شرح مسلم
النووي ج 13
[ 1 ]
صحيح مسلم بشرح النووي صحيح مسلم بشرح النووي الجزء الثالث عشر الناشر دار الكتب العربي بيروت - لبنان 1407 ه - 1987 م . دار الكتب العربي الرملة البيضاء - ملكارت سنتر - الطابق الرابع - تلفون 800832 - 800811 - 805478 تلكس 40139 - . L . E كتاب - برقيا : الكتاب ص . ب 5769 - 11 بيروت لبنان
[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 2 ]
باب استحباب مبايعة الامام الجيش عند ارادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة قوله (كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة) وفى رواية ألفا وخمسمائة وفى رواية ألفا وثلاثمائة وقد ذكر البخاري ومسلم هذه الروايات الثلاث في صحيحهما وأكثر روايتهما ألف وأربعمائة وكذا ذكر البيهقى أن أكثر روايات هذا الحديث ألفا وأربعمائة ويمكن أن يجمع بينهما بأنهم كانوا أربعمائة وكسرا فمن قال أربعمائة لم يعتبر الكسر ومن قال خمسمائة اعتبره ومن قال ألف وثلاثمائة ترك بعضهم لكونه لم يتقن العد أو لغير ذلك قوله في رواية جابر ورواية معقل بن يسار (بايعناه يوم الحديبية على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت) وفى رواية سلمة أنهم بايعوه
[ 3 ]
يومئذ على الموت وهو معنى رواية عبد الله بن زيد بن عاصم وفى رواية مجاشع بن مسعود البيعة على الهجرة والبيعة على الاسلام والجهاد وفى حديث ابن عمر وعبادة بايعنا على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله وفى رواية عن ابن عمر في غير صحيح مسلم البيعة على الصبر قال العلماء هذه الرواية تجمع المعاني كلها وتبين مقصود كل الروايات فالبيعة على أن لا نفر معناه الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل وهو معنى البيعة على الموت أي نصبر وإن آل بنا ذلك الى الموت لا أن الموت مقصود في نفسه وكذا البيعة على الجهاد أي والصبر فيه والله أعلم وكان في أول الاسلام يجب على العشرة من المسلمين أن يصبروا لمائة من الكفار ولا يفروا منهم وعلى المائة الصبر لألف كافر ثم نسخ ذلك وصار الواجب مصابرة المثلين فقط هذا مذهبنا ومذهب ابن عباس ومالك
[ 4 ]
والجمهور أن الآية منسوخة وقال أبو حنيفة وطائفة ليست بمنسوخة واختلفوا في أن المعتبر مجرد العدد من غير مراعاة القوة والضعف أم يراعى والجمهور على أنه لا يراعى لظاهر القرآن وأما حديث عبادة بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا الى آخره فإنما كان ذلك في أول الأمر في ليلة العقبة قبل الهجرة من مكة وقبل فرض الجهاد قوله (سألت جابرا عن أصحاب الشجرة فقال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا ألفا وخمسمائة) هذا مختصر من الحديث الصحيح في بئر الحديبية ومعناه أن الصحابة لما وصلوا الحديبية وجدوا بئرها إنما تنزه مثل الشراك فبسق النبي صلى الله عليه وسلم فيها ودعا فيها
[ 5 ]
بالبركة فجاست فهى إحدى المعجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكأن السائل في هذا الحديث علم أصل الحديث والمعجزة في تكثير الماء وغير ذلك مما جرى فيها ولم يعلم عددهم فقال جابر كنا ألفا وخمسمائة ولو كنا مائة ألف أو أكثر لكفانا وقوله في الرواية التى قبل هذه دعا على بئر الحديبية أي دعا فيها بالبركة قوله في الشجرة (انها خفى عليهم مكانها في العام المقبل) قال العلماء سبب خفائها أن لا يفتتن الناس بها لما جرى تحتها من الخير ونزول الرضوان والسكينة وغير ذلك فلو بقيت ظاهرة معلومة لخيف تعظيم الأعراب والجهال إياها لها فكان خفاؤها رحمة من الله تعالى
[ 6 ]
باب تحريم رجوع المهاجر الى استيطان وطنه قوله (ان الحجاج قال لسلمة بن الأكوع رضى الله عنه ارتددت على عقبيك تعربت قال لا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لى في البدو) قال القاضي عياض أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته ورجوعه الى وطنه وعلى أن ارتداد المهاجر أعرابيا من الكبائر قال ولهذا أشار الحجاج الى أن أعلمه سلمة أن خروجه الى البادية انما هو بإذن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولعله رجع الى غير وطنه أو لأن الغرض في ملازمة المهاجر أرضه التى هاجر إليها وفرض ذلك عليه انما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لنصرته أو ليكون معه أو لأن ذلك انما كان قبل فتح مكة فلما كان الفتح وأظهر الله الاسلام على الدين كله وأذل الكفر وأعز المسلمين سقط فرض الهجرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح وقال مضت الهجرة لأهلها أي الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم قبل فتح مكة لمواساة النبي صلى الله عليه وسلم ومؤازرته
[ 7 ]
ونصرة دينه وضبط شريعته قال القاضى ولم يختلف العلماء في وجوب الهجرة على أهل مكة قبل الفتح واختلف في غيرهم فقيل لم تكن واجبة على غيرهم بل كانت ندبا ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر الوفود عليه قبل الفتح بالهجرة وقيل انما كانت واجبة على من لم يسلم كل أهل بلدة لئلا يبقى في طلوع أحكام الكفار باب المبايعة بعد فتح مكة على الاسلام والجهاد والخير وبيان معنى لا هجرة بعد الفتح قوله (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أبايعه على الهجرة فقال إن الهجرة قد مضت لأهلها ولكن على الاسلام والجهاد والخير) معناه أن الهجرة الممدوحة الفاضلة التى لأصحابها المزية الظاهرة
[ 8 ]
انما كانت قبل الفتح ولكن أبايعك على الاسلام والجهاد وسائر أفعال الخير وهو من باب ذكر العام بعد الخاص فإن الخير أعم من الجهاد ومعناه أبايعك على أن تفعل هذه الأمور قوله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية) وفى الرواية الأخرى لا هجرة بعد الفتح قال أصحابنا وغيرهم من العلماء الهجرة من دار الحرب الى دار الاسلام باقية الى يوم القيامة وتأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما لا هجرة بعد الفتح من مكة لأنها صارت دار اسلام فلا تتصور منها الهجرة والثانى وهو الأصح أن معناه أن الهجرة الفاضلة المهمة المطلوبة التى يمتاز بها أهلها امتيازا ظاهرا انقطعت بفتح مكة ومضت لأهلها الذين هاجروا قبل فتح مكة لأن الاسلام قوى وعز بعد فتح مكة عزا ظاهرا بخلاف ما قبله قوله صلى الله عليه وسلم (ولكن جهاد ونية) معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة ولكن حصلوه بالجهاد والنية الصالحة وفى هذا الحث على نية الخير مطلقا وأنه يثاب على النية قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا استنفرتم فانفروا) معناه إذا طلبكم الامام للخروج الى الجهاد
[ 9 ]
فاخرجوا وهذا دليل على أن الجهاد ليس فرض عين بل فرض كفاية إذا فعله من تحصل بهم الكفاية سقط الحرج عن الباقين وان تركوه كلهم اثموا كلهم قال أصحابنا الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعين عليهم الجهاد فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية واما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فالأصح عند أصحابنا أنه كان أيضا فرض كفاية والثانى أنه كان فرض عين واحتج القائلون بأنه كان فرض كفاية بأنه كان يغزوا السرايا وفيها بعضهم دون بعض قوله صلى الله عليه وسلم للاعرابي الذى سأله عن الهجرة (إن شأن الهجرة لشديد فهل لك من إبل قال نعم قال هل تؤتى صدقتها قال نعم قال فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا) أما يترك فبكسر التاء معناه لن ينقصك من ثواب اعمالك شيئا حيث كنت قال العلماء والمراد بالبحار هنا القرى والعرب تسمى القرى البحار والقرية البحيرة قال العلماء والمراد بالهجرة التى سأل عنها هذا الأعرابي ملازمة المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم وترك أهله ووطنه فخاف عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقوى لها ولا يقوم بحقوقها وأن ينكص على عقبيه فقال له إن شأن الهجرة التى سألت عنها لشديد ولكن اعمل بالخير في وطنك وحيث ما كنت فهو ينفعك ولا ينقصك الله منه شيئا والله أعلم
[ 10 ]
باب كيفية بيعة النساء قولها (كانت المؤمنات إذا هاجرن يمتحن يقول الله تعالى أيها النبي إذا جاءك المؤمنات آخره معنى يمتحن بيايعهن على هذا المذكور في الآية الكريمة وقولها (فمن أقر بهذا فقد أقر بالمحنة) معناه فقد بايع البيعة الشرعية قولها (والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام) فيه أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كف وفيه أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام وفيه كلام الأجنبية يباح سماعه عند الحاجة وأن صوتها ليس بعورة وأنه لا يلمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة كتطبب وقصد وحجامة وقل ضرس وكحل عين ونحوها مما لا توجد امرأة تفعله جاز للرجل الأجنبي فعله للضرورة وفى قط خمس لغات
[ 11 ]
فتح القاف وتشديد الطاء مصمومة ومكسورة وبضمهما والطاء مشددة وفتح القاف مع تخفيف الطاء ساكنة ومكسورة وهى لنفى الماضي قولها في الرواية الأخرى (ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته قال اذهبي فقد بايعتك) هذا الاستثناء منفطع وتقدير الكلام ما مس امرأة قط لكن يأخذ عليها البيعة بالكلام فأذا أخذها بالكلام قال اذهبي فقد بايعتك وهذا التقدير مضرح به في الرواية الأولى ولا بد منه والله أعلم باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع قوله (كنا نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعت) هكذا هو في جميع النسخ فيما استطعت أي قل فيما استطعت وهذا من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته يلقنهم أن يقول أحدهم فيما استطعت لئلا يدخل في عموم بيعة مالا يطيقه وفيه أنه إذا رأى الانسان من يلتزم مالا يطيقه ينبغى أن يقول له لا تلتزم مالا تطيق فيترك بعضه وهو من نحو قوله صلى الله عليه وسلم عليكم من الأعمال ما تطيقون
[ 12 ]
بيان سن البلوغ وهو السن الذى يجعل صاحبه من المقاتلين ويجرى عليه حكم الرجال في أحكام القتال وغير ذلك قوله (عن ابن عمر أنه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) هذا دليل لتحديد البلوغ بخمس عشرة سنة وهو مذهب الشافعي والأوزاعي وابن وهب وأحمد وغيرهم قالوا باستكمال خمس عشرة سنة يصير مكلفا وان لم يحتلم فتجرى عليه الأحكام من وجوب العبادة وغيره ويستحق سهم الرجال من الغنيمة ويقتل ان كان من أهل الحرب وفيه دليل على أن الخندق كانت سنة أربع من الهجرة وهو الصحيح وقال جماعة من أهل السير والتواريخ كانت سنة خمس وهذا الحديث يرده لأنهم أجمعوا على أن أحدا كانت سنة ثلاث فيكون الخندق سنة أربع لأنه جعلها في هذا الحديث بعده بسنة قوله (لم يجزني وأجازني) المراد جعله رجلا له حكم الرجال المقاتلين
[ 13 ]
باب النهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم قوله (نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو) وفى الرواية الأخرى مخافة أن يناله العدو وفى الرواية الأخرى فإنى لا آمن أن يناله العدو فيه النهى عن المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار للعلة المذكورة في الحديث وهى خوف أن يناله فينتهكوا حرمته فإن أمنت هذه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين عليهم فلا كراهة ولا منع منه حينئذ لعدم العلة هذا هو الصحيح وبه قال أبو حنيفة والبخاري وآخرون وقال مالك وجماعة من أصحابنا بالنهي مطلقا وحكى ابن المنذر عن أبى حنيفة الجواز مطلقا والصيحيح عنه ما سبق وهذه العلة المذكورة في الحديث هي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وغلط بعض المالكية فزعم أنها من كلام مالك واتفق العلماء على أنه يجوز أن يكتب
[ 14 ]
إليهم كتاب فيه آية أو آيات والحجة فيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل قال القاضى وكره مالك وغيره معاملة الكفار بالدراهم والدنانير التى فيها اسم الله تعالى وذكره سبحانه وتعالى باب المسابقة بين الخيل وتضميرها فيه ذكر حديث مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم بين الخيل المضمرة وغير المضمرة وفيه جواز المسابقة بين الخيل وجواز تضميرها وهما مجمع عليهما للمصلحة في ذلك وتدريب الخيل ورياضتها وتمرنها على الجارى واعدادها لذلك لينتفع بها عند الحاجة في القتال كرا وفرا واختلف العلماء في أن المسابقة بينهما مباحة أم مستحبة ومذهب أصحابنا أنها مستحبة لما ذكرناه وأجمع العلماء على جواز المسابقة بغير عوض بين جميع أنواع الخيل قويها مع ضعيفها وسابقها مع غيره سواء كان معها ثالث أم لا فأما المسابقة بعوض فجائزة بالاجماع لكن يشترط أن يكون العوض من غير المتسابقين أو يكون بينهما ويكون معهما محلل وهو ثالث على فرس مكافئ لفرسيهما ولا يخرج المحلل من عنده شيئا ليخرج هذا العقد عن صورة القمار وليس في هذا الحديث ذكر عوض في المسابقة قوله (سابق بالخيل التى أضمرت) يقال أضمرت وضمرت وهو أن يقلل علفها مدة وتدخل بيتا كنينا وتجلل فيه لتعرق ويجف عرقها فيجف لحمها وتقوى على الجرى قوله (من الحفياء إلى ثنية الوداع) هي بحاء مهملة وفاء ساكنة وبالمد والقصر حكاهما القاضى وآخرون القصر أشهر والحاء مفتوحة بلا خلاف وقال صاحب المطالع وضبطه بعضهم بضمها قال وهو خطأ قال الحازمى في المؤتلف ويقال فيها أيضا الحيفاء بتقديم الياء على الفاء والمشهور المعروف في كتب الحديث وغيرها الحفياء قال سفيان بن عيينة بين ثنية الوداع والحفياء خمسة أميال أو ستة وقال موسى بن عقبة ستة أو سبعة وأما ثنية الوداع فهى عند المدينة سميت بذلك لأن الخارج من المدينة يمشى معه المودعون إليها
[ 15 ]
قوله (مسجد بنى زريق) بتقديم الزاى وفيه دليل لجواز قول مسجد فلان ومسجد بنى فلان وقد ترجم له البخاري بهذه الترجمة وهذه الاضافة للتعريف قوله (وحدثني زهير بن حرب حدثنا اسماعيل عن أيوب عن نافع عن ابن عمر) هكذا هو في جميع النسخ قال أبو على الغساني وذكره أبو مسعود الدمشقي عن مسلم عن زهير بن حرب عن اسماعيل بن علية عن أيوب عن ابن نافع عن نافع عن ابن عمر فزاد ابن نافع قال والذى قاله أبو مسعود محفوظ عن الجماعة من أصحاب ابن علية قال الدارقطني في كتاب العلل في هذا الحديث يرويه أحمد بن حنبل وعلى بن المديني وداود عن ابن علية عن أيوب عن ابن نافع عن نافع عن ابن عمر وهذا شاهد لما ذكره أبو مسعود ورواه جماعة عن زهير عن ابن علية عن أيوب عن نافع كما رواه مسلم من غير ذكر ابن نافع قوله
[ 16 ]
(عن ابن عمر فجئت سابقا فطفف بى الفرس المسجد) أي علا وثب الى المسجد وكان جداره قصيرا وهذا بعد مجاوزته الغاية لأن الغاية هي هذا المسجد وهو مسجد بنى زريق والله أعلم باب فضيلة الخيل وأن الخير معقود بنواصيها قوله صلى الله عليه وسلم (الخيل معقود بنواصيها الخير الى يوم القيامة الأجر والغنيمة) وفى رواية الخير معقوص بنواصي الخيل وفى رواية البركة في نواصى الخيل المعقود والمعقوص بمعنى ومعناه ملوى مضفور فيها والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة قال الخطابى وغيره قالوا وكنى بالناصية عن حميع ذات الفرس يقال فلان مبارك الناصية ومبارك الغرة أي الذات وفى هذه الأحاديث استحباب رباط الخيل واقتنائها للغزو وقتال أعداء الله وأن فضلها وخيرها والجهاد باق الى يوم القيامة وأما الحديث الآخر الشؤم قد يكون في الفرس فالمراد به غير الخيل المعدة للغزو ونحوه أو أن الخير والشؤم يجتمعان فيها فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم ولا يمتنع مع هذا أن يكون
[ 17 ]
الفرس مما يتشاءم به قوله (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوى ناصية فرس باصبعه) قال القاضى فيه استحباب خدمة الرجل فرسه المعدة للجهاد قوله (عن عروة البارقى) هو بالموحدة
[ 18 ]
والقاف وهو منسوب الى بارق وهو جبل باليمن تركته الأزد وهم الأسد باسكان السين فنسبوا إليه وقيل الى بارق بن عوف بن عدى ويقال له عروة بن الجعد كما وقع في رواية مسلم وعروة بن أبى الجعد وعروة بن عياض بن أبى الجعد باب ما يكره من صفات الخيل رسول الله قوله صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل) وفسره في الرواية الثانية بان يكون في رجله اليمنى بياض وفى يده اليسرى أو يده اليمنى ورجله اليسرى وهذا التفسير أحد الأقوال في الشكال وقال أبو عبيد وجمهور أهل اللغة والغريب هو أن يكون منه ثلاث قوائم محجلة وواحدة
[ 19 ]
مطلقة تشبيها بالشكال الذى تشكل به الخيل فانه يكون في ثلاث قوائم غالبا قال أبو عبيد وقد يكون الشكال ثلاث قوائم مطلقة وواحدة محجلة قال ولا تكون المطلقة من الأرجل أو المحجلة إلا الرجل وقال ابن دريد الشكال أن يكون محجلا من شق واحد في يده ورجله فان كان مخالفا قيل الشكال مخالف قال القاضى قال أبو عمر والمطرز قيل الشكال بياض الرجل اليمنى واليد اليمنى وقيل بياض الرجل اليسرى واليد اليسرى وقيل بياض اليدين وقيل بياض الرجلين وقيل بياض الرجلين ويد واحدة وقيل بياض اليدين ورجل واحدة وقال العلماء انما كرهه لأنه على صورة المشكول وقيل يحتمل أن يكون قد جرب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة قال بعض العلماء إذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهة لزوال شبه الشكال باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله قوله صلى الله عليه وسلم (تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا الى قوله أن أدخله
[ 20 ]
الجنة) وفى الرواية الاخرى تكفل الله ومعناهما أوجب الله تعالى له الجنة بفضله وكرمه سبحانه وتعالى وهذا الضمان والكفالة موافق لقوله تعالى الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة قوله سبحانه وتعالى (لا يخرجه إلا جهادا في سبيلى) هكذا هو في جميع النسخ جهادا بالنصب وكذا قال بعده وإيمانا وتصديقا وهو منصوب على أنه مفعول وتقديره لا يخرجه المخرج ويحوكه المحرك الا للجهاد والايمان والتصديق قوله (لا يخرجه إلا جهادا في سبيلى وإيمانا بى وتصديقا برسلى) معناه لا يخرجه إلا محض الايمان والاخلاص لله تعالى قوله في الرواية الأخرى (وتصديق كلمته) أي كلمة الشهادتين وقيل تصديق كلام الله في الاخبار بما للمجاهد من عظيم ثوابه قوله تعالى (فهو على ضامن) ذكروا في ضامن هنا وجهين أحدهما أنه بمعنى مضمون كماء دافق ومدفوق والثانى أنه بمعنى ذو ضمان قوله تعالى (أن أدخله الجنة) قال القاضى يحتمل أن يدخل عند موته كما قال تعالى في الشهداء بكر عند ربهم يرزقون
[ 21 ]
وفى الحديث أرواح الشهداء في الجنة قال ويحتمل أن يكون المراد دخوله الجنة عند دخول السابقين والمقربين بلا حساب ولا عذاب ولا مؤاخذة بذنب وتكون الشهادة مكفرة لذنوبه كما صرح به في الحديث الصحيح قوله (أو أرجعه الى مسكنه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة) قالوا معناه ما حصل له من الأجر بلا غنيمة ان لم يغنم أو من الاجر والغنيمة معا ان غنموا وقيل ان أو هنا بمعنى الواو أي من أجر وغنيمة وكذا وقع بالواو وفى رواية أبى داود وكذا وقع في مسلم في رواية يحيى بن يحيى التى بعد هذه بالواو ومعنى الحديث أن الله تعالى ضمن أن الخارج للجهاد ينال خيرا بكل حال فاما أن يستشهد فيدخل الجنة وإما أن يرجع بأجر وإما أن يرجع بأجر وغنيمة قوله صلى الله عليه وسلم (والذى نفس محمد بيده مامن كلم يكلم في سبيل الله الا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم لونه لون دم وريحه مسك) أما الكلم بفتح الكاف واسكان اللام فهو الجرح ويكلم باسكان الكاف أي يجرح وفيه دليل على أن الشهيد لا يزول عنه الدم بغسل ولاغيره والحكمة في مجيئة يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلة وبذله نفسه في طاعة الله تعالى وفيه دليل على جواز اليمين وانعقادها بقوله والذى نفسي بيده ونحو هذه الصيغة من الحلف بما يدل على الذات ولا خلاف في هذا قال أصحابنا اليمين تكون بأسماء الله تعالى وصفاته أو ما دل على ذاته قال القاضى واليد هنا
[ 22 ]
يمعنى القدرة والملك قوله (والذى نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله) أي خلفها وبعدها وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على المسلمين والرأفة بهم وأنه كان يترك بعض ما يختاره للرفق بالمسلمين وأنه إذا تعارضت المصالح بدأ بأهمها وفيه مراعاة الرفق بالمسلمين والسعى في زوال المكروه والمشقة عنهم قوله (لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل) فيه فضيلة الغزو والشهادة وفيه تمنى الشهادة والخير وتمنى ما لا يمكن في العادة من الخيرات وفيه أن الجهاد فرض كفاية لافرض عين قوله صلى الله عليه وسلم (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) هذا تنبيه على الاخلاص في الغزو وأن الثواب المذكور فيه انما هو لمن أخلص فيه وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا قالوا وهذا الفضل وان كان ظاهره أنه في قتال الكفار فيدخل فيه من خرج في سبيل الله في قتال البغاة وقطاع الطريق وفى اقامة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ونحو ذلك والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (وجرحه يثعب) بفتح الياء والعين واسكان المثلثة بينهما ومعناه يجرى متفجرا أي كثيرا وهو بمعنى الرواية الأخرى يتفجر دما قوله صلى الله عليه وسلم (تكون يوم القيامة كهيئتها إذا طعنت) الضمير في كهيئتها يعود على الجراحة وذا طعنت بالألف بعد الذال كذا في جميع النسخ قوله صلى الله عليه وسلم (والعرف عرف المسك) هو
[ 23 ]
بفتح العين المهملة واسكان الراء وهو الريح باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى قوله (حدثنا أبو خالد الأحمر عن شعبة عن قتادة وحميد عن أنس) قال أبو على الغساني ظاهر هذا الاسناد أن شعبة ترويه عن قتادة وحميد جميعا عن أنس قال وصوابه أن أبا خالد يرويه عن حميد عن أنس ويرويه أبو خالد أيضا عن شعبة عن قتادة عن أنس قال وهكذا قاله عبد الغنى بن سعيد قال القاضى فيكون حميد معطوفا على شعبة لا على قتادة قال وقد ذكره ابن أبى شيبة في كتابه عن أبى خالد عن حميد وشعبة عن قتادة عن أنس فبينه وان كان فيه أيضا ايهام فان ظاهره أن حميدا يرويه عن قتادة وليس المراد كذلك بل المراد أن
[ 24 ]
حميدا يرويه عن أنس كما سبق قوله صلى الله عليه وسلم (مامن نفس تموت لها عند الله خير يسرها أنها ترجع الى الدنيا ولا أن لها الدنيا وما فيها الا الشهيد الى آخره) هذا من صرائح الأدلة في عظيم فضل الشهادة والله المحمود المشكور وأما سبب تسميته شهيدا فقال النضر بن شميل لأنه حى فان أرواحهم شهدت وحضرت دار الاسلام وأرواح غيرهم انما تشهدها يوم القيامة وقال ابن الأنباري ان الله تعالى وملائكته عليهم الصلاة والسلام يشهدون له بالجنة وقيل لأنه شهد عند خروج روحه ما أعده الله تعالى له من الثواب والكرامة وقيل لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه وقيل لأنه شهد له بالايمان وخاتمة الخير بظاهر حاله وقيل لأن عليه شاهد بكونه شهيدا وهو الدم وقيل لأنه ممن يشهد على الأمم يوم القيامة بابلاغ الرسل الرسالة إليهم وعلى هذا القول يشاركهم غيرهم في هذا الوصف قوله (ما يعدل الجهاد في سبيل الله قال لا تستطيعوه) هكذا هو في معظم النسخ لا تستطيعوه وفى بعضها لا تستطيعونه
[ 25 ]
بالنون وهذا جار على اللغة المشهورة والأول صحيح أيضا وهى لغة فصيحة حذف النون من غير ناصب ولا جازم وقد سبق بيانها ونظائرها مرات قوله صلى الله عليه وسلم (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله الى آخره) معنى القانت هنا المطيع وفى هذا الحديث عظيم فضل الجهاد لأن الصلاة والصيام والقيام بآيات الله أفضل الأعمال وقد جعل المجاهد مثل من لايفتر عن ذلك في لحظة من اللحظات ومعلوم أن هذا لا يتأتى لأحد ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لا تستطيعونه والله أعلم قوله (أن عمر رضى الله عنه زجر الرجال الذين رفعوا أصواتهم يوم الجمعة عند المنبر) فيه كراهة رفع الصوت في المساجد يوم الجمعة وغيره وأنه لا يرفع الصوت بعلم ولاغيره عند اجتماع الناس للصلاة لما فيه من التشويش عليهم وعلى المصلين والذاكرين والله أعلم
[ 26 ]
باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله قوله صلى الله عليه وسلم (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها) الغدوة بفتح الغين السير أول النهار الى الزوال والروحة السير من الزوال الى آخر النهار وأو هنا للتقسيم لا للشك ومعناه أن الروحة يحصل بها هذا الثواب وكذا الغدوة والظاهر أنه لا يختص ذلك بالغدو والرواح من بلدته بل يحصل هذا الثواب بكل غدوة أو روحة في طريقه الى الغزو وكذا غدوه وروحة في موضع القتال لأن الجميع يسمى غدوة وروحة في سبيل الله ومعنى هذا الحديث أن فضل الغدوة والروحة في سبيل الله وثوابهما خير من نعيم الدنيا كلها لو ملكها انسان وتصور تنعمه بها كلها لأنه زائل ونعيم الآخرة باق قال القاضى وقيل في معناه ومعنى نظائره من تمثيل
[ 27 ]
أمور الآخرة وثوابها بأمور الدنيا أنها خيرمن الدنيا وما فيها لو ملكها انسان وملك جميع ما فيها وأنفقه في أمور الآخرة قال هذا القائل وليس تمثيل الباقي بالفانى على ظاهر اطلاقه والله أعلم قوله (وحدثنا ابن أبى عمر حدثنا مروان بن معاوية عن يحيى بن سعيد) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا وكذا نقله أبو على الغساني عن رواية الجلودى قال ووقع وفى نسخة ابن ماهان حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا مروان فذكر اين أبى شيبة بدل ابن بى عمر قال والصواب الأول
[ 28 ]
باب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهد في الجنة من الدرجات قوله صلى الله عليه وسلم (وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كا درجتين كما بين السماء والأرض قال وما هي يا رسول الله قال الجهاد في سبيل الله) قال القاضى عياض رضى الله عنه يحتمل أن هذا على ظاهره وأن الدرجات هنا المنازل التى بعضها أرفع من بعض في الظاهر وهذه صفة منازل الجنة كما جاء في أهل الغرف أنهم يتراءون كالكوكب الدرى قال ويحتمل أن المراد الرفعة بالمعنى من كثرة النعيم وعظيم الاحسان مما لم يخطر على قلب بشر ولا بصفة مخلوق وأن أنواع ما أنعم الله به عليه من البر والكرامة يتفاضل تفاضلا كثيرا ويكون تباعده في الفضل كما بين السماء والأرض في البعد قال القاضى والاحتمال الأول أظهر وهو كما قال والله أعلم
[ 29 ]
باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين قوله صلى الله عليه وسلم للذى سأله عن تكفير خطاياه ان قتل (نعم ان قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم أعاده فقال إلا الدين فان جبريل قال لى ذلك) فيه هذا الفضيلة العظيمة للمجاهد وهى تكفير خطاياه كلها إلا حقوق الآدميين وانما يكون تكفيرها بهذه الشروط المذكورة وهو أن يقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر وفيه أن الأعمال لا تنفع إلا بالنية والاخلاص لله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم (مقبل غير مدبر) لعله احتراز ممن يقبل في وقت ويدبر في وفت والمحتسب هو المخلص لله تعالى فان قاتل لعصبية أو لغنيمة أو لصيت أو نحو ذلك فليس له هذا الثواب ولاغيره وأما قوله صلى الله عليه وسلم إلا الذين ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين وانما يكفر حقوق الله تعالى وأما قوله صلى الله عليه وسلم نعم ثم قال بعد ذلك إلا الدين فمحمول على أنه أوحى إليه به في الحال ولهذا قال صلى الله عليه وسلم إلا الدين فان جبريل قال لى ذلك والله أعلم قوله (حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عن عمرو بن دينار عن محمد ين قيس قال
[ 30 ]
وحدثنا ابن عجلان عن محمد بن قيس عن أبى عبد الله بن أبى قتادة) القائل وحدثنا ابن عجلان هو سفيان قوله (عن عياش بن عباس القتبانى) الأول بالشين المعجمة والثانى بالمهملة والقتباني بالقاف مكسورة ثم مثناة فوق ساكنة ثم موحدة منسوب الى قتبان بطن من رعين باب في بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم احياء عند ربهم يرزقون حدثني يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وذكر اسناده الى مسروق قال سألنا عبد الله
[ 31 ]
عن هذه الآية تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون أما انا قد سألنا عن ذلك فقال أرواحهم في جوف طير خضر) قال المازرى كذا جاء عبد الله غير منسوب قال أبو على الغساني ومن الناس من ينسبه فيقول عبد الله بن عمرو وذكره أبو مسعود الدمشقي في مسند ابن مسعود قال القاضى عياض ووقع في بعض النسخ من صحيح مسلم عبد الله ابن مسعود قلت وكذا وقع في بعض نسخ بلادنا المعتمدة ولكن لم يقع منسوبا في معظمها وذكره خلف الواسطي والحميدي وغيرهما في مسند ابن مسعود وهو الصواب وهذا الحديث مرفوع لقوله انا قد سألنا عند ذلك فقال يعنى النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم في الشهداء (أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تاوى الى تلك القناديل) فيه بيان أن الجنة مخلوفة موجودة وهو مذهب أهل السنة وهى التى أهبط منها آدم وهى التى ينعم فيها المؤمنون في الآخرة هذا إجماع أهل السنة وقالت المعتزلة وطائفة من المبتدعة أيضا وغيرهم انها ليست موجودة وانما توجد بعد البعث في القيامة قالوا والجنة التى أخرج منها آدم غيرها وظواهر القرآن والسنة تدل لمذهب أهل الحق وفيه إثبات مجازاة الأموات بالثواب والعقاب قبل القيامة قال القاضى وفيه أن الأرواح باقية لا تفنى فينعم المحسن ويعذب المسئ وقد جاء به القرآن والآثار وهو مذهب أهل السنة خلافا لطائفة من المبتدعة قالت تفنى قال القاضى وقال هنا أرواح الشهداء وقال في حديث مالك انما نسمة المؤمن والنسمة تطلق على ذات الانسان جسما وروحا وتطلق على الروح مفردة وهو المراد بها في هذا التفسير في الحديث الآخر بالروح ولعلمنا بأن الجسم يفنى ويأكله التراب ولقوله في الحديث حتى
[ 32 ]
يرجعه الله تعالى الى جسده يوم القيامة قال القاضى وذكر في حديث مالك رحمه الله تعالى نسمة المؤمن وقال هنا الشهداء لأن هذه صفتهم لقوله تعالى بكر عند ربهم يرزقون فسره في هذا الحديث وأما غيرهم فأنما يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي كما جاء في حديث ابن عمر وكما قال في آل فرعون يعرضون عليها غدوا وعشيا قال القاضي بل المراد جميع المؤمنين الذين يدخلون الجنة بغير عذاب فيدخلونها الآن بدليل عموم الحديث وقيل بل أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث في جوف طير خضر وفى غير مسلم بطير خضر وفى حديث آخر بحواصل طير وفى الموطأ إنما نسمة المؤمن طير وفى حديث آخر عن قتادة في صورة طير أبيض قال القاضى قال بعض المتكلمين على هذا الأشبه صحة قول من قال طير أو صورة طير وهو أكثر ما جاءت به الرواية لاسيما مع قوله تأوى الى قناديل تحت العرش قال القاضى واستبعد بعضهم هذا ولم ينكره آخرون وليس فيه ما ينكر ولا فرق بين الأمرين بل رواية طير أو جوف طير أصح معنى وليس للأقيسة والعقول في هذا حكم وكله من المجوزات فإذا أراد الله أن يجعل هذه الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل أو أجوف طير أو حيث يشاء كان ذلك ووقع ولم يبعد لاسيما مع القول بأن الأرواح أجسام قال القاضى وقيل ان هذا المنعم أو المعذب من الأرواح جزء من الجسد تبقى فيه الروح وهو الذى يتألم ويعذب ويلتذ وينعم وهو الذى يقول رب ارجعون وهو الذى يسرح في شجر الجنة فغير مستحيل أن يصور هذا الجزء طائرا أو يجعل في جوف طائر وفى قناديل تحت العرش وغير ذلك مما يريد الله عز وجل قال القاضى وقد اختلف الناس في الروح ما هي اختلافا لا يكاد يحصر فقال كثير من أرباب المعاني وعلم الباطن المتكلمين لا تعرف حقيقته ولا يصح وصفه وهو مما جهل العباد علمه واستدلوا بقوله تعالى الروح من أمر ربى الفلاسفة فقالت بعدم الروح وقال جمهور الأطباء هو البخار اللطيف السارى في البدن وقال كثيرون من شيوخنا هو الحياة وقال آخرون هي أجسام لطيفة مشابكة للجسم يحيى لحياته أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم عند فراقه وقيل هو بعض الجسم ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم وهذه صفة الأجسام لا المعاني وقال بعض مقدمي أئمتنا هو جسم لطيف متصور على صورة الإنسان داخل الجسم وقال بعض مشايخنا وغيرهم إنه النفس الداخل
[ 33 ]
والخارج وقال آخرون هو الدم هذا ما نقله القاضى والأصح عند أصحابنا أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن فإذا فارقته مات قال القاضى واختلفوا في النفس والروح فقيل هما بمعني وهما لفظان لمسمى واحد وقيل ان النفس هي النفس الداخل والخارج وقيل هي الدم وقيل هي الحياة والله أعلم قال القاضى وقد تعلق بحديثنا هذا وشبهه بعض الملحدة القائلين بالتناسخ وانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرفهة وتعذيبها في الصور القبيحة المسخرة وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب وهذا ضلال بين وإبطال لما جاءت به الشرائع من الحشر والنشر والجنة والنار ولهذا قال في الحديث حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه يعنى يوم يجئ بجميع الخلق والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (فقال لهم الله تعالى هل تشهون شيئا الخ) هذا مبالغة في اكرامهم وتنعيمهم إذ قد أعطاهم الله ما لا يخطر على قلب بشر ثم رغبهم في سؤال الزيادة فلم يجدوا مزيدا على ما أعطاهم فسألوا حين رأوه أنه لابد من سؤال أن يرجع أرواحهم الى أجسادهم ليجاهدوا ويبذلوا أنفسهم في سبيل الله تعالى ويستلذوا بالقتل في سبيله والله أعلم باب فضل الحهاد والرباط قوله (أي الناس أفضل فقال رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه) قال القاضى هذا عام
[ 34 ]
مخصوص وتقديره هذا من أفضل الناس وإلا فالعلماء أفضل وكذا الصديقون كما جاءت به الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم (ثم مؤمن في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره) فيه دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الاختلاط وفى ذلك خلاف مشهور فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن ومذهب طوائف أن الاعتزال أفضل وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في رمن الفتن والحروب أو هو فيمن لا يسلم الناس منه ولا يصبر عليهم أو نحو ذلك من الخصوص وقد كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين فيحصلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحلق الذكر وغير ذلك وأما الشعب فهو ما انفرج بين جبلين وليس المراد نفس الشعب خصوصا بل المراد الانفراد والاعتزاب وذكر الشعب مثالا لأنه خال عن الناس غالبا وهذا الحديث نحو الحديث الآخر حين سئل صلى الله عليه وسلم عن النجاة فقال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك قوله صلى الله عليه وسلم (من خير معاش الناس لهم رجل ممسك
[ 35 ]
عنان فرسه) المعاش هو العيش وهو الحياة وتقديره والله أعلم من خير أحوال عيشهم رجل ممسك قوله صلى الله عليه وسلم (يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار على متنه ينبغى القتل والموت مظانه) معناه يسارع على ظهر وهو متنه كلما سمع هيعة وهى الصوت عند حضور العدو وهى بفتح الهاء وإسكان الياء والفزعة باسكان الزاى النهوض إلى العدو ومعنى يبتغى القتل مظانه يطلبه في مواطنه التى يرجى فيها لشدة رغبته في الشهادة وفى هذا الحديث فضيلة الجهاد والرباط والحرص على الشهادة قوله صلى الله عليه وسلم (أو رجل في غنيمة في رأس شغفة) الغنيمة بضم الغين تصغير الغنم أي قطعة منها والشفعة بفتح الشين والعين أعلى الجبل
[ 36 ]
باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة قوله صلى الله عليه وسلم (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله فيستشهد) قال القاضى الضحك هنا استعارة في حق الله تعالى لأنه لا يجوز عليه سبحانه الضحك المعروف في حقنا لأنه إنما يصح من الأجسام وممن يجوز عليه تغير الحالات والله تعالى منزه عن ذلك وانما المراد به الرضا بفعلها والثواب عليه وحمد فعلهما ومحبته وتلقى رسل الله لهما بذلك لأن الضحك من أحدنا انما يكون عند موافقته ما يرضاه وسروره وبره لمن يلقاه قال ويحتمل أن يكون المراد هنا ضحك ملائكة الله تعالى الذين يوجههم لقبض روحه وادخاله الجنة كما يقال قتل السلطان فلانا أي أمر بقتله
[ 37 ]
باب من قتل كافرا ثم سدد قوله صلى الله عليه وسلم (لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا) وفى رواية لا يجتمعان في النار اجتماعا يضر أحدهما الآخر قيل من هم يا رسول الله قال مؤمن قتل كافرا ثم سدد قال القاضى في الرواية الأولى يحتمل أن هذا مختص بمن قتل كافرا في الجهاد فيكون ذلك مكفرا لذنوبه حتى لا يعاقب عليها أو يكون بنية مخصوصة أو حالة مخصوصة ويحتمل أن يكون عقابه ان عوقب بغير النار كالحبس في الاعراف عن دخول الجنة أو لا يدخل النار أو يكون ان عوقب بها في غير موضع عقاب الكفار ولا يجتمعان في ادراكها قال وأما قوله في الرواية الثانية (اجتماعا يضر أحدهما الآخر) فيدل على أنه اجتماع مخصوص قال وهو مشكل المعنى وأوجه ما فيه أن يكون معناه ما أشرنا إليه أنهما لا يجتمعان في وقت ان استحق العقاب فيعيره بدخوله معه وأنه لم ينفعه ايمانه وقتله اياه وقد جاء مثل هذا في بعض الحديث لكن قوله في هذا الحديث مؤمن قتل كافرا ثم سدد مشكل لأن المؤمن إذا سدد ومعناه استقام على الطريقة المثلى ولم يخلط لم يدخل النار أصلا سواء قتل كافرا أو لم يقتله قال القاضى ووجهه عندي أن يكون قوله ثم سدد عائدا على الكافر القاتل ويكون بمعنى الحديث السابق يضحك الله الى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة ورأى بعضهم أن هذا اللفظ تغير من بعض الرواة وأن صوابه مؤمن قتله كافر ثم سدد ويكون معنى قوله لا يجتمعان في النار اجتماعا يضر أحدهما الآخر أي لا يدخلانها للعقاب ويكون هذا استثناء من اجتماع الورود وتخاصمهم على جسر جهنم هذا آخر كلام القاضى
[ 38 ]
باب فضل الصدقة في سبيل الله تعالى وتضعيفها قوله (جاء رجل بناقة مخطومة فقال هذه في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة) معنى مخطومة أي فيها خطام وهو قريب من الزمام وسبق شرحه مرات قيل يحتمل أن المراد له أجر سبعمائة ناقة ويحتمل أن يكون على ظاهره ويكون له في الجنة بها سبعمائة كل واحدة منهن مخطوبة يركبهن حيث شاء للنتزه كما جاء في خيل الجنة ونجبها وهذا الاحتمال أظهر والله أعلم باب فضل اعانة الغازى في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافته في أهله بخير قوله (أبدع بى) هو بضم الهمزة وفى بعض النسخ بدع بى بحذف الهمزة وبتشديد الدال ونقله القاضى عن جمهور رواة مسلم قال والأول هو الصواب ومعروف في اللغة وكذا رواه أبو داود وآخرون
[ 39 ]
بالألف ومعناه هلكت دابتي وهى مركوبي قوله صلى الله عليه وسلم (من دل على خسر فله مثل أجر فاعله) فيه فضيلة الدلابة على الخير والتنبه عليه والمساندة لفاعله وفيه فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات لاسيما لمن يعمل بها من المتبعدين وغيرهم والمراد بمثل أجر فاعله أن له ثوابا بذلك الفعل كما أن لفاعله ثوابا ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء قوله (أن فتى من أسلم قال يارسول الله انى أريد الغزو وليس معى ما أتجهز به قال ائت فلانا فانه قد كان تجهز فمرض الى آخره) فيه فضيلة الدلالة على الخير وفيه أن ما نوى الانسان صرفه في جهة بر فتعذرت عليه تلك الجهة يستحب له بذله في جهة أخرى من البر ولا يلزمه ذلك ما لم يلتزمه بالنذر قوله صلى
[ 40 ]
الله عليه وسلم (من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) أي حصل له أجر بسبب الغزو وهذا الأجر يجصل بكل جهاد وسواء قليلة وكثيره ولكل خالف له في أهله بخير من قضاء حاجة لهم وانفاق عليهم أو مساعدتهم في أمرهم ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته وفى هذا الحديث الحث على الاحسان الى من فعل مصلحة للمسلمين أو قام بأمر من مهماتهم قوله (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا الى بنى لحيان من هذيل فقال لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما) أما بنو لحيان فبكسر اللام وفتحها والكسر أشهر وقد اتفق العلماء على أن بنى لحيان كانوا في ذلك الوقت كفارا فبعث إليهم بعثا يغزونهم وقال لذلك البعث ليخرج من كل قبيلة نصف عددها وهو المراد بقوله من كل رجلين أحدهما وأما كون الأجر بينهما فهو محمول على ما إذا خلف المقيم الغازى في أهله بخير كما شرحناه قريبا وكما صرح به في باقى الأحاديث قوله (في
[ 41 ]
اسنادها الحديث أبو سعيد مولى المهرى) هو بالراء واسمه سالم بن عبد الله أبو عبد الله النصرى بالنون المدنى مولى شداد بن الهادى ويقال مولى مالك ين أوس بن الحدثان ويقال مولى دوس ويقال له سالم سبلات بالسين المهملة والباء الموحدة المفتوحتين وهو سالم البرد بالراء وآخره دال وهو سالم مولى النصريين بالنون وهو أبو عبد الله مولى شداد وهو سالم أبو عبد الله المدينى وهو سالم مولى مالك بن أوس ووهو سالم مولى المهريين وهو سالم دوس وهو سالم أبو عبد الله الدوسى ولسالم هذا نطائر في هذا وهو أن يكون للانسان أسماء أو صفات وتعريفات يعرفه كل إنسان بواحد منها وصنف الحافظ عبد الغنى بن سعيد المصرى في هذا كتابا حسنا وصنف فيه غيره باب حرمة نساء المجاهدين وإثم من خانهم فيهن قوله صلى الله عليه وسلم (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم هذا في شيئين أحدهما تحريم التعرض لهن بريبة من بريبة من نظر محرم وخلوة وحديث محرم وغير ذلك والثانى في برهن
[ 42 ]
والاحسان اليهن وقضاء حوائجهن التى لا يترتب عليها مفسدة ولا يتوصل بها الى ريبة ونحوها قوله صلى الله عليه وسلم في الذى يخون المجاهد في أهله (ان المجاهد يأخذ يوم القيامة من حسناته ما شاء فما ظنكم) معناه تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستكثار منها في ذلك المقام أي لا يبقى منها شيئا ان أمكنه والله أعلم باب سقوط فرض الجهاد عن المعذورين قوله (فجاء بكتف يكتبها) فيه جواز كتابة القرآن في الألواح والأكتاف وفيه طهارة عظم المذكى وجواز الانتفاع به قوله تعالى : لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر الآية فيه دليل لسقوط الجهاد عن المعذورين ولكن لا يكون ثوابهم ثواب المجاهدين بل لهم ثواب نياتهم ان كان لهم نية صالحة كما قال صلى الله عليه وسلم ولكن جهاد ونية أن الجهاد فرض
[ 43 ]
كفاية ليس بفرض عين وفيه رد على من يقول انه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين وبعده فرض كفاية والصحيح أنه لم يزل فرض كفاية من حين شرع وهذه الآية ظاهرة في ذلك لقوله تعالى " وعد الله الحسنى وفضل المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما " وفي وقوله تعالى أولى الضرر غير ينضب الراء ورفعها قراءتان مشهورتان في السبع قرأ نافع وابن عامر والكسائي بنصبها والباقون برفعها وقرئ في الشاذ بجرها فمن نصب فعلى الاستثناء ومن رفع فوصف للقاعدين أو بدل منهم ومن جر فوصف للمؤمنين أو بدل منهم قوله (فشكا إليه ابن أم مكتوم وضرارته) أي عماه هكذا هو في جميع نسخ بلادنا ضرارته بفتح الضاد وحكى صاحب المشارق والمطالع عن بعض الرواة أنه ضبط ضررا به والصواب الأول باب ثبوت الجنة للشهيد (قال رجل أين أنا يارسول الله ان قتلت قال في الجنة فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل فيه ثبوت
[ 44 ]
الجنة للشهيد وفيه المبادرة بالخير وأنه لا يشتغل عنه بحظوظ النفوس قوله (وحدثنا أحمد بن جناب المصيصى) بالجيم والنون وأما المصيصى فبكسر الميم والصاد المشددة ويقال بفتح الميم وتخفيف الصاد وجهان معروفان الأول أشهر منسوب الى المصيصة المدينة المعروفة قوله (جاء رجل من بنى النبيت هو بنون مفتوحة ثم باء مكسورة ثم مثناة تحت ساكنة ثم مثناة فوق وهم قبيلة من الأنصار كما ذكر في الكتاب قوله (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة عينا) هكذا هو في جميع النسخ بسيسة بباء موحدة مضمومة وبسينين مهملتين مفتوحتين بينهما ياء مثناة تحت ساكنة قال القاضى هكذا هو في جميع النسخ قال وكذا رواه أبو داود وأصحاب الحديث قال والمعروف في كتب السيرة بسبس ببائين موحدتين مفتوحتين بينهما سين ساكنة وهو بسبس بن عمرو ويقال ابن بشر من الأنصار من الخزرج ويقال حليف لهم قلت يجوز أن يكون أحد اللفظين اسما له والآخر لقبا وقوله (عينا) أي متجسسا ورقيبا قوله (ما صنعت عير أبى سفيان) هي الدواب التى تحمل الطعام وغيره من الأمتعة قال في المشارق العير هي الابل والدواب تحمل
[ 45 ]
الطعام وغيره من التجارات قال ولاتسمى عيرا إلا إذا كانت كذلك وقال الجوهرى في الصحاح العير الابل تحمل الميرة وجمعها عيرات بكسر العين وفتح الياء قوله صلى الله عليه وسلم (لن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضرا فليركب) هي بفتح الطاء وكسر اللام أي شيئا نطلبه والظهر الدواب التى تركب قوله (فحعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم) هو بضم الظاء واسكان الهاء أي مركوباتهم في هذا استحباب التورية قى الحرب وأن لا يبين الامام جهة إغارته وإغارة سراياه لئلا يشبع ذلك فيحذرهم العدو قوله (في علو المدينة) بضم العين وكسرها قوله صلى الله عليه وسلم (لا يتقدمن أحد منكم إلى شئ حتى أكون أنا دونه) أي قدامه متقدما في ذلك الشئ لئلا يفوت شئ من المصالح التى لا تعلمونها قوله (عمير بن الحمام) بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم قوله (بخ بخ) فيه لغتان اسكان الخاء وكسرها منونا وهى كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير قوله (لا والله يارسول الله الارجاءة أن أكون من أهلها) هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة رجاءة بالمد ونصب التاء وفى بعضها رجاء بلا تنوين وفى بعضها بالتنوين
[ 46 ]
ممدودان بحذف التاء وكله صحيح معروف في اللغة ومعناه والله ما فعلته لشئ إلا لرجاء أن أكون من أهلها قوله (فأخرج تمرات من قرنه) فهو بقاف وراء مفتوحتين ثم نون أي جعبة النشاب ووقع في بعض نسخ المغاربة فيه تصحيف قوله (لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه انها لحياة طويلة فرمى مما كان معه من التمرثم قاتلهم حتى قتل) فيه جواز الانغمار في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء قوله (وهو بحضرة العدو) هو بفتح الحاء وضمها وكسرها ثلاث لغات ويقال أيضا بحضر بفتح الحاء والضاد بحذف الهاء قوله صلى الله عليه وسلم (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) قال العلماء معناه إن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب لدخولها قوله (كسرة فن سيفه) هو بفتح
[ 47 ]
الجيم واسكان الفاء وبالنون وهو غمده قوله (وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد) معناه يضعونه في المسجد مسبلا لمن أراد استعماله لطهارة أو شرب أو غيرهما وفيه جواز وضعه في المسجد وقد كانوا يضعون أيضا أعذاق التمر لمن أراد في المسجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف في جواز هذا وفضله قوله (يحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة) أصحاب الصفة هم الفقراء الغرباء الذين كانوا يأوون إلى المسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لهم في آخره صفة وهو مكان منقطع من المسجد مظلل عليه يبتون فيه قاله إبراهيم الحربى والقاضى وأصله من صفة البيت وهى شئ كالظلة قدامه فيه فضيلة الصدقة وفضيلة الاكتساب من الحلال لها وفيه جواز الصفة في المسجد وجواز المبيت فيه بلا كراهة وهو مذهبنا ومذهب الجمهور قوله (اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا) فيه فضيلة ظاهرة للشهداء وثبوت الرضا منهم ولهم وهو موافق لقوله تعالى الله عنهم ورضوا عنه
[ 48 ]
قال العلماء رضى الله عنهم بطاعتهم ورضوا عنه بما أكرمهم به وأعطاهم إياه من الخيرات والرضى من الله تعالى افاضة الخير والاحسان والرحمة فيكون من صفات الأفعال وهو أيضا بمعنى ارادته فيكون من صفات الذات قوله (ليراني الله ما أصنع) هكذا هو في أكثر النسخ ليراني بالألف وهو صحيح ويكون ما أصنع بدلامن الضمير في أرانى أي ليرى الله ما أصنع ووقع في بعض النسخ ليرين الله بياء بعد الراء ثم نون مشددة وهكذا وقع في صحيح البخاري وعلى هذا ضبطوه بوجهين أحدهما ليرين بفتح الياء والراء أي يراه الله واقعا بارزا والثانى ليرين بضم الياء وكسر الراء ومعناه ليرين الله الناس ما أصنعه ويبرزه الله تعالى لهم قوله (فهاب أن يقول غيرها) معناه أنه اقتصر على هذه اللفظة المهمة أي قوله ليرين الله ما أصنع مخافة أن يعاهد الله على غيرها فيعجز عنه أو تضعف بنيته عنه أو نحو ذلك وليكون ابراء له من الحول والقوة قوله (واها لريح الجنة أجده دون أحد) قال العلماء واها كلمة تحنن وتلهف قوله (أجده دون أحد) محمول على ظاهره وأن الله تعالى أوجده ريحها من موضع المعركة وقد ثبتت الأحاديث أن ريحها توجد من مسيرة خمسمائة عام
[ 49 ]
باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله قوله صلى الله عليه وسلم (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) فيه بيان أن الأعمال انما تحسب بالنيات الصالحة وأن الفضل الذى ورد في المجاهدين في سبيل الله يختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا قوله (الرجل يقاتل للذكر) أي ليذكره الناس بالشجاعة وهو بكسر الذال قوله (ويقاتل حمية) هي الأنفة والغيرة والمحاماة عن عشيرته
[ 50 ]
(فرفع رأسه إليه وما رفع رأسه إليه الا أنه كان قائما) فيه أنه لا بأس أن يكون المستفتى واقفا إذا كان هناك عذر من ضيق مكان أو غيره وكذلك طالب الحاجة وفيه اقبال المتكلم على من يخاطبه باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار قوله (تفرق الناس عن أبى هريرة فقال له ناتل أهل الشام أيها الشيخ) وفى الرواية الأخرى فقال له ناتل الشامي هو بالنون في أوله وبعد الألف تاء مثناة فوق وهو ناتل بن قيس الحزامى الشامي من أهل فلسطين وهو تابعي وكان أبوه صحابيا وكان ناتل كبير قومه قوله صلى الله عليه وسلم في الغازى والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله وادخالهم النار دليل على
[ 51 ]
تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الاخلاص في الأعمال كما قال الله تعالى أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين أن العمومات الواردة في فضل الجهاد انما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصا وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصا قوله (تفرج الناس عن أبى هريرة) أي تفرقوا بعد اجتماعهم باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم قوله صلى الله عليه وسلم (ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثى
[ 52 ]
أجرهم من الآخر ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم) وفى الرواية الثانية ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم الا كانوا قد تعجلوا ثلثى أجورهم وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم قال أهل اللغة الاخفاق أن يغزو فلا يغنموا شيئا وكذلك كل طالب حاجة إذا لم تحصل فقد أخفق ومنه أخفق الصائد إذا لم يقع له صيد وأما معنى الحديث فالصواب الذى لا يجوز غيره أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم أو سلم ولم يغنم وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثى أجرهم المترتب على الغزو وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة كقوله منا من مات ولم يأكل من أجر شيئا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها أي يجتنيها فهذا الذى ذكرنا هو الصواب وهو طاهر الحديث ولم يأت حديث صريح صحيح يخالف هذا فتعين حمله على ما ذكرنا وقد اختار القاضى عياض معنى هذا الذى ذكرناه بعد حكايته في تفسيره أقوالا فاسدة منها قول من زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح ولايجوز أن ينقص ثوابهم بالغنيمة كما لم ينقص ثواب أهل بدر وهم أفضل المجاهدين وهى أفضل غنيمة قال وزعم بعض هؤلاء أن أبا هانئ حميد بن هانئ راوية مجهول ورجحوا الحديث السابق في أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة فرجحوه على هذا الحديث لشهرته وشهرة رجاله ولأنه في الصحيحين وهذا في مسلم خاصة وهذا القول باطل من أوجه فانه لا تعارض بينه وبين هذا الحديث المذكور فان الذى في الحديث السابق رجوعه بما نال من أجر وغنيمة ولم يقل أن الغنيمة تنقص الاجر أم لا ولا قال أجره من لم يغنم فهو مطلق وهذا مقيد فوجب حمله عليه وأما قولهم أبو هانئ مجهول فغلط فاحش بل هو ثقة مشهور روى عنه الليث بن سعد وحيوة وابن وهب وخلائق من الأئمة ويكفى في توثيقه احتجاج مسلم به في صحيحه وأما قولهم أنه
[ 53 ]
ليس في الصحيحين فليس لازما في صحة الحديث كونه في الصحيحين ولا في أحدهما وأما قولهم في غنيمة بدر فليس في غنيمة بدر نص أنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم وقد غنموا فقط وكونهم مغفورا لهم مرضيا عنهم ومن أهل الجنة لا يلزم أن تكون وراء هذا مرتبة أخرى هي أفضل منه مع أنه شديد الفضل عظيم القدر ومن الأقوال الباطلة ما حكاه القاضى عن بعضهم أنه قال لعل الذى تعجل ثلثى أجره انما هو في غنيمة أخذت على غير وجهها وهذا غلط فاحش إذ لو كانت على خلاف وجهها لم يكن ثلث الأجر وزعم بعضهم أن المراد أن التى أخفقت يكون لها أجر بالأسف على ما فاتها من الغنيمة فيضاعف ثوابها كما يضاعف لمن أصيب في ماله وأهله وهذا القول فاسد مباين لصريح الحديث وزعم بعضهم أن الحديث محمول على من خرج بنية الغزو والغنيمة معا فنقص ثوابه وهذا أيضا ضعيف والصواب ما قدمناه والله أعلم باب قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنية) الحديث أجمع المسلمون على عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده وصحته قال الشافعي وآخرون هو ثلث الاسلام وقال الشافعي يدخل في سبعين بابا من الفقه وقال آخرون هو ربع الاسلام وقال عبد الرحمن بن مهدى وغيره ينبغى لمن صنف كتابا أن يبدأ فيه بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية ونقل الخطابى هذا
[ 54 ]
عن الأئمة مطلقا وقد فعل ذلك البخاري وغيره فابتدؤا به قبل كل شئ وذكره البخاري في سبعة مواضع من كتابه قال الحفاظ ولم يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الا من رواية عمر بن الخطاب ولا عن عمر لا من رواية علقمة ابن وقاص ولا عن علقمة الا من رواية محمد بن إبراهيم التيمى ولا عن محمد الا من رواية يحيى بن سعيد الانصاري وعن يحيى انتشر فرواه عنه أكثر من مائتي انسان أكثرهم أئمة ولهذا قال الأئمة ليس هو متواترا وان كان مشهورا عند الخاصة والعامة لأنه فقد شرط التواتر في أوله وفيه طرفة من طوف الاسناد فانه رواه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض يحيى ومحمد وعلقمة قال جماهير العلماء من أهل العربية والأصول وغيرهم لفظة انما موضوعة للحصر تثبت المذكور وتنفى ما سواه فتقدير هذا الحديث أن الأعمال تحسب بنية ولا تحسب إذا كانت بلا نية وفيه دليل على أن الطهارة وهى الوضوء والغسل والتيمم لا تصح الا بالنية وكذلك الصلوة والزكوة والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات وأما ازالة النجاسة فالمشهور عندنا أنها لاتفتقر الى نية لأنها من باب التروك والترك لا يحتاج الى نية وقد نقلوا الاجماع فيها وشذ بعض أصحابنا فأوجبها وهو باطل وتدخل النية في الطلاق والعتاق والقذف ومعنى دخولها أنها إذا قارنت كناية صارت كالصريح وان أتى بصريح طلاق ونوى طلقتين أو ثلاثا وقع ما نوى وان نوى بصريح غير مقتضاه دين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يقبل منه في الظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (وانما لامرئ ما نوى) قالوا فائدة ذكره بعد انما الأعمال بالنية بيان أن تعيين المنوي شرط فلو كان على انسان صلوة مقضية لا يكفيه أن ينوى الصلوة الفائتة بل يشترط أن ينوى كونها ظهرا أو غيرها ولولا اللفظ الثاني لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين أو أوهم ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (فمن كان هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله معناه من قصد بهجرته وجه الله وقع أجره على الله ومن قصد بها دنيا أو امرأة فهى حظ ولا نصيب له في الآخرة بسبب هذه الهجرة وأصل الهجرة)
[ 55 ]
الترك والمراد هنا ترك الوطن وذكر المرأة مع الدنيا يحتمل وجهين أحدهما أنه جاء أن سبب هذا الحديث أن رجلا هاجر ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فقيل له مهاجر أم قيس والثانى أنه للتنبية على زيادة التحذير من ذلك وهو من باب ذكر الخاص بعد العام تنبيها على مزيته والله أعلم باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم (من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه) وفى الرواية الأخرى من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وان مات على فراشه معنى الرواية الأولى مفسر من الرواية الثانية ومعناها جميعا أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطى من ثواب الشهداء وان كان على فراشه وفيه استحباب سؤال الشهادة واستحباب نية الخير
[ 56 ]
باب ذم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو قوله صلى الله عليه وسلم (من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه مات عى شعبة من نفاق قال عبد الله بن المبارك فنرى أن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) قوله نرى بضم النون أي نظن وهذا الذى قاله ابن المبارك محتمل وقد قال غيره انه عام والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف فان ترك الجهاد أحد شعب النفاق وفى هذا الحديث أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذم ما يتوجه على من مات ولم ينوها وقد اختلف أصحابنا فيمن تمكن من الصلاة في أول وقتها فأخرها بنية أن يفعلها في إثنائه فمات قبل فعلها أو أخر الحج بعد التمكن الى سنة أخرى فمات قبل فعله هل يأثم أم لا والأصح عندهم أنه يأثم في الحج دون الصلوة لان مدة الصلوة قريبة فلا تنسب الى تفريط بالتأخير بخلاف الحج وقيل يأثم فيهما وقيل لا يأثم فيهما وقيل يأثم في الحج الشيخ دون الشاب والله أعلم
[ 57 ]
باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر قوله صلى الله عليه وسلم (ان بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا الا كانوا معكم حبسهم المرض) وفى رواية الاشركوكم في الاجر قال أهل اللغة شركه بكسر الراء بمعنى شاركه وفى هذا الحديث فضيلة النية في الخير وأن من نوى الغزو وغيره من الطاعات فعرض له عذر منعه حصل له ثواب نيته وأنه كلما أكثر من التأسف على فوات ذلك وتمنى كونه مع الغزاة ونحوهم كثر ثوابه والله أعلم باب فضل الغزو في البحر قوله (ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وتفلى رأسه وينام عندها) اتفق العلماء على أنها كانت محرما له صلى الله عليه وسلم واختلفوا في كيفية ذلك فقال ابن عبد البر وغيره كانت احدى خالاته من الرضاعة وقال آخرون بل كانت خالة لابيه
[ 58 ]
أو لجده لان عبد المطلب كانت أمه من بنى النجار قوله (تفلى) بفتح التاء واسكان الفاء فيه جواز فلى الرأس وقتل منه ومن غيره قال أصحابنا قتل القمل وغيره من المؤذيات مستحب وفيه جواز ملامسة المحرم في الرأس وغيره مما ليس بعورة وجواز الخلوة بالمحرم والنوم عندها وهذا كله مجمع عليه وفيه جواز أكل الضيف عند المرأة المزوجة مما قدمته له الا أن يعلم أنه من مال لزوج ويعلم أنه يكره أكله من طعامه قولها (فاستيقظ وهو يضحك) هذا الضحك فرحا وسرورا بكون أمته بتقى بعده متظاهرة بأمور الاسلام قائمة بالجهاد حتى البحر قوله صلى الله عليه وسلم (يركبون ثبج هذا البحر) الثبج بثاء مثلثة ثم باء موحدة مفتوحتين ثم جيم وهو ظهره ووسطه وفى الرواية الأخرى يركبون ظهر البحر قوله صلى الله عليه وسلم (كالملوك على الأسرة) قيل هو صفة لهم في الأخرة إذا دخلوا الجنة والاصح أنه صفة لهم في الدنيا أي يركبون مواكب الملوك لسعة حالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم قولها في المرة الثانية (ادع الله أن يجعلني منهم وكان دعا لها في الأولى قال أنت من الأولين) هذا دليل على أن رؤياه الثانية غير الأولى وأنه عرض فيها غير الأولين وفيه معجزات للنبى صلى الله عليه وسلم منها اخباره ببقاء أمته بعده وأنه تكون لهم شوكة وقوة وعدد وانهم يغزون وأنهم يركبون البحر وأن أم حرام تعيش الى ذلك الزمان وأنها تكون معهم وقد وجد بحمد الله تعالى كل ذلك وفيه فضيلة
[ 59 ]
لتلك الجيوش وأنهم غزاة في سبيل الله واختلف العلماء متى جرت الغزوة التى توفيت فيها أم حرام في البحر وقد ذكر في هذه الرواية في مسلم أنها ركبت البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها فهلكت قال القاضى قال أكثر أهل السير والأخبار أن ذلك كان في خلافة عثمان ابن عفان رضى الله عنه وأن فيها ركبت أم حرام وزوجها الى قبرس فصرعت عن دابتها هناك فتوفيت ودفنت هناك وعلى هذا يكون قوله في زمان معاوية معناه في زمان غزوة في البحر لا في أيام خلافته قال وقيل بل كان ذلك في خلافته قال هو أظهر في دلالة قوله في زمانه وفى هذا الحديث جواز ركوب البحر للرجال والنساء وكذا قاله الجمهور وكره مالك ركوبه للنساء لأنه لا يمكنهن غالبا التستر فيه ولا غض البصر عن المتصرفين فيه ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن لا سيما فيما صغر من السفيان مع ضرورتهن الى قضاء الحاجة بحضرة الرجال قال القاضي رحمه الله تعالى وروى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضى الله عنهما منع ركوبه وقيل انما منعه العمران للتجارة وطلب الدنيا لا للطاعات وقد روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن ركوب البحر الا لحاج أو معتمر أو غاز وضعف أبو داود هذا الحديث وقال رواته مجهولون واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن القتال
[ 60 ]
في سبيل الله تعالى والموت فيه سواء في الاجر لان أم حرام ماتت ولم تقتل ولا دلالة فيه لذلك لانه صلى الله عليه وسلم لم يقل انهم شهداء انما يغزون في سبيل الله ولكن قد ذكر مسلم في الحديث الذى بعد هذا بقليل حديث زهير بن حرب من رواية أبى هريرة من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد وهو موافق لمعنى قول الله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله قوله في الرواية الأولى (وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته) وقال في الرواية الأخرى فتزوجها عبادة بن الصامت بعد فظاهر الرواية الأولى أنها كانت زوجة لعبادة حال دخول النبي صلى الله عليه وسلم إليها ولكن الرواية الثانية صريحة في أنه إنما تزوجها بعد ذلك فتحمل الأولى على موافقة الثانية ويكون قد أخبر عما صار حالا لها بعد ذلك قوله (وحدثناه محمد بن رمح بن المهاجر أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد) هكذا
[ 61 ]
هو في نسخ بلادنا ونقل القاضى عن بعض نسخهم حدثنا محمد بن رمح ويحيى بن يحيى اخبرنا الليث فزاد يحيى بن يحيى مع محمد بن رمح باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل قوله (عن عبد الرحمن بن بهرام) بفتح الباء وكسرها قوله (شرحبيل بن السمط) يقال بفتح السين وكسر الميم ويقال بكسر السين واسكان الميم قوله صلى الله عليه وسلم (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وان مات جرى عليه عمله الذى كان يعمله) هذه فصيلة ظاهرة للمرابط وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد وقد جاء صريحا في غير مسلم كل ميت يختم على عمله الا المرابط فانه ينمى له عمله اليوم القيامة قوله صلى الله عليه وسلم (وأجرى عليه رزقه) موافق لقول الله تعالى في الشهداء بكر عند ربهم يرزقون السابقة أن أرواح الشهداء بأكل من ثمار الجنة قوله صلى الله عليه وسلم (أمن الفتان) ضبطوا أمن بوجهين أحدهما أمن بفتح الهمزة وكسر الميم من غير واو والثانى أو من بضم الهمزة وبواو وأما الفتان فقال القاضى رواية الاكثرين بضم الفاء جمع فاتن قال ورواية الطبري بالفتح وفى رواية أبى داود في سننه أمن من فتانى القبر
[ 62 ]
باب بيان الشهداء قوله صلى الله عليه وسلم (بينما رجل بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له) فيه فضيلة اماطة الأذى عن الطريق وهو كل مؤذ وهذه الاماطة أدنى شعب الايمان كما سبق في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله) وفى رواية مالك في الموطأ من حديث جابر بن عتيك الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله فذكر المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم وصاحب ذات الجنب والحرق والمرأة تموت بجمع وفى رواية لمسلم من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد وهذا الحديث الذى رواه مالك صحيح بلا خلاف وان كان البخاري ومسلم لم يخرجاه فأما المطعون فهو الذى يموت في الطاعون كما في الرواية الأخرى الطاعون شهادة لكل مسلم وأما المبطون فهو صاحب داء البطن وهو الاسهال قال القاضى وقيل هو الذى به الاستسقاء وانتفاخ البطن وقيل
[ 63 ]
هو الذى تشتكى بطنه وقيل هو الذى يموت بداء بطنه مطلقا وأما الغرق فهو الذى يموت غريقا في الماء وصاحب الهدم من يموت تحته وصاحب ذات الجنب معروف وهى قرحة تكون في الجنب باطنا والحريق الذى يموت بحريق النار وأما المرأة تموت بجمع فهو بضم الجيم وفتحها وكسرها والضم أشهر قيل التى تموت حاملا جامعة ولدها في بطنها وقيل هي البكر والصحيح الأول وأما قوله صلى الله عليه وسلم ومن مات في سبيل الله فهو شهيد فمعناه بأى صفة مات وقد سبق بيانه قال العلماء وانما كان هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها وقد جاء في حديث آخر في الصحيح من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد وسبق بيانه في كتاب الايمان وفى حديث آخر صحيح من قتل دون سيفه فهو شهيد قال العلماء المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله انهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم وقد سبق في كتاب الايمان بيان هذا وأن الشهداء ثلاثة اقسام شهيد في الدنيا والآخرة وهو المقتول في حرب الكفار وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا وهم هؤلاء المذكورن وهنا وشهيد في الدنيا دون الآخرة وهو من غل في الغنيمة أو قتل مدبرا قوله في حديث عبد الحميد بن بيان (قال عبد الله بن مقسم اشهد على أخيك أنه زاد في هذا الحديث ومن غرق فهو شهيد) هكذا وقع في أكثر نسخ بلادنا على أخيك بالخاء
[ 64 ]
وفى بعضها على أبيك بالياء وهذا هو الصواب قال القاضى وقع في رواية ابن ماهان على أبيك وهو الصواب وفى رواية الجلودى على أخيك وهو خطأ والصواب على أبيك كما سبق في رواية زهير وانما قاله ابن مقسم لسهيل بن أبى صالح وكذا ذكره أيضا في الرواية التى بعدها والله أعلم باب فضل الرمى والحث عليه وذم من علمه ثم نسيه قوله (ثمامة بن شفى) هو بشين معجمة مضمومة ثم فاء مفتوحة ثم ياء مشددة قوله صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى لهم ما استطعتم من قوة (ألا ان القوة الرمى قالها ثلاثا) هذا تصريح بتفسيرها ورد لما يحكيه المفسرون من الأقوال سوى هذا وفيه وفى الأحاديث بعده فضيلة الرمى والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى وكذلك المشاجعة وسائر أنواع استعمال السلاح وكذا المسابقة بالخيل وغيرها كما سبق في بابه والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدرب والتحذق فيه ورياضة الأعضاء بذلك قوله صلى الله عليه وسلم (ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه) الأرضون بفتح الراء على المشهور
[ 65 ]
وحكى الجوهرى لغة شاذة بإسكانها ويعجز بكسر الجيم على المشهور وبفتحها في لغة ومعناه الندب الى الرمى قوله (ابن شماسة) بضم الشين وفتحها قوله (لم أعانيه) هكذا هو في معظم النسخ لم أعانية بالياء وفى بعضها لم أعانه بحذفها وهو الفصيح والأول لغة معروفة سبق بيانها مرات قوله صلى الله عليه وسلم (من علم الرمى ثم تركه فليس منا أو قد عصى) هذا تشديد تظيم في نسان الرمى بعد علمه وهو مكروه كراهة شديدة لمن تركه بلا عذر وسبق تفسير فليس منافى كتاب الايمان باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين (على الحق لا يضرهم من خالفهم) قوله صلى الله عليه وسلم (ولا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى
[ 66 ]
يأتي أمر الله وهم كذلك) هذا الحديث سبق شرحه مع ما يشبهه في أواخر كتاب الايمان وذكرنا هناك الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا المعنى وأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي أمر الله من الريح التى تأتى فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة وأن المراد برواية من روى حتى تقوم الساعة أي تقرب الساعة وهو خروج الريح وأما هذا الطائفة فقال البخاري هم أهل العلم وقال
[ 67 ]
أحمد بن حنبل إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدرى من هم قال القاضى عياض انما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث قلت ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض وفى هذا الحديث معجزة ظاهرة فان هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم الى الآن ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث وفيه دليل لكون الاجماع حجة وهو أصح ما استدل به له من الحديث وأما حديث لا تجتمع أمتى على ضلالة فضعيف والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ظاهرين على من ناوأهم) هو بهمزة بعد الواو أي عاداهم وهو مأخوذ من نأى إليهم نأوا إليه أي نهضوا للقتال قوله (مسلمة بن مخلد) بضم الميم وفتح الخاء وتشديد اللام قوله صلى الله عليه وسلم (لا يزال أهل
[ 68 ]
الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) قال على بن المدينى المراد بأهل الغرب العرب والمراد بالغرب الدلو الكبير لاختصاصهم بها غالبا وقال آخرون المراد به الغرب من الأرض وقال معاذهم بالشام وجاء في حديث آخرهم ببيت المقدس وقيل هم أهل الشام وما وراء ذلك قال القاضى وقيل المراد بأهل الغرب أهل الشدة والجلد وغرب كل شئ حده باب مراعاة مصلحة الدواب في السير والنهى عن التعريس في الطريق قوله صلى الله عليه وسلم (إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الابل حظها من الأرض وإذا سافرتم
[ 69 ]
بها في السنة فبادروا بها نقيها) الخصب بكسر الخاء وهو كثرة العشب والمرعى وهو ضد الجدب والمراد بالسنة هنا القحط ومنه قوله تعالى أخذنا آل فرعون بالسنين بالقحوط ونقيها بكسر النون واسكان القاف وهو المخ ومعنى الحديث الحث على الرفق بالدواب ومراعاة مصلحتها فان سافروا في الخصب قللوا السير وتركوها ترعى في بعض النهار وفى أثناء السير فتأخذ حظها من الأرض بما ترعاه منها وان سافروا في القحط عجلوا السير ليصلوا المقصد وفيها بقية من قوتها ولا يقللوا السير فيلحقها الضرر لأنها لا تجد ما ترعى فتضعف ويذهب نقيها وربما كلت ووقفت وقد جاء في أول هذا الحديث في رواية مالك في الموطأ ان الله رفيق يحب الرفق قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فانها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل) قال أهل اللغة التعريس النزول في أواخر الليل للنوم والراحة هنا قول الخليل والأكثرين وقال أبو زيد هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار والمراد بهذا الحديث هو الأول وهذا أدب من آداب السير والنزول أرشد إليه صلى الله عليه وسلم لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشى في الليل على الطرق لسهولتها ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحو وما تجد فيها من رمة ونحوها فإذا عرس الأنسان في الطريق ربما مر به منها ما يؤذيه فينبغي أن يتباعد عن الطريق
[ 70 ]
باب السفر قطعة من العذاب واستحباب تعجيل المسافر الى أهله بعد قضاء شغله قوله صلى الله عليه وسلم (السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه) معناه يمنعه كمالها ولذيذها لما فيه من المشقة والتعب ومقاساة الحر والبرد والسرى والخوف ومفارقة الأهل والأصحاب وخشونة العيش قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل الى أهله) النهمة بفتح النون واسكان الهاء هي الحاجة والمقصود في هذا الحديث استحباب تعجيل الرجوع الى الأهل بعد قضاء شغله ولا يتأخر بما ليس له بمهم باب كراهة الطروق وهو الدخول ليلا لمن ورد من سفر قوله (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو عشية) وفى
[ 71 ]
رواية إذا قدم أحدكم ليلا فلا يأتين أهله طروقا حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة وفى الرواية الأخرى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطال الرجل الغيبة أن يأتي أهله طروقا وفى الرواية الأخرى نهى أن يطرق أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم أما قوله صلى الله عليه وسلم في الأخيرة يطرق أهله ليلا يتخونهم فهو بفتح اللام واسكان الياء أي في الليل والطروق بضم الطاء هو الاتيان في الليل وكل آت في الليل فهو طارق ومعنى تستحد المغيبة أي تزيل شعر عانتها والمغيبة التى غاب زوجها والاستحداد استفعال من استعمال الحديدة وهى الموسى والمراد ازالته كيف كان ومعنى يتخوهم يظن خيانتهم ويكشف أستارهم ويكشف هل خانوا أم لا ومعن هذه الروايات كلها أنه يكوه لمن طال سفره أن يقرم على امرأته ليلا بغتة فزما من كان سفره قريبا تتوقع امرأته اتيانه ليلا فلا بأس كما قال في احدى هذه الرايات إذا أطال الرجل الغيبة وإذا كان في قفل عظيم أو عسكر ونحوهم واشتهر قدومهم ووصولهم وعلمت امرأته وأهله أنه
[ 72 ]
قادم معهم وأنهم لآن داخلون فلا بأس بقدومه متى شاء لزوال المعنى الذى نهى بسببه فإن المراد أن يتأهبوا وقد حصل ذلك ولم يقدم بغتة ويؤيد ما ذكرناه ما جاء في الحديث الآخر امهلوا حتى ندخل ليلا أي عشاء كى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة فهذا صريح فيما قلناه وهو مفروض في أنهم أرادوا الدخول في أوائل النهار بغتة فأمرهم بالصبر الى آخر النهار ليبلغ قدومهم الى المدينة وتتأهب النساء وغيرهن والله أعلم
[ 73 ]
الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان باب الصيد بالكلاب المعلمة قوله (انى أرسل كلابي المعلمة الى آخره) مع الأحاديث المذكورة في الاصطياد فيها كلها اباحة الاصطياد وقد أجمع المسلمون عليه وتظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة والاجماع قال القاضى عياض هو مباح لمن اصطاد للاكتساب والحاجة والانتفاع به بالأكل وثمنه قال واختلفوا فيمن اصطاد للهو ولكن قصد تذكيته والانتفاع به فكرهه مالك وأجازه الليث وابن عبد الحكم قال فإن فعله بغير نية التذكية فهو حرام لأنه فساد في الأرض واتلاف نفس عبثا قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل قلت وان قتلن قال وان قتلن ما لم يشركها كلب ليس معها) وفى رواية فانما سميت على كلبك ولم تسم على غيره في هذا الأمر بالتسمية على ارسال الصيد وقد أجمع المسلمون على التسمية عنذ الارسال على الصيد وعند الذبح والنحر واختلفوا في أن ذلك واجب أم سنة فمذهب الشافعي وطائفة أنها سنة فلو تركها سهوا أو عمدا حل الصيد والذبيحة وهي رواية عن مالك وأحمد وقال أهل الظاهر إن تركها عمدا أو سهوا لم يحل لم يحل وهو الصحيح عن أحمد في صيد الجوارح وهو مروى عن ابن سيرين وأبى ثور وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وجماهير العلماء ان تركها سهوا حلت الذبيحة والصيد وان تركها عمدا
[ 74 ]
فلا وعلى مذهب أصحابنا يكره تركها وقيل لا يكره بل هو خلاف الأولى والصحيح الكراهة واحتج من أوجبها بقوله تعالى ولا تأكلوها مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق وبهذه الأحاديث واحتج أصحابنا بقوله تعالى عليكم الميتة قوله ما ذكيتم بالتذكية من غير اشتراط التسمية ولا وجوبها فان قيل التذكية لا تكون إلا بالتسمية قلنا هي في اللغة الشق والفتح وبقوله تعالى وطعام الذين الكتاب حل لكم لا يسمون وبحديث عائشة انهم قالوا يا رسول الله ان قوما حديث عهدهم بالجاهلية يأتونا بلحمان لا ندري أذكروا اسم الله أم لم يذكروا فنأكل منها فقال رسول الله ص = سموا وكلوا رواه البخاري فهذه التسمية هي المأمور بها عند أكل كل طعام وشرب كل شراب وأجابوا عن قوله تعالى تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه المراد ما ذبح للأصنام كما قال تعالى في الآية الأخرى وما ذبح على النصب وما أهل به لغير الله ولأن الله تعالى قال وانه لفسق وقد أجمع المسلمون على من أكل متروك التسمية ليس بفاسق فوجب حملها على ما ذكرناه ليجمع بينها وبين الآيات السابقات وحديث عائشة وحملها بعض أصحابنا على كراهة التنزيه وأجابوا عن الأحاديث في التسمية أنها للاستحباب قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أرسلت كلبك المعلم) في اطلاقة دليل لاباحة الصيد بجميع الكلاب المعلمة من الأسود وغيره وبه قال مالك والشافع وأبو حنيفة وجماهير العلماء وقال الحسن البصري والنخعي وقتادة وأحمد واسحق لا يحل صيد الكلب الأسود لأنه شيطان قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أرسلت كلبك المعلم) فيه أنه يشترط في حل ما قتله الكلب المرسل كونه كلبا معلما وأنه يشترط الارسال فلو أرسل غير معلم أو استرسل المعلم بلا إرسال لم يحل ما قتله فأما غير المعلم فمجمع عليه وأما المعلم إذا استرسل فلا يحل ما قتله عندنا وعند العلماء كافة إلا ما حكى عن الأصم من اباحته وألا ما حكاه ابن المنذر عن عطاء والأوزاعي أنه يحل ان كان صاحبه أخرجه للاصطياد قوله صلى الله عليه وسلم (ما لم بشركها كلب ليس معها) فيه تصريح بأنه لا يحل إذا شاركه كلب آخر والمراد كلب آخر استرسل بنفسه أو أرسله من ليس هو من أهل الذكاة أو شككنا في ذلك فلا يحل أكله في كل هذه الصور فان تحققنا أنه انما شاركه كلب أرسله من هو من أهل الذكاة على ذلك الصيد حل قوله (قلت انى أرمى بالمعراض الصيد فأصيب فقال إذا رميت بالمعراض فخرق فخزق فكله وان أصابه
[ 75 ]
بعرضه فلا تأكله) وفى رواية الأخرى ما أصاب بحده فكل وما أصاب بعرضه فهو وقيذ فلا تأكل المعراض بكسر الميم وبالعين المهملة وهى خشية ثقيلة أو عصا في طرفها حديدة وقد تكون بغير حديدة هذا هو الصحيح في تفسيره وقال الهروي هو سهم لا ريش فيه ولا نصل وقال ابن دريد هو سهم طويل له أربع قذذ رقاق فإذا رمى به اعترض وقال الخليل كقول الهروي ونحوه عن الأصمعى وقيل هو عود رقيق الطرفين غليظ الوسط إذا رمى به ذهب مستويا وأما خزق فهو بالخاء المعجمة والزاى ومعناه نفذ والوقذ والموقوذ هو الذى يقتل بغير محدد من عصا أو حجر وغيرهما ومذهب الشافعي ومالك وأبى حنيفة وأحمد والجماهير أنه إذا اصطاد بالمعراض فقتل الصيد بحده حل وان قتله بعرضه لم يحل لهذا الحديث وقال مكحول والأوزاعي وغيرهما من فقهاء الشام يحل مطلقا وكذا قال هؤلاء وابن أبى ليلى أنه يحل ما قتله بالبندقية وحكى أيضا عن سعيد ابن المسيب وقال الجماهير لا يحل صيد البندقية مطلقا لحديث المعراض لأنه كله رض ووقد وهو معنى الرواية الأخرى فانه وقيذ أي مقتول بغير محدد والموقوذة المقتولة بالعصا ونحوها وأصله من الكسر والرض قوله صلى الله عليه وسلم (فإن أكل فلا تأكل) هذا الحديث من رواية عدى بن حاتم وهو صريح في منع أكل ما أكلت منه الجارحة وجاء في سنن أبى داود وغيره بإسناد حسن عن أبى ثعلبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له كل وان أكل منه الكلب واختلف العلماء فيه فقال الشافعي في أصح قوليه إذا قتلته الجارحة المعلمة من الكلاب والسباع وأكلت منه فهو حرام وبه قال أكثر العلماء منهم ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن والشعبى
[ 76 ]
والنخعي وعكرمة وقتادة وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد واسحق وأبو ثور وابن المنذر وداود وقال سعد بن أبى وقاص وسلمان الفارسى وابن عمر ومالك يحل وهو قول ضفيف للشافعي واحتج هؤلاء بحديث أبى ثعلبة وحملوا حديث عدى على كراهة التنزيه واحتج الأولون بحديث عدى وهو في الصحيحين مع قول الله عز وجل مما أمسكن عليكم مما لم يمسك علينا بل على نفسه
[ 77 ]
وقدموا هذا على حديث أبى ثعلبة لأنه أصح ومنهم من تأول حديث أبى ثعلبة على ما إذا أكل منه بعد أن قتله وخلاه وفارقه ثم عاد فأكل منه فهذا لا يضر والله أعلم وأما جوارح الطير إذا أكلت مما صادته فالأصح عند أصحابنا والراجح من قول الشافعي تحريمه وقال سائر العلماء بإباحته لأنه لا يمكن تعليمها ذلك بخلاف السباع وأصحابنا ويمنعون هذا الدليل وقوله صلى الله عليه وسلم فان أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه معناه أن الله تعالى قال مما أمسكن عليكم بعد إباحته بشرط أن نعلم أنه أمسك علينا وإذا أكل منه لم نعلم أنه أمسك لنا أم لنفسه فلم يوجد شرط إباحته والأصل تحريمه قوله صلى الله عليه وسلم وإذا أصاب بعرضه) هو بفتح العين أي غير المحدد منه قوله صلى الله عليه وسلم (فإن ذكاته أخذه) معناه ان أخذ الكلب الصيد وقتله إياه ذكاة شرعية بمنزلة ذبح الحيوان الانسى وهذا مجمع عليه ولو لم يقتله الكلب لكن تركه ولم تبق فيه حياة مستقرا أو بقيت ولم يبق زمان يمكن صاحبه لحاقه وذبحه فمات حل لهذا الحديث فإن ذكاته أخذه قوله سمعت عدي بن حاتم وكان لنا جارا ودخيلا وربيطا بالنهرين قال أهل اللغة الدخيل والدخال الذى يداخل الانسان ويخالطه في أموره والربيط هنا بمعنى المرابط وهو الملازم والرباط الملازمة قالوا والمراد هنا ربط نفسه على العبادة وعن الدنيا قوله صلى الله
[ 78 ]
عليه وسلم (فإنى أمسك عليك فأدركته حيا فأذبحه) هذا تصريح بأنه إذا أدرك ذكاته وجب ذبحه ولم إلا بالذكاة وهو مجمع عليه وما نقل عن الحسن والنخعي خلافه فباطل لاأظنه يصح عنهما وأما إذا أدركه ولم تبق فيه حياة مستقرة بأن كان قد قطع حلقومه ومريه أو أخافه أو خرق أمعاءه أو أخرج حشوته فيحل من غير ذكاة بالاجماع قال أصحابنا وغيرهم ويستحب إمرار السكين على حلقه ليريحه قوله صلى الله عليه وسلم (وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدرى أيهما قتله) فيه بيان قاعدة مهمة وهى إنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان لم يحل لأن الأصل تحريمه وهذا لا خلاف فيه وفيه تنبيه على أنه لو وجده حيا وفيه حياة مستقرة فذكاه حل ولا يضرونكم اشتراك في إمساكه كلبه وكلب غيره لأن الاعتماد حينئذ في الاباحة على تذكية الآدمى لا على إمساك الكلب وانما تقع الاباحة بامساك الكلب إذا قتله وحينئذ إذا كان معه كلب آخر لم يحل إلا إن يكون أرسله من هو من أهل الذكاة كما أوضحناه قربيا قوله صلى الله عليه وسلم (وان رميت بسهمك فاذكر اسم الله فان غاب عنك
[ 79 ]
يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت) هذا دليل لمن يقول إذا أثر جرحه فغاب عنه فوجده ميتا وليس فيه أثر غير سهمه حل وهو أحد قولى الشافعي ومالك في الصيد والسهم والثانى يحرم وهو الأصح عند أصحابنا والثالث يحرم في الكلب دون السهم والأول أقوى وأقرب إلى الأحاديث الصحيحة وأما الأحاديث المخالفة له فضعيفة ومحمولة على كراهة التنزيه وكذا الأثر عن ابن عباس كل ما أصميت ودع ما أنميت أي كل ما لم يغب عنك دون ما غاب قوله صلى الله عليه وسلم (وان وجدته غريقا في الماء فلا تأكل) هذا متفق على تحريمه قوله في حديث أبى ثعلبة (إنا بأرض قوم من أهل الكتاب نأكل في آنيتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها وان لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا) هكذا روى هذا
[ 80 ]
الحديث البخاري ومسلم وفى رواية أبى داود قال انا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا وان لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء وكلوا واشربوا قد يقال هذا الحديث مخالف لما يقول الفقهاء فانهم يقولون أنه يجوز استعمال أواني المشركين إذا غسلت ولا كراهة فيها بعد الغسل سواء وجد غيرها أم لا وهذا الحديث يقتضى كراهة استعمالها ان وجد غيرها ولا يكفى غسلها في نفى الكراهة وإنما يغسلها ويستعملها إذا لم يجد غيرها والجواب أن المراد النهى عن الأكل في آنيته التى كانوا يطبخون فيها لحم الخنزير ويشربون الخمر كما صرح به في رواية أبى داود وإنما نهى عن الأكل فيها بعد الغسل للاستقذار وكونها معتادة للنجاسة كما يكره الأكل في المحجمة المغسولة وأما الفقهاء فمرادهم مطلق آنية الكفار التى ليست مستعملة في النجاسات فهذه يكره استعمالها قبل غسلها فإذا غسلت فلا كراهة فيها لأنها طاهرة وليس فيها استقذار ولم يريدوا نفى الكراهة عن آنيتهم المستعملة في الخنزير وغيره من النجاسات والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (وما أصبت بكلبك الذى ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل) هذا مجمع عليه أنه لا يحل
[ 81 ]
لا بذكاة قوله (حدثنا محمد بن مهران الرازي قال حدثنا أبو عبد الله حماد بن خالد الخياط) هذا الحديث هو أول عود سماع ابراهيم بن سفيان من مسلم والذى قبله هو آخر فواته الثالث ولم يبق له في الكتاب فوات بعد هذا والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم ينتن) وفى رواية فيمن يدرك صيده بعد ثلاث فكله ما لم يتبن هذا النهى عن أكله للنتن محمول على التنزيه لا على التحريم وكذا سائر اللحوم والأطعمة المنتنة يكره أكلها ولا يحرم الا ان يخاف منها الضرر خوفا معتمدا وقال بعض أصحابنا يحرم اللحم المنتن وهو ضعيف والله أعلم
[ 82 ]
باب تحريم أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير قوله النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير وفى رواية كل ذى ناب من السباع فأكله حرام) المخلب بكسر الميم وفتتح اللام قال أهل اللغة المخلب للطير والسباع بمنزلة الظفر للانسان في هذه الأحاديث دلالة لمذهب الشافعي وأبى حنيفة وأحمد وداود والجمهور أنه يحرم أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير وقال
[ 83 ]
مالك يكره ولا يحرم قال أصحابنا المراد بذى الناب ما يتقوى به ويصطاد واحتج مالك بقوله تعالى لا أجد فيما أوحى الى محرما واحتج أصحابنا بهذه الأحاديث قالوا والآية ليس فيها إلا الاخبار بأنه لم يجد في ذلك الوقت محرما إلا المذكورات في الآية ثم أوحى إليه بتحريم كل ذى ناب من السباع فوجب قبوله والعمل به قوله (عن عبيدة بن سفيان) هو بفتح العين
[ 84 ]
وكسر الياء قوله (عن ميمون بن مهران عن ابن عباس) هكذا ذكره مسلم من هذه الطرق وهو صحيح وقد صح سماع ميمون من ابن عباس ولا تغتر بما قد يخالف هذا باب اباحة ميتات البحر قوله بعثا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة) فيه أن الجيوش لا بد لها من أمير يضبطها وينقادون لأمره ونهيه وأنه ينبغى أن يكون الأمير أفضلهم أو من أفضلهم قالوا ويستحب للرفقة من الناس وان قلوا أن يؤمروا بعضهم عليهم وينقادوا له قوله (نتلفى عيرا لقريش) قد سبق أن العير هي الابل التى تحمل الطعام وغيره وفى هذا الحديث جواز صد أهل الحرب واغتيالهم والخروج لأخذ مالهم واغتيامه قوله (وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة نمصها كما يمص الصبى ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا الى الليل) أما الجراب فبكسر الجيم وفتحها الكسر أفصح وسبق بيانه تمرات ونمصها بفتح الميم وضمها الفتح أفصح وأشهر وسبق بيان لغاته في كتاب الايمان وفى هذا بيان ما كان الصحابة رضى الله عنهم عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها والصبر على الجوع وخشونة العيش واقدامهم على الغزو مع هذا الحال قوله (وزودنا جرابا لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة)
[ 85 ]
وفى رواية من هذا الحديث ونحن نحمل أزوادنا على رقابنا وفى رواية ففنى زادهم فجمع أبو عبيدة زادهم في مزود فكان يقوتنا حتى كان يصيبنا كل يوم تمرة وفى الموطأ ففنى زادهم وكان مزودى تمرا وكان يقوتنا حتى كان يصيبنا كل يوم تمرة وفى الرواية الأخرى لمسلم كان يعطينا قبضة قبضة ثم أعطانا تمرة قال القاضى الجمع بين هذه الروايات أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم زودهم المزود زائد على ما كان معهم من الزاد من أموالهم وغيرها مما واساهم به الصحابة ولهذا قال ونحن نحمل أزوادنا قال ويحتمل أنه لم يكن في زادهم تمر غير هذا الجراب وكان معهم غيره من الزاد وأما إعطاه أبى عبيدة اياهم تمرة تمرة فإنما كان في الحال الثاني بعد أن فنى زادهم وطال لبثهم كما فسره في الرواية الأخيرة فالرواية الأولى معناها الاخبار عن آخر الأمر لا عن أوله والظاهر أن قوله تمرة تمرة إنما كان بعد أن قسم عليهم قبضة قبضة فلما قل تمرهم قسمه عليهم تمرة تمرة ثم فرغ وفقدوا التمرة ووجدوا ألما لفقدها وأكلوا الخبط الى أن فتح الله عليهم بالعنبر قوله (فجمع أبو عبيدة زادنا في مزود فكان يقوتنا) هذا محمول على أنه جمعه برضاهم وخلطه ليبارك لهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في مواطن وكما كان الاشعريون يفعلون وأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقد قال أصحابنا وغيرهم من العلماء يستحب للرفقة من المسافرين خلط أزواذهم ليكون أبرك وأحسن في العشرة وأن لا يختص بعضهم بأكل دون بعض والله أعلم قوله (كهيئة الكثيب الضخم) هو بالثاء المثلثة وهو الرمل المستطيل المحدودب قوله فإذا هي دابة تدعى العنبر قال أبو عبيدة ميتة ثم قال بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا فأقما عليه شهرا ونحن ثلثمائة حتي سمنا) وذكر في آخر الحديث
[ 86 ]
أنهم تزودوا منه وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم حين رجعوا هل معكم من لحمه شئ فتطعمونا قال فأرسلنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله معنى الحديث أن أبا عبيدة رضى الله عنه قال أولا باجتهاده ان هذا ميتة والميتة حرام فلا يحل لكم إكلها ثم تغير اجتهاده فقال بل هو حلال لكم وان كان ميتة لأنكم في سبيل الله وقد اضطررتم وقد أباح الله تعالى الميتة لمن كان مضطرا غير باغ ولاعاد فكلوا فأكلوا منه وأما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من لحمه وأكله ذلك فإنما أراد به المبالغة في تطيب نفوسهم في حله وأن لا شك في اباحته وأنه يرتضيه لنفسه أو أنه قصد التبرك به لكونه طعمة من الله تعالى خارقة للعادة أكرمهم الله بها وفى هذا دليل على أنه لا بأس بسؤال الانسان من مال صاحبه ومتاعه إدلالا عليه وليس هو من السؤال المنهى عنه انما ذلك في حق الأجانب للتمول ونحو وأما هذه فللمؤانسة والملاطفة والادلال وفيه جواز الاجتهاد في الأحكام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما يجوز بعده وفيه أنه يستحب للمفتي أن يتعاطى بعض المباحات التى يشك فيها المستفتى إذا لم يكن فيه مشقة على المفتى وكان فيه طمأنينة للمستفتى وفيه اباحة ميتات البحر كلها سواء في ذلك ما مات بنفسه أو باصطياد وقد أجمع المسلمون على اباحة السمك قال أصحابنا يحرم الضفدع للحديث في النهى عن قتلها قالوا وفيما سوى ذلك ثلاثة أوجه أصح يحل جميعه لهذا الحديث والثانى لا يحل والثالث يحل ما له نظير مأكول في البر دون ما لا يؤكل نظيره فعلى هذا تؤكل خيل البحر وغنمه وظباؤه دون كلبه وخنزيره وحماره قال أصحابنا والحمار وان كان في البر مأكول وغيره ولكن الغالب غير المأكول هذا تفصيل مذهبنا وممن قال بإباحة جميع حيوانات البحر إلا الضفدع أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وابن عباس رضى الله عنهم وأباح مالك الضفدع والجميع وقال أبو حنيفة لا يحل غير السمك وأما السمك الطافئ وهو الذى يموت في البحر بلا سبب فمذهبنا أباحته وبه قال جماهير العلماء من الصحابة فمن بعدهم منهم أبو بكر الصديق وأبو أيوب وعطاء مكحول والنخعي ومالك وأحمد وأبو ثور وداود وغيرهم وقال جابر بن عبد الله وجابر بن زيد وطاوس وأبو حنيفة لا يحل دليلنا قوله تعالى لكم صيد البحر وطعامه ابن عباس والجمهور صيده ما صدتموه وطعامه ما قذفه وبحديث جابر هذا وبحديث هو الطهور ماؤه الحل ميتته وهو حديث صحيح وبأشياء مشهورة غير ما ذكرنا وأما الحديث المروى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ألقاه البحر وجزر عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا
[ 87 ]
تأكلوا فحديث ضيعف باتفاق أئمة الحديث لا يجوز الاحتجاج به لو لم يعارضه شئ كيف وهو معارض بما ذكرنا وقد أوضحت ضعف رجاله في شرح المهذب في باب الأطعمة فإن قيل لا حجة في حديث العنبر لأنهم كانوا مضطرين قلنا الاحتجاج بأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه في المدينة من غير ضرورة قوله (ولقد رأيتنا تغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقتطع منه الفدر كالثور أو كقدر الثور) أما الوقب فبفتح الواو واسكان القاف والباء الموحدة وهو داخل عينه ونقرتها والقلال بكسر القاف جمع قلة بضمها وهي الجرة الكبيرة التي يقلها الرجل بين يديه أي يحملها والفدر بكسر الفاء وفتح الدال هي القطع وقوله كقدر الثور رويناه بوجهين مشهورين في نسخ بلادنا أحدهما بقاف مفتوحة ثم دال ساكنة أي مثل الثور والثاني كفدر بفاء مكسورة ثم دال مفتوحة جمع فدرة والأول أصح وادعى القاضى أنه تصحيف وأن الثاني هو الصواب وليس كما قال قوله (ثم رحل أعظم بعير) هو بفتح الحاء أي جعل عليه رحلا قوله (وتوزدنا من لحمه وشائق) هو بالشين المعجمة والقاف قال أبو عبيد هو اللحم يؤخذ فيغلى اعلاء ولا ينضج
[ 88 ]
ويحمل في الأسفار يقال وشقت اللحم فاتشق والوشيقة الواحدة منه والجمع وشائق ووشق وقيل الوشيقة القديد قوله (ثابت أجسامنا) أي رجعت الى القوة قوله (فيأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فتصبه) كذا هو في النسخ فتصبه وفى الرواية الأولى فأقامها فأنثها وهو المعروف ووجه التذكير أنه أراد به العضو قوله (وجلس في حجاج عينه نفر) هو بحاء ثم جيم مخففة والحاء مكسورة ومفتوحة لغتان مشهورتان وهو بمعنى وقب عينه المذكور في الرواية السابقة وقد شرحناه قوله (ان رجلا نحر ثلاث جزائر ثم ثلاثا ثم ثلاثا ثم نهاه أبو عبيدة) وهذا الرجل الذى نحر الجزائر هو قيس بن سعد بن عبادة رضى الله قوله في الرواية الأولى (فأقمنا عليه شهرا) وفى الرواية الثانية فأكلنا منها نصف شهر وفى الثالثة فأكل منها الجيش ثمانى عشرة ليلة طريق الجمع بين الروايات أن من روى شهرا هو الأصل ومعه زيادة علم ومن روى دونه لم ينف الزيادة ولو نفاها قدم المثبت وقد قدمنا مرات أن المشهور الصحيح عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له فلا يلزم منه نفى الزيادة لو لم يعارضه إثبات الزيادة كيف وقد عارضه فوجب قبول الزيادة وجمع القاضى بينهما
[ 89 ]
بأن من قال نصف شهر أراد أكلوا منه تلك المدة طريا ومن قال شهرا أراد قددوه فأكلوا منه بقية الشهر قديدا والله أعلم قوله (سيف البحر) هو بكسر السين وإسكان المثناة تحت وهو ساحله كما قاله في الروايتين قبله قوله (وحدثنا حجاج بن الشاعر وذكر في هذا الاسناد أخبرنا أبو المنذر القزاز) هكذا هو في نسخ بلادنا القزاز بالقاف وفى أكثرها البزاز بالباء وذكر القاضى أيضا اختلاف الرواة فيه والأشهر بالقاف وهو الذى ذكره السمعاني في الأنساب وآخرون وذكره خلف الواسطي في الأطراف بالباء عن رواية مسلم لكن عليه تضبيب فلعله يقال بالوجهين فالقزاز بزاز وأبو المنذر هذا اسمه اسماعيل بن حسين بن المثني كذا سماه أحمد بن حنبل فيما ذكره ابن أبى حاتم في كتابه واقتصر الجمهور على أنه اسماعيل بن عمر قال أبو حاتم هو صدوق وأمر أحمد بن حنبل بالكتابة عنه وهو من أفراد مسلم
[ 90 ]
باب تحريم أكل لحم الحمر الانسية قوله (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الانسية) أما الانسية فبإسكان النون مع كسر الهمزة وبفتحها لغتان مشورتان سبق بيانهما وسبق بيان حكم نكاح المتعة وشرح أحادثيه في كتاب النكاح وأما الحمر الانسية فقد وقع في أكثر الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم نه يوم خيبر عن لحومها وفى رواية حرم رسول الله صلى الله عليه
[ 91 ]
وسلم لحوم الحمر الأهلية وفى روايات أنه صلى الله عليه وسلم وجد القدور تغلى فأمر بإراقتها وقال لا تأكلوا من لحومها شيئا وفى رواية نهينا عن لحوم الحمر الأهلية وفى رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أهريقوها واكسروها فقال رجل يا رسول الله أو نهريقها ونغسلها قال أو ذاك وفى رواية نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم ألا ان الله ورسوله ينهيانكم عنها فانه رجس من عمل الشيطان وفى رواية ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس أو نجس فأكفئت القدور بما فيها اختلف العلماء في المسألة فقال الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بتحريم لحومها لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة وقال ابن عباس ليست بحرام وعن مالك ثلاث روايات أشهرها أنها مكروهة كراهية تنزيه شديدة والثانية حرام والثالثة مباحة والصواب التحريم كما قاله الجماهير الأحاديث الصريحة وأما الحديث المذكور في سنن أبى داود عن غالب بن أبجر قال أصابتنا سنة فلم يكن في مالى شئ أطعم أهلى إلا شئ من حمر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أصابتنا السنة فلم يكن في مالى ما أطعم أهلى إلا سمان حمر وانك حرمت لحوم الحمر الأهلية فقال أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية يعنى بالجوال
[ 92 ]
التى تأكل الجلة وهى العذرة فهذا الحديث مضطرب مختلف الاسناد شديد الاختلاف لو صح حمل على الأكل منها في حال الاضطرار والله أعلم قوله (نادى أن اكفؤا القدور) قال القاضى ضبطناه بألف الوصل وفتح الفاء من كفأت ثلاثى ومعناه قلبت قال ويصح قطع الألف وكسر الفاء من أكفات رباعى وهما لغتان بمعنى عند كثيرين من أهل اللغة منهم الخليل والكسائي وابن
[ 93 ]
السكيت وابن قتيبة وغيرهم وقال الأصمعى يقال كفأت ولا يقال أكفأت بالألف قوله (لحوم الحمر نيئة ونضيجة) هو بكسر النون وبالهمز أي غير مطبوخة قوله (كان حمولة الناس) بفتح الحاء أي الذى يحمل متاعهم قوله (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في قدور لحوم الحمر الأهلية أهريقوها واكسروها فقال رجل أو نهريقها ونغسلها قال أو ذاك) هذا صريح في
[ 94 ]
نجاستها وتحريمها ويؤيده الرواية الأخرى فانها رجس وفى الآخرى رجس أو نجس وفيه وجوب غسل ما أصابته النجاسة وأن الاناء النجس يطهر بغسله مرة واحدة ولا يحتاج الى سبع إذا كانت غير نجاسة الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وعند أحمد يجب سبع في الجميع على أشهر الروايتين عنه وموضع الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الأمر بالغسل ويصدق ذلك على مرة ولو وجبت الزيادة لبينها فإن في المخاطبين من هو قريب العهد بالاسلام ومن في معناه ممن لا يفهم من الأمر بالغسل إلا مقتضاه عند الاطلاق وهو مرة وأما أمره صلى الله عليه وسلم أولا بكسرها فيحتمل أنه كان بوحى أو باجتهاد ثم نسخ وتعين الغسل ولا يجوز اليوم الكسر لأنه اتلاف مال وفيه دليل على أنه إذا غسل الاناء النجس فلا بأس باستعماله والله أعلم
[ 95 ]
باب إباحة أكل لحم الخيل قوله (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل) وفى رواية قال جابر أكلنا زمن خبير الخيل وحمر الوحش ونهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي وفى حديث أسماء قالت نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه اختلف العلماء في إباحة لحوم الخيل فمذهب الشافعي والجمهور من السلف والخلف أنه مباح لا كراهة فيه وبه قال عبد الله بن الزبير وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء بنت أبى بكر وسويد بن غفلة وعلقمة والأسود وعطاء وشريح وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وحماد بن سليمان وأحمد واسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وداود وجماهير المحدثين وغيرهم وكرهها طائفة منهم ابن عباس والحكم ومالك وأبو حنيفة قال أبو حنيفة يأثم بأكله ولا يسمى حراما واحتجوا بقوله تعالى والبغال والحمير لتركبوها وزينة يذكر الأكل وذكر الأكل من الأنعام في الآية التى قبلها وبحديث صالح بن يحيى بن المقدم عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير
[ 96 ]
وكل ذى ناب من السباع رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بقية بن الوليد عن صالح ابن يحيى واتفق العلماء من أئمة الحديث وغيرهم على أنه حديث ضعيف وقال بعضهم هو منسوخ روى الدارقطني والبيهقي بإسنادهما عن موسى بن هارون الحمال بالحاء الحافظ قال هذا حديث ضعيف قال ولا يعرف صالح بن يحيى ولا أبوه وقال البخاري هذا الحديث فيه نظر وقال البيقهى هذا سناد مضطرب وقال الخطابى في اسناده نظر قال وصالح بن يحيى عن أبيه عن جده لا يعرف سماع بعضهم من بعض وقال أبو داود هذا الحديث منسوخ وقال النسائي حديث الاباحة أصح قال ويشبه ان كان هذا صحيحا أن يكون منسوخا واحتج الجمهور بأحاديث الاباحة التي ذكرها مسلم وغيره وهي صحيحة صريحة وبأحاديث أخر صحيحة جاءت بالإباحة ولم يثبت في النهى حديث وأما الآية فأجابوا عنها بأن ذكر الركوب والزينة لا يدل على أن منفعتهما مختصة بذلك فانما خص هذان بالذكر لأنهما معظم المقصود من الخيل كقوله تعالى عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير من اللحم لأنه أعظم المقصود وقد أجمع المسلمون على تحريم شحمه ودمه سائر أجزائه قالوا ولهذا سكت عن ذكر حمل الأثقال على الخيل مع قوله تعالى في الأنعام : وتحمل أثقالكم يلزم من هذا تحريم والله أعلم قولها (نحرنا فرسا) في رواية البخاري ذتحنا فرسا وفى رواية له نحرنا كما ذكر مسلم فيجمع بين الروايتين بأنهما قضيتان فمرة نحروها ومرة ذبحوها ويجوز أن تكون قضية واحدة ويكون أحد اللفظين مجازا والصحيح الأول لأنه لا يصار الى المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة والحقيقة غير متعذرة بل في الحمل على الحقيقة فائدة مهمة وهى
[ 97 ]
أنه يجوز ذبح المنحور ونحر المذبوح وهو مجمع عليه وان كان فاعله مخالفا الأفضل والفرس يطلق على الذكر والأنثى والله أعلم باب اباحة الضب ثبتت هذه الأحاديث التى ذكرها مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الضب كل لست بآكله ولا محرمه وفى روايات لا آكله ولا أحرمه وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال كلوا فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم رفع يده منه فقيل أحرام هو يا رسول الله قال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه فأكلوه بحضرته وهو ينظر صلى الله عليه وسلم قال أهل اللغة معنى أعافه أكرهه تقذرا وأجمع المسلمون على أن حلال ليس بمكروه إلا
[ 98 ]
ما حكى عن أصحاب أبى حنيفة من كراهته وإلا ما حكاه القاضى عياض عن قوم أنهم قالوا هو
[ 99 ]
حرام وما أظنه يصح عن احد وان صح عن أحد فمحجوج بالنصوص واجماع من قبله قوله (ضب محنوذ) أي مشوى وقيل المشوى على الرضف وهى الحجارة المحماة قوله (ان خالدا اخذ الضب كل فأكله من غير استئذان) هذا من باب الا دلال والأكل من بيت القريب والصديق الذى لا يكره ذلك وخالد أكل هذا في بيت خالته ميمونة وبيت صديقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج الى استئذان لا سيما والمهدية خالته ولعله أراد بذلك جبر قلب خالته أم حفيد المهدية قوله في ميمونة (وهى خالته وخالة ابن عباس) يعنى خالد بن الوليد وخالة ابن عباس وأم خالد لبابة الصغرى وأم ابن عباس لبابة الكبرى وميمونة وأم حفيد كلهن اخوات والدهن الحارث قوله (قدمت به أختها حفيدة) وفى الرواية الأخر أم حفيد وفى بعض النسخ أم حفيدة بالهاء
[ 100 ]
وفى بعضها في رواية أبى بكر بن النضر أم حميد وفى بعضها حميدة وكله بضم الحاء مصغر قال القاضى وغيره والأصوب والأشهر أم حفيد بلا هاء واسمها هزيلة وكذا ذكرها ابن عبد البر وغيره في الصحابة والله أعلم قوله (فقالت امرأة من النسوة الحضور) كذا هو في جميع
[ 101 ]
النسخ النسوة الحضور قوله (ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا تصريح بما اتفق عليه العلماء وهو إقرار النبي صلى الله عليه وسلم الشئ وسكوته عليه إذا فعل بحضرته يكون دليلا لإباحته ويكون بمعنى بقوله أذنت فيه وأبحته فانه لا يسكت على باطل ولا يقر منكرا والله أعلم قوله (دعانا عروس بالمدينة) يعنى رجلا تزوج قريبا والعروس يقع على
[ 102 ]
المرأة وعلى الرجل قوله (قرب إليهم خوان) هو بكسر الخاء وضمها لغتان الكسر أفصح والجمع أخونة وخون وليس المراد بهذا الخوان ما نفاه في الحديث المشهور في قوله ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان قط بل شئ من نحو السفرة قوله إنا بأرض مضبة) فيها لغتان مشهورتان إحدهما فتح الميم والضاد والثانية ضم الميم وكسر الضاد والأول أشهر
[ 103 ]
وأفصح أي ذات ضباب كثيرة قوله (انى في غائط مضبة) الغائط الأرض المطمئنة قوله صلى الله عليه وسلم (فمسخهم دواب يدبون في الأرض) أما يدبون فبكسر الدال وأما دواب فكذا وقع في بعض النسخ ووقع في أكثرها دوابا بالألف والأول هو الجارى على المعروف المشهور في العربية والله أعلم باب إباحة الجراد قوله (عن أبى يعفور) هو بالفاء والراء وهو أبو يعفور الأصغر اسمه عبد الرحمن بن عبيد ابن نسطاس وأما أبو يعفور الأكبر فيقال له واقد ويقال وقدان وسبق بيانهما في كتاب الايمان وكتاب الصلاة قوله (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد) فيه إباحة الجراد أجمع المسلمون على إباحته ثم قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والجماهير يحل سواء مات بذكاة أو باصطياد مسلم أو مجوسي أو مات حتف أنفه سواء قطع بعضه
[ 104 ]
أو أحدث فيه سبب وقال مالك في المشهور عنه وأحمد في رواية لا يحل إلا إذا مات بسبب بأن يقطع بعضه أو يسلق أو يلقى في النار حيا أو يشوى فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يحل والله أعلم باب إباحة الأرنب قوله (فاستنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعوا عليه فلغبوا) معنى استنفجنا أثرنا ونفرنا ومر الظهران بفتح الميم والظاء وهو موضع قريب من مكة قوله (فلغبوا) هو بفتح الغين المعجمة في اللغة الفصيحة المشهورة وفى لغة ضعيفة بكسرها حكاها الجوهرى وغيره وضعفوها أي أعيوا وأكل الأرنب
[ 105 ]
حلال عند مالك وأبى حنيفة والشافعي وأحمد والعلماء كافة الا ما حكى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبى ليلى انهما كرهاها دليل الجمهور هذا الحديث مع أحاديث مثله ولم يثبت في النهى عنها شئ باب اباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدو وكراهة الخذف ذكر في الباب النهى عن الحذف لكونه لا ينكأ العدو ولا يقتل الصيد ولكن يفقأ العين ويكسر السن أما الخذف فبالخاء والذال معجمتين وهو رمى الانسان بحصاة أو نواة ونحوهما يجعلها بين أصبعيه السبابتن أو الابهام والسبابة وقوله (ينكأ) بفتح الياء وبالهمزة في آخره هكذا هو في
[ 106 ]
الروايات المشهورة قال القاضى كذا رويناه قال وفى بعض الروايات ينكى بفتح الياء وكسر الكاف غير مهموز قال القاضى وهو أوجه لأن المهموز انما هو من نكأت القرحة وليس هذا موضعه الا على تجوز وانما هذا من النكاية يقال نكيت العدو وأنكيته نكاية ونكأت بالهمز لغة فيه قال فعلى هذه اللغة تتوجه رواية شيوخنا ويفقأ العين مهموز في هذا الحديث النهى عن الخذف لأنه لا مصلحة فيه ويخاف مفسدته ويلتحق به كل ما شاركه في هذا وفيه أن ما كان فيه مصلحة أو حاجة في قتال العدو وتحصيل الصيد فهو جائز ومن ذلك رمى الطيور الكبار بالبندق إذا كان لا يقتلها غالبا بل تدرك حية وتذكى فهو حائز قوله (أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ثم تخذف لاأكلمك أبدا) فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذى السنة مع العلم وأنه يجوز هجرانه دائما والنهى عن الهجران فوق ثلاثة أيام انما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائما وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك وغيره باب الأمر باحسان الدبح والقتل وتحديد الشفرة قوله صلى الله عليه وسلم (ان الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم
[ 107 ]
فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) أما القتلة فبكسر القاف وهى الهيئة والحالة وأما قوله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الذبح فوقع في كثير من النسخ أو أكثرها فأحسنوا الذبح بفتح الذال بغيرها وفى بعضها الذبحة بكسر الذال وبالهاء كالقتلة وهى الهيئة والحالة أيضا قوله صلى الله عليه وسلم (وليحد) هو بضم الياء يقال أحد السكين وحددها واستحدها بمعنى وليرح ذبيحته باحداد السكين وتعجيل امرارها وغير ذلك ويستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى ولا يجرها الى مذبحها وقوله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا القتلة عام في كل قتيل من الذبائح والقتل قصاصا وفى حد ونحو ذلك وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الاسلام والله أعلم باب النهى عن صبر البهائم وهو حبسها لتقتل برمى ونحوه (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصير البهائم) وفى
[ 108 ]
رواية لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا قال العلماء صبر البهائم أن تحبس وهى حية لتقتل بالرمي ونحوه وهو معنى لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا أي لا تتخذوا الحيوان الحى غرضا ترمون إليه كالغرض من الجلود وغيرها وهذا النهى للتحريم ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر التى بعد هذه لعن الله من فعل هذا ولأنه تعذيب للحيوان واتلاف لنفسه وتضييع لماليته وتفويت لذكاته ان كان مذكى ولمنفعته ان لم يكن مذكى قوله (نصبوا طيرا وهم يرمونه) هكذا هو في النسخ طيرا والمراد به واحد والمشهور في اللغة أن الواحد يقال له طائر والجمع طير وفى لغة قليلة اطلاق الطير على الواحد وهذا الحديث جار تلك اللغة قوله (وقد جعلوا لصاحب كل خاطئة من نبلهم)
[ 109 ]
هو بهمز خاطئة أي ما لم يصب المرمى وقوله خاطئة لغة والأفصح مخطئة يقال لمن قصد شيئا فأصاب غيره غلطا أخطأ فهو مخطئ وفى لغة قليلة خطأ فهو خاطئ وهذا الحديث جاء على اللغة الثانية حكاها أبو عبيد والجوهري وغيرهما والله أعلم كتاب الأضاحى باب وقتها قال الجوهرى قال الأصمعى فيها أربع لغات أضحية بضم الهمزة وكسرها وجمعها أضاحى بتشديد الياء وتخفيفها واللغة الثالثة ضحية وجمعها ضحايا والرابعة أضحاة بفتح الهمزة والجمع أضحى كأرطاة وأرطى وبها سمى يوم الأضحى قال القاضى وقيل سميت بذلك لأنها تفعل في الضحى وهو ارتفاع النهار وفى الأضحى لغتان التذكير لغة قيس والتأنيث لغة تميم قوله
[ 110 ]
صلى الله عليه وسلم (من كان ذبح أضيته قبل يصلى أو نصلى فليذبح مكانها أخرى ومن كان لم يدبح فليذبح باسم الله) وفى رواية على اسم الله قال الكتاب من أهل العربية إذا قيل باسم الله تعين كتبه بالألف وانما تحذف الألف إذا كتب بسم الله الرحمن الرحيم بكمالها وقوله قبل أن يصلى أو نصلى الأول بالياء والثانى بالنون والظاهر أنه شك من الراوى واختلف العلماء في وجوب الأضحية على الموسر فقال جمهورهم هي سنة في حقه أن تركها بلا عذر لم بأثم ولم يلزمه القضاء وممن قال بهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدرى وسعيد ابن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف واسحاق وأبو ثور والمزنى وابن المنذر وداود وغيرهم وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث هي واجبة على الموسر وبه قال بعض المالكية وقال النخعي واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى وقال محمد بن الحسن واجبة على المقيم بالأمصار والمشهور عن أبى حنيفة أنه انما يوجبها على مقيم يملك نصابا والله أعلم وأما وقت الأضحية فينبغي أن يذبحها بعد صلاته مع الامام وحينئذ تجزيه بالاجماع قال ابن المنذر وأجمعوا أنها لا تجوز قبل طلوع الفجر يوم النحر واختلفوا فيما بعد ذلك فقال الشافعي وداود وابن المنذر وآخرون يدخل وقتها إذا طلعت الشمس ومضى قدر صلاة العيد وخطبتين فان ذبح بعد هذا الوقت أجزأه سواء صلى الامام أم لا وسواء صلى الضحى أم لا وسواء كان من أهل الأمصار أو من أهل القرى والبوادى والمسافرين وسواء ذبح الامام أضحيته أم لا وقال عطاء وأبو حنيفة يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادى إذا طلع الفجر الثاني ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلى الامام ويخطب فان ذبح قبل ذلك لم يجزه وقال مالك لا يجوز ذبحها إلا بعد صلاة الامام وخطبته وذبحه وقال أحمد لا يجوز قل صلاة الامام ويجوز بعدها قبل ذبح الامام وسواء عنده أهل الأمصار والقرى ونحوه عن الحسن
[ 111 ]
والأوزاعي واسحق بن راهويه وقال الثوري لا يجوز بعد صلاة الامام قبل خطبته وفى أثنائها وقال ربيعة فيمن لا امام له ان ذبح قبل طلوع الشمس لا يجزيه وبعد طلوعها يجزيه وأما آخر وقت التضحية فقال الشافعي تجوز في يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بعده وممن قال بهذا على ابن أبى طالب وجبير بن مطعم وابن عباس وعطاء الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدى فقيه أهل الشام ومكحول وداود الظاهرى وغيرهم وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد تختص بيوم النحر ويومين بعده وروى هذا عن عمر بن الخطاب وعلى وابن عمر وأنس رضى الله عنهم وقال سعيد بن جبير تجوز لأهل الأمصار يوم النحر خاصة ولأهل القرى يوم النحر وأيام التشريق وقال محمد بن سيرين لا تجوز لأحد إلا في يوم النحر خاصة وحكى القاضى عن بعض العلماء أنها تجوز في جميع ذى الحجة واختلفوا في جواز التضحية في ليالى أيام الذبح فقال الشافعي تجوز ليلا مع الكراهة وبه قال أبو حنيفة وأحمد واسحاق وأبو ثور والجمهور وقال مالك في المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية عن أحمد لا تجزيه في الليل بل تكون شاة لحم قوله صلى الله عليه وسلم (فليذبح على اسم الله) هو بمعنى رواية فليذبح باسم الله أي قائلا باسم الله هذا هو الصحيح في معناه وقال القاضى يحتمل أربعة أوجه أحدها أن يكون معناه فليذبح لله والباء بمعنى اللام والثانى معناه فليذبح بسنة الله والثالث بتسمية الله
[ 112 ]
على ذبيحته إظهارا للإسلام ومخالفة لمن يذبح لغيره وقمعا للشيطان والرابع تبركا باسمه وتيمنا بذكره كما يقال سر على بركة الله وسر باسم الله وكره بعض العلماء أن يقال افعل كذا على اسم الله قال لأن اسمه سبحانه على كل شئ قال القاضى هذا ليس بشئ قال وهذا الحديث يرد على هذا القائل قوله (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أضحى ثم خطب) قوله أضحى مصروف وفى هذا أن الخطبة للعيد بعد الصلاة وهو اجماع الناس اليوم وقد سبق بيانه واضحا في كتاب الايمان ثم في كتاب الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم (تلك شاة لحم) معناه أي ليست ضحية ولا ثواب فيها بل هي لحم لك تنتفع به كما في الرواية الأخرى انما هو لحم قدمته لأهلك قوله (إن عندي جذعة من المعز فقال ضح بها ولا تصلح لغيرك) وفى رواية ولا تجزى جذعة عن أحد بعدك أما قوله صلى الله عليه وسلم ولا تجزى فهو بفتح التاء هكذا الرواية فيه جميع الطرق والكتب ومعناه لا تكفى من نحو قوله تعالى يوما لا يجزى
[ 113 ]
والد عن ولده وفيه أن جذعة المعز لا تجزى في الأضحية وهذا متفق عليه وقوله (يا رسول الله إن هذا يوم اللحم فيه مكروه) قال القاضى كذا رويناه في مسلم مكروه بالكاف والهاء من طريق السنجري والفارسي وكذا ذكره الترمذي قال ورويناه في مسلم من طريق العذري مقروم بالقاف والميم قال وصوب بعضهم هذه الرواية وقال معناه يشتهى فيه اللحم يقال قرمت الى اللحم وقرمته إذا اشتهيته قال وهى بمعنى قوله في غير مسلم عرفت أنه يوم أكل وشرب فتعجلت وأكلت وأطعمت أهلى وجيراني وكما جاء في الرواية الأخرى إن هذا يوم يشتهى اللحم وكذا رواه البخاري قال القاضى وأما رواية مكروه فقال بعض شيوخنا صوابه اللحم فيه مكروه بفتح الحاء أي ترك الذبح والتضحية وبقاء أهله فيه بلا لحم حتى يشتهوه مكروه واللحم بفتح الحاء اشتهاء اللحم قال القاضى وقال لى الأستاذ أبو عبد الله بن سليمان معناه ذبح ما لا يجزى في الأضحية ما هو لحم مكروه لمخالفة السنة هذا آخر ما ذكره القاضى وقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني معناه هذا يوم طلب اللحم فيه مكروه شاق وهذا حسن والله أعلم قوله (عندي عناق لبن) العناق بفتح العين وهى الأنثى من المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة وجمعها أعنق وعنوق وأما قوله عناق لبن فمعناه صغيرة قريبة مما ترضع قوله (عندي عناق لبن هي خير من شاتى لحم) أي أطيب لحما وأنفع لسمنها ونفاستها وفيه اشارة الى أن المقصود في الضحايا طيب اللحم لا كثرته فشاة نفيسة أفضل من شاتين غير سمينتين بقيمتها وقد سبقت المسألة في كتاب الايمان مع الفرق بين الأضحية والعق ومختصرة أن تكثير العدد في العق مقصود فهو الأفضل بخلاف الأضحية قوله صلى الله عليه وسلم (هي خير نسيكتيك) معناه أنك ذبحت صورة نسيكتين وهما هذه والتى ذبحها قبل الصلاة وهذه أفضل لأن هذه حصلت بها التضحية والأولى وقعت شاة لحم لكن له فيها ثواب لا بسبب التضحية فإنها لم تقع أضحية بل لكونه
[ 114 ]
قصد بها الخير وأخرجها في طاعة الله فلهذا دخلهما أفعل التفضيل فقال هذه خير النسيكتين فإن هذه الصيغة تتضمن أن في الأولى خيرا أيضا قوله صلى الله عليه وسلم (ولا تجزى جذعة عن أحد بعدك) معناه جذعة المعز وهو مقتضى سياق الكلام وإلا فجدعة الضأن تجزى قوله (عندي جذعة خير من مسنة) المسنة هي الثنية وهى أكبر من الجذعة بسنة فكانت هذه
[ 116 ]
الجذعة أجود لطيب لحمها وسمنها قوله (وذكره من جيرانه) أي حاجة قوله في حديث أنس في الذى رخص له في جذعة المعز (لا أدرى أبلغت رخصته من سواه أم لا) هذا الشك بالنسبة الى علم أنس رضى الله عنه وقد صرح النبي صلى الله وعليه وسلم في حديث البراء بن عازب السابق بأنها لا تبلغ غيره ولا تجزى أحدا بعده قوله (وانكفأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الى كبشين فذبحهما) انكفأ مهموز أي مال وانعطف وفيه إجزاء الذكر في الأضحية وأن الأفضل أن يذبحها بنفسه وهما مجمع عليهما وفيه جواز التضحية بحيوانين قوله (فقام الناس الى غنيمة فتوزعوها أو قال فتجزعوها) هما بمعنى وهذا شك من الرواى في أحد اللفظتين وقوله غنيمة بضم الغين تصغير الغنم قوله في حديث محمد بن عبيد الغبرى (ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحا) أما ذبحا فاتفقوا على ضبطه بكسر الذال أي حيوانا يذبح كقول الله تعالى بذبح قوله أن يعيد فكذا هو في بعض الأصول المعتمدة بالياء من الإعادة
[ 117 ]
وفى كثير منها أن يعد بحذف الياء ولكن بتشديد الدال من الاعداد وهو التهيئة والله أعلم باب سن الأضحية قوله صلى الله عليه وسلم (لا تذبحوا إلا مسنة الا إن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شئ من الابل والبقر والغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال وهذا مجمع عليه على ما نقله القاضى عياض ونقل العبدرى وغيره من أصحابنا عن الأوزاعي أنه قال يجزى الجذع من الابل والبقر والمعز والضأن وحكى هذا عن عطاء وأما الجذع من الضأن فمذهبنا ومذهب العلماء كافة يجزى سواء وجد غيره أم لا وحكوا عن ابن عمر والزهرى أنهما قالا لا يجزى وقد يحتج لهما بظاهر هذا الحديث قال الجمهور هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل وتقديره يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فان عجزتم فجذعة ضأن وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزى بحال وقد أجمعت الأمة أنه ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوزون الجذع الضأن مع وجود غيره وعدمه وابن عمر والزهرى يمنعانه مع وجود غيره وعدمه فتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب والله أعلم وأجمع العلماء على أنه لا تجزى الضحية بغير الابل والبقر والغنم إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه قال تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة وبالظبي عن واحد وبه قال
[ 118 ]
داود في بقرة الوحش والله أعلم والجذع من الضأن ما له سنة تامة هذا هو الأصح عند أصحابنا وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم وقيل ماله ستة أشهر وقيل سبعة وقيل ثمانية وقيل ابن عشرة حكاه القاضى وهو غريب وقيل ان كان متولدا من بين شابين فستة أشهر وان كان من هرمين فثمانية أشهر ومذهبنا ومذهب الجمهور أن أفضل الأنواع البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز وقال مالك الغنم أفضل لأنها أطيب لحما حجة الجمهور أن البدنة تجزى عن سبعة وكذا البقرة وأما الشاة فلا تجزى إلا عن واحد بالتفاق فدل على تفصيل البدنة والبقرة واختلف أصحاب مالك فيما بعد الغنم فقيل الابل أفضل من البقرة وقيل البقرة أفضل من الابل وهو الأشهر عندهم وأجمع العلماء على استحباب سمينها وطيبها واختلفوا في تسمينها فمذهبنا ومذهب الجمهور استحبابه وفى صحيح البخاري عن أبى أمامة كنا نسمن الأضحية وكان المسلمون يسمنون وحكى القاضى عياض عن بعض أصحاب مالك كراهة ذلك لئلا يتشبه باليهود وهذا قول باطل قوله (فأمرهم أن لا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم) هذا مما يحتج به مالك في أنه لا يجزى الذبح إلا بعد ذبح الإمام كما سبق في مسألة اختلاف العلماء في ذلك والجمهور يتأولونه على أن المراد زجرهم عن التعجيل الذي قد يؤدي الى فعلها قبل الوقت ولهذا جاء في باقي الأحاديث التقييد بالصلاة وأن من ضحى بعدها أجزأه ومن لا فلا قوله في حديث عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على أصحابه ضحايا فبقي عتود فقال ضح به أنت قال أهل اللغة العتود من أولاد المعز خاصة وهو ما رعى وقوي قال الجوهري وغيره هو ما بلغ سنة وجمعه أعتدة وعدان
[ 119 ]
بإدغام التاء في الدال قال البيهقى وسائر أصحابنا وغيرهم هذه رخصة لعقبة بن عامر كما كان مثلها رخصة لأبى بردة بن نيار المذكور في حديث البراء بن عازب السابق قال البيهقى وقد روينا ذلك من رواية الليث بن سعد ثم روى ذلك باسناده الصحيح عن عقبة بن عامر قال أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما أقسمها ضحايا بين أصحابي فبقى عتود منها فقال ضح بها أنت ولارخصة لأحد فيها بعدك قال البيهقى وعلى هذا يحمل أيضا مارويناه عن زيد بن خالد قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه غنما فأعطاني عتودا جذعا فقال ضح به فقلت انه جذع من المعز أضحى به قال نعم ضح به فضحيت هذا كلام البيهقى وهذا الحديث رواه أبو داود بإسناد جيد حسن وليس فيه رواية أبى داود من المعز ولكنه معلوم من قوله عتود وهذا التأويل الذى قاله البيهقى وغيره متعين والله أعلم قوله (عن يحيى بن أبى كثير عن بعجة) هو بالباء الموحدة مفتوحة باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة (بلا توكيل والتسمية والتكبير قوله (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملجين أقرنين وذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله
[ 120 ]
على صفاحهما) قال ابن الأعرابي وغيره الأملح وهو الأبيض الخالص البياض وقال الأصمعى هو الأبيض ويشوبه شئ من السواد وقال أبو حاتم هو الذى يخالط بياضه حمرة وقال بعضهم هو الأسود يعلوه حمرة وقال الكسائي هو الذى فيه بياض وسواد والبياض أكثر وقال الخطابى هو الأبيض الذى خلل صوفه طبقات سود وقال الداودى هو المتغير الشعر بسواد وبياض وقوله أقرنين أي لكل واحد منهما قرنان حسنان قال العلماء فيستحب الاقرن وفى هذا الحديث جواز تضحية الانسان بعدد من الحيوان واستحباب الاقرن وأجمع العلماء على جواز التضحية بالاجم الذذى لم يخلق له قرنان واختلفوا في مكسورة القرن فجوزه الشافعي وأبو حنيفة والجمهور سواء كان يدمى أم لاوكرهه مالك إذا كان يدمى وجعله عيبا وأجمعوا على استحباب استحسانها واحتيار أكملها وأجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهو المرض والعجف والعور والعرج البين لاتجزى التضحية بها وكذا ماكان في معناها أو أقبح كالعمى وقطع الرجل وشبهه وحديث البراء هذا لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما ولكنه صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم من أصحاب السنن بأسانيد صحيحة وحسنة قال أحمد بن حنبل ما أحسنه من حديث وقال الترمذي حديث حسن صحيح والله أعلم وأما قوله أملحين ففيه استحباب استحسان لون الأضحية وقد أجمعوا عليه قال أصحابنا أفضلها البيضاء ثم الصفراء ثم الغبراء وهى التى لا يصفوا بياضها ثم البلقاء وهى التى بعضها أبيض وبعضها أسود ثم السوداء وأما قوله في الحديث الآخر يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فمعناه أن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود والله أعلم قوله (ذبحهما بيده) فيه أنه يستحب أن يتولى الانسان ذبح أضحيته بنفسه ولا يوكل في ذبحها الالعذر وحينئذ يستحب أن يشهد ذبحها وان استناب فيها مسلما جاز بلا خلاف وإن استناب كتابيا كره كراهية تنزيه وأجزأه ووقعت التضحية عن الموكل
[ 121 ]
هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الامالكا في إحدى الروايتين عنه فإنه لم يجوزها ويجوز أن يستنيب صبيا أو امرأة حائضا لكن يكره توكيل الصبى وفى كراهة توكيل الحائض وجهان قال أصحابنا الحائض أولى بالاستنابة من الصبى والصبى أولى من الكتابى قال أصحابنا والأفضل لمن وكل أن يوكل مسلما فقيها بباب الذبائح والضحايا لأنه أعرف بشروطها وسننها والله أعلم قوله (وسمى) فيه إثبات التسمية على الضحية وسائر الذبائح وهذا مجمع عليه لكن هل هو شرظ أم مستحب فيه خلاف سبق إيضاحه في كتاب الصيد قوله (وكبر) فيه استحباب التكبير مع التسمية فيقول بسم الله والله أكبر قوله (ووضع رجله على صفاحهما) أي صفحة العنق وهى جانبه وانما فعل هذا ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعهمن إكمال الذبح أو تؤذيه وهذ أصح من الحديث الذى جاء بالنهي عن هذا قوله صلى الله عليه وسلم (هلم المدية) أي هاتيها وهى بضم الميم وكسرها وفتحها وهى السكين قوله صلى الله عليه وسلم (اشحذيها بحجر) هو بالشين المعجمة والحاء المهملة المفتوحة وبالذال المعجمة
[ 122 ]
أي حدديها وهذا موافق للحديث السابق في الأمر باحسان القتلة والذبح واحداد الشفرة قوله (وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به) هذا الكلام فيه تقديم وتأخير وتقديره فأضجعه وأخذ في ذبحه قائلا باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد وامته مضحيا به ولفظه ثمهنا متأولة على ما ذكرته بلا شك وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة بل مضجعة لأنه أرفق بها وبهذا جاءت الأحاديث واجمع المسلمون عليه واتفق العلماء وعمل المسلمين على أن اضجاعها يكون على جانبها الأيسر لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وامساك رأسها باليسار قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد) فيه دليل لاستحباب قول المضحي حال الذبح مع التسمية والتكبير اللهم تقبل منى قال أصحابنا ويستحب معه اللهم منك وإليك تقبل منى فهذا مستحب عندنا وعند الحسن وجماعة وكرهه أبو حنيفة وكره مالك اللهم منك وإليك وقال هي بدعة واستدل بهذا من جوز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته واشتراكهم معه في الثواب وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وكرهه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وزعم الطحاوي أن هذا الحديث منسوخ أو مخصوص وغلطه العلماء في ذلك فان النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم (الا السن والظفر وسائر العظام قوله (قلت يارسول الله إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى قال أعجل أوأرن) أما أعجل فهو بكسر
[ 123 ]
الجيم وأما أرنى فبفتح الهمزة وكسر الراء وإسكان الراء وكسر النون وروى أرنى باسكان الراء وزيادة ياء وكذا وقع هنا في أكثر النسخ قال الخطابى صوابه أرن على وزن أعجل وهو بمعناه وهومن النشاط والخفة أي أعجل ذبحها لئلا تموت خنقا قال وقد يكون أرن على وزن أطع أي أهلكها ذبحها من أران القوم إذا هلكت مواشيهم قال ويكون أرن على وزن أعط بمعنى أدم الحز ولا تفتر من قولهم رنوت إذا أدمت النظر وفى الصحيح أرن بمعنى أعجل وأن هذا شك من الراوي هل قال أرن أو قال أعجل قال القاضي عياض وقد رد بعضهم على الخطابى قوله انه من أران القوم إذا هلكت مواشيهم لأن هذا لا يتعدى والمذكور في الحديث متعد على ما فسره ورد عليه أيضا قوله انه أأرن إذ لا تجتمع همزتان احدهما ساكنة في كلمة واحدة وإنما يقال في هذا أيرن بالياء قال القاضى وقال بعضهم معنى أربى بالياء سيلان الدم وقال بعض أهل اللغة صواب اللفظة بالهمزة والمشهور بلاهمز والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم ذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر) أما السن والظفر فمنصوبان بالاستثناء بليس وأما أنهره فمعناه أساله وصبه بكثرة وهو مشبه بجرى الماء في النهر يقال نهر الدم وأنهرته قوله صلى الله عليه وسلم (وذكر اسم الله) هكذا هو في النسخ كلها وفيه محذوف أي وذكر اسم الله عليه أو معه ووقع في رواية أبى دواود وغيره وذكر اسم الله عليه قال العلماء في هذا الحديث تصريح بأنه يشترط في الذكاة ما سقطع ويجرى الدم ولا يكفى رضها ودمغها بما لا يجرى الدم قال القاضى وذكر الخشنى في شرح هذا الحديث ما أنهز بالزاى والنهز بمعنى الدفع قال وهذا غريب والمشهور بالراء المهملة وكذا ذكره ابراهيم الحربى والعلماء كافة بالراء المهملة قال بعض العلماء والحكمة في اشتراط الذبح وانهار الدم تميز حلال اللحم والشحم من حرامهما وتنبيه على أن تحريم الميتة لبقاء دمها وفى هذا الحديث تصريح بجواز الذبح بكل محدد يقطع الالظفر والسن وسائر العظام فيدخل في ذلك السيف والسكين والسنان والحجر والخشب والزجاج والقصب والخزف والنحاس وسائر الأشياء المحددة فكلها تحصل بها الذكاة الا السن والظفر والعظام كلها أما الظفر فيدخل فيه ظفر الآدمى وغيره من كل الحيوانات وسواء المتصل والمنفصل الطاهر والنجس فكله لا تجوز الذكاة به للحديث وأما السن فيدخل فيه سن الآدمى وغيره الطاهر والنجس والمتصل والمنفصل ويلحق به سائر العظام من كل الحيوان المتصل منها والمنفصل الطاهر والنجس فكله لا تجوز الذكاة
[ 124 ]
بشئ منه قال أصحابنا وفهمنا العظام من بيان النبي صلى الله عليه وسلم العلة في قوله إما السن فعظم أي نهيتكم عنه لكونه عظما فهذا تصريح بأن العلة كونه عظما فكل ما صدق عليه اسم العظم لا تجوز الذكاة بهوقد قال الشافعي وأصحابه بهذا الحديث في كل ما تضمنه على ما شرحته وبهذا قال النخعي والحسن بن صالح والليث وأحمد واسحاق وأبو ثور وداود وفقهاء الحديث وجمهور العلماء وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يجوز بالسن والعظم المتصلين ويجوز بالمنفصلين وعن مالك روايات أشهرها جوازها بالعظم دون السن كيف كانا والثانية كمذهب الجمهور والثالثة كأبى حنيفة والرابعة حكاها عنه ابن المنذر يجوز بكل شئ حتى بالسن والطفر وعن ابن جريح جواز الذكاة بعظم الحمار دون القرد وهذا مع ما قبله باطلان منابذان للسنة قال الشافعي وأصحابه وموافقوهم لا تحصل الذكاة إلا بقطع الحلقوم والمرئ بكمالهما ويحتسب قطع الودجين ولا يشترط وهذا أصح الروايتين عن أحمد وقال ابن المنذر أجمع العلماء على أنه إذا قطع الحلقوم والمرئ والودجين وأسال الدم حصلت الذكاة قال واختلفوا في قطع بعض هذا فقال الشافعي يشترط قطع الحلقوم والمرئ ويستحب الودجان وقال الليث وأبو تور وداود وابن المنذر يشترط الجميع وقال أبو حنيفة إذا قطع ثلاثة من هذه الأربعة أجزأه وقال مالك يجب قطع الحلقوم والودجين ولا يشترط المرئ وهذه رواية عنن الليث أيضا وعن مالك رواية أنه يكفى قطع الودجين وعنه اشتراط قطع الاربعة كما قال الليث وأبو ثور وعن أبى يوسف ثلاث روايات إحدها كأبى حنيفة والثانية إن قطع الحلقوم واثنين من الثلاثة الباقية حلت وإلا فلا والثالثة يشترط قطع الحلقوم والمرئ وأحد الودجين وقال محمد بن الحسن ان قطع من كل واحد من الأربعة أكثره حل وألا فلا والله أعلم قال بعض العلماء وفى قوله صلى الله عليه وسلم ما أنهر الدم فكل دليل على جواز ذبح المنحور ونحر المذبوح وقد جوزه العلماء كافة إلا داود فمنعهما وكرهه مالك كراهة تنزيه وفى رواية كراهة تحريم وفى رواية عنه إباحة ذبح المنحور دون نحر المذبوح وأجمعوا أن السنة في الابل النحر وفى الغنم الذبح والبقر كالغنم عندنا وعند الجمهور وقيل يتخير بين ذبحها ونحرها قوله صلى الله عليه وسلم (أما السن فعظم) معناه فلا تذبحوا به فإنه يتنجس
[ 125 ]
بالدم وقد نهيتم عن الاستنجاء بالعظام ولئلا تتنجس لكونها زاد إخوانهم من الجن وأما قوله صلى الله عليه وسلم وأما الظفر فمدى الحبشة فمعناه أنهم كفار وقد نهيتم عن التشبيه بالكفار وهذا شعار لهم قوله (فأصبنا نهب ابل وغنم فندمنها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لهذه الابل أوابد كأوابد الوحش فإذا غلبكم منها شئ فاصنعوا به هكذا) أما النهب بفتح النون فهو المنهوب وكان هذا النهب غنيمة وقوله (فندمنها بعير) أي شرد وهرب نافرا والأوابد النفور والتوحش وهو جمع آبدة بالمد وكسر الباء المخففة ويقال منه أبدت بفتح الباء تألد بضمها وتأبد بكسرها وتأبدت ومعناه نفرت من الانس وتوحشت وفى هذا الحديث
[ 126 ]
دليل لاباحة عقر الحيوان الذى يندو ويعجز عن ذبحه ونحره قال أصحابنا وغيرهم الحيوان المأكول الذى لا تحل ميتته ضربان مقدور على ذبحه ومتوحش فالمقدور عليه لا يحل الا بالذبح في الحلق واللبة كما سبق وهذا مجمع عليه وسواء في هذا الانسى والوحشي إذا قدر على ذبحه بأن أمسك الصيد أو كان متأنسا فلاحل الا بالذبح في الحلق واللبة وأما المتوحش كالصيد فجميع أجزائه يذبح مادام متوحشا فإذا رماه بسهم أو أرسل عليه جارحة فأصاب شيئا منه ومات به حل بالاجماع وأما إذا توحش انسى بأنندبعير أو بقرة أو فرس أو شردت شاة أو غيرها فهو كالصيد فيحل بالرمي الى غير مذبحه وبإرسال الكلب وغيره من الجوارح عليه وكذا لو تردى بعير أو غيره في بئر ولم يمكن قطع حلقومه مريئه فهو كالبعير الناد في حله بالرمي بلا خلاف عندنا وفى حله بإرسال الكلب وجهان أصحهما لا يحل قال أصحابنا وليس المراد بالتوحش مجرد الافلات بل متى تيسر لحوقه بعد ولو باستعانة بمن يمسكه ونحو ذلك فليس متوحشا ولا يحل حينئذ الا بالذبح في المذبح وان تحقق العجز في الحال جاز رميه ولا يكلف الصبر الى القدرة عليه وسواء كانت الجراحة في فخذه أو خاصرته أو غيرهما من بدنه فيحل هذا تفصيل مذهبنا وممن قال بإباحة عقر الناد كما ذكرنا على بن أبى طالب وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وطاوس وعطاء والشعبى والحسن البصري والأسود بن يزيد والحكم وحماد والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور والمزنى وداود والجمهور وقال سعيد بن المسيب وربيعة والليث ومالك لا يحل الا بذكاة في حلقه كغيره دليل الجمهور حديث رافع المذكور والله أعلم قوله (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذى الحليفة من تهامة) قال العلماء الحليفة هذه مكان من تهامة بين حاذة وذات عرق ليست بذى الحليفة التى هي ميقات أهل المدينة هكذا ذكره الحازمى في كتابه المؤتلف في أسماء الأماكن لكنه قال الحليفة من غير لفظ ذى والذى في صحيح البخاري ومسلم بذى الحليفة فكأنه يقال بالوجهين قوله (فأصبنا غنما وابلا فعجل القوم فاغلوا بها القدور فأمر بها فكفئت) معنى كفئت أي قلبت وأريق ما فيها وانما أمر باراقتها لأنهم كانوا قد انتهوا الى دار الاسلام والمحل الذى لا يجوز فيه الأكل من مال الغنيمة المشتركة فان الأكل من الغنائم فبل القسمة انما يباح في دار الحرب وقال المهلب بن أبى صفرة المالكى انما أمروا بإكفاء القدور عقوبة لهم لاستعجالهم في السير وتركهم النبي صلى الله عليه وسلم
[ 127 ]
في أخريات القوم متعرضا لمن يقصده من عدو ونحوه والأول أصح واعلم أن المأمور به من اراقة القدور انما هو اتلاف لنفس المرق عقوبة لهم وأما نفس اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع ورد الى المعنم ولا يظن أنه صلى الله عليه وسلم أمر باتلافه لأنه مال للغانمين وقد نهى عن اضاعة المال مع أن الجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة اذمن جملتهم أصحاب الخمس ومن الغانمين من لم يطبخ فإن قيل فلم ينقل أنهم حملوا اللحم الى المغنم قلنا ولم ينقل أيضا أنهم أحرقوه وأتلفوا وإذا لم يأت فيه نقل صريح وجب تأويله على وفق القواعد الشرعية وهو ما ذكرناه وهذا بخلاف اكفاء قدور لحم الحمر الأهلية يوم خيبر فإنه أتلف ما فيها من لحم ومرق لأنها صارت نجسه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها انها رجس أو نجس كما سبق في بابه وأما هذه اللحوم فكانت طاهرة منتفعا بها بلاشك فلا يظن اتلافها والله أعلم قوله (ثم عدل عشرا من الغنم بجزور) هذا محمول على أن هذه كانت قيمة هذه الغنم والابل فكانت الابل نفيسة دون الغنم بحيث كانت قيمة البعير عشر شياه ولايكون هذا مخالفا لقاعدة الشرع في باب الأضحية في اقامة البعير مقام سبع شياه لأن هذا هو الغالب في قيمة الشياه والابل المعتدلة وأما هذه القسمة فكانت قضية اتفق فيها ما ذكرناه من نفاسة الابل دون الغنم وفيه أن قسمة الغنيمة لا يشترط فيها قسمة كل نوع على حدة قوله (فنذكى بالليط) هو بلام مكسورة ثم ياء مثناة تحت ساكنة ثم طاء مهملة وهى قشور القصب وليط كل شئ قشوره والواحدة ليطة وهو معنى قوله في الرواية الثانية أفنذبح بالقصب وفى رواية أبى داود وغيره أفنذبح بالمورة فهو محمول على أنهم قالوا هذا وهذا فأجابهم صلى الله عليه وسلم بجواب جامع لما سألوه ولغيره نفيا واثباتا فقال كل ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر قوله (فرميناه بالنبل حتى وهصناه) هو بهاء مفتوحة مخففة ثم صاد مهملة ساكنة ثم نون
[ 128 ]
ومعناه رميناه رميا شديدا وقيل أسقطناه الى الارض ووقع في غير مسلم رهصنا بالراء أي حبسناه باب بيان ما كان من النهى عن أكل لحوم الأضاحى بعد (ثلاث في الاسلام وبيان نسخه وإباحته الى متى شاء قوله (حدثني عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن أبى عبيد قال شهدت العيد مع على بن أبى طالب رضى الله عنه وذكر الحديث) قال القاضى لهذا الحديث من رواية سفيان عند أهل الحديث علة في رفعه لأن الحفاظ من أصحاب سفيان لم يرفعوه ولهذا لم يروه البخاري من رواية سفيان ورواه من غير طريقة قال الدارقطني هذا مما وهم قيه عبد الحبار بن العلاء لأن علي بن المدينى وأحمد بن حنبل والقعنبى وأبا خيثمة واسحاق وغيرهم رووه عن ابن عيينة موقوفا قال ورفع الحديث عن الزهري صحيح من غير طربق سفيان فقد رفعه صالح ويونس ومعمر والزبيدى ومالك من رواية جويرية كلهم رووه عن الزهري مرفوعا هذا كلام الدارقطني والمتن صحيح بكل حال والله أعلم قوله في حديث على رضى الله عنه أنه خطب فقال (إن رسول الله
[ 129 ]
صلى الله عليه وسلم قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليال فلا تأكلوا) وفى حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يأكل أحدكم من أضحيته فوق ثلاثة أيام قال سالم وكان ابن عمر لا يأكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث وذكر حديث جابر مثله في النهى ثم قال كلوا بعد وادخروا وتزودوا وحديث عائشة أنه دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى فقال النبي صلى الله عليه وسلم ادخروا ثلاثة أيام ثم تصدقوا ثم ذكر الحديث انما كنت نهيتكم من أجل الدافة التى دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا وذكر معناه من حديث جابر وسلمة بن الاكوع وأبى سعيد وثوبان وبريدة قال القاضى واختلف العلماء في الأخذ بهذه الأحاديث فقال قوم يحرم امساك لحوم الأضاحى والأكل منها بعد ثلاث وان حكم التحريم باق كما قاله على وابن عمر وقال جماهير العلماء يباح الأكل والامساك بعد الثلاث والنهى منسوخ بهذه الأحاديث المصرحة بالنسخ لاسيما حديث بريدة وهذا من نسخ السنة بالسنة وقال بعضهم ليس هو نسخا بل كان التحريم لعلة فلما زالت زال لحديث سلمة وعائشة وقيل كان النهى الأول للكراهة لا للتحريم قال هؤلاء والكراهة باقية الى اليوم ولكن لا يحرم قالوا ولو وقع مثل تلك العلة اليوم فدفت دافة واساهم الناس وحملوا على هذا مذهب على وابن عمرو الصحيح نسخ النهى مطلقا وأنه لم يبق تحريم ولاكراهة فيباح
[ 130 ]
اليوم الادخار فوق ثلاث والاكل الى متى شاء لصريح حديث بريدة وغيره والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (بعد ثلاث) قال القاضى يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبحها ويحتمل من يوم النحر وان تأخر ذبحها الى أيام التشريق قال وهذا أظهر قوله صلى الله عليه وسلم (انما نهيتكم من أجل الدافة التى دفت) قال أهل اللغة الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا ودف يدف بكسر الدال ودافة الأعراب من يرد منهم المصر والمراد هنا من ورد من ضعفاء الاعراب للمواساة قوله (دف ابيات من أهل البادية حضرة الأضحى) هي بفتح الحاء وضمها كسرها والضاد ساكنة فيها كلها وحكى فتحها وهو ضعيف وانما تفتح إذا حذفت الهاء فيقال بحضر فلان قوله (ان الناس يتخذون
[ 131 ]
الاسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك) قوله يجملون بفتح الياء مع كسر الميم وضمها ويقال بضم الياء مع كسر الميم يقال جملت الدهن أجمله بكسر الميم وأجمله بضمها جملا وأجملته أجمله اجمالاأى أدبته وهو بالجيم قوله صلى الله عليه وسلم (انما نهيتكم من أجل الدافة التى دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا) هذا تصريح بزوال النهى عن ادخارها فوق ثلاث وفيه الأمر بالصدقة منها والأمر بالأكل فاما الصدقة منها إذا كانت أضحية تطوع فواجبه على الصحيح عند أصحابنا بما يقع عليه الاسم منها ويستحب أن يكون بمعظمها قالوا وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدى الثلث وفيه قول أنه ياكل النصف ويتصدق بالنصف وهذ الخلاف في قدر أدني الكمال في الاستحباب فأما الاجزاء فيجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم كما ذكرنا ولنا وجه أنه لا تجب الصدقة بشئ منها وأما الأكل منها فيستحب ولا يجب هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلاما حكى عن بعض السلف أنه أوجب الأكل منها وهو قول أبى الطيب ابن سلمة من أصحابنا حكاه عنه الماوردى لظاهر هذا الحديث في الأمر بالأكل مع قوله تعالى فكلوا منها الجمهور هذا الأمر على الندب أو الاباحة لا سيما وقد ورد بعد الحظر كقوله تعالى " حللتم فاصطادوا " وقد اختلف الأصوليون المتكلمون في الأمر الوارد بعد الحظر
[ 132 ]
فالجمهور من أصحاينا وغيرهم عل أنه للوجوب كما لو ورد ابتداء وقال جماعة منهم من أصحابنا وغيرهم أنه للاباحة قوله في حديث أبى بكر بن أبى شيبة عن على بن مسهر (قلت لعطاء قال جابر حتى جئنا المدينة قال نعم) ووقع في البخاري لابدل قوله هنا نعم فيحتمل أنه نسى وقت فقال لا وذكر في وقت فقال نعم قوله (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى) هكذا وقع في نسخ بلادنا سعيد عن قتادة عن أبى نضرة وكذا ذكره أبو على الغساني والقاضى عن نسخة الجلودى والكسائي قالا وفى نسخة ابن ماهان سعيد عن أبى نضرة من غير ذكر قتادة وكذا ذكره أبو مسعود الدمشقي في الاطراف وخلف الواسطي قال أبو على الغساني وهذا هو الصواب عندي والله أعلم قوله في طريق ابن أبى شيبة وابن المثنى (عن أبى نضرة عن أبى سعيد) هذا خلاف عادة مسلم في الاقتصار وكان مقتضى عادته حذف أبى سعيد في الطريق الأول ويقتصر على أبى نضرة ثم يقول ح ويتحول
[ 133 ]
فان مدار الطريقين على أبى نضرة والعبارة فيهما عن أبى سعيد الخدرى بلفظ واحد وكان ينبغى تركه في الأولى قوله (ان لهم عيالا وحشما وخدما) قال أهل اللغة الحشم بفتح الحاء والشين هم اللائذون بالانسان يخدمونه ويقومون بأموره وقال الجواهري هم خدم الرجل ومن يغضب له سموا بذلك لأنهم يغضبون له والحشمة الغضب ويطلق على الاستحياء أيضا ومنه قولهم فلان لا يحتشم أي لا يستحى يقال حشمته إذا أعضبته وإذا أخجلته فاستحى الخجلة وكأن الحشم أعم من الخدم فلهذا جمع بينهما في الحديث وهو من باب ذكر الخاص بعد العام والله أعلم قوله صلى الله أعلم (ان ذلك عام كان الناس فيه يجهد فأردت أن يفشو فيهم) هكذا هو في جميع نسخ مسلم يفشو بالفاء والشين أي يشيع لحم الأضاحى في الناس وينتفع به المحتاجون ووقع في البخاري يعينوا بالعين من الاعانة قال القاضى في شرح مسلم الذى في مسلم أشبه وقال في المشارق كلاهما صحيح والذى في البخاري أوجه والله أعلم والجهد هنا بفتح الجيم وهو المشقة والفاقة قوله (عن ثوبان قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 134 ]
ضحيته ثم قال يا ثوبان أصلح هذه فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة هذا فيه تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه وفيه أن الادخار والتزود في الأسفار لا يقدح في التوكل ولا يخرج صاحبه عن التوكل وفيه أن الضحية مشروعة للمسافر كما هي مشروعة للمقيم وهذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء وقال النخعي وأبو حنيفة لا ضحية على المسافر وروى هذا عن على رضى الله تعالى عنه وقال مالك وجماعة لاتشرع للمسافر بمنى ومكة قوله صلى الله عليه وسلم (نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ونهيتكم
[ 135 ]
عن لحوم الأضاحى فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا) هذا الحديث مما صرح فيه بالناسخ والمنسوخ جميعا قال العلماء يعرف نسخ الحديث تارة بنص كهذا وتارتة باخبار الصحابي ككان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار وتارة بالتاريخ إذا تعذر الجمع وتارة بالاجماع كترك قتل شارب الخمر في المرة الرابعة والاجماع لا ينسخ لكن يدل على وجود ناسخ أما زيارة القبور فسبق بيانها في كتاب الجنائز وأما الانتباذ في الأسقية فسبق شرحه في كتاب الايمان وسنعيده قريبا في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى ونذكر هناك اختلاف ألفاظ هذا الحديث وتأويل المؤول منها وأما لحوم الأضاحى فذكرنا حكمها والله أعلم باب الفرع والعتيرة قوله صلى الله عليه وسلم (لافرع ولاعتيرة) والفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه قال
[ 136 ]
أهل اللغة وغيرهم الفرع بفاء ثم راء مفتوحتين ثم عين مهملة ويقال فيه الفرعة بالهاء والعتيرة بعين مهملة مفتوحة ثم تاءمثناة من فوق قالوا والعتيرة ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية أيضا واتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا وأما الفرع فقد فسره هنا بأنه أول النتاج كانوا يذبحونه قال الشافعي وأصحابه وآخرون هو أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها وهكذا فسره كثيرون من أهل اللغة وغيرهم وقال كثيرون منهم هو أول النتاج كانوا يذبحونه لآلهتهم وهى طواغيتهم وكذا جاء في هذا التفسير في صحيح البخاري وسنن أبى داود وقيل هو أول النتاج لمن بلغت إبله مائة يذبحونه وقال شمر قال أبو مالك كان الرجل إذا بلغت إبله مائة قدم بكرا فنحره لصنمه ويسمونه الفرع وقد صحلأمر بالعتيرة والفرع في هذا الحديث وجاءت به أحاديث منها حديث نبيشة رضى الله عنه قال نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب قال اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا لله وأطعموا قال إنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية فما تأمرنا فقال في كل سائمة فرع تعدوه ما شيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة قال ابن المنذر هو حديث صحيح قال أبو قلابه أحد رواة هذا الحديث السائمة مائة ورواه البيهقى بإسناده الصحيح عن عائشة رضى الله عنها قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة وفى رواية من كل خمسين شاة شاة قال ابن المنذر حديث عائشة صحيح وفى سنن أبى داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال الراوى أراه عن جده قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرع قال الفرع حق وان تتوكوه حتى يكون بكرا أو ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه فيلزق لحمه بوبره وتكنأ إناؤك وتوله ناقتك قال أبو عبيد في تفسير هذا الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم الفرع حق ولكنهم كانوا يذبحونه حين يولد ولاشبع فيه ولهذا قال تذبحه فيلزق لحمه بوبره وفيه أن ذهاب ولدها يدفع لبنها ولهذا قال خير من أن تكفئ يعنى إذا فعلت ذلك فكأنك كفأت إنائك وأرقته وأشاربه الى ذهاب اللبن وفيه أنه يفجعها بولدها ولهذا قال وتوله
[ 137 ]
ناقتك فأشار بتركه حتى يكون ابن مخاض وهو ابن سنة ثم يذهب وقد طاب لحمه واستمتع بلبن أمه ولا تشق عليها مفارقته لأنه استغنى عنها هذا كلام أبى عبيدة وروى البيهقى بإسناده عن الحارث ابن عمر قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات أو قال بمني وسأله رجل عن العتيرة فقال من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع وعن أبى رزين قال يارسول الله إنا كنا نذبح في الجاهلية ذبائح في رجب فنأكل منها ونطعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بأس بذلك وعن أبى رملة عن مخنف بن سليم قال كنا وقوفا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات فسمعته يقول يا أيها الناس أن على أهل كل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدرى ما العتيرة هي التى تسمى الرجبية رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال الترمذي حديث حسين وقال الخطابى هذا الحديث ضعيف المخرج لأن أبا رملة مجهول هذا مختصر ما جاء من الأحاديث في الفرع والعتيرة قال الشافعي رضى الله عنه الفرع شئ كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم فكان أحدهم يذبح بكر ناقته أو شاته فلا يغذوه رجاء البركة فيما يأتي بعده فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال فرعوا إن شئتم أي اذبحوا إن شئتم كانوا يسألونه عما كانوا يصنعونه في الجاهلية خوفا أن يكره في الاسلام فاعلمهم أنه لاكراهة عليهم فيه وأمرهم استحبابا أن يعذوه ثم يحمل عليه في سبيل الله قال الشافعي وقوله صلى الله عليه وسلم الفرع حق معناه ليس بباطل وهو كلام عربي خرج على جواب السائل قال وقوله صلى الله عليه وسلم لافرع ولاعتيرة أي لافرع واجب ولاعتيرة واجبة قال والحديث الآخر يدل علي هذا المعنى فإنه أباح له الذبح واختار له أن يعطيه أرملة أو يحمل عليه في سبيل الله قال وقوله صلى الله عليه وسلم في العتيرة اذبحوا لله في أي شهر كان أي اذبحوا إن شئتم واجعلوا الذبح لله في أي شهر كان لاأنها في رجب دون غيره من الشهور والصحيح عند أصحابنا وهو نص الشافعي استحباب الفرع والعتيرة وأجابوا عن حديث لافرع ولاعتيرة بثلاثة أوجه أحدها جواب الشافعي السابق أن المراد نفى الوجوب والثانى أن المراد نفى ما كانوا يذبحون لأصنامهم والثالث أنهما ليسا كالأضحية في الاستحباب أو في ثواب إراقة الدم فأما تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة وقد نص الشافعي في سنن حرملة أنها ان تيسرت كل شهر كان حسنا هذا تلخيص حكمها في مذهبنا وادعى القاضى عياض أن جماهير العلماء على نسخ الأمر بالفرع والعتيرة والله أعلم
[ 138 ]
باب نهى من ذخل عليه عشر ذى الحجة وهو مريد التضحية (أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئا) قوله صلى الله عليه وسلم (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحى فلا يمس من شعره وبشره شيئا) وفى رواية فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا واختلف العلماء فيمن دخلت عليه عشر ذى الحجة وأراد أن يضحى فقال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود بعض أصحاب الشافعي أنه يحرم عليه أخذ شئ من شعره وأظفاره حتى يضحى في وقت الأضحية وقال الشافعي وأصحابه هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام وقال أبو حنيفة لا يكره وقال مالك في رواية لا يكره وفى رواية يكره وفى رواية يحرم في التطوع دون الواجب واحتج من حرم بهذه الأحاديث واحتج الشافعي والآخرون بحديث عائشة رضى الله عنها قالت كنت أفتل قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شئ أحله الله حتى ينحر هديه رواه البخاري ومسلم قال الشافعي البعث بالهدى أكثر من ارادة التضحية فدل على أنه لا يحرم ذلك وحمل أحاديث النهى على كراهة التنزيه قال أصحابنا والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهى عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره والمنع
[ 139 ]
من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك وسواء شعر الابط والشارب والعانة والرأس وغير ذلك من شعور بدنه قال إبراهيم المروزى وغيره من أصحابنا حكم أجزاء البدن كلها حكم الشعر والظفر ودليله الرواية السابقة فلا يمس من شعره وبشره شيئا قال أصحابنا والحكمة في النهى أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار وقيل والتشبه بالمحرم قال أصحابنا هذا غلط لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم قوله (عن عمر ابن مسلم عن سعيد بن المسيب) كذا رواه مسلم عمر بضم العين في كل هذه الطرق والاطريق حسن ابن على الحلواني ففيها عمرو بفتح العين والاطريق أحمد بن عبد الله بن الحكم ففيها عمرا أو عمر وقال العلماء الوجهان منقولان في اسمه قوله (عمار بن أكمية الليثى) بضم الهمزة وفتح الكاف واسكان الياء وآخره تاء تكتب هاء قوله صلى الله عليه وسلم (من كان له ذبح يذبحه) هو بكسر الذال أي حيوان يريد ذبحه فهو فعل بمعنى مفعول حكمل بمعنى محمول ومنه قوله تعالى
[ 140 ]
وفدينا بذبح قوله (كنا في الحمام قبيل الأضحي فأطلى فيه أناس فقال بعض أهل الحمام ان سعيد بن المسيب يكره هذا وينهى عنه فلقيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له فقال يا ابن أخى هذا حديث قد نسى وترك حدثتني أم سلمة وذكر حديثها السابق) أما قوله فأطلى فيه أناس فمعناه أزالوا شعر العانة بالنورة والحمام مذكر مشتق من الحميم وهو الماء الحار وقوله ان سعيدا يكره هذا يعنى يكره إزالة الشعر في عشر ذى الحجة لمن يريد التضحية لاأنه يكره مجرد الاطلاء ودليل ما ذكرناه احتجاجه بحديث أم سلمة وليس فيه ذكر الاطلاء انما فيه النهى عن ازالة الشعر وقد نقل ابن عبد البر عن ابن المسيب جواز الاطلاء في العشر بالنورة فإن صح هذا عنه فهو محمول على أنه أفتى به انسانا لا يريد التضحية قوله (عن عمر بن مسلم الجندعى) وفى الرواية السابقة قال الليثى الجندعى بضم الجيمم وإسكان النون وبفتح الدال وضمها وجندع بطن من بنى ليث وسبق بيانه أول الكتاب والله أعلم
[ 141 ]
باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله قوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله من لعن والده ولعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من آوى محدثا ولعن الله من غير منار الأرض) وفى رواية لعن الله من لعن والديه أما لعن الوالد والوالدة فمن الكبائر وسبق ذلك مشروحا واضحا في كتاب الايمان والمراد بمنار الأرض بفتح الميم علامات حدودها وأما المحدث بكسر الدال فهو من يأتي بفساد في الأرض وسبق شرحه في آخر كتاب الحج واما لذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح باسم غير الله تعالى كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لموسى أولعيسى صلى الله عليهما أو للكعبة ونحو ذلك فكل هذا حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا أو يهوديا نص عليه الشافعي واتفق عليه أصحابنا فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفرا فان كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا وذكر الشيخ ابراهيم المروزى من أصحابنا أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه أفتى أهل بخارة بتحريمه لأنه مما أهل به لغير الله تعالى قال الرافعى هذا إنما يذبحونه استبشارا بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة المولود ومثل هذا لا يوجب التحريم والله أعلم قوله (ان عليا غضب حين قال له رجل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر اليك الى آخره فيه إبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة والامامية من الوصية الى على وغير ذلك
[ 142 ]
من اختراعاتهم وفيه جواز كتابة العلم وهو مجمع عليه الآن وقد قدمنا ذكر المسألة في مواضع قوله (ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ لم يعم به الناس كافة الاما كان في قراب سيفى) هكذا تستعمل كافة حالا وأما ما يقع في كثير من كتب المصنفين من استعمالها مضافة وبالتعريف كقولهم هذا قول كافة العلماء ومذهب الكافة فهو خطأ معدود في لحن العوام وتحريفهم وقوله قراب سيفى هو بكسر القاف وهو وعاء من جلد ألطف من الجراب يدخل فيه السيف بغمده وما خف من الآلة والله أعلم
[ 143 ]
كتاب الأشربة باب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب (ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر قوله (أصبت شارفا) هي بالشين المعجمة وبالفاء وهى الناقة المسنة وجمعها شرف بضم الراء واسكانها قوله (أريد أن أحمل عليها اذخرا لأبيعه ومعنى صائغ من بنى قينعقاع فأستعين به على وليمة فاطمة) أما قينعقاع فبضم النون وكسرها وفتحها وهم طائفة من يهود المدينة فيجوز صرفه على ارادة الحى وترك صرفه على ارادة القبيلة أو الطائفة وفيه اتخاذ الوليمة للعرس سواء في ذلك من له مال كثير ومن دونه وقد سبقت المسألة في كتاب النكاح وفيه جواز الاستعانة في الاعمال والاكتساب باليهود وفيه جواز الاحتشاش للتكسب وبيعه وأنه لا ينقص المروءة وفيه جواز بيع الوقود للصواغين ومعاملتهم قوله (معه قينة تغنيه) القينة بفتتح القاف الجارية المغنية قوله (ألاياحمز للشرف النواء) الشرف بضم الشين والراء وتسكين الراء أيضا كما سبق جمع
[ 144 ]
شارف والنواء بكسر النون وتخفيف الواو وبالمد أي السمانجمع ناوية بالتخفيف وهى السمينة وقد نوت الناقة تنوى كرمت ترمى يقال لها ذلك إذا سميت هذا الذى ذكرناه في النواء أنها بكسر النون وبالمد هو الصواب المشهور في الروايات في الصحيحين وغيرهما ويقع في بعض النسخ النوى بالياء وهو تحريف وقال الخطابى رواه ابن جرير ذا الشرف النوى بفتح الشين والراء وبفتح النون مقصوراتان وفسره بالبعد قال الخطابى وكذا رواه أكثر المحقيقن قال وهو غلط في الرواية والتفسير وقد جاء في غير مسلم تمام هذا الشعر ألا يا حمز للشرف النواء * وهن معقلات بالفناء ضع السكين في اللبات منها * وضرجهن حمزة بالدماء وعجل من أطايبها لشرب * قديدا من طبيخ أو شواء قوله (فجب أسمنتهما) وفى الرواية الأخرى اجتب وفى رواية البخاري أجب وهذه غريبة في اللغة والمعنى قطع قوله (وبقر خواصرهما) أي شقها وهذا الفعل الذى جرى من حمزة رضى الله عنه من شربه الخمر وقطع أسنمة الناقتين وبقر خواصرهما وأكل لحمها وغير ذلك لااثم عليه في شئ منه أما أصل الشرب والسكر فكان مباحا لأنه قبل تحريم الخمر وأما ما قد يقوله بعض من لا تحصيل له أن السكر لم يزل محرما فباطل لاأصل له ولا يعرف أصلا وأما باقى الأمور فجرت منه في حال عدم التكليف فلا اثم عليه فيها كمن شرب دواء لحاجة فزال به عقله أو شرب شيئا يظنه خلا فكان خمرا أو أكراه على شرب الخمر فشربها وسكر فهو في حال السكر غير مكلف ولا اثم عليه فيما يقع منه في تلك الحال بلا خلا وأما غرامة ما أتلفه فيجب في ماله
[ 145 ]
فلعل عليا رضى الله عنه أبرأه من ذلك بعد معرفته بقيمة ما أتلفه أو أنه أداه إليه حمزة بعد ذلك أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أداه عنه لحرمته عنده وكمال حقه ومحبته اياه وقرابته وقد جاء في كتاب عمر بن شيبة من رواية أبى بكر بن عياش أن النبي صلى الله عليه وسلم غرم حمزة الناقتين وقد أجمع العلماء أن ما أتلفه السكران من الأموال يلزمه ضمانة كالمجنون فان الضمان لا يشترط فيه التكليف ولهذا أوجب اللهتعالى في كتابه في قتل الخطأ الدية والكفارة وأما هذا السنام المقطوع فإن لم سكن تقدم نحرهما فهو حرام باجماع المسلمين لأن ما أبين منحى فهو ميت وفيه حديث مشهور في كتب السنن ويحتمل أنه ذكاهما ويدل عليه الشعر الذى قدمناه فإن كان ذكاهما فلحمهما حلال باتفاق العلماء إلاما حكى عن عكرمة واسحاق وداود أنه لا يحل ما ذبحه سارق أو غاصب أو متعد والصواب الذى عليه الجمهور حله وان لم يكن ذكاهما وثبت أنه أكل منهما فهو أكل في حالة السكر المباح ولا اثم فيه كما سبق والله أعلم قوله (فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقهقر) وفى الرواية الأخرى فنكص على عقبيه القهقرى قال جمهور أهل اللغة وغيرهم القهقرى الرجوع الى وراء ووجهه اليك إذا ذهب عنك وقال أبو عمر وهو الاخصار في الرجوع أي الاسراع فعلى هذا معناه خرج مسرعا والأول هو المشهور المعروف وانما رجع القهقرى خوفا من أن يبدو من حمزة رضى الله تعالى
[ 146 ]
عنه امر يكرهه ولا مظهره لكونه مغلوبا بالسكر قوله (أردت أن أبيعه من الصواغين) هكذا هو في جميع نسخ مسلم وفى بعض الأبواب من البخاري من الصواغين ففيه دليل لصحة استعمال الفقهاء في قولهم بعت منه ثوبا وزوجت منه ووهبت منه جارية وشبه ذلك والفصيح حذف من فإن الفعل متعد بنفسه ولكن استعمال من في هذا صحيح وقد كثر ذلك في كلام العرب وقد جمعت من ذلك نظائر كثيرة في تهذيب اللغات في حرف الميم مع النون وتكون من زائد على مذهب الاخفش ومن وافقه في زيادتها في الواجب قوله (وشارفاى مناخان) هكذا في معظم النسخ مناخان وفى بعضها مناختان بزيادة التاء وكذلك اختلف فيه نسخ البخاري وهما صحيحان فأنث باعتبار المعنى وذكر باعتبار اللفظ قوله (فبينا أنا أجمع لشار في متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاى مناخان الى جنب حجرة رجل من الأنصار وجمعت حين جمعت ما فإذا جمعت شارفي قد اجتبت أسنمتهما) هكذا في بعض نسخ بلادنا ونقله القاضى عن أكثر نسخهم وسقطت لفظة وجمعت التى عقب قوله رجل من الأنصار من أكثر نسخ بلادنا ووقع في بعض النسخ حتى جمعت مكان حين جمعت قوله (فإذا شار في قد اجتببت أسنمتها) هكذا هو في معضم النسخ فإذا شارفي وفى بعضها فإذا شارفاى وهذا هو الصواب أو يقول فإذا شارفتاى إلا أن يقرأ فإذا شارفي بتخفيف الياء عى لفظ الافراد ويكون المراد جنس الشارف فيدخل فيه الشارفان والله أعلم قوله (فلم أملك عينى حين رأيت ذلك المنظر منهما) هذا البكاء والحزن الذى أصابه سببه ما خافه من تقصيره في حق فاطمة رضى الله عنها وجهازها والاهتمام بأمر تقصيره أيضا بذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن لمجرد الشارفين من حيث هما من متاع الدنيا بل لما قدمناه
[ 147 ]
والله أعلم قوله (هو في هذا البيت في شرب من الأنصار) والشرب بفتح الشين واسكان الراء وهم الجماعة الشاربون قوله (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه فارتداه) هكذا هو في النسخ كلها فارتداه وفيه جواز لباس الرداء وترحم له البخاري بابا وفيه أن الكبير إذا خرج من منزله تجمل بثيابه ولا يقتصر على ما يكون عليه في خلوته في بيته وهذا من المروءات والأداب المحبوبة قوله (فطفق يلوم حمزة) أي جعل يلومه يقال بسكر الفاء فتحها حكاه القاضى وغيره والمشهور الكسر وبه جاء القرآن قال الله تعالى " مسحا بالسوق والأعناق " ثمل) بفتح
[ 148 ]
الثاء المثلثة وكسر الميم أي سكران قوله (وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر) قال ابراهيم الحربى الفضيخ أن يفضخ البسر ويصب عليه الماء ويتركه حتى يغلى وقال أبو عبيد هو ما فضخ من البسر من غير أن تمسه نار فان كان معه تمر فهو خليط وفى هذه الأحاديث التى ذكرها مسلم تصريح بتحريم جميع الأنبذة المسكرة وأنها كلها تسمى خمرا وسواء في ذلك الفضيخ ونبيذ التمر والرطب والبسر والزبيب والشعير والذرة والعسل وغيرهما وكلها محرمة وتسمى خمرا هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد والجماهير من السلف والخلف وقال قوم من أهل البصرة انما يحرم عصير العنب ونقيع الزبيب النئ فأما المطبوخ منهما والنئ والمطبوخ مما سواهما فحلال ما لم يشرب ويسكر وقال أبو حنيفة انما يحرم عصير ثمرات النخل والعنب قال فسلافة العنب يحرم قليلها وكثيرها إلا أن يطبخ حتى ينقص ثلثاها وأما نقيع التمر والزبيب فقال يحل مطبوخهما وان وان مسته النار شيئا قليلا من غير اعتبار لحد كما اعتبر في سلافة العنب قال والنئ منه حرام قال ولكنه لا يحد شاربه هذا كله ما لم يشرب ويسكر فان أسكر فهو حرام باجماع المسلمين واحتج الجمهور بالقرآن والسنة أما القرآن فهو أن الله تعالى نبه على أن علة تحريم الخمر كونها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهذه العلة موجودة في جميع المسكرات فوجب طرد الحكم في الجميع فان قيل انما يحصل هذا المعنى في الاسكار وذلك مجمع على تحريمه قلنا قد أجمعوا على تحريم عصير العنب وان لم
[ 149 ]
يسكر وقد علل الله سبحانه وتعالى تحريمه كما سبق فإذ كان ما سواه في معناه وجب طرد الحكم في الجميع ويكون التحريم للجنس المسكر وعلل بما يحصل من الجنس في العادة قال المازنى هذا الاستدلال آكد من كل ما يستدل به في هذه المسألة قال ولنا في الاستدال طريق آخر وهو أن يقول إذا شرب سلافة العنب عند اعتصارها وهى حلوة لم تسكر فهى حلال بالاجماع وان اشتدت وأسكرت حرمت بالاجماع فان تخللت من غير تخليل آدمى حلت فنظرنا الى مستبدل هذه الأحكام وتجديدها عند تجدد الصفات وتبدلها فأشعرنا ذلك بارتباط هذه الأحكام بهذه الصفة وقام ذلك مقام التصريح بذلك بالنطق فوجب جعل الجميع سواء في الحكم وأن الاسكار هو علة التحريم هذه إحدى الطريقتين في الاستدلال لمذهب الجمهور والثانية الأحاديث الصحيحة الكثيرة التى ذكرها مسلم وغيره كقوله صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام وقوله نهى عن كل مسكر وحديث كل مسكر خمر وحديث ابن عمر رضى الله عنهما الذى ذكره مسلم هنا في آخر كتاب الأشربة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام وفى رواية له كل مسكر خمر وكل خمر حرام وحديث النهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة والله أعلم قوله
[ 150 ]
في حديث أنس (أنهم أراقوها بحبر الرجل الواحد) فيه العمل بخبر الواحد وأن هذا كان معروفا عندهم قوله (فجرت في سكك المدينة) أي طرقها وفى هذه الأحاديث أنها لا تطهر بالتخليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وجوزه أبو حنيفة وفيه أنه لا يجوز امساكها وقد اتفق عليه الجمهور قوله (انى لقائم أسقيهم وأنا أصغرهم) فيه أنه يستحب لصغير السن خدمة الكبار هذا إذا
[ 151 ]
تتساووا في الفضل أو تقاربوا قوله (فقمت الى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت) المهراس بكسر الميم وهو حجر منقور وهذا الكسر محمول على أنهم ظنوا أنه يجب كسرها واتلافها كما يجب اتلاف الخمر وان لم يكن في نفس الأمر هذا واجبا فلما ظنوه كسروها ولهذا لم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وعذرهم لعدم معرفتهم الحكم وهو غسلها من غير كسر وهكذا الحكم اليوم في أواني الخمر وجميع ظروفه سواء الفخار والزجاج والنحاس والحديد والخشب والجلود فكلها تطهر بالغسل ولايجوز كسرها
[ 152 ]
باب تحريم تخليل الخمر قوله (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلافقال لا) هذا دليل الشافعي والجمهور أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل هذا إذا خللها بخبز أو بصل أو خميرة أو غير ذلك مما يلقى فيها فهى باقية على نجاستها وينجس ما ألقى فيها ولا يطهر هذا الخل بعده أبدا لا بغسل ولا بغيره أما إذا نقلت من الشمس الى الظل أو من الظل الى الشمس في طهارتها وجهان لأصحابنا أصحهما تطهر هذا الذى ذكرناه من أنها لا تطهر إذا خللت بالقاء شئ فيها هو مذهب الشافعي وأحمد والجمهور وقال الأوزاعي والليث وأبو حنيفة تطهر وعن مالك ثلاث روايات أصحها عنه أن التخليل حرام فلو خللها عصى وطهرت والثانية حرام ولا تطهر والثالثة حلال وتطهر وأجمعوا أنها إذا انقلبت بنفسها خلا طهرت وقد حكى عن سحنون المالكى أنها لا تطهر فان صح عنه فهو محجوج باجماع من قبله والله أعلم باب تحريم التداوى بالخمر وبيان أنها ليست بدواء قوله طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهى أو كره أن يصنعها
[ 153 ]
فقال انما أصنعها للدواء فقال انه ليس بدواء ولكنه داء) هذا دليل لتحريم اتخاذ الخمر وتخليلها وفيه التصريح بأنها ليست بدواء فيحرم التداوى بها لأنها ليست بدواء فكأنه يتناولها بلا سبب وهذا هو الصحيح عند أصحابنا أنه يحرم التداوى بها وكذا يحرم شربها للعطش وأما إذا غص بلقمة ولم يجد ما يسيغها به إلا خمرا فليلزمه الاساغة بها لأن حصول الشفاء بها حينئذ مقطوع به بخلاف التداوى والله أعلم باب بيان أن جميع ما ينبذ مما يتخذ (من النخل والعنب يسمى خمرا قوله لصلى الله عليه وسلم (الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة) وفى رواية الكرمة والنخلة وفى رواية الكرم والنخل هذا دليل على أن الأنبذة المتخذة من التمر والزهور والزبيب وغيرها تسمى خمرا وهى حرام إذا كانت مسكرة وهو مذهب الجمهور كما سبق وليس فيه نفى الخمرية عن نبيذ الذرة والعسل والشعير وغير ذلك فقد ثبت في تلك الألفاظ أحاديث صحيحة بأنها
[ 154 ]
كلها خمر وحرام ووقع في هذا الحديث تسمية العنب كرما وثبت في الصحيح النهى عنه فيحتمل أن هذا الاستعمال كان قبل النهى ويحتمل أنه استعمله بيانا للجواز وأن النهى عنه ليس للتحريم بل لكراهة التنزيه ويحتمل أنهم خوطبوا به للتعريف لأنه المعروف في لسانهم الغالب في استعمالهم باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين قوله (ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلط التمر والزبيب والبسر والتمر) وفى رواية نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعا وفى رواية لا تجتمعوا بين الرطب والبسر وبين الزبيب والتمر بنبذ وفى رواية من شرب النبيذ منكم فليشربه زبيبا فردا أوتمرا فردا أو بسرافردا وفى رواية لا تنبذوا الزهور والرطب جميعا هذه الأحاديث في النهى عن انتباذ الخليطين وشربهما وهما تمر وزبيب أو تمر ورطب أو تمر وبسر أو رطب وبسر أو زهور وواحد من هذه المذكورات ونحو ذلك قال أصحابنا وغيرهم من العلماء سبب الكراهة فيه أن الاسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه فيظن الشارب أنه ليس مسكرا ويكون مسكرا ومذهبنا ومذهب الجمهور أن هذا النهى لكراهة التنزيه ولا يحرم ذلك ما لم يصر مسكرا وبهذا قال جماهير العلماء وقال بعض المالكية هو حرام وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية عنه لاكراهة فيه ولا بأس به لأن ما حل مفردا حل مخلوطا وأنكر عليه الجمهور وقالوا منابذة
[ 155 ]
لصاحب الشرع فقد ثبثت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهى عنه فان لم يكن حراما كان مكروها واختلف أصحاب مالك في أن النهى هل يختص بالشرب أن يعمه وغيره والأصح
[ 156 ]
التعميم وأما خلطهما في الانتباذ بل في معجون وغيره فلا بأس به والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (لا تنتبذوا الزهو) هو بفتح الزاى وضمها لغتان مشهورتان قال الجوهرى أهل الحجاز يضمون والزهو هو البسر الملون الذى بدا فيه حمرة أو صفرة وطاب وزهت النخل تزهو زهوا وأزهت تزهى وأنكر الأصمعى أزهت بالألف وأنكر غيره زهت بلا ألف وأثبتهما الجمهور
[ 157 ]
ورجحوا زهت بحذف الألف وقال ابن الأعرابي زهت ظهرت وأزهت احمرت أو اصفرت والأكثرون على خلافة قوله (وهو أبو كثير الغبرى) بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة قوله (كتب الى أهل جرش) بضم الجيم وفتح الراء وهو بلد باليمن
[ 158 ]
باب النهى عن الانتباذ في المزفت والدباء والحتنم والنقير (وبيان أنه منسوخ وأنه اليوم حلال ما لم يصر مسكرا هذا الباب قد سبق شرحه وبيان هذه الألفاظ وحكم الانتباذ وذكرنا أنه منسوخ عندنا وعند جماهير العلماء وأوضحنا كل ما يتعلق به في أول كتاب الايمان في حديث وفد عبد القيس ولا نعيد هنا الاهنا الا ما يحتاج إليه مع ما لم يسبق هناك ومختصر القول فيه أنه كان
[ 159 ]
الانتباذ في هذه الأوعية منهيا عنه في أول الاسلام خوفا من أن يصير مسكرا فيها ولا نعلم به لكشافتها فتتلف ماليته وربما شربه الانسان ظانا أنه لم يصر مسكرا فيصير شاربا للمسكر وكان العهد قريبا بإباحة المسكر فلما طال الزمان واشتهر تحريم المسكر وتقرر ذلك في نفوسهم نسخ ذلك وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط أن لا تشربوا مسكرا وهذا صريح قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة المذكور في آخر هذه الأحاديث (كنت نهيتكم عن الانتباذ الافى سقاء فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا) قوله في حديث نصر بن على الجهضمى (أنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير والحنتم المزادة المحبوبة ولكن اشرب في سقائك وأوكه) هكذا هو في جميع النسخ ببلادنا والحنتم المزادة المحبوبة وكذا نقله القاضى عن جماهير رواة صحيح مسلم ومعظم النسخ قال ووقع في بعض النسخ والحنتم والمزادة المحبوبة قال وهذا هو الصواب والأولى تغيير ووهم قال وكذا ذكره النسائي وعن الحنتم وعن المزادة المحبوبة وفى سنن أبى داود والحنتم والدباء والمزادة المحبوبة قال وضبطناه في جميع هذه الكتب المحبوبة بالجيم وبالباء الموحدة المكررة قال ورواه بعضهم المخنوثة بخاء معجمة ثم نون وبعد الواو ثاء مثلثة كأنه أخذه من اختناث الأسقية المذكورة في حديث آخر وهذه الرواية ليست بشئ والصواب الأول أنها بالجيم قال ابراهيم الحربى وثابت هي التى قطع رأسها فصارت كهيئة الدن وأصل الجب القطع وقيل هي التى قطع رأسها وليست لها عزلاء من أسفلها يتنفس الشراب منها فيصير شرابها مسكرا ولا يدرى به قوله صلى الله عليه وسلم (ولكن اشرب في سقائك وأوكه)
[ 160 ]
قال العلماء معناه أن السقاء إذا أوكى أمنت مفسدة الاسكان لأنه متى تغير نبيذه واشتد وصار مسكرا شق الجلد الموكى فما لم يشقه لا يكون مسكرا بخلاف الدباء والحنتم والمزادة المجبوبة والمزفت وغيرها من الأوعية الكثيفة فانه قد يصير فيها مسكرا ولا يعلم قوله (حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا القاسم يعنى ابن الفضل) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا الفضل بغير ميم وكذا نقله القاضى عن معظم نسخ بلادهم وهو الصواب ووقع في بعض نسخ المغاربة المفضل بالميم وهو خطأ
[ 161 ]
صريح وقد ذكره مسلم بعد هذا في باب الانتباذ للنبى صلى الله عليه وسلم على الصواب
[ 162 ]
باتفاق نسخ الجميع قوله (حدثنا محمد بن المثنى وذكر الاسناد الثاني الى شعبة عن يحيى أبى عمر البهرانى) هكذا هو في معظم نسخ بلادنا يحيى أبى عمر بالكنية وهو الصواب وذكر القاضى أنه وقع لجميع شيوخهم يحيى بن عمر بالباء والنون نسبة قال ولبعضهم يحيى بن أبى عمر قال وكلاهما وهم وانما هو يحيى بن عبيد أبو عمر البهرانى وكذا جاء بعد هذا في باب الانتباذ للنبى صلى الله عليه وسلم على الصواب قوله (نهى عن الجر) هو بمعنى الجرار الواحدة جرة وهذا يدخل فيه جميع أنواع الجرار من الحنتم وغيره وهو منسوخ كما سبق
[ 163 ]
قوله (قلت يعنى لابن عباس وأى شئ نبيذ الجر فقال كل شئ يصنع من المدر) هذا تصريح من ابن عباس بأن الجر يدخل فيه جميع أنواع الجرار المتخذة من المدر الذى هو التراب
[ 165 ]
قوله (ونهى عن النقير وهى النخلة تنسح نسحا أو تنقر نقرا) هكذا هو في معظم الروايات والنسخ بسين وحاء مهملتين أي تقشر ثم نتقر فتصير نقيرا ووقع لبعض الرواة في بعض نسخ تنسج بالجيم قال القاضى وغيره هو تصحيف وادعى بعض المتأخرين أنه وقع في نسخ صحيح مسلم وفى الترمذي بالجيم وليس كما قال بل معظم نسخ مسلم بالحاء قوله (أخبرنا عبد الخالق بن سلمة) هو بفتح اللام وكسرها سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح
[ 166 ]
قوله (ينبذ له في نور من حجارة) هو بالتاء المثناة فوق وفى الرواية الأخرى تور من برام وهو بمعنى قوله من حجارة وهو قدح كبير كالقدر يتخذ تارة من الحجارة وتارة من النحاس وغيره قوله في هذه الأحاديث أن النبي ص = كان ينبذ له في تور من حجارة فيه التصريح بنسخ النهى عن الانتباذ في الأوعية الكثيفة كالدباء والحنتم والنقير وغيرها لأن تور الحجارة أكثف من هذه كلها وأولى بالنهي منها فلما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم انتبذ له فيه دل على النسخ
[ 167 ]
وهو موافق لحديث بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم كنت نهتكم الى آخره وقد ذكرناه في أول الباب قوله صلى الله عليه وسلم (نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا) وفى الرواية الثانية نهيتكم عن الظروف أو ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه وكل مسكر حرام وفى الرواية الثالثة كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا قال القاضى هذه الرواية الثانية فيها تغيير من بعض الرواة وصوابه كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فحذف لفظة إلا التى للاستثناء ولابد منها قال والرواية الأولى فيها تغيير أيضا وصوابها فاشربوا في الأوعية كلها لأن الأسقية وظروف الأدم لم تزل مباحة مأذونا فيها وانما نهى عن غيرها من
[ 168 ]
الأوعية كما قال في الرواية الأولى كنت نهيتكم عن الانتباذ الافى سقاء فالحاصل أن صواب الروايتين كنت نهيتكم عن الانتباذ الافى سقاء فانتبذوا واشربوا في كل وعاء وما سوى هذا تغيير من الرواة والله أعلم قوله (عن معرف بن واصل) هو بكسر الراء على المشهور ويقال بفتحها حكاه صاحب المشارق والمطالع ويقال فيه معروف قوله (عن أبى عياض عند عبد الله بن عمرو قال لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيذ) الحديث هكذا هو في النسخ المعتمدة ببلادنا ومعظم النسخ عن عبد الله بن عمرو وبفتح العين من عمرو بواو في الخط وهو ابن عمرو بن العاص ووقع في بعضها ابن عمر بضم العين يعنى ابن الخطاب وذكر القاضى أن نسخهم أيضا اختلفت فيهم وأن أبا على الغساني قال المحفوظ ابن عمرو بن العاص وقد ذكره الحميدى صاحب ابن عيينة وابن أبى شيبة كلاهما عن سفيان بن عيينة في مسند ابن عمرو بن العاص وكذا ذكره البخاري وأبو داود وكذا ذكره الحميدى في الجمع بين الصحيحين ونسبه الى رواية البخاري ومسلم وكذا ذكره جمهور المحدثين وهو الصحيح والله أعلم قوله (لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيذ في الأوعية قالوا ليس كل الناس يجد فأرخص لهم في الجر غير المزفت) هكذا هو في مسلم عن النبيذ في الأوعية وهو الصواب ووقع في غير مسلم عن النبيذ في الأسقية وكذا نقله الحميدى في الجمع بين الصحيحين عن رواية على المدينى
[ 169 ]
عن سفيان بن عيينة قال الحميدى ولعله نقص منه فيكون عن النبيذ إلا في الأسقية قال وفى رواية عبد الله بن محمد وأبى بكربن أبى شيبة ومحمد بن أبى عمر عن سفيان عن النبيذ في الأوعية وأما قوله (ليس كل الناس يجد) فمعناه يجد أسقية الأدم وأما قوله (فرخص لهم في الجر غير المزفت) فمحمول على أنه رخص فيه أولاثم رخص في جميع الأوعية في حديث بريدة وغيره والله أعلم باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام قد سبق مقصود هذا الباب وذكرنا دلائله في الباب الأول مع مذاهب لناس فيه وهذه الأحاديث المذكورة هنا صريحة في ان كل مسكر فهو حرام وهو خمر واتفق أصحابنا على تسمية جميع هذه الأنبذة خمرا لكن قال أكثرهم هو مجاز وانما حقيقة الخمر عصير العنب وقال جماعة منهم هو حقيقة لظاهر الأحاديث والله أعلم قوله (سئل عن البتع) هو بباء موحدة مكسورة ثم تاء مثناة فوق ساكنة ثم عين مهملة وهو نبيذ العسل وهو شراب أهل اليمن قال الجوهرى ويقال أيضا بفتح التاء المثناة كقمع وقمع قوله (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام) هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وفيه أنه يستحب للمفتي إذا رأى بالسائل حاجة الى غير ما سأل أن يضمه في الجواب الى المسئول عنه نظير هذا
[ 170 ]
الحديث حديث هو الطهور ماؤه الحل ميتته قوله (ان شرابا يقال له المزر من الشعير) هو بكسر الميم ويكون من الذرة ومن الشعير ومن الحنطة قوله (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى جوامع الكلم بخواتمه) أي ايجاز اللفظ مع تناوله المعاني الكثيرة جدا وقوله (بخواتمه) أي كأنه يختم على المعاني الكثيرة التى تضمنها اللفظ اليسير فلا يخرج منها شئ عن طالبه ومستنبطه لعذوبة لفظه وجزالته قوله (يطبخ حتى يعقد) هو بفتح الياء كسر القاف يقال عقد العسل ونحوه وأعقدته قوله (حدثنا محمد بن عباد حدثنا سفيان عن عمرو سمعه من سعيد بن أبى بردة) هذا الاسناد استدركه الدارقطني وقال لم بتابع ابن عباد على هذا قال ولا يصح
[ 171 ]
هذا عن عمرو بن دينار قال وقد روى عن ابن عيينة عن مسعر ولم يثبت ولم يخرجه البخاري
[ 172 ]
من رواية ابن والله أعلم
[ 173 ]
باب عقوبة من شرب الخمر إذا لم يتب منها بمنعه إياها في الآخرة قوله صلى الله عليه وسلم (من شرب الخمر في الدنيا لم شربها في الآخرة إلا أن يتوب) وفى رواية حرمها في الآخرة معناه أنه يحرم شربها في الجنة وان دخلها فإنها من فاخر شراب الجنة فيمنعها هذا العاصى بشرابها في الدنيا قيل انه ينس شهوتها لأن الجنة فيها كل ما يشتهى وقيل لا يشتهيها وان ذكرها ويكون هذا نقص نعيم في حقه تمييزا بينه وبين تارك شربها وفى هذا الحديث دليل على أن التوبة تكفر المعاصي الكبائر وهو مجمع عليه واختلف متكلموا أهل السنة في أن تكفيرها قطعي أو ظنى وهو الأقوى والله أعلم باب إباحة النبيذ الذى لم يشتد ولم يصر مسكرا فيه ابن عباس رضى الله تعالى عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ له أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التى تجئ والغد والليلة الأخرى والغد الى العصر فإن بقى شئ سقاه الخادم أو أمر به فصب) والأحاديث الباقية بمعناه في هذه الأحاديث دلالة على جواز
[ 174 ]
الانتباذ وجواز شرب النبيذ مادام حلواكم يتغير ولم يغل وهذا جائز باجماع الأمة وأما سقيه الخادم بعد الثلاث وصه فلأنه لا يؤمن بعد الثلاث تغيره وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتنزه عنه بعد الثلاث قوله (سقاه الخادم أو صبه) معناه تارة يسقيه الخادم وتارة يصبه وذلك الاختلاف لاختلاف حال النبيذ فان كان لم يظهر فيه تغير ونحوه من مبادئ الاسكار سقاه الخادم ولا يريقه لأنه مال تحرم إضاعته ويترك شربه تنزها وان كان قد ظهر فيه شئ من مبادئ الاسكار والتغير أراقه لأنه إذا أسكر صار حراما ونجسا فيراق ولا يسقيه الخادم لأن المسكر لا يجوز سقيه الخادم كما لا يجوز شربه وأما شربه صلى الله عليه وسلم قبل الثلاث فكان حيث لا تغير ولا مبادئ تغير ولاشك أصلا والله أعلم وأما قوله في حديث عائشة (ينبذ غدوة فيشربه عشاء وينبذ عشاء فيشربه غدوة) فليس مخالفا لحديث ابن عباس في الشرب الى ثلاث لأن الشرب في يوم لايمنع الزيدة وقال بعضهم لعل حديث عائشة كان زمن الحر وحيث يخشى فساده في الزيادة على يوم وحديث ابن عباس في زمن يؤمن فيه التغير قبل الثلاث وقيل حديث عائشة محمول على نبيذ قليل يفرغ في يومه وحديث ابن عباس في كثير لا يفرغ فيه والله أعلم قوله (فإن فضل منه شئ) يقال بفتح الضاد وكسرها وقد سبق بيانه مرات
[ 175 ]
قوله (الى مساء الثالثة) يقال بضم الميم وكسرها لغتان الضم أرجح قوله (عن زيد عن يحيى النخعي) زيد هو ابن أبى أنيسة ويحيى النخعي هو يحيى البهرانى المذكور في الرواية السابقة يقال له البهرانى النخعي الكوفى قوله (حدثنا القاسم يعنى ابن الفضل الحدانى) هو بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين وهو منسوب الى بنى حدان ولم يكن من أنفسهم بل كان نازلا فيهم وهو من بنى
[ 176 ]
الحارث بن مالك قولها (وأوكيه) أي أشده بالوكاء وهوالخيط الذى يشد به رأس القربة قوله (عن الحسن عن أمه) هو الحسن البصري وأمه اسمها خيرة وكانت مولاة لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها ابناها الحسن وسعيد قولها (في سقاء يوكأ) هذا مما رأيته يكتب ويضبط فاسدا وصوابه يوكى بالياء غير مهموز ولا حاجة الى ذكر وجوه الفساد التى قد يوجد عليها قولها (وله عزلاء) هي بفتح العين المهملة واسكان الزاى وبالمد وهو الثقب الذى يكون في أسفل المزادة والقربة قولها (فيشربه عشاء) هو بكسر العين وفتح الشين وبالمد وضبطه بعضهم عشيا بفتح العين وكسر الشين وزيادة ياء مشددة قوله (أنقعت له تمرات في تور) هكذا هو في الأصول أنقعت وهو صحيح يقال أنقعت ونقعت وأما التور فهو بفتح التاء المثناة فوق وهو اناء من الصفر أو حجارة ونحوهما كالاجانة وقد يتوضأ منه قوله (عن سهل بن سعد رضى الله عنه قال دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه فكانت امرأته يومئذ خادمتهم وهى العروس قال سهل تدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم انقعت له تمرات من الليل في
[ 177 ]
تور فلما زكل سقته اياه) هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب ويبعد حمله على أنها كانت مستورة البشرة وأبو أسيد بضم الهمزة واسمه مالك تقدم ذكره قوله (أماثته فسقته تخصه بذلك) هكذا ضبطناه وكذا هو في الاصول بلادنا أماثته بمثلثة ثم مثناة فوق يقال مائة وأمائه لغتان مشهورتان وقد غلط من أنكر أماثه ومعناه عركته واستخرجت قوته وأذابته ومنهم من يقول أي لينته وهو محمول على معنى الأول وحكى القاضى عياض أن بعضهم رواه أماثته بتكرير المثناة وهو بمعنى الأول وقوله تخصه كذا هو في صحيح مسلم تخصه من التخصيص وكذا روى في صحيح البخاري ورواه بعض رواة البخاري تتحفه من الاتحاف وهو بمعناه يقال أتحفته به إذا خصصته وأطرفته وفى هذا جواز تخصيص صاحب الطعام بعض الحاضرين يفاخر من الطعام والشراب إذا لم يتأذ الباقون لايثارهم المخصص لعلمه أو صلاحه أو شرفه أوغير ذلك كما كان الحاضرون هناك يؤثرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسرون باكرامه ويفرحون بما جرى وانما شربه النبي صلى الله عليه وسلم لعلتين إحدهما اكرام صاحب الشراب واجابته التى
[ 178 ]
لا مفسدة فيها وفى تركها كسر قلبه والثانية بيان الجواز والله أعلم قوله في أجم بنى ساعدة) هو بضم الهمزة والجيم وهو الحصن وجمعه آجام بالمد كعنق وأعناق قال أهل اللغة الآجام الحصون قوله (فإذا امرأة منكسة رأسها) يقال نكس رأسه بالتخفيف فهو ناكس ونكس بالتشديد فهو منكس إذا طأطأه وقوله صلى الله عليه وسلم (أعذتك منى) معناه تركتك وتركه صلى الله عليه وسلم تزوجها لأنها لم تعجبه إما لصورتها وإما لخلقها واما لغير ذلك وفيه دليل على جواز نظر الخاطب الى من يريد نكاحها وفى الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من استعاذكم بالله فأعيذوه فلما استعاذت بالله تعالى لم يجد النبي صلى الله عليه وسلم بدا من اعاذتها وتركها ثم إذا ترك شيئا لله تعالى لا يعود فيه والله أعلم قوله (فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا منه قال ثم استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز فوهبه له) يعنى القدح الذى شرب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فيه التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وما مسه أو لبسه أو كان منه فيه سبب وهذا نحو ما أجمعوا عليه وأطبق السلف والخلف عليه من التبرك بالصلاة في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الروضة الكريمة ودخول الغار الذى دخله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من هذا اعطاؤه صلى الله عليه وسلم أبا طلحة شعره ليقسمه بين الناس واعطاؤه صلى الله عليه وسلم حقوه
[ 179 ]
لتكفن فيه بنته رضى الله عنها وجعله الجريدتين على القبرين وجمعت بنت ملحان عرقه صلى الله عليه وسلم وتمسحوا بوضوئه صلى الله عليه وسلم ودلكوا وجوههم بنخامته صلى الله عليه وسلم وأشباه هذه كثيرة مشهورة في الصحيح وكل ذلك واضح لاشك فيه قوله (سبقت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحى هذا الشراب كله العسل والنبيذ والماء واللبن) المراد بالنبيذ ههنا ما سبق تفسيره في أحاديث الباب وهو ما لم ينته الى حد الاسكار وهذا متعين لقوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث السابقة كل مسكر حرام والله أعلم باب جواز شرب اللبن فيه أبو بكر الصديق رضى الله عنه (قال لما خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة مررنا براع وقد عطش رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبت له كثبة من لبن فأتيته بها فشرب حتى رضيت) وفيه الرواية الأخرى وحديث أبى هريرة الكثبة بضم الكاف واسكان الثاء المثلثة وبعدها موحدة وهو الشئ القليل وقوله فشرب حتى رضيت معناه شرب حتى علمت أنه شرب حاجته وكفايته وقوله
[ 180 ]
مررنا براعى هكذا هو في الأصول براعى بالياء وهى لغة قليلة والأشهر براع وأما شربه صلى الله عليه وسلم من هذا اللبن وليس صاحبه حاضرا لأنه كان راعيا لرجل من أهل المدينة كما جاء في الرواية الأخرى وقد ذكرها مسلم في آخر الكتاب ولمراد بالمدينة هنا مكة وفى رواية لرجل من قريش فالجواب عنه من أوجه أحدهما أن هذا كان رجلا حربيا لاأمان له فيجوز لاستيلاء على ماله والثانى يحتمل أنه كان رجلا يدل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولايكره شربه صلى الله عليه وسلم من لبنه والثالث لعله كان في عرفهم مما يتسامحون به لكا أحد ويأذنون لرعاتهم لسيقوا من يمر بهم والرابع أنه كان مضطرا قوله (سراقة ابن مالك بن جعشم) هو بضم الجيم والشين المعجمة واسكان العين بينهما ويقال بفتح الشين حكاه الجوهرى في الصحاح عن الفراء والصحيح المشهور ضمها قوله (فساخت فرسه) هو بالسين المهملة والخاء المعجمة ومعناه نزلت في الأرض وقبضتها الأرض وكان في جلد من الأرض كما جاء في الرواية الأخرى وقوله (فقال ادعوا الله لى ولا أضرك فدعا له) هكذا وقع في بعض الأصول ادعو الله لفظ التثنية للنبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر رضى الله عنه وفى بعضها ادع بلفظ الواحد وكلاهما ظاهر وقوله فدعا له ثمامة فانطلق كما جاء في غير هذا الرواية وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (ان
[ 181 ]
النبي صلى الله عليه وسلم أتى ليلة أسرى به بايلياء بقدحين من خمر ولبن فنظر اليهما فأخذ اللبن فقال له جبريل الحمد لله الذى هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك) قوله بايلياء هو بيت المقدس وهو بالمد ويقال إلياء بحذف الياء الأولى وقد سبق بيانه وفى هذا الرواية محذوف تقديره أتى بقدحين فقيل له اختر أيهما شئت كما جاء مصرحا به في البخاري وقد ذكره مسلم في كتاب الايمان في أول الكتاب فألهمه الله تعالى اختيار اللبن لما أراده سبحانه وتعالى من توفيق هذه الأمة واللطف بها فلله الحمد والمنة وقول جبريل عليه والسلام أصبت الفطرة قيل في معناه أقوال المختار منها أن الله تعالى أعلم جبريل أن النبي صلى الله عليه وسلم ان اختار اللبن كان كذا وان اختار الخمر كان كذا وأما الفطرة فالمراد بها هنا الاسلام والاستقامة وقد
[ 182 ]
قدمنا شرح هذا كله وبيان الفطرة وسبب اختيار اللبن في أول الكتاب في باب الاسراء من كتاب الايمان وقوله الحمد لله فيه استحباب حمد الله عند تجدد النعم وحصول ما كان الانسان يتوقع حصوله واندفاع ماكان يخاف وقوعه قوله غوت أمتك معناه ضلت وانهمكت في الشر والله أعلم باب استحباب تخمير الاناء وهو تغطيته وإيكاء السقاء (وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله تعالى عليها وإطفاء السراج (والنار عند النوم وكف الصبيان والمواشى بعد المغرب فيه أبو حميد رضى الله عنه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن من النقيع ليس مخمرا فقال ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا وفيه الأحاديث الباقية بما ترجمنا عليه قوله (من النقيع روى بالنون والياء حكاهما القاضى عياض والصحيح الأشهر الذى قاله الخطابى والأكثرون بالنون وهو موضع بوادي العقيق وهو الذى حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله (وليس مخمرا) أي ليس مغطى والتخمير التغطية ومنه الخمر لتغطيتها على العقل وخمار المرأة لتغطية رأسها وقوله صلى الله عليه وسلم (ولو تعرض عليه عودا) المشهور في ضبطه تعرض بفتح التاء وضم الراء وهكذا قال الأصمعى والجمهور ورواه أبو عبيد بكسر الراء والصحيح الأول ومعناه تمده عليه عرضا أي خلاف الطول وهذا عند عدم ما يغطيه به كما ذكره في الرواية بعده ان لم يجد أحدكم الا أن
[ 183 ]
يعرض على إنائه عودا أو يذكر اسم الله فليفعل فهذا ظاهر في أنه إنما يقتصر على العود عند عدم ما يغطيه به وذكر العلماء للأمر بالتغطية وفوائد منها الفائدتان اللتان وردتا في هذه الأحاديث وهما صيانته من الشيطان فإن الشيطان لا يكشف غطاء ولا يحل سقاء وصيانته من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة والفائدة الثالثة صيانته من النجاسة والمقذرات والرابعة صيانته من الحشرات والهوام فربما وقع شئ منها فيه فشربه وهو غافل أو في الليل فيتضر ربه والله أعلم قوله (قال أبو حميد وهو الساعدي راوي هذا الحديث إنما أمر بالأسقية أن توكأ ليلا وبالأبواب أن تغلق ليلا) هذا الذى قاله أبو حميد من تخصيصها بالليل ليس في اللفظ ما يدل عليه والمختار عند الأكثرين من الأصوليين وهو مذهب الشافعي وغيره رضى الله عنهم أن تفسير الصحابي إذا كان خلاف ظاهر اللفظ ليس بحجة ولا يلزم غيره من المجتهدين موافقته على تفسيره وأما إذا لم يكن في ظاهر الحديث ما يخالفه بأن كان مجملا فيرجع الى تأويله ويجب الحمل عليه لأنه إذا كان مجملا لا يحل له حمله على شئ إلا بتوقيف وكذا لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوى عند الشافعي والأكثرين والأمر بتغطية الأناء عام فلا يقبل تخصيصه بمذهب الراوى بل يتمسك بالعموم وقوله في حديث جابر فجاء بقدح نبيذ هو محمول على ما سبق في الباب السابق أنه نبيذ لم يشتد ولم يصر مسكرا قوله (عن الأعمش عن أبى سفيان) اسم أبى سفيان طلحة بن نافع تابعي مشهور سبق
[ 184 ]
بيانه مرات قوله صلى الله عليه وسلم (فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم) المراد بالفويسقة الفأرة وتضرم بالتاء واسكان الضاد أي تحرق سريعا قال أهل اللغة ضرمت النار بكسر الراء وتضرمت وأضرمت أي التهمت وأضرمتها أنا وضرمتها قول مسلم رحمه الله (ولم يذكر تعريض العود على الاناء) هكذا هو في أكثر الأصول وفى بعضها تعرض فأما هذه فظاهرة وأما تعرض ففيه تسمح في العبارة والوجه أن يقول ولم يذكر عرض العود لأنه المصدر الجارى على تعرض والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فان الشيطان ينتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الباب واذكروا
[ 185 ]
اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا وأكوا قربكم واذكروا اسم الله وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا) هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والأدب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا فأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب التى هي سبب للسلامة من ايذاء الشيطان وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابا للسلامة من ايذائه فلا يقدر على كشف اناء ولا حل سقاء ولافتح باب ولا ايذاء صبى وغيره إذا وجدت هذه الأسباب وهذا كما جاء في الحديث الصحيح أن العبد إذا سمى عند دخول بيته قال الشيطان لامبيت أي لا سلطان لنا على المبيت عند هؤلاء وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان وكذلك شبه هذا مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة وفى هذا الحديث الحث على ذكر الله تعالى في هذه المواضع ويلحق بها في معناها قال أصحابنا يستحب أني ذكر اسم الله تعالى على كل أمر ذى بال للحديث الحسن المشهور فيه قوله (جنح الليل) هو بضم الجيم وكسرها لغتان مشهورتان وهو ظلامه يقال أجنح الليل أي أقبل ظلامه وأصل الجنوح الميل قوله صلى الله عليه وسلم (فكفوا صبيانكم) أي امنعوهم من الخروج ذلك الوقت قوله صلى الله عليه وسلم (فإن الشيطان ينتشر) أي جنس الشيطان ومعناه أنه يخاف على الصبيان ذلك الوقت من ايذاء الشياطين لكثرتهم
[ 186 ]
حينئذ والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء) قال أهل اللغة الفواشى كل منتشر من المال كالابل والغنم وسائر البهائم وغيرها وهى جمع فاشية لأنها تفشو أي تنتشر في الأرض وفحمة العشاء ظلمتها وسوادها وفسرها بعضهم هنا باقباله وأول ظلامه وكذا ذكره صاحب نهاية الغريب قال ويقال للظلمة التى بين صلاتي المغرب والعشاء الفحمة وللتى بين العشاء والفجر العسعسة قوله صلى الله عليه وسلم (فان في السنة ليلة ينزل فيها وباء) وفى الرواية الأخرى يوما بدل ليلة قال الليث فالأعاجم عندنا يتقون ذلك في كانون الأول الوباء يمد ويقصر لغتان حكاهما الجوهرى وغيره والقصر أشهر
[ 187 ]
قال الجوهرى جمع المقصور أوباء وجمع الممدود أوبية قالوا والوباء مرض عام يفضى الى الموت غالبا وقوله (يتقون ذلك) أي يتوقعونه ويخافونه وكانون غيره مصروف لأنه علم أعجمى وهو الشهر المعروف وأما قوله في الرواية يوما وفى رواية ليلة فلا منافاة بينهما إذ ليس في أحدهم نفى الآخر فهما ثابتان وقوله صلى الله عليه وسلم (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون) هذا عام تدخل فيه نار السراج وغيرها وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالاطفاء وان أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها لانتفاء العلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الأمر بالاطفاء في الحديث السابق بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم فإذا انتفت العلة زال المنع قوله (سعيد بن عمر الأشعثي) تقدم مرات أنه منسوب الى جده الأعلى الأشعث بن قيس قوله (بريدة عن أبى بردة) تقدم أيضا مرات أنه بضم الموحدة والله أعلم باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما قوله (عن الأعمش عن خيثمة عن أبى حذيفة رضى الله عنه قال كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه
[ 188 ]
وسلم طعاما لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده إلى آخره) هذا الاسناد فيه ثلاثة تابعيون كوفيون بعضهم عن بعض الأعمش عن خيثمة وهو خيثمة بن عبد الرحمن العبد الصالح وأبو حذيفة واسمه سلمة بن صهيب وقيل ابن صهيبة وقيل ابن صهبان وقيل ابن صهبة وقيل ابن صهيبة الهمداني الأرحبى بالحاء المهملة وبالموحدة وقوله (لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه بيان هذا الأدب وهو أنه يبدأ الكبير والفاضل في غسل اليد للطعام وفى الأكل قوله فجاءت جارية كأنها تدفع) وفى الرواية الأخرى كأنها تطرد يعنى لشدة سرعتها فذهبت لتضع يدها في الطعام نأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ثم جاء أعرابي كأنما يدفع بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه وانه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده والذى نفسي بيده إن يده في يدى مع يدها ثم زاد في الرواية الأخرى في آخر الحديث ثم ذكر اسم الله تعالى وأكل في هذا الحديث فوائد منها جواز الحلف من غير استحلاف وقد تقدم بيانه مرات وتفصيل الحال في استحبابه وكراهته ومنها استحباب التسمية في ابتداء الطعام وهذا مجمع عليه وهذا يستحب حمدالله تعالى في آخره كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وكذا تستحب التسمية في أول الشراب بل في أول كل أمر ذى بال كما ذكرنا قريبا قال العلماء ويستحب أن يجهر بالتسمية ليسمع غيره ونيبهه عليها ولو ترك التسمية في أول الطعام عامدا أو ناسيا أو جاهلا أو مكرها أو عاجزا لعارض آخر ثم تمكن في أثنا أكله منها يستحب أن يسمى ويقوله بسم الله أوله وآخره لقوله صلى الله عليه وسلم إذا أكل
[ 189 ]
أحدكم فليذكر اسم الله فإن نسى أن يذكر الله في أوله وآخره رواه أبو داود والترمذي وغيرهما قال الترمذي حديث صحيح والتسمية في شرب الماء واللبن والعسل والمرق والدواء وسائر المشروبات كالتسمية على الطعام في كل ما ذكرناه وتحصيل التسمية بقوله بسم الله فإن قال بسم الله الرحمن الرحيم كان حسنا وسواء في استحباب التسمية الجنب والحائض وغيرهما وينبغى أن يسمى كل واحد من الآكلين فان سمى واحد منهم حصل أصل السنة نص عليه الشافعي رضى الله عنه ويستدل له بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان انما يتمكن من الطعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه ولأن المقصود يحصل بواحد ويؤيده أيضا ما سيأتي في حديث الذكر عند دخول البيت وقد أوضحت هذه المسائل وما يتعلق بها في كتاب أذكار الطعام والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (إن يده في يدى مع يدها) هكذا هو في معظم الأصول يدها وفى بعضها يدهما فهذا ظاهر والتثنية تعود الى الجارية والأعرابي ومعناه إن يدى في يد الشيطان مع يد الجارية والأعرابي وأما على رواية يدها بالافراد فيعود الضمير على الجارية وقد حكى القاضى عياض رضى الله عنه أن الوجه التثنية والظاهر أن رواية الأفراد أيضا مستقيمة فان إثبات يدها لا ينفى يد الأعرابي وإذا صحت الرواية بالافراد وجب قبولها وتأويلها على ما ذكرناه والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه) معنى يستحل يتمكن من أكله ومعناه أنه يتمكن من
[ 190 ]
أكل الطعام إذا شرع فيه انسان بغير ذكر الله تعالى وأما إذا لم يشرع فيه أحد فلا يتمكن وان كان جماعة فذكر اسم الله بعضهم دون بعض لم يتمكن منه ثم الصواب الذى عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها وأن الشيطان يأكل حقيقة إذ العقل لا يحيله والشرع لم ينكره بل أثبته فوجب قبوله واعتقاده والله أعلم قوله في الرواية الثانية وقدم مجئ الأعرابي قبل مجئ الجارية عكس الرواية الأولى والثالثة كالأولى ووجه الجمع بيهما أن المراد بقوله في الثانية قدم مجئ الأعرابي أنه قدمه في اللفظ بغير حرف تربيب فذكره بالواو فقال جاء أعرابي وجاءت جارية والواو لا تقتضى ترتيبا وأما الرواية الأولى فصريحة في الترتيب وتقديم الجارية لأنه قال ثم جاء أعرابي وثم للترتيب فيتعين حمل الثانية على الأولى ويبعد حمله على واقعتين وقوله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لامبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء) معناه قال الشيطان لاخوانه وأعوانه ورفقته وفى هذا استحباب ذكر الله تعالى عند دخول
[ 191 ]
البيت وعند الطعام قوله صلى الله عليه وسلم (لا تأكلوا بالشمال فان الشيطان يأكل بالشمال) وفى رواية ابن عمر رضى الله عنه إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وكان نافع يزيد فيها ولا يأخذ بها ولا يعطى بها فيه استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهتهما بالشمال وقد زاد نافع الأخذ والاعطاء وهذا إذا لم يكن عذر فان كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة
[ 192 ]
أوغير ذلك فلا كراهة في الشمال وفيه أنه ينبغى اجتناب الأفعال التى تشبه أفعال الشياطين وأن للشياطين يدين قوله (ان رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال كل بيمينك قال لاأستطيع قال لااستطعت ما منعه إلا الكبر قال فما رفعها الى فيه) هذا الرجل هو بسر بضم الباء وبالسين المهملة ابن راعى العير بفتح العين وبالمثناة الأشجعي كذا ذكره ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني وابن ماكولا وآخرون وهو صحابي مشهور عده هؤلاء وغيرهم في الصحابة رضى الله عنهم وأما قول القاضى عياض رضى الله عنه أنقوله ما منعه إلا الكبر يدل على أنه كان منافقا فليس بصحيح فان مجرد الكبر والمخالفة لا يقتضى النفاق والكفر لكنه معصية ان كان الأمر أمر ايجاب وفى هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر وفيه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في كل حال حتى في حال الاكل واستحباب تعليم الآكل آداب الأكل إذا خالفه كما في حديث عمر بن أبى سلمة الذى بعد هذا قوله (عن عمر بن أبى
[ 193 ]
سلمة رضى الله عنه قال كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدى تطيش في الصحفة فقال لى يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) قوله تطيش بكسر الطاء وبعدها مثناة تحت ساكنة أي تتحرك وتمتد الى نواحى الصحفة ولا تقتصر على موضع واحد والصحفة دون القصعة وهى ما تسع ما يشبع خمسة فالقصعة تشبع عشرة كذا قاله الكسائي فيما حكاه الجوهرى وغيره عنه وقيل الصحفة كالقصعة وجمعها صحاف وفى هذا الحديث بيان ثلاث سنن من سنن الأكل وهى التسمية والأكل باليمين وقد سبق بيانهما والثالثة الأكل مما يليه لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة ترك مروءة قفد يتقذره صاحبه لاسيما في الأمراق وشبهها وهذا في الثريد والأمراق وشبهها فان كان تمرا أو أجناسا فقد نقلوا اباحة اختلاف الأيدى في الطبق ونحوه والذى ينبغى تعميم انتهى حملا للنهى على عمومه حتى يثبت دليل مخصص قوله (محمد بن عمرو ابن حلحلة) هو بفتح الحاءين المهملتين واسكان اللام بينهما والله أعلم قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية) قال في الرواية الأخرى واختناثها أن يقلب رأسها حتى
[ 194 ]
يشرب منه الاختناث بخاء معجمة ثم تاء مثناة فوق ثم نون ثم ألف ثم مثلثة وقد فسره في الحديث وأصل هذه الكلمة التكسر والانطواء ومنه سمى الرجل المتشبه بالنساء في طبعه وكلامه وحركاته مخنثا واتفقوا على أن النهى عن اختناثها نهى تنزيه لا بحريم ثم قيل سببه أنه لا يؤمن أن يكون في البقاء ما يؤذيه فيدخل في جوفه ولا يدرى وقيل لأنه يقذره على غيره وقيل أنه ينتنه أو لأنه مستقذر وقد روى الترمذي وغيره عن كبشة بنت ثابت وهى أخت حسان بن ثابت رضى الله تعالى عنهما قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من قربة معلقة لوجهين قائما فقمت الى فيها فقطعته قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقطع لفم القربة فعلته لوجهين أحدهما أن تصون موضعا أصابه فم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يبتذل ويمسه كل أحد والثانى أن تحفظه التبرك به ولاستشفاء والله أعلم فهذا الحديث يدل على أن النهى ليس للتحريم والله أعلم باب في الشرب قائما فيه حديث قتادة (عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما) وفى
[ 195 ]
رواية نهى عن الشرب قائما قال قتادة قلنا فالأكل أشر أو أخبث وفى رواية عن قتادة عن أبى عيسى الأسوارى عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما وفى رواية عنهم نهى عن الشرب قائما وفى رواية عن عمر بن حمزة قال أخبرني أبو غطفان المرى أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشربن أحدكم قائما فمن نسى فليستقى وعن ابن عباس سيقت رسول الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم وفى الرواية الأخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم وفى صحيح البخاري أن عليا رضى الله عنه شرب قائما وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت على أن هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالا باطلة وزاد حتى تجاسر ورام أن يضعف بعضها وادعى فيها دعاوى باطلة لاغرض لنا في ذكرها ولاوجه لاشاعة الأباطيل والغلطات في تفسير السنن بل نذكر الصواب ويشار الى التحذير من الاغترار بما خالفه وليس في هذه الأحاديث بحمد الله تعالى اشكال ولا فيها ضعف بل كلها صحيحة والصواب فيها أن النهى فيها محمول على كراهة التنزيه وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائما فبيان للجواز فلا اشكال ولا تعارض وهذا الذى ذكرناه يتعين المصير إليه وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط غلطا فاحشا وكيف يصار الى النسخ مع امكان الجمع بين الأحاديث لو ثبت التاريخ وأنى له بذلك والله أعلم فان قيل كيف يكون الشرب قائما مكروها وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم فالجواب أن فعله صلى الله عليه وسلم إذا كان بيانا للجواز لا يكون مكروها بل البيان واجب عليه صلى الله عليه وسلم إذا كان بيانا للجواز لا يكون عليه وسلم توضأ مرة مرة وطاف على بعير مع أن الاجماع على أن الوضوء ثلاث ثلاثا والطواف ماشيا أكمل ونظائر هذا غير منحصرة فكان صلى الله عليه وسلم ينبه على جواز الشئ مرة أو مرات ويواظب على الأفضل منه وهكذا كان أكثر وضوئه صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثلاثا وأكثر طوافه ماشيا وأكثر شربه جالسا وهذا واضح لا يتشكك فيه من له أدنى نسبة الى علم والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم (فمن نسى فليستقئ) فمحمول على الاستحاب والندب فيستحب لمن شرب قائما أن يتقايأه لهذا الحديث الصحيح الصريح فان الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب وأما قول القاضى عياض لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب ناسيا ليس عليه ان يتقايأه فأشار بذلك الى تضعيف الحديث فلا يلتفت الى اشارة وكون أهل العلم لم يوجبوا
[ 196 ]
الاستقاءة لايمنع كونها مستحبة فان ادعى مدع منع الاستحباب فهو مجازف لا يلتفت إليه فمن أين له الاجماع على منع الاستحباب وكيف تترك هذه السنة الصحيحة الصريحة بالتوهمات والدعاوى والترهات ثم اعلم أنه تستحب الاستقاءة لمن شرب قائما ناسيا أو متعمدا وذكر الناسي في الحديث ليس المراد به أن القاصد يخالفه بل للتنبيه به على غيره بطريق الأولى لأنه إذا أمر به الناسي وهو غير مخاطب فالعامد المخاطب المكلف أولى وهذا واضح لاشك فيه لاسيما على مذهب الشافعي والجمهور في أن القاتل عمدا تلزمه الكفارة وأن قوله تعالى " قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة " لا يمنع وجوبها على العامد بل للتنبيه والله أعلم وأما ما يتعلق بأسانيد الباب وألفاظه فقال مسلم حدثنا هداب بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وحدثنا محمد بن مثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عنءنس هذان الاسنادان بصريون كلهم وقد سبق مرات أن هدابا يقال فيه هدبة وأن أحدهما اسم والآخر لقب واختلف فيهما وسعيد هذا هو ابن أبى عروبة وقوله (قال قتادة قلنا يعنى لأنس فالأكل قال أشر وأخبث) هكذا وقع في الأصول أشر بالألف والمعروف في العربية شر بغير ألف وكذلك خير قال الله تعالى وقال الجنة يومئذ خير مستقرا تعالى " من هو شر مكانا " ولكن هذه اللفظة وقعت هنا على الشك فانه قال أشر وأخبث فشك قتادة في أن أنسا قال أشر أو قال أخبث فلا يثبت عن أنس أشر بهذه الرواية فان جائت هذه اللفظة بلاشك وثبتت عن أنس فهو عربي فصيح فهى لغة وان كانت قليلة الاستعمال ولهذا نظائر مما لا يكون معروفا عند النحويين وجاريا على قواعدهم وقد صحت به الأحاديث فلا ينبغي رده إذا ثبت بل يقال هذه لغة قليلة الاستعمال ونحو هذا من العبارات وسببه أن النحويين لم يحيطوا إحاطة قطعية بجميع كلام العرب ولهذا يمنع بعضهم ما ينقله غيره
[ 197 ]
عن العرب كما هو معروف والله أعلم وقوله (عن أبى عيسى الأسوارى) هو بضم الهمزة وحكى كسرها والذى ذكره السمعاني وصاحبا المشارق والمطالع هو الضم فقط قال أبو على الغساني والسمعاني وغيرهما لايعرف اسمه قال الامام أحمد بن حنبل لا نعلم أحدا روى عنه غير قتادة وقال الطبراني هو بصرى ثقة وهو منسوب الى الأسوار وهو الواحد من أساورة الفرس قال الجوهرى قال أبو عبيدة هو الفرسان قال والأساورة أيضا قوم من العجم بالبصرة نزولها قديما كالأخامرة بالكوفة قوله (أبو غطفان المرى) هو بضم المسم وتشديد الراء
[ 198 ]
ولا يعرف اسمه وفيه سريج بن يونس تقدم معناه مرات أنه بالمهملة والجيم قوله (واستسقى وهو عند البيت) معناه طلب وهو عند البيت ما يشربه والمراد بالبيت الكعبة زادها الله شرفا باب كراهة التنفس في نفس الاناء (واستحباب التنفس ثلاثا خارج الاناء) فيه حديث (نهى أن يتنفس في الاناء) وحديث كان يتنفس في الاناء ثلاثا وفى رواية
[ 199 ]
في الشراب ويقول انه أروى وأبرأ وأمرأ هذان الحديثان محمولان على ما ترجمناه لهما فالأول محمول على أول الترجمة والثانى على آخرها وقوله صلى الله عليه وسلم (أروى) من الرى أي أكثر ريا وأمرأ وأبرأ مهموزان معنى أبرأ أي أبرأ من ألم العطش وقيل أبرأأى أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد ومعنى أمرأأى أجمل انسياغا والله أعلم قوله (عن أبى عصام عن أنس) اسم أبى عصام خالد بن أبى عبيد وقوله في الحديث الثاني (كان يتنفس في الاناء أو في الشراب) معناه في أثناء شربه من الاناء أو في أثناء شربه الشراب والله أعلم باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما على يمين المبتدى فيه أنس رضى الله تعالى عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر الصديق فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن وفى الرواية الأخرى فقال له عمر وأبو بكر عن شماله يارسول الله اعط أبا بكر فأعطاه أعرابيا عن يمينه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيمن فالأيمن وفى الرواية الأخرى والأيمنون الأيمنون الأيمنون قال أنس فهى سنة فهى سنة وفى الرواية الأخرى أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال للغلام أتأذن لى أن أعطى هؤلاء فقال الغلام لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحد فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده في هذه الأحاديث
[ 200 ]
بيان هذه السنة الواضحة وهو موافق لما تظاهرت عليه دلائل الشرع من استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الاكرام وفيه أن الأيمن في الشراب ونحوه يقدم وان كان صغيرا أو مفضولا لأن رسول الله صلى عليه وسلم قدم الأعرابي والغلام على أبى بكر رضى الله تعالى عنه وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوى في باقى الأوصاف ولهذا يقدم الأعلم والأفرأ على الأسن النسيب في الامامة في الصلاة وقوله (شيب) أي خلط وفيه جواز ذلك وانما
[ 201 ]
ونهى عن شوبه إذا أراد بيعه لأنه غش قال العلماء والحكمة في شوبه أن يبرد أو يكثر أو للمجموع وقوله (فتله في يده) أي وضعه فيها وقد جاء في مسند أبى بكر بن أبى شيبة أن هذا الغلام هو عبد الله بن عباس ومن الأشياخ خالد بن الوليد رضى الله عنه قيل انما استأذن الغلام دون الأعرابي إدلالا على الغلام وهو ابن عباس وثقة بطيب نفسه بأصل الاستذان لاسيما والأشياخ أقاربه قال القاضى عياض وفى بعض الروايات عمك وابن عمك أتأذن لى أن أعطيه وفعل ذلك أيضا تألف لقلوب الأشياخ واعلاما بودهم وايثار كرامتهم إذا لم تمنع منها سنة وتضمن ذلك أيضا بيان هذه السنة وهى أن الأيمن أحق ولا يدفع الى غيره إلا بأذنه وأنه لا بأس باستئذان وزنه لا يلزمه الأذن وينبغى له أيضا أن لا يأذن ان كان فيه تفويت فضيلة أخروية ومصلحة دينية كهذه الصورة وقد نص أصحابنا وغيرهم من العلماء على أنه لا يؤثر في القرب وانما الايثار المحمود ما كان في حظوظ النفس دون الطاعات قالوا فيكره أن يؤثر غيره بموضعه من الصف الأول وكذلك نظائره وأما الأعرابي
[ 202 ]
فلم يستأذنه مخافة من ايحاشه في استئذان في صرفة الى أصحابه صلى الله عليه وسلم وربما سبق الى قلب ذلك الأعرابي شئ يهلك به لقرب عهده بالجاهلية وأنفتها وعدم تمكنه في معرفته خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تظاهرت النصوص على تألفه صلى الله عليه وسلم قلب من يخاف عليه وفى هذه الأحاديث أنواع من العلم منها أن البداءة باليمين في الشراب ونحوه سنة وهذا مما لا خلاف فيه ونقل عن مالك تخصيص ذلك بالشراب قال ابن عبد البر وغيره لا يصح هذا عن مالك قال القاضى عياض يشبه أن يكون قول مالك رحمه الله تعالى أن السنة وردت في الشراب خاصة وانما يقدم الأيمن فالأيمن في غيره بالقياس لا بسنة منصوصة فيه وكيف كان فالعلماء متفقون على استحباب التيامن في الشراب وأشباهه وفيه جواز شرب اللبن المشوب وفيه أن من سبق الى موضع مباح أو مجلس العالم والكبير فهو أحق به ممن يجئ بعده والله أعلم قوله (عن أنس رضى الله عنه وكن أمهاتي يحثثنى على خدمته) المراد بأمهاته أمه أم سليم وخالته أم حرام وغيرهما من محارمه فاستعمل لفظ الأمهات في حقيقته ومجازه وهذا على مذهب الشافعي رحمه الله والقاضى أبى بكر الباقلانى وغيرهما ممن يجوز اطلاق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه وقوله كن أمهاتي على لغة أكلوني البراغيث وهى لغة صحيحة وان كانت قليلة الاستعمال وقد تقدم ايضاحها عند قوله صلى الله عليه وسلم يتعاقبون فيكم ملائكة ونظائره والله أعلم قوله (فحلبنا له من شاة داجن) هي بكسر الجيم وهى التى تعلف في البيوت يقال دجنت تدجن دجونا ويطلق الداجن أيضا على كل ما يألف البيت من طير وغيره وقوله صلى الله عليه وسلم (الأيمن فالأيمن) ضبط بالنصب والرفع وهما صحيحان النصب على تقدير أعطى الأيمن والرفع على تقدير الأيمن أحق أو نحو ذلك وفى الرواية الأخرى الأيمنون وهو يرجح الرفع وقول عمر رضى الله عنه يا رسول الله اعط أبا بكر انما قاله للتذكير بأبى بكر مخافة من نسيانه واعلاما لذلك الأعرابي الذى على اليمن بجلالة أبى بكر رضى الله عنه قوله (عن أبى طوالة) هو بضم الطاء هذا هو الصحيح المشهور وحكى صاحب المطالع ضمها وفتحها قالوا ولا يعرف في المحدثين من يكنى أبا طوالة غيره وقد ذكره الحاكم أبو أحمد في الكنى المفردة قوله (وعمر رضى الله عنه وجاهه)
[ 203 ]
هو بضم الواو وكسرها لغتان أي قدامه مواجهاله قوله (يعقوب بن عبد الرحمن القارى) هو بشديد الياء منسوب الى القارة القبيلة المعروفة وقد سبق بيانه مرات والله أعلم باب استحباب لعق الأصابع والقصعة وأكل اللقمة الساقطة (بعد مسح ما يصيبها من أذى وكراهة مسح اليد قبل لعقها لاحتمال) (كون بركة الطعام في ذلك الباقي وأن السنة الأكل بثلاثة أصابع) (فيه صلى الله عليه وسلم (إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها) وفي الرواية الأخرى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها وفى رواية يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها وفى رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال انكم لا تدرون في أية البركة وفى رواية إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يعلق أصابعه فانه لا يدرى في أي طعامه البركة وفى رواية ان الشيطان يحضر أحدكم عند كل شئ من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط وذك نحو ما سبق وفي رواية وأمرنا أن نسلت القصعة وفى رواية وليسلت أحدكم الصفحة في هذه الأحاديث أنواعمن سنن الأكل منها استحباب لعق اليد محافظة على بركة الطعام وتنظيفا لها واستحباب الأكل بثلاث أصابع ولا يضم إليها الرابعة والخامسة إلا لعذر بأن يكون مرقا
[ 204 ]
وغيره مما لا يمكن بثلاث وغير ذلك من الأعذار واستحباب لعق القصعة وغيرها واستحباب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها هذا إذا لم تقع على موضع نجس فان وقعت على موضع نجس تنجست ولابد من غسلها إن أمكن فإن تعذر أطعمها حيوانا ولا يتركها للشيطان ومنها اثبات الشياطين وأنهم يأكلون وقد تقدم قريبا ايضاح هذا ومنها جواز مسح اليد بالمنديل لكن
[ 205 ]
السنة أن يكون بعد لعقها وقوله صلى الله عليه وسلم (ان الشيطان يحضر أحدكم عند كل شئ من شأنه) فيه التحذير منه والتنبيه على ملازمته للانسان في تصرفاته فينبغي أن يتأهب ويحترز منه ولا
[ 206 ]
يغتر بما يرينه له وقوله صلى الله عليه وسلم (يلعقها أو يلعقها) معناه والله أعلم لا يمسح يده حتى يلعقها فان لم يفعل فحتى يلعقها غيره ممن لا يتقذر ذلك كزوجة وجارية وولد وخادم يحبونه ويلتذون بذلك ولا يتقذرون وكذا من كان في معناهم كتلميذ يعتقد بركته ويود التبرك بلعقها وكذا لو ألعقها شاة ونحوها والله أعلم وقوله صلى الله عليه وسلم (لا تدرون في أية البركة) معناه والله أعلم أن الطعام الذى يحضره الانسان فيه بركة ولا يدرى أن تلك البركة فيما أكله أو فيما بقى على أصابعه أو في ما بقى في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والامتاع به والمراد هنا واللهأعلم ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبتة من أذى ويقوى على طاعة الله تعالى وغير ذلك قوله (أن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك أو عبد الله بن كعب أخبره عن أبيه) هذا قد تقدم مثله مرات وذكرنا أنه لا يضر الشك في الراوى إذا كان الشك بين ثقتين لأن ابني كعب هذين ثقتان قوله صلى الله عليه وسلم (فليمط ما كان بها من أذى ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها) أما يمط فبضم الياء ومعناه يزيل وينحى وقال الجوهرى حكى أبو عبيد ماطه وأماطه نحاه وقال الأصمعى أماطه لاغير ومنه أماطة الأذى ومطت أنا عنه أي تنحيت والمراد بالأذى هنا المستقذر من غبار وتراب وقذى ونحو ذلك فان كانت نجاسة فقد ذكرنا حكمها وأما المنديل فمعروف وهو بكسر الميم قال ابن فارس في المجمل لعله مأخوذ من الندل وهو النقل وقال غيره هو مأخوذ من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به قال أهل اللغة يقال تندلت بالمنديل قال الجوهرى ويقال أيضا تمندلت قال وأنكر الكسائي تمندلت قوله (أخبرنا أبو داود الحفرى) هو بحاء مهملة وفاء مفتوحتين
[ 207 ]
واسمه عمر بن سعد منسوب الى حفر موضع بالكوفة قوله (عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر اسم أبى سفيان طلحة بن نافع) تقدم مرات قوله (وأمرنا أن نسلت القصعة) هو بفتح النون وضم اللام ومعناه نمسحها ونتتبع ما بقى فيها من الطعام ومنه سلت الدم عنها قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخيرة وهى رواية أبى هريرة (إذا أكل أحدكم طعاما فليعلق أصابعه فانه لا يدرى في أيتهن البركة) هكذا هو في معظم الأصول وفى بعضها لا ندري أيتهما وكلاهما صحيح أما رواية في أيتهن فظاهرة وأما رواية لا يدرى أيتهن البركة فمعناه أيتهن صاحبة البركة فحذق المضاف وأقام المضاف إليه مقامه والله أعلم
[ 208 ]
باب ما يفعل الضيف إذا تبعه غير من دعاه صاحب الطعام (واستحباب اذن صاحب الطعام للتابع) فيه (أن رجلا منالأنصار يقال له أبو شعيب صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ثم دعاه خامس خمسة واتبعهم رجل فلما بلغ الباب قال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا اتبعنا فإن شئت أن تأذن له وان شئت رجع قال لابل آذن له يارسول الله) وفيه (أن جارا لرسول صلى الله عليه وسلم فلوسيا كان طيب المرق فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما ثم جاء يدعوه فقال وهذه لعائشة فقال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لافعاد يدعوه فقال رسول صلى الله عليه وسلم وهذه لعائشة فقال لاقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ثم عاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه قال نعم في الثالثة فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله) أما الحديث الأول ففيه أن المدعو إذا تبعه رجل بغير استدعاء ينبغى له أن لا يأذن له وينهاه وإذا بلغ باب دار صاحب الطعام أعلمه به ليأذن له أو وأن صاحب الطعام يستحب له أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة بأن يؤذى الحاضرين أو يشيع عنهم ما يكرهونه أو يكون جلوسه معهم مزريا بهم لشهرته بالفسق ونحو ذلك فان خيف من حضوره شئ من هذا لم يأذن له وينبغى أن يتلطف في رده ولو أعطاه شيئا من الطعام ان كان يليق به ليكون ردا جميلا كان حسنا وأما الحديث الثاني
[ 209 ]
في قصة الفارسى وهى قضية أخرى فمحمول على أنه كان هناك عذر يمنع وجوب اجابة الدعوة فكان النبي صلى الله عليه وسلم مخيرا بين اجابته وتركها فاختار أحد الجائزين وهو تركها الا أن ياذن لعائشة معه لما كان من الجوع أو نحوه فكره صلى الله عليه وسلم الاختصاص بالطعام دونها وهذا من جميل المعاشرة وحقوق المصاحبة وآداب المجالسة المؤكدة فلما أذن لها اختار النبي صلى الله عليه وسلم الجائز الآخر المصلحة وهو حصول ما كان يريده من اكرام جليسه وايفاء حق معاشرته ومواساته فيما يحصل وقد سبق في باب الوليمة بيان الأعذار في ترك اجابة الدعوة واختلاف العلماء في وجوب الاجابة وأن منهم من لم يوجبها في غير وليمة العرس
[ 210 ]
كهذه الصورة والله أعلم قوله (فقاما يتدافعان) معناه يمشى كل واحد منهما في أثر صاحبه قالوا ولعل الفارسى إنما لم يدع عائشة رضى الله عنها أو لالكون الطعام كان قليلا فأراد توفيره على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى هذا الحديث جوازا أكل المرق والطيبات قال الله تعالى قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق في الحديث الأول كان لأبى شعيب غلام لحام أي يبيع اللحم وفيه دليل على جواز الجزارة وحل كسبها والله أعلم باب جواز استتباعه غيره الى دار من يثق برضاه بذلك (ويتحققه تحققا تاما واستحباب الاجتماع على الطعام) فيه ثلاث أحاديث الأول حديث أبى هريرة في خروج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من الجوع وذهابهم الى بيت الأنصاري وادخال امرأته إباهم ومجئ الأنصاري وفرحه بهم واكرامه لهم وهذا الأنصاري هو أبو الهيثم بن التيهان واسم أبى الهيثم مالك هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها قوله (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبى بكر وعمر رضى الله عنهما فقال ما أخرجكما من بيوتكما قالا الجوع يا رسول الله قال فانا والذى نفسي بيده لأخرجني الذى أخرجكما قوموا فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار الى آخره) هذا فيه ما كان عليه النبي صلى الله
[ 211 ]
عليه وسلم وكبار أصحابه رضى الله عنهم من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش في أوقات وقد زعم بعض الناس أن هذا كان قبل فتح الفتوح والقرى عليهم وهذا زعم باطل فان راوي الحديث أبو هريرة ومعلوم أنه أسلم بعد فتح خيبر فان قيل لا يلزم من كونه رواه أن يكون أدرك القضية فلعله سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره فالجواب أن هذا خلاف الظاهر ولا ضرورة إليه بل الصواب خلافه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يتقلب في اليسار والقلة حتى توفى صلى الله عليه وسلم فتارة يوسر وتارة ينفد ما عنده كما ثبت في الصحيح عن أبى هريرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير وعن عائشة ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام ثلاث ليال تباعا حتى قبض وتوفى صلى الله عليه وسلم وذرعه مرهونة على شعير استدانه لأهله وغير ذلك مما هو معروف فكان النبي صلى الله عليه وسلم في وقت يوسر ثم بعد قليل ينفد ما عنده لاخراجه في طاعة الله من وجوه البر وإيثار المحتاجين وضيافة الطارقين وتجهيز السرايا وغير ذلك وهكذا كان خلق صاحبيه رضى الله عنهما بل اكثر أصحابه وكان أهل اليسار من المهاجرين والأنصار رضى الله عنهم مع برهم له صلى الله عليه وسلم وإكرامهم إياه واتحافه بالطرف وغيرهما ربما لم يعرفوا حاجته في بعض الأحيان لكونهم لا يعرفون فراغ ما كان عنده من القوت بإيثاره به ومن علم ذلك منهم ربما كان ضيق الحال في ذلك الوقت كما جرى لصاحبيه ولا يعلم أحد من الصحابة علم حاجة النبي صلى الله عليه وسلم وهو متمكن من إزالتها الا بادر الى إزالتها لكن كان صلى الله عليه وسلم يكتمها عنهم إيثارا لتحمل المشاق وحملا عنهم وقد بادر أبو طلحة حين قال سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف فيه الجوع الى إزالة تلك الحاجة وكذا حديث جابر وسنذكرهما بعد هذا ان شاء الله تعالى وكذا حديث أبى شعيب الأنصاري الذى سبق في الباب قبله أنه عرف في وجهه صلى الله عليه وسلم الجوع فبادر بصنيع الطعام وأشباه هذا كثيرة في الصحيح مشهورة وكذلك كانوا يؤثرون بعضهم بعضا ولا يعلم أحد منهم ضرورة صاحبه الا سعى في إزالتها وقد وصفهم الله سبحانه بذلك فقال تعالى على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة تعالى
[ 212 ]
" بينهم " وأما قولهما رضى الله عنهما (أخرجنا الجوع) وقوله صلى الله عليه وسلم (وأنا والذى نفسي بيده لأخرجن الذى أخرجكما) فمعناه أنهما لما كانا عليه من مراقبة الله تعالى ولزوم طاعته والاشتغال به فعرض لهما هذا الجوع الذى يزعجهما ويقلقلهما ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة وتمام التلذذ بها سعيا في إزالته بالخروج في طلب سبب مباح يدفعانه به وهذا من أكمل الطاعات وأبلغ أنواع المراقبات وقد نهى عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين وبحضرة طعام تتوق النفس إليه وفى ثوب له أعلام وبحضرة المتحدثين وغير ذلك مما يشغل قلبه ونهى القاضى عن القضاء في حال غضبه وجوعه وهمه وشدة فرحه وغير ذلك مما يشغل قلبه ويمنعه كمال الفكر والله أعلم وقوله (بيوتكما) هو بضم الباء وكسرها لغتان قرئ بهما في السبع وقوله صلى الله عليه وسلم وأنا والذى نفسي بيده لأخرجني الذى أخرجكما فيه جواز ذكر الانسان ما يناله من ألم ونحوه لاعلى سبيل التشكى وعدم الرضا بل للتسلية والتصبر كفعله صلى الله عليه وسلم هنا ولا لتماس دعاء أو مساعدة على التسبب في إزالة ذلك العارض فهذا كله ليس بمذموم إنما يذم ما كان تشكيا وتسخطا وتجزعا وقوله صلى الله عليه وسلم (فأنا) هكذا هو في بعض النسخ فأنا بالفاء وفى بعضها بالواو وفيه جواز الحلف من غير استحلاف وقد تقدم قريبا بسط الكلام فيه وتقدم بيانه مرات وقوله صلى الله عليه وسلم (قوموا فقاموا) هكذا هو في الأصول بضمير الجمع وهو جائز بلا خلاف لكن الجمهور يقولون اطلاقة على الاثنين مجاز وآخرون يقولون حقيقة وقوله (فأتى رجلا من الأنصار) هو أبو الهيثم مالك بن التيهان بفتح المثناة فوق وتشديد المثناة تحت مع كسرها وفيه جواز الا دلال على الصاحب الذى يوثق به كما ترجمنا له واستتباع جماعة الى بيته وفيه منقبة لأبى الهيثم إذ جعله النبي صلى الله عليه وسلم أهلا لذلك وكفى به شرفا ذلك وقوله (فقالت مرحبا وأهلا) كلمتان معروفتان للعرب ومعناه صادفت رحبا وسعة وأهلا تأنس بهم وفيه استحباب اكرام الضيف بهذا القول وشبهه واظهار السرور بقدومه وجعله أهلا لذلك كل هذا وشبهه اكرام للضيف وقد قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وفيه جواز سماع كلام الأجنبية ومراجعتها الكلام للحاجة وجواز إذن المرأة في دخول منزل زوجها
[ 213 ]
لمن علمت علما محققا أنه لا يكرهه بحيث لا يخلو بها الخلوة المحرمة وقولها (ذهب يستعذب لنا الماء) أي يأتينا بماء عذب وهو الطيب وفيه جواز استعذابه وتطييبه قوله (الحمد لله ما أحد اليوم أكرم ضيفا منى) فيه فوائد منها استحباب حمدالله تعالى عند حصول نعمة ظاهرة وكذا يستحب عند اندفاع نقمة كانت متوقعة وفى غير ذلك من الأحوال وقد جمعت في ذلك قطعة صالحة في كتاب الأذكار ومنها استحباب اظهار البشر والفرح بالضيف في وجهه وحمد الله تعالى وهو يسمع على حصول هذه النعمة والثناء على ضيفه ان لم يخف عليه فتنة فان خاف لم يثن عليه في وجهه وهذا طريق الجمع بين الأحاديث الواردة بجواز ذلك ومنعه وقد جمعتها مع بسط الكلام فيها في كتاب الأذكار وفيه دليل على كمال فضيلة هذا الأنصاري وبلاغته وعظيم معرفته لأنه أتى بكلام مختصر بديع في الحسن في هذا الموطن رضى الله عنه قوله (فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال كلوا من هذه) العذق هنا بكسر العين وهى الكباسة وهى الغصن من النخل وانما أتى بهذا العذق وفيه الملون ليكون أطرف وليجمعوا بين أكل الأنواع فقد يطيب لبعضهم هذا ولبعضهم هذا وفيه دليل على استحباب تقديم الفاكهة على الخبز واللحم وغيرهما وفيه استحباب المبادرة الى الضيف بما تيسر واكرامه بعده بطعام يصنعه له لاسيما ان غلب على ظنه حاجته في الحال الى الطعام وقد يكون شديد الحاجة الى التعجيل وقد يشق عليه انتظار ما يصنع له لاستعجاله للانصراف وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف وهو محمول على ما يشق على صاحب البيت مشقة ظاهرة لأن ذلك يمنعه من الاخلاص وكمال السرور بالضيف وربما ظهر عليه شئ من ذلك فيتأذى به الضيف وقد يحضر شيئا يعرف الضيف من حاله أنه يشق عليه وأنه يتكلفه له فيتأذى الضيف لشفقته عليه وكل هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه لأن أكمل اكرامه إراحة خاطره وإظهار السرور به وأما فعل
[ 214 ]
الأنصاري وذبحه الشاة فليس مما يشق عليه بل لو ذبح أغناما بل جمالا وأنفق أموالا في ضيافة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضى الله عنهما كان مسرورا بذلك مغبوطا فيه والله أعلم قوله (وأخذ المدية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اياك والحلوب) المدية بضم الميم وكسرها هي السكين وتقدم بيانها مرات والحلوب ذات اللبن فعول بمعنى مفعول كركوب ونظائره قوله (فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما والذى نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة) فيه دليل على جواز الشبع وما جاء في كراهة الشبع فمحمول على المداومة عليه لأنه يقسى القلب وينسى أمر المحتاجين وأما السؤال عن هذا النعيم فقال القاضى عياض المراد السؤال عن القيام بحق شكره والذى نعتقده أن السؤال هنا سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها وإظهار الكرامة باسباغها لا سؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة والله أعلم قوله في إسناد الطريق الثاني (وحدثني إسحاق بن منصور أنبأنا أبو هشام يعنى المغيرة بن سلمة أنبأنا يزيد أنبأنا أبو حازم قال سمعت أبا هريرة يقول) هكذا وقع هذا الاسناد في النسخ ببلادنا وحكى القاضى عياض أنه وقع هكذا في رواية ابن ماهان وفى رواية الرازي من طريق الجلودى وأنه وقع من رواية السنجري عن الجلودى بزيادة رجل بين المغيرة بن سلمة ويزيد بن كيسان هو عبد الواحد بن زياد قال أبو على الجيانى ولابد من إثبات عبد الواحد ولا يتصل الحديث
[ 215 ]
إلا به قال وكذلك خرجه أبو مسعود الدمشقي في الأطراف عن مسلم عن إسحق عن مغيرة عن عبد الواحد عن يزيد بن أبى كيسان عن أبى حازم عن أبى هريرة قال الجيانى وما وقع في رواية ابن ماهان وغيره من إسقاطه خطأ بين قلت ونقله خلف الواسطي في الأطراف باسقاط عبد الواحد والظاهر الذى يقتضيه حال مغيرة ويزيد أنه لابد من إثبات عبد الواحد كما قاله الجيانى والله أعلم هذا ما يتعلق بالحديث الأول أما الحديث الثاني وهو حديث طعام جابر ففيه أنواع من الفوائد وجمل من القواعد منها الدليل الظاهر والعلم الباهر من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تظاهرت أحاديث آحاد بمثل هذا حتى زاد مجموعها على التواتر وحصل العلم القطعي بالمعنى الذى اشتركت فيه هذه الأحاد وهو انخراق العادة بما أتى به صلى الله عليه وسلم من تكثير الطعام القليل الكثرة الظاهرة ونبع الماء وتكثيره وتسبيح الطعام وحنين الجذع وغير ذلك مما هو معروف وقد جمع ذلك العلماء في كتب دلائل النبوة كالدلائل للقفال الشاشى وصاحبه أبى عبد الله الحليمى وأبى بكر البيهقى الامام الحافظ وغيرهم بما هو مشهور وأحسنها كتاب البيهقى فلل ه الحمد على ما أنعم به على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلينا باكرامه صلى الله عليه وسلم وبالله التوفيق قوله (حدثنا سعيد بن ميناء) هو بالمد والقصر وقد تقدم بيانه مرات قوله (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم خمصا) هو بفتح الخاء والميم أي رأيته ضامر البطن من الجوع قوله (فانكفأت الى امرأتي) هو بفتح الخاء والميم أي انقلبت ورجعت ووقع في نسخ فانكفيت وهو خلاف المعروف في اللغة بل الصواب انكفأت بالهمز
[ 216 ]
قوله (فأخرجت لى جرابا) وهو وعاء من جلد معروف بكسر الجيم وفتحها الكسر أشهر وقد سبق بيانه قوله (ولنا بهيمة داجن) هي بضم الياء تصغير بهيمة وهى الصغيرة من أولاد الضأن قال الجوهرى وتطلق على الذكر والأنثى كالشاة والسخلة الصغيرة من أولاد المعز وقد سبق قريبا أن الداجن ما ألف البيوت قوله (فجئته فساررته فقلت يا رسول الله) فيه جواز المساررة بالحاجة بحضرة الجماعة وانما نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث كما نوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم (ان جابرا قد صنع لكم سورا فحى هلا بكم) أما السور فبضم السين وإسكان الواو غير مهموز وهو الطعام الذى يدعى إليه وقيل الطعام مطلقا وهى لفظة فارسية وقد تظاهرت أحاديث صحيحة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم بألفاظ غير العربية فيدل على جوازه وأما حى هلا بتنوين هلا وقيل بلا تنوين على وزن علا ويقال حى هل فمعناه عليك بكذا إو ادع بكذا قاله أبو عبيد وغيره وقيل معناه اعجل به وفال الهروي معناه هات وعجل به قوله (وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس) انما فعل هذا لأنه صلى الله عليه وسلم دعاهم فجاؤا تبعا له كصاحب الطعام إذا دعا طائفة يمشى قدامهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحال لا يتقدمهم ولا يمكنهم من وطء
[ 217 ]
عقبيه وفعله هنا لهذه المصلحة قوله (حتى جئت امرأتي فقالت بك وبك) أي ذمته ودعت عليه وقيل معناه بك تلحق الفضيحة وبك يتعلق الذم وقيل معناه جرى هذا برأيك وسوء نظرك وتسببك قوله (قد فعلت الذى قلت لى) معناه أنى أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة قوله (ثم عمد الى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال ادعى خابزة فلتخبز معك) هذه اللفظة وهى ادعى وقعت في بعض الأصول هكذا ادعى بعين ثم باء وهو الصحيح الظاهر لأنه خطاب للمرأة ولهذا قال فلتخبز معك وفى بعضها اذعونى بواو ونون وفى بعضها ادعنى وهما أيضا صحيحان وتقديره اطلبوا واطلب لى خابزة وقوله عمد بفتح الميم وقوله بصق هكذا هو في أكثر الأصول وفى بعضها بسق وهى لغة قليلة والمشهور بصق وبزق وحكى جماعة من أهل اللغة بسق لكنها قليلة كما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم (ولقد حى من برمتكم) أي اغرفي والقدح المغرفة يقال قدحت المرق أقدحه بفتح الدال غرفته قوله (وهم ألف فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وان برمتنا لتغط كما هي وإن عجينتنا لتخبز كما هو) قوله تركوه وانحرفوا أي شبعوا وانصرفوا وقوله تغط بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء أي تغلى ويسمع غليانها وقوله كما هو يعود الى العجين وقد تضمن هذا الحديث علمين من أعلام النبوة أحدهما تكثير الطعام القليل والثانى علمه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي خمسة أنفس أو نحوهم فيكفي ألفا وزيادة فدعا له ألفا قبل أن يصل إليه وقد علم أنه صاع شعير وبهيمة والله أعلم وأما الحديث الثالث وهو حديث أنس في طعام أبى طلحة ففيه أيضا هذان العلمان من أعلام النبوة وهما تكثير القليل وعلمه
[ 218 ]
صلى الله عليه وسلم بأن هذا القليل سيكثره الله تعالى فيكفى هؤلاء الخلق الكثير فدعاهم له واعلم أن أنسا رضى الله عنه روى هنا حديثين الأول من طريق والثانى من طريق وهما قضيتان جرت فيهما هاتان المعجزتان وغيرهما من المعجزات ففى الحديث الأول أن أبا طلحة وأم سليم رضى الله عنهما أرسلا أنسا رضى الله عنه الى النبي صلى الله عليه وسلم بأقراص شعير قال أنس فذهبت فوجدت رسول الله صلى الل عليه وسلم جالسا في المسجد ومعه أصحابه فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلك أبو طلحة فقلت نعم فقال الطعام فقلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم قال فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله ص = معه حتى دخلا فقال رسول الله ص = هلمى ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز فأمر به صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت عليه عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول الله ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون قوله صلى الله
[ 219 ]
عليه وسلم (أرسلك أبو طلحة فقلت نعم) وقوله (الطعام فقلت نعم) هذان علمان من أعلام النبوة وذهابه صلى الله عليه وسلم بهم علم ثالث كما سبق وتكثير الطعام علم رابع وفيه ما تقدم في حديث أبى هريرة وحديث جابر من ابتلاء الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه والاختبار بالجوع وغيره من المشاق ليصبروا فيعظم أجرهم ومنازلهم وفيه ما كانوا عليه من كتمان ما بهم وفيه ما كانت الصحابة رضى الله عنهم عليهم من الاعتناء بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه استحباب بعث الهدية وان كانت قليلة بالنسبة الى مرتبة المبعوث إليه لأنها وان قلت فهى خير من العدم وفيه جلوس العالم لأصحابه يفيدهم ويؤدبهم واستحباب ذلك في المساجد وفيه انطلاق صاحب الطعام بين يدى الضيفان وخروجه ليتلقاهم وفيه منقبة لأم سليم رضى الله عنه ودلالة على عظيم فقهها ورجحان عقلها لقولها الله ورسوله أعلم ومعناه أنه قد عرف الطعام فهو أعلم بالمصلحة فلو لم يعلمها في مجئ الجمع العظيم لم يفعلها فلا تحزن من ذلك وفيه استحباب فت الطعام واختيار الثريد على الغمس باللقم وقوله (عصرت عليه عكة) هي بضم العين وتشديد الكاف وهى وعاء صغير من جلد للسمن خاصة وقوله (فآدمته) هو بالمد والقصر لغتان آدمية وأدمته أي جعلت فيه إداما وانما أذن لعشرة عشرة ليكون أرفق بهم فإن القصعة التى فت فيها تلك الأقراص
[ 220 ]
لا يتحلق عليها أكثر من عشرة الا بضرر يلحقهم لبعدها عنهم والله أعلم وأما الحديث الآخر ففيه أن أنسا قال بعثنى أبو طلحة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأدعوه وقد جعل طعاما فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس فنظر الى فاستحييت فقلت أجب أبا طلحة فقال للناس قوموا وذكر الحديث وأخرج لهم شيئا من بين أصابعه وهذا الحديث قضية أخرى بلاشك
[ 221 ]
وفيها ما سبق في الحديث وزيادة هذا العلم الآخر من أعلام النبوة وهو اخراج ذلك الشئ من بين أصابعه الكريمات صلى الله عليه وسلم قوله (وتركوا سؤرا) هو بالهمزأى بقية قوله (فقام أبو طلحة على الباب حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يارسول الله إنما كان شئ يسير قال هلمه فان الله سيعجل فيه البركة) أما قيام أبى طلحة فلانتظار اقبال النبي صلى الله عليه وسلم فلما أقبل تلقاه وقوله إنما كان شئ يسير هكذا هو في الأصول وهو صحيح وكان هنا تامة لا تحتاج خبرا قوله صلى الله عليه وسلم (فإن الله سيجعل فيه البركة) فيه علم ظاهر من
[ 222 ]
أعلام النبوة وقوله (ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أهل البيت) فيه أنه يستجيب لصاحب الطعام وأهله أن يكون أكلهم بعد فراغ الضيفان والله أعلم قوله (يتقلب ظهرا لبطن) وفي الرواية الأخرى وقد عصب بطنه بعصاية لا مخالفه بينهما وأحدهما يبين الآخر ويقال عصب وعصب بالتخفيف والتشديد قوله (فذهبت إلى أبي طلحة وهو زوج
[ 223 ]
أم سليم بنت ملحان فقلت يا أبتاه) فيه استعمال المجاز لقوله يا أبتاه وانما هو زوج أمه وقوله بنت ملحان هو بكسر الميم والله أعلم باب جواز أكل المرق واستحباب أكل اليقطين وايثار أهل (المائدة بعضهم بعضا وان كانوا ضيفانا إذا لم يكره ذلك صاحب الطعام فيه حديث أنس رضى الله عنه (أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرب إليه خبزا من شعير مرقا فيه دباء وقديد قال أنس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء
[ 224 ]
من حوالى الصحفة فلم أزل أحب الدباء من يومئذ) وفى رواية قال أنس فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه وفى رواية قال أنس فما صنع لى طعام بعد أقدر على أن بصنع فيه دباء الاصنع فيه فوائد منها اجابة الدعوة واباحة كسب الخليط واباحة المرق وفضيلة أكل الدباء وانه يستحب أن يحب الدباء وكذلك كل شئ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه وأنه يحرص على تحصيل ذلك وأنه يستحب لأهل المائدة ايثار بعضهم بعضا إذا لم يكرهه صاحب الطعام وأما تتبع الدباء من حوالى الصحفة فيحتمل وجهين أحدهما من حوالى جانبه وناحيته من الصحفة لامن حوالى جميع جوانبها فقد أمر بالأكل مما يلي الانسان والثانى أن يكون من جميع جوانبها وانما نهى ذلك لئلا يتقذره جليسه ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتقذره أحد بل يتبركون بآثاره صلى الله عليه وسلم فقد كانوا يتبركون ببصاقه صلى الله عليه وسلم ونخامته ويدلكون بذلك وجوههم وشرب بعضهم بوله وبعضهم دمه وغير ذلك مما هو معروف من عظيم اعتنائهم بآثاره صلى الله عليه وسلم التى يخالفه فيها غيره والدباء
[ 225 ]
هو اليقطين وهو بالمد هذا هو المشهور وحكى القاضى عياض فيه القصر أيضا الواحدة دباءة أو دباة والله أعلم باب استحباب وضع النوى خارج التمر واستحباب دعاء الضيف (لأهل الطعام وطلب الدعاء من الضيف الصالح واجابته الى ذلك) فيه يزيد بن خمير عن عبد الله بن بسر رضى الله عنه قال نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى فقربنا له طعاما ورطبة فأكل منها ثم أتى بتمر فكان يأكله ويلقى النوى بين اصبعيه ويجمع السبابة والوسطى قال شعبة هو ظنى وهو فيه ان شاء الله القاء النوى بين الاصبعين ثم أتى بشراب فشربه ثم ناوله الذى عن يمينه فقال أبى وأخذ بلجام دابته ادع الله لنا فقال اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم) وفى الرواية الأخرى ذكره وقال لم يشك في القاء النوى بين الأصبعين عبد الله بن بسر بضم الباء ويزيد بن خمير بضم الخاء المعجمة وفتح الميم وقوله ووطبة هكذا رواية الأكثرين وطبة بالواو واسكان الطاء وبعدها باء موحدة وهكذا رواه النضر بن شميل راوي هذا الحديث عن شعبة والنضر امام من أئمة اللغة وفسره النضر فقال الوطبة الحيس يجمع التمر البرنى والاقط المدقوق والسمن وكذا ضبطه أبو مسعود الدمشقي وأبو بكر البرقانى وآخرون وهكذا هو عندنا في معظم النسخ وفى بعضها رطبة
[ 226 ]
براء مضمومة وفتح الطاء وكذا ذكره الحميدى وقال هكذا جاء فيما رأيناه من نسخ مسلم رطبة بالراء قال وهو تصحيف من الراوى وانما هو بالواو وهذا الذى ادعاه على نسخ مسلم هو فيما رآه هو والا فأكثرها بالواو وكذا نقله أبو مسعود البرقانى والأكثرون عن نسخ مسلم ونقل القاضى عياض عن رواية بعضهم في مسلم وطئه بفتح الواو وكسر الطاء وبعدها همزة وادعى أنه الصواب وهكذا ادعاه آخرون والوطئه بالهمز عند أهل اللغة طعام يتخذ من التمر كالحيس هذا ما ذكروه ولا منافاة بين هذا كله فيقبل ما صحت به الروايات وهو صحيح في اللغة والله أعلم وقوله ويلقى النوى بين أصبعيه أي يجعله بينهما لقلته ولم يلقه في إناء التمر لئلا يختلط بالتمر وقيل كان يجمعه على ظهر الأصبعين ثم يرمى به وقوله قال شعبة هو ظنى وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى معناه أن شعبة قال الذى أظنه أن إلقاء النوى مذكور في الحديث فأشار الى تردد فيه وشك وفى الطريق الثاني جزم بإثباته ولم يشك فهو ثابت بهذه الرواية وأما رواية الشك فلا تضر سواء تقدمت على هذه أو تأخرت لأنه تيقن في وقت وشك في وقت فاليقين ثابت ولا يمنعه النسيان في وقت آخر وقوله فشربه ثم ناوله الذى عن يمينه فيه أن الشراب ونحوه يدارعلى اليمين كما سبق تقريره في بابه قريبا وفيه استحباب طلب الدعاء من الفاضل ودعاء الضيف بتوسعة الرزق والمغفرة والرحمة وقد جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء خيرات الدنيا والآخرة والله أعلم
[ 227 ]
باب أكل القثاء بالرطب فيه عبد الله بن جعفر رضى الله عنه (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب) والقثاء بكسر القاف هو المشهور وفيه لغة بضمها وقد جاء في غير مسلم زيادة قال يكسر حرهذا برد هذا فيه جواز أكلهما معا وأكل الطعامين معا والتوسع في الأطعمة ولا خلاف بين العلماء في جواز هذا وما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمحمول على كراهة اعتياد التوسع والترفه والاكثار منه لغير مصلحة دينية والله أعلم باب استحباب تواضع الآكل وصفة قعوده فيه أنس رضى الله عنه (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقعيا يأكل تمرا) وفى الرواية الأخرى أتى بتمر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقسمه وهو محتفر يأكل منه أكلا ذريعا وفى رواية أكلا حثيثا قوله (مقعيا) أي جالسا على إليتيه ناصبا ساقيه ومحتفز هو بالزاى أي مستعجل مستوفز غير متمكن في جلوسه وهو بمعنى قوله مقعيا وهو أيضا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر في صحيح البخاري وغيره لا أكل متكئا على ما فسره الامام الخطابى فإنه قال المتكئ هنا المتمكن في جلوسه من التربع وشبهه المعتمد على الوطاء تحته قال وكل من استوى قاعدا على وطاء فهو متكئ ومعناه لا أكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام ويقعد له متمكنا بل أقعد مستوفزا وآكل قليلا وقوله أكلا ذريعا وحثيثا هما بمعنى أي مستعجلا صلى الله عليه وسلم لاستيفازه لشغل آخر فأسرع في الأكل وكان استعجاله ليقضى حاجته منه ويرد الجوعة ثم يذهب في ذلك الشغل وقوله فجعل النبي صلى الله عليه وسلم
[ 228 ]
يقسمه أي يفرقه على من يراه أهلا لذلك وهذا التمر كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرع بتفريقه صلى الله عليه وسلم فلهذا كان يأكل منه والله أعلم باب نهى الآكل مع جماعة عن قران تمرتين (ونحوهما في لقمة إلا باذن أصحابه) (فيه شعبة عن جبلة بن سحيم قال كان ابن الزبير رضى الله عنه يرزقنا التمر وكان أصاب الناس يومئذ جهد فكنا نأكل فيمر علينا ابن عمر رضى الله عنه ونحن نأكل فيقول لا تقارنوا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الاقران إلا أن يستأذن الرجل أخاه قال شعبة لاأرى هذه الكلمة إلامن كلمة ابن عمر رضى الله عنه يعنى الاستئذان) وفى الرواية الأخرى عن سفيان عن جبلة عن ابن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين حتى يستأذن أصحابه هذا النهى متفق عليه حتى يستأذن فإذا أذنو فلا بأس واختلفوا في أن هذا النهى على التحريم أو على الكراهة والأدب فنقل القاضى عياض عن أهل الظاهر أنه للتحريم وعن غيرهم أنه للكراهة والأدب والصواب التفصيل فإن كان الطعام مشتركا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم
[ 229 ]
ويحصل الرضا بتصريحهم به أو بما يقوم مقام التصريح من قرينة حال أو إدلال عليهم كلهم بحيث يعلم يقينا أو ظنا قويا أنهم يرضون به ومتى شك في رضاهم فهو حرام وان كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده فإن قرن بغير رضاه فحرام ويستحب أن يستأذن الآكلين معه ولا يجب وان كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه القران ثم ان كان في الطعام قلة فحسن أن لايقرن لتساوي بهم وان كان كثيرا بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه لكن الأدب مطلقا التأدب في الأكل وترك الشره الا أن يكون مستعجلا ويريد الاسراع لشغل آخر كما شبق في الباب قبله وقال الخطابى انما كان هذا في زمنهم وحين كان الطعام ضيقا فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة الى الاذن وليس كما قال بل الصواب ما ذكرنا من التفضيل فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لو ثبت السبب كيف وهو غير ثابت والله أعلم وقوله أصاب الناس جهد يعنى قلة وحاجة ومشقة وقوله يقرن أي يجمع وهو بضم الراء وكسرها لغتان وقوله نهى عن الاقران هكذا هو في الأصول والمعروف في اللغة القران يقال قرن بين الشيئين قالوا ولايقال أقرنت وقوله قال شعبة لاأرى هذه الكلمة إلا من كلمة ابن عمر يعني بالكلمة الكلام وهذا شائع معروف وهذا الذي قاله شعبة لا يؤثر في رفع الاستئذان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه نفاه بظن وحسبان وقد أثبته سفيان في الرواية الثانية فثبت
[ 230 ]
باب في ادخار التمر ونحوه من الأقوات للعيال
[ 229 ]
ويحصل الرضا بتصريحهم به أو بما يقوم مقام التصريح من قرينة حال أو إدلال عليهم كلهم بحيث يعلم يقينا أو ظنا قويا أنهم يرضون به ومتى شك في رضاهم فهو حرام وان كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده فإن قرن بغير رضاه فحرام ويستحب أن يستأذن الآكلين معه ولا يجب وان كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه القران ثم ان كان في الطعام قلة فحسن أن لايقرن لتساوي بهم وان كان كثيرا بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه لكن الأدب مطلقا التأدب في الأكل وترك الشره الا أن يكون مستعجلا ويريد الاسراع لشغل آخر كما شبق في الباب قبله وقال الخطابى انما كان هذا في زمنهم وحين كان الطعام ضيقا فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة الى الاذن وليس كما قال بل الصواب ما ذكرنا من التفضيل فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لو ثبت السبب كيف وهو غير ثابت والله أعلم وقوله أصاب الناس جهد يعنى قلة وحاجة ومشقة وقوله يقرن أي يجمع وهو بضم الراء وكسرها لغتان وقوله نهى عن الاقران هكذا هو في الأصول والمعروف في اللغة القران يقال قرن بين الشيئين قالوا ولايقال أقرنت وقوله قال شعبة لاأرى هذه الكلمة إلا من كلمة ابن عمر يعني بالكلمة الكلام وهذا شائع معروف وهذا الذي قاله شعبة لا يؤثر في رفع الاستئذان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه نفاه بظن وحسبان وقد أثبته سفيان في الرواية الثانية فثبت
[ 230 ]
باب في ادخار التمر ونحوه من الأقوات للعيال فيه قوله صلى الله عليه وسلم (لا يجوع أهل بيت عندهم التمر) وفى الرواية الأخرى بيت لاتمر فيه جياع أهله فيه فضيلة التمر وجواز الادخال للعيال والحث عليه وفى اسناده عبد الله بن مسلمة عن يعقوب بن محمد بن طحلاء عن أبى الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمهم عائشة أما طجلاء فبتح الطاء واسكان الحاء المهملتين وبالمد وأما أبو الرجال فلقب له لأنه كان له عشرة أولاد رجال وأمه عمرة بنت عبد الرحمن وهذا الاسناد كله مدنيون