بسم الله الرحمن الرحيم
[ 1 ]
صحيح مسلم بشرح النووي الجزء الخامس الناشر دار الكتاب العربي بيروت - لبنان ب 1407 ه - 1987 م دار الكتاب العربي الرملة البيضاء - ملكارت سنتر - الطابق الرابع ، تلفون 800832 - 800811 - 805478 تلكس : 40139 . L . E كتاب . برقيا : الكتاب ص . ب : 5769 - 11 بيروت - لبنان
[ 2 ]
كتاب المساجد ومواضع الصلاة قوله ص = وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد فيه جواز الصلاة في جميع المواضع إلا ما استثناه الشرع من الصلاة في المقابر وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة كالمزبلة والمجزرة وكذا ما نهى عنه لمعنى آخر فمن ذلك أعطان الابل وسيأتي بيانها قريبا ان شاء الله
[ 3 ]
تعالى ومنه قارعة الطريق والحمام وغيرها لحديث ورد فيها قوله كنت أقرأ القرآن على أبي في السدة فإذا قرأت السجدة سجد فقلت له يا أبت أتسجد في الطريق فذكر الحديث قوله السدة هي بضم السين وتشديد الدال هكذا هو في صحيح مسلم ووقع في كتاب النسائي في السكة وفي رواية غيره في بعض السكك وهذا مطابق لقوله يا أبت أتسجد في الطريق وهو مقارب لرواية مسلم لأن السدة واحدة السدد وهي المواضع التي تطل حول المسجد وليست منه ومنه قيل لاسمعيل السدى لأنه كان يبيع في سدة الجامع وليس للسدة حكم المسجد إذا كانت خارجة عنه وأما سجوده في السدة وقوله أتسجد في الطريق فمحمول على سجوده على طاهر قال القاضي و اختلف العلماء في المعلم والمتعلم إذا قرآ السجدة فقيل عليهما السجود لأول مرة وقيل لا سجود قوله ص = وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي قال العلماء كانت غنائم من قبلنا يجمعونها ثم تأتي نار من السماء فتأكلها كما جاء مبينا في الصحيحين من رواية أبي هريرة في حديث النبي ص = الذي غزا وحبس الله تعالى له الشمس قوله صلى الله عليه وسلم = وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا وفي الرواية الأخرى وجعلت تربتها
[ 4 ]
لنا طهور احتج بالرواية الأولى مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى وغيرهما ممن يجوز التيمم بجميع أجزاء الأرض واحتج بالثانية الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى وغيرهما ممن لا يجوز الا بالتراب خاصة وحملوا ذلك المطلق على هذا المقيد وقوله ص = مسجدا معناه أن من كان قبلنا انما أبيح لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس قال القاضي رحمه الله تعالى وقيل إن من كان قبلنا كانوا لا يصلون الا فيما تيقنوا طهارته من الأرض وخصصنا نحن بجواز الصلاة في جميع الأرض الا ما تيقنا نجاسته قوله ص = وأعطيت الشفاعة هي الشفاعة العامة التي تكون في المحشر بفزع الخلائق إليه ص = لأن الشفاعة في الخاصة جعلت لغيره أيضا قال القاضي وقيل المراد شفاعة لا ترد قال وقد تكون شفاعته لخروج من في قلبه مثقال ذرة من ايمان من النار لان الشفاعة التي جاءت لغيره إنما جاءت قبل هذا وهذه مختصة به كشفاعة المحشر وقد سبق في كتاب الايمان بيان أنواع شفاعته ص = قوله ص = فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا وذكر خصلة أخرى قال العلماء المذكور هنا خصلتان لأن قضية الأرض في كونها مسجدا وطهورا خصلة واحدة وأما الثالثة فمحذوفة هنا ذكرها النسائي من رواية أبي مالك الراوي هنا في مسلم قال وأوتيت هذه الآيات من خواتم البقرة من كنز
[ 5 ]
تحت العرش ولم يعطهن أحد قبلي ولا يعطاهن أحد بعدي قوله ص = أعطيت جوامع الكلم وفي الرواية الأخرى بعثت بجوامع الكلم قال الهروي يعني به القرآن جمع الله تعالى في الألفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة وكلامه ص = كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني قوله ص = وبعثت إلى كل أحمر وأسود وفي الرواية الأخرى إلى الناس كافة قيل المراد بالأحمر البيض من العجم وغيرهم وبالاسود العرب لغلبة السمرة فيهم وغيرهم من السودان وقيل المراد بالاسود السودان وبالاحمر من عداهم من العرب وغيرهم وقيل الاحمر الانس والاسود الجن والجميع صحيح فقد بعث إلى جميعهم قوله ص = أتيت بمفاتيح خزائن الأرض هذا من أعلام النبوة فانه اخبار بفتح هذه البلاد لأمته ووقع كما أخبر ص = ولله الحمد والمنة قوله وأنتم تنتثلونها يعني تستخرجون ما فيها يعني خزائن الأرض وما فتح على المسلمين من الدنيا
[ 6 ]
قوله عن الزبيدي هو بضم الزاي نسبة إلى بني زبيد قوله فنزل في علو المدينة
[ 7 ]
هو بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان قوله ثم انه أمر بالمسجد ضبطناه أمر بفتح الهمزة والميم وأمر بضم الهمزة وكسر الميم وكلاهما صحيح قوله أرسل إلى ملأ بني النجار يعني أشرافهم قوله ص = يا بني النجار ثامنوني بحائطكم أي بايعوني قوله قالوا لا والله ما نطلب ثمنه الا إلى الله هذا الحديث كذا هو مشهور في الصحيحين وغيرهما وذكر محمد بن سعد في الطبقات عن الواقدي أن النبي ص = اشتراه منهم بعشرة دنانير دفعها عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه قوله كان فيه نخل وقبور المشركين وخرب هكذا ضبطناه بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء قال القاضي رويناه هكذا ورويناه بكسر الخاء وفتح الراء وكلاهما صحيح وهو ما تخرب من البناء قال الخطابي لعل صوابه خرب بضم الخاء جمع خربة بالضم وهي الخروق في الأرض أو لعله حرف قال القاضي لا أدري ما اضطره إلى هذا يعني أن هذا تكلف لا حاجة إليه فان الذي ثبت في الرواية صحيح المعاني لا حاجة إلى تغييره لأنه كما أمر بقطع النخل لتسوية الارض أمر بالخرب فرفعت رسومها وسويت مواضعها لتصير جميع الأرض مبسوطة مستوية للمصلين وكذلك فعل بالقبور قوله فأمر رسول الله ص = بالنخل فقطع فيه جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجة والمصلحة لاستعمال خشبها أو ليغرس موضعها غيرها أو لخوف سقوطها على شئ تتلفه أو لاتخاذ موضعها مسجدا أو قطعها في بلاد الكفار إذا لم يرج فتحها لان فيه نكاية وغيظا لهم واضعافا وارغاما قوله وبقبور المشركين فنبشت فيه جواز نبلش القبور الدراسة وأنه إذا أزيل ترابها المختلط
[ 8 ]
بصديدهم ودمائهم جازت الصلاة في تلك الأرض وجواز اتخاذ موضعها مسجدا إذا طيبت أرضه وفيه أن الارض التي دفن فيها الموتى ودرست يجوز بيعها وأنها باقية على ملك صاحبها وورثته من بعده إذا لم توقف قوله وجعلوا عضادتيه حجارة العضادة بكسر العين هي جانب الباب قوله وكانوا يرتجزون فيه جواز الارتجاز وقول الاشعار في حال الاعمال والأسفار ونحوها لتنشيط النفوس وتسهيل الأعمال والمشي عليها واختلف أهل العروض والادب في الرجز هل هو شعر أم لا واتفقوا على أن الشعر لا يكون شعرا الا بالقصد أما إذا جرى كلام موزون بغير قصد فلا يكون شعرا وعليه يحمل ما جاء عن النبي ص = من ذلك لان الشعر حرام عليه ص = قوله ان النبي ص = كان يصلي في مرابض الغنم قال أهل اللغة هي مباركها ومواضع مبيتها ووضعها أجسادها على الأرض للاستراحة قال ابن دريد ويقال ذلك أيضا لكدابة من ذوات الحوافر والسباع واستدل بهذا الحديث مالك وأحمد رحمهما الله وغيرهما ممن يقول بطهارة بول المأكول وروثه وقد سبق بيان المسألة في آخر كتاب الطهارة وفيه أنه لا كراهة في الصلاة في مراح الغنم بخلاف أعطان الابل وسبقت المسألة هناك أيضا قوله وحدثنا يحيى بن يحيى قال حدثنا خالد يعني ابن الحارث حدثنا شعبة هكذا هو في معظم النسخ يحيى بن يحيى وفي بعضها يحيى فقط غير منسوب والذي في الأطراف لخلف أنه يحيى بن حبيب قيل وهو الصواب
[ 9 ]
باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة فيه حديث البراء وهو دليل على جواز النسخ ووقوعه وفيه قبول خبر الواحد وفيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين وهذا هو الصحيح عند أصحابنا من صلى إليى جهة بالاجتهاد ثم تغير اجتهاده في أثنائها فيستدير إلى الجهة الأخرى حتى لو تغير اجتهاده أربع مرات في الصلاة الواحدة فصلى كل ركعة منها إلى جهة صحت صلاته على الاصح لأن أهل هذا المسجد المذكور في الحديث استداروا في صلاتهم واستقبلوا الكعبة ولم يستأنفوها وفيه دليل على أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه فان قيل هذا نسخ للمقطوع به بخبر الواحد وذلك ممتنع عند أهل الاصول فالجواب أنه احتفت به قرائن ومقدمات أفادت العلم وخرج عن كونه خبر واحد مجردا واختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء رحمهم الله تعالى في أن استقبال بيت المقدس هل كان ثابتا بالقرآن أم باجتهاد النبي ص = فحكى الماوردي في الحاوي وجهين في ذلك لاصحابنا قال القاضي عياض رحمه الله تعالى الذي ذهب إليه أكثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن فعلى هذا يكون فيه دليل لقول من قال أن القرآن ينسخ السنة وهو قول أكثر الاصوليين المتأخرين وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى والقول الثاني له وبه قال طائفة لا يجوز لان السنة مبينة للكتاب فكيف ينسخها وهؤلاء يقولون لم يكن استقبال بيت المقدس بسنة بل كان بوحي قال الله تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الآية واختلفوا أيضا في عكسه وهو نسخ السنة للقرآن فجوزه الاكثرون ومنعه الشافعي رحمه الله تعالى وطائفة قوله بيت المقدس فيه لغتان مشهورتان أحداهما فتح الميم واسكان القاف والثانية ضم الميم وفتح القاف ويقال فيه ايضا ايلياء والياء وأصل المقدس والتقديس من التطهير وقد أوضحته مع بيان لغاته وتصريفه واشتقاقه في
[ 10 ]
تهذيب الاسماء قوله بينما الناس في صلاة الصبح بقباء هو بالمد ومصروف ومذكر وقيل مقصور وغير مصروف وقيل مؤنث وهو موضع بقرب المدينة معروف وتقدم قريبا بيان معنى قولهم بينما وبينا وأن تقديره بين أوقات كذا قوله وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها روى فاستقبلوها بكسر الباء وفتحها والكسر أصح وأشهر وهو الذي يقتضيه تمام الكلام بعده قولها بينما الناس في الصلاة الغداة فيه جواز تسمية الصبح غداة وهذا الاخلاف فيه لكن قال الشافعي رحمه
[ 11 ]
الله تعالى سماها الله تعالى الفجر وسماها رسول الله ص = الصبح فلا أحب أن تسمى بغير هذين الاسمين باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد أحاديث الباب ظاهرة الدلالة فيما ترجمنا له قولها ذكرن أزواج النبي ص = كنيسة
[ 12 ]
هكذا ضبطناه ذكرن بالنون وفي بعض الأصول ذكرت بالتاء والاول أشهر وهو جائز على تلك اللغة القليلة لغة أكلوني البراغيث ومنها يتعاقبون فيكم ملائكة قولها غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ضبطناه خشي بضم الخاء وفتحها وهما صحيحان قوله ص = قاتل الله اليهود ومعناه لعنهم كما في الرواية الأخرى وقيل معناه قتلهم وأهلكهم قوله لما نزل برسول الله ص = هكذا ضبطناه نزل بضم النون وكسر الزاي وفي أكثر الاصول نزلت
[ 13 ]
بفتح الحروف الثلاثة وبتاء التأنيث الساكنة أي لما حضرت المنية والوفاة وأما الاول فمعناه نزل ملك الموت والملائكة الكرام قوله طفق يطرح خميصه له يقال طفق بكسر الفاء وفتحها أي جعل والكسر أفصح وأشهر وبه جاء القرآن وممن حكى الفتح الاخفش والجوهري والخميصة كساء له أعلام قوله عن عبد الله بن الحارث النجراني هو بالنون والجيم قوله صلى الله عليه وسلم = أني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل إلى آخره معنى أبرأ أي أمتنع من هذا وأنكره والخليل هو المنقطع إليه وقيل المختص بشئ دون غيره قيل هو مشتق من الخلة بفتح الخاء وهي الحاجة وقيل من الخلة بضم الخاء وهي تخلل المودة في القلب فنفى ص = أن تكون حاجته وانقطاعه إلى غير الله تعالى وقيل الخليل من لا يتسمع القلب لغيره قال العلماء انما نهى النبي ص = عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في تعظيمه والافتتان به فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الامم الخالية ولما احتاجت
[ 14 ]
الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله ص = حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله ص = وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي المحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفو هما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر ولهذا قال في الحديث ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا والله تعالى أعلم بالصواب باب فضل بناء المساجد والحث عليها قوله ص = من بنى مسجدا لله بنى الله تعالى له بيتا في الجنة مثله يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم مثله أمرين أحدهما أن يكون معناه بني الله تعالى له مثله في مسمى البيت وأما
[ 15 ]
صفته في السعة وغيرها فمعلوم فضلها أنها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر الثاني أن معناه أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا باب الندب إلى وضع الايدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق مذهبنا ومذهب العلماء كافة أن السنة وضع اليدين على الركبتين وكراهة التطبيق الا ابن مسعود وصاحبيه علقمة والاسود فانهم يقولون أن السنة التطبيق لانه لم يبلغهم الناسخ وهو حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه والصواب ما عليه الجمهور لثبوت الناسخ الصريح قوله أصلي هؤلاء يعني الامير والتابعين له وفيه اشارة إلى انكار تأخيرهم الصلاة قوله قوموا فصلوا فيه جواز اقامة الجماعة في البيوت لكن لا يسقط بها فرض الكفاية إذا قلنا بالمذهب الصحيح أنها فرض كفاية بل لا بد من اظهارها وإنما اقتصر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على فعلها في البيت لان الفرض كان يسقط بفعل الامير وعامة الناس وان أخروها إلى أواخر الوقت قوله فلم يأمرنا بأذان ولا اقامة هذا مذهب ابن مسعود رضي الله عنه وبعض السلف من أصحابه وغيرهم أنه لا يشرع الاذان ولا الاقامة لمن يصلي وحده في البلد الذي يؤذن فيه ويقام لصلاة الجماعة العظمى بل يكفي أذانهم واقامتهم وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أن الإقامة سنة في حقه ولا يكفيه اقامة الجماعة واختلفوا في الأذان فقال بعضهم يشرع له وقال بعضهم لا يشرع ومذهبنا الصحيح أنه يشرع له الاذان ان لم يكن سمع أذان الجماعة والا فلا يشرع قوله ذهبنا لنقوم خلفه فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله وهذا
[ 16 ]
مذهب ابن مسعود وصاحبيه وخالفهم جميع العلماء من الصحابة فمن بعدهم إلى الآن فقالوا إذا كان مع الامام رجلان وقفا وراءه صفا لحديث جابر وجبار بن صخر وقد ذكره مسلم في صحيحه في آخر الكتاب في الحديث الطويل عن جابر وأجمعوا إذا كانوا ثلاثة أنهم يقفون وراءه وأما الواحد فيقف عن يمين الامام عند العلماء كافة ونقل جماعة الاجماع فيه ونقل القاضي عياض رحمه الله تعالى عن ابن المسيب أنه يقف عن يساره ولا أظنه يصح عنه وان صح فلعله لم يبلغه حديث ابن عباس وكيف كان فهم اليوم مجموعون على أنه يقف عن يمينه قوله انه سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها ويخنقونها إلى شرق الموتى معناه يؤخرونها عن وقتها المختار وهو أول وقتها لا عن جميع وقتها وقوله يخنقونها بضم النون معناه يضيقون وقتها ويؤخرون أداءها يقال هم في خناق من كذا أي في ضيق والمختنق المضيق وشرق الموتى بفتح الشين والراء قال ابن الاعرابي فيه معنيان أحدهم إن الشمس في ذلك الوقت وهو آخر النهار انما تبقى ساعة ثم تغيب والثاني إنه من قولهم شرق الميت بريقه إذا لم يبق بعده الا يسيرا ثم يموت قوله فصلوا الصلاة لميقاتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة السبحة بضم السين واسكان الباء هي النافلة ومعناه صلوا في أول الوقت يسقط عنكم الفرض ثم صلوا معهم متى صلوا لتحرزوا فضيلة أول الوقت وفضيلة الجماعة ولئلا تقع فتنة بسبب التخلف عن الصلاة مع الامام وتختلف كلمة المسلمين وفيه دليل على إن من صلى فريضة مرتين تكون الثانية سنة والفرض سقط بالأولى وهذا هو الصحيح عند أصحابنا وقيل الفرض إكملهما وقيل كلاهما وقيل إحداهما مبهمة وتظهر فائدة الخلاف في مسائل معروفة قوله وليجنأ هو بفتح الياء واسكان
[ 17 ]
الجم آخره مهموز هكذا ضبطناه وكذا هو في أصول بلادنا ومعناه ينعطف وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى روى وليجنأ كما ذكرناه وروى وليحن بالحاء المهمة قال وهذا رواية أكثر شيوخنا وكلاهما صحيح ومعناه الانحناء والانعطاف في الركوع قال ورواه بعض شيوخنا بضم النون وهو صحيح في المعنى أيضا يقال حنيت العود وحنوته إذا عطفته وأصل الركوع في اللغة الخضوع والذلة وسمى الركوع الشرعي ركوعا لما فيه من صورة الذلة والخضوع و الاستسلام قوله حدثنا أبو عوانة عن أبي يعفور هو بالراء واسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس بكسر النون وهو أبو يعفور الاصغر وأما أبو يعفور الاكبر فاسمه واقد وقيل وقدان
[ 18 ]
وقد سبق بيالهما في كتاب الايمان في حديث أي الأعمال أفضل باب جواز الاقعاء على العقبين فيه طاوس قال قلنا لابن عباس رضي الله عنهما في الاقعاء على القدمين قال هي السنة فقلنا له انا
[ 19 ]
لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس بل هي سنة نبيك ص = اعلم أن الاقعاء ورد فيه حديثان ففي هذا الحديث إنه سنة وفي حديث آخر النهي عنه رواه الترمذي وغيره من رواية علي وابن ماجه من رواية أنس وأحمد بن حنبل رحمه الله تعالى من رواية سمرة وأبي هريرة والبيهقي من رواية سمرة وأنس وأسانيدها كلها ضعيفة وقد اختلف العلماء في حكم الاقعاء وفي تفسيره اختلافا كثيرا لهذه الأحاديث والصواب الذي لا معدل عنه أن الاقعاء نوعان أحدهما أن يلصق اليتيه بالارض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كاقعاء الكلب هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي والنوع الثاني إن يجعل اليتيه على عقبيه بين السجدتين وهذا هو مراد ابن عباس بقوله سنة نبيكم ص = وقد نص الشافعي رضي الله عنه في البويطي والاملاء على استحبابه في الجلوس بين السجدتين وحمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما عليه جماعات من المحققين منهم البيهقي والقاضي عياض وآخرون رحمهم الله تعالى قال القاضي وقد روى عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه قال وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس رضي الله عنهما من السنة إن تمس عقبيك الييك هذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس وقد ذكرنا أن الشافعي رضي الله عنه على استحبابه في الجلوس بين السجدتين وله نص آخر وهو الاشهر أن السنة فيه الافتراش وحاصله أنهما سنتان وأيهما أفضل فيه قولان وأما جلسة التشهد الأول وجلسة الاستراحة فسنتها الافتراش وجلسة التشهد الاخير السنة فيه التورك هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه وقد سبق بيانه مع مذاهب العلماء رحمهم الله تعالى وقوله انا لنراه جفاء بالرجل ضبطناه بفتح الراء وضم الجيم أي بالانسان وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم قال وضبطه أبو عمر بن عبد البر بكسر الراء واسكان الجيم قال أبو عمر ومن ضم الجيم فقد غلط ورد الجمهور علي ابن عبد البر وقالوا الصواب الضم وهو الذي يليق به اضافة الجفاء إليه والله أعلم
[ 20 ]
باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من اباحته قوله واثكل أمياه الثكل بضم الثاء واسكان الكاف وبفتحهما جميعا لغتان كالبخل والبخل حكاهما الجوهري وغيره وهو فقدان المرأة ولدها وامرأة ثكلى وثاكل وثكلته أمه بكسر الكاف وأثكله الله تعالى أمه وقوله أمياه هو بكسر الميم قوله فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاهم يعني فعلوا هذا ليسكتوه وهذا محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شئ في صلاته وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة وأنه لا تبطل به الصلاة وأنه لا كراهة فيه إذا كان لحاجة قوله فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فيه بيان ما كان عليه رسول الله ص = من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به ورفقه بالجاهل ورأفته بأمته وشفقته عليهم وفيه التخلق بخلقه ص = في الرفق بالجاهل وحسن تعليمه واللطف به وتقريب الصواب إلى فهمه قوله فوالله ما كهرني أي ما انتهرني قوله ص = ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هو التسبيح
[ 21 ]
والتكبير وقراءة القرآن فيه تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لحاجة أو غيرها وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها فان احتاج إلى تنبيه أو اذن لداخل ونحوه سبح ان كان رجلا وصفقت ان كانت امرأة هذا مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهم والجمهور من السلف والخلف وقال طائفة منهم الأوزاعي يجوز الكلام لمصلحة الصلاة لحديث ذي اليدين وسنوضحه في موضعه انشاء الله تعالى وهذا في كلام العامد العالم أما الناسي فلا تبطل صلاته بالكلام القليل عندنا وبه قال مالك وأحمد والجمهور وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون تبطل دليلنا حديث ذي اليدين فان كثر كلام الناس ففيه وجهان مشهوران لاصحابنا أصحهما تبطل صلاته لانه نادر وأما كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالاسلام فهو ككلام الناسي فلا تبطل الصلاة بقليله لحديث معاوية بن الحكم هذا الذي نحن فيه لان النبي ص = لم يأمره بإعادة الصلاة لكن علمه تحريم الكلام فما يستقبل وأما قوله ص = إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن فمعناه هذا ونحوه فان التشهد والدعاء والتسليم من الصلاة وغير ذلك من الاذكار مشروع فيها فمعناه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس ومخاطباتهم وإنما هي التسبيح وما في معناه من الذكر والدعاء وأشباههما مما ورد به الشرع وفيه دليل على أن من حلف لا يتكلم فسبح أو كبر أو قرأ القرآن لا يحنث وهذا هو الصحيح المشهور في مذهبنا وفيه دلالة لمذهب الشافعي رحمه الله تعالى والجمهور أن تكبيرة الاحرام فرض من فروض الصلاة وجزء منها وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ليست منها بل هي شرط خارج عنها متقدم عليها وفي هذا الحديث النهي عن تشميت العاطس في الصلاة وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتي به عالما عامدا قال أصحابنا ان قال يرحمك الله بكاف الخطاب بطلت صلاته وان قال يرحمه الله أو اللهم أرحمه أو رحم الله فلانا لم تبط صلاته لأنه ليس بخطاب وأما العاطس في الصلاة فيستحب له أن يحمد الله تعالى سراهذا مذهبنا وبه قال مالك وغيره وعن ابن عمر والنخعي وأحمد رضي الله عنهم أنه يجهر به والأول أظهر لأنه ذكر والسنة في الاذكار في الصلاة الاسرار الا ما استثنى من القراءة في بعضها ونحوها قوله اني حديث عهد بجاهلية
[ 22 ]
قال العلماء الجاهلية ما قبل ورود الشرع سموا جاهلية لكثرة جهالتهم وفحشهم قوله ان منا رجالا يأتون الكهان قال فلا تأتهم قال العلماء إنما هي عن اتيان الكهان لانهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الاصابة فيخاف الفتنة على الانسان بسبب ذلك لأنهم يلبسون على الناس كثيرا من أمر الشرائع وقد تظاهرت الاحاديث الصحيحة بالنهي عن اتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون وتحريم ما يعطون من الحلوان وهو حرام باجماع المسلمين وقد نقل الاجماع في تحريمه جماعة منهم أبو محمد البغوي رحمهم الله تعالى قال البغوي اتفق أهل العلم على تحريم حلوان الكاهن وهو ما أخذه المتكهن على كهانته لان فعل الكهانة باطل لا يجوز أخذ الاجرة عليه وقال الماوردي رحمه الله تعالى في الأحكام السلطانية ويمنع المحتسب الناس من التكسب بالكهانة واللهو ويؤدب عليه الآخذ والمعطي وقال الخطابي رحمه الله تعالى حلوان الكاهن ما يأخذه المتكهن على كهانته وهو محرم وفعله باطل قال وحلوان العراف حرام أيضا قال والفرق بين العراف والكاهن أن الكاهن انما يتعاطى الاخبار عن الكوائن في المستقبل ويدعى معرفة الاسرار والعراف يتعاطى معرفة الشئ المسروق ومكان الضالة ونحوهما وقال الخطابي أيضا في حديث من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد ص = قال كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور فمنهم من يزعم أن له رئيا من الجن يلقي إليه الأخبار ومنهم من يدعي استدراك ذلك بفهم أعطيه ومنهم من يسمى عرافا وهو اذي يزعم معرفة الأمور بمقدمات أسباب استدل بها كمعرفة من سرق الشئ الفلاني ومعرفة من يتهم به المرأة ونحو ذلك ومنهم من يسمى المنجم كاهنا قال والحديث يشتمل على النهي عن اتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم فيما يدعونه هذا كلام الخطابي وهو نفيس قوله ومنا رجال يتطيرون قال ذلك شئ يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم وفي رواية فلا يصدنكم قال العلماء معناه أن الطيرة شئ تجدونه في نفوسكم ضرورة
[ 23 ]
ولا عتب عليكم في ذلك فانه غير مكتسب لكم فلا تكليف به ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم فهذا هو الذي تقدرون عليه وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها وقد تظاهرت الاحاديث الصحيحة في النهي عن التطير والطيرة هي محمولة على العمل بها لا على ما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاء عندهم وسيأتي بسط الكلام فيها في موضعها ان شاء الله تعالى حيث ذكرها مسلم رحمه الله تعالى قوله ومنا رجال يخطون قال كان نبي من الأنبياء عليهم السلام يخط فمن وافق خطه فذاك اختلف العلماء في معناه من وافق خطه فهو مباح له ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة لا يباح والمقصود أنه حرام لانه لا يباح الا بيقين الموافقة وليس لنا يقين بها وإنما قال النبي ص = فيمن وافق خطه فذاك ولم يقل هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط فحافظ النبي ص = على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا فالمعنى أن ذلك النبي لا منع في حقه وكذا لو علمتم موافقته ولكن لا علم لكم بها وقال الخطابي هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط إذا كان علما لنبوة ذاك النبي وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك وقال القاضي عياض المختار أن معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون اصابته فيما يقول لا أنه أباح ذلك لفاعله قال ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن قوله وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية هي بفتح الجيم وتشديد الواو وبعد الالف نون مكسورة ثم ياء مشددة هكذا ضبطناه وكذا ذكر أبو عبيد البكري والمحققون وحكى القاضي عياض عن بعضهم تخفيف الياء والمختار التشديد والجوانية بقرب أحد موضع في شمالي المدينة وأما قول القاضي عياض انها من عمل الفرع فليس بمقبول لان الفرع بين مكة والمدينة بعيد من المدينة وأحد في شام المدينة وقد
[ 24 ]
قال في الحديث قبل أحد والجوانية فكيف يكون عند الفرع وفيه دليل على جواز استخدام السيد جاريته في الرعي وان كانت تنفرد في المرعى وإنما حرم الشرع مسافرة المرأة وحدها لأن السفر مظنة الطمع فيها وانقطاع ناصرها والذاب عنها وبعدها منه بخلاف الراعية ومع هذا فان خيف مفسدة من رعيها لريبة فيها أو لفساد من يكون في الناحية التي ترعى فيها أو نحو ذلك لم يسترعها ولم تمكن الحرة ولا الامة من الرعي حينئذ لأنه حينئذ يصير في معنى السفر الذي حرم الشرع على المرأة فان كان معها محرم أو نحوه ممن تأمن معه على نفسها فلا منع حينئذ كما لا يمنع من المسافرة في هذا الحال والله أعلم قوله آسف أي أغضب وهو بفتح السين قوله صككتها أي لطمتها قوله ص = أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال اعتقها فانها مؤمنة هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان تقدم ذكرهما مرات في كتاب الايمان أحدهما الايمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شئ وتنزيهه عن سمات المخلوقات والثاني تأويله بما يليق به فمن قال بهذا قال كان المراد امتحانها هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرا في جهة الكعبة بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم فلما قالت في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان قال القاضي عياض لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم فمن قال باثبات جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين تأول في السماء
[ 25 ]
أي على السماء ومن قال من دهماء النظار والمتكلمين وأصحاب التنزيه بنفي الحد واستحالة الجهة في حقه سبحانه وتعالى تأولوها تأويلات بحسب مقتضاها وذكر نحو ما سبق قال ويا ليت شعري ما الذي جمع أهل السنة والحق كلهم على وجوب الامساك عن الفكر في الذات كما أمروا وسكتوا لحيرة العقل واتفقوا على تحريم التكييف والتشكيل وأن ذلك من وقوفهم وامساكهم غير شاك في الوجود والموجود وغير قادح في التوحيد بل هو حقيقته ثم تسامح بعضهم باثبات الجهة خاشيا من مثل هذا التسامح وهل بين التكييف واثبات الجهات فرق لكن أطلاق ما أطلقه الشرع من أنه القاهر فوق عباده وانه استوى على العرش مع التمسك بالآية الجامعة الكلى الذي لا يصح في المعقول غيره وهو قوله تعالى كمثله شئ عصمة لمن وفقه الله تعالى وهذا كلام القاضي رحمه الله تعالى وفي هذا الحديث أن اعتاق المؤمن أفضل من اعتاق الكافر وأجمع العلماء على جواز عتق الكافر في غير الكفارات وأجمعوا على أنه لا يجزئ الكافر في كفارة القتل كما ورد به القرآن واختلفوا في كفارة الظهار واليمين والجماع في نهار رمضان فقال الشافعي ومالك والجمهور لا يجزئه الا مؤمنة حملا للمطلق على المقيد في كفارة القتل وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون يجزئه الكافر للاطلاق فانها تسمى رقبة قوله ص = أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال اعتقها فانها مؤمنة فيه دليل على ن الكافر لا يصير مؤمنا إلا بالاقرار بالله تعالى وبرسالة رسول الله ص = وفيه دليل على أن من أقر بالشهادتين واعتقد ذلك جزما كفاه ذلك في صحة إيمانه وكونه من أهل القبلة والجنة ولا يكلف مع هذا اقامة الدليل والبرهان على ذلك ولا يلزمه معرفة الدليل وهذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور وقد سبق بيان هذه المسألة في أول
[ 26 ]
كتاب الايمان مع ما يتعلق بها وبالله التوفيق قوله في حديث ابن مسعود كنا نسلم على رسول الله ص = وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا فقال ان في الصلاة شغلا وفي حديث زيد ابن أرقم رضي الله عنه كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت لله قانتين فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وفي حديث جابر رضي الله عنه قال ان رسول الله ص = بعثني لحاجة ثم أدركته وهو يصلي فسلمت عليه فأشار
[ 27 ]
إلى فلما فرغ دعاني فقال انك سلمت آنفا وأنا أصلي هذه الأحاديث فيها فوائد منها تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لمصلحتها أم لا وتحريم رد السلام فيها باللفظ وأنه لا تضر الاشارة بل يستحب رد السلام بالاشارة وبهذه الجملة قال الشافعي والاكثرون قال القاضي عياض قال جماعة من العلماء برد السلام في الصلاة نطقا منهم أبو هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب وقتادة واسحاق وقيل يرد في نفسه وقال عطاء والنخعي والثوري يرد بعد السلام في الصلاة وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يرد بلفظ ولا اشارة بكل حال وقال عمر بن عبد العزيز ومالك وأصحابه وجماعة يرد اشارولا يرد نطقا من قال يرد نطقا كأنه لم يبلغه الاحاديث وأما ابتداء السلام على المصلى فمذهب الشافعي رحمه الله تعالى أنه لا يسلم عليه فان سلم لم يستحق جوابا وقال به جماعة من العلماء وعن مالك رضي الله عنه روايتان احداهما كراهة السلام والثانية جوازه قوله ص = ان في الصلاة شغلا معناه ان المصلى وظيفته أن يشتغل بصلاته فيتدبر ما يقوله ولا يعرج على غيرها فلا يرد سلاما ولا غيره قوله حدثنا هريم هو بضم الهاء وفتح الراء قوله تعالى لله قانتين قيل معناه مطيعين وقيل ساكتين قوله أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام فيه دليل على تحريم جميع أنواع كلام الآدميين وأجمع العلماء على أن الكلام فيها عامدا عالما بتحريمه بغير مصلحتها وبغير انقاذها وشبهه مبطل للصلاة وأما الكلام لمصلحتها فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم والجمهور يبطل الصلاة وجوزه الاوزاعي وبعض أصحاب مالك وطائفة قليلة وكلام الناسي لا يبطلها عندنا وعند الجمهور ما لم يطل وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون يبطل وقد تقدم بيانه وفي حديث جابر رضي الله عنه رد السلام بالاشارة وأنه لا تبطل الصلاة بالاشارة ونحوها من الحركات اليسيرة وأنه ينبغي لمن سلم عليه ومنعه من رد السلام مانع أن يعتذر إلى المسلم ويذكر له ذلك المانع قوله وهو موجه قبل المشرق هو بكسر الجيم أي موجه وجهه وراحلته وفيه دليل لجواز
[ 28 ]
النافلة في السفر حيث توجهت به راحلته وهو مجمع عليه قوله حدثنا كثير بن شنظير هو بكسر الشين والظاء المعجمتين باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه وجواز العمل القليل في الصلاة قوله ان عفريتا من الجن جعل يفتك على البارحة ليقطع على صلاتي هكذا هو في مسلم
[ 29 ]
يفتك وفي رواية البخاري يفلت وهما صحيحان والفتك الأخذ في غفلة وخديعة والعفريت العاتي المارد من الجن قوله ص = فذعته هو بذال معجمة وتخفيف العين المهملة أي خنقته قال مسلم وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة فدعته يعني بالدال المهملة وهو صحيح أيضا ومعناه دفعته دفعا شديدا والدعت الدفع الشديد وأنكر الخطابي المهملة وقال لا تصح وصححها غره وصوبوها وان كانت المعجمة أوضح وأشهر وفيه دليل على جواز العمل القليل في الصلاة قوله ص = فلقد هممت أن أربطه حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون أو كلكم فيه دليل على أن الجن موجودون وأنهم قد يراهم بعض الآدميين وأما قوله الله تعالى أنه يراكم هو وقبيلة من حيث لا ترونهم فمحمول على الغالب فلو كانت رؤيتهم محالا لما قال النبي ص = ما قال من رؤيته اياه ومن أنه كان يربطه لينظروا كلهم إليه ويلعب به ولدان أهل المدينة قال القاضي وقيل ان رؤيتهم على خلقهم وصورهم الاصلية ممتنعة لظاهر الآية الا للانبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومن خرقت له العادة وإنما يراهم بنو آدم في صور غير صورهم كما جاء في الآثار قلت هذه دعوى مجردة فان لم يصح لها مستند فهي مردودة قال الامام أبو عبد الله المازري الجن أجسام لطيفة روحانية فيحتمل أنه تصور بصورة يمكن ربطه معها ثم يمتنع من أن يعود إلى ما كان عليه حتى يتأتي اللعب به وان خرقت العادة أمكن غير ذلك قوله ص = ثم ذكرت قول أخي سليمان صلاة الله وسلامه عليه قال القاضي معناه أنه مختص بهذا فامتنع نبينا ص = من ربطه إما أنه لم يقدر عليه لذلك وأما لكونه لما تذكر ذلك لم يتعاط ذلك لظنه أنه لم يقدر عليه أو تواضعا وتأدبا قوله صلى الله عليه وسلم فرده الله خاسئا أي ذليلا صاغرا مطرودا مبعدا قوله وقال ابن منصور شعبة عن محمد ابن زياد يعني قال اسحق بن منصور في روايته حدثنا النضر قال أخبرنا شعبة عن محمد بن زياد
[ 30 ]
فخالف رواية رفيقه اسحق بن ابراهيم السابقة في شيئين أحدهما أنه قال شعبة عن محمد بن زياد وقال ابن ابرهيم شعبة قال أخبرنا محمد والثاني أنه قال محمد بن زياد وفي رواية ابن ابراهيم محمد وهو ابن زياد قوله ص = ألعنك بلعنة الله التامة قال القاضي يحتمل تسميتها تامة أي لا نقص فيها ويحتمل الواجبة له المستحقة عليه أو الموجبة عليه العذاب سرمدا وقال القاضي وقوله ص = ألعنك بلعنة الله وأعوذ بالله منك دليل الجواز الدعاء لغيره وعلى غيره بصيغة المخاطبة خلافا لابن شعبان من أصحاب مالك في قوله ان الصلاة تبطل بذاك قلت وكذا قال أصحابنا تبطل الصلاة بالدعاء لغيره بصيغة المخاطب كقوله للعاطس رحمك الله أو يرحمك ولمن سلم عليه وعليك السلام وأشباهه والاحاديث السابقة في الباب الذي قبله في السلام على المصلى تؤيد ما قاله أصحابنا فيتأول هذا الحديث أو يحمل على أنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة أو غير ذلك قوله ص = والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان
[ 31 ]
أهل المدينة فيه جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم ما يخبر به الانسان وتعظيمه والمبالغة في صحته وصدقه وقد كثرت الأحاديث بمثل هذا والولدان الصبيان باب جواز حمل الصبيان في الصلاة وان ثيابهم محمولة على الطهارة حتى يتحقق نجاستها وان الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الافعال فيه حديث حمل أمامة رضي الله عنها ففيه دليل لصحة صلاة من حمل آدميا أو حيوانا طاهرا من طير وشاة وغيرهما وأن ثياب الصبيان وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وأن الأفعال إذا تعددت ولم تتوال بل تفرقت لا تبطل الصلاة وفيه تواضع مع الصبيان وسائر الضعفة ورحمتهم وملاطفتهم وقوله رأيت النبي ص
[ 32 ]
وسلم يؤم الناس وأمامة على عاتقة هذا يدل لمذهب الشافعي رحمه الله تعالى ومن وافقه أنه يجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان الطاهر في صلاة الفرض وصلاة النفل ويجوز ذلك للامام والمأموم والمنفرد وحمله أصحاب مالك رضي الله عنه على النافلة ومنعوا جواز ذلك في الفريضة وهذا التأويل فاسد لأن قوله يؤمن الناس صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة وادعى بعض المالكية أنه منسوخ وبعضهم أنه خاص بالنبي ص = وبعضهم أنه كان لضرورة وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة فانه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته وثياب الاطفال وأجسادهم على الطهارة ودلائل الشرع متظاهرة على هذا والافعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت وفعل النبي ص = هذا بيانا للجواز وتنبيها به على هذه القواعد التي ذكرتها وهذا يرد ما ادعاه الامام أبو سليمان الخطابي أن هذا الفعل يشبه ان يكون كان بغير تعمد فحملها في الصلاة لكونها كانت تتعلق به ص = فلم يدفعها فإذا قام بقيت معه قال ولا يتوهم أنه حملها ووضعها مرة بعد أخرى عمدا لأنه عمل كثير ويشغل القلب واذ كان الخميصة شغله فكيف لا يشغله هذا هذا كلام الخطابي رحمه الله تعالى وهو باطل ودعوى مجردة ومما يردها قوله في صحيح مسلم فإذا أقام حملها وقوله فإذا رفع من السجود أعادها وقوله في رواية غير مسلم خرج علينا حاملا أمامة فصلى فذكر الحديث وأما قضية الخميصة فلانها تشغل القلب بلا فائدة وحمل أمامة
[ 33 ]
لا نسلم أنه يشغل القلب وان شغله فيترتب عليه فوائد وبيان قواعد مما ذكرناه وغيره فأحل ذلك الشغل لهذه الفوائد بخلاف الخميصة فالصواب الذي لا معدل عنه أن الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على هذه الفوائد فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين والله أعلم قوله وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله ص = ولأبي العاص ابن الربيع يعني بنت زينب من زوجها أبي العاص بن الربيع وقوله ابن الربيع هو الصحيح المشهور في كتب أسماء الصحابة وكتب الانساب وغيرها ورواه أكثر رواة الموطأ عن مالك رحمه الله تعالى فقالوا ابن ربيعة وكذا رواه البخاري من رواية مالك رحمه الله تعالى قال القاضي عياض وقال الاصيلي هو ابن الربيع بن ربيعة فنسبه مالك إلى جده قال القاضي وهذا الذي قاله غير معروف ونسبه عند أهل الاخبار والانساب باتفاقهم أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف واسم أبي العاص لقيط وقيل مهشم وقيل غير ذلك والله تعالى أعلم باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة وأنه لاكراهة في ذلك إذا كان لحاجة وجواز صلاة الامام على موضع أرفع من المأمومين للحاجة كتعليمهم الصلاة أو غير ذلك فيه صلاته ص = على المنبر ونزوله القهقري حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته قال العلماء كان المنبر الكريم ثلاث درجات كما صرح به مسلم في روايته فنزل النبي ص = بخطوتين إلى أصل المنبر ثم سجد في
[ 34 ]
جنبه ففيه فوائد منها استحباب اتخاذ المنبر واستحباب كون الخطيب ونحوه على مرتفع كمنبر أو غيره وجواز الفعل اليسير في الصلاة فان الخطوتين لا تبطل بهما الصلاة ولكن الأولى تركه الا لحاجة فان كان لحاجة فلا كراهة فيه كما فعل النبي ص = وفيه أن الفعل الكثير كالخطوات وغيرها إذا تفرقت لا تبطل لان النزول عن المنبر والصعود تكرر وجملته كثيرة ولكن أفراده المتفرقة كل واحد منها قليل وفيه جواز صلاة الامام على موضع أعلى من موضع المأمومين ولكنه يكره ارتفاع الامام على المأموم وارتفاع المأموم على الامام لغير حاجة فان كان لحاجة بأن أراد تعليمهم أفعال الصلاة لم يكره بل يستحب لهذا الحديث وكذا ان أراد المأموم اعلام المأمومين بصلاة الامام واحتاج إلى الارتفاع وفيه تعليم الامام المأمومين أفعال الصلاة وأنه لا يقدح ذلك في صلاته وليس ذلك من باب التشريك في العبادة بل هو كرفع صوته بالتكبير ليسمعهم قوله تماروا في المنبر أي اختلفوا وتنازعوا قال أهل اللغة المنبر مشتق من النبر وهو الارتفاع قوله أرسل رسول الله ص = إلى امرأة انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا هكذا رواه سهيل بن سعد وفي رواية جابر في صحيح البخاري وغيره أن المرأة قالت يا رسول الله ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه فان لي غلاما نجارا قال ان شئت فعملت المنبر وهذه الرواية في ظاهرها مخالفة لرواية سهيل والجمع بينهما أن المرأة عرضت هذا أولا على رسول الله ص = ثم بعث إليها النبي ص يطلب تنجيز ذلك قوله فعمل هذه الثلاث درجات هذا مما ينكره أهل العربية والمعروف
[ 35 ]
عندهم أن يقول ثلاث الدرجات أو الدرجات الثلاث وهذا الحديث دليل لكونه لغة قليلة وفيه تصريح بأن منبر رسول الله ص = كان ثلاث درجات قوله فهي من طرفاء الغابة الطرفاء ممدودة وفي رواية البخاري وغيره من أثل الغابة بفتح الهمزة والاثل الطرفاء والغابة موضع معروف من عوالي المدينة قوله ثم رفع فنزل القهقري حتى سجد هكذا هو رفع بالفاء أي رفع رأسه من الركوع والقهقري هو المشي إلى خلف وإنما رجع القهقري لئلا يستدبر القبلة قوله ص = ولتعلموا صلاتي هو بفتح العين واللام المشددة أي تتعلموا فبين ص = أن صعوده المنبر وصلاته عليه انما كان للتعليم ليرى جميعهم أفعاله ص = بخلاف ما إذا كان على الارض فانه لا يراه الا بعضهم ممن قرب منه قوله يعقوب بن عبد الرحمن القاري هو بتشديد الياء سبق بيانه مرات منسوب إلى القارة القبيلة المعروفة قوله في آخر الباب وساقوا الحديث نحو حديث ابن أبي حازم هكذا هو في النسخ وساقوا بضمير الجمع وكان ينبغي أن يقول وساقا لأن المراد بيان رواية
[ 36 ]
يعقوب بن عبد الرحمن وسفيان بن عيينة عن أبي حازم فهما شريكا ابن أبي حازم في الرواية عن أبي حازم ولعله أتى بلفظ الجمع ومراده الاثنان واطلاق الجمع على الاثنين جائز بلا شك لكن هل هو حقيقة أم مجاز فيه خلاف مشهور الأكثرون أنه مجاز ويحتمل أن مسلما أراد بقوله وساقوا الرواة عن يعقوب وعن سفيان وهم كثيرون والله أعلم باب كراهة الاختصار في الصلاة قوله الحكم بن موسى القنطري بفتح القاف منسوب إلى محلة من محال بغداد تعرف بقنطرة البر وأن ينسب إليها جماعات كثيرون منهم الحكم بن موسى هذا ولهم جماعات يقال فيهم القنطري ينسبون إلى محلة من محال نيسابور تعرف برأس القنطرة وقد أوضح القسمين الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قوله نهى أن يصلي الرجل مختصرا وفي رواية البخاري نهى عن الخصر في الصلاة اختلف العلماء في معناه فالصحيح الذي عليه المحققون والاكثرون من أهل اللغة والغريب والمحدثين وبه قال أصحابنا في كتب المذهب أن المختصر هو الذي يصلي ويده على خاصرته وقال الهروي قيل هو أن يأخذ بيده عصا يتوكأ عليها وقيل أن يختصر السورة فيقرأ من آخرها آية أو آيتين وقيل هو أن يحذف فلا يؤدي قيامها وركوعها وسجودها وحدودها والصحيح الأول قيل نهى عنه لأنه فعل اليهود وقيل فعل الشيطان وقيل لان ابليس هبط من الجنة كذلك وقيل لأنه فعل المتكبرين
[ 37 ]
باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة قوله ص = ان كنت لا بد فاعلا فواحدة معناه لا تفعل وان فعلت فافعل واحدة لا تزدوهذا نهي كراهة تنزيه فيه كراهته واتفق العلماء على كراهة المسح لأنه ينافي التواضع ولانه يشغل المصلى قال القاضي وكره السلف مسح الجبهة في الصلاة وقبل الانصراف يعني من المسجد مما يتعلق بها من تراب ونحوه
[ 38 ]
باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها والنهي عن بصاق المصلى بين يديه وعن يمينه يقال بصاق وبزاق لغتان مشهورتان ولغة قليلة بساق بالسين وعدها جماعة غلطا قوله ص = فلا يبصق قبل وجهه فان الله قبل وجهه أي الجهة التي عظمها وقيل فان قبلة الله وقيل ثوابه ونحو هذا فلا يقابل هذه الجهة بالبصاق الذي هو الاستخفاف بمن يبزق إليه واهانته وتحقيره قوله رأى بصاقا وفي رواية نخامة وفي رواية مخاطا قال أهل اللغة المخاط من الأنف والبصاق والبزاق من الفم والنخامة وهي
[ 39 ]
النخاعة من الرأس أيضا ومن الصدر ويقال تنخم وتنخع قوله ان النبي ص = نهى أن يبزق الرجل عن يمينه وأمامه ولكن يبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى وفي الرواية الأخرى إذا كان أحدكم في الصلاة فانه يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن شماله تحت قدمه فيه نهى المصلى عن البصاق بين يديه وعن يمينه وهذا عام في المسجد وغيره وقوله ص = وليبزق تحت قدمه وعن يساره هذا في غير المسجد أما المصلى في المسجد فلا يبزق الا في ثوبه لقوله ص = البزاق في المسجد خطيئة فكيف يأذن فيه ص = وإنما نهى عن البصاق عن اليمين تشريفا لها وفي رواية البخاري فلا يبصق أمامه ولا عن يمينه فان عن يمينه ملكا قال القاضي والنهي عن البزاق عن يمينه هو مع امكان غير اليمين فان تعذر غير اليمين بأن يكون عن يساره مصلى فله البصاق عن يمينه لكن الأولى تنزيه اليمين عن ذلك ما أمكن قوله رأى نخامة في قبلة المسجد فحكها في ازالة البزاق وغيره من الاقذار ونحوها من المسجد قوله ص =
[ 40 ]
فليتنخع عن يساره وتحت قدمه فان لم يجد فليقل هكذا ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم سمح بعضه على بعض هذا فيه جواز الفعل في الصلاة وفيه أن البزاق والمخاط والنخاعة طاهرات وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين إلا ما حكاه الخطابي عن ابراهيم النخعي أنه قال البزاق نجس ولا أظنه يصح عنه وفيه أن البصاق لا يبطل الصلاة وكذا التنخع إن لم يتبين منه حرفان أو كان مغلوبا عليه قوله ص = فإنه يناجي ربه اشارة إلى اخلاص
[ 41 ]
القلب وحضوره وتفريغه لذكر الله تعالى وتمجيده وتلاوة كتابه وتدبره قوله ص = التفل في المسجد خطيئة هو بفتح التاء المثنياة فوق واسكان الفاء وهو البصاق كما في الحديث الآخر البزاق في المسجد خطيئة واعلم أن البزاق في المسجد خطيئة مطلقا سواء احتاج إلى البزاق أو لم يحتج بل يبزق في ثوبه فان بزق في المسجد فقد ارتكب الخطيئة وعليه أن يكفر هذه الخطيئة بدفن البزاق هذا هو الصواب أن البزاق خطيئة كما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال العلماء والقاضي عياض فيه كلام باطل حاصله أن البزاق ليس بخطيئة إلا في حق من لم يدفنه وأما من أراد دفنه فليس بخطيئة واستدل له بأشياء باطلة فقوله هذا غلط صريح يخالف لنص الحديث ولما قاله العلماء نبهت عليه لئلا يغتر به وأما قوله صلى الله عليه وسلم وكفارتها دفنها فمعناه أن ارتكب هذه الخطيئة فعليه تكفيرها كما أن الزنا والخمر وقتل الصيد في الاحرام محرمات وخطايا وإذا ارتكبها فعليه عقوبتها واختلف العلماء في المراد بدفنها فالجمهور قالوا المراد دفنها في تراب المسجد ورمله وحصاته ان كان فيه تراب أو رمل أو حصاة ونحوها والا فيخرجها وحكى الروياني من أصحابنا قولا أن المراد اخراجها مطلقا والله أعلم قوله عن قتادة عن أنس رضي الله عنه وفي الرواية الأخرى سألت قتادة فقال سمعت أنس بن مالك فيه تنبيه على أن قتادة سمعه من أنس لأن قتادة مدلس فإذا قال عن لم يتحقق اتصاله فإذا جاء في
[ 42 ]
طريق آخر سماعه تحققنا به اتصال الأول وقد سبق بيان هذه القاعدة في الفصول السابق في مقدمة الكتاب ثم في مواضع بعدها قوله عن يحيى بن يعمر عن أبي الاسود الديلي أما يعمر فبفتح الميم وضمها وسبق بيانه في أول كتاب الايمان وسبق بعده بقليل بيان الخلاف في الديلي قوله ص = ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن هذا ظاهره أن هذا القبح والذم لا يختص بصاحب النخاعة بل يدخل فيه هو وكل من رآها ولا يزيلها بدفن أوحك ونحوه باب جواز الصلاة في النعلين قوله كان رسول الله ص = في النعلين فيه جواز الصلاة في النعل
[ 43 ]
والخفاف ما لم يتحقق عليها نجاسة ولو أصاب أسفل الخف نجاسة ومسحه على الأرض فهل تصح صلاته فيه خلاف للعلماء وهما قولان للشافعي رضي الله عنه الأصح لا تصح باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام قوله في خميصة هي كساء مربع من صوف قول ص = وائتوني بأنبجانيه قال القاضي عياض رويناه بفتح الهمزة وكسرها وبفتح الباء وكسرها أيضا في غير مسلم وبالوجهين ذكرها ثعلب قال ورويناه بتشديد الياء في آخره وبتخفيفها معا في غير مسلم إذ هو في رواية لمسلم بانبجانية مشدد مكسور على الاضافة إلى أبي جهم وعلى التذكير كما جاء في الرواية الاخرى كساء له أنبجانيا قال ثعلب هو كل ما كثف قال غيره هو كساء غليظ لا علم له فإذا كان للكساء علم فو خميصة فان لم يكن فهو انبجانية وقال الداودي هو كساء غليظ بين الكساء والعباءة وقال القاضي أبو عبد الله هو كساء سداه قطن أو كتان ولحمته صوف وقال ابن قتيبة انما هو منبجاني ولا يقال انبجاني منسوب إلى منبج وفتح الباء في النسب لانه خرج مخرج الشذوذ وهو قول الاصمعي قال الباجي ما قاله ثعلب أظهر والنسب إلى منبج منبجي قوله ص = شغلتني أعلام هذه وفي الرواية الإخرى ألهتني وفي رواية للبخاري فأخاف أن تفتني معنى هذه الإلفاظ متقارب وهو اشتغال القلب بها عن كمال الحضور في الصلاة وتدبر أذكارها وتلاوتها ومقاصدها
[ 44 ]
من الانقياد والخضوع ففيه الحث على حضور القلب في الصلاة وتدبر ما ذكرناه ومنع النظر من الامتداد إلى ما يشغل وازالة ما يخاف اشتغال القلب به وكراهية تزويق محراب المسجد وحائطه ونقشه وغير ذلك من الشاغلات لأن النبي ص = جعل العلة في ازالة الخميصة هذا المعنى وفيه أن الصلاة تصح وان حصل فيها فكر في شاغل ونحو مما ليس متعلقا بالصلاة وهذا باجماع الفقهاء وحكى عن بعض السلف والزهاد ما لا يصح عمن يعتد به في الاجماع قال أصحابنا يستحب له النظر إلى موضع سجود ولا يتجاوزه قال بعضهم يكره تغميض عينيه وعندي لا يكره الا أن يخاف ضررا وفيه صحة الصلاة في ثوب له أعلام وأن غيره أولى وأما بعثه ص = بالخميصة إلى أبي جهم وطلب انجانيه فهو من باب الا دلال عليه لعلمه بأنه يؤثر هذا ويفرح به والله أعلم واسم أبي جهم هذا عامر بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي المدني الصحابي قال الحاكم أبو أحمد ويقال اسمه عبيد بن حذيفة وهو غير أبي جهيم بضم الجيم وزيادة ياء على التصغير المذكور في باب التيمم وفي مرور المار بين يدي المصلى وقد سبق بيانه في موضعه
[ 45 ]
باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة اصلاة مع مدافعة الحدث ونحوه قوله ص = إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء وفي رواية إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدؤا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم وفي رواية إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء ولا يعجلن
[ 46 ]
حتى يفرغ منه وفي رواية لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الاخبثان في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من اشتغال القلب به وذهاب كمال الخشوع وكراهتها ممدافعة الأخبثين وهما البول والغائط ويلحق بهذا ما كان في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع وهذه الكراهة عند جمهور أصحابنا وغيرهم إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة فإذا ضاق بحيث لو أكل أو تطهر خرج وقت الصلاة صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها وحكى أبو سعد المتولي من أصحابنا وجها لبعض أصحابنا إنه لا يصلي بحاله بل يأكل ويتوضأ وان خرج الوقت لان مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحة عندنا وعند الجمهور لكن يستحب اعادتها ولا يحب ونقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنها باطلة وفي الرواية الثانية دليل على امتداد وقت المغرب وفيه خلاف بين العلماء وفي مذهبنا سنوضحه في أبواب الاوقات ان شاء الله تعالى وقوله ص = ولا يعجلن حتى يفرغ منه دليل على أنه يأكل حاجته من الأكل بكماله وهذا هو الصواب وأما ما تؤله بعض أصحابنا على إنه يأكل لقما يكسر بها شدة الجوع فليس بصحيح وهذا الحديث صريح في ابطاله قوله حدثنا الصلت بن مسعود قال حدثنا سفيان بن موسى سفيان هذا بصرى ثقة معروف قال الدار قطني هو ثقة مأمون وقال أبو علي الغساني هو ثقة وأنكروا على من زعم أنه مجهول قوله وكان لحانة هو بفتح اللام وتشديد الحاء أي كثير اللحن في كلامه قال القاضي ورواه بعضهم لحنة بضم اللام واسكان الحاء وهو بمعنى لحانة قوله ابن أبي عتيق هو عبد الله بن
[ 47 ]
محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه والقاسم هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله فغضب وأضب هو بفتح الهمزة والضاد والمعجمة وتشديد الباء الموحدة أي حقد قولها اجلس غدر هو بضم الغين المعجمة وفتح الدال أي يا غادر قال أهل اللغة الغدر ترك الوفاء ويقال لمن غدر غادر وغدر وأكثر ما يستعمل في النداء بالشتم وإنما قالت له غدر لانه مأمور باحترامها لأنها أم المؤمنين وعمته وأكبر منه وناصحة له ومؤدبة فكان حقه أن يحتملها ولا يغضب عليها قوله أخبرني أبو حزرة هو بحاء مهمة مفتوحة ثم زاي ساكنة ثم راء واسمه يعقوب بن مجاهد وهو يعقوب بن مجاهد المذكور في الاسناد الأول ويقال كنيته أبو يوسف وأما أبو حزرة فلقب له والله أعلم باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد حتى تذهب تلك الريح وإخراجه من المسجد قوله ص = من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن المساجد هذا تصريح
[ 48 ]
ينهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد وهذا مذهب العلماء كافة الا ما حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء أن النهي خاص في مسجد النبي ص = لقوله ص في بعض روايات مسلم فلا يقربن مسجدنا وحجة الجمهور فلا يقربن المساجد ثم ان هذا النهي انما هو عن حضور المسجد لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما فهذه البقول حلال باجماع من يعتد به وحكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها لانها تمنع عن حضور الجماعة وهي عندهم فرض عين وحجة الجمهور قوله ص = في أحاديث الباب كل فانى أناجي من لا تناجي وقوله ص = أيها الناس انه ليس لي تحريم ما أحل الله لي قال العلماء ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ماله رائحة كريهة من المأكولات وغيرها قال القاضي ويلحق به من أكل فجلا وكان يتجشى قال وقال ابن المرابط ويلحق به من به بخر في فيه أو به جرح له رائحة قال القاضي وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة غير المسجد كمصلى العيد والجنائز ونحوها من مجامع العبادات وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها ولا يلتحق بها الاسواق ونحوها ص من أكل من هذه الشجرة وفي الرواية الأخرى من هذه البقلة فيه تسمية الثوم شجرا وبقلا قال أهل اللغة البقل كل نبات اخضرت به الارض
[ 49 ]
قوله ص من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصل معنا هكذا ضبطناه ولا يصل على النهي ووقع في أكثر الاصول ولا يصلي باثبات الياء على الخبر الذي يراد به النهي وكلاهما صحيح فيه نهي من أكل الثوم ونحوه عن حضور مجمع المصلين وان كانوا في غير مسجد ويؤخذ منه النهي عن سائر مجامع العبادات ونحوها كما سبق قوله ص فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا هو بتشديد نون يؤذينا وانما نبهت عليه لاني رأيت من خففه ثم استشكل عليه اثبات الياء مع أن اثبات الياء المخففة جائز على ارادة الخبر كما سبق قوله ص فان الملائكة تأذى مما يتأذى منه الانس هكذا ضبطناه بتشديد الذالك فيهما وهو ظاهر ووقع في أكثر الأصول تأذى مما يأذى منه الانس بتخفيف الذال فيهما وهي لغة يقال أذى يأذى مثل عمى يعمى ومعناه تأذى قال العلماء وفي هذا الحديث دليل على منع آكل الثوم ونحوه من دخول المسجد وان كان خاليا لانه محل الملائكة ولعموم الاحاديث
[ 50 ]
قوله أتى بقدر فيه خضرات هكذا هو في نسخ صحيح مسلم كلها بقدر ووقع في صحيح البخاري وسنن أبي داود وغيرهما من الكتب المعتمدة أتى ببدر ببائين موحدتين قال العلماء هذا هو الصواب وفسر الرواة وأهل اللغة والغريب البدر بالطبق قالوا سمي بدرا لاستدارته كاستدارة البدر قوله ص من أكل من هذه الشجرة الخبيثة سماها خبيثة لقبح رائحتها قال أهل اللغة الخبيث في كلام العرب المكروه من قول أو فعل أو مال أطعام أو شراب أو شخص قوله ص =
[ 51 ]
أيها الناس انه ليس لي تحريم ما أحل الله لي ولكنها شجرة أكره ريحها فيه دليل على أن الثوم ليس بحرام وهو اجماع من يعتد به كما سبق وقد اختلف أصحابنا في الثوم هل كان حراما على رسول الله ص أم كان يتركه تنزها وظاهر هذا الحديث أنه ليس بمحرم عليه صلى الله عليه وسلم ومن قال بالتحريم يقول المراد ليس لي أن أحرم على أمتي ما أحل الله لها قوله مر على زراعة بصل هي بفتح الزاي وتشديد الراء وهي الارض المزروعة قوله حدثنا هشام قال حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب يوم الجمعة هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال خالف قتادة في هذا الحديث ثلاثة حفاظ وهم منصور بن المعتمر وحصين بن عبد الرحمن وعمر بن مرة فرووه عن سالم عن عمر منقطعا لم يذكروا فيه معدان قال الدار قطني وقتادة وان كان ثقة وزيادة الثقة مقبولة عندنا فانه مدلس ولم يذكر فيه سماعه من سالم فأشبه أن يكون بلغه عن سالم فرواه عنه قلت هذا الاستدراك مردود لان قتادة وان كان مدلسا فقد قدمنا في مواضع من هذا الشرح
[ 52 ]
أن ما رواه البخاري ومسلم عن المدلسين وعنعنوه فهو محمول على أنه ثبت من طريق آخر سماع ذلك المدلس هذا الحديث ممن عنعنه عنه وأكثر هذا أو كثير منه يذكر مسلم وغيره سماعه من طريق آخر متصلا به وقد اتفقوا على أن المدلس لا يحتج بعنعنته كما سبق بيانه في الفصول المذكورة في مقدمة هذا الشرح ولا شك عندنا في أن مسلما رحمه الله تعالى يعلم هذه القاعدة ويعلم تدليس قتادة فلولا ثبوت سماعه عنده لم يحتج به ومع هذا كله فتدليسه لا يلزم منه أن يذكر معدانا من غير أن يكون له ذكر والذي يخاف في المدلس أن يحذف بعض الرواة أما زيادة من لم يكن فهذا لا يفعله المدلس وانما هذا فعل الكاذب المجاهر بكذبه وإنما ذكر معدان زيادة ثقة فيجب قبولها والعجب من الدار قطني رحمه الله تعالى في كونه جعل التدليس موجبا لاختراع ذكر رجل لا ذكر له ونسبه إلى مثل قتادة الذي محله من العدالة والحفظ والعلم بالغاية العالية وبالله التوفيق قوله وان أقواما يأمرونني أن أستخلف وان الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته معناه أن استخلف فحسن وان تركت الاستخلاف فحسن فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف لان الله عز وجل لا يضيع دينه بل يقيم له من يقوم به قوله فان عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة معنى شورى يتشاورون فيه ويتفقون على واحد من هؤلاء الستة عثمان وعلي وطلحة وزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ولم دخل سعيد بن زيد معهم وان كان من العشرة لانه من أقاربه فتورع عن ادخاله كما تورع عن ادخال ابنه عبد الله رضي الله عنهم قوله وقد علمت أن أقواما يطعنون في هذا الامر إلى قوله فان
[ 53 ]
فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال معناه ان استحلوا ذلك فهم كفرة ضلال وان لم يستحلوا ذلك ففعلهم فعل الكفرة وقوله يطعنون بضم العين وفتحها وهو الاصح هنا قوله ص ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء معناه الآية التي نزلت في الصيف وهي قول الله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إلى آخرها وفيه دليل على جواز قول سورة النساء وسورة البقرة وسورة العنكبوت ونحوها وهذا مذهب من يعتد به من العلماء والاجماع اليوم منعقد عليه وكان فيه نزاع في العصر الأول وكان بعضهم يقول لا يقال سورة كذا وإنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا وهذا باطل مردود بالاحاديث الصحيحة واستعمال النبي ص = والصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء المسلمين ولا مفسدة فيه لأن المعنى مفهوم والله أعلم قوله لقد رأيت رسول الله ص إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع هذا فيه اخراج من وجد منه ريح الثوم والبصل ونحوهما من المسجد وازالة المنكر باليد لمن أمكنه قوله فمن أكهلما فليمتهما طبخا
[ 54 ]
معناه من أراد أكلهما فليمت رائحتهما بالطبخ واماتة كل شئ كسر قوته وحدته ومنه قولهم قتلت الخمر إذا مزجها بالماء وكسر حدتها باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد قوله ص من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فان المساجد لم تبن لهذا قال أهل اللغة يقال نشدت الدابة إذا طلبتها وأنشدتها إذا عرفتها ورواية هذا الحديث ينشد ضالة بفتح الياء وضم الشين من نشدت إذا طلبت ومثله قوله في الرواية الأخرى ان رجلا نشد في المسجد فقال من دعا إلى الجمل الأحمر فقال النبي ص
[ 55 ]
لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له قوله إلى الجمل الأحمر في هذين الحديثين فوائد منها النهي عن نشد الضالة في المسجد ويلحق به ما في معناه من البيع والشراء والاجارة ونحوها من العقود وكراهة رفع الصوت في المسجد قال القاضي قال مالك وجماعة من العلماء يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره وأجاز أبو حنيفة رحمه الله تعالى ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رحمه الله تعالى رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس لأنه مجمعهم ولا بد لهم منه وقوله ص إنما بنيت المساجد لما بنيت له معناه لذكر الله تعالى والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها قال القاضي فيه دليل على منع عمل الصانع في المسجد كالخياطة وشبهها قال وقد منع بعض العلماء من تعليم الصبيان في المسجد قال قال بعض شيوخنا انما يمنع في المسجد من عمل الصنائع التي يختص بنفعها آحاد الناس ويكتسب به فلا يتخذ المسجد متجرا فأما الصنائع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم كالمثاقفة واصلاح آلات الجهاد مما لا امتهان للمسجد في عمله فلا بأس به قال وحكى بعضهم خلافا في تعليم الصبيان فيها وقوله صلى الله عليه وسلم لا وجدت وأمر أن يقال مثل هذا فهو عقوبة له على مخالفته وعصيانه وينبغي لسامعه أن يقول لا وجدت فان المساجد لم تبن لهذا أو يقول لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له
[ 56 ]
كما قاله رسول الله ص باب السهو في الصلاة والسجود له قال الإمام أبو عبد الله المازري في أحاديث الباب خمسة حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيمن شك فلم يدر كم صلى وفيه أنه يسجد سجدتين ولم يذكر موضعهما وحديث أبي سعيد رضي الله عنه فيمن شك فيه أن يسجد سجدتين قبل أن يسلم وحديث ابن مسعود رضي الله عنه وفيه القيام إلى خامسة وأنه سجد بعد السلام وحديث ذي اليدين وفيه السلام من اثنتين والمشي والكلام وأنه سجد بعد السلام وحديث ابن بحينة وفيه القيام مع اثنتين والسجود قبل السلام واختلف العلماء في كيفية الأخذ بهذه الأحاديث فقال داود لا يقاس عليها بل تستعمل في مواضعها على ما جاءت قال أحمد رحمه الله تعالى بقول داود في هذه الصلوات خاصة وخالفه في غيرها وقال يسجد فيما سواها قبل السلام لكل سهو وأما الذين قالوا بالقياس فاختلفوا فقال بعضهم هو مخير في كل سهو ان شاء سجد بعد السلام وان شاء قبله في الزيادة والنقص وقال أبو حنيفة رضي الله عنه الأصل هو السجود بعد السلام وتأول بعض الأحاديث عليه وقال الشافعي رحمه الله تعالى الأصل هو السجود قبل السلام ورد بقية الأحاديث إليه وقال مالك رحمه الله تعالى ان كان السهو زيادة سجد بعد السلام وان كان نقصا فقبله فأما الشافعي رحمه الله تعالى فيقول قال في حديث أبي سعيد فان كانت خامسة شفعها ونص على السجود قبل السلام مع تجويز الزيادة والمجوز كالموجود ويتأول حديث ابن مسعود رضي الله عنه في القيام إلى خامسة والسجود بعد السلام على أنه صلى الله عليه وسلم ما علم السهو الا بعد السلام ولو علمه قبله لسجد قبله ويتأول حديث ذي اليدين على أنها صلاة جرى فيها سهو فسها عن السجود وقبل السلام فتداركه بعده هذا كلام المازري وهو كلام حسن نفيس وأقوى المذاهب هنا مذهب مالك رحمه الله تعالى ثم مذهب الشافعي وللشافعي رحمه الله تعالى قول كمذهب مالك رحمه الله تعالى يفعل بالتخيير وعلى القول بمذهب مالك رحمه الله تعالى لو اجتمع في صلاة سهوان سهو بزيادة وسهو بنقص سجد قبل السلام قال القاضي عياض رحمه الله تعالى وجماعة من أصحابنا ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء أنه
[ 57 ]
لو سجد قبل السلام أو بعده للزياة أو النقص أنه يجزئه ولا تفسد صلاته وإنما اختلافهم في الأفضل والله أعلم قال الجمهور لو سها سهوين فأكثر كفاه سجدتان للجميع وبهذا قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد رضوان الله عليهم وجمهور التابعين وعن ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى لكل سهو سجدتان وفيه حديث ضعيف قوله ص = جاءه الشيطان فلبس هو بتخفيف الباء أي خلط عليه صلاته وهوشها عليه وشككه فيها قوله صلى الله عليه وسلم إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان إلى آخره هذا الحديث تقدم شرحه في باب الأذان قوله ص في حديث أبي هريرة فإذا لم يدر أحدكم كم صلى فليسجد سجدتين وهو جالس اختلف العلماء في المراد به فقال الحسن البصري وطائفة من السلف بظاهر
[ 58 ]
الحديث وقالوا إذا شك المصلى فلم يدر زاد أو نقص فليس عليه الا سجدتان وهو جالس عملا بظاهر هذا الحديث وقال الشعبي والاوزاعي وجماعة كثيرة من السلف إذا لم يدر كم صلى لزمه أن يعيد الصلاة مرة بعد أخرى أبدا حتى يستيقن وقال بعضهم يعيد ثلاث مرات فإذا شك في الرابعة فلا اعادة عليه وقال مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم والجمهور متى شك في صلاته هل صلى ثلاثا أم أربعا مثلا لزمه البناء على اليقين فيجب أن يأتي برابعة ويسجد للسهو عملا بحديث أبي سعيد وهو قوله ص إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فان كان صلى خمسا شفعن له صلاته وان كان صلى اتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان قالوا فهذا الحديث صريح في وجوب البناء على اليقين وهو مفسر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه فيحمل حديث أبي هريرة عليه وهذا متعين فوجب المصير إليه مع ما في حديث أبي سعيد من الموافقة لقواعد الشرع في الشك في الاحداث والميراث من المفقود وغير ذلك والله أعل قوله نظرنا تسليمه أي انتظرناه قوله في حديث ابن بحينة صلى لنا رسول الله ص إلى قوله فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلم فيه حجة للشافعي رحمه الله تعالى ومالك والجمهور على أبي حنيفة رضي الله عنه فان عنده السجود للنقص والزيادة بعد السلام
[ 59 ]
قوله عن عبد الله بن بحينة الاسدي حليف بني عبد المطلب أما الاسدي فباسكان السين ويقال فيه الازدي كما ذكره في الرواية الأخرى والازد والاسد باسكان السين قبيلة واحدة وهما اسمان مترادفان لها وهم أزد شنوؤة وأما قوله حليف بني عبد المطلب فكذا هو في نسخ صحيح البخاري ومسلم والذي ذكره ابن سعد وغيره من أهل السير والتواريخ أنه حليف بني المطلب وكان جده حالف المطلب بن عبد مناف قوله عن عبد الله بن مالك ابن بحينة والصواب في هذا أن ينون مالك ويكتب ابن بحينة بالالف لأن عبد الله هو بن مالك وابن بحينة فمالك أبوه وبحينة أمه وهي زوجة مالك فمالك أبو عبد الله وبحينة أم عبد الله فإذا قرئ كما ذكرناه انتظم على الصواب ولو قرئ باضافة مالك إلى بن فسد المعنى واقتضى أن يكون مالك ابنا لبحينة وهذا غلط وانما هو زوجها وفي الحديث دليل لمسائل كثيرة احداها أن سجود السهو قبل السلام اما مطلقا كما يقول الشافعي واما في النقص كما يقوله مالك الثانية أن التشهد الأول والجلوس له ليسا بركنين في الصلاة ولا واجبين إذ لو كانا واجبين لما جبرهما السجود كالركوع والسجود وغيرهما وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي رحمهم الله تعالى وقال أحمد في طائفة قليلة هما واجبان وإذا سها جبرهما السجود على مقتضى الحديث الثالثة فيه أنه يشرع التكبير لسجود السهو وهذا مجمع عليه واختلفوا فيما إذا فعلهما بعد السلام هل يتحرم ويتشهد ويسلم أم لا والصحيح في مذهبنا أنه يسلم ولا يتشهد وهكذا الصحيح عندنا في سجود التلاوة أنه يسلم ولا يتشهد كصلاة الجنازة وقال مالك يتشهد ويسلم
[ 60 ]
في سجود السهو بعد السلام واختلف قوله هل يجهر بسلامهما كسائر الصلوات أم لا وهل يحرم لهما أم لا وقد ثبت السلام لهما إذا فعلتا بعد السلام في حديث ابن مسعود وحديث ذي اليدين ولم يثبت في التشهد حديث واعلم أن جمهور العلماء على أنه يسجد للسهو في صلاة التطوع كالفرض وقال ابن سيرين وقتادة لا سجود للتطوع وهو قول ضعيف غريب عن الشافعي رحمه الله تعالى قوله ص في حديث أبي سعيد ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ظاهر الدلالة لمذهب الشافعي رحمه الله تعالى كما سبق في أنه يسجد للزيادة والنقص قبل السلام وسبق تقريره في كلام المازري واعترض عليه بعض أصحاب مالك بأن مالكا رحمه الله تعالى رواه مرسلا وهذا اعتراض باطل لوجهين أحدهما أن الثقات الحفاظ الاكثرين رووه متصلا فلا يضر مخالفة واحد لهم في ارساله لأنهم حفظوا ما لم يحفظه وهم ثقات ضابطون حفاظ متقنون الثاني أن المرسل عند مالك رحمه الله تعالى حجة فهو وارد عليهم على كل تقدير قوله صلى الله عليه وسلم كانتا ترغيما للشيطان أي اغاظة له واذلالا مأخوذ من الرغام وهو التراب ومنه الرغم الله أنفه والمعنى أن الشيطان لبس عليه صلاته وتعرض لافسادها ونقصها فجعل الله تعالى للمصلى طريقا إلى جبر صلاته وتدارك ما لبسه عليه وارغام الشيطان ورده خاسئا مبعدا
[ 61 ]
عن مراده وكملت صلاة ابن آدم وامتثل أمر الله تعالى الذي عصى به ابليس من امتناعه من السجود والله أعلم قوله في اسناد حديث ابن مسعود حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة إلى آخره هذا الاسناد كله كوفيون الا اسحق بن راهويه رفيق ابني أبي شيبة قوله فسجد سجدتين ثم سلم دليل لمن قال يسلم إذا سجد للسهو بعد السلام وقد سبق بيان الخلاف فيه قوله ص لو حدث في الصلاة شئ أنبأتكم به فيه أنه لا يؤخر البيان وقت الحاجة قوله ص ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني فيه دليل على جواز النسيان عليه ص في أحكام الشرع وهو مذهب جمهور العلماء وهو ظاهر القرآن والحديث اتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر عليه بل يعلمه الله تعالى به ثم قال الاكثرون شرطه تنبهه ص على الفور متصلا بالحادثة ولا يقع فيه تأخير وجوزت طائفة تأخيره مدة حياته صلى الله عليه وسلم واختاره امام الحرمين ومنعت طائفة من العلماء السهو عليه ص في الأفعال البلاغية والعبادات كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه ص في الأقوال البلاغية وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك وإليه مال الاستاذ أبو اسحاق الاسفرائني والصحيح الأول فان السهو لا يناقض النبوة وإذا لم يقر عليه لم يحصل منه مفسدة بل تحصل فيه فائدة وهو بيان
[ 62 ]
أحكام الناسي وتقرير الأحكام قال القاضي واختلفوا في جواز السهو عليه ص في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ وبيان أحكام الشرع من أفعاله وعاداته وأذكار قلبه فجوزه الجمهور وأما السهو في الأقوال البلاغية فأجمعوا على منعه كما اجمعوا على امتناع تعمده وأما السهو في الأقوال الدنيوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام الذي لا يتعلق بالأحكام ولا أخبار القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلى وحي فجوزه قوم إذ لا مفسدة فيه قال القاضي رحمه الله تعالى والحق الذي لا شك فيه ترجيح قول من منع ذلك على الأنبياء في كل خبر من الأخبار كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدا ولا سهوا لا في صحة ولا في مرض ولارضاء ولا غضب وحسبك في ذلك أن سيرة نبينا ص وكلامه وأفعاله مجموعة معتنى بها على مر الزمان يتداولها الموافق والمخالف والمؤمن المرتاب فلم يأت في شئ منها استدراك غلط في قول ولا اعتراف بوهم في كلمة ولو كان لنقل كما نقل سهوه في الصلاة ونومه عنها واستدراكه رأيه في تلقيح النخل وفي نزوله بأدنى مياه بدر وقوله ص والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني وغير ذلك وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير يمتنع والله أعلم قوله ص فإذا نسيت فذكروني فيه أمر التابع بتذكير المتبوع بما ينساه قوله ص وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين وفي رواية فلينظر أحرى ذلك للصواب وفي رواية فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب وفي رواية فليتحر الذي يرى أنه الصواب فيه دليل لابي حنيفة رحمه الله تعالى وموافقيه من أهل الكوفة وغيرهم من أهل الري على أن من شك في صلاته في عدد ركعات تحرى وبني على غالب ظنه ولا يلزمه الاقتصار على الاقل والاتيان بالزيادة وظاهر هذا الحديث حجة لهم ثم اختلف هؤلاء فقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى في طائفة هذا لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى وأما غيره فيبني على اليقين
[ 63 ]
وقال آخرون هو على عمومه وذهب الشافعي والجمهور إلى أنه إذا شك هل صلى ثلاثا أم أربعا مثلا لزمه البناء على اليقين وهو الاقل فيأتي بما بقى ويسجد للسهو واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فان كان صلى خمسا شفعن له صلاته وان كان صلى اتماما لاربع كانتا ترغيما للشيطان وهذا صريح في وجوب البناء على اليقين وحملوا التحري في حديث ابن مسعود رضي الله عنه على الاخذ باليقين قالوا والتحري هو القصد ومنه قول الله تعالى تحروا رشدا فمعنى الحديث فليقصد الصواب فليعمل به وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره فان قالت الحنفية حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلناه لانه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين بنى على الاقل بالاجماع بخلاف من غلب على ظنه أنه صلى أربعا مثلا فالجواب أن تفسير الشك بمستوى الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشئ وعدمه كله يسمى شكا سواء المستوى والراجح والمرجوح والحديث يحمل على اللغة ما لم
[ 64 ]
يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح والله أعلم قوله عن عبد الله رضي الله عنه ان النبي ص الظهر خمسا فلما سلم قيل له أزيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا فجسد سجدتين هذا فيه دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف أن من زاد في صلاته ركعة ناسيا لم تبطل صلاته بل أن علم بعد السلام فقد مضت صلاته صحيحة ويسجد للسهو أن ذكر بعد السلام بقريب وان طال فالاصح عندنا أنه لا يسجد وان ذكر قبل السلام عاد إلى القوم سواء كان في قيام أو ركوع أو سجود أو غيرها ويتشهد ويسجد للسهو ويسلم وهل يسجد للسهو قبل السلام أم بعده فيه خلاف العلماء السابق هذا مذهب الجمهور وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة رضي الله عنهم إذا زاد ركعة ساهيا بطلت صلاته ولزمه اعادتها وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ان كان تشهد في الرابعة ثم زاد خامسة أضاف إليها سادسة تشفعها وكانت نفلا بناء على أصله في أن السلام ليس بواجب ويخرج من الصلاة بكل ما ينافيها وأن الركعة الفردة لا تكون صلاة قال وان لم يكن تشهد بطلت صلاته لان الجلوس بقدر التشهد واجب ولم يأت به حتى أتى بالخامسة وهذا الحديث يرد كل ما قالوه لان النبي ص لم يرجع من الخامسة ولم يشفعها وإنما تذكر بعد السلام ففيه رد عليهم وحجة الجمهور ثم مذهب الشافعي ومن وافعه أن الزيادة على وجه السهو لا تبطل الصلاة سواء قلت أو كثرت إذا كانت من جنس الصلاة فسواء زاد ركوعا أو سجودا أو ركعة أو ركعات كثيرة ساهيا فصلاته صحيحة في كل ذلك ويسجد للسهو استحبابا لا ايجابا وأما مالك فقال القاضي عياض مذهبه أنه ان زاد دون نصف الصلاة لم تبطل صلاته بل هي صحيحة ويسجد للسهو وان زاد النصف فأكثر فمن أصحابه من أبطلها وهو قول مطرف وابن القاسم ومنهم من قال ان زاد ركعتين بطلت وان زاد ركعة فلا وهو قول عبد الملك وغيره ومنهم من قال
[ 65 ]
لا تبطل مطلقا وهو مروي عن مالك رحمه الله تعالى والله أعلم قوله حدثنا ابن نمير قال حدثنا ابن ادريس إلى آخره وقال في الاسناد الآخر حدثنا عثمان بن أبي شيبة إلى آخره هذان الاسنادان كلهم كوفيون قوله وأنت يا أعور فيه دليل على جواز قول مثل هذا الكلام لقرابته وتلميذه وتابعه إذا لم يتأذ به قال القاضي ابراهيم بن يزيد النخعي الكوفي وابراهيم بن سويد النخعي الاعور آخر وزعم الداودي أنه ابراهيم بن يزيد التيمي وهو وهم فانه ليس بأعور وثلاثتهم كوفيون فضلاء قال البخاري ابن يزيد النخعي الاعور الكوفي سمع علقمة وذكر الباجي ابراهيم ابن يزيد النخعي الكوفي الفقيه وقال فيه الاعور ولم يصفه البخاري بالاعور ولا رأيت من وصفه به وذكر ابن قتيبة في العور ابراهيم النخعي فيحتمل أنه ابن سويد كما قال البخاري ويحتمل أنه ابراهيم بن يزيد هذا آخر كلام القاضي والصواب أن المراد بابراهيم هنا ابراهيم بن سويد الاعور النخعي وليس بابراهيم بن يزيد النخعي الفقيه المشهور قوله توشوش القوم ضبطناه بالشين المعجمة وقال القاضي روى بالمعجمة وبالمهملة وكلاهما صحيح ومعناه تحركوا ومنه
[ 66 ]
وسواس الحلي بالمهملة وهو تحركه ووسوسة الشيطان قال أهل اللغة الوشوشة بالمعجمة صوت في اختلاط قال الاصمعي ويقال رجل وشواش أي خفيف قوله حدثنا منجاب بن الحارث إلى آخره هذا الاسناد كله كوفيون قوله ص فزاد أو نقص فقيل يا رسول الله أزيد في الصلاة شئ فقال إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ثم تحول رسول الله ص فسجد سجدتين هذا الحديث مما يستشكل ظاهره لأن ظاهره أن النبي ص قال لهم هذا الكلام بعد أن ذكر أنه زاد أو نقص قبل أن يسجد للسهو ثم بعد أن قاله سجد للسهو ومتى ذكر ذلك فالحكم أنه يسجد ولا يتكلم ولا يأتي بمناف للصلاة ويجاب عن هذا الاشكال بثلاثة أجوبة أحدها أن ثم هنا ليست لحقيقة الترتيب وإنما هي لعطف جملة على جملة وليس معناه أن التحول والسجود كانا بعد الكلام بل إنما كانا قبله ومما يؤيد هذا التأويل أنه قد سبق في هذا الباب في أول طرق
[ 67 ]
حديث ابن مسعود رضي الله عنه هذا بهذا الاسناد قال رسول الله ص فزاد أو نقص فلما سلم قيل له يا رسول الله أحدث في الصلاة شئ قال وما ذاك قالوا صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه فقال انه لو حدث في الصلاة شئ أنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين فهذه الرواية صريحة في أن التحول والسجود قبل الكلام فتحمل الثانية عليها جمعا بين الروايتين وحمل الثانية على الأولى أولى من عكسه لان الأولى على وفق القواعد الجواب الثاني أن يكون هذا قبل تحريم الكلام في الصلاة الثالث أنه وان تكلم عامدا بعد السلام لا يضره ذلك ويسجد بعده للسهو وهذا على أحد الوجهين لاصحابنا أنه إذا سجد لا يكون بالسجود عائدا إلى الصلاة حتى لو أحدث فيه لا تبطل صلاته بل قد مضت على الصحة والوجه الثاني وهو الاصح عند أصحابنا أنه
[ 68 ]
يكون عائدا وتبطل صلاته بالحدث والكلام وسائر المنافيات للصلاة والله أعلم قوله في حدبي هريرة في قصة ذي اليدين احدى صلاتي العشى اما الظهر واما العصر هو بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء قال الازهري العشى عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها قوله ثم أتى جذعا في قبلة المسجد فاستند إليها هكذا هو في كل الأصول فاستند إليها والجذع مذكر ولكن أنثه على ارادة الخشبة وكذا جاء في رواية البخاري وغيره خشبة قوله فاستند إليها مغضبا هو بفتح الضاد قوله وخرج سرعان الناس قصرت الصلاة يعني يقولون قصرت الصلاة والسرعان بفتح السين والراء هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة وهكذا ضبطه المتقنون والسرعان المسرعون إلى الخروج ونقل القاضي عياض عن بعضهم اسكان الراء قال وضبطه الاصيلي في البخاري بضم السين واسكان الراء ويكون جمع سريع كقفيز وقفزان وكثيب وكثبان وقوله قصرت الصلاة بضم القاف وكسر الصاد وروى بفتح القاف وضم الصاد وكلاهما صحيح ولكن الاول أشهر وأصح قوله فقام ذو اليدين وفي رواية رجل من بني سليم وفي رواية رجل يقال له الخرباق وكان في يده طول وفي رواية رجل بسيط اليدين هذا كله رجل واحد اسمه الخرباق بن عمرو بكسر الخاء المعجمة والباء الموحدة
[ 69 ]
وآخره قاف ولقبه ذو اليدين لطول كان في يديه وهو معنى قوله بسيط اليدين قوله صلى لنا رسول الله ص صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين وفي رواية صلاة الظهر قال المحققون هما قضيتان وفي حديث عمران بن الحصين سلم رسول الله ص وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق فقال يارسول الله فذكر له صنيعه وخرج غضبان يجر رداءه وفي رواية له سلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال أقصرت الصلاة وحديث عمران هذا قضية ثالثة في يوم آخر والله أعلم قوله وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال وسلم القائل وأخبرت هو محمد بن سيرين قوله أقصرت الصلاة أم نسيت فقال رسول الله ص كل ذلك لم يكن فيه تأويلان أحدهما قاله جماعة من أصحابنا في كتب المذهب أن معناه لم يكن المجموع فلا ينفي وجود أحدهما والثاني وهو الصواب معناه لم يكن لا ذاك ولا ذا في ظني بل ظني أني أكملت الصلاة أربعا ويدل على صحة هذا التأويل وأنه لا يجوز غيره أنه جاء في روايات البخاري في هذا الحديث أن النبي ص قال لم تقصر ولم أنس فنفى الامرين قوله حدثنا هارون بن اسماعيل الخزاز هو بخاء معجمة وزاي مكررة
[ 70 ]
قوله عن أبي المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمر وقيل معاوية بن عمر وقيل عمرو بن معاوية ذكر هذه الأقوال الثلاثة في اسمه البخاري في تاريخه وآخرون وقيل اسمه النضر بن عمر الجرمي الأزدي البصري التابعي الكبير روى عن عمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان وأبي بن كعب وعمران بن حصين رضي الله عنهم أجمعين وهو عم أبي قلابة الراوي عنه هنا قوله وخرج غضبان يجر رداءه يعني لكثرة اشتغاله بشأن الصلاة خرج يجر رداءه ولم يتمهل ليلبسه قوله في آخر الباب في حديث اسحاق بن منصور سلم رسول الله ص من الركعتين فقال رجل من بني سليم واقتص الحديث هكذا هو في بعض الاصول المعتمدة من الركعتين وهو الظاهر الموافق لباقي الروايات وفي بعضها
[ 71 ]
بين الركعتين وهو صحيح أيضا ويكون المراد بين الركعتين الثانية والثالثة واعلم أن حديث ذي اليدين هذا فيه فوائد كثيرة وقواعد مهمة منها جواز النسيان في الافعال والعبادات على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأنهم لا يقرون عليه وقد تقدمت هذه القاعدة في هذا الباب ومنها أن الواحد إذا ادعى شيئا جرى بحضرة جمع كثير لا يخفى عليهم سئلوا عنه ولا يعمل بقوله من غير سؤال ومنها اثبات سجود السهو وانه سجدتان وأنه يكبر لكل واحدة منهما وأنهما على هيئة سجود الصلاة لانه أطلق السجود فلو خالف المعتاد لبينه وأنه يسلم من سجود السهو وأنه لا تشهد له وأن سجود السهو في الزيادة يكون بعد السلام وقد سبق أن الشافعي رحمه الله تعالى يحمله على أن تأخير سجود السهو كان نسيانا لا عمدا ومنها أن كلام الناسي للصلاة والذي يظن أنه ليس فيها لا يبطلها وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف وهو قول ابن عباس وعبد الله بن الزبير وأخيه عروة وعطاء والحسن والشعبي وقتادة والاوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وجميع المحدثين رضي الله عنهم وقال أبو حنيفة رضي الله عنه وأصحابه والثوري في أصح الروايتين تبطل صلاته بالكلام ناسيا أو جاهلا لحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم رضي الله عنهما وزعموا أن حديث قصة ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم قالوا لان ذا اليدين قتل يوم بدر ونقلوا عن الزهري أن ذا اليدين قتل يوم بدر وأن قضيته في الصلاة كانت قبل بدر قالوا ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخر الاسلام عن بدر لان الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي ص أو صحابي آخر وأجاب أصحابنا وغيرهم من العلماء عن هذا بأجوبة صحيحة حسنة مشهورة أحسنها وأتقنها ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في التمهيد قال أما ادعاؤهم أن حديث أبي هريرة منسوخ بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فغير صحيح لانه لا خلاف بين أهل الحديث والسير أن حديث ابن مسعود كان بمكة حين رجع من أرض الحبشة قبل الهجرة وأن حديث أبى هريرة في قصة ذي اليدين كان بالمدينة وانما أسلم أبو هريرة عام خيبر سنة سبع من الهجرة بلا خلاف وأما حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه فليس فيه بيان أنه قبل حديث أبي هريرة أو بعده والنظر يشهد أنه قبل حديث أبي هريرة وأما قولهم أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يشهد ذلك فليس بصحيح بل شهوده لها محفوظا من روايات الثقات الحفاظ ثم ذكر
[ 72 ]
باسناده الرواية الثانية في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما أن أبا هريرة قال صلى لنا رسول الله ص احدى صلاتي العشي فسلم من اثنتين وذكر الحديث وقصة ذي اليدين وفي روايات صلى بنا رسول الله ص وفي رواية في مسلم وغيره بينا أنا أصلي مع رسول الله ص وذكر الحديث وفي رواية في غير مسلم بينا نحن نصلي مع رسول الله ص قال وقد روى قصة ذي اليدين عبد الله بن عمر ومعاوية بن حديج بضم الحاء المهملة وعمران بن حصين وابن مسعدة رجل من الصحابة رضي الله عنهم وكلهم لم يحفظ عن النبي ص ولا صحبه الا بالمدينة متأخرا ثم ذكر أحاديثهم بطرقها قال وابن مسعدة هذا رجل من الصحابة يقال له صاحب الجيوش اسمه عبد الله معروف في الصحابة له رواية قال وأما قولهم ان ذا اليدين قتل يوم بدر فغلط وإنما المقتول يوم بدر ذو الشمالين ولسنا ندافعهم أن ذا الشمالين قتل يوم بدر لان ابن اسحاق وغيره من أهل السير ذكره فيمن قتل يوم بدر قال ابن اسحاق ذو الشمالين هو عمير بن عمرو بن عيشان من خزاعة حليف لبني زهرة قال أبو عمر فذو اليدين غير ذي الشمالين المقتول ببدر بدليل حضور أبي هريرة ومن ذكرنا قصة ذي اليدين وأن المتكلم رجل من بني سليم كما ذكره مسلم في صحيحه وفي رواية عمران بن الحصين رضي الله عنه اسمه الخرباق ذكره مسلم فذوا اليدين الذي شهد السهو في الصلاة سلمى وذو الشمالين المقتول ببدر خزاعي يخالفه في الاسم والنسب وقد يمكن أن يكون رجلان وثلاثة يقال لكل واحد منهم ذو اليدين وذو الشمالين لكن المقتول ببدر غير المذكور في حديث السهو هذا قول أهل الحذق والفهم من أهل الحديث والفقه ثم روى هذا باسناده عن مسدد وأما قول الزهري في حديث السهوان المتكلم ذو الشمالين فلم يتابع عليه وقد اضطرب الزهري في حديث ذي اليدين اضطربا أوجب عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته خاصة ثم ذكر طرقه وبين اضطرابها في المتن والاسناد وذكر أن مسلم بن الحجاج غلط الزهري في حديثه قال أبو عمر رحمه الله تعالى لا أعلم أحدا من أهل العلم بالحديث المصنفين فيه عول على حديث الزهري في قصة ذي اليدين وكلهم تركوه لاضطرابه وأنه لم يتم له اسنادا ولا متنا وان كان اماما عظيما في هذا الشأن فالغلط لا يسلم منه بشر والكمال لله تعالى وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك الا النبي ص فقول الزهري أنه قتل يوم بدر متروك لتحقق غلطه فيه هذا كلام أبي
[ 73 ]
عمر بن عبد البر مختصرا وقد بسط رحمه الله تعالى شرح هذا الحديث بسطا لم يبسطه غيره مشتملا على التحقيق والاتقان والفوائد الجمة رضي الله عنه فان قيل كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم بعد في الصلاة فجوابه من وجهين أحدهما أنهم لم يكونوا على يقين من البقاء في الصلاة لانهم كانوا مجوزين نسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين ولهذا قال أقصرت الصلاة أم نسيت والثاني أن هذا كان خطابا للنبي ص وجوابا وذلك لا يبطل عندنا وعند غيرنا والمسألة مشهورة بذلك وفي رواية لابي داود باسناد صحيح أن الجماعة أومأوا أي نعم فعلى هذه الرواية لم يتكلموا فان قيل كيف رجع النبي ص إلى قول الجماعة وعندكم لا يجوز للمصلى الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره اماما كان أو مأموما ولا يعمل الا على يقين نفسه فجوابه أن النبي ص سألهم ليتذكر فلما ذكروه تذكر فعلم السهو فبنى عليه لا أنه رجع إلى مجرد قولهم ولو جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره لرجع ذو اليدين حين قال النبي ص لم تقصر ولم أنس وفي هذا الحديث دليل على أن العمل الكثير والخطوات إذا كانت في الصلاة سهوا لا تبطلها كما لا يبطلها الكلام سهوا وفي هذه المسألة وجهان لاصحابنا أصحهما عند المتولي لا يبطلها لهذا الحديث فانه ثبت في مسلم أن النبي ص مشى إلى الجذع وخرج السرعان وفي رواية دخل الحجرة ثم خرج ورجع الناس وبنى على صلاته والوجه الثاني وهو المشهور في المذهب أن الصلاة تبطل بذلك وهذا مشكل وتأويل الحديث صعب على من أبصلها والله أعلم
[ 74 ]
باب سجود التلاوة قوله ان النبي ص كان يقرأ القرآن فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعا لمكان جبهته وفي رواية فيمر بالسجدة فيسجد بنا في غير صلاة فيه اثبات سجود التلاوة وقد أجمع العلماء عليه وهو عندنا وعند الجمهور سنة ليس بواجب وعند أبي حنيفة رضي الله عنه واجب ليس بفرض على اصطلاحه في الفرق بين الواجب والفرض وهو سنة للقارئ والمستمع له ويستحب أيضا للسامع الذي لا يسمع لكن لا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع المصغي وقوله فيسجد بنا معناه يسجد ونسجد معه كما في الرواية الأولى قال العلماء إذا سجد المستمع لقراءة غيره وهما في غير صلاة لم ترتبط به بل له أن يرفع قبله وله أن يطول السجود بعده وله أن يسجد ان لم يسجد القارئ سواء كان القارئ متطهرا أو محدثا أو امرأة أو صبيا أو غيرهم ولأصحابنا وجه ضعيف أنه لا يسجد لقراءة الصبي والمحدث والكافر والصحيح الأول قوله عن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي ص
[ 75 ]
أنه قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخا أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه الى جبهته وقال يكفيني هذا قال عبد الله لقد رأيته بعد قتل كافرا هذا الشيخ هو أمية بن خلف وقد قتل يوم بدر كافرا ولم يكن أسلم قط وأما قوله وسجد من كان معه فمعناه من كان حاضرا قراءته من المسلمين والمشركين والجن والانس قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره حتى شاع أن أهل مكة أسلموا قال القاضي عياض رحمه الله تعالى وكان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود رضي الله عنه أنها أول سجدة نزلت قال القاضي رضي الله عنه وأما ما يرويه الأخباريون والمفسرون أن سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله ص من الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم فباطل لا يصح فيه شئ لا من جهة النقل ولا من جهة العقل لأن مدح اله غير الله تعالى كفر ولا يصح نسبة ذلك الى لسان رسول الله ص ولا أن يقوله الشيطان على لسانه ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك والله أعلم قوله عن ابن قسيط هو يزيد بن عبد الله بن قسيط بضم القاف وفتح السين المهملة قوله سأل زيد بن ثابت رضي الله عنه عن القراءة مع الامام فقال لا قراءة مع الامام في شئ وزعم أنه قرأ على رسول الله ص والنجم إذا هوى فلم يسجد أما قوله لا قراءة مع الامام في شئ فيستدل به أبو حنيفة رضي الله عنه وغيره ممن يقول لا قراءة على المأموم في الصلاة سواء كانت
[ 76 ]
سرية أو جهرية ومذهبنا أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم في الصلاة السرية وكذا في الجهرية على أصح القولين والجواب عن قول زيد هذا من وجهين أحدهما أنه قد ثبت قول رسول الله ص = لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن وقوله ص إذا كنتم خلفي فلا تقرؤوا الا بأم القرآن وغير ذلك من الأحاديث وهي مقدمة على قول زيد وغيره والثاني ان قول زيد محمول على قراءة السورة التي بعد الفاتحة في الصلاة الجهرية فان المأموم لا يشرع له قراءتها وهذا للتأويل متعين ليحمل قوله على موافقة الأحاديث الصحيحة ويؤيد هذا أنه يستحب عندنا وعند جماعة للامام أن يسكت في الجهرية بعد الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة وجاء فيه حديث حسن في سنن أبي داود وغيره في تلك السكتة يقرأ المأموم الفاتحة فلا يحصل قراءته مع قراءة الإمام بل في سكتته وأما قوله وزعم أنه قرأ فالمراد بالزعم هنا القول المحقق وقد قدمنا بيان هذه المسألة في أوائل هذا الشرح وأن الزعم يطلق على القول المحقق والكذب وعلى المشكوك فيه وينزل في كل موضع على ما يليق به وذكرنا هناك دلائله وأما قوله وزعم أنه قرأ على رسول الله ص والنجم فلم يسجد فاحتج به مالك رحمه الله تعالى ومن وافقه في أنه لا سجود في المفصل وأن سجدة النجم وإذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك منسوخات بهذا الحديث أو بحديث ابن عباس أن النبي ص لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى
[ 77 ]
المدينة وهذا مذهب ضعيف فقد ثبت حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور بعده في مسلم قال سجدنا مع رسول الله ص في إذا السماء انشقت واقراء باسم ربك وقد أجمع العلماء على أن اسلام أبي هريرة رضي الله عنه كان سنة سبع من الهجرة فدل على السجود في المفصل بعد الهجرة وأما حديث ابن عباس رضي الله عنه تضعيف الاسناد لا يصح الاحتجاج به وأما حديث أبي زيد فمحمول على بيان جواز ترك السجود وأنه سنة ليس بواجب ويحتاج إلى هذا التأويل للجمع بينه وبين حديث أبي هريرة والله أعلم وقد اختلف العلماء في عدد سجدات التلاوة فمذهب الشافعي رضي الله عنه وطائفة أنهن أربع عشرة سجدة منها سجدتان في الحج وثلاث في المفصل وليست سجدة صاد منهن وإنما هي سجدة شكر وقال مالك رحمه الله تعالى وطائفة هي احدى عشرة أسقط سجدات المفصل وقال أبو حنيفة رضي الله عنه هن أربع عشرة أثبت سجدات المفصل وسجدة صاد وأسقط السجدة الثانية من الحج وقال أحمد وابن سريج من أصحابنا وطائفة هن خمسة عشرة أثبتوا الجميع ومواضع السجدات معروفة واختلفوا في سجدة فقال مالك وطائفة من السلف وبعض أصحابنا هي عقب قوله تعالى ان كنتم اياه تعبدون وقال أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى والجمهور عقب وهم لا يسئمون والله أعلم قوله عن عطاء بن ميناء هبكسر الميم ويمد ويقصر وقد سبق بيانه قوله عن صفوان بن سليم عن عبد الرحمن الأعرج مولى بني مخزوم عن أبي هريرة رضي الله عنه وفي الرواية الثانية عن عبد الله بن أبي جعفر عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله قال الحميدي في الجمع بين الصحيحن في آخر ترجمة أبي هريرة الأعرج الأول مولى بني مخزوم اسمه عبد الرحمن بن سعد المقعد كنيته أبو أحمد وهو قليل الحديث وأما عبد الرحمن الأعرج الآخر فهو ابن هرمز كنيته أبو داود مولى ربيعة بن الحارث وهو كثير الحديث وروي عنه
[ 78 ]
جماعات من الأئمة قال وقد أخرج مسلم عنهما جميعا في سجود القرآن قال فربما أشكل ذلك فمولى بني مخزوم يروي ذلك عنه صفوان بن سليم وأما ابن هرمز فيروي ذلك عنه عبيد الله بن أبي جعفر هذا كلام الحميدي وهو مليح نفيس وكذا قال الدارقطني ان الأعرج اثنان يرويان عن أبي هريرة أحدهما وهو المشهور عبد الرحمن بن هرمز والثاني عبد الرحمن بن سعد
[ 79 ]
مولى بني مخزوم وهذا هو الصواب وقال أبو مسعود الدمشقي هما واحد قال أبو علي الغساني الجياني الصواب قول الدارقطني والله أعلم واعلم أنه يشترط لجواز سجود التلاوة وصحته شروط صلاة النفل من الطهارة عن الحدث والنجس وستر العورة واستقبال القبلة ولا يجوز السجود حتى يتم قراءة السجدة ويجوز عندنا سجود التلاوة في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها لأنها ذات سبب ولا يكره عندنا ذوات الأسباب وفي المسألة خلاف مشهور بين العلماء وفي سجود التلاوة مسائل وتفريعات مشهورة في كتب الفقه وبالله التوفيق باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين &قوله عن ابن الزبير رضي الله عنهما كان رسول الله ص إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار باصبعه وفي رواية أشار بأصبعه السبابة ووضع
[ 80 ]
ابهامه على اصبعه الوسطى ويلقم كفه اليسرى ركبته وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ص كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ووضع اصبه اليمنى التي تلى الابهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها وفي رواية عنه ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة هذا الذي ذكره من صفة القعود هو التورك لكن قوله وفرش قدمه اليمنى مشكل لأن السنة في القدم اليمنى أن تكون منصوبة باتفاق العلماء وقد تظاهرت الاحاديث الصحيحة على ذلك في صحيح البخاري وغيره قال القاضي عياض رضي الله عنه قال الفقيه أبو محمد الخشني صوابه وفرش قدمه اليسرى ثم أنكر القاضي قوله لانه قد ذكر في هذه الرواية ما يفعل باليسرى وأنه جعلها بين فخذه وساقه قال ولعل صوابه ونصب قدمه اليمنى قال وقد تكون الرواية صحيحة في اليمنى ويكون معنى فرشها أنه لم ينصبها على أطراف أصابعه في هذه المرة ولا فتح أصابعها كما كان يفعل في غالب الاحوال هذا كلام القاضي وهذا التأويل الأخير الذي ذكره هو المختار ويكون فعل هذا لبيان الجواز وأن وضع أطراف الاصابع على الأرض وان كان مستحبا يجوز تركه وهذا التأويل له نظائر كثيرة لا سيما في باب الصلاة وهو أولى من تغليط رواية ثابتة في الصحيح واتفق عليها جميع نسخ مسلم وقد سبق اختلاف العلماء
[ 81 ]
في أن الافضل في الجلوس في التشهدين التورك أم الافتراش فمذهب مالك وطائفة تفضيل التورك فيهما لهذا الحديث ومذهب أبي حنيفة وطائفة تفضيل الافتراش ومذهب الشافعي رضي الله عنه وطائفة يفترش في الأول ويتورك في الاخير لحديث أبي حميد الساعدي ورفقته في صحيح البخاري وهو صريح في الفرق بين التشهدين قال الشافعي رحمه الله تعالى والاحاديث الواردة بتورك أو افتراش مطلقة لم يبين فيها أنه في التشهدين أو أحدهما وقد بينه أبو حميد ورفقته ووصفوا الافتراش في الأول والتورك في الاخير وهذا مبين فوجب حمل ذلك المجمل عليه والله أعلم وأما قوله ووضع يده اليسرى على ركبته وفي رواية ويلقم كفه اليسرى ركبته فهو دليل على استحباب ذلك وقد أجمع العلماء على استحباب وضعها عند الركبة أو على الركبة وبعضهم يقول بعطف أصابعها على الركبة وهو معنى قوله ويلقم كفه اليسرى ركبته والحكمة في وضعها عند الركبة منعها من العبث وأما قوله ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى فمجمع على استحبابه وقوله أشار بأصبعه السبابة ووضع ابهامه على اصبعه الوسطى وفي الرواية الاخرى وعقد ثلاثا وخمسين هاتان الروايان محمولتان على حالين ففعل في وقت هذا وفي وقت هذوقد رام بعضهم الجمع بينهما بأن يكون المراد بقوله على اصبعه الوسطى أي وضعها قريبا من أسفل الوسطى وحينئذ يكون بمعنى العقد ثلاثا وخمسين وأما الاشارة بالمسبحة فمستحبة عندنا للاحاديث الصحيحة قال أصحابنا يشير عند قوله الا الله من الشهادة ويشير بمسبحة اليمنى لا غير فلو كانت مقطوعة أو عليلة لم يشر بغيرها لا من الاصل باليمنى ولا اليسرى والسنة أن لا يجاوزه بصره اشارته وفيه حديث صحيح في سنن أبي داود ويشير بها
[ 82 ]
موجهة إلى القبلة وينوي بالاشارة التوحيد والاخلاص والله أعلم واعلم أن قوله عقد ثلاثا وخمسين شرطه عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر وليس ذلك مرادا ههنا بل المراد أن يضع الخنصر على الراحة ويكون على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين والله أعلم باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته قوله ان أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال عبد الله أني علقها أن رسول الله ص كان يفعله وعن سعد رضي الله عنه قال كنت أرى رسول الله ص يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده فقوله أني علقها هو بفتح العين وكسر اللام أي من أين حصل
[ 83 ]
هذه السنة وظفر بها فيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور من السلف والخلف أنه يسن تسليمتان وقال مالك وطائفة انما يسن تسليمه واحدة وتعلقوا بأحاديث ضعيفة لا تقاوم هذه الاحاديث الصحيحة ولو ثبت شئ منها حمل على أنه فعل ذلك لبيان جواز الاقتصار على تسليمة واحدة وأجمع العلماء الذين يعتد بهم على أنه لا يجب الا تسليمه واحدة فان سلم واحدة استحب له أن يسلمها تلقاء وجهه وان سلم تسليمتين جعل الاولى عن يمينه والثانية عن يساره ويلتفت في كل تسليمة حتى يرى من عن جانبه خده هذا هو الصحيح وقال بعض أصحابنا حتى يرى خديه من عن جانبه ولو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه أو الأولى عن يساره والثانية عن يمينه صحت صلاته وحصلت تسليمتان ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما واعلم أن السلام ركن من أركان الصلاة وفرض من فروضها لا تصح الا به هذا مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وقال أبو حنيفة رضي الله عنه هو سنة ويحصل التحلل من الصلاة بكل شئ ينافيها من سلام أو كلام أو حدث أو قيام أو غير ذلك واحتج الجمهور بأن النبي ص كان يسلم وثبت في البخاري أنه ص قال صلوا كما رأيتموني أصلي وبالحديث الآخر تحريمها التكبير وتحليلها التسليم باب الذكر بعد الصلاة &فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله ص =
[ 84 ]
بالتكبير وفي رواية ان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي ص وأنه قال ابن عباس رضي الله عنهما كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته هذا دليل لما قاله بعض السلف أنه يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقب المكتوبة وممن استحبه من المتأخرين ابن حزم الظاهري ونقل ابن بطال وآخرون أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير وحمل الشافعي رحمه الله تعالى هذا الحديث على أنه جهر وقتا يسيرا حتى يعلمهم صفة الذكر لا أنهم جهروا دائما قال فاختار للإمام والمأموم أن يذكر الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيان ذلك الا أن يكون اماما يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يعلم أنه قد تعلم منه ثم يسر وحمل الحديث على هذا وقوله كنت أعلم إذا انصرفوا ظاهره أنه لم يكن يحضر الصلاة في الجماعة في بعض الاوقات لصغره قوله أخبرني هذا أبو معبد ثم أنكره في احتجاج مسلم بهذا الحديث دليل على ذهابه إلى صحة الحديث الذي يروي على هذا الوجه مع انكار المحدث له إذا حدث به عنه ثقة وهذا مذهب جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين قالوا يحتج به إذا كان انكار الشيخ له لتشكيكه فيه أو لنسيانه أو قال لا أحفظه أو لا أذكر أني حدثتك به ونحو ذلك وخالفهم الكرخي من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنهما فقال لا يحتج به فأما إذا أنكره انكارا جازما قاطعا بتكذيب الراوي عنه وأنه لم يحدثه به قط فلا يجوز الاحتجاج به عند جميعهم لان حزم كل واحد يعارض جزم الآخر والشيخ هو الاصل فوجب اسقاط
[ 85 ]
هذا الحديث ولا يقدح ذلك في باقي أحاديث الراوي لأنا لم نتحقق كذبه باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم حاصل أحاديث الباب استحباب التعوذ بين التشهد والتسليم من هذه الأمور وفيه اثبات عذاب القبر وفتنته وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة ومعنى فتنة المحيا والممات الحياة والموت واختلفوا في المراد بفتنة الموت فقيل فتنة القبر وقيل يحتمل أن يراد بها الفتنة عند الاحتضار وأما الجمع بين فتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال وعذاب القبر فهو من باب ذكر الخاص بعد العام ونظائره كثيرة قوله عن عائشة رضي الله عنها أن يهودية قالت هل شعرت أنكم تفتنون في القبور فارتاع رسول الله ص وقال انما تفتن يهود فلبثنا ليالي ثم قال رسول اللهص =
[ 86 ]
وسلم هل شعرت أنه أوحى إلى أنكم تفتنون في القبور وفي الرواية الاخرى دخلت عجوز من عجز يهود المدينة وذكرت أن النبي ص صدقهما هذا محمول على أنهما قضيتان فجرت القضية الأولى ثم أعلم النبي ص بذلك ثم جاءت العجوزان بعد ليال فكذبتهما عائشة رضي الله عنها ولم تكن علمت نزول الوحي باثبات عذاب القبر فدخل عليها النبي ص فأخبرته بقول العجوزين فقال صدقتا وأعلم عائشة رضي الله عنها بأنه كان قد نزل الوحي باثباته وقولها لم أنعم أن أصدقهما أي لم تطب نفسي أن أصدقهما ومنه قولهم في التصديق نعم وهو بضم الهمزة واسكان النون وكسر العين قوله ص =
[ 87 ]
اللهم اني أعوذ بك من المأثم والمغرم ومعناه من الاثم والغرم وهو الدين قوله ص إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع فيه التصريح باستحبابه في التشهد الاخير والاشارة إلى أنه لا يستحب في الأول وهكذا الحكم لان الأول مبنى على
[ 88 ]
التخفيف قوله ان رسول الله ص كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة
[ 89 ]
من القرآن وان طاوسا رحمه الله تعالى أمر ابنه حين لم يدع بهذا الدعاء فيها باعادة الصلاة هذا كله يدل على تأكيد هذا الدعاء والتعوذ والحث الشديد عليه وظاهر كلام طاوس رحمه الله تعالى أنه حمل الامر به على الوجوب فأوجب اعادة الصلاة لفواته وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب ولعل طاوسا أراد تأديب ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده لا أنه يعتقد وجوبه والله أعلم قال القاضي عياض رحمه الله تعالى ودعاء النبي ص واستعاذته من هذه الأمور التي قد عوفي منها وعصم انما فعله ليلتزم خوف الله تعالى واعظامه والافتقار إليه ولتقتدي به أمته وليبين لهم صفة الدعاء والمهم منه والله أعلم باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته قوله إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا المراد بالانصراف السلام قوله
[ 90 ]
ص = ولا ينفع ذا الجد منك الجد المشهور الذي عليه الجمهور أنه بفتح الجيم ومعناه لا ينفع ذا الغنى والحظ منك الغنى وضبطه جماعة بكسر الجيم وقد سبق بيانه مبسوطا في باب ما يقول
[ 91 ]
إذا رفع رأسه من الركوع قوله عن ابن عون عن أبي سعيد عن وراد اختلفوا في أبي سعيد هذا فالصواب الذي قاله البخاري في تاريخه وغيره من الأئمة أنه عبد ربه بن سعيد وقال ابن السكن هو ابن أخي عائشة رضي الله عنهما من الرضاعة وغلطوه في ذلك وقال ابن عبد البر هو
[ 92 ]
الحسن البصري رضي الله عنه وغلطوه أيضا قوله ذهب أهل الدثور هو بالثاء المثلثة واحدها دثر وهو المال الكثير وفي هذا الحديث دليل لمن فضل الغنى الشاكر على الفقير الصابر وفي المسألة خلاف مشهور بين السلف والخلف من الطوائف والله أعلم
[ 93 ]
قوله في كيفية عدد التسبيحات والتحميدات والتكبيرات أن أبا صالح رحمه الله تعالى قال يقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة وذكر بعد هذه الاحاديث من طرق غير طريق أبي صالح وظاهرها أنه يسبح ثلاثا وثلاثين مستقلة ويكبر ثلاثا وثلاثين مستقلة ويحمد كذلك وهذا ظاهر الاحاديث قال القاضي عياض وهو أولى من
[ 94 ]
تأويل أبي صالح وأما قول سهيل احدى عشرة احدى عشرة فلا ينافي رواية الأكثرين ثلاثا وثلاثين بل معهم زيادة يجب قبولها وفي رواية تمام المائة لا اله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير وفي رواية أن التكبيرات أربع وثلاثون كلها زيادات من الثقات يجب قبولها فينبغي أن يحتاط الانسان فيأتي بثلاث وثلاثين تسبيحة ومثلها تحميدات وأربع وثلاثين تكبيرة ويقول معها لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخرها ليجمع بين الروايات قوله صلى الله عليه وسلم معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن قال الهروي قال
[ 95 ]
سمرة معناه تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة وقال أبو الهشيم سميت معقبات لانها تفعل مرة بعد أخرى وقوله تعالى له معقبات أي ملائكة يعقب بعضهم بعضا واعلم أن حديث كعب بن عجرة هذا ذكره الدار قطني في استدراكاته على مسلم وقال الصواب أنه موقوف على كعب لان من رفعه لا يقاومون من وقفه في الحفظ وهذا الذي قال الدارقطني مردود لان مسلما رواه من طرق كلها مرفوعة وذكره الدارقطني أيضا من طرق أخرى مرفوعة وانما روى موقوفا من جهة منصور وشعبة وقد اختلفوا عليهما أيضا في رفعه ووقفه وبين الدارقطني ذلك وقد قدمنا في الفصول السابقة في أول هذا الشرح أن الحديث الذي روى موقوفا ومرفوعا يحكم بأنه مرفوع على المذهب الصحيح الذي عليه الاصوليون والفقهاء والمحققون من المحدثين منهم البخاري وآخرون حتى لو كان الواقفون أكثر من الرافعين حكم بالرفع كيف والامر هنا بالعكس ودليله ما سبق أن هذه زيادة ثقة فوجب قبولها ولا ترد لنسيان أو تقصير حصل بمن وقفه والله أعلم قوله عن أبي عبيد المذحجي هو بفتح الميم واسكان الذال المعجمة ثم حاء مهملة مكسورة ثم جيم منسوب إلى مذحج قبيلة معروفة قوله ص دبر كل صلاة هو بضم الدال هذا هو المشهور في اللغة والمعروف في الروايات وقال أبو عمر المطرزي في كتابه
[ 96 ]
اليواقيت دبر كل شئ بفتح الدال آخر أوقاته من الصلاة وغيرها وقال هذا هو المعروف في اللغة وأما الخارجة فبالضم وقال الداودي عن ابن الاعرابي دبر الشئ ودبره بالضم والفتح آخر أوقاته والصحيح الضم ولم يذكر الجوهري وآخرون غيره باب ما يقال بين تكبيرة الاحرام والقراءة قوله سكت هنية هي بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء بغير همزة وهي تصغير هنة أصلها هنوة فلما صغرت صارت هنيوة فاجتمعت واو وياء وسبقت احداهما بالسكون فوجب قلب الواو ياء فاجتمعت ياءان فادغمت احداهما في الأخرى فصارت هنية ومن همزها فقد أخطأ ورواه بعضهم هنيهة وهو صحيح أيضا وفي هذا الحديث ألفاظ تقدم شرحها في باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع وفيه دليل للشافعي وأبي حنفية وأحمد والجمهور رحمهم الله تعالى أنه يستحب دعاء الافتتاح وجاءت فيه أحاديث كثيرة في الصحيح منها هذا الحديث وحديث علي رضي الله عنه في وجهت وجهي إلى آخره ذكره مسلم بعد هذا في أبواب صلاة الليل وغير ذلك من الأحاديث وقد جمعتها موضحة في شرح المهذب وقال مالك رضي الله عنه لا يستحب
[ 97 ]
دعاء الافتتاح بعد تكبيرة الاحرام ودليل الجمهور هذه الاحاديث الصحيحة قوله وحدثت عن يحيى بن حسان إلى آخره هذا من الاحاديث المعلقة التي سقط أول اسنادها في صحيح مسلم وقد سبق بيانها في مقدمة هذا الشرح قوله وقد حفزه النفس هو بفتح حروفه وتخفيفها أي ضغطه لسرعته قوله فأرم القوم هو بفتح الراء وتشديد الميم أي سكتوا قال القاضي عياض ورواه بعضهم في غير صحيح مسلم فأزم بالزاي المفتوحة وتخفيف الميم من الازم وهو الامساك وهو صحيح المعنى قوله الله أكبر كبيرا أي كبرت كبيرا وفي الرواية الأولى دليل على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة أيضا
[ 98 ]
باب استحباب اتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن اتيانها سعيا قوله ص إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم
[ 99 ]
السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا فان أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة فيه الندب الاكيد إلى إتيان الصلاة بسكينة ووقار والنهي عن إتيانها سعيا سواء فيه صلاة الجمعة وغيرها سواء خاف فوت تكبيرة الاحرام أم لا والمراد بقول الله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله الذهاب يقال سعيت في كذا أو إلى كذا إذا ذهبت إليه وعملت فيه ومنه قوله تعالى وأن ليس للانسان إلا ما سعى قال العلماء والحكمة في اتيانها بسكينة والنهي عن السعي أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها ومتوصل إليها فينبغي أن يكون متأدبا بآدابها وعلى أكمل الاحوال وهذا معنى الرواية الثانية فان أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة وقوله ص إذا أقيمت الصلاة إنما ذكر الاقامة للتنبيه بها على ما سواها لانه إذا نهى عن اتيانها سعيا في حال الاقامة مع خوفه فوت بعضها فقيل الاقامة أولى وأكد ذلك ببيان العلة فقال ص فان أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة وهذا يتناول جميع أوقات الأتيان الى الصلاة وأكد ذلك تأكيدا آخر قال فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوت بعض الصلاة فصرح بالنهي وان فات من الصلاة ما فات وبين ما يفعل فيما فات وقوله ص وما فاتكم دليل على جواز قول فاتتنا الصلاة وأنه لا كراهة فيه وبهذا قال جمهور العلماء وكرهه ابن سيرين وقال إنما يقال لم ندركها وقوله ص وما فاتكم فأتموا هكذا ذكره مسلم في أكثر رواياته وفي رواية واقض
[ 100 ]
ما سبقك واختلف العلماء في المسألة فقال الشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف ما أدركه المسبوق مع الامام أول صلاته وما يأتي به بعد سلامه آخرها وعكسه أبو حنيفة رضي الله عنه وطائفة وعن مالك وأصحابه روايتان كالمذهبين وحجة هؤلاء واقض ما سبقك وحجة الجمهور أن أكثر الروايات وما فاتكم فأتموا وأجابوا عن رواية واقض ما سبقك أن المراد بالقضاء الفعل لا القضاء المصطلح عليه عند الفقهاء وقد كثر استعمال القضاء بمعنى الفعل فمنه قوله تعالى فقضاهن سبع سموات وقوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم وقوله تعالى فإذا قضيت الصلاة ويقال قضيت حق فلان ومعنى الجميع الفعل قوله ص إذا ثوب بالصلاة معناه إذا أقيمت سميت الإقامة تثويبا لأنها دعاء الى الصلاة بعد الدعاء بالأذان من قولهم ثاب إذا رجع قوله ص فان أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة دليل على أنه يستحب للذاهب إلى الصلاة أن لا يعبث بيده ولا يتكلم بقبيح ولا ينظر نظرا قبيحا ويجتنب ما أمكنه مما يجتنبه المصلى فإذا وصل المسجد وقعد ينتظر الصلاة كان الاعتناء بما ذكرناه آكد قوله ص وعليه السكينة والوقار قيل هما بمعنى وجمع بينهما تأكيدا والظاهر أن بينهما فرقا وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك والوقار في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت والاقبال على طريقه بغير التفات ونحو ذلك والله أعلم قوله فسمع
[ 101 ]
جلبة أي أصواتا لحركتهم وكلامهم واستعجالهم قوله حدثنا شيبان بهذا الاسناد يعني حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير باسناده المتقدم وكان ينبغي لمسلم أن يقول عن يحيى لأن شيبان لم يتقدم له ذكر وعادة مسلم وغيره في مثل هذا أن يذكروا في الطريق الثاني رجلا ممن سبق في الطريق الاول ويقولوا بهذا الاسناد حتى يعرف وكأن مسلما رحمه الله تعالى اقتصر على شيبان للعلم بأنه في درجة معاوية بن سلام السابق وأنه يروي عن يحيى ابن أبي كثير والله أعلم باب متى يقوم الناس للصلاة فيه قوله ص إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني وفي رواية أبي هريرة
[ 102 ]
رضي الله عنه أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج الينا رسول الله ص وفي رواية أن الصلاة كانت تقام لرسول الله ص فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي ص مقامه وفي رواية جابر بن سمرة رضي الله عنه كان بلال رضي الله عنه يؤذن إذا دحضت ولا يقيم حتى يخرج النبي ص فإذا خرج أقام
[ 103 ]
الصلاة حين يراه قال القاضي عياض رحمه الله تعالى يجمع بين مختلف هذه الاحاديث بأن بلالا رضي الله عنه كان يراقب خروج النبي ص من حيث لا يراه غيره أو الا القليل فعند أول خروجه يقيم ولا يقوم الناس حتى يروه ثم لا يقوم مقامه حتى يعدلوا الصفوف وقوله في رواية أبي هريرة رضي الله عنه فيأخذ الناس مصافهم قبل خروجه لعله كان مرة أو مرتين ونحوهما لبيان الجواز أو لعذر ولعل قوله ص فلا تقوموا حتى تروني كان بعد ذلك قال العلماء والنهي عن القيام قبل أن يروه لئلا يطول عليهم القيام ولانه قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه واختلف العلماء من السلف فمن بعدهم متى يقوم الناس للصلاة ومتى يكبر الامام فمذهب الشافعي رحمه الله تعالى وطائفة أنه يستحب أن لا يقوم أحد حتى يفرغ المؤذن من الاقامة ونقل القاضي عياض عن مالك رحمه الله تعالى وعامة العلماء أنه يستحب أن يقوموا إذا أخذ المؤذن في الاقامة وكان أنس رحمه الله تعالى يقوم إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة وبه قال أحمد رحمه الله تعالى وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون يقومون في الصف إذا قال حي على الصلاة فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الامام وقال جمهور العلماء من السلف والخلف لا يكبر الامام حتى يفرغ المؤذن من الاقامة قوله قمنا فعدلنا الصفوف اشارة إلى أن هذه سنة معهودة عندهم وقد أجمع العلماء على استحباب تعديل الصفوف والتراص فيها وقد سبق بيانه في بابه قوله فأتى رسول الله ص حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف وقال لنا مكانكم فلم نزل قيامنا ننتظره حتى خرج الينا وقد اغتسل فقوله قبل أن يكبر صريح في أنه لم يكن كبر ودخل في الصلاة ومثله قوله في رواية البخاري وانتظرنا تكبيره وفي رواية أبي داود أنه كان دخل في الصلاة فتحمل هذه الرواية على أن المراد بقوله دخل في الصلاة أنه قام في مقامه للصلاة وتهيأ للاحرام بها ويحتمل أنهما قضيتان وهو الأظهر وظاهر هذه الأحاديث أنه لما اغتسل وخرج لم يجددوا اقامة الصلاة وهذا محمول على قرب الزمان فان طال فلابد من اعادة الاقامة ويدل على قرب الزمان في هذا الحديث قوله ص مكانكم وقوله خرج إلينا ورأسه ينطف وفيه جواز النسيان في العبادات على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقد سبق بيان هذه المسألة قريبا قوله ينطف بكسر الطاء وضمها لغتان مشهورتان أي يقطر وفيه دليل على طهارة الماء المستعمل قوله فأومأ إليهم هو مهموز قوله كان بلال يؤذن
[ 104 ]
إذا دحضت هو بفتح الدال والحاء والضاء المعجمة أي زالت الشمس باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة قوله ص من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفي رواية من أدرك ركعة
[ 105 ]
من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر أجمع المسلمون على أن هذا ليس على ظاهره وأنه لا يكون بالركعة مدركا لكل الصلاة وتكفيه وتحصل براءته من الصلاة بهذه الركعة بل هو متأول وفيه اضمار تقديره فقد أدرك حكم الصلاة أو وجوبها أو فضلها قال أصحابنا يدخل فيه ثلاث مسائل احداها إذا أدرك من لا يجب عليه الصلاة ركعة من وقتها لزمته تلك الصلاة وذلك في الصبي يبلغ والمجنون والمغمي عليه يفيقان والحائض والنفساء تطهران والكافر يسلم فمن أدرك من هؤلاء ركعة قبل خروج وقت الصلاة لزمته تلك الصلاة وان أدرك دون ركعة كتكبيرة ففيه قولان للشافعي رحمه الله تعالى أحدهما لا تلزمه لمفهوم هذا الحديث وأصحهما عند أصحابنا تلزمه لأنه أدرك جزءا منه فاستوى قليله وكثيره ولأنه يشترط قدر الصلاة بكمالها بالاتفاق فينبغي أن لا يفرق بين تكبيرة وركعة وأجابوا عن الحديث بأن التقييد بركعة خرج على الغالب فان غالب ما يمكن معرفة ادراكه ركعة ونحوها وأما التكبيرة فلا يكاد يحس بها وهل يشترط مع التكبيرة أو الركعة امكان الطهارة فيه وجهان لأصحابنا أصحهما أنه لا يشترط المسألة الثانية إذا دخل في الصلاة في آخر وقتها فصلى ركعة ثم خرج الوقت كان مدركا لأدائها ويكون كلها أداء وهذا هو الصحيح عند أصحابنا وقال بعض
[ 106 ]
أصحابنا يكون كلها قضاء وقال بعضهم ما وقع في الوقت أداء وما بعده قضاء وتظهر فائدة الخلاف في مسافر نوى القصر وصلى ركعة في الوقت وباقيها بعده فان قلنا الجميع أداء فله قصرها وان قلنا كلها قضاء أو بعضها وجب اتمامها أربعا إن قلنا أن فائتة السفر إذا قضاها في السفر يجب اتمامها هذا كله إذا أدرك ركعة في الوقت فان كان دون ركعة فقال بعض أصحابنا هو كالركعة وقال الجمهور يكون كلها قضاء واتفقوا على أنه لا يجوز تعمد التأخير إلى هذا الوقت وان قلنا انها أداء وفيه احتمال لأبي محمد الجويني على قولنا أداء وليس بشئ المسألة الثالثة إذا أدرك المسبوق مع الامام ركعة كان مدركا لفضيلة الجماعة بلا خلاف وان لم يدرك ركععة بل أدركه قبل السلام بحيث لا يحسب له ركعة ففيه وجهان لاصحابنا أحدهما لا يكون مدركا للجماعة لمفهوم قوله ص من أدرك ركعة من الصلاة مع الامام فقد أدرك الصلاة والثاني وهو الصحيح وبه قال الجمهور أصحابنا يكون مدركا لفضيلة الجماعة لانه أدرك جزءا منه ويجاب عن مفهوم الحديث بما سبق قوله ص من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر هذا دليل صريح في أن من صلى ركعة من الصبح أو العصر ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته بل يتمها وهي صحيحة وهذا مجمع عليه في العصر وأما في الصبح فقال به مالك والشافعي وأحمد والعلماء كافة الا أبا حنيفة رضي الله عنه فانه قال تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها لانه دخل وقت النهي عن الصلاة بخلاف غروب الشمس والحديث حجة عليه
[ 107 ]
أوقات الصلوات الخمس قوله ان جبريل نزل فصلى امام رسول الله ص = قوله امام بكسر الهمزة ويوضحه قوله في الحديث نزل جبريل فامني فصليت معه ثم صليت معه ثم انه قد يقال ليس في هذا الحديث بيان أوقات الصلوات ويجاب عنه بأنه كان معلوما عند المخاطب فأبهمه في هذه الرواية وبينه في رواية جابر وابن عباس رضي الله عنهم وقد ذكره أبو داود والترمذي وغيرهما من أصحاب السين قوله ان جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله ص وكرره هكذا خمس
[ 108 ]
مرات معناه أنه كلما فعل جزأ من أجزاء الصلاة فعله النبي ص بعده حتى تكاملت صلاته قوله بهذا أمرت روى بضم التاء وفتحها وهما ظاهران قوله أو إن جبريل هو بفتح الواو وكسر الهمزة قوله أخر عمر بن عبد العزيز العصر فأنكر عليه عروة وأخرها المغيرة فأنكر عليه أبو مسعود الانصاري واحتجابا بامامة جبريل عليه السلام أما تأخيرهما فلكونهما لم يبلغهما الحديث أو أنهما كانا يريان جواز التأخير ما لم يخرج الوقت كما هو مذهبنا ومذهب الجمهور وأما احتجاج أبي مسعود وعروة بالحديث فقد يقال قد ثبت في الحديث في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما من رواية ابن عباس وغيره في امامة جبريل ص أنه صلى الصلوات الخمس مرتين في يومين فصلى الخمس في اليوم الأول في أول الوقت وفي اليوم الثاني في آخر وقت الاختيار وإذا كان كذلك فكيف يتوجه الاستدلال بالحديث وجوابه أنه يحتمل أنهما أخرا العصر عن الوقت الثاني وهو مصير ظل كل شئ مثليه والله أعلم قوله كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر وفي رواية يصلي العصر والشمس طالعة في
[ 109 ]
حجرتي لم يفئ الفئ بعد وفي رواية والشمس واقعة في حجرتي معناه كله التكبير بالعصر في أول وقتها وهو حين يصير ظل كل شئ مثله وكانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث يكون طول جدارها أقل من مساحة العرصة بشئ يسير فإذا صار ظل الجدار مثله دخل وقت العصر وتكون الشمس بعد في أواخر العرصة لم يقع الفئ في الجدار الشرقي وكل الروايات محمولة على ما ذكرناه وبالله التوفيق قوله ص إذا صليتم الصبح فانه وقت الى أن يطلع قرن الشمس الأول معناه وقت لأداء الصبح فإذا طلعت الشمس قال خرج وقت الاداء وصارت قضاء ويجوز قضاؤها في كل وقت وفي هذا الحديث دليل للجمهور أن وقت الاداء يمتد إلى طلوع الشمس قال أبو سعيد الاصطخري من أصحابنا إذا أسفر الفجر صارت قضاء بعده لان جبريل عليه السلام صلى في اليوم الثاني حين أسفر وقال الوقت ما بين هذين ودليل الجمهور هذا الحديث قالوا وحديث جبريل عليه السلام لبيان وقت الاختيار لا لاستيعاب وقت الجواز للجمع بينه وبين الاحاديث الصحيحة في امتداد الوقت إلى أن يدخل وقت الصلاة الاخرى الا الصبح وهذا التأويل أولى من قول من يقول ان هذه الاحاديث ناسخة لحديث جبريل عليه السلام لان النسخ لا يصار إليه الا إذا عجزنا عن التأويل ولم نعجز في هذه المسألة والله أعلم
[ 110 ]
قوله ص إذا صليتم الظهر فانه وقت إلى أن يحضر العصر معناه وقت لأداء الظهر وفيه دليل للشافعي رحمه الله تعالى وللأكثرين أنه لا اشتراك بين وقت الظهر ووقت العصر بل متى خرج وقت الظهر بمصير ظل الشئ مثله غير الظل الذي يكون عند الزوال دخل وقت العصر وإذا دخل وقت العصر لم يبق شئ من وقت الظهر وقال مالك رضي الله عنه وطائفة من العلماء إذا صار ظل كل شئ مثله دخل وقت العصر ولم يخرج وقت الظهر بل يبقى بعد ذلك قدر أربع ركعات صالح للظهر والعصر أداء واحتجوا بقوله ص في حديث جبريل عليه السلام صلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ مثله وصلى بي العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شئ مثله فظاهره اشتراكهما في قدر أربع ركعات واحتج الشافعي والاكثرون بظاهر الحديث الذي نحن فيه وأجابوا عن حديث جبريل عليه السلام بأن معناه فرغ من الظهر حين صار ظل كل شئ مثله وشرع في العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شئ مثله فلا اشتراك بينهما فهذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث وأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر وقت الظهر مجهولا لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل شئ مثله لم يعلم متى فرغ منها وحينئذ يكون آخر وقت الظهر مجهولا ولا يحصل بيان حدود الأوقات وإذا حمل على ما تأولناه حصل معرفة آخر الوقت وانتظمت الأحاديث على اتفاق وبالله التوفيق قوله ص فإذا صليتم العصر فانه وقت إلى أن تصفر الشمس معناه فانه وقت لأدائها بلا كراهة فإذا اصفرت صار وقت كراهة وتكون أيضا أداء حتى تغرب الشمس للحديث السابق ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر وفي هذا الحديث رد على أبي سعيد الاصطخري رحمه الله تعالى في قوله إذا صار ظل الشئ مثليه صارت العصر قضاء وقد تقدم قريبا الاستدلال عليه قال أصحابنا رحمهم الله تعالى للعصر خمسة أوقات وقت فضيلة واختيار وجواز بلا كراهة وجواز مع كراهة ووقت عذر فاما وقت الفضيلة فأول وقتها وقت الاختيار يمتد إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه ووقت الجواز إلى الاصفرار ووقت الجواز مع الكراهة حالة الاصفرار الى الغروب ووقت العذر وهو وقت الظهر في حق من يجمع
[ 111 ]
بين الظهر والعصر لسفر أو مطر ويكون العصر في هذه الأوقات الخمسة أداء فإذا فاتت كلها بغروب الشمس صارت قضاء والله أعلم قوله ص فإذا صليتم المغرب فانه وقت الى أن يسقط الشفق وفي رواية وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق وفي رواية ما لم يغب الشفق وفي رواية ما لم يسقط الشفق هذا الحديث وما بعده من الأحاديث صرائح في أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق وهذا أحد القولين في مذهبنا وهو ضعيف عند جمهور نقلة مذهبنا وقالوا الصحيح أنه ليس لها الا وقت واحد وهو عقب غروب الشمس بقدر ما يتطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم فإن أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء وذهب المحققون من أصحابنا إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت وهذا هو الصحيح أو الصواب الذي لا يجوز غيره والجواب عن حديث جبريل عليه السلام حين صلى المغرب في اليومين في وقت واحد حين غربت الشمس من ثلاثة أوجه أحدها أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز وهذا جار في كل الصلوات سوى الظهر والثاني أنه متقدم في أول الأمر بمكة وهذه الأحاديث بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في أواخر الأمر بالمدينة فوجب اعتمادها والثالث أن هذه الأحاديث أصح اسنادا من حديث بيان جبريل عليه السلام فوجب تقديمها فهذا مختصر ما يتعلق بوقت المغرب وقد بسطت في شرح المهذب دلائله والجواب عن ما يوهم خلاف الصحيح والله أعلم قوله ص فإذا صليتم العشاء فانه وقت إلى نصف الليل معناه وقت لأدائها اختيارا أما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني لحديث أبي قتادة الذي ذكره مسلم بعد هذا في باب من نسي صلاة أو نام عنها أنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى وسنوضح شرحه في موضعه ان شاء الله تعالى وقال الاصطخري إذا ذهب نصف
[ 112 ]
الليل صارت قضاء ودليل الجمهور حديث أبي قتادة والله أعلم قوله المراغ حي من الأزد هو بفتح الميم وبالغين المعجمة قوله ص ما لم يسقط ثور الشفق هو بالثاء المثلثة أي ثورانه وانتشاره وفي رواية أبي داود فور الشفق بالفاء وهو بمعناه والمراد بالشفق الأحمر هذا مذهب الشافعي رحمه الله تعالى وجمهور الفقهاء وأهل اللغة وقال أبو حنيفة والمزني رضي الله عنهما وطائفة من الفقهاء وأهل اللغة المراد الأبيض والأول هو الراجح المختار وقد بسطت دلائله في تهذيب اللغات وفي شرح المهذب قوله ص فانها تطلع بين قرني
[ 113 ]
الشيطان قيل المراد بقرنه أمته وشيعته وقيل قرنه جانب رأسه وهذا ظاهر الحديث فهو أولى ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذا الوقت ليكون الساجدون للشمس من الكفار في هذا الوقت كالساجدين له وحينئذ يكون له ولشيعته تسلط وتمكن من أن يلبسوا على المصلى صلاته فكرهت الصلاة في هذا الوقت لهذا المعنى كما كرهت في مأوى الشيطان قوله ص ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول فيه دليل لمذهب الجمهور ان وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس والمراد بقرنها جانبها فيه أن العصر يكون أداء ما لم تغب الشمس وقد سبق قريبا هذا كله قوله عن يحيى بن أبي كثير قال لا يستطاع العلم براحة الجسم جرت عادة الفضلاء بالسؤال عن ادخال مسلم هذه الحكاية عن يحيى مع أنه لا يذكر في كتابه الا أحاديث النبي ص = محضة مع أن هذه الحكاية لا تتعلق باحاديث مواقيت الصلاة فكيف أدخلها بينها وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى عن بعض الأئمة أنه قال سببه أن مسلما رحمه الله تعالى أعجبه حسن سياق هذه الطرق التي
[ 114 ]
ذكرها لحديث عبد الله بن عمر وكثرة فوائدها وتلخيص مقاصدها وما اشتملت عليه من الفوائد في الأحكام وغيرها ولا نعلم أحدا شاركه فيها فلما رأى ذلك أراد أن ينبه من رغب في تحصيل الرتبة التي ينال بها معرفة مثل هذا فقال طريقه أن يكثر اشتغاله واتعابه جسمه في الاعتناء بتحصيل العلم هذا شرح ما حكاه القاضي قوله في حديث بريدة عن النبي ص أن رجلا سأله عن وقت الصلاة فقال له صل معنا هذين يعني اليومين وذكر الصلوات في اليومين في الوقتين فيه بيان أن للصلاة وقت فضيلة ووقت اختيار وفيه أن وقت المغرب ممتد وفيه البيان بالفعل فانه أبلغ في الايضاح والفعل تعم فائدته السائل وغيره وفيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة وهو مذهب جمهور الأصوليين وفيه احتمال تأخير الصلاة عن أول وقتها وترك فضيلة أول الوقت لمصلحة راجحة قوله ص وقت صلاتكم بين ما رأيتم هذا خطاب للسائل وغيره وتقديره وقت صلاتكم في الطرفين اللذين صليت
[ 115 ]
فيهما وفيما بينهما وترك ذكر الطرفين بحصول علمهما بالفعل أو يكون المراد ما بين الاحرام بالأولى والسلام من الثانية قوله وحدثني ابراهيم بن محمد بن عرعرة السامي عرعرة بفتح العينين المهملتين واسكان الراء بينهما والسامي بالسين المهملة منسوب إلى سامة بن لؤي بن غالب وهو من نسله قرشي سامي قوله حين وجبت الشمس أي غابت وقوله وقع الشفق أي غاب قوله فنور بالصبح أي أسفر من النور وهو الاضاءة قوله في حديث أبي موسى عن رسول الله ص أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئا فأقام الفجر حين انشق الفجر معنى قوله لم يرد عليه شيئا أي لم يرد جوابا ببيان الأوقات باللفظ بل قال له صل معنا لتعرف ذلك ويحصل لك البيان بالفعل وإنما تأولناه
[ 116 ]
لنجمع بينه وبين حديث بريدة ولأن المعلوم من أحوال النبي ص أنه كان يجيب إذا سئل عما يحتاج إليه والله أعلم قوله في حديث بريدة وحديث أبي موسى أنه صلى العشاء بعد ثلث الليل وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ووقت العشاء إلى نصف الليل هذه الأحاديث لبيان آخر وقت الاختيار واختلف العلماء في الراجح منهما وللشافعي رحمه الله تعالى قولان أحدهما أن وقت الاختيار يمتد إلى ثلث الليل والثاني إلى نصفه وهو الأصح وقال أبو العباس بن شريح لا اختلاف بين الروايات ولا عن الشافعي رحمه الله تعالى بل المراد بثلث الليل أنه أول ابتدائها وبنصفه آخر انتهائها ويجمع بين الاحاديث بهذا وهذا الذي قاله يوافق ظاهر ألفاظ هذه الاحاديث لأن قوله ص وقت العشاء إلى نصف الليل ظاهره أنه آخر وقتها المختار وأما
[ 117 ]
حديث بريدة وأبي موسى ففيهما أنه شرع بعد ثلث الليل وحينئذ يمتد إلى قريب من النصف فتتفق الاحاديث الواردة في ذلك قولا وفعلا والله أعلم باب استحباب الابراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه قوله ص إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة وذكر مسلم رحمه الله تعالى بعد هذا حديث خباب شكونا إلى رسول الله ص حر الرمضاء فلم يشكنا قال زهير قلت لأبي اسحاق أفي الظهر قال نعم قلت أفي تعجيلها قال نعم اختلف العلماء في الجمع بين هذين الحديثين فقال بعضهم الابراد رخصة والتقديم أفضل واعتمدوا حديث خباب وحملوا حديث الابراد على الترخيص والتخفيف في التأخير وبهذا قال بعض أصحابنا وغيرهم وقال جماعة حديث خباب منسوخ باحاديث الابراد وقال آخرون المختار استحباب الابراد لاحاديثه وأما حديث خباب فمحمول على أنهم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الابراد لأن الابراد يؤخر بحيث يحصل للحيطان في يمشون فيه ويتناقص الحر والصحيح استحباب الابراد وبه قال جمهور العلماء وهو المنصوص للشافعي رحمه الله تعالى وبه قال جمهور الصحابة لكثرة الاحاديث الصحيحة فيه المشتملة على فعله
[ 118 ]
والامر به في مواطن كثيرة ومن جهة جماعة من الصحابة رضي الله عنهم قوله ص فان شدة الحر من فيح جهنم هو بفاء مفتوحة ثم مثناة من تحت ساكنة ثم حاء مهملة أي سطوع حرها وانتشاره وغليانها قوله ص فأبردوا بالصلاة وفي الرواية الاخرى فأبردوا عن الصلاة هما بمعنى وعن تطلق بمعنى الباء كما يقال رميت عن القوس أي بها قوله عن بسر بن سعيد هو بضم الموحدة وبالسين المهملة وقد سبق بيانه مرات
[ 119 ]
قوله حتى رأينا فئ التلول هي جمع تل وهو معروف والفئ لا يكون إلا بعد الزوال وأما الظل فيطلق على ما قبل الزوال وبعده هذا قول أهل اللغة ومعنى قوله رأينا فئ التلول أنه أخر تأخيرا كثيرا حتى صار للتلول فئ والتلول منبطحة غير منتصبة ولا يصير لها فئ في العادة الا بعد زوال الشمس بكثير قوله ص أبردوا عن الحر في الصلاة أي أخروها
[ 120 ]
إلى البرد واطلبوا البرد لها قوله ص فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم قال العلماء الزمهرير شدة البرد والحرور شدة الحر قالوا وقوله أو يحتمل أن يكون شكا من الراوي ويحتمل أن يكون للتقسيم قوله ص اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف قال القاضي اختلف العلماء في معناه فقال بعضهم هو على ظاهره واشتكت حقيقة وشدة الحر من وهجها وفيحها وجعل الله تعالى فيها ادراكا وتمييزا بحيث تكلمت بهذا ومذهب أهل السنة أن النار مخلوقة قال وقيل ليس هو على ظاهره بل هو على وجه التشبيه والاستعارة والتقريب وتقديره أن شدة الحر يشبه نار جهنم فاحذروه واجتنبوا حروره قال والأول أظهر قلت والصواب الأول لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حمله على حقيقته فوجب الحكم بأنه على ظاهره والله أعلم واعلم أن الأبراد إنما يشرع في الظهر ولا يشرع في العصر عند أحد من العلماء إلا أشهب المالكي ولا يشرع في صلاة الجمعة عند الجمهور وقال بعض أصحابنا يشرع فيها والله أعلم باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر قوله كان رسول الله ص يصلي الظهر إذا دحضت الشمس هو بفتح الدال
[ 121 ]
والحاء أي إذا زالت وفيه دليل على استحباب تقديمها وبه قال الشافعي والجمهور قوله حر الرمضاء أي الرمل الذي اشتدت حرارته قوله فلم يشكنا أي لم يزل شكوانا وتقدم الكلام في حديث خباب في الباب السابق قوله فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه فيه دليل لمن أجاز السجود على طرف ثوبه المتصل به وبه قال أبو حنيفة والجمهور ولم يجوزه الشافعي وتأول هذا الحديث وشبهه على السجود على ثوب منفصل باب استحباب التبكير بالعصر قوله كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتي العوالي والشمس
[ 122 ]
مرتفعة وفي رواية ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة وفي رواية ثم يخرج إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر أما العوالي فهي القرى التي حول المدينة أبعدها على ثمانية أميال من المدينة وأقربها ميلان وبعضها ثلاثة أميال وبه فسرها مالك وأما قباء فتمد وتقصر وتصرف ولا تصرف وتذكر وتؤنث والأفصح فيه الصرف والتذكير والمد وهو على نحو ثلاثة أميال من المدينة قوله والشمس مرتفعة حية قال الخطابي حياتها صفاء لونها قبل أن تصفر أو تتغير وهو مثل قوله بيضاء نقية وقال هو أيضا وغيره حياتها وجود حرها والمراد بهذه الأحاديث وما بعدها المبادرة لصلاة العصر أول وقتها لانه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين وثلاثة والشمس بعد لم تتغير بصفرة ونحوها إلا إذا صلى العصر حين صار ظل الشئ مثله ولا يكاد يحصل هذا الا في الأيام الطويلة وقوله كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو ابن عوف فيجدهم يصلون العصر قال العلماء منازل بني عمرو بن عوف على ميلين من المدينة وهذا يدل على المبالغة في تعجيل صلاة رسول الله ص وكانت صلاة بني عمرو في وسط الوقت ولولا هذا لم يكن فيه حجة ولعل تأخير بني عمرو لكونهم كانوا أهل أعمال في حروثهم وزروعهم وحوايطهم فإذا فرغوا من أعمالهم تأهبوا للصلاة بالطهارة وغيرها ثم اجتمعوا لها فتتأخر صلاتهم إلى وسط الوقت لهذا المعنى وفي هذه الاحاديث وما بعدها دليل لمذهب مالك
[ 123 ]
والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أن وقت العصر يدخل إذا صار ظل كل شئ مثله وقا أبو حنيفة لا يدخل حتى يصير ظل الشئ مثليه وهذه الاحاديث حجة للجماعة عليه مع حديث ابن عباس رضي الله عنه في بيان المواقيت وحديث جابر وغير ذلك قوله عن العلاء أنه دخل على أنس ابن مالك رضي الله عنه في داره حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر فقلنا له انما انصرفنا الساعة من الظهر قال فصلوا العصر فقمنا فصلينا العصر فلما انصرفنا قال سمعت رسول الله ص يقول تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا وفي رواية عن أبي أمامة رضي الله عنه قال صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم دخلنا على أنس فوجدناه
[ 124 ]
يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صليت قال العصر وهذه صلاة رسول الله ص التي كنا نصلي معه هذان الحديثان صريحان في التبكير بصلاة العصر في أول وقتها وأن وقتها يدخل بمصير ظل الشئ مثله ولهذا كان الآخرون يؤخرون الظهر إلى ذلك الوقت وإنما أخرها عمر بن عبد العزيز على عادة الأمراء قبله قبل أن تبلغه السنة في تقديمها فلما بلغته صار إلى التقديم ويحتمل أنه آخرها لشغل وعذر عرض له وظاهر الحديث يقتضي التأويل الأول وهذا كان حين ولى عمر بن عبد العزيز المدينة نيابة لا في خلافته لأن أنسا رضي الله عنه توفي قبل خلافة عمر بن عبد العزيز بنحو تسع سنين قوله ص تلك صلاة المنافق فيه تصريح بذم تأخير صلاة العصر بلا عذر لقوله ص يجلس يرقب الشمس قوله ص بين قرني الشيطان اختلفوا فيه فقيل هو على حقيقته وظاهر لفظه والمراد أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها وكذا عند طلوعها لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له ويخيل لنفسه ولأعوانه أنهم إنما يسجدون له وقيل هو على المجاز والمراد بقرنه وقرنيه علوه وارتفاعه وسلطانه وتسلطه وغلبته وأعوانه قال الخطابي هو تمثيل ومعناه أن تأخيرها بتزيين الشيطان ومدافعته لهم عن تعجيلها كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه والصحيح الأول قوله ص فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلى قليلا تصريح بذم من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار والمراد بالنقر سرعة الحركا ت كنقر الطائر قوله صلى لنا رسول الله ص العصر
[ 125 ]
فلما انصرفنا أتاه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله أنا نريد أن ننحر جزورا لنا ونحن نحب أن تحضرها قال نعم فانطلق وانطلقنا معه فوجدنا الجزور لم تنحر فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها ثم أكلنا منها قبل أن تغيب الشمس هذا تصريح بالمبالغة في التبكير بالعصر وفيه اجابة الدعوة وأن الدعوة للطعام مستحبة في كل وقت سواء أول النهار وآخره والجزور بفتح الجيم لا يكون الا من الابل وبنو سلمة بكسر اللام قوله عن أبي النجاشي هو بفتح النون واسمه عطاء بن صهيب مولى رافع بن خديج رضي الله عنه باب التغليظ في تفويت صلاة العصر قوله ص الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله روى بنصب اللامين
[ 126 ]
ورفعهما والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور على أنه مفعول ثاني ومن رفع فعلى ما لم يسم فاعله ومعناه انتزع منه أهله وماله وهذا تفسير مالك بن أنس وأما على رواية النصب فقال الخطابي وغيره معناه نقص هو أهله وماله وسلبه فبقى بلا أهل ولا مال فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله وقال أبو عمر بن عبد البر معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذي يصاب بأهله وماله اصابة يطلب بها وترا والوتر الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غمان غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر وقال الداودي من المالكية معنا يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقد أهله وماله فيتوجه عليه الندم والأسف لتفويته الصلاة وقيل معناه فاته من الثواب ما يلحقه من الاسف عليه كما يلحق من ذهب أهله وماله قال القاضي عياض رحمه الله تعالى واختلفوا في المراد بفوات العصر في هذا الحديث فقال ابن وهب وغيره وهو فيمن لم يصلها في وقتها المختار وقال سحنون والاصيلي هو أن تفوته بغروب الشمس وقيل هو تفويتها إلى أن تصفر الشمس وقد ورد مفسرا من رواية الأوزاعي في هذا الحديث قال فيه وفواتها أن يدخل الشمس صفرة وروى عن سالم أنه قال هذا فيمن فاتته ناسيا وعلى قول الداودي هو في العامد وهذا هو الأظهر ويؤيده حديث البخاري في صحيحه من ترك صلاة العصر حبط عمله وهذا إنما يكون في العامد قال ابن عبد البر ويحتمل أن يلحق بالعصر باقي الصلوات ويكون نبه بالعصر على غيرها وإنما خصها بالذكر لأنها تأتي وقت تعب الناس من مقاساة أعمالهم وحرصهم على قضاء أشغالهم وتسويفهم بها إلى انقضاء وظائفهم وفيما قاله نظر لأن الشرع ورد في العصر ولم تتحقق العلة في هذا الحكم فلا يلحق بها غيرها بالشك والتوهم وإنما يلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفنا العلة واشتركا فيها والله أعلم قوله قال عمرو يبلغ به وقال أبو بكر رفعه هما بمعنى لكن عادة مسلم رحمة الله المحافظة على اللفظ وان اتفق معناه وهي عادة جميلة والله أعلم
[ 127 ]
باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر قوله ص = شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس وفي رواية شغلونا
[ 128 ]
عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وفي رواية ابن مسعود رضي الله عنه شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر اختلف العلماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم في الصلاة الوسطى المذكورة في القرآن فقال جماعة هي العصر ممن نقل هذا عنه على ابن أبي طالب وابن مسعود وأبو أيوب وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعبيدة السلماني والحسن البصري وابراهيم النخعي وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل وأبو حنيفة وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم رضي الله عنهم قال الترمذي هو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم رضي الله عنهم وقال الماوردي من أصحابنا هذا مذهب الشافعي رحمه الله لصحة الاحاديث فيه قال وانما نص على أنها الصبح لانه لم يبلغه الاحاديث الصحيحة في العصر ومذهبه اتباع الحديث وقالت طائفة هي الصبح ممن نقل هذا عنه عمر وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس ومالك بن أنس والشافعي وجمهور أصحابه وغيرهم رضي الله عنهم وقال طائفة هي الظهر نقلوه عن زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وأبي سعيد
[ 129 ]
الخدري وعائشة وعبد الله بن شداد ورواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه وقال قبيصة بن ذؤيب هي المغرب وقال غيره هي العشاء وقيل احدى الخمس مبهمة وقيل الوسطى جميع الخمس حكاه القاضي عياض وقيل هي الجمعة والصحيح من هذه الأقوال قولان العصر والصبح وأصحهما العصر للاحاديث الصحيحة ومن قال هي الصبح يتأول الاحاديث على أن العصر تسمى وسطا ويقول انها غير الوسطى المذكورة في القرآن وهذا تأويل ضعيف ومن قال انها الصبح يحتج بأنها تأتي في وقت مشقة بسبب برد الشتاء وطيب النوم في الصيف والنعاس وفتور الأعضاء وغفلة الناس فخصت بالمحافظة لكونها معرضة للضياع بخلاف غيرها ومن قال هي العصر يقول انها تأتي في وقت اشتغال الناس بمعايشهم وأعمالهم وأما من قال هي الجمعة فمذهب ضعيف جدا لان المفهوم من الايصاء بالمحافظة عليها إنما كان لأنها معرضة للضياع وهذا لا يليق بالجمعة فان الناس يحافظون عليها في العادة أكثر من غيرها لأنها تأتي في الأسبوع مرة بخلاف غيرها ومن قال هي جميع الخمس فضعيف أو غلط لأن العرب لا تذكر الشئ مفصلا ثم تجمله وإنما تذكره مجملا ثم تفصله أو تفصل بعضه تنبيها على فضيلته والله أعلم قوله عن عبيدة عن علي هو بفتح العين وكسر الياء وهو عبيدة السلماني والله أعلم قوله يوم الاحزاب هي الغزوة المشهورة يقال لها الاحزاب والخندق وكانت سنة أربع من الهجرة وقيل سنة خمس قوله ص شغلونا عن صلاة الوسطى حتى آبت الشمس هكذا هو في النسخ وأصول السماع صلاة الوسطى وهو من با ب قول الله تعالى وما كنت بجانب الغربي وفيه المذهبان المعروفان مذهب الكوفيين جواز اضافة الموصوف إلى صفته ومذهب البصريين منعه ويقدرون فيه محذوفا وتقديره هنا عن صلاة الصلاة الوسطى أي عن فعل الصلاة الوسطى وقوله ص حتى آبت الشمس قال الحربي معناه رجعت إلى مكانها بالليل أي غربت من قولهم آب إذا رجع وقال غيره معناه سارت للغروب والتأويب سير النهار قوله يحي بن الجزار هو بالجيم والزاي
[ 130 ]
وآخره راء وفي الطريق الأول يحيى بن الجزار عن علي وفي الثاني عن يحيى سمع عليا أعاده مسلم للاختلاف في عن وسمع قوله فرضة من فرض الخندق الفرضة بضم الفاء واسكان الراء وبالضاد المعجمة وهي المدخل من مداخله والمنفذ إليه قوله عن مسلم بن صبيح بضم الصاد وهو أبو الضحى قوله عن شتير بن شكل شتير بضم الشين وشكل بفتح الشين والكاف ويقال باسكان الكاف أيضا قوله ثم صلاهبين العشاءين بين المغرب والعشاء فيه بيان صحة اطلاق لفظ العشاءين على المغر ب والعشاء وقد أنكره بعضهم لأن المغرب لا يسمى عشاء وهذا غلط لان التثنية هنا للتغليب كالأبوين والقمرين والعمرين ونظائرها وأما تأخير النبي ص صلاة العصر حتى غربت الشمس فكان قبل نزول صلاة الخوف قال العلماء يحتمل أنه أخرها نسيانا لا عمدا وكان السبب في النسيان الاشتغال بأمر العدو ويحتمل أنه أخرها عمدا للاشتغال بالعدو وكان هذا عذرا في تأخير الصلاة قبل نزول صلاة الخوف وأما اليوم فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العدو والقتال بل يصلي صلاة الخوف على حسب الحال ولها أنواع معروفة في كتب الفقه وسنشير إلى مقاصدها في بابها من هذا الشرح ان شاء الله تعالى واعلم أنه وقع في هذا الحديث هنا وفي البخاري أن الصلاة الفائتة كانت صلاة العصر وظاهره أنه لم يفت غيرها وفي الموطأ أنها الظهر والعصر وفي غيره أنه أخر أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى ذهب هوى من الليل وطريق الجمع بين هذه الروايات أن وقعة الخندق بقيت أياما فكان هذا في بعض الأيام وهذا في بعضها قوله في حديث عائشة فأملت على حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر هكذا هو في الروايات وصلاة العصر بالواو واستدل به بعض أصحابنا على أن الوسطى ليست العصر لأن العطف يقتضي المغايرة لكن مذهبنا أن القراءة
[ 131 ]
الشاذة لا يحتج بها ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله ص لان ناقلها لم ينقلها الا على أنها قرآن والقرآن لا يثبت الا بالتواتر بالاجماع واذا لم يثبت قرآنا لا يثبت خبرا والمسألة مقررة في أصول الفقه وفيها خلاف بيننا وبين أبي حنيفة رحمه الله تعالى قوله أن عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت أن تغرب الشمس فقال رسول الله ص فوالله ان صليتها معناه ما صليتها وإنما حلف النبي ص تطييبا لقلب عمر رضي الله عنه فانه شق عليه تأخير العصر إلى قريب من المغرب فاخبره النبي ص أنه لم يصلها بعليكون لعمر به أسوة ولا يشق عليه ما جرى وتطيب نفسه وأكد ذلك الخبر باليمين وفيه دليل على جواز اليمين من غير استحلاف وهي مستحبة
[ 132 ]
إذا كان فيه مصلحة من توكيد الامر أو زيادة طمأنينة أو نفى توهم نسيان أو غير ذلك من المقاصد السائغة وقد كثرت في الأحاديث وهكذا القسم من الله تعالى كقوله تعالى والذاريات والطور " والمرسلات والسماء " والطارق وضحاها إذا يغشى " والتين ثم ونظائرها كل ذلك لتفخيم المقسم عليه وتوكيده والله أعلم قوله فنزلنا إلى بطحان هو بضم الباء الموحدة واسكان الطاء وبالحاء المهملتين هكذا هو عند جميع المحدثين في رواياتهم وفي ضبطهم وتقييدهم وقال أهل اللغة هو بفتح الباء وكسر الطاء ولم يجيزوا غير هذا وكذا نقله صاحب البارع وأبو عبيد البكري وهو واد بالمدينة قوله فنزلنا إلى بطحان فتوضأ رسول الله ص وتوضأنا فصلي رسول الله ص العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب هذا ظاهره أنه صلاهما في جماعة فيكون فيه دليل لجواز صلاة الفريضة الفائتة جماعة وبه قال العلماء كافة الا ما حكاه القاضي عياض عن الليث ابن سعد أنه منع ذلك وهذا ان صح عن الليث مردود بهذا الحديث والاحاديث الصحيحة الصريحة أن رسول الله ص صلى الصبح بأصحابه جماعة حين ناموا عنها كما ذكره مسلم بعد هذا بقليل وفي هذا الحديث دليل على أن من فاتته صلاة وذكرها في وقت أخرى ينبغي له أن يبدأ بقضاء الفائتة ثم يصلى الحاضرة وهذا مجمع عليه لكنه عند الشافعي وطائفة على الاستحباب فلو صلى الحاضرة ثم الفائتة جاز وعند مالك وأبى حنيفة وآخرين على الايجاب فلو قدم الحاضرة لم يصح وقد يحتج به من يقول أن وقت المغرب متسع إلى غروب الشفق لأنه قدم العصر عليها ولو كان ضيقا لبدأ بالمغرب لئلا يفوت وقتها أيضا ولكن لا دلالة فيه لهذا
[ 133 ]
القائل لأن هذا كان بعد غروب الشمس بزمن بحيث خرج وقت المغرب عند من يقول أنه ضيق فلا يكون في هذا الحديث دلالة لهذا وان كان المختار أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق كما سبق ايضاحه بدلائله والجواب عن معارضها باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما قوله ص يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر فيه دليل لمن قال من النحويين يجوز اظهار ضمير الجمع والتثنية في الفعل إذا تقدم وهو لغة بني الحارث وحكوا فيه قولهم أكلوني البراغيث وعليه حمل الاخفش ومن وافقه قول الله تعالى النجوى الذين ظلموا وقال سيبويه وأكثر النحويين لا يجوز اظهار الضمير مع تقدم الفعل ويتأولون كل هذا ويجعلون الاسم بعده بدلا من الضمير ولا يرفعونه بالفعل كأنه لما قيل النجوى قيل من هم قيل ظلموا وكذا يتعاقبون ونظائره ومعنى يتعاقبون تأتي طائفة بعد طائفة ومنه تعقب الجيوش وهو أن يذهب إلى ثغر قوم ويجئ آخرون وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين وتكرمة لهم أن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم فيكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير وأما قوله ص فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فهذا السؤال على ظاهره وهو تعبد منه لملائكته كما أمرهم بكتب الاعمال وهو أعلم بالجميع قال القاضي عياض رحمه الله الاظهر وقول الأكثرين أن هؤلاء الملائكة هم الحفظة الكتاب قال
[ 134 ]
وقيل يحتمل أن يكونوا من جملة الملائكة بجملة الناس غير الحفظة قوله ص لا تضامون في رؤيته تقدم شرحه وضبطه في كتاب الايمان ومعناه لا يلحقكم ضيم في الرؤية وقوله ص أما انكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر أي ترونه رؤية محققة لا شك فيها ولا مشقة كما ترون هذا القمر رؤية محققة بلا مشقة فهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئى بالمرئي والرؤية مختصة بالمؤمنين وأما الكفار فلا يرونه سبحانه وتعالى وقيل يراه منافقوا هذا لأمة وهذا ضعيف والصحيح الذي عليه جمهور أهل السنة أن المنافقين لا يرونه كما لا يراه باقي الكفار باتفاق العلماء وقد سبق بيان هذه المسألة في كتاب الايمان قوله
[ 135 ]
حدثني أبو جمرة هو بالجيم باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس قوله كان نصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب اللفظان بمعنى وأحدهما تفسير
[ 136 ]
للآخر قوله كنا نصلي المغرب مع رسول الله ص فينصرف أحدنا وانه ليبصر مواقع نبله معناه أن يبكر بها في أول وقتها بمجرد غروب الشمس حتى ننصرف ويرمى أحدنا النبل عن قوسه ويبصر موقعه لبقاء الضوء وفي هذين الحديثين أن المغرب تعجل عقب غروب الشمس وهذا مجمع عليه وقد حكى عن الشيعة فيه شئ لا التفات إليه ولا أصل له وأما الأحاديث السابقة في تأخير المغرب إلى قريب سقوط الشفق فكانت لبيان جواز التأخير كما سبق ايضاحه فانها كانت جواب سائل عن الوقت وهذان الحديثان اخبار عن عادة رسول الله ص المتكررة التي واظب عليها الا لعذر فالاعتماد عليها والله أعلم باب وقت العشاء وتأخيرها ذكر في الباب تأخير صلاة العشاء واختلف العلماء هل الأفضل تقديمها أم تأخيرها وهما مذهبان مشهوران للسلف وقولان لمالك والشافعي فمن فضل التأخير احتج بهذه الأحاديث ومن فضل التقديم احتج بأن العادة الغالبة لرسول الله ص تقديمها وانما أخرها في أوقات يسيرة لبيان الجواز أو لشغل أو لعذر وفي بعض هذه الاحاديث الاشارة إلى هذا والله أعلم قوله حدثنا عمرو
[ 137 ]
ابن سواد هو بتشديد الواو وقوله اعتم بالصلاة أي أخرها حتى اشتدت عتمة الليل وهي ظلمته قوله نام النساء والصبيان أي من ينتظر الصلاة منهم في المسجد وإنما قال عمر رضي الله عنه نام النساء والصبيان لانه ظن أن النبي ص إنما تأخر عن الصلاة ناسيا لها أو لوقتها قوله وما كان لكم أن تنزروا رسول الله ص على الصلاة هو بتاء مثناة من فوق مفتوحة ثم نون ساكنة ثم زاء مضمومة ثم راء أي تلحوا عليه ونقل القاضي عن بعض الرواة أنه ضبطه تبرزوا بضم التاء وبعدها باء موحدة ثم راء مكسورة ثم زاي من الابراز وهو الاخراج والرواية الأولى هي الصحيحة المشهورة التي عليها الجمهور واعلم أن التأخير المذكور في هذا الحديث وما بعده كله تأخير لم يخرج به عن وقت الاختيار
[ 138 ]
وهو نصف الليل أو ثلث الليل على الخلاف المشهور الذي قدمنا بيانه في أول المواقيت وقوله في رواية عائشة ذهب عامة الليل أي كثير منه وليس المراد أكثره ولا بد من هذا التأويل لقوله ص انه لوقتها ولا يجوز أن يكون المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل لأنه لم يقل أحد من العلماء أن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل قوله ص انه لوقتها لولا أن أشق على أمتي معناه انه لوقتها المختار أو الافضل ففيه تفضيل تأخيرها وأن الغالب كان تقديمها وإنما قدمها للمشقة في تأخيرها ومن قال بتفضيل التقديم قال لو كان التأخير أفضل لواظب عليه ولو كان فيه مشقة ومن قال بالتأخير قال قد نبه على تفضيل التأخير بهذا اللفظ وصرح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة ومعناه والله أعلم أنه خشي أن يواظبوا عليه فيفرض عليهم ويتوهموا ايجابه فلهذا تركه كما ترك صلاة التراويح وعلل تركها بخشية افتراضها والعجز عنها وأجمع العلماء على استحبابها لزوال العلة التي خيف منها وهذا المعنى موجود في العشاء قال الخطابي وغيره إنما يستحب تأخيرها لتطول مدة انتظار الصلاة ومنتظر الصلاة في صلاة قوله العشاء الآخرة دليل على جواز وصفها بالآخرة وأنه لا كراهة
[ 139 ]
فيه خلافا لما حكى عن الاصبعي من كراهة هذا وقد سبق بيان المسألة قوله فقال حين خرج انكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم فيه أنه يستحب للامام والعالم إذا تأخر عن أصحابه أو جرى منه ما يظن أنه يشق عليهم أن يعتذر إليهم ويقول لكم في هذا مصلحة من جهة كذا أو كان لي عذر أو نحو هذا قوله رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا وفي رواية عائشة نام أهل المسجد محل هذا محمول على نوم لا ينقض الوضوء وهو نوم الجالس ممكنا مقعده وفيه دليل على أن نوم مثل هذا لا ينقض وبه قال الأكثرون وهو الصحيح في مذهبنا وقد سبق ايضاح هذه المسألة في آخر كتاب الطهارة قوله وبيص خاتمه أي بريقه ولمعانه والخاتم بكسر التاء وفتحها ويقال خاتام وخيتام أربع لغات وفيه جواز لبس خاتم الفضة وهو
[ 140 ]
إجماع المسلمين قوله قال أنس كأني أنظر إلى وبيص خاتمه من فضة ورفع اصبعه اليسرى بالخنصر هكذا هو في الأصول بالخنصر وفيه محذوف تقديره مشيرا بالخنصر أي أن الخاتم كان في خنصر اليد اليسرى وهذا الذي رفع اصبعه هو أنس رضي الله عنه وفي الاصبع عشر لغات كسر الهمزة وفتحها وضمها مع كسر الباء وفتحها وضمها والعاشرة أصبوع وأفصحهن كسر الهمزة مع فتح الباء قوله نظرنا رسول الله ص ليلة حتى كان قريب من نصف الليل هكذا هو في بعض الاصول قريب وفي بعضها قريبا وكلاهما صحيح وتقدير المنصوب حتى كان الزمان قريبا وقوله نظرنا أي انتظرنا يقال نظرته وانتظرته بمعنى قوله بقيع بطحان تقدم الاختلاف في ضبط بطحان في باب صلاة الوسطى وبقيع بالباء قوله ابهار الليل
[ 141 ]
هو باسكان الباء الموحدة وتشديد الراء أي انتصف قوله فلما قضى صلاته قال لمن حضره على رسلكم أعلمكم وأبشروا أن من نعمة الله عليكم أنه ليس إلى آخره فقوله رسلكم بكسر الراء وفتحها لغتان الكسر أفصح وأشهر أي تأنوا وقوله أن من نعمة الله هو بفتح الهمزة معمول لقوله أعلمكم وقوله أنه ليس بفتحها أيضا وفيه جواز الحديث بعد صلاة العشاء إذا كان في خير وإنما نهى عن الكلام في غير الخير قوله اماما وخلوا بكسر الخاء أي منفردا قوله يقطر رأسه ماء معناه انه اغتسل حينئذ قوله ثم وضع أطراف أصابعه على قرن الرأس ثم صبها هكذا هو في أصول رواياتنا قال القاضي وضبطه بعضهم قلبها وفي البخاري ضمها والأول هو الصواب وقوله
[ 142 ]
ويقصر ولا يبطش هكذا هو في صحيح مسلم وفي بعض نسخ البخاري وفي بعضها ولا يعصر العين وكله صحيح قوله ص لا تغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم العشاء
[ 143 ]
إنها في كتاب الله العشاء وانها تعتم بحلاب الابل معناه أن الاعراب يسمونها العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الابل أي يؤخرونه إلى شدة الظلام وإنما اسمها في كتاب الله العشاء في قول الله تعالى بعد صلاة العشاء فينبغي لكم أن تسموها العشاء وقد جاء في الأحاديث الصحيحة تسميتها بالعتمة كحديث لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوا وغير ذلك والجواب عنه من وجهين أحدهما أنه استعمل لبيان الجواز وأن النهي عن العتمة للتنزيه لا للتحريم والثاني يحتمل أنه خوطب بالعتمة من لا يعرف العشاء فخوطب بما يعرفه واستعمل لفظ العتمة لانه أشهر عند العرب وإنما كانوا يطلقون العشاء على المغرب ففي صحيح البخاري لا يغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم المغرب قال وتقول الأعراب العشاء فلو قال لو يعلمون ما في الصبح والعشاء لتوهموا أن المراد المغرب والله أعلم باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس وبيان قدر القراءة فيها قوله ان نساء المؤمنات صورته صورة اضافة الشئ إلى نفسه واختلف في تأويله وتقديره فقيل تقديره نساء الأنفس المؤمنات وقيل نساء الجماعات المؤمنات وقيل ان نساء هنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات كما يقال رجال القوم أي فضلاؤهم ومقدموهم قوله قوله متلفعات هو بالعين المهملة بعد الفاء أي متجللات ومتلففات قوله بمروطهن أي بأكسيتهن واحدها
[ 144 ]
مرط بكسر الميم وفي هذه الاحاديث استحباب التبكير بالصبح وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور وقال أبو حنيفة الاسفار أفضل وفيها جواز حضور النساء الجماعة في المسجد وهو إذا لم يخش فتنة عليهن أو بهن قوله ما يعرفن من الغلس هو بقايا ظلام الليل قال الداودي معناه ما يعرفن أنساءهن أم رجال وقيل ما يعرف أعيانهن وهذا ضعيف لان المتلفعة
[ 145 ]
في النهار أيضا لا يعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة قوله وكان يصلي الصبح فينصرف الرجل فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرفه فيعرفه وفي الرواية الأخرى وكان ينصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض معناهما واحد وهو أنه ينصرف أي يسلم في أول ما يمكن أن يعرف بعضنا وجه من يعرفه مع أنه يقرأ بالستين إلى المائة قراءة مرتلة وهذا ظاهر في شدة التبكير وليس في هذا مخالفة لقوله في النساء ما يعرفن من الغلس لان هذا اخبار عن رؤية جليسه وذاك اخبار عن رؤية النساء من بعد قوله كان يصلي الظهر بالهاجرة هي شدة الحر نصف النهار عقب الزوال قيل سميت هاجرة من الهجر وهو الترك لان الناس يتركون التصرف حينئذ بشدة الحر ويقيلون وفيه استحباب المبادرة بالصلاة في أول الوقت قوله والشمس نقية أي صافية خالصة لم يدخلها بعد صفرة قوله والمغرب إذا وجبت أي غابت الشمس والوجوب السقوط كما سبق وحذف ذكر الشمس للعلم بها كقوله تعالى حتى توارت
[ 146 ]
بالحجاب قوله حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سيار بن سلامة قال سمعت أنا برزة هذا الاسناد كله بصريون قوله كان رسول الله ص يؤخر العشاء إلى ثلث الليل ويكره النوم قبلها والحديث بعدها قال العلماء وسبب كراهة النوم قبلها أنه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم أو لفوات وقتها المختار والأفضل ولئلا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو الذكر فيه أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا قال العلماء والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه وذلك كمدارسة العلم وحكايات الصالحين ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم والحديث في الاصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والارشاد إلى مصلحة ونحو ذلك فكل هذا لا كراهة فيه وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه والباقي في معناه وقد تقدم كثير منها في هذه الأبواب والباقي مشهور ثم كراهة الحديث بعد العشاء المراد
[ 147 ]
بها بعد صلاة العشاء لا بعد دخول وقتها واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها الا ما كان في خير كما ذكرناه وأما النوم قبلها فكرهه عمر وابنه وابن عباس وغيرهم من السلف ومالك وأصحابنا رضي الله عنهم أجمعين ورخص فيه علي وابن مسعود والكوفيون رضي الله عنهم أجمعين وقال الطحاوي يرخص فيه بشرط أن يكون معه من يوقظه وروى عن ابن عمر مثله والله أعلم باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله المأموم إذا أخرها الامام قوله ص كيف أنت إذا كانت عليك امراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها قال قلت فما تأمرني قال صل الصلاة لوقتها فان أدركتها معهم فصل فانها لك نافلة وفي رواية صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معه نافلة معنى يميتون الصلاة يؤخرونها فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه والمراد بتأخيرها عن وقتها أي عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فان المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع وفي هذا الحديث
[ 148 ]
الحث على الصلاة أول الوقت وفيه أن الإمام إذا أخرها عن أول وقتها يستحب للمأموم أن يصليها في أول الوقت منفردا ثم يصليها مع الامام فيجمع فضيلتي أول الوقت والجماعة فلو أراد الاقتصار على احداهما فهل الافضل الاقتصار على فعلها منفردا في أول الوقت أم الاقتصار على فعلها جماعة في آخر الوقت فيه خلاف مشهور لأصحابنا واختلفوا في الراجح وقد أوضحته في باب التيمم من شرح المهذب والمختار استحباب الانتظار ان لم يفحش التأخير وفيه الحث على موافقة الامراء في غير معصية لئلا تتفرق الكلمة وتقع الفتنة ولهذا قال في الرواية الأخرى ان خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وان كان عبدا مجدع الاطراف وفيه أن الصلاة التي يصليها مرتين تكون الاولى فريضة والثانية نفلا وهذا الحديث صريح في ذلك وقد جاء التصريح به في غير هذا الحديث أيضا واختلف العلماء في هذه المسألة وفي مذهبنا فيها أربعة أقوال الصحيح أن الفرض هي الأولى للحديث ولأن الخطاب سقط بها والثاني أن الفرض أكملهما والثالث كلاهما فرض والرابع الفرض احداهما على الابهام يحتسب الله تعالى بأيتهما شاء وفي هذا الحديث أنه لا بأس باعادة الصبح والعصر والمغرب كباقي الصلوات لأن النبي ص أطلق الأمر باعادة الصلاة ولم يفرق بين صلاة وصلاة وهذا هو الصحيح في مذهبنا ولنا وجه أنه لا يعيد الصبح والعصر لأن الثانية نفل ولا تنفل بعدهما ووجه أنه لا يعيد المغرب لئلا تصير شفعا وهو ضعيف قوله ص انه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة فيه دليل من دلائل النبوة وقد وقع هذا في زمن بني أمية قوله ص فصل الصلاة لوقتها فان صليت لوقتها كانت لك نافلة والا كنت قد أحرزت صلاتك معناه إذا علمت من حالهم تأخيرها عن وقتها المختار فصلها لأول وقتها ثم ان صلوها لوقتها المختار فصلها أيضا معهم وتكون صلاتك معهم نافلة وإلا كنت قد أحرزت صلاتك بفعلك في أول الوقت أي حصلتها وصنتها واحتطت لها قوله
[ 149 ]
أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع وان كان عبدا مجدع الاطراف أي مقطع الاطراف والجدع بالدال المهملة القطع والمجدع أردأ العبيد لخسته وقلة قيمته ومنفعته ونفرة الناس منه وفي هذا الحث على طاعة ولاة الأمور ما لم تكن معصية فان قيل كيف يكون العبد اماما وشرط الامام أن يكون حرا قرشيا سليم الاطراف فالجواب من وجهين أحدهما أن هذه الشروط وغيرها إنما تشترط فيمن تعقد له الإمامة باختيار أهل الحل والعقد وأما من قهر الناس لشوكته وقوة بأسه وأعوانه واستولى عليهم وانتصب اماما فان أحكامه تنفذ وتجب طاعته وتحرم مخالفته في غير معصية عبدا كان أو حرا أو فاسقا بشرط أن يكون مسلما الجواب الثاني أنه ليس في الحديث أنه يكون امام بل هو محمول على من يفوض إليه الإمام أمرا من الأمور أو استيفاء حق أو نحو ذلك قوله ص وان أدركت القوم وقد صلوا كنت قد أحرزت صلاتك والا كانت لك نافلة وفي الرواية الأخرى صل الصلاة لوقتها ثم اذهب لحاجتك فان أقيمت الصلاة وأنت في المسجد فصل معناه صل في أول الوقت وتصرف في شغلك فان صادفتهم بعد ذلك وقد صلوا أجزأتك صلاتك وان أدركت الصلاة معهم فصل معهم وتكون هذه الثانية لك نافلة قوله وضرب فخذي أي للتنبيه وجمع الذهن على ما يقوله له
[ 150 ]
قوله عن أبي العالية البراء هو بتشديد الراء وبالمد كان يبرى النبل واسمه زياد بن فيروز البصري وقيل اسمه كلثوم توفي يوم الاثنين في شوال سنة تسعين
[ 151 ]
باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها وأنها فرض كفاية في رواية أن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بخمسة وعشرين جزءا وفي رواية بخمس وعشرين درجة وفي رواية بسبع وعشرين درجة والجمع بينها من ثلاثة أوجه أحدها أنه لا منافاة بينها فذكر القليل لا ينفي الكثير ومفهوم العدد باطل عند جمهور الأصوليين والثاني أن يكون أخبر أولا بالقليل ثم أعلمه الله تعالى بزيادة الفضل فأخبر بها الثالث أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة فيكون لبعضهم خمس وعشرون ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيآتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك فهذه هي الأجوبة المعتمدة وقد قيل أن الدرجة غير الجزء وهذا غفلة من قائله فان في الصحيحين سبعا وعشرين درجة وخمسا وعشرين درجة فاختلف القدر مع اتحاد لفظ الدرجة والله أعلم واحتج أصحابنا والجمهور بهذه الأحاديث على أن الجماعة ليست بشرط لصحة الصلاة خلافا لداود ولا فرضا على الأعيان خلافا لجماعة من العلماء والمختار أنها فرض كفاية وقيل سنة وبسطت دلائل كل هذا واضحة في شرح المهذب قوله تفضل صلاة في الجميع على صلاة الرجل وحده بخمسة وعشرين درجة وفي رواية بخمس وعشرين جزءا هكذا هو في الأصول ورواه بعضهم خمسا وعشرين درجة وخمسة وعشرين جزءا هذا
[ 152 ]
هو الجاري على اللغة والأول مؤول عليه وأنه أراد بالدرجة الجزء وبالجزء الدرجة قوله عطاء ابن أبي الخوار هو بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو وقوله ختن زيد بن زبان هو بفتح الزاي وتشديد الباء الموحدة والختن زوج بنت الرجل أو أخته ونحوها قوله ص =
[ 153 ]
لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فأمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم ولو علم أحدهم أنه يجد عظما سمينا لشهدها هذا مما استدل به من قال الجماعة فرض عين وهو مذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وأبي ثور وابن خزيمة وداود وقال الجمهور ليست فرض عين واختلفوا هل هي سنة أم فرض كفاية كما قدمناه وأجابوا عن هذا الحديث بأن هؤلاء المتخلفين كانوا منافقين وسياق الحديث يقتضيه فانه لا يظن بالمؤمنين من الصحابة أنهم يؤثرون العظم السمين على حضور الجماعة مع رسول الله ص وفي مسجده ولأنه لم يحرق بل هم به ثم تركه ولو كانت فرض عين لما تركه قال بعضهم في هذا الحديث دليل على أن العقوبة كانت في أول الأمر بالمال لأن تحريق البيوت عقوبة مالية وقال غيره أجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة والغال من الغنيمة واختلف السلف فيهما والجمهور على منع تحريق متاعهما ومعنى أخالف إلى رجال أي أذهب إليهم ثم انه جاء في
[ 154 ]
رواية أن هذه الصلاة التي هم بتحريقهم للتخلف عنها هي العشاء وفي رواية أنها الجمعة وفي رواية يتخلفون عن الصلاة مطلقا وكله صحيح ولا منافاة بين ذلك قوله ص لأتوهما ولو حبوا الحبو حبو الصبي الصغير على يديه ورجليه معناه لو يعلمون ما فيهما من الفضل والخير ثم لم يستطيعوا الاتيان إليهما الا حبوا لحبوا اليهما ولم يفوتوا جماعتهما في المسجد ففيه الحث البليغ على حضورهما قوله ص آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا يصلي بالناس فيه أن الإمام إذا عرض له شغل يستخلف من يصلي بالناس وإنما هم باتيانهم بعد اقامة الصلاة لأن بذلك الوقت يتحقق مخالفتهم وتخلفهم فيتوجه اللوم عليهم وفيه جواز الانصراف بعد اقامة الصلاة لعذر قوله جعفر بن برقان هو بضم الباء الموحدة
[ 155 ]
واسكان الراء قوله أتى النبي ص رجل أعمى فقال يا رسول الله انه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله ص أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة فقال نعم قال فأجب هذا الأعمى هو ابن أم مكتوم جاء مفسرا في سنن أبي داود وغيره وفي هذا الحديث دلالة لمن قال الجماعة فرض عين وأجاب الجمهور عنه بأنه سأل هل له رخصة أن يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره فقيل لا ويؤيد هذا أن حضور الجماعة يسقط بالعذر باجماع المسلمين ودليله من السنة حديث عتبان بن مالك المذكور بعد هذا وأما ترخيص النبي ص له ثم رده وقوله فأجب فيحتمل أنه بوحي نزل في الحال ويحتمل أنه تغير اجتهاده ص إذا قلنا بالصحيح وقول الأكثرين أنه يجوز له الاجتهاد ويحتمل أنه رخص له أولا وأراد أنه لا يجب عليك الحضور إما لعذر واما لأن فرض الكفاية حاصل بحضور غيره واما للأمرين ثم ندبه إلى الأفضل فقال الأفضل لك والأعظم لأجرك أن تجيب وتحضر فأجب والله أعلم
[ 156 ]
قوله رأينا وما يتخلف عن الصلاة الا منافق قد علم نفاقه أو مريض هذا دليل ظاهر لصحة ما سبق تأويله في الذين هم بتحريق بيوتهم أنهم كانوا منافقين قوله علمنا سنن الهدى روى بضم السين وفتحها وهما بمعنى متقارب أي طرائق الهدى والصواب قوله ولقد كان الرجل يؤتي به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف معنى يهادى أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما وهو مراده بقوله في الرواية
[ 157 ]
الأولى ان كان المريض ليمشي بين رجلين وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة وتحمل المشقة في حضورها وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها قوله في الذي خرج من المسجد بعد الأذان أما هذا فقد عصى أبا القاسم ص فيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة الا لعذر
[ 158 ]
والله أعلم قوله عن جندب بن عبد الله وفي الرواية الأخرى جندب بن سفيان وهو جندب ابن عبد الله بن سفيان ينسب تارة إلى أبيه وتارة إلى جده قوله سمعت جندبا القسري هو بفتح القاف واسكان السين المهملة وقد توقف بعضهم في صحة قولهم القسرى لان جندبا ليس من بني قسر انما هو بجلي علقي وعلقة بطن من بجيلة هكذا ذكره أهل التواريخ والأنساب والأسماء وقسر هو أخو علقة قال القاضي عياض لعل لجندب حلفا في بني قسر أو سكنا أو جوارا فنسب إليهم لذلك أو لعل بني علقة ينسبون إلى عمهم قسر كغير واحدة من القبائل ينسبون بنسبة بني عمهم لكثرتهم أو شهرتهم قوله ص من صلى الصبح فهو في ذمة الله قيل الذمة هنا الضمان وقيل الامان باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر عتبان بن مالك بكسر العين على المشهور وحكى ضمها قوله في حديث عتبان فلم
[ 159 ]
يجلس حتى دخل البيت ثم قال أين تحب أن أصلي من بيتك فأشرت إلى ناحية من البيت هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم فلم يجلس حتى دخل وزعم بعضهم أن صوابه حين قال القاضي هذا غلط بل الصواب حتى كما ثبتت الروايات ومعناه لم يجلس في الدار ولا في غيرها حتى دخل البيت مبادرا إلى قضاء حاجتي التي طلبتها وجاء بسببها وهي الصلاة في بيتي وهذا الذي قاله القاضي واضح متعين ووقع في بعض نسخ البخاري حين وفي بعضها حتى وكلاهما صحيح قوله وحسبناه على خزير هو بالخاء المعجمة وبالزاي وآخره راء ويقال خزيرة بالهاء قال ابن قتيبة الخزيرة لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج درعليه دقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة وفي صحيح البخاري قال قال النضر الخزيرة من النخالة والحريرة بالحاء المهملة والراء المكررة من اللبن وكذا قال أبو الهيثم إذا كانت من نخالة فهي خزيرة وإذا كانت من دقيق فهي حريرة والمراد نخالة فيها غليظ الدقيق قوله في الرواية الأخرى
[ 160 ]
حشيشة قال شمر هي أن تطحن الحنطة طحنا جليلا ثم يلقى فيها لحم أو تمر فتطبخ به قوله فثاب رجال من أهل الدار هو بالثاء المثلثة وآخره باء موحدة أي اجتمعوا والمراد بالدار هنا المحلة قوله مالك بن الدخشن هذا تقدم ضبطه وشرح حديثه في كتاب الايمان قوله ص لا تقل له ذلك أي لا تقل في حقه ذلك وقد جاءت اللام بمعنى في مواضع كثيرة نحو هذا وقد بسطت ذلك في كتاب الإيمان من هذا الشرح قوله وهو من سراتهم هو بفتح السين أي ساداتهم
[ 161 ]
قوله نري أن الأمر انتهى الينا ضبطناه نرى بفتح النون وضمها وفي حديث عتبان هذا فوائد كثيرة تقدمت في كتاب الإيمان منها أنه يستحب لمن قال سأفعل كذا أن يقول أن شاء الله للآية والحديث ومنها التبرك بالصالحين وآثارهم والصلاة في المواضع التي صلوا بها وطلب التبريك منهم ومنها أن فيه زيارة الفاضل المفضول وحضور ضيافته وفيه سقوط الجماعة للعذر وفيه استصحاب الامام والعالم ونحوهما بعض أصحابه في ذهابه وفيه الاستئذان على الرجل في منزله وان كان صاحبه وقد تقدم منه استدعاء وفيه الابتداء في الأمور بأهمها لأنه ص جاء للصلاة فلم يجلس حتى صلى وفيه جواز صلاة النفل جماعة وفيه أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون مثنى كصلاة الليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وفيه أنه يستحب لأهل المحلة وجيرانهم إذا ورد رجل صالح إلى منزل بعضهم أن يجتمعوا إليه ويحضروا مجلسه لزيارته واكرامه والاستفادة منه وفيه أنه لا بأس بملازمة الصلاة في موضع معين من البيت وإنما جاء في الحديث النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء ونحوه وفيه الذب عمن ذكر بسوء وهو برئ منه وفيه أنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد وفيه غير ذلك والله أعلم قوله إني لأعقل مجة مجها رسول الله ص هكذا هو في صحيح مسلم وزاد في رواية البخاري
[ 162 ]
مجها في وجهي قال العلماء المج طرح الماء من الفم بالتزريق وفي هذا ملاطفة الصبيان وتأتيسهم واكرام آبائهم بذلك وجواز المزاح قال بعضهم ولعل النبي ص أراد بذلك أن يحفظه محمود فينقله كما وقع فتحصل له فضيلة نقل هذا الحديث وصحة صحبته وان كان في زمن النبي ص مميزا وكان عمره حينئذ خمس سنين وقيل أربعا والله أعلم باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات قوله أن جدته مليكة الصحيح أنها جدة اسحاق فتكون أم أنس لأبي اسحاق بن أخي أنس لأمه وقيل إنها جدة أنس وهي مليكة بضم الميم وفتح اللام هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور من الطوائف وحكى القاضي عياض عن الأصيلي أنها بفتح الميم وكسر اللام وهذا غريب ضعيف مردود وفي هذا الحديث اجابة الدعوة وان لم تكن وليمة عرس ولا خلاف في أن اجابتها مشروعة لكن هل اجابتها واجبة أم فرض كفاية أم سنة فيه خلاف مشهور لأصحابنا وغيرهم وظاهر الأحاديث الإيجاب وسنوضحه في بابه ان شاء الله تعالى قوله ص قوموا فالأصلي لكم فيه جواز النافلة جماعة وتبريك الرجل الصالح والعالم أهل المنزل بصلاته في منزلهم فقال بعضهم ولعل النبي ص أراد تعليمهم أفعا الصلاة مشاهدة مع تبريكهم فان المرأة قلما تشاهد أفعاله ص في المسجد فأراد أن تشاهدها وتتعلمها وتعلمها غيرها قوله فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله ص وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من
[ 163 ]
ورائنا فصلى لنا رسول الله ص ركعتين ثم انصرف فيه جواز الصلاة على الحصير وسائر ما تنبته الأرض وهذا مجمع عليه وما روى عن عمر بن عبد العزيز من خلاف هذا محمول على استحباب التواضع بمباشرة نفس الأرض وفيه أن الأصل في الثياب والبسط والحصر ونحوها الطهارة وأن حكم الطهارة مستمر حتى تتحقق نجاسته وفيه جواز النافلة جماعة وفيه أن الأفضل في نوافل النهار أن تكون ركعتين كنوافل الليل وقد سبق بيانه في الباب قبله وفيه صحة صلاة الصبي المميز لقوله صففت أنا واليتيم وراءه وفيه أن للصبي موقفا من الصف وهو الصحيح المشهور من مذهبنا وبه قال جمهور العلماء وفيه أن الاثنين يكونان صفا وراء الإمام وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الا ابن مسعود وصاحبيه فقالوا يكونان هما والإمام صفا واحدا فيقف بينهما وفيه أن المرأة تقف خلف الرجال وأنها إذا لم يكن معها امرأة أخرى تقف وحدها متأخرة واحتج به أصحاب مالك في المسألة المشهورة بالخلاف وهي إذا حلف لا يلبس ثوبا فافترشه فعندهم يحنث وعندنا لا يحنث واحتجوا بقوله من طول ما لبس وأجاب أصحابنا
[ 164 ]
بان لبس كل شئ بحسبه فحملنا اللبس في الحديث على الافتراش للقرينة ولأنه المفهوم منه بخلاف من حلف لا يلبس ثوبا فان أهل العرف لا يفهمون من لبسه الافتراش وأما قوله حصير قد اسود فقالوا اسوداده لطول زمنه وكثرة استعماله وإنما نضحه ليلين فانه كان من جريد النخل كما صرح به في الرواية الأخرى ويذهب عنه الغبار ونحوه هكذا فسره القاضي اسماعيل المالكي وآخرون وقال القاضي عياض الاظهر أنه كان للشك في نجاسته وهذا على مذهبه في أن النجاسة المشكوك فيها تطهر بنضحها من غير غسل ومذهبنا ومذهب الجمهور أن الطهارة لا تحصل الا بالغسل فالمختار التأويل الأول وقوله أنا واليتيم هذا اليتيم اسمه ضمير بن سعد الحميري والعجوز هي أم أنس أم سليم قوله في الحديث الآخر ثم دعا لنا أهل البيت بكل خير إلى آخره فيه ما أكرم الله تعالى به نبيه ص من استجابة دعائه لأنس في تكثير ماله وولده وفيه طلب الدعاء من أهل الخير وجواز الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة فيهما قوله وأم حرام هي
[ 165 ]
بالراء قوله في غير وقت صلاة يعني في غير وقت فريضة قوله فأقامني عن يمينه هذه قضية أخرى في يوم آخر قوله وكان يصلي على خمرة هذا الحديث تقدم شرحه في أواخر كتاب الطهارة باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة وفضل انتظار الصلاة وكثرة الخطأ إلى المساجد وفضل المشي إليها قوله ص صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة المراد صلاته في بيته وسوقه منفردا هذا هو الصواب وقيل فيه غير هذا وهو قول باطل نبهت عليه لئلا يغتر به والبضع بكسر الباء وفتحها وهو من الثلاثة إلى العشرة هذا هو الصحيح وفيه كلام طويل سبق بيانه في كتاب الايمان والمراد به هنا خمس وعشرون وسبع وعشرون درجة كما جاء مبينا في الروايات السابقات
[ 166 ]
قوله لا تنهزه الا الصلاة هو بفتح أوله وفتح الهاء والزاي أ لا تنهضه وتقيمه وهو بمعنى قوله بعده لا يريد الا الصلاة قوله حدثنا عبثر هو بالباء الموحدة ثم المثلثة المفتوحة قوله محمد بن بكر بن الريان هو بالراء والمثناة تحت المشددة قوله يضرط هو بكسر
[ 167 ]
الراء قوله اني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي فقال
[ 168 ]
رسول الله ص قد جمع الله لك ذلك كله فيه اثبات الثواب في الخطا في الرجوع من الصلاة كما يثبت في الذهاب قوله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد ص أي ما أحب أنه مشدود بالأطناب وهي الحبال إلى بيت النبي ص بل أحب أن يكون بعيدا منه لتكثير ثوابي وخطاي إليه قوله مطنب بفتح النون قوله فحملت به حملا حتى أتيت نبي الله ص هو بكسر الحاء قال القاضي معناه أنه عظم على وثقل واستعظمته لبشاعة لفظه وهمني ذلك وليس المراد به الحمل على الظهر قوله يرجو في
[ 169 ]
أثره الأجر أي في ممشاه قوله ص بني سلمة دياركم تكتب آثاركم معناه الزموا دياركم فانكم إذا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد وبنو سلمة بكسر اللام قبيلة معروفة من الأنصار رضي الله عنهم
[ 170 ]
قوله هل يبقى من درنه شئ الدرن الوسخ قوله ص مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات الغمر بفتح الغين المعجمة واسكان الميم وهو الكثير قوله على باب أحدكم اشارة إلى سهولته وقرب تناوله قوله ص أعد الله له في الجنة نزلا النزل ما يهيأ للضيف عند قدومه باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح وفضل المساجد فيه حديث جابر بن سمرة وهو صريح في الترجمة قوله تطلع الشمس حسنا هو بفتح
[ 171 ]
السين وبالتنوين أي طلوعا حسنا أي مرتفعة وفيه جواز الضحك والتبسم قوله أحب البلاد إلى الله مساجدها لأنها بيوت الطاعات وأساسها على التقوى قوله وأبغض البلاد إلى الله أسواقها لأنها محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة واخلاف الوعد والاعراض عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه والحب والبغض من الله تعالى ارادته الخير والشر أو فعله ذلك بمن أسعده أو أشقاه والمساجد محل نزول الرحمة والأسواق ضدها
[ 172 ]
باب من أحق بالامامة قوله ص وأحقهم بالامامة أقرؤهم وفي حديث أبي مسعود يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فيه دليل لمن يقول بتقديم الأقرأ على الأفقه وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وبعض أصحابنا وقال مالك والشافعي وأصحابهما الأفقه مقدم على الأقرأ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه الا كامل الفقه قالوا ولهذا قدم النبي ص أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة على الباقين مع أنه ص
[ 173 ]
نص على ان غيره أقرأ منه وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه لكن في قوله فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة دليل على تقديم الأقرأ مطلقا ولنا وجه اختاره جماعة من أصحابنا أن الأورع مقدم على الأفقه والأقرأ لأن مقصود الامامة يحصل من الأورع أكثر من غيره قوله ص فان كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة قال أصحابنا يدخل فيه طائفتان احداهما الذين يهاجرون اليوم من دار الكفر إلى دار الإسلام فان الهجرة باقية إلى يوم القيامة عندنا وعند جمهور العلماء وقوله ص لا هجرة بعد الفتح أي لا هجرة من مكة لأنها صارت دار اسلام أو لا هجرة فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح وسيأتي شرحه مبسوطا في موضعه ان شاء الله تعالى الطائفة الثانية أولاد المهاجرين إلى رسول الله ص فإذا استوى اثنان في الفقه والقراءة وأحدهما من أولاد من تقدمت هجرته والآخر من أولاد من تأخرت هجرته قدم الأول قوله ص فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما وفي الرواية الأخرى سنا وفي الرواية الأخرى فاكبرهم سنا معناه إذا استويا في الفقه والقراءة والهجرة ورجح أحدهما بتقدم اسلامه أو بكبر سنه قدم لأنها فضيلة يرجح بها قوله ص ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه معناه ما ذكره أصحابنا وغيرهم أن صاحب البيت والمجلس وامام المسجد أحق من غيره وان كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه وصاحب المكان أحق فان شاء تقدم وان شاء قدم من يريده وان كان ذلك الذي يقدمه مفضولا بالنسبة إلى باقي الحاضرين لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء قال أصحابنا فان حضر السلطان أو نائبه قدم على صاحب البيت وامام المسجد وغيرهما لأن ولايته وسلطنته عامة قالوا ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه قوله ص ولا يقعد في بيته على تكرمته الا بإذنه وفي الرواية
[ 174 ]
الأخرى ولا تجلس على تكرمته في بيته الا أن يأذن لك قال العلماء التكرمة الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به وهي بفتح التاء وكسر الراء قوله عن أوس بن ضمعج هو بفتح الضاد المعجمة واسكان الميم وفتح العين قوله ونحن شببة متقاربون جمع شاب ومعناه متقاربون في السن قوله وكان رسول الله ص رحيما رقيقا هو بالقافين هكذا ضبطناه في مسلم وضبطناه في البخاري بوجهين أحدهما هذا والثاني رفيقا بالفاء والقاف وكلاهما ظاهر قوله ص فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم
[ 175 ]
أكبركم فيه الحث على الأذان والجماعة وتقديم الأكبر في الامامة إذا استووا في باقي الخصال وهؤلاء كانوا مستوين في باقي الخصال لأنهم هاجروا جميعا وأسلموا جميعا وصحبوا رسول الله ص ولازموه عشرين ليلة فاستووا في الأخذ عنه ولم يبق ما يقدم به الا السن واستدل جماعة بهذا على تفضيل الامامة على الأذان لأنه ص قال يؤذن أحدكم وخص الامامة بالأكبر ومن قال بتفضيل الأذان وهو الصحيح المختار قال إنما قال يؤذن أحدكم وخص الإمامة بالأكبر لأن الأذان لا يحتاج إلى كبير علم وإنما أعظم مقصوده الاعلام بالوقت والاسماع بخلاف الإمام والله أعلم قوله فلما أردنا الاقفال هو بكسر الهمزة يقال فيه قفل الجيش إذا رجعوا وأقفلهم الأمير إذا أذن لهم في الرجوع فكأنه قال فلما أردنا أن يؤذن لنا في الرجوع قوله ص وإذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما وليؤمكما أكبركما فيه أن الأذان والجماعة مشروعان للمسافرين وفيه الحث على المحافظة على الأذان في الحضر والسفر وفيه أن الجماعة تصح بامام ومأموم وهو اجماع المسلمين وفيه تقديم الصلاة
[ 176 ]
في أول الوقت باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائما وبيان أن محله بعد رفع الرأس من الركوع في الركعة الأخيرة واستحباب الجهر به [ مذهب الشافعي رحمه الله أن القنوت مسنون في صلاة الصبح دائما وأما غيرها فله فيه ثلاثة أقوال الصحيح المشهور أنه ان نزلت نازلة كعدو وقحط ووباء وعطش وضرر ظاهر في المسلمين ونحو ذلك قنتوا في جميع الصلوات المكتوبة والا فلا والثاني يقنتون في الحالين والثالث لا يقنتون في الحالين ومحل القنوت بعد رفع الرأس من الركوع في الركعة الأخيرة وفي استحباب الجهر بالقنوت في الصلاة الجهرية وجهان أصحهما يجهر ويستحب رفع اليدين فيه ولا يمسح الوجه وقيل يستحب مسحه وقيل لا يرفع اليد واتفقوا على كراهة مسح الصدر والصحيح أنه لا يتعين فيه دعاء مخصوص بل يحصل بكل دعاء وفيه وجه أنه لا يحصل الا بالدعاء المشهور اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره والصحيح أن هذا مستحب لا شرط ولو ترك القنوت في الصبح سجد للسهو وذهب أبو حنيفة وأحمد وآخرون إلى أنه لا قنوت في الصبح وقال مالك يقنت قبل الركوع ودلائل الجمع معروفة وقد أوضحتها في شرح المهذب والله أعلم قوله كان رسول الله ص يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول اللهم أنج
[ 177 ]
الوليد بن الوليد إلى آخره فيه استحباب القنوت والجهر به وأنه بعد الركوع وأنه يجمع بين قوله سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد وفيه جواز الدعاء لانسان معين وعلى معين وقد سبق أنه يجوز أن يقول ربنا لك الحمد وربنا ولك الحمد باثبات الواو وحذفها وقد ثبت الامران في الصحيح وسبق بيان حكمة الواو قوله ص اللهم اشدد وطأتك على مضر الوطأة بفتح الواو واسكان الطاء وبعدها همزة وهي البأس قوله ص واجعلها عليهم كسني يوسف هو بكسر السين وتخفيف الياء أي اجعلها سنين شدادا ذوات قحط وغلاء قوله ص اللهم العن لحيان إلى آخر فيه جواز لعن الكفار وطائفة معينة منهم قوله ثم بلغنا أنه
[ 178 ]
ترك ذلك يعني الدعاء على هذه القبائل وأما أصل القنوت في الصبح فلم يتركه حتى فارق الدنيا كذا صح عن أنس رضي الله عنه قوله بينما هو يصلي قال أهل اللغة أصل بينما وبينا بين
[ 179 ]
وتقديره بين أوقات صلاته قال كذا وكذا وقد سبق ايضاحه قوله عن أبي مجلز هو
[ 180 ]
بكسر الميم واسكان الجيم وفتح اللام قوله عن خفاف ابن ايماء الغفاري خفاف بضم الخاء المعجمة وإيماء بكسر الهمزة وهو مصرو ف
[ 181 ]
باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها حاصل المذهب أنه إذا فاتته فريضة وجب قضاؤها وان فاتت بعذر استحب قضاؤها على الفور ويجوز التأخير على الصحيح وحكى البغوي وغيره وجها أنه لا يجوز وان فاتته بلا عذر وجب قضاؤها على الفور على الاصح وقيل لا يجب على الفور بل له التأخير وإذا قضى صلوات استحب قضاؤهن مرتبا فان خالف ذلك صحت صلاته عند الشافعي ومن وافقه سواء كانت الصلاة قليلة أو كثيرة وإن فاتته سنة راتبة ففيها قولان للشافعي أصحهما يستحب ب قضاؤها لعموم قوله ص من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها ولأحاديث أخر كثيرة في الصحيح كقضائه ص سنة الظهر بعد العصر حين شغله عنها الوفد وقضائه سنة الصبح في حديث الباب والقول الثاني لا يستحب وأما السنن التي شرعت لعارض كصلاة الكسوف والاستسقاء ونحوهما فلا يشرع قضاؤها بلا خلاف والله أعلم قوله قفل من غزوة خيبر أي رجع والقفول الرجوع ويقال غزوة وغزاة وخيبر بالخاء المعجمة هذا هو الصواب وكذا ضبطناه وكذا هو في أصول بلادنا من نسخ مسلم قال الباجي وأبو عمر بن عبد البر وغيرهما هذا هو الصواب قال القاضي عياض هذا قول أهل السير وهو الصحيح قال وقال الأصيلي إنما هو حنين بالحاء المهملة والنون وهذا غريب ضعيف واختلفوا هل كان هذا النوم
[ 182 ]
مرة أو مرتين وظاهر الأحاديث مرتان قوله إذا أدركه الكري عرس الكري بفتح الكاف النعاس وقيل النوم يقال منه كرى الرجل بفتح الكاف وكسر الراء يكري كرى فهو كر وامرأة كرية بتخفيف الياء والتعريس نزول المسافرين آخر الليل للنوم والاستراحة هكذا قاله الخليل والجمهور وقال أبو زيد هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار وفي الحديث معرسون في نحر الظهيرة قوله وقال بلال اكلأ لنا الفجر هو بهمز آخره أي ارقبه واحفظه واحرسه ومصدره الكلأ بكسر الكاف والمد ذكره الجوهري وقوله مواجه الفجر أي مستقبله بوجهه قوله ففزع رسول الله ص أي انتبه وقام قوله ص أي بلال هكذا هو في رواياتنا ونسخ بلادنا وحكى القاضي عياض عن جماعة أنهم ضبطوه أين بلال بزيادة نون قوله فاقتادوا رواحلهم شيئا فيه دليل على أن قضاء الفائتة بعذر ليس على الفور وإنما اقتادوها لما ذكره في الرواية الثانية فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان قوله وأمر بلالا بالإقامة فأقام الصلاة فيه اثبات الإقامة للفائتة وفيه اشارة إلى ترك الأذان للفائتة وفي حديث أبي قتادة بعد اثبات الأذان للفائتة وفي المسألة خلاف مشهور والأصح عندنا اثبات الأذان بحديث أبي قتادة وغيره من الأحاديث الصحيحة وأما ترك ذكر الأذان في حديث
[ 183 ]
أبي هريرة وغيره فجوابه من وجهين أحدهما لا يلزم من ترك ذكره أنه لم يؤذن فلعله أذن وأهمله الراوي أو لم يعلم به والثاني لعله تر ك الأذان في هذه المرة لبيان جواز تركه واشارة إلى أنه ليس بواجب متحتم لا سيما في السفر قوله فصلى بهم الصبح فيه استحباب الجماعة في الفائتة وكذا قاله أصحابنا قوله ص من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فيه وجوب قضاء الفريضة الفائتة سواء تركها بعذر كنوم ونسيان أم بغير عذر وإنما قيد في الحديث بالنسيان لخروجه على سبب لأنه إذا وجب القضاء على المعذور فغيره أولى بالوجوب وهو من باب التنبيه بالأدني على الأعلى وأما قوله ص فليصلها إذا ذكرها فمحمول على الاستحباب فإنه يجوز تأخير قضاء الفائتة بعذر على الصحيح وقد سبق بيانه ودليله وشذ بعض أهل الظاهر فقال لا يجب قضاء الفائتة بغير عذر وزعم أنها أعظم من أن يخرج من وبال معصيتها بالقضاء وهذا خطأ من قائله وجهالة والله أعلم وفيه دليل لقضاء السنن الراتبة إذا فاتت وقد سبق بيانه والخلاف في ذلك قوله ص فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان فيه دليل على استحباب اجتناب مواضع الشيطان وهو أظهر المعنيين في النهي عن الصلاة في الحمام قوله فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة فيه استحباب قضاء النافلة الراتبة وجواز تسمية
[ 184 ]
صلاة الصبح الغداة وانه لا يكره ذلك فان قيل كيف نام النبي ص عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس مع قوله ص ان عيني تنامان ولا ينام قلبي فجوابه من وجهين أصحهما وأشهرهما أنه لا منافاة بينهما لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين وإنما يدرك ذلك بالعين والعين نائمة وان كان القلب يقظان والثاني أنه كان له حالان أحدهما ينام فيه القلب وصادف هذا الموضع والثاني لا ينام وهذا هو الغالب من أحواله وهذا التأويل ضعيف والصحيح المعتمد هو الأول قوله عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة رباح هذا بفتح الراء وبالموحدة وأبو قتادة الحارث ابن ربعي الأنصاري قوله خطبنا رسول الله ص فقال انكم تسيرون فيه أنه يستحب لأمير الجيش إذا رأى مصلحة لقومه في اعلامهم بأمر أن يجمعهم كلهم ويشيع ذلك فيهم ليبلغهم كلهم ويتأهبوا له ولا يخص به بعضهم وكبارهم لأنه ربما خفي على بعضهم فيلحقه الضرر قوله ص وتأتون الماء ان شاء الله غدا فيه استحباب قول ان شاء الله في الأمور المستقبلة وهو موافق للأمر به في القرآن قوله لا يلوي أحد على أحد أي لا يعطف قوله ابهار الليل هو بالباء الموحدة وتشديد الراء أي انتصف قوله فنعس هو بفتح العين والنعاس مقدمة النوم وهو ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ تغطي على العين ولا تصل إلى القلب فإذا وصلت إلى القلب كان نوما ولا ينتقض الوضوء بالنعاس من المضجع وينتقض بنومه وقد بسطت الفرق بين حقيقتهما في شرح المهذب قوله فدعمته أي أقمت ميله
[ 185 ]
من النوم وصرت تحته كالدعامة للبناء فوقها قوله تهور الليل أي ذهب أكثره مأخوذ من تهور البناء وهو انهدامه يقال تهور الليل وتوهر قوله ينجفل أي يسقط قوله قال من هذا قلت أبو قتادة فيه أنه إذا قيل للمستأذن ونحوه من هذا يقول فلان باسمه وأنه لا بأس أن يقول أبو فلان إذا كان مشهورا بكنيته قوله ص حفظك الله بما حفظت به نبيه أي بسبب حفظك نبيه وفيه أنه يستحب لمن صنع إليه معروف ان يدعو لفاعله وفيه حديث آخر صحيح مشهور قوله سبعة ركب هو جمع راكب كصاحب وصحب ونظائره قوله ثم دعا بميضأة هي بكسر الميم وبهمزة بعد الضاد وهي الاناء الذي يتوضأ به كالركوة قوله فتوضأ منها وضوءا دون وضوء معناه وضوءا خفيفا مع أنه أسبغ الاعضاء ونقل القاضي عياض عن بعض شيوخه أن المراد توضأ ولم يستنج بماء بل استجمر بالأحجار وهذا الذي زعمه هذا
[ 186 ]
القائل غلط ظاهر والصواب ما سبق قوله ص فسيكون لها نبأ هذا من معجزات النبوة قوله ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله ص ركعتين ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم فيه استحباب الاذان للصلاة الفائتة وفيه قضاء السنة الراتبة لان الظاهر أن هاتين الركعين اللتين قبل الغداة هما سنة الصبح وقوله كما كان يصنع كل يوم فيه اشارة إلى أن صفة قضاء الفائتة كصفة أدائها فيؤخذ منه أن فائتة الصبح يقنت فيها وهذا لا خلاف فيه عندنا وقد يحتج به من يقول يجهر في الصبح التي يقضيها بعد طلوع الشمس وهذا أحد الوجهين لأصحابنا وأصحهما أنه يسر بها ويحمل قوله كما كان يصنع أي في الأفعال وفيه اباحة تسمية الصبح غداة وقد تكرر في الأحاديث قوله فجعل بعضنا يهمس إلى بعض هو بفتح الياء وكسر الميم وهو الكلام الخفي قوله ص انه ليس في النوم تفريط فيه دليل لما أجمع عليه العلماء أن النائم ليس بمكلف وإنما يجب عليه قضاء الصلاة ونحوها بأمر جديد هذا هو المذهب الصحيح المختار عند أصحاب الفقه والأصول ومنهم من قال يجب القضاء بالخطاب السابق وهذا القائل يوافق على أنه في حال النوم غير مكلف وأما إذا أتلف النائم بيده أو غيرها من أعضائه شيئا في حال نومه فيجب ضمانه بالاتفاق وليس ذلك تكليفا للنائم لأن غرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالاجماع بل لو أتلف الصبي أو المجنون أو الغافل وغيرهم ممن لا تكليف عليه شيئا وجب ضمانه بالاتفاق ودليله من القرآن قوله تعالى قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله فرتب سبحانه وتعالى
[ 187 ]
على القتل خطأ الدية والكفارة مع أنه غير آثم بالاجماع قوله ص إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها في الحديث دليل على امتداد وقت كل صلاة من الخمس حتى يدخل وقت الأخرى وهذا مستمر على عمومه في الصلوات الا الصبح فانها لا تمتد إلى الظهر بل يخرج وقتها بطلوع الشمس لمفهوم قوله ص من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح وأما المغرب ففيها خلاف سبق بيانه في بابه والصحيح المختار امتداد وقتها إلى دخول وقت العشاء للأحاديث الصحيحة السابقة في صحيح مسلم وقد ذكرنا الجواب عن حديث إمامة جبريل ص في اليومين في المغرب في وقت واحد وقال أبو سعيد الاصطخري من أصحابنا تفوت العصر بمصير ظل الشئ مثليه وتفوت العشاء بذهاب ثلث الليل أو نصفه وتفوت الصبح بالاسفار وهذا القول ضعيف والصحيح المشهور ما قدمناه من الامتداد إلى دخول الصلاة الثانية وأما قوله ص فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها فمعناه أنه إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ويتحول في المستقبل بل يبقى كما كان فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد ويتحول وليس معناه أنه يقضي الفائتة مرتين مرة في الحال ومرة في الغد وإنما معناه ما قدمناه فهذا هو الصواب في معنى هذا الحديث وقد اضطربت أقوال العلماء فيه واختار المحققون ما ذكرته والله أعلم قوله ثم قال ما ترون الناس صنعوا قال ثم قال أصبح الناس فقدوا نبيهم فقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما رسول الله ص بعدكم لم يكن ليخلفكم وقال الناس إن رسول الله ص =
[ 188 ]
بين أيديكم فان يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا معنى هذا الكلام أنه ص لما صلى بهم الصبح بعد إرتفاع الشمس وقد سبقهم الناس وانقطع النبي ص وهؤلاء الطائفة اليسيرة عنهم قال ما تظنون الناس يقولون فينا فسكت القوم فقال النبي ص أما أبو بكر وعمر فيقولان للناس ان النبي ص وراءكم ولا تطيب نفسه أن يخلفكم وراءه ويتقدم بين أيديكم فينبغي لكم أن تنتظروه حتى يلحقكم وقال باقي الناس إنه سبقكم فالحقوه فان أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا فانهما على الصواب والله أعلم قوله ص لا هلك عليكم هو بضم الهاء وهو من الهلاك وهذا من المعجزات قوله ص اطلقوا لي غمري هو بضم الغين المعجمة وفتح الميم وبالراء هو القدح الصغير قوه فلم يعد أن رأى الناس ما في الميضأة تكابوا عليها ضبطنا قوله ما هنا بالمد والقصر وكلاهما صحيح قوله ص أحسنوا الملأ كلكم سيروي الملأ بفتح الميم واللام وآخره همزة وهو منصوب مفعول احسنوا والملأ الخلق والعشرة يقال ما أحسن ملأ فلان أي خلقه وعشرته وما أحسن ملأ بني فلان أي عشرتهم وأخلاقهم ذكره الجوهري وغيره وأنشد الجوهري تنادوا يال بهتة إذ رأونا فقلنا أحسني ملأ جهينا
[ 189 ]
قوله ص ان ساقي القوم آخرهم فيه هذا الادب من آداب شاربي الماء واللبن ونحوهما وفي معناه ما يفرق على الجماعة من المأكول كلحم وفاكهة ومشموم وغير ذلك والله أعلم قوله فأتى الناس الماء جامين رواء أي نشاطا مستريحين قوله في مسجد الجامع هو من باب اضافة الموصوف إلى صفته فعند الكوفين يجوز ذلك بغير تقدير وعند البصريين لا يجوز الا بتقدير ويتأولون ما جاء في هذا بحسب مواطنه والتقدير هنا مسجد المكان الجامع وفي قول الله تعالى كنت بجانب الغربي أي المكان الغربي وقوله تعالى ولدار الآخرة أي الحياة الآخرة وقد سبقت المسألة في مواضع والله أعلم قوله وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته ضبطناه حفظته بضم التاء وفتحها وكلاهما حسن وفي حديث أبي قتادة هذا معجزات ظاهرات لرسول الله ص احداها اخباره بأن الميضأة سيكون لها نبأ وكان كذلك الثانية تكثير الماء القليل الثالثة قوله ص كلكم سيروي وكان كذلك الرابعة قوله ص قال أبو بكر وعمر كذا وقال الناس كذا الخامسة قوله ص انكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء وكان كذلك ولم يكن أحد من القوم يعلم ذلك ولهذا قال فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد إذ لو كان أحد منهم يعلم ذلك لفعلوا ذلك قبل قوله ص قوله حدثنا سلم
[ 190 ]
ابن زرير هو بزاي في أوله مفتوحة ثم راء مكررة قوله فأدلجنا ليلتنا هو بإسكان الدال وهو سير الليل كله وأما ادلجنا بفتح الدال المشددة فمعناه سرنا آخر الليل هذا هو الأشهر في اللغة وقيل هما لغتان بمعنى ومصدر الأول ادلاج باسكان الدال والثاني ادلاج بكسر الدال المشددة قوله بزغت الشمس هو أول طلوعها وقوله وكنا لا نوقظ نبي الله ص من منامه إذا نام حتى يستيقظ قال العلماء كانوا يمتنعون من إيقاظه ص لما كانوا يتوقعون من الإيحاء إليه في المنام ومع هذا فكانت الصلاة قد فات وقتها فلو نام آحاد الناس اليوم وحضرت صلاة وخيف فوتها نبهه من حضره لئلا تفوت الصلاة قوله في الجنب فأمره رسول الله ص فتيمم بالصعيد فصلى فيه جواز التيمم للجنب إذا عجز عن الماء وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وقد سبق بيانه في بابه قوله إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين السادلة المرسلة المدنية والمزادة معروفة وهي أكبر من القربة والمزادتان
[ 191 ]
حمل البعير سميت مزادة لأنه يزاد فيها من جلد آخر من غيرها قوله فقلنا لها أين الماء قالت أيهاه أيهاه لا ماء لكم هكذا هو في الأصول وهو بمعنى هيهات هيهات ومعناه البعد من المطلوب واليأس منه كما قالت بعده لا ماء لكم أي ليس لكم ماء حاضر ولا قريب وفي هذه اللفظة بضع عشرة لغة ذكرتها كلها مفصلة واضحة متقنة مع شرح معناها وتصريفها وما يتعلق بها في تهذيب الأسماء واللغات وقد تقدم أيضا ذلك قوله وأخبرته أنها مؤتمة بضم الميم وكسر التاء أي ذات أيتام قوله فأمر بروايتها فأنيخت والراوية عند العرب هي الجمل الذي يحمل الماء وأهل العرف قد يستعملونه في المزادة استعارة والأصل البعير قوله فمج في العزلاوين العلياوين المج زرق الماء بالفم والعزلاء بالمد هو المشعب الأسفل للمزادة الذي يفرغ منه الماء ويطلق أيضا على فمها الأعلى كما قال في هذه الرواية العزلاوين العلياوين وتثنيتها عزلاوان والجمع العزالي بكسر اللام قوله وغسلنا صاحبنا يعني الجنب هو بتشديد السين أي أعطيناه ما يغتسل به وفيه دليل على أن المتيمم عن الجنابة إذا أمكنه استعمال الماء اغتسل قوله وهي تكاد تنضرج من الماء
[ 192 ]
أي تنشق وهو بفتح التاء واسكان النون وفتح الضاد المعجمة وبالجيم وروى بتاء أخرى بدل النون وهو بمعناه والأول هو المشهور قوله ص لم نرزأ من مائك هو بنون مفتوحة ثم راء ساكنة ثم زاء ثم همزة أي لم ننقص من مائك شيئا وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة من أعلام النبوة قولها كان من أمره ذيت وذيت قال أهل اللغة هو بمعنى كيت وكيت وكذا وكذا قوله فهدى الله ذلك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا الصرم بكسر الصاد أبيات مجتمعة قوله قبيل الصبح بضم القاف هو أخص من قبل وأصرح في القرب قوله وكان أجوف جليدا أي رفيع الصوت يخرج صوته من جوفه والجليد القوي قوله ص لا ضير أي لا ضرر عليكم في هذا النوم وتأخير الصلاة به
[ 193 ]
والضير والضر والضرر بمعنى قوله ص من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها الا ذلك معناه لا يجزئه الا الصلاة مثلها ولا يلزمه مع ذلك شئ آخر قوله حدثنا هداب حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس هذا الاسناد كله بصريون واعلم أن هذه الأحاديث جرت في سفرين أو أسفار لا في سفرة واحدة وظاهر ألفاظها يقتضي ذلك والله أعلم
[ 194 ]
كتاب صلاة المسافرين وقصرها قولها فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر اختلف العلماء في القصر في السفر فقال الشافعي ومالك بن أنس وأكثر العلماء يجوز القصر والاتمام والقصر أفضل ولنا قول أن الاتمام أفضل ووجه أنهما سواء والصحيح المشهور أن القصر أفضل وقال أبو حنيفة وكثيرون القصر واجب ولا يجوز الاتمام ويحتجون بهذا الحديث وبأن أكثر فعل النبي ص وأصحابه كان القصر واحتج الشافعي وموافقوه بالاحاديث المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسافرون مع رسول الله ص فمنهم القاصر ومنهم المتم ومنهم الصائم ومنهم المفطر لا يعيب بعضهم على بعض وبأن عثمان كان يتم وكذلك عائشة وغيرها وهو ظاهر قول الله عز وجل عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة وهذا يقتضي رفع الجناح والاباحة وأما حديث فرضت
[ 195 ]
الصلاة ركعتين فمعناه فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار وثبتت دلائل جواز الاتمام فوجب المصير إليها والجمع بين دلائل الشرع قوله فقلت لعروة ما بال عائشة تتم في السفر فقال انها تأولت كما تأول عثمان اختلف العلماء في تأويلهما فالصحيح الذي عليه المحققون أنهما رأيا القصر جائزا والاتمام جائزا فأخذا بأحد الجائزين وهو الاتمام وقيل لان عثمان امام المؤمنين وعائشة أمهم فكأنهما في منازلهما وأبطله المحققون بأن النبي ص كان أولى بذلك منهما وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقيل لان عثمان تأهل بمكة وأبطلوه بأن النبي ص سافر بأزواجه وقصر وقيل فعل ذلك من أجل الاعراب الذين حضروا معه لئلا يظنوا أن فرض الصلاة ركعتان أبدا حضرا وسفرا وأبطلوه بأن هذا المعنى كان موجودا في زمن النبي ص بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان أكثر مما كان وقيل لان عثمان نوى الاقامة بمكة بعد الحج وأبطلوه بأن الاقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث وقيل كان لعثمان أرض بمنى وأبطلوه بان ذلك لا يقضي الاتمام والإقامة والصواب الأول ثم مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد والجمهور أنه يجوز القصر في كل سفر مباح وشرط بعض السلف كونه سفر خوف وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو غزو وبعضهم كونه سفر طاعة قال الشافعي ومالك وأحمد والأكثرون ولا يجوز في سفر المعصية وجوزه أبو حنيفة والثوري ثم قال الشافعي ومالك وأصحابهما والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم لا يجوز القصر إلا في مسيرة مرحلتين قاصدتين وهي ثمانية وأربعون ميلا هاشمية والميل ستة آلاف ذراع والذراع أربع وعشرون اصبعا معترضة معتدلة والاصبع ست شعيرات معترضات معتدلات وقال أبو حنيفة والكوفيون لا يقصر في أقل من ثلاث مراحل وروى عن عثمان وابن مسعود وحذيفة وقال داود وأهل الظاهر يجوز
[ 196 ]
في السفر الطويل والقصير حتى لو كان ثلاثة أميال قصر قوله عن عبد الله بن بابيه هو بباء موحدة ثم ألف ثم موحدة أخرى مفتوحة ثم مثناة تحت ويقال فيه بن باباه وابن بابي بكسر الباء الثانية قوله عجبت ما عجبت منه فسألت رسول الله ص فقال صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته هكذا هو في بعض الأصول ما عجبت وفي بعضها عجبت مما عجبت وهو المشهور المعروف وفيه جواز قول تصدق الله علينا واللهم تصدق علينا وقد كرهه بعض السلف وهو غلط ظاهر وقد أوضحته في أواخر كتاب الأذكار وفيه جواز القصر في غير الخوف وفيه أن المفضول إذا رأى الفاضل يعمل شيئا يشكل عليه يسأله عنه والله أعلم قوله عن ابن عباس قال فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم ص في الحضر
[ 197 ]
أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم الحسن والضحاك واسحق بن راهويه وقال الشافعي ومالك والجمهور ان صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات فان كانت في الحضر وجب أربع ركعات وان كانت في السفر وجب ركعتان ولا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال وتأولوا حديث ابن عباس هذا على أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردا كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي ص وأصحابه في الخوف وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة والله أعلم قوله حدثنا أيوب بن عائذ هو بالذال المعجمة قوله حتى جاء رحله أي منزله قوله فحانت منه
[ 198 ]
التفاته أي حضرت وحصلت قوله لو كنت مسبحا أتممت صلاتي المسبح هنا المتنفل بالصلاة والسبحة هنا صلاة النفل وقوله لو كنت مسبحا لأتممت معناه لو اخترت التنفل لكان اتمام فريضتي أربعا أحب إلى ولكني لاأرى واحدا منهما بل السنة القصر وترك التنفل ومراده النافلة الراتبة مع الفرائض كسنة الظهر والعصر وغيرها من المكتوبات وأما النوافل المطلقة فقد كان ابن عمر يفعلها في السفر وروى عن النبي ص أنه كان يفعلها كما ثبت في مواضع من الصحيح عنه وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة فكرهها ابن عمر وآخرون واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور ودليله الاحاديث المطلقة في ندب الرواتب وحديث ص = رسول الله ص الضحى يوم الفتح بمكة وركعتي الصبح حين ناموا حتى طلعت الشمس وأحاديث أخر صحيحة ذكرها أصحاب السنن والقياس على النوافل المطلقة ولعل النبي ص كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر فان النافلة في البيت أفضل أو لعله تركها في بعض الأوقات تنبيها على جواز تركها وأما ما يحتج به القائلون بتركها من أنهالو شرعت لكان اتمام الفريضة أولى فجوابه أن الفريضة متحتمة فلو شرعت تامة لتحتم اتمامها وأما النافلة فهي إلى خيرة المكلف فالرفق أن تكون مشروعة ويتخير ان شاء فعلها وحصل ثوابها وأن شاء تركها ولا شئ عليه قوله في حديث حفص بن عاصم عن ابن عمر ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وذكر مسلم بعد هذا في حديث ابن عمر قال ومع عثمان صدرا من خلافته ثم أتمها وفي رواية ثمان سنين أو ست سنين وهذا هو المشهور أن عثمان
[ 199 ]
أتم بعد ست سنين من خلافته وتأول العلماء هذه الرواية على أن المراد أن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله في غير منى والروايات المشهورة باتمام عثمان بعد صدر من خلافته محمولة على الإتمام بمنى خاصة وقد فسر عمران بن الحصين في روايته أن اتمام عثمان إنما كان بمنى وكذا ظاهر الأحاديث التي ذكرها مسلم بعد هذا واعلم أن القصر مشروع بعرفات ومزدلفة ومنى للحاج من غير أهل مكة وما قرب منها ولا يجوز لاهل مكة ومن كان دون مسافة القصر هذا مذهب الشافعي وأبى حنيفة والأكثرين وقال مالك يقصر أهل مكة ومنى ومزدلفة وعرفات فعلة القصر عنده في تلك المواضع النسك وعند الجمهور علته السفر والله أعلم قوله صلى الظهر بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين وبين المدينة وذي الحليفة ستة أميال ويقال سبعة هذا مما احتج به أهل الظاهر في جواز القصر في طويل السفر وقصيره وقال الجمهور لا يجوز القصر الا في سفر يبلغ مرحلتين وقال أبو حنيفة وطائفة شرطه ثلاث مراحل واعتمدوا في ذلك آثارا عن الصحابة وأما هذا الحديث فلا دلالة فيه لأهل الظاهر لان المراد
[ 200 ]
أنه حين سافر ص إلى مكة في حجة الوداع صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم سافر فادركته العصر وهو مسافر بذي الحليفة فصلاها ركعتين وليس المراد أن ذا الحليفة كان غاية سفره فلا دلالة فيه قطعا وأما ابتداء القصر فيجوز من حين يفارق بنيان بلده أو خيام قومه ان كان من أهل الخيام هذا جملة القول فيه وتفصيله مشهور في كتب الفقه هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الا رواية ضعيفة عن مالك أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال وحكى عن عطاء وجماعة من أصحاب ابن مسعود أنه إذا أراد السفر قصر قبل خروجه وعن مجاهد أنه لا يقصر في يوم خروجه حتى يدخل الليل وهذه الروايات كلها منابذة للسنة وإجماع السلف والخلف قوله يحيى بن يزيد الهنائي هو بضم الهاء وبعدها نون مخففة وبالمد المنسوب إلى هناء بن مالك بن فهم قاله السمعاني قوله ان رسول الله ص إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين هذا ليس على سبيل الاشتراط وإنما وقع بحسب الحاجة لأن الظاهر من أسفاره ص أنه ما كان يسافر سفرا طويلا فيخرج عند حضور فريضة مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها وإنما كان يسافر بعيدا من وقت المقصورة فتدركه على ثلاثة أميال أو أكثر أو نحو ذلك فيصليها حينئذ والأحاديث المطلقة مع ظاهر القرآن متعاضدات على جواز القصر من حين يخرج من البلد فانه حينئذ يسمى مسافرا
[ 201 ]
والله أعلم قوله وحدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير قال خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلا فصلى ركعتين فقلت له فقال رأيت عمر رضي الله عنه صلى بذي الحليفة ركعتين فقلت له فقال إنما أفعل كما رأيت رسول الله ص يفعل هذا الحديث فيه أربعة تابعيون يرون بعضهم عن بعض يزيد بن خمير فمن بعده وتقدمت لهذا نظائر كثيرة وسيأتي بيان باقيها في مواضعها ان شاء الله تعالى ويزيد بن خمير بضم الخاء المعجمة ونفير بضم النون وفتح الفاء والسمط بكسر السين واسكان الميم ويقال السمط بفتح السين وكسر الميم وهذا الحديث مما قد يتوهم أنه دليل لأهل الظاهر ولا دلالة فيه بحال لأن الذي فيه عن النبي ص وعمر رضي الله عنه إنما هو القصر بذي الحليفة وليس فيه أنها غاية السفر وأما قوله قصر شرحبيل على رأس سبعة عشر ميلا أو ثمانية عشر ميلا فلا حجة فيه لانه تابعي فعل شيئا يخالف الجمهور أو يتأول على أنها كانت في أثناء سفره لا أنها غايته وهذا التأويل ظاهر وبه يصح احتجاجه بفعل عمر ونقله ذلك عن النبي ص والله أعلم قوله أتى أرضا يقال لها دومين من حمص على رأس ثمانية عشر ميلا هي بضم الدال وفتحها وجهان مشهوران والواو ساكنة
[ 202 ]
والميم مكسورة وحمص لا ينصرف وان كانت اسما ثلاثيا ساكن الاوسط لانها عجمية اجتمع فيها العجمة والعلمية والتأنيث كماه وجور ونظائرهما قوله خرجنا مع رسول الله ص من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع قلت كم أقام بمكة قال عشرا هذا معناه أنه أقام في مكة وما حواليها لا في نفس مكة فقط والمراد في سفره ص في حجة الوداع فقدم مكة في اليوم الرابع فأقام بها الخامس والسادس والسابع وخرج منها في الثامن إلى منى وذهب إلى عرفات في التاسع وعاد إلى منى في العاشر فأقام بها الحادي عشر والثاني عشر ونفر في الثالث عشر إلى مكة وخرج منها إلى المدينة في الرابع عشر فمدة اقامته ص في مكة وحواليها عشرة أيام وكان يقصر الصلاة فيها كلها ففيه دليل على أن المسافر إذا نوى إقامة دون أربعة أيام سوى يومي الدخول والخروج يقصر وأن الثلاثة ليست إقامة لان النبي ص أقام هو والمهاجرون ثلاثا بمكة فدل على أن الثلاثة ليست إقامة شرعية
[ 203 ]
وأن يومي الدخول والخروج لا يحسبان منها وبهذه الجملة قال الشافعي وجمهور العلماء وفيها خلاف منتشر للسلف قوله بمنى وغيره هكذا هو في الأصول وغيره وهو صحيح لأن منى تذكر وتؤنث بحسب القصد ان قصد الموضع فمذكر أو البقعة فمؤنثة وإذا ذكر صرف وكتب بالألف وان أنث لم يصرف وكتب بالياء والمختار تذكيره وتنوينه وسمى منى لما يمنى به من الدماء أي يراق قوله خبيب بن عبد الرحمن هو بالخاء المعجمة المضمومة وسبق بيانه في
[ 204 ]
أول الكتاب وغيره قوله فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان معناه ليت عثمان صلى ركعتين بدل الأربع كما كان النبي ص وأبو بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين في صدر خلافته يفعلون ومقصوده كراهة مخالفة ما كان عليه رسول الله ص وصاحباه ومع هذا فابن مسعود رضي الله عنه موافق على جواز الاتمام ولهذا كان يصلي وراء عثمان رضي الله عنه متما ولو كان القصر عنده واجبا لما استجاز تركه وراء أحد وأما قوله فذكر
[ 205 ]
ذلك لابن مسعود رضي الله عنه فاسترجع فمعناه كراهة المخالفة في الأفضل كما سبق قوله قال مسلم رحمه الله تعالى حارثة ابن وهب الخزاعي هو أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه هكذا ضبطناه أخو عبيد الله بضم العين مصغر ووقع في بعض الأصول أخو عبد الله بفتح العين مكبر وهو خطأ والصواب الأول وكذا نقله القاضي رحمه الله تعالى عن أكثر رواة صحيح مسلم وكذا ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم وابن عبد البر وخلائق لا يحصون كلهم يقولون بأنه أخو عبيد الله مصغر وأمه مليكة بنت جرول الخزاعي تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأولدها ابنه عبيد الله وأما عبد الله بن عمر وأخته حفصة فأمهما زينب بنت مظعون باب الصلاة في الرحال في المطر قوله ان رسول الله ص كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في
[ 206 ]
السفر أن يقول ألا صلوا في رحالكم وفي رواية ليصل من شاء منكم في رحله وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمؤذن في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم قال فكأن الناس استنكروا ذلك فقال أتعجبون من ذا فقد فعل هذا من هو خير مني أن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين
[ 207 ]
والدحض وفي رواية فعله من هو خير مني يعني رسول الله ص هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الاعذار وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر وأنها مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها وتحمل المشقة لقوله في الرواية الثانية ليصل من شاء في رحله وأنها مشروعة في السفر وأن الأذان مشروع في السفر وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن يقول ألا صلوا في رحالكم في نفس الأذان وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر ندائه والأمران جائزان نص عليهما الشافعي رحمه الله تعالى في الأم في كتاب الأذان وتابعه جمهور أصحابنا في ذلك فيجوز بعد الأذان وفي أثنائه لثبوت السنة فيهما لكن قوله بعده أحسن ليبقى نظم الأذان على وضعه ومن أصحابنا من قال لا يقوله إلا بعد الفراغ وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولا منافاة بينه وبين الحديث الأول حديث بن عمر رضي الله عنهما لأن هذجرى في وقت وذلك في وقت وكلاهما صحيح قال أهل اللغة الرحال المنازل سواء كانت من حجر ومدر وخشب أو شعر وصوف ووبر وغيرها واحدها رحل قوله نادى بالصلاة بضجنان هو بضاد معجمة مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم نون وهو جبل على بريد من مكة قوله ان الجمعة عزمة باسكان الزاي أي واجبة متحتمة فلو قال المؤذن حي على الصلاة لكلفتم المجئ إليها ولحقتكم المشقة قوله كرهت أن أحرجكم هو بالحاء المهملة من الحرج وهو المشقة هكذا ضبطناه وكذا نقله القاضي عياض عن رواياتهم قوله في الطين والدحض باسكان الحاء المهملة وبعدها ضاد معجمة وفي الرواية الأخيرة الدحض والزلل هكذا هو باللامين والدحض والزلل والزلق والردغ بفتح الراء واسكان الدال المهملة و بالغين المعجمة كله بمعنى واحد ورواه بعض رواة مسلم رزغ بالزاي بدل الدال بفتحها واسكانها
[ 208 ]
وهو الصحيح وهو بمعنى الرزغ وقيل هو المطر الذي يبل وجه الأرض قوله وحدثنيه أبو الربيع العتكي هو الزهراني قال القاضي كذا وقع هنا جمع بين العتكى والزهراني وتارة يقول العتكى فقط وتارة الزهراني قال ولا يجتمع العتك وزهران الا في جدهما لأنهما ابنا عم وليس أحدهما من بطن الآخر لأن زهران بن الحجر بن عمران بن عمر والعتك بن أحد بن عمرو وقد سبق التنبيه على هذا في أوائل الكتاب وفي هذا الحديث دليل على سقوط الجمعة بعذر المطر ونحوه وهو مذهبنا ومذهب آخرين وعن مالك رحمه الله تعالى خلافه والله تعالى أعلم بالصواب
[ 209 ]
باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت قوله عن ابن عمر كان رسول الله ص يصلي سبحته حيثما توجهت به ناقته وفي رواية يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه وفيه نزلت فأينما تولوا فثم وجه الله وفي رواية رأيت رسول الله ص يصلى على حمار وهو موجه إلى خيبر وفي
[ 210 ]
كان يوتر على البعير وفي رواية يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة في هذه الأحاديث جواز التنفل على الراحلة في السفر حيث توجهت وهذا جائز بإجماع المسلمين وشرطه أن لا يكون سفر معصية ولا يجوز الترخص بشئ من رخص السفر لعاص بسفره وهو من سافر لقطع طريق أو لقتال بغير حق أو عاقا والده أو آبقا من سيده أو ناشزة على زوجها ويستثنى المتيمم فيجب عليه إذا لم يجد الماء أن يتيمم ويصلي وتلزمه الإعادة على الصحيح سواء قصير السفر وطويله فيجوز التنفل على الراحلة في الجميع عندنا وعند الجمهور ولا يجوز في البلد وعن مالك أنه لا يجوز إلا في سفر تقصر فيه الصلاة وهو قول
[ 211 ]
غريب محكي عن الشافعي رحمه الله تعالى وقال أبو سعيد الاصطخري من أصحابنا يجوز التنفل على الدابة في البلد وهو محكي عن أنس بن مالك وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة وفيه دليل على أن المكتوبة لا تجوز إلى غير القبلة ولا على الدابة وهذا مجمع عليه إلا في شدة الخوف فلو أمكنه استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود على الدابة واقفة عليها هودج أو نحوه جازت الفريضة على الصحيح في مذهبنا فان كانت سائرة لم تصح على الصحيح المنصوص للشافعي وقيل تصح كالسفينة فإنها يصح فيها الفريضة بالإجماع ولو كان في ركب وخاف لو نزل للفريضة انقطع عنهم ولحقه الضرر قال أصحابنا يصلي الفريضة على الدابة بحسب الإمكان وتلزمه إعادتها لأنه عذر نادر قوله ويوتر على الراحلة فيه دليل لمذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه يجوز الوتر على الراحلة في السفر حيث توجه وأنه سنة ليس بواجب وقال أبو حنيفة رضي الله عنه هو واجب ولا يجوز على الراحلة دليلنا هذه الأحاديث فإن قيل فمذهبكم أن الوتر واجب على النبي ص قلنا وان كان واجبا عليه فقد صح فعله له على الراحلة فدل على صحته منه على الراحلة ولو كان واجبا على العموم لم يصح على الراحلة كالظهر فإن قيل الظهر فرض والوتر واجب وبينهما فرقلنا هذا الفرق اصطلاح لكم لا يسلمه لكم الجمهور ولا يقتضيه شرع ولا لغة ولو سلم لم يحصل به معارضة والله أعلم وأما تنفل راكب السفينة فمذهبنا أنه لا يجوز إلا إلى القبلة إلا ملاح السفينة فيجوز له إلى غيرها لحاجة وعن مالك رواية كمذهبنا ورواية بجوازه حيث توجهت لكل أحد قوله يسبح على الراحلة ويصلي سبحته أي يتنفل والسبحة بضم السين واسكان الباء النافلة قوله حيثما توجهت به راجلته يعني في جهة مقصده قال أصحابنا فلو توجه إلى غير المقصد فإن كان إلى القبلة جاز وإلا فلا قوله وهو موجه إلى خيبر هو بكسر الجيم أي متوجه ويقال قاصد ويقال مقابل قوله يصلي على حمار قال الدارقطني وغيره هذا غلط من عمرو بن يحيى المازني قالوا وإنما المعرو ف في صلاة النبي ص على راحلته أو على البعير والصواب أن الصلاة على الحمار من فعل أنس كما ذكره مسلم بعد هذا ولهذا لم يذكر البخاري حديث عمرو هذا كلام الدارقطني ومتابعيه وفي الحكم بتغليط رواية عمرو نظر لأنه ثقة نقل شيئا محتملا فلعله كان لحمار مرة والبعير مرة أو مرات لكن قد يقال أنه شاذ فإنه مخالف لرواية الجمهور في البعيد والراحلة
[ 212 ]
والشاذ مردود وهو المخالف للجماعة والله أعلم قوله تلقينا أنس بن مالك حين قدم الشام هكذا هو في جميع نسخ مسلم وكذا نقله القاضي عياض عن جميع الروايات لصحيح مسلم قال وقيل انه وهم وصوابه قدم من الشام كما جاء في صحيح البخاري لأنهم خرجوا من البصرة للقائه حين قدم من الشام قلت ورواية مسلم صحيحة ومعناها تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام وإنما حذف ذكر رجوعه للعلم به والله أعلم باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر قال الشافعي والأكثرون يجوز الجمع بين الظهر والعصر في وقت أيتهما شاء وبين المغرب والعشاء في وقت أيتهما شاء في السفر الطويل وفي جوازه في السفر القصير قولان للشافعي أصحهما لا يجوز فيه القصر والطويل ثمانية وأربعون ميلا هاشمية وهو مرحلتان معتدلتان كما سبق والأفضل لمن هو في المنزل في وقت الأولى أن يقدم الثانية إليها ولمن هو سائر في وقت الأولى ويعلم أنه ينزل قبل خروج وقت الثانية أيؤخر الأولى إلى الثانية ولو خالف فيهما جاز وكان تاركا للأفضل وشرط
[ 213 ]
الجمع في وقت الأولى أن يقدمها وينوي الجمع قبل فراغه من الأولى وأن لا يفرق بينهما وإن أراد الجمع في الوقت الثانية وجب أن ينويه في الوقت الأول ويكون قبل ضيق وقتها بحيث يبقى من الوقت ما يسع تلك الصلاة فأكثر فإن أخرها بلا نية عصى وصارت قضاء وإذا أخرها بالنية استحب أن يصلي الأولى أولا وأن ينوي الجمع وأن لا يفرق بينهما ولا يجب شئ من ذلك هذا مختصر أحكام الجمع وباقي فروعه معروفة في كتب الفقه ويجوز الجمع بالمطر في وقت الأولى ولا يجوز في وقت الثانية على الأصح لعدم الوثوق باستمراره إلى الثانية وشرط وجوده عند الإحرام بالأولى والفراغ منها وإفتتاح الثانية ويجوز ذلك لمن يمشي إلى الجماعة في غير كن بحيث يلحقه بلل المطر والأصح أنه لا يجوز لغيره هذا مذهبنا في الجمع بالمطر وقال به جمهور العلماء في الظهر والعصر وفي المغرب والعشاء وخصه مالك رحمه الله تعالى بالمغرب والعشاء وأما المريض فالمشهور من مذهب الشافعي والأكثرين أنه لا يجوز له وجوزه أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي وهو قوي في الدليل كما سننبه عليه في شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما إن شاء الله تعالى وقال أبو حنيفة لا يجوز الجمع بين الصلاتين بسبب السفر ولا المطر ولا المرض ولا غيرها إلا بين الظهر والعصر بعرفات بسبب النسك وبين المغرب والعضاء بمزدلفة بسبب النسك أيضا والأحاديث الصحيحة في الصحيحين وسنن أبي داود وغيره حجة عليه قوله في حديث ابن عمر إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق صريح في الجمع في وقت احدى الصلاتين وفيه ابطال تأويل الحنفية في قولهم ان المراد بالجمع تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتقديم الثانية إلى أول وقتها ومثله في حديث أنس إذا إرتحل قبل أن تزيغ
[ 214 ]
الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما وهو صريح في الجمع في وقت الثانية والرواية الأخرى أوضح دلالة وهي قوله إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما وفي الرواية الأخرى ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق وإنما اقتصر ابن عمر على ذكر الجمع بين المغرب والعشاء لأنه ذكره جوابا لقضية جرت له فانه استصرخ على زوجته فذهب مسرعا وجمع بين المغرب والعشاء فذكر ذلك بيانا لأنه فعله على وفق السنة فلا دلالة فيه لعدم الجمع بين الظهر والعصر رواه أنس وابن عباس وغيرهما من لصحابة قوله وحدثني
[ 215 ]
أبو الطاهر وعمرو بن سواد قالا أخبرنا ابن وهب قال حدثني جابر بن اسماعيل عن عقيل هكذا ضبطناه ووقع في رواياتنا وروايات اهل بلادنا جابر بن اسماعيل بالجيم والباء الموحدة ووقع في بعض نسخ بلادنا حاتم بن اسماعيل وكذا وقع لبعض رواة المغاربة وهو غلط والصواب باتفاقهم جابر بالجيم وهو جابر بن اسماعيل الحضرمي المصري قوله في هذه الرواية إذا عجل عليه السفر هكذا هو في الأصول عجل عليه وهو بمعنى عجل به في الروايات الباقية قوله في حديث ابن عباس صلى رسول الله ص الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر وقال ابن عباس حين سئل لم فعل ذلك أراد أن لا يحرج أحدا من أمته
[ 216 ]
وفي الرواية الأخرى عن ابن عباس أن رسول الله ص جمع بين الصلاة في سفره سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال سعيد بن جبير فقلت لابن عباس ما حمله على ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته وفي رواية معاذ بن جبل مثله سواء وأنه في غزوة تبوك وقال مثل كلام ابن عباس وفي الرواية الأخرى عن ابن عباس جمع رسول الله ص بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء
[ 217 ]
بالمدينة في غير خوف ولا مطر قلت لابن عباس لم فعل ذلك قال كي لا يحرج أمته وفي رواية عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء جابر بن زيد عن ابن عباس قال صليت مع النبي ص ثمانيا جميعا وسبعا جميعا قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال وأنا أظن ذاك وفي رواية عن عبد الله ابن شقيق قال خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة فجاء رجل من بني تيم فجعل لايفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال ابن عباس أتعلمني
[ 218 ]
بالسنة لا أم لك رأيت رسول الله ص جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شئ فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته هذه الروايا ت الثابتة في مسلم كما تراها وللعلماء فيها تأويلات ومذاهب وقد قال الترمذي في آخر كتابه ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة وهذا الذي قاله الترمذي في حدديث شارب الخمر هو كما قاله فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوال منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين وهو ضعيف بالرواية الأخرى من غير خوف ولا مطر ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر دخل فصلاها وهذا أيضا باطل لأنه وان كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر لا احتمال فيه في المغرب والعشاء ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها فصارت صلاته صورة جمع وهذا أيضا ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له وعدم انكاره صريح في رد هذا التأويل ومنهم من قال هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة ولأن المشقة فيه
[ 219 ]
أشد من المطر وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي اسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره والله أعلم قوله حدثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة قال حدثنا معاذ هكذا ضبطناه عامر بن واثلة وكذا هو في بعض نسخ بلادنا وكذا نقله القاض عياض عن جمهور رواة صحيح مسلم ووقع لبعضهم عمرو بن واثلة وكذا وقع في كثير من أصول بلادنا في هذه الرواية الثانية وأما الرواية الأولى لمسلم عن أحمد بن عبد الله عن زهير عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عامر فهو عامر باتفاق الرواة هنا وإنما الاختلاف في الرواية الثانية والمشهور في أبي الطفيل عامر وقيل عمرو وممن حكى الخلاف فيه البخاري في تاريخه وغيره من الأئمة والمعتمد المعروف عامر والله أعلم قوله عن الزبير بن الخريت هو بخاء معجمة وراء مكسورتين والراء مشددة ثم مثناة تحت ومن فوق قوله فحاك في صدري من ذلك شئ هو بالحاء والكاف أي وقع في نفسي نوع شك وتعجب واستبعاد يقال حاك يحيك وحك يحك واحتك وحكى الخليل أيضا احاك وأنكرها ابن دريد قوله لا أم لك هو كقولهم لا أب له وقد سبق شرحه في كتاب الإيمان في حديث حذيفة في الفتنة التي تموج كموج البحر باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال قوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أخبرنا معاوية ووكيع عن الأعمش عن عمارة عن الأسود عن عبد الله هذا الإسناد كله كوفيون وفيه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض الأعمش وعمارة والأسود قوله في حديث ابن مسعود لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءا لا يرى
[ 220 ]
إلا أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه أكثر ما رأيت رسول الله ص ينصرف عن شماله وفي حديث أنس أكثر ما رأيت رسول الله ص ينصرف عن يمينه وفي رواية كان ينصرف عن يمينه وجه الجمع بينهما أن النبي ص كان يفعل تارة هذا وتارة هذا فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه فدل على جوازهما ولا كراهة في واحد منهما وأما الكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعود فليست بسبب أصل للإنصراف عن اليمين أو الشمال وإنما هي في حق من يرى أن ذلك لا بد منه فإن من اعتقد وجوب واحد من الأمرين مخطئ ولهذا قال يرى أن حقا عليه فإنما ذم من رآه حقا عليه ومذهبنا أنه لا كراهة في واحد من الأمرين لكن يستحب أن ينصرف في جهة حاجته سواء كانت عن يمينه أو شماله فان استوى الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها هذا صواب الكلام في هذين الحديثين وقد يقال فيها خلاف الصواب والله أعلم
[ 221 ]
باب استحباب يمين الإمام فيه حديث البراء كنا إذا صلينا خلف رسول الله ص أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه فمسعته يقول رب قني عذابك يوم تبعث أو تجمع عبادك قال القاضي يحتمل أن يكون التيامن عند التسليم وهو الأظهر لأن عادته ص إذا انصرف أن يستقبل جميعهم بوجهه قال وإقباله ص يحتمل أن يكون بعد قيامه من الصلاة أو يكون حين ينفتل باب كراهة المشوع في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة الصلاة سوى السنة الراتبة كسنة الصبح والظهر وغيرها سواء علم أنه يدرك الركعة مع الإمام أم لا قوله ص إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وفي الرواية الأخرى
[ 222 ]
أن رسول الله ص مر برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح فقال يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعا فيها النهي الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة سواء كانت راتبة كسنة الصبح والظهر والعصر أو غيرها وهذا مذهب الشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا لم يكن صلى ركعتي سنة الصبح صلاهما بعد الإقامة في المسجد ما لم يخش فوت الركعة الثانية وقال
[ 223 ]
الثوري ما لم يخش فوت الركعة الأولى وقالت طائفة يصليهما خارج المسجد ولا يصليهما بعد الإقامة في المسجد قوله ص أتصلي الصبح أربعا هو استفهام انكار ومعناه أنه لا يشرع بعد الإقامة للصبح إلا الفريضة فإذا صلى ركعتين نافلة بعد الإقامة ثم صلى معهم الفريضة صار في معنى من صلى الصبح أربعا لأنه صلى بعد الإقامة أربعا قال القاضي والحكمة في النهي عن صلاة النافلة بعد الإقامة أن لا يتطاول عليها الزمان فيظن وجوبها وهذا ضعيف بل الصحيح أن الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام وإذا اشتغل بنافلة فاته الإحرام مع الإمام وفاته بعض مكملات الفريضة فالفريضة أولى بالمحافظة على اكمالها قال القاضي وفيه حكمة أخرى وهو النهي عن الاختلاف على الأئمة قوله قال حماد ثم لقيت عمرا فحدثني به ولم يرفعه هذا الكلام لا يقدح في صحة الحديث ورفعه لأن أكثر الرواة رفعوه قال الترمذي ورواية الرفع أصح وقد قدمنا في الفصول السابقة في مقدمة الكتاب أن الرفع مقدم على الوقف على المذهب الصحيح وان كان عدد الرفع أقل فكيف إذا كان أكثر قوله عن عبد الله بن مالك ابن بحينة ثم قال مسلم قال القعني عبد الله بن مالك ابن بحينة عن أبيه قال أبو الحسين قوله عن أبيه في هذا الحديث خطأ أبو الحسين هو مسلم صاحب الكتاب وهذا الذي قاله مسلم هو الصواب عند الجمهور وقوله عن أبيه خطأ وإنما هذا الحديث على رواية عبد الله عن النبي ص وهو عبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف وبالشين المعجمة الساكنة بحينة أم عبد الله والصواب في كتابته وقراءته عبد الله بن مالك ابن بحينة بتنوين مالك وكتابة ابن بالألف لأنه صفة لعبد الله وقد سبق بيانه في سجود السهو
[ 224 ]
وغيره والله أعلم قوله فلما انصرفنا أحطنا يقول هكذا هو في الأصول أحطنا يقول وهو صحيح وفيه محذوف تقديره أحطنا به قوله دخل رجل المسجد ورسول الله ص في صلاة الغدافصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع رسول الله ص قال يا فلان بأي الصلاتين اعتددت أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا فيه دليل على أنه لا يصلي بعد الإقامة نافلة وإن كان يدرك الصلاة مع الإمام ورد على من قال ان علم أنه يدرك الركعة الأولى أو الثانية يصلي النافلة وفيه دليل على إباحة تسمية الصبح غداة وقد سبقت نظائره والله أعلم باب ما يقول إذا دخل المسجد قوله ص إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك فيه استحباب هذا الذكر وقد جاءت فيه أذكار كثيرة غير هذا في سنن أبي داود وغيره وقد جمعتها مفصلة في أول كتاب الأذكار ومختصر مجموعها أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم بسم الله والحمد لله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحتمك وفي الخروج
[ 225 ]
يقوله لكن يقول اللهم إني أسألك من فضلك قوله عن أبي أسيد هو بضم الهمزة وفتح السين قوله الحماني بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم قال السمعاني هي نسبة إلى بني حمان قبيلة نزلت الكوفة باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما وأنها مشروعة في جميع الأوقات قوله ص إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس وفي الرواية
[ 226 ]
الأخري فلا يجلس حتى يركع ركعتين فيه استحباب تحية المسجد بركعتين وهي سنة بإجماع المسلمين وحكى القاضي عياض عن داود وأصحابه وجوبهما وفيه التصريح بكراهة الجلوس بلا صلاة وهي كراهة تنزيه وفيه استحباب التحية في أي وقت دخل وهو مذهبنا وبه قال جماعة وكرهها أبو حنيفة والأوزاعي والليث في وقت النهي وأجاب أصحابنا أن النهي إنما هو عما لا سبب له لأن النبي ص صلى بعد العصر ركعتين قضاء سنة الظهر فخص وقت النهى وصلى به ذات السبب ولم يترك التحية في حال من الأحوال بل أمر الذي دخل المسجد يوم الجمعة وهو يخطب فجلس أن يقوم فيركع ركعتين مع أن الصلاة في حال الخطبة ممنوع منها إلا التحية فلو كانت التحية تترك في حال من الأحوال لتركت الآن لأنه قعد وهي مشروعة قبل القعود ولانه كان يجهل حكمها ولأن النبي ص قطع خطبته وكلمه وأمره أن يصلي التحية فلولا شدة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما اهتم عليه السلام هذا الإهتمام ولا يشترط أن ينوي التحية بل تكفيه ركعتان من فرض أو سنة راتبة أو غيرهما ولو نوى بصلاته التحية والمكتوبة انعقدت صلاته وحصلتا له ولو صلى على جنازة أو سجد شكرا أو للتلاوة أو صلى ركعة بنية التحية لم تحصل التحية على الصحيح من مذهبنا وقال بعض أصحابنا تحصل وهو خلاف ظاهر الحديث ودليله أن المراد اكرام المسجد ويحصل بذلك والصواب أنه لا يحصل وأما المسجد الحرام فأول ما يدخله الحاج يبدأ بطواف القدوم فهو تحيته ويصلي بعده ركعتي الطواف
[ 227 ]
باب استحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه فيه حديث جابر قال اشترى مني رسول الله ص بعيرا فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين وفي الرواية الأخرى قال جابر قدم رسول الله ص قبلي وقدمت فوجدته على باب المسجد قال الآن جئت قلت نعم قال فدع جملك ثم ادخل فصل ركعتين فدخلت فصليت ثم رجعت وفيه حديث كعب بن مالك أن رسول الله ص كان لا يقدم من سفر إلا نهارا في الضحى فإذا قدم بالمسجد فصلى فيه
[ 228 ]
ركعتين ثم جلس فيه في هذه الأحاديث استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد أول قدومه وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر لا أنها تحية المسجد والأحاديث المذكورة صريحة فيما ذكرته وفيه استحباب القدوم أوائل النهار وفيه أنه يستحب للرجل الكبير في المرتبة ومن يقصده الناس إذا قدم من سفر للسلام عليه أن يقعد أول قدومه قريبا من داره في موضع بارز سهل على زائريه اما المسجد وإما غيره قوله حدثنا أحمد ابن جواس هو بجيم مفتوحة وواو مشددة مهملة وسين قوله محارب بن دثار بكسر الدال وبالثاء المثلثة قوله كان لي على رسول الله ص دين فقضاني وزادني فيه استحباب أداء الدين زائدا والله أعلم باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست والحث على المحافظة عليها في الباب عن عائشة أن النبي ص كان لا يصلي الضحى إلا أن يجئ من مغيبه وأنها
[ 229 ]
ما رأته ص = يصلي سبحة الضحى قط قالت وإني لأسبحها وان كان رسول الله ص ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم وفي رواية عنها أنه ص كان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء وفي رواية ما شاء الله وفي حديث أم هاني أنه ص صلى ثمان ركعات وفي حديث أبي ذر وأبى هريرة وأبي الدرداء ركعتان هذه الأحاديث كلها متفقة لا اختلاف بينها عند أهل التحقيق
[ 230 ]
وحاصلها أن الضحى سنة مؤكدة وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وبينهما أربع أو ست كلاهما أكمل من ركعتين ودون ثمان وأما الجمع بين حديثي عائشة في نفي صلاته ص الضحى واثباتها فهو أن النبي ص كان يصليها بعض الأوقات لفضلها ويتركها في بعضها خشية أن تفرض كما ذكرته عائشة ويتأول قولها ما كان يصليها إلا أن يجئ من مغيبه على أن معناه ما رأيته كما قالت في الرواية الثانية ما رأيت رسول الله ص يصلي سبحة الضحى وسببه أن النبي ص ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات فإنه قد يكون في ذلك مسافرا وقد يكون حاضرا ولكنه في المسجد أو في موضع آخر وإذا كان عند نسائه فإنما كان لها يوم من تسعة فيصح قولها ما رأيته يصليها وتكون قد علمت بخبره أو خبر غيره أنه صلاها أو يقال قولها ما كان يصليها أي ما يداوم عليها فيكون نفيا للمداومة لا لأصلها والله أعلم وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى هي بدعة فمحمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة لا أن أصلها في البيوت ونحوها مذموم أو يقال قوله بدعة أي المواظبة عليها لأن النبي ص لم يواظب عليها خشية أن تفرض وهذا في حقه ص وقد ثبت استحباب المحافظة في حقنا بحديث أبى الدرداء وأبي ذر أو يقال أن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي ص الضحى وأمره بها وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى وإنما نقل التوقف فيها عن ابن مسعود وابن عمر والله أعلم قوله سبحة الضحى بضم السين أي نافلة الضحى قولها ليدع العمل وهو يحب أن يعمل ضبطناه بفتح الياء أي يعمله وفيه بيان كمال شفقته ص ورأفته بأمته وفيه أنه إذا تعارضت مصالح قدم أهمها قوله يزيد الرشك بكسر الراء واسكان الشين المعجمة قد تقدم بيانه مرات قوله أم هانئ هو بهمزة بعد النون
[ 231 ]
كنيت بابنها هانئ واسمها فاختة على المشهور وقيل هند قوله سألت وحرصت هو بفتح الراء على المشهور وبه جاء القرآن وفي لغة بكسرها قوله أن أبا مرة مولى أم هانئ وفي رواية مولى عقيل بن أبي طالب قال العلماء هو مولى أم هانئ حقيقة ويضاف إلى عقيل مجازا للزومه إياه وانتمائه إليه لكونه مولى أخته قولها سلمت فيه سلام المرأة التي ليست بمحرم على الرجل بحضرة محارمه قولها فقال من هذه قلت أم هانئ بنت أبي طالب فيه أنه لا بأس أن يكنى الإنسان نفسه على سبيل التعريف إذا اشتهر بالكنية وفيه أنه إذا استأذن أن يقول المستأذن عليه من هذا فيقول المستأذن فلان باسمه الذي يعرفه به المخاطب قوله ص مرحبا بأم هانئفيه استحباب قول الإنسان لزائره والوارد عليه مرحبا ونحوه من ألفاظ الاكرام والملاطفة ومعنى مرحبا صادفت رحبا أي سعة وسبق بسط الكلام فيه في حديث وفد عبد القيس وفيه أنه لا بأس بالكلام في حال الاغتسال والوضوء ولا بالسلام عليه بخلاف
[ 232 ]
البائل وفيه جواز الاغتسال بحضرة امرأة من محارمه إذا كان مستور العورة عنها وجواز تستيرها إياه بثوب ونحوه قوله فصلى ثمان ركعات ملتحف في ثوب واحدفيه جواز الصلاة في الثوب الواحد والالتحاف به مخالفا بين طرفيه كما ذكره في الرواية الثانية قولها فلما انصرف قلت يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلا أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول الله ص قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ في هذه القطعة فوائد منها أن من قصد انسانا لحاجة ومطلوب فوجده مشتغلا بطهارة ونحوها لم يقطعها عليه حتى يفرغ ثم يسأل حاجته إلا أن يخاف فوتها وقولها زعم معناه هنا ذكر أمرا لا أعتقد موافقته فيه وإنما قالت ابن أمي مع أنه ابن أمها وأبيها لتأكيد الحرمة والقرابة والمشاركة في بطن واحد وكثرة ملازمة الام وهو موافق لقول هارون ص ابن أم لا تأخذ بلحيتي واستدل بعض أصحابنا وجمهور العلماء بهذا الحديث على صحة أمان المرأة قالوا وتقدير الحديث حكم الشرع صحة جواز من أجرت وقال بعضهم لا حجة فيه لأنه محتمل لهذا ومحتمل لابتداء الأمان ومثل هذا الخلاف اختلافهم في قوله ص من قتل قتيلا فله سلبه هل معناه أن هذا حكم الشرع في جميع الحروب إلى يوم القيامة أم هو إباحة رآها الإام في تلك المرة بعينها فإذا رآها الإمام اليوم عمل بها وإلا فلا وبالأول قال الشافعي وآخرون وبالثاني أبو حنيفة ومالك ويحتج للأكثرين بأن النبي ص لم ينكر عليها الأمان ولا بين فساده ولو كان فاسدا لبينه لئلا يغتر به وقولها فلان بن هبيرة وجاء في غير مسلم فر إلى رجلان من احماي وروينا في كتاب الزبير ابن بكار أن فلان بن هبيرة هو الحارث ابن هشام المخزومي وقال آخرون هو عبد الله بن أبي ربيعة وفي تاريخ مكة للازرقي أنها أجارت رجلين أحدهما عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة والثاني الحارث بن هشام بن المغيرة وهما من بني مخزوم وهذا الذي ذكره الازرقي يوضح الاسمين ويجمع بين الأقوال في ذلك
[ 233 ]
قولها وذلك ضحى استدل به أصحابنا وجماهير العلماء على استحباب جعل الضحى ثمان ركعات وتوقف فيه القاضي وغيره ومنعوا دلالته قالوا لأنها إنما أخبرت عن وقت صلاته لا عن نيتها فلعلها كانت صلاة شكر الله تعالى على الفتح وهذا الذي قالوه فاسد بل الصواب صحة الاستدلال به فقد ثبت عن أم هانئ أن النبي ص يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين رواه أبو داود في سننه بهذا اللفظ باسناد وقت صلاته لا عن نيتها فلعلها كانت صلاة شكر الله تعالى على الفتح وهذا الذي قالوه فاسد بل الصواب صحة الاستدلال به فقد ثبت عن أم هانئ أن النبي ص يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين رواه أبو داود في سننه بهذا اللفظ باسناد صحيح على شرط البخاري قوله عن يحيى بن عقيل بضم العين قوله عن أبي الأسود الدؤلي في ضبطه خلاف وكلام طويل سبق مبسوطا في كتاب الإيمان قوله ص على كل سلامى من أحدكم صدقة هو بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله وسيأتي في صحيح مسلم أن رسول الله ص قال خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل على كل مفصل صدقة قوله ص ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ضبطناه ويجزي
[ 234 ]
بفتح أوله وضمه فالضم من الاجزاء والفتح من جزى يجزي أي كفى ومنه قوله تعالى لا تجزى نفس وفي الحديث لا يجزى عن أحد بعدك وفيه دليل على عظم فضل الضحى وكبير موقعها وأنها تصح ركعتين قوله أوصاني خليلي لا يخالف قوله صلى لو كنت متخذا من أمتي خليلا لأن الممتنع أن يتخذ النبي ص غيره خليلا ولا يمتنع اتخاذ الصحابي وغيره النبي ص خليلا وفي هذا الحديث وحديث أبي الدرداء الحث على الضحى وصحتها ركعتين والحث على صوم ثلاثة ايام من كل شهر وعلى الوتر وتقديمه على النوم لمن خاف أن لا يستيقظ آخر الليل وعلى هذا يتأول هذان الحديثان لما ذكره مسلم بعد هذاكما سنوضحه في موضعه ان شاء الله تعالى قوله عن ابي شمر بفتح الشين وكسر الميم ويقال بكسر الشين واسكان الميم وهو معدود فيمن لا يعرف اسمه وإنما يعرف بكنيته قوله عبد الله الداناج هو بالدال المهملة والنون والجيم وهو العالم وسبق بيانه
[ 235 ]
قوله عبد الله بن حنين هو بالنون بعد الحاء .