من أنه أمين وصادق، وزكي.
فإن الأمية تشير إلى: أنه لم يقرأ كتب من مضى، لكي يتهم بأنه قد أخذ منها..
والصدق الذي عرف به، وظهرت لهم دلائله في مطابقة ما أخبر به من غيوب للواقع، يحتم عليهم قبول ما جاء به، وبخوعهم لنبوته..
وأما كونه زكياً، فيشير إلى طهارته وأنه لا ينقاد إلى هواه، ولا تتحكم به شهواته، فلا معنى لأن يتوهم في حقه شيء مما يحاول الظالمون إلصاقه به..
ولذلك رتب "صلى الله عليه وآله" على جامعيته لهذه الأوصاف الثلاثة، نتيجة هي: أن الويل كل الويل لمن كذبه، وتولى عنه، وقاتله. وأن الخير كل الخير لمن أواه ونصره، وآمن به، وصدق قوله، وجاهد معه.. لأن من يكون جامعاً للأوصاف الثلاثة المذكورة يكون صادقاً في دعواه النبوة.. فتكذيبه ومحاربته لابد أن تجلب الويل كل الويل لصاحبها، كما أن الخير كله سيكون من نصيب من صدقه وآمن به وجاهد معه، لأن تلك الصفات تجعل ذلك المتحلِّي مصوناً ومحفوظاً من أي خلل أو خطل، وبعيداً عن التأثر بالأهواء، والإنصياع للآراء الباطلة، والخيالات المضللة..
ما تعهد به عبد عمرو:
وقد تعهد عبد عمرو في شعره رفض الأوثان، وترك شرب الخمر واللهو، وأجاب إلى الإيمان بالله، والإيمان بما جاء به رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
فأمَّا البنسبة لما تعهد بتركه ورفضه، فمن الواضح: أن عبادة الأوثان أصبحت أمراً معيباً في ذلك المجتمع، الذي استيقظت فطرته، وتنبه عقله، وأدرك مدى سوء ووهن هذا الإعتقاد، وسخف وسقوط، وهجنة هذه العبادة.
أما الخمر، فكان للعرب تعلق خاص بها، حتى إن أعشى قيس قدم إلى النبي "صلى الله عليه وآله" ليسلم، وقد مدحه بقصيدة، فلما كان بمكة أو قريباً منها قيل له: إن محمداً يحرِّم الزنا.
فقال: والله، إن ذلك لأمر ما لي فيه من إرب.
فقيل له: وإنه ليحرم الخمر.
فقال: أما هذه ففي النفس منها لعلالات، ولكني منصرف فأرتوي منها عامي هذا ثم آتيه أسلم، فمات في عامه ذاك، ولم يوفق للإسلام([171]).
كما أنهم يقولون: إن بني تغلب كانوا نصارى، ولكنهم ما كانوا يتعلقون من النصرانية إلا بالزنا وشرب الخمر([172]). بل إن جميع نصارى العرب كانوا كذلك([173]).
غير أن من الواضح: أن التجاهر بالزنا لم يكن أمراً محموداً عندهم، وكان ربما يجر عليهم المتاعب، بل المصائب.
ولأجل ذلك نلاحظ: أن الشاعر عبد عمرو اعتبر نفسه مضحياً بتركه لذات قداح الخمر، وهو يتمدح نفسه ويثني عليها من أجل رضاها بذلك..
وفود بني الرؤاس بن كلاب:
عن أبي نفيع طارق بن علقمة الرؤاسي قال([174]): قدم رجل منا يقال له: عمرو بن مالك بن قيس على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأسلم ثم أتى قومه، فدعاهم إلى الإسلام، فقالوا: حتى نصيب من بني عقيل بن كعب مثلما أصابوا منا.
فخرجوا يريدونهم، وخرج معهم عمرو بن مالك، فأصابوا منهم. ثم خرجوا يسوقون النعم، فأدركهم فارس من بني عقيل يقال له: ربيعة بن المنتفق بن عقيل وهو يقول:
أقـسـمـت لا أطـعـن إلا فارساً إذا الـكـماة ألـبـسـوا الـقــلانسـا
قال أبو نفيع: فقلت نجوتم يا معشر الرجالة سائر اليوم.
فأدرك العقيلي رجلاً من بني عبيد بن رؤاس يقال له: المحرس بن عبد الله [بن عمرو بن عبيد بن رؤاس]، فطعنه في عضده فاختلها، فاعتنق المحرس فرسه وقال: يا آل رؤاس.
فقال ربيعة: رؤاس خيل أو أ ناس؟
فعطف على ربيعة عمرو بن مالك فطعنه، فقتله.
قال: ثم خرجنا نسوق النعم، وأقبل بنو عقيل في طلبنا حتى انتهينا إلى تربة، فقطع ما بيننا وبينهم وادي تربة، فجعلت بنو عقيل ينظرون إلينا ولا يصلون إلى شيء، فمضينا.
قال عمرو بن مالك: فأسقط في يدي وقلت: قتلت رجلاً، وقد أسلمت وبايعت النبي "صلى الله عليه وآله"، فشددت يدي في غل إلى عنقي، ثم خرجت أريد رسول الله "صلى الله عليه وآله" وقد بلغه ذلك.
فقال: "لئن أتاني لأضربن ما فوق الغل من يده".
فأطلقت يدي ثم أتيته فسلمت عليه، فأعرض عني، فأتيته عن يمينه، فأعرض عني، فأتيته عن يساره، فأعرض عني، فأتيته من قبل وجهه، فقلت: "يا رسول الله، إن الرب ليترضى فيرضى، فارض عني رضي الله عنك".
قال: "قد رضيت عنك"([175]).
ونقول:
إن هذا الحديث إنما يرويه لنا مالك عن نفسه، ونحن نشك في صحة ما نقله من رضا النبي "صلى الله عليه وآله" عنه، فإنه إن كان قد قتل مشركاً، فلماذا يتوعده "صلى الله عليه وآله" بضرب ما فوق الغل من يده؟! ولماذا يغضب عليه ويعرض عنه، ثم لا يرضى إلا بعد أن قال له الكلام السابق عنه؟!
وإن كان المقتول مسلماً، فإن المطلوب هو قتله قوداً، أو قصاصاً.. وما معنى: أن يرضى عنه لمجرد أنه أتاه من قبل وجهه، مع أنه قد اقترف هذا الذنب العظيم، ألا وهو قتل امرئ مسلم؟!
ولماذا لم يبادر إلى تنفيذ ما كان تعهد به وهو: أن يضرب ما فوق الغل من يده، فهل إطلاق يده يسقط العقوبة الإلهية عنه، ويمنع النبي "صلى الله عليه وآله" من تنفيذ ما تعهد به؟!
وفد زياد بن عبد الله الهلالي:
قالوا: وفد زياد بن عبد الله بن مالك على النبي "صلى الله عليه وآله"، فلما دخل المدينة توجه إلى منزل ميمونة بنت الحارث زوج النبي "صلى الله عليه وآله"، وكانت خالة زياد ـ لأن أمه عزة بنت الحارث ـ وهو يومئذ شاب. فدخل النبي "صلى الله عليه وآله" وهو عندها. فلما رآه رسول الله "صلى الله عليه وآله" غضب فرجع.
فقالت ميمونة: يا رسول الله، هذا ابن أختي.
فدخل إليها ثم خرج حتى أتى المسجد ومعه زياد، فصلى الظهر، ثم أدنى زياداً فدعا له، ووضع يده على رأسه، ثم حَدَّرها على طرف أنفه، فكانت بنو هلال تقول: ما زلنا نعرف البركة في وجه زياد.
وقال الشاعر لعلي بن زياد:
يـا بـن الـذي مسح النبي برأسه ودعـا لـه بـالخـير عـنـد المسـجـد
أعـنـي زيـاداً لا أريـد ســواءه مـن غـائــر أو مـتـهـم أو مـنجد
مــا زال ذاك الـنــور في عرنينه حـتـى تـبـوأ بـيـتــه في المـلـحـد
وفادة قيس بن عاصم:
وقدم قيس بن عاصم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" في سنة تسع([176]).
وروى الطبراني بسند جيد عن قيس بن عاصم قال: قدمت على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلما رآني قال: "هذا سيد أهل الوبر".
فلما نزلت أتيته فجعلت أحدثه، فقلت: يا رسول الله، ما المال الذي ليست عليَّ فيه تبعة من ضيف ضافني، أو عيال كثروا عليّ؟
قال: "نعم المال الأربعون، والأكثر الستون، وويل لأصحاب المئين إلا من أعطى من رسلها ونجدتها، وأطرق فحلها، وأفقر ظهرها، [ومنح غزيرتها]، ونحر سمينها، وأطعم القانع والمعتر".
قال: يا رسول الله، ما أكرم هذه وأحسنها، إنه لا يحل بالوادي الذي أنا فيه لكثر ة إبلي.
فقال: "فكيف تصنع بالطروقة"؟
قال: قلت تغدو الإبل ويغدو الناس، فمن شاء أخذ برأس بعير فذهب به.
قال: "فكيف تصنع في الأفقار"؟
قلت: إني لأفقر الناب المدبرة والضرع الصغير.
قال: "فكيف تصنع في المنيحة"؟
قلت: إني لأمنح في كل سنة مائة.
قال: "فمالك أحب إليك أم مال مواليك"؟
قلت: لا، بل مالي.
قال: "إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت، وسائره لمواليك".
فقلت: والله لئن بقيت لأقلن عددها([177]).
قال الحسن البصري: فعل والله. فلما حضرت قيساً الوفاة جمع بنيه فقال: يا بني، خذوا عني، فإنكم لن تأخذوا من أحد هو أنصح لكم مني. إذا أنا مت فسوِّدوا أكابركم، ولا تسوِّدوا أصاغركم، فتسفِّهكم الناس وتهونوا عليهم، وعليكم بإصلاح المال فإنه سعة للكريم ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم والمسألة فإنها آخر كسب المرء، وإذا أنا مت فلا تنوحوا عليَّ فإن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم ينح عليه، وقد سمعته ينهى عن النياحة، وكفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها وأصوم، وإذا دفنتموني فلا تدفنوني في موضع يطلع عليه أحد، فإنه قد كان بيني وبين بني بكر بن وائل حماسات في الجاهلية، فأخاف أن ينبشوني، فيصيبون في ذلك ما يذهب فيه دينكم ودنياكم.
قال الحسن: نصح لهم في الحياة، ونصح لهم في الممات([178]).
تعظيم قيس بن عاصم لماذا؟!:
قد تضمنت النصوص التي نقلناها آنفاً ثناءً من النبي "صلى الله عليه وآله" على قيس بن عاصم، يرويه لنا قيس بن عاصم نفسه، كما أن من يراجع كتب التراجم يجد نصوصاً أخرى تعطيه المزيد من الأوسمة في الجاهلية وفي الإسلام، وفيها: أنه حرم الخمر على نفسه في الجاهلية([179])، وأنه سيد أهل الوبر وغير ذلك كثير([180]).
ونحن لا نرى في هذا الرجل ما يستحق ذلك كله، ونشك في صحته.. فهذا الرجل كما روى هؤلاء أنفسهم كان يئد بناته، حتى وأد منهنّ ثمانية، كما اعترف به لرسول الله "صلى الله عليه وآله"([181]).
وعن عبد الله بن مصعب، قال: قال أبو بكر لقيس بن عاصم: ما حملك على أن وأدت. وكان أول من وأد.
فقال: خشيت أن يخلف عليهن غير كفؤ([182]).
وقد ارتد بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله"، وآمن بسجاح، وكان مؤذنها، وقال في ذلك:
أضـحت نـبـيتنـا أنثى نطيـف بها وأصـبـحـت أنـبـيـاء الله ذكـران
ثم لما تزوجت سجاح بمسيلمة، وآمنت به آمن به قيس معها. ولما قتل مسيلمة أخذ قيس أسيراً الخ.. ([183]).
بل إنه بعد أن أسلم بلغه أن أحدهم استأذن النبي "صلى الله عليه وآله" بغزوه حين أبطأ في إعلان إسلامه، فقال للنبي "صلى الله عليه وآله": أما لي سبيل إلى الرجوع؟!
قال: لا.
قال: لو كان لي إلى الرجوع سبيل لأدخلت على عتبة ونسائه الذل([184]).
قدوم أعشى بني مازن:
عن نضلة بن طريف: أن رجلاً منهم يقال له: الأعشى، واسمه عبد الله بن الأعور كانت عنده امرأة يقال لها: معاذة، وخرج في رجب [يمير أهله من هجر، فهربت امرأته بعده ناشزاً عليه، فعاذت برجل منهم يقال له: مطرف بن بهصل المازني، فجعلها خلف ظهره.
فلما قدم لم يجدها في بيته، وأخبر أنها نشزت عليه، وأنها عاذت بمطرف بن بهصل، فأتاه، فقال: يا ابن عم أعندك امرأتي معاذة فادفعها إلي.
قال: ليست عندي، ولو كانت عندي لم أدفعها إليك.
قال: وكان مطرف أعز منه.
قال: فخرج الأعشى حتى أتى النبي "صلى الله عليه وآله" فعاذ به وأنشأ يقول:].
يا مالـك النـاس وديان الـعـرب إني لـقـيـت ذربــــة مـن الـذرب
غدوت أبغيها الطعام في رجــب فـخـلـفـتـني فـي نـزاع وهــرب
أخلفت العهد ولظت بالذنــب وهـن شــر غــالــب لمـن غـلب
[فكتب النبي "صلى الله عليه وآله" إلى مطرف: "انظر امرأة هذا معاذة فادفعها إليه".
فأتاه كتاب النبي "صلى الله عليه وآله" فقرئ عليه، فقال: "يا معاذة، هذا كتاب النبي "صلى الله عليه وآله" فيك، وأنا دافعك إليه.
قالت: خذ لي العهد والميثاق، وذمة النبي "صلى الله عليه وآله" ألا يعاقبني فيما صنعت.
فأخذ لها ذلك، ودفعها إليه، فأنشأ يقول:
لعمرك مـا حـبي معـاذة بالذي يـغـيره الـواشـي ولا قـدم العـهد
ولا سوء ما جاءت به إذ أذلهــا غـواة رجـال إذ يـناجونها بعدي([185])
ولسنا بحاجة إلى التعليق على هذه الوفادة.
وفادة أبي حرب:
قال: وقدم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" أبو حرب بن خويلد بن عامر بن عقيل، فقرأ عليه رسول الله "صلى الله عليه وآله" القرآن، وعرض عليه الإسلام.
فقال: أما وأيم الله، لقد لقيت الله أو لقيت من لقيه، وإنك لتقول قولاً لا نحسن مثله، ولكني سوف أضرب بقداحي هذه على ما تدعوني إليه وعلى ديني الذي أنا عليه، وضرب بالقداح، فخرج عليه سهم الكفر، ثم أعاده، فخرج عليه ثلاث مرات. فقال لرسول الله "صلى الله عليه وآله": أبى هذا إلا ما ترى.
ثم رجع إلى أخيه عقال بن خويلد، فقال له: قَلَّ خِيسُك، هل لك في محمد بن عبد الله يدعو إلى دين الإسلام، ويقرأ القرآن، وقد أعطاني العقيق أن أنا أسلمت.
فقال له عقال: أنا والله أخطك أكثر مما يخطك محمد. ثم ركب فرسه، وجر رمحه على أسفل العقيق، فأخذ أسفله وما فيه من عين.
ثم إن عقالاً قدم على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فعرض عليه الإسلام، وجعل يقول له: "أتشهد أن محمداً رسول الله؟
فيقول: أشهد أن هبيرة بن المفاضة نعم الفارس، يوم قرني لبان.
ثم قال: "أتشهد أن محمداً رسول الله"؟
قال: أشهد أن الصريح تحت الرغوة.
ثم قال له الثالثة: "أتشهد"؟
قال: فشهد وأسلم.
قال: وابن المفاضة هبيرة بن معاوية بن عبادة بن عقيل، ومعاوية هو فارس الهرَّار، والهرَّار: اسم فرسه، ولبان: اسم موضع([186]).
أبو حرب يُسْلِم استناداً لقداحه:
وأغرب ما قرأناه هنا: أن أبا حرب يعترف بأنه "صلى الله عليه وآله" لقي الله، أو لقي من لقيه، ولكنه لا يُسلم إلا إذا وافقت قداحه على إسلامه..
وهذا يشير إلى خفة وسفه، وقلة عقل، فإن الحق إذا ظهر فهو أحق أن يتبع، وكيف يمكن أن يُجري إنسان سليم العقل قرعة على الحق والباطل، وبين الإيمان الذي ظهرت دلائله ووضحت آياته وبين الكفر الخاسئ البيِّن الغي؟!
وماذا عليه لو أسلم وأخذ العقيق، فإنه يكون قد ربح الدنيا والآخرة.
وأما إعطاء أخيه عقال له أرضاً أوسع من العقيق، فإنه إن أفاده في الدنيا شيئاً، فسيكون ممحوق البركة سيء الآثار، وهو بالتالي إلى فناء وزوال، وسوف يتركه إلى غيره لينتعم به من بعده، ويذهب هو في الآخرة إلى الجحيم، وإلى العذاب الأليم، والخزي المقيم..
إسلام عقال:
ولست أدري ما أقول في أجوبة عقال لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، فإنها أجوبة المهزوم والعاجز عن المواجهة، والباحث عن مهرب، أو لعلها أسئلة من يريد أن يمتحن صبر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، علماً بأن الصبر لم يكن من صفات الإنسان العربي الذي يعيش في الصحراء بين الحيوانات المفترسة، أو بين سباع الغارة والقتل، والسلب والنهب، بل هو الرجل النزق، والسريع المبادرة للعنف، وقلَّ أن تجد فيهم حليماً.
معاوية بن حيدة:
عن معاوية بن حيدة قال: أتيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" فلما دفعت إليه قال: "أما إني سألت الله عز وجل أن يعينني عليكم بالسَّنة (المراد سنة القحط) فتحفيكم، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم".
فقال معاوية بن حيدة بيديه جميعاً: أما إني خُلِقْتُ هكذا وهكذا، أي لا أؤمن بك ولا أتبعك، فما زالت السَّنة تُحفيني، وما زال الرعب يرعب في قلبي حتى وقفت بين يديك؛ فبالله الذي أرسلك، بماذا بعثك الله به عز وجل؟
قال: "بعثني بالإسلام".
قال: وما الإسلام؟
قال: "شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من أحد توبة أشرك بعد إسلامه".
قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوج أحد منا عليه؟
قال: "يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يُقبح، ولا تُهجر إلا في المبيت".
وفي رواية: ما تقول: في نساءنا؟
قال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}([187]).
قال فينظر أحدنا إلى عورة أخيه.
قال: "لا".
قال: فإذا تفرقا.
قال: "فضم رسول الله "صلى الله عليه وآله" إحدى فخذيه على الأخرى، ثم قال: "ههنا تحشرون، ههنا تحشرون، ههنا تحشرون ـ ثلاثاً ـ يعني الشام ـ رُكباناً ومشاة، وعلى وجوهكم. موفون يوم القيامة سبعين أمة، أنتم آخر الأمم، وأكرمها على الله تعالى وعلى أفواهكم الفدام، وأول ما يعرب عن أحدكم فخذه"([188]).
ونقول:
إن في هذا الحديث مواضع للنظر، فلاحظ يلي:
أسئلة لا تجد لها جواباً:
قد تضمن هذا النص أموراً عديدة هي مثار أسئلة حقيقية، ولا يمكن المرور عليها مرور الكرام، بل هي تفرض على الإنسان المنصف أن يدير ظهره لنصوص لا تستطيع أن تجيب على ما ينقضها. ونحن نجمل هذه الأسئلة على النحو التالي:
1 ـ ماذا يمثل معاوية بن حيدة من خطورة على مسيرة أهل الإيمان، حتى يواجهه النبي "صلى الله عليه وآله" بهذا الخطاب الذي يعبر عن أن ابن حيدة يمثل موقعاً أساسياً في التحدي المفعم بالبغي على الإسلام وأهله، إلى حد أن النبي "صلى الله عليه وآله" طلب من ربه أن يأخذهم بالرعب وبالسنين حتى تحيفهم (أي تلح عليهم بشدة واستقصاء بالغ).
2 ـ وحين أصابت السَّنة قريشاً، وهم أعدى أعدائه، إن قريشاً ليس فقط لم تبادر إلى الإسلام، بل هي أصرت على حربه، واستئصال شأفته، ولم يجبرها إلحاح السنين على التخلي عن موقفها، فلماذا يدعو النبي "صلى الله عليه وآله" بإلحاح السنين وهو قد جربها وعرف أن لا أثر لها؟! فهل كان "صلى الله عليه وآله" قد أخطأ التقدير والعياذ بالله، فظن أن للسنين أثراً؟!
3 ـ وهل كان الله سبحانه يعامل الناس بهذه الطريقة ليجبرهم على قبول دينه؟! وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يستعمل هذه الوسيلة بالنسبة لجميع الأمم السالفة.. ليوفر على الأنبياء بعضاً من عنائهم؟!
أم أنه فعل ذلك ولم يؤثر شيئاً في السابق، فلماذا عاد في اللاحق إلى وسيلة لا أثر لها؟!
4 ـ نلاحظ: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يترك قريشاً تكابد الجوع حتى يضطروا إلى قبول الإسلام والدخول فيه، بل بادر لإرسال المعونات لهم إلى مكة، ولأبي سفيان بالذات([189]).
فهل كان غير راغب بإسلامهم آنئذٍ، أم أنه ندم على ما فرط منه. أي أنه كان قد طلب من الله أن يبتليهم بالقحط حتى إذا استجاب الله تعالى له بادر إلى نقضه، بتقديم المعونات ودفع آثار القحط عنهم؟!
5 ـ لم نفهم ما معنى أن يضم النبي "صلى الله عليه وآله" فخذيه حين سئل عن أنه إذا تفرق الزوجان فما العمل؟!
6 ـ وقد ذكر أن المحشر والمنشر في الشام..
ونقول:
أولاً: لماذا كان الحشر في الشام ـ كما ذكرته هذه الرواية، ولا يكون في اليمن، أو في فلسطين، أو في غير ذلك من البقاع..
ثانياً: ألا ينافي ذلك ما رووه من أن بيت المقدس هو الذي يكون فيه المحشر والمنشر([190]).
7 ـ والأدهى من ذلك كله أن يكون أول ما يعرب عن كل امرئ فخذه في يوم القيامة، فلماذا لا تعرب عنه يده أو أنفه، أو لسانه أو رأسه، وما إلى ذلك؟!
وقد قال الله سبحانه: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}([191]).
وقال: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ}([192]).
ولنفترض: أن المقصود بالرجل هو: الفخذ (وإن كان ذلك من التحكم غير المقبول) فإننا نقول:
ليس في الآية ما يدل أن الفخذ هو أول من يشهد. بل إن تكلم الأيدي قد ذكر في الآية قبل تكلم الرجلين.
وفود جرم:
إن هناك وفدين من جرم قدما على رسول الله "صلى الله عليه وآله":
الوفد الأول: عن مرة الجرمي قال: وفد على رسول الله "صلى الله عليه وآله" رجلان منا يقال لأحدهما: الأصقع بن شريح بن صريم بن عمرو بن رياح، والآخر هوذة بن عمرو بن يزيد بن عمرو بن رياح فأسلما. وكتب لهما رسول الله "صلى الله عليه وآله" كتاباً([193]).
الوفد الثاني: عن عمرو بن سلمة قال: كنا بحضرة ماء ممر الناس عليه، وكنا نسألهم ما هذا الأمر؟
فيقولون: رجل يزعم أنه نبي، وأن الله أرسله وأن الله أوحى إليه كذا كذا، فجعلت لا أسمع شيئاً من ذلك إلا حفظته، كأنما يُغرى في صدري بغراء، حتى جمعتُ فيه قرآناً كثيراً.
قال: وكانت العرب تلوَّمُ بإسلامها الفتح، يقولون: انظروا، فإن ظهر عليهم فهو صادق، وهو نبي.
فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، فانطلق أبي بإسلام حِوَائنا ذلك، وأقام مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" ما شاء الله أن يقيم (وتعلموا القرآن، وقضوا حوائجهم).
قال: ثم أقبل فلما دنا منا تلقيناه، فلما رأيناه قال: جئتكم والله من عند رسول الله حقاً، ثم قال: إنه يأمركم بكذا وكذا، وينهاكم عن كذا وكذا، وأن تصلوا صلاة كذا، في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً أو نحو ذلك.
قال: فنظر أهل حِوَائنا فما وجدوا أحداً أكثر قرآناً مني الذي كنت أحفظه من الركبان. فدعوني فعلموني الركوع والسجود، وقدموني بين أيديهم، فكنت أصلي بهم وأنا ابن ست سنين.
قال: وكان عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟
قال: فكسوني قميصاً من معقد البحرين.
قال: فما فرحت بشيء أشد من فرحي بذلك القميص([194]).
وفي نص آخر: فقدموني، فصليت بهم، فما شهدت مجمعاً إلا وأنا إمامهم إلى يومنا هذا([195]).
ونقول:
إن لنا بعض البيانات والمؤخذات على ما سبق، فلاحظ ما يلي:
إمام الجماعة بعمر ست سنين:
إن ثمة إشكالاً في صحة ما ذكر آنفاً من أن ذلك الذي كان أكثر تلك الجماعة جمعاً للقرآن، وأصبح إماماً لها. كان بعمر ست سنين، فإن أحداً لا يرضى بأن يأتم بصبي عمره ست سنين.. والمتوقع هو: أن يراجع الناس النبي "صلى الله عليه وآله" قبل أن يقدموا على هذا الأمر..
ولم يكن هؤلاء الذين أسلموا لتوهم من أهل التقوى والإنقياد إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى حد أن يطيعوه في مثل هذا الأمر الذي تأباه نفوسهم.
ستر العورة في الصلاة واجب:
لو فرضنا أن أحداً يجهل أن ستر العورة مطلوب في الصلاة، فإن من المعلوم: أن أحداً لا يستطيع كشفها، من ناحية الأدب الإجتماعي، فكيف يرضى أولئك القوم بأن يؤمهم من تنكشف عورته حين صلاته بهم؟!
على أن ما يحتاج إلى تفسير هنا هو: حضور النساء للجماعة، ثم رؤيتهن لعورة الإمام حال الركوع والسجود، مع أن المفروض هو: أنهن في هاتين الحالتين لا يقدرن على رؤية الإمام حتى لو تعمدن ذلك، خصوصاً إذا لاحظنا صغر حجمه، إذا كان بعمر ست سنوات، وكانت هناك صفوف من الرجال تفصل النساء عنه.. وتحجبهم بالتالي عن رؤيته في حالتي الركوع والسجود.
إلا إذا فرض أن النساء لم يكنّ في جملة المصلين..
متى تعلَّم الجرميون القرآن؟!:
وقد ذكر آنفاً: أن وفد جرم عادوا إلى قومهم، فسألوا عن الأقرأ للقرآن فوجدوا: أن سلمة بن قيس الجرمي هو الأكثر جمعاً، فقدموه فصلى بهم، وكان إمامهم..
فقد يقال: إذا كانت جرم لم تسلم بعد، فلماذا يتعلم الناس فيها القرآن؟ ويشيع ذلك فيهم، حتى يحتاج إلى معرفة الأكثر أخذاً له..
وقد يجاب: بأن هذا الوفد قد جاء إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وعاد من عنده بعد ظهور الإسلام في قبيلة جرم..
وهو جواب غير دقيق، فقد صرح عمرو بن سلمة بأنه قد حفظ القرآن في أيام الشرك حيث كانوا على ماءٍ ممر الناس عليه، فكانوا يسألونهم عن هذا الأمر، فكانوا يجيبونهم ويقرأون عليهم بعض الآيات، فكان عمرو بن سلمة يحفظ من ذلك أكثر من غيره.
أكثرهم قرآناً يؤم جماعتهم:
وسواء قلنا بصحة ما ذكروه حول ذلك الغلام أو بعدم صحته، فإن ذلك لا يمنع من أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" قد قرر أن إمام القوم أكثرهم جمعاً للقرآن، وذلك على قاعدة: "قيمة كل امرئ ما يحسنه"، واستجابة لواجب الحث والتشجيع على حفظ القرآن، والإهتمام بجمعه، غير أن سؤالاً قد يطرح هنا، وهو: أن الناس كانوا آنئذٍ بحاجة إلى معرفة أحكام دينهم، مقدمة للإلتزام والعمل بها، فلماذا لم يأمرهم بتقديم الأفقه والأعرف بأحكام دينه؟!
ويمكن أن يجاب: بأن القرآن أساس الدين، وحصنه الحصين، وفيه كل معارف الدين، في عقائده، وشرائعه، وأحكامه، ومفاهيمه، وأخلاقياته، وسياساته، وعِبره وعظاته، وغير ذلك مما لا بد منه للإنسان المسلم والمؤمن..
على أن نفس ربط الإنسان بالله، وشعوره بأن الله هو الذي يتكلم معه، يجعله أكثر شعوراً بحقيقته وحجمه، ويدعوه للتواضع أمام عظمة الله، ويدفع عنه الشعور بالكبر، والخيلاء، ويجعله يشعر بأنه محاسب، ومسؤول، ولا يستطيع أن يخفى شيئاً من أفعاله، أو أقواله، أو نواياه..
ومن شأن هذا أن يزيد في انقياده، وعبوديته، وسعيه لاستكمال ما يحتاج إليه لنيل رضا الله تبارك وتعالى، والفوز بدرجات القرب منه. على أن الإستكثار من القرآن، وجمعه، وقراءته، لا بد أن يفتح أمام الإنسان أبواباً عديدة للسؤال، والإستقصاء عن الكثير الكثير من المعارف التي لولا قراءته للقرآن، لم تخطر له على بال، ولم تمر له في خيال.
ومع غض النظر عن ذلك كله.. فإن هذا الحكم النبوي لا بد أن يعطي الأمثولة الرائعة لتطبيق المعايير الإسلامية والإيمانية، حين يصبح أصغر القوم إمامهم، لا لأجل مال جمعه، أو وصل إليه، ولا لأجل دنيا أصابها، أو جاه ظفر به، وإنما لأنه سار في طريق رضا الله سبحانه، ونال المعارف التي تيسّر له التقوى، وتوصله إلى مقامات القرب والزلفى.
ثم إن ذلك يذكي الطموح لدى الآخرين ليدخلوا الحلبة، وليستبقوا الخيرات، والباقيات الصالحات، لا ليستبقوا المآثم والموبقات.
وفود جعفي:
وقالوا: كانت قبيلة جعفي يحرمون أكل القلب في الجاهلية، فوفد إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" رجلان منهم: قيس بن سلمة بن شراحيل، وسلمة بن يزيد، وهما أخوان لأم، وأمهما مليكة بنت الحلو. فأسلما. فقال لهما رسول الله "صلى الله عليه وآله": "بلغني أنكم لا تأكلون القلب".
قالا: نعم.
قال: "فإنه لا يكمل إسلامكما إلا بأكله".
ودعا لهما بقلب، فشوي، ثم ناوله سلمة بن يزيد، فلما أخذه أرعدت يده، فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": "كله".
وكتب رسول الله "صلى الله عليه وآله" لقيس بن سلمة كتاباً نسخته:
"كتاب من محمد رسول الله لقيس بن سلمة بن شراحيل، أني استعملتك على مران ومواليها، وحريم ومواليها، والكُلاب ومواليها، [من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصدّق ماله وصفاه].
[قال الكلاب: أود، وزبيد] وجزء ابن سعد العشيرة، وزيد الله بن سعد، وعائذ الله بن سعد، وبنو صلاءة من بني الحارث بن كعب..
ثم قالا: يا رسول الله، إن أمنا مليكة بنت الحلو كانت تفك العافي، وتطعم البائس، وترحم المسكين، وإنها ماتت وقد وأدت بنية لها صغيرة، فما حالها؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "الوائدة والموؤدة في النار".
فقاما مغضبين.
فقال: "إلي فارجعا".
فقال: "وأمي مع أمكما".
فأبيا، ومضيا وهما يقولان: والله، إن رجلاً أطعمنا القلب، وزعم أن أمنا في النار لأهل ألَّا يتبع. وذهبا. فلما كانا ببعض الطريق لقيا رجلاً من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" معه إبل من إبل الصدقة، فأوثقاه، وطردا الإبل.
فبلغ ذلك النبي "صلى الله عليه وآله" فلعنهما فيمن كان يلعن في قوله: "لعن الله رعلاً، وذكوان، وعصية، ولحيان، وابني مليكة بن حريم، ومران"([196]).
وفادة أبي سبرة:
وقالوا: وفد أبو سبرة وهو يزيد بن مالك بن عبد الله الجعفي على النبي "صلى الله عليه وآله" ومعه ابناه: سبرة وعزيز. فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لعزيز: "ما اسمك"؟
قال: عزيز.
قال: "لا عزيز إلا الله، أنت عبد الرحمن". فأسلموا.
وقال أبو سبرة: يا رسول الله، إن بظهر كفي سلعة قد منعتني من خطام راحلتي.
فدعا له رسول الله "صلى الله عليه وآله" [بقد ح، فجعل يضرب به على السلعة، ويمسحها، فذهبت، فدعا له رسول الله "صلى الله عليه وآله"] ولابنيه.
وقال له: يا رسول الله، أقطعني وادي قومي باليمن، وكان يقال له: حردان. ففعل([197]).
ونقول:
كنا قد ذكرنا في أكثر من موضع: أن الناس كانوا يرون أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا بد أن يكون قادراً على شفائهم من كل عاهة، وأنه ينزل الغيث، ويخبر بالغائبات وما إلى ذلك، ولم يكن النبي "صلى الله عليه وآله" يسجل أي تحفظ على فهمهم هذا، بل هو يستجيب إلى ما كانوا يطلبونه منه في هذا السياق.. وقد ذكر آنفاً بعض ما يرتبط بذلك. ويبقى أن نشير هنا إلى ما يلي:
لا يكمل إسلامه إلا بأكل القلب:
قد يناقش البعض بأنه لا يجد وجهاً للقول المنسوب إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" للجعفيين: "لا يكمل إسلامكما إلا بأكل القلب"، ثم شوى لهما قلباً وأطعمهما منه..
ونجيب: بأن المقصود أن تحريم أي شيء مما أحله الله تعالى معناه: أن ثمة نقصاً في إسلام من يحرم ذلك، وتمام الإسلام وكماله إنما هو بالتسليم التام، والقبول بكل ما جاء به النبي "صلى الله عليه وآله".. ولا يريد "صلى الله عليه وآله" أن يقول: إن لأكل القلب خصوصية في الإسلام.
وقد كان لا بد من أن يرفع الحرج الناشئ عن رواسب الجاهلية، فلأجل ذلك أطعمهما فعلاً من قلب شواه لهما.. فإن من السهل على الإنسان أن يعلن قبوله بالشيء، ولكنه حين يواجه به، ويريد أن يصدق قوله بفعله تجده يصد عن ذلك، وتأبى نفسه الإنصياع..
ولذلك أرعدت يد سلمة بن يزيد حين ناوله النبي "صلى الله عليه وآله" القلب المشوي ليأكله.. ولو أنه "صلى الله عليه وآله" لم يواجهه بهذا الأمر، فلربما يؤدي التزامه بأمر الجاهلية إلى أن يستقر هذا الأمر الخاطئ في داخل نفسه من جديد، ولربما يضاف إليه أمور جاهلية أخرى، إلى أن ينتهي به الحال إلى العودة إلى ما كان عليه قبل إسلامه..
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة:
وقد زعمت الرواية المتقدمة: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أخبر ذينك الرجلين بأن أمهما في النار، بعد أن أطعمهما القلب، فلما غضبا أضاف أمه "صلى الله عليه وآله" إلى أمهما، فحكم عليها أنها في النار أيضاً استرضاءً لهما، ولكنهما لم يقبلا منه وذهبا..
ولسنا بحاجة إلى القول: بأن أساس الرواية مشكوك، فإن هذه الطريقة التي نسب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" أنه عامل بها ذينك الرجلين، ليست من مصاديق الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، بل هي قد أدت إلى تنفير هذين الرجلين من الإسلام، وصدودهما عنه، رغم زعمهم أنه "صلى الله عليه وآله" قد واساهما بنفسه بإضافة أمه إلى أمهما، فلاحظ الفقرة التالية:
الموؤودة في النار، وأمي مع أمكما:
قد ذكر النص المتقدم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال: "الوائدة والموؤودة في النار، فقام قيس بن سلمة، وقيس بن يزيد وهما مغضبان، فقال "صلى الله عليه وآله": وأمي وأمكما في النار".
ونقول:
إننا لا نرتاب في كذب هذه المزعمة، وذلك لما يلي:
أولاً: قد تقدم في الجزء الثاني من هذا الكتاب في فل: "بحوث تسبق السيرة" إثبات إيمان آباء النبي "صلى الله عليه وآله"، وقد ألف السيوطي كتباً ورسائل في إثبات ذلك، مثل كتاب: التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله "صلى الله عليه وآله" في الجنة. ونشر العلميين المنيفين، وغير ذلك. فراجع ما ذكرناه هناك..
ثانياً: إنه لا ريب في أن العقل يقبح عقوبة البريء، البالغ العاقل، فهل يمكن أن يرضى بتعذيب الأبرياء من الأطفال؟ فكيف إذا كانوا صغاراً لا يملكون من الإدراك ما يصحح مؤاخذتهم بشيء؟!
ثالثاً: إن الآيات قد صرحت: بأنه لا عذاب على الولدان، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهَ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً، إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}([198]).
رابعاً: روي عن ابن عباس في الموؤودة قوله: "فمن زعم أنهم في النار فقد كذب"([199]).
خامساً: عن النبي "صلى الله عليه وآله": "رفع القلم عن ثلاثة: الصبي، والمجنون، والنائم" ونحوه غيره([200]).
الفصل الرابع:
ست وفادات شخصية
1 ـ وفادة أبي رزين لقيط بن عامر:
عن لقيط بن عامر قال: خرجت أنا وصاحبي نهيك بن عاصم [بن مالك بن المنتفق] (لانسلاخ رجب)([201]) حتى قدمنا على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة، فقام في الناس خطيباً، فقال: "يا أيها الناس، ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام لتسمعوا الآن، ألا فهل من امرئ قد بعثه قومه فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟ ألا ثمّ رجل لعلَّه أن يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو يلهيه ضال؟! ألا وإني مسؤول هل بلغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا".
فجلس الناس، وقمت أنا وصاحبي، حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟
فضحك، فقال: "لعمر الله" وهز رأسه، وعلم أني أبتغي سقطه، فقال: "ضنَّ ربك عز وجل بمفاتيح خمسة من الغيب لا يعلمها إلا الله". وأشار بيده.
فقلت: وما هي يا رسول الله؟
فقال: "علم المنية، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه، وعلم ما في غد وما أنت طاعم غداً ولا تعلمه، وعلم المني حين يكون في الرحم قد علمه ولا تعلمونه، وعلم الغيث يشرف عليكم آزلين مسنتين، فيظل يضحك قد علم أن غوثكم قريب".
قال لقيط: قلت: لن نعدم من رب يضحك خيراً يا رسول الله.
قال: "وعلم يوم الساعة".
قلت: يا رسول الله، إني سائلك عن حاجتي فلا تعجلني.
قال: "سل عما شئت".
قال: قلت يا رسول الله: علّمنا مما لا يعلم الناس، ومما تعلم، فإنَّا من قبيلٍ لا يصدقون تصديقنا أحداً، من مذحج التي تدنو إلينا، وخثعم التي توالينا، وعشيرتنا التي نحن منها.
قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "ثم تلبثون ما لبثتم، يتوفى نبيكم ثم تبعث الصائحة، فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات، والملائكة الذين مع ربك، فيصبح ربك عز وجل يطوف في الأرض قد خلت عليه البلاد، فيرسل ربك السماء تهضب من عند العرش، فلعمرو إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل، ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى تخلفه من قبل رأسه، فيستوي جالساً.
فيقول ربك: مهيم ـ لما كان فيه.
فيقول: يا رب، أمس اليوم، ولعهده بالحياة يحسبه حديث عهد بأهله".
فقلت: يا رسول الله، فكيف يجمعنا بعد ما تمزقنا الرياح، والبلى، والسباع؟
فقال: "أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، أشرقت على الأرض وهي مدرة بالية.
فقلت: لا تحيا هذه أبداً، ثم أرسل ربك عليها، فلم تلبث إلا أياماً حتى أشرفت عليها وهي شربة واحدة، ولعمرو إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض، فتخرجون من الأصواء، ومن مصارعكم، فتنظرون إليه وينظر إليكم".
قال: قلت: يا رسول الله، كيف ونحن ملء الأرض، وهو عز وجل شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه؟
قال: "أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله عز وجل: الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة، [ولعمرو إلهك أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم] لا تضارون ـ وفي لفظ: لا تضامون ـ في رؤيتهما".
قلت: يا رسول الله، فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه؟
قال: "تعرضون عليه بادية له صفحاتكم، لا تخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من الماء فينضح بها قبلكم، فلعمرو إلهك ما تخطئ وجه أحد منكم قطرة، فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء.
وأما الكافر فتنضحه، أو قال: فتحطمه بمثل الحمم الأسود.
ثم ينصرف نبيكم، ويتفرق على أثره الصالحون، فتسلكون جسراً من النار، فيطأ أحدكم الجمر، فيقول: حس.
فيقول ربك عز وجل: أوإنه! ألا فتطلعون على حوض نبيكم، لا يظمأ والله ناهله قط، فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده الا وقع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى، وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحداً".
قال: قلت يا رسول الله، فبم نبصر يومئذ؟
قال: "بمثل بصرك ساعتك هذه، وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته الأرض، وواجهته الجبال".
قال: قلت: يا رسول الله، فبم نجزى من سيئاتنا وحسناتنا؟
قال: "الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها إلا أن يعفو".
قال: قلت: يا رسول الله، فما الجنة وما النار؟
قال: "لعمرو إلهك إن النار لها سبعة أبواب، ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً، وإن للجنة ثمانية أبواب، ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً".
قال: قلت: يا رسول الله، فعلام نطلع من الجنة؟
قال: "على أنهار من عسل مصفى، وأنهار من خمر ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وماء غير آسن، وفاكهة، ولعمرو إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه أزواج مطهرة".
قال: قلت: يا رسول الله، أولنا فيها أزواج؟! أَوَمنهنّ صالحات؟
قال: "المصلحات للصالحين".
وفي لفظ: "الصالحات للصالحين، تلذّون بهن مثل لذاتكم في الدنيا، ويلذذن بكم غير أن لا توالد".
قال لقيط: قلت: يا رسول الله، أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه؟
فلم يجبه النبي "صلى الله عليه وآله".
قال: قلت: يا رسول الله، علام أبايعك؟
قال: فبسط رسول الله "صلى الله عليه وآله" يده وقال: "على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وزيال الشرك، فلا تشرك بالله إلهاً غيره".
قال: فقلت: يا رسول الله، وإن لنا ما بين المشرق والمغرب؟
فقبض النبي "صلى الله عليه وآله" يده وظن أني أشترط عليه شيئاً لا يعطينيه.
قال: قلت: نحل منها حيث شئنا، ولا يجني على امرئ إلا نفسه؟
فبسط إليَّ يده وقال: "ذلك لك، تحل حيث شئت ولا يجزي عنك إلا نفسك".
قال: فانصرفنا عنه. فقال: "ها إنّ ذين، ها إنّ ذين، من أتقى الناس في الأولى والآخرة".
فقال له كعب بن الخدارية، أحد بني بكر بن كلاب: من هم يا رسول الله؟
قال: "بنو المنتفق أهل ذلك منهم".
قال: فانصرفنا وأقبلت عليه، فقلت: يا رسول الله، هل لأحد ممن مضى من خير في جاهليتهم؟
فقال رجل من عرض قريش: والله إن أباك المنتفق لفي النار.
قال: فلكأنَّه وقع حَرٌّ بين جلدة وجهي ولحمي مما قال لأبي، على رؤوس الناس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله؟ ثم إذا الأخرى أجمل، فقلت: يا رسول الله، وأهلك؟
قال: "وأهلي لعمرو الله، حيث ما أتيت على قبر عامري أو قُرشي أو دَوسي قل أرسلني إليك محمد، فأبشر بما يسوؤك تجر على وجهك وبطنك في النار".
قال: قلت: يا رسول الله، وما فعل بهم ذلك؟ وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا أياه، وكانوا يحسبون أنهم مصلحون.
قال "صلى الله عليه وآله": "ذلك بأن الله تعالى بعث في آخر كل سبع أمم نبياً، فمن عصى نبيه كان من الضالين ومن أطاع نبيه كان من المهتدين".
مديح وتصحيح:
قال الصالحي الشامي:
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند، والطبراني.
وقال الحافظ أبو الحسن الهيثمي: أسنادها متصلة ورجالها ثقات. وإسناد الطبراني مرسل، عن عاصم بن لقيط.
وقال في زاد المعاد: "هذا حديث كبير جليل، تنادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه خرج من مشكاة النبوة، رواه أئمة السنة في كتبهم، وتلقوه بالقبول، وقابلوه بالتسليم والإنقياد، ولم يطعن أحد منهم فيه ولا في أحد من رواته".
وسرد "ابن القيم" من رواه من الأئمة، منهم البيهقي في كتاب البعث([202]).
ونقول:
قد تضمن الحديث المتقدم مواضع مكذوبة على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ونحن نكتفي هنا بالإشارة إلى بعضها، وهي التالية:
تأكيد عقيدة التجسيم:
قد زعمت الرواية المتقدمة: أن الله عز وجل: "يظل يضحك قد علم أن غوثكم قريب.
قال لقيط: قلت: لن نعدم من رب يضحك خيراً".
وقالت: "فيصبح ربك عز وجل يطوف في الأرض قد خلت عليه البلاد".
وقالت: "..فتخرجون من الأصواء، ومن مصارعكم، فتنظرون إليه، وينظر إليكم".
قال: قلت: "يا رسول الله، كيف ونحن ملء الأرض، وهو عز وجل شخص واحد، ينظر إلينا، وننظر إليه؟!
قال أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله عز وجل: الشمس والقمر آية منه صغيرة، ترونهما ويريانكم ساعة واحدة، ولعمرو إلهك أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم"
وقالت الرواية أيضاً: "فيأخذ ربكم عز وجل بيده غرفة من الماء، فينضح قبلكم".
تمحلات وتأويلات باردة:
وقد حاول هؤلاء: أن يبعدوا هذا النوع من الروايات عن دائرة التجسيم، فزعموا ـ كما قال في زاد المعاد في قوله "صلى الله عليه وآله": "فيظل يضحك"، هذا من صفات أفعاله سبحانه وتعالى التي لا يشبهه فيها شيء من مخلوقاته كصفات ذاته، وقد وردت هذه القصة في أحاديث كثيرة لا سبيل إلى ردها، كما لا سبيل إلى تشبيهها وتحريفها، وكذلك قوله: "فأصبح ربك يطوف في الأرض"، هو من صفات أفعاله، كقوله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}([203])، وقوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ المَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ}([204]). وينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا [ويدنو عشية عرفة، فيباهي بأهل الموقف الملائكة]، والكلام في الجميع صراط واحد مستقيم، إثبات بلا تمثيل، وتشبيه وتنزيه بلا تحريف وتعطيل([205]).
ومن الواضح: أن هذا كله من قبيل الضحك على اللحى، ونحن نوضح هنا هذا الأمر بعض التوضيح بقدر ما تسمح لنا به المناسبة، فنقول:
إن الحنابلة قد أثبتوا لله صفات وجدت الفرق الأخرى أنها قد أدت بالقائلين بها إلى إثبات صفة الجسمية له تعالى.. ويسمون أنفسهم صفاتية.
فأثبتوا لله تبارك وتعالى يداً، وإصبعاً، وساقين، وقدمين، وعينين، ونفساً، ونواجذ وما إلى ذلك مما وردت به أحاديثهم.. وقد أثبتوها له بما لها من معان حقيقية.
وقالوا: إنه تعالى فوق عرشه في السماوات، وينزل إلى الأرض.
وقد جمع ابن خزيمة في كتابه: التوحيد وإثبات صفات الرب مئات من هذه الأحاديث، ثم اختار منها البيهقي الصحاح والحسان، وحاول تأويلها في كتابه: "الأسماء والصفات" بكثير من التكلف والتعسف. ولو أنه أقر بكذبها لكان أراح واستراح.
ويشير إلى كثرة أحاديث التجسيم، التي يسمونها أحاديث الصفات قول ابن تيمية: "وقد جمع علماء الحديث من المنقول في الإثبات، ما لا يحصي عدده إلا رب السماوات"([206]). وقد بلغ بهم تشددهم في هذه العقيدة، حداً جعلهم ينكرون المجاز، وأطلقوا عليه أنه طاغوت([207]).
ولعل أصدق كلمة في التعبير عن واقع ومنحى هذه الأحاديث هو ما وصف به الفخر الرازي كتاب ابن خزيمة، فقد قال وهو يتحدث عن آية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}([208]): "واعلم أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه: بـ "التوحيد"، وهو في الحقيقة كتاب الشرك، واعترض عليها، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات، لأنه كان رجلاً مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل"([209]).
مصدر هذه العقيدة:
ولعل مما سهَّل تقبل الناس لعقيدة التجسيم: أنها كانت منسجمة مع عبادة الأصنام التي كانت شائعة في العرب، فهم وإن كانوا قد اصبحوا يعبدون الله، ولكنهم أعطوه نفس صفات أصنامهم.
يضاف إلى ذلك: أن هذه العقيدة كانت موجودة لدى أهل الكتاب. فالنصارى شبهوا المسيح بالله، وجعلوه الابن، وقالوا: إنه الأقنوم الثالث في الذات الإلهية. وكان في العرب نصارى، وفي الحيرة وفي الشام، وفي نجران([210]).
واليهود الذين كانوا أكثر إغراقاً في التجسيم الإلهي، كانوا يقيمون في المدينة المنورة، أو قريباً منها مثل خيبر، وكان لهم وجود قوي في تيماء، وفي وادي القرى. وفي اليمن كان لهم ملوك. وكان العرب مبهورين بهم، خاضعين لهم ثقافياً، وكان لكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام، وأضرابهم تأثير في إشاعة ثقافة اليهود بواسطة فريق من الناس كانوا يأخذون منهم من دون أي تحفظ، مثل أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومقاتل وغيرهم..
وإذا استثنينا علياً وأهل البيت "عليهم السلام"، وكذلك شيعتهم، فسنجد أن الحكام بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد ساعدوا على ذلك، وكذلك الأمويون والعباسيون.
وأما علي "عليه السلام" "فخطبه في بيان نفي التشبيه (أي التجسيم) وفي إثبات العدل أكثر من أن تحصى"([211]). وعنه أخذ المعتزلة القول بالتنزيه.
وقد ذكرنا بعض ما يرتبط بهذا الأمر في الجزء الأول من هذا الكتاب.
الأشاعرة وعقيدة التجسيم:
وقد حاول الأشاعرة أن ينأوا بأنفسهم عن عقيدة الصفات (أعني إثبات الأعضاء والحركات) التي التزم بها أهل الحديث بزعامة أحمد بن حنبل، وقبله وبعده.. ولكنهم عادوا ليلتزموا بطرف منه، ووقعوا فيما هربوا منه، حين اثبتوا رؤية الله تعالى في الآخرة..
صفات الأفعال.. والتشبيه:
يبقى أن نشير إلى: أن ما زعمه ابن القيم من التفريق بين الأعضاء، وبين الحركات والأفعال، فقال: إن التجسيم إنما هو فيما كان من قبيل الأول، أما الثاني، فليس منه، ما هو إلا محاولة فاشلة:
أولاً: لأنهم إنما يثبتون له تعالى حركة تلازم صفة الجسمية من حيث كونها حركة له، ولأجل ذلك قال ابن تيمية: إنه تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كما ينزل هو عن المنبر، ثم نزل ابن تيمية عن منبره([212]). أو أنه تعالى بعد نفخ الصور يطوف في الأرض، قد خلت عليه البلاد([213]).
ثانياً: إن الرواية قد تضمنت رؤية الناس لربهم ورؤيته لهم حين يخرجون من مصارعهم حين ينفخ في الصور.
ومن الواضح: أن نظرهم إلى ربهم لابد أن يكون على نحو الحقيقة، كنظره تعالى إليهم، وذلك لا يكون إلا إذا كان في مكانٍ وجهة بعينها، وكان جسماً أيضاً، تماماً كما هو الحال بالنسبة لإشراق الشمس والقمر علينا، ورؤيتنا لهما. حسبما أوضحته الرواية نفسها.
كما أنها قد تضمنت: أن الله سبحانه وتعالى يأخذ بيده غرفة من الماء، فينضح بها قبلكم، ثم هي قد تحدثت عن ضحك الله عز وجل..
وهما حركتان جسمانيتان بالدرجة الأولى، ولا مجال لدفع ظهور الكلام في ذلك إلا بالإلتزام بالمجازات البعيدة، والتأويلات السخيفة الأخرى لكلمة "اليد"، و "غرفة الماء"، و "الضحك" وما إلى ذلك..
قِدَم الصفات:
وقال الصالحي الشامي، تعليقاً على قول النبي "صلى الله عليه وآله": "فلعمرو إلهك"، هو قسم بحياة الله تعالى، وفيه دليل على جواز الإقسام بصفاته، وانعقاد اليمين بها، وأنها قديمة، وأنه يطلق عليه منها أسماء المصادر، ويوصف بها، وذلك قدر زائد على مجرد الأسماء، وأن الأسماء الحسنى مشتقة من هذه المصادر دالة عليها([214]).
ونقول:
إننا لانريد أن نناقش في صحة جميع الفقرات التي أوردها، غير أننا نكتفي بالقول: إن ما زعمه من قدم صفاته تعالى، إذا انضم إلى ما يزعمونه من أن الصفات زائدة على ذاته تعالى. ثم ما يحتمه ذلك عليهم من الإلتزام بتعدد القديم ـ إن ذلك ـ يجعلنا نستذكر قول الفخر الرازي: "النصارى كفروا لأنهم أثبتوا ثلاثة قدماء، وأصحابنا قد أثبتوا تسعة"([215]).
بنو المنتفق من اتقى الناس:
وبعد.. فقد تضمنت الرواية الآنفة الذكر: أن بني المنتفق من أتقى الناس في الأولى، والآخرة..
ونقول:
أولاً: لا ندري لماذا صار بنو المنتفق من أتقى الناس في الأولى والآخرة، ولم يكن بنو هاشم أو أية قبيلة أخرى بهذا المستوى؟!
على أننا لم نجد في هذه القبيلة من هو في مستوى سلمان، أو أبي ذر، أو المقداد، أو عمار، أو أبي الهيثم بن التيهان، أو قيس بن سعد، وغيرهم؟!..
كما أنه لم يشتهر أحد من بني المنتفق بهذه الخصوصية ـ أعني خصوصية التقوى ـ حتى بعد وفاة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، بحيث يكون متميزاً على من عداه فيها؟!
ثانياً: لم نفهم المقصود بالأولى والآخرة في قوله "صلى الله عليه وآله": "من اتقى الناس في الأولى والآخرة..".
فإن كان المقصود بالأولى: الدنيا.. وبالآخرة: الحياة الباقية يوم القيامة.. فما معنى أن يصفهم بالتقوى في الآخرة، مع أنه لا تكليف فيها، لتتحقق فيها الطاعة تارة، والمعصية أخرى؟!
وإن كان المقصود بالأولى: الجاهلية.. وبالآخرة: الإسلام.. فلماذا يكون هؤلاء المشركون من أتقى الناس، ولا يكون بنو هاشم هم الأتقى من كل أحد، فإن بني هاشم كانوا على دين الحنفية، بل كان فيهم الأنبياء والأوصياء، وفقاً للحديث: ما زال الله ينقله من نبي إلى نبي حتى أخرجه من صلب أبيه عبد الله([216]).
والحديث في أن عبد المطلب يحشر وعليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك([217])، وأنه كان حجة، وأنه من أوصياء إبراهيم "عليه السلام"([218])، والحديث عن أن أبا طالب كان من الأوصياء، وأن وصايا عيسى "عليه السلام" قد تناهت إليه([219])، وغير ذلك كثير.
ولا نعرف لبني المنتفق شيئاً من ذلك..
ثالثاً: إذا كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقرر أن بني المنتفق من أتقى الناس.. فلا يجوز إيذاؤهم بذكر أمواتهم، ولا السكوت عن هذا الإيذاء، فما معنى أن يقول ذلك القرشي: إن المنتفق في النار؟!.. حيث لم يعترض عليه رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأنه ليس له أن يقول هذا، لأن ذلك يؤذي الأحياء، وقد نهى "صلى الله عليه وآله" عن مثله.. حسبما قدمناه في الجزء الثاني من هذا الكتاب..
2 ـ قدوم الجارود بن المعلى، وسلمة بن عياض:
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قدم الجارود العبدي على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومعه سلمة بن عياض الأسدي، وكان حليفاً له في الجاهلية. وذلك أن الجارود قال لسلمة: إن خارجاً خرج بتهامة يزعم أنه نبي، فهل لك أن نخرج إليه؟ فإن رأينا خيراً دخلنا فيه، فإنه إن كان نبياً فللسابق إليه فضيلة، وأنا أرجو أن يكون النبي الذي بشَّر به عيسى بن مريم.
وكان الجارود نصرانياً قد قرأ الكتب.
ثم قال لسلمة: "ليضمر كل واحد منا ثلاث مسائل يسأله عنها، لا يخبر بها صاحبه، فلعمري لئن أخبر بها إنه لنبي يوحى إليه".
ففعلا. فلما قدما على رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال له الجارود: بم بعثك ربك يا محمد؟
قال: "بشهادة ألا إله إلا الله، وأني عبد الله ورسوله، والبراءة من كل ند أو وثن يعبد من دون الله تعالى، وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة بحقها، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}([220]).
قال الجارود: إن كنت يا محمد نبياً فأخبرنا عما أضمرنا عليه.
فخفق رسول الله "صلى الله عليه وآله" كأنها سنة ثم رفع رأسه، وتحدر العرق عنه، فقال: "أما أنت يا جارود فإنك أضمرت على أن تسألني عن دماء الجاهلية، وعن حلف الجاهلية، وعن المنيحة، ألا وإن دم الجاهلية موضوع، وحلفها مشدود. ولم يزدها الإسلام إلا شدة، ولا حلف في الإسلام، ألا وإن الفضل الصدقة أن تمنح أخاك ظهر دابة أو لبن شاة، فإنها تغدو برفد، وتروح بمثله.
وأما أنت يا سلمة، فإنك أضمرت على أن تسألني عن عبادة الأصنام، وعن يوم السباسب، وعن عقل الهجين، فأما عبادة الأصنام فإن الله تعالى يقول: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}([221]).
وأما يوم السباسب، فقد أعقب الله تعالى منه ليلة بلجة سمحة، لا ريح فيها، تطلع الشمس في صبيحتها، لا شعاع لها.
وأما عقل الهجين، فإن المؤمنين إخوة تتكافأ دماؤهم، يجير أقصاهم على أ دناهم، أكرمهم عند الله أتقاهم".
فقالا: نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبد الله ورسوله.
وعند ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن الحسن: أن الجارود لما انتهى إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" كلمه، فعرض عليه رسول الله "صلى الله عليه وآله" الإسلام، ورغَّبه فيه.
فقال: يا محمد، إني كنت على دين، وإني تارك ديني لدينك، أفتضمن لي ديني؟
فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": "نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه". فأسلم وأسلم أصحابه.
ثم سأل رسول الله "صلى الله عليه وآله" الحملان، فقال: "والله ما عندي ما أحملكم عليه".
فقال: يا رسول الله، فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس ـ وفي لفظ المسلمين ـ أفنتبلغ عليها إلى بلادنا؟
قال: "لا، إياك و إياها، فإنما تلك حرق النار"..
زاد في نص آخر: فقال: "يا رسول الله، ادع لنا أن يجمع الله قومنا".
فقال: "اللهم اجمع لهم أُلفة قومهم، وبارك لهم في برهم وبحرهم".
فقال الجارود: يا رسول الله، أي المال أتَّخِذ ببلادي؟
قال: "وما بلادك"؟
قال: مأواها وعاء، ونبتها شفا، وريحها صبا، ونخلها غواد.
قال: "عليك بالإبل، فإنها حمولة، والحمل يكون عدداً. والناقة ذوداً".
قال سلمة: يا رسول الله، أي المال أتَّخِذ ببلادي؟
قال: "وما بلادك"؟
قال: مأوا ها سباح، ونخلها صراح، وتلاعها فياح.
قال: "عليكم بالغنم، فإن ألبانها سجل، وأصوافها أثاث، وأولادها بركة، ولك الأكيلة والربا".
فانصرفا إلى قومهما مسلمين.
وعند ابن إسحاق: فخرج من عنده الجارود راجعاً إلى قومه، وكان حسن الإسلام، صليباً على دينه حتى مات، ولما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينه الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر، قام الجارود فشهد شهادة الحق، ودعا إلى الإسلام، فقال: أيها الناس، إني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأُكَفِّر من لم يشهد.
وقال الجارود:
شـهـدت بأن الله حـق (وإنــــما) بنـات فـؤادي بالشهـادة والنهض
فأبـلـغ رسـول الله عني رسالـــة بأني حنيف حيث كنت من الأرض
وأنـت أمـين الله في كـل خـلقــه على الوحي من بين القضيضة والقض
فـإن لم تكـن داري بيثرب فيكـم فـإني لكـم عنـد الإقـامة والخفض
أصالح من صالحت من ذي عداوة وأبغض من أمس على بغضكم بغضي
وأدني الـذي والـيـتـه وأحـبــــه وإن كان في فيه العـلاقم من بغض
أذب بـسـيـفي عنـكـم وأحبكم إذا ما عدوكم في الرفاق وفي النقض
واجـعـل نـفـسي دون كـل ملمة لكم جُنَّة من دون عرضكم عرضي
وقال سلمة بن عياض الأسدي:
رأيـتـك يـا خـير الـبريـة كلهــا نشـرت كتـابـاً جـاء بالحـق معلم
شرعت لنا فيه الهدى بعد جورنا عـن الحـق لمـا أصبـح الامر مظلما
فـنورت بالقرآن ظلمات حندس وأطـفـأت نـار الكـفر لمـا تضرمـا
تـعـالى عـلـو الله فــوق سـمائـه وكـان مـكـان الله أعـلى وأكـرمـا
وعن عبد الله بن عباس: أن الجارود أنشد رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين قدم عليه في قومه:
يـا نبي الهـدى أتـتـك رجـــال قـطـعـت فـــدفــــداً وآلاً فــآل
وطوت نحوك الصحاصح طراً لا تخــــال الـكـــلال فيـه كـلالا
كل دهناء يقصر الطـرف عنهـا أرقـلـتـهـــا قـلاصـنـــاً إرقــالا
وطوتهـــا الجيـاد تجمح فـيـهـا بـكــماة كــأنــجـــم تــتــــلالا
تبتغي دفـع بُـؤس يـوم عبـوس أوجـل الـقـلـب ذكـره ثـم هالا([222])
وقع في العيون: الجارود بن بشر بن المعلى. قال في النور: والصواب: حذف [ابن] يبقى الجارود بشر بن المعلى([223]).
إقتراح المعجزة:
والذي نريد لفت النظر إليه في هذه القصة هو: أن المعجزة الخالدة لنبينا الأكرم "صلى الله عليه وآله" هي القرآن الكريم.
كما أن من المعلوم: أنه "صلى الله عليه وآله" بتوجيه من الله تعالى، لم يكن يستجيب لمطالب المشركين التعجيزية. وقد صرح القرآن بذلك، مستدلاً على صحة هذا الموقف بأنه "صلى الله عليه وآله" بشر رسول..
قال تعالى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالمَلآئِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً}([224]).
ولكننا نراه "صلى الله عليه وآله" يستجيب هنا لما يطلبه الجارود العبدي، وسلمة بن عياض من إخبارهما بما نوياه. فلماذا يستجيب هنا، ويكون لابد من رفض الإستجابة هناك، وفقاً للتوجيه الإلهي؟!
ويمكن أن يجاب: بأن طلبات المشركين التي تحدثت الآيات عنها كانت تهدف إلى الإستفادة من تلبيتها في تضليل الناس، لأن المشركين سيضعونها في سياق إثبات ما يدَّعونه من ضرورة أن يكون الأنبياء من سنخ آخر غير سنخ البشر، وأن البشرية لا تتلاءم مع النبوة، أو في سياق اتهامه "صلى الله عليه وآله" بالسحر والكهانة.
وهذا يوضح لنا سبب أمر الله تعالى نبيه "صلى الله عليه وآله" بأن يقول لهم: {..قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً}؟!
ويؤيد ذلك أيضاً قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ}([225]).
ويلاحظ: أنه "صلى الله عليه وآله" حين لا يستجيب لطلبهم هذا يوضح للناس: أن هدفهم هو مجرد التعجيز، وليس لديهم نية الإنصياع لمقتضاه لو استجيب لهم، لأن المطلوب إن كان هو رؤية المعجزة، فإن نفس هذا القرآن متضمن لها، فقد قال تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}([226]).
أي أنهم لو رجعوا إلى عقولهم لوجدوا في هذا القرآن ما يدفع عنهم أية شبهة، ويزيل كل ريب ولزالت جميع المبررات لطلباتهم التعجيزية، لو كانوا يريدون أن يجدوا ما يحتم عليهم الإيمان، ويدعوهم إلى البخوع للحق.. كما أنه "صلى الله عليه وآله" قد أظهر لهم من المعجزات ما لا يقل عما يطلبونه منه، فلماذا لم يؤمنوا؟
والخلاصة: أنه لا مجال لأن يستجيب لطلبهم حين تسهم استجابته هذه في تكريس مفهوم خاطئ عن طبيعة النبي والنبوة، أو إذا كان يمكِّنهم من التأثير السلبي على بعض السذج أو الغافلين الذين قد لا يتيسر إخراجهم من غفلتهم بسبب عدم إمكان الوصول إليهم، أو لأي سبب آخر، فتستحكم الشبهة لديهم، ويؤدي بهم ذلك إلى الإغراق في الضلال، أو الخروج عن دائرة الإستقامة على طريق الحق والهدى بالكلية.
والأهم من ذلك هو: أن الطلب الذي رُفض، قد تضمن أموراً كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد فعلها، وتحدث القرآن عن بعضها، مثل قضية المعراج إلى السماوات.. كما أنه "صلى الله عليه وآله" وكذلك الأئمة الطاهرون "عليهم السلام" قد فجروا الينابيع، وشق الله القمر لهم نصفين، وردَّ الشمس لعلي "عليه السلام" إلى غير ذلك مما صنعه "صلى الله عليه وآله"، وكذلك صنعه للأنبياء "عليهم السلام" من قبله..
ولكن ما صنعه "صلى الله عليه وآله" من معجزات، منه ما كان بمبادرة منه "صلى الله عليه وآله" لمصلحة اقتضت ذلك، ولم يقترحه الناس عليه، ومنه ما كان استجابة لطلب بعض الناس، بهدف تحصيل اليقين بالنبوة..
وربما يكون قد ظهر للنبي "صلى الله عليه وآله": أن طالب المعجزة كان غير قادر على إدراك إعجاز المعجزة الكبرى الخالدة، وهي القرآن لسبب أو لآخر..
وربما يكون قد ساعد على ذلك طبيعة المطلوب، وحجمه ومداه، فإنهم إنما طلبوا منه أن يخبرهم بما أضمروه لا أكثر.. ولو أنهم كانوا بصدد الجحود والكيد له، لادَّعوا أنهم قد أضمروا غير ما أخبرهم به.
حلف الجاهلية مشدود، ولا حلف في الإسلام:
وقد تقدم: أن حلف الجاهلية مشدود، وأنه لا حلف في الإسلام، ولعلنا قد أشرنا في ثنايا هذا الكتاب إلى أن حلف الجاهلية المشدود هو الحلف القائم على دفع الظلم، وعلى التناصر في الحق، ومواجهة وصد من يريد التعدي، ويسعى في الفساد والإفساد..
ولا يصح أن يتحالف المسلم مع مسلم آخر ضد مسلم ثالث.. لأن الإسلام يمنع من الظلم، و {يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالمُنكَرِ وَالْبَغْيِ}([227])، لأن هذه الآية توجب التناصر ضد الظلم، فيرتفع بذلك موضوع التحالف، إذا كان المراد به التحالف على ظلم الآخرين، والعدوان والبغي عليهم.
ليلة القدر في الإسلام:
وقد وصفت الرواية المتقدمة ليلة القدر بأنها: "ليلة بلجة سمحة، لا ريح فيها، تطلع الشمس في صبيحتها، لا شعاع لها..".
غير أن هذا الوصف لا يتتطابق مع المروي عن الأئمة الطاهرين من أهل البيت "عليهم السلام"، فقد روى محمد بن مسلم عن أحدهما ـ الباقر أو الصادق "عليهما السلام" ـ قال: "علامتها أن يطيب ريحها، وإن كانت في بردٍ دفئت، وإن كانت في حرٍ بردت، فطابت الخ.."([228]).
فإن مفاد هذه الرواية: أن في ليلة القدر ريحاً، ولكنه طيب.
وأما أنها بلجة أو سمحة أو أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها، فلم نجده فيما بين أيدينا من روايات عن أهل البيت "عليهم السلام"..
يضاف إلى ذلك: أن المشاهدة المستمرة عبر السنين المتطاولة لليالي شهر رمضان لا تؤيد هذه الأوصاف، ولا سيما فيما يرتبط بالشمس وشعاعها، فإنها لا تكون ذات شعاع في مختلف الأيام التي تكون ليلتها في محتملات ليلة القدر..
فضلاً عن يوم السابع والعشرين من شهر رمضان، فإنه أيضاً لا يختلف عن سائر الأيام في ذلك..
كفاه ضمان رسول الله ':
وإنه لمن الأمور الهامة جداً أن نقرأ عن الجارود العبدي: أنه يرضى بترك دينه، والدخول في دين آخر اعتماداً على ضمان رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفسه..
والأهم من ذلك: أنه انتقل إلى دينٍ يدعو إليه نفس الشخص الضامن، ويقدم نفسه للناس على أنه النبي له مع العلم بأن الجارود العبدي لم يكن إنساناً مغفلاً، ولا طائشاً، فإنه كان سيد قبيلة عبد القيس([229])، وسادة القبائل يكونون عادة أكثر وعياً ونباهة من غيرهم..
وهذه القضية إن دلت على شيء فهي تدل على مدى قبول الناس لشخص رسول "صلى الله عليه وآله" من خلال ما عرفوه عنه، وما لمسوه فيه من ميزات إنسانية، ومن صدق والتزام واستقامة على طريق الحق والخير.
وتبقى استفادات أخرى من النص المتقدم نصرف النظر عن ذكرها، فقد تقدم منا بعض ما يشير إليها. ومن ذلك ما نلاحظه من أن الجارود يسأل النبي "صلى الله عليه وآله" عن أي مال يتخذه ببلاده، أي أنه يرى أن المفروض بالنبي "صلى الله عليه وآله" أن يكون عالماً بمثل هذه الأمور أيضاً، ويستجيب "صلى الله عليه وآله" له على النحو المذكور، ولم يقل له: إن ذلك ليس من اختصاصي.. فراجع.
3 ـ وفادة الحارث بن حسان:
عن الحارث بن حسان البكري قال: خرجت أشكو العلاء الحضرمي إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فمررت بالربذة، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها، فقالت: يا عبد الله، إن لي إلى رسول الله حاجة، فهل أنت مبلغي إليه؟
قال: فحملتها، فأتيت المدينة، فإذا المسجد غاص بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وبلال متقلد السيف بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقلت: ما شأن الناس؟
قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهاً.
قال: فجلست، فدخل منزله، فاستأذنت عليه، فأذن لي. فدخلت فسلمت، فقال: "هل كان بينكم وبين تميم شيء"؟
قلت: نعم، وكانت الدائرة عليهم، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب.
فأذن لها فدخلت.
فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزاً، فاجعل الدهناء.
فحميت العجوز واستوفزت، وقالت: يا رسول الله، أين يضطر مضرك؟
قال الحارث: قلت: إن مثلي ما قال الأول: معزى حملت حتفها، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصماً، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد.
قالت هي: وما وافد عاد؟ وهي أعلم بالحديث منه، ولكن تستطعمه.
قلت: إن عاداً قحطوا فبعثوا وافدا لهم. فمر بمعاوية بن بكر. فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر، وتغنيه جاريتان يقال لهما: الجرادتان.
فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال: اللهم إنك تعلم (أني) لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق ما كنت تسقيه. فمرت به سحابات سود، فنودي منها: اختر، فأومأ إلى سحابة منها سوداء، فنودي منها: خذها رماداً رمدداً، لا تبق من عاد أحداً.
قال: فما بلغني أنه أرسل عليهم من ريح إلا بقدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا.
قال أبو وائل: وكانت المرأة أو الرجل إذا بعثوا وافداً لهم قالوا: لا يكن كوافد عاد([230]).
ونقول:
الشكوى من العمال:
قد أظهر هذا النص: كيف أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد فتح أمام الناس أبواب الشكوى من عماله. وهذا أمر هام وحساس للغاية، لأنه مما تقتضيه سنة الإنصاف والعدل، وتوجبه مسؤولية حفظ وصيانة الشأن العام من أي تعدٍ وإفساد، لأن الفساد آفة الدول، ومن موجبات وهنها وسقوطها..
وأما استياء العمال من الشاكين، فهو لا يضر مادام أنه بلا مبرر، وغاية ما يحدثه من أثر هو إفساد علاقتهم ببعض الأفراد، ويقابل ذلك منافع عظمى تبدأ بحفظ أولئك العمال أنفسهم من الإساءة والخطأ، وتنتهي بحفظ الدولة والرعية من الظلم والفساد..
الراية السوداء:
إن الراية التي رآها الحارث بن حسان كانت سوداء، وقد ذكرنا: أن الراية السوداء كانت ترفع حين تكون الحرب مع الكافرين والمشركين..
الإهتمام بأخبار الفئات:
إنه "صلى الله عليه وآله" لم يمهل الحارث حتى يفصح له عن حاجته، بل هو قد بادره بالسؤال عن حالهم مع بني تميم، إن كان قد حصل شيء بين الفريقين، وهذا يفصح عن شدة اهتمام رسول الله "صلى الله عليه وآله" بمتابعة ما يجري بين الفئات المختلفة، وهو يعرِّف الناس: أنه معنيٌّ جداً بما جرى..
حياد النبي ':
ويلاحظ: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يتدخل بين تلك التميمية وبين الحارث بن حسان.. بل اكتفى بالسماع.. ربما لأنه رأى أن ثمة تكافؤاً في الحوار فيما بينهما.. وأن العجوز لم تظلم الحارث حين اعترضت عليه، لأنها رأت أن جعل الدهناء هي الحاجز بين الفريقين مضر بحال قومها، ربما لأنه يمنعهم من الوصول إلى مواضع يحتاجون إلى الوصول إليها..
ولعلها قد لاحظت أيضاً: أنه بصدد التشفي بقومها حين أضاف بلا مبرر ظاهر قوله: "وكانت الدائرة عليهم"، حيث لم يسأله النبي "صلى الله عليه وآله" عن نتيجة ما جرى، بل سأله عن أصل حدوث شيء..
كما أنه "صلى الله عليه وآله" لم يلاحظ: أن لدى الحارث نوايا سيئة وراء طلبه هذا، فهو إنما أراد أن يحجز بين الفريقين ليحقن الدماء، ولم يكن يقصد الإضرار بتميم فيما يرتبط بمعاشها، أو في حريتها بالتنقل والتقلب في البلاد المختلفة للتجارة أو لسواها..
4 ـ وفود جهينة:
عن أبي عبد الرحمن المدنيّ قال: لما قدم النبي "صلى الله عليه وآله" المدينة وفد إليه عبد العُزَّى بن بدر الجُهَنِيّ، من بني الرَّبعة بن زيدان بن قيس بن جهينة، ومعه أخوه لأمه أبو روعة، وهو ابن عمِّ له. فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لعبد العُزَّى: "أنت عبد الله".
ولأبي روعة: "أنت رُعْت العدو إن شاء الله".
وقال: "من أنتم"؟.
قالوا: "بنو غيّان".
قال: "أنتم بنو رشدان". وكان اسم واديهم غَوى، فسمَّاه رسول الله "صلى الله عليه وآله" ـ رُشداً ـ وقال لجبلي جهينة: "الأشعر والأجرد: هما من جبال الجنة، لا تطؤهما فتنة". وأعطى اللواء يوم الفتح عبد الله بن بدر، وخط لهم مسجدهم، وهو أول مسجد خط بالمدينة([231]).
وقال عمرو بن مرة الجهني: كان لنا صنم وكنا نعظمه وكنت سادنه، فلما سمعت برسول الله "صلى الله عليه وآله" كسرته وخرجت حتى أقدم المدينة على النبي "صلى الله عليه وآله"، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وآمنت بما جاء به من حلال وحرام، فذلك حين أقول:
شـهـدت بـأن الله حـق وأنـنـــي لآلهــة الأحـجـار أول تــــــارك
وشمرت عن ساق الأزار مهاجراً إليك أجوب الوعث بعد الدكادك
لأصحب خير الناس نفساً ووالداً رسول مليك الناس فوق الحبـائك
قال: ثم بعثه رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، فأجابوه إلا رجلاً واحداً، رد عليه قوله، فدعا عليه عمرو بن مرة فسقط فوه فما كان يقدر على الكلام، وعمي، واحتاج([232]).
وعن عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: "جهينة مني وأنا منهم، غضبوا لغضبي ورضوا لرضائي، أغضب لغضبهم. من أغضبهم فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله"([233]).
ونقول:
قد تكلمنا في أكثر من مرة عن موضوع تغيير الأسماء، وأشرنا إلى تأثيراتها على الروح والنفس، فلا حاجة إلى الإعادة، غير أننا نشير هنا إلى الأمور التالية:
الأشعر والأجرد من جبال الجنة:
إذا صح أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد قال عن جبلي جهينة الأشعر والأجرد: "إنهما من جبال الجنة"، فالمفروض أن يصبحا مزاراً للناس للتبرك بهما، أو رؤيتهما، والتقرب إلى الله بالصلاة والدعاء عليهما، تماماً كما كانوا يقصدون ما بين قبره "صلى الله عليه وآله" ومنبره لأجل ذلك، لأن النبي "صلى الله عليه وآله" قال: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة"([234]). مع أن هذين الجبلين لا يعرفان، ويضطرب الناس في تحديد موقعهما..
مسجد جهينة:
أما دعوى: أن وفادة جهينة على النبي "صلى الله عليه وآله" كانت في أول الهجرة، وأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد خط لهم مسجدهم، فكان أول مسجد خط في المدينة([235]). فلا نكاد نطمئن لها، لأننا نستبعد وفادة أيٍ من القبائل في هذا الوقت المبكر جداً.
ولأننا لا ندري إن كانت جهينة تسكن في داخل المدينة، لتحتاج إلى مسجد، يخطه لها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أم أنها كانت بالقرب منها هي ومزينة، وأسلم وغفار.
أما إن كان المقصود: أنه "صلى الله عليه وآله" اختط لهم مسجداً في منطقتهم خارج المدينة، فلا يكون مسجدهم أول مسجد اختطه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لأن مسجد قباء كان هو الأسبق في ذلك.
يرضى الله لرضا جهينة، ويغضب لغضبها:
تقدم ثناء النبي "صلى الله عليه وآله" على جهينة بقوله: "جهينة مني وأنا منهم، غضبوا لغضبي ورضوا لرضائي، أغضب لغضبهم. من أغضبهم فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله".
وتقدم أيضاً: ثناؤه "صلى الله عليه وآله" على جبلي جهينة: الأشعر والأجرد، وأنهما من جبال الجنة، لا تطؤهما فتنة..
ونقول:
إننا لا نرتاب في أن ذلك مكذوب على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وذلك لما يلي:
أولاً: إن جهينة ـ كما صرح به عكرمة ـ كانت من قبائل النفاق التي تسكن بالقرب من المدينة، كما قال عكرمة في تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيم}([236]). قال: هم جهينة ومزينة، وأسلم وغفار([237]).
ثانياً: إن هذا الحديث يدل على عصمة جهينة، لأن من يغضب الله ورسوله لغضبهم، يجب أن يكونوا معصومين في جميع أحوالهم، لأن من يفعل المنكر ويترك المعروف، لا بد أن ينهاه الآخرون عن المنكر، وأن يأمروه بالمعروف، حتى لو غضب من ذلك، ومن يكون كذلك فلا يغضب الله لغضبه، إلا أن يكون الله سبحانه يرضى بفعل المنكر وترك المعروف، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً..
ثالثاً: إن ظاهر قوله: "غضبوا لغضبي": أن جهينة قد غضبت لغضب النبي "صلى الله عليه وآله"، ورضوا لرضاه، وهذا خبر عن أمر حصل، فالسؤال هو: متى غضبت جهينة لغضبه، ورضيت لرضاه "صلى الله عليه وآله"؟ وفي أية قضية كان ذلك؟! وما هي وقائع تلك القضية؟! فإنها لابد أن تكون على درجة كبيرة من الخطورة.
وهل لم يغضب أحد من المسلمين فيها لرسول الله "صلى الله عليه وآله" سوى جهينة؟! فان كان الجواب بالإيجاب، فلماذا لم يذكر في هذا السياق سوى جهينة؟! وإن كان الجواب بالسلب، فلماذا أحجموا عن نصرة نبيهم؟!
جهينة مني، وأنا منهم:
والذي أراه هو: أن هذا المفتري على الله وعلى رسوله، إما أنه كان على درجة من الغباء، أو أن الله سبحانه قد أعمى قلبه، وطمس على بصيرته، على قاعدة {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ}([238]).
فإن من يريد أن يفتري ويختلق، لابد أن لا يكون ما يختلقه ظاهر الخطل والبطلان.. فلا يصح أن يدعي مثلاً: أن المسك سيء الرائحة، ولا أن يقول: إن الذهب خشب، والتفاحة دجاجة، وما إلى ذلك.. فإن فعل ذلك، فقد سعى إلى حتفه بظلفه، وفضح نفسه بنفسه، وإنما على نفسها جنت براقش([239]).
والأمر في هذا الحديث المفترى قد جاء على نفس السياق، إذ لا يمكن أن يكون له معنى في هذا المورد، إذ لا يمكن أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" من جهينة، كما لا يمكن أن تكون جهينة منه "صلى الله عليه وآله"..
فإن النبي "صلى الله عليه وآله" ليس من جهينة، لا حقيقية ولا مجازاً، فهو "صلى الله عليه وآله" ليس منها نسباً، وذلك ظاهر. وليس منها بما يمثله من دين ورسالة، لأنها ليس لها أثر يذكر في نشر الإسلام، أو في الدفاع عنه، بل قد تقدم: أن عكرمة يصرح بأنها كانت إحدى القبائل الأربع التي عناها الله تعالى بقوله: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ}.
إبتذال.. وخيانة:
ومهما يكن من أمر، فإن أحداً لا يجهل أن عبارة: "من أغضبها فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله"، قد قالها النبي "صلى الله عليه وآله" في حق الزهراء "عليها السلام"، وهذا ما أوجب ما يوجب الطعن على من أغضبها بأنه قد أغضب الله ورسوله، بأنه لا يمكن أن يكون أهلاً لأن يكون في مقام خلافة النبوة؟!
كما أن أحداً لا يجهل: أنه "صلى الله عليه وآله" قد قال في حق الحسين "عليه السلام"، الذي يَبعث النبي "صلى الله عليه وآله" ويُحييه، بإحياء دينه، وإسقاط أطروحة عدوه، وفضحه باستشهاده "عليه السلام"، حيث قال فيه: "حسين مني وأنا من حسين"، فهو من النبي "صلى الله عليه وآله" بكل المعاني، والنبي بما له من صفة النبوة والرسولية من الحسين "عليه السلام".
5 ـ قدوم وائل بن حجر:
عن وائل بن حجر قال: بلغنا ظهور رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأنا في بلد عظيم، ورفاهة عظيمة فرفضت ذلك، ورغبت إلى الله عز وجل، وإلى رسول الله "صلى الله عليه وآله". فلما قدمت عليه أخبرني أصحابه أنه بشَّر بمقدمي عليهم قبل أن أقدم بثلاث ليال.
قال الطبراني: فلما قدمت على رسول الله "صلى الله عليه وآله" سلمت عليه فرد علي، وبسط لي رداءه، وأجلسني عليه، ثم صعد منبره وأقعدني معه، ورفع يديه، وحمد الله تعالى، وأثنى عليه، وصلى على النبي "صلى الله عليه وآله"، واجتمع الناس إليه فقال لهم: "يا أيها الناس، هذا وائل بن حجر قد أتاكم من أرض بعيدة، من حضرموت، طائعاً غير مكره، راغباً في الله وفي رسوله، وفي دين بيته، بقية أبناء الملوك".
فقلت: يا رسول الله، ما هو إلا أن بلغنا ظهورك، ونحن في ملك عظيم وطاعة، وأتيتك راغباً في دين الله.
فقال: "صدقت"([240]).
وعن وائل بن حجر قال: جئت رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقال: "هذا وائل بن حجر جاء حباً لله ورسوله"، وبسط يده، وأجلسه، وضمه إليه، وأصعده المنبر، وخطب الناس فقال: "ارفقوا به، فإنه حديث عهد بالملك".
فقلت: إن أهلي غلبوني على الذي لي.
فقال: "أنا أعطيكه وأعطيك ضعفه".
وقالوا: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أصعده إليه على المنبر، ودعا له، ومسح رأسه وقال: "اللهم بارك في وائل وولد ولده"([241]).
ونودي: الصلاة جامعة، ليجتمع الناس سروراً بقدوم وائل بن حجر إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" معاوية بن أبي سفيان أن ينزله منزلاً بالحرة، فمشى معه، ووائل راكب، فقال له معاوية: أردفني خلفك [وشكا إليه حر الرمضاء].
قال: لست من أرداف الملوك.
قال: فألق إلي نعليك.
قال: لا، إني لم أكن لألبسهما وقد لبستهما.
قال: إن الرمضاء قد أحرقت قدمي.
قال: امش في ظل ناقتي، كفاك به شرفاً.
(وقال معاوية: فأتيت النبي "صلى الله عليه وآله" فأنبأته بقوله، فقال: إن فيه لعيبة من عيبة الجاهلية).
فلما أراد الشخوص إلى بلاده كتب له رسول الله "صلى الله عليه وآله" كتاباً([242]).
ونقول:
أوسمة لوائل بن حجر:
تضمنت النصوص المتقدمة: أوسمة عديدة لوائل بن حجر، مع أننا لا نرى مبرراً لشيء منها، فإننا حين نراجع ما بلغنا عن حياة هذا الرجل لا نجد فيها شيئاً يستحق الذكر، سوى أنه كان قبل أن يسلم من أقيال حضرموت، ووفد إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعد أن عزَّ الإسلام، ونصر الله نبيه على الشرك والكفر في المنطقة بأسرها. ثم إنه أسلم، ولم يسهم في شيء في تأييد هذا الدين أو في نصره ونشره. كما أنه لم يكن معروفاً بشيء يميزه، لا في علمه ولا في تقواه، ولا في أي شيء آخر..
ونحن نعلم أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن يوزع الأوسمة على الراغبين والخاملين بصورة مجانية، بل هو يمنح الوسام لمستحقيه، باعتباره جزءاً من الواجب، وثمناً لجهد، وسياسة إلهية لاطراد المسيرة الإيمانية بصورة أكثر قوة، وأشد ثباتاً.
بل إن هذه الأوسمة لوائل إذا لم يكن وائل مستحقاً لها، تكون من موجبات التغرير بالناس، في أمره، ولم يكن وائل أهلاً لشيء من ذلك كما سنرى..
وائل بن حجر على منبر الرسول ':
وقد ذكرت الروايات المتقدمة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" صعد منبره، وأقعده معه..
والسؤال هو: هل كان المنبر في مسجد الرسول "صلى الله عليه وآله" يتسع لشخصين؟!
وهل كان وائل هذا من الخطباء، ويريد "صلى الله عليه وآله" أن يعرِّف الناس بخصوصيته هذه؟!
وإذا صح هذا، فما هي الخطبة التي أوردها على الناس من على ذلك المنبر؟! وهل كان "صلى الله عليه وآله" يعرف الناس بخصوصيات زائريه بهذه الوسائل؟!
أم أنه أراد أن يجعل له الأمر من بعده ويقول للناس: إنه يجلس في مجلسه، ويقوم على منبره؟!
أم أن الأرض ضاقت بالجالسين، فلم يجد مكاناً يجلس فيه مع ضيفه إلا المنبر؟!
إلى غير ذلك من الأسئلة التي لن تجد لها جواباً مقبولاً ولا معقولاً، إلا إذا اعترف أهل الإنصاف بوضع هذه المفتريات، لألف سبب وسبب..
ما الحاجة للبشارة بمقدم وائل:
وقد زعم وائل نفسه ـ وهو يجر النار إلى قرصه ـ: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد بشَّر الناس قبل ثلاثة أيام بمقدمه..
ولسنا ندري ما هي الفائدة والعائدة من هذه البشارة!! فهل كان وائل سوف يزيل الغمة بمقدمه عن هذه الأمة؟! أو أنه سوف يغني عنهم في شيء من المهمات التي كانت تنتظرهم؟! أو أنه سيكون له دور حاسم في نشر العلم والتقوى بينهم، أو في أي منطقة أخرى تحتاج إلى شيء من ذلك؟!
إننا لا نجد شيئاً من ذلمك يبرر هذه البشارة المزعومة بمقدم وائل هذا..
ثم إن وائلاً هو الذي استفاد من الإسلام حين دخل فيه، حيث قال: يا رسول الله، اكتب لي بأرضي التي كانت لي في الجاهلية، وشهد له أقيال حمير، وأقيال حضرموت، فكتب له.
قالوا: وكان الأشعث وغيره من كندة: نازعوا وائل بن حجر في واد بحضرموت، فادَّعوه عند رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فكتب به رسول الله "صلى الله عليه وآله" لوائل([243]).
لماذا يكذب وائل؟!:
وإذا كانت وفادة وائل على رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد جاءت متأخرة أكثر من عشرين سنة على بعثة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقد شاعت أخبار النبي "صلى الله عليه وآله"، وذاعت، ولا سيما بعد أن هاجر إلى المدينة، وبدأت الحروب ضده من قبل المشركين واليهود، بل هو قد واجه ملك الروم في مؤتة، وانتشرت سراياه وبعوثه، ودعاته في مختلف البلاد، فما معنى أن يزعم وائل: أنه بمجرد أن بلغه ظهور النبي "صلى الله عليه وآله"، ترك ملكه العظيم وطاعة قومه، وجاءه راغباً في الإسلام..
على أن وائلاً لم يكن ملكاً كما زعم، بل كان من بقية أبناء الملوك كما صرحت به نفس الرواية التي ذكرت الفقرة السابقة.. وهذا تناقض آخر في هذه الرواية المزعومة.
ونص آخر يقول: إنه حديث عهد بالملك، وهذا معناه أنه كان ملكاً، وقد فقده لتوه، فهو حديث عهد به.
ثم إنه يقول: إن أهله غلبوه على الذي له، فكيف نوفق بين هذا كله، وبين قوله: إنه لما سمع بظهور النبي "صلى الله عليه وآله" ترك ملكه وقدم على النبي "صلى الله عليه وآله" راغباً في دين الله؟!
في وائل عيبة من الجاهلية:
وعلى كل حال، فإن وائلاً قد أظهر في نفس مقدمه ذاك أنه لا يستحق أي وسام، وليس جديراً بأي ثناء كما دل عليه سلوكه غير الإنساني مع معاوية، حيث لم يرض بإردافه ولا بإعطائه نعله ليتقي بها الرمضاء.. وإنما سمح له بأن يمشي في ظل ناقته وحسب، فلما بلغ النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك قال: "إن فيه لعيبة من عيبة الجاهلية".
ومعاوية وإن كان هو الأسوأ أثراً في الإسلام، ولكن ذلك لا يبرر هذا التصرف من وائل تجاهه، وهو ينم عن خلال مقيتةٍ وسيئة فيه.. حيث دل على مدى ما يحمله في داخل نفسه من غطرسة وكبر، ومن قسوة، وحب للدنيا..
وائل بن حجر عدو علي ×:
ولكن مهما صدر عن وائل من سيئات مع معاوية وغيره، فإنه يبقى محبوباً ومنصوراً، وذنبه مغفوراً، وفي جميع أحواله مصيباً ومأجوراً. لأنه ـ كما يقولون ـ كان عند علي "عليه السلام" بالكوفة، وكان يرى رأي عثمان، فقال لعلي "عليه السلام": إن رأيت أن تأذن لي بالخروج إلى بلادي، وأصلح مالي هناك، ثم لا ألبث إلا قليلاً إن شاء الله حتى أرجع إليك، فأذن له علي "عليه السلام".
فخرج إلى بلاد قومه، وكان قبلاً من أقيالهم، عظيم الشأن فيهم، وكان يرى رأي عثمان، فدخل بسر صنعاء، فطلبه وائل وكتب إليه، فأقبل بسر إلى حضرموت بمن معه، فاستقبله وائل وأعطاه عشرة آلاف، وأشار عليه بقتل عبد الله بن ثوابة([244]).
ثم كان هو الذي حمل حجر بن عدي إلى معاوية بأمر زياد بن أبيه، فكان شريكاً أيضاً في دم هذا العبد الصالح، وبقية الستة الذين استشهدوا معه على يد معاوية بالذات([245]).
6 ـ وفود أبي صفرة:
عن محمد بن غالب بن عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة قال: حدثني أبي عن آبائه: أن أبا صفرة قدم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" على أن يبايعه، وعليه حلة صفراء، وله طول ومنظر وجمال، وفصاحة لسان، [فلما رآه أعجبه ما رأى من جماله] فقال له: "من أنت"؟
قال: أنا قاطع بن سارق بن ظالم بن عمر بن شهاب بن مرة بن الهقام بن الجلند بن المستكبر، الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً، أنا ملك ابن ملك.
فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": "أنت أبو صفرة، دع عنك سارقاً وظالماً".
فقال: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أنك عبده ورسوله حقاً حقاً يا رسول الله، وإن لي ثمانية عشر ذكراً وقد رزقت بأخرة بنتاً سميتها صفرة.
فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": "فأنت أبو صفرة"([246]).
ونقول:
نسب الأطهار:
نحب لفت النظر إلى سلسلة الأسماء قاطع، بن سارق، بن ظالم.. وابن مرة، وابن المستكبر الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً..
فإنها سلسلة لا يصح التباهي بها، وليست هذه الأسماء من أسماء الملوك، بل إن السوقة من الناس، والسراق أنفسهم لا يرضون بأن يناديهم أحد باسم سارق ويرونه عيباً وعاراً، فكيف يتباهى به هؤلاء؟! ثم يعتبرون أنفسهم ملوكاً..
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عقلية وذهنية، وأجواء وطموحات وقيم أولئك الناس الذين تعامل معهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وسرعان ما جعل منهم أمة رائدة في كل المجالات العلمية والأخلاقية، والحضارية، بهرت الأمم بقيمها، وبسموّ أهدافها، وبنهجها الإلهي العظيم..
وأين هذا من نسب أهل بيت الطهارة، والعصمة، الذين كان كل منهم طهراً طاهراً مطهراً، من طهر طاهر مطهر..
المستكبر لم يكن في زمان موسى ×:
إنه لا شك في أن هذا النسب الذي ذكره وافتخر به لا يمكن أن يصل إلى زمن موسى "عليه السلام"، الذي كان يعيش في زمن ذلك الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً، كما أشارت إليه آيات القرآن الكريم وهي تعرض ما جرى بين موسى والعبد الصالح "عليهما السلام"..
وبذلك يتضح: أن أبا صفرة يقصد شخصاً آخر كان يأخذ كل سفينة غصباً، ولا بد أنه كان يعيش قبل ظهور نبينا "صلى الله عليه وآله" بحوالي قرنين من الزمن.
لماذا كناه بابنته:
وقد صرح هذا الرجل: بأن له ثمانية عشر ولداً ذكراً، وأنه قد رزق آخر الأمر ببنتٍ أسماها صفرة، وإذ بالنبي "صلى الله عليه وآله" يكنيه بأبي صفرة!!
فلماذا اختار "صلى الله عليه وآله" أن يكنيه باسم ابنته، وترك تكنيته باسم أي واحد من أولاده الذكور؟!
قد يكون سبب ذلك: أن العرب كانوا يحتقرون البنت ويمقتونها، ويظلمونها إلى حد أن الرجل منهم كان يدفن ابنته وهي حية حتى لا تشاركه في طعامه، أو خوفاً من أن يلحقه عار بسببها.. وقد تحدث الله تبارك وتعالى عن نظرتهم لها، وعن جرائمهم هذه في أكثر من آية، ومنها قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}([247]).
وقال سبحانه: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}([248]).
وقال عز وجل: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى}([249]).
وقال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى}([250]).
وقال سبحانه: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ المَلآئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً}([251]).
وقال عز من قائل: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ}([252]).
وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ وَجَعَلُوا المَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}([253]).
فإذا كانت هذه هي نظرة العرب، ومنهم هذا الرجل إلى المرأة، وإذا كان قد ولد لهذا الرجل ثمانية عشر ولداً ذكراً، فمن الطبيعي أن يعيش حالة لا تطاق من الزهو والكبر، والعنجهية والغرور..
وقد دل على ذلك اعتزازه حتى بما يعد رذيلة، لو لم يكن قد وافق الإسم المسمى "سارق ـ ظالم ـ قاطع ـ مستكبر ـ يأخذ كل سفينة غصباً..".
علماً بأن للأسماء إيحاءاتها، وآثارها على النفوس حين يصل الأمر إلى حد الأنس بالإسم، وتتفاعل معه بصورة إيجابية..
فكان لابد من ترويض هذه النفوس، ومواجهتها بالقيم الإلهية، المنسجمة مع الفطرة، وأحكام العقل، وإفهامهم: أن للأنثى قيمتها عند الله تبارك وتعالى، وأنها تكون أولى بالتقدير، والإحترام من عشرات الرجال إذا كانت تسير في خط الإستقامة دونهم، وأن التقوى هي معيار الكرامة عند الله، {..إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَهِ أَتْقَاكُمْ..}([254]).
ولأجل ذلك نلاحظ: أن أبا صفرة لم يعترض، ولم يناقش، ولم يستفهم عن طبيعة أو قيمة هذه المعادلة الجديدة التي واجهه رسول الله "صلى الله عليه وآله" بآثارها ومقتضياتها بصورة عملية..
الباب الثامن:
وفود لها تاريخ
الفصل الأول:
وفود قبل فتح مكة
وفود جذام:
قالوا: وفد رفاعة بن زيد الجذامي، ثم أحد بني الضبيب على رسول الله "صلى الله عليه وآله" في الهدنة قبل خيبر، وأهدى له عبداً وأسلم. فكتب رسول الله "صلى الله عليه وآله" كتاباً:
"هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد، إني بعثته إلى قومه عامة، ومن دخل فيهم، يدعوهم إلى رسوله، فمن آمن ـ وفي لفظ: فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله، ومن أدبر. وفي لفظ: من أبى، فله ـ أمان شهرين"([255]). فلما قدم على قومه أجابوه وأسلموا.
زاد الطبراني قوله: ثم سار حتى نزل حرة الرجلاء. ثم لم يلبث أن قدم دحية الكلبي من عند قيصر حين بعثه رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى إذا كان بواد من أوديتهم يقال له: شنار، ومعه تجارة له أغار عليهم الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الضلعيان. ثم ذكر ما جرى لدحية، وما تبع ذلك من إرسال النبي "صلى الله عليه وآله" سرية زيد بن حارثة..([256]).
ونقول:
كنا قد تحدثنا عن هذه السرية في موضع سابق من هذا الكتاب فلا حاجة إلى الإعادة.
غير أننا نشير هنا إلى الأمور التالية:
داعيتهم منهم:
قد لاحظنا: أنه "صلى الله عليه وآله" بعث رفاعة بن زيد إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام، فإن الدعوة إذا جاءت من القريب والحبيب، فإنها تكون أوقع في النفس، وأقرب إلى القبول، ولاسيما إذا خلت من احتمالات أن يكون ثمة من يريد أن يجر النار إلى قرصه، ومن احتمال أن يكون له على قومه بذلك أي امتياز سواء في الموقع الإجتماعي، أو في نفوذ الكلمة، أو ما إلى ذلك..
ويتأكد هذا الأمر بجعل النبي "صلى الله عليه وآله" من يقبل دعوة رفاعة ويدخل في الإسلام في حزب الله وحزب رسوله، ولم يدخل رفاعة في هذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد.
والحاصل: أنه "صلى الله عليه وآله" قد جعل من يؤمن مرتبطاً بالله وبرسوله مباشرة، فأدخله في فريقهما وحزبهما، وأعطاه شرف الإنتماء لهما، ولم يشر إلى سلطة ولا إلى هيمنة أي كان من الناس على هذا المؤمن، كما أنه لم يتحدث عن تبعية أو طاعة لرفاعة ولا لغيره..
فله أمان شهرين:
وأما إعطاء الأمان شهرين لمن أبى، فلأجل أن الشرك يصادم التوحيد ويتناقض معه، فلا مجال للتعايش فيما بينهما بأي وجه من الوجوه، لأن المشرك يجد نفسه في موقع المحارب للتوحيد، والساعي لإبطاله.. ولأجل ذلك جاء الأمر الإلهي الذي يقول: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}.
وأما أهل الكتاب فلهم ارتباط بالله تبارك وتعالى، وإن كانوا يخطئون في بعض التفاصيل، كما أن نظرتهم للمسلمين لا تخرج عن هذا السياق.. فلا يرون أنفسهم في موقع المناقض لتوحيد المسلمين، والمحارب له، فيمكن التعايش معهم إن لم يعلنوا الحرب، وهناك قواسم مشتركة أخرى معهم، يمكن من خلالها العمل على تصحيح الخطأ، وتسهل الوصول إلى حلول مرضية، في كثير من الأحيان..
وهم في جميع الأحوال أقل خطراً من المشركين، الذين يريدون هدم الإسلام، وإبطال عقيدة التوحيد من أساسها، واقتلاعها من جذورها..
تاريخ هذه السرية:
إن ذكر زيد بن حارثة في هذا المورد يدل على: أن وفود رفاعة وكتابة النبي "صلى الله عليه وآله" الكتاب له قد كان قبل فتح مكة، وقبل غزوة مؤتة، التي استشهد فيها زيد بن حارثة..
وأما القول: بأن ذلك قد كان في آخر سنة ست أو أول سنة سبع قبل غزوة خيبر أيضاً، استناداً إلى أن إرسال الرسائل إلى الملوك قد كان في تلك الفترة.. فيمكن المناقشة فيه: بأن من الجائز أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" قد أرسل دحية إلى قيصر أكثر من مرة.. كما لا يخفى.
جبرئيل في صورة دحية الكلبي:
وتقدم أنهم يزعمون: أن دحية الكلبي كان جميلاً، وأن جبرئيل كان يأتي إلى النبي "صلى الله عليه وآله" على صورته، وقد قدمنا: أن ذلك لا مبرر له، إذ لماذا لم يكن يأتيه على صورة علي "عليه السلام" الذي كان أحب الخلق إليه؟! مع أن الله تعالى قد كلم نبيه حين المعراج بصوت علي حسبما قدمناه في هذا الكتاب.
وفد دوس:
وقدم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" أربعمائة من دوس، فقال رسول الله: "مرحباً، أحسن الناس وجوهاً، وأطيبهم أفواهاً، وأعظمهم أمانة"([257]).
قال في زاد المعاد: قال ابن إسحاق: كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدِّث أنه قدم مكة ورسول الله "صلى الله عليه وآله" بها. فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً، فقالوا له: يا طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وابنه، وبين المرء وأخيه، وبين الرجل وزوجه، وإنَّا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه، ولا تسمع منه.
قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً، فرقاً من أن يبلغني شيء من قوله.
قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله "صلى الله عليه وآله" قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريباً منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلاماً حسناً، فقلت في نفسي: وا ثكل أمياه، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان ما يقول حسناً قبلت، وإن كان قبيحاً تركت.
قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى بيته، فتبعته حتى إذا د خل بيته، دخلت عليه فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذنيّ بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولاً حسناً، فاعرض عليّ أمرك.
فعرض عليّ رسول الله "صلى الله عليه وآله" الإسلام، وتلا علي القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت: يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادع الله لي أن يجعل لي آية تكون عوناً لي عليهم، فيما أدعوهم إليه.
فقال: "اللهم اجعل له آية".
قال: فخرجت إلى قومي، حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح، قلت: اللهم في غير وجهي، إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم.
قال: فتحول، فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلق، وأنا أنهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم، وأصبحت فيهم. فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً. فقلت: إليك عني يا أبت، فلست منك ولست مني.
قال: ولم يا بني، بأبي أنت وأمي؟!
قلت: فرق الإسلام بيني وبينك، فقد أسلمت وتابعت دين محمد "صلى الله عليه وآله".
قال: يا بني فديني دينك.
قال: فقلت: اذهب فاغتسل، وطهر ثيابك، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت.
قال: فذهب، فاغتسل، وطهر ثيابه. ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم.
ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني فلست منك ولست مني.
قالت: لم بأبي أنت وأمي؟
قلت: فرق الإسلام بيني وبينك. أسلمت وتابعت دين محمد "صلى الله عليه وآله".
قالت: فديني دينك.
فقلت: اذهبي، فاغتسلي، ففعلت، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت.
ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبطأوا عليّ، (وعند آخرين: أجابه أبو هريرة وحده([258]))، فأتيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" (في مكة قبل الهجرة أيضاً)، فقلت: يا نبي الله، إنه قد غلبني على دوس الزنا، فادع الله عليهم.
فقال: "اللهم اهد دوساً"([259]). ثم قال: "ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله، وارفق بهم".
فرجعت إليهم، فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الله.
ثم قدمت على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بخيبر، فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس. ثم لحقنا برسول الله "صلى الله عليه وآله" بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين([260]).
وعند الطبراني بسند ضعيف: أنهم أربع مائة([261]).
نماذج من تناقضات الروايات:
ونشير هنا إلى نموذج من التناقضات التي تسهل ملاحظتها في روايات هذا الحدث المزعوم، فبعضها يقول: "جئنا خيبر، فنجده قد فتح النطاة، وهو محاصر الكتيبة، فأقمنا حتى فتح الله علينا، فأسهم لنا مع المسلمين"([262]).
وفي بعضها: "قدمنا على رسول الله "صلى الله عليه وآله" وقد فتح خيبر، فكلم المسلمين، فأشركنا في سهمانهم"([263]).
وتارة تقول: "إن قريشاً حذرت الطفيل من الإتصال بالنبي "صلى الله عليه وآله" والإستماع منه، فحشا أذنه بالكرسف حتى لا يسمع شيئاً".
وأخرى تقول: "إن قريشاً قد طلبت منه ان يتصل بالنبي "صلى الله عليه وآله"، ويَخْبُرحاله"([264]).
وتقدم الإختلاف في عدد الوفد من دوس، هل هم ثمانون، أو سبعون، أو خمسة وسبعون، أو اربع مائة.
والروايات المتقدمة تقول: إن الطفيل هو الذي قدم بالوفد إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، رواية أخرى تقول: إن جندب بن عمرو بن حممة الدوسي لما سمع بأمر النبي "صلى الله عليه وآله" جاء بالوفد إليه، وهم خمسة وسبعون رجلاً من قومه، فأسلم وأسلموا. قال أبو هريرة: فكان جندب يقدمهم رجلاً رجلاً([265]).
سرقة فضيلة، أم استعارتها؟!:
ثم إننا قد قرأنا فيما سبق من أجزاء هذا الكتاب: أن إسلام أهل المدينة قد بدأ بإسلام أسعد بن زرارة، وأنه قد جرى لأسعد مع قريش والنبي "صلى الله عليه وآله" نفس تلك الأحداث التي قرأناها آنفاً منسوبة لأبي الطفيل([266])، لكن قد حاول محبو أبي الطفيل أن يلحقوا بها بعض اللمسات الطفيفة والخفيفة التي اقتضاها وفرضها تبديل الشخصية الحقيقية بشخصية أخرى لا ربط لها بحقيقة ما جرى..
مدائح دوس مشكوكة:
تقول الرواية المتقدمة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال لوفد دوس: "مرحباً أحسن الناس وجوهاً، وأطيبهم أفواهاً، وأعظمهم أمانة".
غير أننا قد ذكرنا حين الحديث عن وفد الأزد أنهم يقولون: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد قال ما يشبه ذلك لوفد الأزد أيضاً.
وقد يقال: إن قبيلة دوس كانت من الأزد أيضاً. فلعلهم قصدوا خصوص الدوسيين من الأزد، وقد يطلق العام ويراد به الخاص.
ولكنه احتمال موهون، فإن التسامح في أحاديث الفضائل غير متوقع، بل المتوقع هو الحرص على التحديد، والتصدي لأي احتمال يوجب الإيهام مهما كان قريباً، فكيف إذا كان غريباً.
ولو سلمنا أن المقصود هو دوس في كلتا الحالتين، فكيف نوفق بين ذلك، وبين ما ذكروه في موضع آخر: من أنه "صلى الله عليه وآله" قد قال ذلك لوفد جرش، فأي ذلك هو الصحيح؟!
راوي حديث الطفيل:
وقد يلاحظ على الحديث المتقدم: أنه مروي عن الطفيل نفسه، فيحتمل أنه من حرصه يريد أن يجر النار إلى قرصه، ليكون هو الرابح الأكبر لو صدّق الناس روايته..
أبو الطفيل يطرد أباه:
ثم إننا لم نجد تفسيراً لطرد الطفيل أباه، بقوله: إليك عني يا أبت الخ.. إلا إذا كان عذره هو الجهل الذريع، وسوء الفهم، والخطأ الفاضح في التقدير، وسوء الأدب، فإن أبا الطفيل كان قد أظهر الإسلام قبل مدة وجيزة، ولم يعرف من آدابه وأخلاقياته، ومفاهيمه وشرائعه، وعقائده إلا القليل..
ولكنه عذر موهون، فإن محاسن الأخلاق، وقواعد الأدب لم تكن أموراً يجهلها الإنسان العربي حتى الجاهلي، ولاسيما الأدب مع الأبوين..
ثم إنه إذا كان قد أسلم، فالمفروض فيه هو: أن يُقبل على أبيه، ويعامله برفق، ويظهر له التغير الأخلاقي إلى الأصلح، ويبين له محاسن الإسلام، وموافقته لما تقضي به الفطرة، وما تحكم به العقول، ويصر عليه بقبول الإسلام والإيمان.
أما أن يطرد أباه، الذي يشعر بدالة الأبوة على ولده، ويجرح كبرياءه، فإن ذلك سوء أدب غير مقبول، إذا كان مع شخص غريب، فكيف إذا كان من ولد تجاه والده.
وذلك هو ما فرضه الإسلام على كل مسلم تجاه أي إنسان آخر، حتى لو لم يكن أباً ولا زوجة ولا ولداً، وذلك هو ما تفرضه عليه أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن المفروض هو: أن يسعى لإقناع ذلك الغير بالحق، وأن يفتح معه باب الحوار الإيجابي الهادئ والرصين على قاعدة: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة..
التفريق بين المسلم وزوجته الكافرة:
وقد رأينا: أن الرواية المتقدمة تقول: إن الطفيل أمر زوجته بالإبتعاد عنه أيضاً، قائلاً لها: إن الإسلام قد فرَّق بينه وبينها، مع أنهم يروون أن آية: {وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}([267])، قد نزلت في المدينة بعد الحديبية بعد الهجرة، فطلّق عمر يومئذٍ امرأتين كانتا له في الشرك([268]). أما قضية الطفيل وزوجته فكانت قبل هجرة النبي "صلى الله عليه وآله" من مكة.
ونحن وإن كنا نعتقد أن الحكم بعدم جواز نكاح المسلم للمشركة كان ثابتاً على لسان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل ذلك، إلا أننا نقول:
أولاً: إننا نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم.
ثانياً: لعله "صلى الله عليه وآله" لم يكن مكلفاً بإبلاغ هذا الحكم لجميع الناس.. أو لعل الكثيرين كانوا لا يحتاجون إلى هذا الحكم إما لأن نساءهم كُنّ يُسلمن حين يُسلم أزواجهن، وإما لأنهن كُنّ يخترن الإنفصال، والإلتحاق بأهلهن من المشركين..
المطاع في قومه لا يطيعه قومه:
وقد زعم الطفيل لرسول الله "صلى الله عليه وآله" بأنه مطاع في قومه، ويريد أن يدعوهم إلى الإسلام، ثم طلب منه أن يدعو الله أن يجعل له آية تعينه عليهم، فجعل له النور في طرف سوطه..
ونقول:
أولاً: اللافت هنا: أن هذا المطاع في قومه، لم يطعه أحد من قومه سوى أبي هريرة كما تقدم!!
رغم أنه كان يحمل إليهم معجزة كانت ماثلة أمامهم ويشاهدونها كلما يحلو لهم!!
فعدم إطاعتهم له مع كل هذه الخصوصيات أمر يثير العجب حقاً..
ثانياً: ما معنى أن يعود الطفيل إلى مكة طالباً من رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يدعو على قومه؟!([269]). فهل دعا النبي "صلى الله عليه وآله" على غيرهم من أجل ذلك، أم أنه كان يدعو لهم بالهداية ولا يدعو عليهم؟!
ثالثاً: إذا كان مطاعاً في قومه، فلماذا يطلب الآية لهم من رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
رابعاً: هل كان من عادة النبي "صلى الله عليه وآله" أن يزود دعاته بآيات من هذا القبيل؟!!
خامساً: ما معنى أن يرفض الطفيل النور الذي حل في جبهته؟! ألم يكن من الأفضل له أن يرضى بما رضيه الله تعالى؟!
أم أنه أدرك أمراً كان خافياً على رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
وكيف يخشى أن يظن قومه أن ذلك مثلة فيه؟! وهل يمكن أن نصدق أن قومه كانوا لا يستطيعون التأكد من كون هذا الذي في جبهته ليس مثلة، وإنما هو نور وضعه الله فيها؟!
سادساً: ألا يحق لنا أن نظن بأنه لو صح شيء من هذه القصة، فإن السبب في عدم قبول أحد أن يسلم على يد الطفيل، هو معاملته السيئة لهم، حسبما أشار إليه النبي "صلى الله عليه وآله" حين أمره بأن يعود إليهم ويرفق بهم، وإذا كان أسلوبه مع أبيه وزوجته بتلك الحدة والشراسة فما بالك بالأسلوب الذي كان يعامل به غيرهما..
وفد بني عبد بن عدي:
عن ابن عباس، وغيره قال: قدم وفد بني عبد بن عدي، فيهم الحارث بن وهبان، وعويمر بن الأخرم، وحبيب وربيعة ابنا ملة، ومعهم رهط من قومهم، فقالوا: يا محمد، نحن أهل الحرم وساكنيه، وأعز من به، ونحن لا نريد قتالك، ولو قاتلك غير قريش قاتلنا معك، ولكنا لا نقاتل قريشاً، وإنَّا لنحبك ومن أنت منه، وقد أتيناك، فإن أصبت منا أحداً خطأً فعليك ديته، وان أصبنا أحداً من أصحابك فعلينا ديته، إلا رجلاً منا قد هرب، فإن أصبته أو أصابه أحد من أصحابك فليس علينا ولا عليك.
فقال عويمر بن الأخرم: دعو ني آخذ عليه.
قالوا: لا، محمد لا يغدِر، ولا يريد أن يُغْدَر به.
فقال حبيب وربيعة: يا رسول الله، إن أسيد بن أبي أناس (إياس) هو الذي هرب، وتبرأنا إليك منه، وقد نال منك.
فأباح رسول الله "صلى الله عليه وآله" دمه.
تاريخ هذا الوفد:
لقد كان هذا الوفد قبل الفتح، إذ قد صرَّحت الرواية: بأنه لما بلغ أسيداً أقوال الوفد أتى الطائف فأقام بها، وبقي فيها إلى أن تم فتح مكة لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأخبره سارية بما جرى..
نحن أهل الحرم:
ثم إن من غرائب الأحوال أن يفتخر هؤلاء الناس على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأنهم أهل الحرم، وأعز من فيه، مع معرفتهم التامة بالنبي "صلى الله عليه وآله"، وبحسبه ونسبه، وحتى بصفاته الشخصية، وبسيرته الذاتية، كما دلت عليه كلماتهم، فقد قالوا لعويمر: "محمد لا يَغْدِر، ولا يريد أن يُغْدَرَ به"، فاكتفوا بمعرفتهم هذه عن أخذ العهود والمواثيق عليه.
وكيف لا يعرفونه، وهم يدّعون أنهم أهل الحرم، وأعز ساكنيه، والنبي "صلى الله عليه وآله" وسائر آبائه هم سادات هذا الحرم الذين لا يجهلهم أحد..
فكيف استجازوا لأنفسهم أن يقولوا لسادة الحرم، وحفظته ولنبي هو أعظم وأقدس رجل على وجه الأرض، وأعز من في الحرم: إنهم أهل الحرم، وأعز من فيه؟!
وفود مزينة:
عن النعمان بن مقرن قال: قدمت على رسول الله "صلى الله عليه وآله" في أربعمائة من مزينة وجهينة، فأمرنا بأمره، فقال القوم: يا رسول الله، ما لنا من طعام نتزوده.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله" لعمر: "زود القوم".
فقال: يا رسول الله، ما عندي إلا فضلة من تمر، وما أراها تغني عنهم شيئاً.
قال: "انطلق فزودهم".
فانطلق بنا إلى عُلِّيَّة، فإذا تمر مثل البكر الأورق.
فقال: خذوا.
فأخذ القوم حاجتهم. قال: وكنت في آخر القوم، فالتفت وما أفقد موضع تمرة، وقد احتمل منه أربعمائة وكأنا لم نرزأه تمرة ([270]).
وروى ابن سعد([271]) عن كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده قال: كان أول من وفد على رسول الله "صلى الله عليه وآله" من مضر أربعمائة من مزينة، وذلك في رجب سنة خمس، فجعل لهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" الهجرة في دارهم وقال: "أنتم مهاجرون حيث كنتم، فارجعوا إلى أموالكم"، فرجعوا إلى بلادهم.
وعن أبي مسكين، وأبي عبد الرحمن العجلاني قالا: قدم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفر من مزينة، منهم خزاعي بن عبد نهم، فبايعه على قومه مزينة، وقدم معه عشرة منهم، فيهم بلال بن الحارث، والنعمان بن مقرن، وأبو أسماء، وأسامة، وعبد الله بن بردة، وعبد الله بن درة، وبشر بن المحتفز، وكان منهم دكين بن سعيد، وعمرو بن عوف([272]).
قال: وقال هشام في حديثه: ثم إن خزاعياً خرج إلى قومه، فلم يجدهم كما ظن، فأقام، فدعا رسول الله "صلى الله عليه وآله" حسان بن ثابت، فقال: "اذكر خزاعياً ولا تهجه".
فقال حسان بن ثابت:
ألا أبـلـغ خـزاعـيـــاً رســـولاً بـأن الـذم يـغـسـلــه الــوفــــاء
وأنـك خـير عـثـمان بن عـمـرو وأسـنـاهــا إذا ذكـــر الـسـنــاء
وبـايـعـت الرسول وكان خـيراً إلى خـــــير وأداك الـــثــــــراء
فـما يـعـجـزك أو مـا لا تـطـقـه من الأشـيــاء لا تـعـجـز عــداء
قال: وعِدَاء بطنه الذي هو منه.
قال: فقام خزاعي، فقال: يا قوم، قد خصكم شاعر الرجل، فأنشدكم الله.
قالوا: فإنَّا لا ننبوا عليك.
قال: وأسلموا ووفدوا على النبي "صلى الله عليه وآله"، فدفع رسول الله "صلى الله عليه وآله" لواء مزينة يوم الفتح إلى خزاعي، وكانوا يومئذٍ ألف رجل. وهو أخو المغفل أبي عبد الله بن المغفل، وأخو عبد الله ذي البجادين([273]).
ونقول:
قد تحدثنا عن وفادة بلال بن الحارث في أربعة عشر رجلاً من مزينة على رسول الله "صلى الله عليه وآله" في سنة خمس، في نفس كتابنا هذا في الباب الخامس، في الفصل السادس بعنوان: "متفرقات الأحداث"..
ولذلك فنحن نشير هنا إلى ما لم نشر إليه هناك، فنقول:
1 ـ إن الناس كما أشرنا إليه أكثر من مرة كانوا يرون: أن النبي "صلى الله عليه وآله" مسؤول عن شفاء مرضاهم، وعن حل مشاكلهم، وحتى عن تزويدهم بالطعام.
والنبي "صلى الله عليه وآله" لم يحاول أن يعفي نفسه من هذه المسؤولية، رغم أنه لم يكن يملك ما يزودهم به فعلاً، فما كان منه إلا أن بادر إلى التصرف الغيبي، دون أن يستفيد ـ بحسب ظاهر الأمر ـ من الدعاء والابتهال، بل هو قد فعل ذلك على سبيل المبادرة بالأمر الحاسم والجازم.
2 ـ إن خزاعي بن عبد نهم كان قادراً على إقناع قومه بالإسلام، ولكنه تقاعس عن ذلك لا لعناد، ولا استخفاف، وإنما لظنه أن رفضهم الذي واجهوه به في المرة الأولى يكفي عذراً له، ويجعله في حل من الوفاء بما التزم به..
فأراد "صلى الله عليه وآله" إثارة الحافز لديه، وإفهامه أن ينتظر وفاءه، فأشار إلى حسان ليذكره في شعره، دون أن يهجوه، لأنه لا يستحق الهجاء من جهة، ولأن المطلوب من جهة أخرى هو التحريك والإثارة، لمعاودة المحاولة..
3 ـ ولسنا نشك في أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان عارفاً بمدى تأثير خزاعي في قومه، وما له من المكانة فيهم، وأنه سيكون قادراً على الوفاء بما أخذه على نفسه، وهكذا كان..
4 ـ وأما أنه "صلى الله عليه وآله" قد جعل لمزينة الهجرة في دارهم فقد تحدثنا عن موضوع الهجرة في جزء سابق من هذا الكتاب، فراجع ما ذكرناه حين الكلام عن هجرة العباس..
مع ملاحظة: أن مزينة كانت إحدى قبائل النفاق التي كانت حول المدينة، حيث يقال: إنها مقصودة في قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ}([274]).
وفد أشجع:
قدمت أشجع على رسول الله "صلى الله عليه وآله" عام الخندق، وهم مائة، ورأسهم مسعود بن رخيلة، فنزلوا شعب سلع.
فخرج إليهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأمر لهم بأحمال التمر.
فقالوا: "يا محمد، لا نعلم أحداً من قومنا أقرب داراً منك منَّا، ولا أقل عدداً، وقد ضقنا بحربك وبحرب قومك، فجئنا نوادعك". فوادعهم.
ويقال: بل قدمت أشجع بعد ما فرغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" من بني قريظة، وهم سبعمائة، فوادعهم، ثم أسلموا بعد ذلك ([275]).
دلالة في موادعة أشجع:
إن وفد أشجع إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" له اهمية، ودلالات ذات قيمة، فقد جاء هذا الوفد بعد انتصارٍ ثمينٍ جداً، حققه النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمون على يد علي أمير المؤمنين "عليه السلام" في كل من الخندق وقريظة على قوى كبيرة وأساسية جداً، وذات فعالية في المنطقة، وهي قريش في مكة، وقريظة في المدينة، وذلك بعد حربي بدر وأُحد، وهما من أهم وأخطر الحروب بالنسبة للمسلمين..
ومن الطبيعي: أن يكون لدى المسلمين حساسية بالغة في هذا الظرف بالذات، فوجود المشركين في المحيط الذي يعيش فيه المسلمون يشكل مصدر تهديد بالغ الخطورة لأمن المسلمين وحتى لمستقبلهم ووجودهم، إذا استطاع اليهود في خيبر، أو المشركون بزعامة قريش أن يستفيدوا من تلك القبائل المنتشرة حول المدينة، وفي سائر المناطق في الجهد الحربي بمختلف أنواعه ومستوياته.
وهذه القبيلة، وإن كانت قد تذرعت بضعفها وبقرب مساكنها لتبرير طلب الموادعة، ولكن ذلك لا يمنع من أن تمارس دوراً خطيراً ـ ولو تجسسياً ـ في ظل هذه الموادعة بالذات، التي تؤمن لها غطاءً كافياً لصرف الأنظار عن وجهة نشاطها وطبيعتها.
من أجل ذلك نقول:
إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد عامل هؤلاء الناس بأخلاق النبوة، حيث ابقاهم بالقرب منه، ولم يتخذ أي إجراء ضدهم، يقوم على اساس استغلال ضعفهم، وخوفهم، لأنه "صلى الله عليه وآله" يريد ان يعطيهم فرصة ليعيشوا التأمل في حركة الأحداث، وفي الرعاية الإلهية لمسيرة أهل الإيمان، مع إبقاء الوضع القائم مع هذه القبيلة تحت السيطرة، في الوقت الذي يكون قد حسم أمر عدم مشاركتها العلنية في أي نشاط عسكري ضد المسلمين. خصوصاً وأن هذه الموادعة تفتح الطريق، وتعطيه الحق بإنزال ضربات حاسمة بحقها، لو أرادت ذلك لأنها تكون قد نقضت عهداً، ومارست خيانةً لعهد هي التي طلبته، وصنعته بملء اختيارها، ومن دون أي إكراه، أو إلجاء.
وفود بني عامر بن صعصعة:
عن ابن عباس، وسلمة بن الأكوع، وابن إسحاق قالوا: قَدِم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" وفد بني عامر، فيهم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وجبار بن سلمى (قاتل عامر بن فهيرة ببئر معونة)، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم، [وكان في نية عامر بن الطفيل عدو الله الإعتداء على رسول الله "صلى الله عليه وآله" و الغدر بالنبي "صلى الله عليه وآله"].
وقد قال لعامر بن الطفيل قومه: يا عامر، إن الناس قد أسلموا فأسلم.
قال: والله، لقد كنت آليت ألا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، أفأتبع عقب هذا الفتى من قريش؟ ثم قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل فسأشغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعلُهُ بالسيف([276]).
وفي حديث ابن عباس: فإن الناس إذا قتلت محمداً لم تزد على أن تلتزم بالدية، وتكره الحرب، فسنعطيهم الدية.
قال أربد: افعل.
وانتهى إليه عامر وأربد، فجلسا بين يديه.
قال ابن إسحاق: قال عامر بن الطفيل: يا محمد، خالني([277]).
قال: "لا والله، حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له".
قال: يا محمد خالني، وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به. ولكن أربد لا يحير شيئاً.
وفي حديث ابن عباس: إن يد أربد يبست على السيف فلم يستطع سله.
قال ابن إسحاق: فلما رأى عامر أربد ما يصنع شيئاً قال: يا محمد خالني.
قال: "لا والله، حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له".
وفي حديث ابن عباس: فقال عامر: ما تجعل لي يا محمد إن أسلمت؟
فقال رسول الله "عليه السلام": "لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم".
قال عامر: أتجعل لي الأمر بعدك إن أسلمت؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "ليس ذلك لك ولا لقومك، ولكن لك أعنة الخيل".
قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد، أتجعل لي الوبر ولك المدر؟
قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "لا".
فلما قاما عنه قال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "يمنعك الله عز وجل"([278]).
وفي حديث موله بن [كثيف] بن حمل: والله يا محمد، لأملأنها عليك خيلاً جُرداً ورجالاً مُرداً، ولأربطن بكل نخلة فرساً.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "اللهم اكفني عامراً".
زاد قوله: "واهد قومه"([279]).
وفي رواية أخرى: أنه خيّر النبي "صلى الله عليه وآله" بين ثلاث أن يكون للنبي أهل السهل، ولعامر أهل المدر، او أن يكون له الأمر من بعده، أو يغزوه بألف أشقر وألف شقراء، فطعن في بيت امرأة من بنى سلول، فقال أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بنى فلان الخ..([280]).
قال ابن إسحاق: فلما خرجوا من عند رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال عامر لأربد: ويلك يا أربد، أين ما كنت أمرتك به؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك، وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبداً.
قال: لا أبا لك لا تعجل علي، والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف؟([281]).
وفي رواية غير ابن إسحاق: إلا رأيت بيني وبينه سوراً من حديد.
وفي رواية: لما أردت أن أسل سيفي نظرت فإذا فحل من الإبل، فاغر فاه بين يدي يهوي إلي، فوالله لو سللته لخفت أن يبتلع رأسي.
وجمع: بأن تكرر الهمِّ صاحبه واحد من هذه الأمور([282]).
وفي حديث ابن عباس: فلما خرج أربد وعامر من عند رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى إذا كان بحرّة واقم نزلا، فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير، فقالا: إشخَصا يا عدوا الله عز وجل، لعنكما الله.
فقال عامر: من هذا يا أربد؟
قال: هذا أسيد بن الحضير، فخرجا([283]).
وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: مكث رسول الله "صلى الله عليه وآله" يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحاً: "اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت، وابعث عليه داء يقتله". حتى إذا كان بالرقم بعث الله تعالى على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه، فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول. فجعل يمس قرحته في حلقه ويقول: يا بني عامر أغُدَّة كغُدَّة البكر في بيت امرأة من بني سلول؟([284]).
زاد ابن عباس: يرغب عن أن يموت في بيتها.
ثم ركب فرسه فأحضرها، وأخذ رمحه وأقبل يجول، فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن فرسه ميتاً([285]).
قال ابن إسحاق: ثم خرج أصحابه حين واروه حتى قدموا أرض بني عامر شانِّين. فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا: ما وراءك يا أربد؟
قال: لا شيء، والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله. فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه، فأرسل الله عز وجل عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما.
وفي حديث ابن عباس: حتى إذا كان بالرقم أرسل الله تعالى عليه صاعقة فقتلته.
قال ابن عباس وابن إسحاق: وأنزل الله عز وجل في عامر وأربد: {اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} إلى قوله: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}([286])"([287]).
ونقول:
إن لنا هنا وقفات نوردها فيما يلي:
خوف ابن الطفيل من أربد:
إن عامر بن الطفيل يصرح بأنه كان يخاف من أربد خوفاً عظيماً، مع أنه صاحبه، والمتآمر معه على رسول الله "صلى الله عليه وآله".. وصدق الله حيث يقول: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}([288]). وإذا كان عامر يخاف من أربد، فهل لا يخاف من علي بن أبي طالب "عليه السلام" قالع باب خيبر، إلا أن يقصد أنه يخاف من مكر أربد به. وإن كان ذلك خلاف ظاهر كلامه، حيث إنه إنما يتكلم عن شجاعة أربد لا عن مكره وغدره.
تاريخ هذه القضية:
قال في البداية: الظاهر: أن قصة عامر بن الطفيل متقدمة على الفتح، وإن كان ابن إسحاق والبيهقي قد ذكراها بعد الفتح([289]). وقد قدمنا طائفة من نصوصها المختلفة، وبعض ما يرتبط بها في غزوة بئر معونة، فراجع..
بل إن ذكر سعد بن معاذ فيها يدل على أن قدوم ابن الطفيل كان قبل سنة خمس، لأن سعداً استشهد في غزوة بني قريظة، وذلك ظاهر..
هل النبي ' فتى؟!:
قد يقال: إن عامر بن الطفيل وصف النبي "صلى الله عليه وآله" لأربد بن قيس بأنه فتى، مع أن عُمُرَ النبي "صلى الله عليه وآله" حينئذٍ كان أكثر من ستين سنة، والفتى في اللغة هو الشاب الحدث([290]).
ويمكن أن يجاب: أن كلمة "غلام" تطلق على الكهل، وعلى الشاب فهي من الأضداد([291]).
فكذلك كلمة "فتى"، فإنها وإن كان معناها الشاب الحدث، لكنها قد تستعار فتطلق على العبد حتى لو كان شيخاً([292]).
طموحات عامر بن الطفيل:
إننا نقرأ فيما تقدم: أن عامر بن الطفيل آلى على نفسه أن لا ينتهي حتى تتبع العرب عقبه، أفيتبع عقب هذا الفتى من قريش؟!
ونقول:
أولاً: لا ندري بماذا يريد عامر بن الطفيل أن يحمل العرب على أن يطأوا عقبه، ويكون هو الزعيم الأوحد لهم. هل يريد أن ينال هذا المقام بعلمه، ومن أين له العلم النافع وهو رجل أعرابي، وقد وصف الله الأعراب بقوله: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}([293]).
أم باستقامته على جادة الحق، وبإيمانه وتقواه، والقرآن يقول: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً}.
أم بماله الكثير، الذي ينفقه على الناس. وهو أعرابي أيضاً لم يؤثر عنه جود أو كرم، ولم نقرأ اسمه في أسخياء العرب، كحاتم الطائي، وزيد الخيل، وقيس ابن سعد وغيرهم.. وهو أيضاً أعرابي ويقول الله تعالى عن الأعراب: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([294])"([295]). فالأعراب يرون أن الإنفاق في الجهاد للدفاع عن أرواح الناس، وعن أعراضهم وأموالهم، وعن حرياتهم وكراماتهم، أو في سبيل الخير (يرون هذا الإنفاق) مغرماً وخسارة. وبلا فائدة ولا عائدة، فهل ينفقون أموالهم على الفقراء والمحتاجين؟! أم بجاهه العريض، وشهرته الواسعة، وهو لم يكن أشهر من غيره من زعماء العرب ورجالاتهم؟!
أم بسعيه إلى إثبات إخلاصه وحبه للناس، ونيل ثقتهم به، وهو أعرابي، والله تعالى يقول عن الأعراب: إن منهم مَنْ {يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([296]).
أم بقوته، وبشجاعته.. وكأنه لم يسمع بما صنعه أمير المؤمنين "عليه السلام" بمشركي العرب، في بدر وأحد، وحنين وذات السلاسل، وسوى ذلك، وباليهود من بني النضير، وقينقاع، وقريظة، وخيبر..
وهل من المعقول: أنه لم يبلغه اقتلاع علي "عليه السلام" لباب خيبر.. وغير ذلك مما لا يجهله أحد؟!
وماذا يصنع ابن الطفيل بفرسان العرب، وصناديدها، وفيهم الكثير من الرجال الأشداء، الذين يواجهون الأهوال، ويركبون المخاطر؟!
أم بميزاته وخصائصه الإنسانية وهو الذي يمارس الغدر حتى في نفس هذا المقام، فيتآمر مع أربد بن قيس على قتل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، في حين أنه يواجه خُلق النبوة العظيم، والنبي الكريم، والكرم الهاشمي، والعلم الإلهي، وكل الخصال الحميدة، والمزايا الفريدة في شخص من يريد الغدر به وقتله، وهو رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ثانياً: إن عامر بن الطفيل يصرح للناس بما يدل على شدة أنانيته، وغروره وعنجهيته، واحتقاره للناس، وأنه لا ينطلق في مواقفه من أخلاق ومبادئ وقيم، فإنه يتجاهر بقوله: إنه يريد أن يجعل الناس يطأون عقبه، ويكونون في خدمته، وتحت زعامته.
وفي مقابل ذلك نلاحظ: أن الرسول "صلى الله عليه وآله" رغم كل تضحياته في سبيل الأمة يقول لهم: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}([297]).
ورغم شدة العرب عليه "صلى الله عليه وآله" كان يذوب رقة وحناناً، وأسفاً عليهم، حتى إن الله سبحانه يقول له: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}([298]).
ويقول: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}([299]).
ومعنى باخع نفسك: قاتل نفسك.
توقعات ابن الطفيل للمستقبل:
وقد توقع عامر بن الطفيل أن يقتل النبي "صلى الله عليه وآله"، ثم يرضى الناس بديته، لأنهم يكرهون الحرب. ولم يحسب أي حساب لغضب أهل الإيمان، ونخوتهم، وشدة محبتهم لنبيهم، ولا سيما علي "عليه السلام" قالع باب خيبر، وفاتح حصونها، وقاتل عمرو بن عبد ود، وهازم الأحزاب، ومذل المشركين في بدر وأحد، وحنين وسواها. فهل سيتركه علي "عليه السلام"، وهو الذي فدى النبي "صلى الله عليه وآله" بنفسه ليلة الهجرة، ويدعه يرجع الى بلده سالماً غانماً؟
وهل سيترك الأنصار وسائر أهل المدينة نبيهم يقتل، ثم يرضون بديته.. وهم يرتبطون به برباط الإيمان، ويرون أنفسهم ملزمين بالإنتقام من قتلة الأنبياء، والأوصياء..
وإذا استطاع أن يقتل النبي "صلى الله عليه وآله"، فهل سيرضى العرب المسلمون بابن الطفيل رئيساً لهم، وهل؟ وهل؟ الخ..
النبي ' يرفض خلة ابن الطفيل:
وقد طلب عامر بن الطفيل من النبي "صلى الله عليه وآله" بأن يتخذه خليلاً، وقد رفض النبي "صلى الله عليه وآله" طلبه هذا، إلا أن يسلم، فإن آمن بالله وحده لا شريك، فإنه سيفعل ذلك، فأصرَّ عامر على النبي "صلى الله عليه وآله" بذلك، فأصر "صلى الله عليه وآله" على الرفض إلا إذا أسلم عامر.
فلو أن عامراً أسلم لفاز بخُلَّة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، كما فاز بها سعد بن معاذ([300]) من قبل.. وزعموا ذلك لعثمان بن عفان أيضاً([301]).
وهذا يضع علامة استفهام كبيرة حول حديث: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً([302])، من حيث إنه يوجب اتهام أبي بكر بالكفر ـ والعياذ بالله ـ إذ لو كان مسلماً لكان النبي "صلى الله عليه وآله" قبل خلته..
وببيان أكثر تفصيلاً نقول:
إن حديث عامر يدل على أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لا يتخذ المشرك خليلاً، ولا يلزم من هذا أن يكون كل من لم يتخذه النبي "صلى الله عليه وآله" خليلاً مشركاً، فقد لا يقبل "صلى الله عليه وآله" خلّة مسلم لمانع آخر فيه..
لكن هؤلاء يقولون: إن أبا بكر خير من عامر في سائر صفاته ما عدا الإيمان، فينبغي أن لا يكون فيه مانع آخر عن قبول خلته غير الشرك، ومع ذلك فإن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يتخذه خليلاً.
وهذا يعني أن النبي "صلى الله عليه وآله" يكون أمام خيارين:
الأول: أن لا يتخذ خليلاً أصلاً، كما قال في حديث أبي بكر، فيرد سؤال: لماذا إذن قال "صلى الله عليه وآله" لعامر: إنه يتخذه خليلاً إذا آمن بالله وحده؟!
الثاني: أن يتخذ خليلاً إذا انتفت الموانع، وأبرزها الشرك، فير سؤال أيضاً وهو: لماذا قال "صلى الله عليه وآله": لو كنت متخذاً الخ.. فقرر أنه لم يتخذ أبا بكر ولا غيره خليلاً مع أن أبا بكر خير من عامر عند هؤلاء؟!
وخلاصة الأمر إننا نقول:
إن حديث "لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر" مكذوب كما قدمناه في أوائل هذا الكتاب، فراجع حديث المؤاخاة في فصل: "أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة".
ولعلهم أرادوا به تكذيب حديث خلة النبي "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام"، وتعويض أبي بكر عما لحقه بسبب ذلك. فوضعوا حديث: لو كنت متخذاً خليلاً الخ..
وعن حديث خلة علي "عليه السلام" نقول:
1 ـ أخرج عبد الكريم بن أحمد الرافعي القزويني عن أبي ذر: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال: لكل نبي خليل، وإن خليلي وأخي علي([303]).
2 ـ روى ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن الإمام الباقر، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب "عليهم السلام"؛ قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": علي بن أبي طالب خليفة الله وخليفتي، وخليل الله وخليلي، وحجة الله وحجتي الخ..([304]).
يذكر ابن حضير دون ابن معاذ:
والذي يثير الإنتباه أيضاً: أن الرواية التي ذكرت لحوق سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير لعامر بن الطفيل وأربد من قيس، حيث طردوه ولعنوه.. تقول: أن عامراً سأل عن الرجلين، فأجابه أربد بقوله: هذا أسيد بن الحضير، ولم يذكر سعد بن معاذ..
وذلك يشير إلى أن ثمة رغبة في إعزاز أسيد بن حضير لإيفائه بعض حقه، لأنه ساعد أبا بكر في سعيه للخلافة، وكان إلى جانبه في سقيفة بني ساعدة، ولديه قرابة.. حتى لو كان هذا الإعزاز على حساب شهيد اهتز العرش لموته ألا وهو سعد بن معاذ رحمة الله تعالى..
الأمر ليس لك ولا لقومك:
وقد أجاب النبي "صلى الله عليه وآله" عامر بن الطفيل حين طلب منه أن يجعل له الأمر من بعده: "ليس ذلك لك ولا لقومك".
فلو كان أمر الخلافة بيد البشر، فلماذا يطلبه عامر من رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
وقد يقال: لعل عامراً قد توهم أن الأمر في الإسلام يشبه ما عرفه من أمر الجاهلية، حيث كانت السلطة تنتقل من السابق إلى اللاحق باختيار السابق له، وجعل الأمر إليه.. ولم يعلم أن الإسلام قد أرجع الأمر إلى الناس وجعله شورى بينهم.
ويجاب: بأنه لو صح لكان يجب على النبي "صلى الله عليه وآله" أن يرجعه إلى الصواب، ويعلمه ما جهله، ويقول له: "إن الأمر ليس لي، فإن رضوا بك واختاروك، فلا مانع لدي"..
ولكنه "صلى الله عليه وآله" قد آيسه منها وأعلن أنه لا حق له ولا لقومه، ولو أنه "صلى الله عليه وآله" اكتفي بالإخبار عن عامر ولم يذكر قومه لأمكن أن يقال: لعله لمعرفته بأنه سوف يموت على الكفر، ولن يصل إلى شيء..
ولكنه حين أضاف إليه قومه، فإن التصريح بحرمانهم كعامر من هذا الأمر يدل على أن الأمر لم يكن بيد رسول الله "صلى الله عليه وآله" أيضاً فضلاً عن أن يكون بيد الناس، وأن الأمر لله تعالى يضعه حيث يشاء، كما قال "صلى الله عليه وآله" لبني عامر بن صعصعة حين عرض عليهم دعوته في مكة، وشرطوا عليه أن يكون لهم من بعده.
غضب ابن الطفيل وتهديده:
ولا يفاجئنا توعد عامر بن الطفيل للنبي "صلى الله عليه وآله" بأن يملأها عليه خيلاً ورجالاً. فإن هذا الرجل المحب للدنيا والمغرور بنفسه، والذي بلغ غروره حداً جعله يطلب من رسول الله "صلى الله عليه وآله" ثمناً لإسلامه، وهو: أن يجعله خليفته من بعده، وأن يكون للنبي "صلى الله عليه وآله" المدر وله الوبر.
ومع أنه يرى بأم عينيه كيف أنه "صلى الله عليه وآله" هزم قريشاً، ومشركي العرب، وهزم اليهود أيضاً، وواجه قيصر الروم، ودخلت البلاد والعباد في دينه.
نعم، إنه مع ذلك يتهدد النبي "صلى الله عليه وآله" بأنه سوف يملأ الأرض عليه خيلاً ورجالاً، والذي قاده إلى ذلك كله هو غروره وحمقه ولا شيء أكثر من ذلك. ولكن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يجبه على تهديده باستعراض قوته، ولا بتعداد انتصاراته، بل أوكل الأمر إلى الله سبحانه، لكي يفهمه: أن الله أيضاً معه، ومن ينصره الله فلا غالب له.
الموت الذليل:
وقد جاء الرد الإلهي ليقول لابن الطفيل، وكل من يجاريه في تفكيره وفي تصوراته ليقول لهم: إن هذا الغرور الذي أوصل عامراً إلى موقع البغي والطغيان سوف يثمر لأهله مهانة وذلاً، يكابد آلامه، ويواجهه خزيه في لحظات يرى نفسه عاجزاً عن المواجهة. فإن الخيل والرجال، وامتلاك أعنة خيل أهل نجد لا تدفع عنه الغدة التي ظهرت في عنقه، ولا تجديه في دفع الموت الذليل عنه، حيث مات في بيت سلولية.
وقد عبر هو نفسه عن مرارته البالغة من هذا الواقع الذي أوصله إليه غروره وطغيانه وجحوده.
"فجعل يمس قرحته في حلقه، ويقول: يا بني عامر، أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني سلول"؟!.
الجحود رغم ظهور الآيات:
وقد تقدم: أن أربد بن قيس لم يستطع أن يسل سيفه لقتل رسول الله "صلى الله عليه وآله". وحين عاتبه عامر بن الطفيل على عدم تنفيذ ما اتفقا عليه أخبره بالأمر.. ولكن ذلك لم ينفع في بخوع عامر أو أربد للحق، وقبولهما الإيمان.. بل بقي عامر يفاوض ويصر على رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليحصل على عوضٍٍ عن إيمانه.. وكأنه يحسب أن إيمانه يمثل خسارة شيء عظيم، يوازي خلافة النبوة، أو على الأقل الأمارة على جميع الوبر.
أما أربد بن قيس، فلم يكن موقفه أفضل من موقف عامر، فهو ليس فقط قد وافق عامراً على موقفه، وإنما زاد عليه: أنه أخبر قومه أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" دعاه لعبادة من يتمنى لو أنه عنده حتى يرميه بنبله حتى يقتله. وهذا غاية في الجرأة على مقام العزة الإلهية، فاستحق أن يرميه الله تعالى بالصواعق، وله في الآخرة عذاب أليم.
الفصل الثاني:
وفادات قبل سنة تسع
وفود بني ثعلبة:
عن رجل من بني ثعلبة [عن أبيه] قال: لما قدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" من الجعرانة سنة ثمان قدمنا عليه أربعة نفر، وافدين مقرين بالإسلام. فنزلنا دار رملة بنت الحارث([305])، فجاءنا بلال، فنظر إلينا فقال: أمعكم غيركم؟
قلنا: لا.
فانصرف عنا، فلم يلبث إلا يسيراً حتى أتانا بجفنة من ثريد بلبن وسمن، فأكلنا حتى نهلنا. ثم رحنا الظهر، فإذا رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد خرج من بيته ورأسه يقطر ماء، فرمى ببصره إلينا، فأسرعنا إليه، وبلال يقيم الصلاة.
فسلمنا عليه وقلنا: يا رسول الله، نحن رسل من خلفنا من قومنا، ونحن [وهم] مقرون بالإسلام، وهم في مواشيهم وما يصلحها إلا هم، وقد قيل لنا يا رسول الله: "لا إسلام لمن لا هجرة له"
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "حيثما كنتم واتقيتم الله فلا يضركم".
وفرغ بلال من الأذان، وصلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بنا الظهر، لم نصل وراء أحد قط أتم صلاة ولا أوجه منه، ثم انصرف إلى بيته، فدخل، فلم يلبث أن خرج إلينا فقيل لنا: صلى في بيته ركعتين.
فدعا بنا، فقال: "أين أهلكم"؟
فقلنا: قريباً يا رسول الله، هم بهذه السرية.
فقال: "كيف بلادكم"؟
فقلنا: مخصبون.
فقال: "الحمد لله".
فأقمنا أياماً، وتعلمنا القرآن والسنن، وضيافته "صلى الله عليه وآله" تجري علينا، ثم جئنا نودعه منصرفين، فقال لبلال: "أجزهم كما تجيز الوفود".
فجاء بنقر من فضة، فأعطى كل رجل منا خمس أواق وقال: ليس عندنا دراهم، فانصرفنا إلى بلادنا([306]).
ونقول:
لا إسلام لمن لا هجرة له:
إن هذه الرواية قد تضمنت قولهم: إنه بلغهم أنه لا إسلام لمن لا هجرة له، وقد لاحظنا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يقل لهم: إنه لا هجرة بعد الفتح، بل قرر: أن عدم هجرتهم لا تضرهم إن اتقوا الله..
ومعنى هذا أنه "صلى الله عليه وآله" قد قرر: أن الهجرة باقية بعد الفتح كما كانت قبله.
وقد تحدثنا عن هذا الموضوع حين الكلام عن هجرة العباس، وذلك حين سار النبي "صلى الله عليه وآله" لفتح مكة فراجع.
وفود باهلة:
قالوا: قدم مطرف بن الكاهن الباهلي على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعد الفتح وافداً لقومه. فقال: يا رسول الله، أسلمنا للإسلام، وشهدنا دين الله في سماواته، وأنه لا إله غيره، وصدقناك وآمنا بكل ما قلت، فاكتب لنا كتابا.
فكتب له: "من محمد رسول الله لمطرف بن الكاهن، ولمن سكن بيشة من باهلة. إن من أحيا أرضاً مواتاً فيها مراح الأنعام فهي له، وعليه في كل ثلاثين من البقر فارض، وفي كل أربعين من الغنم عتود، وفي كل خمسين من الإبل مسنة، [وليس للمصدق أن يصدقها إلا في مراعيها، وهم آمنون بأمان الله] ([307]) الحديث..
وفيه: فانصرف مطرف وهو يقول:
حلـفـت برب الراقصـات عشـية على كـل حرف من سديس وبازل
قال ابن سعد: ثم قدم نهشل بن مالك الوائلي من باهلة على رسول الله "صلى الله عليه وآله" وافداً لقومه فأسلم، وكتب له رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولمن أسلم من قومه كتاباً فيه شرائع الإسلام. وكتبه عثمان بن عفان([308]).
ونقول:
بيشة: قرية باليمن على خمس مراحل من مكة.
فظهر أن لبني باهلة وفدين:
أحدهما: وفد باهلة، وهم من قيس عيلان.. ومنهم: نهشل بن مالك([309]).
والآخر: وفد بني قراص أو قراض وهم بنو شيبان، وقد دخلوا في بني باهلة، وكان على بني شيبان مطرف بن الكاهن([310]).
وفود ثمالة والحدَّان:
قالوا: قدم عبد الله بن علس الثُّمالي، ومسلمة بن هاران الحدَّاني على رسول الله "صلى الله عليه وآله" في رهط من قومهما بعد فتح مكة، فأسلموا وبايعوا رسول الله "صلى الله عليه وآله" على قومهم. وكتب لهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" كتاباً بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم، كتبه ثابت بن قيس بن شماس، وشهد فيه سعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة([311]).
ونقول:
1 ـ بنو حدَّان بطن من أزد شنوءة يسكنون عُمان.
وهناك بنو حدَّان أيضاً بطن من همدان من القحطانية، وقد وفد هؤلاء أيضاً على رسول الله "صلى الله عليه وآله" سنة تسع مرجعه من تبوك، وعليهم مقطعات الحبرات، والعمائم المدنية، على الرواحل المهرية، والأرحبية ومالك بن نمط يرتجز ويقول:
همـدان خــير ســوقــة وإقبـال لـيـس لهــا في الـعـالمـين أمـثــال
2 ـ ما ذكره النص المتقدم من أن الوفد أسلموا، وبايعوا رسول الله "صلى الله عليه وآله" على قومهم يحتمل أحد أمور، هي:
ألف: أن تكون قبيلتهم هي قد قررت الدخول في الإسلام، فأرسلتهم إلى النبي "صلى الله عليه وآله" لإنجاز هذا الأمر بالصورة التي رأوا أنها مفيدة وسديدة..
ب: أن يكون لأعضاء هذا الوفد من النفوذ والتأثير على من وراءهم، بحيث يطمئنون إلى أنهم يطيعونهم فيما يطلبونه منهم.
ج: أن يكونوا قد أخطأوا التقدير، وتخيلوا أنهم قادرون على أمر.. ثم جاءت الأحداث لتوافق ما تخيلوه، لأسباب لعلها لم تخطر لهم على بال.
وفود بني قشير:
روى ابن سعد عن علي بن محمد القرشي، ورجل من بني عقيل، قالا: وفد على رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفر من بني قشير فيهم ثور بن عزرة بن عبد الله بن سلمة بن قشير، فأسلم، فأقطعه رسول الله "صلى الله عليه وآله" قطيعة وكتب له كتاباً.
ومنهم حيدة بن معاوية بن قشير، وذلك قبل حجة الوداع وبعد حنين.
ومنهم قرة بن هبيرة بن سلمة الخير بن قشير، فأسلم، فأعطاه رسول الله "صلى الله عليه وآله" وكساه برداً، وأمره أن يتصدق على قومه، أي يلي الصدقة، فقال قرة حين رجع:
حبـاهـا رسـول الله إذ نـزلـت بـه وأمـكـنـهـا من نائـل غـير منـفـد
فأضحت بروض الخضر وهي حثيثة وقـد أنـجـحت حاجاتها من محمد
عليـهـا فـتى لا يـردف الذم رحله تــروك لأمــر العـاجــز المـتردد([312])
وفود بني سُليم:
قالوا: وقدم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" رجل من بني سُليم، يقال له: قيس بن نسيبة، فسمع كلامه وسأله عن أشياء، فأجابه، ووعى ذلك كله، ودعاه رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى الإسلام، فأسلم ورجع إلى قومه بني سليم، فقال: قد سمعت برجمة الروم، وهينمة فارس، وأشعار العرب، وكهانة الكاهن، وكلام مقاول حمير، فما يشبه كلام محمد شيئاً من كلامهم، فأطيعوني وخذوا نصيبكم منه.
فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلقوه بقديد وهم سبعمائة.
ويقال: كانوا ألفاً وفيهم العباس بن مرداس، وأنس بن عباس (عياض) بن رعل، وراشد بن عبد ربه، فأسلموا وقالوا: اجعلنا في مقدمتك، واجعل لواءنا أحمر، وشعارنا مقدماً.
ففعل ذلك بهم، فشهدوا معه الفتح، والطائف، وحنيناً، وأعطى رسول الله "صلى الله عليه وآله" راشد بن عبد ربه رهاطاً، وفيها عين يقال لها: عين الرسول([313]).
وكان راشد يَسْدُن صنماً لبني سُليم، فرأى يوماً ثعلبين يبولان عليه، فقال:
أرب يـبـول الـثـعـلـبـان برأسه لقـد ذل من بالـت عليه الثعالب([314])
ثم شد عليه فكسره.
ثم أتى النبي "صلى الله عليه وآله" فقال له: "ما اسمك"؟
قال: غاوي بن عبد العزى.
قال: "أنت راشد بن عبد ربه".
فأسلم وحسن إسلامه، وشهد الفتح مع النبي "صلى الله عليه وآله".
وقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "خير قرى عربية خيبر، وخير بني سُليم راشد"([315]). وعقد له على قومه.
وروى ابن سعد عن رجل من بني سُليم من بني الشريد قالوا: وفد رجل منا يقال له: قدد بن عمار على النبي "صلى الله عليه وآله" بالمدينة، فأسلم وعاهده على أن يأتيه بألف من قومه على الخيل.
ثم أتى قومه فأخبرهم الخبر، فخرج معه تسعمائة، وخلَّف في الحي مائة، فأقبل بهم يريد النبي "صلى الله عليه وآله"، فنزل به الموت، فأوصى إلى ثلاثة رهط من قومه: إلى عباس بن مرداس وأمَّره على ثلاثمائة، وإلى جبار بن الحكم، وهو الفرار الشريدي وأمَّره على ثلاثمائة، وإلى الأخنس بن يزيد وأمَّره على ثلاثمائة، وقال: ائتوا هذا الرجل حتى تقضوا العهد الذي في عنقي، ثم مات.
فمضوا حتى قدموا على النبي "صلى الله عليه وآله"، فقال: "أين الرجل الحسن الوجه، الطويل اللسان، الصادق الإيمان"؟
قالوا: يا رسول الله، دعاه الله فأجابه، وأخبروه خبره.
فقال "صلى الله عليه وآله": "أين تكملة الألف الذي عاهدني عليهم"؟
قالوا: قد خلَّف مائة بالحي مخافة حرب كانت بيننا وبين كنانة.
قال: "ابعثوا إليها، فإنه لا يأتيكم في عامكم هذا شيء تكرهونه".
فبعثوا إليها، فأتته بالهدة، وهي مائة، عليها المقنع بن مالك بن أمية، فلما سمعوا وئيد الخيل قالوا: يا رسول الله، أتينا.
قال: "لا، بل لكم لا عليكم، هذه سُليم بن منصور قد جاءت".
فشهدوا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" الفتح وحنيناً([316]).
ونقول:
قد تضمنت النصوص المتقدمة أموراً يمكن أن تكون موضع نقاش من قبل الباحثين، ولكننا نؤثر الإضراب عنها، لأننا لا نجد جدوى كبيرة من صرف الوقت فيها.. وبعضها تقدمت الإشارة منا إليه، ومنه موضوع تغيير الأسماء..
ولذلك فإننا سوف نقتصر منها على ما يلي:
بول الثعلب على الصنم:
ولسنا بحاجة إلى التذكير بتكسير نفس سادن الصنم للصنم الذي كان في خدمته حين رأى الثعلب يبول عليه، ولم لا يدفع عن نفسه ولا يمنع، وذلك في صحوة وجدانية هيّأت لها الأجواء التي تعيشها المنطقة في ظل تنامي المد الإيماني، المعتمد على قوة المنطق، والمنسجم مع ما يحكم به العقل، وتقضي به الفطرة، وقد تعزَّز ذلك بالإنتصارات التي كان يحققها أهل الإيمان على من لجأوا إلى منطق العدوان، والتحدي، بعد أن ظهر عجزهم عن مقارعة الحجة بالحجة، فاختاروا أن يكونوا في موقع المحارب والمعادي للحق، وللصدق، وللقيم الإنسانية والأخلاقية، ومسلمات العقل الصحيح والسليم.
ولأجل ذلك استحق راشد الوسام النبوي الكريم، الذي أشار إلى أن راشداً خير بني سليم، ولكنهم قد أضافوا إلى النص كلمة لا معنى ولا مبرر لها، وهي قولهم: "خير قرى عربية خيبر" رغم أن خيبراً كانت بيد اليهود، الذين لم يكونوا من العرب.
بل يكفي أن نقول في رد ذلك:
إن أم القرى هي مكة، ولا شك في انها عربية، وانها خير قرية عربية، كما أن المدينة هي من القرى العربية، وهي خير من خيبر أيضاً..
على أننا لا نجد أية مناسبة بين الثناء على راشد، وبين الثناء على خيبر..
الرجل الطويل اللسان:
ويستوقفنا تعبير منسوب للنبي "صلى الله عليه وآله" أنه قال في الثناء على قدد بن عمّار: "الحسن الوجه، الطويل اللسان" فإن عبارة الطويل اللسان إنما تستعمل في مقام الذم، لإفادة أنه كثير الكلام، أو أنه يتطاول بكلامه على الآخرين. فما معنى أن تُجعل من مفردات المدح والثناء.؟!
الإقطاعات والعطايا:
تقدم: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أعطى رهاطاً لراشد بن عبد ربه.
ورُهاط ـ بضم الراء ـ: موضع على ثلاث ليال من مكة.
وقيل: وادي رهاط ببلاد هذيل.
وقال السمهودي: إنه موضع بأرض ينبع اتخذت به هذيل سواعاً([317]). وهو الصنم الذي ورد اسمه في القرآن.
والسؤال هنا هو: ما هو المبرر لإعطاء شخص واحد هذا العطاء الكبير، وتخصيصه بهذه المساحات الشاسعة، مع أنه كان من الممكن توزيع هذه المساحات على مجموعة من الأفراد الذين يعانون من الحاجة الملحة، وليكن منهم أصحاب الصفة المعروفون بالفقر، وكان "صلى الله عليه وآله" ينفق عليهم بحسب ما يتيسر له.
وإذا كانت هذه الأراضي قد أصبحت تحت اختيار السلطة، فذلك لا يبرر التصرف فيها، لتكريس يسيء إلى سمعة الدين، ويسقط منطق العدل والدين فيه. من خلال إعطاء تلك الأراضي لفئة صغيرة قد تكون في غنى عنها، بل يجب أن يستفيد منها أكبر عدد من الناس، وخصوصاً الفقراء منهم.
إجابة مرفوضة:
وقد حاول البعض أن يجيب: بأن من الجائز: أن تكون بعض هذه المناطق الممنوحة لم تكن منحاً جديداً، وإنما كان إعطاؤها لهم مجرد تأكيد لملكية سابقة، وهذا الإقطاع معناه: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أقرها في يد صاحبها، فقد كان النبي "صلى الله عليه وآله" يضمِّن كتب الأمان التي يصدرها للأفراد والجماعات ما يملكون من أراضي. وقد يرد في بعض الحالات اسم زعيم القبيلة أو الوفد وحده على رأس الوثيقة.
ولكن ليس معنى ذلك: أن كل ما يرد في الوثيقة يخص ذلك الزعيم شخصياً، بل إن سائر أفراد القبيلة تكون لهم عين الحقوق المعطاة في الوثيقة المعنية، وما الزعيم، الذي ورد اسمه إلا الممثل لمصالحهم([318]).
غير أننا نقول:
إن هذه الإجابة غير دقيقة، ولا تناسب كثيراً من النصوص الواردة في كتب الإقطاعات، وإذا كان أولئك الناس قد أسلموا طواعية، فإن الشرع يحكم بأن من أسلم على أرض فهي له. فأي داع للتصريح بمالكيتهم لأراضيهم؟!
على أن هذا لو صح لاقتضى أن تشمل الكتابة بذلك جميع الناس، وأن لا تختص ببعض الناس دون بعض.
الجواب الأمثل:
والإجابة الصحيحة على هذا السؤال تحتاج إلى الحديث في جهات عدة، ولو بصورة موجزة وذلك كما يلي:
الفقر الموت الأكبر:
إن الإسلام لا يريد أن يرى الفقر يعشعش في داخل المجتمع الإنساني، لأن الفقر ليس فضيلة، كما أن الغنى ليس عيباً، أو نقصاً، بل الإسلام يريد أن يرى المجتمع طموحاً وفاعلاً، وغنياً وقوياً.. ومتكافلاً ومتعاوناً على البِر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
فإن كان ثمة من فقير، فلابد أن يكون سبب فقره ظروفاً قاهرة، أو إتكالية وكسلاً مرفوضاً وممقوتاً، أو سوء تصرف، أو غير ذلك.
ولذلك جاءت تشريعات الإسلام حاسمة في معالجة مسألة الفقر، باقتلاعه من جذوره، وقد روي عن أمير المؤمنين "عليه السلام": الفقر الموت الأكبر([319]).
وعن الإمام الصادق "عليه السلام": كاد الفقر أن يكون كفراً، وكاد الحسد أن يغلب القدر([320]).
البداوة مذمومة:
هذا.. وقد قال تعالى على لسان يوسف "عليه السلام" مخاطباً أباه: {..وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ..}([321]).
ما يعني أن الخروج من حياة البدو كان نعمة عظيمة توازي خروجه من السجن.
وقال تعالى أيضاً: {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً}([322]).
فهو تعالى يذم هؤلاء الناس على أن الأمر قد بلغ بهم حداً فقدوا معه الموازين، واختلت فيه المعايير لديهم، بسبب حبهم للدنيا وزخارفها، فكانوا يهربون من الجهاد الذي هو من أشرف الأعمال وأعظمها، لما فيه من حماية لحياة المسلمين، وحفظٍ لعزتهم ودولتهم، والدفع عن منجزاتهم الحضارية، ويفضلون عليه أحط الخيارات وأرخصها، وأتفهها. ألا وهو أن يكونوا بادين في الأعراب، ولا يكونوا في ساحات الشرف والجهاد والكرامة.
آثار البداوة على الإنسان العربي:
وبالرجوع إلى التاريخ نلاحظ: أن الإنسان العربي كان آنئذٍ يعيش البداوة بأجلى مظاهرها، وربما لم تكن له علاقة بالأرض، ولا يراوده حنين إليها إلا بقدر ما تحمله له من ذكريات، مُرّة تارة، وحلوة أخرى، ولا شيء أكثر من ذلك..
وكان همه مصروفاً إلى تحصيل لقمة عيشه بطرق سهلة، مثل رعي الإبل والمواشي، وإلا فالسلب والنهب والغارة، ولو بقيمة إتلاف النفوس، وإزهاق الأرواح..
فكان من نتائج ذلك: أن قويت عصبية الإنسان العربي للعشيرة، واشتدت نفرته، وخوفه من كل من عداها.. فكان أن حرم من تعاون بني جنسه معه على حل مشكلات الحياة، ومن فرص إرساء أسس لحضارة ذات قيمة..
وبذلك يكون العرب قد حرموا أنفسهم أيضاً من علوم كثيرة كان من الممكن أن تساعدهم على اقتحام مجالات حياتية مهمة ورائعة، فلم يمارسوا شيئاً من الصنائع، ولا استخرجوا من كنوز الأرض ومعادنها وخيراتها ما يفتح أمامهم أبواباً من المعرفة، تفيدهم في تنويع الإستفادة منها. ولا مارسوا حِرَفَاً تفيدهم في تيسير سبل العيش لهم، كما أنهم لم يجدوا أنفسهم ملزمين ولو بالإلمام بشيء من العلوم الإنسانية، على كثرتها وتنوعها واختلافها.
عناصر ضرورية لبناء الدولة والحضارة:
وغني عن القول: إنه إذا أريد بناء دولة قوية ومجتمع إنساني فاعل، ومتماسك، وقادر على إنشاء الحضارات وتحمل المسؤوليات التاريخية فلا بد من توفر العناصر الضرورية لذلك، ومنها يتوفر لديه الأمل والطموح، والشعور بالأمن والسلام، ثم التفرغ للتأمل والتفكير، والتعرف على المشكلات وقهر الموانع وتجاوز العقبات، والتخطيط، واستنباط وسائل التغلب عليها بالتسلح بالعلم والمعرفة، ثم السعي للحصول على القدرات اللازمة لذلك كله.
وبديهي: أن يكون ذلك كله مرهوناً بالإستقرار المؤدي لإعمار الأرض، من خلال الإرتباط بها، وبذل الجهد في استخراج خيراتها، ومعادنها وكل ما فيها، ووضع ثمرات هذا الجهد في التداول، والإهتمام بتطوير الحياة به ومن خلاله. ولا يكون ذلك كله ممكناً إلا بالتعاون والتعاضد، والعمل على إنتاج رؤية سليمة تؤدي إلى تطويع وإخضاع قوانين الطبيعة لإرادة الإنسان، لتكون في خدمته..
ولا مجال للنجاح في ذلك كله، إلا في ظل الأطروحة الصحيحة، التي تحدد الأهداف القصوى، وتحفظ مسيرة الوصول إليها وسلامتها. وتهيمن على المسار والمسير، وتمنح الثقة بالنجاح والفلاح، من خلال تضافر الجهود، واستنفار العقول.
سياسة الإسلام للتخلص من البداوة:
وقد كان لا بد من الخروج من حياة البداوة، والعمل على بناء مجتمع مدني قوي وفاعل، وقد عمل الرسول الكريم "صلى الله عليه وآله" على تحقيق هذا الغرض النبيل، من خلال إجراءات عديدة ومتنوعة، فأوجب على الإنسان نفقات، وحمّله مسؤوليات مالية، ثم حثّه على العمل واعتبره كالجهاد في سبيل الله، وحث على الهجرة من البدو، وعلى السعي في سبيل بناء حياة كريمة، وأوجب على كل فردٍ فردٍ تحصيل كل علم يحتاج الناس إليه.. وحث على تعلم الحرف والصناعات وشجع على التجارة والزراعة وإثارة الأرض وعمارتها، ثم إنه من جهة أخرى ذم الكسل والتواكل، ومنع من أكل المال بالباطل، ومن الظلم والحيف، واغتصاب الأموال، والتعدي على أراضي الغير، ولو بمقدار شبر واحد، ومنعه من الربا والقمار، والإحتكار.. و.. و.. ثم كانت سياسة إقطاع الأراضي كما سنرى..
ومما يشير إلى اهتمام الإسلام بالحرف، وبإحياء الأرض، وبالإعمار وغير ذلك ما روي من أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال: هل له حرفة؟! فإن قالوا: لا.
قال: سقط من عيني([323])..
وفي مجال الزراعة روي: أنه "صلى الله عليه وآله" أوصى علياً "عليه السلام" عند وفاته بقوله: "يا علي، لا يظلم الفلاحون بحضرتك"([324]).
وقال "صلى الله عليه وآله": إن الله أهبط آدم إلى الأرض، وأمره أن يحرث بيده ليأكل من كدّه([325]).
وقد حث أمير المؤمنين "عليه السلام" في وصيته للإما م الحسن "عليه السلام" على أن لا يقلع شجرة حتى يغرس عوضاً عنها ودية، حتى تشكل أرضها غراساً([326]). أي لا تمتاز الأرض عن الشجر.
وعنه "عليه السلام": من وجد ماءً وتراباً ثم افتقر فأبعده الله([327]).
وقال "عليه السلام" في عهده للأشتر: ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً([328]).
وقال الواسطي: سألت جعفر بن محمد "عليه السلام" عن الفلاحين، فقال: هم الزارعون كنوز الله. وما في الأعمال شيء أحب إلى الله من الزراعة. وما بعث الله نبياً إلا زارعاً إلا إدريس "عليه السلام"، فإنه كان خياطاً([329]).
وقد علَّم الله تعالى نبيه داوود "عليه السلام" صناعة الدروع، وألان له الحديد.. كما صرح به القرآن الكريم.
لماذا إقطاع الأراضي؟!:
ومن المفردات المفيدة جداً في هذا المجال هو: إقطاع الأراضي، فإن إقطاع الأراضي لشخصٍ ما، معناه: أن تصبح تلك الأرض تحت اختياره، ومنع الآخرين من مزاحمته أو الحد من فاعليته فيها، فيستفيد من هذه الفرصة التي منحت له ليعمل على إحياء تلك الأرض إما بالزراعة، أو بالإستفادة منها في أي مجال إنتاجي تجاري، أو صناعي، أو تعليمي، أو تربوي، أو غيره.. واستخراج خيراتها، ومعادنها، وتطويرها.. ورفد السوق بها، ووضعها في دائرة التداول، لينعش الحالة الإقتصادية، من حيث إنه يضخ في عروق اقتصاد المجتمع دماً جديداً، ويزيده قوة وصلابة، ويحفزه لمواصلة نموه، ويمكِّن من ثمّ من تهيئة الظروف والقدرات للتحرك نحو مراحل ومستويات حياتية أعلى وأرقى، وأرحب وأوسع، لها طبيعتها ووسائلها، وحاجاتها، ولا بد من مواجهة مسؤولياتها، وحل مشاكلها.
ضرورة التعاون:
إن من الطبيعي أن يستفيد ذلك الذي وضعت الأرض بتصرفه، من طاقات الآخرين لإنجاز مهمة الإحياء، وإيصالها إلى أهدافها، لكي تؤتي ثمارها في ظل نظام قائم على العدل، يضع الأمور في نصابها، ويعطي كل ذي حق حقه..
وهذا يقتضي وضع ضوابط ومعايير ترتكز إلى منظومة من المثل والقيم تحدد طبيعة العلاقة، وتحكم طريقة التعامل، وربما يحتاج ذلك إلى رصد ميزات نفسية وأخلاقية معينة تفرضها صحة وسلامة هذا التعامل الممتد عبر الأعصار والأزمان.
وبذلك يصبح إقطاع الأراضي الموات بهدف إحيائها، وإنعاش الحالة الإقتصادية، وإيجاد فرص عمل لفئات من الناس، ثم دفع المجتمع ليتعلق بأرضه، ويستخرج خيراتها، وليعيش حالة السلام والأمن ـ يصبح ـ ضرورة لا بد منها، ولا غنى عنها لبناء المجتمع الإنساني وبناء الدولة، ثم إرساء قواعد الحضارة القائمة على أساس صحيح ومتين من القيم الإنسانية والإلهية، ليمكن الإنطلاق بالمجتمع الإنساني إلى آفاق السلام والسلامة، لينعم بالعيش الرغيد والسعيد..
إقطاع الأرض للمحتاجين:
ثم إن هذه الإقطاعات التي حصلت في زمن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد كانت في الأكثر لأناس يحتاجون إليها، وليسوا من الأغنياء، إلا في موارد نادرة جداً، أريد بها تأليف بعض الناس، وكف أذاهم، مع عدم الإضرار أو الإجحاف في حق أي كان. ويظهر هذا الأمر من مراجعة قائمة الذين أقطعهم الرسول "صلى الله عليه وآله"، ممن وصلت أسماؤهم إلينا..
ومما يشير إلى أن إقطاع هؤلاء كان من موجبات القوة، ولم الشعث، وإنعاش الإقتصاد بصورة أو بأخرى، ومن دون حيف وإجحاف أننا لم نجد أحداً شكى، أو تساءل عن أي أمر له علاقة بهذا الموضوع، أو أبدى أية ملاحظة حول الأشخاص الذين أقطعهم "صلى الله عليه وآله". مع أن بعض الأنصار اعترضوا على إعطاء غنائم حنين للمؤلفة قلوبهم، حتى أوضح لهم النبي "صلى الله عليه وآله" ما أزال موجبات الإعتراض من نفوسهم..
الإقطاع للقادرين والمبادرين:
هذا.. وقد يكون الفقير أو الغني أحياناً لا يريد أو غير قادر على الإحياء، فيصبح إعطاؤه الأرض لكي يحييها بلا مبرر، ولا يقدم عليه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لأن المهم هو: إحياء الأرض بيد من يقدر على إحيائها، وفقاً لأحكام الشرع..
وليس المقصود: مجرد تمليك الأراضي للناس، وينتهي الأمر عند هذا..
وقد ذم الإسلام الكسالى، والإتكاليين، الذين يريدون أن يعيشوا كَلّاً على الناس، وأعلن عن شديد مقته لهم، ولم يرض لهم بمدّ يد العون، وعليه فلا حق لهم لكي تصح المطالبة به، لأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم..
صفة الأرض المعطاة:
إن الأراضي التي كان "صلى الله عليه وآله" يُقطعها على أقسام هي:
ألف: أراضِ موات هي لله ولرسوله، وقد جعلها الله ورسوله لمن أحياها وفقاً لقوله "صلى الله عليه وآله": "من غرس شجراً، أو حفر وادياً بدياً، لم يسبقه إليه أحد، أو أحيا أرضاً ميتة فهي له، قضاء من الله ورسوله"([330]).
وثمة أحاديث أخرى أيضاً تشير إلى ذلك، فلتراجع في مظانها([331]).
ب: الأنفال: وهي الزيادات، وتكون في الأموال، مثل الديار الخالية، والقرى البائدة، وتركة من لا وارث له، وتكون في الأرضين أيضاً. وهي على ما ذكره الفقهاء، ودلت عليه الأحاديث، تشمل الأرض المحياة التي تُملك من الكفار من غير قتال، سواء انجلى عنها أهلها، أو سلموها للمسلمين طوعاً.
وتشمل الأرض الموات عرفاً، سواء أكانت معمورة، ثم انجلى عنها أهلها، أو لم يجر عليها ملك، كالمغاور، وسيف البحار، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية([332])..
ج: الفيء: هو ما يُرجع أو يُرد من أموال الكفار وأراضيهم إلى مالكه الأصلي من دون إيجاف خيل ولا ركاب.
والفيء لله ولرسوله، وليس لأحد فيه حق. وللرسول أن يملِّك منه ما شاء لمن شاء..
وهناك كلام في تداخل هذين القسمين الأخيرين، فإن ما سلموه للمسلمين طوعاً هو الفيء، وقد تقدم: أنه قسم من الأنفال أيضاً. ولسنا بصدد البحث والمناقشة في ذلك.
إن الإقطاعات التي كانت من رسول الله "صلى الله عليه وآله" إنما كانت من هذه الأقسام المتقدمة، ولم يكن ليقطع أحداً من مال حاضر النفع، ظاهر العين، لأن هذا لا مجال لإقطاعه، إلا على سبيل التأليف على الإسلام، وهذا إنما كان بالنسبة لأفراد قليلين جداً أكثرهم من أهل مكة، وكان الهدف إنهاء شغبهم على الدين وأهله، وإبعاد أذاهم، ولم تكن الإقطاعات في أكثرها تدخل في هذا السياق..
إعتراضات وإجابات:
وقد يسجل على هذه الإجابة إعتراضات:
الأول: قد ورد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" حين ورد المدينة أقطع الناس الدور.
وهذا معناه: أنه قد أقطع من مال ظاهر العين، حاضر النفع.
والجواب: أنه إنما أقطعهم مساحات من الأرض، ليبنوا عليها دورهم([333])، وذلك بعد أن وهبت الأنصار كل فضل كان في خططها([334]).
وقد ذكر ياقوت الحموي: أنه "صلى الله عليه وآله" كان يقطع أصحابه هذه القطائع فما كان في عفا الأرض فإنه أقطعهم إياه، وما كان في الخطط المسكونة العامرة فإن الأنصار وهبوه له، فكان يقطع من ذلك([335]).
وقال الحلبي الشافعي: "خط للمهاجرين في كل أرض ليست لأحد، وفيما وهبته الأنصار من خططها"([336]).
الثاني: قد يعترض على ذلك أيضاً بما ورد من أنه "صلى الله عليه وآله" أقطع أرضاً ذات نخل وشجر([337]).
وهذا معناه: أنه كان يقطع الناس من مال حاضر النفع ظاهر العين.
والجواب:
أولاً: قال ياقوت: أقطع الزبير بن العوام بقيعاً واسعاً([338]).
والبقيع: هو الموضع الذي فيه أروم الشجر، يعني أصوله من ضروب شتى([339]). وهذا يشير إلى أنها كانت أرضاً متروكة، حتى لم يبق من النخيل إلا أصوله.
ثانياً: عن ابن سيرين قال: أقطع رسول الله رجلاً من الأنصار يقال له: سليط، فانطلق إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، إن هذه الأرض التي أقطعتنيها شغلتني عنك، فاقبلها مني، فلا حاجة لي في شيء يشغلني عنك.
فقبلها النبي "صلى الله عليه وآله" منه، فقال الزبير: يا رسول الله، اقطعنيها.
قال: فأقطعها أياه([340])، فهو قد اشتغل في إحيائها، واهتم بها حتى أشغلته عنه، ثم انصرف عنها، واستقال منها، فأعطاها "صلى الله عليه وآله" لغيره.
ثالثاً: إن ذلك يفسر لنا قولهم: إنه "صلى الله عليه وآله" قد أعطى بني عقيل العقيق ما أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وسمعوا وأطاعوا([341]).
والعقيق: موضع فيه قرى ونخل كثير([342]).
فإن من الجائز أن يكون المقصود بالنخل هو: أصولها، أو أنها مما تركه أهله، لم يكن لها من يهتم بها.
وربما يكون بنو عقيل هم الأقرب إليها، أو الأقدر على إحيائها من غيرهم.
لا حق لمسلم في الأراضي المعطاة:
إنه لا شك في أن الأرض التي كان يقطعها النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن فيها أي حق لأحد من المسلمين، وقد صرح بهذا الأمر في الكتاب الذي كتبه لبلال بن الحارث بالأرض التي أقطعه إياها، حيث قال: "ولم يعطه حقَّ مسلم"([343]).
وكذا في كتابه "صلى الله عليه وآله" لبني عقيل([344]).
وفد عبد القيس:
وقدم وفد عبد قيس ـ وهي قبيلة، تسكن البحرين وما والاها من أطراف العراق([345]) ـ إلى النبي "صلى الله عليه وآله" سنة تسع([346]).
ورووا([347]): أنه بينما رسول الله "صلى الله عليه وآله" يحدث أصحابه إذ قال لهم: "سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق".
فقام عمر، فتوجه نحوهم، فلقي ثلاثة عشر راكباً، فقال: "من القوم"؟
فقالوا: من بني عبد القيس.
قال: "فما أقدمكم، التجارة"؟
قالوا: لا.
قال: أما إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد ذكركم آنفاً فقال خيراً.
ثم مشوا معه حتى أتوا النبي "صلى الله عليه وآله".
فقال عمر للقوم: هذا صاحبكم الذي تريدون، فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم، فمنهم من مشى، ومنهم من هرول، ومنهم من سعى حتى أتوا النبي "صلى الله عليه وآله"، فابتدره القوم، ولم يلبسوا إلا ثياب سفرهم، فأخذوا بيده فقبلوها، وتخلف الأشجّ، وهو أصغر القوم في الركاب حتى أناخها، وجمع متاع القوم، وذلك بعين رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وفي حديث الزارع بن عامر العبدي عند البيهقي: فجعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبِّل يد رسول الله ورجله، وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته فلبس ثوبيه.
وفي حديث عند الإمام أحمد: فأخرج ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما، ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقبَّلها، وكان رجلاً دميماً، فلما نظر "صلى الله عليه وآله" إلى دمامته قال: يا رسول الله، إنه لا يُسْتَقَى في مُسُوك الرجال، إنما يُحتاج من الرجل إلى أصغريه: لسانه وقلبه.
فقال له رسول ل الله "صلى الله عليه وآله": "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة"([348]).
قال: يا رسول الله، أنا أتخلق بهما، أم الله جبلني عليهما؟
قال: "بل الله تعالى جبلك عليهما".
قال: الحمد لله الذي جبلني على خَلَّتين يحبهما الله تعالى ورسوله([349]).
قال: "يا معشر عبد القيس ما لي أرى وجوهكم قد تغيرت"؟
قالوا: يا نبي الله، نحن بأرض وخمة، وكنا نتخذ من هذه الأنبذة ما يقطع من بطونها، فلما نهيتنا عن الظروف، فذلك الذي ترى في وجوهنا([350]).
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "إن الظروف لا تحلّ ولا تحرم، ولكن كل مسكر حرام، وليس أن تجلسوا فتشربوا، حتى إذا ثملت العروق تفاخرتم، فوثب الرجل على ابن عمه بالسيف فتركه أعرج".
قال: وهو يومئذ في القوم الأعرج الذي أصابه ذلك.
وأقبل القوم على تمرا ت لهم يأكلونها، فجعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" يسمي لهم هذا كذا وهذا كذا.
قالوا: أجل يا رسول الله، ما نحن بأعلم بأسمائها منك. وقالوا لرجل منهم: أطعمنا من بقية الذي بقي في نوطك، فقام وجاءه بالبرني.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "هذا البرني أمسى من خير ثمراتكم"([351]).
وروى ابن سعد([352]) عن عروة بن الزبير قال: وحدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه، قالا: كتب رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى أهل البحرين أن يقدم عليه عشرون رجلاً منهم، فقدم عليه عشرون رجلاً رأسهم عبد الله بن عوف الأشج، وفيهم الجارود، ومنقذ بن حيان، وهو ابن أخت الأشج، وكان قدومهم عام الفتح، فقيل: يا رسول الله، هؤلاء وفد عبد القيس.
قال: "مرحباً بهم، نعم القوم عبد القيس".
قال: ونظر رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى الأفق صبيحة ليلة قدموا وقال: "ليأتين ركب من المشرق، لم يُكرهوا على الإسلام، قد أنضوا الركاب، وأفنوا الزاد، بصاحبهم علامة، اللهم اغفر لعبد القيس، أتوني لا يسألوني مالاً، هم خير أهل المشرق".
قال: فجاؤوا عشرين رجلاً ورأسهم عبد الله بن عوف الأشج، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" في المسجد، فسلموا عليه، وسألهم رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أيكم عبد الله الأشج"؟
فقال: أنا يا رسول الله، وكان رجلاً دميماً.
فنظر إليه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "إنه لا يُسْتَقَى في مُسُوك الرجال، إنما يُحتاج من الرجل إلى أصغريه: لسانه وقلبه". وذكر نحو ما سبق.
وعن الزارع بن عامر أنه قال: يا رسول الله، إن معي رجلاً خالاً لي، مصاباً فادع الله تعالى له.
فقال: "أين هو؟ ائتني به".
قال: فصنعت مثل ما صنع الأشج، ألبسته ثوبيه وأتيته به، فأخذ طائفة من ردائه، فرفعها حتى بان بياض إبطه، ثم ضرب ظهره وقال: "أخرج عدو الله".
فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول، ثم أقعده بين يديه فدعا له، وشج وجهه، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله "صلى الله عليه وآله" يَفضُل عليه.
وروى الشيخان([353]) عن ابن عباس قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "من القوم"؟
قالوا: من ربيعة.
قال: "مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى".
فقالوا: يا رسول الله، إنَّا نأتيك من شقة بعيدة، وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كُفار مُضر، وإنَّا لا نصل إليك إلا في شهر حرام.
فمرنا بأمر فصل، إن عملنا به دخلنا الجنة.
قال: "آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع".
قال: أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال: "هل تدرون ما الايمان بالله"؟
[قالوا: "الله ورسوله أعلم".
قال:] "شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم.
وأنهاكم عن أربع: عن الدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير ـ وربما قال المقير ـ فاحفظوهن، وادعوا إليهن من وراءكم".
قالوا: يا نبي الله، ما علمك بالنقير؟
قال: "بلى، جذع تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعاء" ـ أو قال: "من التمر ـ ثم تصبون فيه من الماء، حتى إذا سكن غليانه شربتموه، حتى إن أحدكم ليضرب ابن عمه بالسيف".
قال: وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك.
قال: وكنت أخبأها حياء من رسول الله "صلى الله عليه وآله".
قالوا: ففيم نشرب يا رسول الله؟
قال: "في أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها".
فقالوا: يا رسول الله، إن أرضنا كثيرة الجرذان، ولا تبقى بها أسقية الأدم.
[فقال نبي الله "صلى الله عليه وآله"]: "وإن أكلتها الجرذان"، مرتين أو ثلاثاً.
ثم قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لأشج عبد القيس: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة"([354]).
وعن شهاب بن عباد ([355]): أنه سمع بعض وفد عبد القيس يقول: قال الأشج: يا رسول الله، إن أرضنا ثقيلة وخمة وإنَّا إذا لم نشرب هذه الأشربة هيجت ألواننا، وعظمت بطوننا، فرخِّص لنا في هذه. وأومأ بكفيه.
فقال: "يا أشج، إني إن رخصت لك في مثل هذه" ـ وقال بكفيه هكذا ـ "شربته في مثل هذه" ـ وفرَّج يديه وبسطهما. يعني أعظم منها ـ "حتى إذا ثمل أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمه فهزر ساقه بالسيف".
وكان في القوم رجل يقال له: الحارث قد هزرت ساقه في شراب لهم، في بيت من الشعر تمثل به في امرأة منهم، فقال الحارث: لما سمعتها من رسول الله "صلى الله عليه وآله" جعلت أسدل ثوبي فأغطي الضربة بساقي، وقد أبداها الله تعالى لنبيه "صلى الله عليه وآله".
وعن أنس: أن وفد عبد القيس من أهل هجر قدموا على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فبينما هم عنده إذ أقبل عليهم، فقال: "لكم تمرة تدعونها كذا، وتمرة تدعونها كذا". حتى عد ألوان تمرهم أجمع.
فقال له رجل من القوم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لو كنت ولدت في هجر ما كنت بأعلم منك الساعة، أشهد أنك رسول الله.
فقال "صلى الله عليه وآله": "إن أرضكم رفعت لي منذ قعدتم إليَّ، فنظرت من أدناها إلى أقصاها، فخير تمركم البرني الذي يذهبُ بالداء ولا داء معه"([356]).
عن ابن عباس([357]) قال: "إن أول جُمعة جُمعت بعد جُمعة في مسجد رسول الله "صلى الله عليه وآله" في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين".
وعن أم سلمة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أخّر الركعتين بعد الظهر بسبب اشتغاله بوفد عبد القيس حتى صلاهما بعد الظهر في بيتها.
وعن ابن عباس وأبي هريرة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: "خير أهل المشرق عبد القيس"([358]).
وعن نوح بن مخلد: أنه أتى رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو بمكة فسأله: "ممن أنت"؟
فقال: أنا من بني ضبيعة بن ربيعة.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "خير ربيعة عبد القيس، ثم الحي الذي أنت منهم". رواه الطبراني.
وعن ابن عباس: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: "أنا حجيج من ظلم عبد القيس"([359]).
ونقول:
قد تضمنت النصوص المتقدمة أموراً عديدة تحتاج إلى شيء من التصحيح أو التوضيح. وفيما يلي بعض من ذلك:
هم خير أهل المشرق:
ذكرت الروايات: أن النبي "صلى الله عليه وآله" وصف عبد القيس بأنهم خير أهل المشرق. وأنه "صلى الله عليه وآله" حجيج من ظلم عبد القيس، وأن عبد القيس خير ربيعة..
ونحن لا نستطيع أن نؤكد أو ننفي صحة هذه الروايات، غير أننا نقول:
1 ـ لو صحت هذه الروايات، فقد يكون المقصود بها هم خصوص الذين كانوا موجودين في تلك البرهة من الزمان. ولا شيء يؤكد لنا شمولها لمن بعدهم.
2 ـ إن روايات فضائل القبائل، والبلدان، وكذلك روايات ذمها كانت موضوع أخذ وردّ، وربما يكون الكثير منها موضوعاً، كما أظهرت الدراسات في بعض مواردها.
3 ـ لعل المقصود بخيريّتهم هو حسن نظرتهم للأمور، وصحة معالجتهم لها، ولا يتصرفون بانفعال وطيش ورعونة. ولأجل ذلك فإن مواقفهم تكون أقرب إلى الإتزان من مواقف غيرهم.
4 ـ إن خيريتهم وتقدمهم على غيرهم نسبية، فإذا كانت هناك نسبة من الخير في أهل المشرق فإنها تكون في عبد القيس أكثر من غيرهم..
عبد القيس في نصرة أمير المؤمنين ×:
لعل ما يشهد لصحة تفكير عبد القيس، واتزانهم في مواقفهم، هو: أنهم ـ كما ذكر العلامة الأحمدي ـ صاروا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام"، ونصروه في حروبه. ولسراتهم يد بيضاء في نصرة ولي الله تعالى، لا سيما أبناء صوحان: صعصعة، وزيد، وسيحان، وعمرو بن المرجوم و..([360]).
وقد اشتهر بنو عبد القيس بالخطابة والشعر، والفصاحة([361]).
ويبدو أنهم كانوا على درجة عالية من الثقافة أيضاً، فقد قيل: إن صحار بن العباس العبدي له كتاب: "الأمثال"([362]).
هذا صاحبكم:
ويستوقفنا هنا قول عمر للوفد حين وصلوا معه إلى النبي "صلى الله عليه وآله": هذا صاحبكم الذي تريدون.. فإنه ليس مما يليق، ولا مما ينبغي.. بل هو قد يستبطن إساءة وإهانة يستحق معها القتل عند خالد بن الوليد فقط، فإن خالداً كان يعتذر عن قتل مالك بأنه كان يقول، وهو يراجع الكلام: ما أخال صاحبكم إلا قال([363]).
وقد حكى القاضي عبد الجبار عن أبي علي الجبائي: أن خالداً قد قتل مالكاً لأنه أوهم بقوله ذلك: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليس صاحباً له([364]).
ونقول:
لو كان هذا هو ما جرى لكان خالد اعتذر به لأبي بكر، ولكان تأول فأصاب، لأن مالكاً يكون بذلك مرتداً، يجب قتله، فما معنى أن يقول أبو بكر لعمر: إن خالداً تأول فأخطأ؟!([365]).
والذي يظهر لنا هو: أنه قصد بقوله: "صاحبك" أبا بكر وليس النبي "صلى الله عليه وآله"، ففهم خالد أن مالكاً لا يرى أبا بكر صاحباً له.
وهذا معناه: أنه ينكر خلافته.
ويشير إلى ذلك: أن خالداً قال لمالك: إني قاتلك.
قال مالك: أوبذلك أمرك صاحبك ـ يعني أبا بكر ـ.
قال: والله لأقتلنك. وكان ابن عمر،وأبو قتادة حاضرين، فكلما خالداً الخ..([366]).
ثم تذكر الرواية: أن مالكاً طلب من خالد أن يرسله إلى أبي بكر ليحكم في أمره، فرفض وقتله، فلو كان قد ظهر من مالك ما فيه إساءة للرسول "صلى الله عليه وآله" لم يتوسط له ابن عمر، وأبو قتادة الخ..
وسواء أكان مالك قد قصد النبي "صلى الله عليه وآله" أو قصد أبا بكر، فإن جرأة عمر قد كانت بحق النبي "صلى الله عليه وآله" دون سواه، فلماذا جرَّت باء خالد ولم تجرَّ باء غيره؟!
معرفة النبي ' بأنواع التمور:
وقد ذكرت الروايات المتقدمة: أنه "صلى الله عليه وآله" صار يعد للوفد أنواع التمر، حتى عد ألوان تمرهم أجمع، حتى قالوا له: ما نحن بأعلم بأسمائها منك.
وقال بعضهم: لو كنت ولدت بهجر ما كنت بأعلم منك الساعة.
ونستفيد من ذلك:
1 ـ عدم صحة ما تقدم في بعض الوفود، من نصوص تظهره "صلى الله عليه وآله" كرجل لا يعرف عن التمور، وأنواعها ما يحسن السكوت عليه..
2 ـ إن هذا الأمر قد بهر ذلك الوفد، إلى حد أن قائل ذلك عقب كلامه بقوله: أشهد أنك رسول الله..
3 ـ إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أخبرهم بما هم أعلم الناس به، ويعرفون صحته ودقة ما يقوله. فإذا أظهر أنه أعلم منهم بما يدَّعون لأنفسهم التقدم فيه، فسوف يكون له أثر عميق على وجدانهم، وإيمانهم، بخلاف ما إذا حدَّثهم بما لايعرفون عنه قليلاً ولا كثيراً، فإنه سيكون حديثاً غير ظاهر النتائج، ولا يستطيعون حسم الأمر فيه، لأنه سيكون خاضعاً لجميع الإحتمالات.
النبي ' يرى ما في البحرين:
وقد ذكرت الرواية أيضاً: أنه "صلى الله عليه وآله" بعد أن ذكر لهم أنواع التمور حتى كأنه مولود في هجر قال: إن أرضكم رفعت لي منذ قعدتم إلي، فنظرت من أدناها إلى أقصاها الخ..
وإنما قال لهم ذلك، بعد أن بين لهم أنه أعلم منهم بما هم أعرف الناس به. وبذلك يكون قد صدق الخَبَرَ الخُبْرُ..
وهذا أدعى لرسوخ الإيمان، وانقياد النفوس.. ثم إنه يكون بذلك قد نقلهم نقلة نوعية وكبيرة في مجال الإعتقاد، والوقوف على بعض خصائص النبوة حين يخبرهم: بان الله قد رفع له جميع أرضهم، من أدناها إلى أقصاها، وأصبح يراها كأنها حاضرة لديه، تماماً كما جرى حين مات ملك الحبشة، حيث رفع الله له كل خفض، وخفض كل رفع. حتى رأى جسد النجاشي وصار أمامه، وصلى عليه صلاة الميت كما قدمناه..
خصلتان جُبِلَ الأشج عليهما:
وقد ذكرت الرواية: أن الله قد جبل الأشج على خصلتين، هما: الحلم والأناة..
ونقول:
إنه إن كان المقصود بذلك معنى ينتهي إلى ما يعتقد به الجبريون، فذلك غير صحيح، كما اثبته علماؤنا الأبرار فراجع([367]).
بالإضافة إلى أن هذا يؤدي إلى القول بعدم استحقاق الأشج أية مثوبة على أي فعل تدعوه إليه تانك الخلتان..
وإن كان المقصود: أن الله تعالى قد أودع في الأشج استعداداً ينتهي به إلى العمل بهاتين الخلتين، دون أن يكون مسلوب الإختيار، فهو قصد صحيح ولا ضير فيه..
سيطلع عليكم ركب:
وثمة سؤال عن قول رسول الله "صلى الله عليه وآله": سيطلع عليكم من ها هنا ركب الخ.. هل هو إخبار عن أمر غيبي؟! أم أنه ليس كذلك؟
قد يقال: نعم. فإن هذا هو ظاهر الكلام.
وقد يقال: لا، لأن ثمة نصاً يقول: إنه "صلى الله عليه وآله" كان قد أرسل إلى البحرين يطلب قدوم وفد عبد القيس إليه([368]).
ويمكن ان يؤيد ذلك: أنه قد كانت لعبد القيس وفادتان، فلعل إحداهما كانت بطلب منه "صلى الله عليه وآله"، وهي التي حصلت سنة تسع أو بعدها، وكان عدد الوفد أربعين رجلاً..
وكانت الأخرى قبل الفتح، أو سنة خمس، أو قبلها، وتكون هي التي أخبر النبي "صلى الله عليه وآله" عن طلوع وفدها عليهم.
بل يحتمل: أن يكون قد أخبر بالغيب، حتى بالنسبة للوفادة التي طلبها النبي "صلى الله عليه وآله" منهم، فإن طلب قدوم الوفد لا يعني: المعرفة الدقيقة بوقت حركته، وبوقت وصوله، ولحظة طلوعه عليهم..
إلا أن يقال: بأن من المحتمل أن يكون قد جاء إلى النبي "صلى الله عليه وآله" من أخبره بموعد وصول الوفد.. فلا يكون ما حصل من قبيل الإخبار بالغيب أصلاً.
والصحيح هو: أن هذا من الإخبارات الغيبية، لأن حديث استقدام النبي "صلى الله عليه وآله" لوفدهم يقول: ليأتين ركب من المشرق.. إلى أن قال: بصاحبهم علامة ـ والمقصود بصاحبهم ـ الأشج.. وهذا التعبير يشير إلى أنه "صلى الله عليه وآله" بصدد إخبارهم بأمر غيبي لم يكن قد علمه بالطرق العادية.
طلب الإيفاد:
وقد ذكرنا آنفاً: أنه "صلى الله عليه وآله" قد طلب من العلاء بن الحضرمي: أن يوفد إليه من عبد القيس. أو أنه طلب من نفس بني عبد القيس إيفاد من يختارونه إليه. وذلك يدل على أنه "صلى الله عليه وآله" كان يطلب وفادتهم من أجل أن يسهِّل عليهم من أجل الإندماج في المجتمع الجديد، ثم من أجل أن يسمعوا كلامه، ويروا بأم أعينهم سلوكه، وحالاته، فلعل ذلك يدعوهم إلى تلمس الفرق بين سلوكهم ومواقفهم، وحالهم، وبين سلوك ومواقف وحالات رسول الله "صلى الله عليه وآله" والمجتمع الإيماني بصورة عامة.
فإن من شأن ذلك: أن يسهل عليهم اتخاذ القرار بالتعاون والتلاقي، والتفاهم، والإسلام والإندماج..
كما أن هذه السياسة لهم من شأنها: أن تطمئنهم إلى أنه "صلى الله عليه وآله" ليس راغباً في إذلالهم، ولا في التسلط الظالم عليهم، ولا في الإستيلاء على ثرواتهم، وبلادهم.
ثم إن هذه الوفود ستجد الفرصة للتأمل فيما يلقيه إليها، وعليها، أو يطلبه منها، ويجدون فرصة تقييمه بصورة صحيحة في أجواء هادئة. بعيداً عن التشنج والإنفعال، إذ ليست الأجواء أجواء مواجهة، وتهديدات.
الأشج ليس أصغرهم:
وقد صرحت بعض النصوص المتقدمة: بأن الأشج كان أصغر من في الوفد، وبأنه تخلف في الركاب حتى أناخها، وجمع متاع القوم، وذلك بعين رسول الله "صلى الله عليه وآله"([369]).
لكن ذلك غير دقيق، فقد صرحت روايات أخرى: بأن الأشج كان رئيس الوفد([370])، فلا يعقل أن يتأخر عنه، بل لابد أن يكون في مقدمته، ويتولى هو الكلام في حضرته "صلى الله عليه وآله"..
إلا أن يقال: ربما يكون تخلفه في الركاب، وجمعه متاع القوم، وكان أصغر الوافدين، إنما كان في وفادتهم الأولى، ثم نتج عن اهتمام النبي "صلى الله عليه وآله" به، وظهور حصافة رأيه وعقله أن أصبح رئيساً مقدماً، فجاء في وفادتهم الثانية، وله صفة الرئيس.
وفي الروايات الآتية تحت عنوان: متى قدم وفد عبد القيس: دلائل ظاهرة على تقدم الأشج في السن، وقد أضربنا عن ذكرها هنا استغناء بما ذكرناه هناك.
المرء بأصغريه:
وقد جاءت النصوص التي ذكروها عن وفد عبد القيس مضطربة، ومشوشة، فتارة يقول بعضها: فلما نظر "صلى الله عليه وآله" إلى دمامته قال: إنه لا يُسْتَقَى في مُسُوك([371]) الرجال، إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه، لسانه، وقلبه([372]).
فيظهر من هذا النص: أن قائل هذه الكلمات هو الأشج نفسه.
لكنّ نصاً آخر يقول: فنظر إليه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "إنه لا يُسْتَقَى في مُسُوك الرجال، إنما يُحتاج من الرجل إلى أصغريه: لسانه وقلبه"([373]). حيث إنه صريح في: أن قائل ذلك هو رسول الله "صلى الله عليه وآله".. وهذا هو الموافق لما هو معروف من نسبة عبارة: "المرء بأصغريه: قلبه ولسانه" إلى النبي "صلى الله عليه وآله".
والظاهر: أن ثمة غلطاً في ذلك منشؤه رواية الطبقات.. رغم أن الطبقات نفسه قد روى الرواية الصحيحة أيضاً.
أتوني لا يسألوني مالاً:
وقد نستفيد من قوله "صلى الله عليه وآله" عن وفد عبد القيس: "أتوني لا يسألوني مالاً": أن الكثيرين ممن كانوا يأتونه كانوا طامعين بالحصول على الأموال، على سبيل الجشع والطمع، لا لمجرد رفع الحاجة، التي لا سبيل لهم إلى رفعها بغير مساعدته "صلى الله عليه وآله"..
رسول الله ' يداوي مريضاً:
تقدم: أنه "صلى الله عليه وآله" قد عالج خال الزارع بن عامر، وأخرج منه (الجنّي) اللعين الذي كان سبب بلائه.. وإن كنا لم نستطع أن نفهم السبب في أنه قد شج وجه ذلك المصاب، رغم أن أمارات الشفاء قد ظهرت عليه، وجعل ينظر نظر الصحيح، ليس بنظره الأول..
وقد ذكرنا أكثر من مرة: أن الناس كانوا يتوقعون من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يكون عارفاً بكل ما يحتاجون إلى علمه، وأنه قادر على إيصالهم إلى كل ما يريدون، من خلال صلته بالله تعالى..
وقلنا أيضاً: إنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يظهر أي اعتراض على طلباتهم هذه، بل كان يبادر إلى تلبيتها، وبذلك يكون قد كرس لديهم هذا الفهم لمقام النبوة. وقد جاءت النتائج لترسخ لديهم اليقين بصحة فهمهم هذا، وضرورة الإستقامة، والإستمرار على الالتزام بمقتضياته.
النبي ' يؤخر الركعتين بعد الظهر:
وأما تأخير النبي "صلى الله عليه وآله" الركعتين بعد الظهر بسبب انشغاله بوفد عبد القيس، فليس فيه ما يوجب الإشكال، فإنه ـ لو فرض صحة الرواية بذلك ـ فإنما أخر صلاة مستحبة، ولعلها نافلة العصر، التي قد يكون من عادة النبي "صلى الله عليه وآله" الإتيان بها فور الإنتهاء من صلاة الظهر، فأخرها عن الوقت الذي جرت عادته على الإتيان بها فيه، من دون أن يتجاوز في ذلك وقت فضيلة العصر.. فأخرها لأمر رأى أن ثوابه أعظم، كما أنه لم يؤخرها عن وقتها، بل أخرها عما اعتاده من الإتيان بها في وقت بعينه..
لماذا اقتصر على بعض الأوامر؟!:
وقد ذكرت الرواية المتقدمة: أنه "صلى الله عليه وآله" أمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، فلماذا اقتصر على هذه الأربع.
ويجاب: بأنه إنما أخبرهم ببعض الأوامر، لكونهم سألوه أن يخبرهم بما يدخلون بفعله الجنة، فاقتصر لهم على ما يمكنهم فعله في الحال، ولم يقصد إعلامهم بجميع الأحكام التي تجب عليهم فعلاً وتركاً.
ويدل على ذلك: إقتصاره في المناهي على الإنتباذ في الأوعية، مع أن في المناهي ما هو أشد في التحريم من الإنتباذ، لكن اقتصر منها على هذه الأمور لكثرة تعاطيهم لها([374]).
ونقول:
إنه لا ريب في أنهم يعرفون حكم ما هو من قبيل: الصدق، والكذب، وقتل النفس المحترمة، وقطيعة الرحم، أو صلتها، وغير ذلك كثير، ولكنه "صلى الله عليه وآله" أراد أن يؤكد عليهم في الأمور التي يعرف أنهم لا ينشطون إليها، بل لديهم الصوارف الكثيرة عنها.
تعظيم مُضر لشهر رجب:
وأما بالنسبة لقولهم: إنه لا يصلون إليه إلا في شهر حرام.
فالظاهر: أن المراد به: شهر رجب.
ولذا أضيف إليهم في حديث أبي بكرة، حيث قال: رجب مضر.
والظاهر: أنهم كانوا يخصونه بمزيد التعظيم، مع تحريمهم القتال في الأشهر الثلاثة الأخر، إلا أنهم ربما أنسأوها، ولذا ورد في بعض الروايات: الأشهر الحرم، وفي بعضها: إلا في كل شهر حرام([375]).
نبايعك على أنفسنا:
ثم إن من دلائل عقل الأشج: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال له: تبايعون على أنفسكم وقومكم؟!
فقالوا: نعم.
فقال الأشج: يا رسول الله، إنك لن تزاول الرجل على شيء أشد عليه من ديته، نبايعك على أنفسنا، ونرسل من يدعوهم، فمن اتبعنا كان منا، ومن أبى قتلناه.
قال: صدقت.. إن فيك خصلتين: الحلم والأناة([376]).
متى قدم الوفد؟!:
وعن تاريخ قدوم وفد عبد القيس إلى المدينة نقول:
ذكر العلامة الأحمدي "رحمه الله": وجوه الإختلاف في تاريخ قدوم وفد عبد القيس، فقيل: سنة خمس.
وقيل: تسع.
وقيل: قبل فتح مكة.
وقيل: بعده.
وقيل: سنة عشر([377]).
وقال أيضاً: إنه "صلى الله عليه وآله" كتب إلى العلاء ابن الحضرمي في البحرين: أن يقدم عليه عشرون رجلاً، فقدموا عليه ورأسهم عبد الله بن عوف الأشج (ثم ذكر أسماءهم). فشكى الوفد العلاء بن الحضرمي، فعزله "صلى الله عليه وآله" وولى أبان بن سعيد، وأوصى بعبد القيس خيراً([378]).
وهذا يدل على: أن وفودهم كان في سنة تسع، لأن بعث العلاء إلى البحرين كان بعد فتح مكة.
غير أننا نقول:
إن ذلك لا يمنع من أن يكونوا قد وفدوا قبل ذلك، فقد قيل: إنه "صلى الله عليه وآله" بعث ابن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى في البحرين في السنة الثامنة.
وقيل: في السابعة.
وقيل: قبل فتح مكة.
وقيل: في العاشرة كما في الطبري([379]).
وهذه الأقوال تفسح المجال أمام احتمالات الأقوال في وقت مجيء الوفد إلى المدينة.
ولكنّ نصاً آخر يصرح: بأن راهباً أخبر صديقه المنذر بن عائذ، بأن نبياً يخرج بمكة يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه علامة، فأخبر المنذر الأشج بذلك، ثم مات الراهب.
فبعث الأشج ابن أخته وصهره، اسمه عمرو بن عبد القيس إلى مكة، ومعه تمر ليبيعه، وملاحف. وكان ذلك عام الهجرة، فلقي النبي "صلى الله عليه وآله"، ورأى صحة العلامات، وأسلم، وعلمه النبي "صلى الله عليه وآله" سورة الحمد وسورة إقرأ. وقال له: ادع خالك إلى الإسلام، فرجع وأسلم المنذر، ثم خرج في ستة عشر رجلاً من أهل هجر، وافداً إلى المدينة. وذلك عام الفتح، ثم شخص "صلى الله عليه وآله" إلى مكة، ففتحها([380]).
وقيل: إنه أتى النبي "صلى الله عليه وآله" في مكة([381]).
وربما يكون قد اتاه في مكة يوم فتحها، لا قبل الهجرة.
وقد رجح الزرقاني: أنه كانت لعبد القيس وفادتان: إحداهما: قبل الفتح، بدليل: أنهم قالوا لرسول الله "صلى الله عليه وآله": إن كفار مضر قد حالوا بينهم وبين رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فإن حيلولتهم هذه إنما كانت سنة خمس أو قبلها.
ويوضح ذلك نص آخر، فيقول: إن منقذ بن حيان كان متجره إلى المدينة في الجاهلية، فشخص إلى المدينة بملاحف، وتمر من هجر بعد هجرة النبي "صلى الله عليه وآله" إليها، فبينما منقذ قاعد إذ مرّ به "صلى الله عليه وآله"، فنهض إليه منقذ، فقال له "صلى الله عليه وآله": كيف قومك؟ ثم سأله عن أشرافهم، رجل رجل يسميهم بأسمائهم، فأسلم منقذ، وتعلم سورة الفاتحة، وسورة إقرأ، ثم رحل قِبل هجر، وكتب "صلى الله عليه وآله" معه لجماعة عبد القيس كتاباً، فلما وصل إليهم كتمه أياماً، وكان يصلي ويقرأ، فذكرت ذلك زوجته لأبيها المنذر بن عائذ، (وهو الأشج)([382])، وقالت له: أنكرت بعلي منذ قدم يثرب، إنه يغسل أطرافه، ويستقبل الجهة ـ تعني القبلة ـ فيحني ظهره مرة، ويضع جبينه مرة.
وذكرت: أنه قد صبأ.
فاجتمعا، وتجاريا ذلك، فأسلم المنذر، ثم أخذ الكتاب وذهب إلى قومه، فقرأه عليهم، فأسلموا، واجمعوا المسير إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"([383]).
تغير الوجوه دليل تعدد الوفادة!!:
استدلوا على تعدد وفادة عبد القيس بقوله "صلى الله عليه وآله" لهم: "ما لي أرى ألوانكم تغيرت"، ففيه إشعار بأنه رآهم قبل التغير([384]).
ولكنه استدلال غير كاف، فإن من الممكن أن تكون الآثار قد ظهرت على وجوههم، فإن كل إنسان يستطيع أن يدرك أن ثمة تغيراً طرأ على الوجوه، التي يفترض أن تكون على صفة معينة، تشابه فيها ما يعرفه الناس من ألوان وجوه الذين يعيشون معهم في نفس المحيط.
دليل سبق عبد القيس إلى الإسلام:
ولعل مما يدل على تعدد وفادتهم، قولهم: "الله ورسوله أعلم. وقولهم: يا رسول الله، دليل على أنهم كانوا حين المقالة مسلمين"([385]).
ونقول:
إننا وإن كنا نرى: أنهم كانوا مسلمين حقاً في ذلك الوقت غير أن من الجائز أن يكون قولهم هذا قد جاء بعد إسلامهم في نفس هذه الوفادة، ولعل الرواة اختصروا ما جرى، أو غفلوا عن ذكر بعض فصوله.
عبد قيس سَبَقَتْ إلى الإسلام:
ويدل على سبقهم إلى الإسلام: ما رواه العقدي عن ابن عباس: أن أول جمعة أقيمت بعد جمعة في مسجد رسول الله، هي تلك التي أقيمت في مسجد عبد القيس بقرية "جُواثَى" في البحرين. وإنما جمعوا بعد رجوع وفدهم إليهم. قال العسقلاني: فدل على أنهم سبقوا جميع القرى إلى الإسلام([386]).
وجُواثَى: بضم الجيم، وبعد الألف مثلثة مفتوحة.
غير أننا نقول:
إن ذلك يدل على تمكنهم من إظهار دينهم، وممارسة شعائرهم، ولعل غيرهم كان أسبق منهم إلى الإسلام، لكن لا يستطيع إقامة الجمعة، بسبب ما يخشاه من أذى يناله من المحيط الذي يعيشون فيه.
غير أننا بالنسبة لتقدم إسلام عبد القيس على مضر نقول:
إن قولهم: وبيننا وبينك هذا الحي من مضر، ولا نصل إليك إلا في شهر حرام. يدل على: تقدم إسلام عبد القيس على إسلام قبائل مضر الذين كانوا بينهم وبين المدينة، وكانت مساكن عبد القيس بالبحرين وما والاها من أطراف العراق([387]).
متى فرض الحج؟!:
وقالوا: إن خلو الرواية من ذكر الحج يدل على: أن هذا الوفد كان قبل تشريعه، لأن ابن القيم يقول: إن الحج قد فرض في السنة العاشرة([388]).
ورد عليه القسطلاني: بان فرض الحج كان سنة ست على الأصح([389]).
وقالوا: إن رواية أحمد قد صرحت: بأن إحدى الوفادتين كانت قبل فرض الحج، والأخرى كانت بعد ذلك، أي بعد السنة السادسة.
فرد العلامة الأحمدي "رحمه الله": بأن الحديث صدر عنه "صلى الله عليه وآله" مرة واحدة، ولكن الراوي لم يذكر الحج في بعض النصوص، كما لم يذكر الصيام في بعضها الآخر([390]).
وقد ورد في رواية البيهقي قوله: "وتحجوا البيت الحرام".
واعتبرها الزرقاني رواية شاذة، لأنها لم ترد في البخاري، ومسلم، وابن خزيمة، وابن حبان.
إلا أن هذا إنما هو بالنسبة لرواية أبي حمزة عن ابن عباس، لكن روى أحمد من طريق ابن المسيب وعكرمة عن ابن عباس ذكر الحج في قصة وفد عبد القيس([391]).
عدد الوفد:
قال العلامة الأحمدي "رحمه الله" ما ملخصه: "اختلفوا في عدد الوافدين، فقيل: ثلاثة عشر راكباً.
وقيل: أربعة عشر.
وقيل: ستة عشر.
وقيل: ثمانية عشر.
وقيل: عشرون.
وقيل: أربعون".
وقال الزرقاني: كان هناك وفدتان:
إحداهما: قبل الفتح، حيث كفار مضر يحولون بينهم وبين النبي "صلى الله عليه وآله"، وكان ذلك إما في سنة خمس من الهجرة أو قبلها. وعدد الوفد ثلاثة عشر كما رواه البيهقي. وقيل: أربعة عشر كما جزم به القرطبي والنووي.
والأخرى: سنة الوفود. وكان عدد الوفد الثاني أربعين رجلاً.
وقد عدّ العلامة الأحمدي "رحمه الله" في هامش كتابه أسماء ثمانية وثلاثين رجلاً من الوافدين، مشيراً إلى المصادر التي صرحت باسم كل منهم([392]).
فلا يلتفت إلى قول النووي: "إنهم كانوا أربعة عشر راكباً ـ ثم ذكر أسماءهم ـ ولم نعثر بعد طول التتبع على أكثر من أسماء هؤلاء"([393]).
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
الفصل الثاني عشر: السرايا ما قبل الأخيرة....................... PAGEREF _Toc148610439 \h 5 ـ 70
الباب السابع: الوفادات على رسول الله '
الفصل الأول: وفادات غير معتادة............................... PAGEREF _Toc148610475 \h 73 ـ 102
الفصل الثاني: أشخاص عُلم تاريخ وفادتهم................ PAGEREF _Toc148757280 \h 103 ـ 140
الفصل الثالث: وفادات أشخاص قليلة التفاصيل........... PAGEREF _Toc148757308 \h 141 ـ 184
الفصل الرابع: ست وفادات شخصية......................... PAGEREF _Toc148757342 \h 185 ـ 234
الباب الثامن: وفود لها تاريخ
الفصل الأول: وفود قبل فتح مكة............................. PAGEREF _Toc148757382 \h 237 ـ 278
الفصل الثاني: وفادات قبل سنة تسع........................ PAGEREF _Toc148757415 \h 279 ـ 338
الفهارس:........................................................... PAGEREF _Toc148757549 \h 339 ـ 354
2 ـ الفهرس التفصيلي
TOC \o "1-1" \t "عنوان 2,1,عنوان 3,1,عنوان 4,1,عنوان 5,1,عنوان 6,1"
الفصل الثاني عشر: السرايا ما قبل الأخيرة
هدم الكعبة اليمانية:............................................................... PAGEREF _Toc150229801 \h 7
سرية المغيرة لهدم الربة:...................................................... PAGEREF _Toc150229802 \h 11
خرافة تشغل بال الزعماء:.................................................... PAGEREF _Toc150229803 \h 14
طلب تأجيل هدم الصنم (الربة)!:............................................ PAGEREF _Toc150229804 \h 15
سبب اختيار أبي سفيان والمغيرة:........................................... PAGEREF _Toc150229805 \h 16
حزن وبكاء ثقيف على صنمها:.............................................. PAGEREF _Toc150229806 \h 17
المغيرة.. يضحك أصحابه من ثقيف:....................................... PAGEREF _Toc150229807 \h 17
سرية خالد إلى أكيدر:.......................................................... PAGEREF _Toc150229808 \h 21
عرض خالد على أكيدر:....................................................... PAGEREF _Toc150229809 \h 29
بطولة؟! أم مهمة إحراجية:................................................... PAGEREF _Toc150229810 \h 30
حدِّث العاقل بما لا يليق له:................................................... PAGEREF _Toc150229811 \h 31
دومة الجندل فتحت صلحاً:................................................... PAGEREF _Toc150229812 \h 33
النبي ' ينهى خالداً عن قتل أكيدر:.......................................... PAGEREF _Toc150229813 \h 35
مناديل سعد بن معاذ في الجنة:............................................... PAGEREF _Toc150229814 \h 36
أكيدر يسجد لرسول الله ':................................................... PAGEREF _Toc150229815 \h 37
أبو بكر، أَمْ خالد؟!:............................................................. PAGEREF _Toc150229816 \h 38
خالد سيف الله!!:................................................................ PAGEREF _Toc150229817 \h 39
هل صالحهم على الجزية؟!:.................................................. PAGEREF _Toc150229818 \h 40
خلع السلاح لماذا؟!:............................................................ PAGEREF _Toc150229819 \h 41
وراء الأكمة ما وراءها!!:.................................................... PAGEREF _Toc150229820 \h 42
سرية أبي أمامة إلى قومه:.................................................... PAGEREF _Toc150229821 \h 43
سرية خالد إلى بني الحارث بن كعب:...................................... PAGEREF _Toc150229822 \h 47
تحديد مدة الدعوة قبل القتال، لماذا؟!....................................... PAGEREF _Toc150229823 \h 51
سرية الجهني إلى أبي سفيان بن الحارث:.................................. PAGEREF _Toc150229824 \h 52
وفد بني عبس تحول سرية:................................................... PAGEREF _Toc150229825 \h 54
رسول الله ' هو العاشر:...................................................... PAGEREF _Toc150229826 \h 55
تاريخ هذه السرية:.............................................................. PAGEREF _Toc150229827 \h 56
بعثة الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق:.................................... PAGEREF _Toc150229828 \h 56
الوليد كان طفلاً:................................................................ PAGEREF _Toc150229829 \h 59
إجراءات إحترازية:............................................................ PAGEREF _Toc150229830 \h 62
الوليد ليس بفاسق حتى لو نزلت الآية فيه!!:.............................. PAGEREF _Toc150229831 \h 64
سرية خالد إلى قوم من خثعم:................................................ PAGEREF _Toc150229832 \h 68
الباب السابع: الوفادات على رسول الله '
الفصل الأول: وفادات غير معتادة
وفود تحدثنا عنها:.............................................................. PAGEREF _Toc150229837 \h 75
إجتماع الخضر بالنبي ':..................................................... PAGEREF _Toc150229838 \h 75
حديث إلياس موضوع:........................................................ PAGEREF _Toc150229839 \h 81
ضعف سند الحديث:............................................................ PAGEREF _Toc150229840 \h 82
وفد الجن:......................................................................... PAGEREF _Toc150229841 \h 83
قيمة هذه النصوص:............................................................ PAGEREF _Toc150229842 \h 87
حديث الجن في القرآن:........................................................ PAGEREF _Toc150229843 \h 88
روايات الجن في كتب الشيعة:............................................... PAGEREF _Toc150229844 \h 89
النبي ' مبعوث للإنس والجن:............................................... PAGEREF _Toc150229845 \h 90
ابن مسعود من أهل الصفة:................................................... PAGEREF _Toc150229846 \h 91
حفيد إبليس عند النبي ':...................................................... PAGEREF _Toc150229847 \h 94
إضافات على الرواية المتقدمة:.............................................. PAGEREF _Toc150229848 \h 98
وفود السباع:..................................................................... PAGEREF _Toc150229849 \h 99
طبع الذئاب:.................................................................... PAGEREF _Toc150229850 \h 101
إختلاف الروايات:............................................................ PAGEREF _Toc150229851 \h 102
الفصل الثاني: أشخاص عُلم تاريخ وفادتهم
وفادة خفاف بن نضلة:...................................................... PAGEREF _Toc150229854 \h 105
في وفود خشين إليه ':...................................................... PAGEREF _Toc150229855 \h 106
الوفد الأول لثقيف:........................................................... PAGEREF _Toc150229856 \h 106
وفود ضمام بن ثعلبة:........................................................ PAGEREF _Toc150229857 \h 107
متى وَفَدَ ضمام:............................................................... PAGEREF _Toc150229858 \h 111
النهي عن السؤال:............................................................ PAGEREF _Toc150229859 \h 112
أيكم محمد؟!:.................................................................. PAGEREF _Toc150229860 \h 117
الرسول ' يتكئ بين أصحابه:............................................. PAGEREF _Toc150229861 \h 117
مناشدات ضمام، ثم إسلامه:................................................ PAGEREF _Toc150229862 \h 118
اتق الجذام، اتق البرص:.................................................... PAGEREF _Toc150229863 \h 119
قدوم ذباب بن الحارث:...................................................... PAGEREF _Toc150229864 \h 120
وفد واثلة بن الأسقع:......................................................... PAGEREF _Toc150229865 \h 121
قدوم أسيد بن أبي أناس:..................................................... PAGEREF _Toc150229866 \h 124
سارية قائم بالسيف على رأس النبي ':.................................. PAGEREF _Toc150229867 \h 126
لمن الشعر؟!:.................................................................. PAGEREF _Toc150229868 \h 126
هجاء بني عبد عدي:......................................................... PAGEREF _Toc150229869 \h 127
أصدق بيت قالته العرب:.................................................... PAGEREF _Toc150229870 \h 127
النبي ' لا يقتل من أتاه:..................................................... PAGEREF _Toc150229871 \h 128
إكذابهم أنفسهم مطلوب له ':.............................................. PAGEREF _Toc150229872 \h 128
علم النبي ' بالغيب:......................................................... PAGEREF _Toc150229873 \h 128
وفود غسان:................................................................... PAGEREF _Toc150229874 \h 129
وفود جرير بن عبد الله البجلي:............................................ PAGEREF _Toc150229875 \h 130
ما جاء بك؟! تفضح التلاعب بالرواية:.................................. PAGEREF _Toc150229876 \h 133
الإيمان بالقدر وطاعة الأمراء:............................................ PAGEREF _Toc150229877 \h 136
هل ذكر رسول الله ' من أمري شيئاً:.................................... PAGEREF _Toc150229878 \h 137
جرير لا يستحق هذا الثناء:................................................. PAGEREF _Toc150229879 \h 138
الفصل الثالث: وفادات أشخاص قليلة التفاصيل
وفود فروة بن عمرو الجذامي:............................................. PAGEREF _Toc150229882 \h 143
دلالات في إسلام فروة:..................................................... PAGEREF _Toc150229883 \h 144
منطق الغالب هو المغلوب:................................................. PAGEREF _Toc150229884 \h 145
وفود رجل من عنس:........................................................ PAGEREF _Toc150229885 \h 147
وفود جعدة:.................................................................... PAGEREF _Toc150229886 \h 149
وفود الحجاج بن علاط السلمي:........................................... PAGEREF _Toc150229887 \h 149
وفود فروة بن مسيك:........................................................ PAGEREF _Toc150229888 \h 150
إن من الشعر لحكمة:......................................................... PAGEREF _Toc150229889 \h 153
يوم الردم في كلام النبي ':................................................ PAGEREF _Toc150229890 \h 153
وفد عامري، وكلبي:......................................................... PAGEREF _Toc150229891 \h 154
النبي ' أمي، صادق، زكي:............................................... PAGEREF _Toc150229892 \h 155
ما تعهد به عبد عمرو:....................................................... PAGEREF _Toc150229893 \h 156
وفود بني الرؤاس بن كلاب:............................................... PAGEREF _Toc150229894 \h 157
وفد زياد بن عبد الله الهلالي:............................................... PAGEREF _Toc150229895 \h 160
وفادة قيس بن عاصم:....................................................... PAGEREF _Toc150229896 \h 160
تعظيم قيس بن عاصم لماذا؟!:............................................. PAGEREF _Toc150229897 \h 162
قدوم أعشى بني مازن:...................................................... PAGEREF _Toc150229898 \h 165
وفادة أبي حرب:.............................................................. PAGEREF _Toc150229899 \h 167
أبو حرب يُسْلِم استناداً لقداحه:............................................. PAGEREF _Toc150229900 \h 168
إسلام عقال:................................................................... PAGEREF _Toc150229901 \h 169
معاوية بن حيدة:.............................................................. PAGEREF _Toc150229902 \h 169
أسئلة لا تجد لها جواباً:...................................................... PAGEREF _Toc150229903 \h 171
وفود جرم:..................................................................... PAGEREF _Toc150229904 \h 173
إمام الجماعة بعمر ست سنين:............................................. PAGEREF _Toc150229905 \h 175
ستر العورة في الصلاة واجب:............................................ PAGEREF _Toc150229906 \h 176
متى تعلَّم الجرميون القرآن؟!:.............................................. PAGEREF _Toc150229907 \h 176
أكثرهم قرآناً يؤم جماعتهم:................................................. PAGEREF _Toc150229908 \h 177
وفود جعفي:................................................................... PAGEREF _Toc150229909 \h 178
وفادة أبي سبرة:............................................................... PAGEREF _Toc150229910 \h 180
لا يكمل إسلامه إلا بأكل القلب:............................................ PAGEREF _Toc150229911 \h 181
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة:................................................ PAGEREF _Toc150229912 \h 182
الموؤودة في النار، وأمي مع أمكما:...................................... PAGEREF _Toc150229913 \h 182
الفصل الرابع: ست وفادات شخصية
1 ـ وفادة أبي رزين لقيط بن عامر:...................................... PAGEREF _Toc150229916 \h 187
مديح وتصحيح:..................................................... PAGEREF _Toc150229917 \h 192
تأكيد عقيدة التجسيم:............................................... PAGEREF _Toc150229918 \h 193
تمحلات وتأويلات باردة:......................................... PAGEREF _Toc150229919 \h 194
مصدر هذه العقيدة:................................................. PAGEREF _Toc150229920 \h 196
الأشاعرة وعقيدة التجسيم:........................................ PAGEREF _Toc150229921 \h 197
صفات الأفعال.. والتشبيه:........................................ PAGEREF _Toc150229922 \h 197
قِدَم الصفات:........................................................ PAGEREF _Toc150229923 \h 199
بنو المنتفق من اتقى الناس:....................................... PAGEREF _Toc150229924 \h 199
2 ـ قدوم الجارود بن المعلى، وسلمة بن عياض:...................... PAGEREF _Toc150229925 \h 202
إقتراح المعجزة:.................................................... PAGEREF _Toc150229926 \h 206
حلف الجاهلية مشدود، ولا حلف في الإسلام:................ PAGEREF _Toc150229927 \h 209
ليلة القدر في الإسلام:.............................................. PAGEREF _Toc150229928 \h 210
كفاه ضمان رسول الله ':........................................ PAGEREF _Toc150229929 \h 211
3 ـ وفادة الحارث بن حسان:............................................... PAGEREF _Toc150229930 \h 212
الشكوى من العمال:................................................ PAGEREF _Toc150229931 \h 213
الراية السوداء:...................................................... PAGEREF _Toc150229932 \h 214
الإهتمام بأخبار الفئات:............................................ PAGEREF _Toc150229933 \h 214
حياد النبي ':........................................................ PAGEREF _Toc150229934 \h 214
4 ـ وفود جهينة:.............................................................. PAGEREF _Toc150229935 \h 215
الأشعر والأجرد من جبال الجنة:................................ PAGEREF _Toc150229936 \h 217
مسجد جهينة:........................................................ PAGEREF _Toc150229937 \h 218
يرضى الله لرضا جهينة، ويغضب لغضبها:.................. PAGEREF _Toc150229938 \h 218
جهينة مني، وأنا منهم:............................................. PAGEREF _Toc150229939 \h 220
إبتذال.. وخيانة:..................................................... PAGEREF _Toc150229940 \h 221
5 ـ قدوم وائل بن حجر:..................................................... PAGEREF _Toc150229941 \h 221
أوسمة لوائل بن حجر:............................................. PAGEREF _Toc150229942 \h 224
وائل بن حجر على منبر الرسول ':........................... PAGEREF _Toc150229943 \h 225
ما الحاجة للبشارة بمقدم وائل:................................... PAGEREF _Toc150229944 \h 226
لماذا يكذب وائل؟!:................................................ PAGEREF _Toc150229945 \h 227
في وائل عيبة من الجاهلية:....................................... PAGEREF _Toc150229946 \h 228
وائل بن حجر عدو علي ×:...................................... PAGEREF _Toc150229947 \h 228
6 ـ وفود أبي صفرة:........................................................ PAGEREF _Toc150229948 \h 229
نسب الأطهار:....................................................... PAGEREF _Toc150229949 \h 230
المستكبر لم يكن في زمان موسى ×:........................... PAGEREF _Toc150229950 \h 231
لماذا كناه بابنته:..................................................... PAGEREF _Toc150229951 \h 231
الباب الثامن: وفود لها تاريخ
الفصل الأول: وفود قبل فتح مكة
وفود جذام:..................................................................... PAGEREF _Toc150229956 \h 239
داعيتهم منهم:.................................................................. PAGEREF _Toc150229957 \h 241
فله أمان شهرين:.............................................................. PAGEREF _Toc150229958 \h 242
تاريخ هذه السرية:............................................................ PAGEREF _Toc150229959 \h 242
جبرئيل في صورة دحية الكلبي:........................................... PAGEREF _Toc150229960 \h 243
وفد دوس:...................................................................... PAGEREF _Toc150229961 \h 243
نماذج من تناقضات الروايات:............................................. PAGEREF _Toc150229962 \h 247
سرقة فضيلة، أم استعارتها؟!:............................................. PAGEREF _Toc150229963 \h 248
مدائح دوس مشكوكة:........................................................ PAGEREF _Toc150229964 \h 249
راوي حديث الطفيل:......................................................... PAGEREF _Toc150229965 \h 250
أبو الطفيل يطرد أباه:........................................................ PAGEREF _Toc150229966 \h 250
التفريق بين المسلم وزوجته الكافرة:...................................... PAGEREF _Toc150229967 \h 251
المطاع في قومه لا يطيعه قومه:.......................................... PAGEREF _Toc150229968 \h 252
وفد بني عبد بن عدي:....................................................... PAGEREF _Toc150229969 \h 253
تاريخ هذا الوفد:............................................................... PAGEREF _Toc150229970 \h 254
نحن أهل الحرم:.............................................................. PAGEREF _Toc150229971 \h 254
وفود مزينة:................................................................... PAGEREF _Toc150229972 \h 255
وفد أشجع:..................................................................... PAGEREF _Toc150229973 \h 259
دلالة في موادعة أشجع:..................................................... PAGEREF _Toc150229974 \h 259
وفود بني عامر بن صعصعة:............................................. PAGEREF _Toc150229975 \h 260
خوف ابن الطفيل من أربد:................................................. PAGEREF _Toc150229976 \h 267
تاريخ هذه القضية:........................................................... PAGEREF _Toc150229977 \h 267
هل النبي ' فتى؟!:........................................................... PAGEREF _Toc150229978 \h 268
طموحات عامر بن الطفيل:................................................ PAGEREF _Toc150229979 \h 268
توقعات ابن الطفيل للمستقبل:.............................................. PAGEREF _Toc150229980 \h 271
النبي ' يرفض خلة ابن الطفيل:.......................................... PAGEREF _Toc150229981 \h 272
يذكر ابن حضير دون ابن معاذ:........................................... PAGEREF _Toc150229982 \h 275
الأمر ليس لك ولا لقومك:................................................... PAGEREF _Toc150229983 \h 275
غضب ابن الطفيل وتهديده:................................................ PAGEREF _Toc150229984 \h 276
الموت الذليل:.................................................................. PAGEREF _Toc150229985 \h 277
الجحود رغم ظهور الآيات:................................................ PAGEREF _Toc150229986 \h 278
الفصل الثاني: وفادات قبل سنة تسع
وفود بني ثعلبة:............................................................... PAGEREF _Toc150229989 \h 281
لا إسلام لمن لا هجرة له:................................................... PAGEREF _Toc150229990 \h 282
وفود باهلة:.................................................................... PAGEREF _Toc150229991 \h 283
وفود ثمالة والحدَّان:.......................................................... PAGEREF _Toc150229992 \h 285
وفود بني قشير:............................................................... PAGEREF _Toc150229993 \h 286
وفود بني سُليم:................................................................ PAGEREF _Toc150229994 \h 287
بول الثعلب على الصنم:..................................................... PAGEREF _Toc150229995 \h 290
الرجل الطويل اللسان:....................................................... PAGEREF _Toc150229996 \h 291
الإقطاعات والعطايا:......................................................... PAGEREF _Toc150229997 \h 292
إجابة مرفوضة:.............................................................. PAGEREF _Toc150229998 \h 292
الجواب الأمثل:................................................................ PAGEREF _Toc150229999 \h 293
الفقر الموت الأكبر:.......................................................... PAGEREF _Toc150230000 \h 294
البداوة مذمومة:............................................................... PAGEREF _Toc150230001 \h 295
آثار البداوة على الإنسان العربي:.......................................... PAGEREF _Toc150230002 \h 295
عناصر ضرورية لبناء الدولة والحضارة:.............................. PAGEREF _Toc150230003 \h 296
سياسة الإسلام للتخلص من البداوة:....................................... PAGEREF _Toc150230004 \h 297
لماذا إقطاع الأراضي؟!:.................................................... PAGEREF _Toc150230005 \h 300
ضرورة التعاون:............................................................. PAGEREF _Toc150230006 \h 301
إقطاع الأرض للمحتاجين:.................................................. PAGEREF _Toc150230007 \h 302
الإقطاع للقادرين والمبادرين:.............................................. PAGEREF _Toc150230008 \h 302
صفة الأرض المعطاة:...................................................... PAGEREF _Toc150230009 \h 303
إعتراضات وإجابات:........................................................ PAGEREF _Toc150230010 \h 305
لا حق لمسلم في الأراضي المعطاة:...................................... PAGEREF _Toc150230011 \h 308
وفد عبد القيس:................................................................ PAGEREF _Toc150230012 \h 309
هم خير أهل المشرق:........................................................ PAGEREF _Toc150230013 \h 318
عبد القيس في نصرة أمير المؤمنين ×:.................................. PAGEREF _Toc150230014 \h 318
هذا صاحبكم:.................................................................. PAGEREF _Toc150230015 \h 319
معرفة النبي ' بأنواع التمور:............................................. PAGEREF _Toc150230016 \h 321
النبي ' يرى ما في البحرين:.............................................. PAGEREF _Toc150230017 \h 322
خصلتان جُبِلَ الأشج عليهما:............................................... PAGEREF _Toc150230018 \h 322
سيطلع عليكم ركب:.......................................................... PAGEREF _Toc150230019 \h 323
طلب الإيفاد:................................................................... PAGEREF _Toc150230020 \h 324
الأشج ليس أصغرهم:........................................................ PAGEREF _Toc150230021 \h 325
المرء بأصغريه:.............................................................. PAGEREF _Toc150230022 \h 326
أتوني لا يسألوني مالاً:....................................................... PAGEREF _Toc150230023 \h 327
رسول الله ' يداوي مريضاً:............................................... PAGEREF _Toc150230024 \h 327
النبي ' يؤخر الركعتين بعد الظهر:....................................... PAGEREF _Toc150230025 \h 328
لماذا اقتصر على بعض الأوامر؟!:....................................... PAGEREF _Toc150230026 \h 328
تعظيم مُضر لشهر رجب:.................................................. PAGEREF _Toc150230027 \h 329
نبايعك على أنفسنا:........................................................... PAGEREF _Toc150230028 \h 330
متى قدم الوفد؟!:.............................................................. PAGEREF _Toc150230029 \h 330
تغير الوجوه دليل تعدد الوفادة!!:.......................................... PAGEREF _Toc150230030 \h 333
دليل سبق عبد القيس إلى الإسلام:......................................... PAGEREF _Toc150230031 \h 334
عبد قيس سَبَقَتْ إلى الإسلام:............................................... PAGEREF _Toc150230032 \h 334
متى فرض الحج؟!:.......................................................... PAGEREF _Toc150230033 \h 335
عدد الوفد:...................................................................... PAGEREF _Toc150230034 \h 336
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.............................................. PAGEREF _Toc150230038 \h 341
2 ـ الفهرس التفصيلي.............................................. PAGEREF _Toc150230041 \h 343
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص244 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص234. وراجع: طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج1 ق2 ص78 وأسد الغابة ج1 ص280 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص158 وصحيفة النبي ص121 والمصباح المضيء ج1 ص248 والإصابة ج1 ص232 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص234 عمدة القاري ج14 ص279 وإمتاع الأسماع ج12 ص55.
([2]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص244 عن الشيخين، وفي هامشه عن: البخاري في الصحيح (كتاب المغازي) (4355) انتهى. وراجع: طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج1 ق2 ص78 وأسد الغابة ج1 ص280 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص158 وصحبة النبي ص121 والمصباح المضيء ج1 ص248 والإصابة ج1 ص232 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص 234ومسند أحمد ج4 ص360 و362 وصحيح البخاري ج4 ص38 وج5 ص112 وصحيح مسلم ج7 ص157 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص174 وعمدة القاري ج15 ص10 وج18 ص11 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص 204 وأمالي المحاملي ص349 والمعجم الكبير ج2 ص300 والإستيعاب ج4 ص1596 والبداية والنهاية ج4 ص432 وج5 ص92 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص712 وج4 ص153.
([3]) الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص233 و (ط دار الحيل) ص237 والإصابة ج1 ص232وأعيان الشيعة ج4 ص72.
([4]) الإصابة ج1 ص232 وص582 وراجع: عمدة القاري ج16 ص282وتهذيب التهذيب ج2 ص64 وأعيان الشيعة ج4 ص72 والمسح في وضوء الرسول للآمدي ص138 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص312.
([5]) الإصابة ج1 ص232 وص582 وراجع: والمسح في وضوء الرسول للآمدي ص138 وأعيان الشيعة ج4 ص72 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص312.
([6]) الآية 20 من سورة النحل.
([7]) تهذيب الأحكام ج3 ص250 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج3 ص519 وراجع: المزار للمشهدي ص118والمفيد من معجم رجال الحديث للجواهري ص104 ومجمع البحرين للطريحي ج1 ص362.
([8]) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص75.
([9]) الكافي ج3 ص490 والخصال ج1 ص300 وتذكرة الفقهاء للحلي (ط ج) ج2 ص426 و (ط ج) ج1 ص90 ونهاية الإحكام ج1 ص354 وذكرى الشيعة ج3 ص119 وجواهر الكلام ج14 ص139 وتهذيب الأحكام للطوسي ج3 ص250 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص250 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص520 والمزار للمشهدي ص119 والبحار ج45 ص189 والعوالم للبحراني ص377 وجامع احاديث الشيعة ج4 ص546.
([10]) المعارف لابن قتيبة ص99 والإصابة ج1 ص232 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص234وسير أعلام النبلاء ج2 ص536.
([11]) قاموس الرجال ج2 ص585 وراجع: الإصابة ج1 ص232 والذريعة للطهراني ج2 ص141.
([12]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص226 وقال في هامشه: أخرجه البيهقي في الدلائل ج5 ص302 وانظر البداية والنهاية ج5 ص33.
([13]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص226 و 227 والسيرة النبوية للحميري ج4 ص969 وعيون الأثر ج2 ص274.
([14]) البحار ج34 ص290 والغارات للثقفي ج2 ص517 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص80 وقاموس الرجال ج10 ص194 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج11 ص310 و 326.
([15]) الأمالي للشيخ المفيد ص218 والبحار ج32 ص125 ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج19 ص304 والمفيد من معجم رجال الحديث للجواهري ص616 وقاموس الرجال للتستري ج10 ص194.
([16]) قاموس الرجال للتستري (مؤسسة النشر الإسلامي) ج10 ص194 و (ونشر دار الكتاب ـ طهران) ج9 ص85 عن آداب الصولي.
([17]) شرح النهج للمعتزلي ج6 ص43 والسقيفة وفدك ص70 قاموس الرجال للتستري (مؤسسة النشر الإسلامي) ج10 ص196 وغاية المرام للبحراني ج5 ص307.
([18]) قاموس الرجال للتستري (مؤسسة النشر الإسلامي) ج10 ص196 والغدير ج5 ص373 وج7 ص93 والسقيفة وفدك ص49 وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص220 وج2 ص52 والدرجات الرفيعة ص87 والوضاعون وأحاديثهم للأميني ص496 وأعيان الشيعة ج3 ص552.
([19]) راجع: قاموس الرجال للتستري (مؤسسة النشر الإسلامي) ج10 ص195 وراجع: الإمامة والسياسة ج1 ص187 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص219 والكامل في التاريخ لابن الأثير ج3 ص214 و 215 و (ط دار صادر) ص504 وتاريخ الأمم والملوك ج6 ص169 و 170 والغدير ج10 ص229 والنصائح الكافية ص64 وحياة الإمام الحسين "عليه السلام" للقرشي ج2 ص192.
([20]) قاموس الرجال للتستري (مؤسسة النشر الإسلامي) ج10 ص195 وراجع: مروج الذهب للمسعودي ج3 ص6 والغدير ج10 ص190 والنصائح الكافية ص72.
([21]) الأمالي للطوسي ص177 والبحار ج28 ص205 وتفسير الميزان ج9 ص108 ومجمع النورين ص84 وقاموس الرجال للتستري (مؤسسة النشر الإسلامي) ج10 ص196.
([22]) راجع: الإيضاح لابن شاذان ص553 والنص والإجتهاد ص356 والسقيفة وفدك ص95 وأحكام القرآن لابن عربي ج3 ص348 وراجع: فتح الباري ج5 ص187 وشرح معاني الآثار ج4 ص153 وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص237 وقاموس الرجال للتستري (مؤسسة النشر الإسلامي) ج10 ص195
([23]) قاموس الرجال للتستري (مؤسسة النشر الإسلامي) ج10 ص197 عن عيون الأخبار لابن قتيبة ج2 ص216 وتاريخ الإسلام للذهبي ج4 ص121 عن ابن سيرين.
([24]) قاموس الرجال للتستري (مؤسسة النشر الإسلامي) ج10 ص199 وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص230 وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ص604 وضعفاء العقيلي ج2 ص168 والعثمانية للجاحظ ص283 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج11 ص388.
([25]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص220 و 221 و ج7 ص298 و405 وج12 ص67 ال في هامشه: أخرجه ابن ماجة (157) وأحمد في المسند ج3 ص209 و122 و207 و238 و277 وج4 ص289 و301 و302 والحديث أخرجه البخاري ج10 ص303 (5836) وص141 وج4 ص87 ونيل الأوطار ج2 ص71 وصحيح مسلم ج7 ص151 وسنن ابن ماجة ج1 ص56 وشرح مسلم للنووي ج16 ص23 ومجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص310 وعمدة القاري ج6 ص179 وج12 ص27 وج13 ص170 وج15 ص157 وج23 ص173 وتحفة الأحوذي للمباركفوري ج5 ص317 وعون المعبود (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) ج11ص64 والمصنف للصنعاني ج11 ص235 ومسند الحميدي ج2 ص506 والمصنف لابن أبي شيبة الكوفي ج8 ص497 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص471 ومسند أبي يعلى ج6 ص8 وشرح معاني الآثار لأحمد بن محمد بن سلمة ج4 ص247 وصحيح ابن حبّان ج15 ص509 و 510 وكنز العمال وج10 ص587 وج11 ص686 و 688 وج13 ص412 و 414 والطبقات الكبرى لابن سعد 3 ص435 و 436 والثقات لابن حبان ج2 ص97 وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج9 ص203 وج52 ص427 وأسد الغابة ج3 ص411 وسير أعلام النبلاء للذهبي ج1 ص292 والإصابة لابن حجر ج4 ص419 وأخبار القضـاة لمحمد بن خلـف بن حيـان ج2 ص42 = = وتاريخ الطبري ج2 ص373 والكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص281 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص329 والبداية والنهاية لابن كثير ج4 ص148 وج5 ص22 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج2 ص63 وج14 ص50 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص953 وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص259 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص249 وج4 ص31 ومعجم ما استعجم للبكري الأندلسي ج1 ص304. والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص225. وراجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص98 والبحار ج18 ص136 ومكاتيب الرسول ج3 ص312 والثقات لابن حبان ج2 ص97 وأعيان الشيعة ج1 ص283.
([26]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص222 ومكاتيب الرسول ج3 ص303 عن المصادر التالية: العقد الفريد (ط جديد) باب الوفود ج2 ص47 و 48 ومعجم البلدان ج2 ص488 (في كلمة دومة) عن كتاب الفتوح لأحمد بن جابر، وإعلام السائلين ص41 وفتوح البلدان للبلاذري ص72 وفي (ط أخرى) ص82 والطبقات الكبرى ج1 ص289 وفي (ط أخرى) ج1 ق2 ص36 والأموال لأبي عبيد ص194 وفي (ط أخرى) ص282 ورسالات نبوية ص83 وصبح الأعشى ج6 ص370 وج2 ص265 والروض الأنف ج3 ص196 وغريب الحديث لأبي عبيد ج3 ص200 وفي (ط أخرى) ص365 والمغازي للواقدي ج3 ص1030 والسيرة الحلبية ج3 ص233 والأموال لابن زنجويه ج2 ص458 وجمهرة رسائل العرب ج1 ص49 (عن صبح الأعشى والروض الأنف ج2 ص319 وشرح الزرقاني للمواهب اللدنية ج3 ص414) والإصابة ج1 ص127 ونثر الدر للآبي ج1 ص210 و 211 ومدينة البلاغة ج2 ص260 ونشأة الدولة الإسلامية ص338 والفائق للزمخشري ج3 ص416. وعن المبسوط للسرخسي ج30 ص169 والسيرة الحلبية ج3 ص266 وتاريخ مدينة دمشق ج68 ص234.
([27]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص222 عن: البيهقي في الدلائل ج5 ص251 وذكره ابن حجر في المطالب (4065) وابن كثير في البداية والنهاية ج5 ص17 و (ط دار احياء التراث ص22) ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج1 ص98 والبحار ج18 ص137 ودلائل النبوة للأصبهاني ج4 ص1284 وكنز العمال ج10 ص584 وتاريخ مدينة دمشق ج9 ص202 وأسد الغابة ج1 ص164 والإصابة لابن حجر ج1 ص402 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج14 ص48 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح وأولاده ـ مصر) ج4 ص953 و (ط دار المعرفة ـ بيروت) والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص31 ومعجم ما استعجم للبكري الأندلسي ج1 ص303.
([28]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص222 وراجع: دلائل النبوة للأصبهاني ج4 ص1285 وكنز العمال ج10 ص584 وأسد الغابة ج1 ص164 والإصابة ج1 ص402.
([29]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص223 عن البيهقي، وابن مندة، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص93 عن البيهقي، وابن مندة، ويونس في زيادات المغازي.
([30]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص223 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص93.
([31]) الآيتان 3 و 4 من سورة النجم.
([32]) الطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج1 ص289 ومكاتيب الرسول للأحمدي ج3 ص312 وتاريخ مدينة دمشق ج68 ص234 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج2 ص65.
([33]) أسد الغابة ج1 ص113 وأشار العلامة الأحمدي "رحمه الله" في مكاتيب الرسول ج3 ص314 إلى: المغازي للواقدي ج3 ص1030 والإصابة ج1 ص61 و 125 ومعجم البلدان ج2 ص487 وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج3 ص109 والكامل في التاريخ ج2 ص281 والطبقات الكبرى ج2 ق1 ص120 والسيرة الحلبية ج3 ص233 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص374.
([34]) أسد الغابة لابن الأثير ج1 ص114 وج3 ص332 والأعلام للزركلي ج2 ص6 ومعجم البلدان ج2 ص488 وعن السيرة الحلبية ج3 ص233 و 234 وتهذيب تاريخ دمشق ج3 ص97 والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج4 ص234 وكتاب المحبر للبغدادي ص125 وإمتاع الأسماع ج14 ص48 وسبهل الهدى والرشاد ج6 ص220 و223.
([35]) الآية 3 من سورة المائدة.
([36]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص243 عن الطبراني من طريقين، سند أحدهما حسن، والإصابة ج2 ص182 عن أبي يعلى، وعن البيهقي في دلائل النبوة وراجع: المستدرك للنيسابوري ج3 ص642.
([37]) الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص4 و 5 والإصابة ج2 ص182 وعمدة القاري ج12 ص157 وسبل السلام ج1 ص18 والإستيعاب لابن عبد البر ج2 ص736 وج4 ص1602 و الإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص 13 و مستدركات علم رجال الحديث للشاهرودي ج4 ص259 وأسد الغابة ج5 ص139 والأعلام للزركلي ج3 ص203 والوافي بالوفيات ج16 ص177.
([38]) الإصابة ج2 ص182 و (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) ج3 ص340 وذكر المقريزي في هامش إمتاع الأسماع ج12 ص50.
([39]) الإصابة ج2 ص182 و (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) ج3 ص339 وسبل الهدى والرشاد ج10 ص251.
([40]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص232 ومكاتيب الرسول ج2 ص510 و 511 وفي هامشه عن المصادر التالية: تاريخ الأمم والملوك للطبري ج3 ص126 وما بعدها، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص339 وفي (ط أخرى) ج1 ق2 ص72 وأسد الغابة ج5 ص117 والكامل في التاريخ ج2 ص112 وفي (ط أخرى) ص293 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص262 وفي (ط أخرى) ص240 والإصابة ج3 ص660 والبحار ج21 ص369 و 370 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص657 ورسالات نبوية ص141 وزاد المعاد ج3 ص35 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص102 وفي (ط أخرى) ج4 ص33 والمفصل ج3 ص537 وج7 ص479.
([41]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص232 و320 ومكاتيب الرسول ج2 ص511 والبحار ج21 ص369 ومعجم قبائل العرب ج1 ص231 وتاريخ الطبري ج2 ص385 والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص114 والسيرة النبوية للحميري ج4 ص1012 وعيون الأثر ج2 ص297 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص188.
([42]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص232 ومكاتيب الرسول ج2 ص512 و 513 وفي هامشه عن المصادر التالية: السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص263 وفي (ط أخرى) ص239 وفي (ط مكتبة محمد علي صبيح وأولاده ـ مصر) ص 1013 وفي (ط دار المعرفة ـ بيروت) ج4 ص189 وتاريخ الطبري ج2 ص385 وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص285 وفي (ط أخرى) ج3 ص126 وجمهرة رسائل العرب عن صبح الأعشى ج6 ص465 والبحار ج21 ص370 ومآثر الأنافة ج3 ص277 والبداية والنهاية ج5 ص98 وفي (ط أخرى) ص114 وحياة الصحابة ج1 ص96 ورسالات نبوية ص141 ومجموعة الوثائق السياسية ص166 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص102 وج4 ص33 ونشأة الدولة الإسلامية ص161 وصبح الأعشى ج6 ص454 والمصباح المضيء ج2 ص257 وأشار إليه في الطبقات الكبرى ج1 ق2 ص72.
([43]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص232 والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص114 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص189 ومكاتيب الرسول ج2 ص510 وفي هامشه عن المصادر التالية: الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ق2 ص72 والعبر وتاريخ المبتدأ والخبر لابن خلدون ج2 ص828 وفي (ط أخرى) ج2 ق2 ص53 وزاد المعاد ج3 ص35 ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص411 وفي (هامشه أخرج النص) والسيرة الحلبية ج3 ص259 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج2 ص384 والإصابة ج3 ص660 (9288) والكامل في التاريخ ج2 ص293 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص102 وج4 ص33.
([44]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص247، وموضع النقاط يشير إلى فقدان النص ومجمع الزوائد ج6 ص201.
([45]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص241.
([46]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص224 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص296 وتاريخ مدينة دمشق ج49 ص359 والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص103 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص170 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص375.
([47]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص224 والإصابة لابن حجر ج1 ص427 ومعجم ما استعجم ج3 ص927.
([48]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص 224 والإصابة لابن حجر ج1 ص427 وفي هامش إكمال الكمال ج6 ص249.
([49]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص224 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص296 وتاريخ مدينة دمشق ج49 ص359.
([50]) شرح المواهب اللدنية للزرقـاني ج4 ص38 وفي هامش الغـارات للثقفي ج1 = = ص251 والإستيعاب ج4 ص1553 والدرر لابن عبد البر ص191 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص239 وراجع تفسير الميزان للطباطبائي ج18 ص314 وتفسير السمعاني ج5 ص217 و تفسير العز بن عبد السلام للإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي ج3 ص213 وتفسير الآلوسي ج21 ص136 وقاموس الرجال للتستري ج10 ص440 وأسد الغابة ج5 ص91 وتهذيب الكمال للمزي ج31 ص56 والإصابة لابن حجر ج6 ص481 وتهذيب ابتهذيب لابن حجر ج11 ص126 والوافي بالوفيات ج27 ص 276.
([51]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص38 والمعجم الكبير ج3 ص274 وتفسير المزان ج18 ص318 وتفسير إبن أبي حاتم ج10 ص3303 وأسباب نزول الآيات للنيسابوري ص262 والدر المنثور للسيوطي ج6 ص88 وفتح القدير للشوكاني ج5 ص62 وتاريخ مدينة دمشق ج63 ص228 و229.
([52]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص38 وراجع أسباب نزول الآيات للنيسابوري ص262 وهامش سير اعلام النبلاء للذهبي ج3 ص413 و أسد الغابة ج1 ص335 وتاريخ مدينة دمشق ج63 ص229 و228 وفتح القدير للشوكاني ج5 ص62 والدر المنثـور للسيـوطي ج6 ص88 وأسباب نـزول = = الآيات للنيسابوري ص262 وتفسير إبن أبي حاتم ج10 ص3303 وتفسير الميزان ج18 ص318 والمعجم الكبير للطبراني ج3 ص274.
([53]) الآية 6 من سورة الحجرات.
([54]) المغازي للواقدي ج3 ص980 و 981 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص162.
([55]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص38.
([56]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص38 وفي هامش الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي ج1 ص252 وعين العبرة في غبن العترة للسيد أحمد آل طاووس ص63 والبحار ج31 ص153 و154 وخلاصة عبقات الأنوار للنقوي ج3 ص271 والغدير للأميني ج8 ص124 و مستدرك سفينة البحار للشاهرودي ج8 ص201 والإستيعاب ج4 ص1553 و1554 وفقه القرآن للراوندي ج1 ص371 والتفسير الأصفى للكاشاني ج2 ص1192 وتفسير الميزان ج18 ص319 وجامع البيان للطبري ج26 ص160 و161 وتفسير السمرقندي ج3 ص308 وتفسير الثعلبي ج9 ص77 وأسباب نزول الآيات للنيسابوري ص261 وتفسير الواحدي ج2 ص1062 وتفسير البغوي ج4 ص212 والفسير النسفي ج4 ص163 وزاد المسير لابن الجوزي ج7 ص180 وتفسير القرطبي ج16 ص311 وتفسير ابن كثير ج4 ص223 و225 وفتح القدير للشوكاني ج5 ص60 والذريعة للسيد المرتضى ج2 ص536 وأصول السرخسي ج1 ص371 وتهذيب الكـمال ج31 = = ص56 وسير أعلام النبلاء ج3 ص414 وتهذيب التهذيب ج11 ص126 والوافي بالوفيات ج27 ص276 وإمتاع الأسماع ج13 ص217 والجمل للمفيد ص115 وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص132 والسيرة الحلبية ج2 ص592 والنصائح الكافية ص170.
([57]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص38 و 39 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج3 ص631 والإصابة ج3 ص638 و فلك النجاة في الإمامة والصلاة لعلي محمد فتح الدين الحنفي ص154 والسيرة الحلبية ج2 ص592 وسبل الهدى والرشاد ج9 ص370 وج10 ص111 والوافي بالوفيات ج27 ص276 والإصابة ج6 ص482 وتهذيب الكمال ج31 ص55 وتاريخ مدينة دمشق ج63 ص224 وضعفاء العقيلي ج2 ص319 وتفسير الآلوسي ج21 ص136 والإستيعاب ج4 ص1552 والمعجم الكبير ج22 ص151.
([58]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص39 والإصابة ج3 ص638 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج3 ص631 وأسد الغابة ج5 ص90 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص239 والإستيعاب ج4 ص1553 وعون المعبود للعظيم = = آبادي ج11 ص158 والجوهر النقي ج9 ص56 وتفسير الآلوسي ج21 ص136 وتهذيب الكمال ج31 ص56 والإصابة لابن حجر ج6 ص482 والوافي بالوفيات ج27 ص276 وإمتاع الأسماع ج13 ص215 و216.
([59]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص39 والإصابة ج3 ص638 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج3 ص 631 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص239 والإستيعاب ج4 ص1553 وعون المعبود للعظيم آبادي ج11 ص158 والجوهر النقي ج9 ص56 وتفسير الآلوسي ج21 ص136 وأسد الغابة ج5 ص90 وتهذيب الكمال ج31 ص56 والإصابة لابن حجر ج6 ص482 والوافي بالوفيات ج27 ص276 وإمتاع الأسماع ج13 ص215 و216.
([60]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص39 والإصابة ج3 ص638 وفي (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) ج6 ص482 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج3 ص631 عن الزبير بن بكار وغيره من علماء السير.
([61]) شرح المواهب للزرقاني ج4 ص39 والإصابة ج3 ص638 وفي (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) ج6 ص482 وتهذيب التهذيب ج11 ص127 وتفسير الآلوسي ج21 ص136.
([62]) الأغاني ج5 ص153 وتفسير الخازن ج3 ص470 والغدير ج2 ص46 ومصادر أخرى ستأتي عن قريب إن شاء الله.
([63]) شرح النهج للمعتزلي ج6 ص293 عن الزبير بن بكار وراجع: مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص119 والغدير ج8 ص275 وأعيان الشيعة ج1 ص575 وغاية المرام ج4 ص132.
([64]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص39 عن عبد الرزاق وغيره، عن قتادة، وعكرمة، ومجاهد. والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج3 ص632 والإصابة ج3 ص637 وراجع: تفسير الثعلبي ج9 ص77 وتفسير البغوي ج4 ص212 وتفسير القرآن للصنعاني ج3 ص231 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص529 وتاريخ مدينة دمشق ج63 ص232 والإصابة ج6 ص481 وإمتاع الأسماع ج13 ص217.
([65]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص39.
([66]) الآية 18 من سورة السجدة.
([67]) راجع: الأغاني ج5 ص153 وجامع البيان للطبري ج21 في تفسير الآية، وتفسير = = الخازن ج4 ص470 وأسباب النزول للواحدي ص235 والرياض النضرة ج3 ص156 وذخائر العقبى ص88 والمناقب للخوارزمي ص188 وكفاية الطالب ص55 وغرائب القرآن للنيسابوري ج21 ص72 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص462 ونظم درر السمطين ص92 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص80 وج6 ص292 وج1 ص394 وج2 ص103 والدر المنثور ج4 ص178 عن بعض من تقدم، وعن الأغاني، وابن عدي، وابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر، وابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وعن السيرة الحلبية ج2 ص85 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص633 وموسوعة الإمام علي للريشهري ج11 ص316 وغاية المرام للبحراني ج4 ص130.
([68]) الآية 6 من سورة الحجرات.
([69]) الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص632 وراجع: أسد الغابة ج5 ص90 والإصابة ج3 ص637 وتفسير البغوي ج4 ص212 وتفسير النسفي ج4 ص163 وزاد المسير لابن الجوزي ج7 ص180 وتفسير القرطبي ج16 ص311 وتفسير ابن كثير ج4 ص223 وتفسير الواحدي ج2 ص1016 وأسباب نزول الآيات للنيسابوري ص261 وتفسير الثعلبي ج9 ص77 وتفسير السمرقندي ج3 ص308 وجامع البيان للطبري ج26 ص161 و160 وتفسير الميزان ج18 ص319 والتفسير الأصفى للكاشاني ج2 ص1192 وفقه القرآن للراوندي ج1 ص371 والإستيعاب ج4 ص1554 و1553 ومستدرك سفينة البحار للشاهرودي ج8 ص201 والغـديـر ج8 ص124 وخلاصـة = = عبقات الأنوار للنقوي ج3 ص271 والبحار ج31 ص154 وعين العبرة في غبن العترة للسيد أحمد آل طاووس ص63 وفتح القدير للشوكاني ج5 ص60 وأصول السرخسي ج1 ص371 وتهذيب الكمال ج31 ص56 وسير أعلام النبلاء ج3 ص414 وتهذيب التهذيب ج11 ص126 والوافي بالوفيات ج27 ص276 وإمتاع الأسماع ج13 ص217 والجمل للمفيد ص115 وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص132 والسيرة الحلبية ج2 ص592.
([70]) الآية 110 من سورة آل عمران.
([71]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص38 والغدير ج8 ص275 وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص293 وأعيان الشيعة ج1 ص575 وغاية المرام للبحراني ج4 ص132.
([72]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص247 عن الطبراني في الكبير ج4 ص134 وقالوا: إن رجال الرواية ثقات وعمدة القاري ج13 ص277 وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج1 ص402 و403 والفتح السماوي للمناوي ج2 ص566 و568.
([73]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص436 عن ابن عدي، والبيهقي، وقال في هامشه: ذكره السيوطي في اللآلئ ج1 ص164 ووضعه والإصابة لابن حجر ج2 ص258.
([74]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص436 عن الدارقطني في الإفراد، والطبراني في الأوسط، وابن عساكر، وذكره السيوطي في اللآلئ ج1 ص85 وابن الجوزي في الموضوعات ج1 ص194 والإصابة لابن حجر ج2 ص259.
([75]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص437.
([76]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص435 عن الحاكم، وابن أبي الدنيا وراجع لسان الميزان ج6 ص295 وميزان الإعتدال ج4 ص441 و295 وفتح القدير للشوكاني ج4 ص412 و فتح القدير للشوكاني ج4 ص412.
([77]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص435.
([78]) الدر المنثور ج6 ص45 عن أبي نعيم في دلائل النبوة، والواقدي وعمدة القاري ج6 ص37 وج16 ص309 والدر المنثور للسيوطي ج6 ص45 وتفسير الآلوسي ج26 ص32 وج29 ص83 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص443.
([79]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص434 عن أبي نعيم، وقال في هامشه: ذكره الهيثمي = = في المجمع ج1 ص215، وقال: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن، والبحار ج60 ص294 والسيرة الحلبية ج2 ص60 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص64.
([80]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص434 عن أحمد، والترمذي، ومسلم، والدر المنثور ج6 ص44 عنهم وعن عبد بن حميد، والبحار ج60 ص294 وراجع: صحيح مسلم ج2 ص36 وسنن الترمذي ج5 ص59 وسنن الكبرى للبيهقي ج1 ص109 وضعيف سنن الترمذي للألباني ص415 وتفسير البغوي ج 4 ص174 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص316 وتفسير القرطبي ج1 ص315 وج19 ص4 و6 وتفسير إبن كثير ج4 ص176 وأضواء البيان للشنقيطي ج4 ص121.
([81]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص434 عن ابن جرير، وقال في هامشه: أخرجه الطبري في التفسير ج26 ص21، وأحمد في المسند ج1 ص416، وذكره ابن كثير في التفسير ج7 ص275 وفي (ط دار المعرفة ـ بيروت) ج4 ص177 وراجع: مسند أحمد ج1 ص416 ومسند أبي يعلى ج8 ص474 وصحيح ابن حبان ج14 ص224 و225 وموارد الظمآن للهيثمي ج5 ص448 وكنز العمال ج6 ص144 وجامع البيان للطبري ج26 ص43 وتفسير ابن كثير ج4 ص177 والدر المنثور للسيوطي ج6 ص44.
([82]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص435 عن ابن جرير، وقال في هامشه عن: المستدرك للحاكم ج2 ص503 وعن دلائل النبوة (129). وراجع: البحار ج60 ص295= = وراجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج1ص44 والدرر لابن عبد البر ص59 وجامع البيان للطبري ج26 ص43 وتفسير البغوي ج4 ص173 وتفسير القرطبي ج16 ص212 ووتفسير ابن كثير ج4 ص177 وتهذيب الكمال ج34 ص68.
([83]) سبل الهدى والرشاد ج2 ص445 وج6 ص433 عن أبي نعيم، وفي هامشه عن: نصب الراية ج1 ص145 وعن تفسير ابن كثير ج7 ص282 وفي (ط دارالمعرفة ـ بيروت) ج4 ص182 وراجع: صحيح البخاري ج4 ص241 وفتح الباري ج7 ص132 ومسند الشاميين للطبراني ج4ص115 وجامع البيان للطبري ج26 ص42 وتفسير الثعلبي ج9 ص21 وتفسير البغوي ج4 ص174 وتفسير القرطبي ج13 ص183 وج16 ص212 والسيرة الحلبية ج2 ص64.
([84]) الآية 29 من سورة الأحقاف.
([85]) الآيتان 1 و2 من سورة الجن.
([86]) راجع: الدر المنثور ج6 ص44 و 45 وراجع المصادر التي سلفت.
([87]) البرهان (تفسير) ج4 ص 177 و 178 والبحار ج18 ص90 وج60 ص81 وتفسير القمي ج2 ص300 والتفسير الصافي للكاشاني ج5 ص18 وج6 ص461 وتفسير نور الثقلين ج5 ص435 وتفسير الميزان ج18 ص220.
([88]) البحار ج60 ص97 و 98 عن الإحتجاج وراجع: ج 10 ص44 وج 16 ص415 وج17 ص292.
([89]) راجع: البحار ج 60 ص42 ـ 130.
([90]) البحار ج 60 ص291.
([91]) البحار ج8 ص335 وج60 ص82 و291 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص203 وتفسير نور الثقلين ج5 ص19 و 437 وتفسير الميزان ج18 ص220 وج20 ص48 والتفسير الصافي ج5 ص18 وج6 ص461 وتفسير القمي ج2 ص300 والتفسير الأصفى ج2 ص1170.
([92]) البحار ج60 ص291.
([93]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص433 وتفسير السمعاني ج2 ص107 ونصب الراية ج1 ص215 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج1 ص64.
([94]) السيرة الحلبية ج3 ص369 وعمدة القاري ج3 ص216 وفتح الباري ج1 ص324.
([95]) تهذيب التهذيب ج12 ص405 وسير أعلام النبلاء ج1 ص150 والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص103 والطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص217 وغيرها.
([96]) المعجم الكبير ج10 ص374 والمبسوط ج3 ص274 وجواهر الكلام ج38 ص55 والأم للشافعي ج4 ص50 وعن الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ق1 ص107 وراجع ص108 وراجع: معجم البلدان ج5 ص86 ومسالك الأفهام، كتاب إحياء الموات ووفاء الوفاء ج2 ص718 وبيل الأوطار للشوكاني ج6 ص59 ومكاتيب الرسول للاحمدي ج1 ص355 ومجمع الزوائد ج4 ص197 والمعجم الأوسط للطبراني ج5 ص163 وامعجم الكبير للطبراني ج10 ص222.
([97]) وفاء الوفاء ج2 ص718 ومعجم البلدان ج5 ص86.
([98]) راجع: وفاء الوفاء ج2 ص695 و 728 وكانت تدعى دار القراء وخلاصة الوفا باخبار دار المصطفى ج1 ص170 و220.
([99]) وفاء الوفاء ج2 ص 453 و 454 وميزان الحكمة للريشهري ج4 ص3226 وفتح الباري ج11 ص244 وعمدة القاري ج4 ص198 ومسند ابن راهويه ج1 ص28 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص255.
([100]) وفاء الوفاء ج2 ص455 و مناقب الإمام أمير المؤمنين "عليه السلام" محمد بن سليمان الكوفي ج1 ص73 وسنن الترمذي ج4 ص61 و62 وفتح الباري ج11 ص243 وتحفة الأحوذي للمباركفوري ج7 ص150 ورياض الصالحين للنووي ص276 وتاريخ مدينة دمشق ج67 ص319 و320.
([101]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص438 و 439 عن ابن الجوزي في الموضوعات واللآلي المصنوعة، والنكت البديعات، وعن عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، والعقيلي في الضعفاء، وابن مردويه في التفسير، وأبي نعيم في حلية الأولياء والدلائل، والبيهقي في الدلائل، والمستغفري في الصحابة، وإسحاق بن إبراهيم المنجنيقي، والفاكهي في كتاب مكة، والبحار ج60 ص303 و 83 ـ 84 وج38 ص54 ـ 57 وج27 ص14 ـ 17 وج18 ص84 عن أسد الغابة وعن تفسير القمي وبصائر الدرجات ص27.
([102]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص439.
([103]) البحار ج27 ص16 وبصائر الدرجات ص118 ومدينة المعاجز ج1 ص128 وجامع احاديث الشيعة للبروجردي ج14 ص330 وكنز العمال ج6 ص165= = وضعفاء العقيلي ج1 ص99 وطبقات المحدثين بأصبهان لابن حبان ج3 ص 267 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص207 وميزان الإعتدال ج1 ص187 ولسان الميزان ج1 ص356 والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص113 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص186.
([104]) تفسير القمي ج1 ص376 وتفسير الصافي للكاشاني ج3 ص107 والبحار ج60 ص84 وج27 ص14 و 16 وج18 ص84 عن تفسير القمي وتفسير نور الثقلين ج3 ص8.
([105]) البحار ج38 ص54 ـ 57 وج27 ص15 ـ 17 وأشار في هامشه إلى الروضة ص41 و 42 وبصائر الدرجات ص27 و الروضة في فضائل أمير المؤمنين لابن جبرئيل القمي ص223.
([106]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص440 عن سعيد بن منصور، والبزار، وأبي يعلى، والبيهقي، وقال في هامشه: انظر البداية والنهاية ج6 ص166.
([107]) البداية والنهاية لابن كثير ج6 ص161 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص440 عن أبي نعيم، والبيهقي.
([108]) البداية والنهاية ج6 ص166 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص440 عن ابن سعد، وأبي نعيم، وقال في هامشه: أخرجه ابن سعد في الطبقات 1ج ق2 ص86، وأبو نعيم في الدلائل (133)، وانظر البداية والنهاية ج5 ص95. والعسلان: هو السرعة وراجع: أسد الغابة ج2 ص172 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج5 ص235.
([109]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص440 عن الدارمي، وابن منيع في مسنده، أبي نعيم.
([110]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص440 عن الواقدي، وأبي نعيم.
([111]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص329 عن البيهقي في دلائل النبوة، وعن أبي سعيد النيسابوري في شرف المصطفى، ونقله في هامشه عن صحيح مسلم 4/2055 (7/2670) وعن البخاري 10/537 (6145) وكنز العمال ج3 ص860.
([112]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص334 عن ابن سعد، عن الواقدي، والإصابة ج4 ص30 والطبقات الكبرى ج1 ص329 وج7 ص416 وتاريخ مدينة دمشق ج66 ص100.
([113]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص297 وعيون الأثر ج2 ص273 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص968 وإمتاع الأسماع ج14 ص30 والإصابة ج5 ص306 وأسد الغابة ج4 ص187 وج5 ص304 والطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص504 والدرر لابن عبد البر ص249.
([114]) راجع ما تقدم كلاً أو بعضاً في المصادر التالية: سبل الهدى والرشاد ج6 ص353 و 354 و 355 عن البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجة، وأبي القاسم البغوي، وابن سعد، وراجع: المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص192 ـ 202 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج2 ص215 ـ 217 والإصابة ج2 ص210 و 211 ومسند أحمد ج1 ص265 وسنن الدارمي ج1 ص167 والمستدرك للنيسابوري ج3 ص55 وعمدة القاري ج2 ص22 والإستيعاب ج2 ص753 وتاريخ المدينة للنميري ج2 ص523 وتاريخ الطبري ج2 ص384 والكامل في التاريخ ج2 ص290 والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص73 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص997 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص355.
([115]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص193 و 197.
([116]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص197 عن أحمد والحاكم.
([117]) الآية 43 من سورة النحل والآية 7 من سورة الأنبياء.
([118]) البحار ج1 ص198 عن نوادر الراوندي.
([119]) البحار ج1 ص198 عن منية المريد والحدائق الناضرة ج1 ص78 والكافي ج1 ص40 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص95.
([120]) البحار ج1 ص198 عن منية المريد والكافي ج1 ص40 ومنية المريد للشهيد الثاني ص175 و259 والبحار ج1 ص198 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص102.
([121]) سفينة البحار ج6 ص348 والبحار ج1 ص168 وج46 ص62 و63 والمجموع للنووي ج1 ص27 وروضة الطالبين للنووي ج1 ص74 والخصال للصدوق ص518 والأمالي للطوسي ص478.
([122]) البحار ج1 ص196 و 197 عن صحيفة الرضا "عليه السلام"، وعن الخصال.
([123]) سفينة البحار ج6 ص358 والتحفة السنية للجزائري ص11 وأمالي الطوسي ص377 ومنية المريد للشهيد الثاني ص369 والبحار ج2 ص68 وج7 ص217 والغدير ج8 ص153 ومسند أحمد ج2 ص296 و499 و508 ومجمع الزوائد ج1 ص163 والمعجم الأوسط للطبراني ج2 ص382 وج5 ص108 و356 والمعجم الكبير للطبراني ج11 ص117 والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص54 و جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج1 ص4 و5 و38 وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج1 ص254 وكنز العمال ج10 ص196 و216 وتفسير الصافي ج1 ص163 وتفسير نور الثقلين ج4 ص518 وتفسير الميزان ج3 ص75 وتفسير القرآن للصنعاني ج1 ص64 وأحكام القرآن للجصاص ج1 ص122 وتفسير الرازي ج1 ص184 والدر المنثور للسيوطي ج1 ص162 وتفسير الآلوسي ج2 ص26 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص331 وضعفاء العقيلي ج1 ص74 وج4 ص160 والكامل ج3 ص455 وج4 ص312 وج5 ص212 وج6 ص341 وكتاب الضعفاء للأصبهاني ص50 وتاريخ بغداد ج7 ص418 وج14 ص325 وتاريخ مدينة دمشق ج43 ص541 وميزان الإعتدال للذهبي ج2 ص582 وغيرها.
([124]) الآيتان 101 و 102 من سورة المائدة.
([125]) الآية 70 من سورة الكهف.
([126]) سفينة البحار ج6 ص244 عن أمالي الصدوق وتحرير الأحكام للحلي ج1 ص40 وعوائد الأيام للنراقي ص551 والكافي ج1 ص32 والأمالي للصدوق ص340 ومعاني الأخبار للصدوق ص141 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج17 ص327 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج12 ص245 ومستطرفات السرائر لابن إدريس الحلي ص627 ومشكاة الأنوار للطبرسي ص242 وعوالي اللئالي ج4 ص79 والبحار ج1 ص211 ومعارج الأصول للمحقق الحلي ص23.
([127]) سفينة البحار ج6 ص244 عن إعلام الدين وعمدة الداعي للحلي ص68 ومستدرك سفينة البحار للشاهرودي ج7 ص 349 وأعلام الدين في صفات المؤمنين للديلمي ص305.
([128]) الآية 260 من سورة البقرة.
([129]) راجع: عيون اخبار الرضا ج1 ص197 والبحار ج49 ص91 وموسوعة أحاديث أهل البيت ج5 ص206 وإعلام الورى ج2 ص63 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج12 ص209 ومستدرك الوسائل ج8 ص439 وجامع أحاديث الشيعة ج15 ص556 ومسند الإمام الرضا ج1 ص45 ومستدرك سفينة البحار ج3 ص187.
([130]) سبل الهدى والرشاد ج2 ص211 وج6 ص338 عن ابن سعد، والإصابة (ط = = دار الكتب العلمية) ج2 ص336 وج7 ص105، وج1 ص481 عن ابن شاهين، وفي وابن مندة في دلائل النبوة، والمعافي في الجليس، والبيهقي في الدلائل، وابن سعد، وكنزالفوائد للكراجكي ص92، والبحار ج18 ص102، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص342، وأسد الغابة ج2 ص136، وأعيان الشيعة ج8 ص52.
([131]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص338 عن ابن سعد، والإصابة ج1 ص481، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص342، وأعيان الشيعة ج8 ص52.
([132]) سبل الهدى والرشاد ج11 ص373 وج6 ص402 عن الطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج1 ص305، وتاريخ مدينة دمشق ج62 ص353، والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص106، وأعيان الشيعة ج1 ص241، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص176.
([133]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص433 وفي هامشه عن: مجمع الزوائد ج5 ص255 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات، وكنز العمال ج16 ص676، وتاريخ المدينة للنميري ج2 ص486.
([134]) قاموس الرجال ج9 ص240 عن تاريخ بغداد (ترجمة منصور بن عمار) وفي (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج10 ص421، وكنز العمال ج1 ص94،تاريخ بغداد ج13 ص73، وتاريخ مدينة دمشق ج62 ص355، و356، وذكر أخبار إصبهان ج2 ص38.
([135]) الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص643 وراجع: قاموس الرجال ج9 ص239، والإستيعاب ج4 ص1563، وشرح مسند أبي حنيفة للقاري ص590، أسد الغابة ج5 ص77، وتاريخ الإسلام للذهبي ج6 ص216، والوافي بالوفيات ج27 ص243، وتاريخ مدينة دمشق ج62 ص347 و349، والجرح والتعديل للرازي ج9 ص47.
([136]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص271 و 365 و 366 عن ابن شاهين، عن المدائني، وابن عساكر، والإصابة ج1 ص47 عن المدائني وابن شاهين، وتاريخ مدينة دمشق ج20 ص22، وإسد الغابة ج1 ص89 و90، والوافي بالوفيات ج9 ص238، والإصابة ج2 ص336.
([137]) راجع: الإصابة ج1 ص69 و390، وسبل الهدى والرشاد ج5 ص263، وج6 ص271 عن الواقدي، والطبراني، وتصحيفات المحدثين للعسكري ج3 ص929 و931، وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص282، والوافي بالوفيات ج9 ص237، والبداية والنهاية لابن كثير ج4 ص356، والسيرة النبوية للحميري ج4 ص879، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص589.
([138]) راجع: الإصابة ج1 ص47 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص271 و 272.
([139]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص271 و 272، والإصابة ج1 ص272، وخزانة الأدب للبغدادي ج6 ص429.
([140]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص391 عن زاد المعاد وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص223، وعيون الأثر ج1 ص316، والطيقات الكبرى لابن سعد ج1 ص339، وتاريخ مدينة دمشق ج68 ص94، والسيرة الحلبية ج3 ص277.
([141]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص311 عن الطبراني، والبيهقي، وابن سعد وقال في هامشه: أخرجه ابن سعد في الطبقات ج2 ص110، والبحار ج21 ص371، والطبقات المبرى لابن سعد ج1 ص347.
وراجع: الإصابة ج1 ص232 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص233.
([142]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص311 عن أحمد، والبيهقي، والطبراني، وراجع: الإصابة ج1 ص232 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص233، وفضائل الصحابـة للنسائي ص60، والمستدرك للنيسابـوري ج1 ص285، = = والسنن الكبرى للبيهقي ج3 صص222، والمصنف ج7 ص538 وج8 ص455، و بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص308، والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص82، وصحيح ابن خزيمة ج3 ص149، وصحيح ابن حبان ج16 ص174، والمعجم الكبير للطبراني ج2 ص353، وكنز العمال ج13 ص327.
([143]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص311 عن أحمد، والبزار، والبيهقي، والطبراني برجال ثقات، وقال في هامشه: أخرجه ابن ماجة (3712) والبيهقي في السنن ج8 ص168، والطبراني في الكبير ج2 ص370 و325، والحاكم في المستدرك= = ج4 ص292، وأبو نعيم في الحلية ج6 ص205، وابن عدي في الكامل ج1 ص181، والمجموع لمحيى الدين النووي ج14 ص43، ومستدرك الوسائل للميرزا النوري ج8 ص396، ومستدرك سفينة البحار للشاهرودي ج9 ص106، ومجمع الزوائد للهيثمي ج8 ص15، ومكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص34، والأحاديث الطوال للطبراني ص21، والمعجم الأوسط للطبراني ج5 ص262 و369 وج6 ص240، والمعجم الصغير للطبراني ج2 ص12، والاستيعاب ج1 ص 237 وج3 ص928، وتاريخ بغداد ج1 ص201 وج7 ص97، وأسد الغابة ج1 ص279، وسير أعلام النبلاء ج2 ص532، وغيرها.
وراجع: الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص233 والإصابة ج1 ص232.
([144]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص312 عن الطبراني برجال الصحيح، والطبقات الكبرى لإ بن سعد ج1 ص347.
([145]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص312.
([146]) الإصابة ج1 ص232 و582، وسبل الهدى والرشاد ج6 ص311 وج9 ص388، وأعيان الشيعة ج4 ص72، ومسند الشهاب لابن سلامة ج1 ص445، وكشف الخفاء للعجلوني ج1 ص75، وتهذيب التهذيب ج2 ص64.
([147]) الإصابة ج1 ص232 وفي (ط دارالكتب العلمية) ج1 ص582، و وسبل الهدى والرشاد ج6 ص312، وأعيان الشيعة ج4 ص72.
([148]) الإصابة ج1 ص232 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص233 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص312، و تهذيب التهذيب ج2 ص64، والذريعة للطهراني ج8 ص51، و أعيان الشيعة ج4 ص72، وتاج العروس ج14 ص44.
([149]) الإصابة ج1 ص232، وفتح الباري ج1 ص193 وج7 ص99، و عمدة القاري ج15 ص144، و شرح مسند أبي حنيفة للقاري ص66، و إرواء الغليل للألباني ج1 ص139، و الإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص35، و الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج1 ص291، والمعارف لابن قتيبة ص292.
([150]) الإصابة ج1 ص232، وسبل الهدى والرشاد ج6 ص312.
([151]) راجع: مروج الذهب ج2 ص 373 وتذكرة الخواص ص84 والإصابة ج2 ص232، و نيل الأوطار للشوكاني ج1 ص223، وشرح النهج للمعتزلي ج3 ص118 وج4 ص75.
([152]) راجع: قاموس الرجال ج2 ص585، و بحار الأنوار ج32 ص381، وشرح النهج للمعتزلي ج3 ص118، وتاريخ مدينة دمشق ج57 ص442، وانساب الأشراف للبلاذري ص277، وأعيان الشيعة ج1 ص471، ووقعة صفين للمنقري ص60.
([153]) الخصال ج1 ص300، والكافي ج3 ص490، وروضة الواعظين للنيسابوري ص336، والوسائل ( ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص250 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص520، والبحار ج97 ص438.
([154]) تهذيب الأحكام للطوسي ج3 ص250، وتذكرة الفقهاء (ط.ق) للحلي ج1 ص90 و (ط.ج) ج2 ص426، ومنتهى المطلب (ط.ق) للحلي ج1 ص387، و نهاية الإحكام للحلي ج1 ص354، وكشف الغطاء (ط.ق) للشيخ جعفر كاشف الغطاء ج1 ص212، والكافي ج3 ص490، وروضة الواعظين للنيسابوري ص336، والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص249، و (ط دار الإسلامية) ج3 ص519، ومستدرك الوسائل للنوري ج3 ص397 و399، والغارات ج2 ص486، وأمالي الطوسي ص169، وفضل الكوفة ومساجدها للمشهدي ص18، والمزار للمشهدي ص118، والبحار ج80 ص361 وج97 ص438، وجامع أحاديث الشيعة للبروجردي ج4 ص543.
([155]) راجع: شرح النهج ج4 ص75، والبحار ج109 ص60.
([156]) راجع: قاموس الرجال ج2 ص585، وأعيان الشيعة ج4 ص75.
([157]) راجع: الإصابة ج1 ص232 وأسد الغابة ج1 ص279 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص233، وشرح النهج للمعتزلي ج3 ص118، وسير أعلام النبلاء ج2 ص535، والمعارف لابن قطيبة ص292، وتاريخ الإسلام للذهبي ج4 ص187، والوافي بالوفيات ج11 ص58، والبداية والنهاية لابن كثير ج8 ص61، وتاج العروس ج14 ص44.
([158]) الإصابة ج1 ص232 وفي (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص583، وخزانة الأدب ج8 ص22.
([159]) الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص234 وفي (ط دار الجيل) ج1 ص238، وأعيان الشيعة ج4 ص72.
([160]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص192، وتاريخ مدينة دمشق ج58 ص9، والإصابة ج6 ص78، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص262 و281 وج7 ص435.
([161]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص391 عن ابن إسحاق، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص192 وراجع: الإصابة ج3 ص213 عن ابن إسحاق وابن شاهين، وتاريخ مدينة دمشق ج48 ص273، والإصابة ج5 ص295، والوافي بالوفيات ج24 ص6، وعيون الأثر ج2 ص297.
([162]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص390 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج2 ص115 وفي (ط دار صادر) ج7 ص435، ومعجم ما استعجم ج4 ص1242، والبحار ج21 ص409.
([163]) الآية 256 من سورة البقرة.
([164]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص389 عن ابن سعد، والطبراني، والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج2 ص106 والإصابة ج1 ص508 وفي (ط دار الكتب = = العلمية) ج2 ص387، وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص394، والمعجم الكبير للطبراني ج5 ص66، وأسد الغابة ج2 ص168.
([165]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص314 عن طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج1 ق2 ص46 ومجموعة الوثائق السياسية ص318.
([166]) الآية 33 من سورة الرحمن.
([167]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص321 عن ابن أبي الدنيا في الهواتف، وابن عساكر، والبحار ج60 ص299 وكنز العمال ج13 ص348 وأسد الغابة ج1 ص381 والهواتف لابن أبي الدنيا ص38 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج1 ص325 والإصابة (دار الكتب العلمية) ج2 ص29 والوافي بالوفيات للصفدي ج11 ص245 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج4 ص32 وأعيان الشيعة ج4 ص565.
([168]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص392 و 393 عن ابن إسحاق، والواقدي، وفي هامشه عن البداية والنهاية ج5 ص71، وتاريخ الطبري ج2 ص392، والبداية والنهاية ج5 ص83، وإمتاع الأسماع ج2 ص98 وج9 ص378، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1004، وعيون الأثر ج2 ص290، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص137، والسيرة الحلبية ج3 ص259.
([169]) مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص7 واللهوف ص54 وعن تاريخ ابن عساكر ج4 ص334.
([170]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص401 عن ابن سعد في الطبقات (ط ليدن) ج2 ص92 وفي (ط دار صادر) ج1 ص334، والإصابة ج4 ص315.
([171]) راجع: الروض الأنف ج2 ص136 والبداية والنهاية ج3 ص101 و102 و103 و (ط دار إحياء التراث العربي) ص127 وسيرة مغلطاي ص25 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص80، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص 25 ـ 28، والأغاني (ط ساسي) ج 8 ص85 و 86، والروض الانف ج2 ص136، وسيرة مغلطاي ص 25، وتفسير الميزان ج6 ص 134، والسيرة الحلبية ج2 ص262، ومحاضرات الأدباء المجلد الثاني ص418، والشعر والشعراء لابن قتيبة ص135.
([172]) المصنف للصنعاني ج6 ص72 وج7 ص186 والسنن الكبرى ج9 ص248، وأسد الغابة ج1 ص58.
([173]) المصنف للصنعاني ج6 ص72 و 73 وج7 ص186 والسنن الكبرى ج9 ص217.
([174]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص340 عن ابن سعد، وفي هامشه عن طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج2 ص65 وفي (ط دار صادر) ج1 ص300، وراجع: الإصابة ج3 ص13.
([175]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص340 عن ابن سعد، وفي هامشه عن طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج1 ق2 ص45 وفي (ط دار صادر) ج1 ص301، وراجع: الإصابة ج3 ص13، والآحاد والمثاني للضحاك ج3 ص178، والثقات لابن حبان ج3 ص270، وأسد الغابة ج5 ص12، والإصابة ج4 ص560.
([176]) الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج3 ص232.
([177]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص399 و 400 عن الطبراني في الكبير ج18 ص339 = = والإصابة ج3 ص253، ومجمع الزوائد ج10 ص242، وتهذيب الكمال ج24 ص64، وتاريخ المدينة ج2 ص531، وراجع إمتاع الأسماع ج4 ص355.
([178]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص399 والإصابة ج3 ص253 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج3 ص234، والمعجم الكبير للطبراني ج18 ص340، والأحاديث الطوال للطبراني ص51، ومجمع الزوائد ج3 ص108.
([179]) الإصابة ج3 ص253، وتاريخ المدينة ج2 هامش ص523، والسيرة الحلبية ج3 ص245.
([180]) راجع: الإصابة ج3 ص253 و 254، والمجموع للنووي ج2 ص152، ومقاتل الطالبيين ص56، وأمالي المرتضى ج1 ص72، والنيسابوري في المستدرك ج3 ص611، ومجمع الزوائد ج3 ص107 وج9 ص404 وج10 ص242، وفتح الباري ج5 ص124، والأدب المفرد للبخاري ص203، وبغية الباحث عن زوائد مسند الحارث لإ بن أبي أسامة ص152، والمفاريد عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" للموصلي ص106، والأحاديث الطوال للطبراني ص50، والإستيعاب ج3 ص1295، والتمهيد لابن عبد البر ج4 ص213، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص128 و130، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص294 وج7 ص36، ومعرفة الثقات للعجلي ج2 ص221، والثقات لابن حبان ج3 ص338 وج6 ص320، ومشاهير علماء الأمصار لابن حبان ص68، وتاريخ مدينة دمشق ج40 ص359، وأسد الغابة ج2 ص235 وج4 ص219، وتهذيب الكمال ج23 ص448 وج24 ص58 و59 و61، والإصابة ج2 ص505 وج5 ص367 و369، وتهذيب التهذيب ج8 ص357، وغيرها.
([181]) الإصابة ج3 ص253 عن ابن مندة، وراجع هامش الأعلام للزركلي ج5 ص207 نقلاً عن الإصابة: ت 7194 وإمتاع الأسماع ج1 ص434 والنقـائض، (طبعـة = = ليدن) 1023 ورغبة الآمل ج3 ص10 وج4 ص99 و 234 ويؤخذ منه أنه كان يئد بناته في الجاهلية، وج5 ص144 و 148 والمرزباني ص324 وحسن الصحابة ص329 وخزانة البغدادي ج3 ص428 و 429 و 509 ومجمع الزوائد ج9 ص404 وسمط اللآلي 487 والمحبر 238 و 248، والتبريزي ج4 ص68 ومجالس ثعلب ص36.
([182]) الإصابة ج3 ص253 عن الزبير بن بكار وفي (ط دار الكتب العلمية) ج5 ص367.
([183]) الأغاني ج12 ص159 و 160.
([184]) الإصابة ج3 ص254 وفي (ط دار الكتب العلمية) ج5 ص369.
([185]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص275 عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند، والشيرازي في الألقاب، وابن أبي خيمة، والحسن بن سفيان، وابن شاهين، وأبي نعيم، وفي هامشه عن البداية ج5 ص74 ومكاتيب الرسول ج1 ص288 عن: الإصابة ج3 ص556 (8715) و ج2 ص276 (4535) في عبد الله بن الأعور، وأسد الغابة ج1 ص102 في ترجمة الأعشى المازني و ج5 ص546 في معاذة، ومسند أحمد ج2 ص202 وأعلام السائلين ص42 ورسالات نبوية ص265 والطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص50 وج7 ق1 ص37 و (ط دار صادر) ص53 و 54 والإستيعاب ج2 ص266 والبداية والنهاية ج5 ص74 والوثائق السياسية ص242/126 (عن جمع ممن تقدم وعن الفائق للزمخشري في مادة "دين" ولسان العرب مادة "اثب" و "ذرب" و "خلف" وديوان الأعشى المسمى بالصبح المنير ص282 و 283 مع الحواشي عن المكاثرة للطيالسي ص13 وألف باء لأبي الحجاج البلوي ج1 ص832 والمقاصد النحوية ج2 ص289 وحسن الصحابة لعلي فهمي ص113 ومعجم الصحابة لابن قانع خطية: ورقة 11 ومجمع الزوائد ج4 ص231.
([186]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص384 ومكاتيب الرسول ج3 ص503 عن: الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص302 وفي (ط ليدن) ج1 ق2 ص45 والبداية والنهاية ج5 ص90 ورسالات نبوية ص148 ونشأة الدولة الإسلامية ص365 ومدينة البلاغة ج2 ص294 والإصابة ج3 ص423 في ترجمة مطرف بن عبد الله بن الأعلم. ومجموعة الوثائق السياسية ص312 و 216 عن الطبقات، ورسالات نبوية، وقال: قابل معجم البلدان مادة عقيق، وانظر اشپرنكر ج3 ص513.
([187]) الآية 223 من سورة البقرة.
([188]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص413 عن أحمد، والبيهقي، وفي هامشه عن: السنن الكبرى للبيهقي ج7 ص295 ومسند أحمد ج5 ص3 ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص378، والمعجم الكبير للطبراني ج19 ص426، وفتح القدير ج4 ص513، وتاريخ مدينة دمشق ج1 ص176 و178.
([189]) راجع: تقدمت مصادر ذلك في بعض فصول هذا الكتاب.
([190]) البحار ج57 ص251 و 218، ومجمع الزوائد ج4 ص6، ومسند أبي يعلى ج12 ص523.
([191]) الآية 65 من سورة يس.
([192]) الآية 24 من سورة النور.
([193]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص309 عن ابن سعد وقال في هامشه: أخرجه ابن سعد في الطبقات ج2 ص99، وفي (ط دار صادر) ج1 ص335، ومكاتيب الرسول للأحمدي الميانجي ج1 هامش ص 250 نقلاً عن اليعقوبي ج2 ص55 وراجع تاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص406 والبداية والنهاية ج3 ص247 والبحار ج19ص174 و 187 والسيرة الحلبية ج2 ص135 والوثائق السياسية ص266 / 158 ـ ألف (عن اليعقـوبي، وعن إمتـاع الأسماع للمقريـزي ج1 = = ص55 ) وراجع الطبقات الكبرى ج2 ق1 ص 6 وراجع المفصل ج4 ص251 و 265 و 267 و 312 و 339 و 432 و 532 وج7 ص353 والدرر لابن عبد البر ص64 والمنتظم ج3 ص90.
([194]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص309 عن البخاري، وابن سعد، وابن مندة، والمعجم الكبير للطبراني ج7 ص49، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص337 وج7 ص90.
([195]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص309 عن ابن سعد، وفي هامشه عن الطبقات الكبرى ج2 ص99، وأسد الغابة ج4 ص110 وج2 ص340، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص336 وج7 ص89، وإرواء الغليل للألباني ج1 ص229، وعون المعبود ج2 ص208، وفتح الباري ج8 ص19، والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص92و 225، وسنن أبي داوود ج1 ص141، ومسند أحمد ج5 ص71، والمصنف ج1 ص379، وكنز العمال ج8 ص265.
([196]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص314 و 315 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج1 ص324 ـ 326، والكافي ج8 ص71، والبحار ج22 ص137 وج57 ص232، ومستدرك البيسابوري ج4 ص82,، والدر المنثور ج3 ص284، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص325.
([197]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص315 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج2 ص90، وفي (ط دار صادر) ج1 ص326.
([198]) الآيتان 97 و 98 من سورة النساء.
([199]) الدر المنثور ج6 ص319 عن عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وتفسير ابن أبي حاتم ج10 ص 3404 و3406، وتفسير إبن كثير ج4 ص509.
([200]) راجع: الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص73 وكنز العمال ج3 ص59 وتذكرة الخواص ص157 والمناقب للخوارزمي ص48 وسنن أبي داود ج4 ص114 و 140 وفرائد السمطين ج1 ص66 وذخائر العقبى ص81 والغدير ج6 ص102 وسنن ابن ماجة ج1 ص659 والمستدرك للحاكم ج2 ص59 و ج4 ص389 وجامع الأصول ج4 ص271 وتيسير الوصول ج2 ص8 والرياض النضرة ج3 ص144 وحاشية الحفنى على الجامع الصغير ج2 ص258 ومصباح الظلام ج2 ص136 وفتح الباري ج12 ص121 وعمدة القاري ج23 ص292 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص264 وإرشاد الساري ج4 ص14 وج10 ص9 عن البغوي، وأبي داود، والنسائي، وابن حبان، وفيض القدير للمناوي ج4 ص357 وصحيح البخاري (كتاب المحاربين: باب لا يرجم المجنون ولا المجنونة).
([201]) الإصابة ج3 ص579 و 330، ومسند أحمد ج4 ص13، والمستدرك للنيسابوري ج4 ص560، ومجمع الزوائد ج10 ص338، وما روي في الحوض والكوثر للقرطبي ص153، و كتاب السنة لابن أبي عاصم ص286، والمعجم الكبير للطبراني ج19 ص211، وجزء بقي بن مخلد لابن بشكوال ص153، وأسد الغابة ج5 ص44، والإصابة ج6 ص376.
([202]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص404 و 406 والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص230 ـ 233 عن أحمد، وابن معين، وخلق، والنسائي، وابن صاعد، = = وأبي عوانة، والطبراني، وآخرين. وراجع: الإصابة ج3 ص330 وأشار إليه في ص579 عن زوائد المسند، وابن شاهين، والطبراني.
([203]) الآية 22 من سورة الحجر.
([204]) الآية 158 من سورة الأنعام.
([205]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص233 وفي (ط دار الكتب العلمية) ج6 ص405.
([206]) مجموعة الرسائل ج1 ص198.
([207]) الرسائل السبعة (الضميمة الثالثة للإبانة) ص36.
([208]) الآية 11 من سورة الشورى.
([209]) تفسير الفخر الرازي ج27 ص50.
([210]) فجر الإسلام ص26.
([211]) فضل الإعتزال ص163.
([212]) راجع: رحلة ابن بطوطة ص90 و (ط أخرى) ج1 ص57 وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص64 وأعيان الشيعة ج1 ص23 و 42 و 57 عن ابن بطوطة، والقول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع للأصبهاني ص143 وكشف الإرتياب في أتباع محمد بن عبد الوهـاب للسيد محـسن الأمـين ص382 وصفـات الله عنـد = = المسلمين لحسين العايش ص31 عن علاقة الإثبات والتفويض ص86 و 87 وابن تيمية في صورته الحقيقية لصائب عبد الحميد ص18 عن رحلة ابن بطوطة ص95 والدرر الكامنة ج1 ص154.
([213]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص404 والفايق في غريب الحديث للزمخشري ج3 ص401 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص157 والدر المنثور ج6 ص293 والبداية والنهاية ج5 ص95 وكتاب السنة لابن عاصم ص287 وتفسير الآلوسي ج15 ص142 وغريب الحديث لابن قتيبة ج1 ص228.
([214]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص407.
([215]) نهج الحق (مطبوع ضمن دلائل الصدق) ج1 ص162، وشرح إحقاق الحق للسيد المرعشي ج1 ص 232 نقلاً عن فخر الدين الرازي.
([216]) راجع: الخصال للصدوق ص483 ومعاني الأخبار ص308 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للميرجهاني ج3 ص93 والبحار ج15 ص5 وشجرة طوبى ج2 ص210 وتفسير نور الثقلين ج1 ص68، وراجع: فتوح الشام للواقدي ج2 ص23.
([217]) راجع: الكافي ج1 ص447 وشرح أصول الكافي ج7 ص171 والبحار ج15 ص157 وج35 ص156 وج108 ص205 وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهم السلام" للشيخ هادي النجفي ج12 ص92 وشرح النهج لابن أبي الحديد ج14 ص68 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب لفخار بن معد الموسوي ص56 وموسوعة التاريخ الإسلامي لليوسفي ج1 ص242 والدر النظيم لابن حاتم العاملي ص40 و 797 عن كتاب مدينة العلم.
([218]) راجع: الإعتقادات في دين الإمامية للصدوق (طبع المطبعة العلمية، قم سنة 1412هـ) ص85 و (ط دار المفيد) ص110 والبحار ج15 ص117 وج17 ص142 وج35 ص138 والخصائص الفاطمية للكجوري ج2 ص62 ومكيال المكارم ج1 ص369، والغدير ج7 ص385.
([219]) راجع: المحاسن للبرقي ج1 ص235 والبحار ج17 ص142 والغدير ج7 ص385 ونفس الرحمن للطبرسي ص51 وإيمان أبي طالب للأميني ص76.
([220]) الآية 46 من سورة فصلت.
([221]) الآية 98 من سورة الأنبياء.
([222]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص303 ـ 305 وراجع: الإصابة ج1 ص216 و 217، والبحار ج18 ص294 وج26 ص299.
([223]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص305.
([224]) الآيات 91 ـ 93 من سورة الإسراء.
([225]) الآية 7 من سورة الأنعام.
([226]) الآية 10 من سورة الأنبياء.
([227]) الآية 90 من سورة النحل.
([228]) الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص350 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص256، والكافي ج4 ص157 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص102، ومنتهى المطلب (ط.ق) للعلامة الحلي ج2 ص626، ومشارق الشموس (ط.ق) للمحقق الخوانساري ج2 ص446، والحدائق الناضرة للبحراني ج13 ص440، ودعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي ج1 ص281، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ج2 ص159، ومستدرك الوسائل ج7 ص468، وإقبال الأعمال للسيد ابن طاووس ج1 ص152، والبحار ج94 ص9، والتفسير الصافي للفيض الكاشاني ج5 ص352 وج7 ص521، و تفسير نور الثقلين ج5 ص623، ومنتقى الجمان لصاحب المعالم ج2 ص570.
([229]) الإصابة ج1 ص216، وإكمال الكمال لابن ماكولا ج6 ص134، وتهذيب التهذيب ج2 ص47، وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص238.
([230]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص318 و 319 عن أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص99.
([231]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص316 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى ج1 ص333.
([232]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص316 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص333 و 334، وتاريخ مدينة دمشق ج46 ص343، والبداية والنهاية ج2 في حاشيةص392.
([233]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص316 وفي هامشه عن: المعجم الكبير للطبراني ج18 ص108 وج19 ص317، ومجمع الزوائد ج8 ص48، ومجمع الزوائد ج10 ص48، والآحاد والمثاني للضحاك ج5 ص30، وكنز العمال ج12 ص63.
([234]) معاني الأخبار ص267 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص568 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج14 ص345 و 369 و (ط دار الإسلامية) ج10 ص270 و 288 و 289 والمزار لابن المشهدي ص76 والبحار ج97 ص192 وجامع أحاديث الشيعة ج12 ص243 و 255 و 261 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص333 وشفاء السقام للسبكي ص288 وتطهير الفؤاد لمحمد بخيت المطيعي ص3 و 132 وفي عمدة القاري ج7 ص262 و 263 نزعة من نزع الجنة، وراجع: مسند أحمد ج2 ص412 و 534 ومجمع الزوائد ج4 ص9 وتأويل مختلف الحديث ص113 ومسند أبي يعلى ج1 ص109 وج3 ص320 و 462 التمهيد لابن عبد البر ج17 ص179 وكنز العمال ج12 ص260 و 261 وإمتاع الأسماع ج14 ص619.
([235]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص316 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص333 ومحاضرة الأوائل ص94 عن أوائل السيوطي.
([236]) الآية 101 من سورة التوبة.
([237]) الدر المنثور ج3 ص271 عن ابن المنذر.
([238]) الآية 7 من سورة البقرة.
([239]) فإن قوماً غزاهم عدوهم ليلاً، فلم يجدهم، فعزم على الرجوع، وإذ بكلبة لهم اسمها براقش تنبح، فعرف مكانهم، فأوقع بهم، وقتلت تلك الكلبة أيضاً، فقيلت هذه الكلمة في ذلك.
([240]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص431 عن البخاري في تاريخه، والبزار، والطبراني، والبيهقي، وفي هامشه عن: مجمع الزوائد ج9 ص378 عن الطبراني في الصغير والكبير، وقصص الأنبياء للراوندي ص294، وراجع: الإستيعاب (بهامش الإصابة)، والخرائج والجرائح ج1 ص60، والبحار ج18 ص108 وج22 ص112، ومجمع الزوائد ج9 ص374، وعون المعبود ج2 ص293، والتاريخ الكبير للبخاري ج8 ص175، ومشاهير علماء الأمصار لابن حبان ص77، و تاريخ مدينة دمشق ج62 ص391، والسيرة الحلبية ج1 ص333.
([241]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص431 عن الطبراني، وأبي نعيم، وفي هامشه عن: البداية والنهاية ج5 ص79، والخرائج والجرائح ج1 ص60، والبحار ج18 ص108 وج22 ص112، ومستدرك سفينة البحار ج1 ص335، والإستيعاب ج4 ص1562، وشرح مسند أبي حنيفة للملا علي القاري ص492، والتاريخ الكبير للبخاري ج8 ص175، وضعفاء العقيلي ج4 ص59، والثقات لابن حبان ج3 ص425، ومشاهير علماء الأمصار لابن حبان ص77، وتاريخ مدينة دمشق ج62 ص391، وأسد الغابة ج5 ص81، والأعلام للزركلي ج8 ص106، والأنساب للسمعاني ج2 ص230، والوافي بالوفيات ج27 ص250، وتاريخ ابن خلدون ج7 ص380، وقصص الأنبياء للراوندي ص294، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص154، والسيرة الحلبية ج1 ص333.
([242]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص431 و 432 وأشار في مكاتيب الرسول ج3 ص361 إلى المصادر التالية: شرح النهج لابن أبي الحديد ج19 ص352 والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج2 ص835 والمعجم الكبير ج22 ص47 والمعجم الصغير ج2 ص144 والأموال لابن زنجويه ج2 ص619 وأسد الغابة ج5 ص81 والإصابة ج3 ص628 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص642 والمحاسن للبيهقي ص268 والبحار ج18 ص108 والبداية والنهاية ج5 ص79 و 80 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ق2 ص79 و 80 ورسالات نبوية ص286 ومجمع الزوائد ج9 ص373 ومعجم البلدان ج5 ص454 ونشأة الدولة الإسلامية ص243 وما بعدها، وربيع الأبرار ج3 ص414.
([243]) مكاتيب الرسول ج3 ص360، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص287.
([244]) الغارات للثقفي ج2 ص629 ـ 631 وراجع: البحار (ط كمباني) ج8 ص671 و (ط سنة 1413 هـ) ج34 ص16 وسفينة البحار ج8 ص403 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص228 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص94 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج7 ص49، ومكاتيب الرسول ج3 ص362.
([245]) أسد الغابة ج1 ص386 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص356 والكامل في التاريخ ج3 ص472 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص200 ـ 204 والغدير ج11 ص47 ـ 50 ومواقف الشيعة ج2 ص458 وتاريخ الكوفة للسيد البراقي ص319 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص232.
([246]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص352 عن ابن مندة، وابن عساكر، والديلمي، وفي هامشه عن كنز العمال (37573)، والإصابة ج7 ص185.
([247]) الآيتان 8 و 9 من سورة التكوير.
([248]) الآيتان 57 و 58 من سورة النحل.
([249]) الآيتان 21 و 22 من سورة النجم.
([250]) الآية 27 من سورة النجم.
([251]) الآية 40 من سورة الإسراء.
([252]) الآية 149 من سورة الصافات.
([253]) الآيات 16 ـ 19 من سورة الزخرف.
([254]) الآية 13 من سورة الحجرات.
([255]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص307 وراجع: مكاتيب الرسول ج2 ص469 عن المصادر التالية: السيرة الحلبية ج3 ص259 والسيرة النبوية لزيني دحلان (بهامش الحلبية) ج2 ص176 و ج3 ص31 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص267 وفي (ط أخرى) ص243 وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص395 وفي (ط أخرى) ج3 ص140 وأسد الغابة ج4 ص390 في ترجمة معبد بن أكثم وج2 ص281 في رفاعة بن زيد و ص190 في رومان بن بعجة الجذامي، وإعلام السائلين ص39 وجمهرة رسائل العرب ج1 ص45 وصبح الأعشى ج6 ص382 و ج13 ص323 ورسـالات نبـويـة ص150 والإصابـة ج3 = = ص441 في معبد بن فلان الجذامي وج1 ص521 و 522 في رومان، ومجمع الزوائد ج5 ص309 وقال: رواه الطبراني متصلاً هكذا ومنقطعاً مختصراً عن ابن إسحاق، وحياة الصحابة ج1 ص124 عن الطبراني، والمغازي لابن إسحاق، والمغازي للواقدي ج2 ص557 والمعجم الكبير للطبراني ج5 ص46 ونشأة الدولة الإسلامية ص335 ومجموعة الوثائق السياسية ص280/175 عن جمع ممن تقدم وعن منشئات السلاطين لفريدون بك ج1 ص35، ووسيلة المتعبدين ج8 ورقة31 ـ ب وقال: انظر اشپرنكر ج3 ص279. وراجع: المصباح المضيء ج1 269 وج2 ص322 وأشار إليه في الكامل ج2 ص207 والعبر وديوان المبتدأ لابن خلدون ج2 ص837 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص505 والبحار ج20 ص374 و 375 والبداية والنهاية ج5 ص218 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ق2 ص67 و 83 وج7 ق2 ص148 وتاريخ الخميس ج2 ص9 والمنتظم ج3 ص258.
([256]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص307 عن ابن سعد والطبراني، وقال في هامشه: أخرجه ابن سعد في الطبقات ج2 ص117، وذكره الهيثمي في المجمع ج5 ص312 وعزا ه للطبراني.
وراجع: السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص285 و 260 ومكاتيب الرسول ج2 ص472 عن المصادر التالية: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص140 وما بعدها، = = والبداية والنهاية ج5 ص218 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ق1 ص65 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص60 والسيرة الحلبية ج3 ص202 والبحار ج20 ص374 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص260 وتاريخ الخميس ج2 ص10 والكامل في التاريخ ج2 ص207 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج2 ص176 والمنتظم ج3 ص258.
([257]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص262 وص336 عن الطبراني بسند ضعيف، في هامشه قال: أخرجه الطبراني ج12 ص222 وذكره الهيثمي في المجمع ج10 ص50. وراجع: شرح المواهب اللدنية ج5 ص185، والمعجم الأوسط للطبراني ج7 ص47، والمعجم الكبير للطبراني ج12 ص172، وكنز العمال ج12 ص58، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص338، والسيرة الحلبية ج3 ص262.
([258]) شرح المواهب اللدنية ج5 ص183 و 184 عن الطبراني وعن الأغاني من طريق الكلبي، والإصابة ج2 ص226.
([259]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص336 و 337 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص184 و 185 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج2 ص232 و 234 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص11 ـ 15 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص237 فما بعدها، ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص360 فما بعدها، وكتاب الأم ج1 ص189، و حلية الأبرار للبحراني ج1 ص309، وكتاب المسند للإمام الشافعي ص280، ومسند احمد ج2 ص243، وصحيح البخاري ج3 ص235 وج5 ص123 وج7 ص165، وصحيح مسلم ج7 ص180، وفتح الباري ج6 ص77 وج11 ص120، وعمدة القاري ج14 ص207 وج18 ص34 وج23 ص19، وتحفة الأحوذي ج2 ص172، ومسند الحميدي ج2 ص453، ومسند ابن راهويه ج1 ص19، والأدب المفرد للبخاري ص134، وصحيح = = ابن حبان ج3 ص259، والمعجم الكبير للطبراني ج8 ص326، وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص12، وأسد الغابة ج3 ص55، وسير أعلام النبلاء ج1 ص344، والإصابة ج3 ص423، والبداية والنهاية لابن كثير ج3 ص124.
([260]) سبل الهدى والرشاد ج2 ص418 وج6 ص337 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص185 و 186، والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص239، وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص12، وأسد الغابة ج3 ص55، والبداية والنهاية لابن كثير ج3 ص124، والسيرة النبوية للحميري ج1 ص258، وعيون الأثر ج1 ص185، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص75، والسيرة الحلبية ج2 ص70.
([261]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص185.
([262]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص185 عن البخاري في التاريخ، وابن خزيمة، والطحاوي، والبيهقي، وسبل الهدى والرشاد ج5 ص137.
([263]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص185، ومسند أبي داود الطيالسي ص338.
([264]) الإصابة ج2 ص226.
([265]) الإصابة ج2 ص226.
([266]) راجع: البحار ج19 ص9 وإعلام الورى ص57 عن علي بن إبراهيم.
([267]) الآية 10 من سورة الممتحنة.
([268]) الدر المنثور ج6 ص205 و 207 عن البخاري، وعن ابن مردويه، ونيل الأوطار ج8 ص187، ومسند احمد ج4 ص331، وصحيح البخاري ج3 ص182، والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص220، وعمدة القاري ج14 ص5، والمصنف للصنعاني ج5 ص340، والمعجم الكبير للطبراني ج20 ص14، وجامع البيان لابن جرير الطبري ج26 ص130 وج28 ص91، والدر المنثور ج6 ص205، وفتح القدير للشوكاني ج5 ص217، وتاريخ مدينة دمشق ج57 ص230، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص372، والبداية والنهاية لابن كثير ج4 ص201، وإمتاع الأسماع ج9 ص13، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص335.
([269]) تهذيب تاريخ دمشق ج25 ص12 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص237.
([270]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص411 عن أحمد، والطبراني، والبيهقي، وأبي نعيم، وفي هامشه عن مسند أحمد ج5 ص455، وراجع: الآحاد والمثاني للضحاك ج2 ص342، وصحيح ابن حبان ج14 ص462، وموارد الظمآن للهيثمي ج7 ص52.
([271]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص411 وفي هامشه عن: الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج1 ق2 ص38 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص178 و 179 ومسند أحمد ج4 ص55.
([272]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص411 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج1 ق2 ص38.
([273]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص411 و 412، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص292، والإصابة ج2 ص238، وأعيان الشيعة ج1 ص240.
([274]) الآية 101 من سورة التوبة.
([275]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص273 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى ج1 ص306.
([276]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص361 عن ابن المنذر وج10 ص260، وابن أبي حاتم، وأبي نعيم، وابن مردويه، والبيهقي، والحاكم، وابن إسحاق، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص130 و 131، وقرب الاسناد ص321، والبحار ج17 ص228 وج21 ص365، وراجع: حلية الأبرار للبحراني ج1 ص114، والدرر لابن عبد البر ص253، وتاريخ الطبري ج2 ص398، والكامل في التاريخ ج2 ص299، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص679، والوافي بالوفيات ج8 ص216، والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص68، وإمتاع الأسماع ج2 ص100 وج12 ص94، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص992، وإعلام الورى بأعلام الهدى ج1 ص250، وعيون الأثر ج2 ص277، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص109، والسيرة الحلبية ج3 ص246.
([277]) أي: إجعلني خليلاً.
([278]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص361 وج10 ص260، وقال في هامشه: أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ج5 ص319، وذكره ابن كثير في البداية ج5 ص57، والهيثمي في المجمع ج7 ص44، وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، والبحار ج21 ص365، وتاريخ الطبري ج2 ص398، وإمتاع الأسماع ج2 ص100 وج12 ص94، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص991، وإعلام الورى بأعلام الهدى ج1 ص250، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص277، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص109، والسيرة الحلبية ج3 ص246.
وراجع: المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص131، والدر المنثور ج4 ص46 عن الطبراني في الكبير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم في دلائل النبوة.
([279]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص361 و 362 وفي هامشه عن دلائل النبوة ج5 ص321 والمعجم الكبير ج6 ص155 ومجمع الزوائد ج6 ص26 والبداية والنهاية ج5 ص75 وراجع: شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص131، والدر المنثور ج4 ص46 عن الطبراني في الكبير، وابن المنذر، وأبي نعيم في دلائل النبوة، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص679، وإمتاع الأسماع ج12 ص96، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص110.
([280]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص132 عن البخاري وعن البيهقي في الدلائل، والدرر لابن عبد البر ص254، وتاريخ الطبري ج2 ص398، والوافي بالوفيات ج16 ص330، والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص68، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص992، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص110، وسبل الهدى والرشاد ج6 ص362، وخزانة الأدب للبغدادي ج3 ص81.
([281]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص362 وج10 ص260، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص131، والبحار ج21 ص365، وتاريخ الطبري ج2 ص398، والكامل في التاريخ ج2 ص299، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص679، والوافي بالوفيات ج8 ص217، والبداية والنهاية ج5 ص68، وإمتاع الأسماع ج2 ص100 وج12 ص95، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص992، وإعلام الورى بأعلام الهدى ج1 ص250، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص278، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص110، والسيرة الحلبية ج3 ص247، وخزانة الأدب ج3 ص80.
([282]) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص131 عن الروض الأنف.
([283]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص362 والدر المنثور ج4 ص46، والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص71.
([284]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص362 وج10 ص260، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص131، والبحار ج21 ص365، وتاريخ الطبري ج2 ص398، والكامل في التاريخ ج2 ص299، وتاريخ الإسلام للـذهبي ج2 ص679، = = والوافي بالوفيات ج8 ص217، والبداية والنهاية ج5 ص68، وإمتاع الأسماع ج2 ص100 وج12 ص95، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص992، وإعلام الورى بأعلام الهدى ج1 ص250، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص278، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص110، والسيرة الحلبية ج3 ص247، وخزانة الأدب ج3 ص80.
([285]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص361 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص132، والبداية والنهاية ج5 ص69، وإمتاع الأسماع ج12 ص96، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص110، والسيرة الحلبية ج3 ص248.
([286]) الآيات 8 ـ 13 من سورة الرعد.
([287]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص363 و 364 وفي هامشه عن: مجمع الزوائد ج10 ص54 عن الطبراني في الكبير والأوسط، وأبي يعلى، والدر المنثور ج4 ص46 عن الطبراني في الكبير، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأبي نعيم في دلائل النبوة.
([288]) الآية 140 من سورة الحشر.
([289]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص364 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص130.
([290]) راجع: أقرب الموارد ج2 ص902.
([291]) المصدر السابق.
([292]) راجع: أقرب الموارد ج2 مادة "فتى".
([293]) الآية 97 من سورة التوبة.
([294]) الآية 98 من سورة التوبة.
([295]) أقرب الموارد ج2 ص884.
([296]) الآية 99 من سورة التوبة.
([297]) الآية 23 من سورة الشورى.
([298]) الآية 8 من سورة فاطر.
([299]) الآية 6 من سورة الكهف.
([300]) الغدير ج9 ص347 وكنز العمال ج11 ص720 ومنتخب كنز العمال (مطبوع مع مسند أحمد) ج5 ص231.
([301]) تاريخ بغداد ج6 ص321 والغدير ج9 ص346 و 347. وفيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ج5 ص368.
([302]) المصنف للصنعاني ج10 عن ابن الزبير، وفي هامشه عن سعيد بن منصور، والغدير ج9 ص347 عن صحيح البخاري ج5 ص243 باب المناقب، وباب الهجرة ج6 ص44، والطب النبوي لابن القيم ص207، والمحلى ج1 ص35 وج9 ص287، ومسند احمد ج1 ص359 و408 و412 و434 و437 و439 و455 و463، وسنن الدارمي ج2 ص353، وصحيح البخاري ج4 ص191، وصحيح مسلم ج7 ص108، والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص246، وفتح الباري ج3 ص47، وعمدة القاري ج4 ص244، ومسند أبي داود الطيالسي ص39، والمصنف ج10 ص263، ومسند ابن راهويه ج1 ص41، وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ص563، وغيرها كثير فراجع.
([303]) إحقاق الحق (الملحقات) ج40 ص223 عن مفتاح النجا للبدخشي (مخطوط)، وكنز العمال ج11 ص634، وسبل الهدى والرشاد ج11 ص250.
([304]) إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص297 عن مناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي، والأمالي للشيخ الصدوق ص271، ومائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي ص34، وكنز الفوائد للكراجكي ص185، والعقد النضيد والدر الفريد للقمي ص148، والصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي ج2 ص34، والبحار ج26 ص263 وج38 ص137 و151، وبشارة المصطفى للطبري ص60، ونهج الإيمان لابن جبر ص217.
([305]) الحارث: جد رملة، أما أبوها فاسمه الحدث (بفتح الدال) بن ثعلبة بن الحرث كما يقول الواقدي. وعند ابن سعد اسمه الحرث: راجع: الإصابة ج4 ص305.
([306]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص295 عن الواقدي، وابن سعد، وفي هامشه عن: الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج2 ص63، ومكاتيب الرسول ج3 ص286، والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص104، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص172.
([307]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص278 عن ابن شاهين عن ابن إسحاق، وابن سعد في الطبقات ج2 ص49 وذكر العلامة الأحمدي "رحمه الله" في كتابه مكاتيب الرسول ج3 ص143 المصادر التالية: الطبقات الكبرى ج1 ص284 وفي (ط أخرى) ج1 ق2 ص33 ونشأة الدولة الإسلامية ص351 ورسالات نبوية ص262 ومدينة البلاغة ج2 ص233، ونقل شطراً منه في الإصابة ج3 ص423/8014 في ترجمة مطرف بن خالد بن نضلة، وأوعـز إليـه في أسد الغابـة ج4 ص372، والبـدايـة = = والنهاية ج5 ص91 والوثائق السياسية ص291/188 عن رسالات نبوية لعبد المنعم خان، والطبقات، ونثر الدر المكنون للأهدل ص66، ثم قال: قابل الطبقات وانظر كايتاني ج9 ص7 واشپرنكر ج3 ص322. وذكره ص292 لمطرف بن خالد بن نضلة الباهلي نقله عن أسد الغابة وهو ابن الكاهن، وراجع أيضاً ص720 عن سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي (خطية باريس) 1993 ورقة 9 ـ ألف.
([308]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص278 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص307 وذكر العلامة الأحمدي "رحمه الله" في كتابه مكاتيب الرسول ج3 ص141 المصادر التالية: الطبقات الكبرى ج1 ص284 وفي (ط أخرى) ج1 ق2 ص33 و 49 والمصباح المضيء ج2 ص349 ورسالات نبوية ص294 ونشأة الدولة الإسلامية ص351 ومدينة البلاغة ج2 ص334 والوثائق السياسية ص292 /189 عن رسالات نبوية، ثم قال: قابل الطبقات 1 وانظر كايتاني ج9 ص8 واشپرنكر ج3 ص323 وراجع أيضاً ص720 من الوثائق عن سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي خطية پاريس 1993 ورقة 9 ـ ألف ولخص نص الكتاب.
([309]) راجع: مكاتيب الرسول ج3 ص142 عن اللباب ج1 ص116 والأنساب للسمعاني ج2 ص70 ومعجم قبائل العرب ص60، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص307، وتاريخ مدينة دمشق ج4 ص345، والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص373، وسبل الهدى والرشاد ج6 ص278.
([310]) نهاية الأرب ص161، ومكاتيب الرسول ج3 ص142، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص307، والإصابة ج6 ص100، والبداية والنهاية ج5 ص106، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص176، وسبل الهدى والرشاد ج6 ص278.
([311]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص303 والبداية والنهاية ج5 ص341 و (دار إحياء التراث العربي) ص363 والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص135 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص353 ومكاتيب الرسول ج1 ص166 و 282 وج3 ص140 وعن الإصابة ج3 ص7993 وتاريخ مدينة دمشق ج4 ص327 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص672.
([312]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص398 عن ابن سعد في الطبقات (ط ليدن) ج2 ص67، والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج1 ص304، والإصابة ج5 ص334، وأعيان الشيعة ج1 ص240.
([313]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص346 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص307 و (ط ليدن) ج1 ق2 ص49، ومكاتيب الرسول ج3 ص437، وتاريخ مدينة دمشق ج9 ص324.
([314]) البيت للعباس بن مرداس انظر ملحق ديوانه 151، ونسب أبي ذر، وانظر اللسان (ثعلب) وغيرهما انظر الدرر ج4 ص104 وجمهرة اللغة (1181) والهمع ج2 ص22، والبحار ج3 ص254، والتفسير الصافي ج4 ص17، وتفسير نور الثقلين ج4 ص21، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص308، وتاريخ مدينة دمشق ج9 ص325، والبداية والنهاية ج2 ص427 وج5 ص107، وإمتاع الأسماع للمقريزي ج4 ص19، والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص374 وج4 ص177، وسبل الهدى والرشاد ج2 ص216 وج6 ص346 وج9 ص458، والسيرة الحلبية ج3 ص447، والصحاح للجوهري ج1 ص93.
([315]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص346 وفي هامشه: أخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ج3 ص141وج9 ص325، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص308.
([316]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص346 و 347 وفي هامشه عن الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص234و309.
([317]) وفاء الوفاء ج4 ص1225 وراجع: عمدة الأخبار ص329، ومكاتيب الرسول ج3 ص437، ومعجم البلدان للحموي ج3 ص107.
([318]) نشأة الدولة الإسلامية ص255 ـ 256، ومكاتيب الرسول ج3 ص533.
([319]) سفينة البحار ج7 ص133، ونهج البلاغة ج4 ص41، وتحف العقول لابن شعبة الحراني ص111، وخصائص الأئمة للشريف الرضي ص108، وروضة الواعظين للنيسابوري ص454، ومشكاة الأنوار للطبرسي ص228، والبحار ج69 ص45 وج75 ص53، وشرح النهج للمعتزلي ج18 ص386، ومعارج اليقين في أصول الدين للسبزواري ص302.
([320]) سفينة البحار ج7 ص131 و 132 والبحار ج70 ص246 وج110 ص71، والكافي ج2 ص307، والأمالي للشيخ الصدوق ص371، والخصال ص12، والوسائل ج15 ص366 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص293، وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص551.
([321]) الآية 100 من سورة يوسف.
([322]) الآية 20 من سورة الأحزاب.
([323]) البحار ج100 ص9 وفي هامشه عن جامع الأخبار (ط الحيدرية النجف الأشرف) ص139، ومكاتيب الرسول ج3 ص537، والفايق في غريب الحديث للزمخشري ج1 ص240، وميزان الاعتدال للذهبي ج1 ص230، وغريب الحديث لابن قتيبة ج1 ص321، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج1 ص370، ومعارج اليقين في أصول الدين للسبزواري ص390.
([324]) راجع: الكافي ج5 ص284 وتهذيب الأحكام ج7 ص154 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج19 ص63 و (ط دار الإسلامية) ج13 ص216 وجامع أحاديث الشيعة ج18 ص460 ومكاتيب الرسول ج3 ص540 والخراجيات للمحقق الكركي ص90 ورسائل الكركي ج1 ص284.
([325]) راجع: الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج6 ص382 وج19 ص36 و (ط دار الإسلامية) ج4 ص981 وج13 ص196 ومكاتيب الرسول ج3 ص540 ومستدرك الوسائل ج4 ص475 وج13 ص24 و 462 والبحار ج11 ص211 و 212 وجامع أحاديث الشيعة ج5 ص235 وج17 ص130 وج18 ص434 و 435 وتفسير العياشي ج1 ص40 وقصص الأنبياء للراوندي ص53 ومنازل الآخرة للقمي ص41.
([326]) راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص22 ومستدرك الوسائل ج14 ص57 والبحار ج42 ص255 وج100 ص184 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص103 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص147 والنهاية لابن الأثير ج2 ص496 ولسان العرب ج11 ص357.
([327]) قرب الإسناد ص115 وجامع أحاديث الشيعة ج17 ص134 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج4 ص28 و 172 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج17 ص41 و (ط دار الإسلامية) ج12 ص24 والبحار ج100 ص65.
([328]) راجع: نهج البلاغة وقد ذكرنا شطراً من مصادر هذا العهد في كتابنا دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام، ومستدرك الوسائل ج13 ص166، والبحار ج33 ص606، وجامع أحاديث الشيعة ج17 ص336، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج17 ص71.
([329]) البحار ج100 ص171 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج17 ص42 و (ط مؤسسة آل البيت) ج12 ص25 وراجع: مستدرك الوسائل ج13 ص459 و (ط مؤسسة آل البيت) ص26 و 461.
([330]) راجع: الكافي ج5 ص280، ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص151 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج17 ص328 والإستبصار ج3 ص107 وتهذيب الأحكام ج7 ص151 والمقنع ص132، والمقنع للصدوق ص393، والنهاية للطوسي ص421، والسرائر لابن إدريس الحلي ج2 ص378، والجامع للشرايع لابن سعيد الحلي ص374، وتذكرة الفقهاء (ط.ق) للعلامة الحلي ج2 ص400، ومنتهى المطلب (ط.ق) للعلامة الحلي ج2 ص1024، ورسائل الكركي ج2 ص203، والسراج الوهاج للفاضل القطيفي ص74.
([331]) راجع: الكافي ج5 ص279 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج17 ص326 والإستبصار ج3 ص108 وتهذيب الأحكام ج7 ص152 وترتيب مسند الشافعي ج2 ص133 والأم للشافعي ج3 ص264 و 268 وكنز العمال ج3 = = ص512 و 513 و 516 و 517 والأموال لأبي عبيد ص386 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص142 و 143 وإرشاد الساري ج4 ص184 والخراج للقرشي ص82 و 84 ومستدرك الوسائل ج2 ص149 وشرح الموطأ للزرقاني ج4 ص424 و 425 ومجمع الزوائد ج4 ص157 ونصب الراية للزيلعي ج4 ص290 وجامع أحاديث الشيعة وغير ذلك.
([332]) راجع: مصباح الفقاهة، كتاب الخمس، ومسالك الأفهام للشهيد الثاني ج3 شرح ص58.
([333]) راجع: البحار ج19 ص112.
([334]) راجع: فتوح البلدان للبلاذري ص12، ومكاتيب الرسول ج1 ص351، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج1 ص258.
([335]) معجم البلدان ج5 ص86.
([336]) عن السيرة الحلبية ج2 ص94.
([337]) راجع: الأموال ص394 ومكاتيب الرسول ج1 ص329 عن: فتوح البلدان ص31 والبخاري ج4 ص116 في فرض الخمس، باب ما يعطي النبي المؤلفة قلوبهم، ومسند أحمد ج6 ص347 وفتح الباري ج6 ص181 والخراج لأبي يوسف ص66 والنهاية لابن الأثير في مادة: قطع. وراجع أصول مالكيت ج2 ص111 والمصنف لابن أبي شيبة ج12 ص354 وصحيح البخاري ج4 ص116 وصحيح مسلم ج4 ص1716 والقواعد للشهيد ج1 ص 349 وحياة الصحابة ج2 ص691 وراجع: ترتيب مسند الشافعي ج2 ص133 والكامل لابن عدي ج4 ص1386 والطبقات الكبرى ج3 ق2 ص72 انتهى.
([338]) معجم البلدان ج5 ص86 والطبقات الكبرى (ط ليدن) ج3 ق1 ص72.
([339]) وفاء الوفاء ج4 ص1154، ومعجم البلدان للحموي ج1 ص473، وراجع: مجمع البحرين للطريحي ج3 هامش ص308، والمناقب للخوارزمي هامش ص89، وتفسير جوامع الجامع للطبرسي ج1 هامش ص366، وشرح النهج للمعتزلي ج10 ص7.
([340]) راجع: الأموال لابن زنجويه ج2 ص613 و 614 وراجع ص627 والأموال لأبي عبيد ص394.
([341]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص384 ومكاتيب الرسول ج3 ص503 عن: الطبقات الكبرى ج1 ص302 وفي (ط ليدن) ج1 ق2 ص45 والبداية والنهاية ج5 ص90 ورسالات نبوية ص148 ونشأة الدولة الإسلامية ص365 ومدينة البلاغة ج2 ص294 والإصابة ج3 ص423 في ترجمة مطرف بن عبد الله بن الأعلم. والوثائق السياسية ص312 و 216 عن الطبقات، ورسالات نبوية، وقال: قابل معجم البلدان مادة عقيق، وانظر اشپرنكر ج3 ص513.
([342]) مكاتيب الرسول ج3 ص503 عن معجم البلدان، ومعجم البلدان ج4 ص139.
([343]) المبسوط للشيخ الطوسي ج3 ص274 ونيل الأوطار ج4 ص309 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص145 و 151 ورسالات نبوية ص101 و 102 ومسند أحمد ج2 ص306 وسنن أبي داود ج3 ص174 والأحكام السلطانية ج2 ص198 والنهاية في اللغة، مادة قدس، والسرائر لابن إدريس الحلي ج1 ص479، والمجموع لمحيى الدين النووي ج15 ص232، ونيل الأوطار للشوكاني ج6 ص54، ومسند احمد ج1 ص306، وسنن أبي داود ج2 ص47، والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص145، وأمالي المحاملي ص322، والتمهيد لابن عبد البر ج3 ص237، وتفسير القرطبي ج3 ص325، وتاريخ مدينة دمشق ج10 ص425، وإمتاع الأسماع ج9 ص359، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج4 ص24.
([344]) راجع: مكاتيب الرسول ج3 ص503 عن المصادر التالية: الطبقات الكبرى ج1 ص302 و (ط ليدن) ج1 ق2 ص45 والبداية والنهاية ج5 ص90 ورسالات نبوية ص148 ونشأة الدولة الإسلامية ص365 ومدينة البلاغة ج2 ص294= = والإصابة ج3 ص423 في ترجمة مطرف بن عبد الله بن الأعلم. والوثائق السياسية 312/216 عن الطبقات، ورسالات نبوية، وقال: قابل معجم البلدان مادة عقيق وانظر اشپرنكر ج3 ص513. أقول: الذي نجده في المعجم ذكره عقيق اليمامة، وهو عقيق بني عقيل قال: فيه قرى ونخل كثير، ويقال له: عقيق تمرة، ولم يذكر الإقطاع والكتاب وراجع البداية والنهاية ج5 ص90.
([345]) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص133.
([346]) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص137.
([347]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص367 عن أبي يعلى، والطبراني، والبيهقي، وقال في هامشه: أخرجه البيهقي في الدلائل ج5 ص327 وانظر البداية والنهاية ج5 ص47، وفتح الباري ج1 ص121، والآحاد والمثاني للضحاك ج3 ص314، والمعجم الكبير للطبراني ج20 ص345، وتهذيب الكمال ج13 ص354، والبداية والنهاية ج5 ص57، وإمتاع الأسماع ج14 ص55، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص90، والسيرة الحلبية ج3 ص251.
([348]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص367 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص140، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص314.
([349]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص367 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص140، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص314.
([350]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص367 وراجع: المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص141، ومجمع الزوائد للهيثمي ج5 ص64، وفتح الباري ج10 ص51، ومسند أبي يعلى ج12 ص244، وصحيح ابن حبان ج16 ص179.
([351]) راجع ما تقدم في سبل الهدى والرشاد ج6 ص367 و 368.
([352]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص368 وفي هامشه عن: ابن سعد في الطبقات ج1 ق2 ص54، والكامل في التاريخ ج2 ص298.
([353]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص368 وقال في هامشه: أخرجه البخاري (7266) ومسلم ج1 ص47 (24 ـ 17). وراجع: المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص134 و 135 و 136، ومجلة تراثنا لمؤسسة آل البيت ج53 ص119 نقلا عن صحيح البخاري، كتاب العلم ج1 ص32، الجامع لأخلاق الراوي والسامع ص71.
([354]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص368 و 369 عن البيهقي، ومكاتيب الرسول ج3 ص200 عن المصادر التالية: البخاري ج1ص139 وألفاظ النصوص مختلفة وفي بعضها بعد ذكر الشهادتين: عقد بيده واحدة، وفي بعضها كالبخاري ج5 ص213 وج1 ص21 و 32 وصحيح مسلم ج1 ص46 ـ 69 بأسانيد متعددة في روايتين، ومسند أحمد ج1 ص228 وسنن أبي داود ج4 ص219 والسنن الكبرى ج6 ص294 وكنز العمال ج1ص19 و 20 وتأريخ المدينة لابن شبة ج1 ص104 والسيرة الحلبية ج3 ص251 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص16 والبداية والنهاية ج5 ص46 وزاد المعاد ج3 ص29 وفي (ط أخرى) ص35 زاد ذكر الصوم، وزاد في مسند أحمد ج1 ص361: "وأن تحجوا البيت"، وأسقط بعضها ذكر الصوم والحج كالبخاري ج1 ص139 وج2 ص131 وصحيح مسلم في باقي الروايات، وسنن أبي داود ج3 ص330 والأموال لأبي عبيد ص20 والأموال لابن زنجويه ج1 ص104. وراجع أيضاً: الروض الأنف ج4 ص221 وفتح الباري ج1 ص120 و 166 وج2 ص136 وج3 ص212 وج8 ص67 وعمدة القاري ج5 ص6 وج8 ص263 وج18 ص20 وموارد الظمآن ص337. كما أن بعض المصادر أسقط هذا الحديث ولم ينقله كالطبقات الكبرى ج1 ص314 وفي (ط أخرى) ج1 ق2 ص54 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص242 وفي (ط أخرى) ص222. وراجع أيضاً: شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص13 وموارد الظمآن ج4 ص367.
([355]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص369 وقال في هامشه: أخرجه أحمد في المسند ج4 ص207 وذكره البيهقي في الكنز (13252).
([356]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص369 وقال في هامشه: أخرجه الحاكم ج4 ص204 وذكره المتقي الهندي في الكنز (35315).
([357]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص369 وقال في هامشه: أخرجه البخاري في كتاب الجمعة (892).
([358]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص370 عن البزار، والطبراني.
([359]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص369 و 370 عن الطبراني، وقال في هامشه: ذكره الهيثمي في المجمع ج10 ص52 وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط وقال: وفيه من لم أعرفهم.
([360]) مكاتيب الرسول ج3 ص203 عن الغارات للثقفي، وصفين للمنقري، والبحار ج32 في حربي الجمل وصفين، والإصابة ج3 ص15.
([361]) مكاتيب الرسول ج3 ص203، والإصابة (ترجمة صحار) ج2 ص177 والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص82 و 781 وج9 ص238 و 430 و 655 و 729 و 784.
([362]) مكاتيب الرسول ج3 ص203 عن الفهرست لابن النديم ص132 وعن المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج4 ص328 و 327.
([363]) البحار ج30 ص491 وفي هامشه عن: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص279 وعن الكامل في التاريخ ج2 ص359، و الاحتجاج للطبرسي ج1 هامش ص125، والغدير ج7 ص164، وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص214، وأسد الغابـة = = ج4 ص296، والإصابة ج5 ص561، والكامل في التاريخ ج2 ص359، وإمتاع الأسماع ج14 ص240.
([364]) المغني للقاضي عبد الجبار ج20 ص355 والبحار ج30 ص491 و 493 و 479، والمواقف للإيجي ج3 ص611.
([365]) البحار ج30 ص379 و 471 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص207، وفوات الوفيات للكتبي ج2 ص243، والشافي في الامامة للشريف المرتضى ج4 ص161.
([366]) وفيات الأعيان ج6 ص13 ـ 15، والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص135نقلاً عن وفيات الأعين.
([367]) راجع: دلائل الصدق، وغيره من كتب الإعتقادات
([368]) راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص360 وراجع ج1 ص314 و ج5 ص557 و (ط ليدن) ج4 ق2 ص77 وج1 ق2 ص44.
([369]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص367، والآحاد والمثاني ج3 ص314، ومسند أبي يعلى ج12 ص246، والمعجم الكبير للطبراني ج20 ص346، والرخصة في تقبيل اليد لابن إبراهيم المقرئ ص66، وأسد الغابة ج4 ص352، وتهذيب الكمال ج13 ص355، والبداية والنهاية ج5 ص57، وإمتاع الأسماع ج14 ص55.
([370]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص368 عن الطبقات الكبرى (ط ليدن) ج1 ق2 ص54.
([371]) المُسُوك: الجلود.
([372]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص367 عن أبي يعلى، والطبراني، والبيهقي، وقال في هامشه: أخرجه البيهقي في الدلائل ج5 ص327 وانظر البداية والنهاية ج5 ص47 والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص139 و 140 والطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص558.
([373]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص368 والطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص558 وعن البيان والتعريف لحمزة الدمشقي ج1 ص240.
([374]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص371 و 372 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص138.
([375]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص371 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص135.
([376]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص139 عن عياض، وصحيح مسلم ج1 ص36، وشرح مسلم للنووي ج1 ص189، وتحفة الأحوذي للمباركفوري ج6 ص129.
([377]) مكاتيب الرسول ج3 ص196.
([378]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص360 وراجع ج1 ص314 و ج5 ص557 و (ط ليدن) ج4 ق2 ص77 وج1 ق2 ص54، ومكاتيب الرسول ج3 ص202.
([379]) راجع: مكاتيب الرسول "صلى الله عليه وآله" ج3 ص202.
([380]) راجع: الإصابة ج2 ص177 (ترجمة صحار العبدي) وفي (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص330 و، وراجع الطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص411.
([381]) الإصابة ج3 ص577.
([382]) لاحظ الإختلاف بين الروايات في من هو الأشج.
([383]) راجع: مكاتيب الرسول ج3 ص196 عن الكرماني، وسبل الهدى والرشاد ج6 ص372 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص138
([384]) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص141 عن ابن حبان، وفتح الباري.
([385]) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص141 و 142 عن فتح الباري.
([386]) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص142 عن فتح الباري، وسبل الهدى والرشاد ج6 ص370، وفتح الباري ج1 ص122، و عمدة القاري ج1 ص310.
([387]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص370 عن البداية والنهاية، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص141، وفتح الباري ج1 ص122، وعمدة القاري ج1 ص309، والسيرة الحلبية ج3 ص252.
([388]) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص143 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص371.
([389]) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص142 و 143، وفتح الباري ج1 ص124، والسيرة الحلبية ج3 ص307.
([390]) مكاتيب الرسول ج3 ص201.
([391]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص138، والآحاد والمثاني ج3 ص260، والسنن الكبرى للنسائي ج4 ص188، وصحيح ابن حبان ج1 ص373، والمعجم الكبير للطبراني ج10 ص289.
([392]) راجع: مكاتيب الرسول ج3 ص197 و 198 و 199 وكلام الزرقاني ورد في شرحه على المواهب اللدنية ج5 ص138 و 139 و 140 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص370 و 371.
([393]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص370 و 371، وشرح مسلم للنووي ج1 ص181، وفتح الباري ج1 ص121.