شرح مسلم
النووي ج 6

[ 1 ]
صحيح مسلم بشرح النووي الجزء السادس
[ 2 ]
باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما قوله ركع ركعتين خفيفتين فيه أنه يسن تخفيف سنة الصبح وأنهما ركعتان قوله كان إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين قد يستدل به من يقول تكره الصلاة من طلوع الفجر إلا سنة الصبح وما له سبب ولاصحابنا في المسألة ثلاثة أوجه أحدها هذا ونقله
[ 3 ]
القاضي عن مالك والجمهور والثاني لا تدخل الكراهة حتى يصلي سنة الصبح والثالث لا تدخل الكراهة حتى يصلي فريضة الصبح وهذا هو الصحيح عند أصحابنا وليس في هذا الحديث دليل ظاهر على الكراهة إنما فيه الإخبار بأنه كان ص لا يصلي غير ركعتي السنة ولم ينه عن غيرها قوله كان رسول الله ص يصلي ركعتي الفجر إذا سمع الأذان ويخففهما وفي رواية إذا طلع الفجر فيه أن سنة الصبح لا يدخل وقتها إلا بطلوع الفجر واستحباب تقديمها في أول طلوع الفجر وتخفيفها وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور وقال بعض السلف لا بأس بإطالتهما ولعله أراد أنها ليست محرمة ولم يخالف في استحباب التخفيف وقد بالغ قوم فقالوا لا قراءة فيهما أصلا حكاه الطحاوي والقاضي وهو غلط بين فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة التي ذكرها مسلم بعد هذا أن رسول الله ص كان يقرأ فيهما بعد الفاتحة بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وفي رواية آمنا بالله " و " قل يا أهل الكتاب تعالوا " وثبت في الأحاديث الصحيحة
[ 4 ]
لا صلاة إلا بقراءة ولا صلاة إلا بأم القرآن ولا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بالقرآن واستدل بعض الحنفية بهذا الحديث على أنه لا يؤذن للصبح قبل طلوع الفجر للأحاديث الصحيحة أن بلالا يؤذن يليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وهذا الحديث الذي في الباب المراد به الأذان الثاني قولها يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى اني أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن هذا الحديث دليل على المبالغة في التخفيف والمراد المبالغة بالنسبة إلى عادته ص من إطالة صلاة الليل وغيرها من نوافله وليس فيه دلالة لمن قال لا تقرأ فيهما أصلا لما قدمناه من الدلائل الصحيحة الصريحة قولها لم يكن على شئ من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح فيه دليل على عظم فضلهما وأنهما سنة ليستا واجبتين وبه قال جمهور العلماء وحكى القاضي
[ 5 ]
عياض عن الحسن البصري رحمهما الله تعالى وجوبهما والصواب عدم الوجوب لقولها على شئ من النوافل مع قوله ص خمس صلوات قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع وقد يستدل به لاحد القولين عندنا في ترجيح سنة الصبح على الوتر لكن لا دلالة فيه لأن الوتر كان واجبا على رسول الله ص فلا يتناوله هذا الحديث قوله ص ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها أي من متاع الدنيا قوله قرأ في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وفي الرواية الأخرى قرأ الآيتين
[ 6 ]
آمنا بالله وما أنزل إلينا ويا أهل الكتاب تعالوا هذا دليل لمذهبنا ومذهب الجمهور أنه يستحب أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة ويستحب أن يكون هاتان السورتان أو الآيتان كلاهما سنة وقال مالك وجمهور أصحابه لا يقرأ غير الفاتحة وقال بعض السلف لا يقرأ شيئا كما سبق وكلاهما خلاف هذه السنة الصحيحة التي لا معارض لها باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن فيه حديث أم حبيبة من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى له بهن بيت في الجنة وفي
[ 7 ]
رواية ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة وفي حديث ابن عمر قبل الظهر سجد سجدتين وكذا بعدها وبعد المغرب
[ 8 ]
والعشاء والجمعة وزاد في صحي البخاري قبل الصبح ركعتين وهذه اثنتا عشرة وفي حديث عائشة هنا أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وبعد المغرب وبعد العشاء وإذا طلع الفجر صلى ركعتين وهذه اثنتا عشرة أيضا وليس للعصر ذكر في الصحيحين وجاء في سنن أبي داود باسناد صحيح عن علي رضي الله عنه أن النبي ص كان يصلي قبل العصر ركعتين وعن ابن عمر عن النبي ص قال رحم الله امر أصلي قبل العصر أربعا رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وجاء في أربع بعد الظهر حديث صحيح عن أم حبيبة قالت قال رسول الله ص من حافظ على أربع ركعا ت قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي صحيح البخاري عن ابن مغفل أن النبي ص قال صلوا قبل المغرب قال في الثالثة لمن شاء وفي الصحيحين عن ابن مغفل أيضا عن النبي ص بين كل
[ 9 ]
أذانين صلاة المراد بين الأذان والإقامة فهذه جملة من الأحاديث الصحيحة في السنن الراتبة مع الفرائض قال أصحابنا وجمهور العلماء بهذه الأحاديث كلها واستحبوا جميع هذه النوافل المذكورة في الأحاديث السابقة ولا خلاف في شئ منها عند أصحابنا إلا في الركعتين قبل المغرب ففيهما وجهان لأصحابنا أشهرهما لا يستحب والصحيح عند المحققين استحبابهما بحديثي ابن مغفل وبحديث ابتدارهم السواري بها وهو في الصحيحين قال أصحابنا وغيرهم واختلاف الأحاديث في أعدادها محمول على توسعة الأمر فيها وأن لها أقل وأكمل فيحصل أصل السنة بالاقل ولكن الاختيار فعل الأكثر الأكمل وهذا كما سبق في اختلاف أحاديث الضحى وكما في أحاديث الوتر فجاءت فيها كلها أعدادها بالأقل والأكثر وما بينهما ليدل على أقل المجزئ في تحصيل أصل السنة وعلى الأكمل والأوسط والله أعلم قوله حدثنا أبو خالد عن داود بن هند عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة هذا الحديث فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم داود والنعمان وعمرو وعنبسة وقد سبقت لهذا نظائر كثيرة قوله بحديث يتسار إليه هو بمثناة تحت مفتوحة ثم مثناة فوق وتشديد الراء المرفوعة أي يسر به من السرور لما فيه من البشارة مع سهولته وكان عنبسة محافظا عليه كما ذكره في آخر الحديث ورواه بعضهم بضم أوله على ما لم يسم فاعله وهو صحيح أيضا قوله ص تطوعا غير فريضة هو من باب التوكيد ورفع احتمال ارادة الاستعاذة ففيه استحباب استعمال التوكيد إذا احتيج إليه قوله قالت أم حبيبة فما تركتهن وكذا قال عنبسة وكذا قال عمرو بن أوس والنعمان ابن سالم فيه أنه يحسن من العالم ومن يقتدى به أن يقول مثل هذا ولا يقصد به تزكية نفسه بل يريد حث السامعين على التخلق بخلقة في ذلك وتحريضهم على المحافظة عليه وتنشيطهم لفعله قوله صليت مع رسول الله ص قبل الظهر سجدتين أي ركعتين قولها كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين وذكرت مثله في المغرب والعشاء ونحوه في حديث ابن عمر فيه استحباب النوافل الراتبة في البيت كما يستحب فيه غيرها ولا خلاف في هذا عندنا وبه قال الجمهور وسواء عندنا وعندهم راتبة فرائض النهار والليل قال جماعة من السلف الاختيار فعلها في المسجد كلها وقال مالك والثوري الأفضل فعل نوافل النهار الراتبة في المسجد وراتبة اليل في البيت ودليلنا هذه الأحاديث الصحيحة وفيها التصريح بأنه ص =
[ 10 ]
يصلي سنة الصبح والجمعة في بيته وهما صلاتا نهار مع قوله ص أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وهذا عام صحيح صريح لا معارض له فليس لأحد العدول عنه والله أعلم قال العلماء والحكمة في شرعية النوافل تكميل الفرائض بها ان عرض فيها نقص كما ثبت في الحديث في سنن أبي داود وغيره ولترتاض نفسه بتقديم النافلة ويتنشط بها ويتفرغ قلبه أكمل فراغ للفريضة ولهذا يستحب أن تفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين كما ذكره مسلم بعد هذا قريبا باب جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما وبعضها قاعدا قولها وإذا صلى قاعدا ركع قاعدا فيه جواز النفل قاعدا مع القدرة على القيام وهو اجماع العلماء قوله كنت شاكيا بفارس وكنت أصلي قاعدا فسألت عن ذلك عائشة رضي الله عنها هكذا ضبطه جميع الرواة المشارقة والمغربة بفارس بكسر الباء الموحدة الجارة وبعدها فاء وكذا نقله القاضي عن جميع الرواة قال وغلط بعضهم فقال صوابه نقارس بالنون والقاف وهو وجع
[ 11 ]
معروف لأن عائشة لم تدخل بلاد فارس قط فكيف يسألها فيها وغلطه القاضي في هذا وقال ليس بلازم أن يكون سألها في بلاد فارس بل سألها بالمدينة بعد رجوعه من فارس وهذا ظاهر الحديث وأنه إنما سألها عن أمر انقضى هل هو صحيح أم لا لقوله وكنت أصلي قاعدا قولها قرأ جالسا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع فيه جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وعامة العلماء وسواء قام ثم قعد ثم قام ومنعه بعض السلف وهو غلط وحكى القاضي عن أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة في آخرين كراهة القعود بعد القيام ولو نوى القيام ثم أراد
[ 12 ]
أن يجلس جاز عندنا وعند الجمهور وجوزه من المالكية ابن القاسم ومنعه أشهب قولها كان رسول الله ص يقرأ وهو قاعد فإذا أراد أن يركع قام قدر ما يقرأ الإنسان أربعين آية هذا دليل على استحباب تطويل القيام في النافلة وأنه أفضل من تكثير الركعات في ذلك الزمان وقد تقدمت المسألة مبسوطة وذكرنا اختلاف العلماء فيهما وأن مذهب الشافعي تفضيل
[ 13 ]
القيام قولها قعد بعد ما حطمه الناس قال الراوي في تفسيره يقال حطم فلانا أهله إذا كبر فيهم كانه لما حمله من أمورهم وأثقالهم والاعتناء بمصالحهم صيروه شيخا محطوما والحطم الشئ اليابس قولها لما بدن رسول الله ص وثقل كان أكثر صلاته جالسا قال القاضي عياض رحمه الله قال أبو عبيد في تفسير هذا الحديث بدن الرجل بفتح الدال المشددة تبدينا إذا أسن قال أبو عبيد ومن رواه بدن بضم الدال المخففة فليس له معنى هنا لان معناه كثر لحمه وهو خلاف صفته صلى الله عليه وسلم يقال بدن يبدن بدانة وأنكر أبو عبيد الضم قال القاضي روايتنا في مسلم عن جمهورهم بدن بالضم وعن العذري بالتشديد وأراه اصلاحا قال ولا ينكر اللفظان في حقه ص فقد قالت عائشة في صحيح مسلم بعد هذا بقريب فلما أسن رسول الله ص وأخذ اللحم أوتر بسبع وفي حديث آخر ولحم وفي آخر أسن وكثر لحمه وقول ابن أبي هالة في وصفه بادن متماسك هذا كلام القاضي والذي ضبطناه ووقع في أكثر أصول بلادنا بالتشديد والله أعلم قوله عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن
[ 14 ]
المطلب بن أبي وداعة عن حفصة هؤلاء ثلاثة صحابيون يروى بعضهم عن بعض السائب والمطلب وحفصة قوله هلال بن يساف بفتح الياء وكسرها ويقال فيه اساف بكسر الهمزة قوله عن عبد الله بن عمرو أنه وجد النبي ص يصلي جالسا قال فوضعت يدي على رأسه فقال مالك يا عبد الله بن عمرو قلت حدثت يا رسول الله أنك قلت صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا قال أجل ولكني لست كأحد منكم معناه أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم فيتضمن صحتها ونقصان أجرها وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائما وأما الفرض فإن الصلاة قاعدا مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به قال أصحابنا وان استحله كفر وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الزنا والربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم وان صلى
[ 15 ]
الفرض قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود فثوابه كثوابه قائما لم ينقص باتفاق أصحابنا فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث وحكاه القاضي عياض عن جماعة منهم الثوري وابن الماجشون وحكى عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله على المصلى فريضة لعذر أو نافلة لعذر أو لغير عذر قال وحمله بعضهم على من له عذر يرخص في القعود في الفرض والنفل ويمكنه القيام بمشقة وأما قوله ص لست كأحد منكم فهو عند أصحابنا من خصائص النبي ص فجعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم وقد استقصيتها في أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات وقال القاضي عياض معناه أن النبي ص لحقه مشقة من القيام لحطم الناس وللسن فكان أجره تاما بخلاف غيره ممن لا عذر له هذا كلامه وهو ضعيف أو باطل لأن غيره ص ان كان معذورا فثوابه أيضا كامل وان كان قادرا على القيام فليس هو كالمعذور فلا يبقى فيه تخصيص فلا يحسن على هذا التقدير لست كأحد منكم واطلاق هذا القول فالصواب ما قاله أصحابنا أن نافلته ص قاعدا مع القدرة على القيام ثوابها كثوابه قائما وهو من الخصائص والله أعلم واختلف العلماء في الافضل من كيفية القعود موضع القيام في النافلة وكذا في الفريضة إذا عجز وللشافعي قولان أظهرهما يقعد مفترشا والثاني متربعا وقال بعض أصحابنا متوركا وبعض أصحابنا ناصبا ركبته وكيف قعد جاز لكن الخلاف في الأفضل والأصح عندنا جواز التنفل مضطجعا للقادر على القيام والقعود للحديث الصحيح في البخاري ومن صلى قائما فله نصف أجر القاعد وإذا صلى مضطجعا فعلى يمينه فان كان على يساره جاز وهو خلاف الأفضل فإن استلقى مع امكان الإضطجاع لم يصح قيل الأفضل مستلقيا وأنه إذا اضطجع لا يصح والصواب الأول والله أعلم
[ 16 ]
باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي ص في الليل وأن الوتر ركعة وإن الركعة صلاة صحيحة قال القاضي عياض في حديث عائشة من رواية سعد بن هشام قيام النبي ص بتسع ركعات وحديث عروة عن عائشة باحدى عشرة منهن الوتر يسلم من كل ركعتين وكان يركع ركعتي الفجر إذا جاءه المؤذن ومن رواية هشام بن عروة وغيره عن عروة عنها
[ 17 ]
ثلاث عشرة بركعتي الفجر وعنها كان لا زيد في رمضان ولا غيره على احدى عشرة ركعة أربعا أربعا وثلاثا وعنها كان يصلي ثلاث عشرة ثمانيا ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس ثم
[ 18 ]
يصلي ركعتي الفجر وقد فسرتها في الحديث الآخر منها ركعتا الفجر وعنها في البخاري أن صلاته ص بالليل سبع وتسع وذكر البخاري ومسلم بعد هذا من حديث ابن عباس أن صلاته ص من الليل ثلاث عشرة ركعة وركعتين بعد الفجر سنة الصبح وفي حديث زيد بن خالد أنه ص = صلى ركعتين خفيفتين ثم طويلتين وذكر الحديث وقال في آخره فتلك ثلاث عشرة قال القاضي قال العلماء في هذه الأحاديث اخبار كل واحد من ابن عباس وزيد وعائشة بما شاهد وأما الاختلاف في حديث عائشة فقيل هو منها وقيل من الرواة عنها فيحتمل أن أخبارها بأحد عشرة هو الأغلب وباقي رواياتها اخبار منها بما كان يقع نادرا في بعض الأوقات فأكثره خمس عشرة بركعتي الفجر وأقله
[ 19 ]
سبع وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه بطول قراءة كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود أو لنوم أو عذر مرض أو غيره أو في بعض الأوقات عند كبر السن كما قالت فلما أسن صلى سبع ركعات أو تارة تعد الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل كما رواه زيد بن خالد وروتها عائشة بعدها هذا في مسلم وتعد ركعتي الفجر تارة وتحذفهما تارة أو تعد احداهما وقد تكون عدت راتبة العشاء مع ذلك تارة وحذفتها تارة قال القاضي ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر وإنما الخلاف في فعل النبي ص وما اختاره لنفسه والله أعلم قوله ويوتر منها بواحدة دليل على أن أقل الوتر ركعة وأن الركعة الفردة صلاة صحيحة وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبو حنيفة لا يصح الايتار بواحدة ولا تكون الركعة الواحدة صلاة قط والأحاديث الصحيحة ترد عليه قولها ان رسول الله ص كان يصلي بالليل احدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين قال القاضي عياض في هذا الحديث أن الاضطجاع بعد صلاة الليل وقبل ركعتي الفجر وفي الرواية الأخرى عن عائشة أنه ص = كان يضطجع بعد ركعتي الفجر وفي حديث ابن عباس أن الاضطجاع كان بعد صلاة الليل قبل ركعتي الفجر قال وهذا فيه رد على الشافعي وأصحابه في قولهم ان الاضطجاع بعد ركعتي الفجر سنة قال وذهب مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة إلى أنه بدعة وأشار إلى أن رواية الاضطجاع بعد ركعتي الفجر مرجوحة قال فتقدم رواية الاضطجاع قبلهما قال ولم يقل أحد في الاضطجاع قبلهما أنه سنة فكذا بعدهما قال وقد ذكر مسلم عن عائشة فإن كنت مستيقظة حدثني والا اضطجع فهذا يدل على أنه ليس بسنة وأنه تارة كان يضطجع قبل وتارة بعد وتارة لا يضطجع هذا كلام القاضي والصحيح أو الصواب أن الاضطجاع بعد سنة الفجر لحديث أبي هريرة قال قال رسول الله ص إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه رواه أبو داود والترمذي باسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم قال الترمذي هو حديث حسن صحيح فهذا حديث صحيح صريح في الأمر بالاضطجاع وأما حديث عائشة بالاضطجاع بعدها وقبلها وحديث ابن عباس قبلها فلا يخالف هذا فإنه لا يلزم من الاضطجاع قبلها أن لا يضطجع بعد ولعله ص =
[ 20 ]
ترك الاضطجاع بعدها في بعض الأوقات بيانا للجواز لو ثبت الترك ولم يثبت فلعله كان يضطجع قبل وبعد وإذا صح الحديث في الأمر بالاضطجاع بعدها مع روايات الفعل الموافقة للأمر به تعين المصير إليه وإذا أمكن الجمع بين الأحاديث لم يجز رد بعضها وقد أمكن بطريقين أشرنا إليهما أحدهما أنه اضطجع قبل وبعد والثاني أنه تركه بعد في بعض الأوقات لبيان الجواز والله أعلم قولها اضطجع على شقه الأيمن دليل على استحباب الاضطجاع والنوم على الشق الأيمن قال العلماء وحكمته أنه لا يستغرق في النوم لأن القلب في جنبه اليسار فيعلق حينئذ فلا يستغرق وإذا نام على اليسار كان في دعة واستراحة فيستغرق قولها حتى يأتيه المؤذن دليل على استحباب اتخاذ مؤذن راتب للمسجد وفيه جواز اعلام المؤذن الإمام بحضور الصلاة واقامتها واستدعائه لها وقد صرح به أصحابنا وغيرهم قولها فيصلي ركعتين خفيفتين هما سنة الصبح وفيه دليل على تخفيفهما وقد سبق بيانه في بابه قولها ليسلم بين كل ركعتين دليل على استحباب السلام في كل ركعتين والذي جاء في بعض الأحاديث لا يسلم إلا في الآخرة محمول على بيان الجواز قولها ويوتر بواحدة صريح في صحة الركعة الواحدة وأن أقل الوتر ركعة وقد سبق قريبا قولها يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شئ إلا في آخرها وفي رواية أخرى يسلم من كل ركعتين وفي رواية يصلي أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا وفي رواية ثمان ركعات ثم يوتر بركعة وفي رواية عشر ركعات ويوتر ب سجدة وفي حديث ابن عباس فصلى ركعتين إلى آخره وفي حديث ابن عمر صلاة الليل مثنى مثنى هذا كله دليل على أن الوتر ليس مختصا بركعة ولا بإحدى عشرة ولا بثلاث عشرة بل يجوز ذلك وما بينه وأنه يجوز جمع ركعات بتسليمة واحدة وهذا لبيان الجواز والا فالأفضل التسليم من كل ركعتين وهو المشهور من فعل رسول الله ص وأمره بصلاة الليل مثنى مثنى قولها كان يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن معناه هن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات بظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه والوصف وفي هذا الحديث مع الأحاديث المذكورة بعده في تطويل القراءة والقيام دليل لمذهب الشافعي وغيره ممن قال تطويل القيام أفضل من تكثير الركوع والسجود وقال طائفة تكثير الركوع والسجود أفضل وقال طائفة تطويل القيام في الليل أفضل وتكثير الركوع والسجود في النهار أفضل وقد سبقت
[ 21 ]
المسألة مبسوطة بدلائلها في أبواب صفة الصلاة قوله ص ان عيني تنامان ولا ينام قلبي هذا من خصائص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وسبق في حديث نومه ص في الوادي فلم يعلم بفوات وقت الصبح حتى طلعت الشمس وأن طلوع الفجر والشمس متعلق بالعين لا بالقلب وأما أمر الحدث ونحو فمتعلق بالقلب وأنه قيل انه في وقت ينام قلبه وفي وقت لا ينام فصادف الوادي نومه والصواب الأول قولها كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح هذا الحديث أخذ بظاهره الأوزاعي وأحمد فيما حكاه القاضي عنهما فأباحا ركعتين بعد الوتر جالسا وقال أحمد لا أفعله ولا أمنع من فعله قال وأنكره مالك قلت الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما ص بعد الوتر جالسا لبيان جواز الصلاة بعد الوتر وبيان جواز النفل جالسا ولم يواظب على ذلك بل فعله مرة أو مرتين أو مرات قليلة ولا تغتر بقولها كان يصلي فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظه كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار وإنما هي فعل ماض يدل على وقوعه مرة فإن دل دليل على التكرار عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها وقد قالت عائشة رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله ص لحله قبل أن يطوف ومعلوم أنه ص لم يحج بعد أن صحبته عائشة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع فاستعملت كان في مرة واحدة ولا يقال لعلها طيبته في احرامه بعمرة لأن المعتمر لا يحل له الطيب قبل الطواف بالاجماع فثبت أنها استعملت كان في مرة واحدة كما قاله الأصوليون وإنما تأولنا حديث الركعتين جالسا لأن الروايات المشهورة في الصحيحين وغيرهما عن عائشة مع روايات خلائق من الصحابة في الصحيحين مصرحة بأن آخر صلاته ص في الليل كان وترا وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا منها اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وصلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة وغير ذلك فكيف يظن به ص مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ويجعلهما آخر صلاة الليل وإنما معناه ما قدمناه من بيان الجواز وهذا الجواب هو الصواب وأما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ورد رواية
[ 22 ]
الركعتين جالسا فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين وقد جمعنا بينها ولله الحمد قوله حدثنا يحيى بن بشر الحريري هو بفتح الحاء المهملة وسبق التنبيه عليه في مقدمة هذا الشرح قوله غير أن في حديثهما تسع ركعات يوتر منهن كذا في بعض الأصول منهن وفي بعضها فيهن وكلاهما صحيح قوله منها ركعتي الفجر كذا في أكثر الأصول وفي بعضها ركعتا وهو الوجه ويتأول الأول على تقدير يصلي منها ركعتي الفجر قولها ويوتر بسجدة أي بركعة قوله وثب أي قام بسرعة ففيه الإهتمام بالعباد والإقبال عليها بنشاط وهو بعض معنى الحديث الصحيح المؤمن القوي خير واحب إلى الله من المؤمن الضعيف قولها ثم صلى الركعتين أي سنة الصبح قوله عمار بن رزيق براء ثم زاي قولها كان رسول الله ص يصلي من الليل حتى يكون آخر صلاته الوتر فيه دليل لما قدمناه من أن السنة جعل آخر صلاة الليل وترا وبه قال العلماء كافة
[ 23 ]
وسبق تأويل الركعتين بعده جالسا قولها كان يحب العمل الدائم فيه الحث على القصد في العبادة وأنه ينبغي للإنسان أن لا يحتمل من العبادة إلا ما يطيق الدوام عليه ثم يحافظ عليه قولها كان إذا سمع الصارخ قام فصلى الصارخ هنا هو الديك باتفاق العلماء قالوا وسمى بذلك لكثرة صياحه قولها كان رسول الله ص إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني والا اضطجع فيه دليل على إباحة الكلام بعد سنة الفجر وهو مذهبنا ومذهب مالك والجمهور وقال القاضي وكرهه الكوفيون وروى عن ابن مسعود وبعض السلف لأنه وقت استغفار والصواب الإباحة لفعل النبي ص وكونه وقت استحباب الاستغفار لا يمنع من الكلام قولها كان رسول الله ص =
[ 24 ]
يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة وفي الرواية الأخرى إذا بقي الوتر أيقظها فأوترت فيه أنه يستحب جعل الوتر آخر الليل سواء كان للإنسان تهجد أم لا إذا وثق بالاستيقاظ آخر الليل إما بنفسه وأما بإيقاظ غيره وأن الأمر بالنوم على وتر إنما هو في حق من لم يثق كما سنوضحه قريبا ان شاء الله تعالى وقد سبق التنبيه عليه في حديثي أبي هريرة وأبي الدرداء قوله في أبي يعفور واسمه واقد ويقال وقدان هذا هو الأشهر وقيل عكسه وكلاهما باتفاق وهذا أبو يعفور بالفاء والراء أبو يعفور الأصغر السامري الكوني التابعي واسمه عبد الرحمن بن عبيد بن بسطاس واتفقا في كنيتهما وبلدهما وتبعيتهما ويتميزان بالاسم والقبيلة وأن الأول يقال فيه أبو يعفور الأكبر والثاني الأصغر وقد سبق إيضاحهما أيضا في كتاب الإيمان في أي الأعمال أفضل قولها من كل الليل أوتر رسول الله ص فانتهى وتره إلى السحر وفي رواية أخرى إلى آخر الليل فيه جواز الايتار في جميع أوقات الليل بعد دخول وقته واختلفوا في أول وقته فالصحيح في مذهبنا والمشهور عن الشافعي والأصحاب أنه يدخل وقته بالفراغ من صلاة العشاء ويمتد إلى طلوع الفجر الثاني وفي وجه يدخل بدخول وقت العشاء وفي وجه لا يصح الايتار بركعة الا بعد نفل
[ 25 ]
بعد العشاء وفي قول يمتد إلى صلاة الصبح وقيل إلى طلوع الشمس وقولها وانتهى وتلى الى السحر معناه كان آخر أمره الايتار في السحر والمراد به آخر الليل كما قالت في الروايات الأخرى ففيه استحباب الايتار آخر الليل وقد تظاهرت الأحاديث الصحيح عليه قوله قاضي كرمان بفتح الكاف وكسرها قوله فيجعله في السلاح والكراع الكراع اسم للخيل قوله راجع امرأته وأشهد على رجعتها هي بفتح الراء وكسرها والفتح أفصح عند الأكثرين وقال الأزهري الكسر أفصح قوله فأتى ابن عباس يسأله فقال ألا أدلك على أعلم أهل الأرض فيه أنه يستحب للعالم إذا سئل عن شئ ويعرف أن غيره أعلم منه به أن يرشد
[ 26 ]
السائل إليه فإن الدين النصيحة ويتضمن مع ذلك الإنصاف والاعتراف بالفضل لأهله والتواضع قوله نهينا أن نقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت فيهما الا مضيا الشيعتان الفرقتان والمراد تلك الحروب التي جرت قولها فإن خلق نبي الله ص كان القرآن معناه العمل به والوقوف عنه حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته قولها فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة هذا ظاهره أنه صار تطوعا في حق رسول الله ص =
[ 27 ]
والأمة فأما الأمة فهو تطوع في حقهم بالاجماع وأما النبي ص فاختلفوا في نسخه في حقه والأصح عندنا نسخه وأما ما حكاه القاضي عياض من بعض السلف أنه يجب على الأمة من قيام الليل ما يقع عليه الاسم ولو قدر حلب شاة فغلط ومردود باجماع من قبله مع النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس قولها كنا نعد له سواكه وطهوره فيه استحباب ذلك والتأهب بأسباب العبادة قبل وقتها والاعتناء بها قولها فيتسوك ويتوضأ فيه استحباب السواك عند القيام من النوم قولها ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلى قولها يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد هذا قد سبق شرحه قريبا قولها فلما سن نبي الله ص وأخذه اللحم هكذا هو في معظم الأصول سن وفي بعضها أسن وهذا هو المشهور في اللغة قولها وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة هذا دليل على استحباب المحافظة على الأوراد وأنها إذا فاتت تقضي
[ 29 ]
قوله عن يونس عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله أخبراه عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وذكر الحديث هذا الاسناد والحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وزعم أنه معلل بأن جماعة رووه هكذا مرفوعا وجماعة رووه موقوفا وهذا التعليل والحديث صحيح واسناده صحيح أيضا وقد سبق بيان هذه القاعدة في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح ثم في مواضع بعد ذلك وبينا أن الصحيح بل الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققوا المحدثين أنه إذا روى الحديث مرفوعا وموقوفا أو موصولا ومرسلا حكم بالرفع والصول لأنها زيادة ثقة وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعد والله أعلم وفي هذا الإسناد فائدة لطيفة وهي أن فيه رواية صحابي عن تابعي وهو السائب عن عبد الرحمن ويدخل في رواية الكبار عن الصغار وقوله القاري بتشديد الياء منسوب إلى القارة القبيلة المعروفة سبق بيانه مرات
[ 30 ]
قوله صلاة الأوابين حين ترمض الفصال هو بفتح التاء والميم يقال رمض يرمض كعلم يعلم والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس أي حين يحترق اخفاف الفصال وهي الصغار من أولاد الابل جمع فصيل من شدة حر الرمل والأواب المطيع وقيل الراجع إلى الطاعة وفيه فضيلة الصلاة هذا الوقت قال أصحابنا هو أفضل وقت صلاة الضحى وان كانت تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال قوله ص صلاة الليل مثنى مثنى هكذا هو في صحيح البخاري ومسلم وروى أبو داود والترمذي بالاسناد الصحيح صلاة الليل والنهار مثنى مثنى هذا الحديث محمول على بيان الأفضل وهو أن يسلم من كل ركعتين وسواء نوافل الليل والنهار يستحب أن يسلم من كل ركعتين فلو جمع ركعات بتسليمة أو تطوع بركعة واحدة جاز عندنا قوله ص فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى وفي الحديث الآخر أوتروا قبل الصبح هذا دليل على أن
[ 31 ]
السنة جعل الوتر آخر صلاة الليل وعلى أن وقته يخر بطلوع الفجر وهو المشهور من مذهبنا
[ 32 ]
وبه قال جمهور العلماء وقيل يمتد بعد الفجر حتى يصلي الفرض قوله ص الوتر ركعة من آخر الليل دليل على صحة الايتار بركعة وعلى استحبابه آخر الليل
[ 33 ]
قوله انك لضخم اشارة إلى الغباو والبلادة وقلة الأدب قالوا لأن هذا الوصف يكون للضخم وإنما قال ذلك لأنه قطع عليه الكلام أجله قبل تمام حديثه قوله استقرئ لك الحديث هو بالهمزة من القرأة ومعناه اذكره وأت به على وجهه بكماله قوله ويصلي ركعتين قبل الغداة كأن الاذان بأذنيه قال القاضي المراد بالأذان هنا
[ 34 ]
الإقامة وهو اشارة إلى شدة تخفيفها بالسنة إلى باقي صلاته ص قوله به به هو بموحدة مفتوحة وهاء ساكنة مكررة وقيل معناه مه مه زجر وكف وقال ابن السكيت هي لتفخيم الأمر بمعنى بخ بخ قوله أبو نضرة العوقي بعين مهملة وواو مفتوحتين وقاف منسوب إلى العوقة بطن من عبد القيس وحكى صاحب المطالع فتح الواو واسكانها الصواب المشهور المعروف الفتح لاغير قوله ص في حديث جابر من خاف أن لا يقوم
[ 35 ]
من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فيه دليل صريح على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل وأن من لا يثق بذلك فالتقديم له أفضل وهذا هو الصواب ويحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصحيح الصريح فمن ذلك حديث أوصاني خليلي أن لا أنام الا على وتر وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ قوله ص فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل أن يشهدها ملائكة الرحمة وفيه دليلان صريحان على تفضيل صلاة الوتر وغيرها آخر الليل قوله ص أفضل الصلاة طول القنوت المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما
[ 36 ]
علمت وفيه دليل للشافعي ومن يقول كقوله أن تطويل القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود وقد سبقت المسألة قريبا وأيضا في أبواب صفة الصلاة قوله ان في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه اياه وذلك كل ليلة فيه اثبات ساعة الاجابة في كل ليلة ويتضمن الحث على الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها قوله ص ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يدعوني فأستجيب له هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق ايضاحهما في كتاب الإيمان ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكى هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها
[ 37 ]
بحسب مواطنها فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما تأويل مالك بن أنس وغيره معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره والثاني أنه على الاستعارة ومعناه الاقبال على الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم قوله ص ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر وفي الرواية الثانية حين يمضي ثلث الليل الأول وفي رواية إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه قال القاضي عياض الصحيح رواية حين يبقي ثلث الليل الآخر كذا قاله شيوخ الحديث وهو الذي تظاهرت عليه الاخبار بلفظه ومعناه قال ويحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد بعد الثلث الأول وقوله من يدعوني بعد الثلث الأخير هذا كلام القاضي قلت ويحتمل أن يكون النبي ص أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به ثم أعلم بالآخر في وقت آخر فأعلم به وسمع أبو هريرة الخبرين فنقلهما جميعا وسمع أبو سعيد الخدري خبر الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة وهذا ظاهر وفيه رد لما أشار إليه القاضي من تضعيف رواية الثلث الأول وكيف يضعفها وقد رواها مسلم في صحيحه باسناد لا مطعن فيه عن الصحابيين أبي سعيد وأبي هريرة والله أعلم قوله سبحانه وتعالى أنا الملك أنا الملك هكذا هو في الأصول والروايات مكرر للتوكيد والتعظيم قوله ص فلما يزال كذلك حتى يضئ الفجر فيه دليل على امتداد وقت الرحمة واللطف التام إلى اضاءة الفجر وفيه الحث على الدعاء والاستغفار في جميع الوقت المذكور إلى اضاءة الفجر وفيه تنبيه على أن آخر
[ 38 ]
الليل للصلاة والدعاء والاستغفار وغيرها من الطاعات أفضل من أوله والله أعلم قوله حدثنا محاضر أبو المورع هو محاضر بحاء مهملة وكسر الضاد المعجمة والمورع بكسر الراء هكذا وقع في جميع النسخ أبو المورع وأكثر ما يستعمل في كتب الحديث ابن المورع وكلاهما صحيح وهو ابن المورع وكنيته أبو المورع قوله في حديث حجاج بن الشاعر عن محاضر ينزل الله في السماء هكذا هو في جميع الأصول في السماء وهو صحيح قوله سبحانه وتعالى من يقرض غير عديم ولا ظلوم وفي الرواية لأخرى غير عدوم هكذا هو في الأصول في الرواية الأولى عديم والثانية عدوم وقال أهل اللغة يقال أعدم الرجل إذا افتقرفهو معدم وعديم وعدوم والمراد بالقرض والله أعلم عمل الطاعة سواء فيه الصدقة والصلاة والصوم والذكر وغيرها من الطاعات وسماه سبحانه وتعالى قرضا ملاطفة للعباد وتحريضا لهم على المبادرة إلى الطاعة فإن القرض إنما يكون ممن يعرفه المقترض وبينه وبينه مؤانسة ومحبة فحين يتعرض للقرض يبادر المطلوب منه باجابته لفرحه بتأهيله للقتراض منه وادلاله عليه وذكره له وبالله التوفيق قوله ثم يبسط يديه سبحانه
[ 39 ]
وتعالى هو اشارة إلى نشر رحمته وكثرة عطائه واجباته واسباغ نعمته قوله عن الأغر أبي مسلم الأغر لقب واسمه سلمان باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح قوله ص من قام رمضان إيمانا واحتسابا معنى إيمانا تصديقا بأنه حق مقتصد فضيلته ومعنى احتسابا أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح واتفق العلماء على استحبابها واختلفوا في أن الأفضل صلاتها منفردا في بيته أم في جماعة في المسجد فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية وغيرهم الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم الأفضل فرادى في البيت لقوله ص أفضل
[ 40 ]
الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة قوله ص غفر له ما تقدم من ذنبه المعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر دون الكبائر قال بعضهم ويجوز أن يخفف من الكبائر ما لم يصادف صغيرة قوله كان رسول الله ص يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قوله من غير أن يأمرهم بعزيمة معناه لا يأمرهم أمر ايجاب وتحتيم بل أمر ندب وترغيب ثم فسره بقوله فيقول من قام رمضان وهذه الصيغة تقتضي الترغيب والندب دون الايجاب واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب قوله فتوفي رسول الله ص والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر معناه استمر الأمر هذه المدة على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا حتى انقضى صدرا من خلافة عمر ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب فصلى بهم جماعة واستمر العمل على فعلها جماعة وقد جاءت هذه الزيادة في صحيح البخاري في كتاب الصيام قوله ص من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
[ 41 ]
هذا مع الحديث المتقدم من قام رمضان قد يقال ان أحدهما يغني عن الآخر وجوابه أن يقال قيام رمضان من غير موافقة ليلة القدر ومعرفتها سبب لغفران الذنوب وقيام ليلة القدر لمن وافقها وعرفها سبب للغفران وان لم يقم غيرها قوله ص من يقم ليلة القدر فيوافقها معناه يعلم أنها ليلة القدر قوله ان رسول الله ص في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس وذكر الحديث ففيه جواز النافلة جماعة ولكن الاختيار فيها الانفراد الا في نوافل مخصوصة وهي العيد والكسوف والاستسقاء وكذا التراويح عند الجمهور كما سبق وفيه جواز النافلة في المسجد وان كان البيت أفضل ولعل النبي ص إنما فعلها في المسجد لبيان الجواز وأنه كان معتكفا وفيه جواز الاقتداء بمن لم ينو امامته وهذا صحيح على المشهور من مذهبنا ومذهب العلماء ولكن ان نوى الامام امامتهم بعد اقتدائهم حصلت فضيلة الجماعة له ولهم وان لم ينوها حصلت لهم فضيلة الجماعة ولا يصحل للإمام على الأصح لأنه لم ينوها والأعمال بالنيات وأما المأمومون فقد نووها وفيه إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة أو مصلحتان اعتبر أهمهما لأن النبي ص كان رأى الصلاة في المسجد مصلحة لما ذكرناه فلما عارضه خوف الافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي تخاف من عجزهم وتركهم
[ 42 ]
للفرض وفيه أن الإمام وكبير القوم إذا فعل شيئا خلاف ما يتوقعه أتباعه وكان له فيه عذر يذكره لهم تطييبا لقلوبهم واصلاحا لذات البين لئلا يظنوا خلاف هذا وربما ظنوا ظن السوء والله أعلم قوله فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس ثم تشهد فقال أما بعد فإنه لم يخف على شأنكم الليلة في هذه الألفاظ فوائد منها استحباب التشهد في صدر الخطبة والموعظة وفي حديث في سنن أبي داود الخطبة التي ليس فيها تشهد كاليد الجذماء ومنها استحباب قول أما بعد في الخطب وقد جاءت به أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة وقد ذكر البخاري في صحيحه بابا في البداءة في الخطبة بأما بعد وذكر فيه جملة من الأحاديث ومنها أن السنة في الخطبة والموعظة استقبال الجماعة ومنها أنه يقال
[ 43 ]
جرى الليلة كذا وان كان بعد الصبح وهكذا يقال اليلة إلى زوال الشمس وبعد الزوال يقال البارحة وقد سبقت هذه المسألة في أول الكتاب باب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال إنها ليلة سبع وعشرين فيه حديث أبي بن كعب أنه كان يحلف أنها ليلة سبع وعشرين وهذا أحد المذاهب فيها وأكثر العلماء على أنها ليلة مبهمة من العشر الأواخر من رمضان وأرجاها أوتارها وأرجاها ليلة سبع وعشرين وثلاث وعشرين واحدى وعشرين وأكثرهم أنها ليلة معينة لا تنتقل وقال المحققون إنها تنتقل فتكون في سنة ليلة سبع وعشرين وفي سنة ليلة ثلاث وسنة ليلة احدى وليلة أخرى وهذا أظهر وفيه جمع بين الأحاديث المختلفة فيها وسيأتي زيادة بسط فيها ان شاء الله تعالى في آخر كتاب الصيام حيث ذكرها مسلم قوله وأكثر علمي ضبطناه بالمثلثة وبالموحدة والمثلثة أكثر
[ 44 ]
باب صلاة النبي ص ودعائه بالليل فيه حديث ابن عباس وهو مشتمل على جمل من الفوائد وغيره قوله قام من الليل فأتى حاجته يعني الحدث قوله ثم غسل وجهه ويديه ثم قام هذا الغسل للتنظيف والتنشيط للذكر وغيره قوله فأتى القربة فأطلق شناقها بكسر الشين أي الخيط الذي تربط به في الوتد قاله أبو عبيدة وأبو عبيد وغيرهما وقيل الوكاء قوله فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أنى كنت أنتبه له هكذا ضبطناه وهكذا هو في أصول بلادنا انتبه بنون ثم منثناه فوق ثم موحدة ووقع في البخاري أبقيه بموحدة ثم قاف ومعناه أرقبه وهو معنى أنتبه له قوله فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه فيه أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام وأنه إذا وقف عن يساره يتحول إلى يمينه وأنه إذا لم يتحول حوله الإمام وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وأن صلاة الصبي صحيحة وأن له موثقا من الإمام كالبالغ وأن الجماعة في غير المكتوبات صحيحة قوله ثم اضطجع فنام حتى نفخ فقام فصلى ولم يتوضأ هذا من خصائصه ص أن نومه
[ 45 ]
مضجعا لا ينقض الوضوء لأن عينيه تنامان ولا ينام قلبه فلو خرج حدث لأحس به بخلاف غيره من الناس قوله ص اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا إلى آخره قال العلماء سأل النور في أعضائه وجهاته والمراد به بيان الحق وضياؤه والهداية إليه فسأل النور في جميع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وحالاته وجملته في جهاته الست حتى لا يزيغ شئ منها عنه قوله في هذا الحديث عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس وذكر الدعاء اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا إلى آخره قال كريب وسبعا في التابوت فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن قال العلماء معناه وذكر في الدعاء سبعا أي سبع كلمات نسيتها قالوا والمراد بالتابوت الاضلاع وما يحويه من القلب وغيره تشبيها بالتابوت الذي كالصندوق يحرز فيه المتاع أي وسبعا في قلبي ولكن نسيتها وقوله فلقيت بعض ولد العباس القائل لقيت هو سلمة بن كهيل قوله فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله ص وأهله في طولها هكذا ضبطناه عرض بفتح العين وهكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين قال ورواه الداودي بالضم وهو الجانب والصحيح الفتح والمراد بالوسادة الوسادة المعروفة التي تكون تحت الرؤس ونقل القاضي عن الباجي والأصيلي
[ 46 ]
وغيرهما أن الوسادة هنا الفراش لقوله اضطجع في طولها وهذا ضعيف أو باطل وفيه دليل على جواز نوم الرجل مع امرأته من غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وان كان مميزا قال القاضي وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث قال ابن عباس بت عند خالتي في ليلة كانت فيها حائضا قال وهذه الكلمة وان لم تصح طريقا فهي حسنة المعنى جدا إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت في ليلة النبي ص فيها حاجة إلى أهله ولا يرسله أبوه إلا إذا علم عدم حاجته إلى أهله لأنه معلوم أنه لا يفعل حاجته مع حضرة ابن عباس معهما في الوسادة مع أنه كان مراقبا لأفعال النبي ص مع أنه لم ينم أو نام قليلا جدا قوله فجعل يمسح النوم عن وجهه معناه أثر النوم وفيه استحباب هذا واستعمال المجاز قوله ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران فيه جواز القراءة للمحدث وهذا اجماع المسلمين وإنما تحرم القراءة على الجنب والحائض وفيه استحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم وفيه جواز قول سورة آل عمران وسورة البقرة وسورة النساء ونحوها وكرهه بعض المتقدمين وقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها ال عمران والتي يذكر فيها البقرة والصواب الأول وبه قال عامة العلماء من السلف والخلف وتظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة ولا لبس في ذلك قوله شن معلقة إنما أنثها على إرادة القربة وفي رواية بعد هذه شن معلق على إرادة السقاء والوعاء قال أهل اللغة الشن القربة الخلق وجمعه شنان قوله وأخذ بأذني اليمنى يفتلها قيل إنما فتلها تنبيها له من النعاس وقيل ليتنبه لهيئة الصلاة وموقف المأموم وغير ذلك والأول أظهر
[ 47 ]
لقوله في الرواية الأخرى فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني قوله فصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين حتى خرج فصلى الصبح فيه أن الأفضل في الوتر وغيره من الصلوات أن يسلم من كل ركعتين وان أوتر يكون آخره ركعة مفصولة وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبو حنيفة ركعة موصولة بركعتين كالمغرب وفيه جواز اتيان المؤذن إلى الإمام ليخرج إلى الصلاة وتخفيف سنة الصبح وأن الايتار بثلاث عشرة ركعة أكمل وفيه خلاف لأصحابنا قال بعضهم أكثر الوتر ثلاث عشرة لظاهر هذا الحديث وقال أكثرهم أكثره احدى عشرة وتأولوا حديث ابن عباس أنه ص صلى منها ركعتي سنة العشاء وهو تأويل ضعيف مباعد للحديث قوله ثم عمد إلى شجب من ماء هو بفتح الشين المعجمة واسكان الجيم قالوا وهو السقاء الخلق وهو بمعنى الرواية الأخرى شن معلقة وقيل الأشجاب الأعواد التي تعلق
[ 48 ]
عليها القربة قوله ثم اجتبى حتى اني لأسمع نفسه راقدا معناه أنه احتبى أولا ثم اضطجع كما سبق في الروايات الماضية فاحتبى ثم اضطجع حتى سمع نفخه ونفسه بفتح الفاء قوله فقمت عن يساره فأخلفني فجعلني عن يمينه معنى أخلفني أدارني من خلفه
[ 49 ]
قوله فبقيت كيف يصلي هو بفتح الباء الموحدة والقاف أي رقبت ونظرت يقال بقيت وبقوت بمعنى رقبت ورمقت قوله ثم توضأ وضوءا حسنا بين الوضوءين يعني لم يسرف ولم يقتر وكان بين ذلك قواما قوله عن أبي رشدين مولى ابن عباس هو بكسر الراء وهو كريب ومولى
[ 50 ]
ابن عباس كنى بابنه رشدين قوله عن عبد الرحمن بن سلمان الحجري هو بحاء مهملة مفتوحة ثم جيم سكانة منسوب إلى حجر رعين وهي قبيلة معروفة قوله فتحدث النبي ص =
[ 51 ]
مع أهله ساعة ثم نام فيه جواز الحديث بعد صلاة العشاء للحاجة والمصلحة والذي ثبت في حديث أنه كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها هو في حديث لا حاجة إليه ولا مصلحة فيه كما سبق بيانه في بابه قوله ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود ثم انصرف فنام حتى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات ثم أوتر بثلاث هذه الرواية فيها مخالفة لباقي الروايات في تخليل النوم بين الركعات وفي عدد الركعات فانه لم يذكر في باقي الروايات تخلل النوم وذكر الركعات ثلاث عشرة قال القاضي عياض هذه الرواية وهي رواية حصين عن حبيب بن أبي ثابت مما استدركه الدارقطني على مسلم لاضطرابها واختلاف الرواة قال الدارقطني وروى عنه على سبعة أوجه وخالف فيه الجمهور قلت ولا يقدح هذا في مسلم فإنه لم يذكر هذه الرواية متأصلة مستقلة إنما ذكرها متابعة والمتابعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الأصول كما سبق بيانه في مواضع قال القاضي ويحتمل أنه لم يعد في هذه الصلاة الركعتين الأوليين الخفيفتين اللتين كان النبي ص يستفتح صلاة الليل بهما كما صرحت الأحاديث بها في مسلم
[ 52 ]
وغيره ولهذا قال صلى ركعتين فأطال فيهما فدل على أنهما بعد الخفيفتين فتكون الخفيفتان ثم الطويلتان ثم الست المذكورات ثم ثلاث بعدها كما ذكر فصارت الجملة ثلاث عشرة كما في باقي
[ 53 ]
الروايات والله أعلم قوله في حديث زيد بن خالد ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين هكذا هو مكرر ثلاث مرات قوله فانتهينا إلى مشرعة فقال ألا تشرع يا جابر المشرعة بفتح الراء والشريعة هي الطريق إلى عبور الماء من حافة نهر أو بحر وغيره وقوله ألا تشرع بضم التاء وروى بفتحها والمشهور في الروايات الضم ولهذا قال بعده وشرعت قال أهل اللغة شرعت في النهر وأشرعت ناقتي فيه وقوله ألا تشرع معناه ألا تشرع ناقتك أو نفسك قوله فصلي في ثوب واحد خالف بين طرفيه فيه صحة الصلاة في ثوب واحد وأنه تسن المخالفة بين طرفيه على عاتقيه وسبقت المسألة في موضعها قوله فقمت خلفه فأخذ بأذني فجعلني عن يمينه هو
[ 54 ]
كحديث ابن عباس وقد سبق شرحه قوله حدثنا أبو حرة عن الحسن هو أبو حرة بضم الحاء اسمه واصل بن عبد الرحمن كان يختم القرآن في كل ليلتين قولهما كان رسول الله ص إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين وفي حديث أبي هريرة الأمر بذلك هذا دليل على استحبابه لينشط بهما لما بعدهما قوله ص أنت نور السماوات والأرض قال العلماء معناه منورهما وخالق نورهما وقال أبو عبيد معناه بنورك يهتدي أهل السموات والأرض قال الخطابي في تفسير اسمه سبحانه وتعالى النور ومعناه الذي بنوره يبصر ذو العماية وبهدايته يرشد ذو الغواية قال ومنه الله نور السموات أي منه نورهما قال ويحتمل أن يكون معناه ذو النور ولا يصح أن يكون النور صفة ذات الله تعالى وإنما هو صفة فعل أي هو خالقه وقال غيره معنى نور السموات والأرض مدبر شمسها وقمرها ونجومها قوله ص أنت قيام السموات والأرض وفي الرواية الثانية قيم قال العلماء من صفاته القيام والقيم كما صرح به هذا الحديث والقيوم بنص القرآن وقائم ومنه قوله تعالى هو قائم على كل نفس قال الهروي ويقال قوام قال ابن عباس القيوم الذي لا يزول وقال غيره هو القائم على كل شئ ومعناه مدبر أمر خلقه وهما سائغان في
[ 55 ]
تفسير الآية والحديث قوله ص أنت رب السموات والأرض ومن فيهن قال العلماء للرب ثلاث معان في اللغة السيد المطاع فشرط المربوب أن يكون ممن يعقل وإليه أشار الخطابي بقوله لا يصح أن يقال سيد الجبال والشجر قال القاضي عياض هذا الشرط فاسد بل الجميع مطيع له سبحانه وتعالى قال الله تعالى أتينا طائعين قوله ص = أنت الحق قال العلماء الحق في أسمائه سبحانه وتعالى معناه المتحقق وجوده وكل شئ صح وجوده وتحقق فهو حق ومنه الحاقه أي الكائنة حقا بغير شك ومثله قوله ص في هذا الحديث ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق أي كله متحقق لا شك فيه وقيل معناه خبرك حق وصدق وقيل أنت صاحب الحق وقيل محق الحق وقيل الاله الحق دون ما يقوله الملحدون كما قال تعالى ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وقيل في قوله ووعدك الحق أي ومعنى صدق لقاؤك حق أي البعث وقيل الموت وهذا القول باطل في هذا الموضع وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به والصواب البعث فهو الذي يقتضيه سياق الكلام وما بعده وهو الذي يرد به على الملحد لا بالموت قوله ص اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي إلى آخره معنى أسلمت استسلمت وانقدت لامرك ونهيك وبك آمنت أي صدقت بك وبكل ما أخبرت وأمرت ونهيت وإليك أنبت أي أطعت ورجعت إلى عبادتك أي أقبلت عليها وقيل معناه رجعت إليك في تدبيري أي فوضت إليك وبك خاصمت أي بما أعطيتني من البراهين والقوة خاصمت من عاند فيك وكفر بك وقمعته بالحجة وبالسيف وإليك حاكمت أي كل
[ 56 ]
من جحد الحق حاكمته إليك وجعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من صنم وكاهن ونار وشيطان وغيرها فلا أرضى الا بحكمك ولا أعتمد غيره ومعنى سؤاله ص المغفرة مع أنه مغفور له أنه يسأل ذلك تواضعا وخضوعا واشفاقا واجلالا وليقتدى به في أصل الدعاء والخضوع وحسن التضرع في هذا الدعاء المعين وفي هذا الحديث وغيره مواضبته ص في الليل على الذكر والدعاء والاعتراف لله تعالى بحقوقه والاقرار بصدقه ووعده ووعيده والبعث والجنة والنار وغير ذلك قوله ص اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والأرض قال
[ 57 ]
العلماء خصهم بالذكر وان كان الله تعالي رب كل المخلوقات كما تقرر في القرآن والسنة من نظائره من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة وكبير الشان دون ما يستحقر ويستصغر فيقال له سبحانه وتعالى رب السموات والأرض رب العرش الكريم ورب الملائكة والروح رب المشرقين ورب المغربين رب الناس مالك الناس إله الناس رب العالمين رب كل شئ رب النبيين خالق السموات والأرض فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا فكل ذلك وشبهه وصف له سبحانه بدلائل العظمة وعظيم القدرة والملك ولم يستعمل ذلك فيما يحتقر ويستصغر فلا يقال رب الحشرات وخالق القردة والخنازير وشبه ذلك على الإفراد وإنما يقال خالق المخلوقات وخالق كل شئ وحينئذ تدخل هذه في العموم والله أعلم قوله ص اهدني لما أختلف فيه من الحق معناه ثبتني عليه كقوله تعالى الصراط المستقيم قوله حدثنا يوسف الماجشون هو بكسر الجيم وضم الشين المعجمة وهو أبيض الوجه مورده لفظ أعجمي قوله وجهت وجهي أي قصدت بعبادتي للذي فطر السموات والأرض أي ابتدأ خلقها قوله حنيفا قال الأكثرون معناه مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام وأصل الحنف الميل ويكون في الخير والشر ويتصرف إلى ما تقتضيه القرينة وقيل المراد بالحنيف هنا المستقيم قاله الأزهري وآخرون وقال أبو عبيد الحنيف عند العرب من كان على دين ابراهيم ص وانتصب حنيفا على الحال أوجهت وجهي في حال حنيفيتي وقوله وما أنا من المشركين بيان للحنيف وإيضاح لمعناه والمشرك يطلق على كل
[ 58 ]
كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم قوله ان صلاتي ونسكي قال أهل اللغة النسك العبادة وأصله من النسيكة وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط والنسيكة أيضا كل ما يتقرب به إلى الله تعالى قوله ومحياي ومماتي أي حياتي وموتي ويجوز فتح الياء فيهما واسكانها والأكثرون على فتح ياء محياي واسكان مماتي قوله لله قال العلماء هذه لام الاضافة ولها معنيان الملك والاختصاص وكلاهما مراد قوله رب العالمين في معنى رب أربعة أقوال حكاها الماوردي وغيره المالك والسيد والمدبر والمربي فإن وصف الله تعالى برب لانه مالك أو سيد فهو من صفات الذا ت وان وصف لأنه مدبر خلقه ومربيهم فهو من صفات فعله ومتى دخلته الالف واللام فقيل الرب اختص بالله تعالى وإذا حذفتا جاز اطلاقه على غيره فيقال رب المال ورب الدار ونحو ذلك والعالمون جمع عالم وليس للعالم واحد من لفظه واختلف العلماء في حقيقته فقال المتكلمون من أصحابنا وغيرهم وجماعة من المفسرين وغيرهم العالم كل المخلوقات وقال جماعة هم الملائكة والجن والانس وزاد أبو عبيدة والفراء الشياطين وقيل بنو آدم خاصة قاله الحسين بن الفضل وأبو معاذ النحوي وقال الآخرون هو الدنيا وما فيها ثم قيل هو مشتق من العلامة لأن كل مخلوق علامة على وجود صانعه وقيل من العلم فعلى هذا يختص بالعقلاء قوله اللهم أنت الملك أي القادر على كل شئ المالك الحقيقي لجميع المخلوقات قوله وأنا عبدك أي معترف بأنك مالكي ومدبري وحكمك نافذ في قوله ظلمت نفسي أي اعترفت بالتقصير قدمه على سؤالي المغفرة أدبا كما قال آدم وحواء ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين قوه اهدني لأحسن الأخلاق أي ارشدني لصوابها ووفقني للتخلق به قوله واصرف عن سيئها أي قبيحها قوله لبيك قال العلماء معناه أنا مقيم على طاعتك
[ 59 ]
إقامة بعد إقامة يقال لب بالمكان لبا وألب الباب أي أقام به وأصل لبيك لبين فحذفت النون للإضافة قوله وسعديك قال الأزهري وغيره معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة قوله والخير كله في يديك والشر ليس إليك قال الخطابي وغيره فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب وأما قوله والشر ليس إليك فيما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها وحينئذ يجب تأويله وفيه خمسة أقوال أحدها معناه لا يتقرب به إليك قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شميل واسحق بن راهويه ويحيى ابن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم والثاني حكاه الشيخ أبو حامد عن المزني وقاله غيره أيضا معناه لا يضاف إليك على إنفراده لا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر ونحو هذا وان كان خالق كل شئ ورب كل شئ وحينئذ يدخل الشر في العموم والثالث معناه والشر لا يصعد إليك إنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح والرابع معناه والشر ليس شرا بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين والخامس حكاه الخطابي أنه كقولك فلان إلى بني قلان إذا كان عداده فيهم أو صفوه إليهم قوله أنا بك وإليك أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك قوله تباركت أي استحققت الثناء وقيل ثبت الخير عندك وقال ابن الأنباري تبارك العباد بتوحيدك والله أعلم قوله ملء السموات وملء الأرض هو بكسر الميم وبنصب الهمزة بعد اللام ورفعها واختلف في الراجح منهما والأشهر النصب وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات بدلائله مضافا إلى قائليه ومعناه حمدا لو كان
[ 60 ]
أجساما لملأ السموات والأرض لعظمه قوله سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه فيه دليل لمذهب الزهري أن الأذنين من الوجه وقال جماعة من العلماء هما من الرأس وآخرون أعلاهما من الرأس وأسفلهما من الوجه وقال آخرون ما أقبل على الوجه فمن الوجه وما أدبر فمن الرأس وقال الشافعي والجمهور هما عضوان مستقلان لا من الرأس ولا من الوجه بل يطهران بماء مستقل ومسحهما سنة خلافا للشيعة وأجاب الجمهور عن احتجاج الزهري بجوابين أحدهما أن المراد بالوجه جملة الذات كقوله تعالى شئ هالك الا وجهه ويؤيد هذا أن السجود يقع بأعضاء أخر مع الوجه والثاني أن الشئ يضاف إلى ما يجاوره كما يقال بساتين البلد والله أعلم قوله أحسن الخالقين أي المقدرين والمصورين قوله أنت المقدم وأنت المؤخر معناه تقدم من شئت بطاعتك وغيرها وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك وتعز من تشاء وتذل من تشاء وفي هذا الحديث استحباب دعاء الافتتاح بما في هذا الحديث إلا أن يكون إمام لقوم لا يؤثرون التطويل وفيه استحباب الذكر في الركوع والسجود والاعتدال والدعاء قبل السلام قوله وأنا أول المسلمين أي من هذه الأمة وفي الرواية الأولى وأنا من المسلمين
[ 61 ]
استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل فيه حديث حذيفة وحديث ابن مسعود وقوله حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد ابن الأحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة هذا الاسناد فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم الأعمش والثلاثة بعده قوله صليت وراء النبي ص ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح إلى آخره قوله فقلت يصلي بها في ركعة معناه ظننت أنه يسلم بها فيقسمها على ركعتين وأراد بالركعة الصلاة بكمالها وهي ركعتان ولا بد من هذا التأويل فينتظم الكلام بعد وعلى هذا فقوله ثم مضى معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظني أنه لا يركع الركعة الأولى إلا في آخر البقرة فحينئذ قلت يركع الركعة الأولى بها فجاوز وافتتح النساء وقوله ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران قال القاضي عياض فيه دليل لمن يقول أن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف وأنه
[ 62 ]
لم يكن ذلك من ترتيب النبي ص بل وكله إلى أمته بعده قال وهذا قول مالك وجمهور العلماء واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني قال ابن الباقلاني هو أصح القولين مع احتمالهما قال والذي نقوله أن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التلقين والتعليم وأنه لم يكن من النبي ص في ذلك نص ولا حد تحرم مخالفته ولذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان قال واستجاز النبي ص والأمة بعده في جميع الأعصار ترك ترتيب السور في الصلاة والدرس والتلقين قال وأما على قول من يقول من أهل العلم أن ذلك بتوقيف من النبي ص حدده لهم كما استقر في مصحف عثمان وإنما اختلف المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف والعرض الأخير فيتأول قراءته ص النساء أولا ثم آل عمران هنا على أنه كان قبل التوقيف والترتيب وكانت هاتان السورتان هكذا في مصحف أبي قال ولا خلاف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى وإنما يكره ذلك ي ركعة ولمن يتلو في غير صلاة قال وقد أباحه بعضهم وتأول نهى السلف عن قراءة القرآن منكوسا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها قال ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالى على ما هي عليه الآن في المصحف وهكذا نقلته الأمة عن نبيها ص هذا آخر كلام القاضي عياض والله أعلم قوله يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل و إذا مر بتعوذ تعوذ فيه استحباب هذه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها ومذهبنا استحبابه للإمام والمأموم والمنفرد قوله ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم وقال في السجود سبحان ربي الأعلى فيه استحباب تكرير سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود وهو مذهبنا ومذهب الأوزاعي وأبي حنيفة والكوفيين وأحمد والجمهور وقال مالك لا يتعين ذكر الاستحباب قوله ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد هذا فيه دليل
[ 63 ]
لجواز تطويل الاعتدال عن الركوع وأصحابنا يقولون لا يجوز ويبطلون به الصلاة قوله حدثنا عثمان بن أبي شيبة واسحق بن ابراهيم عن جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله يعني ابن مسعود هذا الإسناد كله كوفيون إلا إسحق قوله صليت مع رسول الله ص فأطال حتى هممت بأمر سوء ثم قال هممت بأن أجلس وأدعه فيه أنه ينبغي الأدب مع الأئمة والكبار وأن لا يخالفوا بفعل ولا قول ما لم يكن حراما واتفق العلماء على أنه إذا شق على المقتدى في فريضة أو نافلة القيام وعجز عنه جاز له القعود وإنما لم يقعد ابن مسعود للتأدب مع النبي ص وفيه جواز الاقتداء في غير المكتوبات وفيه استحباب تطويل صلاة الليل باب الحث على صلاة الوقت وان قلت قوله حدثنا عثمان بن أبي شيبة واسحق عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله يعني ابن مسعود هذا الاسناد كله كوفيون إلا إسحق قوله ذكر عند النبي ص رجل
[ 64 ]
نام ليلة حتى أصبح قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنه أو قال في أذنيه اختلفوا في معناه فقال ابن قتيبة معناه أفسده يقال بال في كذا إذا أفسده وقال المهلب والطحاوي وآخرون هو استعارة وإشارة إلى إنقياده للشيطان وتحكمه فيه وعقده على قافية رأسه عليك ليل طويل وإذلاله له وقيل معناه استخف به واحتقره واستعلى عليه يقال لمن استخف بإنسان وخدعه بال في أذنه وأصل ذلك في دابة تفعل ذلك بالأسد اذلالا له وقال الحربي معناه ظهر عليه وسخر منه قال القاضي عياض ولا يبعد أن يكون على ظاهره قال وخص الأذن لأنها حاسة الانتباه قوله حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن عقيل عن الزهري عن علي بن حسين أن الحسين بن على حدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هكذا ضبطناه أن الحسين بن علي بضم الحاء على التصغير وكذا في جميع نسخ بلادنا التي رأيتها مع كثرتها وذكره الدارقطني في كتاب الاستدراكات وقال أنه وقع في رواية مسلم أن الحسن بفتح الحاء على التكبير قال الدارقطني كذا رواه مسلم عن قتيبة ان الحسن بن علي وتابعه على ذلك ابراهيم بن نصر النهاوندي والجعفي وخالفهم النسائي والسراج وموسى بن هرون فرووه عن قتيبة أن الحسين يعني بالتصغير قال ورواه أبو صالح وحمزة بن زياد والوليد بن صالح عن ليث فقالوا فيه الحسن وقال يونس المؤدب وأبو النضر وغيرهما عن ليث الحسين يعني بالتصغير قال وكذلك قال أصحاب الزهري منهم صالح بن كيسان وابن أبي عقيق وابن جريج واسحاق بن راشد وزيد بن أبي أنيسة وشعيب وحكيم بن حكم ويحيى بن أبي أنيسة وعقيل من رواية ابن لهيعة عنه وعبد الرحمن بن اسحاق وعبيد الله بن أبي زياد وغيرهم وأما معمر فأرسله عن الزهري عن علي بن حسين وقول من قال عن ليث الحسن بن علي وهم يعني من قاله بالتكبير فقد غلط هذا كلام الدارقطني وحاصله أنه يقول ان الصواب من رواية ليث الحسين بالتصغير وقد بينا أنه الموجود في روايات بلادنا والله أعلم قوله طرقه وفاطمة أي أتاهما
[ 65 ]
في الليل قوله سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول وكان الإنسان أكثر شئ جدلا المختار في معناه أنه تعجب من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الإعتذار بهذا ولهذا ضرب فخذه وقيل قاله تسليما لعذرهما وأنه لا عتب عليهما وفي هذا الحديث الحث على صلاة الليل وأمر الإنسان صاحبه بها وتعهد الإمام والكبير رعيته بالنظر في مصالح دينهم ودنياهم وأنه ينبغي للناصح إذا لم يقبل نصيحته أو اعتذر إليه بما لا يرتضيه أن ينكف ولا يعنف إلا لمصلحة قوله طرقه وفاطمة فقالوا ألا تصلون هكذا هو في الأصول تصلون وجمع الاثنين صحيح لكن هل هو حقيقة أو مجاز فيه الخلاف المشهور الأكثرون على أنه مجاز وقال آخرون حقيقة قوله ص يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم عقد القافية آخر الرأس وقافية كل شئ آخره ومنه قافية الشعر قوله عليك ليلا طويلا هكذا هو في معظم نسخ بلادنا بصحيح مسلم وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين عليك ليلا طويلا بالنصب على الاغراء ورواه بعضهم عليك ليل طويل بالرفع أي بقي عليك ليل طويل واختلف العلماء في هذه العقد فقيل هو عقد حقيقي بمعنى عقد السحر للإنسان ومنعه من القيام قال الله تعالى شر النفاثات في العقد فعلى هذا هو قول يقوله يؤثر في تثبيط النائم كتأثير السحر وقيل يحتمل أن يكون فعلا يفعله كفعل النفاثات في العقد وقيل هو من عقد القلب وتصميمه فكأنه يوسوس في نفسه ويحدث بأن عليك ليلا طويلا فتأخر عن القيام وقيل هو مجاز كنى به عن تثبيط الشيطان عن قيام الليل قوله ص فإذا
[ 66 ]
استيقظ فذكر الله عز وجل انحلت عقدة وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان فإذا صلى انحلت العقد فاصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان فيه فوائد منها الحث على ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ وجاءت فيه أذكار مخصوصة مشهورة في الصحيح وقد جمعتها وما يتعلق بها في باب من كتاب الاذكار ولا يتعين لهذه الفضيلة ذكر لكن الاذكار المأثورة فيه أفضل ومنها التحريض على الوضوء حينئذ وعلى الصلاة وان قلت وقوله ص وإذا توضأ انحلت عقدتان معناه تمام عقدتين أي انحلت عقدة ثانية وتم بها عقدتان وهو بمعنى قول الله تعالى قال أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين إلى قوله أربعة أيام أي في تمام أربعة ومعناه في يومين آخرين تمت الجملة بهما أربعة أيام ومثله في الحديث الصحيح من صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى توضع في القبر فقيراطان هذا لفظ احدى روايات مسلم وروى البخاري ومسلم من طرق كثيرة بمعناه والمراد قيراطان بالأول ومعناه أن بالصلاة يحصل قيراط وبالاتباع قيراط آخر يتم به الجملة قيراطان ودليل أن الجملة قيراطان رواية مسلم في صحيح من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من الأجر كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد وفي رواية للبخاري في أول صحيحه من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط وهذه الألفاظ كلها من رواية أبي هريرة ومثله في صحيح مسلم من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله وقد سبق بيانه في موضعه وقوله ص فأصبح نشيطا طيب النفس معناه لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة ووعده به من ثوابه مع ما يبارك له في نفسه وتصرفه في كل أموره مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه
[ 67 ]
وقوله ص وإلا أصبح خبيث النفس كسلان معناه لما عليه من عقد الشيطان وآثار تثبيطه واستيلائه مع أنه لم يزل ذلك عنه وظاهر الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة وهي الذكر والوضوء والصلاة فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان وليس في هذا الحديث مخالفة لقوله ص لا يقل أحدكم خبثت نفسي فان ذلك نهى للإنسان أن يقول هذا اللفظ عن نفسه وهذا اخبار عن صفة غيره واعلم أن البخاري بوب لهذا الحديث باب عقد الشيطان على رأس من لم يصل فأنكر عليه المازري وقال الذي في الحديث أنه يعقد قافية رأسه وان صلى بعده وإنما ينحل عقده بالذكر والوضوء والصلاة قال ويتأول كلام البخاري أنه أراد أن استدامة العقد إنما تكون على من ترك الصلاة وجعل من صلى وانحلت عقده كمن لم يعقد عليه لزوال أثره باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد وسواء في هذا الراتبة وغيرها إلا الشعائر الظاهرة وهي العيد والكسوف والاستسقاء والتراويح وكذا ما لا يتأتى في غير المسجد كتحية المسجد ويندب كونه في المسجد هي ركعتا الطواف قوله ص اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا معناه صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة والمراد به صلاة النافلة أي صلوا النوافل في بيوتكم وقال القاضي عياض قيل هذا في الفريضة ومعناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدى بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وعبيد ومريض ونحوهم قال وقال الجمهور بل هو في النافلة لاخفائها وللحديث الآخر أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة قلت الصواب أن المراد النافلة وجميع أحاديث الباب تقتضيه ولا يجوز حمله على الفريضة وإن حث على النافلة
[ 68 ]
في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء وأصون من المحبطات وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان كما جاء في الحديث الآخر وهو معنى قوله ص في الرواية الأخرى فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا قوله بريد عن أبي بردة قد سبق مرات أن بريدا بضم الموحدة قوله ص مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت فيه الندب إلى ذكر الله تعالى في البيت وأنه لا يخلي من الذكر وفيه جواز التمثيل وفيه أن طول العمر في الطاعة فضيلة وان كان الميت ينتقل إلى خير لأن الحي يستلحق به ويزيد عليه بما يفعله من الطاعات قوله ص سورة البقرة دليل على جوازه بلا كراهة وأما من كره قول سورة البقرة ونحوها فغالط وسبقت
[ 69 ]
المسألة وسنعيدها قريبا ان شاء الله تعالى في أبواب فضائل القرآن قوله ص ان الشيطان ينفر من البيت هكذا ضبطه الجمهور ينفر ورواه بعض رواة مسلم يفر وكلاهما صحيح قوله احتجر رسول الله ص حجيرة بخصفة أو حصير فصلى فيها فالحجيرة بضم الحاء تصغير حجرة والخصفة والحصير بمعنى شك الراوي في المذكورة منهما ومعنى احتجر حجرة أي حوط موضعا من المسجد بحصير ليستره ليصلي فيه ولا يمر بين يديه مار ولا يتهوش بغيره ويتوفر خشوعه وفراغ قلبه وفيه جواز مثل هذا إذا لم يكن فيه تضييق على المصلين ونحوهم ولم تخذه دائما لأن النبي ص كان يحتجرها بالليل يصلي فيها وينحتها بالنهار ويبسطها كما ذكره مسلم في الرواية التي بعد هذه ثم تركه النبي ص بالليل والنهار وعاد إلى الصلاة في البيوت وفيه جواز النافلة في المسجد وفيه جواز الجماعة في غير المكتوبة وجواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة وفيه ترك بعض المصالح لخوف مفسدة أعظم من ذلك وفيه بيان ما كان النبي ص = عليه من الشفقة على أمته ومراعاة مصالحهم وأنه ينبغي لولاة الأمور وكبار الناس والمتبوعين في علم وغيره الاقتداء به ص في ذلك قوله فتتبع إليه رجال هكذا ضبطناه وكذا هو النسخ وأصل التتبع الطلب ومعناه هنا طلبوا موضعه واجتمعوا إليه قوله وحصبوا الباب أي رموه بالحصباء وهي الحصى الصغار تنبيها له وظنوا
[ 70 ]
أنه نسي قوله ص فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة هذا عام في جميع النوافل المرتبة مع الفارئض المطلقة إلا في النوافل التي هي من شعائر الإسلام وهي العيد والكسوف والاستسقاء وكذا التراويح على الأصح فإنها مشروعة في جماعة في المسجد والاستسقاء في الصحراء وكذا العيد إذا ضاق المسجد والله أعلم قوله وكان يحجره من الليل ويبسطه بالنهار وهكذا ضبطناه يحجر بضم الياء وفتح الحاء وكسر الجيم المشددة أي يتخذه حجرة كما في الرواية الأخرى وفيه إشارة إلى ما كان عليه رسول الله ص من الزهادة في الدنيا والاعراض عنها والاثراء من متاعها بما لا بد منه قوله فثابوا ذات ليلة أي اجتمعوا وقيل رجعوا للصلاة باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره والأمر بالاقتصاد في العبادة وهوأن يأخذ منها ما يطيق الدوام عليه وأمر من كان في صلاة فتركها ولحقه ملل ونحوه بأن يتركها حتى يزول ذلك قوله ص عليكم من الأعمال ما تطيقون أي تطيقون الدوام عليه
[ 71 ]
بلا ضرر وفيه دليل على الحث على الاقتصاد في العبادة واجتناب التعمق وليس الحديث مختصا بالصلاة بل هو عام في جميع أعمال البر قوله ص فإن الله لا يمل حتى تملوا هو بفتح الميم فيهما وفي الرواية الأخرى لا يسأم حتى تسأموا وهما بمعنى قال العلماء الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويل الحديث قال المحققون معناه لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم وقيل معناه لا يمل إذا مللتم وقاله ابن قتيبة وغيره وحكاه الخطابي وغيره وأنشدوا فيه شعرا قالوا ومثاله قولهم في البليغ فلان لا ينقطع حتى يقطع خصومه معناه لا ينقطع إذا انقطع خصومه ولو كان معناه ينقطع إذا انقطع خصومه لم يكن له فضل على غيره وفي هذا الحديث كمال شفقته ص ورأفته بأمته لأنه أرشده إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر فتكون النفس أنشط والقلب منشرحا فتتم العبادة بخلاف من تعاطى من الأعمال ما يشق فإنه بصدد أن يتركه أو بعضه أو يفعله بكلفة وبغير انشراح القلب فيفوته خير عظيم وقد ذم الله سبحانه وتعالى من اعتاد عبادة ثم أفرط فقال تعالى ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها وقد ندم عبد الله بن عمرو بن العاص على تركه قبول رخصة رسول الله ص في تخفيف العبادة ومجانبة التشديد قوله ص وان أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وان قل هكذا ضبطناه دووم عليه وكذا هو في معظم النسخ دووم بواوين ووقع في بعضها دوم بواو واحدة والصواب الأول وفيه الحث على المداومة على العمل وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع وإنما كان القليل الدائم خيرا من الكثير المنقطع لان بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والاخلاص والاقبال على الخالق سبحانه وتعالى ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة
[ 72 ]
قوله وكان آل محمد ص إذا عملوا عملا أثبتوه أي لازموه وداوموا عليه والظاهر أن المراد بالآل هنا أهل بيته وخواصه ص من أزواجه وقرابته ونحوهم قولها كان عمله ديمة هو بكسر الدال واسكان الياء أي يدوم عليه ولا يقطعه قوله في الحبل الممدود بين ساريتين
[ 73 ]
لزينب تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به فقال حلوه يصلي أحدكم نشاطه كسلت بكسر السين وفيه الحث على الاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق والأمر بالإقبال عليها بنشاط وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور وفيه إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه وفيه جواز التنفل في المسجد فإنها كانت تصلي النافلة فيه فلم ينكر عليها قوله الحولاء بنت تويت هو بتاء مثناة فوق في أوله وآخره قوله وزعموا أنها لا تنام الليل فقال رسول الله ص لا تنام الليل خذوا من العمل ما تطيقون أراد ص بقوله لا تنام الليل الانكار عليها وكراهة فعلها وتشديدها على نفسها ويوضحه أن في موطأ مالك قال في هذا الحديث وكره ذلك حتى عرفت الكراهة في وجهه وفي هذا دليل لمذهبنا ومذهب جماعة أو الأكثرين أن صلاة جميع الليل مكروهة وعن جماعة من السلف أنه لا بأس به وهو رواية عن مالك إذا لم ينم عن الصبح
[ 74 ]
أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك قوله ص إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم إلى آخره نعس بفتح العين وفيه الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط وفيه أمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس وهذا عام في صلاة الفرض والنفل في الليل والنهار وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور لكن لا يخرج فريضة عن وقتها قال القاضي وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالبا قوله ص فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه قال القاضي معنى يستغفر هنا يدعو قوله ص فاستعجم
[ 75 ]
عليه القرآن أي استغلق ولم ينطلق به لسانه لغلبة النعاس باب فضائل القرآن وما يتعلق به باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها قوله سمع النبي ص رجلا يقرأ من الليل فقال يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا وفي رواية كان النبي ص يستمع قراءة رجل في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أنسيتها وفي الحديث الذي بعد هذا
[ 76 ]
بئسما لأحدهم يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي في هذه الألفاظ فوائد منها جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحدا ولا تعرض للرياء والإعجاب ونحو ذلك وفيه الدعاء لمن أصاب الإنسان من جهته خيرا وان لم يقصده ذلك الإنسان وفيه أن الاستماع للقراءة سنة وفيه جواز قول سورة كذا كسورة البقرة ونحوها ولا التفات إلى من خالف في ذلك فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على استعماله وفيه كراهة قول نسيت آية كذا وهي كراهة تنزيه وأنه لا يكره قول أنسيتها وإنما نهى عن نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها وقد قال الله تعالى أتتكءاتينا فنسيتها وقال القاضي عياض أولى ما يتأول عليه الحديث أن معناه ذم الحال لا ذم القول أي نسيت الحالة حالة من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه وقوله ص بل هو نسي ضبطناه بتشديد السين وقال القاضي ضبطناه بالتشديد والتخفيف قوله ص كنت إنسيتها دليل على جواز النسيان عليه ص فيما قدبلغه إلى الأمة وقد تقدم في باب سجود السهو الكلام فيما يجوز من السهو عليه ص وما لا يجوز قال القاضي عياض رحمه الله جمهور المحققين جواز النسيان عليه ص ابتداء فيما ليس
[ 77 ]
طريقه البلاغ وأختلفوا فيما طريقة البلاغ والتعليم ولكن من جوز قال لا يقر عليه بل لابد أن يتذكره أو يذكره واختلفوا هل من شروط ذلك الفور أم يصح على التراخي قبل وفاته ص قال وأما نسيان ما بلغه في هذا الحديث فيجوز قال وقد سبق بيان سهوه في الصلاة قال وقال بعض الصوفية ومتابعيهم لا يجوز السهو عليه أصلا في شئ وإنما يقع منه صورته ليس إلا وهذا تناقض مردود ولم يقل بهذا أحد ممن يقتدى به إلا الأستاذ أبو الظفر الاسفرايني من شيوخنا فإنه مال إليه ورجحه وهو ضعيف متناقض قوله ص إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة إلى آخره فيه الحث على تعاهد القرآن وتلاوته والحذر من تعريضه للنسيان قال القاضي ومعنى صاحب القرآن أي الذي ألفه والمصاحبة المؤالفة ومنه فلان صاحب فلان وأصحا ب الجنة وأصحاب النار وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي وأصحاب الصفة وأصحاب ابل وغنم وصاحب كنز وصاحب عبادة قوله ص آية كيت وكيت أي آية كذا وكذا وهو بفتح التاء على المشهور وحكى الجوهري فتحها وكسرها عن أبي عبيدة قوله استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم بعقلها قال أهل اللغة التفصي الانفصال وهو بمعنى الرواية الأخرى أشد تفلتا النعم أصلها الابل والبقر والغنم والمراد هنا الابل خاصة لأنها التي تعقل والعقل بضم العين والقاف ويجوز اسكان القاف وهو كنظائره وهو جمع عقال ككتاب وكتب والنعم تذكر وتؤنث ووقع في هذه الروايات بعقلها وفي الرواية الثانية من عقله وفي الثالثة في عقلها وكله صحيح والمراد برواية الباء من كما في قوله الله تعالى يشرب بها عباد الله على أحد القولين في معناها وقوله في هذه الرواية عقله بتذكير النعم وهو صحيح كما ذكرناه
[ 78 ]
باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن قوله ص ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن هو بكسر الذال قال العلماء معنى أذن في اللغة الاستماع ومنه قوله تعالى غير لربها قالوا ولا يجوز أن تحمل هنا على الاستماع بمعنى الاصغاء فإنه يستحيل على الله تعالى بل هو مجاز ومعناه الكناية عن تقريبه القارئ واجزال ثوابه لأن سماع الله تعالى لا يختلف فوجب تأويله وقوله يتغنى بالقرآن معناه عند الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء من الطوائف وأصحاب الفنون يحسن صوته به وعند سفيان بن عيينة يستغني به قيل يستغني به عن الناس وقيل عن غيره من الأحاديث والكتب قال القاضي عياض القولان منقولان عن ابن عيينة قال يقال تغنيت وتغانيت بمعنى
[ 79 ]
استغنيت وقال الشافعي وموافقوه معناه تحزين القراءة وترقيقها واستدلوا بالحديث الآخر زينوا القرآن بأصواتكم قال الهروي معنى يتغنى به يجهر به وأنكر أبو جعفر الطبري تفسير من قال يستغني به وخطأه من حيث اللغة والمعنى والخلاف جار في الحديث الآخر ليس منا من لم يتغن بالقرآن والصحيح أنه من تحسين الصوت ويؤيده الرواية الأخرى يتغنى بالقرآن يجهر به قوله في رواية حرملة كما يأذن لنبي هو بفتح الذال قوله حدثنا هقل بكسر الهاء واسكان القاف قوله كأذنه هو بفتح الهمزة والذال وهو مصدر أذن يأذن أذنا كفرح يفرح فرحا قوله غير أن ابن أيوب قال في روايته كاذنه هكذا هو في رواية ابن أيوب بكسر
[ 80 ]
الهمزة واسكان الذال قال القاضي هو على هذه الرواية بمعنى الحث على ذلك والأمر به قوله ص في أبي موسى الأشعري أعطى مزمارا من مزامير آل داود قال العلماء المراد بالمزمار هنا الصوت الحسن وأصل الزمر الغناء وآل داود هود داود نفسه وأل فلان قد يطلق على نفسه وكان داود ص حسن الصوت جدا قوله ص لأبي موسى لو رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود وفي الحديث الذي بعده أن النبي ص قرأ ورجع في قراءته قال القاضي أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها قال أبو عبيد والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على التحزين والتشويق قال واختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم وأبحاهما أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية واقبال النفوس على إستماعه قلت قال الشافعي في موضع أكره القراءة بالألحان وقال في موضع لا أكرهها قال أصحابنا ليس له فيها خلاف وإنما هو اختلاف حالين فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص أو مد غير ممدود وادغام ما لا يجوز إدغامه ونحو ذلك وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغير لموضوع الكلام والله أعلم
[ 81 ]
باب نزول السكينة لقراءة القرآن قوله وعنده فرس مربوط بشطنين هو بفتح الشين المعجمة والطاء وهما تثنية شطن وهو الحبل الطويل المضطرب قوله وجعل فرسه ينفر وفي الرواية الثانية فجعلت تنفر وفي الثالثة غير أنهما قالا ينقز أما الأوليان فبالفاء والراء بلا خلاف وأما الثالثة فبالقاف المضمومة وبالزاي
[ 82 ]
هذا هو المشهور ووقع في بعض نسخ بلادنا في الثالثة ينفز بالفاء والزاي وحكاه القاضي عياض عن بعضهم وغلطه ومعنى ينقز بالقاف والزاي يثب قوله فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو فقال النبي ص تلك السكينة نزلت للقرآن وفي الرواية الاخيرة تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم قد قيل في معنى السكينة هنا أشياء المختار منها أنها شئ من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة والله أعلم وفي هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة الملائكة وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة وفيه فضيلة استماع القرآن قوله ص اقرأ فلان وفي الرواية الأخرى اقرأ ثلاث مرات معناه كان ينبغي أن تستمر على القرآن وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة وتستكثر من القراءة التي هي سبب بقائها قوله أن عبد الله ابن خباب حدثه هو بالخاء المعجمة قوله أسيد بن حضير هو بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة
[ 83 ]
قوله بينما هو قد سبق أن معناه بين أوقاته قوله في مربده هو بكسر الميم وفتح الموحدة وهو الموضع الذي ييبس فيه التمر كالبيدر للحنطة ونحوها قوله جالت فرسه أي وثبت وقال هنا جالت فأنث الفرس وفي الرواية السابقة وعنده فرس مربوط فذكره وهما صحيحان والفرس يقع على الذكر والأنثى باب فضيلة حافظ القرآن قوله ص مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن إلى آخره ففيه فضيلة حافظ القرآن
[ 84 ]
واستحباب ضرب الأمثال لايضاح المقاصد قوله ص الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو علبه شاق له أجران وفي الرواية الأخرى وهو يشتد عليه له أجران السفرة جميع سافر ككاتب وكتبة والسافر الرسول والسفرة الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله وقيل السفرة الكتبة والبررة المطيعون من البر وهو الطاعة والماهر الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة بجودة حفظه واتقانه قال القاضي يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى قال ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم
[ 85 ]
وسالك مسلكهم وأما الذي يتتعتع فيه فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران أجر بالقراءة وأجر بتتعته في تلاوته ومشقته قال القاضي وغيره من العلماء وليس معناه الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به بل الماهر أفضل وأكثر أجرا لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة ولم يذكر هذه المنزلة لغيره وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه واتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه والله أعلم باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه وان كان القارئ أفضل من المقروء عليه قال مسلم حدثنا هداب بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله ص قال لأبي ان الله أمرني أن أقرأ عليك قال آلله سماني لك قال الله سماك لي فجعل أبي يبكي قال مسلم حدثنا محمد بن المثني وابن بشار قال محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس قال قال رسول الله ص لأبي بن كعب ان الله أمرني أن أقرأ عليك يكن الذين كفرواقال وسماني لك قال نعم قال فبكى قال مسلم حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد يعني
[ 86 ]
ابن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا يقول قال رسول الله ص لأبي بمثله هذه الأسانيد الثلاثة رواتها كلهم بصريون وهذا من المستطرفات أن يجتمع ثلاثة أسانيد متصلة مسلسلون بغير قصد وقد سبق بيان مثله وشعبة واسطي بصرى سبق بيانه مرات وفي الطريق الثالث فائدة حسنة وهي أن قتادة صرح بالسماع من أنس بخلاف الأوليين وقتادة مدلس فينتفي أن يخاف من تدليسه بتصريحه بالسماع وقد سبق التنبيه على مثل هذا مرات وفي الحديث فوائد كثيرة منها استحباب قراءة القرآن على الحذاق فيه وأهل العلم به والفضل وان كان القارئ أفضل من المقروء عليه ومنها المنقبة الشريفة لأبي بقراءة النبي ص = عليه ولا يعلم أحد من الناس شاركه في هذا ومنها منقبة أخرى له بذكر الله تعالى له ونصه عليه في هذه المنزلة الرفيعة ومنها البكاء للسرور والفرح مما يبشر الإنسان به ويعطاه من معالي الأمور وأما قوله آلله سماني لك فيه أنه يجوز أن يكون الله تعالى أمر النبي ص يقرأ على رجل من أمته ولم ينص على أبي فأراد أبي أن يتحقق هل نص عليه أو قال على رجل فيؤخذ منه الاستثبات في المحتملات واختلفوا في الحكمة في قراءته ص على أبي والمختار أن سببها أن تستن الأمة بذلك في القراءة على أهل الاتقان والفضل ويتعلموا آداب القراءة ولا يأنف أحد من ذلك وقيل للتنبيه على جلالة أبي وأهليته لأخذ القرآن عنه وكان بعده ص رأسا وإمام في اقراء القرآن وهو أجل ناشرته أو من أجلهم ويتضمن معجزة لرسول الله ص وأما تخصيص هذه السورة فلانها وجيزة جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين وفروعه ومهماته والاخلاص وتطهير القلوب وكان الوقت يقتضي الاختصار والله أعلم باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه للاستماع والبكاء عن القراءة والتدبر قال مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب جميعا عن حفص قال أبو بكر حدثنا حفص بن
[ 87 ]
غياث عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال قال لي رسول الله ص اقرأ علي القرآن إلى آخره قال مسلم حدثنا هناد بن السري ومنجاب بن الحارث عن علي بن مسهر عن الأعمش بهذا قال مسلم وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال أبو أسامة حدثني مسعر عن عمرو بن مرة عن ابراهيم قال مسلم حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن
[ 88 ]
إبراهيم عن علقمة عن عبد الله هذه الأسانيد الأربعة كلهم كوفيون وهو من الطرق المستحسنة وجرير رازي كوفي وفيه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض الأعمش وابراهيم النخعي وعبيدة السلماني بفتح العين وكسر الباء وأيضا الأعمش وابراهيم وعلقمة وفي حديث ابن مسعود هذا فوائد منها استحباب استماع القراءة والاصغاء لها والبكاء عندها وتدبرها واستحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه وفيه تواضع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم قوله ان ابن مسعود وجد من الرجل ريح الخمر فحده هذا محمول على أن ابن مسعود كان له ولاية إقامة الحدود لكونه نائبا للإمام عموما أو في إقامة الحدود أو في تلك الناحية أو استأذن من له إقامة الحد هناك في ذلك ففوضه إليه ويحمل أيضا على أن الرجل اعترف بشرب خمر بلا عذر وإلا فلا يجب الحد بمجرد ريحها لاحتمال النسيان والاشتباه والإكراه وغير ذلك هذا مذهبنا ومذهب آخرين قوله وتكذب بالكتاب معناه تنكر بعضه جاهلا وليس المراد التكذيب الحقيقي فإنه لو كذب حقيقة لكفر وصار مرتدا يجب قتله وقد أجمعوا على أن من جحد حرفا مجمعا عليه في القرآن فهو كافر تجري عليه أحكام المردتين والله أعلم
[ 89 ]
فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه الخلفات بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الحوامل من الابل إلى أن يمضي عليها نصف أمدها ثم هي عشار والواحدة خلفه وعشراء قوله ص يغدو كل يوم إلى بطحان هو بضم الباء واسكان الطاء موضع بقرب المدينة والكوما من الابل بفتح الكاف العظيمة السنامم باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة قوله ص اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران قالوا سميتا الزهراوين
[ 90 ]
لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما وفيه جواز قول سورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة وشبهها ولا كراهة في ذلك وكرهه بعض المتقدمين وقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها آل عمران والصواب الأول وبه قال الجمهور لأن المعنى معلوم قوله ص فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان قال أهل اللغة الغمامة والغياية كل شئ أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة وغبرة وغيرهما قال العلماء المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين قوله ص أو كأنما فرقان من طير صواف وفي الرواية الأخرى كأنهما حزقان من طير صاف الفرقان بكسر الفاء واسكان الراء والحزقان بكسر الحاء المهملة واسكان الزاي ومعناهما واحد وهما
[ 91 ]
قطيعان وجماعتان يقال في الواحد فرق وحزق وحزيقة أي جماعة قوله عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي هو بضم الجيم والنواس بن سمعان يقال سمعان بكسر السين وفتحها قوله أو ظلتان سوداوان بينهما شرق هو بفتح الراء واسكانها أي ضياء ونور وممن حكى فتح الراء واسكانها القاضي وآخرون والأشهر في الرواية واللغة باب الاسكان فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة قوله أحمد بن جواس بفتح الجيم وتشديد الواو قوله عمار بن رزيق براء ثم زاي قوله سمع نقيضا هو بالقاف والضاد المعجمتين أي صوتا كصوت الباب إذا فتح قوله ص الايتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه قيل معناه كفتاه من قيام الليل وقيل
[ 92 ]
من الشيطان وقيل من الآفات ويحتمل من الجميع باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي قوله ص من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال
[ 93 ]
وفي رواية من آخر الكهف قيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والايات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال وكذا في آخرها قوله تعالى أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا قوله عن أبي السليل هو بفتح السين المهملة واسمه ضريب بن نقير بالتصغير فيهما ونقير بالقاف وقيل بالفاء وقيل نفيل بالفاء واللام قوله ص لأبي بن كعب ليهنك العلم أبا المنذر فيه منقبة عظيمة لأبي ودليل على كثرة علمه وفيه تبجيل العالم فضلاء أصحابه وتكنيتهم وجواز مدح الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة ولم يخف عليه إعجاب ونحوه لكمال نفسه ورسوخه في التقوى قوله ص أي آية من كتاب الله معك أعظم قلت لا إله إلا هو الحي القيوم قال القاضي عياض فيه حجة للقول بجواز تفضيل بعض القرآن على بعض وتفضيله على سائر كتب الله تعالى قال وفيه خلاف للعلماء فمنع منه أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني وجماعة من الفقهاء والعلماء لأن تفضيل بعضه يقتضي نقص المفضول وليس في كلام الله نقص به وتأول هؤلاء ما ورد من اطلاق أعظم وأفضل في بعض الآيات والسور بمعنى عظيم وفاضل
[ 94 ]
وأجاز ذلك اسحق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين قالوا وهو راجع إلى عظم أجر قارئ ذلك وجزيل ثوابه والمختار جواز قول هذه الآية أو السورة أعظم أو أفضل بمعنى أن الثواب المتعلق بها أكثر وهو معنى الحديث والله أعلم قال العلماء إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفا ت من الالهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والارادة وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات والله أعلم باب فضل قراءة قل هو الله أحد قوله ص قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وفي الرواية الأخرى ان الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن قال القاضي قال المازري قيل معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات الله تعالى وقل هو الله أحد
[ 95 ]
متمحضة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء وقيل معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف قوله ص احشدوا أي اجتمعوا قوله ص في الذي قال في قل هو الله أحد لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها أخبروه أن الله يحبه قال المازري محبة الله تعالى لعباده ارادة ثوابهم وتنعيمهم وقيل
[ 96 ]
محبته لهم نفس الاثابة والتنعيم لا الإرادة قال القاضي وأما محبتهم له سبحانه فلا يبعد فيها الميل منهم إليه سبحانه وهو متقدس على الميل قال وقيل محبتهم له استقامتهم على طاعته وقيل الإستقامة ثمرة المحبة وحقيقة المحبة له ميلهم إليه لاستحقاقه سبحانه وتعالى المحبة من جميع وجوهها باب فضل قراءة المعوذتين قوله ص ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فيه بيان عظم فضل هاتين السورتين وقد سبق قريبا الخلاف في اطلاق تفضيل بعض القرآن على بعض وفيه دليل واضح على كونهما من القرآن ورد على من نسب إلى ابن مسعود خلاف هذا وفيه أن لفظة قل من القرآن ثابتة من أول السورتين بعد البسملة وقد أجمعت الأمة على هذا كله قوله ص في الرواية الأخرى أنزل أو أنزلت على آيات لم ير مثلهن قط المعوذتين ضبطنا نر بالنون المفتوحة وبالياء المضمومة وكلاهما صحيح قوله ص المعوذتين هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح وهو منصوب بفعل
[ 97 ]
محذوف أي أعني المعوذتين وهو بكسر الواو باب فضل من يقول بالقرآن ويعلمه وفضل من تعلم حكمه من فقه أو غيره فعمل بها وعلمها قوله ص لا حسدإلا في اثنتين قال العلماء الحسد قسمان حقيقي ومجازي فالحقيقي تمنى زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة وان كانت طاعة فهي مستحبة والمراد بالحديث لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما قوله ص آناء الليل والنهار أي ساعاته وواحده
[ 98 ]
الآن وأنا واني وأنو أربع لغات قوله ص فسلطه على هلكته في الحق أي انفاقه في الطاعات قوله ص ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها يعلمها معناه يعمل بها ويعلمها احتسابا والحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه قوله ثم لببته بردائه هو بتشديد الباء الأولى معناه أخذت بمجامع ردائه في عنقه وجررته به
[ 99 ]
مأخوذ من اللبة بفتح اللام لأنه يقبض عليها وفي هذا بيان ما كانوا عليه من الاعتناء بالقرآن والذب عنه والمحافظة على لفظه كما سمعوه من غير عدول إلى ما يجوزه العربية وأما أمر النبي ص عمر بارساله فلانه لم يثبت عنده ما يقتضي تعزيره ولأن عمر إنما نسبه إلى مخالفته في القراءة والنبي ص يعلم من جواز القراءة ووجوهها ما لا يعلمه عمر ولأنه إذا قرأ وهو يلبث لم يتمكن من حضور البال وتحقيق القراءة تمكن المطلق قوله ص ان هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه قال العلماء سبب انزاله على سبعة التخفيف والتسهيل ولهذا قال النبي ص هون على أمتي كما صرح به في الرواية الأخرى واختلف العلماء في المراد بسبعة أحرف قال القاضي عياض قيل هو توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر قال وقال الأكثرون هو حصر للعدد في سبعة ثم قيل هي سبعة في المعاني كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي ثم اختلف هؤلاء في تعيين السبعة وقال آخرون هي في أداء التلاوة وكيفية النطق بكلماتها من ادغام واظهار وتفخيم وترقيق وإمالة ومد لان العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه فيسر الله تعالى عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته ويسهل على لسانه وقال آخرون هي الألفاظ والحروف وإليه أشار ابن شهاب بما رواه مسلم عنه في الكتاب ثم اختلف هؤلاء فقيل سبع قراءات وأوجه وقال أبو عبيد سبع لغات العرب يمنها ومعدها وهي أفصح اللغات وأعلاها وقيل بل السبعة كلها لمضر وحدها وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة وقيل بل هي مجتمعة في بعض
[ 100 ]
الكلمات كقوله تعالى وعبد الطاغوت ونلعب بين أسفارنا وبعذاب بئيس وغير ذلك وقال القاضي أبو بكر بن الباقلاني الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله ص وضبطها عنه الأمة وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف وأخبروا بصحتها وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخروليست متضاربة ولا متنافية وذكر الطحاوي أن القراءة بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة للضرورة لاختلاف لغة العرب ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة فلما كثر الناس والكتاب وارتفعت الضرورة كانت قراءة واحدة قال الداودي وهذه القراءات السبع التي يقرأ الناس اليوم بها ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة بل تكون مفرقة فيها وقال أبو عبيد الله بن أبي صفرة هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث وهو الذي جمع عثمان عليه المصحف وهذا ذكره النحاس وغيره قال غيره ولا تكن القراءة بالسبع المذكورة في الحديث في ختمة واحدة ولا يدري أي هذه القراءات كان آخر العرض على النبي ص وكلها مستفيضة عن النبي ص ضبطها عنه الأمة وأضافت كل حرف منها إلى من أضيف إليه من الصحابة أي إنه كان أكثر قراءة به كما أضيف كل قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراء السبعة وغيرهم قال المازري وأما قول من قال المراد سبعة معاني مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ لأنه ص أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وابدال حرف بحرف وقد تقرر اجماع المسلمين أنه يحرم ابدال آية أمثال بآية أحكام وقول من قال المراد خواتيم الآي فيجعل مكان غفور رحيم سميع بصير فاسد أيضا للإجماع على منع تغيير القرآن للناس هذا مختصرها نقله القاضي عياض في المسألة والله أعلم قوله فكدت أساوره بالسين المهملة أي أعاجله
[ 101 ]
وأواثبه قوله ص أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف معناه لم أزل أطلب منه أن يطلب من الله الزيادة في الحرف للتوسعة والتخفيف ويسأل جبريل ربه سبحانه وتعالى فيزيده حتى انتهى إلى السبعة قوله عن أبي بن كعب فحسن النبي ص شأن المختلفين
[ 102 ]
في القراءة قال فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية معناه وسوس لي الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية لأنه في الجاهلية كان غافلا أو متشككا فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب قال القاضي عياض معنى قوله سقط في نفسي أنه اعترته حيرة ودهشة قال وقوله ولا إذ كنت في الجاهلية معناه أن الشيطان نزغ في نفسه تكذيبا لم يعتقده قال وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها لا يؤاخذ بها قال القاضي قال المازري معنى هذا أنه وقع في نفس أبي بن كعب نزعة من الشيطان غير مستقرة ثم زالت في الحال حين ضرب النبي ص بيده في صدره ففاض عرقا قوله فلما رأى رسول الله ص ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما انظر إلى الله عز وجل فرقا قال القاضي ضربه ص في صدرته تثبيتا له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم قال ويقال فضت عرقا وفصت بالضاد المعجمة والصاد المهملة قال وروايتنا هنا بالمعجمة قلت وكذا هو في معظم أصول بلادنا وفي بعضها بالمهملة قوله ص = أرسل إلى أن اقرأ على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلى الثانية أن اقرأ على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلى الثالثة اقرأه على سبعة أحرف هكذا وقعت هذه الرواية الأولى في معظم الأصول ووقع في بعضها زيادة قال أرسل إلى أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه ان هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلى الثالثة اقرأه على سبعة أحرف ووقع في الطريق الذي بعد هذا من رواية ابن أبي شيبة أن قال اقرأه على حر ف وفي المرة الثانية على حرفين وفي الثالثة على ثلاثة وفي الرابعة على سبعة هذا مما يشكل معناه والجمع بين الروايتين وأقرب ما يقال فيه أن قوله في الرواية الأولى فرد إلى الثالثة المراد بالثالثة الأخيرة وهي الرابعة فسماها ثالثة مجازا وحملنا على هذا التأويل تصريحه
[ 103 ]
في الرواية الثانية أن الأحرف السبعة إنما كانت في المرة الرابعة وهي الأخيرة ويكون قد حذف في الرواية الأولى أيضا بعض المرات قوله تعالى ولك بكل ردة رددتها وفي بعض النسخ رددتكها هذا يدل على أنه سقط في الرواية الأولى ذكر بعض الردات الثالث وقد جاءت مبينة في الرواية الثانية ق قوله سبحانه وتعالى ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسأنيها معناه مسألة مجابة قطعا وأما باقي الدعوات فمرجوة ليست قطعية الإجابة وقد سبق بيان هذا الشرح في كتاب الإيمان
[ 104 ]
قوله عند أضاة بني غفار هي بفتح الهمزة وبضاد معجمة مقصورة وهي الماء المستنقع كالغدير وجمعها اضا كحصاة وحصا واضاء بكسر الهمزة والمد كأكمة واكام قوله ان الله يأمرك أن تقرأ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤا عليه فقد أصابوا معناه لا يتجاوز أمتك سبعة أحرف ولهم الخيار في السبعة ويجب عليهم نقل السبعة إلى من بعدهم بالتخير فيها وانها لا تتجاوز والله أعلم باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ وهو الافراط في السرعة واباحة سورتين فأكثر في ركعة ذكر في الاسناد الأول ابن أبي شيبة وابن نمير عن وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود وفي الثاني أبا كريب عن أبي معاوية عن الأعمش هذان الاسنادان كوفيون قوله للذي سأل ابن مسعود عن آسن كل القرآن قد أحصيت غير هذا الحرف هذا محمول على أنه فهم منه أنه غير مسترشد في سؤاله إذ لو كان مسترشدا لوجب جوابه وهذا ليس بجواب قوله اني لأقرأ المفصل في ركعة فقال ابن مسعود هذا كهذا الشعر معناه ان الرجل أخبر بكثرة
[ 105 ]
حفظه واتقانه فقال ابن مسعود تهذه هذا وهو بتشديد الذال وهو شدة الاسراع والافراط في العجلة ففيه النهي عن الهذ والحث على الترتيل والتدبر وبه قال جمهور العلماء قال القاضي وأباحت طائفة قليلة الهذ قوله كهذ الشعر معناه في تحفظه وروايته لا في اسناده وترنمه لأنه يرتل في الانشاد والترنم في العادة قوله ان أقواما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع معناه أن قوما ليس حظهم من القرآن الا مروره على اللسان فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب قوله ان أفضل الصلاة الركوع والسجود هذا مذهب ابن مسعود رضي الله عنه وقد سبق في قول النبي ص أفضل الصلاة طول القنوت وفي قوله ص أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد بيان مذاهب العلماء في هذه المسألة قوله لأعلم النظائر التي كان رسول اله ص يقرن بينهن سورتين في ركعة وفسرها فقال عشرون سورة في عشر ركعات من المفصل في تأليف عبد الله قال القاضي هذا صحيح موافق لرواية عائشة وابن عباس أن قيام النبي ص كان احدى عشرة ركعة بالوتر وأن هذا كان قدر قراءته غالبا وأن تطويله الوارد إنما كان في التدبر والترتيل وما ورد من
[ 106 ]
غير ذلك في قراءته البقرة والنساء وآل عمران كان في نادر من الأوقات وقد جاء بيان هذه السور العشرين في رواية في سنن أبي داود الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة سقط وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة وعم والمرسلات في ركعة والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة وسمى مفصلا لقصر سوره
[ 107 ]
وقرب انفصال بعضهن من بعض قوله في الرواية الأخرى ثمانية عشر من المفصل وسورتين من آل حم دليل على أن المفصل ما بعد آل حم وقوله في الرواية الأولى عشرون من المفصل وقوله هنا ثمانية عشر من المفصل وسورتين من آل حم لا تعارض فيه لأن مراده في الأولى معظم العشرين من المفصل قال العلماء أول القرآن السبع الطوال ثم ذوات المئين وهو ما كان في السورة منها مائة آية ونحوها ثم المثاني ثم المفصل وقد سبق بيان الخلاف في أول المفصل فقيل من القتال وقيل من الحجرات وقيل من ق قوله كان رسول الله ص يقرن بينهن هو بضم الراء وفيه جواز سورتين في ركعة قوله فمكثنا بالباب هنية هو بتشديد الياء غير مهموز وقد سبق بيانه واضحا في باب ما يقال في افتتاح الصلاة قوله ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم فقلنا لا إلا أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم فقال ظننتم بآل ابن أم عبد غفلة معناه لا مانع لنا إلا أن توهمنا أن بعض أهل البيت نائم فنزعجه ومعنى قولهم ظننا توهمنا وجوزنا لا أنهم أرادوا الظن المعروف للأصوليين وهو رجحان الاعتقاد وفي هذا الحديث مراعاة الرجل لأهل بيته ورعيته في أمور دينهم قوله انظري هل طلعت الشمس فيه قبول خبر الواحد وخبر المرأة والعمل بالظن مع إمكان اليقين لأنه عمل بقولها وهو مفيد للظن مع قدرته على رؤية الشمس قوله ثمانية عشر من المفصل هكذا هو في الأصول المشهورة ثمانية عشر وفي نادر منها ثمان عشرة والأول صحيح أيضا على تقدير ثمانية عشر نظيرا قوله وسورتين من آل حم يعني من السور التي أولها حم كقولك فلان من آل فلان قال القاضي ويجوز أن يكون المراد حم نفسها كما قال في الحديث من مزامير آل داود أي داود نفسه
[ 108 ]
ما يتعلق بالقراءات قوله يقول مدكر أدالا يعني بالمهملة وأصله مذتكر فأبدت التاء دالا مهملة ثم أدغمت المعجمة في المهملة فصار النطق بدال مهملة قوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي بكر قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن ابراهيم عن علقمة هذا اسناد كوفي
[ 109 ]
كله وفيه ثلاثة تابعيون الأعمش وابراهيم وعلقمة قوله عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء أنهما قرآ والذكر والأنثى قال القاضي قال المازري يجب أن يعتقد في هذا الخبر وما في معناه أن ذلك كان قرآنا ثم نسخ ولم يعلم من خالف النسخ فبقي على النسخ قال ولعل هذا وقع من بعضهم قبل أن يبلغهم مصحف عثمان المجمع عليه المحذوف منه كل منسوخ وأما بعد ظهور مصحف عثمان فلا يظن بأحد منهم أنه خالف فيه وأما ابن مسعود فرويت عنه روايات كثيرة منها ما ليس بثابت عند أهل النقل وما ثبت منها مخالفا لما قلناه فهو محمول على أنه كان يكتب في مصحفه بعض الأحكام والتفاسير مما يعتقد أنه ليس بقرآن وكان لا يتعقد تحريم ذلك وكان يراه كصحيفة يثبت فيها ما يشاء وكان رأى عثمان والجماعة منع ذلك لئلا يتطاول الزمان ويظن ذلك قرآنا قال المازري فعاد الخلاف إلى مسألة فقهية وهي أنه هل يجوز الحاق بعض التفاسير في أثناء المصحف قال ويحتمل ما روى من اسقاط المعوذتين من مصحف ابن مسعود أنه اعتقد أنه لا يلزمه كتب كل القرآن وكتب ما سواهما وتركهما لشهرتهما عنده وعند الناس والله أعلم قوله فقام إلى حلقة هي باسكان اللام في اللغة المشهورة قال الجوهري وغيره ويقال في لغة رديئة بفتحها وله فعرفت فيه تحوش القوم هو بمثناة في أوله
[ 110 ]
مفتوحة وحاء مهملة وواو مشددة وشين معجمة أي انقباضهم قال القاضي ويحتمل أن يريد الفطنة والذكاء يقال رجل حوشى الفؤاد أي حديده باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها في أحاديث الباب نهيه ص عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها حتى ترتفع وعند استوائها حتى تزول وعند اصفرارها حتى تغرب وأجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في هذا الأوقات واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وفي صلاة الجنازة وقضاء الفوائت ومذهب الشافعي وطائفة جواز ذلك كله بلا كراهة ومذهب أبي حنيفة وآخرين أنه داخل في النهى لعموم الأحاديث
[ 111 ]
واحتج الشافعي وموافقوه بأنه ثبت أن النبي ص قضى سنة الظهر بعد العصر وهذا صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى وكذا الجنازة هذا مختصر ما يتعلق بجملة أحكام الباب وفيه فروع ودقائق سننبه على بعضها في مواضعها من أحاديث الباب ان شاء الله تعالى قوله حتى تشرق الشمس ضبطناه بضم التاء وكسر الراء وهكذا أشار إليه القاضي عيا ض في شرح مسلم وضبطناه أيضا بفتح التاء وضم الراء وهو الذي ضبطه أكثر رواة بلادنا وهو الذي ذكره القاضي عياض في المشارق قال أهل اللغة يقال شرقت الشمس تشرق أي طلعت على وزن طلعت تطلع وغربت تغرب ويقال شرقت تشرق أي ارتفعت وأضاءت ومنه قوله تعالى الأرض بنور ربها أي أضاءت فمن فتح التاء هنا احتج بان باقي الروايات قبل هذه الرواية وبعدها حتى تطلع الشمس فوجب حمل هذه على موافقتها ومن قال بضم التاء احتج له القاضي بالأحاديث الأخر في النهى عن الصلاة عند طلوع الشمس والنهي عن الصلاة إذا بدا حاجب الشمس حتى تبرز وحديث ثلاث ساعات حتى تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع قال وهذا كله يبين أن المراد بالطلوع في الروايات الأخر ارتفاعها واشراقها واضاءتها لا مجرد ظهور قرصها وهذا الذي قاله القاضي صحيح متعين لا عدول عنده
[ 112 ]
للجمع بين الروايات قوله ص لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بقرني شيطان هكذا هو في الأصول بقرني شيطان في حديث ابن عمر وفي حديث عمرو بن عبسة بين قرني شيطان قيل المراد بقرني الشيطان حزبه وأتباعه وقيل قوته وغلبته وانتشار فساده وقيل القرنان ناحيتا الرأس وأنه على ظاهره وهذا هو الأقوى قالوا ومعناه أنه يدنى رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة وحينئذ يكون له ولبنيه تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان وفي رواية لأبي داود والنسائي في حديث عمرو بن عبسة فإنها تطلع بين قرني شيطان فيصلي لها الكفار وفي بعض أصول مسلم في حديث ابن عمر هنا بقرني الشيطان بالألف واللام وسمى شيطانا لتمرده وعتوه وكل مارد عات شيطان والأظهر أنه مشتق من شطن إذا بعد لبعده من الخير
[ 113 ]
والرحمة وقيل مشتق من شاط إذا هلك واحترق قوله ص إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز لفظة بدا هنا غير مهموزة معناه ظهر وحاجبها طرفها وتبرز بالتاء المثناة فوق أي حتى تصير الشمس بارزة ظاهرة والمراد ترتفع كما سبق تقريره قوله عن خير بن نعيم هو بالخاء المعجمة قوله عن ابن هبيرة هو عبد الله بن هبيرة الحضرمي المصري وقد سماه في الرواية الثانية قوله عن أبي تميم الجيشاني عن أبي بصرة أما بصرة فبالموحدة والصاد المهملة والجيشاني بفتح الجيم واسكان الياء وبالشين المعجمة منسوب إلى جيشان قبيلة معروفة من اليمن واسم أبي تميم عبد الله بن مالك قوله صلى بنا رسول الله ص العصر بالمخمص هو بميم مضمومة وخاء معجمة ثم بميم مفتوحة وهو موضع معروف قوله ص ان هذه الصلاة عرضت على من قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين فيه فضيلة العصر وشدة الحث عليها
[ 114 ]
قوله عن موسى بن علي هو بضم العين على المشهور ويقال بفتحها وهو موسى بن علي بن رباح اللخمي قوله أو نقبر فيهن موتانا هو بضم الموحدة وكسرها لغتان قوله تضيف للغروب هو بفتح التاء والضاد المعجمة وتشديد الياء أي تميل قوله حين يقوم قائم الظهيرة الظهيرة حال استواء الشمس ومعناه حين لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق ولا في المغرب قوله كان رسول الله ص ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا قال بعضهم أن المراد بالقبر صلاة الجنازة وهذا ضعيف لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالاجماع فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الاجماع بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر وهي صلاة المنافقين كما سبق في الحديث الصحيح قام فنقرها أربعا فأما إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تعمد فلا يكره قوله وحدثنا أحمد بن جعفر المعقري هو بفتح الميم واسكان العين المهملة وكسر القاف
[ 115 ]
منسوب إلى معقر وهي ناحية باليمن قوله جراء عليه قومه هكذا هو في جميع الأصول جراء بالجيم المضمومة جمع جرئ بالهمز من الجرأة وهي الاقدام والتسلط وذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين حراء بالحاء المهملة المكسورة ومعناه غضاب ذو وغم قد عيل صبرهم به حتى أثر في أجسامهم من قولهم حري جسمه يحرى كضرب يضرب إذا نقص من ألم وغيره والصحيح أنه بالجيم قوله فقلت له ما أنت هكذا هو في الأصول ما أنت وإنما قال ما أنت ولم يقل من أنت لأنه سأله عن صفت لا عن ذاته والصفات مما لا يعقل قوله ص أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شئ هذا فيه دلالة ظاهرة على الحث على صلة الأرحام لأن النبي ص قرنها بالتوحيد ولم يذكر له حزبات الأمور وإنما ذكر مهمها وبدأ بالصلة وقوله ومعه يومئذ أبو بكر وبلال دليل على فضلهما وقد يحتج به من قال أنهما أول من أسلم قوله فقلت اني متبعك قال انك لا تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني معناه
[ 116 ]
قلت له إني متبعك على اظهار الاسلام هنا واقامتي معك فقال لا تستطيع ذلك لضعف شوكة المسلمين ونخاف عليك من أذى كفار قريش ولكن قد حصل أجرك فابق على اسلامك وارجع إلى قومك واستمر على الاسلام في موضعك حتى تعلمني ظهرت فأتني وفيه معجزة للنبوة وهي اعلامه بأنه سيظهر قوله فقلت يا رسول الله أتعرفني قال نعم أنت الذي لقيتني بمكة فقلت بلى فيه صحة الجواب ببلي وان لم يكن قبلها نفي وصحة الاقرا بها وهو الصحيح في مذهبنا وشرط بعض أصحابنا أن يتقدمها نفي قوله فقلت يا رسول الله أخبرني عما علمك الله هكذا هو عما علمك وهو صحيح ومعناه اخبرني عن حكمة وصفته وبينه لي قوله ص = صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فيه أن النهى عن الصلاة بعد الصبح لا يزول بنفس الطلوع بل لا بد من الارتفاع وقد سبق بيانه قوله ص فإن الصلاة مشهودة محضورة أي تحضرها الملائكة فهي أقرب إلى القبول وحصول الرحمة قوله ص حتى يستقل الظل بالرمح ثم اقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفئ فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة معنى يستقل الظل بالرمح أي يقوم مقابله في جهة الشمال ليس مائلا إلى المغرب ولا إلى المشرق وهذه حالة الاستواء وفي
[ 117 ]
الحديث التصريح بالنهي عن الصلاة حينئذ حتى تزول الشمس وهو مذهب الشافعي وجماهير العلماء واستثنى الشافعي حالة الاستواء يوم الجمعة وللقاضي عياض رحمه الله في هذا الموضع كلام عجيب في تفسير الحديث ومذاهب العلماء نبهت عليه لئلا يغتر به ومعنى تسجر جهم توقد عليها ايقادا بليغا واختلف أهل العربية هل جهنم اسم عربي أم عجمي فقيل عربي مشتق من الجهومة وهي كراهة المنظر وقيل من قولهم بئر جهام أي عميقة فعلى هذا لم تصرف للعلمية والتأنيث وقال الأكثرون هي عجمية معربة وامتنع صرفها للعلمية والعجمة قوله ص فإذا أقبل الفئ فصل فان الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم اقصر عن الصلاة معنى أقبل الفئ ظهر إلى جهة المشرق والفئ مختص بما بعد الزوال وأما الظل فيقع على ما قبل الزوال وبعده وفيه كلام نفيس بسطته في تهذيب الأسماء قوله ص حتى تصلي العصر فيه دليل على أن النهي لا يدخل بدخول وقت العصر ولا بصلاة غير الانسان وإنما يكره لكل انسان بعد صلاة العصر حتى لو أخر عن أول الوقت لم يكره التنفل قبلها قوله ص يقرب وضوءه هو بضم الياء وفتح القاف وكسر الراء المشددة أي يدنيه والوضوء هنا بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به قوله ص ويستنشق فينتثر أي يخرج الذي في أنفه يقال نثر وانتثر واستنثر مشتق من النثرة وهي الأنف وقيل طرفه وقد سبق بيانه في الطهارة قوله ص إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه هكذا ضبطناه خرت بالخاء المعجمة وكذا نقله القاضي عن جميع الرواة إلا ابن أبي جعفر فرواه جرت بالجيم ومعنى خرت بالخاء أي سقطت ومعنى جرت ظاهر والمراد بالخطايا الصغائر كما سبق في كتاب الطهارة ما اجتنبت الكبائر والخياشيم جمع خيشوم وهو أقصى الانف وقيل الخياشيم عظام رقاق في أصل الأنف بينه وبين الدماغ وقيل غير ذلك قوله ص
[ 118 ]
ثم يغسل قدميه فيه دليل لمذهب العلماء كافة أن الواجب غسل الرجلين وقال الشيعة الواجب مسحهما وقال ابن جرير هو مخير وقال بعض الظاهرية يجب الغسل والمسح قوله لو لم أسمعه من رسول الله ص إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا حتى عد سبع مرات ما حدثت به أبدا ولكني سمعته أكثر من ذلك هذا الكلام قد يستشكل من حيث أن ظاهره أنه لا يرى التحديث إلا بما سمعه أكثر من سبع مرات ومعلوم أن من سمع مرة واحدة جاز له الرواية بل تجب عليه إذا تعين لها وجوابه أن معناه لو لم أتحققه وأجزم به لما حدثت به وذكر المرات بيانا لصورة حاله ولم يرد أن ذلك شرط والله أعلم
[ 119 ]
قولها وهم عمر تعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في روايته النهي عن الصلاة بعد العصر مطلقا وإنما نهى عن التحري قال القاضي إنما قالت عائشة هذا لما روته من صلاة النبي ص الركعتين بعد العصر قال وما رواه عمر قد رواه أبو سعيد وأبو هريرة وقد قال ابن عباس في مسلم أنه أخبره به غير واحد قلت ويجمع بين الروايتين فرواية التحري محمولة على تأخير الفريضة إلى هذا الوقت ورواية النهي مطلقا محمولة على غير ذوات الأسباب قوله قال ابن عباس وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها هكذا وقع في بعض الأصول أضرب الناس عليها وفي بعض أصرف الناس عنها وكلاهما صحيح ولا منافاة بينهما وكان يضربهم عليها في وقت ويصرفهم عنها في وقت من غير ضرب أو يصرفهم مع الضرب ولعله كان يضرب من بلغه النهى ويصرف
[ 120 ]
من لم يبلغه من غير ضرب وقد جاء في غير مسلم أنه كان يضرب عليها بالدرة وفيه احتياط الإمام لرعيته ومنعهم من البدع والمنهيات الشرعية وتعزيرهم عليهما قوله قال كريب فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به فقالت سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة هذا فيه أنه يستحب للعالم إذا طلب منه تحقيق أمر مهم ويعلم أن غيره أعلم به أو أعرف بأصله أن يرشد إليه إذا أمكنه وفيه الإعتراف لأهل الفضل بمزيتهم وفيه إشارة إلى أدب الرسول في حاجته وأنه لا يستقل فيها بتصرف لم يؤذن له فيه ولهذا لم يستقل كريب بالذهاب إلى أم سلمة لأنهم إنما أرسلوه إلى عائشة فلما أرشدته عائشة إلى أم سلمة وكان رسولا للجماعة يستقل بالذهاب حتى رجع إليهم فأخبرهم فأرسلوه إليها قولها وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار قد سبق مرات أن بنى حرام بالراء وأن حراما في الأنصار وحزاما بالزاي في قريش قولها فأرسلت إليه الجارية فيه قبول خبر الواحد والمرأة مع القدرة على اليقين بالسماع من لفظ رسول الله ص قولها فقولي له تقول أم سلمة إنما قالت عن نفسها تقول أم سلمة فكنت نفسها ولم تقل هند باسمها لأنها معروفة بكنيتها ولا بأس بذكر الإنسان نفسه بالكنية إذا لم يعرف إلا بها أو اشتهر بها بحيث لا يعرف غالبا إلا بها وكنيت بأبيها سلمة بن أبي سلمة وكان صحابيا وقد ذكرت أحواله في ترجمتها من تهذيب الأسماء قولها إني أسمعك تنهي عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما معنى أسمعك سمعتك في الماضي وهو من اطلاق لفظ المضارع لإرادة الماضي كقوله تعالى قد نرى تقلب وجهك وفي هذا الكلام أنه ينبغي للتابع إذا رأى من المتبوع شيئا
[ 121 ]
يخالف المعروف من طريقته والمعتاد من حاله أن يسأله بلطف عنه فإن كان ناسيا رجع عنه وان كان عامدا وله معنى مخصص عرفه التابع واستفاده وان كان مخصوصا بحال يعلمها ولم يتجاوزها وفيه مع هذه الفوائد فائدة أخرى وهي أنه بالسؤال يسلم من إرسال الظن لسئ بتعارض الأفعال أو الأقوال وعدم الارتباط بطريق واحد قولها فأشار بيده فيه أن إشارة المصلى بيده ونحوها من الأفعال الخفيفة لا تبطل الصلاة قوله ص انه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان فيه فوائد منها اثبات سنة الظهر بعدها ومنها أن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها وهو الصحيح عندنا ومنها أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهى وإنما يكره ما لا سبب لها وهذا الحديث هو عمدة أصحابنا في المسألة وليس لنا أصح دلالة منه ودلالته ظاهرة فإن قيل فقد داوم النبي ص عليها ولا يقولون بهذا قلنا لأصحابنا في هذا وجهان حكاهما المتولي وغيره أحدهما القول به فمن دأبه سنة راتبة فقضاها في وقت النهى كان له أن يداوم على صلاة مثلها في ذلك الوقت الثاني وهو الأصح الأشهر ليس له ذلك وهذا من خصائص رسول الله ص وتحصل الدلالة بفعله ص في اليوم الأول فإن قيل هذا خاص بالنبي ص قلنا الأصل الإقتداء به ص وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به بل هنا دلاة ظاهرة على عدم التخصيص وهي أنه ص بين أنها سنة الظهر ولم يقل هذا الفعل مختص بي وسكوته ظاهر في جواز الاقتداء ومن فوائده أن صلاة النهار مثنى مثنى كصلاة الليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وقد سقت المسألة ومنها أنه إذا تعارضت المصالح والمهمات بدئ بأهمها ولهذا
[ 122 ]
بدأ النبي ص بحديث القوم في الإسلام وترك سنة الظهر حتى فات وقتها لأن الاشتغال بارشادهم وهدايتهم وقومهم إلى الإسلام أهم قولها ما ترك رسول الله ص الركعتين بعد العصر عندي قط يعني بعد يوم وفد عبد القيس قوله سألت عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله ص يصليهما بعد العصر فقالت كان يصليهما قبل العصر ثم أنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر هذا الحديث ظاهر في أن المراد بالسجدتين ركعتان هما سنة العصر قبلها وقال القاضي ينبغي أن تحمل على سنة الظهر كما في حديث أم سلمة ليتفق الحديثان وسنة الظهر تصح تسميتها أنها قبل العصر
[ 123 ]
باب استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب فيه حديث صلاتهم ركعتين بعد الغروب وقبل صلاة المغرب وفي رواية أنهم كانوا يصلونها بعد الأذان وفي الحديث الآخر بين كل أذانين صلاة المراد بالأذانين الأذان والإقامة وفي هذه الروايات استحباب ركعتين بين المغرب وصلاة المغرب وفي المسألة وجهان لأصحابنا أشهرهما لا يستحب وأصحهما عند المحققين يستحب لهذه الأحاديث وفي المسألة مذهبان للسلف واستحبهما جماعة من الصحابة والتابعين من المتأخرين أحمد واسحق ولم يستحبهما أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وآخرون من الصحابة ومالك وأكثر الفقهاء وقال النخعي هي بدعة وحجة هؤلاء أن استحبابهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها قليلا وزعم بعضهم في جواب هذه
[ 124 ]
- الأحاديث أنها منسوخة والمختار استحبابها لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة وفي صحيح البخاري عن رسول الله ص صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب قال في الثالثة لمن شاء وأما قوله يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها وأما من زعم النسخ فهو مجازف لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس هنا شئ من ذلك والله أعلم باب صلاة الخوف ذكر مسلم رحمه الله في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث ابن عمر أن النبي ص باحدى الطائفتين ركعة والأخرى مواجهة للعدو ثم انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم وجاء
[ 125 ]
أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم فقضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة وبهذا الحديث أخذ الأوزاعي وأشهب مالكي وهو جائز عند الشافعي ثم قيل ان الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معا وقيل متفرقين وهو الصحيح الثاني حديث ابن أبي حثمة بنحوه إلا أن النبي ص صلى بالطائفة الأولى ركعة وثبت قائما فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم ثبت جالسا حتى أتموا ركعتهم ثم سلم بهم وبهذا أخذ مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم وذكر عنه أبو داود في سننه صفة أخرى أنه صفهم صفين فصلى بمن يليه ركعة ثم ثبت قائما حتى صلى الذين خلفه ركعة ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلم وفي رواية سلم بهم جميعا الحديث الثالث حديث جابر أن
[ 126 ]
النبي ص صفهم صفين خلفه والعدو بينهم وبين القبلة وركع بالجميع وسجد معه الصف المؤخر وقاموا ثم تقدموا وتأخر الذي يليه وقام المؤخر في نحر العدو فلما قضى السجود سجد الصف المقدم وذكر في الركعة الثانية نحوه وحديث ابن عباس نحو حديث جابر لكن ليس فيه تقدم الصف وتأخر الآخر وبهذا الحديث قال الشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف إذا كان العدو في جهة القبلة ويجوز عند الشافعي تقدم الصف الثاني وتأخر الأول كما في رواية جابر ويجوز بقاؤهما على حالهما كما هو ظاهر حديث ابن عباس الحديث الرابع حديث جابر أن النبي ص صلى بكل طائفة ركعتين وفي سنن أبي داود وغيره من رواية أبي بكرة أنه صلى بكل طائفة ركعتين وسلم فكانت الطائفة الثانية مفترضين خلف متنفل وبهذا قال الشافعي وحكوه عن الحسن البصري وادعى الطحاوي أنه منسوخ ولا تقبل دعواه إذ لا دليل لنسخه فهذه ستة أوجه في صلاة الخوف وروى ابن مسعود وأبو هريرة وجها سابعا أن النبي ص صلى بطائفة ركعة وانصرفوا ولم يسلموا ووقفوا بإزاء العدو وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم سلم فقضى هؤلاء ركعتهم ثم سلموا وذهبوا فقاموا مقام أولئك ورجع أولئك فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم وبهذا أخذ أبو حنيفة وقد روى أبو داود وغيره وجوها أخر في صلاة الخوف بحيث يبلغ مجموعها ستة عشر وجها وذكر ابن القصار المالكي أن النبي ص صلاها في عشرة مواطن والمختار أن هذه الأوجه كلها جائزة بحسب مواطنها وفيها تفصيل وتفريع مشهور في كتب الفقه قال الخطابي صلاة الخوف أنواع صلاها النبي ص في أيام مختلفة وأشكال متباينة يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى ثم مذهب العلماء كافة أن صلاة الخوف مشروعة اليوم كما كانت إلا أبا يوسف والمزني فقالا لا تشرع بعد النبي ص لقول الله تعالى كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة واحتج الجمهور بأن الصحابة لم يزالوا على فعلها بعد النبي ص وليس المراد بالآية تخصيصه ص وقد ثبت قوله ص صلوا كما
[ 127 ]
رأيتموني أصلي قوله وقام الصف المؤخر في نحر العدو أي في مقابلته ونحر كل شي أوله قوله في رواية أبي الزبير عن جابر ثم سجد وسجد معه الصف الأول هكذا وقع في بعض
[ 128 ]
النسخ الصف الأول ولم يقع في أكثرها ذكر الأول والمراد الصف القدم الآن قوله صالح ابن خوات هو بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو قوله ذات الرقاع هي غزوة معروفة كانت سنة خمس من الهجرة بأرض غطفان من نجد سميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها الخرق هذا هو الصحيح في سبب تسميتها وقد ثبت هذا في الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وقيل سميت لجبل هناك يقال له الرقاع لأن فيه بياضا وحمرة وسوادا وقيل سميت بشجرة هناك يقال لها ذات الرقاع وقيل لأن المسلمين رقعوا راياتهم ويحتمل أن هذه الأمور كلها وجدت فيها وشرعت صلاة الخوف في غزوة خلاف الرقاع وقيل في غزوة بني النضر قوله في حديث يحيى بن يحيى أن طائفة صفت معه هكذا هو
[ 129 ]
في أكثر النسخ وفي بعضها صلت معه وهما صحيحان قوله وطائفة وجاه العدو هو بكسر الواو وضمها يقال وجاهه وتجاهه أي قبالته والطائفة الفرقة والقطعة من الشئ تقع على القليل والكثير لكن قال الشافعي أكره أن تكون الطائفة في صلاة الخوف أقل من ثلاثة فينبغي أن تكون الطائفة التي مع الإمام ثلاثة فأكثر والذين في وجه العدو كذلك واستدل بقول الله تعالى أسلحتم فإذا سجدوا فليكونوا إلى آخر الآية فأعاد على كمل طائفة ضمير الجمع وأقل الجمع ثلاثة على المشهور قوله شجرة ظليلة أي ذات ظل قوله فأخذ السيف فاخترطه أي سله قوله فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله ص أربع ركعات وللقوم ركعتين معناه صلى بالطائفة
[ 130 ]
الأولى ركعتين وسلم وسلموا وبالثانية كذلك وكان النبي ص متنفلا في الثانية وهم مفترضون به الشافعي وأصحابه على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل والله أعلم كتاب الجمعة يقال بضم الميم واسكانها وفتحها حكاهن الفراء والواحدي وغيرهما ووجهوا الفتح بأنها تجمع الناس ويكثرون فيها كما يقال همزة ولمزة لكثرة الهمز واللمز ونحو ذلك سميت جمعة لاجتماع الناس فيها وكان يوم الجمعة في الجاهلية يسمى العروبة قوله ص إذا أراد
[ 131 ]
أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل وفي رواية من جاء منكم الجمعة فليغتسل وهذه الثانية محمولة
[ 132 ]
على الأول معناها من أراد المجئ فليغتسل وفي الحديث الآخر بعده غسل الجمعة واجب
[ 133 ]
على كل محتلم واراد بالمحتلم البالغ وفي الحديث الآخر حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده وفي الحديث الآخر لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا وفي رواية لو اغتسلتم يوم الجمعة واختلف العلماء في غسل الجمعة فحكى وجوبه عن طائفة من السلف حكوه عن بعض الصحابة وبه قال أهل الظاهر وحكاه ابن المنذر عن مالك وحكاه الخطابي عن الحسن البصري ومالك وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى أنه سنة مستحبة ليس بواجب قال القاضي وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه واحتج من أوجبه بظواهر هذه الأحاديث واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة منها حديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب وقد ترك الغسل وقد ذكره مسلم وهذا الرجل هو عثمان بن عفان جاء مبينا في الرواية الأخرى ووجه الدلالة أن عثمان فعله وأقره عمر وحاضروا الجمعة وهم أهل الحل والعقد ولو كان واجبا لما تركه ولألزموه ومنها قوله ص من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل حديث حسن في السنن مشهور وفيه دليل على أنه ليس بواجب ومنها قوله ص لو اغتسلتم يوم الجمعة وهذا اللفظ يقتضي أنه ليس بواجب لأن تقديره لكان أفضل وأكمل ونحو هذا من العبادات وأجابوا عن الأحاديث
[ 134 ]
الواردة في الأمر به أنها محمولة على الندب جمعا بين الأحاديث وقوله ص واجب على كل محتلم أي متأكد في حقه كما يقول الرجل لصاحبه حقك واجب على أي متأكد لا أن المراد الواجب المحتم المعاقب عليه قوله وهو قائم على المنبر فيه استحباب المنبر للخطبة فإن تعذر فليكن على موضع عال ليبلغ صوته جميعهم ولينفرد فيكون أوقع في النفوس وفيه أن الخطيب يكون قائما وسمى منبرا لارتفاعه من النبر وهو الارتفاع قوله أية ساعة هذه قاله توبيخا له وانكارا لتأخره إلى هذا الوقت فيه تفقد الامام رعيته وأمرهم بمصالح دينهم والانكار على مخالف السنة وان كان كبير القدر وفيه جواز الانكار على الكبار في مجمع من النا س وفيه جواز الكلام في الخطبة قوله شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء فلم أزد على أن توضأت فيه الاعتذار إلى ولاة الأمور وغيرهم وفيه اباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء وفيه إشارة إلى أنه إنما ترك الغسل لأنه يستحب فرأى اشتغاله بقصد الجمعة أولى من أن يجلس للغسل بعد النداء ولهذا لم يأمره عمر بالرجوع للغسل قوله سمعت النداء هو بكسر النون وضمها والكسر أشهر قوله والوضوء أيضا هو منصوب أي وتوضأت الوضوء فقط قاله الأزهري وغيره قوله ينتابون الجمعة أي يأتونها قوله من العوالي هي القرى التي حول المدينة قوله فيأتون في العباء هو بالمد جمع عباءة بالمد وعباية بزيادة ياء لغتان مشهورتان قوله ولم يكن لهم كفاة هو بضم الكاف جمع كاف كقاض وقضاة وهم الخدم الذين يكفونهم العمل قوله لهم تفل هو بتاء مثناة فوق ثم فاء مفتوحتين أن رائحة كريهة قوله ص للذين جاؤا ولهم الريح الكريهة لو اغتسلتم فيه أنه يندب لمن أراد المسجد أو مجالسة الناس أن يجتنب الريح الكريهة في بدنه وثوبه قوله ص إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل وغسل الجمعة واجب على كل محتلم فالحديث الأول ظاهر في أن الغسل مشروع لكل من أراد الجمعة من الرجال سواء البالغ والصبي المميز والثاني صريح في البالغ وفي أحاديث أخر ألفاظ تقتضي دخول النساء كحديث ومن اغتسل فالغسل أفضل فيقال في الجمع بين الأحاديث أن الغسل يستحب لكل مريد الجمعة ومتأكد في حق الذكور أكثر من النساء لأنه في حقهن قريب من الطيب ومتأكد في حق البالغين أكثر من الصبيان ومذهبنا المشهور أنه يستحب لكل مريد لها وفي وجه لأصحابنا يستحب للذكور خاصة وفي وجه يستحب لمن
[ 135 ]
يلزمه الجمعة دون النساء والصبيان والعبيد والمسافرين ووجه يستحب لكل أحد يوم الجمعة سواء أراد حضور الجمعة أم لا كغسل يوم العيد يستحب لكل أحد والصحيح الأول والله أعلم قوله ص في حديث عمرو بن سواد غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك يمس طيبا من الطيب ما قدر عليه هكذا وقع في جميع الأصول غسل يوم الجمعة على كل محتلم وليس فيه ذكر واجب وقوله ص وسواك ويمس من الطيب معناه ويسن السواك ومس الطيب ويجوز يمس بفتح الميم وضمها وقوله ص ما قدر عليه قال القاضي محتمل لتكثيره ومحتمل لتأكيده حتى يفعله بما أمكنه ويؤيده قوله ولو من طيب المرأة وهو المكروه للرجال وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم غيره وهذا يدل على تأكيده والله أعلم قوله ص من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة معناه غسلا كغسل الجنابة في الصفات هذا هو المشهور في تفسيره وقال بعض أصحابنا في كتب الفقه المراد غسل الجنابة حقيقة قالوا ويستحب له مواقعة زوجته ليكون أغض للبصر وأسكن لنفسه وهذا ضعيف أو باطل والصواب ما قدمناه قوله ص ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة المراد بالرواح الذهاب أول النهار وفي المسألة خلاف مشهور مذهب مالك وكثير من أصحابه والقاضي حسين وأمام الحرمين من أصحابنا أن المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس س والرواح عندهم بعد الزوال وادعوا أن هذا معناه في اللغة ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وابن حبيب المالكي وجماهير العلماء استحباب التبكير إليها أول النهار والساعات عندهم من أول النهار والرواح يكون أول النهار وآخره قال الأزهري لغة العرب الرواح الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو في الليل وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث والمعنى لأن النبي ص أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى وهو كالمهدي
[ 136 ]
بدنة ومن جاء في الساعة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة وفي رواية النسائي السادسة فإذا خرج الإمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحدا ومعلوم أن النبي ص كان يخرج إلى الجمعة متصلا بالزوال وهو بعد انفصال السادسة فدل على أنه لا شئ من الهدى والفضيلة لمن جاء بعد الزوال ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث في التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لان النداء يكون حينئذ ويحرم التخلف بعد النداء والله أعلم واختلف أصحابنا هل تعيين الساعات من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس والأصح عندهم من طلوع الفجر ثم ان من جاء في أول ساعت من هذه الساعات ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل أصل البدنة والبقرة والكبش ولكن بدنة الأول أكمل من بدنة من جاء في آخر الساعة وبدنة المتوسط متوسطة وهذا كما ان صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة ومعلوم أن الجماعة تطلق على اثنين وعلى ألوف فمن صلى في جماعة هم عشرة آلاف له سبع وعشرون درجة ومن صلى مع اثنين له سبع وعشرون لكن درجات الأول أكمل وأشباه هذا كثيرة معروفة وفيما ذكرته جواب عن اعتراض ذكره القاضي عياض رحمه الله قوله ص من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكانما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر أما لغات هذا الفصل فمعنى قرب تصدق وأما البدنة فقال جمهور أهل اللغة وجماعة من الفقهاء يقع على الواحدة من الابل والبقر والغنم سميت بذلك لعظم بدنها وخصها جماعة بالابل والمراد هنا الابل بالاتفاق لتصريح الاحاديث بذلك والبدنة
[ 137 ]
والبقرة يقعان على الذكر والأنثى باتفقاهم والهاء فيها للواحدة كقمحة وشعيرة ونحوهما من أفراد الجنس وسميت بقرة لأنها تبقر الأرض أي تشقها بالحراثة والبقر الشق ومنه قولهم بقر بطنه ومنه سمى محمد الباقر رضي الله عنه لأنه بقر العلم ودخل فيه مدخلا بليغا ووصل منه غاية مرضية وقوله ص كبشا أقرن وصفه بالاقرن لأنه أكمل وأحسن صورة ولان قرنه ينتفع به والدجاجة بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان ويقع على الذكر والأنثى ويقال حضرت الملائكة وغيرهم بفتح الضاد وكسرها لغتان مشهورتان الفتح أفصح وأشهر وبه جاء القرآن قال الله تعالى وإذا حضر القسمة وأما فقه الفصل ففيه الحث على التبكير إلى الجمعة وأن مراتب الناس في الفضيلة فيها وفي غيرها بحسب أعمالهم وهو من باب قول الله تعالى ان أكرمكم عند الله أتقاكم وفيه أن القربان والصدقة يقع على القليل والكثير وقد جاء في رواية النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة وفي رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفور ثم بيضة واسنادا الروايتين صحيحان وفيه أن التضحية بالابل أفضل من البقرة لان النبي ص قدم الابل وجعل البقرة في الدرجة الثانية وقد أجمع العلماء على أن الابل أفضل من البقر في الهدايا واختلفوا في الأضحية فمذهب الشافعي وأبي حنيفة والجمهور أن الابل أفضل ثم البقر ثم الغنم كما في الهدايا ومذهب مالك أن أفضل الأضحية الغنم ثم البقر ثم الابل قالوا لأن النبي ص ضحى بكبشين وحجة الجمهور ظاهر هذا الحديث والقياس على الهدايا وأما تضحيته ص فلا يلزم منها ترجيح الغنم لأنه محمول على أنه ص لم يتمكن ذلك الوقت إلا من الغنم أو فعله لبيان الجواز وقد ثبت في الصحيح إنه ص ضحى عن نسائه بالبقي قوله ص حضرت الملائكة يستعمون قالوا هولاء الملائكة غير الحفظة وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة قوله ص إذا قلت
[ 138 ]
لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت وفي الرواية الأخرى فقد لغيت قال أبو الزناد هي لغة أبي هريرة وإنما هو فقد لغوت قال أهل اللغة يقال لغا يلغو كغزا يغزو ويقال لغى يلغى كعمي يعمي لغتان الأولى أفصح وظاهر القرآن يقتضي هذه الثانية التي هي لغة أبي هريرة قال الله تعالى وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه وهذا من لغى يلغي ولو كان من الأول لقال والغوا بضم الغين قال ابن السكيت وغيره مصدر الأول اللغو ومصدر الثاني اللغى ومعنى فقدلغوت أي قلت اللغو وهو الكلام الملغي الساقط الباطل المردود وقيل معناه قلت غير الصواب وقيل تكلمت بما لا ينبغي ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة ونبه بهذا على ما سواه لأنه إذا قال أنصت وهو في الأصل أمر بمعروف وسماه لغوا فيسيره من الكلام أولى وإنما طريقه إذا أراد نهى غيره عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت ان فهمه فإن تعذر فهمه فلينهه بكلام مختصر ولا يزيد على أقل ممكن واختلف العلماء في الكلام هل هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه وهما قولان للشافعي قال القاضي قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء يجب الانصات للخطبة وحكى عن النخعي والشعبي وبعض السلف أنه لا يجب إلا إذا تلى فيها القرآن قال واختلفوا إذا لم يسمع الإمام هل يلزمه الانصات كما لو سمعه قال الجمهور يلزمه وقال النخعي وأحمد وأحد قولي الشافعي
[ 139 ]
لا يلزمه قوله ص والإمام يخطب دليل على أن وجوب الانصات والنهى عن الكلام إنما هو في حال لخطبة وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور وقال أبو حنيفة يجب الانصات بخروج الإمام قوله ص في يوم لجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه وفي رواية قائم يصلي وفي رواية وهي
[ 140 ]
ساعة خفيفة وفي رواية وأشار بيده يقللها وفي رواية أبي موسى الأشعري أنه قال سمعت رسول الله ص = يقول هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضي الصلاة قوله إلى أن تقضي الصلاة هو بالتاء المثناة فوق المضمومة قال القاضي اختلف السلف في وقت هذه الساعة وفي معنى قائم يصلي فقال بعضهم هي من بعد العصر إلى الغروب قالوا ومعنى يصلي يدعو ومعنى قائم ملازم ومواظب كقوله تعالى ما دمت عليه قائما وقال آخرون هي من حين خروج الإمام إلى فراغ الصلاة وقال آخرون من حين تقام الصلاة حتى يفرغ والصلاة عندهم على ظاهرها وقيل من حين يجلس الإمام على المنبر حتى يفرغ من الصلاة وقيل آخر ساعة من يوم الجمعة قال القاضي وقد رويت عن النبي ص في كل هذا آثار مفسرة لهذه الأقوال قال وقيل عند الزوال وقيل من الزوال إلى أن يصير الظل نحو ذراع وقيل هي مخفية في اليوم كله كليلة القدر وقيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس قال القاضي وليس معنى هذه الأقوال أن هذا كله وقت لها بل معناه أنها تكون في أثناء ذلك الوقت لقوله وأشار بيده يقللها هذا كلام القاضي والصحيح بل
[ 141 ]
الصواب ما رواه مسلم من حديث أبي موسى عن النبي ص أنها ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضي الصلاة قوله عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة عن أبيه عن النبي ص هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه قال والصواب أنه من قول أبي بردة كذلك رواه يحيى القطان عن الثوري عن أبي اسحاق عن أبي بردة وتابعه واصل الا حدب ومخالد روياه عن أبي بردة من قوله وقال النعمان بن عبد السلام عن الثوري عن أبي اسحاق عن أبي بردة عن أبيه موقوف ولا يثبت قوله عن أبيه وقال أحمد بن حنبل عن حماد بن خالد قلت لمخرمة سمعت من أبيك شيئا قال لا هذا كلام الدارقطني وهذا الذي استدركه بناه على القاعدة المعروفة له ولأكثر أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع أو ارسال واتصال حكموا بالوقف والارسال وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخاري ومسلم ومحققي المحدثين أنه يحكم بالرفع والاتصال لأنها زيادة ثقة وقد سبق بيان هذه المسألة واضحا في الفصول اسابقة في مقدمة الكتاب وسبق التنبية على مثل هذا في مواضع أخر بعدها وقد روينا في سنن البيهقي عن أحمد بن سلمة قال ذاكرت مسلم ابن الحجاج حديث مخرمة هذا فقال مسلم هو أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة قوله ص خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة
[ 142 ]
وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة قال القاضي عياض الظاهر أن هذه الفضائل المعدودة ليست لذكر فضيلته لأن إخراج آدم وقيام الساعة لا يعد فضيلة وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله ودفع نقمته هذا كلام القاضي وقال أبو بكر بن العزى في كتابه الأحوذي في شرح الترمذي الجميع من الفضائل وخروج آدم من الجنة هو سبب وجود الذرية وهذا النسل العظيم ووجود الرسل والأنبياء والصالحين والأولياء ولم يخرج منها طردا بل لقضاء أوطار ثم يعود إليها وأما قيام الساعة فسبب لتعجيل جزاء الأنبياء والصديقين والأولياء وغيرهم وإظهار كرامتهم وشرفهم وفي هذا الحديث فضيلة يوم الجمعة ومزيته على سائر الأيام وفيه دليل لمسألة غريبة حسنة وهي لو قال لزوجته أنت طالق في أفضل الأيام وفيها وجهان لأصحابنا أصحهما تطلق يوم عرفة والثاني يوم الجمعة لهذا الحديث وهذا إذا لم يكن له نية فأما ان أراد أفضل أيام السنة فيتعين يوم عرفة وان أراد أفضل أيام الأسبوع فيتعين الجمعة ولو قال أفضل ليلة تعينت ليلة القدر وهي عند أصحابنا والجمهور منحصرة في العشر الأواخر من شهر رمضان فإن كان هذا القول قبل مضي أول ليلة من العشر طلقت في أول جزء من الليلة الأخيرة من الشهر وان كان بعد مضى ليلة من العشر أو أكثر لم تطلق إلا في أول جزء من مثل تلك الليلة في السنة الثانية وعلى قول من يقول هي منتقللا تطلق إلا في أول جزء من الليلة الأخيرة من الشهر والله أعلم قوله ص نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة قال العلماء معناه الآخرون في الزمان والوجود السابقون بالفضل ودخول الجنة فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم
[ 143 ]
قوله ص بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم هو بفتح الباء الموحدة واسكان المثناة تحت قال أبو عبيد لفظة بيد تكون بمعنى غير وبمعنى على ومعنى من أجل وكله صحيح هنا قال أهل اللغة ويقال ميد بمعنى بيد قوله ص هذا اليوم الذي كتبه الله علينا هدانا الله له فيه دليل لوجوب الجمعة وفيه فضيلة هذه الأمة قوله ص اليهود غدا أي عيد اليهود غدا لأن ظروف الزمان لا تكون اخبارا عن الجثث فيقدر فيه معنى يمكن تقديره خبرا قوله ص فهذا يومهم أي الذي اختلفوا فيه هدانا الله له قال القاضي الظاهر أنه فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة بغير تعيين ووكل إلى اجتهادهم لإقامة شرائعهم فيه فاختلف اجتهادهم في تعيينه ولم يهدهم الله له وفرضه على هذه الأمة مبينا ولم يكله إلى اجتهادهم ففازوا بتفضيله قال وقد جاء أن موسى عليه السلام أمرهم بالجمعة وأعلمهم بفضلها فناظروه أن السبت أفضل فقيل له دعهم قال القاضي ولو كان منصوصا لم يصح اختلافهم فيه بل كان يقول خالفوا فيه قلت ويمكن
[ 144 ]
أن يكون أمروا به صريحا ونص على عينه فاختلفوا فيه هل يلزم تعيينه أم لهم ابداله وأبدلوه وغلطوا في ابداله قوله ص أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فيه دلالة لمذهب أهل السنة أن الهدى والاضلال والخير والشر كله بارادة الله تعالى وهو فعله خلافا للمعتزلة
[ 145 ]
قوله ص ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة قال الخليل بن أحمد وغيره من أهل اللغة وغيرهم التهجير التبكير ومنه الحديث لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه أي التبكير إلى كل صلاة هكذا فسروه قال القاضي وقال الحربي عن أبي زيد عن الفراء وغيره التهجير السير في الهاجرة والصحيح هنا أن التهجير التبكير وسبق شرح تمام الحديث قريبا قوله مثل الجزور ثم نزلهم حتى صغر إلى مثل البيضة هكذا ضبطناه الأول مثل بتشديد الثاء وفتح الميم ونزلهم أي ذكر منازلهم في السبق والفضيلة وقوله صغر بتشديد الغين وقوله مثل البيضة هو بفتح الميم والثاء المخففة قوله ص فإذا جلس الإمام طووا الصحف وسبق في الحديث
[ 146 ]
الآخر من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ولا تعارض بينهما بل ظاهر الحديثين أن بخروج الإمام يحضرون ولا يطوون الصحف فإذا جلس على المنبر طووها وفيه استحباب الجلوس للخطبة أول صعوده حتى يؤذن المؤذن وهو مستحب عند الشافعي ومالك والجمهور وقال أبو حنيفة ومالك في رواية عنه لا يستحب ودليل الجمهور هذا الحديث مع أحاديث كثيرة في الصحيح والدليل على أنه ليس بواجب أنه ليس من الخطبة قوله ص من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام وفي الرواية الأخرى من توضأ فاحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام فيه فضيلة الغسل وأنه ليس بواجب للرواية الثانية وفيه استحباب وتحسين الوضوء ومعنى احسانه الاتيان به ثلاثا ثلاثا ودلك الاعضاء واطالة الغرة والتحجيل وتقديم الميامن والاتيان بسننه المشهورة وفيه أن التنفل قبل خروج الإمام يوم الجمعة مستحب وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وفيه أن النوافل المطلقة لا حد لها لقوله ص فصلى ما قدر له وفيه الانصات للخطبة وفيه أن الكلام بعد الخطبة قبل الاحرام بالصلاة لا بأس به قوله ص في الرواية الأولى ثم أنصت هكذا هو في أكثر النسخ المحققة المعتمدة ببلادنا
[ 147 ]
وكذا نقله القاضي عياض عن الجمهور ووقع في بعض الأصول المعتمدة ببلادنا انتصت وكذا نقله القاضي عن الباجي وآخرون انتصت بزيادة تاء مثناة فوق قال وهو وهم قلت ليس هو وهما بل هي لغة صحيحة قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر يقال أنصت ونصت وانتصت ثلاث لغات وقوله ص فاستمع وأنصت هما شيآن متمايزان وقد يجتمعان فالاستماع الاصغاء والانصات السكوت ولهذا قال الله تعالى قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وقوله حتى يفرغ من خطبته هكذا هو في الأصول من غير ذكر الإمام وعاد الضمير إليه للعلم به وان لم يكن مذكورا وقوله ص وفضل ثلاثة أيام وزيادة ثلاثة أيام هو بنصب فضل وزيدة على الظرف قال العلماء معنى المغفرة له ما بين الجمعيتين وثلاثة أيام أن الحسنة بعشر أمثالها وصار يوم الجمعة الذي فعل فيه هذه الأفعال الجميلة في معنى الحسنة التي تجعل بعشر أمثالها قال بعض أصحابنا والمراد بما بين الجمعتين من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل الوقت من الجمعة الثانية حتى تكون سبعة أيام بلا زيادة ولا نقصان ويضم إليها ثلاثة فتصير عشرة قوله ص ومن مس الحصا لغا فيه النهى عن مس الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة وفيه اشارة إلى اقبال القلب والجوارح على الخطبة والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود وقد سبق بيانه قريبا قوله في حديث جابر كنا نصلي مع رسول الله ص ثم نرجع فنريح نواضحنا وفسر الوقت بزوال الشمس وفي الرواية الأخرى حين تزول الشمس وفي حديث سهل
[ 148 ]
ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة وفي حديث سلمة كنا نجمع مع رسول الله ص إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفئ وفي رواية ما نجد للحيطان فيئا نستظل به هذه الأحاديث ظاهرة في تعجيل الجمعة وقد قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل واسحاق فجوازها قبل الزوال قال القاضي وروى في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح منها شئ إلا ما عليه الجمهور وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة لأنهم ندبوا
[ 149 ]
إلى التبكير إليها فلو اشتغلوا بشئ من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها وقوله نتتبع الفئ إنما كان ذلك لشدة التبكير وقصر حيطانه وفيه تصريح بأنه كان قد صار فئ يسير وقوله وما نجد فيئا نستظل به موافق لهذا فإنه لم ينف الفئ من أصله وإنما نفى ما يستطل به وهذا مع قصر الحيطان ظاهر في أن الصلاة كانت بعد الزوال متصلة به قوله نريح نواضحنا هو جمع ناضح وهو البعير الذي يستقي به سمى بذلك لأنه ينضح الماء أي يصبه ومعنى نريح أي نريحها من العمل وتعب السقي فنخليها منه وأشار القاضي إلى أنه يجوز أن يكون أراد الرواح للرعي قوله كنا نجمع هو بتشديد الميم المكسورة أي نصلي الجمعة قوله كان النبي ص يخطب يوم الجمعة قائما ثم يجلس ثم يقوم وفي حديث جابر بن سمرة كان للنبي ص خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس وفي رواية كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب وفي هذه الرواية دليل لمذهب الشافعي والأكثرين أن خطبة الجمعة لا تصح من القادر على القيام الا قائما في الخطبتين
[ 150 ]
ولا يصح حتى يجلس بينهما وأن الجمعة لا تصح إلا بخطبتين قال القاضي ذهب عامة العلماء إلى اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة وعن الحسن البصري وأهل الظاهر ورواية ابن الماجشون عن مالك أنها تصح بلا خطبة وحكى ابن عبد البر اجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون الا قائما لمن أطاقه وقال أبو حنيفة يصح قاعدا وليس القيام بواجب وقال مالك هو واجب لو تركه أساء وصحت الجمعة وقال أبو حنيفة ومالك والجمهور الجلوس بين الخطبتين سنة ليس بواجب ولا شرط ومذهب الشافعي أنه فرض وشرط لصحة الخطبة قال الطحاوي لم يقل هذا غير الشافعي ودليل الشافعي أنه ثبت هذا عن رسول الله ص مع قوله ص صلوا كما رأيتموني أصلي وقوله يقرأ القرآن ويذكر الناس فيه دليل للشافعي في أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقرآن قال الشافعي لا يصح الخطبتان الا بحمد الله تعالى والصلاة على رسول الله ص فيهما والوعظ وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين وتجب قراءة آية من القرآن في احداهما على الأصح ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح وقال مالك وأبو حنيفة والجمهور يكفي من الخطبة ما يقع عليه الاسم وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك في رواية عنه يكفي تحميده أو تسبيحه أو تهليلة وهذا ضعيف لأنه لا يسمى خطبة ولا يحصل به مقصودها مع مخالفته ما ثبت عن النبي ص قوله عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة المراد الصلوات الخمس لا الجمعة قوله ان ص كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشأم فانفتل الناس إليها حتى لم يبق الا اثنا عشر رجلا فانزلت هذه
[ 151 ]
الآية التي في الجمعة رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما وفي الرواية الأخرى اثنا عشر رجلا فيهم أبو بكر وعمر وفي الأخرى أنا فيهم فيه منقبة لأبي بكر وعمر وجابر وفيه أن الخطبة تكون من قيام وفيه دليل لمالك وغيره ممن قال تنعقد الجمعة باثنى عشر رجلا وأجاب أصحاب الشافعي وغيرهم ممن يشترط أربعين بأنه محمول على أنهم رجعوا أو رجع منهم تمام أربعين فأتم بهم الجمعة ووقع في صحيح البخاري بينما نحن نصلي مع النبي ص إذ أقبلت عير الحديث والمراد بالصلاة انتظارها في حال الخطبة كما وقع في روايات مسلم هذه قوله إذ أقبلت سويقة هو تصغير سوق والمراد العير المذكورة في الرواية الأولى وهي الابل التي تحمل الطعام أو التجارة لا تسمى عيرا إلا هكذا وسميت سوقا لأن البضائع تساق إليها وقيل لقيام الناس فيها على سوقهم قال القاضي وذكر أبو داود في مراسيله أن خطبة النبي ص هذه التي انفضوا عنها إنما كانت بعد صلاة الجمعة وظنوا أنه لا شئ
[ 152 ]
عليهم في الانفضاض عن الخطبة وأنه قبل هذه القضية إنما كان يصلي قبل الخطبة قال القاضي هذا أشبه بحال الصحابة والمظنون بهم أنهم ما كانوا يدعون الصلاة مع النبي ص ولكنهم ظنوا جواز الانصراف بعد انقضاء الصلاة قال وقد أنكر بعض العلماء كون النبي ص ما خطب قط بعد صلاة الجمعة لها قوله انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدا وقال الله تعالى رأوا تجارة أولهوا انفضوا إليها وتركوك قائما هذا الكلام يتضمن انكار المنكر والانكار على ولاة الأمور إذا خالفوا السنة ووجه استدلال بالآية أن الله تعالى أخبر أن النبي ص كان يخطب قائما وقد قال تعالى كان لكم في رسول الله أسوة حسنة مع قوله تعالى وقوله تعالى آتاكم الرسول فخذوه مع قوله ص صلوا كما رأيتموني أصلي قوله سمعنا رسول الله ص يقول على أعواد منبره لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم فيه استحباب اتخاذ المنبر وهو سنة مجمع عليها وقوله ودعهم أي تركهم وفيه أن الجمعة فرض عين ومعنى الختم الطبع والتغطية
[ 153 ]
قالوا في قول الله تعالى الله على قلوبهم أي طبع ومثله الرين فقيل الرين اليسير من الطبع والطبع اليسير من الإقفال والإقفال أشدها قال القاضي اختلف المتكلمون في هذا اختلافا كثيرا فقيل هو اعدام اللطف وأسباب الخير وقيل هو خلق الكفر في صدورهم وهو قول أكثر متكلمي أهل السنة قال غيرهم هو الشهادة عليهم وقيل هو علامة جعلها الله تعالى في قلوبهم لتعرف بها الملائكة من يمدح ومن يذم قوله فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق قوله كان رسول الله ص إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين اصبعيه السبابة والوسطى ويقول أما بعد فإن خير الحديث
[ 154 ]
كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثانها وكل بدعة ضلالة ثم يقول أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلى وعلى في هذا الحديث جمل من الفوائد ومهمات من القواعد فالضمير في قوله يقول صبحكم مساكم عائد على منذر جيش قوله ص بعثت أنا والساعة روى بنصبها ورفعها والمشهور نصبها على المفعول معه وقوله يقرن هو بضم الراء على المشهور الفصيح وحكى كسرها وقوله السبابة سميت بذلك لأنهم كانوا يشيرون بها عند السب وقوله خير الهدى هدى محمد هو بضم الهاء وفتح الدال فيهما وبفتح الهاء وإسكان الدال أيضا ضبطناه بالوجهين وكذا ذكره جماعة بالوجهين وقال القاضي عياض رويناه في مسلم بالضم وفي غيره بالفتح وبالفتح ذكره الهروي وفسره الهروي على رواية الفتح بالطريق أي أحسن الطرق طريق محمد يقال فلان حسن الهدى أي الطريقة والمذهب اهتدوا بهدي عمار وأما على رواية الضم فمعناه الدلالة والارشاد قال العلماء لفظ الهدى له معنيان أحدهما بمعنى الدلالة والارشاد وهو الذي يضاف إلى الرسل والقرآن والعباد وقال الله تعالى لتهدي إلى صراط مستقيم هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم للمتقين ومنه قوله تعالى ثمود فهديناهم أي بينا لهم الطريق ومنه قوله تعالى انا هديناه السبيل وهديناه النجدين والثاني بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة والتأييد وهو الذي تفرد الله به ومنه قوله تعالى لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وقالت القدرية حيث جاء الهدى فهو للبيان بناء على أصلهم الفاسد في انكار القدر ورد عليهم أصحابنا وغيرهم من أهل الحق مثبتي القدر لله تعالى بقوله تعالى يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ففرق بين الدعاء والهداية قوله ص وكل بدعة ضلالة هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع قال أهل اللغة هي كل شئ عمل على غير مثال سابق قال العلماء البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة فمن الواجبة نظم أدلة المتكلمين
[ 155 ]
للرد على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك ومن المندوبة تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والربط وغير ذلك ومن المباح التبسط في ألوان الأطعمة وغير ذلك والحرام والمكروه ظاهران وقد أوضحت المسألة بأدلتها المبسوطة في تهذيب الأسماء واللغات فإذا عرف ما ذكرته علم أن الحديث من العام المخصوص وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة ويؤيد ما قلناه قول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في التراويح نعمت البدعة ولا يمنع من كون الحديث عاما مخصوصا قوله كل بدعة مؤكدا بكل بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى كل شئ قوله ص أنا أولى بكل مؤمن من نفسه هو موافق لقول الله تعالى أولى بالمؤمنين من أنفسهم أي أحق قال أصحابنا فكأن النبي ص إذا اضطر إلى طعام غيره وهو مضطر إليه لنفسه كان للنبي ص أخذه من مالكه المضطر ووجب على مالكه بذله له ص قالوا ولكن هذا وان كان جائزا فما وقع قوله ص ومن ترك دينا أو ضياعا فإلى وعلى هذا تفسير لقوله ص أنا أولى بكل مؤمن من نفسه قال أهل اللغة الضياع بفتح الضاد العيال قال ابن قتيبة أصله مصدر ضاع يضيع ضياعا المراد من ترك أطفالا وعيالا ذوي ضياع فأوقع المصدر موضع الاسم قال أصحابنا وكان النبي ص لا يصلي على من مات وعليه دين لم يخلف به وفاء لئلا يتساهل الناس في الاستدانة ويهملوا الوفاء فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم فلما فتح الله على المسلمين مبادى الفتوح قال ص من ترك دينا فعلى أي قضاؤه فكان يقضيه واختلف أصحابنا هل كان النبي ص يجب عليه قضاء ذلك الدين أم كان يقضيه تكرما والأصح عندهم أنه كان واجبا عليه ص واختلف أصحابنا هل هذه من الخصائص أم لا فقال بعضهم هو من خصائص رسول الله ص ولا يلزم الإمام أن يقضي من بيت المال دين من مات وعليه دين إذا لم يخلف وفاء وكان في بيت المال سعة ولم يكن هناك أهم منه قوله ص بعثت أنا والساعة كهاتين قال القاضي يحتمل أنه تمثيل لمقاربتها وأنه ليس بينهما اصبع أخرى كما أنه لا نبي بينه وبين الساعة ويحتمل أنه لتقريب ما بينهما من المدة وأن التفاوت بينهما كنسبة التفاوت بين الاصبعين تقريبا لا تحديدا قوله إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يستدل به على أنه
[ 156 ]
يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويجزل كلامه ويكون مطابقا للفصل الذي يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب ولعل اشتداد غضبه كان عند انذاره أمرا عظيما وتحديده خطبا جسيما قوله ويقول أما بعد فيه استحباب قول أما بعد في خطب الوعظ والجمعة والعيد وغيرها وكذا في خطب الكتب المصنفة وقد عقد البخاري بابا في استحبابه وذكر فيه جملة من الأحاديث واختلف العلماء في أول من تكلم به فقيل داود عليه السلام وقيل يعرب بن قحطان وقيل قس بن ساعدة وقال بعض المفسرين أو كثير منهم أنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود وقال المحققون فصل الخطاب الفصل بين الحق والباطل قوله كانت خطبة النبي ص يوم الجمعة يحمد الله ويثنى عليه ثم يقول إلى آخره فيه دليل للشافعي رضي الله عنه أنه يجب حمد الله تعالى في الخطبة ويتعين لفظه ولا يقوم غيره مقامه قوله ان ضمادا قدم مكة وكان من أزد شنوءة وكان يرقى من هذه الريح أما ضمادا فبكسر الضاد المعجمة وشنوءة بفتح الشين وضم النون
[ 157 ]
وبعدها مدة ويرقى بكسر القاف والمراد بالريح هنا الجنون ومس الجن في غير رواية مسلم يرقى من الأرواح أي الجن سموا بذلك لأنهم لا يبصرهم الناس فهم كالروح والريح قوله فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس البحر ضبطناه بوجهين أشهرهما ناعوس بالنون والعين هذا هو الموجود في أكثر نسخ بلادنا والثاني قاموس بالقاف والميم وهذا الثاني هو المشهور في روايات الحديث في غير صحيح مسلم وقال القاضي عياض أكثر نسخ صحيح مسلم وقع فيها قاعوس بالقاف والعين قال ووقع عند أبي محمد بن سعيد تاعوس بالتاء المثناة فوق قال ورواه بعضهم ناعوس بالنون والعين قال وذكره أبو مسعود الدمشقي في أطراف الصحيحين والحميدي في الجمع بين الصحيحين قاموس بالقاف والميم قال بعضهم هو الصواب قال أبو عبيد قاموس البحر وسطه وقال ابن دريد لجته وقال صاحب كتاب العين قعره الأقصى وقال الحربي قاموس البحر قعره وقال أبو مروان بن سراج قاموس فاعول من قمسته إذا غمسته فقاموس البحر لجته التي تضطرب أمواجها ولا تستقر مياهها وهي لفظة عربية صحيحة وقال أبو علي الجياني لم أجد في هذه اللفظة ثلجا وقال شيخنا أبو الحسين قاعوس البحر بالقاف والعين صحيح بمعنى قاموس كانه من القعس وهو تطامن الظهر وتعمقه فيرجع إلى عمق البحر ولجته هذا آخر كلام القاضي رضي الله عنه وقال أبو موسى الاصفهاني وقع في صحيح مسلم ناعوس البحر بالنون والعين قال
[ 158 ]
وفي سائر الروايات قاموس وهو وسط ولجته قال وليست هذه اللفظة موجودة في مسند اسحاق بن راهويه الذي روى مسلم هذا الحديث عنه لكنه قرنه بأبي موسى فلعله في رواية أبي موسى قال وإنما أورد مثل هذه الألفاظ لأن الإنسان قد يطلبها فلا يجدها في شئ من الكتب فيتحير فإذا نظر في كتابي عرف أصلها ومعناها قوله هات هو بكسر التاء قوله أصبت مطهرة هي بكسر الميم وفتحها حكاها ابن السكيت وغيره الكسر أشهر قوله عبد الملك بن أبجر بالجيم قوله واصل بن حيان بالمثناة قوله لو كنت تنفست أي أطلت قليلا قوله ص مئنة من فقهه بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علامة قال الأزهري والأكثرون الميم فيها زائدة وهي مفعلة قال الهروي قال الأزهري غلط أبو عبيد في جعله الميم أصلية قال القاضي عياض قال شيخنا ابن سراج هي أصلية قوله ص واقصروا الخطبة الهمزة في واقصروا همزة وصل وليس هذا الحديث مخالفا للأحاديث المشهورة في الأمر بتخفيف الصلاة لقوله في الرواية الأخرى وكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا لأن المراد
[ 159 ]
بالحديث الذي نحن فيه أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلا يشق على المأمومين وهي حينئذ قصد أي معتدلة والخطبة قصد بالنسبة إلى وضعها قوله ص وان من البيان سحرا قال أبو عبيد هو من الفهم وذكاء القلب قال القاضي فيه تأويلان أحدهما أنه ذم لأنه امالة القلوب وصرفها بمقاطع الكلام إليه حتى يكسب من الاثم به كما يكسب بالسحر وأدخله مالك في الموطأ في باب ما يكره من الكلام وهو مذهبه في تأويل الحديث والثاني أنه مدح لأن الله تعالى امتن على عباده بتعليمهم البيان وشبهه بالسحر لميل القلوب إليه وأصل السحر الصرف فالبيان يصرف القلوب ويميلها إلى ما تدعو إليه هذا كلام القاضي وهذا التأويل الثاني هو الصحيح المختار قوله عن ابن أبجر عن واصل عن أبي وائل قال خطبنا عمار هذا الاسناد مما استدركه الدارقطني وقال تفرد به ابن أبجر عن واصل عن أبي وائل وخالفه الأعمش وهو أحفظ بحديث أبي وائل فحدث به عن أبي وائل عن ابن مسعود هذا كلام الدارقطني وقد قدمنا أن مثل هذا الاستدراك مردد لأن ابن أبجر ثقة يوجب قبول روايته قوله فقد رشد بكسر الشين وفتحها قوله ان رجلا خطب عند النبي ص فقال ميطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول الله ص بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى قال القاضي وجماعة من العلماء إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضى للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال ص في الحديث الآخر لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والايضاح واجتناب الاشارات والرموز ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله ص
[ 160 ]
كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ليفهم وأما قول الأوليين فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله ص كقوله ص أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وغيره من الأحاديث وإنما ثنى الضمير ههنا لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظه وإنما يراد الاتعاظ بها ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود باسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال علمنا رسول الله ص خطبة الحاجة الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فانه لا يضر الا نفسه ولا يضر الله شيئا والله أعلم قوله قال ابن نمير فقد غوى هكذا وقع في النسخ غوى بكسر الواو قال القاضي وقع في روايتي مسلم بفتح الواو وكسرها والصواب الفتح وهو من الغي وهو الانهماك في الشر قوله سمع النبي ص يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك فيه القراءة في الخطبة وهي مشروعة بلا خلاف واختلفوا في وجوبها والصحيح عندنا وجوبها وأقلها آية
[ 161 ]
قوله ما حفظت ق إلا من في رسول الله ص يخطب بها كل جمعة قال العلماء سبب اختيار ق أنها مشتملة على البعث والموت والمواعظ الشديدة والزواجر الأكيدة وفيه دليل للقراءة في الخطبة كما سبق وفيه استحباب قراءة ق أو بعضها في كل خطبة قوله عن أخت لعمرة هذا صحيح يحتج به ولا يضر عدم تسميتها لأنها صحابية والصحابة كلهم عدول قوله حارثة بن النعمان هو بالحاء المهملة قوله سعيد عن خبيب هو بضم الخاء المعجمة وهو خبيب بن عبد الرحمن ابن خبيب يساف الأنصاري سبق بيانه مرات قولها وكان تنورنا وتنور رسول الله ص واحدا اشارة إلى حفظها ومعرفتها بأحوال النبي ص وقربها من منزله قوله عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة هكذا هو في جميع النسخ سعد بن زرارة وهو الصواب وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ وروايات جميع شيوخهم قال وهو الصواب قال وزعم بعضهم أن صوابه أسعد وغلط في زعمه وإنما أوقعه في الغلط اغتراره بما في كتاب الحاكم أبي عبد الله بن البيع فإنه قال صوابه أسعد ومنهم من قال سعد وحكى ما ذكره عن البخاري والذي في تاريخ البخاري ضد ما قاله فانه قال في تاريخه سعد وقيل أسعد وهو وهم فانقلب الكلام على الحكم وأسعد بن زرارة سيد الخزرج وأخوه هذا سعد بن زرارة جد يحيى وعمرة أدرك الاسلام ولم يذكره كثيرون في الصحابة لأنه ذكر في المنافقين قوله
[ 162 ]
عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه حين رفع بشر بن مروان يديه في الخطبة قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله ص ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بأصبعه المسبحة هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية اباحته لأن النبي ص رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعار ض قوله بينا النبي ص يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل فقال له النبي ص أصليت يا فلان قال لا قال قم فاركع وفي رواية قم فصل
[ 163 ]
الركعتين وفي رواية صل ركعتين وفي رواية أركعت ركعتين قال لا قال اركع وفي رواية أن النبي ص = خطب فقال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام ليصل
[ 164 ]
ركعتين وفي رواية قال جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله ص يخطب فجلس فقال يا سليك قم واركع ركعتين وتجوز فيهما ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد و اسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب استحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويكره الجلوس قبل أن يصليهما وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة وحكى هذا المذهب أيضا عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين قال القاضي وقال مالك والليث وأبو حنيفة والثوري وجمهور السلف من الصحابة والتابعين لا يصليهما وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وحجتهم الأمر بالانصات للإمام وتأولوا هذه الأحاديث أنه كان عريانا فأمره النبي ص بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا عليه وهذ تأويل باطل يرده صريح قوله ص إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ صحيحا فيخالفه وفي هذه الأحاديث أيضا جواز الكلام في الخطبة لحاجة وفيها جوازه للخطيب وغيره وفيها الأمر بالمعروف والارشاد إلى المصالح في كل حال وموطن وفيها أن تحية المسجد ركعتان وأن نوافل النهار ركعتان وأن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس في حق جاهل حكمها وقد أطلق أصحابنا فواتها بالجلوس وهو محمول على العالم بأنها سنة أما الجاهل فيتداركها على قرب لهذا الحديث والمستنبط من هذه الأحاديث أن تحية المسجد لا تترك في أوقات النهي عن الصلاة وأنها ذات سبب تباح في كل وقت ويلحق بها كل ذوات الأسباب كقضاء الفائتة
[ 165 ]
ونحوها لأنها لو سقطت في حال لكان هذا الحال أولى بها فإنه مأمور باستماع الخطبة فلما ترك لها استماع الخطبة وقطع النبي ص لها الخطبة وأمره بها بعد أن قعد وكان هذا الجالس جاهلا حكمها دل على تأكدها وأنها لا تترك بحال ولا في وقت من الأوقات والله أعلم قوله انتهيت إلى رسول الله ص وهو يخطب فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه قال فأقبل على رسول الله ص وترك خطبته حتى انتهى إلى فأتى بكرسي حسبت قوائمه حديدا قال فقعد عليه رسول الله ص وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها هكذا هو في جميع النسخ حسبت ورواه ابن أبي خيثمة في غير صحيح مسلم خلت بكسر الخاء وسكون اللام وهو بمعنى حسبت قال القاضي ووقع في نسخة ابن الحذاء خشب بالخاء والشين المعجمتين وفي كتاب ابن قتيبة خلب بضم لخاء وآخره باء موحدة وفسره بالليف وكلاهما تصحيف والصواب حسبت بمعنى ظننت كما هو في نسخ مسلم وغيره من الكتب المعتمدة وقوله رجل غريب يسأل عن دينه لا يدري ما دينه فيه استحباب تلطف السائل في عبارته وسؤاله العالم وفيه تواضع النبي ص ورفقه بالمسلمين وشفقته عليهم وخفض جناحه لهم وفيه المبادرة إلى جواب المستفتي وتقديم أهم الأمور فأهمها ولعله كان سأل عن الإيمان وقواعده المهمة وقد اتفق العلماء على أن من جاء يسأل عن الإيمان وكيفية الدخول في الاسلام وجب اجابته وتعليمه على الفور وقعوده ص على الكرسي ليسمع الباقون كلامه ويروا شخصه الكريم
[ 166 ]
ويقال كرسي بضم الكاف وكسرها والضم أشهر ويحتمل أن هذه الخطبة التي كان النبي ص فيها خطبة أمر غير الجمعة ولهذا قطعها بهذا الفصل الطويل ويحتمل أنها كانت الجمعة واستأنفها ويحتمل أنه لم يحصل فصل طويل ويحتمل أن كلامه لهذا الغريب كان متعلقا بالخطبة فيكون منها ولا يضر المشي في أثنائها قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ص قرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة سورة الجمعة وفي الثانية المنافقين فيه استحباب قراءتهما بكمالهما فيهما وهو مذهبنا ومذهب آخرين قال العلماء والحكمة في قراءة الجمعة اشتمالها على وجوب الجمعة وغير ذلك من أحكامها وغير ذلك مما فيها من القواعد والحث على التوكل والذكر وغير ذلك وقراءة سورة المنافقين لتوبيخ حضاريها منهم وتنبيههم على التوبة وغير ذلك مما
[ 167 ]
فيها من القواعد لأنهم ما كانوا يجتمعون في مجلس أكثر من اجتماعهم فيها قوله كان رسول الله ص يقرأ في العيدين وفي الجمعة " باسم ربك الأعلى " وأتاك حديث الغاشية فيه استحباب القراءة فيهما بهما وفي الحديث الأخر القراءة في العيد بقاف واقتربت وكلاهما صحيح فكان ص في وقت يقرأ في الجمعة الجمعة والمنافقين وفي وقت سبح وهل أتاك وفي وقت يقرأ في العيد قاف واقتربت وفي وقت سبح وهل أتاك قوله عن مخول عن مسلم البطين أما مخول فبضم الميم وفتح الخاء المعجمة والواو المشددة هذا هو المشهور الأصوب وحكى صاحب المطالع هذا عن الجمهور قال وضبطه بعضهم بكسر الميم واسكان الخاء وأما البطين فبفتح الباء وكسر الطاء قوله ان النبي ص كان يقرأ في الصبح
[ 168 ]
يوم الجمعة في الأولى تنزيل السجدة وفي الثانية هل أتى على الإنسان حين من الدهر فيه دليل لمذهبنا ومذهب موافقينا في استحبابهما في صبح الجمعة وأنه لا تكره قراءة آية السجدة في الصلاة ولا السجود ذكر مالك وآخرون ذلك وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المروية من طرق عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم قوله ص إذا صلى أحدكم الجمعة
[ 169 ]
فليصل بعدها أربعا وفي رواية إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعا وفي رواية من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا وفي رواية أنه ص كان يصلي بعدها ركعتين في هذه الأحاديث استحباب سنة الجمعة بعدها والحث عليها وأن أقلها ركعتان وأكملها أربع فنبه ص بقوله إذا صلى أحدكم بعد الجمعة فليصل بعدها أربع على الحث عليها فأتى بصيغة الأمر ونبه بقوله ص من كان منكم مصليا على أنها سنة ليست واجبة وذكر الأربع لفضيلتها وفعل الركعتين في أوقات بيانا لأن أقلها ركعتان ومعلوم أنه ص كان يصلي في أكثر الأوقات أربعا لأنه أمرنا بهن وحثنا عليهن
[ 170 ]
وهو أرغب في الخير وأحرص عليه وأولى به قوله قال يحيى أظنني قرأت فيصلي أو ألبتة معناه أظن أني قرأت على مالك في روايتي عنه فيصلي أو أجزم بذلك فحاصله أنه قال أظن هذه اللفظة أو أجزم بها قوله ابن أبي الخوار هو بضم الخاء المعجمة قوله صليت معه الجمعة في المقصورة فيه دليل على جواز اتخاذها في المسجد إذا رآها ولي الأمر مصلحة قالوا وأول من عملها معاوية ابن أبي سفيان حين ضربه الخارجي قال القاضي واختلفوا في المقصورة فأجازها كثيرون من السلف وصلوا فيها منهم الحسن والقاسم بن محمد وسالم وغيرهم وكرهها ابن عمر والشعبي وأحمد واسحاق وكان ابن عمر إذا حضرت الصلاة وهو في المقصورة خرج منها إلى المسجد قال القاضي وقيل إنما يصح فيها الجمعة إذا كانت مباحة لكل أحد فإن كانت مخصوصة ببعض الناس ممنوعة من غيرهم لم تصح فيها الجمعة لخروجها عن حكم الجامع قوله فان رسول الله ص أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج فيه دليل لما قاله أصحابنا أن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها عن موضع الفريضة إلى موضع آخر وأفضل التحول إلى بيته والا فموضع آخر
[ 171 ]
من المسجد أو غيره ليكثر مواضع سجوده ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة وقوله حتى نتكلم دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام أيضا ولكن بالانتقال أفضل لما ذكرناه والله أعلم كتاب صلاة العيدين هي عند الشافعي وجمهور أصحابه وجماهير العلماء سنة مؤكدة وقال أبو سعيد الاصطخري من الشافعية هي فرض كفاية وقال أبو حنيفة هي واجبة فإذا قلنا فرض كفاية فامتنع أهل موضع من اقامتها قوتلوا عليها كسائر فروض الكفاية وإذا قلنا إنها سنة لم يقاتلوا بتركها كسنة الظهر وغيرها وقيل يقاتلون لأنها شعار ظاهر قالوا وسمى عيدا لعوده وتكرره وقيل لعود السرور فيه وقيل تفاؤلا بعوده على من أدركه كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤلا لقفولها سالمة وهو رجوعها وحقيقتها الراجعة قوله شهدت صلاة الفطر مع نبي الله ص وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب فيه دليل لمذهب العلماء كافة أن خطبة العيد بعد الصلاة قال القاضي هذا هو المتفق عليه من مذاهب علماء الأمصار وأئمة
[ 172 ]
الفتوى ولا خلاف بين أئمتهم فيه وهو فعل النبي ص والخلفاء الراشدين بعده إلا ما روى أن عثمان في شطر خلافته الأخير قدم الخطبة لأنه رأى من الناس من تفوته الصلاة وروى مثله عن عمر وليس بصحيح وقيل ان أول من قدمها معاوية وقيل مروان بالمدينة في خلافة معاوية وقيل زياد بالبصرة في خلافة معاوية وقيل فعله ابن الزهري في آخر أيامه قوله يجلس الرجال بيده هو بكسر اللام المشددة أي يامرهم بالجلوس قوله فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن يا نبي الله لا يدري حينئذ من هي هكذا وقع في جميع نسخ مسلم حينئذ وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ قال هو وغيره وهو تصحيف وصوابه لا يدري حسن من هي وهو حسن بن مسلم رواية عن طاوس عن ابن عباس ووقع في البخاري على الصواب من رواية اسحاق نصر عن عبد الرزاق لا يدري حسن قلت ويحتمل تصحيح حينئذ ويكون معناه لكثرة النساء واشتمالهن ثيابهن لا يدري من هي قوله فنزل النبي ص حتى جاء النساء ومعه بلال قال القاضي هذا النزول كان في أثناء الخطبة وليس كما قال إنما نزل إليهن بعد فراغ خطبة العيد وبعد انقضاء وعظ الرجال وقد ذكره مسلم صريحا في حديث جابر قال فصلى ثم خطب الناس فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن فهذا صريح في أنه أتاهن بعد فراغ خطبة الرجال وفي هذه الأحاديث استحباب وعظ النساء وتذكيرهن الآخرة وأحكام الاسلام وحثهن على الصدقة وهذا إذا لم يترتب على ذلك مفسدة وخوف على الواعظ أو الموعوظ أو غيرهما وفيه أن النساء إذا حضرن صلاة الرجال ومجامعهم يكن بمعزل عنهم خوفا من فتنة أو نظرة أو فكر ونحوه وفيه أن صدقة التطوع لا تفتقر إلى
[ 173 ]
إيجاب وقبول بل تكفي فيها المعاطاة لأنهن ألقين الصدقة في ثوب بلال من غير كلام منهن ولا من بلال ولا من غيره وهذا هو الصحيح في مذهبنا وقال أكثر أصحابنا العراقيين تفتقر إلى إيجاب وقبول باللفظ كالهبة والصحيح الأول وبه جزم المحققون قوله فدى لكن أبي وأمي هو مقصور بكسر الفاء وفتحها والظاهر أنه من كلام بلال قوله فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال هو بفتح الفاء والتاء المثناة فوق وبالخاء المعجمة واحدها فتخة كقصبة وقصب واختلف في تفسيرها ففي صحيح البخاري عن عبد الرزاق قال هي الخواتيم العظام وقال الاصمعي هي خواتيم لا فصوص لها وقال ابن السكيت خواتيم تلبس في أصابع اليد وقال ثعلب وقد يكون في أصابع الواحد من الرجال وقال ابن دريد وقد يكون لها فصوص وتجمع أيضا فتخات وأفتاخ والخواتيم جمع خاتم وفيه أربع لغات فتح التاء وكسرها وخانام وخيتام وفي هذا الحديث جواز صدقة المرأة من مالها بغير اذن زوجها ولا يتوقف ذلك على ثلث مالها هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال مالك لا يجوز الزيادة على ثلث مالها الا برضاء زوجها ودليلنا من الحديث أن النبي ص لم يسألهن استأذن أزواجهن في ذلك أم لا وهل هو خارج من الثلث أم لا ولو اختلف الحكم بذلك لسأل وأشار القاضي إلى الجواب عن مذهبهم بأن الغالب حضور أزواجهن فتركهم الانكار يكون رضاء بفعلهن وهذا الجواب ضعيف أو باطل لانهن كن معتزلات لا يعلم الرجال من المتصدقة منهن من غيرها ولا قدر ما يتصدق به ولو علموا فسكوتهم ليس اذنا قوله وبلال قائل بثوبه هو بهمزة قبل اللام
[ 174 ]
يكتب بالياء أي فاتحا ثوبه للأخذ فيه وفي الرواية الأخرى وبلال باسط ثوبه معناه أنه بسطه ليجمع الصدقة فيه ثم يفرقها النبي ص على المحتاجين كما كانت عادته ص في الصدقات المتطوع بها والزكوات وفيه دليل على أن الصدقات العامة أنما يصرفها في مصارفها الإمام قوله يلقين النساء صدقة هكذا هو في النسخ يلقين وهو جائز على تلك اللغة القليلة الاستعمال منها يتعاقبون فيكم ملائكة وقوله أكلوني البراغيث قوله تلقى المرأة فتخها ويلقين ويلقين هكذا هو في النسخ مكرر وهو صحيح ومعناه ويلقين كذا ويلقين كذا كما ذكره في باقي الروايات قوله لعطاء أحقا على الإمام الآن أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن قال أي لعمري ان ذلك لحق وما لهم لا يفعلون ذلك قال القاضي هذا الذي قاله عطاء غير موافق عليه وليس كما قال القاضي بل يستحب إذا لم يسمعهن أن يأتيهن بعد فراغه ويعظهن ويذكرهن إذا لم يترتب الآن وفي كل الأزمان بالشروط المذكورة وأي دافع يدفعها عن هذه
[ 175 ]
السنة الصحيحة والله أعلم قوله فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة هذا ديل على أنه لا أذان ولا إقامة للعيد وهو إجماع العلماء اليوم وهو المعروف من فعل النبي ص والخلافاء الراشدين ونقل عن بعض السلف فيه شئ خلاف اجماع من قبله وبعده ويستحب أن يقال فيها الصلاة جامعة بنصبها الأول على الاغراء والثاني على الحال قوله فقالت امرأة من سطة النساء هكذا هو في النسخ سطة بكسر السين وفتح الطاء المخففة وفي بعض النسخ واسطة النساء قال القاضي معناه من خيارهن والوسط العدل والخيار قال وزعم حذاق شيوخنا ان هذا الحرف مغير في كتاب مسلم وأن صوابه من سفلة النساء وكذا رواه ابن أبي شيبة في مسنده والنسائي في سننه وفي رواية لابن أبي شيبة امرأة ليست من علية النساء وهذا ضد التفسير الأول ويعضده قوله بعد سفعاء الخدين هذا كلام القاضي وهذا الذي ادعوه من تغيير الكلمة غير مقبول بل هي صحيحة وليس المراد بها من خيار النساء كما فسره هو بل المراد امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن قال الجوهري وغيره من أهل اللغة يقال وسطت القوم اسطهم وسطا وسطة أي توسطتهم قوله سفعاء الخدين بفتح السين المهملة أي فيها تغير وسواد قوله ص تكثرن الشكاء هو بفتح الشين أي الشكوى قوله ص وتكفرن العشير قال أهل اللغة العشير المعاشر والمخالط وحمله الأكثرون هنا على الزوج وقال آخرون هو كل مخالط قال الخليل يقال هو العشير والشعير على القلب ومعنى الحديث أنهن يجحدن الاحسان لضعف عقلهن وقلة معرفتهن فيستدل به على ذم من يجحد احسان ذي احسان
[ 176 ]
قوله من اقرطتهن هو جمع قرط قال ابن دريد كل ما علق من شحمة الأذن فهو قرط سواء كان من ذهب أو خرز وأما الخرص فهو الحلقة الصغيرة من الحلي قال القاضي قيل الصواب قرطتهن بحذف الألف وهو المعروف في جمع قرط كخرج وخرجة ويقال في جمعه قراط كرمح ورماح قال القاضي لا يبعد صحة اقرطة ويكون جمع جمع أي جمع قراط لا سيما وقد صح في الحديث قوله عن جابر رضي الله عنه لا أذان يوم الفطر ولا إقامة ولا نداء أو لا شئ هذا ظاهره مخالف لما
[ 177 ]
يقوله أصحابنا وغيرهم أنه يستحب أن يقال الصلاة جامعة كما قدمنا فيتأول على أن المراد لا أذان ولا إقامة ولا نداء في معناهما ولا شئ‌من ذلك قوله أن رسول الله ص كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى وأنه أفضل من فعلها في المسجد وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار وأما أهل مكة فلا يصلونها الا في المسجد من الزمن الأول ولأصحابنا وجهان أحدهما الصحراء أفضل لهذا الحديث والثاني وهو الأصح عند أكثرهم المسجد أفضل إلا أن يضيق قالوا وإنما صلى أهل مكة في المسجد لسعته وإنما خرج النبي ص إلى المصلى لضيق المسجد فدل على أن المسجد أفضل إذا اتسع قوله فخرجت مخاصرا مروان أي مماشيا له يده في يدي هكذا فسروه قوله فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة فيه أن الخطبة للعيد بعد الصلاة
[ 178 ]
وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان كان المنكر عليه واليا وفيه أن الانكار عليه يكون باليد لمن أمكنه ولا يجزي عن اليد اللسان مع امكان اليد قوله أين الابتداء بالصلاة هكذا ضبطناه على الأكثر وفي بعض الأصول الابتاء بالا التي هي للاستفتاح وبعدها نون ثم باء موحدة وكلاهما صحيح والأول أجود في هذا الموطن لأنه ساقه للإنكار عليه قوله لا تأتون بخير مما أعلم هو كما قال لأن الذي يعلم هو طريق النبي ص وكيف يكون غيره خيرا منه قوله ثم انصرف قال القاضي عن جهة المنبر إلى جهة الصلاة وليس معناه أنه انصرف من المصلى وترك الصلاة معه بل في رواية البخاري أنه صلى معه وكلمه في ذلك بعد الصلاة وهذا يدل على صحة الصلاة بعد الخطبة ولولا صحتها كذلك لما صلاها معه واتفق أصحابنا على أنه لو قدمها على الصلاة صحت ولكنه يكون تاركا للسنة مفوتا للفضيلة بخلاف خطبة الجمعة فإنه يشترط لصحة صلاة الجمعة تقدم خطبتها عليها لأن خطبة الجمعة واجبة وخطبة العيد مندوبة قولها أمرنا أن نخرج في العيدين الأواتق وذوا ت الخدور قال أهل اللغة العواتق جمع عاتق وهي الجارية البالغة وقال ابن دريد هي التي قاربت البلوغ قال ابن السكيت هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس ما لم تتزوج والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بلا زوجة حتى تطعن في السن قالوا سميت عاتقا لأنها عتقت من امتهانها في الخدمة والخروج في الحوائج وقيل قاربت أن تتزوج فتعتق من قهر أبويها وأهلها وتستقل في بيت زوجها والخدور البيوت وقيل الخدستر يكون في ناحية البيت وقولها في الرواية الأخرى والمخبأة هي بمعنى ذات الخدر قال أصحابنا يستحب اخراج النساء غير ذوات الهيئات والمستحسنات في العيدين دون غيرهن وأجابوا عن اخراج ذوات الخدور والمخبأة بأن المفسدة في ذلك الزمن كانت مأمونة بخلاف اليوم ولهذا صح عن عائشة رضي الله عنها لو رأى رسول الله ص ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني اسرائيل قال القاضي
[ 179 ]
عياض واختلف السلف في خروجهن للعيدين فرأى جماعة ذلك حقا عليهن منهم أبو بكر وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم ومنهم من منعهن ذلك منهم عروة والقاسم ويحيى الأنصاري ومالك وأبو يوسف وأجازه أبو حنيفة مرة ومنعه مرة قولها وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين هو بفتح الهمزة والميم في أمر فيه منع الحيض من المصلى واختلف أصحابنا في هذا المنع فقال الجمهور هو منع تنزيه لا تحريم وسببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة وإنما لم يحرم لأنه ليس مسجدا وحكى أبو الفرج الدارمي من أصحابنا عن بعض أصحابنا أنه قال يحرم المكث في المصلى على الحائض كما يحرم مكثها في المسجد لأنه موضع للصلاة فأشبه المسجد والصواب الأول قولها في الحيض يكبرن مع النساء فيه جواز ذكر الله تعالى للحائض والجنب وإنما يحرم عليها القرآن وقولها يكبرن مع النا س دليل على استحباب التكبير لكل احد في العيدين وهو مجمع عليه قال أصحابنا يستحب التكبير ليلتي العيدين وحال الخروج إلى الصلاة قال القاضي التكبير في العيدين أربعة مواطن في السعي إلى الصلاة إلى حين يخرج الإمام والتكبير في الصلاة وفى الخطبة وبعد الصلاة أما الأول فاختلفوا فيه فاستحبه جماعة من الصحابة والسلف فكانوا يكبرون إذا خرجوا حتى يبلغوا المصلى يرفعون أصواتهم وقال الأوزاعي ومالك والشافعي وزاد استحبابه ليلة العيدين وقال أبو حنيفة يكبر في الخروج للأضحى دون الفطر وخالفه أصحابه فقالوا بقول الجمهور وأما التكبير بتكبير الإمام في الخطبة فمالك يراه وغيره يأباه وأما التكبير المشروع في أول صلاة العيد فقال الشافعي هو سبع في الأولى غير تكبيرة الإحرام وخمس في الثانية غير تكبيرة القيام وقال مالك وأحمد
[ 180 ]
وأبو ثور كذلك لكن سبع في الأولى احداهن تكبيرة الاحرام وقال الثوري وأبو حنيفة خمس في الأولى وأربع في الثانية بتكبيرة الاحرام والقيام وجمهور العلماء يرى هذه التكبيرات متوالية متصلة وقال عطاء والشافعي وأحمد يستحب بين كل تكبيرتين ذكر الله تعالى وروي هذا أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه وأما التكبير بعد الصلاة في عيد الأضحى فاختلف علماء السلف ومن بعدهم فيه على نحو عشرة مذاهب هل ابتداؤه من صبح يوم عرفة أو ظهره أو صبح يوم النحر أو ظهره وهل انتهاؤه في ظهر يوم النحر أو ظهر أول أيام النفر أو في صبح أيام التشريق أو ظهره أو عصره واختار مالك والشافعي وجماعة ابتداءه من ظهر يوم النحر وانتهاءه صبح آخر أيام التشريق وللشافعي قوله إلى العصر من آخر أيام التشريق وقول أنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الراجح عند جماعة من أصحابنا وعليه العمل في الأمصار قولها ويشهدن الخير ودعوة المسلمين فيه استحباب حضور مجامع الخير ودعاء المسلمين وحلق الذكر والعلم ونحو ذلك قوله لا يكون لها جلباب قال النضر بن شميل هو ثوب أقصر وأعرض من الخمار وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها وقيل هو ثوب واسع دون الرداء تغطى به صدرها وظهرها وقيل هو كالملاءة والملحفة وقيل هو الازار وقيل الخمار قوله ص لتلبسها أختها من جلبابها الصحيح أن معناه لتلبسها جلبابا لا يحتاج إلى عارية وفيه الحث على حضور العيد لكل أحد وعلى المواساة والتعاون على البر والتقوى قوله فصلى
[ 181 ]
ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها فيه أنه لا سنة لصلاة العيد قبلها ولا بعدها واستدل به مالك في أنه يكره الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين قال الشافعي وجماعة من السلف لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها وقال الأوزاعي وأبو حنيفة والكوفيون لا يكره بعدها وتكره قبلها ولا حجة في الحديث لمن كرهها لأنه لا يلزم من ترك الصلاة كراهتها والأصل أن لا منع حتى يثبت قوله وتلقى سخابها هو بكسر السين وبالخاء المعجمة وهو قلادة من طيب معجون على هيئة الخرز يكون من مسك أو قرنفل أو غيرهما من الطيب ليس فيه شئ من الجوهر وجمعه سخب ككتاب وكتب قوله عن عبيد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد رضي الله عنه وفي الرواية الأخرى عن عبيد الله عن أبي واقد قال سألني عمر بن الخطاب هكذا هو في جميع النسخ فالرواية الأولى لأم سلمة لأن عبيد الله لم يدرك عمر ولكن الحديث صحيح بلا شك متصل من الرواية الثانية فإنه أدرك أبا واقد بلا شك وسمعه بلا خلاف فلا عتب على مسلم حينئذ في روايته فإنه صحيح متصل والله أعلم قوله عن أبي واقد سألني عمر قالوا يحتمل أن
[ 182 ]
عمر رضي الله عنه شك في ذلك فاستثبته أو أراد اعلام الناس بذلك أو نحو هذا من المقاصد قالوا ويبعد أن عمر لم يكن يعلم ذلك مع شهوده صلاة العيد مع رسول الله ص مرات وقربه منه ففيه دليل للشافعي وموافقيه أنه تسن القراءة بهما في العيدين قال العلماء والحكمة في قراءتهما لما اشتملتا عليه من الأخبار بالبعث والاخبار عن القرون الماضية واهلاك المكذبين وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر والله أعلم قولها وعندي جاريتان تغنيان بما تقاولت به الانصار يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين أما بعاث فبضم الباء الموحدة وبالعين المهملة ويجوز صرفه وترك صرفه وهو الأشهر وهو يوم جرت فيه بين قبيلتي الانصار الأوس والخزرج في الجاهلية حرب وكان الظهور فيه للأوس قال القاضي قال الأكثرون من أهل اللغة وغيرهم هو بالعين المهملة وقال أبو عبيدة بالغين المعجمة والمشهور المهملة كما قدمناه وقولها وليستا بمغنيتين معناه ليس الغناء عادة لهما ولا هما معروفتان به واختلف العلماء في الغناء فأباحه جماعة من أهل الحجاز وهي رواية عن مالك وحرمه أبو حنيفة وأهل العراق ومذهب الشافعي كراهته وهو المشهور من مذهب مالك واحتج المجوزون بهذا الحديث وأجاب الآخرون بأن هذا الغناء إنما كان في الشجاعة والقتل والحذق في القتال ونحو ذلك مما لا مفسدة فيه بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر ويحملها على البطالة والقبيح قال القاضي إنما كان غناؤهم بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة وهذا لا يهيج الجواري على شر ولا انشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه وإنما هو رفع الصوت بالانشاد ولهذا قالت وليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يتغنى
[ 183 ]
بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل الغنا فيه الزنا وليستا أيضا ممن اشتهر وعرف باحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا والعرب تسمى الانشاد غناء وليس هو من الغناء المختلف فيه بل هو مباح وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الانشاد والترنم وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبي ص وفي هذا كله اباحة مثل هذا وما في معناه وهذا ومثله ليس بحرام ولا يخرج الشاهد قوله أبمزمور الشيطان هو بضم الميم الأولى وفتحها والضم أشهر ولم يذكر القاضي غيره ويقال أيضا مزمار بكسر الميم وأصله صو ت بصفير والزمير الصوت الحسن ويطلق على الغناء أيضا قوله أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله ص فيه أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تنزه عن الهوى واللغو ونحوه والم يكن فيه اثم وفيه أن التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما يستنكر أو لا يلي بمجلس الكبير ينكره ولا يكون بهذا افتياتا على الكبير بل هو أدب ورعاية حرمة واجلال للكبير من أن يتولى ذلك بنفسه وصيانة لمجلسه وإنما سكت النبي ص عنه لأنه مباح لهن وتسجى بثوبه وحول وجهه اعراضا عن اللهو ولئلا يستحيين فيقطعن ما هو مباح لهن وكان هذا من رأفته ص وحلمه وحسن خلقه قوله جاريتان تلعبان بدف هو بضم الدال وفتحها والضم أفصح وأشهر ففي مع قوله ص هذا عيدنا أن ضرب دف العرب مباح في يوم السرور الظاهر وهو العيد والعرس
[ 184 ]
والختان قوله في أيام منى يعني الثلاثة بعد يوم النحر وهي أيام التشريق ففيه أن هذه داخلة في أيام العيد وحكمه جار عليه في كثير من الأحكام لجواز الضحية وتحريم الصوم واستحباب التكبير وغير ذلك قولها رأيت رسول الله ص يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون وأنا جارية وفي الرواية الأخرى يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله ص فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال من غير نظر إلى نفس البدن وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق وان كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففي جوازه وجهان لأصحابنا أصحهما تحريمه لقوله تعالى وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ولقوله ص لأم سلمة وأم حبيبة احتجبا عنه أي عن ابن أم مكتوم فقالتا أنه أعمى لا يبصرنا فقال ص عليه وسلم اعمياوان أنتما أليس تبصرانه وهو حديث حسن رواه الترمذي وغيره وقال هو حديث حسن وعلى هذا أجابوا عن حديث عائشة بجوابين وأقواهما أنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت لعبهم وحرابهم ولا يلزم مذلك تعمد النظر إلى البدن وان وقع النظر بلا قصد صرفته في الحال والثاني لعل هذا كان قبل نزول الآية في تحريم النظر وأنها كانت صغيرة قبل بلوغها فلم تكن مكلفة على قول من يقول ان للصغير المراهق النظر والله أعلم وفي هذا الحديث بيان ماكان عليه رسول الله ص من الرأفة والرحمة وحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف مع الأهل والأزواج وغيرهم
[ 185 ]
قولها وأنا جارية فاقدروا قدر الجارية العربة حديثة السن معناه أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حبا بليغا وتحرص على ادامته ما أمكنها ولا تمل ذلك إلا بعذر من تطويل وقولها فاقدروا هوا بضم الدال وكسرها لغتان حكاهما الجوهري وغيره وهو من التقدير أي قدروا رغبتنا في ذلك إلى أن تنتهي وقولها العربة هو بفتح العين وكسر الراء والباء الموحدة ومعناها المشتهية للعب المحبة له قوله ص دونكم يا بني أرفدة هو بفتح الهمزة واسكان الراء ويقال
[ 186 ]
بفتح الفاء وكسرها وجهان حكاهما القاضي عياض وغيره والكسر أشهر وهو لقب للحبشة ولفظه دونكم من ألفاظ الاغراء وحذف المغري به تقديره عليكم بهذا اللعب الذي أنتم فيه قال الخطابي وغيره وشأنها أن يتقدم الاسكما في هذا الحديث وقد جاء تأخيرها شاذا كقوله يا أيها المائح دلوى ونكا قوله ص حسبك هو استفهام بدليل قولها قلت نعم تقديره حسبك أي هل يكفيك هذا القدر قولها جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد هو بفتح الياء واسكان الزاي وكسر الفاء ومعناه يرقصون وحمله العلماء على التوثب بسلاحهم ولعبهم بحرابهم على قريب من هيئة الراقص لأن معظم الروايات إنما فيها لعبهم بحرابهم فيتأول هذه اللفظة على موافقة سائر الروايات قوله عقبة بن مكرم بفتح الراء قوله قال عطاء فرس أو حبش قال وقال ابن عيق بل حبش هكذا هو في كل النسخ ومعناه أن عطاء شك هل قال هم فرس
[ 187 ]
أو حبش بمعنى هل هم من الفرس أو من الحبشة وأما ابن عيق فجزم بأنهم حبش وهو الصواب قاضي عياض وقوله قال ابن عتيق هكذا هو عند شيوخنا وعند الباجي وقال لي ابن عمير قال وفي نسخة أخرى قال لي ابن أبي عتيق قال صاحب المشارق والمطالع الصحيح ابن عمير وهو عبيد بن عمير المذكور في السند والصواب قوله دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأهوى بيده إلى الحصباء يحصبهم الحصباء ممدود هي الحصى الصغار ويحصبهم بكسر الصاد أي يرميهم بها وهو محمول على أن هذا لا يليق بالمسجد وأن النبي ص لم يعلم به والله أعلم كتاب صلاة الاستسقاء أجمع العلماء على أن الاستسقاء سنة واختلفوا هل تسن له صلاة أم لا فقال أبو حنيفة لاتسن له صلاة بل يستسقي بالدعاء بلا صلاة وقال سائر العلماء من السلف والخلف الصحابة والتابعون فمن بعدهم تسن الصلاة ولم يخالف فيه إلا أبو حنيفة وتعلق بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها صلاة واحتج الجمهور بالأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله ص صلى للاستسقاء ركعتين وأما الأحاديث التي ليس فيها ذكر الصلاة فبعضها محمول على نسيان الراوي وبعضها كان في الخطبة للجمعة ويتعقبه الصلاة للجمعة فاكتفى بها ولو لم يصل أصلا كان بيانا لجواز الاستسقاء بالدعاء بلا صلاة ولا خلاف في جوازه وتكون الأحاديث المثبتة للصلاة مقدمة
[ 188 ]
لأنها زيادة علم ولا معارضة بينهما قال أصحابنا الاستسقاء ثلاثة أنواع أحدها الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة الثاني الاستسقاء في خطبة الجمعة أو في أثر صلاة مفروضة وهو أفضل من النوع الذي قبله والثالث وهو أكملها أن يكون بصلاة ركعتين وخطبتين ويتأهب قبله بصدقة وصيام وتوبة واقبال على الخير ومجانبة الشر ونحو ذلك من طاعة الله تعالى قوله خرج رسول الله ص إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة وفي الرواية الأخرى وصلى ركعتين فيه استحباب الخروج للاستسقاء إلى الصحراء لأنه أبلغ في الافتقار والتواضع ولأنها أوسع للناس لأنه يحضر النا س كلهم فلا يسعهم الجامع وفيه استحباب تحويل الرداء في أثنائها للاستسقاء قال أصحابنا يحوله في نحو ثلث الخطبة الثانية وذلك حين يستقبل القبلة قالوا والتحويل شرع تفاؤلا بتغير الحال من القحط إلى نزول الغيث والخصب ومن ضيق الحال إلى سعته وفيه دليل للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء في استحباب تحويل الرداء ولم يستحبه أبو حنيفة ويستحب عندنا أيضا للمأمومين كما يستحب للإما وبه قال مالك وغيره وخالف فيه جماعة من العلماء وفيه اثبات صلاة الاستسقاء ورد على من أنكرها وقوله استسقى أي طلب السقي وفيه أن صلاة الاستسقاء ركعتان وهو كذلك باجماع المثبتين لها واختلفوا هل هي قبل الخطبة أو بعدها فذهب الشافعي والجماهير إلى أنها قبل الخطبة وقال الليث بعد الخطبة وكان مالك يقول به ثم رجع إلى قول الجماهير قال أصحابنا ولو قدم الخطبة على الصلاة صحتا ولكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز العيد والتأخير واختلفت الرواية في
[ 189 ]
ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم واختلف العلماء هل يكبر تكبيرات زائدة في أول صلاة لاستسقاء كما يكبر في صلاة العيد فقال به الشافعي وابن جرير وروي عن ابن المسيب وعمر ابن عبد العزيز ومكحول وقال الجمهور لا يكبر واحتجوا للشافعي بأنه جاء في بعض الأحاديث صل ركعتين كما يصلي في العيد وتأوله الجمهور على أن المراد كصلاة العيد في العدد والجهر والقراءة وفي كونها قبل الخطبة واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك وخيره داود بين التكبير وتركه ولم يذكر في رواية مسلم الجهر بالقراءة وذكره البخاري وأجمعوا على استحبابه وأجمعوا أنه لا يؤذن لها ولا يقام لكن يستحب أن يقال الصلاة جامعة قوله أخبرني في عباد بن تميم المازني أنه سمع عمه المراد بعمه عبد الله بن زيد بن عاصم المتكرر في الروايات السابقة قوله وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة فيه استحباب استقبالها الدعاء ويلحق به الوضوء والغسل والتيمم والقراءة والاذكار والأذان وسائر الطاعات الا ما خرج بدليل كالخطبة ونحوها قوله فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله واستقبل القبلة وحول رداءه ثم صلى ركعتين فيه دليل لمن يقول بتقديم الخطبة على صلاة الاستسقاء وأصحابنا
[ 190 ]
يحملونه على الجواز كما سبق بيانه قوله ان النبي ص استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء قال جماعة من أصحابنا وغيرهم السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء احتجوا بهذا الحديث قوله عن أنس رضي الله عنه أن النبي ص كان لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يرى بياض ابطيه هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع ص إلا في الاستسقاء وليس الأمر كذلك بل قد ثبت رفع يديه ص في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء وهي أكثر من أن تحصر وقد جمعت منها نحوا من ثلاثين حديثا من الصحيحين أو أحدهما وذكرتها في أواخر باب صفة الصلاة من شرح المهذب ويتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يرى بياض ابطيه الا في الاستسقاء أو أن المراد لم أره رفع وقد رآه غيره رفع فيقدم المثبتون في مواضع كثيرة وهم جماعات على واحد لم يحضر ذلك ولا بد من تأويله لما ذكرناه والله أعلم قوله عن قتادة عن أنس وفي الطريق الثاني عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم فيبيان أن قتادة قد سمعه من أنس وقد تقدم أن قتادة مدلس وأن المدلس لا يحتج بعنعنته حتى يثبت سماعه ذلك الحديث
[ 191 ]
فبين مسلم ثبوته بالطريق الثاني قوله دار القضاء قال القاضي عياض سميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كتبه على نفسه وأوصى ابنه عبد الله أن يباع فيه ما له فان عجز ما له استعان ببني عدي ثم بقريش فباع ابنه داره هذه لمعاوية وماله بالغابة قضى دينه وكان ثمانية وعشرين ألفا وكان يقال لها دار قضاء دين عمر ثم اقتصروا فقالوا دار القضاء وهي دار مروان وقال بعضهم هي دار الامارة وغلط لأنه بلغه أنها دار مروان فظن أن المراد بالقضاء الامارة والصواب ما قدمناه هذا آخر كلام القاضي قوله ان دينه كان ثمانية وعشرين ألفا غريب بل غلط والصحيح المشهور أنه كان ستة وثمانين ألفا أو نحوه هكذا رواه البخاري في صحيحه وكذا رواه غيره من أهل الحديث والسير والتواريخ وغيرهم قوله ادع الله يغتا وقوله ص اللهم أغثنا هكذا هو في جميع النسخ أغثنا بالالف ويغثنا بضم الياء من أغاث يغيث رباعي والمشهور في كتب اللغة أنه إنما يقال في المطر غاث الله الناس والأرض يغيثهم بفتح الياء أي أنزل المطر قال القاضي عياض قال بعضهم هذا المذكور في الحديث من الاغاثة بمعنى المعونة وليس من طلب الغيث إنما يقال في طلب الغيث اللهم غثنا قال القاضي ويحتمل أن يكون من طلب الغيث أي هب لنا غيثا أو ارزقنا غيثا كما يقال سقاه الله وأسقاه أي جعل له سقيا على لغة من فرق بينهما قوله فرفع النبي ص يديه ثم قال اللهم أغثنا فيه استحباب الاستسقاء في خطبة الجمعة وقد قدمنا بيانه في أول الباب وفيه جواز الاستسقاء منفردا عن تلك الصلاة المخصوصة
[ 192 ]
واغترت به الحنفية وقالوا هذا هو الاستسقاء المشروع لا غير وجعلوا الاستسقاء بالبروز إلى الصحراء والصلاة بدعة وليس كما قالوا بل هو سنة للأحاديث الصحيحة السابقة وقد قدمنا في أول الباب أن الاستسقاء أنواع فلا يلزم من ذكر نوع ابطال نوع ثابت والله أعلم قوله ص اللهم أغثنا اللهم أغثنا هكذا هو مكرر ثلاثا ففيه استحباب تكرر الدعاء ثلاثا قوله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة هي بفتح القاف والزاي وهي القطعة من السحاب وجماعتها قزع كقصبة وقصب قال أبو عبيدوأكثر ما يكون ذلك في الخريف قوله وما بيننا وبين سلع من دار هو بفتح السين المهملة وسكون اللام وهو جبل بقرب المدينة ومراده بهذا الاخبار عن معجزة رسول الله ص وعظيم كرامته على ربه سبحانه وتعالى بانزال المطر سبعة أيام متوالية متصلا بسؤاله من غير تقديم سحاب ولا قزع ولا سبب آخر لا ظاهر ولا باطن وهذا معنى قوله وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار أي نحن مشاهدون له وللسماء وليس هناك سبب للمطر أصلا قوله ثم أمطرت هكذا هو في النسخ وكذا جاء في البخاري أمطرت بالألف وهو صحيح وهو دليل للمذهب المختار الذي عليه الاكثرون والمحققون من أهل اللغة أنه يقال مطرت وأمطرت لغتان في المطر وقال بعض أهل اللغة لا يقال أمطر ت بالألف الا في العذاب كقوله تعالى وأمطرنا عليهم حجارة والمشهود الأول ولفظة أمطرت تطلق في الخير والشر وتعرف بالقرينة قال الله تعالى هذا عارض ممطرنا وهذا من أمطر والمراد به المطر في الخير لأنهم ظنوه خيرا فقال الله تعالى هو ما استعجلتم به قوله ما رأينا الشمس سبتا هو بسين مهملة ثم باء موحدة ثم مثناه فوق أي قطعة من الزمان وأصل
[ 193 ]
السبت القطع قوله ص حين شكى إليه كثرة المطر وانقطاع السبل وهلاك الأموال من كثرة الأمطار اللهم حولنا وفي بعض النسخ حوالينا وهما صحيحان ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر قال فانقطعت وخرجنا نمشي في هذا الفصل فوائد منها المعجزة الظاهرة لرسول الله ص في اجابة دعائه متصلا به حتى خرجوا في الشمس وفيه أدبه ص في الدعاء فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله بل سأل رفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر به ساكن ولا ابن سبيل وسأل بقاءه في مواضع الحاجة بحيث يبقى نفعه وخصبه وهي بطون الأودية وغيرها من المذكور قال أهل اللغة الاكام بكسر الهمزة جمع أكمة ويقال في جمعها آكام بالفتح والمد ويقال أكم بفتح الهمزة والكاف وأكم بضمهما وهي دون الجبل وأعلى من الرابية وقيل دون الرابية وأما الظراب فبكسر الضاء المعجمة واحدها ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وهي الروابي الصغار وفي هذا الحديث استحباب طلب انقطاع المطر على المنازل والمرافق إذا كثر وتضرروا به ولكن لا تشرع له صلاة ولا اجتماع في الصحراء قوله فانقطعت وخرجنا نمشي هكذا هو في بعض النسخ المعتمدة وفي أكثرها فانقلعت وهما بمعنى قوله فسألت أنس بن مالك أهو الرجل الأول قال لا أدري قد جاء في رواية للبخاري وغيره أنه الأول قوله أصابت الناس سنة أي قحط
[ 194 ]
قوله فما يشير بيده إلى ناحية الا تفجرت أي تقطع السحاب وزال عنها قوله حتى رأيت المدينة في مثل الجوبة هي بفتح الجيم واسكان الواو وبالباء الموحدة وهي الفجوة ومعناه تقطع السحاب عن المدينة وصار مستديرا حولها وهي خالية منه قوله وسال وادي قناة شهرا قناة بفتح القاف اسم لواد من أودية المدينة وعليه زروع لهم فأضافه هنا إلى نفسه وفي رواية للبخاري وسال الوادي قناة وهذا صحيح على البدل والأول صحيح وهو عند الكوفيين على ظاهره وعند البصريين يقدر فيه محذوف وفي رواية للخباري وسال الوادي وادي قناة قوله أخبر بجود هو بفتح الجيم واسكان الواو وهو المطر الكثير قوله قحط المطر هو بفتح القاف وفتح الحاء وكسرها أي أمسك قوله واحمر الشجر كناية عن يبس ورقها وظهور عودها قوله فتقشعت أي زالت قوله وما تمطر بالمدينة قطره هو بضم التاء من تمطر وبنصب قطرة قوله مثل الاكليل هو بكسر الهمزة قال أهل اللغة هي العصابة وتطلق على
[ 195 ]
كل محيط بالشئ قوله فألف الله بين السحاب ومكثنا حتى رأيت الرجل الشدي تهمه نفسه أن يأتي أهله هكذا ضبطناه ومكثنا وكذا هو في نسخ بلادنا ومعناه ظاهر وذكر القاضي فيه أنه روي في نسخ بلادهم على ثلاثة أوجه ليس منها هذا ففي رواية لهم وبلتنا ومعناه أمطرتنا قال الأزهري يقال بل السحاب بالمطر بلا والبلل المطر ويقال انهلت أيضا وفي رواية لهم وملتنا بالميم مخففة اللام قال القاضي ولعل معناه أوسعتنا مطرا وفي رواية ملأتنا بالهمز وقوله تهمه نفسه ضبطناه بوجهين فتح التاء مع ضم الهاء وضم التاء مع كسر الهاء يقال همه الشئ وأهمه أي اهتم له ومنهم من يقول همه أذابه وأهمه غمه قوله فرأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى هو بضم الميم وبالمد والواحدة ملاءة بالضم والمد وهي الريطة كالملحفة ولا خلاف أنه ممدود في الجمع والمفرد ورأيت في كتاب القاضي قال هو مقصور وهو غلط من الناسخ فان كان من الأصل كذلك فهو خطأ بلا شك ومعناه تشبيه انقطاع السحاب وتجليله بالملاءة المنشورة إذا طويت قوله حسر رسول الله ص ثوبه حتى أصابه المطر فقلنا يا رسول الله لم صنعت هذا قال لأنه حديث عهد بربه معنى حسر كشف أي كشف بعض بدنه ومعنى حديث عهد بربه أي بتكوين ربه اياه ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها وفي
[ 196 ]
هذا الحديث دليل لقول أصحابنا أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر واستدلوا بهذا وفيه أن المفضول إذا رأى من الفاضل شيئا لا يعرفه أن يسأله عنه ليعلمه فيعمل به ويعلمه غيره قوله إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه وأقبل وأدبر فإذا مطرت سر به وذهب عنه ذلك قالت عائشة فسألته فقال اني خشيت أن يكون عذابا سلط على أمتي فيه الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه وكان خوفه ص أن يعاقبوا بعصيان العصاة وسروره لزوال سبب الخوف قوله ويقول إذا رأى المطر رحمة أي هذا رحمة قوله وإذا تخيلت السماء تغير لونه قال أبو عبيد وغيره
[ 197 ]
تخبلت من المخيلة بفتح الميم وهي سحابة فيها رعد وبرق يخيل إليه أنها ماطرة ويقال أخالت إذا تغيمت قولها ما رأيت رسول الله ص مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم والمستجمع المجد في الشئ القاصد له واللهوات جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة على الحنك قاله الأصمعي قوله ص نصرت بالصبا هي بفتح الصاد ومقصورة
[ 198 ]
وهي الريح الشرقية وأهلكت عاد بالدبور وهي بفتح الدال وهي الريح الغربية كتاب الكسوف يقال كسفت الشمس والقمر بفتح الكاف وكسفا بضمها وانكسفا وخسفا وخسفا وانخسفا بمعنى وقيل كسف الشمس بالكاف وخسف القمر بالخاء وحكى القاضي عياض عكسه عن بعض أهل اللغة والمتقدمين وهو باطل مردود بقول الله تعالى (القمر ثم جمهور أهل العلم وغيرهم على أن الخسوف والكسوف يكون لذهاب ضوئهما كله ويكون لذهاب بعضه وقال جماعة منهم الإمام الليث بن سعد الخسوف في الجميع والكسوف في بعض وقيل الخسوف ذهاب لونهما والكسوف تغيره واعلم أن صلاة الكسوف رويت على أوجه كثيرة ذكر مسلم منها جملة وأبو داود أخرى وغيرهما أخرى وأجمع العلماء على أنها سنة ومذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أنه يسن فعلها جماعة وقال العراقيون فرادى وحجة الجمهور الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره واختلفوا في صفتها فالمشهور في مذهب الشافعي أنها ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وأما السجود فسجدتان كغيرهما وسواء تمادى الكسوف أم لا وبهذا قال مالك والليث وأحمد وأبو ثور وجمهور علماء الحجاز وغيرهم وقال الكوفيون هما ركعتان كسائر النوافل عملا بظاهر حديث جابر بن سمرة وأبي بكرة أن النبي ص صلى ركعتين وحجة الجمهور حديث عائشة من رواية عروة وعمرة وحديث جابر وابن عباس وابن عمرو بن العاص أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان قال ابن عبد البر وهذا أصح ما في هذا الباب قال وباقي الروايات المخالفة معللة ضعيفة وحملوا حديث ابن سمرة بأنه مطلق وهذه الأحاديث تبين المراد به وذكر مسلم في رواية عن عائشة وعن ابن عباس وعن جابر ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات ومن رواية ابن عباس وعلى ركعتين في كل ركعة أربع
[ 199 ]
ركعا ت قال الحفاظ الروايات الأول أصح ورواتها أحفظ وأضبط وفي رواية لأبي داود من رواية أبي بن كعب ركعتين في كل ركعة خمس ركعات وقد قال بكل نوع بعض الصحابة وقال جماعة من أصحابنا الفقهاء المحدثين وجماعة من غيرهم هذا الاختلاف في الروايات بحسب اختلاف حال الكسوف ففي بعض الأوقات تأخر انجلاء الكسوف فزاد عدد الركوع وفي بعضها أسرع الانجلاء فاقتصر وفي بعضها توسط بين الاسراع والتأخر فتوسط في عدده واعترض الأولون على هذا بأن تأخر الانجلاء لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه منوي من أول الحال وقال جماعة من العلماء منهم اسحاق بن راهويه وابن جرير وابن المنذر جرت صلاة الكسوف في أوقات واختلاف صفاتها محمول على بيان جواز جميع ذلك فتجوز صلاتها على كل واحد من الأنواع الثابتة وهذا قوى والله أعلم واتفق العلماء على أنه يقرأ الفاتحة في القيام الأول من كل ركعة واختلفوا في القيام الثاني فمذهبنا ومذهب مالك وجمهور أصحابه أنه لا تصح الصلاة إلا بقراءتها فيه وقال محمد بن مسلمة من المالكية لا يقرأ الفاتحة في القيام الثاني واتفقوا على أن القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى أقصر من القيام الأول والركوع وكذا القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الثانية أقصر من الأول منهما من الثانية واختلفوا في القيام الأول والركوع الأول من الثانية هل هما أقصر من القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى ويكون هذا معنى قوله في الحديث وهو دون القيام الأول ودون الركوع الأول أم يكونان سواء ويكون قوله دون القيام والركوع الأول أي أول قيام وأول ركوع واتفقوا على استحباب اطالة القراءة والركوع فيهما كما جاءت الأحاديث ولو اقتصر على الفاتحة في كل قيام وأدى طمأنينته في كل ركوع صحت صلاته وفاته الفضيلة واختلفوا في استحباب اطالة السجود فقال جمهور أصحابنا لا يطوله بل يقتصر على قدره في سائر الصلوات وقال المحققون منهم يستحب اطالته نحو الركوع الذي قبله وهذا هو المنصوص للشافعي في البويطي وهو الصحيح للأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك ويقول في كل رفع من ركوع سمع الله لمن حمده ثم يقول عقبه ربنا لك الحمد إلى آخره
[ 200 ]
والأصح استحباب التعوذ في ابتداء الفاتحة في كل قيام وقيل يقتصر عليه في القيام الأول واختلف العلماء في الخطبة لصلاة الكسوف فقال الشافعي واسحاق وابن جرير وفقهاء أصحاب الحديث يستحب بعدها خطبتان وقال مالك وأبو حنيفة لا يستحب ذلك ودليل الشافعي الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن النبي ص خطب بعصلاة الكسوف قوله فأطال القيام جدا وأطال الركوع جدا ثم سجد ثم قام فأطال القيام هذا مما يحتج به من يقول لا يطول السجود وحجة الآخرين الأحاديث المصرحة بتطويله ويحمل هذا المطلق عليها وقوله جدا بكسر الجيم وهو منصوب على المصدر أي جد جدا قوله بعد أن وصف الصلاة ثم انصرف رسول الله ص وقد تجلت الشمس فخطب الناس فيه دليل للشافعي وموافقيه في استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف كما سبق بيانه وفيه أن الخطبة لا تفوت بالانجلاء بخلاف الصلاة قوله فحمد الله وأنثى عليه دليل على أن الخطبة يكون أولها الحمد لله والثناء عليه ومذهب الشافعي أن لفظه الحمد للمتعينة فلو قال معناها لم تصح خطبته قوله ص في أحاديث الباب ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت
[ 201 ]
أحد ولا لحياته وفي رواية أنهم قالوا كسفت لموت ابراهيم فقال النبي ص هذا الكلام ردا عليهم قال العلماء والحكمة في هذا الكلام أن بعض الجاهلية الضلال كانوا يعظمون الشمس والقمر فبين أنهما آيتان مخلوقتان لله تعالى لا صنع لهما بل هما كسائر المخلوقات يطرأ عليهما النقص والتغير كغيرهما وكان بعض الضلال من المنجمين وغيرهم يقول لا ينكسفان الا لموت عظيم أو حو ذلك فبين أن هذا باطل لا يغتر بأقوالهم لا سيما وقد صادف موت ابراهيم رضي الله عنه قوله ص فإذا رأيتموها فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا فيه الحث على هذه الطاعات وهو أمر استحباب قوله ص يا أمة محمد ان من أحد أغير من الله تعالى هو بكسر همزة أن واسكان النون أي ما من أحد أغير من الله قالوا معناه ليس أحدا منع من المعاصي من الله تعالى ولا أشد كراهة لها منه سبحانه قوله صلى الله يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا معناه لو تعلمون من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم وشدة عقابه وأهوال القيامة وما بعدها كما علمت وترون النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غير لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم لفكركم فيما علمتموه قوله ص ألا هل بلغت معناه ما أمرت به من التحذير والانذار وغير ذلك مما أرسل به
[ 202 ]
والمراد تحريضهم على تحفظه واعتنائهم به لأنه مأمور بانذارهم قوله فخرج رسول الله ص إلى المسجد فقام فكبر وصف الناس وراءه فيه اثبات صلاة الكسوف وفيه استحباب فعلها في المسجد الذي تصلى فيه الجمعة قال أصحابنا وإنما لم يخرج إلى المصلى لخوف فواتها بالانجلاء فالسنة المبادرة بها وفيه استحبابها جماعة وتجوز فرادى وتشرع للمرأة والعبد والمسافر وسائر من تصح صلاته قولها ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وقال في الرفع من الركوع الثاني مثله فيه دليل على استحباب الجمع بين هذين اللفظين وهو مذهب الشافعي ومن وافقه وسبقت المسألة في صفة سائر الصلاة وهو مستحب عندنا للإمام والمأموم والمنفرد يستحب لكل أحد الجمع بينهم وفي هذا الحديث دليل على استحباب الجمع بينهما في كل رفع من الركوع في الكسوف سواء الركوع الأول والثاني قوله ص فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة وفي رواية فصلوا حتى يفرج الله عنكم معناه بادروا بالصلاة
[ 203 ]
وأسرعوا إليها حتى يزول عنكم هذا العارض الذي يخاف كونه مقدمة عذاب قوله ص حين رأيتموني جعلت أقدم ضبطناه بضم الهمزة وفتح القاف وكسر الدال المشددة ومعناه أقدم نفسي أو رجلي وكذا صرح القاضي عياض بضبطه وضبطه جماعة أقدم بفتح الهمزة واسكان القاف وضم الدال وهو من الاقدام وكلاهما صحيح قوله ص ولقد رأيت جهنم فيه أنها مخلوقة موجودة وهو مذهب أهل السنة ومعنى يحطم بعضها بعضا لشدة تلهيبها واضطرابها كأمواج البحر التي يحطم بعضها بعضا قوله ص ورأيت فيها عمرو بن لحى هو بضم اللام وفتح الحاء وتشديد الياء وفيه دليل على أن بعض الناس معذب في نفس جهنم اليوم عافانا الله وسائر المسلمين قوله ص حين رأيتموني تأخرت فيه التأخر عن مواضع العذاب والهلاك قوله فبعث مناديا بالصلاة جامعة لفظة جامعة منصوبة على الحال وفيه دليل للشافعي ومن وافقه أنه
[ 204 ]
يستحب أن ينادي لصلاة الكسوف الصلاة جامعة واجمعوا أنه لا يؤذن لها ولا يقام قوله جهر في صلاة الخسوف هذا عند أصحابنا والجمهور محمول على كسوف القمر لأن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والليث بن سعد وجمهور الفقهاء أنه يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد واسحق وغيرهم يجهر فيهما وتمسكوا بهذا الحديث واحتج الآخرون بأن الصحابة حزروا القراءة بقدر البقرة وغيرها ولو كان جهرا لعلم قدرها بلا حزر وقال ابن جرير الطبري الجهر والاسرار سواء قوله حدثني من أصدق حسبته يريد عائشة هكذا هو في نسخ بلادنا وكذا نقله القاضي عن الجمهور وعن بعض رواتهم من أصدق حديثه يريد عائشة ومعنى اللفظين متغاير فعلى
[ 205 ]
رواية الجمهور له حكم المرسل إن قلنا بمذهب الجمهور ان قوله أخبرني الثقة ليس بحجة قوله ركعتين في ثلاث ركعات أي في كل ركعة يركع ثلاث مرات قوله ست ركعا ت وأربع سجدات أي صلى ركعتين في كل ركعتين ركوع ثلاث مرات وسجدتان قوله بين ظهر الحجر أي بينها قولها حتى انتهى إلى مصلاه تعني موقفه في المسجد فيه أن السنة فصلاة الكسوف أن تكون في الجامع وفي جماعة
[ 206 ]
قوله ص رأيتكم تفتنون في القبور وفي آخره يتعوذ من عذاب القبر فيه اثبات عذاب القبر وفتنته وهو مذهب أهل الحق ومعنى تفتنون تمتحنون فيقال ما علمك بهذا الرجل فيقول المؤمن هو رسول الله ويقول المنافق سمعت الناس يقولون شيئا فقلته هكذا جاء مفسرا في الصحيح قوله ص كفتنة الدجال أي فتنة شديدة جدا وامتحانا هائلا ولكن يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت قوله في رواية أبي الزبير سقط وقد نقل القاضي اجماع العلماء أنه لا يطول الاعتدال الذي يلي السجود وحينئذ يجاب عن هذه الرواية بجوابين
[ 207 ]
أحدهما أنها شاذة مخالفة لرواية الأكثرين فلا يعمل بها والثاني أن المراد بالاطالة تنفيس الإعتدال ومده قليلا وليس المراد اطالته نحو الركوع قوله ص عرض على كل شئ تولجونه أي تدخلونه من جنة ونار وقبر ومحشر وغيرها قوله ص فعرضت على الجنة وعرضت على النار قال القاضي عياض قال العلماء تحتمل أنه رآهما رؤية عين كشف الله تعالى عنهما وأزال الحجب بينه وبينهما كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه ويكون قوله ص في عرض هذا الحائط أي في جهته وناحيته أوفي التمثيل لقرب المشاهدة قالوا ويحتمل أن يكون رؤية علم وعرض وحي باطلاعه وتعريفه من أمورها تفصيلا ما لم يعرفه قبل ذلك ومن عظيم شأنهما ما زاده علما بأمرهما وخشية وتحذيرا ودوام ذكر ولهذا قال ص لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا قال القاضي والتأويل الأول أولى وأشبه بألفاظ الحديث لما فيه من الأمور الدالة على رؤية العين كتناوله ص العنقود وتأخره مخافة أن يصيبه لفح النار قوله ص فعرضت على الجنة حتى لو تناولت منها قطفا أخذته معنى تناولت مددت يدي لأخذه والقطف بكسر القاف العنقود وهو فعل بمعنى مفعول كالذبح بمعنى المذبوح وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم وأن في الجنة ثمارا وهذا كله مذهب أصحابنا وسائر أهل السنة خلافا للمعتزلة قوله ص فرأيت فيها امرأة تعذب في هرة لها ربطتها أي بسبب هرة قوله ص تأكل من خشاش الأرض بفتح الخاء المعجمة وهي هوامها وحشراتها وقيل صغار الطير وحكى القاضي فتح الخاء وكسرها وضمها والفتح هو المشهور قال القاضي في هذا الحديث المؤاخذة بالصغائر قال وليس فيه أنها عذبت عليها بالنار قال ويحتمل أنها كانت كافرة فزيد في عذابها بذلك هذا كلامه وليس بصواب بل الصواب المصرح به في الحديث أنها عذبت بسبب الهرة
[ 208 ]
وهو كبيرة لأنها ربطتها وأصرت على ذلك حتى ماتت والاصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة كما هو مقرر في كتب الفقه وغيرها وليس في الحديث ما يقتضي كفر هذه المرأة قوله ص يجر قصبه في النار هو بضم القاف واسكان الصاد وهي الامعاء قوله ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا إلى النساء ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام
[ 209 ]
في مقامه فيه أن العمل القليل لا يبطل الصلاة وضبط أصحابنا القليل بما دون ثلاث خطوات متتابعات وقالوا الثلاث متتابعات تبطلها ويتأولون هذا الحديث على أن الخطوات كانت متفرقة لا متوالية ولا يصح تأويله على أنه كان خطوتين لأن قوله انتهينا إلى النساء يخالفه وفيه استحباب صلاة الكسو ف للنساء وفيه حضورهن وراء الرجال قوله آضت الشمس هو بهمزة ممدودة هكذا ضبطه جميع الرواة ببلادنا وكذا أشار إليه القاضي قالوا ومعناه رجعت إلى حالها الأول قبل الكسوف وهو من آض يئيض إذا رجع ومنه قولهم أيضا وهو مصدر منه قوله ص مخافة أن يصيبني من لفحها أي من ضرب لهبها ومنه قوله تعالى تلفح وجوههم النار أي يضربها لهبها قالوا والنفح دون اللفح قال الله ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك أي أدنى شئ منه قاله الهروي وغيره قوله ص ورأيت فيها
[ 210 ]
صاحب المحجن هو بكسر الميم وهو عصا مغففة الطرف قولها فأشارت برأسها إلى السماء فيه امتناع الكلام بالصلاة وجواز الاشارة ولا كراهة فيها إذا كانت لحاجة قولها تجلاني الغشى هو بفتح الغين واسكان الشين وروى أيضا بكسر الشين وتشديد الياء وهما بمعنى الغشاوة وهو معروف يحصل بطول القيام في الحر وفي غير ذلك من الأحوال ولهذا جعلت تصب عليها الماء وفيه أن الغشي لا ينقض الوضوء ما دام العقل ثابتا قولها فأخذت قربة من ماء إلى جنبي فجعلت أصب على رأسي أو على وجهي من الماء هذا محمول على أنه لم تكثر أفعالها متوالية لأن الأفعال إذا كثرت متوالية أبطلت الصلاة قوله ما علمك بهذا الرجل إنما يقول له الملكان السائلان ما علمك بهذا الرجل ولا يقول رسول الله امتحانا له واغرابا عليه لئلا يتلقن منهما اكرام النبي ص ورفع مرتبته فيعظمه هو تقليدا لهما لا اعتقادا ولهذا يقول المؤمن هو رسول الله ويقول المنافق لا أدري فيثبت الله الذين آمنوا بالقول
[ 211 ]
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قوله عن عروة قال لا تقل كسفت الشمس ولكن قل خسفت الشمس هذا قول له انفرد به والمشهور ما قدمناه في أول الباب
[ 212 ]
قوله ففزع قال القاضي يحتمل أن يكون معناه الفزع الذي هو الخوف كما في الرواية الأخرى يخشى أن تكون الساعة ويحتمل أن يكون معناه الفزع الذي هو المبادرة إلى الشئ فأخطأ بدرع حتى أدرك بردائه معناه أنه لشدة سرعته واهتمامه بذلك أراد أن يأخذ رداءه فأخذ ذرع بعض أهل البيت سهوا ولم يعلم ذلك لاشتغال قلبه بأمر الكسوف فلما علم أهل البيت أنه ترك رداءه لحقه به إنسان قوله في الرواية الأولى من حديث ابن عباس فقام قياما طويلا قدر نحو سورة البقرة هكذا هو في النسخ
[ 213 ]
قدر نحو وهو صحيح ولو اقتصر على أحد اللفظين لكان صحيحا قوله ص بكفرهن قيل أيكفرن بالله قال بكفر العشير وبكفر الاحسان هكذا ضبطناه بكفر بالباء الموحدة الجارة وضم الكاف واسكان الفاء وفيه جواز اطلاق الكفر على كفران الحقوق وان لم يكن ذلك الشخص كافرا بالله تعالى وقد سبق شرح هذا اللفظ مرات والعشير المعاشر كالزوج وغيره فيه ذم كفران الحقوق لأصحابها قوله تكعكعت أي توقفت وأحجمت قال الهروي وغيره يقال تكعكع الرجل وتكاعى وكع وكوعا إذا أحجم وجبن قوله ثمان ركعات في أربع
[ 214 ]
سجدات أي ركع ثمان مرات كل أربع في ركعة وسجد سجدتين في كل ركعة وقد صرح بهذا في الكتاب في الرواية الثانية قوله في حديث ابن عمرو فركع ركعتين في سجدة أي ركوعين في ركعة والمراد بالسجدة ركعة وقد سبق أحاديث كثيرة باطلاق السجدة على ركعة قولها ما ركعت ركوعا قط ولا سجدت سجودا قطكان أطول منه وفي رواية أبي موسى الأشعري فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود وما رأيته يفعله في صلاة قط فيهما دليل للمختار وهو استحباب تطويل السجود في صلاة الكسوف ولا يضر كون أكثر الروايات ليس فيهما تطويل السجود لان الزيادة من الثقة مقبولة مع أن تطويل السجود ثابت من رواية جماعة كثيرة من الصحابة وذكره مسلم من روايتي عائشة وأبي موسى ورواه البخاري من رواية جماعة آخرين وأبو داود من طريق غيرهم فتكاثرت طرقه وتعاضدت فتعين العمل
[ 215 ]
به قوله فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة هذا قد يستشكل من حيث أن الساعة لها مقدمات كثيرة لا بد من وقوعها ولم تكن وقعت كطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة والنار والدجال وقتال الترك وأشياء أخر لا بد من وقوعها قبل الساعة كفتوح الشام والعراق ومصر وغيرهما وانفاق كنوز كسرى في سبيل الله تعالى وقتال الخوارج وغير ذلك من الأمور المشهورة في الأحاديث الصحيحة ويجاب عنه بأجوبة أحدها لعل هذا الكسوف
[ 216 ]
قبل اعلام النبي ص بهذه الأمور الثاني لعله خشي أن تكون بعض مقدماتها الثالث أن الراوي ظن أن النبي ص يخشى أن تكون الساعة وليس يلزم من ظنه أن يكون النبي ص خشي ذلك حقيقة بل خرج النبي ص مستعجلا مهتما بالصلاة وغيرها من أمر الكسوف مبادرا إلى ذلك وربما خاف أن يكون نوع عقوبة كما كان ص عند هبوب الريح تعر ف الكراهة في وجهه ويخاف أن يكون عذابا كما سبق في آخر كتاب الاستسقاء فظن الراوخلاف ذلك ولا اعتبار بظنه قوله فانتهيت إليه وهو رافع يديه يدعو ويكبر ويحمويهلل حتى جلى عن الشمس قرأ سورتين وركع ركعتين وفي الرواية الأخرى فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح ويهلل
[ 217 ]
ويكبر ويحمد ويدعو حتى حسر قال فلما حسر عنها قرأ سورتين فصلى ركعتين هذا مما يستشكل ويظن أن ظاهره أنه ابتدأ صلاة الكسوف بعد انجلاء الشمس وليس كذلك فإنه لا يجوز ابتداء صلاتها بعد الانجلاء وهذا الحديث محمول على أنه وجده في الصلاة كما صرح به في الرواية الثانية ثم جمع الراوي جميع ما جرى في الصلاة من دعاء وتكبير وتهليل وتسبيح وتحميد وقراءة سورتين في القيامين الآخرين للركعة الثانية وكانت السورتان بعد الانجلاء تتميما للصلاة فتمت جملة الصلاة ركعتين أولها في حال الكسوف وآخرها بعد الانجلاء وهذا الذي ذكرته من تقديره لابد منه لأنه مطابق للرواية الثانية ولقواعد الفقه ولروايات باقي الصحابة والرواية الأولى محمولة عليه أيضا ليتفق الروايتان ونقل القاضي عن المازري أنه تأوله على صلاة ركعتين تطوعا مستقلا بعد انجلاء الكسوف لأنها صلاة كسوف وهذا ضعيف مخالف لظاهر الرواية الثانية والله أعلم قوله وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح إلى قوله ويدعو فيه دليل لأصحابنا في رفع اليدين في القنوت ورد على من يقول لا ترفع الأيدي في دعوات الصلاة قوله حسر عنها أي كشف وهو بمعنى قوله في الرواية الأولى جلى عنها قوله كنت أرتمي بأسهم أي أرمي كما قاله في الرواية الأولى يقال أرمي وارتمى وترامى وترمي كما قاله في الرواية الأخيرة قوله
[ 218 ]
زياد بن علاقة بكسر العين قوله ص في أحاديث الباب ان الشمس والقمر آيتان لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموها فصلوا فيه دليل للشافعي وجميع فقهاء أصحاب الحديث في استحباب الصلاة لكسوف القمر على هيئة صلاة كسوف الشمس وروى عن جماعة من الصحابة وغيرهم وقال مالك وأبو حنيفة لا تسن لكسوف القمر هكذا وإنما تسن ركعتان كسائر الصلوات فرادى والله أعلم
[ 219 ]
كتاب الجنائز الجنازة مشتقة من جنز إذا ستر ذكره ابن فارس وغيره والمضارع يجنز بكسر النون والجنازة بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح ويقال بالفتح للميت وبالكسر للنعش عليه ميت ويقال عكسه حكاه صاحب المطالع والجمع جنائز بالفتح لا غير قوله ص لقنوا موتاكم لا إله إلا الله معناه من حضره الموت والمراد ذكروه لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه كما في الحديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة والأمر بهذا التلقين أمر ندب وأجمع العلماء على هذا التلقين وكرهوا الاكثار عليه والموالاة لئلا يضجر بضيق حاله وشدة كربه فيكره ذلك بقلبه ويتكلم بما لا يليق قالوا وإذا قاله مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بعده بكلام آخر فيعاد التعريض به ليكون آخر كلامه ويتضمن الحديث الحضور عند المحتضر لتذكيره وتأنيسه واغماض عينيه والقيام بحقوقه وهذا مجمع عليه قوله وحدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز الدراوردي وروح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أخبرنا خالد بن مخلد أخبرنا سليمان بن بلال جميعا بهذا الاسناد هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح قال أبو علي الغساني وغيره معناه عن عمارة بن غزية الذي سبق فيه الاسناد الأول ومعناه روى عنه الداروردي وسليمان بن بلال وهو كما قاله
[ 220 ]
أبو علي ولو قال مسلم جميعا عن عمارة بن غزية بهذا الاسناد لكان أحسن وأوضح وهو المعروف من عادته في الكتاب لكنه حذفه هنا لوضوحه عند أهل هذه الصنعة قوله ص ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل انا لله وانا إليه راجعون فيه فضيلة هذا القول وفيه دليل للمذهب المختار في الأصول أن المندوب مأمور به لأنه ص مأمور به مع أن الآية الكريمة تقتضي ندبه واجماع المسلمين منعقد عليه قوله ص أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها قال القاضي أجرني بالقصر والمد حكاهما صاحب الأفعال وقال الأصمعي وأكثر أهل اللغة هو مقصور لا يمد ومعنى أجره الله أعطاه أجره وجزاء صبره وهمه في مصيبته وقوله ص وأخلف لي هو بقطع الهمزة وكسر اللام قال أهل اللغة يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو قريب أو شئ يتوقع حصول مثله أخلف الله عليك أي رد عليك مثله فإن ذهب ما لا يتوقع مثله بأن ذهب والد أو عم أو أخ لمن لا جد له ولا والد له قيل خلف الله عليك بغير ألف أي كان الله
[ 221 ]
خليفة منه عليك وقولها وأنا غيور يقال امرأة غيري وغيور ورجل غيور وغيران قد جاء فعول في صفات المؤنث كثيرا كقولهم امرأة عروس وعروب وضحوك لكثيرة الضحك وعقبة كؤد وأرض صعود وهبوط وحدود وأشباهها قوله ص وادعو الله أن يذهب بالغيرة هي بفتح الغين ويقال أذهب الله الشئ وذهب به كقوله تعالى ذهب الله بنورهم قوله ص إلا أجره الله هو بقصر الهمزة ومدها والقصر أفصح وأشهر كما سبق قولها ثم عزم الله لي فقلتها
[ 222 ]
أي خلق في عزما وقد سبق في شرح أول خطبة مسلم أن فعل الله تعالى لا يسمى عزما من حيث أن حقيقة العزم حدوث رأى لم يكن والله منزه عن هذا فتأولوا قول أم سلمة على أن معناه خلق لي أو في عزما قوله ص إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولوا فيه الندب إلى قول الخير حينئذ من الدعاء والاستغفار له وطلب اللطف به والتخفيف عنه ونحوه وفيه حضور الملائكة حينئذ وتأمينهم قوله وقد شق بصره هو بفتح الشين ورفع بصره وهو فاعل شق هكذا ضبطناه وهو المشهور وضبطه بعضهم بصره بالنصب وهو صحيح أيضا والشين مفتوحة بلا خلاف قال القاضي قال صاحب إلا معا الأفعال يقال شق بصر الميت بصره ومعناه شخص كما في الرواية الأخرى وقال ابن
[ 223 ]
السكيت في الاصلاح والجوهري حكاية عن ابن السكيت يقال شق بصر الميت ولا تقل شق الميت بصره وهو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشئ لا يرتد إليه طرفه قولها فأغمضه دليل على استحباب اغماض الميت وأجمع المسلمون على ذلك قالوا والحكمة فيه أن لا يقبح بمنظره لو ترك اغماضه قوله ص ان الروح إذا قبض تبعه البصر معناه إذا خرج الروح من الجسد يتبعه البصر ناظرا أين يذهب وفي الروح لغتان التذكير والتأنيث وهذا الحديث دليل للتذكير وفيه دليل لمذهب أصحابنا المتكلمين ومن وافقهم أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن وتذهب الحياة من الجسد بذهابها وليس عرضا كما قاله آخرون ولا دما كما قاله آخرون وفيها كلام متشعب للمتكلمين قولها ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة إلى آخره فيه استحباب الدعاء للميت عند موته ولأهله وذريته بأمور الآخرة والدنيا قوله ص واخلفه في عقبه في الغابرين أي الباقين كقوله تعالى إلا امرأته كانت من الغابرين
[ 224 ]
قوله ص شخص بصره بفتح الخاء أي ارتفع ولم يرتد قوله ص يتبع بصره نفسه المراد بالنفس هنا الروح قال القاضي وفيه أن الموت ليس بافناء وإعدام وإنما هو انتقال وتغير حال واعدام الجسد دون الروح الا ما استثنى من عجب الذنب قال وفيه حجة لمن يقول الروح والنفس بمعنى قولها غريب وفي أرض غربة معناه أنه من أهل مكة ومات بالمدينة قولها أقبلت امرأة من الصعيد المراد بالصعيد هنا عوالي المدينة وأصل الصعيد ما كان على وجه الأرض قولها تسعدني أي تساعدني في البكاء والنوح قوله ص ان لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ
[ 225 ]
عنده بأجل مسمى معناه الحث على الصبر والتسليم لقضاء الله تعالى وتقديره ان هذا الذي أخذ منكم كان له لا لكم فلم يأخذ إلا ما هو له فينبغي أن لا تجزعوا كما لا يجزع من استردت منه وديعة أو عارية وقوله ص وله ما أعطى معناه أن ما وهبه لكم ليس خارجا عن ملكه بل هو سبحانه وتعالى يفعل فيه ما يشاء وقوله ص وكل شئ عنده بأجل مسمى معناه اصبروا ولا تجزعوا فإن كل من يأت قد انقضى أجله المسمى فمحال تقدمه أو تأخره عنه فإذا علمتم هذا كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم والله أعلم وهذا الحديث من قواعد الاسلام المشتملة على جمل من أصول الدين وفروعه والآداب قوله ونفسه تقعقع كأنها في شنة هو بفتح التاء والقافين والشنة القربة البالية ومعناه لها صوت وحشرجة كصوت الماء إذا ألقى في القربة البالية قوله ففاضت عيناه فقال له سعد ما هذا يا رسول الله قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء معناه أن سعدا ظن أن جميع أنواع البكاء حرام وأن دمع العين حرام وظن أن النبي ص نسي فذكره فأعلمه النبي ص أن مجرد البكاء ودمع بعين ليس بحرام ولا مكروه بل هو رحمة وفضيلة وإنما المحرم النوح والندب والبكاء المقرون بهما أو بأحدهما كما
[ 226 ]
سيأتي في الأحاديث ان الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه وفي الحديث الآخر العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول ما يسخط الله وفي الحديث الآخر ما لم يكن لقع أو لقلقة قوله وجده في غشية هو بفتح الغين وكسر الشين وتشديد الياء قال القاضي هكذا رواية الأكثرين قال وضبطه بعضهم باسكان الشين وتخفيف الياء وفي رواية البخاري في غاشية وكله صحيح وفيه قولان أحدهما من يغشاه من أهله والثاني ما يغشاه من كرب الموت قوله فأتى رسول الله ص = يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فيه استحباب عيادة المريض وعيادة الفاضل
[ 227 ]
المفضول وعيادة الإمام والقاضي والعالم أتباعه قوله ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص فيه ما كانت الصحابة رضي الله عنهم من الزهد في الدنيا والتقلل منها واطراح فضولها وعدم الاهتمام بفاخر اللباس ونحوه وفيه جواز المشي حافيا وعيادة الإمام والعالم المريض مع أصحابه قوله ص الصبر عند الصدمة الأولى وفي الرواية الأخرى إنما الصبر معناه الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه وأصل الصدم الضرب في شئ صلب ثم استعمل مجازا في كل مكروه حصل بغتة قوله أتى على امرأة تبكي على صبي لها فقال لها اتقي الله واصبري فيه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع كل أحد قولها وما تبالي بمصيبتي ثم قالت في آخره لم أعرفك فيه الاعتذار إلى أهل الفضل إذا أساء الإنسان أدبه معهم وفيه صحة قول الإنسان ما أبالي بكذا والرد على من زعم أنه لا يجوز اثبات الباء إنما يقال ما باليت كذا وهذا غلط بل الصواب جواز اثبات الباء وحذفها وقد كثر ذلك في الأحاديث قوله فلم نجد على بابه بوابين فيه ما كان عليه النبي
[ 228 ]
ص من التواضع وأنه ينبغي للإمام والقاضي إذا لم يحتج إلى بواب أن لا يتخذه وهكذا قال أصحابنا قوله ص ان الميت ليعذب ببكاء أهله عليه وفي رواية ببعض بكاء أهله عليه وفي رواية ببكاء الحي وفي رواية يعذب في قبره بما نيح عليه وفي رواية من يبك عليه يعذب وهذه الروايات من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما وأنكرت عائشة ونسبتها إلى النسيان والاشتباه عليهما وأنكرت أن يكون النبي ص قال ذلك واحتجت بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى قالت وإنما قال النبي ص في يهودية أنها تعذب وهم يبكون عليها يعني تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها لا بسبب البكاء واختلف العلماء في هذه الأحاديث فتأولها الجمهور على من وصى بأن يبكي عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم لأنه بسببه ومنسوب إليه قالوا فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب لقول الله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى
[ 229 ]
قالوا وكان من عادة العرب الوصية بذلك ومنه قول طرفة بن العبد إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي على الجيب يا ابنة معبد قالوا فخرج الحديث مطلقا حملا على ما كان معتادا لهم وقالت طائفة هو محمول على من أوصى بالبكاء والنوح أو لم يوص بتركهما فمن أوصى بهما أو أهمل الوصية بتركهما يعذب بهما لتفريطه بإهمال الوصية بتركهما فأما من وصى بتركما فلا يعذب بهما إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط منه وحاصل هذا القول إيجاب الوصية بتركهما ومن أهملها عذب بهما وقالت طائفة معنى الأحاديث أنهم كانوا ينوحون على الميت ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه في زعمهم وتلك الشمائل قبائح في الشرع يعذب بها كما كانوا يقولون يا مؤيد النسوان ومؤتم الولدان ومخرب العمران ومفرق الأخدان ونحو ذلك مما يرونه شجاعة وفخرا وهو حرام شرعا وقالت طائفة معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره وقال القاضي عياض وهو أولى الأقوال واحتجوا بحديث فيه أن النبي ص زجر امرأة عن البكاء على أبيها وقال ان أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا اخوانكم وقالت عائشة رضي الله عنها معنى الحديث أن الكافر أو غيره من أصحاب الذنوب يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه لا ببكائهم والصحيح من هذه الأقوال ما قدمناه عن الجمهور وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين قوله ص في حديث محمد بن بشار يعذب في قبره بمانيح عليه وما نيح عليه
[ 230 ]
باثبات الباء وحذفها وهما صحيحان وفي رواية باثبات في قبره وفي رواية بحذفه قوله فقام بحياله يبكي أي حذاءه وعنده قوله ص من يبكي عليه يعذب هكذا هو في الأصول يبكي بالياء وهو صحيح ويكون من بمعنى الذي ويجوز على لغة أن تكون شرطية وتثبيت الياء ومنه قول الشاعر ألم يأتيك والأنباء تنمى قوله فذكرت ذلك لموسى بن طلحة القائل فذكرت ذلك هو عبد الملك بن عمير قوله عولت عليه حفصة فقال يا حفصة أما سمعت رسول الله ص يقول المعول عليه يعذب قال محققو أهل اللغة
[ 231 ]
يقال عول عليه وأعول لغتان وهو البكاء بصوت وقال بعضهم لا يقال الا أعول وهذا الحديث يرد عليه قوله عن ابن أبي مليكة كنت جالسا إلى جنب ابن عمر ونحن ننتظر جنازة أم أبان ابنة عثمان وعنده عمرو بن عثمان فجاء ابن عباس يقوده قائد فأراه أخبره بمكان ابن عمر فجاء حتى جلس إلى جنبي فكنت بينهما فيه دليل لجواز الجلوس والاجتماع لانتظار الجنازة واستحبابه وأما جلوسه بين ابن عمر وابن عباس وهما أفضل بالصحبة والعلم والفضل والصلاح والنسب والسن وغير ذلك مع أن الأدب أن المفضول لا يجلس بين الفاضلين الا لعذر فمحمول على عذر إما لأن ذلك الموضع أرفق بابن عباس واما لغير ذلك قوله عن ابن عمر قال سمعت رسول الله ص يقول ان الميت ليعذب ببكاء أهله فأرسلها عبد الله مرسلة معناه أن ابن عمر أطلق في روايته تعذيب الميت ببكاء الحي ولم يقيده بيهودي كما قيدته عائشة ولا بوصية كما قيده
[ 232 ]
آخرون ولا قال ببعض بكاء أهله كما رواه أبوه عمر قوله عن عائشة فقالت لا والله ما قاله رسول الله ص قط ان الميت يعذب ببكاء أحد في هذه جواز الحلف بغلبة الظن بقرائن وان لم يقطع الإنسان وهذا مذهبنا ومن هذا قالوا له الحلف بدين رآه بخط أبيه الميت على فلان إذا ظنه فإن قيل فلعل عائشة لم تحلف على ظن بل على علم وتكون سمعته من النبي ص في آخر أجزاء حياته قلنا هذا بعيد من وجهين أحدهما أن عمر وابن عمر سمعاه ص يقول فيعذب ببكاء أهله والثاني لو كان كذلك لاحتجت به عائشة وقالت سمعته في آخر حياته ص ولم تحتج به إنما
[ 234 ]
احتجت بالآية والله أعلم قولها وهل هو بفتح الواو وكسر الهاء وفتحها أي غلط ونسي وأما قولها في انكارها سماع الموتى فسيأتي بسط الكلام فيه في آخر الكتاب حيث ذكر مسلم
[ 235 ]
أحاديثه قوله ص والاستسقاء بالنجوم قد سبق بيانه في كتاب الإيمان في حديث مطرنا بنوء كذا قوله ص النائحة إذا لم تتب قبل موتها إلى آخره
[ 236 ]
فيه دليل على تحريم النياحة وهو مجمع عليه وفيه صحة التوبة ما لم يمت المكلف ولم يصل إلى الغرغرة قولها أنظر من صائر الباب شق الباب هكذا هو في روايات البخاري ومسلم صائر الباب شق الباب وشق الباب تفسير للصائر وهو بفتح الشين وقال بعضهم لا يقال صائر وإنما يقال صير بكسر الصاد واسكان الياء قوله ص اذهب فاحث في أفواههن من التراب هو بضم الثاء وكسرها يقال حثا يحثو وحثى يحثى لغتان وأمره ص بذلك مبالغة في انكار البكاء عليهم ومنعهن منه ثم تأوله بعضهم على أنه كان بكاء بنوح وصياح ولهذا تأكد النهى ولو كان مجرد دمع العين لم ينه عنه لأنه ص فعله وأخبر أنه ليس بحرام وأنه رحمة وتأوله بعضهم على أنه كان بكاء من غير نياحة ولا صوت قال ويبعد أن الصحابيات يتمادين بعد تكرار نهيهن على محرم وإنما كان بكاء مجردا والنهي عنه تنزيه وأدب لا للتحريم فلهذا أصررن عليه متأولات قوله أرغم الله أنفك والله ما تفعل ما أمرك رسول الله ص =
[ 237 ]
وما تركت رسول الله ص من العناء معناه أنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الإنكار لنقصك ولتقصيرك ولا تخبر النبي ص بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك ويستريح من العناء والعناء بالمد المشقة والتعب وقولهم أرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام وهو التراب وهو اشارة إلى اذلاله واهانته قوله وفي حديث عبد العزيز وما تركت رسول الله ص من العي هكذا هو معظم نسخ بلادنا هنا العي بكسر العين المهملة أي التعب وهو بمعنى العناء السابق في الرواية الأولى قال القاضي ووقع عند بعضهم الغي بالمعجمة وهو تصحيف قال ووقع عند أكثرهم العناء بالمد وهو الذي نسبه إلى الأكثرين خلاف سياق مسلم لأن مسلما روى الأول العناء ثم روى الرواية الثانية وقال إنها بنحو الأولى إلا في هذا اللفظ فيتعين أن يكون خلاف قولها أخذ علينا رسول الله ص مع البيعة أن لا ننوح وفي الرواية الأخرى في البيعة فيه تحريم النوح وعظيم قبحه والاهتمام
[ 238 ]
بانكاره والزجر عنه لأنه مهيج للحزن ورافع للصبر وفيه مخالفة التسليم للقضاء والاذعان لأمر وما تركت رسول الله ص من العناء معناه أنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الإنكار لنقصك ولتقصيرك ولا تخبر النبي ص بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك ويستريح من العناء والعناء بالمد المشقة والتعب وقولهم أرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام وهو التراب وهو اشارة إلى اذلاله واهانته قوله وفي حديث عبد العزيز وما تركت رسول الله ص من العي هكذا هو معظم نسخ بلادنا هنا العي بكسر العين المهملة أي التعب وهو بمعنى العناء السابق في الرواية الأولى قال القاضي ووقع عند بعضهم الغي بالمعجمة وهو تصحيف قال ووقع عند أكثرهم العناء بالمد وهو الذي نسبه إلى الأكثرين خلاف سياق مسلم لأن مسلما روى الأول العناء ثم روى الرواية الثانية وقال إنها بنحو الأولى إلا في هذا اللفظ فيتعين أن يكون خلاف قولها أخذ علينا رسول الله ص مع البيعة أن لا ننوح وفي الرواية الأخرى في البيعة فيه تحريم النوح وعظيم قبحه والاهتمام
[ 238 ]
بانكاره والزجر عنه لأنه مهيج للحزن ورافع للصبر وفيه مخالفة التسليم للقضاء والاذعان لأمر الله تعالى قولها فما وفت منا امرأة الا خمس قال القاضي معناه لم يف ممن بايع مع أم عطية في الوقت الذي بايعت فيه من النسوة الا خمس لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غير خمس قوله عن أم عطية حين نهين عن النياحة فقلت يا رسول الله إلا آل فلان هذا محمول على الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة كما هو ظاهر ولا تحل النياحة لغيرها ولا لها غير آل فلان كما هو صريح في الحديث وللشارع أن يخص من العموم ما شاء فهذا صواب الحكم في هذا الحديث واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالا عجيبة ومقصودي التحذير من الاغترار بها حتى ان بعض المالكية قال النياحة ليست بحرام بهذا الحديث وقصة نساء جعفر قال وإنما ما كان معه شئ من أفعال الجاهلية كشق الجيوب وخمش الخدود ودعوى الجاهلية والصواب ما ذكرناه أو وأن النياحة حرام مطلقا وهو مذهب العلماء كافة وليس فيما قاله هذا القائل دليل صحيح لما ذكره والله أعلم .