شرح مسلم
النووي ج 10

[ 1 ]
صحيح مسلم بشرح النووط الجزء العاشر ناشر دار الكتاب العربي بيروت . لبنان الطبعة الاولى 1407 ه‍ . 1987 م
[ 2 ]
لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره (ويطأها ثم يفارقها وتنقضي عدتها) قولها (فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير) هو بفتح الزاي وكسر الباء بلا خلاف وهو الزبير بن باطاء ويقال باطياء وكان عبد الرحمن صحابيا والزبير قتل يهوديا في غزوة بنى قريظه وهذا الذي ذكرنا من أن عبد الرحمن بن الزبير بن باطاء القرظى هو الذي تزوج امرأة رفاعة القرظى هو الذي ذكره أبو عمر بن عبد البر والمحققون وقال ابن منده وأبو نعيم الاصبهاني في كتابيهما في معرفة الصحابة إنما هو عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف ابن مالك بن أوس والصواب الأول قولها فبت طلاقي أي طلقني ثلاثا قولها هدبة الثوب هو بضم الهاء وسكان الدال وهي طرفة الذي لم ينسج شبهوها بهدب العين وهو شعر جفنها قوله ص = (لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) هو بضم العين وفتح السين تصغير
[ 3 ]
عسلة وهي كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته قالوا وأنث العسيلة لأن العسيلة نعتين التذكير والتأنيث وقيل أنثها على إرادة النطفة وهذا ضعيف لأن الانزال لا يشترط وفي هذا الحديث أن المطلقة ثلاثا تحل لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره ويطأها ثم يفارقها وتنقضي عدتها فأما مجرد عقدة عليها فلا يبيحها للأول وبه قال جميع العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وانفرد سعيد بن المسيب فقال إذا عقد الثاني عليها ثم فارقها حلت للأول ولا يشترط وطء الثاني لقول الله تعالى حتى تنكح زوجا غيره والنكاح حقيقة في العقد على الصحيح وأجاب الجمهور بأن هذا الحديث مخصص لعموم الآية ومبين للمراد بها قال العلماء ولعل سعيدا لم يبلغه هذا الحديث قال القاضى عياض لم يقل أحد يقول سعيد في هذا الا طائفة من الخوارج واتفق العلماء على أن تغييب الحشفة في قبلها كاف في ذلك من غير إنزال المنى وشذ الحسن البصري فشرط إنزال المنى وجعله حقيقة العسيلة قال الجمهور بدخول الذكر تحصل اللذة والعسيلة ولو وطئها في نكاح فاسد لم تحل للأول على الصحيح لأنه ليس بزوج قوله (ان النبي ص = تبسم) قال العلما
[ 4 ]
ان التبسم للتعجب من جهرها وتصريحها بهذا الذي تستحي النساء منه في العادة أو لرغبتها في زوجها الأول وكراهة الثاني والله أعلم
[ 5 ]
ما يستحب أن يقوله عند الجماع قوله ص = (لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه ان يقدر بينهما في ذلك ولد لم يضره شيطان أبدا) قال القاضى قيل المراد بأنه لا يضره أنه لا يصرعه شيطان وقيل لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته بخلاف غيره قال ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة والاغواء هذا كلام القاضي
[ 6 ]
جواز جماعة امرأته في قبلها من قدامها ومن ورائها (من غير تعرض للدبر) قول جابر (كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) وفي رواية ان شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير ان ذلك في صمام واحد المجبية بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم باء موحدة مشددة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت أي مكبوبة على وجهها والصمام بكسر الصاد أي ثقب واحد والمراد به القبل قال العلماء وقوله تعالى فأتو حرثكم أنى شئتم أي موضع الزرع من المرأة وهو قبلها الذي يزرع فيه المنى لابتغاء الولد ففيه إباحة وطئها في قبلها إن شاء من بين يديها وإن شاء من ورائها وإن شاء مكبوبة وأما الدبر فليس هو بحرث ولا موضع زرع ومعنى قوله أنى شئتم أي كيف شئتم واتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضا كانت أو طاهرا لأحاديث كثيرة مشهورة كحديث ملعون من أتى امرأة في دبرها قال أصحابنا لا يحل الوطء في الدبر في شئ من الآدميين ولا غيرهم من الحيوان في حال من الأحوال والله أعلم قوله (إن يهود كانت تقول) هكذا هو في النسخ يهود غير مصروف لان المراد قبيلة اليهود فامتنع صرفه للتأنيث والعلمية
[ 7 ]
تحريم امتناعها من فراش زوجها قوله ص = (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح وفي رواية حتى ترجع هذا دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعى وليس الحيض
[ 8 ]
بعذر الامتناع لان له حقا في الاستمتاع بها فوق الازرار ومعنى الحديث أن اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية بطلوع الفجر والاستغناء عنها أو بتوبتها ورجوعا الى الفراش قوله ص = (فبات غضبان عليها) وفي بعض النسخ غضبانا تحريم إفشاء المرأة قوله ص = (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) قال القاضى هكذا وقعت الرواية أشر بالألف وأهل النحو يقولون لا يجوز أشر وأخير وإنما يقال هو خير منه وشر منه قال وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعا وهي حجة في جوازهما جميعا وأنهما لغتان وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجرى بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجرى من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف
[ 9 ]
المروءة وقد قال ص = من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه اعراضه عنها أو تدعى عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره كما قال ص = انى لأفعله أنا وهذه وقال ص = لأبي طلحة أعرستم الليلة وقال لجابر الكيس الكيس والله أعلم حكم العزل العزل هو أن يجامع فإذا قارب الانزال نزع وأنزل خارج الفرج وهو مكروه عندنا في كل حال وكل امرأة سواء رضيت أم لا لأنه طريق الى قطع النسل ولهذا جاء في الحديث الآخر تسميته الوأد الخفى لأنه قطع طريق الولادة كما يقتل المولود بالوأد وأما التحريم فقال أصحابنا لا يحرم في مملوكته ولا في زوجته الأمة سواء رضيتا أم لا لأن عليه ضررا في مملوكته بمصيرها أم ولد وامتناع بيعها وعليه ضرر في زوجته الرقيقة بمصير ولده رقيقا تبعا لأمه وأما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم ولا فوجهان أصحهما لا يحرم ثم هذه الأحاديث مع غيرها يجمع بينها بأن ما ورد في النهى محمول على كراهة التنزيه وما ورد في الاذن في ذلك محمول على أنه ليس بحرام وليس
[ 10 ]
معناه نفى الكراهة هذا مختصر ما يتعلق بالباب من الأحكام والجمع بين الأحاديث وللسلف خلاف كنحو ما ذكرناه من مذهبنا ومن حرمه بغير إذن الزوجة الحرة قال عليها ضرر في العزل فيشترط لجوازه إذنها قوله (غزوة بلمصطلق) أي بنى المصطلق وهي غزوة المريسيع قال القاضى قال أهل الحديث هذا أولى من رواية موسى بن عقبة أنه كان في غزوة أوطاس قوله (كرائم العرب) أي النفيسات منهم قوله (فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء) معناه احتجنا إلى الوطء وخفنا من الحبل فتصير أم ولد يمتنع علينا بيعها وأخذ الفداء فيها فيستنبط منه منع بيع أم الولد وأن هذا كان مشهورا عندهم قوله ص = (لا عليكم ألا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة الى يوم القيامة الا ستكون) معناه ما عليكم ضرر في ترك العزل لان كل نفس قدر الله تعالى خلقها لابد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا وما لم بقدر خلقها الا يقع سواء
[ 11 ]
سواء عزلتم أم لا فلا فائدة في عزلكم فإنه ان كان الله تعالى قدر خلقها سبقكم الماء فلا ينفع حرصكم في منع الخلق وفي هذا الحديث دلالة لمذهب جماهير العلماء أن العرب يجرى عليهم الرق كما يجرى على العجم وأنهم كانوا مشركين وسبوا جاز استرقاقهم لان بنى المصطلق عر ب صلبية من
[ 12 ]
خزاعة وقد استرقوهم ووطئوا سباياهم واستباحوا بيعهن وأخذ فدائهن وبهذا قال مالك والشافعي
[ 13 ]
في قوله الصحيح الجديد وجمهور العلماء وقال أبو حنيفة والشافعي في قوله القديم لا يجرى عليهم الرق لشرفهم والله اعلم (قوله إن لي جارية) هي خادمنا وسانيتنا أي التي تسقى لنا شبهها بالبعير في ذلك قوله ص = للذي اخبره بأن له جارية يعزل عنها (إن شئت ثم أخبره أنها حبلت) الى آخره فيه دلالة على الحاق النسب مع العزل لان الماء قد سبق وفيه أنه إذا اعترف بوطء أمته صارت فراشا له وتلحقه أولادها الا أن يدعى الاستبراء وهو مذهبنا ومذهب مالك قوله ص = (انا عبد الله ورسوله) معناه هنا أن ما أقول لكم حق فاعتمدوه واستيقنوه فإنه يأتي مثل فلق الصبح
[ 14 ]
تحريم وطء الحامل المسبية قوله (عن يزيد بن خمير) هو بالخاء المعجمة قوله (أتى بامرأة مجح على باب فسطاط) المجح بميم مضمومة ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة وهي الحامل التي قربت ولادتها وفي الفسطاط ست لغات فسطاط وفستاط وفساط بحذف الطاء والتاء لكن بتشديد السين وبضم الفاء وكسرها في الثلاثة وهو نحو بيت الشعر قوله (أتى بامرأة على باب فسطاط فقال لعله يريد أن يلم بها فقالوا نعم فقال لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف
[ 15 ]
يستخدمه وهو لا يحل له) معنى يلم بها أي يطأها وكانت حاملا مسبية لا يحل جماعها حتى تضع وأما قوله ص = كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له فمعناه انه قد تتأخر ولادتها ستة اشهر حيث يحتمل كون الولد من هذا السابى ويحتمل أنه كان ممن قبله فعلى تقدير كونه من السابى يكون ولدا له ويتوارثان وعلى تقدير كونه من غير السابى لا يتوارثان هو ولا السابى لعدم القرابة بل له استخدامه لأنه مملوكه فتقدير الحديث أنه قد يستلحقه ويجعله ابنا له ويورثه مع أنه لا يحل له توريثه لكونه ليس منه ولا يحل توارثه ومزاحمته لباقي الورثة وقد يستخدمه استخدام العبيد ويجعله عبدا يمتلكه مع أنه لا يحل له ذلك لكونه منه إذا وضعته لمدة محتملة كونه من كل واحد منهما فيجب عليه الامتناع من وطئها خوفا من هذا المحظور فهذا هو الظاهر في معنى الحديث وقال القاضى عياض معناه الاشارة الى أنه قد ينمى هذا الجنين بنطفة هذا السابى فيصير مشاركا فيه فيمتنع الاستخدام قال وهو نظير الحديث الآخر من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه ولد غيره هذا كلام القاضى وهذا الذي قاله ضعيف أو باطل وكيف ينتظم التوريث مع هذا التأويل بل الصواب ما قدمناه والله أعلم جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل قوله (عن جدامة بنت وهب) ذكر مسلم اختلاف الرواة فيها هل هي بالدال المهملة أم بالذال المعجمة
[ 16 ]
قال والصحيح أنه بالدال يعنى المهملة وهكذا قال جمهور العلماء أن الصحيح أنها بالمهملة والجيم مضمومة بلا خلاف وقوله جدامة بنت وهب وفي الرواية الأخرى جدامة بنت وهب أخت عكاشة قال القاضى عياض قال بعضهم أنها أخت عكاشة على قول مقال أنها جدامه بنت وهب بن محصن وقال آخرون هي أخت رجل آخر يقال له عكاشه بن وهب ليس بعكاشة بن محصن المشهور وقال الطبري هي جدامة بنت جندل هاجرت قال والمحدثون قالوا فيها جدامة بنت وهب هذا ما ذكره القاضى والمختار أنها جدامة بنت وهب الاسدية أخت عكاشة بن محصن المشهور الاسدي وتكون أخته من أمه وفي عكاشه لغتان سبقتا في كتاب الايمان تشديد الكاف وتخفيفها والتشديد أفصح وأشهر قوله ص = (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم) قال أهل اللغة الغيلة هنا بكسر الغين ويقال لها الغيل بفتح الغين مع حذف الهاء والغيال بكسر الغين كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة وقال جماعة من أهل اللغة الغيلة بالفتح المرة الواحدة وأما بالكسر فهي الاسم من الغيل وقيل ان اريد بها وطء المرضع جاز الغيلة والغيلة بالكسر والفتح واختلف العلماء في المراد بالغيلة في هذا الحديث وهي الغيل فقال مالك في الموطأ والاصمعى وغيره من أهل اللغة أن يجامع امرأته وهي مرضع يقال منه أغال الرجل وأغيل إذا فعل ذلك وقال ابن السكيت هو أن ترضع المرأة وهي حامل يقال منه غالت وأغيل قال العلماء سبب همه ص = بالنهي عنها أنه يخاف من ضرر الولد الرضيع قالوا والاطباء يقولون ان ذلك اللبن داء والعرب تكرهه وتتقيه وفي الحديث جواز الغيلة فإنه ص = لم ينه عنها وبين سبب ترك النهى وفيه جواز
[ 17 ]
الاجتهاد لرسول الله ص = وبه قال جمهور أهل الأصول وقيل لا يجوز لتمكنه من الوحى والصواب الأول قوله ص = (فإذا هم يغيلون) هو بضم الياء لأنه من أغال يغيل كما سبق قوله (ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله ص = ذاك الوأد الخفي) وهي وإذا الموؤدة سئلت الوأد والموؤدة بالهمز والوأد دفن البنت وهي حية وكانت العرب تفعله خشية الاملاق وربما فعلوه خوف العار والمؤدة البنت المدفونة حية ويقال وأدت المرأة ولدها وأدا قيل سميت موؤدة لأنها تثقل بالتراب وقد سبق في باب العزل وجه تسمية هذا وأدا وهو مشابهته الوأد في تفويت الحياة وقوله في هذا الحديث وإذا الموؤدة سئلت معناه أن العزل يشبه الوأد المذكور في هذه الآية قوله (حدثنى عياش بن عباس) الأول بالشين المعجمة وأبوه بالسين
[ 18 ]
المهملة وهو عياش بن عباس القتبانى بكسر القاف منسوب الى قتبان بطن من رعين قوله (أشفق على ولدها) هو بضم الهمزة وكسر الفاء أي أخاف قوله ص = (ما ضار ذلك فارس ولا الروم) هو بتخفيف الراء أي ما ضرهم يقال ضاره يضيره ضيرا وضره يضره ضرا وضرا والله أعلم كتاب الرضاع هو بفتح الراء وكسرها والرضاعة بفتح الراء وكسرها وقد رضع الصبى أمه بكسر الضاد يرضعها بفتحها غالبا قال الجوهرى ويقول أهل نجد رضع يرضع بفتح الضاد في الماضي وكسرها في المضارع رضعا كضرب يضرب ضربا وأرضعته أمه امرأة مرضع أي لها ولد ترضعه فإن رضعتها بارضاعه قلت مرضعة بالهاء والله أعلم قوله ص = (إن
[ 19 ]
الرضاعة تحرم ما تحرمه الولادة وفي رواية يحرم من الرضاع ما يحر من الولادة وفي حديث قصة حفصة وحديث قصة عائشة الاذن لدخول العم من الرضاعة عليها وفي الحديث الآخر فليلج عليك عمك قلت انما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل قال انه عمك فليلج عليك هذه الأحاديث متفقة عل ثبوت حرمة الرضاع وأجمعت الأمة على ثبوتها بين الرضيع والمرضعة وأنه يصير ابنها يحرم عليه نكاحها أبدا ويحل له النظر إليها والخلوة بها والمسافرة ولا يترتب عليه أحكام الأمومة من كل وجه فلا يتوارثان ولا يجب على واحد منهما نفقة الآخر ولا يعتق عليه بالملك ولا ترد شهادته لها ولا يعقل عنها ولا يسقط عنها القصاص بقتله فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام وأجمعوا أيضا على انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع وبين الرضيع وأولاد المرضعة وأنه في ذلك كولدها من النسب لهذه الأحاديث وأما الرجل المنسوب ذلك اللبن إليه لكونه زوج المرأة أو وطئها بملك أو شبهة فمذهبنا ومذهب العلماء كافة ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولدا له وأولاد الرجل أخوة الرضيع وأخواته وتكون أخوة الرجل أعمام الرضيع وأخواته عماته وتكون أولاد الرضيع أولاد الرجل ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر وابن عليه فقالوا لا تثبت حرمة الرضاع بين الرجل والرضيع ونقله المازرى عن ابن عمر وعائشة واحتجوا بقوله تعالى وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ولم يذكر البنت والعمة كما ذكرهما في النسب واحتج الجمهور بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة في عم عائشة وعم حفصة قوله ص = مع إذنه فيه أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة وأجابوا عما احتجوا به من الآية أنه ليس فيها نص بإباحة البنت والعمة ونحوهما لأن ذكر الشئ لا يدل على سقوط الحكم عما سواه لو لم يعارضه دليل آخر كيف وقد جاءت هذه الاحاديث الصحيحة والله أعلم قوله ص = (أراه فلانا) لعم حفصة هو بضم الهمزة أي أظنه قوله (حدثنا علي بن هاشم بن البريد) هو بباء موحدة مفتوحة
[ 20 ]
ثم راء مكسورة ثم ياء مثناة تحت قوله (عن عائشة أنها أخبرته أن أفلح أخا أبى القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة) الى آخره وذكر الحديث السابق في أول الباب عن عائشة أنها قالت يا رسول الله لو كان فلانا حيا لعمها من الرضاعة دخل على قال رسول الله ص = نعم ان الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة اختلف العلماء في عم عائشة المذكور فقال أبو الحسن القابسى هما عمان لعائشة من الرضاعة أحدهما أخو أبيها أبى بكر من الرضاعة ارتضع هو وأبو بكر رضي الله عنه من امرأة واحدة والثاني أخو أبيها من الرضاعة الذي هو أبو القعيس وأبو القعيس أبوها من الرضاعة وأخوه أفلح عمها وقيل عم واحد وهذا غلط فإن عمها في الحديث الأول ميت وفي الثاني حي جاء يستأذن فالصواب ما قاله القابسى وذكر القاضى القولين ثم قال قول القابسى أشبه لأنه لو كان واحدا لفهمت حكمه من المرة الأولى ولم تحتجب منه بعد ذلك فإن قيل فإذا كان عمين كيف سألت على الميت وأعلمها النبي ص = أنه عم
[ 21 ]
لها يدخل عليها واحتجت عن عمها الآخر أخى أبي القعيس حتى أعلمها النبي ص بأنه عمها يلج عليها فهلا اكتفت بأحد السؤالين فالجواب أنه يحتمل أن احدهما كان عما من أحد الأبوين والآخر منهما أو عما أعلى والآخر أدنى أو نحو ذلك من الاختلاف فخافت أن تكون الاباحة مختصة بصاحب الوصف المسئول عن أولا والله أعلم قوله (عن عائشة أن أفلح أخا أبى القعيس جاء يستأذن عليها) وفي رواية أفلح بن أبي قعيس وفي رواية استأذن على عمى من الرضاعة أبو الجعد فرددته قال لي هشام إنما هو أبو القعيس وفي رواية أفلح بن قعيس قال الحفاظ الصواب الرواية الأولى وهي التي كررها مسلم في أحاديث الباب وهي المعروفة في كتب الحديث وغيرها أن عمها من الرضاعة هو أفلح أخو أبى القعيس وكنية أفلح أبو الجعد والقعيس بضم القاف وفتح العين وبالسين المهملة قوله ص = (تربت يداك أو يمينك)
[ 23 ]
سبق شرحه في كتاب الغسل قوله (مالك تنوق في قريش) هو بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم نون مفتوحة ثم واو مفتوحة مشددة ثم قاف أي تختار وتبالغ في الاختيار قال القاضى وضبطه بعضهم بتاءين مثناتين الثانية مضمومة أي تميل قوله (وحدثنا هداب) هو بفتح الهاء وتشديد الدال المهملة ويقال له هدبه بضم الهاء وسبق بيانه مرات قوله (أريد على ابنة حمزة) هو بضم الهمزة
[ 24 ]
وكسر الراء ومعناها قيل له يتزوجها قوله (محمد بن يحيى بن مهران القطعي) هو بضم القاف وفتح الطاء منسوب الى قطيعة قبيلة معروفة وهو قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد ابن قيس بن عيلان بالعين المهملة قوله (كليهما عن قتادة) كذا وقع في بعض النسخ وفى بعضها كلاهما وهو الجارى على المشهور والأول صحيح أيضا وقد سبق بيان وجهه في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح قوله (وفى رواية بشر سمعت جابر بن زيد) يعنى في رواية بشر أن قتادة قال سمعت جابر بن زيد وهذا مما يحتاج الى بيانه لأن قتاده مدلس وقد قال في الرواية الأولى قتادة عن جابر وقد علم أن المدلس لا يحتج بعنعنته حتى يثبت سماعه لذلك الحديث فنبه مسلم على ثبوته قوله (أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت عبد الله بن مسلم يقول سمعت محمد بن مسلم يقول سمعت حميد بن عبد الرحمن يقول سمعت أم سلمة) هذا الاسناد فيه أربعة تابعيون أولهم بكير بن عبد الله بن الأشج روى عن جماعة من الصحابة والثانى عبد الله بن مسلم الزهري
[ 25 ]
أخو الزهري المشهور وهو تابعي سمع ابن عمر وآخرين من الصحابة وهو أكبر من أخيه الزهري المشهور والثالث محمد بن مسلم الزهري المشهور وهو أخو عبد الله الراوى عنه كما ذكرنا والرابع حميد بن عبد الرحمن بن عوف وهو والزهرى تابعيان مشهوران ففى هذا الاسناد ثلاث لطائف من علم الاسناد أحدها كونه جمع أربعة تابعيين بعضهم عن بعض الثانية أن فيه رواية الكبير عن الصغير لأن عبد الله أكبر من أخيه محمد كما سبق الثالثة أن فيه رواية الأخ عن أخيه قولها (لست لك بمخيلة) هبضم الميم وإسكان الخاء المعجمة أي لست أخلى لك بغير ضرة قولها (لست لك بمخلية) هو بضم الميم وإسكان الخاء المعجمة أي لست أخلى لك بغير ضرة قولها (وأحب من شركني في الخير أختى) هو بفتح الشين وكسر الراء أي أحب من شاركني فيك وفي صحبتك والانتفاع منك بخيرات الآخرة والدنيا قولها (تخطب درة بنت أبي سلمة) هي بضم الدال وتشددي الراء وهذا لا خلاف فيه وأما ما حكاه القاضي عياض عن بعض الرواة كتاب مسلم أنه ضبطه ذرة بفتح الذال المعجمة فتصحيف لا شك فيه قولها (قال ابنة أم سلمة قلت نعم) هذا سؤال استثبات ونفي احتمال إرادغيرها قوله ص = (لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة) معناه أنه حرام على بسببين كونها ربيبة وكونها بنت أخي فلو فقد أحد السببين حرمت بالآخر والربيبة بنت الزوجة مشتقة من الرب وهو الاصلاح لأنه يقوم بأمورها ويصلح أوحوالها ووقع في بعض كتب الفقه أنها
[ 26 ]
مشتقة من التربية وهذا غلط فاحش فإن من شرط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية ولام الكلمة وهو الحرف الأخير مختلف فإن آخر رب باء موحدة وفي آخر ربى ياء مثناة من تحت والله أعلم والحجر بفتح الحاء وكسرها وأما قوله ص = ربيبتي في حجري ففيه حجة لداود الظاهرى أن الربيبة لا تحرم الا إذا كانت في حجر زوج امها فإن لم تكن في حجره فهي حلال له وهو موافق لظاهر قوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم ومذهب العلماء كافة سوى داود أنها حرام سواء كانت في حجره أم لا قولوا والتقييد إذا خرج على سبب لكونه الغالب لم يكن له مفهوم يعمل به فلا يقصر الحكم عليه ونظيره قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ومعلوم أنه يحرم قتلهم بغير ذلك أيضا لكن خرج التقييد بالاملاق لأنه الغالب وقوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ونظائره في القرآن كثيرة قوله (ص = أرضعتني وأباها ثويبة) أباها بالباء الموحدة أي أرضعت أنا وأبوها أبو سلمة من ثويبة بثاء مثلثة مضمومة ثم واو مفتوحة ثم ياء التصغير ثم ياء موحدة ثم هاء وهي مولاة لأبي لهب ارتضع منهاص = قبل حليمة السعدية رضي الله عنها قوله ص = (فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن) إشارة إلى أخت أم حبيبة وبنت أم سلمة واسم أخت أم حبيبة هذه عزة بفتح العين المهملة وقد سماها في الرواية الأخرى وهذا
[ 27 ]
محمول على أنها لم تعلم حينئذ تحريم الجمع بين الأختين وكذا لم تعلم من عرض بنت أم سلمة تحريم الريبة وكذا لم تعلم من عرض بنت حمزة تحريم بنت الأخ من الرضاعة أو لم تعلم أن حمزة أخ له من الرضاع والله أعلم قوله ص = (لا تحرم المصة والمصتان) وفي رواية لا تحرم الا ملاجة والاملاجتان وفي رواية قال يا نبي الله هل تحرم الرضعة الواحدة قال لا وفي رواية عائشة قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله ص = وهن فيما يقرأ من القرآن أما الاملاجة فبكسر الهمزة والجيم المخففة وهي
[ 29 ]
المصة يقال ملج الصبي أمه وأملجته وقولها (فتوفى رسول الله ص = وهن فيما يقرأ) هو بضم الياء من يقرأ ومعناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا حتى أنه ص = توفى وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه السنخ لقرب عهده فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى والنسخ ثلاثة أنواع أحدها ما نسخ حكمه وتلاوته كعشر رضعات والثاني ما نسخت تلاوته دون حكمة كخمس رضعات وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما والثالث ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر ومنه قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم الآية والله أعلم واختلف العلماء في القدر الذي يثبت به حكم الرضاع فقالت عائشة والشافعي وأصحابه لا يثبت بأقل من خمس رضعات وقال جمهور العلماء يثبت برضعة واحدة حكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة رضي الله عنهم وقال أبو ثور وأبو عبيدة بن المنذر وداود يثبت بثلاث رضعات ولا يثبت بأقل فأما الشافي وموافقوه فأخذوا بحديث عائشة خمس رضعات معلومات وأخذ مالك بقوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ولم يذكر عددا وأخذ داود بمفهوم حديث لا تحرم المصة والمصتان وقال هو مبين للقرآن
[ 30 ]
واعترض أصحاب الشافعي على المالكية فقالوا إنما كانت تحصل الدلالة لكم لو كانت الآية واللاتي أرضعنكم أمهاتكم واعترض أصحاب مالك على الشافعية بأن حديث عائشة هذا لا يحتج به عندكم وعند محققي الأصوليين لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد وإذا لم يثبت قرآنا لم يثبت بخبر الواحد عن النبي ص = لأن خبر الواحد إذا توجه إليه قادح يوقف عن العمل به وهذا إذا لم يجئ إلا بآحاد مع أن العادة مجيئة متواترا توجب ريبة والله أعلم واعترضت الشافعية على المالكية بحديث المصة والمصتان وأجابوا عنه بأجوبة باطلة لا ينبغي ذكرها لكن ننبه عليها خوفا من الاغترار بها منه أن بعضهم ادعى أنها منسوخة وهذا باطل لا يثبت بمجرد الدعوى ومنها أن بعضهم زعم أنه موقوف على عائشة وهذا خطأ فاحش بل قد ذكره مسلم وغيره من طرق صحاح مرفوعا من رواية عائشة ومن رواية أم الفضل ومنها أن بعضهم زعم أنه مضطرب وهذا غلط ظاهر وجسارة على رد السنن بمجرد الهوى وتوهين صحيحها لنصرة المذاهب وقد جاء في اشتراط العدد أحاديث كثيرة مشهورة والصواب اشتراطه قال القاضي عياض وقد شذ بعض الناس فقال لا يثبت الرضاع إلا بعشر رضعات وهذا باطل مردود والله اعلم قوله (امرأتي الحدثى) هو بضم الحاء وإسكان الدال أي الجديدة قوله (حدثنا حبان حدثنا همام) هو حبان بن هلال وهو بفتح الحاء وبالباء الموحدة وذكر مسلم سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة وإرضاعها سالما وهو رجل واختلف العلماء في هذه المسألة فقالت عائشة وداود تثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ كما تثبت برضاع الطفل لهذا الحديث وقال سائر العلماء من الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار الى الآن لا يثبت الا بإرضاع من له دون سنتين إلا أبا حنيفة فقال سنتين ونصف وقال زفر ثلاث سنين وعن مالك رواية سنتين وأيام واحتج الجمهور بقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وبالحديث الذي ذكره مسلم بعد هذا إنما الرضاعة من المجاعة وبأحاديث
[ 31 ]
مشهورة وحملوا حديث سهلة على أنه مختص بها وبسالم وقد روى مسلم عن أم سلمة وسائر أزواج رسول الله ص = أنهن خالفن عائشة في هذا والله أعلم قوله ص = (أرضعيه) قال القاضي لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما وهذا الذي قاله القاضي حسن ويحتمل أنه عفى عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر والله أعلم
[ 32 ]
قوله (مكثت سنة أو قريبا منها لا أحدث به وهبته) هكذا هو في بعض النسخ وهبته من الهيبة وهي الاجلال وفي بعضها رهبته بالراء من الرهبة وهي الخوف وهي بكسر الهاء وإسكان الباء وضم التاء وضبطه القاضي وبعضهم رهبته بإسكان الهاء وفتح الباء ونصب التاء قال القاضي هو منصوب بإسقاط حرف الجر والضبط الأول أحسن وهو الموفق للنسخ الآخر وهبته بالواو
[ 33 ]
وقولها يدخل عليك الغلام الأيفع هو بالياء المثناة من تحت وبالفاء وهو الذي قارب البلوغ ولم يبلغ وجمعه أيفاع وقد أيفع الغلام ويفع وهو يافع والله أعلم
[ 34 ]
جواز وطء المسبية بعد الاستبراء (وإن كان لها زوج انفسخ نكاحه بالسبي) قوله (حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبى الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري) وفي الطريق الثاني عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة عن أبي سعيد الخدري وفي الطريق الآخر عن شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري من غير ذكر أبي علقمة هكذا هو في جميع نسخ بلادنا وكذا ذكره أبو على الغساني عن رواية الجلودى وابن ماهان قال وكذلك ذكره أبو مسعود الدمشقي قال ووقع في نسخة ابن الحذاء باثبات أبي علقمة بين أبي الخليل وأبي سعيد قال الغساني ولا أدري ما صوابه قال القاضي عياض قال غير الغساني اثبات أبي علقمة هو الصواب قلت ويحتمل أن
[ 35 ]
إثباته وحذفه كلاهما صواب ويكون أبو الخليل سمع بالوجهين فرواه تارة كذا تارة كذا وقد سبق في أول الكتاب بيان أمثال هذا قوله (بعث جيشا الى أوطاس) أوطاس موضع عند الطائف يصرف ولا يصرف سبق بيانه قريبا قوله (فأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب رسول الله ص = تحرجوا من غشيانهن من اجل أزواجهن من المشركين فأنز الله تعالى في ذلك والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم) أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن معنى تحرجوا خافوا الحرج وهو الاثم من غشيانهن أي من وطئهن من أجل أنهن زوجات والمزوجة لا تحل لغير زوجها فأنزل الله تعالى اباحتهن بقوله تعالى والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم والمراد بالمحصنات هنا المزوجات ومعناه والمزوجات حرام على غير أزواجهن الا ما ملكتم بالسبي فإنه ينفسخ نكاح زوجها الكافر وتحل لكم إذا انقضى استبراؤها والمراد بقوله إذا انقضت عدتهن أي استبراؤهن وهي بوضع الحمل عن الحامل وبحيضة من الحائل كما جاءت به الأحاديث الصحيحة وأعلم ان مذهب الشافعي ومن قال بقوله من العلماء أن المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم
[ 36 ]
من الكفار الذين لا كتاب لهم لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم فما دامت على دينها فهي محرمة وهؤلاء المسبيات كن من مشركي العرب عبدة الأوثان فيؤول هذا الحديث وشبهه على أنهن أسلمن وهذا التأويل لا بد منه والله أعلم واختلف العلماء في الأمة إذا بيعت وهي مزوجة مسلما هل ينفسخ النكاح وتحل لمشتريها أم لا فقال ابن عباس ينفسخ لعموم قوله تعالى والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم وقال سائر العلماء لا ينفسخ وخصوا الآية بالمملوكة بالسبي قال المازري هذا الخلاف مبنى على أن العموم إذا خرج على سبب هل يقصر على سببه أم لا فمن قال يقصر على سببه لم يكن فيه هنا حجة للمملوكة بالشراء لأن التقدير الا ما ملكت أيمانكم بالسبي ومن قال لا يقصر بل يحمل على عمومة قال ينفسخ نكاح المملوكة بالشراء لكن ثبت في حديث شراء عائشة بريرة أن النبي ص = خير بريرة في زوجها فدل على أنه لا ينفسخ بالشراء لكن هذا تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد وفي جوازه خلاف والله أعلم
[ 37 ]
الولد للفراش وتوقى الشبهات قوله ص = (الولد للفراش وللعاهر الحجر) قال العلماء العاهر الزاني وعهر زنى وعهرت زنت والعهر الزنا ومعنى له الحجر أي له الخيبة ولا حق له في الولد وعادة العرب أن تقول له الحجر وبفيه الأثلب وهو التراب ونحو ذلك يريدون ليس له الا الخيبة وقيل المراد بالحجر هنا أنه يرجم بالحجارة وهذا ضعيف لأنه ليس كل زان يرجم وإنما يرجم المحصن خاصة ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد عنه والحديث انما ورد في نفي الولد عنه وأما قوله ص = الولد للفراش فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجه أو مملوكه صارت فراشا له فأتت بولد لمدة الامكان منه لحقه الولد وصار ولدا يجرى بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة سواء
[ 38 ]
كان موافقا له في الشبة أم مخالفا ومدة امكان كونه منه ستة أشهر من حين اجتماعهما أماما تصير به المرأة فراشا فإن كانت زوجة صارت فراشا بمجرد عقد النكاح ونقلوا في هذا الاجماع وشرطوا امكان الوطء بعد ثبوت الفراش فإن لم يمكن بأن نكح المغربي مشرقية ولم يفارق واحد منهما وطنه ثم أتت بولد لستة أشهر أو أكثر لم يلحقه لعدم امكان كونه منه هذا قول مالك والشافعي والعلماء كافة الا أبا حنيفة فلم يشترط الامكان بل اكتفى بمجرد العقد قال حتى لو طلق عقب العقد من غير امكان وطء فولدت لستة أشهر من العقد لحقه الولد وهذا ضعيف ظاهر الفساد ولاجة له في اطلاق الحديث لأنه خرج على الغالب وهو حصول الامكان عند العقد هذا حكم الزوجة وأما الأمة فعند الشافعي ومالك تصير فراشا بالوطء ولا تصير فراشا بمجرد الملك حتى لو بقيت في ملك سنين وأتت بأولاد ولم يطأها ولم يقر بوطئها لا يلحقه أحد منهم فإذا وطئها صارت فراشا فإذا أتت بعد الوطء بولد أو أولاد لمدة الامكان لحقوه وقال أبو حنيفة لا تصير فراشا الا إذا ولدت ولدا واستلحقه فما تأتي به بعد ذلك يلحقه الا أن ينفيه قال لأنها صارت فراشا بالوطء لصارت بعقد الملك كالزوجة قال أصحابنا الفرق أن الزوجة تراد للوطء خاصة فجعل الشرع العقد عليها كالوطء لما كان هو المقصود وأما الأمة تراد لملك الرقبة وأنواع من المنافع غير الوطء ولهذا يجوز أن يملك أختين وأما وبنتها ولا يجوز جمعهما بعقد النكاح فلم تصر بنفس العقد فراشا فإذا حصل الوطء صارت كالحرة وصارت فراشا واعلم أن حديث عبد بن زمعة المذكور هنا محمول على أنه ثبت مصير أمة أبيه زمعة فراشا لمنعه فلهذا ألحق النبي ص = به الولد وثبوت فراشه إما بينه على إقراره بذلك في حياته وإما بعلم النبي ص = ذلك وفي هذا دلالة للشافعي ومالك على أبي حنيفة فإنه لم يكن لزمعة ولد آخر من هذه الأمة قبل هذا فدل على أنه ليس بشرط خلاف ما قاله أبو حنيفة وفي هذا الحديث دلالة للشافعي وموافقيه على مالك وموافقيه
[ 39 ]
في استلحاق النسب لأن الشافعي يقول يجوز أن يستلحق الوارث نسبا لمورثه بشرط أن يكون حائزا للإرث أو يستلحقه كل الورثة وبشرط أن يمكن كون المستلحق ولدا للميت وبشرط أن لا يكون معروف النسب من غيره وبشرط أن يصدقه المستلحق ان كان عاقلا بالغا وهذه الشروط كلها موجودة في هذا الولد الذي ألحقه النبي ص = بزمعة حين استلحقه عبد ابن زمعة ويتأول أصحابنا هذاين التأويلين أحدهما أن سودة بنت زمعة أخت عبد استلحقته معه ووافقته في ذلك حتى تكون كل الورثة مستحلقين والتأويل الثاني أن زمعة مات كافرا فلم ترث سودة لكونها مسلمة وورثه عبد بن زمعة وأما قوله ص = واحتجبي منه يا سودة فأمرها به ندبا واحتياطا لأنه في ظاهر الشرع أخوها لأنه ألحق بأبيها لكن لما رأى الشبه البين بعتبة بن أبي وقاص خشى أن يكون من مائة فيكون أجنبيا منها فأمرها بالاحتجاب منه احتياطا قال المازرى وزعم بعض الحنفية أنه انما أمرها بالاحتجاب لأنه جاء في رواية احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك وقوله ليس بأخ لك لا يعرف في هذا الحديث بل هي زيادة باطلة مردودة والله أعلم قال القاضي عياض رضى الله عنه كانت عادة الجاهلية إلحاق النسب بالزنا وكانوا يستأجرون الإماء للزنا فمن اعترفت الأم بأنه له ألحقوه به فجاء الاسلام بإبطال ذلك وبإلحاق الولد بالفراش الشرعي فلما تخاصم عدب بن زمعة وسعد بن أبي وقاص وقام سعد بما عهد إليه أخوه عتبة من سيرة الجاهلية ولم يعلم سعد بطلان ذلك في الاسلام ولم يكن حصل إلحاقه في الجاهلية إما لعدم الدعوى وإما لكون الأم لم تعترف به لعتبة واحتج عبد بن زمعة بأنه ولد على فراش أبيه فحكم له به النبي ص = قوله (رأى شبها بينا بعتبة ثم قال ص الولد للفراش) دليل على أن الشبه وحكم القافة انما يعتمد إذا لم يكن هناك أقوى منه كالفراش كما لم يحكم ص = بالشبه في قصة المتلاعنين مع أنه جاء على الشبه المكروه واحتج بعض
[ 40 ]
الحنفية وموافقيهم بهذا الحديث على أن الوطء بالزنا له حكم الوطء بالنكاح في حرمة المصاهرة وبهذا قال أبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأحمد وقال مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم لا أثر لوطء الزنا بل للزاني أن يتزوج أم المزني بها وبنتها بل زاد الشافعي فجوز نكاح البنت المتولدة من مائة بالزنا قالوا ووجه الاحتجاج به أن سودة أمرت بالاحتجاب وهذا احتجاج باطل والعجب ممن ذكره لأن هذا على تقدير كونه من الزنا وهو أجنبي من سودة لا يحل لها الظهور له سواء ألحق بالزاني أم لا فلا تعلق له بالمسألة المذكورة وفي هذا الحديث أن حكم الحاكم لا يحيل الأمر في الباطن فإذا حكم بشهادة شاهدى زور أو نحو ذلك لم يحل المحكوم به للمحكوم له وموضع الدلالة أنه ص = حكم به لعبد بن زمعة وأنه أخ له ولسودة واحتمل بسبب الشبه أن يكون من عتبة فلو كان الحكم يحيل الباطن لما أمرها بالاحتجاب والله أعلم العمل بإلحاق القائف الولد قوله (عن عائشة أنها قالت أن رسول الله ص = دخل على مسرور تبرق أسارير وجهه فقال ألم ترى أن مجززا نظر آنفا الى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال ان بعض هذه الاقدام لمن بعض) قال أهل اللغة قوله تبرق بفتح التاء وضم الراء أي تضئ وتستنير من السرور والفرح والأسارير هي الخطوط التي في الجبهة واحدها سر وسرور وجمعه أسرار وجمع الجمع أسارير وأما مجززفبميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم زاي مشددة مكسورة ثم زاي أخرى
[ 41 ]
هذا هو الصحيح المشهور وحكى القاضي عن الدارقطني وعبد الغنى أنهما حكيا عن ابن جريج أنه بفتح الزاي الاولى وعن ابن عبد البر وأبي علي الغساني أن ابن جريج قال انه محرز بإسكان الحاء المهملة وبعدها راء والصواب الأول وهو من بني مدلج بضم الميم وإسكان الدال وكسر اللام قال العلماء وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد تعترف لهم العرب بذلك ومعنى نظر آنفا أي قريبا وهو بمد الهمزة على المشهور وبقصرها وقر بهما في السبع قال القاضي قال المازرى وكانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة لكونه اسود شديد السواد وكان زيد أبيض كذا قاله أبو داود عن أحمد بن صالح فلما قضى هذا القائف بإلحاق نسبه مع اختلاف اللون وكانت الجاهلية تعتمد قول القائف فرح النبي ص = لكونه زاجرا لهم عن الطعن في النسب قال القاضي قال غير أحمد بن صالح كان زيد أزهر اللون وأم أسامة هي ام أيمن واسمها بركة وكانت حبشية سوداء قال القاضي هي بركة بنت محصن بن ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان والله أعلم واختلف العلماء في العمل بقول القائف فنفاه أبو حنيفة وأصحابه والثوري وإسحاق وأثبته الشافعي وجماهير العلماء والمشهور عن مالك إثباته في الإماء ونفيه في الحرائر وفي رواية عنه اثباته فيهما ودليل الشافعي حديث مجزز لأن النبي ص = فرح لكونه وجد في امته من يميز أنسابها عند اشتباهها ولو كانت القيافة باطلة لم يحصل بذلك سرور واتفق القائلون بالقائف على أنه يشترط فيه العدالة واختلفوا في أنه هل يكتفى بواحد والأصح عند أصحابنا الاكتفاء بواحد وبه قال ابن القاسم المالكي وقال مالك يشترط اثنان وبه قال بعض أصحابنا وهذا الحديث يدل للاكتفاء بواحد واختلف أصحابنا في اختصاصه ببنى مدلج والأصح أنه لا يختص واتفقوا على أنه يشترط ان يكون خبيرا
[ 42 ]
بهذا مجربا واتفق القائلون بالقائف على أنه انما يكون فيما أشكل من وطئين محترمين كالمشترى والبائع يطآن الجارية المبيعة في طهر قبل الاستبراء من الأول فتأتي بولد لستة أشهر فصاعدا من وطء الثاني ولدون أربع سنين من وطء الأول إذا رجعنا الى القائف فألحقه بأحدهما لحق به فإن أشكل عليه أو نفاه عنهما ترك الولد حتى يبلغ فينتس الى من يميل إليه منهما وإن ألحقه بهما فمذهب عمر بن الخطاب ومالك والشافعي أنه يتركه يبلغ فينتسب الى من يميل إليه منهما وقال أبو ثور وسحنون يكون ابنا لهما وقال الماجشون ومحمد بن مسلمة المالكيان يلحق بأكثرهما له شبها قال ابن مسلمة إلا أن يعلم الأول فيلحق به واختلف النافون للقائف في لولد المتنازع فيه فقال أبو حنيفة يلحق بالرجلين المتنازعين فيه ولو تنازع فيه امرأتان لحق بهما وقال أبو يوسف ومحمد يلحق بالرجلين ولا يلحق الا بامرأة واحدة وقال إسحاق يقرع بينهما قدر ما تستحقه البكر والثيب (من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف) قوله (عن سفيان بن محمد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
[ 43 ]
عن أبيه عن أم سلمة أن رسول الله ص = لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا الخ) وفي رواية مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن النبي ص حين تزوج أم سلمة وكذا رواه من رواية سليمان بن بلال مرسلا ورواه بعد هذا من رواية حفص بن غياث متصلا كرواية سفيان قال الدارقطني قد أرسله عبد الله بن أبي بكر وعبد الرحمن بن حميد كما ذكره مسلم وهذا الذي ذكره الدارقطني من استدراكه هذا على مسلم فاسد لأن مسلما رحمه الله قد بين اختلاف الرواة في وصله وإرساله ومذهبه ومذهب الفقهاء والأصوليين ومحققي المحدثين أن الحديث إذا روى متصلا ومرسلا حكم بالاتصال ووجب العمل به لأنها زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير فلا يصح استدراك الدارقطني والله أعلم قوله ص لأم سلمة رضي الله عنها لما تزوجها وأقام عندها ثلاثا (أنه ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي) وفي رواية وإن شئت ثلثت ثم درت قال ثلث وفي رواية دخل عليها فلما أراد أن يخرج أخذت بثوبه فقال رسول الله إن شئت زدتك وحاسبتك للبكر سبع وللثيب ثلاث وفي حديث أنس للبكر سبع وللثيب ثلاث أما قوله ص = ليس بك على أهلك هوان فمعناه لا يلحقك هوان ولا يضيع من حقك شئ بل تأخذينه كاملا ثم بين
[ 44 ]
ص = حقها وأنها مخيرة بين ثلاث بلا قضاء وبيع سبع ويقضى لباقي نسائه لأن في الثلاث مزية بعدم القضاء وفي السبع مزية لها بتواليها وكمال الأنس فيها فاختارت الثلاث لكونها لا تقضى وليقرب عودة إليها فإنه يطوف عليهن ليلة ليلة ثم يأتيها ولو أخذت سبعا طاف بعد ذلك عليهن سبعا سبعا فطالب غيبته عنها قال القاضي المراد بأهل هنا نفسه ص أي لا أفعل فعلا به هوانك على وفي هذا الحديث استحباب ملاطفة الأهل والعيال وغيرهم وتقريب الحق من فهم المخاطب ليرجع إليه وفيه العدل بين الزوجات وفيه أن حق الزفاف ثابت للمزفوفة وتقدم به على غيره فإن كانت بكرا كان له سبع ليال بأيامها بلا قضاء وإن كانت ثيبا كان لها الخياران شاءت سبعا ويقضى السبع لباقي السناء وان شاءت ثلاثا ولا يقضى هذا مذهب الشافعي وموافقيه وهو الذي ثبت فيه هذه الأحاديث الصحيحة وممن قال به مالك وأحمد واسحاق وأبو ثور وابن جرير وجمهور العلماء وقال أبو حنيفة والحكم حماد يجب قضاء الجميع في الثيب والبكر واستدلوا بالظواهر الواردة بالعدل بين الزوجات وحجة الشافعي هذه الأحاديث وهي مخصصة للظواهر العامة واختلف العلماء في أن هذا الحق للزوج أو للزوجة الجديدة ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه حق لها وقال بعض المالكية حق له على بقية نسائه واختلفوا في اختصاصه بمن له زوجات غير الجديدة قال ابن عبر البر جمهور العلماء على أن ذلك حق للمرأة
[ 45 ]
بسبب الزفاف سواء كان عنده زوجه أم لا لعموم الحديث إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا لم يخص من لم يكن له زوجه وقالت طائفة الحديث فيمن له زوجة أو زوجات غير هذه لأن من لا زوجة له فهو مقيم مع هذه كل دهره مؤنس لها متمتع بها مستمتعة به بلا قاطع بخلاف من له زوجات فله جعلت هذه الأيام للجديدة تأنيسا لها متصلا لتستقر عشرتها له وتذهب حشمتها ووحشتها منه ويقضى كل واحد منهما لذته من صاحبه ولا ينقطع بالدوران على غيرها ورجح القاضي هذا القول وبه جزم البغوي من أصحابنا في فتاويه فقال انما يثبت هذا الحق للجديدة إذا كان عنده أخرى يبيت عندها فإن لم تكن أخرى أو لم تكن أخرى أو كان لا يبيت عندها لم يثبت للجديدة حق الزفاف كما لا يلزمه أن يبيت عند زوجاته ابتداء والأول أقوى وهو المختار لعموم الحديث واختلفوا في أن هذا المقام عند البكر والثيب إذا كان له زوجة أخرى واجب أم مستحب فمذهب الشافعي وأصحابه وموافقيهم أنه واجب وهي رواية ابن القاسم عن مالك وروى عنه ابن عبد الحكم أنه على الاستحباب قوله (عن أنس قال من السنة أن يقيم عند البكر سبعا) هذا اللفظ يقتضى رفعة الى النبي ص كذا هذا مذهبنا ومذهب المحدثين وجماهير السلف واخلف وجعله بعضهم موقوفا
[ 46 ]
وليس بشء قوله (قال خالد ولو قلت أنه رفعه لصدقت) وفي الرواية الأخرى لو شئت قلت رفعه إلى النبي ص = معناه أن هذه اللفظه وهي قوله من السنة كذا صريحة في رفعه فلو شئت أن أقولها بناء على الرواية بالمعنى لقلتها ولو قلتها كنت صادقا والله أعلم القسم بين الزوجات وبيان أن السنة (أن تكون لكل واحدة ليلة مع يومها) مذهبنا أنه لا يلزمه أن يقسم لنسائه بل له اجتنابهن كلهن يكره تعطيلهن مخافة من الفتنة عليهن والاضرار بهن فإن أراد القسم لم يجز له أن يبتدئ بواحدة منهن الا بقرعة ويجوز أن يقسم ليلة ليلة وليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا ولا يجوز أقل من ليلة ولا يجوز الزياة على الثلاثة الا برضاهن هذا هو الصحيح في مذهبنا وفيه أوجه ضعيفه في هذه المسائل غير ما ذكرته واتفقوا على أنه يجوز أن يطوف عليهن كلهن ويطأهن في الساعة الواحدة برضاهن ولا يجوز ذلك بغير رضاهن وإذا قسم كان لها اليوم الذي بعد ليلتها ويقسم للمريضة والحائض والنفساء لأنه يحصلها الانس به ولأنه يستمتع بها بغير الوطئ من قبلة ونظر ولمس وغير ذلك قال أصحابنا وإذا قسم لا يلزمه الوطء ولا التسوية فيه بل له أن يبيت عندهن ولا يطأ واحدة منهن وله أن يطأ بعضهن في نوبتها دون بعض لكن يستحب أن لا يعطلهن وأن يسوى بينهن في ذلك كما قدمناه والله أعلم قوله (كان للنبي ص = تسع نسوة فكان إذا قسم بينهن لا ينتهى الى المرأة الأولى الا في تسع وكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها فكان رسول الله ص = في بيت عائشة
[ 47 ]
فجاءت زينت فمد يده إليها فقالت هذه زينت فكف النبي ص = يده فتقاولتا حتى استخبتا فمر أبو بكر على ذلك فسمع أصواتهما فقال اخرج يا رسول الله ص = واحث في أفواههن التراب) أما قوله تسع نسوة فهن اللاتي توفى عنهن ص = وهن عائشة وحفصة وسودة وزينب وأم سلمة وأم حبيبة وميمونة وجويرية وصفية رضي الله عنهن ويقال نسوة ونسوة بكسر النون وضمها لغتان الكسر أفصح وأشهر وبه جاء القرآن العزيز وأما قوله فكان إذا قسم لهن لا ينتهى الى الأولى الا في تسع فمعناه بعد انقضاء التسع وفيه أنه يستحب أن لا يزيد في القسم على ليلة ليلة لأن فيه مخاطرة بحقوقهن وأما قوله وكن يجتمعن كل ليلة الى آخره ففيه أنه يستحب للزوج أن يأتي كل امرأة في بيتها ولا يدعوهن الى بيته لكن لو دعا كل واحدة في نوبتها الى بيته كان له ذلك وهو خلاف الأفضل ولو دعاها الى بيت ضرائرها لم تلزمها الاجابة ولا تكون بالامتناع ناشزة بخلاف ما إذا امتنعت من الاتيان الى بيته لأن عليها ضررا في الاتيان الى ضرتها وهذا الاجتماع كان برضاهن وفيه أنه لا يأتي غير صاحبة النوبة في بتيها في الليل بل ذلك حرام عندنا الا لضرورة بأن حضرها الموت أو نحوه من الضرورات وأما مد يده الى زينب وقول عائشة هذه زينب فقيل انه لم يكن عمدا بل ظنها عائشة صاحبة النوبة لأنه كان في الليل وليس في البيوت مصابيح وقيل كان مثل هذا برضاهن وأما قوله حتى استخبتا فهو بخاء معجمة ثم باء موحدة مفتوحتين ثم تاء مثناة فوق من السخب وهو اختلاط الأصواب وارتفاعها ويقال أيضا صخب بالصاد هكذا هو في معظم الأصول وكذا نقله القاضي عن رواية الجمهور وفي بعض النسخ
[ 48 ]
استخبثتا بثاء مثلثة أي قالتا الكلام الردئ وفي بعضها استحيتا من الاستحياء ونقل القاضي عن رواية بعضهم استحثتا بمثلثة ثم مثناة قال ومعناه أن لم يكن تصحيفا أن كل واحدة حثت في وجه الأخرى التراب وفي هذا الحديث ما كان عليه النبي ص = من حسن الخلق وملاطفة الجميع وقد يحتج الحنفية بقوله مد يده ثم خرج الى الصلاة ولم يتوضأ ولا حجة فيه فإنه لم يذكر أنه لمس بلا حائل ولا يحصل مقصودهم حتى يثبت أنه لمس بشرتها بلا حائل ثم صلى ولم يتوضأ وليس في الحديث شئ من هذا وأما قوله احث في أفواههن التراب فمبالغة في زجرها وقطع خصامهن وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وشفقته ونظره في المصالح وفيه إشارة الفضول على صاحبه الفاضل بمصلحته والله أعلم جواز هبتها نوبتها لضرتها قوله (عن عائشة رضي الله عنها ما رأيت امرأة أحب الى أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة) المسلاخ بكسر الميم وبالخاء المعجمعة وهو الجلد ومعناه أن أكون أنا هي وزمعة بفتح الميم وإسكانها وقولها من امرأة قال القاضي من هنا للبيان واستفتاح الكلام ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهي الحدة بكسر الحاء قولها (فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله ص = لعائشة) فيه جواز هبتها نوبتها لضرتها لأنه حقها لكن يشترط رضا الزوج بذلك لأن له حقا في الواهبة فلا يفوته الا برضاه ولا يجوز أن تأخذه على هذه الهبة عوضا ويجوز أن تهب للزوج فيجعل الزوج نوبتها لمن شاء وقيل يلزمه توزيعها على الباقيات ويجعل الواهبة كالمعدومة والأول أصح وللواهبة الرجوع متى شاءت فترجع في المستقبل دون الماضي لأن الهبات يرجع فيما لم يقض منها دون المقبوض
[ 49 ]
وقولها جعلت يومها أي نوبتها وهي يوم وليلة وقولها كان يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة ومعناه أنه كان يكون عند عائشة في يومها ويكون عندها أيضا في يوم سودة لا أنه يوالي لها اليومين والأصح عند أصحابنا أنه لا يجوز الموالاة للموهوب لها الا برضى الباقيات وجوزه بعض أصحابنا بغير رضاهن وهو ضعيف قولها (وكانت أول امرأة تزوجها بعدى) كذا ذكره مسلم من رواية يونس عن شريك أنه ص = تزوج عائشة قبل سودة وكذا ذكره يونس أيضا عن الزهري وعن عبد الله بن محمد بن عقيل وروى عقيل بن خالد عن الزهري أنه تزوج سودة قبل عائشة قال ابن عبد البر وهذا قول قتادة وأبي عبيدة قلت وقال أيضا محمد بن اسحاق ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وابن قتيبة وآخرون قولها (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) هو بفتح
[ 50 ]
الهمزة من أرى ومعناه يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور ولهذا خيرك قوله (عن عائشة قال كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله ص = وأقول وتهب المرأة نفسها فلما أنزل الله تعالى ترجى من تشاء منهن وتؤوى اليك من تشاء الى آخره) هذا من خصائص رسول الله ص = وهو زواج من وهبت نفسها له بلا مهر قال الله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين واختلف العلماء في هذه الآية وهي قوله تعالى ترجى من تشاء فقيل ناسخة لقوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد ومبيحة له أن يتزوج ما شاء وقيل بل نسخت تلك الآية بالسنة قال زيد بن أرقم تزوج رسول الله ص = بعد نزول هذه الآية ميمونة ومليكة وصفية وجويرية وقالت عائشة ما مات رسول الله ص = حتى أحل له النساء وقيل عكس هذا وأن قوله تعالى لا تحل لك النساء ناسخة لقوله تعالى ترجى من تشاء والأول أصح قال أصحابنا الأصح أنه ص = ما توفى حتى أبيح له النساء مع أزواجه قوله (أخبرنا ابن جريج قال اخبرني عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة زوج النبي ص = بسرف) اتفق العلماء على أنها توفيت بسرف بفتح السين وكسر الراء وبالفاء وهو مكان بقرب مكة بينه وبينها ستة أميال وقيل سبعة وقيل تسعة وقيل اثنا عشر قوله (كان عند
[ 51 ]
رسول الله ص = تسع يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة) قال عطاء التي لا يقسم لها صفية بنت حي بن أخطب أما قوله تسع فصحيح وهن معروفات سبق بيان أسمائهن قريبا وقوله يقسم لثمان مشهور وأما قول عطاء التي لا يقسم لها صفية فقال العلماء هو وهم من ابن جريج الراوى عن عطاء وإنما الصواب سودة كما سبق في الأحاديث واختلفوا في التي وهبت نفسها للنبي ص = فقال الزهري هي ميمونة وقيل أم شريك وقيل زينب بنت خزيمة قوله (قال عطاء كانت آخرهن موتا ماتت بالمدينة) قال القاضي ظاهر كلام عطاء أنه أراد بآخرهن موتا ميمونة وقد ذكر في الحديث أنها ماتت بسرف وهي بقرب مكة فقوله بالمدينة وهم قوله آخرهن موتا قيل ماتت ميمونة سنة ثلاث وستين وقيل ست وستين وقيل احدى وخمسين قبل عائشة لأن عائشة توفيت سنة سبع وقيل ثمان وخمسين وأما صفية فتوفيت سنة خمسين بالمدينة هذا كلام القاضي ويحتمل أن قوله ماتت بالمدينة عائد على صفية ولفظه فيه صحيح يحتمله أو ظاهر فيه والله أعلم استحباب نكاح ذات الدين قوله ص = (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين ترتب يداك) الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي ص = أخبر بما يفعله الناس
[ 52 ]
في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين لا أنه أمر بذلك قال شمر الحسب الفعل الجميل للرجل وآبائه وسبق في كتاب الغسل معنى تربت يداك وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شئ لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائفهم ويأمن المفسدة من جهتهم استحباب نكاح البكر قوله ص = لجابر (تزوجت قال نعم قال أبكرا أم ثيبا قلت ثيبا قال فأين أنت من العذارى ولعابها) وفي رواية فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وفي رواية فهلا تزوجت بكرا تضاحكك وتضاحكها وتلاعبك وتلاعبها أما قوله ص = ولعابها فهو بكسر اللام ووقع لبعض رواة البخاري بضمها قال القاضي وأما الرواية في كتاب مسلم فبالكسر لا غير وهو من الملاعبة مصدر لاعب ملاعبة كقاتل مقاتلة قال وقد حمل جمهور المتكلمين في شرح هذا الحديث قولص = تلاعبها على اللعب المعروف ويؤيده تضاحكها وتضاحكك
[ 53 ]
قال بعضهم يحتمل أن يكون من اللعاب وهو الريق وفيه فضيلة تزوج الأبكار وثوابهن أفضل وفيه ملاعبة الرجل امرأته وملاطفته لها ومضاحكتها وحسن العشرة وفيه سؤال الامام والكبير أصحابه عن أمورهم وتفقد أحوالهم وإرشادهم الى مصالحهم وتنبيههم على وجه المصلحة فيها قوله (قلت له ان عبد الله هلك وترك تسع بنات أو سبع بنات وإنى كرهت أن آتيهن أو أجيئهن بمثلهن فأحببت أن أجئ بامرأة تقوم عليهن وتصلحهن قال فبارك الله لك أو قال لي خيرا) فيه فضيلة لجابر وإيثاره مصلحة أخوانه على حظ نفسه وفيه الدعاء لمن فعل خيرا وطاعة سواء تعلقت بالداعى أم لا وفيه جواز خدمة المرأة زوجها وأولاده وعياله برضاها وأما من غير رضاها فلا قوله (تمشطهن) هو بفتح التاء وضم الشين قوله (فلما أقبلنا تعجلت) هكذا هو في نسخ بلادنا
[ 54 ]
أقبلنا وكذا نقله القاضي عن رواية ابن سفيان عن مسلم قال وفي رواية ابن ماهان أقفلنا بالفاء قال ووجه الكلام قفلنا أي رجعنا ويصح اقبلنا بفتح اللام أي وأقفلنا النبي ص = أقفلنا بضم الهمزة لما لم يسم فاعله قوله (تعجلت على بعير لي قطوف) هو بفتح القاف أي بطئ المشي قوله (فنخس بعيري بعنزة) هي بفتح النون وهي عصار نحو نصف الرمح في أسفلها زج قوله (فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء من الابل) هذا فيه معجزة ظاهرة لرسول الله ص وأثر بركته قوله ص = (أمهلوا حتى ندخل ليلا) أي عشاء كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة الاستحداد استعمال الحديدة في شعر العانة وهو ازالته بالموسى والمراد ههنا ازالته كيف كانت والمغيبة بضم الميم وكسر الغين وإسكان الياء وهي التي غاب عنها زوجها وإن حضر زوجها فهي مشهد بلا هاء وفي هذا الحديث استعمال مكارم الأخلاق والشفقة على المسلمين والاحتراز من تتبع العورات واجتلاب ما يقتضى دوام الصحبة وليس في هذا الحديث معارضة للاحاديث الصحيحة في النهى عن الطروق ليلا لأن ذلك فيمن جاء بغتة وأما هنا فقد تقدم خبر مجيئهم وعلم الناس وصولهم وأنهم سيدخلون عشاء فتستعد لذلك المغيبة والشعثة وتصلح حالها وتتأهب للقاء زوجها والله أعلم قوله ص = (إذا قدمت فالكيس الكيس)
[ 55 ]
قال ابن الأعرابي الكيس الجماع والكيس العقل والمراد حثه على ابتغاء الولد قوله (فحجنه بمحجنه) هو بكسر الميم وهو عصافيها تعقف يلتقط بها الراكب ما سقط منه قوله ص = (ادخل فصل ركعتين) فيه استحباب ركعتين عند القدوم من السفر قوله (فوزن لي بلال فأرجح في الميزان) فيه استحباب ارجاح الميزان في وفاء الثمن وقضاء الديون ونحوها وسيأتي الكلام في حديث
[ 56 ]
جابر وبيعه الجمل في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى قوله (وأنا على ناضح) هو البعير الذي يستقى عليه قوله (إنما هو في أخريات) هو بضم الهمزة وفتح الراء والله أعلم
[ 57 ]
الوصية بالنساء قوله ص = (ان المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها) العوج ضبطه بعضهم بفتح العين وضبطه بعضهم بكسرها ولعل الفتح أكثر وضبطه الحافظ أبو القاسم بن عساكر وآخرون بالكسر وهو الأرجح على مقتضى ما سننقله عن أهل اللغة ان شاء الله تعالى قال أهل اللغة العوج بالفتح في كل منتصب كالحائط والعود وشبهه وبالكسر ما كان في بساط أو أر ض أو معاش أو دين ويقال فلان في دينه عوج بالكسر هذا كلام أهل اللغة قال صاحب المطالع قال أهل اللغة العوج بالفتح في كل شخص وبالكسر فيما ليس بمرئى كالرأى والكلام قال وانفرد عنهم أبو عمرو الشيباني فقال كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح والضلع بكسر الضاد وفتح اللام وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم قال الله تعالى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبين النبي ص = أنها خلقت من ضلع وفي هذا الحديث ملاطفة النساء والاحسان اليهن والصبر على أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب وأنه لا يطمع بإستقامتها والله أعلم
[ 58 ]
قوله ص = (فإذا شهد أمر فليتكلم بخير أو ليسكت واستوصوا بالنساء) فيه الحث على الرفق بالنساء واحتمالهن كما قدمناه وأنه ينبغي للانسان أن لا يتكلم الا بخير فأما الكلام المباح الذي لا فائدة فيه فيمسك مخافة من انجراره الى حرام أو مكروه قوله ص = (لا يفرك مؤمن مؤمنة ان كره منها خلقا رضى منها آخر أو قال غيره) يفرك بفتح الياء والراء واسكان الفاء بينهما قال أهل اللغة فركه بكسر الراء يفركه بفتحها إذا أبغضه والفرك بفتح الفاء وإسكان الراء البغض قال القاضي عياض هذا ليس على النهى قال هو خبر أي لا يقع منه بغض تام لها قال وبغض الرجال للنساء خلاف بغضهن لهم قال ولهذا قال ان كره منها خلقا رضى منها آخر هذا كلام القاضى وهو ضعيف أو غلط بل الصواب أنه نهى أي ينبغى أن لا يبغضها لأنه ان وجد فيها خلقا يكره وجد فيها خلقا مرضيا بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به أو نحو ذلك وهذا الذي ذكرته من أنه نهى يتعين لوجهين أحدهما أن المعروف في الروايات لا يفرك بإسكان الكاف لا برفعها وهذا يتعين فيه النهى ولو روى مرفوعا لكان نهيا
[ 59 ]
بلفظ الخبر والثاني أنه قد وقع خلافه فبعض الناس يبغض زوجته بغضا شديدا ولو كان خبرا لم يقع خلافه وهذا واقع وما أدرى ما حمل القاضي على هذا التفسير قوله ص = (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر) أي لم تخنه أبدا وحواء بالمد روينا عن ابن عباس قال سميت حواء لأنها أم كل حي قيل انها ولدت لآدم اربعين ولدا في عشرين بطنا في كل بطن ذكر وأنثى واختلفوا متى خلقت من ضلع آدم فقيل قبل دخولها الجنة فدخلاها وقيل في الجنة قال القاضي ومعنى هذا الحديث أنها أم بنات آدم فأشبهنها ونزع العرق لما جرى لها في قصة الشجرة مع ابليس فزين لها أكل الشجرة فأغواها فأخبرت آدم بالشجرة فأكل منها قوله ص (لولا بنو اسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم) هو بفتح الياء والنون وبكسر النون والماضي منه خنز بكسر النون وفتحها ومصدره الخنز والخنوز وهو إذا تغير وأنتن قال العلماء معناه أن بنى اسرائيل لما أنزل الله عليهم المن والسلوى نهوا عن ادخارهما فادخروا ففسد وأنتن واستمر من ذلك الوقت والله أعلم
[ 60 ]
الطلاق هو مشتق من الاطلاق وهو الارسال والترك ومنه طلقت البلاد أي تركتها ويقال طلقت المرأة وطلقت بفتح اللام وضمها والفتح أفصح تطلق بضمها فيهما تحريم طلاق الحائض بغير رضاها (وأنه لو خالف وقع الطلاق ويؤمر برجعتها) أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها فلو طلقها ووقع طلاقه ويؤمر بالرجعة لحديث ابن عمر المذكور في الباب وشذ بعض أهل الظاهر فقال لا يقع طلاقه لأنه غير مأذون له فيه فأشبه طلاق الأجنبية والصواب الأول وبه قال العلماء كافة ودليلهم أمره بمراجعتها ولو لم يقع لم تكن رجعة فإن قيل المراد بالرجع الرجعة اللغوية وهي الرد الى حالها الأول لا أنه تحسب عليه طلقة قلنا هذا غلط لوجهين أحدهما أن حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية يقدم على حمله على الحقيقة اللغوية كما تقرر في أصول الفقه الثاني ان ابن عمر صرح في روايات مسلم وغيره بأنه حسبها عليه طلقة والله أعلم وأجمعوا على أنه إذا طلقها يؤمر برجعتها كما ذكرنا وهذه الرجعة مستحبة لا واجبة وآخرون هذا مذهبنا وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وفقهاء المحدثين وآخرون وقال مالك وأصحابه هي واجبة فإن قيل ففي حديث ابن عمر هذا أنه أمر بالرجعة ثم بتأخير الطلاق على طهر بعد الطهر الذي يلي هذا الحيض فما فائدة التأخير فالجواب من أربعة أوجه أحدها لئلا تصير الرجعة لغرض الطلاق فوجب أن يمسكها زمانا كان يحله فيه الطلاق وإنما أمسكها لتظهر فائدة الرجعة وهذا جواب أصحابنا والثاني عقوبله وتوبة من معصية باستدراك جنايته والثالث أن الطهر الأول مع الحيض الذي يليه وهو الذي طلق فيه كقرء واحد فلو طلقها في أول طهر لكان كمن طلق في الحيض والرابع
[ 61 ]
أنه نهى عن طلاقها في الطهر ليطول مقامه معها فلعله يجامعها فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها فيمسكها والله أعلم قوله ص = (مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم ان شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل ان يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء يعنى قبل أن يمس أي قبل أن يطأها ففيه تحريم الطلاق في طهر جامعها فيه قال أصحابنا يحرم طلاقها في طهر جامعها فيه حتى يتبين حملها لئلا تكون حاملا فيندم فإذا بان الحمل دخل بعد ذلك في طلاقها على بصيرة فلا يندم فلا تحرم ولو كانت الحائض حاملا فالصحيح عندنا وهو نص الشافعي أنه لا يحرم طلاقها لأن تحريم الطلاق في الحيض انما كان لتطويل العدة لكونه لا يحسب قرءا وأما الحامل الحائض فعدتها بوضع الحمل فلا يحصل في حقها تطويل وفي قوله ص = ان شاء أمسك وإن شاء طلق دليل على أنه لا اثم في الطلاق بغير سبب لكن يكره للحديث المشهور في سنن أبي داود وغيره أن رسول الله ص = قال أبغض الحلال الى الله الطلاق فيكون حديث ابن عمر لبيان أنه ليس بحرام وهذا الحديث لبيان كراهة التنزيه قال أصحابنا الطلاق أربعة أقسام حرام ومكروه وواجب ومندوب ولا يكون مباحا مستوى الطرفين فأما الواجب ففي صورتين وهما في الحكمتين إذا بعثهما القاضي عند الشقاق بين الزوجين ورأيا المصلحة في الطلاق وجب عليهما الطلاق وفي المولى إذا مضت عليه أربعة أشهر وطالبت المرأة بحقها فامتنع من الفيئة والطلاق فالأصح عندنا أنه يجب على القاضي أن يطلق عليه طلقة رجعيه وأما المكروه فأن يكون الحال بينهما
[ 62 ]
مستقيما فيطلق بلا سبب وعليه يحمل حديث أبغض الحلال الى الله الطلاق وأما الحرام ففي ثلاث صور أحدها في الحيض بلا عوض منها ولا سؤالها والثاني في طهر جامعها فيه قبل بيان الحمل والثالث إذا كان عنده زوجات يقسم لهن وطلق واحدة قبل أن يوفيها قسمها وأما المندوب فهو أن لا تكون المرأة عفيفة أو يخافا أو أحدهما أن لا يقيما حدود الله أو نحو ذلك والله أعلم وأما جمع الطلقات الثلاث دفعة فليس بحرام عندنا لكن الأولى تفريقها وبه قال أحمد وأبو ثور وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة والليث هو بدعة قال الخطابي وفي قوله ص مره فليراجعها دليل على أن الرجعة لا تفتقر الى رضا المرأة ووليها ولا تجديد عقد والله أعلم قوله ص = (فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء) فيه دليل لمذهب الشافعي ومالك وموافقيهما أن الاقراء في العدة هي الاطهار لأنه ص = قال ليطلقها في الطهر ان شاء فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء أي فيها ومعلوم أن الله لم يأمر بطلاقهن في الحيض بل حرمه فإن قيل الضمير في قوله فتلك يعود الى الحيضة قلنا هذا غلط لأن الطلاق في الحيض غيرمأمور به بل محرم وإنما الضمير عائد الى الحالة المذكورة وهي حالة الطهر أو الى العدة وأجمع العلماء من أهل الفقه والأصول واللغة على أن القرء يطلق في اللغة على الحيض وعلى الطهر واختلفوا في الافراد المذكورة في قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وفيما تنقضي به العدة فقال مالك والشافعي وآخرون هي الاطهار وقال أبو حنيفة والأوزاعي وآخرون هي الحيض وهو مروى عن عمر وعلى وابن مسعود رضي الله عنهم وبه قال الثوري وزفر واسحاق
[ 63 ]
وآخرون من السلف وهو أصح الروايتين عن أحمد قالوا لأن من قال بالاطهار يجعلها قرءين وبعض الثالث وظاهر القرآن أنها ثلاثة والقائل بالحيض يشترط ثلاث حيضات كوامل فهو أقرب الى موافقة القرآن ولهذا الاعتراض صار ابن شهاب الزهري الى أن الاقراء هي الاطهار قال ولكن لا تنقضي العدة الا بثلاثة أطهار كاملة ولا تنقضي بطهرين وبعض الثالث وهذا مذهب انفرد به بل اتفق القائلون بالاطهار على أنها تنقضي بقرءين وبعض الثالث حتى لو طلقها وقد بقى من الطهر لحظة يسيرة حسب ذلك قرءا ويكفيها طهران بعده وأجابوا عن الاعتراض بأن الشيئين وبعض الثالث يطلق عليها اسم الجميع قال الله تعالى الحج أشهر معلومات ومعلوم أنه شهران وبعض الثالث وكذا قوله تعالى فمن تعجل في يومين المراد في يوم وبعض الثاني واختلف القائلون بالاطهار متى تنقضي عدتها فالاصح عندنا أنه بمجرد رؤية الدم بعد الطهر الثالث وفي قول لا تنقضي حتى يمضى يوم وليلة والخلاف في مذهب مالك كهو عندنا واختلف القائلون بالحيض أيضا فقال أبو حنيفة وأصحابه حتى تغتسل من الحيضة الثالثة أو يذهب وقت صلاة وقال عمر وعلى وابن مسعود والثوري وزفر واسحاق وأبو عبيد حتى تغتسل احتياطا وخروجا من الخلاف والله أعلم قوله (قال مسلم جود الليث في قوله تطليقه واحدة) يعنى أنه حفظ وأتقن قدر الطلاق الذي لم يتقنه غيره ولم يهمله كما أهمله غيره ولاغلط فيه وجعله ثلاثا كما غلط فيه غيره وقد تظاهرت روايات مسلم بأنها طلقة واحدة
[ 65 ]
قوله ص = (ثم ليطلقيها طاهرا أو حاملا) فيه دلالة لجواز طلاق الحامل التي تبين حملها وهو مذهب الشافعي قال ابن المنذر وبه قال أكثر العلماء منهم طاوس والحسن وابن سيرين وربيعة وحماد بن أبي سليمان ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد قال ابن المنذر وبه أقول وبه قال بعض المالكية وقال بعضهم هو حرام وحكى ابن المنذر رواية أخرى عن الحسن أنه قال طلاق الحامل مكروه ثم مذهب الشافعي ومن وافقه أن له أن يطلق الحامل ثلاثا بلفظ واحد وبألفاظ متصلة وفي أوقات متفرقة وكل ذلك جائز لا بدعة فيه وقال أبو حنيفة وأبو يوسف يجعل بين الطلقتين شهرا وقال مالك وزفر ومحمد بن الحسن لا يوقع عليها أكثر من واحدة حتى تضع قوله (أما أنت طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله ص = أمرني بهذا وان كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك) أما قوله أمرني بهذا فمعناه أمرني بالرجعة وأما قوله أما أنت فقال القاضي عياض رضي الله عنه هذا مشكل قال قيل أنه بفتح الهمزة من أما أي
[ 66 ]
أما ان كنت فحذفوا الفعل الذي يلي أن وجعلوا ما عوضا من الفعل وفتحوا أن وأدغموا النون في ما وجاؤا بانت مكان العلامة في كنت ويدل عليه قوله بعده وإن كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك قوله (لقيت أبا غلاب يونس بن جبير) هو بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام وآخره باء موحدة هكذا ضبطناه وكذا ذكره ابن ماكولا والجمهور وذكر القاضي عن بعض الرواة تخفيف اللام قوله (وكان ذاثبت) هو بفتح الثاء والباء أي مثبتا قوله (قلت أفحسبت عليه قال فمه أوان عجز واستحمق) معناه أفيرتفع عنه الطلاق وإن عجز واستحمق هو استفهام انكار وتقديره نعم تحسب ولا يمتنع احتسابها لعجزه وحماقته قال القاضي أي أن عجز عن الرجعة وفعل فعل الأحمق والقائل لهذا الكلام هو ابن عمر صاحب القصة وأعاد الضمير بلفظ الغيبة وقد بينه بعد هذه في رواية أنس بن سيرين قال قلت يعنى لابن عمر فاعتددت بتلك التطليقة التي طلقت وهي حائض قال ما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت وجاء في غير مسلم أن ابن عمر قال رأيت ان كان ابن عمر عجزوا واستحمق فما يمنعه أن يكون طلاقا وأما قوله فمه فيحتمل أن يكون للكف والزجر عن هذا القول أي لا تشك في وقع الطلاق واجزم بوقوعه وقال القاضي المراد بمه ما فيكون استفهاما أي فيما يكون ان لم أحتسب بها ومعناه لا يكون الا الاحتساب
[ 67 ]
بها فأبدل من الألف هاء كما قالوا في مهما أن أصلها ماما أي أي شئ قوله ص يطلقها في قبل عدتها هو بضم القاف والباء أي في وقت تستقبل فيه العدة وتشرع فيها وهذا يدل على أن الاقراء هي الاطهار وأنها إذا طلقت في الطهر شرعت في الحال في الاقراء لأن الطلاق المأمور به هو في الطهر لأنها إذا طلقت في الحيض لا يحسب ذلك الحيض قرءا بالاجماع فلا
[ 68 ]
تستقبل فيه العدة وإنما تستقبلها إذا طلقت في الطهر والله أعلم قوله (عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه سمع ابن عمر يسأل عن رجل طلق امرأته الى آخره) وقال في آخره لم أسمعه يزيد على ذلك لأبيه فقوله لأبيه بالباء الموحدة ثم الياء المثناة من تحت ومعناه أن ابن طاوس قال لم أسمعه أي لم أسمع أبي طاوسا يزيد على هذا القدر من الحديث والقائل لأبيه هو
[ 69 ]
ابن جريج وأراد تفسير الضمير في قوله ابن طاوس لم أسمعه واللام زائدة فمعناه يعنى أباه ولو قال يعنى أباه لكان أوضح قوله (وقرأ النبي ص = فطلقوهن في قبل عدتهن) هذه قراءة ابن عباس وابن عمر وهي شاذة لا تثبت قرآنا بالاجماع ولا يكون لها حكم خبر الواحد عندنا وعند محققى الأصوليين والله أعلم
[ 70 ]
طلاق الثلاث قوله (عن ابن عباس قال كان طلاق الثلاث في عهد رسول الله ص = وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب أن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيها أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم) وفي رواية عن أبي الصهباء أنه قال لابن عباس أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي ص = وأبي بكر وثلاثا من امارة عمر فقال ابن عباس نعم وفي رواية أن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من هناتك إليكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله ص = وأبي بكر واحدة فقال قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتايع الناس في الطلاق فأجازه عليهم وفي سنن أبي داود عن أبي الصهباء عن ابن عباس نحو هذا الا أنه قال كان الرجل إذا طلق امرأته قبل أن يدخل بها جعلوه واحدة هذه ألفاظ هذا الحديث وهو معدود من الأحاديث المشكلة وقد اختلف العلماء فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من السلف والخلف يقع الثلاث وقال طاوس وبعض أهل الظاهر لا يقع بذلك الا واحدة وهو رواية عن الحجاج بن أرطاة ومحمد بن اسحاق والمشهور عن الحجاج بن أرطاة قول ابن مقاتل ورواية عن محمد بن اسحاق واحتج هؤلاء بحديث ابن عباس هذا وبأنه وقع في بعض روايات حديث ابن عمر أنه طلق امرأته ثلاثا في الحيض ولم يحتسب به وبأنه وقع في حديث ركانة أنه طلق امرأته ثلاثا وأمره رسول الله ص = برجعتها واحتج الجمهور بقوله تعالى ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا قالوا معناه أن المطلق قد يحدث له ندم فلا يمكنه تداركه لوقوع البينونة فلو كانت الثلاث لا تقع لم يقع طلاق هذا
[ 71 ]
الا رجعيا فلا يندم واحتجوا أيضا بحديث ركانة أنه طلق امرأته البتة فقال له النبي ص ما أردت الا واحدة قال الله ما أردت الا واحدة فهذا دليل على أنه لو أراد الثلاث لوقعن والا فلم يكن لتحليفه معنى وأما الرواية التي رواها المخالفون أن ركانه طلق ثلاثا فجعلها واحدة فرواية ضعيفة عن قوم مجهولين وإنما الصحيح منها ما قدمناه أنه طلقها البتة ولفظ البتة محتمل للواحدة وللثلاث ولعل صاحب هذه الرواية الضعيفة اعتقد أن لفظ البتة يقتضي الثلاث فرواه بالمعنى الذي فهمه وغلط في ذلك وأما حديث ابن عمر فالروايات الصحيحة التي ذكرها مسلم وغيره أنه طلقها واحدة وأما حديث ابن عباس فاختلف العلماء في جوابه وتأويله فالأصح أن معناه أنه كان في أول الأمر إذا قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق ولم ينو تأكيدا ولا استئنافا يحكم بوقوع طلقة لقلة ارادتهم الاستئناف بذلك فحمل على الغالب الذي هو ارادة التأكيد فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه وكثر استعمال الناس بهذه الصيغة وغلب منهم ارادة الاستئناف بها حملت عند الاطلاق على الثلاث عملا بالغالب السابق الى الفهم منها في ذلك العصر وقيل المراد أن المعتاد في الزمن الأول كان طلقة واحدة وصار الناس في زمن عمر يوقعون الثلاث دفعة فنفذه عمر فعلى هذا يكون اخبارا عن اختلاف عادة الناس لا عن تغير حكم في مسألة واحدة قال المازري وقد زعم من لا خبرة له بالحقائق أن ذلك كان ثم نسخ قال وهذا غلط فاحش لأن عمر رضي الله عنه لا ينسخ ولو نسخ وحاشاه لبادرت الصحابة إلى انكاره وإن أراد هذا القائل أنه نسخ في زمن النبي ص فذلك غير ممتنع ولكن يخرج عن ظاهر الحديث لأنه لو كان كذلك لم يجز للراوي أن يخبر
[ 72 ]
ببقاء الحكم في خلافة أبى بكر وبعض خلافة عمر فإن قيل فقد يجمع الصحابة على النسخ فيقبل ذلك منهم قلنا إنما يقبل ذلك لأنه يستدل بإجماعهم على ناسخ وأما أنهم ينسخون من تلقاء أنفسهم فمعاذ الله لأنه اجماع على الخطأ وهم معصومون من ذلك فإن قيل فلعل النسخ انما ظهر لهم في زمن عمر قلنا هذا غلط أيضا لأنه يكون قد حصل الاجماع على الخطأ في زمن أبى بكر والمحققون من الأصوليين لا يشترطون انقراض العصر في صحة الاجماع والله أعلم وأما الرواية التي في سنن أبى داود أن ذلك فيمن لم يدخل بها فقال بها قوم من أصحاب ابن عباس فقالوا لا يقع الثلاث على غير المدخول بها لأنها تبين بواحدة بقوله أنت طالق فيكون قوله ثلاثا حاصل بعد البينونة فلا يقع به شئ وقال الجمهور هذا غلط بل يقع عليها الثلاث لأن قوله أنت طالق معناه ذات طلاوهذا اللفظ للواحدة والعدد وقوله بعده ثلاثا تفسير له وأما هذه الرواية التي لأبداود فضعيفة رواها أيوب السختيانى عن قوم مجهولين عن طاوس عن ابن عباس فلا يحتاج بها والله أعلم قوله (كانت لهم فيه أناة) هو بفتح الهمزة أي مهلة وبقية استمتاع لانتظار المراجعة قوله (تتايع الناس في الطلاق) هو بياء مثناة من تحت بين الألف والعين هذه رواية الجمهور وضبطه بعضهم بالموحدة وهما بمعنى ومعناه أكثروا منه وأسرعوا إليه لكن بالمثناة أنما يستعمل في الشر وبالموحدة يستعمل في الخير والشر فالمثناة هنا أجود وقوله (هات من هناتك) هو بكسر التاء من هات والمراد بهناتك أخبارك وأمورك المستغربة والله أعلم
[ 73 ]
باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق قوله (عن ابن عباس أنه كان يقول في الحرام يمين يكفرها) وقال ابن عباس لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وفى رواية عن ابن عباس قال إذا حرم الرجل امرأته فهى يمين يكفرها وذكر مسلم حديث عائشة في سبب نزول قوله تعالى لم تحرم ما أحل الله لك وقد اختلف العلماء فيما إذا قال لزوجته أنت على حرام فمذهب الشافعي أنه إن نوى طلاقها كان طلاقا وإن نوى الظهار كان ظهارا وإن نوى تحريم عينها بغير طلاق ولا ظهار لزمه بنفس اللفظ كفارة يمين ولا يكون ذلك يمينا وإن لم ينو شيئا ففيه قولان للشافعي أصحهما يلزمه كفارة يمين والثانى أنه لغو لا شئ فيه ولا يترتب عليه شئ من الأحكام هذا مذهبنا وحكى القاضى عياض في المسألة أربعة عشر مذهبا أحدها المشهور من مذهب مالك أنه يقع به ثلاث طلقات سواء كانت مدخولا بها أم لا لكن لو نوى أقل من الثلاث قبل في غير المدخول بها خاصة قال وبهذا المذهب قال أيضا على بن أبي طالب وزيد والحسن والحكم والثانى أنه يقع به ثلاث طلقات ولا تقبل نيته في المدخول بها ولا غيرها قاله ابن أبى ليلى وعبد الملك بن الماجشون المالكى والثالث أنه يقع به على المدخول بها ثلاث وعلى غيرها واحدة
[ 74 ]
قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم المالكيان والرابع أنه يقع به طلقة واحدة بائنة سواء المدخول بها وغيرها وهو رواية عن مالك والخامس انها طلقة رجعية قاله عبد العزيز بن أبى مسلمة المالكى والسادس أنه يقع ما نوى ولا يكون أقل من طلقة واحدة قاله الزهري والسابع أنه ان نوى واحدة أو عددا أو يمينا فهو ما نوى والا فلغوقاله سفيان الثوري والثامن مثل السابع الا أنه أذا لم ينو شيئا لزمه كفارة يميقاله الاوزاعي وأبو ثور والتاسع مذهب الشافعي وسبق ايضاحه وبه قال أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم والعاشر ان نوى الطلاق وقعت طلقة بائنة وإن نوى ثلاثا وقع الثلاث وإن نوى اثنتين وقعت واحدة وإن لم ينو شيئا فيمين وإن نوى الكذب فلغو قاله أبو حنيفة وأصحابه والحادي عشر مثل العاشر الا أنه إذا نوى اثنتين وقعت قاله زفر والثانى عشر أنه تجب به كفارة الظهار قاله اسحق بن راهوية والثالث عشر هي يمين فيها كفارة اليمين قاله ابن عباس وبعض التابعين الرابع عشر أنه كتحريم الماء والطعام فلا يجب فيه شئ أصلا ولا يقع به شئ بل هو لغو قاله مسروق والشعبى وأبو سلمة واصبغ المالكى هذا كله إذا قال لزوجته الحرة أما إذا قاله فمذهب الشافعي أنه إن نوى عتقها عتقت وإن نوى تحريم عينها لزمه كفارة يمين ولا يكون يمينا وإن لم ينو شيئا وجب كفارة يمين على الصحيح من المذهب وقال مالك هذا في الأمة لغو لا يترتب عليه شئ قال القاضى وقال عامة العلماء عليه كفارة يمين بنفس التحريم وقال أبو حنيفة يحرم عليه ما حرمه من أمة وطعام وغيره ولا شئ عليه حتى يتناوله فيلزمه حينئذ كفارة يمين ومذهب مالك والشافعي والجمهور أنه أن قال هذا الطعام حرام على أو هذا الماء وهذا الثوب أو دخول البيت أو كلام زيد وسائر ما يحرمه غير الزوجة والأمة يكون هذا لغوا لا شئ فيه ولا يحرم عليه ذلك الشئ فإذا تناوله فلا شئ عليه وأم الولد كالأمة فيما ذكرناه والله أعلم قولها (فتواطيت أنا وحفصة) هكذا هو في النسخ فتواطيت وأصله فتواطأت بالهمز أي اتفقت
[ 75 ]
قولها أنى أجد منك ريح مغافير) هي بفتح الميم وبغين معجمة وفاء وبعد الفاء ياء هكذا هو في الموضع الأول في جميع النسخ وأما الموضعان الأخيران فوقع فيهما في بعض النسخ بالياء وفى بعضها بحذفها قال القاضى الصواب اثباتها لأنها عوض من الواو التي في المفرد وإنما حذفت في ضرورة الشعر وهو جمع مغفور وهو صمغ حلو كالناطف وله رائحة كريهة ينضحه شجر يقال له العرفط بضم العين المهملة والفاء يكون بالحجاز وقيل أن العرفط نبات له ورقة عريضة تفترش على الأرض له شوكة حجناء وثمرة بيضاء كالقطن مثل زر القميص خبيث الرائحة قال القاضى وزعم المهلب أن رائحة المغافير والعرفط حسنة وهو خلا ف ما يقتضيه الحديث وخلاف
[ 76 ]
ما قاله الناس قال أهل اللغة العرفط من شجر العضاه وهو كل شجر له شوك وقيل رائحته كرائحة النبيذ وكان النبي ص = يكره أن توجد منه رائحة كريهة قولها (جرست نحله العرفط) هو بالجيم والراء والسين المهملة أي أكلت العرفط ليصير منه العسل قولها (فقال بل شربت عسلا عند زينب بن جحش ولن أعود فنزل لم تحرم ما أحل الله لك) هذا ظاهر في أن الآية نزلت في سبب ترك العسل وفى كتب الفقه أنها نزلت في تحريم مارية قال القاضى اختلف فسبب نزولها فقالت عائشة في قصة العسل وعن زيد بن أسلم أنها نزلت في تحريم مارية جاريته وحلفه أن لا يطأها قال ولا حجة فيه لمن أوجب بالتحريم كفارة محتجا بقوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم لما روى أنه ص = قال والله لا أطأها ثم قال هي على حرام وروى مثل ذلك من حلفه على شربه العسل وتحريمه ذكره ابن المنذر وفى رواية البخاري لن أعود له وقد حلفت أن لا تخبره بذلك أحدا وقال الطحاوي قال النبي ص = في شرب العسل لن أعود إليه أبدا ولم يذكر يمينا لكن قوله تعالى قد فرض الله عليكم في التحريم كفارة يمين وهكذا يقدره الشافعي وأصحابه وموافقوهم قولها (فقال بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش) وفى الرواية التى بعدها أن شرب العسل كان عند حفصة قال القاضى ذكر مسلم في حديث
[ 77 ]
حجاج عن ابن جريج ان التى شرب عندها العسل زينب وان المتظاهرتين عليه عائشة وحفصة وكذلك ثبت في حديث عمر بن الخطاب وابن عباس أن المتظاهرتين عائشة وحفصة وذكر مسلم أيضا من رواية أبى أسامة عن هشام أن حفصة هي التى شرب العسل عندها وأن عائشة وسودة وصفية من اللواتى تظاهرن عليه وقال والأول أصح قال النسائي اسناد حديث حجاج صحيح جيد غاية وقال الأصيلي حديث حجاج أصح وهو أولى بظاهر كتاب الله تعالى وأكمل فائدة يريد قوله تعالى وإن تظاهرا عليه فهما ثنتان لا ثلاث وأنهما عائشة وحفصة كما قال فيه وكما اعترف به عمر رضى الله عنه وقد انقلبت الاسماء على الرواى في الرواية الأخرى كما ان الصحيح في سبب نزول الآية أنها في قصة العسل لا في قصة مارية المروى في غير الصحيحين ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح قال النسائي اسناد حديث عائشة في العسل جيد صحيح غاية هذا آخر كلام القاضى ثم قال القاضى بعد هذا الصواب أن شرب العسل كان عند زينب قوله تعالى (وإذ أسر النبي الى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا) هكذا ذكره مسلم قال القاضى فيه اختصار وتمامه ولن أعود إليه وقد حلفت أن لا تخبرى بذلك أحدا كما رواه البخاري وهذا أحد الأقوال في معنى السر وقيل بل ذلك في قصة مارية وقيل غيرذلك قولها (كان رسول الله ص = يحب الحلواء والعسل) قال العلماء المراد بالحلواء هنا كل شئ حلو وذكر العسل بعدها تنبيها على شرافته ومزيته وهو من باب ذكر الخاص بعد العام والحلواء بالمد وفيه جواز كل لذيذ الأطعمة والطيبات من الرزق وأن ذلك لا ينافى الزهد والمراقبة لا سيما إذا حصل اتفاقا قولها (فكان إذا صلى العصر دار على نسائه فيدنو منهن) فيه دليل لما يقوله أصحابنا أنه يجوز لمن قسم بين نسائه أن يدخل في النهار الى بيت غير المقسوم لها لحاجة ولا يجوز الوطء قولها (والله لقد حرمناه) هو بتخفيف الراء أي منعناه منه يقال حرمته وأحرمته والأول أفصح قوله (قال ابراهيم حدثنا الحسن بن بشر حدثنا أبو أسامة بهذا معناه أن ابراهيم بن سفيان صاحب مسلم
[ 78 ]
ساوى مسلما في إسناد هذا الحديث فرواه عن واحد عن أبي أسامة كما رواه مسلم عن واحد عن أبي أسامة فعلا برجل والله أعلم بيان أن تخييره امرأته لا يكون طلاقا الا بالنية قوله (لما أمر رسول الله ص = بتخيير أزواجه بدأ بي فقال ان ذاكر لك أمرا فعلا عليك أن لا تعجلى حتى تستأمرى أبويك قالت قد علم أن أبوى لم يكونا ليامراني بفراقه إنما بدأ بها لفضيلتها وقوله ص = (فلا عليك أن لا تعجلي) معناه ما يضرك أن لا تعجلى وإنما قال لها هذا شفقة عليها وعلى أبويها ونصيحة لهم في بقائها عنده ص = فإنه خاف أن يحملها صغر سنها وقلة تجاربها على اختيار الفراق فيجب فراقها فتضرهي وأبواها وباقي
[ 79 ]
النسوة بالاقتداء بها وفي هذا الحديث منقة ظاهرة لعائشة ثم لسائر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وفيه المبادرة الى الخير وإيثار أمور الآخرة على الدنيا وفيه نصيحة الانسان صاحبه وتقديمه في ذلك ما هو أنفع في الآخرة قولها (ان كان ذلك الى لم أوثر على نفسي أحدا) هذه المنافسة فيه ص = ليست لمجرد الاستمتاع ولمطلق العشرة وشهوات النفوس وحظوظها التي تكون من بعض الناس بل هي منافسة في أمور الآخرة والقرب من سيد الأولين والآخرين والرغبة فيه وفي خدمته ومعاشرته والاستفادة منه وفي قضاء حقوقه وحوائجه وتوقع نزول الرحمة والوحى عليه عندها ونحو ذلك ومثل هذا حديث ابن عباس وقوله في القدح لا أوثر بنصيبي منك أحدا ونظائره ذلك كثيره قولها (خيرنا رسول الله ص = فلم نعده طلاقا) وفي رواية فلم يكن طلاقا وفي رواية فاخترناه فلم يعده طلاقا وفي رواية فاخترناه فلم يحددها علينا شيئا وفي بعض النسخ فلم يعدها علينا شيئا في هذه الأحاديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء أن من خير زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقا ولا يقع به فرقة ورورى عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث بن سعد أن نفس التخيير يقع به طلقة بائنة سواء اختارت زوجها أم لا وحكاه الخطابي والنقاش عن مالك قال القاضي
[ 80 ]
لا يصح هذا عن مالك ثم هو مذهب ضعيف مردود بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة ولعل
[ 81 ]
القائلين به لم تبلغهم بهذه الأحاديث والله أعلم قوله (واجما) هو بالجيم قال أهل اللغة هو الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام يقال وجم بفتح الجيم وجوما قوله (لأقولن شيئا يضحك النبي ص =) وفي بعض النسخ أضحك النبي ص = فيه استحباب مثل هذا وأن الانسان إذا رأى صاحبه مهموما حزينا يستحب له أن يحدثه بما يضحكه أيشغله ويطيب نفسه وفيه فضيلة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله (فوجأت عنقها) وقوله
[ 82 ]
يجأ عنقها هو بالجيم وبالهمزة وجأيجأ إذا طعن قوله (عن سماك أبي زميل) هو بضم الزاي وفتح الميم قوله (فإذا الناس ينكتون بالحصى) هو بتاء مثناة بعد الكاف أي يضربون الأرض كفعل المهموم المفكر قولها (فإذا الناس ينكتون بالحصى) هو بتاء مثناة بعد الكاف أي يضربون الأرض كفعل المهموم المفكر قولها (عليك بعيبتك) هي بالعي المهملة ثم ياء مثناة تحت ثم ياء موحدة والمراد عليك بوعظ بنتك حفصه قال أهل اللغة العيبة في كلام العرب وعاء يجعل الانسان فيه أفضل ثيابه ونفيس متاعه فشبهت ابنته بها قوله (هو في المشربة) هي بفتح الراء وضمها قوله (فإذا أنا برباح) هو بفتح الراء وبالباء الموحدة قوله (قاعدا على أسكفة المشربة) هي بضم الهمزة والكاف وتشديد الفاء وهي عتبة الباب السفلى قوله (على نقير من خشب) هو بنون
[ 83 ]
مفتوحة ثم قاف مكسورة هذا هو الصحيح الموجود في جميع النسخ وذكر القاضي أنه بالفاء بدل النون وهو فقير بمعنى مفقور مأخوذ من فقار الظهر وهو جذع فيه درج قوله (وإذا أفيق معلق) هو بفتح الهمزة وكسر الفاء وهو الجلد الذي لم يتم دباغه وجمعه أفق بفتحها كأديم وأدم
[ 84 ]
وقد أفق أديمه بفتحها بكسر الفاء قوله (تحسر الغضب عن وجهه) أي زال وانكشف قوله (وحتى كشر فضحك) هو بفتح الشين المعجمة المخففة أي أبدى أسنانه تبسما ويقال أيضا في الغضب وقال ابن السكيت كشر وبسم وابتسم وافتر كله بمعنى واحد فإن زاد قيل قهقه وزهدق وكركر قوله (أتشبث بالجذع) هو بالثاء المثلثة في آخره أي استمسك
[ 85 ]
قوله (فبينما أنا في أمر أئتمره) معناه أشاور فيه نفسي وأفكر ومعنى بينما وبينا أي بين أوقات ائتمارى وكذا ما اشبهه وسبق بيانه
[ 86 ]
قوله (حتى أدخل على حفصة) هو بفتح اللام قوله (وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر) في هذا استحباب حضور مجالس العلم واستحباب التناوب في حضور العلم إذا لم يتيسر لكل واحد الحضور بنفسه قوله (من ملوك غسان) الأشهر ترك صرف غسان وقيل يصر ف وسبق إيضاحه في أول الكتاب قوله (فقلت ج اء الغساني فقال أشد من ذلك اعتزل رسول الله ص = أزواجه) فيه ما كانت الصحابة رضي الله عنهم عليه من الاهتمام بأحوال رسول الله ص = والقلق التام لما يقلقه أو يغضبه قوله (رغم أنف حفصة) هو بفتح الغين وكسرها يقال رغم يرغم رغما
[ 87 ]
ورغما ورغما بفتح الراء وضمها وكسرها أي لصق بالرغام وهو التراب هذا هو الأصل ثم استعمل في كل من عجز من الانتصاف وفي الذل والانقياد كرها قوله (فآخذ ثوبي فأخرج حتى جئت) فيه استحباب التجمل بالثوب والعمامة ونحوهما عند لقاء الأئمة والكبار احتراما لهم قوله (في مشربه له يرتقى إليها بعجلها) وقع في بعض النسخ بعجلها وفي بعضها بعجلتها وفي بعضها بعجلة وكله صحيح والأخيرة أجود قال ابن قتيبة وغيره هي درجة من النخل كما قال في الرواية السابقة جذع قوله (وإن عند رجليه قرظا مضبورا) وقع في بعض الأصول مضبورا بالضاد المعجمة وفي بعضها بالمهملة وكلاهما صحيح أي مجموعا قوله (وعند رأسه أهبا معلقة) بفتح الهمزة والهاء وبضمهما لغتان مشهورتان جمع إهاب وهو الجلد قبل الدباغ على قول الأكثرين وقيل الجلد مطلقا وسبق بيانه في آخر كتاب الطهارة قوله (فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله ص = فبكيت فقال ما يبكيك فقلت يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله ص = فقال رسول الله ص = أما ترضى أن يكون لهما الدنيا ولك الآخرة هكذا هو في الأصول
[ 88 ]
ولك الآخرة وفي بعضها لهم الدنيا وفي أكثرها لهما بالتثنية وأكثر الروايات في غير هذا املوضوع لهم الدنيا ولنا الآخرة وكله صحيح قوله (وكان آلى منهن شهرا) هو بمد الهمزة وفتح اللام ومعناه حلف لا يدخل عليهن شهرا وليس هو من الايلاء المعروف في اصطلاح الفقهاء ولا له حكمه وأصل الايلاء في اللغة الحلف على الشئ يقال منه آلى يؤالى ايلاء وتألى تأليا وائتلى ائتلاء وصار في عرف الفقهاء مختصا بالحلف على الامتناع من وطء الزوجة ولا خلاف في هذا الا ما حكى عن ابن سيرين أنه قال الايلاء الشرعي محمول على ما يتعلق بالزوجة من ترك جماع أو كلام أو انفاق قال القاضي عياض لا خلاف بين العلماء أن مجرد الايلاء لا يوجد في الحال طلاقا ولا كفارة ولا مطالبة ثم اختلفوا في تقدير مدته فقال علماء الحجاز ومعظم الصحابة والتابعين ومن ب عدهم المؤلى من حلف على أكثر من أربعة أشهر فإن حلف على أربعة فليس بمؤل وقال الكوفيون هو من حلف على أربعة أشهر فأكثر وشذ ابن أبي ليلى والحسن وابن شبرمة في آخرين فقالوا إذا حلف لا يجامعها يوما أو أقل ثم تركها حتى مضت أربعة أشهر فهو مؤل وعن ابن عمر أن كل من وقت في يمينه وقتوإن طالت مدته فليس بمؤل وإنما المؤلى من حلف على الأبد قال ولا خلاف بينهم أنه لا يقع عليه طلاق قبل أربعة أشهر ولا خلاف أنه لو جامع قبل انقضاء المدة سقط الايلاء فأما إذا لم يجامع حتى انقضت أربعة أشهر فقال الكوفيون يقع الطلاق وقال علماء الحجاز ومصر وفقهاء أصحاب الحديث وأهل الظاهر كلهم يقال للزوج أما أن تجامع وإما أن تطلق فإن امتنع طلق القاضي عليه وهو المشهور من مذهب مالك وبه قال الشافعي وأصحابه وعن مالك رواية كقول الكوفيون وللشافعي قول أنه لا يطلق القاضي عليه بل يجبر على الجماع
[ 89 ]
أو الطلاق ويعزر على ذلك ان امتنع واختلف الكوفيون هل يقع طلاق رجعى أم بائن فأما الآخرون فاتفقوا على أن الطلاق الذي يوقعه هو أو القاضي يكون رجعيا الا أن مالكا يقول لا تصح فيها الرجعة حتى يجامع الزوج في العدة قال القاضي عياض ولم يحفظ هذا الشرط عن أحد سوى مالك ولو مضت ثلاثة أقراء في الأشهر الأربعة فقال جابر بن زيد إذا طلق انقضت عدتها بتلك الاقراء وقال الجمهور يجب استئناف العدة واختلفوا في أنه هل يشترط للايلاء أن تكون يمينه في حال الغضب ومع قصد الضرر فقال جمهورهم لا يشترط بل يكون مؤليا في كل حال وقال مالك والأوزاعي لا يكون مؤليا إذا حلف لمصلحة ولده لفطامه وعن علي وابن عباس رضي الله عنه أنه لا يكون مؤليا الا إذا حلف على وجه الغضب قوله (حدثنا سفيان بن عيينه عن يحيى ابن سعيد سمع عبيد بن حنين مولى العباس) هكذا هو في جميع النسخ مولى العباس قالوا وهذا قول سفيان بن عيينة قال البخاري لا يصح قول ابن عيينة هذا وقال مالك هو مولى آل زيد بن الخطاب وقال محمد بن جعفر بن أبي كثير هو مولى بني زريق قال القاضي وغيره الصحيح عند الحفاظ وغيرهم في هذا قول مالك قوله في هذه الرواية (كنت أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على عهد رسول الله ص =) هكذا هو جميع النسخ على عهد قال
[ 90 ]
القاضي إنما قال على عهده توقيرا لهما والمراد تظاهرتا عليه في عهده كما قال الله تعالى وإن تظاهرا عليه وقد صرح في سائر الروايات بأنهما تظاهرتا على رسول الله ص = قوله (فسكبت على يديه فتوضأ) فيه جواز الاستعانة في الوضوء وقد سبق ايضاحها في أوائل الكتاب وهو أنها ان كانت لعذر فلا بأس بها وإن كانت بغيره فهى خلاف الأولى ولا يقال مكروهة على
[ 91 ]
الصحيح قوله (ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم) قوله أن كانت بفتح الهمزة والمراد بالجارة هنا الضرة وأوسم أحسن وأجمل والوسامة الجمال قوله (غسان تنعل الخيل هو بضم التاء
[ 92 ]
قوله (متكئ على رمل حصير) هو بفتح الراء وإسكان الميم وفي غير هذه الرواية رمال بكسر الراء يقال رملت الحصير وأرملته إذا نسجته قوله ص = (أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا) قال القاضي عياض ها مما يحتج به من يفضل الفقر على الغنى لما في مفهومه أن بمقدار ما يتعجل من طيبات الدنيا يفوته من الآخرة مما كان مدخرا له لو لم يتعجله قال وقد
[ 93 ]
يتأوله الآخرون بأن المراد أن حظ الكفار هو ما نالوه من نعيم الدنيا ولا حظ لهم في الآخرة والله أعلم قوله (من شدة موجدته) أي الغضب قوله ص = (ان الشهر تسع وعشرون) أي هذا الشهر وفي هذه الأحاديث جواز احتجاب الامام والقاضي ونحوهما في بعض الأوقات لحاجاتهم المهمة وفيها أن الحاجب إذا علم منع الاذن بسكون المحجوب لم يأذن والغالب من عادة النبي ص = أنه كان لا يتخذ حاجا واتخذه في هذا اليوم للحاجة وفيه وجوب الاستئذان على الانسان في منزله وإن علم أنه وحده لأنه قد يكون على حالة يكره الاطلاع عليه فيها وفيه تكرار الاستئذان إذا لم يؤذن وفيه أنه لا فرق بين الرجل الجليل وغيره في أنه يحتاج الى الاستئذان وفيه تأديب الرجل ولده صغيرا كان أو كبيرا أو بنتا مزوجة لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أدبا بنتيهما ووجأ كل واحد منهما بنته وفيه ما كان عليه النبي ص = من التقلل من الدنيا والزهادة فيها وفيه جواز سكنى الغرفة ذات الدرج واتخاذ الخزانة لأثاث البيت وفيه ما كانوا عليه من حرصهم على طلب العلم وتناوبهم فيه وفيه جواز قبول خبر الواحد لأن عمر رضي الله عنه كان يأخذ عن صاحبه الأنصاري ويأخذ الأنصاري عنه وفيه أخذ العلم عمن كان عنده وإن كان الآخذ أفضل من المأخوذ منه كما أخذ عمر عن هذا وفيه الأنصاري أن الانسان إذا رأى صاحبه مهموما وأراد إزالة همه ومؤانسته بما يشرح صدره ويكشف همه ينبغي له أن يستأذنه في ذلك كما قال
[ 94 ]
عمر رضى الله عنه استأنس يا رسول الله ولأنه قد يأتي من الكلام بما لا يوافق صاحبه فيزيدهما وربما أحرجه وربما تكلم بما لا يرتضيه وهذا من الآداب المهمة وفيه توقير الكبار وخدمتهم وهيبتها كما فعل ابن عباس مع عمر وفيه الخطاب بالألفاظ الجميلة كقوله أن كانت جارتك ولم يقل ضرتك والعرب تستعمل هذا لما في لفظ الضرة من الكراهة وفيه جواز قرع باب غيره الإستئذان وشدة الفزع للأمور المهمة وفيه جواز نظر الإنسان الى نواحى بيت صاحبه وما فيه إذا علم عدم كراهة صاحبه لذلك وقد كره السلف فضول النظر وهو محمول على ما إذا علم كراهته لذلك وشك فيها وفيه أن الزوج هجران زوجته وإعتزاله في بيت آخر إذا جرى منها سبب يقتضيه وفيه جواز قوله لغيره رغم أنفه إذا أساء كقول عمر رغم أنف حفصة وبه قال عمر بن عبد العزيز وآخرون وكرهه مالك وفيه فضيلة عائشة للابتداء بها في التخيير وفي الدخول بعد انقضاء الشهر وفيه غير ذلك والله أعلم المطلقة البائن لانفقة لها فيه حديث فاطمة بنت قيس أن ابا عمر بن حفص طلقها هكذا قاله الجمهور أنه أبو عمرو بن حفص وقيل أبو حفص بن عمرو وقيل أبو حفص بن المغيرة واختلفوا في اسمه والأكثرون على
[ 95 ]
أن أسمه عبد الحميد وقال النسائي اسمه أحمد وقال آخرون اسمه كنيته وقوله (أنه طلقها) هذا هو الصحيح المشهور الذي رواه الحفاظ واتفق على روايته الثقات على اختلاف ألفاظهم في أنه طلقها ثلاثا أو البته أو آخر ثلاث تطليقات وجاء في آخر صحيح مسلم في حديث الجساسة ما يوهم أنه مات عنها قال العلماء وليست هذه الرواية على ظاهرها بل هي وهم أو مؤولة وسنوضحها في موضعها إن شاء الله تعالى وأما قوله في رواية أنه طلقها ثلاثا وفي رواية أنه طلقها البته وفي رواية طلقها آخر ثلاث تطليقات وفي رواية طلقها طلقة كانت بقيت من طلاقها وفي رواية طلقها ولم يذكر عددا ولا غيره فالجمع بين هذه الروايات أنه كان طلقها قبل هذا طلقتين ثم طلقها هذه المرة الطلقة الثالثة فمن روى أنه طلقها مطلقا أو طلقها واحدة أو طلقها آخر ثلاث تطليقات فهو ظاهر ومن روى ألبتة فمراده طلقها طلاقا صارت به مبتوتة بالثلاث ومن روى ثلاثا أراد تمام الثلاث قوله ص = (ليس لك عليه نفقة) وفي رواية لا نفقة لك ولا سكنى وفي رواية لا نفقة من غير ذكر السكنى واختلف العلماء في المطلقة البائن الحائل هل لها النفقة والسكنى أم لا فقال عمر بن الخطاب وأبو حنيفة وآخرون لها السكنى والنفقة وقال ابن عباس وأحمد لا سكنى لها ولا نفقة وقال مالك والشافعي وآخرون تجب لها السكنى ولا نفقة لها واحتج من أوجبها جميعا بقوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم فهذا أمر بالسكنى وأما النفقة فلأنها محبوسة عليه وقد قال عمر رضي الله عنه لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا ص = بقول امرأة جهلت أو نسيت قال العلماء الذي في كتاب ربنا انما هو إثبات السكنى قال الدارقطني قوله وسنة نبينا هذه زيادة غير محفوظة لم يذكرها جماعة من الثقات واحتج من لم يوجب نفقة ولا سكنى بحديث فاطمة بنت قيس واحتج من اوجب السكنى دون النفقة لوجوب السكنى بظاهر قوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم ولعدم وجوب النفقة بحديث فاطمة مع ظاهر قول الله تعالى وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن
[ 96 ]
فمفهومه أنهن إذا لم يكن حوامل لا ينفق عليهن وأجاب هؤلاء عن حديث فاطمة في سقوط النفقة بما قاله سعيد بن المسيب وغيره أنها كانت امرأة لسنة واستطالت على أحمائها فأمرها بالانتقال عند ابن أم مكتوم وقيل لأنها خافت في ذلك المنزل بدليل ما رواه مسلم من قولها أخاف أن يقتحم على ولا يمكن شئ من هذ التأويل في سقوط نفقتها والله أعلم وأما البائن الحامل فتجب لها السكنى والنفقة وأما الرجعية فتجبان لها بالاجماع وأما المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها بالاجماع والأصح عندنا وجوب السكنى لها فلو كانت حاملا فالمشهور أنه لا نفقة كما لو كانت حائلا وقال بعض أصحابنا تجب وهو غلط والله أعلم قوله (طلقها ألبتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته) فيه أن الطلاق يقع في غيبة المرأة وجواز الوكالة في أداء الحقوق وقد أجمع العلماء على هذين الحكمين وقوله وكيله مرفوع هو المرسل قوله (فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي) قال العلماء أم شريك هذه قرشية عامرية وقيل أنها أنصارية وقد ذكر مسلم في آخر الكتاب في حديث الجساسة أنها أنصارية واسمها غزية وقيل غزيلة بغين معجمة مضمومة ثم زاي فيهما وهي بنت داود أن ابن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن حجير ابن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب وقيل في نسبها غير هذا قيل انها التي وهبت نفسها للنبي ص = وقيل غيرها ومعنى هذا الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانو يزورون أم شريك ويكثرون التردد إليها لصلاحها فرأى النبي ص = أن على فاطمة من الاعتداد عندها حرجا من حيث أن يلزمها التحفظ من نظرهم إليها ونظرها إليهم وانكشاف شئ منها وفي التحفظمن هذا مع كثرة دخولهم وترددهم مشقة ظاهرة فأمرها بالاعتداد عند ابن أم مكتولأنه لا يبصرها ولا يتردد الى بيته من يتردد الى بيت أم شريك وقد احتج بعض الناس بهذا على جواز نظر المرأة الى الأجنبي بخلاف نظره إليها وهذا قول ضعيف بل الصحيح الذي عليه جمهور العلماء وأكثر الصحابة أنه يحرم على المراة النظر الى الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها لقوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ولأن الفتنة مشتركة وكما يخاف الافتتان بها تخاف الافتنان به ويدل عليه من السنة حديث نبهان مولى أم سلمة
[ 97 ]
عن أم سلمة أنها كانت هي وميمونة عند النبي ص = فدخل ابن ام مكتوم فقال النبي ص = احتجبا منه فقالتا انه أعمى لا يبصر فقال النبي ص = أفعمياوان أنتما فليس تبصرانه وهذا الحدي حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وغيرهما قال الترمذي هو حديث حسن ولا يلتفت الى قدح من قدح فيه بغير حجة متعمدة وأما حديث فاطمة بنت قيس مع ابن أم مكتوم فليس فيه إذن لها في النظر إليه بل فيه أنها تأمن عنده من نظر غيرها وهي مأمورة بغض بصرها فيمكنها الاحتراز عن النظر بلا مشقة بخلاف مكثها في بيت أم شريك قوله ص = (فإذا حللت فآذنيني) هو بمد الهمزة أي أعلميني وفيه جواز التعريض بخطبة البائن وهو الصحيح عندنا قوله ص = (أما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه) فيه تأويلان مشهوران أحدهما أنه كثير الأسفار والثاني أنه كثير الضرب للنساء وهذا أصح بدليل الرواية التي ذكرها مسلم بعد هذه أنه ضرا ب للنساء وفيه دليل على جواز ذكر الانسان بما فيه عند المشاروة وطلب النصيحة ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة وقد قال العلماء أن الغيبة تباح في ستة مواضع أحدها الاستنصاح وذكرتها بدلائلها في كتاب الاذكار ثم في رياض الصالحين (واعلم أن أبا الجهم) هذا بفتح الجيم مكبر وهو أبو الجهم المذكور في حديث الانبجانية وهو غير أبو الجهيم المذكور في التيمم وفي المرور بين يدى المصلى فإن ذاك بضم الجيم مصغر وقد أوضحتهما بإسميهما ونسبيهما ووصفيهما في باب التيمم ثم في باب المرور بين يدى المصلى وذكرنا أن أبا الجهم هذا هو ابن حذيفة القرشى العدوى قال القاضي وذكره الناس كلهم ولم ينسبوه في الرواية الا يحيى بن يحيى الأندلسي أحد رواة الموطأ فقال أبو جهم بن هشام قال وهو غلط ولا يعرف في الصحابة أحد يقال له أبو جهم بن هشام قال ولم يوافق يحيى على ذلك أحد من رواة الموطأ ولا غيرهم قوله ص = (فلا يضع العصا عن
[ 98 ]
عاتقه) العاتق هو ما بين العنق والمنكب وفي هذا استعمال المجاز وجواز اطلاق مثل هذه العبارة في قوله ص = لا يضع العصا عن عاتقه وفي معاوية أنه صعلوك لا مال له مع العلم بأنه كان لمعاوية ثوب يلبسه ونحو ذلك من المال المحقر وأن أبا الجهم كان يضع العصا عن عاتقه في حال نومه وأكله وغيرهما ولكن لما كان كثير الحمل للعصا وكان معاوية قليل المال جدا جاز اطلاق هذا اللفظ عليهما مجازا ففي هذا جواز استعمال مثله في نحو ها وقد نص عليه أصحابنا وقد أوضحته في آخر كتاب الاذكار قوله ص = (وأما معاوية فصعلوك) هو بضم الصاد وفي هذا جواز ذكره بما فيه للنصيحة كما سبق في ذكر أبي جهم قولها (فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم خطباني) هذا تصريح بأن معاوية الخاطب في هذا الحديث هو معاوية بن أبي سفيان بن حرب وهو الصواب وقيل أنه معاوية آخر وهذا غلط صريح نبهت عليه لئلا يغتر به وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات في ترجمة معاوية والله أعلم قوله ص = (انكحي أسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت) فقولها اغتبطت هو بفتح التاء والباء وفي بعض النسخ واغتبطت به ولم تقع لفظه به في أكثر النسخ قال أهل اللغة الغبطة أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه وليس هو بحسد أقول منه غبطته بما نال أغبطه بكسر الباء غبطا وغبطة فاغتبط هو كمنعته فامتنع وحبسته فاحتبس وأما إشارته ص = بنكاح أسامه فلما علمه من دينه وفضله وحسن طرائقه وكرم شمائله فنصحها بذلك فكرهته لكونه مولى ولكونه كان أسود جدا فكرر عليها النبي ص = الحث على زواجه لما علم من مصلحتها في ذلك وكان كذلك ولهذا قالت فجعل الله لي في خيرا واغتبطت ولهذا قال النبي ص = في الرواية التي بعد هذا طاعة الله وطاعة رسوله خير لك قوله (حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري)
[ 99 ]
كليهما هو القارى بتشديد الياء سبق بيانه مرات وهكذا وقع في النسخ كليهما وهو صحيح وقد سبق وجهه في الفصول المذكورة في مقدمة هذا الشرح قوله (وكان أنفق عليها نفقة دون) هكذا هو في النسخ نفقة دون بإضافة نفقة الى دون قال أهل اللغة الدون الردئ الحقير قال الجوهرى ولا يشتق منه فعل قال وبعضهم يقول منه دان يدون دونا وأدين إدانة قوله ص (تضعين ثيابك عنده) وفي الرواية الأخرى فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك هذا لرواية
[ 100 ]
مفسرة للأولى ومعناه لا تخافين من رؤية رجل اليك قوله ص = لا تسبقيني بنفسك) هو من التعريض بالخطبة وهو جائز في عدة الوفاة وكذا عدة البائن بالثلاث وفيه قول ضعيف في عدة البائن والصواب الأول لهذا الحديث قوله (كتبت ذلك منفيها كتابا)
[ 101 ]
الكتاب هنا مصدر لكتبت قوله (فاستأذنته في الانتقال فأذن لها) هذا محمول على أنه أذن لها في الانتقال لعذر وهو البذاءة على أحمائها أو خوفها أن يقتحم عليها أو النحو ذلك وقد سبقت الاشارة الى هذا في أوائل هذا الباب وأما لغير حاجة فلا يجوز لها الخروج والانتقال ولا يجوز نقلها قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال ابن عباس وعائشة المراد بالفاحشة هنا النشوز وسوء الخلق وقيل هو البذاءة على أهل زوجها وقيل
[ 102 ]
معناه إلا أن يأتين بفاحشة الزنا فيخرجن لاقامة الحد ثم ترجع الى المسكن قوله (سنأخذ بالعصمة التى وجدنا الناس عليها) هكذا هو في معظم النسخ بالعصمة بكسر العين وفي بعضها بالقضية بالقاف والضاد وهذا واضح ومعنى الأول بالثقة والأمر القوى الصحيح قوله (ومجاهد) هو بالجيم وهو ضعيف وإنما ذكره مسلم هنا متابعة والمتابعة يدخل فيها بعض الضعفاء قولها (انه طلقها زوجها البتة قالت فخاصمته الى رسول الله ص =) أي خاصمت وكيله قوله (فأتحفتنا برطب ابن طاب وسقتنا سويق سلت) معنى أتحفتنا ضيفتنا
[ 103 ]
ورطب بن طاب نوع من الرطب الذى بالمدينة وقد ذكرنا أن أنواع تمر المدينة مائة وعشرون نوعا وأما السلت فبسين مهملة مضمومة ثم لام ساكنة ثم مثناة فوق وهو حب متردد بين الشعير والحنطة قيل طبعه طبع الشعير في البرودة ولونه قريب من لون الحنطة وقيل عكسه واختلف أصحابنا في حكمه على ثلاثة أوجه مشهورة الصحيح أنه جنس من الحبوب ليس هو حنطة ولا شعيرا والثاني أنه حنطة والثالث أنه شعير وتظهر فائدة الخلاف في بيعه بالحنطة أو بالشعير متفاضلا وفي ضمه اليهما في إتمام نصاب الزكاة وفي غير ذلك وفي هذا الحديث استحباب الضيافة واستحبابها من النساء لزوارهن من فضلاء الرجال وإكرام الزائر وإطعامه والله أ علم قوله (سألتها عن المطلقة ثلاثا أين تعتد قالت طلقني بعلى ثلاثا فأذن لى النبي ص أن أعتد في أهلى) هذا محمول على أنه أجاز لها ذلك لعذر في الانتقال من مسكن الطلاق كما سبق إيضاحه قريبا قوله (فقال انتقلى الى بيت ابن عمك عمرو بن أم مكتوم) هكذا وقع هنا وكذا جاء في صحيح مسلم في آخر الكتاب وزاد فقال هو رجل من بنى فهر من البطن الذى هي منه قال القاضى والمشهور خلاف هذا وليس هما من بطن واحد هي من بن محارب بن فهر وهو من بنى عامر بن لؤى قلت وهو ابن عمها مجازا يجتمعان في فهر واختلفت
[ 104 ]
الرواية في اسم ابن أم مكتوم فقيل عمرو وقيل عبد الله وقيل غير ذلك قوله (عن أبى بكر بن أبى الجهم بن صخير) هكذا هو في نسخ بلادنا صخير بضم الصاد على التصغير وحكى القاضى عن بعض رواتهم أنه صخر بفتحها على التكبير والصواب المشهور هو الأول قوله ص (أما معاوية فرجل ترب لا مال له) هو بفتح التاء وكسر الراء وهو الفقير فأكده
[ 105 ]
بأنه لا مال له لأن الفقير قد يطلق على من له شئ يسير لا يقع موقعا من كفايته قوله ص (فإنه ضرير البصر تلقى ثوبك عنده) هكذا هو في جميع النسخ تلقى وهى لغة صحيحة والمشهور في اللغة تلقين بالنون قوله ص = (وأبو الجهيم منه شدة على النساء) هكذا هو في النسخ في هذا الموضع أبو الجهيم بضم الجيم مصغر والمشهور أنه بفتحها مكبر وهو
[ 106 ]
المعروف في باقى الروايات وفي كتب الأنساب وغيرها قولها (فشرفني الله بأبى زيد وكرمني بأبى زيد) هكذا هو في بعض النسخ بأبى زيد في الموضعين على أنه كنية وفي بعضها بابن زيد بالنون في الموضعين وادعى القاضى أنها رواية الأكثرين وكلاهما صحيح هو أسامة بن زيد وكنيته أبو زيد ويقال أبو محمد واعلم أن في حديث فاطمة بنت قيس فوائد كثيرة إحداها جواز طلاق الغائب الثانية جواز التوكيل في الحقوق في القبض والدفع الثالثة لا نفقة للبائن وقالت طائفة لا نففة ولا سكنى الرابعة جواز سماع كلام الأجنبية والأجنبي في الستفتاء ونحوه الخامسة جواز الخروج من منزل العدة للحاجة السادسة استحباب زيارة النساء الصالحات للرجال بحيث لا تقع خلوة محرمة لقوله ص = في أم شريك تلك امرأة يغشاها أصحابي السابعة جواز التعريض لخطبة المعتدة البائن بالثلاث الثامنة جواز الخطبة على خطبة غيره إذا لم يحصل للاول إجابة لأنها أخبرته أن معاوية وأبا الجهم وغيرهما خطبوها التاسعة جواز ذكر الغائب
[ 107 ]
بما فيه من العيوب التى يكرهها إذا كان للنصيحة ولا يكون حينئذ غيبة محرمة العاشرة جواز استعمال المجاز لقوله ص = (لا يضع العصا عن عاتقه ولا مال له) الحادية عشرة استحباب إرشاد الانسان الى مصلحته وان كرهها وتكرار ذلك عليه لقولها قال انكحي أسامة فكرهته ثم يقال انكحي أسامة فنكحته الثانية عشر قبول نصيحة أهل الفضل والانقياد الى إشارتهم وأن عاقبتها محمودة الثالثة عشر جواز نكاح غير الكفء إذا رضيت به الزوجة والولى لأن فاطمة قرشية وأسامة مولى الرابعة عشر الحرص على مصاحبة أهل التقوى والفضل وإن دنت أنسابهم الخامسة عشر جواز إنكار المفتى على مفت آخر خالف النص أو عمم ما هو خاص لأن عائشة أنكرت على فاطمة بنت فيس تعميمها أن لا سكنى للمبتوتة وإنما كان انتقال فاطمة من مسكنها لعذر من خوف اقتحامه عليها أو لبذاءتها أو نحو ذلك السادسة عشر استحباب ضيافة الزائر وإكرامه بطيب الطعام والشراب سواء كان المضيف رجلا أو امرأة والله أعلم
[ 108 ]
جواز خروج المعتدة البائن (والمتوفى عنها زوجها في النهار لحاجتها) فيه حديث جابر (قال طلقت خالتي فأردت أن تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي ص = فقال بلى فجدى نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا) هذا الحديث دليل الخروج المعتدة البائن للحاجة ومذهب مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وآخرين جواز خروجها في النهار للحاجة وكذلك عند هؤلاء يجوز لها الخروج في عدة الوفاة ووافقهم أبو أبو حنيفة في عدة الوفاة وقال تفي البائن لا تخرج ليلا ولا نهارا وفيه استحباب الصدقة من التمر عند جداده والهدية واستحباب التعريض لصاحب التمر بفعل ذلك وتذكير المعروف والبر والله تعالى أعلم انقضاء عدة المتوفي عنها زوجها (وغيرها بوضع الحمل) فيه حديث سبيعة بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة أنها وضعت بعد وفاة زوجها بليال
[ 109 ]
فقال النبي ص = إن عدتها انقضت وإنها حلت للزواج فأخذ بهذا جماهير العلماء من السلف والخلف فقالوا عدة المتوفي عنها بوضع الحمل حتى لو وضعت بعد موت زوجها بلحظة قبل غسله انقضت عدتها وحلت وهي الحال للأزواج هذا قول مالك والشافعي وأبى حنيفة وأحمد والعلماء كافة الا رواية عن على وابن عباس وسحنون المالكى أن عدتها بأقصى الأجلين وهى أربعة أشهر وعشرا ووضع الحمل وإلا ما روى عن الشعبى والحسن وابراهيم النخعي وحماد أنها لا يصح زواجها حتى تطهر من نفاسها وحجة الجمهور حديث سبيعة لمذكور وهو مخصص لعموم قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ومبين أن قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن عام في المطلقة والمتوفي عنها وأنه على عمومه قال الجمهور وقد تعارض عموم هاتين الآيتين وإذا تعارض العمومان وجب الرجوع الى مرجح لتخصيص أحدهما وقد وجد هنا حديث سبيعة المخصص لأربعة أشهر وعشرا وأنها محمولة على غير الحامل وأما الدليل على الشعبى وموافقيه فهو ما رواه مسلم في الباب أنها قالت فأفتانى النبي ص = بأنى قد حللت حين وضعت حملي وهذا تصريح بإنقضاء العدة بنفس الوضع فان احتجوا بقوله فلما تعلت من نفاسها أي طهرت منه فالجواب أن هذا إخبار عن وقت سؤالها ولا حجة فيه وإنما الحجة في قول النبي ص أنها حلت حين وضعت ولم يعلل بالطهر من النفاس قال العلماء من أصحابنا وغيرهم سواء كان حملها ولدا أو أكثر كامل الخلقة أو ناقصها أو علقة أو مضغة فتنقضى العدة بوضعه إذا كان فيه صورة خلق آدمى سواء كا نت صورة خفية تختص النساء بمعرفتها أم جلية يعرفها كل أحد ودليله إطلاق سبيعة من غير سؤال عن صفة حملها قوله (كانت تحت سعد بن
[ 110 ]
خولة وهو في بنى عامر بن لؤى) هكذا هو في النسخ في بنى عامر بالفاء وهو صحيح ومعناه ونسبه في بنى عامر أي هو منهم قوله (فلم تنشب) أي لم تمكث قوله (أبو السنابل بن بعكك) السنابل بفتح السين وبعكك بموحدة مفتوحة ثم عين ساكنة ثم كافين الأولى مفتوحة واسم أبى السنابل عمرو وقيل حبة بالباء الموحدة وقيل بالنون حكاهما ابن ماكولا وهو أبو السنابل ابن بعكك بن الحجاج بن الحارث بن السباق بن عبد الدار كذا نسبة ابن الكلبى وابن عبد البر وقيل
[ 111 ]
في نسبه غير هذا قوله (نفست بعد وفاة زوجها بليال) هو بضم النون على المشهور وفي لغة بفتحها وهما لغتان في الولادة وقوله بعد وفاته بليال قيل انها شهر وقيل خمس وعشرون ليلة وقيل دون ذلك والله أعلم باب وجوب الاحداد في عدة الوفاة (وتحريمه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام) قال أهل اللغة الاحداد والحداد مشتق من الحد وهو المنع لأنها تمنع الزينة والطيب يقال أحدت المرأة تحد احدادا وحدت تحد بضم الحاء وتحد بكسرها حدا كذا قال الجمهور أنه يقال أحدت وحدت وقال الاصمعي لا يقال الا أحدت رباعيا ويقال امرأه حاد ولا يقال حادة وأما الاحداد في الشرع فهو ترك الطيب والزينة وله تفاصيل مشهورة في كتب الفقه قوله
[ 112 ]
ص = (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث الا على زوج أربعة أشهر وعشرا) فيه دليل على وجوب الاحداد على المعتدة من وفاة زوجها وهو مجمع عليه في الجملة وإن اختلفوا في تفصيله فيجب على كل معتدة عن وفاة سواء المدخول بها وغيرها والصغيرة والكبيرة والبكر والثيب والحرة والأمة والمسلمة والكافرة هذا مذهب الشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين وأبو ثور وبعض المالكية لا يجب على الزوجة الكتابية بل يختص بالمسلمة لقوله ص = لا يحل لامرأة تؤمن بالله فخصه بالمؤمنة ودليل الجمهور أن المؤمن هو الذى يستثمر خطاب الشارع وينتفع به وينقاد له فلهذا قيد به وقال أبو حنيفة أيضا لا احداد على الصغيرة ولا على الزوجة الأمة وأجمعوا على أنه لا احداد على أم الولد ولا على الأمة إذا توفى عنهما سيدهما ولا على الزوجة الرجعية واختلفوا في المطلقة ثلاثا فقال عطاء وربيعة ومالك والليث والشافعي وابن المنذر لا احداد عليها وقال الحكم وأبو حنيفة والكوفيون وأبو ثور وأبو عبيد عليها الاحداد وهو قول ضعيف للشافعي وحكى القاضى قولا عن الحسن البصري أنه لا يجب الاحداد على المطلقة ولا على المتوفى عنها وهذا شاذ غريب ودليل من قال لا احداد على المطلقة ثلاثا قوله ص = الا على الميت فخص الاحداد بالميت بعد تحريمه في غيره قال القاضي واستفيد وجوب الاحداد في المتوفي عنها من اتفاق العلماء على حمل الحديث على ذلك مع أنه ليس في لفظه ما يدل على الوجوب ولكن اتفقوا على حمله على الوجوب مع قوله ص = في الحديث الآخر حديث أم سلمة وحديث أم عطية في الكحل والطيب واللباس ومنعها منه والله أعلم وأما قوله ص = أربعة أشهر وعشرا فالمراد به وعشرة أيام بلياليها هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الا ما حكى عن يحيى بن أبى كثير والاوزاعي أنها أربعة أشهر وعشر ليال وأنها تحل في اليوم العاشر وعندنا وعند الجمهور لا تحل حتى تدخل ليلة الحادى عشر واعلم أن التقييد عندنا بأربعة أشهر وعشر خرج على غالب المعتدات أنها تعتد بالاشهر أما إذا كانت حاملا فعدتها بالحمل ويلزمها الاحداد في جميع العدة حتى تضع سواء قصرت المدة أم طالت فإذا وضعت فلا احداد بعده وقال بعض
[ 113 ]
العلماء لا يلزمها الاحداد بعد أربعة أشهر وعشر وان لم تضع الحمل والله أعلم قال العلماء والحكمة في وجوب الاحداد في عدة الوفاة دون الطلاق لأن الزينة والطيب يدعوان الى النكاح ويوقعان فيه فنهيت عنه ليكون الامتناع من ذلك زاجرا عن النكاح لكون الزوج ميتا لا يمنع معتدته من النكاح ولا يراعيه ناكحها ولا يخاف منه بخلاف المطلق الحى فإنه يستغنى بوجوده عن زاجرا آخر ولهذه العلة وجبت العدة على كل متوفى عنها وإن لم تكن مدخولا بها بخلاف الطلاق فاستظهر للميت بوجوب العدة وجعلت أربعة أشهر وعشرا لأن الأربعة فيها ينفخ الروح في الولد إن كان والعشر احتياطا وفي هذه المدة يتحرك الولد في البطن قالوا ولم يوكل ذلك الى أمانة النساء ويجعل بالإقراء كالطلاق لما ذكرناه من الاحتياط للميت ولما كانت الصغيرة من الزوجات نادرة ألحقت بالغالب في حكم وجوب العدة والاحداد والله أعلم قوله (فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره) هو برفع خلوق وبرفع غيره أي دعت بصفرة وهى خلوق أو غيره والخلوق بفتح الخاء هو طيب مخلوط قوله (مست بعارضيها) هما جانبا الوجه فوق الذقن الى ما دون الأذن وإنما فعلت هذا لدفع صورة الاحداد وفي هذا الذى فعلته أم حبيبة وزينب مع الحديث المذكور دلالة لجواز الاحداد على غير الزوج ثلاثة أيام فما دونها قولها (وقد اشتكت عينها) هو برفع النون ووقع في بعض الأصول عيناها بالألف قولها
[ 114 ]
(أفنكحلها فقال لا) هو بضم الحاء وفي هذا الحديث أم عطية المذكور بعده في قوله ص = لا تكتحل دليل على تحريم الاكتحال على الحادة سواء احتاجت إليه أم لا وجاء في الحديث الآخر في الموطأ وغيره في حديث أم سلمة اجعليه بالليل وامسحيه يالنهار ووجة الجمع بين الأحاديث أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل لها وإن احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه فإن فعلته مسحته بالنهار فحديث الاذن فيه لبيان أنه بالليل للحاجة غير حرام وحديث النهى محمول على عدم الحاجة وحديث التي اشتكت عينها فنهاها محمول على أنه نهى تنزيه وتأوله بعضهم على أنه لم يتحقق الخوف على عينا وعد اختلف العلماء في اكتحال المحدة فقال سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار ومالك في رواية عنه يجوز إذا خافت على عينها بكحل لا طيب فيه وجوزه بعضهم عند الحاجة وان كان فيه طيب ومذهبنا جوازه ليلا عند الحاجة بما لا طيب فيه قوله ص = (انما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداهكن في الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول) معناه لا تستكثرن العدة ومنع الاكتحال فيها فانها مدة قليلة وقد خففت عنكن وصارت أربعة أشهر وعشرا بعد أن كانت سنة وفي هذا تصريح بنسخ الاعتداد سنة المذكور في سورة البقرة في الآية الثانية وأما رميها بالبعرة على رأس الحول فقد فسره في الحديث قال بعض العلماء معناه أنها رمت بالعدة وخرجت منها كانفصالها من هذه البعرة ورميها بها وقال بعضهم هو اشارة الى أن الذى فعلت وصبرت عليه من الاعتداد سنة ولبسها شر ثيابها ولزومها بيتا صغيرا هين بالنسبة الى حق الزوج وما يستحقه من المراعاة كما يهون الرمى بالبعرة قوله (دخلت حفشا) هو بكسر الحاء المهملة وإسكان الفاء وبالشين المعجمة أي بيتا صغيرا حقيرا قريب السمك قوله (ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير
[ 115 ]
فتفتض به) هكذا هو في جميع النسخ فتفتض بالفاء والضاد قال ابن قتيبة سألت الحجازيين عن معنى الافتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تغتسل ولا تمس ماء ولا تقلم ظفرا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش ما تفتض به وقال مالك معناه تمسح به جلدها وقال ابن وهب معناه تمسح بيدها عليه أو على ظهره وقيل معناه تمسح به ثم تفتض أي تغتسل والافتضاض الاغتسال بالماء العذب للانقاء وإزالة الوسخ حتى تصير بيضاء نقية كالفضة وقال الأخفش معناه تتنظف وتتنقى من الدرن تشبيها لها بالفضة في نقائها وبياضها وذكر الهروي أن الأزهري قال رواه الشافعي تقبض بالقاف والصاد المهملة والباء الموحدة مأخوذ من القبض وهو القبض بأطراف الأصابع قوله (توفى حميم لأم حبيبة) أي قريب
[ 116 ]
قوله ص = (في شر أحلاسها) هو بفتح الهمزة وإسكان الحاء المهملة جمع حلس بكسر الحاء والمراد في شر ثيابها كما قال في الرواية الأخرى وهو مأخوذ من حلس البعير وغيره من الدواب وهو كالمسح يجعل على ظهره قوله (نعى أبى سفيان) هو بكسر العين مع تشديد الياء وبإسكانها مع تخفيف الباء أي خبر موته
[ 118 ]
قوله ص = (ولا تلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب عصب) العصب بعين مفتوحة ثم صاد ساكنة مهملتين وهو برود اليمن يعصب غزلها ثم يصبغ معصوبا ثم تنسج ومعنى الحديث النهى عن جميع الثياب المصبوغة للزينة الا ثوب العصب قال ابن المنذر أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة والمصبغة الا ما صبغ بسواد فرخص بالمصبوغ بالسواد عروة بن الزبير ومالك والشافعي وكرهه الزهري وكره عروة العصب وأجازه الزهري وأجاز مالك غليظة والأصح عند أصحابنا بحريمه كطلقا وهذا الحديث حجة لمن أجازه قال ابن المنذر رخص جميع العلماء في الثياب البيض ومنع بعض متأخرى المالكية جيد البيض الذى يتزين به وكذلك جيد السواد قال أصحابنا ويجوز كل ما صبغ ولا تقصد منه الزينة ويجوز لها لبس الحرير في الأصح ويحرم حلى الذهب والفضة وكذلك اللؤلؤ وفي اللؤلؤ وجه أنه يجوز قوله ص (ولا تمس طيبا الا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار) النبذة بضم النون القطعة
[ 119 ]
والشئ اليسير وأما القسط فبضم القاف ويقال فيه كست بكاف مضمومة بدل القاف وبتاء بدل الطاء وهو والاظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لازالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب والله تعالى أعلم كتاب اللعان اللعان والملاعنة والتلاعن ملاعنة الرجل امرأته يقال تلاعنا والتعنا ولاعن القاضى بينهما وسمى لعانا لقول الزوج على لعنة الله ان كنت من الكاذبين قال العلماء من أصحابينا وغيرهم واختير لفظ اللعن على لفظ الغضب وإن كانا موجودين في الآية الكريمة وفي صورة اللعان لأن لفظ اللعنة متقدم في الآية الكريمة وفي صورة اللعان ولأن جانب الرجل فيه أقوى من جانبها لأنة قادر على الابتداء باللعان دونها ولأنه قد ينفك لعانه عن لعانها ولا ينعكس وقيل سمى لعانا من اللعن وهو الطرد والابعاد لأن كلا منهما يبعد عن صاحبه ويحرم النكاح بينهما على التأبيد بخلاف المطلق وغيره واللعان عند جمهور أصحابنا يمين وقيل شهادة وقيل يمين فيها ثبوت شهادة وقيل عكسه قال العلماء وليس من الأيمان شئ متعدد الا اللعان والقسامة ولا يمسن في جانب المدعى الا فيهما والله أعلم قال العلماء وجوز اللعان لحفظ الأنساب ودفع المعرة عن الأزواج وأجمع العلماء على صحة اللعان في الجملة واللة أعلم واختلف العلماء في نزول آية اللعان هل هو بسبب عويمر العجلاني أم بسبب هلال بن أمية فقال بعضم بسبب عويمر العجلاني واستدل بقوله ص = في الحديث الذى ذكره مسلم في الباب أولا لعويمر قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك وقال جمهور العلماء سبب نزولها قصة هلال ابن أمية واستدلوا بالحديث الذى ذكره مسلم بعد هذا في قصة هلال
[ 120 ]
قال وكان أول رجل لاعن في الاسلام قال الماوردى من أصحابنا في كتابه الحاوى قال الأكثرون قصة هلال بن أمية أسبق من قصة العجلاني قال والنقل فيهما مشتبه ومختلف وقال ابن الصباغ من أصحابنا في كتابه الشامل قصة هلال تبين أن الآية نزلت فيه أولا قال وأما قوله ص = لعويمر ان الله قد أنزل فيك وفى صاحبتك فمعناه ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس قلت ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الآية فيهما وسبق هلال باللعان فيصدق أنها نزلت في ذا وفي ذاك وأن هلالا أول من لاعن والله أعلم قالوا وكانت قصة اللعان في شعبان سنة تسع من الهجرة وممن نقله القاضي عياض عن ابن جرير الطبري قوله (فكره رسول الله ص = المسائل وعابها) المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها لا سيما ما كان فيه هتك ستر مسلم أو مسلمة أو اشاعة فاحشة أو شناعة على مسلم أو مسلمة قال العلماء أما إذا كانت المسائل مما يحتاج إليه في أمور الدين وقد وقع فلا كراهة فيها وليس هو المراد في الحديث وقد كان المسلمون يسألون رسول الله ص = عن الأحكام الواقعة فيجيبهم ولا يكرهها وإنما كان سؤال عاصم في هذا الحديث عن قصة لم تقع بعد ولم يحتج إليها وفيها شناعة على المسلمين والمسلمات وتسليط اليهود والمنافقين ونحوهم على الكلام في أعراض المسلمين وفي الاسلام ولأن من المسائل ما يقتضى جوابه تضييقا وفي الحديث الآخر أعظم الناس
[ 121 ]
حربا من سأل عما لم يحرم فحرم من أجل مسألته قوله (يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امراته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال رسول الله ص = قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا) هذا الكلام فيه حذف ومعناه أنه سأل وقذف امرأته وأنكرت الزنا وأصر كل واحد منهما على قوله ثم تلاعنا قوله (أيقتل فتقتلونه) معناه إذا وجد رجلا مع امرأته وتحقق أنه زنا بها فإن قتله قتلتموه وإن تركه صبر على عظيم فكيف طريقه وقد اختلف العلماء فيمن قتل رجلا وزعم أنه وجده قد زنى بامرأته فقال جمهورهم لا يقبل قوله بل يلزمه القصاص الا أن تقوم بذلك بينه أو يعترف به ورثة القتيل والبينة أربعة من عدول الرجال يشهدون على نفس الزنا ويكون القتيل محصنا وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان صادقا فلا شئ عليه وقال بعض أصحابنا يجب على كل من قتل زانيا محصنا القصاص ما لم يأمر السلطان بقتله والصواب الأول وجاء عن بعص السلف تصديقه في أنه زنى بامرأته وقتله بذلك قوله (قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله ص =) فيه أن اللعان يكون بحضرة الامام أو القاضي وبمجمع من الناس وهو أحد أنواع تغليظ اللعان فإنه تغليظ بالزمان والمكان والجمع فأما الزمان فبعد العصر والمكان في أشرف موضع في ذلك البلد والجمع طائفة من الناس أقلهم أربعة وهل هذه التغليظات واجبة أم مستحبة فيه خلاف عندنا الأصح الاستحباب قوله (فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها) فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله ص = قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين وفي الرواية الأخرى فطلقها ثلاثا
[ 122 ]
قبل أن يأمر رسول الله ص = ففارقها عند النبي ص = فقال النبي ص = ذاكم التفريق بين كل متلاعنين وفي الرواية الأخرى أنه لاعن ثم لاعنت ثم فرق بينهما وفي رواية أن النبي ص = قال لا سبيل لك عليها اختلف العلماء في الفرقة باللعان فقال مالك والشافعي والجمهور تقع الفرقة بين الزوجين بنفس التلاعين ويحرم عليه نكاحها على التأبيد لهذه الأحاديث لكن قال الشافعي وبعض المالكية تحل الفرقة بلعان الزوج وحده ولا تتوقف على لعان الزوجة وقال بعض المالكية تتوقف على لعانها وقال أبو حنيفة لا تحصل الفرقة الا بقضاء القاضي بها بعد التلاعن لقوله ثم فرق بينهما وقال الجمهور لا تفتقر الى قضاء القاضي لقول ص = لا سبيل لك عليها والرواية الأخرى ففارقها وقال الا لا أثر للعان في الفرقة ولا يحصل به فراق أصلا واختلف القائلون بتأبيد التحريم فيما إذا أكذب بعد ذلك نفسه فقال أبو حنيفة تحل له لزوال المعنى المحرم وقال مالك والشافعي وغيرهما لا تحل له أبدا لعموم قوله ص = لا سبيل لك عليها والله أعلم وأما قوله كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فهو كلام تام مستقل ثم ابتدأ فقال هي طالق ثلاثا تصديقا لقوله في أنه لا يمسكها وإنما طلقها لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثا فقال له النبي ص لا سبيل لك عليها أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك وهذا ليل على أن الفرقة تحصل بنفس اللعان واستدل به أصحابنا على أن جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد ليس حراما وموضع الدلالة أنه لم ينكر عليه اطلاق لفظ الثلاث وقد يعتر ض على هذا فيقال انما لم ينكر عليه لأنه لم يصادق الطلاق محلا مملوكا له ولا نفوذا ويجاب عن هذا الاعتراض بأنه لو كان الثلاث محرما لأنكر عليه وقال له كيف ترسل لفظ الطلاق الثلاث مع أنه حرام والله أعلم وقال ابن نافع من أصحاب مالك انما طلقها ثلاثا بعد اللعان لأنه يستحب اظهار الطلاق بعد اللعان مع أنه قد حصلت الفرقة بنفس اللعان وهذا فاسد وكيف يستحب للانسان أن يطلق من صارت أجنبية وقال محمد بن أبي صفرة المالكي لا تحصل الفرقة بنفس اللعان واحتج بطلاق عويمر وبقوله أن أمسكتها وتأوله الجمهور كما سبق والله أعلم وأما قوله (قال ابن شهاب فكانت سنة
[ 123 ]
المتلاعنين) فقد تأوله ابن نافع المالكي على أن معناه استحباب الطلاق بعد اللعان كما سبق وقال الجمهور معناه حصول الفرقة بنفس اللعان وأما قوله ص = (ذاكم التفريق بين كل متلاعنين فمعناه عند مالك والشافعي والجمهور بيان أن الفرقة تحصل بنفس اللعان بين كل متلاعنين وقيل معناه تحريمها على التأبيد كما قال جمهور العلماء قال القاضي عياض واتفق علماء الأمصار على أن مجرد قذفه لزوجته لا يحرمها عليه الا أبا عبيد فقال تصير محرمه عليه بنفس القذف بغير لعان قوله (وكانت حاملا فكان ابنها يدعى الى أمه ثم جرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها) فيه جواز لعان الحامل وأنه إذا لاعنها ونفى عنه نسب الحمل انتفى عنه وأنه يثبت نسبه من الأم ويرثها وترث منه ما فرض الح ح له للأم وهو الثلث ان لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن ولا اثنان من الأخوة أو الأخوات وإن كان شئ من ذلك فلها السدس وقد أجمع
[ 124 ]
العلماء على جريان التوارث بينه وبين أمه وبينه وبين أصحاب الفروض من جهة أمه وهم اخوته وأخواته من أمه وجداته من أمه ثم إذا دفع الى أمه فرضها أو الى أصحاب الفروض وبقى شئ فهو لموالي أمه إن كان عليها ولاء ولم يكن عليه هو ولا بمباشرة اعتاقه فإن لم يكن لها موال فهو لبيت المال هذا تفصيل مذهب الشافعي وبه قال الزهري ومالك وأبو ثور وقال الحكم وحماد ترثه ورثة أمه وقال آخرون عصبة أمه روى هذا عن علي وابن مسعود وعطاء وأحمد بن حنبل قال أحمد فإن انفردت الأم أخذت جميع ماله بالعصوبة وقال أبو حنيفة إذا انفردت أخذت الجميع لكن الثلث بالفرض والباقي بالرد على قاعدة مذهبه في اثبات الرد والله أعلم قوله (فتلاعنا في المسجد) فيه استحباب كون اللعان في المسجد وقد سبق بيانه قوله (فقلت للغلام استأذن لي قال انه قائل فسمع صوتي فقال ابن جبير قلت نعم) أما قوله أنه قائل فهو من القيلولة وهي النوم نصف النهار وأما قوله ابن جبير فهو برفع ابن وهو استفهام أي أأنت ابن جبير قوله (فوجدته
[ 125 ]
مفترشا برذعة) هو بفتح الباء وفيه زهادة ابن عمر وتواضعه قوله (ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) وفعل بالمرأة مثل ذلك فيه أن الامام يعظ المتلاعنين ويخوفهما من وبال اليمين الكاذبة وأن الصبر على عذاب الدنيا وهو الحد أهون من عذاب الآخرة قوله (فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات الى آخره) فيه أن الابتداء في اللعان يكون بالزوج لأن الله تعالى بدأ به ولأنه يسقط عن نفسه حد قذفها وينفى النسب ان كان ونقل القاضى وغيره اجماع المسلمين على الابتداء بالزوج ثم قال الشافعي وطائفة لولا عنت المرأة قبله لم يصح لعانها وصححه أبو حنيفة وطائفة قوله (فشهد أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين) هذه ألفاظ اللعان وهى مجمع عليها قوله ص =
[ 126 ]
للمتلاعنين (حسابكما على الله أحدكما كاذب) قال القاضى ظاهره أنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان والمراد بيان أنه يلزم الكاذب التوبة قال وقال الداودى انما قاله قبل اللعان تحذيرا لهما منه قال والأول أظهر وأولى بسياق الكلام قال وفيه رد على من قال من النحاة أن لفظة أحد لا تستعمل الا في النفى وعلى من قال منهم لا تستعمل الا في الوصف ولا تقع موقع واحد وقد وقعت في هذا الحديث في غير نفي ولا وصف ووقعت موقع واحد وقد أجازه المبرد ويؤيده قوله تعالى فشهادة أحدهم وفي هذا الحديث أن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد منهما وإن علما كذب أحدهما على الابهام قوله (يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها) في هذا دليل على استقرار المهر بالدخول وعلى ثبوت مهر الملاعنة المدخول بها والمسئلتان مجمع عليهما وفيه أنها لو صدقته وأقرت بالزنا لم يسقط مهرها
[ 128 ]
قوله ص = (اللهم افتح) معناه بين لنا الحكم في هذا قوله (ان هلال بن أمية قذف امرأته بشريك ابن سحماء) هي بسين مفتوحة ثم حاء ساكنة مهملتين وبالمد وشريك هذا صحابي بلوى حليف الأنصار قال القاضى وقول من قال انه يهودى باطل قوله (وكان أول رجل لاعن في الاسلام) سبق بيانه في اول هذا الباب قوله ص لعلها أن تجئ به اسود جعدا) وفى الرواية الأخرى فإن جاءت به سبطا قضئ العينين فهو لهلال وان جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك أما الجعد فبفتح الجيم وإسكان العين قال الهروي الجعد في صفات الرجال يكون مدحا ويكون ذما فإذا كان مدحا فله معنيان أحدهما
[ 129 ]
أن يكون معصوب الحلق شديد الأسر والثانى أن يكون شعره غير سبط لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم وأما الجعد المذموم فله معنيان أحدهما القصير المتردد والآخر البخيل يقال جعد الأصابع وجعد اليدين أي بخيل وأما السبط فبكسر الباء وإسكانها وهو الشعر المسترسل وأما حمش الساقين فبحاء مهملة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم شين معجمة أي رقيقهما والحموشة الدقة وأما قضئ العينين فمهموز ممدود على وزن فعيل وهو بالضاد المعجمة ومعناه فاسدهما بكثرة دمع أو حمرة أو غيرذلك قوله (وكان خذلا) هو بفتح الخاء المعجمة
[ 130 ]
وإسكان الدال المهملة وهو الممتلئ الساق قوله ص = (لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه) وفسرها ابن عباس بأنها كانت تظهر في الاسلام السوء وفي رواية أنها امرأه أعلنت معنى الحديث أنه اشتهر وشاع عنها الفاحشة ولكن لم يثبت ببينة ولا اعتراف ففيه أنه لا يقام الحد بمجرد الشياع والقرائن بل لابد من بينة أو اعتراف قوله (ان سعد ابن عبادة قال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله قال رسول الله ص لا قال سعد بلى والذى أكرمك بالحق فقال رسول الله ص = اسمعوا
[ 131 ]
الى ما يقول سيدكم) وفي الرواية الأخرى كلا والذي بعثك بالحق ان كنت لأعاجله بالسيف قال الماوردى وغيره ليس قوله هو ردا لقول النبي ص = ولا مخالفة من سعد بن عبادة لأمره ص = وإنما معناه الاخبار عن حالة الانسان عند رؤيته الرجل عند امرأته واستيلاء الغضب عليه فإنه حينئذ يعاجله بالسيف وإن كان عاصيا وأما السيد فقال ابن الانباري وغيره هو الذى يفوق قومه في الفخر قالوا والسيد أيضا الحليم وهو أيضا حسن الخلق وهو أيضا الرئيس ومعنى الحديث تعجبوا من قول سيدكم قوله (لضربته بالسيف غير مصفح) هو بكسر الفاء أي غير ضارب بصفح السيف وهو جانبه بل أضربه بحده
[ 132 ]
قوله ص = (انه لغيور وأنا أغير منه) وفي الرواية الأخرى والله أغير منى من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال العلماء الغيره بفتح العين وأصلها المنع والرجل غيور على أهله أي يمنعهم من التعلق بأجنبى بنظر أو حديث أو غيره والغيره صفة كمال فأخبر ص = بأن سعدا غيور وأنه أغير منه وأن الله أغير منه ص وأنه من أجل ذلك حرم الفواحش فهذا تفسير لمعنى غيرة الله تعالى أي أنها منعه سبحانه وتعالى الناس من الفواحش لكن الغيرة في حق الناس يقارنها تغير حال الانسان وانزعاجه وهذا مستحيل في غيرة الله تعالى قوله ص = (لا شخص أغير من الله تعالى) أي لا أحد وإنما قال لا شخص استعارة وقيل معناه لا ينبغى لشخص أن يكون أغير من الله تعالى ولا يتصور ذلك منه فينبغي أن يتأدب الانسان بمعاملته سبحانه وتعالى لعباده فإنه لا يعاجلهم بالعقوبة بل حذرهم وأنذرهم وكرر ذلك عليهم وأمهلهم فكذا ينبغى للعبد أن لا يبادر بالقتل وغيره في غير موضعه فإن الله تعالى لم يعاجلهم بالعقوبة مع أنه لو عاجلهم كان عدلا منه سبحانه وتعالى قوله ص = (ولا شخص أحب إليه العذر من الله تعالى من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ولا شخص أحب إليه المدحة من الله من أجل ذلك وعد الجنة) معنى الأول ليس أحد أحب إليه الأعذار من الله تعالى فالعذر هنا بمعنى الاعذار والانذار قبل أخذهم بالعقوبة ولهذا بعث المرسلين كما قال سبحانه وتعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا والمدحة بكسر الميم وهو المدح بفتح الميم فإذا ثبتت الهاء كسرت الميم
[ 133 ]
وإذا حذفت فتحت ومعنى من أجل ذلك وعد الجنة أنه لما وعدها ورغب فيها كثر سؤال العباد إياها منه والثناء عليه والله أعلم قوله (ان امرأتي ولدت غلاما أسود فقال النبي ص = هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال ان فيها لورقا قال فأنى أتاها ذاك قال عسى أن يكون نزعه عرق) أما الأورق فهو الذى فيه سواد ليس بصاف ومنه قيل للرماد أورق وللحمامة ورقاء وجمعه ورق بضم الواو وإسكان الراء كأحمر وحمر والمراد بالعرق هنا الأصل من النسب تشبيها بعرق الثمرة ومنه قولهم فلان معرق في النسب والحسب وفي اللؤم والكرم ومعنى نزعه أشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه عليه وأصل
[ 134 ]
النزع الجذب فكأنه جذبه إليه لشبهه يقال منه نزع الولد لأبيه وإلى أبيه ونزعه أبوه ونزعه إليه وفي هذا الحديث أن الولد يلحق الزوج وإن خالف لونه لونه حتى لو كان الأب أبيض والولد أسود أو عكسه لحقة ولا يحل له نفيه بمجرد المخالفة في اللون وكذا لو كان الزوجان أبيضين فجاء الولد أسود أو عكسه لاحتمال أنه نزعه عرق من أسلافه وفي الحديث أن التعريض بنفي الولد ليس نفيا وأن التعريض بالقذف ليس قذفا وهو مذهب الشافعي وموافقيه وفيه إثبات القياس والاعتبار بالأشباه وضرب الأمثال وفيه الاحتياط للانساب وإلحاقها بمجرد الامكان قوله في الرواية الأخرى (ان امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته) معناه استغربت بقلبي أن يكون منى لا أنه نفاه عن نفسه بلفظه والله أعلم
[ 135 ]
كتاب العتق قال أهل اللغة العتق الحرية يقال منه عتق يعتق عتقا بكسر العين وعتقا بفتحها أيضا حكاه صاحب المحكم وغيره وعتاقا وعتاقة فهو عتيق وعاتق أيضا حكاه الجوهرى وهم عتقاء وأعتقه فهو معتق وهم عتقاء وأمه عتيق وعتيقة وإماء عتائق وحلف بالعتاق أي الاعتاق قال الأزهري هو مشتق من قولهم عتق الفرس إذا سبق ونجا وعتق الفرخ طار واستقال لأن العبد يخلص بالعتق ويذهب حيث شاء قال الأزهري وغيره وإنما قيل لمن أعتق نسمة أنه أعتق رقبة وفك رقبة فخصت الرقبة دون سائر الأعضاء مع أن العتق يتناول الجميع لأن حكم السيد عليه وملكه له كحبل في رقبة العبد وكالغل المانع له من الخروج فإذا أعتق فكأنه أطلقت رقبته من ذلك والله أعلم قوله ص = (من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد عوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق وفي نسخة ما أعتق) هذا حديث ابن عمر وفي حديث أبى هريرة أن النبي ص = قال في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما قال يضمن وفي رواية قال من أعتق شقصا له في عبد فخلاصه في ماله ان كان له مال فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه وفى رواية ان لم يكن له مال قوم عليه العبد قيمة عدل ثم يستسعى في نصيب الذى لم يعتق غير مشقوق عليه قال القاضى عياض في ذكر الاستسعاء هنا خلاف بين الرواة
[ 136 ]
قال قال الدارقطني روى هذا الحديث شعبة وهشام عن قتادة وهما أثبت فلم يذكرا فيه الاستسعاء ووافقهما همام ففصل الاستسعاء من الحديث فجعله من رأى أبى قتادة قال وعلى هذا أخرجة البخاري وهو الصواب قال الدارقطني وسمعت أبا بكر النيسابوري يقول ما أحسن ما رواه همام وضبطه ففصل قول قتادة عن الحديث قال القاضى وقال الأصيلي وابن القصار وغيرهما من أسقط السعاية من الحديث أولى ممن ذكرها لأنه ليست في الأحاديث الآخر من رواية ابن عمر وقال ابن عبد البر الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكروها قال غيره وقد اختلف فيها عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة فتارة ذكرها وتارة لم يذكرها فدل على أنها ليست عنده من متن الحديث كما قال غيره هذا آخر كلام القاضى والله أعلم قال العلماء ومعنى الاستسعاء في هذا الحديث أن العبد يكلف الاكتساب والطلب حتى تحصل قيمة نصيب الشريك الآخر فإذا دفعها إليه عتق هكذا فسره جمهور القائلين بالاستسعاء وقال بعضهم هو أن يخدم سيده الذى لم يعتق بقدر ماله فيه من الرق فعلى هذا
[ 137 ]
تتفق الأحاديث وقوله ص = (غير مشقوق عليه) أي لا يكلف ما يشف عليه والشقص بكسر الشين النصيب قليلا كان أو كثيرا ويقال له الشقيص أيضا يزيادة الياء ويقال له أيضا الشرك بكسر الشين وفي هذا الحديث أن من أعتق نصيبه من عبد مشترك قوم عليه باقيه إذا كان موسرا بقيمة عدل سواء كان العبد مسلما أو كافر أو سواء كان الشريك مسلما أو كافرا وسواء كان العتيق عبدا أو أمة ولا خيار للشريك في هذا ولا للعبد ولا للمعتق بل ينفذ هذا الحكم وإن كرهه كلهم مراعاة لحق الله تعالى في الحرية وأجمع العلماء على أن نصيب المعتق يعتق بنفس الاعتاق الا ما حكاه القاضى عن ربيعة أنه قال لا يعتق نصيب المعتق موسرا كان أو معسرا وهذا مذهب باطل مخالف للأحاديث الصحيحة كلها والاجماع وأما نصيب الشريك فاختلفوا في حكمه إذا كان المعتق موسرا على ستة مذاهب أحدها وهو الصحيح في مذهب الشافعي وبه قال ابن شبرمة والاوزاعي والثوري وابن ابى ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبواسحاق وبعض المالكية أنه عتق بنفس الاعتاق ويقوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوالاعتاق ويكون ولاء جميعة للمعتق وحكمة من حين الاعتاق حكم
[ 138 ]
الأحرار في الميراث وغيره وليس للشريك الا المطالبة بقيمة نصيبه كما لو قتله قال هؤلاء ولو أعسر المعتق بعد ذلك استمر نفوذ العتق وكانت القيمة دينا في ذمته ولو مات أخذت من تركته فإن لم تكن له تركة ضاعت القيمة واستمر عتق جميعة قالوا ولو أعتق الشريك نصيبه بعد اعتاق الأول نصيبه كان اعتاقه لغوا لأنه قد صار كله حرا والمذهب الثاني انه لا يعتق الا بدفع القيمة وهو المشهور من مذهب مالك وبه قال أهل الظاهر وهو قول الشافعي والثالث مذهب أبى حنيفة للشريك الخيار ان شاء استسعى العبد في نصف قيمته وإن شاء أعتق نصيبه والولاء بينهما وإن شاء قوم نصيبه على شريكه المعتق ثم يرجع المعتق بما دفع الى شريكه على العبد يستسعيه في ذلك والولاء كله للمعتق قال والعبد في مدة الكتابة بمنزلة المكاتب في كل أحكامه الرابع مذهب عثمان البتى لا شئ على المعتق الا أن تكون جارية رائعة تراد للوطء فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر الخامس حكاه ابن سيرين أن القيمة في بيت المال السادس محكى عن إسحاق بن راهويه أن هذا الحكم للعبيد دون الإماء وهذا القول شاذ خالف للعلماء كافة والأقوال الثلاثة قبله فاسدة مخالفة لصريح الأحاديث فهى مردودة على قائليها هذا كله فيما إذا كان المعتق لنصيبه موسرا فأما إذا كان معسرا حال الاعتاق ففيه أربعة مذاهب أحدها مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبى عبيد وموافقيهم ينفذ العتق في نصيب المعتق فقط ولا يطالب المعتق بشئ ولا يستسعى العبد بل يبقى نصيب الشريك رقيقا كما كان وبهذا قال جمهور علماء الحجاز لحديث ابن عمر المذهب الثاني مذهب ابن شبرمة والاوزاعي وأبى حنيفة وابن أبى ليلى وسائر الكوفيين واسحاق يستسعى العبد في حصة الشريك واختلف هؤلاء في رجوع العبد بما أدى في سعايته على معتقه فقال ابن أبى ليلى يرجع به عليه وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يرجع ثم هو عند أبى حنيفة في مدة السعاية بمنزلة المكاتب وعند الآخرين هو حر بالسراية المذهب الثالث مذهب زفر وبعض البصريين أنه يقوم على المعتق ويؤدى القيمة إذا أيسر الرابع حكاه القاضى عن بعض العلماء أنه لو كان المعتق معسرا بطل عتقه في نصيبه أيضا فيبقى العبد كله رقيقا كما كان وهذا مذهب باطل أما إذا ملك الانسان عبدا بكماله فأعتق بعضه فيعتق كله في الحال تغير استسعاء هذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد والعلماء كافة وانفرد أبو حنيفة فقال يستسعى في بقيته لمولاه وخالفه اصحابه في ذلك فقالوا يقول الجمهور وحكاه القاضى أنه روى عن طاوس وربيعة وحماد ورواية عن الحسن كقول أبى حنيفة وقال أهل الظاهر وعن الشعبى وعبيد الله بن الحسن
[ 139 ]
الغبرى أن للرجل أن يعتق من عبده ما شاء والله أعلم قال القاضى عياض وقوله في حديث ابن عمر (والا فقد عتق منه ما عتق) ظاهره أنه من كلام النبي ص = وكذلك رواه مالك وعبيد الله العمرى فوصلاه بكلام النبي ص = وجعلاه منه ورواه أيوب عن نافع فقال نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق ففصله من الحديث وجعله من قول نافع وقال أيوب مرة لا أدرى هو من الحديث أم هو شئ قاله نافع ولهذه الرواية قال ابن وضاح ليس هذا من كلام النبي ص = قال القاضى وما قاله مالك وعبيد الله العمرى أولى وقد وجده وهما في نافع أثبت من أيوب عند أهل هذا الشأن كيف وقد شك أيوب فيه كمنا ذكرناه قال وقد رواه يحيى بن سعيد عن نافع وقال في هذا الموضع والا فقد جاز ما صنع فأتى به على المعنى قال وهذا كله يرد قول من قال بالاستسعاء والله أعلم قوله ص = (قيمة عدل) بفتح العين أي لا زيادة ولا نقص والله أعلم باب بيان أن الولاء لمن أعتق فيه حديث عائشة في قصة بريرة وأنها كانت مكاتبة فاشترتها عائشة وأعتقتها وأنهم شرطوا ولاءها وقول النبي ص = (انما الولاء لمن اعتق) وهو حديث عظيم كثير الأحكام والقواعد وفيه مواضع تشعبت فيها المذاهب احدها أنها كانت مكاتبة وباعها الموالى واشترتها عائشة وأقر النبي ص = بيعها فاحتج به طائفة من العلماء في أنه يجوز بيع المكاتب وممن جوزه عطاء والنخعي وأحمد ومالك وفي رواية عنه وقال ابمسعود وربيعة وأبو حنيفة والشافعي وبعض المالكية ومالك في رواية عنه لا يجور بيعه وقال بعض العلماء يجوز بيعه للعتق لا للاستخدام وأجاب من أبطل بيعه عن حديث بريرة بأنها عجزت نفسها وفسخوا الكتابة والله أعلم الموضع
[ 140 ]
الثاني قوله ص = (اشتريها واعتقيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق) وهذا مشكل من حيث أنها اشترتها وشرطت لهم الولاء وهذا الشرط يفسد البيع ومن حيث انها خدعت البائعين وشرطت لهم مالا يصح ولا يحصل لهم وكيف أذن لعائشة في هذا ولهذا الاشكال أنكر بعض العلماء هذا الحديث بجملته وهذا منقول عن يحيى بن أكثم واستدل بسقوط هذه اللفظة في كثير من الروايات وقال جماهير العلماء هذه اللفظة صحيحة واختلفوا في تأويلها فقال بعضهم بعضهم قوله اشترطي لهم أي عليهم كما قال تعالى لهم اللعنة بمعنى عليهم وقال تعالى ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها أي فعليها وهذا منقول عن الشافعي والمزنى وقاله غيرهما أيضا وهو ضعيف لانه ص = أنكر عليهم الاشتراط ولو كان كما قاله صاحب هذا التأويل لم ينكره وقد يجاب عن هذا بأنه ص = انما أنكر ما أرادوا اشتراطه في أول الأمر وقيل معنى اشترطي لهم الولاء أظهري لهم حكم الولاء وقيل المراد الزجر والتوبيخ لهم لأنه ص كان بين لهم حكم الولاء وأن هذا الشرط لا يحل فلما الحول في اشتراطه ومخالفة الامر قال لعائشة هذا بمعنى لا تبالي سواء شركته أم لا فإنه شرط باطل مردود لانه قد سبق بيان ذلك لهم فعلى هذا بمعنى لا تكون لفظة اشترطي هنا للاباحة والاصح في تأويل الحديث ما قال أصحابنا في كتب الفقه أن هذا الشرط خاص في قصة عائشة واحتمل هذا الإذن وابطاله في هذه القصة الخاصة وهي قصية عين لا عموم لها قالوا والحكمة في اذنه ثم ابطاله أن يكون أبلغ في قطع عادتهم في ذلك وزجرهم عن مثله كما أذن لهم ص = في الاحرام بالحج في حجة الوداع ثم أمرهم بفسخه وجعله عمرة بعد أن أحرموا بالحج وإنما فعل ذلك ليكون أبلغ في زجرهم وقطعهم عما اعتادوه من منع العمرة في أشهر الحج وقد تحتمل المفسدة اليسيرة لتحصيل مصلحة عظيمة والله أعلم الموضع الثالث قوله ص = انما الولاء لمن أعتق وقد أجمع المسلمون على ثبوت الولاء لمن أعتق عبده أو أمته عن نفسه وأنه يرث به وأما العتيق فلا يرث سيده عند الجماهير وقال جماعة من التابعين يرثه كعكسه وفي هذا الحديث دليل على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه ولا لملتقط ولا لمن حالف انسانا على
[ 141 ]
المناصرة وبهذا كله قال مالك والاوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وداود وجماهير العلماء قالوا وإذا لم يكن لأحد من هؤلاء المذكورين وارث فماله لبيت المال وقال ربيعة والليث وأبو حنيفة وأصحابه من أسلم على يديه رجل فولاؤه له وقال اسحاق بن راهويه يثبت للملتقط الولاء على اللقيط وقال أبو حنيفة يثبت الولاء بالحلف ويتوارثان به دليل الجمهور حديث انما الولاء لمن أعتق وفيه دليل على أنه إذا أعتق عبده سائبة أي على أن لا ولاء له عليه يكون الشرط لاغيا ويثبت له الولاء عليه وهذا مذهب الشافعي وموافقيه وأنه لو أعتقه على مال أو باعه نفسه يثبت له عليه الولاء وكذا لو كاتبه أو استولدها وعتقت بموته ففي كل هذه الصور يثبت الولاء ويثبت الولاء للمسلم على الكافر وعكسه وإن كانا لا يتوارثان في الحال لعموم الحديث الموضع الرابع أن النبي ص = خير بريرة في فسخ نكاحها وأجمعت الأمة على أنها إذا عتقت كلها تحت زوجها وهو عبد كان لها الخيار في فسخ النكاح فإن كان حرا فلا خيار لها عند مالك والشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة لها الخيار واحتج برواية من روى أنه كان زوجها حرا وقد ذكرها مسلم من رواية شعبة بن عبد الرحمن بن القاسم لكن قال شعبة ثم سألته عن زوجها فقال لا أدرى واحتج الجمهور بأنها قضية واحدة والروايات المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن زوجها كان عبدا قال الحفاظ ورواية من روى أنه كان حرا غلطوشاذة مردودة لمخالفتها المعروف في روايات الثقات ويؤيده أيضا قول عائشة قالت كان عبدا ولو كان حرا لم يخيرها رواه مسلم وفي هذا الكلام دليلان أحدهما اخبارها أنه كان عبدا وهى صاحبة القضية والثانى قولها لو كان حرا لم يخيرها ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله الا توقيفا ولأن الأصل في النكاح اللزوم ولا طريق الى فسخه الا بالشرع وإنما ثبت في العبد فبقى الحر على الأصل ولأنه لا ضرر ولا عار عليها وهي حرة في المقام تحت حر وإنما يكون ذلك إذا قامت تحت عبد فأثبت لها الشرع الخيار في العبد لازالة الضرر بخلاف الحر قالوا ولأن رواية هذا الحديث تدور على عائشة وابن عباس فأما ابن عباس فاتفقت الروايات عنه أن زوجها كان عبدا وأما عائشة فمعظم الروايات عنها أيضا أنه كان عبدا فوجب ترجيحها والله أعلم الموضع الخامس قوله
[ 142 ]
ص = كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط صريح في ابطال كل شرط ليس له أصل في كتاب الله تعالى ومعنى قوله ص = وإن كان مائة شرط أنه لو شرطه مائة مرة توكيدا فهو باطل كما قال ص = في الرواية الأولى من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة قال العلماء الشرط في البيع ونحوه أقسام أحدها شرط يقتضيه اطلاق العقد بأن شرط تسليمه الى المشترى أو تبقية الثمرة على الشجر الى أوان الجداد أو الرد بالعيب الثاني شرط فيه مصلحة وتدعو إليه الحاجة كاشتراط الرهن والضمين والخيار وتأجيل الثمن ونحو ذلك وهذان القسمان جائزان ولا يؤثران في صحة العقد بلا خلاف الثالث اشتراط العتق في العبد المبيع أو الأمة وهذا جائز أيضا عند الجمهور لحديث عائشة وترغيبا في العتق لقوته وسرايته الرابع ما سوى ذلك من الشروط كشرط استثناء منفعة وشرط أن يبيعه شيئا آخر أو يكريه داره أو نحو ذلك فهذا شرط باطل مبطل للعقد هكذا قال الجمهور وقال احمد لا يبطله شرط واحد وإنما يبطله شرطان والله أعلم الموضع السادس قوله ص = في اللحم الذى تصدق على بريرة به هو لها صدقة ولنا هديه دليل على انه إذا تغيرت الصفة تغير حكمها فيجوز للغنى شراؤها من الفقير وأكلها إذا أهداها إليه وللهاشمي ولغيره ممن لا تحل له الزكاة ابتداء والله أعلم واعلم أن في حديث بريرة هذا فوائد وقواعد كثيرة وقد صنف فيه ابن خزيمة وابن جرير تصنيفين كبيرين احداها ثبوت الولاء للمعتق الثانية انه لا ولاء لغيره الثالثة ثبوت الولاء للمسلم على الكافر وعكسه الرابعة جواز الكتابة الخامسة جواز فسخ الكتابة إذا عجز المكاتب نفسه واحتج به طائفة لجواز بيع المكاتب كما سبق السادسة جواز كتابة الأمة ككتابة العبد السابعة جواز كتابة المزوجة الثامنة أن المكاتب لا يصير حرا بنفس الكتابة بل هو عبد ما بقى عليه درهم كما صرح به في الحديث المشهور في سنن أبى داود وغيره وبهذا قال الشافعي ومالك وجماهير العلماء وحكى القاضى عن بعض السلف أنه يصير حرا بنفس الكتابة ويثبت المال في ذمته ولا يرجع الى الرق أبدأ وعن بعضهم أنه إذا أدى نصف المال صار حرا ويصير الباقي دينا عليه قال وحكى عن عمر وابن مسعود وشريح مثل هذا إذا
[ 143 ]
أدى الثلث وعن عطاء مثله إذا أدى ثلاثة أرباع المال التاسعة ان الكتابة تكون على نجوم لقوله في بعض روايات مسلم هذه ان بريرة قالت ان أهلها كاتبوها على تسع أواق في تسع سنين كل سنة وقية ومذهب الشافعي أنها لا تجوز على نجم واحد بل لا بد من نجمين فصاعدا وقال مالك والجمهور تجوز على نجوم وتجوز على نجم واحد العاشرة ثبوت الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد الحادية عشر تصحيح الشروط التي دلت عليه أصول الشرع وابطال ما سواها الثانية عشر جواز الصدقة على موالى قريش الثالثة عشر جواز قبول هدية الفقير والمعتق الرابعة عشر جواز الصدقة على موالى قريش الثالثة عشر جواز قبول هدية الفقير والمعتق الرابعة عشر تحريم الصدقة على رسول الله ص = لقولها وأنت لا تأكل الصدقة ومذهبنا انه كان تحرم عليه صدقة الفرض بلا خلاف وكذا صدقة التطوع على الأصح الخامسة عشر أن الصدقة لا تحرم على قريش غير بنى هاشم وبنى المطلب لأن عائشة قرشية وقبلت ذلك اللحم من بريرة على أن له حكم الصدقة وإنما حلال لها دون النبي ص = ولم ينكر عليها النبي ص = هذا الاعتقاد السادسة عشر جواز سؤال الرجل عما يراه في بيته وليس هذا مخالفا لما في حديث أم زرع في قولها ولا يسأل عما عهد لأن معناه لا يسأل عن شئ عهده وفات فلا يسأل أين ذهب وأما هنا فكانت البرمة واللحم فيها موجودين حاضرين فسألهم النبي ص = عما فيها ليبين لهم حكمه لأنه يعلم أنهم لا يتركون احضاره له شحا عليه به بل لتوهمهم تحريمه عليه فأراد بيان ذلك لهم السابعة عشر جواز السجع إذ لم يتكلف وإنما نهى عن سجع الكهان ونحوه مما فيه تكلف الثامنة عشر اعانة المكاتبة في كتابته التاسعة عشر جواز تصرف المرأة في مالها بالشراء والاعتاق وغيره إذا كانت رشيدة العشرون أن بيع الأمة المزوجة ليس بطلاق ولا ينفسخ به النكاح وبه قال جماهير العلماء وقال سعيد بن المسيب هو طلاق وعن ابن عباس أنه ينفسخ النكاح وحديث بريرة يرد المذهبين لأنها خيرت في بقائها معه الحادية والعشرون جواز اكتساب المكاتب بالسؤال الثانية والعشرون احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما واحتمال مفسدة يسيرة لتحصيل مصلحة عظيمة على ما بيناه في تأويل شرط الولاء لهم الثالثة والعشرون جواز الشفاعة من الحاكم الى المحكوم له للمحكوم عليه وجواز
[ 144 ]
الشفاعة الى المرأة في البقاء مع زوجها الرابعة والعشرون لها الفسخ بعتقها وإن تضرر الزوج بذلك لشدة حبه اياها لأنه كان يبكى على بريرة الخامسة والعشرون جواز خدمة العتيق لمعتقه برضاه السادسة والعشرون انه يستحب للامام عند وقوع بدعة أو أمر يحتاج الى بيانه أن يخطب الناس ويبين لهم حكم ذلك وينكر على من ارتكب ما يخالف الشرع السابعة والعشرون استعمال الأدب وحسن العشرة وجميل الموعظة كقوله ص = ما بال أقوالم يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ولم يواجه صاحب الشرط بعينه لأن المقصود يحصل له ولغيره من غير فضيحة وشناعة عليه الثامنة والعشرون أن الخطب تبدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله التاسعة والعشرون أنه يستحب في الخطبة أن يقول بعد الحمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول الله ص = أما بعد وقد تكرر هذا في خطب النبي ص وسبق بيانه في مواضع الثلاثون التغليظ في ازالة المنكر والمبالغة في تقبيحه والله أعلم قوله ص = (شرط الله أحق) قيل المراد به قوله تعالى فإخوانكم في الدين ومواليكم وقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه الآية قال القاضى وعندي أنه قوله ص = انما الولاء لمن أعتق قوله (قالوا ان شاءت ان تحتسب عليك فلتفعل) معناه ان أرادت الثواب عند الله وأن لا يكون لها ولاء فلتفعل قولها (في كل عام
[ 145 ]
أوقية) وقع في الرواية الأولى في بعض النسخ وقية وفي بعضها أوقية بالألف وأما الرواية الثانية فوقية بغير ألف بإتفاق النسخ وكلاهما صحيح وهما لغتان اثبات الألف أفصح والأوقية الحجازية أربعون درهما قولها (فانتهرتها فقالت لاها الله ذلك) وفي بعض النسخ لا هاء الله إذا هكذا هو في النسخ وفي روايات المحدثين لاهاء الله إذا بمد قوله هاء وبالألف في إذا قال المازرى وغيره من أهل العربية هذان لحنان وصوابه لاها الله ذا بالقصر في ها وحذف الألف من إذا قالوا وما سواه خطأ قالوا ومهناه ذا يمينى وكذا قال الخطابى وغيره ان الصواب لاها الله ذابحذف الألف وقال أبو زيد النحوي وغيره يجوز القصر والمد في ها وكلهم ينكرون الألف في إذا ويقولون صوابه ذا قالوا وليست الألف من كلام العرب قال أبو حاتم السجستاني جاء في القسم لا هاء الله قال والعرب تقوله بالهمزة والقياس تركه قال ومهناه لا والله هذا ما أقسم به فأدخل اسم الله تعالى بين ها وذا واسم زوج برير مغيث بضم الميم والله أعلم
[ 148 ]
باب النهى عن بيع الولاء وهبته &قوله (ان رسول الله ص = نهى عن بيع الولاء وهبته) فيه تحريم بيع الولاء وهبته وأنهما لا يصلحان وأنه لا ينتقل الولاء عن مستحقة بل هو لحمة كلحمة النسب وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف وأجاز بعض السلف نقله ولعلهم لم يبلغهم الحديث
[ 149 ]
باب تحريم تولى العتيق غير مواليه فيه نهيه ص = أن يتولى العتيق غير مواليه وأنه لعن فاعل ذلك ومعناه أن ينتمى العتيق الى ولاء غير معتقع وهذا حرام لتفويته حق المنعم عليه لأن الولاء كالنسب فيحرم تضييعه كما يحرم تضييع النسب وانتساب الانسان الى غير أبيه وأما قوله ص = (من تولى قوما بغير إذن مواليه) فقد احتج به قوم على جواز التولى بإذن مواليه والصحيح الذى عليه الجمهور أنه لا يجوز وإن أذنوا كما لا يجوز الانتساب الى غير أبيه وإن أذن أبوه فيه وحملوا التقييد في الحديث على الغالب لأن غالب ما يقع هذا بغير اذن الموالى فلا يكون له مفهوم يعمل به ونظيره قوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم وقوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم من املاق وغير ذلك من الآيات التي قيد فيها بالغالب وليس لها مفهوم يعمل به قوله (كتب النبي ص = على كل بطن عقوله) هبضم العين والقاف ونصب اللام مفعول كتب
[ 150 ]
والهاء ضمير البطن والعقول الديات وأحدها عقل كفلس وفلوس ومهناه أن الدية في قتل الخطأ وعمد الخطأ تجب على العاقلة وهم العصبات سواء الآباء والأبناء وان علوا أو سفلوا وأما حديث على رضى الله عنه في الصحيفة وأن المدينة حرم الى آخره فسبق شرحه واضحا
[ 151 ]
باب فضل العتق قوله (داود بن رشيد) بضم الراء قوله ص = (من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه) وفي رواية من أعتق رقبه مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار الإرب بكسر الهمزة وإسكان الراء هو العضو بضم العين وكسرها وفي هذا الحديث بيان فضل العتق وأنه من أفضل الأعمال ومما يحصل به العتق من النار ودخول الجنة وفيه استحباب عتق كامل الأعضاء فلا يكون خصيا ولا فاقد غيره من الأعضاء وفي الخصى وغيره أيضا الفضل العظيم لكن الكامل أولى وأفضله أعلاه ثمنا وأنفسه كما سبق بيانه في أول الكتاب في كتاب الايمان في حديث أي الرقاب أفضل وقد روى أبو داود والترمذي النسائي وغيرهم عن سالم بن أبى الجعد عن أبى أمامة وغيره من الصحابة رضى الله عنهم عن النبي ص = أنه قال أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار يجزى كل عضو منها عضوا منه وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانتا فكاكها من النار يجزى كل عضو منه عضوا منها قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
[ 152 ]
قال هو وغيره وهذا الحديث دليل على أن عتق العبد أفضل من عتق الأمة قال القاضى عياض واختلف العلماء أيما أفضل عتق الاناث أم عتق الذكور فقال بقضهم الاناث أفضل لأنها إذا عتقت كاهن ولدها حرا سواء تزوجها حر أو عبد وقال آخرون عتق الذكور أفضل لهذا الحديث ولما في الذكر من المعاني العامة المنفعة التي لا توجد في الاناث من الشهادة والقضاء والجهاد وغير ذلك مما يختص بالرجال إما شرعا وإما عادة ولأن من الاماء من لا ترغب في العتق وتضيع به بخلاف العبيد وهذا القول هو الصحيح وأما التقييد في الرقبة بكونها مؤمنة فيدل على أن هذا الفضل الخاص انما هو في عتق المؤمنة وأما غير المؤمنة ففيه أيضا فضل بلا خلاف ولكن دون فضل المؤمنة ولهذا أجمعوا على أنه يشترط في عتق كفارة القتل كونها مؤمنة وحكى القاضى عياض عن مالك أن الأعلى ثمنا أفضل وإن كان كافرا وخالفه غير واحد من أصحابه وغيرهم قال وهذا أصح باب فضل عتق الوالد قوله ص = (لا يجزى ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتقه) يجزى
[ 153 ]
بفتح أوله أي لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه إلا أن يعتقه واختلفوا في عتق الأقارب إذا ملكوا فقال أهل الظاهر لا يعتق أحد منهم بمجرد الملك سواء الوالد والولد وغيرهما بل لابد من إنشاء عتق واحتجوا بمفهوم هذا الحديث وقال جماهير العلماء يحصل العتق في الآباء والأمهات والأجداد والجدات وإن علوا وعلون وفي الأبناء والبنات وأولادهم الذكور والاناث وإن سفلوا بمجرد الملك سواء المسلم والكافر والقريب والبعيد والوارث وغيره ومختصره أنه يعتق عمود النسب بكل حال واختلفوا فيما وراء عمودي النسب فقال الشافعي وأصحابه لا يعتق غيرهما بالملك لا الأخوة ولا غيرهم وقال مالك يعتق الأخوة أيضا وعنه رواية أنه يعتق جميع ذوى الأرحام المحرمة ورواية ثالثة كمذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يعتق جميع ذوى الأرحام المحرمة وتأويل الجمهور الحديث المذكور على أنه لما تسبب في شراء الذى يترتب عليه عتقه أضيف العتق إليه والله أعلم كتاب البيوع قال الأزهري تقول العرب بعت بمعنى بعت ماكنت ملكنه وبعت بمعنى اشتريته قال وكذلك شريت بالمعنيين قال وكل واحد بيع وبائع لأن الثمن والمثمن كل منهما مبيع وكذا قال ابن قتييبة يقول بعت الشئ بمعنى بعته وبمعنى اشتريته وشريت الشئ بمعنى اشتريته وبمعنى بعته
[ 154 ]
وكذا قاله آخرون من أهل اللغة ويقال بعته وابتعته فهو مبيع ومبيوع قال الجوهرى كما يقول مخيط ومخيوط قال الخليل المحذوف من مبيع واو مفعول لأنها زائدة فهى أولى بالحذف وقال الاخفش المحذوف عين الكلمة قال المازرى كلاهما حسن وقول الأخفش أقيس والابتياع الاشتراء وتبايعا توبايعته ويقال استبعته أي سألته البيع وأبعت الشئ أي عرضته للبيع وبيع الشئ بكسر الباء وضمها وبوع لغة فيه وكذلك القول في قيل وكيل باب ابطال بيع الملامسة والمنابذة قوله في الإسناد الأول (مالك عن محمد بن يحيى ين حبان عن الأعرج) هكذا هو في جميع النسخ ببلادنا وذكر القاضى أنه وقع في نسخهم من طريق عبد الغافر الفارسى مالك عن نافع عن محمد ابن يحي بن حبان بزيادة نافع قال وهو غلط وليس لنافع ذكر في هذا الحديث ولم يذكر مالك في الموطأ نافعا في هذا الحديث وأما نهيه ص = عن الملامسة والمنابذة فقد فسره في الكتب بأحد الأقوال في تفسيره ولأصحابنا ثلاثة أوجه في تأويل الملامسة أحدها تأويل الشافعي
[ 155 ]
وهو أن يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول صاحبه بعتكه هو بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته والثانى أن يجعلا نفس اللمس بيعا فيقول إذا لمسته فهو مبيع لك والثالث أن يبيعه شيئا على أنه متى يمسه انقطع خيار المجلس وغيره وهذا الحديث باطل على التأويلات كلها وفي المنابذة ثلاثة أوجه أيضا أحدها أن يجعلا نفس النبذ بيعا وهو تأويل الشافعي والثانى أن يقول بعتك فإذا نبذته اليك انقطع الخيار ولزم البيع والثالث المراد نبذ الحصاة كما سنذكره انشاء الله تعالى في بيع الحصاة وهذا البيع باطل للغرر قوله (ويكون ذلك بيعهما عن نظر ولا تراض) معناه بلا تأمل ورضى بعد التأمل والله أعلم
[ 156 ]
بطلان بيع الحصاة والبيع الذى فيه غرر نهى النبي ص = عن بيع الحصاة وبيع الغرر أما بيع الحصاة ففيه ثلاث تأويلات أحدها أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها أو بعتك من هذه الأرض من هنا الى ما انتهت إليه هذه الحصاة والثاني أن يقول بعتك على أنك بالخيار الى أن أرمى بهذه الحصاة والثالث أن يجعلا نفس الرمى بالحصاة بيعا فيقول إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا وأما النهى عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع ولهذا قدمه ويحدث ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه ولم يتم ملك البائع عليه وبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع وبيع الحمل في البطن وبيع بعض الصبرة مبهما وبيع ثوب من أثواب وشاة من شياه ونظائر ذلك وكل هذا بيعه باطل لأنه غرر من غير حاجة وقد يحتمل بعض الغرر بيعا إذ دعت إليه حاجة كالجهل بأساس الدار وكما إذا باع الشاة الحامل والتي في ضرعها لبن فإنه يصح للبيع لأن الأساس تابع للظاهر من الدار ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه لا يمكن رؤيته وكذا القول في حمل الشاة ولبنها وكذلك أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير منها أنهم أجمعوا على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم يرحشوها ولو بيع حشوها بإنفراده لم يجز وأجمعوا على جواز اجارة الدار والدابة والثوب ونحو ذلك شهرا مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين وأجمعوا على جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء وفي قدر مكثهم وأجمعوا على جواز الشرب من السقاء بالعوض مع جهالة قدر المشروب واختلاف عادة الشاربين وعكس هذا وأجمعوا على بطلان بيع الأجنة في البطون والطير في الهواء قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه وهو أنه إن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه الا بمشقة وكان الغرر حقيرا جاز البيع والا فلا وما وقع في بعض مسائل الباب
[ 157 ]
من اختلاف العلماء في صحة البيع فيها وفساده كبيع العين الغائبة مبنى على هذه القاعدة فبعضهم يرى أن الغرر حقير فيجعله كالمعدوم فيصح البيع وبعضهم يراه ليس بحقير فيبطل البيع والله أعلم واعلم أن بيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع حبل الحبلة وبيع الحصاة وعسب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هي داخلة في النهى عن بيع الغرر ولكن أفردت بالذكر ونهى عنها لكونها من بيعات الجاهلية المشهورة والله أعلم تحريم بيع حبل الحبلة فيه حديث ابن عمر (أن النبي ص = نهى عن بيع حبل الحبلة) هي بفتح الحاء والباء في الحبل وفي الحبلة قال القاضي ورواه بعضهم بإسكان الباء في الأول وهو قوله حبل وهو غلط والصواب الفتح قال أهل اللغة الحبلة هنا جمع حابل كظالم وظلمة وفاجر وفجرة وكاتب وكتبة قال الأخفش يقال حبلت المرأة فهي حابل والجمع نسوة حبلة وقال ابن الأنباري الهاء في الحبله للمبالغة ووافقه بعضهم واتفق أهل اللغة على أن الحبل مختص بالآدميات ويقال في غيرهن الحمل يقال حملت المرأة ولدا وحبلت بولد وحملت الشاة سخلة ولا يقال حبلت قال أبو عبيد لا يقال لشئ من الحيوان حبل إلا ما جاء في هذا الحديث واختلف العلماء في المراد بالنهي
[ 158 ]
عن بيع حبل الحبلة فقال جماعة هو البيع بثمن مؤجل الى أن تلد الناقة ويلد ولدها وقد ذكر مسلم في هذا الحديث هذا التفسير عن ابن عمر وبه قال مالك والشافعي ومن تابعهم وقال آخرون هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال وهذا تفسير أبي عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبي عبيد القاسم بن سلام وآخرين من أهل اللغة وبه قال أحمد بن حنبل واسحاق بن راهوية وهذا أقرب الى اللغة لكن الراوى هو ابن عمر وقد فسره بالتفسير الأول وهو أعرف ومذهب الشافعي ومحققي الأصوليين أن تفسير الراوي مقدم إذا لم يخالف الظاهر وهذا البيع باطل على التفسيرين أما الأول فلأنه بيع بثمن الى أجل مجهول والأجل يأخذ قسطا من الثمن وأما الثان فلأنه بيع معدوم ومجهول وغير مملوك البائع وغير مقدور على تسليمه والله أعلم تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه (وتحريم النجش وتحريم التصرية) قوله ص = (لا يبيع بعضكم على بيع بعض) وفي رواية لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه الا أن يأذن له وفي رواية لا يسم المسلم على سوم المسلم أما البيع على بيع أخيه فمثاله أن يقول لمن اشترى شيئا في مدة الخيار افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أجود منه بثمنه ونحو ذلك وهذا حرام يحرم أيضا الشراء على شراء أخيه وهو أن يقول للبائع في مدة الخيار افسخ هذا البيع وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن ونحو هذا وأما السوم على سوم أخيه فهو أن يكون قد اتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع ولم يعقداه فيقول الآخر للبائع أنا أشتريه وهذا حرام بعد استقرار الثمن وأما السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد فليس بحرام وأما الخطبة على خطبة
[ 159 ]
أخيه وسؤال المرأة طلاق أختها فسبق بيانهما واضحا في كتاب النكاح وسبق هنالك أن الرواية لا يبيع ولا يخطب بالرفع على سبيل الخبر الذي يراد به النهى وذكرنا أنه أبلغ وأجمع العلماء على منع البيع على بيع أخيه والشراء على شرائه والسوم على سومه فلو خالف وعقد فهو عاص وينعقد البيع هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وآخرين وقال داود لا ينعقد وعن مالك روايتان كالمذهبين وجمهورهم على إباحة البيع والشراء فيمن يزيد وقال الشافعي وكرهه بعض السلف وأما النجش فبنون مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم شين معجمة وهو أن يزيد في ثمن السلعة لا لرغبة فيها بل ليخدع غيره ويغره ليزيد ويشتريها وهذا حرام بالاجماع والبيع صحيح والاثم مختص بالناجش ان لم يعلم به البائع فإن واطأه على ذلك اثما جميعا ولا خيار للمشترى ان لم يكن من البائع مواطأه وكذا ان كانت في الأصح لأنه قصر في الاغترار وعن مالك رواية أن البيع باطل وجعل النهى عنه مقتضيا للفساد وأصل النجش الاستثارة ومنه نجشت الصيد أنجشه بضم الجيم نجشا إذا استثرته سمى الناجش في السلعة ناجشا لأنه يثير الرغبة فيها ويرفع ثمنها وقال ابن قتيبة أصل النجش الختل وهو الخداع ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويختال له وكل من استثار شيئا فهو ناجش وقال الهروي قال أبو بكر النجش المدح والاطراء وعلى هذا معنى الحديث لا يمدح أحدكم السلعة ويزيد في ثمنها بلا رغبة والصحيح الأول قوله (حدثنا شعبة عن العلاء وسهيل عن أبيهما عن أبى هريرة) هكذا هو في جميع النسخ عن أبيهما وهو
[ 160 ]
مشكل لأن العلاء هو ابن عبد الرحمن وسهيل هو ابن أبى صالح وليس بأخ له فلا يقال عن أبيهما بكسر الباء بل كانت حقه أن يقول عن أبويهما وينبغى أن يعتبر الموجود في النسخ عن أبيهما بفتح الباء الموحدة ويكون تثنية أب على لغة من قال هذان أبان ورأيت أبين فثناه بالألف والنون وبالياء والنون وقد سبق مثله في كتاب النكاح وأوضحنا هناك قال القاضى الرواية فيه عند جميع شيوخنا بكسر الباء قال وليس هو بصواب لأنهما ليس أخوين قال ووقع في بعض الروايات عن أبويهما وهو الصواب قال وقال بعضهم في الأول لعله عن أبيهما بفتح الباء قوله (وفي رواية الدورقى على سيمة أخية) هو بكسر السين وإسكان الياء وهي لغة في السوم ذكرها الجوهري وغيره من أهل اللغة قال الجوهرى ويقال انه تغالى السيمة قوله ص = (ولا تصروا الابل) هو بضم التاء وفتح الصاد ونصب الابل من التصرية وهى الجمع يقال صرى يصرى تصرية وصراها يصريها تصرية فهى مصراة كغشاها يغشيها تغشية فهى مغشاى وزكاها يزكيها تزكية فهى مزكاة قال القاضى ورويناه في غير صحيح مسلم عن بعضهم لا تصروا بفتح
[ 161 ]
التاء وضم الصاد من الصر قال وعن بعضهم لا تصر الابل بضم التاء من تصرى بغير واو بعد الراء وبرفع الابل على ما لم يسم فاعله من الصر أيضا وهو ربط أخلافها والأول هو الصواب المشهور ومعناه لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشترى أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة ومنه قول العرب صربت الماء في الحوض أي جمعته وصرى الماء في ظهره أي حبسه فلم يتزوج قال الخطابى اختلف العلماء وأهل اللغة في تفسير المصراة وفي اشتقاقها فقال الشافعي التصرية أن يربط أخلاف الناقة أو الشاة ويترك حلبها اليومين والثلاثة حتى يجمع لبنها فيزيد مشتريها في ثمنها بسبب ذلك لظنه أنه عادة لها وقال أبو عبيد هو من صرى اللبن في ضرعها أي حقنه فيه وأصل التصرية حبس الماء قال أبو عبيد ولو كانت من الربط لكانت مصرورة أو مصررة قال الخطابى وقول ابى عبيد حسن وقول الشافعي صحيح قال
[ 162 ]
والعرب تصر ضروع المحلوبات واستدل لصحة قول الشافعي بقول العرب لا يحسن الكر انما يحسن الحلب والصر وبقول مالك بن نويرة فقلت لقومي هذه صدقاتكم مصررة أخلافها لم تجرد قال ويحتمل أن أصل المصراه مصرورة ابدلت احدى الراءين ألفا كقوله تعالى خاب من دساها أي دسسها كرهوا اجتماع ثلاثة أحرف من جنس واعلم أن التصرية حرام سواء تصرية الناقة والبقرة والشاة والجارية والفرس والأتان وغيرها لأنه غش وخداع وبيعها صحيح مع أنه حرام وللمشترى الخيار في امساكها وردها وسنوضحه في الباب الآتى إن شاء الله تعالى وفيه دليل على تحريم التدليس في كل شئ وأن البيع من ذلك ينعقد وأن التدليس بالفعل حرام كالتدليس بالقول باب تحريم تلقى الجلب قوله (ان رسول الله ص = نهى أن يتلقى السلع حتى تبلغ الأسواق) وفي رواية نهى عن التلقى وفي رواية نهى عن تلقى البيوع وفي رواية أن يتلقى الجلب وفي رواية لا تلقوا الجلب فمن تلقى فاشترى منه فإذا أتى سيد السوق فهو بالخيار وفي رواية نهى أن يتلقى الركبان
[ 163 ]
قوله ص = أتى سيده أي مالكه البائع وفى هذه الأحاديث تحريم تلقى الجلب وهو مذهب الشافعي ومالك والجمهور وقال أبو حنيفة والأوزاعي يجوز التلقى إذا لم يضر بالناس فإن اضر كره والصحيح الأول للنهى الصريح قال أصحابنا وشرط التحريم أن يعلم النهى عن التلقى ولو لم يقصد التلقى بل خرج لشغل فاشترى منه ففي تحريمه وجهان لأصحابنا وقولان لأصحاب مالك أصحهما عند أصحابنا التحريم لوجود المعنى ولو تلقاهم وباعهم ففي تحريمه وجهان وإذا حكمنا بالتحريم فاشترى صح العقد قال العلماء وسبب التحريم ازالة الضرر عن الجالب وصيانته ممن يخدعه قال الامام أو عبد الله المازرى فإن قيل المنع من بيع الحاضر للبادى سببه الرفق بأهل البلد واحتمل فيه غبن البادى والمنع من التلقى أن لا يغبن البادى ولهذا قال ص = فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار فالجواب أن الشرع ينظر في مثل هذه المسائل الى مصلحة الناس والمصلحة تقتضي أن ينظر للجماعة على الواحد لا للواحد على الواحد فلما كان البادى إذا باع بنفسه انتفع جميع أهل السوق واشتروا رخيصا فانتفع به جميع سكان البلد نظر الشرع لأهل البلد على البادى ولما كان في التلقى انما ينتفع المتلقى خاصة وهو واحد في قبالة واحد لم يكن في اباحة التلقى مصلحة لا سيما وينضاف الى ذلك علة ثانية وهى لحوق الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقى عنهم بالرخص وقطع المواد عنهم وهم أكثر من المتلقى فنظر الشرع لهم عليه فلا تناقض بين المسئلتين بل هما متفقتان في الحكمة والمصلحة والله اعلم وأما قوله ص = فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار قا أصحابنا لا خيار للبائع قبل أن يقدم ويعلم السعر فإذا قدم فإن كان الشراء بأرخص من سعر البلد ثبت له الخيار سواء أخبر المتلقى بالسعر كاذبا أم لم يخبر وإن كان الشراء بسعر البلد أو أكثر فوجهان الأصح لا خيار له لعدم الغبن والثانى ثبوته لاطلاق الحديث والله أعلم قوله (أخبرني هشام القردوسى) هو بضم القاف والدال وإسكان الراء بينهما منسوب الى القراديس قبيلة معروفة والله أعلم
[ 164 ]
باب تحريم بيع الحاضر للبادى قوله (نهى رسول الله ص = أن يبيع حاضر لباد) وفى رواية قال طاوس لابن عباس ما قوله حاضر لباد قال لا يكن له سمسارا وفى رواية لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وفى رواية عن أنس نهينا أن يبيع حاضر للبادى وإن كان أخاه أو أباه هذه الأحاديث تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادى وبه قال الشافعي والأكثرون قال أصحابنا والمراد به أن يقد غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول له البلدى اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأعلى قال أصحابنا وإنما يحرم بهذه الشروط وبشرط أن يكون عالما بالنهي فلو لم يعلم النهى أو كان المتاع مما لا يحتاج في البلد ولا يؤثر فيه لقلة ذلك المجلوب لم يحرم ولو خالف وباع الحاضر للبادى صح البيع مع التحريم هذا مذهبنا وبه قال جماعة من المالكية وغيرهم وقال بعض المالكية يفسخ للبيع ما لم يفت وقال عطاء ومجاهد وأبو حنيفة يجوز بيع الحاضر للبادى مطلقا لحديث الدين النصيحة قالوا وحديث النهى عن
[ 165 ]
بيع الحاضر للبادى منسوخ وقال بعضهم إنه على كراهة التنزيه بمجرد الدعوى باب حكم بيع المصراة قد سبق بيان التصرية وبيان معنى قوله ص = لا تصروا الابل والغنم في باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه قوله ص = (من اشترى شاة مصراة فلينقلب بها فليحلبها فإن رضى حلابها أمسكها والا ردها ومعها صاع تمر) وفى رواية من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام ان
[ 166 ]
شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر وفى رواية من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان شاء ردها ومعها صاعا من طعام لا سمراء وفى رواية من اشترى شاة مصراة فهو بخير الناظرين ان شاء أمسكها وان شاء ردها وصاعا من تمر لا سمراء وفى رواية إذا ما أحدكم اشترى لقحة مصراة أو شاة مصراة فهو بخير الناظرين بعد أن يحلبها اما هي والا فليردها وصاعا من تمر أما المصراة واشتقاقها فسبق أن التصرية حرام وأن في هذه الأحاديث مع تحريمها يصح البيع وأنه يثبت الخيار في سائر البيوع المشتملة على تدليس بأن سود شعر الجارية الشائبة أو جعد شعر السبطة ونحو ذلك واختلف أصحابنا في خيار مشترى المصراة هل هو على الفور بعد العلم أو يمتد ثلاثة أيام فقيل يمتد ثلاثة أيام لظاهر هذه الأحاديث والأصح عندهم أنه على الفور ويحملون التقييد بثلاثة أيام في بعض الأحاديث على ما إذا لم يعلم أنها مصراة الا في ثلاثة أيام لأن الغالب أنه لا يعلم فيما دون ذلك فإنه إذا نقص لبنها في اليوم الثاني عن الأول احتمل كون النقص لعارض من سوء مرعاها في ذلك اليوم أو غير ذلك فإذا استمر كذلك ثلاثة أيام علم أنها مصراة ثم إذا اختار رد المصراة
[ 167 ]
بعد أن حلبها ردها وصاعا من تمر سواء كان اللبن قليلا أو كثيرا سواء كانت ناقة أو شاة أو بقرة هذا مذهبنا وبع قال مالك والليث وابن أبى ليلى وأبو يوسف وأبو ثور وفقهاء المحدثين وهو الصحيح الموافق للسنة وقال بعض اصحابنا يرد صاعا من قوت البلد ولا يختص بالتمر وقال أبو حنيفة وطائفة من أهل العراق وبعض المالكية ومالك في رواية غريبة عنه يردها ولا يرد صاعا من تمر لأن الأصل أنه إذا أتلف شيئا لغيره رد مثله ان كان مثليا والا فقيمته واما جنس آخر من العروض فخلاف الأصول وأجاب الجمهور عن هذا بأن السنة إذا وردت لا يعترض عليها بالمعقول وأما الحكمة في تقييده بصاع التمر فلأنه كان غالب قوتهم في ذلك الوقت فاستمر حكم الشرع على ذلك وإنما لم يجب مثله ولا قيمته بل وجب صاع في القليل والكثير ليكون ذلك حدا يرجع إليه ويزول يه التخاصم وكان ص = حريصا على رفع الخصام والمنع من كل ما هو سبب له وقد يقع بيع المصراه في البوادى والقرى وفي مواضع لا يوجد من يعرف القيمة ويعتمد قوله فيها وقد يتلف اللبن ويتنازعون في قتله وكثرته وفي عينه فجعل الشرع لهم ضابطا لا نزاع معه وهو صاع تمر ونظير هذا الدية فإنها مائة بعير ولا يختلف باختلاف حال القتيل قطعا للنزاع ومثله الغرة في الجناية على الجنين سواء كان ذكرا أو أنثى تام الخلق أو ناقصه جميلا كان أو قبيحا ومثله الجبران في الزكاة بين الشيئين جعله الشرع شاتين أو عشرين درهم قطعا للنزاع سواء كان التفاوت بينهما قليلا أو كثيرا وقد ذكر الخطابى وآخرون نحو هذا المعنى والله أعلم فإن قيل كيف يلزم المشترى رد عوض اللبن مع أن الخراج بالضمان
[ 168 ]
وإن من اشترى شيئا معيبا ثم علم العيب فرد به لا يلزمه رد الغلة والاكساب الحاصلة في يده فالجواب أن اللبن ليس من الغلة الحاصلة في يد المشترى بل كان موجودا عند البائع وفي حالة العقد ووقع العقد عليه وعلى الشاة جميعا فهما مبيعان بثمن واحد وتعذر رد اللبن لاختلاطه بما حدث في ملك المشترى فوجب رد عوضه والله أعلم باب بطلان بيع المبيع قبل القبض قوله ص = (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) قال ابن عباس وأحسب كل شئ مثله وفي رواية حتى يقبضه وفي رواية من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله فقلت لابن عباس لم قال ألا تراهم يبتاعون بالذهب والطعام مرجأ وفي رواية ابن عمر قال كم في زمان رسول الله ص = نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرا بانتقاله من المكان الذى ابتعناه فيه الى مكان سواه قبل أن نبيعه وفي رواية كنا نشترى الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله ص = أن تنبيعه حتى ننقله من مكانه وفي رواية عن ابن عمر أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله ص = إذا اشتروا
[ 169 ]
طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه وفي رواية رأيت الناس في عهد رسول اببه ص إذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون أن يبيعوه في مكانهم ذلك حتى يؤووه الى رحالهم قوله (مرجأ أي مؤخرا ويجوز همزه وترك همزه والجزاف بكسر الجيم ضمها وفتحها ثلاث لغات الكسر أفصح وأشهر وهو البيع بلا كيل ولا وزن ولا تقدير وفي هذا الحديث جواز بيع الصبرة جزافا وهو مذهب الشافعي قال الشافعي وأصحابه بيع الصبرة من الحنطة والتمر وغيرهما جزافا صحيح وليس بحرام وهل هو مكروه فيه قولان للشافعي اصحهما مكروه كراهة تنزيه والثاني ليس بمكروه قالوا والبيع بصبرة الدراهم جزافا حكمه كذلك ونقل أصحابنا عن مالك أنه لا يصح البيع إذا كان بائع الصبرة جزافا يعلم قدرها وفي هذه الأحاديث النهى عن بيع المبيع حتى يقبضه البائع واختلف العلماء في ذلك فقال الشافعي لا يصح بيع المبيع قبل قبضه سواء كان طعاما أو عقارا أو منقولا
[ 170 ]
أو نقدا أو غيره وقال عثمان البتى يجوز في كل مبيع وقال أبو حنيفة لا يجوز في كل شئ إلا العقار وقال مالك لا يجوز في الطعام ويجوز فيما سواه ووافقه كثيرون وقال آخرون لا يجوز في المكيل والموزون ويجوز فيما سواهما أما مذهب عثمان البتى فحكاه المازرى والقاضى ولم يحكه الا كثرون بل نقلوا الاجماع على بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه قالوا وإنما الخلاف فيما سواه فهو شاذ مترو ك والله أعلم قوله (كانوا يضربون إذا باعوه) يعنى قبل قبضه هذا
[ 171 ]
دليل على أن ولي الأمر يعزر من تعاطى بيعا فاسدا ويعزره بالضرب وغيره مما يراه من العقوبات في البدن على ما تقرر في كتب الفقه قوله (قال أبو هريرة لمروان أحللت بيع الصكاك وقد نهى رسول الله ص = عن بيع الطعام حتى يستوفى فخطب مروان الناس فنهى عن بيعها) الصكاك جمع صك وهو الورقة المكتوبة بدين ويجمع أيضا على صكوك والمراد هنا الورقة التى تخرج من ولى الأمر بالرزق لمستحقه بأن يكتب فيها للانسان كذا وكذا من طعام أو غيره فيبيع صاحبها ذلك لانسان قبل أن يقبضه وقد اختلف العلماء في ذلك والأصح عند أصحابنا وغيرهم جواز بيعها والثانى منعها فمن منعها أخذ بظاهر قول أبى هريرة وبحجته ومن أجازها تأول قضية أبى هريرة على أن المشترى ممن خرج له الصك باعه لثالث قبل أن يقبضه المشترى فكان النهى عن البيع الثاني لا عن الأول لأن الذى خرجت له مالك لذلك ملكا مستقرا وليس هو بمشتر فلا يمتنع بيعه قبل القبض كما لا يمتنع بيعه ما ورثه قبل قبضه قال القاضى عياض بعد أن تأوله على نحو ما ذكرنه وكانوا يتبايعونها ثم يبيعها المشترون قبل قبضها فنهوا
[ 172 ]
عن ذلك قال فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فرده عليه وقال لا تبع طعاما ابتعته حتى تستوفيه انتهى هذا تمام الحديث في الموطأ وكذا جاء الحديث مفسرا في الموطأ أن صكوكا خرجت للناس في زمن مروان بطهام فتبايع الناس تلك الصكوك قبل أن يستوفوها وفي الموطأ ما هو أبين من هذا وهو أن حكيم بن حزام ابتاع طعاما أمر به عمر بن الخطاب رضى الله عنه فباع حكيم الطعام الذى اشتراه قبل قبضه والله أعلم باب تحريم بيع صبرة التمر المجهولة القدر بتمر قوله (نهى رسول الله ص = عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) هذا تصريحا تصريح بتحريم بيع التمر بالتمر حتى يعلم المماثلة قال القماء لأن الجهل بالمماثلة في هذا الباب كحقيقة المفاضلة لقوله ص = إلا سواء بسواء ولم يحصل المساواة مع الجهل وحكم الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير وسائر الربويات إذا بيع بعضها ببعض حكم
[ 173 ]
التمر بالتمر والله أعلم باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين قوله ص = (البيعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الا بيع الخيار) هذا الحديث دليل لثبوت خيار المجلس لكل واحد من المتبايعين بعد انعقاد البيع حتى يتفرقا من ذلك المجلس بأبدانهما وبهذا قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن قال به علي بن أبى طالب وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأبو برزة الأسلمي وطاوس وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح القاضى والحسن البصري والشعبي الزهري والاوزاعي وابن أبى ذئب وسفيان بن عيينة والشافعي وابن المبارك وعلى بن المدينى وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد والبخاري وسائر المحدثين وآخرون وقال أبو حنيفة ومالك لا يثبت خيار المجلس بل يلزم البيع بنفس الايجاب والقبول وبه قال ربيعة وحكى عن النخعي وهو رواية عن الثوري وهذه الأحاديث الصحيحة ترد على هؤلاء وليس عنها جواب صحيح والصواب ثبوته كما قاله الجمهور والله أعلم وأما قوله
[ 174 ]
ص = الا بيع الخيار ففيه ثلاثة أقوال ذكرها أصحابنا وغيرهم من العلما أصحهما أن المراد التخيير بعد تمام العقد قبل مفارقة المجلس وتقديره يثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا الا أن يتخايرا في المجلس ويختارا امضاء البيع فيلزم البيع بنفس التخاير ولا يدوم الى المفارقة والقول الثاني أن معناه الا بيعا شرط فيه خيار الشرط ثلاثة أيام أو دونها فلا ينقضى الخيار قيه بالمفارقة بل يبقى حتى تنقضي المدة المشروطة والثالث مهناه الا بيعا شرط فيه أن لا خيار لهما في المجلس فيلزم البيع بنفس البيع ولا يكون فيه خيار وهذا تأويل من يصحح البيع على هذا الوجه والأصح عند أصحبنا بطلانه بهذا الشرط فهذا تنقيح الخلاف في تفسير هذا الحديث واتفق أصحابنا على ترجيح القول الأول وهو المنصوص للشافعي ونقلوه عنه وأبطل كثير منهم ما سواه وغلطوا قائله وممن رجحه من المحدثين البيهقى ثم بسط دلائله وبين ضعف ما يعارضها ثم قال وذهب كثير من العلماء الى تضعيف الأثر المنقول عن عمر رضى الله عنه البيع صفقة أو خيار وأن البيع لا يجوز فيه شرط قطع الخيار وأن المراد ببيع الخيار التخيير بعد البيع أو بيع شرط فيه الخيار ثلاثة أيام ثم قال والصحيح أن المراد التخيير بعد البيع لأن نافعا ربما عبر عنه ببيع الخيار وربمفسره به وممن قال بتصحيح هذا أبو عيسى الترمذي ونقل ابن المنذر في الاشراق هذا التفسير عن الثوري والاوزاعي وابن عيينة وعبد الله بن الحسن العنبري والشافعي واسحق بن راهويه والله أعلم قوله ص = (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع) ومعنى أو يخير
[ 175 ]
أحدهما الآخر أن يقول له اختر امضاء البيع فإذا اختار وجب البيع أي لزم وانبرم فإن خير أحدهما الآخر فسكت لم ينقطع خيار الساكت وفي انقطاع خيار القائل وجهان لأصحابنا أصحهما الانقطاع لظاهر لفظ الحديث قوله (فكان ابن عمر إذا بايع رجلا فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنية) ثم رجع هكذا هو في بعض الأصول هنية بتشديد الياء غير مهموز وفي بعضها هنيهة بتخفيف الياء وزيادة هاء أي شيئا يسيرا وقوله فأراد أن لا يقيله ألا ينفسخ البيع وفي هذا دليل على أن التفرق بالأبدان كما فسره ابن عمر الراوى وفيه رد على تأويل من تأول التفرق بالقول وهو لفظ البيع قوله ص = (كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا) أي ليس بينهما
[ 176 ]
بيع لازم قوله ص = (البيعان بالخيار ما لم يتفرفا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما) أي بين كل واحد لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في السلعة والثمن وصدق في ذلك وفي الاخبار بالثمن وما يتعلق بالعوضين ومعنى محقت بركة بيعهما أي ذهبت بركته وهي زيادته ونماؤه باب من يخدع في البيع قوله (ذكر رجل لرسول الله ص = أنه يخدع في البيوع فقال رسول الله ص من بايعت فقل لا خلابة وكان إذا بايع يقول خيابة) أما قوله ص = فقل لا خلابة
[ 177 ]
هو بخاء معجمة مكسورة وتخفيف الكلام وبالباء الموحدة وقوله وكان إذا بايع قال لا خيابه هو بياء مثناة تحت بدل اللام هكذا هو في جميع النسخ قال القاضى ورواه بعضهم لا خيانة بالنون قال وهو تصحيف قال ووقع في بعض الروايات في غير مسلم خذابة بالذال المعجمة والصواب الأول وكان الرجل ألثغ فكان يقولها هكذا ولا يمكنه أن يقول لا خلابة ومعنى لا خلابة لا خديعة أي لا تحل لك خديعتي أو لا يلزمنى خديعتك وهذا الرجل هو حبان بفتح الحاء وبالباء الموحدة ابن منقد بن عمرو الأنصاري والديحي وواسع بني حبان شهدا أحدا وقيل بل هو ولده منقد بن عمرو وكان قد بلغ مائة وثلاثين سنة وكان قد شج في بعض مغازية مع النبي ص في بعض الحصون بحجر فأصابته في رأسه مأمومة فتغير بها لسانه وعقله لكن لم يخرج عن التمييز وذكر الدارقطني أنه كان ضريرا وقد جاء في رواية ليست بثابتة أن النبي ص جعل له مع هذا القول الخيار ثلاثة أيام في كل سلعة يبتاعها واختلف العلماء في هذا الحديث فجعله بعضهم خاصا في حقه وأن المغابنة بين المتبايعين لازمة لا خيار للمغبون بسببها سواء قلت أم كثرت وهذا مذهب الشافعي وأبى حنيفة وآخرين وهى أصح الروايتين عن مالك وقال البغداديون من المالكية للمغبون الخيار لهذا الحديث بشرط أن يبلغ الغبن الغبن ثلث القيمة فإن كان دونه فلا والصحيح الأول لأنه لم يثبت أن النبي ص = أثبت له الخيار وإنما قال له قل لا خلابة أي لا خديعة ولا يلزم من هذا ثبوت الخيار ولأنه لو ثبت أو أثبت له الخيار كانت قضية عين لا عموم لها فلا ينفذ منه الى غيره الا بدليل والله أعلم باب النهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع فيه (عن ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله ص = نهى عن بيع الثمار حتى يبدو
[ 178 ]
صلاحها نهى البائع والمبتاع) وفي رواية نهى عن بيع النخل حتى تزهو وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة وفي رواية لا تبتاعوا الثمر حتى يبدو صلاحه وتذهب عنه الآفة قال يبدو صلاحه حمرته وصفرته وفي رواية قيل لابن عمر ما صلاحه قال تذهب عاهته وفي رواية نهى عن بيع الثمر حتى يطيب وفي رواية نهى عن بيع النخل حتى يأكل أو يؤكل وحتى يوزن فقلت ما يوزن فقال رجل عنه يعنى عند ابن عباس حتى يحزر أما ألفاظ الباب فمعنى يبدو يظهر وهو بلا همز ومما ينبغى أن ينبه عليه أن يقع في كثير من كتب المحدثين وغيرهم حتى يبدو بالألف في الخط وهو خطأ والصواب حذفها في مثل هذا للناصب وإنما اختلفوا في اثباتها إذا لم يكن ناصب مثل زيد يبدو والاختيار حذفها أيضا ويقع مثله في حتى يزهو وصوابه حذف الألف كما ذكر قوله (يزهو) هو بفتح الياء كذا ضبطوه وهو صحيح كما سنذكره ان شاء الله تعالى قال ابن الاعرابي يقال زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته وأزهى يزهى إذا احمر أو اصفر وقال الأصمعى لا يقال في النخل أزهى انما يقال زها وحكاهما أبو زيد لغتين وقال الخليل أزهى النخل بدا صلاحه وقال الخطابى هكذا يروى حتى يزهو قال والصواب في العربية حتى يزهى والأزهاء في الثمر أن يحمر أو يصفر وذلك علامة الصلاح فيها ودليل خلاصها من الآفه قال ابن الأثير منهم من أنكر يزهى كما أن منهم من أنكر يزهو وقال الجوهرى الزهو بفتح الزاى وأهل الحجاز يقولون بضمها وهو البسر الملون يقال إذا ظهرت الحمرة أو الصفرة في النخل فقد ظهر فيه الزهو وقد زها النخل زهوا وأزهى لغة فهذه أقوال أهل العلم فيه ويحصل من مجموعها جواز ذلك كله فالزيادة من الثقة مقبولة ومن نقل شيئا لم يعرفه غيره قبلناه إذا كان
[ 179 ]
ثقة قوله (وعن السنبل حتى يبيض) مهناه يشتد حبه وهو بدو صلاحه قوله (ويأمن العاهة) هي الآفة تصيب الزرع أو الثمر ونحوه فتفسده قوله (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة عن أبى الزبير عن جابر وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر) فقوله أولا عن جابر
[ 180 ]
كان يتبغى له على مقتضى عادته وقاعدته وقاعدة غيره حذفه في الطريق الأول ويقتصر على أبى الزبير لحصول الغرض به لكنه أراد زيادة البيان والايضاح وقد سبق بيان مثل هذا غير مرة قوله (حدثنا أحمد بن عثمان النوفلي حدثنا أبو عاصم ح وحدثنا محمد بن حاتم واللفظ له قال حدثنا روح قال أنبأنا زكريا بن اسحاق حدثنا عمرو بن دينار) هكذا يوجد في النسخ هذا وأمثاله فينبغي أن يقرأ القارئ بعد روح قالا حدثنا زكريا لأن أبا عاصم وروحا يرويان عن زكريا فلو قال القارئ قال أنبأنا زكريا كان خطأ لأنه يكون محدثا عن روح وحده وتاركا لطريق أبى عاصم ومثل هذا مما يغفل عنه فنبهت عليه ليتفطن لأشباهه وينبغى أن يكتب هذا في الكتاب فيقال قالا حدثنا زكرياء وإن كانوا يحذفون لفظه قال إذا كان المحدث عنه واحدا لأنه لا يلبس بخلاف هذا فإن قال قائل يجوز أن يقال هنا قال حدثنا زكريا ويكون المراد قال روح ويدل عليه أنه قال واللفظ له قلنا هذا محتمل ولكن الظاهر المختار ما ذكرناه أولا لأنه أكثر فائدة لئلا يكون تاركا لرواية أبى عاصم والله أعلم قوله (عن أبى البخترى) وهو بفتح الباء الموحدة واسكان الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة فوق واسمه سعيد بن عمران ويقال ابن فيروز الكوفي الطائي مولاهم قال هلال بن حبان بالمعجمة وبالموحدة كان من أفاضل أهل الكوفة وقال حبيب بن أبى ثابت الامام
[ 181 ]
الجليل اجتمعت أنا وسعيد بن جبير وأبو البخترى وكان أبو البخترى أعلمنا وأفقهنا قتل بالجماجم سنة ثلاث وثمانين وقال ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة ثقة وإنما ذكرت ما ذكرت فيه لأن الحاكم أبا أحمد قال في كتابه الأسماء والكنى أن أبا البخترى هذا ليس قويا عندهم ولا يقبل قول الحاكم لأنه جرح غير مفسر والجرح إذا لم يفسر لا يقبل وقد نص جماعات على أنه ثقة وقد سبق بيان هذه القاعدة في أول الكتاب والله أعلم قوله (سألت ابن عباس عن بيع النخل فقال نهى رسول الله ص عن بيع النخل حتى يأكل منه أو يؤكل منه وحتى توزن فقلت ما يوزن فقال رجل عنده حتى يحزر) وأما قوله يأكل أو يؤكل فمعناه حتى يصلح لأن يؤكل في الجملة وليس المراد كمال أكله بل ما ذكرناه وذلك يكون عند بدو الصلاح وأما تفسيره يوزن بيحزر فظاهر لان الحزر طريق الى معرفة قدره وكذا الوزن وقوله حتى يحزر هو بتقديم الزاي على الراء اي يخرص ووقع في بعض الأصول بتقديم الراء وهو تصحيف وإن كان يمكن تأويله لو صح والله أعلم وهذا التفسير عند العلماء أو بعضهم في معنى المضاف الى ابن عباس لأنه أقر قائله عليه ولم ينكره وتقريره كقوله والله أعلم قوله (عن ابن أبى نعم) هو بإسكان العين بلا ياء بعدها واسمه تدكين بن الفضيل وشروح مسلم كلها ساكتة عنه أما أحكام الباب فإن باع الثمرة قبل بدو صالحها بشرط القطع صح بالإجماع قال أصحابنا ولو شرط القطع ثم لم يقطع فالبيع صحيح ويلزمه البائع بالقطع فإن تراضيا على ابقائه جاز وان باعها بشرط التبقية فالبيع باطل بالاجماع لأنه ربما تلفت الثمرة قبل إدراكها فيكون البائع قد اكل مال أخيه بالباطل كما جاءت به الأحاديث وأما إذا شرط القطع فقد انتفى هذا الضرر وإن باعها مطلقا بلا شرط فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أن البيع باطل لإطلاق هذه الأحاديث وإنما صححناه بشرط القطع للاجماع فخصصنا الاحاديث بالاجماع فيما إذا شرط القطع ولأن العادة في الثمار الابقاء فصار كالمشروط وأما إذا بيعت الثمرة بعدو الصلاح فيجوز بيعها مطلقا
[ 182 ]
وبشرط القطع وبشرط التبقية لمفهوم هذه الأحاديث ولأن ما بعد الغاية يخالف ما قبلها إذا لم يكن من جنسها ولأن الغالب فيها السلامة بخلاف ما قبل الصلاح ثم إذا بيعت بشرط التبقية أو مطلقا يلزم البائع بسقايتها الى أوان الجذاذلأن ذلك هو العادة فيها هذا مذهبنا وبه قال مالك وقال أبو حنيفة يجب شرط القطع والله أعلم قوله (وعن السنبل حتى يبيض) فيه دليل لمذهب مالك والكوفيين وأكثر العلماء أنه يجوز بيع السنبل المشتد وأما مذهبنا ففيه تفصيل فإن كان السنبل شعيرا أو ذرة أو ما في معناهما مما ترى حباته جاز بيعه وإن كان حنطونحوها مما تستر حباته بالقشور التى تزال بالدياس ففيه قولان للشافعي رضى الله عنه الجديد أنه لا يصح وهو أصح قوليه والقديم أنه يصح وأما قبل الاشتداد فلا يصح بيع الزرع إلا بشرط القطع كما ذكرنا وإذا باع الزرع قبل الاشتداد مع الأرض شرط جاز تبعا للارض وكذا الثمر قبل بدو الصلاح إذا بيع مع الشجر جاز بلا شرط تبعا ونكذا حكم البقول في الأرض لا يجوز بيعها في الأرض دون الأرض إلا بشرط القطع وكذا لا يصح بيع البطيخ ونحوه قبل بدو
[ 183 ]
صلاحه وفروع المسألة كثيرة وقد نقحت مقاصدها في روضة الطالبين وشرح المهذب وجمعت فيها جملا مستكثرات وبالله التوفيق قوله (في الحديث نهى البائع والمشترى) أما البائع فلأنه يريد أكل المال بالباطل وأما المشترى فلأنه يوافقه على حرام ولأنه يضيع ماله وقد نهى عن إضاعة المال باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا فيه حديث ابن عمر رضى الله عنهما (أن رسول الله ص = نهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في بيع العرايا) وفي رواية رخص في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك وفي رواية رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها من التمر وباقى روايات الباب بمعناه وفيها ذكر المحاقلة والمزابنة وكراء الأرض وهذا نؤخره الى بابه وأما ألفاظ الباب فقوله وعن بيع الثمر بالتمر وفي رواية لا تبتاعوا التمر بالتمر هما في الروايتين الأول الثمر بالثاء المثلثة والثانى التمر بالمثناة ومعناه الرطب بالتمر وليس المراد كل الثمار بالثاء المثلثة فإن سائر الثمار
[ 184 ]
يجوز بيعها بالتمر قوله (حدثنا حجين) هو بضم الحاء وآخره نون قوله (رخص في بيع العرية بخرصها من التمر) هو بفتح الخاء وكسرها الفتح أشهر ومعناه بقدر ما فيها إذا صار تمرا
[ 185 ]
فمن فتح قال هو مصدر أي اسم للفعل ومن كسر قال هو اسم للشئ المخروص قوله (عن بشير ابن يسار عن بعض أصحاب رسول الله ص = من أهل دارهم منهم سهل بن أبى حثمة) أما بشير فبضم الموحدة وفتح الشين وأما يسار فبالمثناة تحت والسين مهملة وهو بشير بن يسار المدنى الأنصاري الحارثى مولاهم قال يحي بن معين ليس هو بأخى سليمان بن يسار وقال محمد المدني الأنصاري الحارثى مولاهم قال يحيى بن معين ليس هو بأخى سليمان بن يسار وقال محمد ابن سعد كان شيخا كبيرا فقيها قد أدرك عامة أصحاب رسول الله ص = وكان قليل الحديث وقوله (من أهل دراهم) يعنى بنى حارثة والمراد بالدار المحلة وقوله (عن بعض أصحاب رسول الله ص =) أي جماعة منهم ثم ذكر بعضهم فقال منهم سهل بن أبى حثمة والبعض يطلق على القليل والكثير وحثمة بفتح الحاء المهملة واسكان الثاء المثلثة واسم أبى حثمة عبد الله بن ساعدة وقيل عامر بن ساعدة وكنية سهل أبو يحيى وقيل أبو محمد توفي النبي ص = وهو ابن ثمان سنين قوله (في هذا الاسناد حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبى حدثنا سليمان يعنى ابن بلال عن يحى هو ابن سعيد عن بشير ابن يسار
[ 186 ]
عن بعض أصحاب رسول الله ص = من أهل دارهم منهم سهل بن أبى حثمة) في هذا الاسناد أنواع من معارف علم الاسناد وطرقه منها أنه اسناد كله مدنيون وهذا نادر في صحيح مسلم بخلاف الكوفيين والبصريين فإنه كثير قدمناه في مواضع كثيرة من أوائل هذا الكتاب وبعدها بيانه ومنها أن فيه ثلاثة أنصاريين مدنيين بعضهم عن بعض وهذا نادر جدا وهم يحيى بن سعيد الانصاري وبشير وسهل ومنها قوله سليمان يعنى ابن بلال وقوله يحيى وهو ابن سعيد وقد قدمنا في الفصول التى في أول الكتاب وبعدها بيان فائدة قوله يعنى وقوله وهو وأن المراد انه لم يقع في الرواية بيان نسبهما بل اقتصر الراوى على قوله سليمان ويحي فأراد مسلم بيانه ولا يجوز أن يقول سليمان بن بلال فإنه يزيد على ما سمعه من شيخه فقال يعنى ابن بلال فحصل البيان من غير زيادة منسوبة الى شيخه ومنها ما يتعلق بضبط الأسماء والأنساب وهو بشير بن يسار وقد بيناه والقعنبى وهو منسوب الى جده وهو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ومنها أن فيه رواية تابعي عن التابعي ومنها قوله عن بعض أصحاب رسول الله منهم سهل بن أبى حثمة فيه أنه يجوز إذا سمع من جماعة ثقات جاز أن يحذف بعضهم ويروى عن بعض وقد تقدم بيان هذا وتفصيله مبسوطا في الفصول والله أعلم قوله (فذكر بمثل حديث سليمان بن بلال) الذاكر هو الثقفي الذى هو في درجة سليمان بن بلال وإنما ذكرت هذا وإن كان ظاهرا لأنه قد يغلط فيه بل قد غلط فيه قوله (غير أن اسحاق وابن مثنى جعلا مكان الربا الزبن وقال ابن أبى عمر الربا) يعنى
[ 187 ]
أن ابن أبي عمر رفيق اسحاق وابن مثنى قال في روايته ذلك الربا كما سبق في رواية سليمان بن بلال وأما اسحاق وابن مثنى فقالا ذلك الزبن وهو بفتح الزاى وإسكان الموحدة وبعدها نون وأصل الزبن الدفع ويسمى هذا العقد مزابنة لانهم يتدافعون في مخاصمتهم بسببه لكثرة الغرر والخطر قوله (مولى بنى حارثة) بالحاء قوله (عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد) قال الحاكم أبو أحمد أبو سفيان هذا ممن لا يعرف اسمه قال ويقال مولى أبى أحمد بن جحش فنسب الى ولائهم وهو مدنى ثقة قوله (خمسة أوسق) هي جمع وسق بفتح الواو ويقال بكسرها والفتح أفصح ويقال في الجمع
[ 188 ]
أيضا أوساق ووسوق قال الهروي كل شئ حملته فقد وسقته وقال غيره الوسق ضم الشئ بعضه الى بعض وأما قدر الوسق فهو ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي وأما العرايا فواحدتها عرية بتشديد الياء كمطية ومطايا وضحية وضحايا مشتقة من التعري وهو التجرد لأنها عريت عن حكم باقى البستان قال الأزهري والجمهور هي فعلية بمعنى فاعلة وقال الهروي وغيره فعلية بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا أتاه وتردد إليه لان صاحبها يتردد إليها وقيل سميت بذلك لتخلى صاحبها الأول عنها من بين سائر نخله وقيل غير ذلك والله أعلم قوله (نهى رسول الله ص = عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا تباع بخرصها) فيه تحريم بيع الرطب بالتمر وهو المزابنة كما فسره في الحديث مشتقة من الزبن وهو المخاصمة والمدافعة وقد اتفق العلماء على تحريم بيع الرطب بالتمر في غير العرايا وأنه ربا وأجمعوا أيضا على تحريم بيع العنب بالزبيب وأجمعوا أيضا على تحريم بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية وهي المحاقلة مأخوذة من الحقل وهو الحرث وموضع الزرع وسواء عند جمهورهم كان الرطب والعنب على الشجر أو مقطوعا وقال أبو حنيفة ان كان مقطوعا جاز بيعه بمثله من اليابس وأما العرايا فهى أن يخرص الخارص نخلات فيقول هذا الرطب الذى عليها إذا يبس تجئ منه ثلاثة أوسق
[ 189 ]
من التمر مثلا فيبيعه صاحبه لانسان بثلاثة أوسق تمر ويتقابضان في المجلس فيسلم المشترى التمر ويسلم بائع الرطب الرطب بالتخلية وهذا جائز فيما دون خمسة أوسق ولا يجوز فيما زاد على خمسة أوسق وفي جوازه في خمسة أوسق قولان للشافعي أصحهما لا يجوز لأن الأصل تحريم بيع التمر بالرطب وجاءت العرايا رخصة وشك الراوى في خمسة أوسق أو دونها فوجب الأخذ باليقين وهو دون خمسة أوسق وبقيت الخمسة على التحريم والأصح أن يجوز ذلك للفقراء والأغنياء وأنه لا يجوز في غير الرطب والعنب من الثمار وفيه قول ضعيف أنه يختص بالفقراء وقول أنه لا يختص بالرطب والعنب هذا تفصيل مذهب الشافعي في العرية وبه قال أحمد وآخرون وتأولها مالك وأبو حنيفة على غير هذا وظواهر الأحاديث ترد تأويلها قوله (رخص في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك) فيه دلالة لأحد أوجه أصحابنا أنه يجوز بيع الرطب على النخل بالرطب على الأرض والأصح عند جمهوره بطلانهة ويتأولون هذه الرواية على أن أو للشك لا للتخيير والاباحة بل معناه رخص في بيعها بأحد النوعين وشك
[ 190 ]
فيه الراوى فيحمل على أن المراد التمر كما صرح به في سائر الروايات باب من باع نخلا عليها تمر قوله ص = (من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع الا أن يشترط المبتاع) قال أهل اللغة يقال أبرت النخل آبره أبرا بالتخفيف كأكلته أكلا وأبرته بالتشديد أؤبره تأبيرا كعلته أعلمه تعليما وهو أن يشق طلع النخلة ليذر فيه شئ من طلع ذكر النخل والابار هو شقه
[ 191 ]
سواء حط فيه شئ أولا ولو تأبرت بنفسها أي تشققت فحكمها في البيع حكم المؤبرة بفعل الآدمى هذا مذهبنا وفى هذا الحديث جواز الأبار للنخل وغيره من الثمار وقد أجمعوا على جوازه وقد اختلف العلماء في حكم بيع النخل المبيعة بعد التأبير وقبله هل تدخل فيها الثمرة عند اطلاق بيع النخلة من غير تعرض للثمرة بنفى ولا اثبات فقال مالك والشافعي والليث والأكثرون ان باع النخلة بعد التأبير فثمرتها للبائع الا أن يشترطها المشترى بأن يقول اشتريت النخلة بثمرتها هذه وإن باعها قبل التأبير فثمرتها للمشترى فإن شرطها البائع لنفسه جاز عند الشافعي والاكثرين وقال مالك لا يجوز شرطها للبائع وقال أبو حنيفة هي للبائع قبل التأبير وبعده عند الاطلاق وقال ابن أبى ليلى هي للمشترى قبل التأبير وبعده فأما الشافعي والجمهور فأخذوا في المؤبرة بمنطوق الحديث وفي غيرها بمفهومه وهو دليل الخطاب وهو حجة عندهم وأما أبو حنيفة فأخذ بمنطوقة في المؤبرة وهو لا يقول بدليل الخطاب فألحق غير المؤبرة بالمؤبرة واعترضوا عليه بأن الظاهر يخالف المستتر في بيع حكم التبعية في البيع كما أن الجنين يتبع الام في البيع ولا يتبعها الولد المنفصل وأما ابن أبى ليلى فقوله باطل منابذ لصريح السنة ولعله لم يبلغه الحديث والله أعلم قوله ص = (ومن ابتاع عبدا فماله للذى باعه الا أن يشترط المبتاع) هكذا روى هذا الحكم البخاري ومسلم من رواية سالم عن أبيه ابن عمر ولم تقع هذه الزيادة في حديث نافع عن ابن عمر ولا يضر ذلك فسالم ثقة بل هو أجل من نافع فزيادته مقبولة وقد اشار النسائي والدارقطني الى ترجيح رواية نافع وهذه اشارة مردودة وفى هذا الحديث دلالة لمالك وقول الشافعي القديم أن العبد إذا ملكه سيده مالا ملكه لكنه إذا باعه بعد ذلك كان
[ 192 ]
ماله للبائع الا أن يشترط المشترى لظاهر هذا الحديث وقال الشافعي في الجديد وأبو حنيفة لا يملك العبد شيئا أصلا وتأولا الحديث على أن المراد أن يكون في يد العبد شئ من مال السيد فأضيف ذلك المال الى العبد للاختصاص والانتفاع لا للملك كما يقال جل الدابة وسرج الفرس والا فإذا باع السيد العبد فذلك المال للبائع لأنه ملكه الا ان يشترط الاحتراز من الربا قال الشافعي فإن كان المال دراهم لم يجز بيع العبد وتلك الدراهم بدراهم فكذا ان كان دنانير لم يجز بيعها بذهب وإن كان حنطة لم يجز بيعها بحنطة وقال مالك يجوز أن يشترط المشترى وإن كان دراهم والثمن دراهم وكذلك في جميع الصور لاطلاق الحديث قال وكأنه لا حصة للمال من الثمن وفى هذا الحديث دليل للأصح عند أصحابنا أنه إذا باع العبد أو الجارية وعليه ثيابه لم تدخل في البيع بل تكون للبائع الا أن يشترطها المبتاع لأنه مال في الجملة وقال بعض أصحابنا تدخل وقال بعضهم يدخل ساتر العورة فقط والأصح أنه لا يدخل ساتر العورة ولا غيره لظاهر هذا الحديث ولأن اسم العبد لا يتناول الثياب والله أعلم باب النهى عن المحاقلة والمزابنة عن المخابرة وبيع الثمرة (قبل بدو صلاحها وعن بيع المعاومة وهو بيع السنين) أما المحاقلة والمزابنة وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها فسبق بيانها في الباب الماضي وأما المخابرة فهى
[ 193 ]
والمزارعة متقاربتان وهما المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع كالثلث والربع وغير ذلك من الأجزاء المعلومة لكن في المزارعة يكون البذر من مالك الأرض وفى المخابرة يكون البذر من العامل هكذا قاله جمهور أصحابنا وهو ظاهر نص الشافعي وقال بعض أصحابنا وجماعة من أهل اللغة وغيرهم هما بمعنى قالوا والمخابرة مشتقة من الخبر وهو الايكار أي الفلاح هذا قول الجمهور وقيل مشتقة من الخبار وهى الأرض اللينة وقيل من الخبرة وهى النصيب وهى بضم الخاء وقال الجوهرى قال أبو عبيدة هي النصيب من سمك أو لحم يقال تخبروا خبرة إذا اشتروا شاة فذبحوها واقتسموا لحمها وقال ابن الاعرابي مأخوذة من خيبر لأن أول هذه المعاملة كان فيها وفى صحة المزارعة والمخابرة خلاف مشهور للسلف وسنوضحه في باب بعده ان شاء الله تعالى وأما النهى عن بيع المعاومة وهو بيع السنين فمعناه أن يبيع ثمر الشجرة عامين أو ثلاثة أو أكثر فيسمى بيع المعاومة وبيع السنين وهو باطل بالإجماع نقل الإجماع فيه ابن المنذر وغيره لهذه الأحاديث ولأنه بيع غرر لأنه بيع معدوم ومجهول غير مقدور على تسليمه وغير مملوك للعاقد والله أعلم قوله (نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه ولا يباع إلا بالدينار والدرهم إلا العرايا) معناه لا يباع الرطب بعد بدو صلاحه بتمر بل يباع بالدينار والدرهم وغيرهما والممتنع إنما هو بيعه
[ 194 ]
بالتمر إلا العرايا فيجوز بيع الرطب فيها بالتمر بشرطه السابق في بابه قوله (نهى عن بيع الثمرة حتى تطعم) هو بضم التاء وكسر العين أي يبدو صلاحه وتصير طعاما يطيب أكلها قوله (نهى وأن يشترى النخل حتى يشقه والاشقاه أن يحمر أو يصفر) وفي رواية حتى تشقح بالحاء هو بضم التاء واسكان الشين فيهما وتخفيف القاف ومنهم من فتح الشين في تشقه وهما جائزان تشقه وتشقح ومعناهما واحد ومنهم من أنكر تشقه وقال المعروف بالحاء والصحيح جوازها وقيل ان الهاء بدل من الحاء كما قالوا مدحه ومدهه وقد فسر الراوى الاشقاه والاشقاح بالاحمرار والاصفرار قال أهل اللغة ولا يشترط في ذلك حقيقة الإصفرار والاحمرار بل ينطلق عليه هذا
[ 195 ]
الاسم إذا تغير يسير الى الحمرة أو الصفرة قال الخطابى الشقحة لون غير خالص الحمرة أو الصفرة بل هو تغير اليهما في كمودة قوله (سليم بن حيان) بفتح السين وحيان بالمثناة وسعيد بن ميناء بالمد والقصر قوله (نهى عن الثنيا) هي استثناء والمراد الاستثناء في البيع وفي رواية الترمذي وغيره بإسناد صحيح نهى عن الثنيا الا أن يعلم والثنيا المبطلة للبيع قولة بعتك هذه الصبرة الا بعضها وهذه الأشجار أو الأغنام أو الثياب ونحوها إلا بعضها فلا يصح البيع لان المستثنى مجهول فلو قال بعتك هذه الأشجار إلا هذه الشجرة أو هذه الشجرة إلا ربعها أو الصبرة إلا ثلثها أو بعتك بألف إلا درهما وما أشبه ذلك من الثنيا المعلومة صح البيع بإتفاق العلماء ولو باع الصبرة إلا صاعا منها فالبيع باطل عند الشافعي وأبى حنيفة وصحح مالك أن يستثنى منها ما لا يزيد على ثلثها أما إذا باع ثمرة نخلات فاستثنى من ثمر عشرة آصع مثلا للبائع فمذهب الشافعي وأبى حنيفة والعلماء كافة بطلان البيع وقال مالك وجماعة من علماء المدينة يجوز ذلك ما لم يزد على قدر ثلث الثمرة قوله (حدثنا أبو الوليد المكى عن جابر) وفي رواية أخرى سعيد ابن ميناء عن جابر قال ابن أبي حاتم أبو الوليد هذا اسمه يسار قال عبد الغنى هذا غلط انما هو سعيد بن ميناء المذكور باسمه في الرواية الأخرى وقد بينه البخاري في تاريخه
[ 196 ]
باب كراء الارض قوله (عن جابر قال نهى رسول الله ص = عن كراء الارض) وفي رواية من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها إياه وفي رواية من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكرها وفي رواية نهى عن المخابرة وفي رواية فليزرعها أخاه ولا تبيعوها وفسره الراوى بالكراء وفي رواية فليزرعها أو فليحرثها أخاه وإلا فليدعها وفي رواية كنا نأخذ الأرض بالثلث والربع بالماذيانات فقام رسول الله ص = في ذلك فقال من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها وفي رواية من كانت له أرض فليهبها أو ليعرها وفي رواية نهى عن يع أرض بيضاء سنتين أو ثلاثا وفي رواية نهى عن الحقول
[ 197 ]
وفسره جابر بكراء الأرض ومثله من رواية أبى سعيد الخدرى وفي رواية ابن عمر كنا نكرى أرضنا ثم تركنا ذلك حين سمعنا حديث رافع بن خديج وفي رواية عنه كنا لا نرى بالخبر بأسا حتى كان عام أول فزعم رافع أن النبي الله ص = نهى عنه وفي رواية عن نافع أن ابن عمر كان يكرى مزارعه على عهد النبي ص = وفي إمارة أبى بكر وعمر وعثمان وصدرا من خلافة معاوية ثم بلغه آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي ص = فدخل عليه وأنا معه فسأله فقال كان رسول الله ص = ينهى عن كراء المزارع فتركها ابن عمر وفي رواية عن حنظلة بن قيس قال سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال لا بأس به انما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي ص بما على الماذيانات وإقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا فلم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما شئ معلوم مضمون فلا بأس به وفي رواية كنا نكرى الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه
[ 198 ]
فنهانا عن ذبلك وأما الورق فلم ينهنا وفي رواية عن عبد الله بن معقل بالعين المهملة والقاف قال زعم ثابت يعنى ابن ضحاك أن رسول الله ص = نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة وقال لا بأس به أما الماذيانات فبذال معجمة مكسورة ثم ياء مثناه تحت ثم الف ثم نون ثم الف ثم مثناة فوق هذا هو المشهور وحكى القاضى عن بعض الرواة فتح الذال في غير صحيح مسلم وهى مسايل المياه وقيل ما ينبت على حافتى مسيل الماء وقيل ما ينبت حول السواقى وهى لفظة معربة ليست عربية وأما قوله وإقبال فبفتح الهمزة أي أوائلها ورؤسها والجداول جمع جدول وهو النهر الصغير كالساقية وأما الربيع فهو الساقية الصغيرة وجمعه أربعاء كنبى وأنبياء وربعا كصبى وصبيان ومعنى هذه الالفاظ أنهم كانوا يدفعون الأرض الى من يزرعها ببذر من عنده على أن يكون لمالك الأرض ما ينبت على الماذيانات وإقبال الجداول أو هذه القطعة والباقى للعامل فنهوا عن ذلك لما فيه من الغرر فربما هلك هذا دون ذاك وعكسه واختلف العلماء في كراء الأرض فقال طاوس والحسن البصري لا يجوز بكل حال سواء أكراها بطعام أو ذهب أو فضة أو بجزء من زرعا لاطلاق حديث النهى عن كراء الأرض وقال الشافعي وأبو حنيفة وكثيرون تجوز إجارتها بالذهب والفضة وبالطعام والثياب وسائر الأشياء سواء كان من جنس ما يزرع فيها أم من غيره ولكن لا تجوز اجارتها بجزء ما يخرج منها كالثلث والربع وهي المخابرة ولا يجوز أيضا أن يشترط له زرع قطعة معينة وقال ربيعة يجوز بالذهب والفضة فقط وقال مالك يجوز بالذهب والفضة وغيرهما الا الطعام وقال أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وجماعة من المالكية وآخرون تجوز اجارتها بالذهب والفضة وتجوز المزارعة بالثلث والربع وغيرهما وبهذا قال ابن شريح وابن خزيمة والخطابى وغيرهم من محققى أصحابنا وهو الراجح المختار وسنوضحه في باب المساقاة ان شاء الله تعالى فأما طاوس والحسن فقد ذكرنا حجتهما وأما الشافعي وموافقوه فاعتمدوا بصريح رواية رافع بن خديج وثابت بن الضحاك السابقين في جواز الاجارة بالذهب والفضة ونحوها وتأولوا أحاديث النهى تأويلين أحدهما حملهما على إجارتها بما على الماذيانات أو بزرع قطعة معينة أو بالثلث والربع ونحو ذلك كما فسره الرواة في هذه
[ 199 ]
الأحاديث التى ذكرناها والثانى حملها على كراهة التنزيه والارشاد الى اعارتها كما نهى عن بيع الغرر نهى تنزيه بل يتواهبونه ونحو ذلك وهذان التأولان لابد منهما أو من أحدهما للجمع بين الاحاديث وقد أشار الى هذا التأويل الثاني البخاري وغيره ومعناه عن ابن عباس والله أعلم قوله ص = (أو ليزرعها أخاه) أي يجعلها مزرعة له ومعناه يعيره اياها بلا عوض وهو معنى الرواية الأخرى فليمنحها أخاه بفتح الياء والنون أي يجعلها منيحة أي عارية وأما الكراء فممدود ويكرى بضم الياء قوله (فتصيب من القصرى) هو بقاف مكسورة ثم صاد مهملة ساكنة ثم راء مكسورة ثم ياء مشددة على وزن القبطى هكذا ضبطناه وكذا ضبطه الجمهور وهو المشهور قال
[ 200 ]
القاضى هكذا رويناه عن أكثرهم وعن الطبري بفتح القاف والراء مقصور وعن ابن الخزاعى بضم
[ 201 ]
القاف مقصور قال والصواب الأول وهو ما بقى من الحب في السنبل بعد الدياس ويقال له القصارة بضم القاف وهذا الاسم أشهر من القصرى قوله (كنا لا نرى بالخبر بأسا) ضبطناه بكسر الخاء وفتحها والكسر أصح وأشهر ولم يذكر الجوهرى وآخرون من أهل اللغة غيره وحكى القاضى فيه
[ 202 ]
الكسر والفتح والضم ورجح الكسر ثم الفتح وهو بمعنى المخابرة قوله (أتاه بالبلاط) هو بفبح الباء
[ 203 ]
مكان معروف بالمدينة مبلط بالحجارة وهو بقرب مسجد رسول الله ص = قوله (عن نافع أن ابن عمر كان يأخذ الأرض فنبئ حديثا عن رافع بن خديج) فذكروا في آخره فتركه ابن عمر ولم يأخذه هكذا هو في كثير من النسخ يأخذ بالخاء والدال من الأخذ وفي كثير منها يأجر بالجيم المضمونة والراء في الموضعين قال القاضى وصاحب المطالع هذا هو المعروف لجمهور رواة صحيح مسلم قال صاحب المطالع والأول تصحيف وفي بعض النسخ يؤاجر وهذا صحيح قوله (أن عبد الله بن عمر كان يكرى أرضه) كذا في بعض النسخ أرضيه بفتح الراء وكسر الضاد على الجمع وفي بعضها أرضه على الافراد وكلاهما صحيح
[ 205 ]
قوله (عن أبى النجاشي عن رافع أن ظهير ابن رافع وهو عمه قال أتانى ظهير فقال لقد نهى رسول الله ص =) هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح وتقديره عن رافع أن ظهيرا عمه حدثه بحديث قال رافع في بيان ذلك الحديث أتانى ظهير فقال لقد نهى رسول الله ص وهذا التقدير دل عليه فحوى الكلام ووقع في بعض النسخ أنبأني بدل أتانى والصواب المنتظم أتانى من الاتيان قوله في هذا الحديث (نؤاجرها يا رسول الله على الربيع أو الأوسق) هكذا هو في معظم النسخ الربيع وهو الساقية والنهر الصغير وحكى القاضى عن رواية ابن ماهان الربع بضم الراء وبحذف الياء وهو أيضا صحيح
[ 207 ]
قوله (أن مجاهدا قال لطاوس انطلق بنا الى ابن رافع بن خديج فاسمع منه الحديث عن أبيه) روى فاسمع بوصل الهمزة مجزوما على الأمر وبقطعها مرفوعا على الخبر وكلاهما صحيح والأول أجود قوله ص = (يأخذ عليها خرجا) أي أجرة والله أعلم
[ 208 ]
كتاب المساقاة والمزارعة قوله (ان رسول الله ص = عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع)
[ 209 ]
وفي رواية على أن يعتملوها من أموالهم ولرسول الله ص = شطر ثمرها في هذه الأحاديث جواز المساقاه وبه قال مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وجميع فقهاء المحدثين وأهل الظاهر وجماهير العلماء وقال أبو حنيفة لا يجوز وتأويل هذه الأحاديث على أن خيبر فتحت عنوة وكان أهلها عبيدا لرسول الله ص = فما أخذه فهو له وما تركه فهو له واحتج الجمهور بظواهر هذه الأحاديث وبقوله ص = أقركم ما أقركم الله وهذا صريح في أنهم لم يكونوا عبيدا قال القاضى وقد اختلفوا في خيبر هل فتحت عنوة أو صلحا أو بجلاء أهلها عنها بغير قتال أو بعضها صلحا وبعضها عنوة وبعضها جلاء عنه أهله أو بعضها صلحا وبعضها عنوة قال وهذا أصح الأقوال وهى رواية مالك ومن تابعه وبه قال ابن عيينة قال وفي كل قول أثر مروى وفي رواية لمسلم أن رسول الله ص = لما ظهر على خيبر أراد اخراج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلين وهذا يدل لمن قال عنوة إذ حق المسلمين انما هو في العنوة وظاهر قول من قال صلحا أنهم صولحوا على كون الأرض للمسلمين والله أعلم وابلغوا فيما تجوز عليه المساقاة من الأشجار فقال داود تجوز على النخل خاصة وقال الشافعي على النحل والعنب خاصة وقال مالك تجوز على جميع الأشجار وهو قول للشافعي فأما داود فرآها رخصة فلم يتعد فيه المنصوص عليه وأما الشافعي فوافق داود في كونها رخصة لكن قال حكم العنب حكم النخل في معظم الأبواب وأما مالك فقال مذهب الجواز الحاجة والمصلحة وهذا يشمل الجميع فيقاس عليه والله أعلم قوله (بشطر ما يخرج
[ 210 ]
منها) فيه بيان الجزء المساقى عليه من نصف أو ربع أو غيرهما من الأجزاء المعلومة فلا يجوز على مجهول كقوله على أن لك بعض الثمر واتفق المجوزون للمساقاة على جوازها بما اتفق المتعاقدان عليه من قليل أو كثير قوله (من ثمر أوزرع) يحتج به الشافعي وموافقوه الأكثرون في جواز المزارعة تبعا للمساقاة وإن كانت المزارعة عندهم لا تجوز منفردة فتجوز تبعا للمساقاة فيساقيه على النخل ويزارعه على الأرض كما جرى خيبر وقال مالك لا تجوز المزارعة لا منفردة ولا تبعا الا ما كان من الأرض بين الشجر وقال أبو حنيفة وزفر المزارعة والمساقاة فاسدتان سواء جمعهما أو فرقهما ولو عقدتا فسختا وقال ابن أبى ليلى وأبو يوسف ومحمد وسائر الكوفيين وفقهاء المحدثين وأحمد وابن خزيمة وابن شريح وآخرون تجوز المساقاة والمزارعة مجتمعتين وتجوز كل واحدة منهما منفردة وهذا هو الظاهر المختار لحديث خيبر ولا يقبل دعوى كون المزارعة في خيبر انما جازت تبعا للمساقاة بل جازت مستقلة ولأن المعنى المجوز للمساقاة موجود في المزارعة قياسا على القراض فإنه جائز بالاجماع وهو كالمزارعة في كل شئ ولأن المسلمين في جميع الأمصار والأعصار مستمرون على العمل بالمزارعة وأما الأحاديث السابقة في النهى عن المخابرة فسبق الجواب عنها وأنها محمولة على ما إذا شرطا لكل واحد قطعة معينة من الأرض وقد صنف
[ 211 ]
ابن خزيمة كتابا في جواز المزارعة واستقصى فيه وأجاد وأجاب من الأحاديث بالنهي والله أعلم قوله ص = (أقركم فيها على ذلك ما شئنا) وفي رواية الموطأ أقركم ما أقركم الله قال العلماء وهو عائد الى مدة العهد والمراد انما نمكنكم من المقام في خيبر ما شئنا ثم نخرجكم إذا شئنا لأنه ص = كان عازما على اخراج الكفار من جزيرة العرب كما أمر به في آخر عمره وكما دل عليه هذا الحديث وغيره واحتج أهل الظاهر بهذا على جواز المساقاة مدة مجهولة وقال الجمهور لا تجوز المساقاة الا الى مدة معلومة كالاجارة وتأولوا الحديث على ما ذكرناه وقيل جاز ذلك في أول الاسلام خاصة للنبى ص = وقيل معناه أن لنا اخراجكم بعد انقضاء المدة المسماة وكانت سميت مدة ويكون المراد بيان أن المساقاة ليست بعقد دائم كالبيع والنكاح بل بعد انقضاء المدة تنقضي المساقاة فإن شئنا عقدنا عقدا آخر وإن شئنا أخرجناكم وقال أبو ثور إذا أطلقنا المساقاة اقتضى ذلك سنة واحدة والله أعلم قوله (على أن يعتملوها من أموالهم) بيان لوظيفة عامل المساقاة وهو أن عليه كل ما يحتاج إليه في اصلاح الثمر واستزادته مما يتكرر كل سنة كالسقى وتنقية الأنهار واصلاح منابت الشجر وتلقيحه وتنحية الحشيش والقضبان عنه وحفظ الثمرة وجذابها ونحو ذلك وأما ما يقصد به حفظ الأصل ولا يتكرر كل سنة كبناء الحيطان وحفر الأنهار فعلى المالك والله أعلم قوله (فكان يعطى أزواجه كل سنة مائة وسق ثمانين وسقا من تمر وعشرين وسقا من شعير) قال العلماء هذا دليل على أن البياض الذى كان بخيبر الذى هو موضع الزرع أقل من الشجر وفي هذه الأحاديث دليل لمذهب الشافعي وموافقيه أن الأرض التى تفتح عنوة تقسم بين الغانمين الذين افتتحوها كما تقسم بينهم الغنيمة المنقولة بالاجماع لأن النبي ص = قسم خيبر بينهم وقال مالك وأصحابه يقفها الامام على المسلمين كما فعل عمر رضى الله عنه في أرض سواد العراق وقال أبو حنيفة والكوفيون يتخير الامام بحسب المصلحة في قسمتها أو تركها في أيدى من كانت لهم
[ 212 ]
بخراج يوظفه عليها وتصير ملكا لهم كأرض الصلح قوله (وكان الثمر يقسم على السهمان في نصف خيبر فيأخذ رسول الله ص = الخمس) هذا يدل على أن خيبر فتحت عنوة لأن السهمان كانت للغانمين وقوله يأخذ رسول الله ص = الخمس أي يدفعه الى مستحقه وهم خمسة الأصناف المذكورة في قوله تعالى واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول فيأخذ لنفسه خمسا واحدا من الخمس ويصرف الأخماس الباقية من الخمس الى الأصناف الأربعة الباقين واعلم أن هذه المعاملة مع أهل خيبر كانتا برضى الغانمين وأهل السهمان وقد اقتسم أهل السهمان بين المستحقين وسلم إليهم نفس الأرض حين أخذها من اليهود حين أجلاهم عنها قوله (فأجلاهم عمر الى تيماء وأريحاء) هما ممدودتان وهما قريتان معروفتان وفي هذا دليل أن
[ 213 ]
مراد النبي ص = بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب اخراجهم من بعضها وهو الحجاز خاصة لأن تيماء من جزيرة العرب لكنها ليست من الحجاز والله أعلم باب فضل الغرس والزرع قوله ص = (ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل السبع فهو له صدقة وما أكلت الطير فهو له صدقة ولا يرزؤه أحد الا كان له صدقة) وفي رواية لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه انسان ولا دابة ولا شئ الا كانت له صدقة وفي رواية الا كان له صدقة الى يوم القيامة في هذه الأحاديث فضيلة الغرس وفضيلة الزرع وأن أجر فاعلي ذلك مستمر مادام الغراس والزرع وما تولد منه الى يوم القيامة وقد اختلف العلماء في أطيب المكاسب وأفضلها فقيل التجارة وقيل الصنعة باليد وقيل الزراعة وهو الصحيح وقد بسطت ايضاحه في آخر باب الأطعمة من شرح المهذب وفي هذه الأحاديث أيضا أن الثواب والأجر في الآخرة مختص بالمسلمين وأن الانسان يثاب على ما سرق من ماله أو أتلفته دابة أو طائر ونحوهما وقوله ص = (ولا يرزؤه) هو براء ثم زاى بعدها همزة أي ينقصه ويأخذ منه قوله في رواية الليث (عن أبى الزبير عن جابر أن النبي ص = دخل على أن مبشر الأنصارية في نخل لها) هكذا هو في اكثر النسخ دخل علي
[ 214 ]
أم مبشر وفي بعضها دخل على أم معبد أو أم مبشر قال الحافظ المعروف في رواية الليث أم مبشر بلا شك ووقع في رواية غيره أم معبد كما ذكره مسلم بعد هذه الرواية ويقال فيها أيضا أم بشير فحصل أنها يقال لها أم مبشر وأم معبد وأم بشير قيل اسمها الخليدة بضم الخاء ولم يصح وهى امرأة زيد ابن حارثة أسلمت وبايعت قوله (حدثنا أحمد بن سعيد بن إبراهيم حدثنا روح بن عبادة حدثنا زكريا بن إسحاق أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله قال أبو مسعود الدمشقي هكذا وقع في نسخ مسلم في هذا الحديث عمرو بن دينار والمعروف فيه أبو الزبير عن جابر
[ 215 ]
قوله (عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر زاد عمرو في روايته عن عمار وأبو بكر في روايته عن أبى معاوية فقالا عن أم مبشر) الى آخره هكذا وقع في نسخ مسلم وأبو بكر ووقع في بعضها وأبو كريب بدل أبي بكر قال القاضى قال بعضهم الصواب أبو كريب لأن أول الاسناد لأبى بكر بن أبى شيبة عن حفص بن غياث ولأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم عن أبى معاوية هو أبو كريب لا أبو بكر وهذا واضح وبين والله تعالى أعلم
[ 216 ]
باب وضع الجوائح قوله ص = (لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق) وفى رواية عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى تزهو فقلنا لأنس مازهوها قال تحمر وتصفر أرأيتك ان منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك وفي رواية عن أنس أن النبي ص = قال ان لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه وعن جابر أن النبي ص = أمر بوضع الجوائح وعن أبى سعيد قال أصيب رجل في عهد رسول الله ص = في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله ص = تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله ص = لغرمائه خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك اختلف العلماء في الثمرة إذا بيعت بعد بدو الصلاح وسلمها البائع الى المشترى بالتخلية بينه وبينها ثم تلفت قبل أوان الجذاذ بآفة سماوية هل تكون من ضمان البائع أو المشترى فقال الشافعي في أصح قوليه وأبو حنيفة والليث بن سعد وآخرون هي في ضمان المشترى ولا يجب وضع الجائحة لكن يستحب وقال الشافعي في القديم وطائفة هي في ضمان البائع ويجب وضع الجائحة وقال مالك إن كانت دون الثلث لم يجب وضعها وإن كانت الثلث فأكثر وجب وضعها وكانت من ضمان البائع واحتج القائلون
[ 217 ]
بوضعها بقوله أمر بوضع الجوائح وبقوله ص = فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا ولأنها في معنى الباقية في يد البائع من حيث انه يلزمه سقيها فكأنها تلفت قبل القبض فكانت من ضمان البائع واحتج القائلون بأنه لا يجب وضعها بقوله في الرواية الأخرى في ثمار ابتاعها فكثر دينه فأمر النبي ص = بالصدقة عليه ودفعه إلى غرمائه فلو كانت توضع لم يفتقر إلى ذلك وحملوا الأمر بوضع الجوائح على الاستحباب أو فيما بيع قبل بدو الصلاح وقد أشار في بعض هذه الروايات التى ذكرناها إلى شئ من هذا وأجاب الأولون عن قوله فكثر دينه إلى آخره بأنه يحتمل أنها تلفت بعد أوان الجذاذ وتفريط المشترى في تركها بعد ذلك على الشجر فإنها حينئذ تكون من ضمان المشترى قالوا ولهذا قال ص = في آخر الحديث ليس لكم إلا ذلك ولو كانت الجوائح لا توضع لكان لهم طلب بقية الدين وأجاب الآخرون عن هذا بأن معناه ليس لكم الآن هذا ولا تحل لكم مطالبته مادام معسرا بل ينظر الى ميسرة والله أعلم وفي
[ 218 ]
الرواية الأخيرة التعاون على البر والتقوى ومواساة المحتاج ومن عليه دين والحث على الصدقة عليه وأن المعسر لا تحل مطالبته ولا ملازمته ولا سجنه وبه قال الشافعي ومالك وجمهورهم وحكى عن ابن شريح حبسه حتى يقضى الدين وإن كان قد ثبت اعساره وعن أبى حنيفة ملازمته وفيه أن يسلم الى الغرماء جميع مال المفلس ما لم يقض دينهم ولا يترك للمفلس سوى ثيابه ونحوها وهذا المفلس المذكور قيل هو معاذ بن جبل رضى الله عنه قوله (حدثنى محمد بن عباد حدثنا عبد العزير بن محمد عن حميد عن أنس أن النبي ص = قال ان لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه قال الدارقطني هذا وهم من محمد بن عباد أو من عبد العزيز في حال إسماعه محمدا لأن إبراهيم بن حمزة سمعه من عبد العزيز مفصولا مبينا أنه من كلام أنس وهو الصواب وليس من كلام النبي ص = فأسقط محمد بن عباد كلام النبي ص = وأتى بكلام أنس وجعله مرفوعا وهو خطأ قوله (قال أبو إسحق حدثنى عبد الرحمن بن بشر عن سفيان بهذا) أبو إسحاق هذا هو إبراهيم ابن محمد بن سفيان روى هذا الكتاب عن مسلم ومراده أنه علا برجل فصار في رواية هذا الحديث كشيخه مسلم بينه وبين سفيان بن عيينة واحد فقط والله أعلم
[ 219 ]
باب استحباب الوضع من الدين قوله (وحدثني غير واحد من أصحابنا قالوا حدثنا إسماعيل بن أبى أويس قال وحدثني أخى) قال جماعة من الحفاظ هذا أحد الأحاديث المقطوعة في صحيح مسلم وهى اثنا عشر حديثا سبق بيانها في الفصول المذكورة في مقدمة هذا الشرح لأن مسلما لم ينكر من سمع منه هذا الحديث قال القاضى إذا قال الراوى حدثنى غير واحد أو حدثنى الثقة أو حدثنى بعض أصحابنا ليس هو من المقطوع ولا من المرسل ولا من المعضل عند أهل هذا الفن بل هو من باب الرواية عن المجهول وهذا الذى قاله القاضى هو الصواب لكن كيف كان فلا يحتج بهذا المتن من هذه الرواية لو لم يثبت من طريق آخر ولكن قد ثبت من طريق آخر فقد رواه البخاري في صحيحه عن إسماعيل ابن أبى أويس ولعل مسلما أراد بقوله غير واحد البخاري وغيره وقد حدث مسلم عن إسماعيل هذا من غير واسطة في كتاب الحج وفي آخر كتاب الجهاد وروى مسلم أيضا عن أحمد بن يوسف الأزدي عن إسماعيل في كتاب اللعان وفي كتاب الفضائل والله أعلم قوله (وفي هذا الباب قال مسلم بن الحجاج روى الليث بن سعد قال حدثنى جعفر بن ربيعة) هذا أحد الأحاديث المقطوعة في صحيح مسلم ويسمى معلقا وسبق في التيمم مثله بهذا الاسناد وهذا الحديث المذكور هنا متصل عن الليث رواه البخاري في صحيحه عن يحيى بن بكير عن الليث عن جعفر بن ربيعة بإسناده المذكور هنا ورواه النسائي عن الربيع بن سليمان عن شعيب بن الليث عن أبيه عن جعفر ابن ربيعة قوله (وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه) أي يطلب منه ان يضع عنه بعض
[ 220 ]
الدين ويرفق به في الاستيفاء والمطالبة وفي هذا الحديث دليل على انه لا بأس بمثل هذا ولكن بشرط أن لا ينتهى الى الالحاح وإهانة النفس أو الايذاء ونحو ذلك الا من ضرورة والله أعلم قوله ص = (أين المتألى على الله لا يفعل المعروف قال أنا يا رسول الله وله) أي ذلك أحب المتألى الحالف والأولية اليمين وفي هذا كراهة الحلف على ترك الخير وانكار ذلك وأنه يستحب لمن حلف لا يفعل خيرا أن يحنث فيكفر عن يمينه وفيه الشفاعة الى أصحاب الحقوق وقبول الشفاعة في الخير قوله (تقاضى ابن أبى حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله ص = في المسجد فارتفعت أصواتهم) معنى تقاضاه طالبه به وأراد قضاه وحدرد بفتح الحاء والراء وفي هذا الحديث جواز المطالبة بالدين في المسجد والشفاعة الى صاحب الحق والاصلاح بين الخصوم وحسن التوسط بينهم وقبول الشفاعة في غير معصية وجواز الاشارة واعتمادها لقول فأشار إليه بيده أن ضع الشطر قوله (كشف سجف حجرته) هو بكسر السين وفتحها لغتان واسكان الجيم والله أعلم
[ 221 ]
باب من أدرك ما باعه عند المشترى وقد أفلس فله الرجوع فيه قوله (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا يحيى بن سعيد أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ان عمر بن عبد العزيز أخبره أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هاشم أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول) هذا الاسناد فيه أربعة من التابعين يروى بعضهم عن بعض وهم يحيى بن سعيد الانصاري وأبو بكر بن محمد بن عمرو وعمر وأبو بكر بن عبد الرحمن ولهذا نظائر سبقت قوله ص = (من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره) وفي رواية عن النبي ص = في الرجل الذى يعدم
[ 222 ]
إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه أنه لصاحبه الذى باعه اختلف العلماء فيمن اشترى سلعة فأفلس أو مات قبل أن يؤدى ثمنها ولا وفاء عنده وكانت السلعة باقية بحالها فقال الشافعي وطائفة بائعها بالخيار إن شاء بركها وضارب مع الغرماء بثمنها وإن شاء رجع فيها بعينها في صورة الافلاس والموت وقال أبو حنيفة لا يجوز له الرجوع فيها بل تتعين المضاربة وقال مالك يرجع في صورة الافلاس ويضارب في الموت واحتج الشافعي بهذه الأحاديث مع حديثه في الموت في سنن أبى داود وغيره وتأولها أبو حنيفة تأويلات ضعيفة مردودة وتعلق بشئ يروى عن علي وابن مسعود رضى الله عنهما وليس بثابت عنهما قوله (حدثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن
[ 223 ]
مهدى قالا حدثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس ثم قال وحدثني زهير بن حرب حدثنا اسماعيل ابن ابراهيم حدثنا سعيد) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا في الإسناد الأول شعبة بضم الشين المعجمة وهو شعبة بن الحجاج وفي الثاني سعيد بفتح السين المهملة وهو سعيد بن أبي عروبة وكذا نقله القاضي عن رواية الجلودي قال ووقع في رواية ابن ماهان في الثاني شعبة أيضا بضم الشين المعجمة قال والصواب الأول قوله (وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف وحجاج ابن الشاعر قال حدثنا أبو سلمة الخزاعي قال الحجاج منصور بن سلمة قال أخبرنا سليمان بن بلال) هكذا هو في معظم نسخ بلادنا وأصولهم المحققة قال حجاج منصور بن سلمة ومعناه أن أبا سلمة الخزاعي هذا اسمه منصور بن سلمة فذكره محمد بن أحمد بن أبي خلف بكنيته وذكره حجاج باسمه وهذا صحيح وذكر القاضي عياض أنه وقع في معظم بلادهم ولعامة رواتهم قال حجاج حدثنا منصور بن سلمة فزاد لفظه حدثنا قال القاضي والصواب حذف لفظه حدثنا كما وقع لبعض الرواة قال ويمكن تأويل هذا الثاني على موافقة الأول على أن المراد أن محمد بن أحمد كناه وحجاج سماه
[ 224 ]
باب فضل أنظار المعسر والتجاوز (في الاقتضاء من الموسر والمعسر) قوله (كنت أداين الناس فأمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر) قال الله تجوزوا عنه وفي رواية كنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور وفي رواية كنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة أو في النقد وفي رواية وكان من خلقي الجواز فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر فقوله فتياني معناه غلماني كما صرح به في الرواية الأخرى والتجاوز والتجوز معناهما المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير كما قال وأتجوز في السكة وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعسر والوضع عنه إما كل الدين وإما بعضه من كثير أو قليل وفضل المسامحة في الاقتضاء وفي الاستيفاء سواء استوفى من موسر أو معسر وفضل الوضع من الدين وأنه لا يحتقر شئ من أفعال الخير فلعله سبب السعادة والرحمة وفيه جواز توكيل العبيد والإذن لهم في التصرف وهذا على قول من يقول شرع من قبلنا شرع لنا
[ 225 ]
قوله (الميسور والمعسور) أي آخذ ما تيسر وأسامح بما تعسر قوله (حدثنا أبو سعيد الأشج) قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن سعد بن طارق عن ربعي بن حراش عن حذيفة) ثم قال في آخر الحديث فقال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري هكذا سمعناه من رسول الله ص = هكذا هو في جميع النسخ فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود قال الحفاظ هذا الحديث إنما هو محفوظ لأبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري وحده وليس لعقبة
[ 226 ]
ابن عامر فيه رواية قال الدارقطني والوهم في هذا الاسناد من أبي خالد الأحمر قال وصوابه عقبة بن عمر وأبو مسعود الأنصاري كذا رواه أصحاب أبي مالك سعد بن طارق وتابعهم نعيم بن أبي هند وعبد الملك بن عمير ومنصور وغيرهم عن ربعي عن حذيفة فقالوا في آخر الحديث فقال
[ 227 ]
عقبة بن عمر وأبو مسعود وقد ذكر مسلم في هذا الباب حديث منصور ونعيم وعبد الملك والله أعلم قوله ص = (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر) كرب بضم الكاف وفتح الراء جمع كربة ومعنى ينفس أي يمد ويؤخر المطالبة وقيل معناه يفرج عنه والله أعلم تحريم مطل الغنى وصحة الحوالة واستحباب قبولها (إذا أحيل على ملئ) قوله ص = (مطل الغنى ظلم) قال القاضي وغيره المطل منع قضاء ما استحق أداؤه فمطل الغنى ظلم وحرام ومطل غير الغنى ليس بظلم ولا حرام لمفهوم الحديث ولأنه معذور ولو كان غنيا ولكنه ليس متمكنا من الأداء لغيبة المال أو لغير ذلك جاز له التأخير الى الامكان وهذا مخصوص من مطل الغنى أو يقال المراد بالغنى المتمكن من الأداء فلا يدخل هذا فيه قال بعضهم وفيه دلالة لمذهب مالك والشافعي والجمهور أن المعسر لا يحل حبسه ولا ملازمته ولا مطالبته حتى يوسر وقد سبقت المسألة في باب المفلس وقد اختلف أصحاب مالك وغيرهم في أن المماطل هل يفسق وترد شهادته بمطلة مرة واحد أم لا ترد شهادته حتى يتكرر ذلك منه ويصير عادة ومقتضى مذهبنا اشتراط التكرار وجاء في الحديث الآخر في غير مسلم لى الواجد يحل عرضه وعقوبته اللى بفتح اللام وتشديد الياء وهو المطل والواجد بالجيم الموسر قال العلماء يحل عرضه بأن يقول ظلمنى ومطلني وعقوبته الحبس والتعزير قوله ص =
[ 228 ]
(وإذا اتبع أحدكم على ملئ فليتبع) هو بإسكان التاء في أتبع وفي فليتبع مثل أخرج فليخرج هذا هو الصواب المشهور في الروايات والمعروف في كتب اللغة وكتب غريب الحديث ونقل القاضى وغيره عن بعض المحدثين أنه يشددها في الكلمة الثانية والصواب الأول ومعناه وإذا أحيل بالدين الذى له على موسر فليحتل يقال منه تبعت الرجل لحقي أتبعه تباعه فأنا تبع وإذا طلبته قال الله تعالى ثم لا تجدوا لكم علينا تبيعا ثم مذهب أصحابنا والجمهور أنه إذا أحيل على ملى استحب له قبول الحوالة وحملوا الحديث على الندب وقال بعض العلماء القبول مباح لا مندوب وقال بعضهم واجب لظاهر الأمر وهو مذهب داود الظاهرى وغيره باب تحريم بيع فضل الماء الذى يكون بالفلاة ويحتاج إليه (لرعى الكلأ وتحريم منع بذله وتحريم بيع ضراب الفحل) قوله (نهى رسول الله ص = عن بيع فضل الماء) وفي رواية عن بيع ضراب الجمل وعن بيع الماء والارض لتحرث وفي رواية لا يمنع فضل الماء به الكلأ وفي رواية لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ أما النهى عن بيع فضل الماء ليمنع بها الكلأ فمعناه أن تكون لانسان بئر مملوكة له بالفلاة وفيها فاضل عن حاجته ويكون هناك كلأ
[ 229 ]
ليس عنده ماء الا هذه فلا يمكن أصحاب المواشى رعيه الا إذا حصل لهم السقى من هذه البئر فيحرم عليه منع فضل هذا الماء للماشية ويجب بذله لها بلا عوض لأنه إذا منع بذبله امتنع الناس من رعى ذلك الكلأ خوفا على مواشيهم من العطش ويكون بمنعه الماء مانعا من رعى الكلأ وأما الرواية الأولى نهى عن بيع فضل الماء فهى محمولة على هذه الثانية التى فيها ليمنع به الكلأ ويحتمل أنه في غيره ويكون نهى تنزيه قال أصحابنا يجب بذل فضل الماء بالفلاة كما ذكرناه بشروط أحدها أن لا يكون ماء آخر يستغنى به والثانى أن يكون البذل لحاجة الماشية لا لسقى الزرع والثالث ان لا يكون مالكه محتاجا إليه واعلم أن المذهب الصحيح أن من تبع في ملكه ماء صار مملوكا له وقال بعض أصحابنا لا يملكه أما إذا أخذ الماء في إناء من الماء المباح فإنه يملكه هذا هو الصواب وقد نقل بعضهم الاجماع عليه وقال بعض أصحابنا لا يملكه بل يكون أخص به وهذا غلط ظاهر وأما قوله لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ فمعناه أنه إذا كان فضل ماء بالفلاة كما ذكرنا وهناك كلأ لا يمكن رعيه الا إذا تمكنوا من سقى الماشية من هذا الماء فيجب عليه بذل هذا الماء للماشية بلا عوض ويحرم عليه بيعه لأنه إذا باعه كأنه باع الكلأ المباح للناس كلهم الذى ليس مملوكا لهذا البائع وسبب ذلك أن أصحاب الماشية لم يبذلوا الثمن في الماء كأنه باع الكلأ والله أعلم قال أهل اللغة الكلأ مهموز مقصور هو النبات سواء كان رطبا أو يابسا وأما الحضيض والهشيم فهو مختص باليابس وأما الخلى فمقصور غير مهموز والعشب مختص بالرطب ويقال له أيضا الرطب بضم الراء واسكان الطاء قوله (نهى عن بيع الأرض لتحرث) معناه نهى عن إجارتها للزرع وقد سبقت المسألة واضحة في باب كراء الأرض وذكرنا أن الجمهور يجوزون اجارتها بالدراهم والثياب ونحوها ويتأولوا النهى تأويلين أحدهما أنه نهى تنزيه ليعتادوا إعارتها وإرفاق بعضه بعضا والثانى أنه محمول على إجارتها على أن تكون
[ 230 ]
لمالكها قطعة معينة من الزرع وحملة القائلون بمنع المزارعة على اجارتها مما يخرج منها والله أعلم قوله (نهى عن ضراب الجمل) معناه عن أجرة ضرابه وهو عسب الفحل المذكور في حديث آخر وهو بفتح العين واسكان السين المهملتين وبالباء الموحدة وققد اختلف العلماء في إجارة الفحل وغيره من الدواب للضراب فقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور وآخرون استئجاره لذلك باطل وحرام ولا يستحق فيه عوض ولو أنزاه المستأجر لا يلزمه المسمى من أجره ولا أجرة مثل ولا شئ من الأموال قالوا لأنه غرر مجهول وغير مقدور على تسليمه وقال جماعة من الصحابة والتابعين ومالك وآخرون يجوز استئجاره لضرب مدة معلومة أو لضربات معلومة لأن الحاجة تدعو إليه وهي منفعة مقصودة وحملوا النهى على التنز به والحث على مكارم الأخلاق كما حملوا عليه ما قرنه به من النهى عن إجارة الأرض والله أعلم
[ 231 ]
باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغى (والنهى عن بيع السنور) قوله (أن رسول الله ص = نهى عن ثمن الكلب ومهر البغى وحلوان الكاهن) وفي الحديث الآخر شر الكسب مهر البغى وثمن الكلب وكسب الحجام وفي رواية ثمن الكلب خبيث ومهر البغى خبيث وكسب الحجام خبيث وفي الحديث الآخر سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر النبي ص = عنه أما مهر البغى فهو ما تأخذه الزانية على الزنا وسماه مهرا لكونه على صورته وهو حرام بإجماع المسلمين وأما حلوان الكاهن فهو ما يعطاه على كهانته يقال منه حلوته حلوانا إذا أعطيته قال الهروي وغيره أصله من الحلاوة شبه بالشئ الحلو من حيث انه يأخذه سهلا بلا كلغة ولا في مقابلة مشقة يقال حلوته إذا أطعمته الحلو كما يقال عسلته إذا أطعمته العسل قال أبو عبيد ويطلق الحلوان أيضا على غير هذا وهو أن يأخذ الرجل مهر ابنته لنفسه وذلك عيب عند النساء قالت امرأه تمدزوجها لا يأخذ الحلوان عن بناتنا قال البغوي من أصحابنا والقاضى عياض أجمع المسلمون على تحريم حلوان الكاهن لأنه عوض عن محرم ولأنه أكل المال بالباطل وكذلك أجمعوا على تحريم أجرة المغنية للغناء والنائحة للنوح وأما الذى جاء في غير صحيح مسلم من النهى عن كسب الاماء فالمراد به كسبهن بالزنا وشبهه لا بالغزل والخياطة ونحوهما وقال الخطاى قال ابن الاعرابي ويقال حلوان الكاهن الشنع والصهميم قال الخطابى وحلوان العراف أيضا حرام قال والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعى معرفة الأسرار
[ 232 ]
والعراف هو الذى يدعى معرفة الشئ المسروق ومكان الضالة ونحوهما من الأمور هكذا ذكره الخطابى في معالم السنن في كتاب البيوع ثم ذكره في آخر الكتاب أبسط من هذا فقال إن الكاهن هو الذى يدعى مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن قال وكان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور فمنهم من يزعم أن له رفقاء من الجن وتابعة تلقى إليه الأخبار ومنهم من يدعى أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه وكان منهم من يسمى عرافا وهو الذى يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها كالشئ يسرق فيعرف المظنون به السرقة وتتهم المرأه بالريبة فيعرف من صاحبها ونحو ذلك من الأمور ومنهم من كان يسمى المنجم كاهنا قال وحديث النهى عن اتيان الكهان يشتمل على النهى عن هؤلاء كلهم وعلى النهى عن تصديقهم والرجوع الى قولهم ومنهم من كان يدعو الطبيب كاهنا وربما سموه عرافا فهذا غير داخل في النهى هذا آخر كلام الخطابى قال الامام أبو الحسن الماوردى من أصحابنا في آخر كتابه الأحكام السلطانية ويمنع المحتسب من يكتسب بالكهانة واللهو ويؤدب عليه الآخذ والمعطى والله أعلم وأما النهى عن ثمن الكلب وكونه من شر الكسب وكونه خبيثا فيدل عل تحريم بيعه وأنه لا يصح بيعه ولا يحل ثمنه ولا قيمة على متلفه سواء كان معلما أم لا وسواء كان مما يجوز اقتناؤه أم لا وبهذا قال جماهير العلماء منهم أبو هريرة والحسن البصري وربيعة
[ 233 ]
والأوزاعي والحكم وحماد والشافعي وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم وقال أبو حنيفة يصح بيع الكلاب التى فيها منفعة وتجب القيمة على متلفها وحكى ابن المنذر عن جابر وعطاء والنخعي جواز بيع كلب الصيد دون غيره وعن مالك روايات احداها لا يجور بيعه ولكن تجب القيمة على متلفه والثانية يصح بيعه وتجب القيمة والثالثة لا يصح ولا تجب القيمة على متلفه دليل الجمهور هذه الأحاديث وأما الأحاديث الواردة في النهى عن ثمن الكلب الا كلب صيد وفي رواية الا كلبا ضاريا وأن عثمان غرم انسانا ثمن كلب قتله عشرين بعيرا وعن ابن عمرو بن العاص التغريم في اتلافه فكلها ضعيفة بإتفاق أئمة الحديث وقد أوضحتها في شرح المهذب في باب ما يجوز بيعه وأما كسب الحجام وكونه خبيثا ومن شر الكسب ففيه دليل لمن يقول بتحريمه وقد اختلف العلماء في كسب الحجام فقال الأكثرون من السلف والخلف لا يحرم كسب الحجام ولا يحرم أكله لا على الحر ولا على العبد وهو المشهور من مذهب أحمد وقال فرواية عنه قال بها فقهاء المحدثين يحرم على الحر دون العبد واعتمدوا هذه الأحاديث وشبهها واحتج الجمهور بحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي ص = احتجم وأعطى الحجام أجره قالوا ولو كان حراما لم يعطه رواه البخاري ومسلم وحملوا هذه الأحاديث التى في النهى على التنزيه والارتفاع عن دنئ الاكساب والحث على مكارم الاخلاق ومعالى الأمور ولو كان حراما لم يفرق فيه بين الحر والعبد فإنه لا يجوز للرجل أن يطعم عبده مالا يحل وأما النهى عن ثمن السنور فهو محمول على أنه لا ينفع أو على أنه نهى تنزيه حتى يعتاد الناس هبته وإعارته والسماحة به كما هو الغالب فإن كان مما ينفع وباعه صح البيع وكان ثمنه حلالا هذا مذهبنا ومذهب
[ 234 ]
العلماء كافة الا ما حكى ابن المنذر وعن أبى هريرة وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد أنه لا يجوز بيعه واحتجوا بالحديث وأجاب الجمهور عنه بأنه محمول على ما ذكرناه فهذا هو الجواب المعتمد وأما ما ذكره الخطابى وأبو عمرو بن عبد البر من أن الحديث في النهى عنه ضعيف فليس كما قالا بل الحديث صحيح رواه مسلم وغيره وقول ابن عبد البر انه لم يروه عن أبى الزبير غير حماد بن سلمة غلط منه أيضا لأن مسلما قد رواه في صحيحه كما تروى من رواية معقل بن عبيد الله عن أبى الزبير فهذان ثقتان روياه عن أبى الزبير وهو ثقة أيضا والله أعلم باب الامر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها (الا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك) قوله (ان رسول الله ص = أمر بقتل الكلاب) وفي رواية أمر بقتل الكلاب فأرسل في أقطار المدينة أن تقتل وفي رواية أنه كان يأمر بقتل الكلاب فتتبعت في المدينة وأطرافها فلا ندع كلبا الا قتلناه حتى انا لنقتل كلب المرية من أهل البادية يتبعها وفي رواية أمر بقتل الكلاب الا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال ابن عمر إن لأبى هريرة زرعا وفي رواية جابر أمرنا رسول الله بقتل الكلاب حتى ان المرأة تقدم من البادية بكلبها فتقتله ثم نهى رسول الله ص = عن قتلها
[ 235 ]
وقال عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين فإنه شيطان وفي رواية ابن المفضل قال أمر رسول الله ص = بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وفي رواية له في كلب الغنم والصيد والزرع وفي حديث ابن عمر من اقتنى كلبا الا كلب ماشية أو ضانقص من عمله كل يوم قيراطان وفي رواية ينقص من أجره كل يوم قيراط وفي رواية أبى هريرة من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيرطان كل يوم وفي رواية له انتقص من أجره كل يوم قيراط وفي رواية سفيان بن أبى زهير من اقتنى كلبا لا يغنى عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط أجمع العلماء على قتل الكلب الكلب والكلب العقور واختلفوا في قتل مالا ضرر فيه فقال امام الحرمين من أصحابنا أمر النبي ص = أولا بقتلها كلها ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها الا الأسود البهيم ثم استقر الشرع على النهى عن قتل جميع الكلاب التى لا ضرفيها سواء الاسود وغيره ويستدل لما ذكره بحديث ابن المغفل وقال القاضى عياض ذهب كثير من العلماء الى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب الا ما استثنى من كلب الصيد وغيره قال وهذا مذهب مالك وأصحابه قال واختلف القائلون بهذا هل كلب الصيد ونحوه منسوخ من العموم الأول في الحكم بقتل الكلاب وإن القتل كان عاما في الجميع أم كان مخصوصا بما سوى ذلك قال وذهب آخرون الى جواز اتخاذ جميعها البهيم قال القاضى وعندي أن النهى أولا كان نهيا عاما عن اقتناء جميعها وأمر بقتل جميعها ثم نهى عن قتلها ما سوى الأسود ومنع الاقتناء في جميعها الا كلب صيد أوزرع أو ماشية وهذا الذى قاله القاضى
[ 236 ]
هو ظاهر الأحاديث ويكون حديث ابن المغفل مخصوصا بما سوى الأسود لأنه عام فيخص منه الأسود بالحديث الآخر وأما اقناء الكلاب فمذهبنا أنه يحرم اقتناء الكلب بغير حاجة ويجوز اقتناؤه للصيد وللزرع وللماشية وهل يجوز لحفظ الدور والدروب ونحوها فيه وجهان أحدهما لا يجوز لظواهر الأحاديث فإنها مصرحة بالنهي الا لزرع أو صيد أو ماشية وأصحها يجوز قياسا على الثلاثة عملا بالعلة المفهومة من الاحاديث وهى الحاجة وهل يجوز اقتناء الجرو وتربيته للصيد أو الزرع أو الماشية فيه وجهان لأصحابنا أصحهما جوازه قوله (قال ابن عمران لأبى هريرة زرعا) وقال سالم في الرواية الأخرى وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب حرث قال العلماء ليس هذا توهينا لرواية أبى هريرة ولا شكا فيها بل معناه أنه لما كان صاحب زرع وحرث اعتنى بذلك وحفظه وأتقنه والعادة أن المبتلى بشئ يتقنه مالا يتقنه غيره ويتعرف من أحكامه مالا يعرفه غيره وقد ذكر مسلم هذه الزيادة وهى اتخاذه للزرع من رواية ابن المغفل ومن رواية سفيان بن أبى زهير عن النبي ص = وذكرها أيضا مسلم من رواية ابن الحكم واسمه عبد الرحمن بن أبى نعم البجلى عن ابن عمر فيحتمل أن ابن عمر لما سمعها من أبى هريرة وتحققها عن النبي ص = رواها عنه بعد ذلك وزادها في حديثه الذى كان يرويه بدونها ويحتمل أنه تذكر في وقت أنه سمعها من النبي ص = فرواها ونسيها في وقت فتركها والحاصل أن أبا هريرة ليس منفردا بهذه الزيادة بل وافقة جماعة من الصحابة في روايتها عن النبي ص = ولو انفرد بها
[ 237 ]
لكانت مقبولة مرضية مكرمة قوله ص = (بالأسود البهيم ذى النقطتين) فإنه شيطان معنى البهيم الخالص السواد وأما النقطتان فهما نقطتان معروفتان بيضاوان فوق عينيه وهذا مشاهد معروف وقوله ص = (فإنه شيطان) احتج به أحمد بن حنبل وبعض أصحابنا في انه لا يجوز صيد الكلب الاسود البهيم ولا يحل إذا قتله لأنه شيطان وإنما حل صيد الكلب وقال الشافعي ومالك وجماهير العلماء يحل صيد الكلب الأسود كغيره وليس المراد بالحديث اخراجه عن جنس الكلاب ولهذا لو ولغ في اناء وغيره وجب غسله كما يغسل من ولوغ الكلب الأبيض قوله ص = (ما بالهم وبال الكلاب) أي ما شأنهم أي ليتركوها قوله ص = (من اقتنى كلبا الا كلب ماشية أو ضارى) هكذا هو في معظم النسخ ضارى بالياء وفي بعضها ضاريا بالألف بعد الياء منصوبا وفي الرواية الثانية من اقتنى كلبا
[ 238 ]
الا كلب ضارية وذكر القاضى أن الأول روى ضارى بالياء وضار بحذفها وضار فاما ضاريا فهو ظاهر الاعراب وأما ضارى وضار فهما مجروران على العطف على ماشية ويكون من اضافة الموصوف الى صفته كماء البارد ومسجد الجامع ومنه قوله تعالى بجانب الغربي ولدار الآخرة وسبق بيان هذا مرات ويكون ثبوت الياء في ضارى على اللغة القليلة في اثباتها في المنقوص من غير ألف ولام والمشهور حذفها وقيل ان لفظة ضار هنا صفة للرجل الصائد صاحب الكلاب المعتاد للصيد فسماه ضاريا استعارة كما في الرواية الأخرى الا كلب ماشية أو كلب صائد وأما رواية الا كلب ضارية فقالوا تقديره الا كلب ذى كلاب ضارية والضارى هو المعلم الصيد المعتاد له يقال منه ضرى الكلب يضرى كشرى يشرى ضرا وضراوة وأضراه صاحبه أي عوده ذلك وقد ضرى بالصيد إذا لهج به ومنه قول عمر رضى الله عنه اللحم ضراوة كضراوة الخمر قال جماعة معناه ان له عادة ينزع إليها كعادة الخمر وقال الأزهري معناه ان لأهله عادة في أكله كعادة شارب الخمر في ملازمته وكما أن من اعتاد الخمر لا يكاد يصبر عنها كذا من اعتاد اللحم قوله ص = (نقص من أجره) وفي رواية من
[ 239 ]
عمله كل يوم قيراطان وفي رواية قيراط فأما رواية عمله فمعناه من أجر عمله وأما القيراط هنا فهو مقدار معلوم عند الله تعالى والمراد نقص جزء من أجر عمله وأما اختلاف الرواية في قيراط وقيراطين فقيل يحتمل أنه في نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الآخر ولمعنى فيهما أو يكون ذلك مختلفا باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدينة خاصة لزيادة فضلها والقيراط في غيرها أو القيراطان في المدائن ونحوها من القرى والقيراط في البوادى أو يكون ذلك في زمنين فذكر القيراط أولا ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين قال الروياني من أصحابنا في كتابه البحر اختلفوا في المراد بما ينقص منه فقيل ينقص مما مضى من عمله وقيل من مستقبله قال واختلفوا في محل نقص القيراط فقيل ينقص قيراط من عمل النهار وقيراط من عمل الليل أو قيراط من عمل الفرض وقيراط من عمل النفل والله أعلم واختلف العلماء في سبب نقصان الأجر باقتناء الكلب فقيل لامتناع الملائكة من دخول بيته بسببه وقيل لما يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده أباهم وقيل إن ذلك عقوبة له لاتخاذه ما نهى عن اتخاذه وعصيانه في ذلك وقيل لما يبلتى به من ولوغه في غفلة صاحبه ولا يغسله
[ 241 ]
بالماء والتراب والله أعلم قوله ص = (من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا) المراد بالضرع الماشية كما في سائر الروايات ومعناه من اقتنى كلبا لغير زرع وماشية وقوله (وفد عليهم سفيان بن أبي زهير الشنائي) هكذا هو في معظم النسخ بشين معجمة مفتوحة ثم نون مفتوحة بيته بسببه وقيل لما يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده أباهم وقيل إن ذلك عقوبة له لاتخاذه ما نهى عن اتخاذه وعصيانه في ذلك وقيل لما يبلتى به من ولوغه في غفلة صاحبه ولا يغسله
[ 241 ]
بالماء والتراب والله أعلم قوله ص = (من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا) المراد بالضرع الماشية كما في سائر الروايات ومعناه من اقتنى كلبا لغير زرع وماشية وقوله (وفد عليهم سفيان بن أبي زهير الشنائي) هكذا هو في معظم النسخ بشين معجمة مفتوحة ثم نون مفتوحة ثم همزة مكسورة منسوب إلى أزد شنوءة بشين مفتوحة ثم نون مضمومة ثم همزة ممدودة ثم هاء ووقع في بعض النسخ المعتمدة الشنوى بالواو وهو صحيح على إرادة التسهيل ورواه بعض رواة البخاري شنوى بضم النون على الأصل حل أجرة الحجامة ذكر فيه الأحاديث أن النبي ص = احتجم وأعطى الحجام أجره قال ابن عباس ولو كان سحتا لم يعطه وقد سبق قريبا في باب تحريم ثمن الكلب بيان اختلاف العلماء في أجرة الحجامة وفي هذه
[ 242 ]
الأحاديث إباحة نفس الحجامة وأنها من أفضل الأدوية وفيها اباحة التداوي وإباحة الأجرة على المعالجة بالتطبب وفيها الشفاعة إلى أصحاب الحقوق والديون في أن يخففوا منها وفيها جواز مخارجة العبد برضاه ورضاء سيده وحقيقة المخارجة أن يقول السيد لعبده تكتسب وتعطيني من الكسب كل يوم درهما مثلا والباقي لك أو في كل أسبوع كذا وكذا ويشترط رضاهما قوله (حجمه أبو طيبة) هو بطاء مهملة مفتوحة ثم ياء مثناة تحت ثم باء موحدة وهو عبد لبني بياضة اسمه نافع وقيل غير ذلك قوله ص = (فلا تعذبوا صبيانكم بالغمز) هو بغين معجمة
[ 243 ]
مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم زاي معناه لا تغمزوا حلق الصبي بسبب العذرة وهو وجع الحلق بل داووه بالقسط البحري وهو العود الهندي . تم الجزء العاشر ويليه الجزء الحادي عشر وأوله باب تحريم بيع الخمر